أحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني
ناصر بن مشري الغامدي
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة أهمية الموضوع، وأسباب الكتابة فيه: الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا إليه صراطًا مستقيمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، لم يزل عليًا قديرًا، قويًا عزيزًا، إلهًا حكيمًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه الله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلي الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى أمر عباده المؤمنين بجملة من العبادات العظيمة، والأركان الجليلة لهذا الدين؛ صلاة، وزكاة وصيامًا، وحجًا، وغيرها، وجعل لها أجلاً مضروبًا، وموعدًا محدودًا، بيَّنه سبحانه في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله الأمين - صلى الله عليه وسلم - أتم البيان وأوضحه. قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] أي مؤقتًا بوقت محدد مبين (¬1). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ¬
أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئًا، قال: «فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضًا، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخَّر الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد طلعت الشمس أو كادت، ثم أخَّر الظهر حتى كان قريبًا من وقت العصر بالأمس، ثم أخَّر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرت الشمس، ثم أخَّر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخَّر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل فقال: الوقت بين هذين» (¬1). بل نص أهل العلم على أن من شروط صحة الصلاة: دخول الوقت، فلا يجوز أداء الصلاة قبل وقتها المحدد لها شرعًا، كما لا يجوز بعد خروج وقتها، وهذه المسألة مما اتفق عليه الفقهاء في الجملة سلفًا وخلفًا، استنادًا إلى الحديث الشريف الذي سبق، في تحديد مواقيت الصلاة، وغيره من الأدلة المعروفة في هذا الخصوص. قال ابن قدامة رحمه الله: "أجمع المسلمون على أن ¬
الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محددة، وقد ورد ذلك في أحاديث صحاح جياد (¬1). ونص الفقهاء، رحمهم الله، على أن المكلف إذا شك في دخول وقت الصلاة، لم يصل حتى يتيقن دخوله، أو يغلب على ظنه ذلك (¬2). قال العلامة ابن قدامة رحمه الله: "ومن صلى قبل الوقت لم تجزئه صلاته، في قول أكثر أهل العلم؛ سواء فعله عمدًا أو خطأ، كل الصلاة أو بعضها. وبه قال الزهري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي .. وعن مالك كقولنا، وعنه فيمن صلى العشاء قبل مغيب الشفق جاهلاً أو ناسيًا، يعيد ما كان في الوقت، فإن ذهب الوقت قبل علمه، أو ذكره فلا شيء عليه، ولنا أن الخطاب بالصلاة يتوجه إلى المكلف عند دخول وقتها، وما وجد بعد ذلك ما يزيله ويبرئ الذمة منه، فيبقى على حاله (¬3). هذا في الصلاة: وأما في الصيام؛ فقد قال الله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ} [البقرة: 187] فحدد الله تبارك وتعالى بهذه ¬
الآية الكريمة وقت الصيام اليومي للمسلم تحديدًا واضحًا بينًا. وفي الحج: حج المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حجته المشهورة (حجة الوداع) وأدى مناسك الحج في أوقات محددة وكان - صلى الله عليه وسلم - يتحيَّن في بعض الأحكام، حتى يحين وقتها، فيفعلها؛ كالدفع من عرفة، ورمي الجمار بعد الزوال أيام منى، وغيرها، مما أوضحه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي نقلها ورواها في الصحيح (¬1). وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول للصحابة الذين حجوا معه بين الحين والآخر: «خذوا عني مناسككم» (¬2). وهذا كله يدل على أهمية الوقت في الإسلام، وأن لله تعالى عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وأن العبادات، في الغالب، مؤقتة بأجل محدود، لا يجوز تأخيرها عنه، ولا تقديمها عليه إلا لعذر وضرورة، كما بين أهل العلم، رحمهم الله. وقد رسم الشرع الحنيف التوقيت وحدده في تكاليف كثيرة، غير الصلاة والصيام والحج، لا سيما في أبواب ¬
العبادات؛ فوقت في كثير من أحكام الزكاة عمومًا، وزكاة الفطر خصوصًا، والأضحية والتيمم، والمسح على الخفين، والطلاق، والعدد، ونحو ذلك، وما ذاك إلا لأهمية الوقت في نظر الشارع واعتباره. هذا، وإن من المسائل المهمة في المواقيت مسألة طلوع الفجر الثاني الصادق؛ حيث رتب الشارع عليها جملة من الأحكام الشرعية المتعلقة بأركان الإسلام العظيمة، ودعائمه الأساسية التي قام عليها؛ في الصلوات المفروضة والنافلة، وفي الصيام، وفي الحج؛ بحيث يبدأ وقت بعض هذه الأحكام أو ينتهي بطلوعه. ونظرًا لأن الفجر فجران؛ صادق وكاذب، والتفريق بينهما من المسائل الدقيقة، ونظرًا لكثرة المسائل الفقهية المتعلقة بطلوعه وأهميتها؛ حيث إنها من العبادات الشرعية التي تعبدنا الله تعالى بها، ونظرًا لأنه لا يوجد حسب علمي وبحثي واطلاعي بحث علمي يفرق بين الفجرين، ويجمع شتات هذه المسائل المؤقتة بطلوع الفجر الثاني، ويحرر أحكامها، ويؤصل مسائلها، ولأهمية هذا الموضوع لكل مسلم، باعتباره جزءًا عظيمًا من عبادته لربه، لا يستغني عن معرفته وضبطه - رغبت في بحث المسائل والأحكام الفقهية التي رتبها الشارع الحكيم على طلوع الفجر الثاني (الصادق)، جمعت
خطة البحث ومسائله
فيه ما تناثر من هذه المسائل في أبواب العبادات، وأصَّلتها بأدلتها الصحيحة، وفوائدها الشرعية؛ سواء في ذلك ما كان فائتًا بطلوع الفجر الثاني، أو كان وقته يبدأ بطلوع الفجر الثاني، وسرت في بحث هذه المسألة بعد هذه المقدمة المشتملة على أهمية البحث وسببه على الخطة التالية خطة البحث ومسائله: المطلب الأول: تعريف الفجر، وبيان نوعيه، والفرق بينهما. المطلب الثاني: أحكام الصلاة المترتبة على طلوع الفجر الثاني. المطلب الثالث: أحكام الصيام المترتبة على طلوع الفجر الثاني. المطلب الرابع: أحكام الحج المترتبة على طلوع الفجر الثاني. المطلب الخامس: مسائل متفرقة تترتب على طلوع الفجر الثاني. منهج البحث سرت في بحث هذا الموضوع وفق المنهج التالي: 1 - قصرت البحث على المسائل الفقهية التي رتبها الشارع سبحانه على طلوع الفجر الثاني مباشرة، سواء منها ما كان وقته ينتهي بطلوع الفجر الثاني، أو كان يبدأ بطلوعه،
دون المسائل التي قد يرتبها المكلف على نفسه بنذر أو شرط أو سبب. وحسب الاستقراء والتتبع والبحث فإن هذه المسائل محصورة في ثلاثة أبواب: الصلاة، والصيام، والحج، إضافة إلى أربع مسائل؛ تتنازعها هذه الأبواب مع أبواب أخرى، وقد جري الخلاف بين أهل العلم في ترتبها على طلوع الفجر الثاني؛ وهي وقت غسل يوم الجمعة، ووقت غسل العيدين، ووقت إخراج زكاة الفطر، ووقت ذبح الأضحية؛ فلأجل هذا آثرت أن أفردها في مطلب مستقل. ولم أستطرد في الخلافات والمسائل المتفرعة عن هذه المسائل؛ حتى لا يطول البحث، وقصرًا للمسائل على موضوع البحث. 2 - اجتهدت قدر الطاقة في بيان الخلاف المعتبر، مع بيان الراجح في كل مسألة بدليله من الكتاب والسنة، وعدم التوسع في الخلافات المذهبية الضعيفة، إلا ما دعت إليه الضرورة وخدمة البحث وتأصيله؛ لأن في بعض مسائل البحث خلافات شاذة، وأقوالا ضعيفة، وقد أعرضت عنها؛ لأن العبرة بالراجح الذي يؤيده الدليل، فليس كل قول معتبرًا، إلا قولاً له حظ من النظر. 3 - رجعت إلى كتب أهل العلم المعتبرة قديمًا مع الاستفادة من الدراسات والمؤلفات الحديثة.
4 - عزوت الآيات إلى سورها في صلب البحث، وخرَّجت الأحاديث النبوية في هامش البحث من مصادرها المعتمدة؛ فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بهما دون غيرهما، وإن كان في غيرهما من كتب السنة، وضحت جانبًا كافيًا من تخريجه، مع بيان درجته صحة وضعفًا، ملتزمًا في ذلك بطريقة الاستدلال والرجوع إلى كتب الحديث، ولم أستدل في هذا البحث إلا بدليل ثابت؛ سواء كان صحيحًا أو حسنًا، معرضًا عن كثير من الأدلة الضعيفة، لأن في الحديث الثابت، والحمد لله، غنية عن الضعيف. إلا إذا كان الحديث الضعيف دليلاً لقول من أقوال أهل العلم في المسألة، فإني أورده، كدليل لهم، ثم أبين حكمه ودرجته. 5 - بدأت في ترتيب المراجع في الهامش إذا اختلطت: بكتب اللغة، ثم كتب التفسير، ثم كتب الحديث، ثم شروحه ثم كتب الفقه مرتبة على المذاهب الفقهية، ثم الدراسات الحديثة. 6 - عرَّفت بالغريب من المفردات والأماكن التي تحتاج إلى تعريف وبيان، ولم أترجم للأعلام الواردة في البحث؛ لأن البحث فقهي، ومنعًا للإطالة، ولكون أغلب الأعلام الواردة فيه من المشهورين. 7 - ختمت البحث بأهم النتائج المستخلصة منه، ثم بينت المصادر والمراجع.
مصطلحات البحث ورموزه
مصطلحات البحث ورموزه: للبحث مصطلحات ورموز، بيانها على النحو التالي: 1 - حرف (ح): المقصود به رقم الحديث في الكتاب الذي أخرجه، أو تكلم عليه، إذا كان مرقمًا. 2 - حرف (ت): في صلب البحث اختصارًا لكلمة الوفاة، وفي قائمة المراجع اختصارًا لكلمة تحقيق. 3 - حرف (ض): في فهرس المصادر اختصارًا لكلمة ضبط. 4 - حرف (د): في قائمة المصادر اختصارًا للقب الدكتور. 5 - حرف (ط): في قائمة المصادر المقصود به رقم الطبعة. 6 - حرف (هـ، م) يقصد به بيان التاريخ؛ هجري أو ميلادي. هذا واسأل الله تعالى القبول والتوفيق والسداد في القول والعمل، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وخدمة للعلم وأهله، وأن ينفع به من كتبه وقرأه واطلع عليه. ما كان فيه من صواب فمن الله وحده، له الفضل والحمد والمنة، وما كان فيه من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله منه، واسأله التجاوز عنه، والتوفيق لتداركه وتصحيحه. وإلى مسائل البحث، سائلا من الله التوفيق والسداد.
المطلب الأول تعريف الفجر، وبيان نوعيه، والفرق بينهما
المطلب الأول تعريف الفجر، وبيان نوعيه، والفرق بينهما أولا: تعريف الفجر: الفجر في اللغة: قال ابن فارس الرازي رحمه الله: "فَجَرَ: الفاء، والجيم، والراء: أصل واحد؛ وهو التفتح في الشيء، ومن ذلك الفجر؛ انفجار الظلمة عن الصبح، ومنه انفجر الماء انفجارًا: تفتح" (¬1). والفجر: ضوء الصباح، وهو حمرة الشمس في سواد الليل؛ والفجر في آخر الليل كالشفق في أوله، وقد انفجر الصبح وتفجَّر وانفجر عنه الليل، وانفجروا: دخلوا في الفجر، كما تقول: أصبحنا من الصبح، والفجر: انكشاف ظلمة الليل عن نور الصبح؛ وشق الشيء شقًا واسعًا كفجر الإنسان سَكْرَ النهر الذي يُسَّدُّ به، ويقال: طريق فجْر، واضح، وفَجَرْتُهُ فانفجر، وفَجَّرْتُهُ فتَفَجَّر؛ قال الله تعالى: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12] وقال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90]. ¬
ومنه قيل للصبح: فجْر؛ لكونه فَجَرَ الليل؛ قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] (¬1). وقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها: فجْر؛ لانبعاث ضوئه ونوره عليهم بطرقهم وفجاجهم. وهذا ابتداء تنفس الصبح، قال الحق سبحانه {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] (¬2). وهما فجران: أحدهما المستطيل؛ وهو الكاذب الذي يسمى ذنب السرحان. والآخر المستطير؛ وهو الصادق المنتشر في الأفق؛ ولا يكون الصبح إلا الصادق (¬3). وكانت العرب تسمي الفجر (أول بياض النهار) الخيطَ الأبيض والصَّديع؛ ومنه قولهم: انصدع الفجر، ويقولون للأمر الواضح: هذا كفلق الصبح، وكانبلاج الفجر، وتباشير الصبح (¬4). وأما تعريف الفجر في اصطلاح أهل العلم: فلا يخرج عن معناه في لغة العرب؛ فهو عند الفقهاء فجران: الفجر الأول: وهو البياض المستدق المتنفس صُعُدًا من ¬
ثانيا: نوعا الفجر، وبيان الفرق بينهما
غير اعتراض كذنب السرحان (وهو الذئب) ويسمى الفجر الكاذب؛ لأنه يضيء ثم يسود، ويسمى الخيط الأسود، ولا يتعلق به حكم. والفجر الثاني: هو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمى الخيط الأبيض، والفجر الصادق؛ لأنه صدَقَك عن الصبح وبيَّنه لك، والصبح: ما جمع بياضًا وحمرة (¬1). وظهور الفجر بعد الظلام الدامس من آيات الله عز وجل العظيمة التي تستحق الشكر والثناء؛ فإن هذا النور الساطع بعد الظلام الدامس لا أحد يستطيع أن يأتي به إلا الله سبحانه؛ قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ الليْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَاتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ} [القصص: 71]. ثانيًا: نوعا الفجر، وبيان الفرق بينهما: مر معنا في تعريف الفجر: أن الفجر في لغة العرب، وفي اصطلاح أهل العلم نوعان؛ الفجر الأول: وهو الفجر الكاذب، والفجر الثاني: وهو الفجر الصادق. وقد أشار الله سبحانه إلى هذين النوعين في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ} [البقرة: 187]. ¬
قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت انظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك، فقال: «إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار» (¬1). وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، رحمه الله تعالى عليه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الفجر فجران؛ فالذي كأنه ذنب السرحان، لا يحرم شيئًا، وأما المستطير الذي يأخذ الأفق، فإنه يحل الصلاة، ويحرم الطعام» (¬2). والتفريق بين الفجرين: الأول، والثاني (الكاذب والصادق) ¬
من المسائل الشرعية الدقيقة التي يحتاج إلى معرفتها كل مسلم؛ لما ينبني على ذلك من صحة إيقاع العبادات المحددة المرتبة على طلوع الفجر في وقتها الشرعي الصالح لها؛ ولأن التشابه بين الفجرين يخدع من ليس عنده خبرة للتمييز بينهما، ويغره؛ ولأجل هذا فقد نبه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: «لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا؛ يعني: معترضًا» (¬1). وفي رواية عنه قال: «لا يغرنكم نداء بلال، ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر، أو قال: حتى ينفجر الفجر» (¬2). وعن طلق بن علي، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، وكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر» (¬3). قال الإمام الترمذي رحمه الله: "والعمل على هذا عند أهل ¬
العلم؛ أنه لا يحرم على الصائم الأكل والشرب حتى يكون الفجر الأحمر المعترض، وبه يقول عامة أهل العلم (¬1). قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: "قوله: (لا يهيدنكم) معناه: لا يمنعكم الأكل، وأصل الهَيْد: الزجر؛ يقال: هِدْتُ الرجل، أَهِيدُه هيْدًا، إذا زجرته، ويقال في زجر الدواب: هَيْدَ هَيْدَ، والساطع المرتفع، وسطوعها ارتفاعها مصعدًا، مثل أن يعترض، ومعنى الأحمر ههنا، أن يستبطن البياض المعترض أوائل الحمرة؛ وذلك أن البياض إذا تتام طلوعه، ظهرت أوائل الحمرة، والعرب تشبه الصبح بالبلق في الخيل، لما فيه من بياض وحمرة (¬2). وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الفجر ليس الذي يقول هكذا؛ وجمع أصابعه، ثم نكسها إلى الأرض، ولكن الذي يقول هكذا؛ ووضع المُسَبِّحة على المُسَبِّحة، ومد يديه» وفي لفظ: «الفجر هو المعترض وليس بالمستطيل» (¬3). ¬
واستنادًا إلى هذه النصوص الشرعية: وغيرها مما هو في معناها، فقد ذكر أهل العلم جملة من الفروق بين الفجرين؛ الكاذب والصادق، يتبين من خلالها صفات كل منهما؛ بيانها على النحو التالي. 1 - أن الفجر الكاذب مستطيل ساطع، ممتد من الشرق إلى الغرب، مصعد كالعمود إلى أعلى، جهته وسط السماء، أو يميل قليلاً. أما الفجر الصادق فإنه يخرج معترضًا مستطيرًا في الأفق، معترضًا من الجنوب إلى الشمال، يملأ بياضه وضوؤه الطرق والأسواق. 2 - أن الفجر الكاذب ساطع له بياض ونور، لكن بياضه ونوره يزول بالظلمة التي تعقبه، وتكون في أسفله مما يلي المشرق في الأفق. أما الفجر الصادق فإن نوره وبياضه يزداد وربما كان في نوره توريد بحمرة بديعة، خاصة إذا كانت السماء صافية، وقد تظهر هذه الحمرة كما لو كانت كدرًا وغالبًا ما يكون في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس، وينتقل بانتقالها، وهو مقدمة ضوئها. 3 - أن الفجر الكاذب له رأس مستدق إلى أعلى في السماء يشبه ذنب السرحان (الذئب) والفجر الصادق ليس كذلك.
4 - أن الفجر الكاذب يتشكل في الفلك، وليس في الأفق القريب من الأرض، بخلاف الفجر الصادق؛ فإنه يتشكل في الأفق القريب. 5 - أن الفجر الكاذب يؤثر فيه ضوء القمر، وفي ليالي وجود القمر جهة الشرق آخر الليل تصعب معرفته إلا على من لديه خبرة ودراية كافية بأوصافه وأحواله. أما الفجر الصادق فإن تأثير ضوء القمر عليه محدود وضعيف، حتى لو كان القمر في جهة الشرق آخر الليل. 6 - أن الفجر الكاذب يخرج قبل الفجر الصادق بنحو ساعة، أو ساعة، إلا ربعًا، أو قريبًا من ذلك. بينما يكون خروج الفجر الصادق بعد الكاذب، وقبل طلوع الشمس بوقت محدود، يزيد هذا الوقت وينقص بمقدار معلوم حسب دورة الشتاء والصيف (¬1). وإذا تقررت هذه الفروق المهمة بين الفجرين الكاذب والصادق (الأول والثاني) فإن جميع الأحكام الشرعية المنوطة بطلوع الفجر إنما تتعلق بطلوع الفجر الصادق (الثاني) ¬
ثالثا: تحديد الفجر الصادق (ومقارنته بالتقاويم المتداولة)
باتفاق أهل العلم، وأما الفجر الكاذب (الأول) فلا يتعلق بطلوعه حكم شرعي، وقد نصت الأحاديث السابقة على هذا (¬1). ثالثًا: تحديد الفجر الصادق (ومقارنته بالتقاويم المتداولة): كان المسلمون على مدى أربعة عشر قرنًا مضت يعتمدون في تحديد وقت صلاة الفجر على الرؤية بالعين المجردة حيث لم يكن يوجد ما يشوش عليهم رؤية ضوء الفجر، ولكن بعد ظهور الكهرباء وانتشار الضوء الصناعي لم يعد بالإمكان تحديد وقت صلاة الفجر داخل المدن والقرى، مما اضطر الناس إلى الاستعانة بالتقاويم شيئًا فشيئًا حتى أصبح الاعتماد عليها في تحديد مواقيت الصلاة اعتمادًا كليًا (¬2). ومعظم التقاويم المستخدمة حاليًا لم تبن على دراسات ميدانية، إنما بنيت على ما يعرف عند الفلكيين بالشفق الفلكي، الذي يبدأ في الظهور عندما تكون الشمس على (18) ¬
درجة تحت الأفق، ورغم اتفاق الفلكيين على تعريف وتحديد أنواع الشفق، إلا أنه لا توجد دراسة فلكية علمية عملية مؤصلة تحدد الوقت الذي يبدأ أو ينتهي عنده الشفق (¬1). والشفق ينقسم عند الفلكيين إلى ثلاثة أقسام: الأول: الشفق المدني (civil twilight) ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق بست درجات قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب؛ أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (96 درجة). الثاني: الشفق البحري (Nautical Twilight)؛ ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق باثنتي عشرة درجة قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب؛ أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (102 درجة). الثالث: الشفق الفلكي (Astronoomical Twilight) ويحدث عندما يكون مركز الشمس تحت الأفق بثماني عشرة درجة قوسية قبل الشروق أو بعد الغروب، أي: أن الزاوية السمتية للشمس تساوي (108 درجات) (¬2). ويعتبر الشفق الفلكي أول إضاءة من جهة الشرق، بينما ¬
الشفق البحري تظهر خلال مدته الخطوط الخارجية للأشكال دون الحاجة إلى الاستعانة بالضوء، كما تتلألأ نجوم القدر الأول في صفحة السماء. بينما يتميز الضوء خلال مدة الشفق المدني بأنه ضوء النهار، ولكنه مشوب بحمرة (¬1). ومعظم التقاويم وضعت بداية توقيت صلاة الفجر على الشفق الفلكي، وبعضها يقدمه إلى (19 درجة) كتقويم أم القرى، من باب الاحتياط لعبادة الصيام، أو إلى (19.5 درجة) كتقويم هيئة المساحة المصرية (¬2). وأشهر التقاويم التي يعتمد عليها الناس في مواقيت الصلاة في الوقت الراهن ما يلي: 1 - تقويم أم القرى؛ وهو أشهرها وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (19) درجة. 2 - تقويم رابطة العالم الإسلامي؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (18 درجة). 3 - تقويم المساحة العامة المصرية؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (19.5 درجة). 4 - تقويم جامعة العلوم الإسلامية بباكستان كراتشي، وزاوية ¬
الشمس تحت الأفق عند الفجر (18 درجة). 5 - تقويم الجمعية الإسلامية بأميركا الشمالية (المعروفة بالإسنا)؛ وزاوية الشمس تحت الأفق عند الفجر (15 درجة) (¬1). ويلاحظ التفاوت الكبير بين هذه التقاويم؛ ما بين (19.5 إلى 15 درجة) وهذا يدل على أن هناك خللا فيها؛ إذ لا يعقل أن يبلغ التفاوت بين تقويمين قرابة عشرين دقيقة؛ ولعل السبب في هذا التفاوت الكبير والخلل أن معظم هذه التقاويم قد وضعت على الفجر الكاذب المعروف بـ (الشفق الفلكي) مع تقديم يسير في بعضها (¬2). وهذه الإشكالية تفطن لها بعض أهل العلم المحققين، ونبهوا إلى وجودها، وأنه ينبغي عدم التعجل في إقامة صلاة الفجر اعتمادًا عليها. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة ¬
لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعمًا ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة؛ لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير وكثر فيهم الشر (¬1). وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "وقد رأيت ذلك بنفسي مرارًا، من داري في جبل هملان، جنوب شرق عمان، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين، أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة؛ أي قبل الفجر الكاذب أيضًا! وكثيرًا ما سمعت إقامة صلاة الفجر في بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة أيضًا قبل وقتها في شهر رمضان .. وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام، وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي، وإعراضهم عن التوقيت الشرعي ... (¬2). ¬
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بالنسبة لصلاة الفجر، المعروف أن التوقيت الذي يعرفه الناس ليس بصحيح، فالتوقيت مقدم على الوقت بخمس دقائق على أقل تقدير، وبعض الإخوان خرجوا إلى البر، فوجدوا أن الفرق بين التوقيت الذي بأيدي الناس، وبين طلوع الفجر نحو ثلث ساعة فالمسألة خطيرة، ولهذا لا ينبغي للإنسان في صلاة الفجر أن يبادر في إقامة الصلاة، وليتأخر نحو ثلث ساعة أو (25) دقيقة، حتى يتيقن أن الفجر قد حضر وقته (¬1). ونظرًا لخطورة هذه المسألة وتعلقها بالصلاة التي هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ فقد اهتم بها أهل العلم قديمًا وحديثًا، وعقد من أجلها العديد من الندوات والمؤتمرات، وصدر فيها العديد من الفتاوى من الهيئات العلمية الشرعية المتخصصة (¬2). نذكر منها بعض ما صدر في هذه البلاد المباركة؛ حيث أصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم (61) وتاريخ (12/ ¬
4/ 1398 هـ) بعد دراسة أعدتها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء جاء فيه مختصرًا: أولاً: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس، إلا أن نهارها يطول جدًا في الصيف ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعًا. ثانيًا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفًا، ولا تطلع فيها الشمس شتاء، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها ويحددوها، معتمدين في ذلك على أقرب البلاد إليهم، تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض (¬1). وأما المجمع الفقهي الإسلامي، برابطة العالم الإسلامي فقد أولى هذا الموضوع عنايته الفائقة؛ فدرسه في الدورة الخامسة المنعقدة في الفترة (8 - 16/ 1402 هـ) وأصدر بشأنه قرارًا. ثم أعاد دراسته في الدورة التاسعة المنعقدة في الفترة (12 - 19/ 7/ 1406 هـ) وأصدر بشأنه قرارًا، ولا زالت بعض إشكالات هذا الموضوع قائمة لدى المسلمين ¬
المقيمين في البلاد ذات خطوط العرض العالية؛ ولأجل هذا فقد أعاد المجمع الفقهي دراسة الموضوع في دورته التاسعة عشرة المنعقدة في الفترة (22 - 27/ 10/ 1428 هـ) وأصدر بشأنه القرار الثاني، والذي جاء فيه مختصرًا ما يلي: يؤكد المجلس على ما جاء في القرار الثالث في دورته الخامسة، والقرار السادس في دورته التاسعة؛ حيث قسم القرار المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاث مناطق، وذكر أحكامها. الأولى: البلاد الواقعة: ما بين خطي العرض (45) و (48) درجة شمالاً وجنوبًا، وتتميز فيها العلامات الظاهرة للأوقات في (24 ساعة) طالت الأوقات أو قصرت؛ فهذه يجب على أهلها الالتزام بالصلاة في مواقيتها الشرعية، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبين الفجر الصادق إلى غروب الشمس، عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة والصوم. الثانية: البلاد الواقعة: ما بين خطي العرض (48 درجة) و (66 درجة) شمالاً وجنوبًا، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من الأيام؛ كأن لا يغيب الشفق الذي يبتدئ به العشاء، وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر؛ فالحكم في هذه البلاد أن تقدر مواقيت الصلاة فيها بالقياس الزمني على نظائرها في خط عرض (45
درجة) باعتباره أقرب الأماكن التي تتيسر فيها العبادة أو التمييز؛ فإذا كان العشاء يبدأ مثلاً بعد ثلث الليل في خط عرض (45 درجة) يبدأ كذلك بالنسبة إلى ليل خط عرض المكان المراد تعيين الوقت فيه، ومثل هذا يقال في الفجر. والثالثة: البلاد الواقعة: فوق خط عرض (66) درجة شمالاً وجنوبًا إلى القطبين، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهارًا أو ليلاً، فتقدر فيها جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها، في خط عرض (45 درجة) وذلك بأن تقسم الأربع والعشرون ساعة في المنطقة من (66 درجة) إلى القطبين، كما تقسم الأوقات الموجودة في خط عرض (45 درجة) فإذا كان وقت الفجر في خط عرض (45 درجة) في الساعة الثانية صباحًا مثلاً كان الفجر كذلك في البلد المراد تعيين الوقت فيه، وبديء الصوم منه حتى وقت المغرب المقدر. ويوصي مجلس المجمع برابطة العالم الإسلامي بإنشاء مركز في مكة المكرمة للعناية بالعلوم الشرعية الفلكية؛ ليكون مرجعًا للمسلمين في مواقيت الصلاة في جميع مدن العالم، وخاصة البلاد غير الإسلامية، ولإصدار تقويم هجري موحد لجميع المسلمين، وللسعي إلى التقريب بين بلدان العالم الإسلامي في شأن رؤية الهلال، والتعاون مع المراصد الفلكية في سبيل تحقيق هذا الغرض. كما يرى المجلس تكليف
الأمانة العامة للمجمع بتكوين لجنة شرعية فلكية لإعداد تقويم للصلوات في البلاد ذات خطوط العرض العالية، على ما ورد في القرار (¬1). وبعد هذا العرض الملخص عن الموضوع، فإن تحديد الفجر الصادق يختلف عما هو مثبت في التقاويم، ولم يصدر بحقه إلى الآن تقويم زمني شامل معتمد موحد، وأقرب التقاويم إلى تحديده: تقويم رابطة العالم الإسلامي، وتقويم جامعة العلوم الإسلامية بالباكستان. ومن خلال بعض القواعد والضوابط التي وضعها أهل العلم والمختصون، يمكن تحديد وقت طلوع الفجر الصادق على ما يلي: أولا: من خلال كلام الشيخين الجليلين؛ الألباني، وابن عثيمين عليهما رحمة الله، فيما سبق، فإن الفجر الصادق يكون بعد وقت الأذان المحدد في التقاويم (خصوصًا تقويم أم القرى) بمدة تتراوح بين (20 إلى 30 دقيقة) حسب اختلاف الصيف والشتاء (¬2). ثانيًا: من خلال الاستقراء والتجارب التي قام بها بعض علماء الفلك المختصين، تبين أن وقت الفجر والعشاء يرتبطان ¬
بانتشار الضوء في ظلام الليل أو اختفائه كليًا، نتيجة انعكاس ضوء الشمس غير المباشر على طبقات الغلاف الجوي، المحيطة بالكرة الأرضية. وأن وقت الشفق الأبيض والفجر الصادق يتساويان في المكان الواحد تقريبًا، وأنهما يرتبطان بحركة الشمس الظاهرية تحت الأفق. وأن ضوء الشمس غير المباشر والمنعكس على الغلاف الجوي ينتهي أو يبدأ عندما تصل درجة ميل الشمس تحت الأفق بما يعادل (18 درجة) (¬1). وأن الشعاع الضوئي عندما يقابل الغلاف الجوي، بزاوية أكبر من (18 درجة) وهي ما يعرف بالزاوية الحرجة، فإنه ينعكس إلى الفضاء الخارجي، ولا يصل إلى سطح الأرض؛ وهو ما يعرف بالفجر الكاذب، ويستمر هكذا مع حركة الشمس الظاهرية، حتى تكون هذه الزاوية مساوية (18 درجة) وعند ذلك ينعكس الشعاع الشمس على الطبقة الهوائية، ويتجه إلى سطح الأرض حيث يبدأ ظهور الفجر الصادق (¬2). إذًا من خلال ذلك فإن الفلكيين يرون أن الفجر الصادق يبدأ عندما تكون زاوية الشمس تحت الأفق الشرقي (18 درجة) ويوافق بزوغ أول خيط من النور الأبيض وانتشاره ¬
عرضًا في الأفق، وهو ما حدده قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي رقم (6) في دورته التاسعة المنعقدة في الفترة (12 - 19/ 7/ 1406هـ) (¬1). وقد اعتمدت بعض التقاويم على هذا التحديد؛ منها: تقويم رابطة العالم الإسلامي؛ ويتطابق معها في ذلك: تقويم العجيري؛ وتقويم جامعة العلوم الإسلامية بكراتشي بالباكستان (¬2). ثالثًا: قام فضيلة الدكتور سليمان بن إبراهيم الثنيان، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين، بجامعة القصيم، برصد طلوع الفجر الصادق لمدة عام كامل، فثبت له أن وقت الفجر حسب تقويم أم القرى متقدم عن التوقيت الشرعي للفجر ما بين (15 دقيقة) إلى (24 دقيقة) حسب فصول السنة (¬3). رابعًا: قامت لجنة علمية من ثمانية علماء متخصصين في علوم الشريعة والفلك، يمثلون قسم الفلك بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض، ورئاسة إدارة البحوث ¬
العلمية والإفتاء، ووزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة، بدراسة علمية شرعية فلكية، استخدمت فيها المعايير الدقيقة في رصد وقت الفجر مكانًا وزمانًا، وبعد عام كامل من الرصد الميداني لتحديد بداية الفجر الصادق (الشفق الشرعي) في منطقة الرصد، تبين أنه ينضبط باستخدام المعيار الفلكي، عندما تكون الشمس تحت الأفق بمقدار (14.6) درجة قوسية، وانحراف معياري بمقدار (.3) درجة قوسية (¬1) فالله أعلم. ¬
المطلب الثاني أحكام الصلاة المترتبة على طلوع الفجر الثاني
المطلب الثاني أحكام الصلاة المترتبة على طلوع الفجر الثاني يتوقف على طلوع الفجر الصادق جملة من أحكام الصلاة، نبينها في المسائل التالية: المسألة الأولى: أول وقت صلاة الفجر: اتفق أهل العلم على أن وقت صلاة الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إلى أن يسفر الصبح، ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس (¬1). لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمَّني جبريل عند البيت» وفيه: «ثم صلي بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم .. ثم صلي الغد بي الفجر فأسفر ثم التفت إلي، فقال: يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك، الوقت فيما بين هذين الوقتين» (¬2). ¬
المسألة الثانية: آخر وقت الضرورة لصلاة العشاء
وفي حديث محمد بن ثوبان رحمه الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الفجر فجران؛ فالذي كأنه ذنب السرحان، لا يحرم شيئًا، وأما المستطير الذي يأخذ الأفق، فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام» (¬1). المسألة الثانية: آخر وقت الضرورة لصلاة العشاء: وقت صلاة العشاء المختار يبدأ، بلا خلاف، بغيبوبة الشفق، وينتهي بذهاب ثلث الليل على المشهور في قول أكثر أهل العلم، وقال بعضهم: إلى منتصف الليل (¬2). فإذا ذهب ثلث الليل، أو نصفه ذهب وقتها المختار، وبقي وقت الجواز والضرورة إلى طلوع الفجر الثاني (¬3). ودليل ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال: ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أمَّني جبريل عند البيت» وفيه: «ثم صلي العشاء حين غاب الشفق .. وصلى المرة الثانية .. العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل .. ثم التفت إلى جبريل فقال: يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك، الوقت فيما بين هذين الوقتين» (¬1). وعن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعشاء، حتى ناداه عمر: الصلاة، نام النساء، والصبيان! فخرج فقال: «ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم» قال: ولا يُصَلَّى يومئذ إلا بالمدينة وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول (¬2). وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط» (¬3). والمختار عند أكثر أهل العلم: أن وقت العشاء المختار ¬
ينتهي بثلث الليل؛ لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في المرة الثانية ثلث الليل. وقال: «الوقت فيما بين هذين الوقتين» (¬1). ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث بريدة، رضي الله تعالى عنه: «صلاها في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل» (¬2). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "ولأن ثلث الليل يجمع الروايات، والزيادة تعارضت الأخبار فيها، فكان ثلث الليل أولى .. والأولى، إن شاء الله تعالى، أن لا يؤخرها عن ثلث الليل، وإن أخرها إلى نصف الليل جاز، وما بعد النصف وقت ضرورة، الحكم فيه حكم وقت الضرورة في صلاة العصر، على ما مضى شرحه وبيانه، ثم لا يزال الوقت ممتدًا حتى يطلع الفجر الثاني (¬3). هذا وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن آخر وقت العشاء المختار ينتهي بطلوع الفجر الثاني (¬4) لما روى أبو ¬
قتادة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «.. إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى» (¬1). فإنه يدل على أن أوقات الصلوات متصلة، وإذا كان الأمر كذلك، فآخر وقت العشاء الآخرة هو طلوع الفجر الثاني (¬2). ولكن هذا ضعيف جدًا، فإنه إنما ورد في القضاء حال العذر بالنوم وغيره، ثم هو مقصور على ما كان من الصلوات وقتهما متصل؛ كالظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، وأما ما كان وقتهما منفصل عن الآخر؛ كالعشاء مع الفجر، فلا يشمله؛ بدليل حديث جبريل المشهور في تحديد مواقيت الصلاة (¬3). وإذا تقرر هذا: فإن وقت الضرورة لصلاة العشاء يمتد حتى طلوع الفجر الثاني؛ فمن كان من أهل الأعذار الشرعية؛ كالحائض والنفساء تطهران والكافر يسلم، والصبي يبلغ، ¬
والمجنون والمغمى عليه يفيقان، والنائم يستيقظ، والمريض يبرأ، فزال عذره قبل طلوع الفجر الثاني، ولو بمقدار ركعة، فإنه يصلي العشاء أداء للضرورة (¬1). لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (¬2). فإذا طلع الفجر الثاني انتهى وقت الضرورة لصلاة العشاء، ووجب على كل من كان من أهل وجوبها قبل طلوع الفجر أن يصليها قضاء؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - «من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» (¬3) فأما النائم والمريض والمغمى عليه؛ فإنهم يقضون ¬
الصلاة بعد الفجر، متى زال عذرهم؛ لعموم هذا الحديث (¬1). وأما الصبي الذي لم يبلغ إلا بعد طلوع الفجر، والمجنون الذي لم يفق إلا بعد طلوع الفجر، والكافر الذي لم يسلم إلا بعد طلوع الفجر، والحائض والنفساء اللتان لم تطهرا إلا بعد طلوع الفجر، فلا يجب على أحد منهم قضاء صلاة العشاء؛ لأنهم حال وقت وجوبها كانوا معذورين بتركها، أو ليسوا من أهل وجوبها (¬2). قال ابن قدامة رحمه الله: "لا نعلم في ذلك خلافا" (¬3). قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» (¬4). ¬
المسألة الثالثة: انتهاء وقت أداء صلاة الوتر
وتقول عائشة رضي الله عنها: «كان يصيبنا ذلك، يعني: الحيض، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة» (¬1). المسألة الثالثة: انتهاء وقت أداء صلاة الوتر: اتفق جمهور أهل العلم على أن وقت الوتر المختار يمتد من صلاة العشاء الآخرة في وقتها المشروع، وينتهي بطلوع الفجر الثاني (¬2). لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بادروا الصبح بالوتر» (¬3). وتقول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء، وهي التي يدعو الناس العتمة إلى ¬
الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة (¬1). ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو على المنبر، ما ترى في صلاة الليل؟ قال: «مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى» (¬2). وثبت في الصحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج على أصحابه، فقال: «إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، الوتر، جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر» (¬3). فإذا طلع الفجر الثاني، فات وقت الوتر، وصلاه قضاء في أصح قولي العلماء (¬4). ¬
المسألة الرابعة: ابتداء وقت سنة الفجر
وقضاء الوتر يكون شفعًا فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث، فإنه يوتر بأربع قضاء، وهكذا (¬1) لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة (¬2). المسألة الرابعة: ابتداء وقت سنة الفجر: ركعتا الفجر آكد السنن الرواتب (¬3) لقوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله: روى مسلم في صحيحه (¬4) عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ركعتا الفجر: خير من الدنيا وما فيها». ¬
وعنها رضي الله عنها قالت: «لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر» (¬1). وفي رواية قالت: «ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر» (¬2). قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه دليل على عظم فضلهما، وأنهما سنة وليستا واجبتين، وبه قال جمهور العلماء (¬3). وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "وكان تعاهده - صلى الله عليه وسلم - ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل، ولذلك لم يكن يدعهما هي والوتر سفرًا وحضرًا (¬4). وقال ابن عبد البر رحمه الله: "ولم يُخْتَلَف عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أضاء له الفجر صلى ركعتين قبل صلاة الصبح، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يترك ذلك حتى مات؛ فهذا عمله" (¬5). ¬
ووقت ركعتي سنة الفجر: من بعد طلوع الفجر الثاني، إلى أن يصلى الصبح، باتفاق أهل العلم (¬1). لما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: «حفظت من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، وكانت ساعة لا يُدْخَل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها، حدثتني حفصة: أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر، صلى ركعتين» (¬2). فمن فاتته ركعتا الفجر قبل صلاة الصبح، وأقيمت الصلاة، استحب له أن يقضيها بعد صلاة الصبح، أو بعد طلوع الشمس، وخروج وقت النهي (¬3)؛ والأصل في قضائها: صلاته - صلى الله عليه وسلم - لها بعد طلوع الشمس، حين نام عن الصلاة: ¬
المسألة الخامسة: ابتداء أول أوقات النهي عن التطوع بالصلاة
روى عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، فنام عن الصبح حتى طلعت الشمس، فاستيقظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «تنحوا عن هذا المكان» قال: ثم أمر بلالاً فأذن ثم توضؤوا وصلوا ركعتي الفجر، ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم صلاة الصبح (¬1). المسألة الخامسة: ابتداء أول أوقات النهي عن التطوع بالصلاة (¬2): اتفق أهل العلم على النهي عن التطوع بالصلاة بعد طلوع الفجر الثاني، إلى طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، ¬
ولم يستثن أهل العلم من ذلك النهي إلا قضاء الفوائت من الفرائض وبعض النوافل، وذوات الأسباب؛ كتحية المسجد، وركعتي الطواف (¬1). واستدل أهل العلم: على النهي عن الصلاة بعد طلوع الفجر الثاني، إلا ما استثنى بأدلة منها: ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب» (¬2). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» (¬3). ¬
فدل هذان الحديثان وما في معناهما على النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس (¬1). واستدل أهل العلم: على استثناء ذوات الأسباب، وقضاء الفرائض من هذا النهي بأدلة منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من نسي صلاة أو نام عنها؛ فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» (¬3). فهذان نصان في المسألة، يدلان على جواز أداء الفرائض في آخر وقتها لمن فاته أوله، وقضائها في أوقات النهي (¬4). وقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه جبير بن مطعم رضي الله عنه «يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة ¬
شاء من ليل أو نهار» (¬1). وتقول عائشة رضي الله عنها: «ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين» (¬2). وهاتان الركعتان اللتان كان يصليهما النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد العصر هما سنة الظهر، كما جاء في بعض الروايات، وهذا يدل على أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي، وإنما يكره ما لا سبب لها؛ كما ذكر النووي وغيره (¬3). وعن أبي قتادة السلمي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس» (¬4). ¬
فدلت هذه الأدلة على جواز صلاة ذوات الأسباب في هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ كركعتي الطواف، وركعتي الوضوء، وتحية المسجد، وغيرها من ذوات الأسباب (¬1). ¬
قال ابن قدامة رحمه الله: "مسألة (ويركع للطواف) يعني في أوقات النهي، وممن طاف بعد الصبح والعصر وصلى ركعتين: ابن عمر، وابن الزبير وعطاء، وطاوس وفعله ابن عباس والحسن والحسين، ومجاهد، والقاسم بن محمد وفعله عروة بعد الصبح، وهذا مذهب عطاء والشافعي، وأبي ثور (¬1). وأما صلاة الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تميل للغروب: فلا خلاف بين أهل العلم في جوازها؛ حكي الإجماع على ذلك ابن المنذر والنووي، وابن قدامة وغيرهم (¬2). وهل النهي عن التنفل بالصلاة بعد طلوع الفجر الثاني يتعلق بطلوع الفجر أم يتعلق بالفراغ من صلاة الفجر؛ قولان لأهل العلم. القول الأول: إن النهي متعلق بطلوع الفجر الثاني، وبناء على ذلك فلا يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتي سنة الفجر. وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم؛ الحنفية، والمالكية، والشافعية في وجه، والحنابلة في المشهور من مذهبهم (¬3). ¬
واستدلوا على ذلك بأدلة منها: 1 - ما روى يسار مولى ابن عمر رضي الله عنه قال: رآني ابن عمر، وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة، فقال: «ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين» (¬1). وفي لفظ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا سجدتين» (¬2). قال الإمام الترمذي رحمه الله: "ومعنى هذا الحديث إنما ¬
يقول: لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر .. وهو ما اجتمع عليه أهل العلم؛ كرهوا أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر (¬1). 2 - ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر» (¬2). قال ابن قدامة رحمه الله: "وهذا يبين مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - من اللفظ المجمل، ولا يعارضه تخصيص ما بعد الصلاة بالنهي، فإنه دليل خطاب، وهذا منطوق فيكون أولى" (¬3). فهذه الأدلة نص في المسألة، تبين أن النهي متعلق بطلوع الفجر الثاني، ولم يستثن من هذا النهي إلا ركعتي الفجر؛ لأن هذا هو وقتها. واعترض على الاستدلال بهذين الحديثين من وجهين: الوجه الأول: أنهما ضعيفان سندًا (¬4). ¬
والوجه الثاني: أنه على فرض صحته فهو محمول على نفي المشروعية؛ أي: لا يشرع للإنسان أن يتطوع بنافلة بعد الفجر، إلا ركعتي الفجر، فإن فعل لم يأثم (¬1). ويجاب عن هذين الوجهين بما يلي: أولاً: أما ضعف الحديث؛ فإنه مردود بأن الحديث صحيح ثابت عن أبي هريرة، وابن عمر، وابن عمرو، رضي الله عن الصحابة أجمعين، وقد بين العلامتان: أحمد شاكر، والألباني، رحمة الله عليهما، طرقه ورواياته، ورواته ومتابعاته بما لا مزيد عليه (¬2). وثانيًا: عدم التسليم بحمل الحديث على نفي المشروعية؛ بل هو نفي للصحة والوجود؛ لأن لا نافية، والأصل في النفي نفي الوجود، ثم نفي الصحة، ثم نفي الكمال؛ لأن ما لا يصح شرعًا يكون معدوم الوجود شرعًا (¬3). 3 - ولأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى بعد طلوع الفجر إلا سنة الفجر؛ فكان إذا أذن بلال رضي الله عنه للفجر، صلى ركعتين خفيفتين (¬4). ¬
القول الثاني: إن النهي متعلق بفعل الصلاة (صلاة الصبح) فمن لم يصل أبيح له التنفل وإن صلى غيره، ومن صلى الفجر فليس له التنفل وإن لم يصل أحد سواه، فإذا فرغ من صلاة الصبح، ابتدأ وقت النهي في حقه. وإلى هذا القول ذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة في إحدى الروايتين (¬1). واستدلوا على ذلك بأدلة؛ منها: 1 - ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس» (¬2). 2 - ما رواه عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار» (¬3). ¬
حيث نص النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذين الحديثين على تعليق النهي بنفس الصلاة (¬1). وأجيب عن الاستدلال بهذين الحديثين من وجهين: الوجه الأول: أن النهي عن الصلاة في هذين الحديثين جاء مجملاً وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - المراد من هذا المجمل بقوله: «إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر» (¬2). فهذا منطوق في المسألة، وهو أولى من دليل الخطاب (¬3). والوجه الثاني: أن حديث عمرو بن عبسة قد اختلفت ألفاظ الرواة فيه؛ فقد رواه ابن ماجة بلفظ: «فصل ما بدا لك حتى يطلع الصبح، ثم انته، حتى تطلع الشمس» (¬4) وهذا يؤيد تعلق النهي بطلوع الفجر؛ وهو القول الأول. 3 - ولأن لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - في العصر علق على الصلاة دون وقتها، باتفاق أهل العلم، كما حكى ابن قدامة، ¬
فكذلك الفجر، ولأنه وقت نهي بعد صلاة فيتعلق بفعلها، كبعد العصر (¬1). ويجاب عن هذا: بأنه قياس مع الفارق، والفرق: أن الفجر جاءت فيه نصوص خاصة، تنهي عن الصلاة بعد طلوعه، إلا ركعتي سنة الفجر، كما في أدلة القول الأول بخلاف العصر، فإن غاية ما ورد فيه النهي عن الصلاة بعده حتى تغرب الشمس وهذا يجعل تعلق النهي بصلاة العصر نفسها. والذي يظهر لي: والله تعالى أعلم: أن القول الأول أرجح؛ وهو أن النهي عن التنفل متعلق بطلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا يشرع للإنسان أن يصلي إلا ركعتي سنة الفجر، وذوات الأسباب، وقضاء الفوائت، لما يلي: أولا: صحة أدلته، وصراحتها في المسألة. ثانيًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو المشهور بكثرة نوافله وقيامه لليل، لم يكن يصلي بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، وكان يصليهما خفيفتين فسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - عدم التطوع بعد طلوع الفجر، والسنة أولى وألزم. وقد ثبت عن إمام التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله: "إنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها ¬
المسألة السادسة: انتهاء وقت النزول الإلهي للسماء الدنيا
الركوع والسجود، فنهاه فقال: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟! قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة (¬1). ثالثًا: أن هذا هو إجماع السلف؛ كما حكى الترمذي، وابن قدامة عن النخعي (¬2). المسألة السادسة: انتهاء وقت النزول الإلهي للسماء الدنيا: الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، نزولاً يليق بجلاله وعظمته، حتى يطلع الفجر؛ روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، فيقول: من يسألني فأعطيه من يدعوني فاستجيب له، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر» (¬3). ¬
المطلب الثالث أحكام الصيام المترتبة على طلوع الفجر الثاني
المطلب الثالث أحكام الصيام المترتبة على طلوع الفجر الثاني يتوقف على طلوع الفجر الثاني جملة من أحكام الصيام، نبينها في المسائل التالية. المسألة الأولى: أول وقت وجوب الإمساك الشرعي للصائم عن المفطرات: اتفق أهل العلم على أنه يجب الإمساك بنية التعبد لله تعالى عن الأكل والشرب والجماع، وسائر المفطرات الحسية والمعنوية، من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، على كل من كان من أهل الصيام الشرعي، وهو المسلم المكلف البالغ العاقل القادر المقيم، الخالي من الموانع الشرعية (¬1). قال الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ} [البقرة: 187]. قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: لما نزلت {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ¬
الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} عمدت إلى عقال أسود، وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك فقال: «إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار» (¬1). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء، أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة .. وكان سبب نزول هذه الآية: ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري، كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك! فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] ففرحوا بها فرحًا شديدًا ¬
ونزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} (¬1) (¬2). فأباح الله تعالى الأكل والشرب، مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} (¬3). وقال ابن قدامة رحمه الله: "يعني بياض النهار من سواد الليل، وهذا يحصل بطلوع الفجر، قال ابن عبد البر، في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم» (¬4). دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر، وهذا إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش وحده، فشذ ولم يعرج أحد على قوله، والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا قول جماعة علماء المسلمين (¬5). ¬
المسألة الثانية: الشك في طلوع الفجر للصائم
فمن أتى بشيء من المفطرات بعد طلوع الفجر، عامدًا متعمداً عالمًا بالتحريم، غير مكره ولا معذور شرعًا وهو ممن يلزمهم الصيام، بطل صومه، ووجب عليه القضاء والكفارة، إن كان جماعًا بلا خلاف بين أهل العلم في الجملة، إنما الخلاف بينهم فيما يفطر الصائم، وما لا يفطره (¬1). المسألة الثانية: الشك في طلوع الفجر للصائم: المستحب لمن شك: هل طلع الفجر، أم لا؟ ألا يأتي بشيء من المفطرات لئلا يغرر بصومه، فإن أتى بشيء منها، شاكًا في طلوع الفجر، ولم يتبين الأمر، فله ذلك حتى يتيقن طلوع الفجر، وصومه صحيح، ولا قضاء عليه؛ في قول أكثر أهل العلم؛ وهو مذهب الحنفية وبعض المالكية والشافعية والحنابلة (¬2). لأن الله تعالى قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ ¬
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فمد الأكل إلى غاية التبين، وقد يكون شاكًا قبل التبين، فلو لزمه القضاء لحرم عليه الأكل (¬1). والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم» (¬2) وكان رجلا أعمى، لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، أصبحت (¬3). ولأن الأصل بقاء الليل، فيكون زمان الشك منه، ما لم يعلم يقين زواله، بخلاف غروب الشمس، فإن الأصل بقاء النهار فبني عليه (¬4). وخالف المالكية الجمهور في المشهور؛ فقالوا: من أتى بشيء من المفطرات شاكًا في طلوع الفجر، وجب عليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء الصوم في ذمته، فلا يسقط بالشك؛ ولأنه إذا أكل فعل ذلك شاكًا في النهار والليل، فلزمه القضاء كما لو فعل شاكًا في غروب الشمس (¬5). ورأي الجمهور أقرب وأظهر والله تعالى أعلم لموافقته للقرآن والسنة، ولأن الأصل بقاء الليل، والشك لا ¬
يرفع اليقين، ولأنه قد أذن له بذلك حتى يتبين له الفجر، وما كان مأذونًا فيه، فإنه لا يُرَتَّب عليه مؤاخذة ولا إثم (¬1). وقد كان عدي بن حاتم رضي الله عنه يضع عقالين تحت وسادته؛ أحدهما أبيض، والآخر أسود؛ فيأكل وهو يتسحر حتى يتبين له العقال الأبيض من العقال الأسود، ثم يمسك فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - المراد في الآية ولم يأمره بالقضاء (¬2). بل إن الشارع الحكيم قد أذن لمن طلع عليه الفجر وأذن المؤذن وفي يده الإناء يشرب منه أن يقضي نهمته منه، فالشك من باب أولى أن يتسامح فيه (¬3). فقد روي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» وفي لفظ: «وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر» (¬4). ¬
المسألة الثالثة: طهارة الحائض والنفساء قبل طلوع الفجر وتأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوعه
المسألة الثالثة: طهارة الحائض والنفساء قبل طلوع الفجر وتأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوعه: إذا طهرت المرأة الحائض والنفساء قبل الفجر، وأخرت الغسل إلى الصبح، فإن الصوم يلزمها، ما لم تكن معذورة بسبب آخر من سفر، ومرض ونحوهما، فإن لم تكن معذورة وجب الصوم عليها سواء تركت الغسل سهوًا أم عمدًا. ويشترط لذلك أن ينقطع عنها الدم قبل طلوع الفجر؛ لأنه إذا وجد جزء منه في النهار أفسد الصوم؛ ويشترط كذلك أن تنوي الصيام من الليل بعد انقطاع الدم، لأنه لا صيام لمن لم يبيت النية للصيام من الليل (¬1)، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم (¬2). واستدلوا على هذه بأدلة، منها: 1 - قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليْلِ} [البقرة: 187]. فلما أباح الله تعالى المباشرة إلى تبين الفجر، علم أن ¬
المسألة الرابعة: يجب على المجامع في رمضان النزع عند طلوع الفجر
الغسل إنما يكون بعده (¬1). 2 - وقياسًا على الجنب، لأن من طهرت من الحيض والنفاس ليست حائضًا ولا نفساء، وإنما عليها حدث موجب للغسل؛ فإن الجماع الموجب للغسل لو وجد في الصوم أفسده كالحيض والنفاس، وبقاء وجوب الغسل منه كبقاء وجوب الغسل من الحيض والنفاس (¬2). المسألة الرابعة: يجب على المجامع في رمضان النزع عند طلوع الفجر: فإن الله تعالى قد أباح للمسلم في ليل رمضان، كما مر، أن يأكل، ويشرب، ويجامع، حتى يطلع الفجر الثاني، فإذا طلع الفجر الثاني على الإنسان وهو يجامع أهله فإنه يجب عليه أن ينزع في الحال؛ فإن نزع في الحال؛ فلا قضاء عليه ولا كفارة، وصيامه صحيح، لأن ابتداء الجماع كان مأذونًا فيه؛ والنزع هو ترك الجماع؛ فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع؛ وهذا باتفاق أهل العلم (¬3). ¬
المسألة الخامسة: الصائم يصبح جنبا، ويغتسل بعد طلوع الفجر
وأما إذا استدام الجماع، ولم ينزع في الحال، بعد أن تبين له الفجر، فإن صيامه فاسد، ويلزمه القضاء والكفارة، إلا أن يكون معذورًا شرعًا، لأنه ترك صوم رمضان بجماع أثم به لحرمة الصوم، فوجبت به الكفارة؛ كما لو وطئ بعد طلوع الفجر؛ وإلى هذا ذهب المالكية، والشافعية والحنابلة (¬1). وذهب الحنفية: إلى أنه لو طلع عليه الفجر وهو يجامع، فاستدام الجماع ولم ينزع، وجب عليه القضاء دون الكفارة؛ لأن وطأه لم يصادف صومًا صحيحًا فلم يوجب الكفارة، كما لو ترك النية وجامع (¬2). المسألة الخامسة: الصائم يصبح جنبًا، ويغتسل بعد طلوع الفجر: هذه المسألة من المسائل التي أجمع عليها أهل العلم؛ فيجوز للصائم أن يطلع عليه الفجر، وينوي الصوم وهو جنب من جماع أو احتلام، ويغتسل بعد طلوع الفجر؛ ولا حرج عليه في ذلك (¬3). ¬
لأن الله تعالى أباح للصائم الجماع حتى يتبين الفجر، ولازم هذا أنه إذا أخر الجماع للفجر، لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر (¬1). قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "ومن جعله تعالى الفجر غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام، يستدل على أنه من أصبح جنبًا فليغتسل وليتم صومه، ولا حرج عليه. وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفًا وخلفًا (¬2). وقال العلامة ابن قدامة رحمه الله: "وجملته أن الجنب له أن يؤخر الغسل حتى يصبح، ثم يغتسل ويتم صومه، في قول عامة أهل العلم (¬3). وقد ثبت في الصحيحين (¬4)، من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنها أنهما قالتا: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم". وفي لفظ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح جنبًا من جماع، لا من حلم، ثم لا يفطر، ولا يقضي" (¬5). ¬
المسألة السادسة: تبييت النية لصيام الفرض قبل طلوع الفجر
المسألة السادسة: تبييت النية لصيام الفرض قبل طلوع الفجر: لا يصح الصوم بإجماع أهل العلم إلا بنية؛ فرضًا كان أو تطوعًا؛ لأنه عبادة محضة، فافتقر إلى النية؛ كالصلاة؛ وقد قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (¬1). حكى الإجماع على ذلك العمراني، وابن قدامة، وغيرهما (¬2). فإن كان الصوم فرضًا، كصيام رمضان، في أدائه وقضائه، والنذر والكفارة اشترط أن ينويه قبل طلوع الفجر الثاني، عند المالكية والشافعية، والحنابلة (¬3). واستدلوا على ذلك بأدلة منها: 1 - ما روته حفصة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» (¬4). ¬
2 - ما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر، فلا صيام له» (¬1). 3 - ولأنه صوم فرض، فافتقر إلى النية من الليل كالقضاء (¬2). وذهب الحنفية: إلى أن وقت النية لصيام الفرض لا ينتهي بطلوع الفجر الثاني، بل يجزئ صيام رمضان، وكل صوم متعين بنية من النهار (¬3). واستدلوا على ذلك بأدلة، منها: 1 - ما رواه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من أسلم؛ أن أذن في الناس: أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم؛ فإن اليوم يوم عاشوراء (¬4). ¬
وقد كان صوم عاشوراء واجبًا متعينًا فدل ذلك على أنه يجوز أن تتأخر نية الصيام عن الفجر (¬1). 2 - قياسًا على التطوع؛ لأنه غير ثابت في الذمة (¬2). والذي يظهر والله تعالى أعلم، القول الأول؛ أنه يشترط أن ينوي صيام الفرض قبل طلوع الفجر الثاني؛ لما يلي: 1 - قوة أدلة هذا القول، وصراحتها؛ فهي نص من المسألة. 2 - أن صيام عاشوراء لم يثبت وجوبه؛ بدليل ما ثبت في الصحيحين (¬3)، من حديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر». وإنما سمي النبي - صلى الله عليه وسلم - الإمساك صيامًا تجوزًا، في حديث سلمة بن الأكوع؛ وإلا فإمساك بقية اليوم بعد الأكل ليس بصيام شرعي. ¬
3 - أن صيام التطوع يختلف عن صيام الفرض من وجهين: الأول: أن التطوع يمكن الإتيان به في بعض النهار، بشرط عدم المفطرات في أوله؛ بدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عاشوراء: «فليصم بقية يومه» (¬1) فإذا نوى صوم التطوع من النهار كان صائمًا بقية النهار، دون أوله بخلاف الفرض؛ فإن الصوم يجب في جميع النهار، ولا يكون صائمًا بغير النية. الثاني: أن التطوع سومح في نيته من الليل تكثيرًا له، فإنه قد يبدو له الصوم في النهار، فاشتراط النية من الليل يمنع ذلك، فسامح الشرع فيها، كمسامحته في ترك القيام من صلاة التطوع، وترك الاستقبال في النفل في السفر تكثيرًا له، وترغيبًا فيه بخلاف الفرض (¬2). وأما إذا كان الصيام تطوعًا: فقد ذهب جمهور أهل العلم؛ الحنفية والشافعية والحنابلة، على صحة نيته بعد طلوع الفجر، من النهار، ما لم يكن أتى قبل ذلك بمفطر من المفطرات (¬3). ¬
واستدلوا على هذا بأدلة منها: 1 - ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال: «هل عندكم شيء؟» فقلنا: لا! قال: «فإني إذن صائم» (¬1). 2 - حديث عاشوراء المتقدم؛ حيث جوز النبي - صلى الله عليه وسلم - صيامه بنية من النهار (¬2). 3 - قياسًا على التطوع بالصلاة؛ فإن نقلها يخفف عن فرضها في أحكام كثيرة؛ منها جواز ترك القيام، وجواز الصلاة في السفر على الراحلة إلى غير القبلة، وغير ذلك من الأحكام المخففة (¬3). وخالف المالكية، وبعض الشافعية الجمهور في هذا؛ فقالوا: لا يجوز صوم التطوع إلا بنية من الليل قبل طلوع الفجر (¬4)، واستدلوا على هذا بأدلة منها: 1 - عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له» (¬5). ¬
المسألة السابعة: تأخير السحور للصائم إلى قبيل طلوع الفجر
2 - قياسًا على الصلاة؛ فإنه يتفق وقت النية لفرضها ونفلها (¬1). والذي يظهر والله تعالى أعلم، أن القول الأول أرجح؛ لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه في التطوع خاص، ودليل المالكية ومن معهم عام، والخاص مقدم على العام (¬2). ولأن دليل الجمهور في جواز نية التطوع من النهار أصح سندًا من دليل المالكية، والصلاة يتفق وقت النية لنفلها وفرضها؛ لأن اشتراط النية في أول الصلاة لا يفضي إلى تقليلها، بخلاف الصوم، فإنه قد يعن له الصوم من النهار، فعفي عنه؛ كما جاز التنفل قاعدًا وعلى الراحلة لهذه العلة (¬3). المسألة السابعة: تأخير السحور للصائم إلى قبيل طلوع الفجر: يستحب للصائم باتفاق أهل العلم إذا تحقق بقاء الليل أن يؤخر سحوره إلى أن يقترب وقت طلوع الفجر؛ لأنه أرفق بالصائم (¬4). لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] فهو دليل على جواز الأكل ¬
والشرب إلى طلوع الفجر، مما يدل على أن السحور يستحب أن يكون قبيل طلوع الفجر (¬1). ولما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم» (¬2) فهو دليل على أن السحور لا يكون إلا قبل الفجر (¬3). وثبت عن أنس رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، فصلى، فقيل لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية (¬4). فهو دليل على استحباب تأخير السحور إلى قبيل الفجر (¬5). ¬
المطلب الرابع أحكام الحج المترتبة على طلوع الفجر الثاني
المطلب الرابع أحكام الحج المترتبة على طلوع الفجر الثاني يتوقف على طلوع الفجر الثاني جملة من أحكام الحج، نبينها في المسائل الآتية: المسألة الأولى: ابتداء وقت الوقوف بعرفة: الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم الذي لا يتم الحج إلا به بإجماع أهل العلم (¬1)؛ لما روى عبد الرحمن بن يعمر، رضي الله تعالى عنه: "أن ناسًا من أهل نجد أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفة، فسألوه، فأمر مناديًا، فنادى: الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج (¬2) .. ¬
وله وقت ابتداء، ووقت فضيلة، ووقت انتهاء: فأما وقت الانتهاء: فيأتي بيانه، إن شاء الله، في المسألة التالية. وأما وقت الفضيلة: فهو من بعد زوال الشمس يوم عرفة، حتى غروبها، بإجماع أهل العلم (¬1) لفعله - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه في صحيح مسلم، من حديث جابر رضي الله عنه المشهور في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه قال: «حتى إذا زاغت الشمس»، أمر بالقصواء، فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس .. ثم أذن ثم أقام؛ فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا ثم ركب - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص (¬2). وأما وقت الابتداء: فقد اختلف أهل العلم في أول وقت الوقوف بعرفة على قولين: القول الأول: إن أول وقت الوقوف بعرفة يبدأ من طلوع الفجر يوم عرفة؛ وإليه ذهب الحنابلة، وهو من ¬
مفردات المذهب (¬1). والقول الثاني: إن أول وقت الوقوف بعرفة يبدأ بعد زوال الشمس من يوم عرفة؛ وإليه ذهب الجمهور: الحنفية، والمالكية، والشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام (¬2). والاعتماد عند مالك رحمه الله في الوقوف هو الليل، والنهار تبع له، فلا بد من الوقوف في الليل ولو لحظة، فإن لم يقف في جزء من الليل لم يجزه ذلك الوقوف (¬3). استدل الحنابلة على أن وقت الوقوف يبدأ بطلوع الفجر بما يلي: 1 - حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمزدلفة، فقلت: يا رسول الله! إني أقبلت من جبلي طييء (¬4) لم ¬
أدع حَبْلاً (¬1) إلا وقفت عليه؛ فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى هذه الصلاة معنا، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه، وقضى تفثه (¬2)» (¬3). والوجه منه: أنه حجة في أنَّ نهار عرفة كله وقت للوقوف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين له أن من وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارًا فقد تم حجه، ولم يقيده بما بعد الزوال؛ لأن النهار اسم من انفجار الصبح إلى غروب الشمس (¬4). ¬
2 - ولأن ما بعد طلوع الفجر من يوم عرفة، فكان وقتًا للوقوف؛ كبعد الزوال، وترك الوقوف فيه لا يمنع كونه وقتًا للوقوف؛ كبعد العشاء، وإنما وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه من بعده وقت الفضيلة، ولم يستوعبوا جميع وقت الوقوف (¬1). واستدل الجمهور على أن أول وقت الوقوف بعرفة يكون بعد الزوال بما يلي: 1 - فعله - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه؛ حيث وقف بعد زوال الشمس؛ كما في حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول للصحابة الذين حجوا معه بين الحين والآخر «خذوا عني مناسككم» (¬3). 2 - ما رواه الإمام البخاري في صحيحه: عن سالم بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كتب عبد الملك إلى الحجاج: أن لا يخالف ابن عمر في الحج؛ فجاء ابن عمر رضي الله عنهما وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس، فصاح عند سرادق (¬4) الحجاج، ¬
فخرج وعليه ملحفة معصفرة (¬1)؛ فقال: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح إن كنت تريد السنة، قال: هذه الساعة؟! قال: نعم! قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج، فنزل حتى خرج الحجاج، فسار بيني وبين أبي، فقلت: إن كنت تريد السنة فاقصر الخطبة، وعجل الوقوف، فجعل ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك عبد الله، قال: صدق (¬2). والوجه منه: أن ابن عمر رضي الله عنهما أشار بذلك إلى ما جاءت به سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعمل به خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهما من بعده؛ فعلم منه أن ما قبل الزوال لم تأت به السنة، ولا شرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 3 - ولأنه - صلى الله عليه وسلم - نزل بوادي نمرة في عرنة، وهي ليست ¬
من عرفة، ولو كان ما قبل الزوال وقتًا للوقوف لنزل في مكان الوقوف لا في غيره؛ لأن حضوره ونزوله في موضع الطاعة والقربة، أفضل وأكثر ثوابًا من نزوله في غيره (¬1). وحملوا حديث عروة، الذي استدل به الحنابلة، على أن المراد منه: أنه وقف نهارًا فيما يصح الوقوف فيه؛ فيكون قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة مطلقًا، قيدته السنة الفعلية منه - صلى الله عليه وسلم - (¬2). أو أن المراد بالنهار في حديث عروة المذكور: خصوص ما بعد الزوال؛ بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين، بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال، ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله؛ ففعله - صلى الله عليه وسلم - وفعل خلفائه من بعده مبين للمراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أو نهارًا» (¬3). واستدل المالكية: على تخصيص الإجزاء بالليل: بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل» (¬4). ¬
المسألة الثانية: انتهاء وقت الوقوف بعرفة، وفوات الحج على من لم يكن وقف بها في وقت الوقوف الشرعي
والذي يظهر، والله تعالى أعلم: أن كلا الرأيين؛ رأي الحنابلة، ورأي الجمهور: له حظ من النظر (¬1): لأن النهار في حديث عروة اسم من انفجار الصبح إلى غروب الشمس وقد أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من كان وقف بعرفة قبل طلوع الفجر من يوم العيد، ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجه، وهذا يشمل ما بعد الفجر من يوم عرفة قطعًا، وقوله - صلى الله عليه وسلم - أبلغ في الدلالة من فعله. وكونه - صلى الله عليه وسلم - لم يقف إلا بعد الزوال؛ لا يدل على أن ما قبله ليس وقتًا للوقوف وإنما فعل - صلى الله عليه وسلم - الأفضل. على أن الأحوط عدم الاقتصار على أول النهار (¬2). أما تشدد المالكية: رحمهم الله، في تخصيص الإجزاء بجزء من الليل: فإنه ضعيف لا يثبت له دليل، ثم هو مردود بفعله - صلى الله عليه وسلم - وقوله. المسألة الثانية: انتهاء وقت الوقوف بعرفة، وفوات الحج على من لم يكن وقف بها في وقت الوقوف الشرعي: أجمع أهل العلم على أن وقت الوقوف بعرفة ينتهي بطلوع الفجر من يوم النحر؛ فمن طلع عليه الفجر يوم النحر ¬
وهو لم يقف بعرفة بليل أو نهار فقد فاته الحج (¬1). ومما يدل على هذا: 1 - حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله تعالى عنه، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمر مناديًا، فنادى: الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج» (¬2). 2 - حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلى هذه الصلاة معنا، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجه، وقضى تفثه» (¬3). 3 - قول جابر رضي الله عنه: «لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر ليلة جمع» قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك؟ قال: «نعم» (¬4). فمن لم يقف بعرفة قبل طلوع الفجر يوم النحر، أو لم ¬
يصل إليها إلا بعد طلوعه، فقد فاته الحج، وعليه أن يتحلل من حجه بطواف وسعي وحلاق (¬1). قال الإمام الترمذي رحمه الله: "والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم؛ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم؛ أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر، فقد فاته الحج، ولا يجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل؛ وهو قول الثوري والشافعي، وأحمد وإسحاق .. وسمعت الجارود يقول: سمعت وكيعًا أنه ذكر هذا الحديث، فقال: هذا الحديث أم المناسك (¬2). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: إن آخر وقت الوقوف آخر ليلة النحر، فمن لم يدرك الوقوف حتى طلع الفجر يومئذ فاته الحج لا نعلم فيه خلافًا .. ثم ساق قول جابر المتقدم ثم قال: ومن فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلاق، هذا الصحيح من المذهب؛ وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن الزبير، ومروان بن الحكم، وهو قول مالك، والثوري، والشافعي، ¬
المسألة الثالثة: ابتداء وقت الدفع من مزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها
وأصحاب الرأي .. ثم ذكر الرواية الأخرى في المذهب، وقال: ولنا: "قول من سميَّنا من الصحابة، ولم نعرف لهم مخالفًا، فكان إجماعًا (¬1). وأما إيجاب الهدي عليه، وإلزامه الحج من قابل: فمحل خلاف بين أهل العلم على قولين؛ الجمهور على أن الهدي يلزم من فاته الحج، خلافًا للحنفية، وإحدى الروايتين عن أحمد؛ والجمهور كذلك على أنه يلزمه الحج من قابل سواء كان الفائت واجبًا أو تطوعًا، خلافًا لإحدى الروايتين عن مالك وأحمد (¬2). المسألة الثالثة: ابتداء وقت الدفع من مزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها: المبيت بمزدلفة لمن وافاها قبل طلوع الفجر واجب من واجبات الحج، من تركه فعليه دم، في قول أكثر أهل العلم (¬3). ¬
ولا خلاف بين أهل العلم، رحمهم الله، في أن السنة للحاج الذي وصل المزدلفة ليلة النحر أن يبيت بها حتى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر صلاه في أول وقته، ثم وقف بها، عند المشعر الحرام، أو حيث تيسر له ذلك، حتى يسفر الصبح جدًا، ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الشمس (¬1). والدليل على هذا: فعله - صلى الله عليه وسلم - في حجه؛ فقد روى جابر رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئًا ثم اضطجع - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة فدعاه وكبره، وهلله ووحده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا، فدفع قبل أن تطلع الشمس (¬2). ¬
مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خذوا عني مناسككم» (¬1). وعن عمرو بن ميمون الأودي رحمه الله قال: «شهدت عمر رضي الله عنه صلى بجمع (¬2) الصبح ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير (¬3) وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس» (¬4). وعلى هذا فالسنة للحاج ألا يدفع من مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر اقتداء بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم -. ولا خلاف بين أهل العلم: في جواز تقديم الضعفة وكبار ¬
السن والنساء، ودفعهم من مزدلفة إلى منى قبل طلوع الفجر؛ قال ابن قدامة رحمه الله: "وبه قال عطاء، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفًا، ولأن فيه رفقًا بهم، ودفعًا لمشقة الزحام عنهم، واقتداء بفعل نبيهم " (¬1). واختلف أهل العلم، رحمهم الله، في جواز الدفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر لغير الضعفة والنساء ومرافقيهم (¬2) على قولين: القول الأول: يجوز للحاج مطلقًا، قويًا كان أو ضعيفًا رجلاً كان أو امرأة، الدفع من مزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل. وإليه ذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة في قول (¬3). ¬
والقول الثاني: لا يجوز الدفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر، إلا لمن كان معذورًا كالضعفة وكبار السن والنساء الذين وردت الرخصة لهم بذلك. وإليه ذهب الحنفية، والحنابلة في قول، وطائفة من كبار أهل العلم المحققين؛ كابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام الشنقيطي، والألباني وغيرهم رحمة الله على الجميع (¬1). استدل أصحاب القول الأول بأدلة منها: 1 - ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كنت فيمن قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ضعفة أهله» وفي لفظ قال: «بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثقل أو قال: في الضعفة، من جمع بليل» (¬2). ¬
2 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعني عندها» (¬1). 3 - وعنها رضي الله عنها قالت: كانت سودة (بنت زمعة) امرأة ضخمة ثبطة (¬2) فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تفيض من جمع بليل، فأذن لها، فقالت عائشة: فليتني كنت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته سودة، وكانت عائشة لا تفيض إلا مع الإمام (¬3). قالوا: هذه الأدلة تدل على جواز انصراف الحاج ودفعه من مزدلفة قبل الفجر بعد انتصاف الليل ومضي أكثره ¬
في مزدلفة، فإذا مضى أكثر الليل أجزأه الدفع إلى منى (¬1). ولكن هذا الاستدلال مردود: بأن الترخيص إنما هو في حق الضعفة ومن في حكمهم، وأما من عداهم فالأصل عدم الترخيص لهم بالدفع من مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر؛ كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقياسهم على الضعفة، قياس مع الفارق (¬2). ولأجل هذا كانت عائشة تتمنى لو أنها استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته سودة، ولو كان الدفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر جائزًا للجميع لما كان لاستئذان سودة، ولا لتمني عائشة معنى. واستدل أصحاب القول الثاني بأدلة منها: 1 - أدلة القول الأول؛ حيث قالوا: هي نص في الإذن للضعفة والنساء ومن في حكمهن، والإذن يقتضي أن يكون الأصحاء والأقوياء ملزمين بالبقاء في مزدلفة إلى طلوع الفجر، وإلا لم يكن للإذن للضعفة والنساء معنى (¬3). 2 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بالمزدلفة، ولم يتعجل، ولم يدفع منها ¬
إلا بعد طلوع الشمس، وقال: «خذوا عني مناسككم» (¬1). 3 - وعن أسماء رضي الله عنها: «أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلي، فصلت ساعة ثم قالت: يا بني! هل غاب القمر؟ قلت: لا! فصلت ساعة ثم قالت: يا بني! هل غاب القمر؟ قلت: نعم! قالت: فارتحلوا فارتحلنا ومضينا، حتى رمت الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها: يا هنتاه (¬2) ما أرانا إلا قد غلسنا (¬3)! قالت: يا بني! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن (¬4)» (¬5). ¬
ووجه الدلالة منه من وجهين: أحدهما: أن غلامها أنكر عليها تبكيرها بغلس، مما يدل على أن المستقر عندهم أن المبيت بالمزدلفة إلى الفجر واجب، وأنه لا يجوز الدفع منها لمنى إلا بعد طلوع الفجر. وثانيهما: أنها لم تنكر عليه ذلك، وإنما أخبرته أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد أذن للظعن والضعفة بذلك، وهذا يدل على أن غيرهم لا يجوز له الدفع منها إلى منى إلا بعد طلوع الفجر. والذي يظهر: والله تعالى أعلم، القول الثاني: أنه لا يجوز الدفع من مزدلفة قبل الفجر إلا للظعن والضعفة من الرجال والنساء، ومن كان مرافقًا لهم، فيدفعون من مزدلفة إلى منى آخر الليل، بعد مغيب القمر، كما فعلت أسماء رضي الله عنه. وأما من ليس ضعيفًا، ولا تابعًا لضعيف؛ فإنه يبقى بمزدلفة حتى يصلي الفجر في أول وقتها، ثم يدفع بعده؛ كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذلك لقوة أدلة هذا القول؛ وصراحتها في الدلالة على المراد، ولأن هذا القول هو الذي تجتمع به الأدلة؛ فإن
المسألة الرابعة: ابتداء وقت الوقوف بالمزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها
النبي - صلى الله عليه وسلم - بات بالمزدلفة هو وأصحابه الأقوياء الأصحاء إلى الفجر وقال لهم: «لتأخذوا عني مناسككم» (¬1) وأذن - صلى الله عليه وسلم - للظعن والضعفة ومرافقيهم في الانصراف من المزدلفة بآخر الليل؛ ولو كان الحكم واحدًا للجميع، لما كان في الإذن للظعن والضعفة معنى، ولما قالت عائشة رضي الله عنها: "فليتني كنت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته سودة (¬2) (¬3). المسألة الرابعة: ابتداء وقت الوقوف بالمزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها: هذه المسألة فرع عن المسألة السابقة، والكلام فيها مبني على الخلاف في المسألة السابقة؛ فمن أجاز الدفع من مزدلفة قبل طلوع الفجر أجاز الوقوف فيها قبل ذلك، ومن لمن يجز الدفع منها قبل طلوع الفجر، لم يجز الوقوف قبله. والذي سبق بيانه: أن الفقهاء متفقون على جواز تقديم دفع الظعن والضعفة ومرافقيهم من مزدلفة إلى منى بآخر الليل، فهؤلاء يجوز لهم الوقوف بالمزدلفة قبل طلوع الفجر (¬4). ¬
لما ثبت في الصحيحين من حديث سالم مولى ابن عمر قال: «كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام؛ بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع فمنهم من يقدم مني لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬1). وأما من ليس من الظعن والضعفة ولا مرافقًا لهم فإنه يبيت بالمزدلفة إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر، صلى الفجر في أول وقتها؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -: فقد روي ابن مسعود رضي الله عنه قال: «ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها» (¬2). ¬
وقوله: "قبل ميقاتها" المراد منه؛ قبل وقتها المعتاد، لا قبول طلوع الفجر؛ فإنه لا تجوز صلاة الفجر إلا بعد التحقق من طلوع الفجر الثاني بإجماع المسلمين. وهذا الفعل منه - صلى الله عليه وسلم - مبالغة في التغليس بصلاة الفجر يوم النحر؛ ليتفرغ الحاج لما بعدها من أعمال الحج (¬1). ثم إذا صلى الفجر وقف عند المشعر الحرام (¬2) إن تيسر له ذلك، وإلا فالمزدلفة كلها موقف، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وقف عند المشعر الحرام (¬3)، وقال: «وقفت ههنا، وجمع كلها موقف» (¬4). ¬
وفي رواية: «وارتفعوا عن بطن محسر (¬1)» (¬2). فيدعو ويذكر الله حتى يسفر الصبح جدًا؛ لقول الحق تبارك وتعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الشمس (¬3). والوقوف بالمزدلفة من جملة واجبات الحج عند الحنفية، من تركه من غير عذر وجب عليه دم (¬4)، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعروة بن مضرس، رضي الله تعالى عنه: «من صلى هذه الصلاة معنا، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهارًا، فقد تم حجه، وقضى تفثه» (¬5). والجمهور: على أن الوقوف بالمزدلفة سنة وليس ¬
المسألة الخامسة: ابتداء وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر
واجبًا (¬1) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحج عرفة» (¬2). فإذا طلعت الشمس يوم النحر فات وقت الوقوف بالمزدلفة بإجماع أهل العلم (¬3). المسألة الخامسة: ابتداء وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر: رمي جمرة العقبة يوم النحر واجب من واجبات الحج، يجبر بدم، في قول جمهور أهل العلم، وهي تحية مني؛ وهي آخر الجمرات مما يلي مني، وأولها مما يلي مكة شرفها الله تعالى (¬4). ولرمي هذه الجمرة وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء (¬5). فأما وقت الفضيلة: لرمي هذه الجمرة: فهو بعد طلوع ¬
الفجر بإجماع أهل العلم (¬1). لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رماها ضحى يوم النحر؛ قال جابر رضي الله عنه: «رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس» (¬2). وأما وقت الجواز لرمي هذه الجمرة: فمحل خلاف بين أهل العلم على أربعة أقوال (¬3) بيانها على النحو التالي: القول الأول: يبدأ وقت الجواز لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الفجر الثاني يوم النحر، مطلقًا للقادر والعاجز. وإليه ذهب الحنفية، والمالكية والحنابلة في إحدى الروايتين (¬4). القول الثاني: يبدأ وقت الجواز لرمي جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر، مطلقًا للقادر والعاجز، وإليه ذهب الشافعية، والحنابلة في الروايات الأخرى؛ وهي الصحيح من المذهب وعليها جماهير الأصحاب (¬5). ¬
القول الثالث: لا يجوز رمي جمرة العقبة مطلقًا إلا بعد طلوع الشمس. وإليه ذهب طائفة من فقهاء السلف؛ منهم: مجاهد، والثوري، والنخعي، وعزاه الترمذي لأكثر أهل العلم (¬1). القول الرابع: التفريق بين الضعفة والعجزة وغيرهم؛ فيجوز الرمي بعد غياب القمر من ليلة النحر لمن له عذر أو يشق عليه مزاحمة الناس؛ كالمرضى والضعفة والعجزة، وأما القادر الصحيح فلا يجوز له الرمي إلا بعد طلوع الشمس. وهو اختيار طائفة من المحققين من أهل العلم؛ منهم: ابن قيم الجوزية، والشوكاني، ومال إليه الشنقيطي (¬2). استدل أصحاب القول الأول: على أن وقت الجواز لرمي جمرة العقبة يبدأ بعد طلوع الفجر الثاني يوم النحر، مطلقًا للقادر والعاجز، بأدلة؛ منها: 1 - فعله - صلى الله عليه وسلم - فإنه إنما رماها ضحى يوم النحر؛ قال جابر رضي الله عنه: "رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس (¬3). ¬
مع قوله - صلى الله عليه وسلم - لأمته: «خذوا عني مناسككم» (¬1). وهو - صلى الله عليه وسلم - قد رمى في النهار، والنهار يبدأ من طلوع الفجر الثاني. 2 - ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدمه في ضعفة أهله، وقال: «لا ترموا الجمار حتى تصبحوا» (¬2). فثبت الجواز بالإصباح، والصبح لا يكون إلا بعد طلوع الفجر الثاني (¬3). قال الإمام مالك رحمه الله: "لم يبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرخص لأحد أن يرمي قبل طلوع الفجر، ولا يجوز رميها قبل الفجر، فإن رماها قبل الفجر أعادها" (¬4). 3 - ما روى ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر، فرموا الجمرة مع الفجر" (¬5). ¬
فهو دليل على جواز رمي جمرة العقبة بعد الفجر؛ لأن ابن عباس ليس من الضعفة الذين رخص لهم (¬1). ولكنه مردود بأنه حديث ضعيف الإسناد من جهة، ومخالف لما صح عن ابن عباس، من طرق عدة أنه - صلى الله عليه وسلم -: «أمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس» من جهة ثانية (¬2). 4 - حديث أسماء رضي الله عنها السابق: «أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة .. فارتحلوا، حتى رمت الجمرة ثم رجعت، فصلت الصبح في منزلها، فقال لها مولاها: يا هنتاه! ما أرانا إلا قد غلسنا! قالت: يا بني! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن» (¬3). 5 - حديث سالم مولى ابن عمر قال: «كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام، بالمزدلفة بليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن ¬
عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬1). فحديث أسماء وفعلها، وحديث ابن عمر وفعله بأهله: دليلان صريحان على جواز الرمي بعد طلوع الفجر، وقبل طلوع الشمس، مطلقًا للضعفة وغيرهم، لا سيما وفيهم من ليس من الضعفة والعجزة (¬2). واستدل أصحاب القول الثاني: على أن وقت الجواز لرمي جمرة العقبة يبدأ بعد منتصف ليلة النحر، مطلقًا للقادر والعاجز بأدلة، منها. 1 - ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: «أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ تعني عندها» (¬3). 2 - ما روته أم سلمة رضي الله عنها قالت: «قدمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمن قدم من أهله ليلة المزدلفة، فرميت بليل، ثم مضيت إلى مكة، فصليت بها الصبح، ثم رجعت إلى منى» (¬4). ¬
فدل هذان الحديثان على جواز رمي جمرة العقبة قبل فجر يوم النحر بليل (¬1). 3 - حديث أسماء السابق في الصحيحين (¬2)؛ ولفظه عند أبي داود؛ عن أسماء: «أنها رمت الجمرة، قال مولاها، إنا رمينا الجمرة بليل! قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬3). فهو دليل على جواز رمي جمرة العقبة بليل قبل طلوع الفجر يوم النحر (¬4). ¬
4 - ولأن نصف الليل الأخير من ليلة النحر وقت للدفع من مزدلفة فكان وقتًا للرمي، كبعد طلوع الشمس (¬1). واعترض على الاستدلال بهذه الأدلة جميعًا من وجهين: الأول: ضعف بعضها؛ فحديث عائشة أنكره الإمام أحمد، وابن قيم الجوزية، والبيهقي وابن التركماني، وضعفه الألباني وغيره؛ للاضطراب في متنه وسنده (¬2). وحديث أم سلمة الآخر ضعفه الإمام ابن قيم الجوزية (¬3). ولكن هذا الاعتراض مردود: بأنهما حديثان صحيحان، وقد صححهما جمع من الأئمة، كما تقدم في تخريجهما، واحتجوا بهما. الثاني: أن غاية ما تفيده هذه الأدلة: الإذن في رميها في ذلك الوقت للضعفة والنساء ومن رخص لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما من عداهم من الأصحاء القادرين فلا (¬4). ¬
ولا يلزم، من كون نصف الليل وقتًا للدفع من مزدلفة أن يكون وقتًا للرمي، حتى للضعفة ونحوهم، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم ابن عباس في ضعفة أهله من جمع بليل، و: "أمرهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس" (¬1). واستدل أصحاب القول الثالث؛ على أنه لا يجوز رمي جمرة العقبة مطلقًا إلا بعد طلوع الشمس، بأدلة؛ منها: 1 - فعله - صلى الله عليه وسلم - فإنه إنما رمي جمرة العقبة ضحى يوم النحر (¬2) وقال - صلى الله عليه وسلم - لأمته «خذوا عني مناسككم» (¬3). 2 - ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله وقال: «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس». وفي رواية قال: فجعل يلطخ أفخاذنا، ويقول: «أُبَيْنِيَّ (¬4) لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» زاد سفيان: "قال ابن عباس: ما إخال أحدًا يعقل يرمي حتى تطلع الشمس، قال أبو داود: اللطخ: الضرب اللين (¬5). ¬
فهذان الحديثان: نصان صريحان في أن وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الشمس لفعله - صلى الله عليه وسلم -، ولنهيه عن رميها قبل طلوع الشمس، حتى لمن جاز لهم الدفع من المزدلفة قبل طلوع الفجر (¬1). قال الإمام الترمذي رحمه الله: "حديث ابن عباس: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم لم يروا بأسًا أن يتقدم الضعفة من المزدلفة بليل، يصيرون إلى منى، وقال أكثر أهل العلم بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنهم لا يرمون حتى تطلع الشمس» (¬2). ¬
وأجيب عن هذه الأدلة من وجهين: الأول: أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عارض قوله، كان محمولاً على الاستحباب، وكان قوله مقدمًا على فعله؛ لاحتمال أن يكون الفعل خاصًا به، أو من باب الأفضلية (¬1). الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس محمول على الاستحباب، وحديث عائشة في قصة أم سلمة محمول على الجواز؛ جمعًا بين الأدلة (¬2). واستدل أصحاب القول الرابع؛ على التفريق بين الضعفة والعجزة وغيرهم بأدلة منها: أ- استدلوا على جواز رمي جمرة العقبة مع الفجر للضعفة والنساء والعجزة ومن معهم؛ بإذنه - صلى الله عليه وسلم - لهم في رمي الجمرة بغلس، آخر ليلة النحر؛ كما هو ثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة منها: 1 - حديث عائشة رضي الله عنهما: «في إذنه لأم سلمة أن تدفع إلى منى ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت» (¬3). 2 - وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث به مع ¬
أهله إلى منى يوم النحر، فرموا الجمرة مع الفجر» (¬1). 3 - حديث سالم مولى ابن عمر قال: «كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام؛ بالمزدلفة بليل ... فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 4 - حديث أسماء رضي الله عنها: أنها رمت الجمرة قال مولاها: إنا رمينا الجمرة بليل! قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). فهذه الأدلة الثابتة حجة ظاهرة على جواز رمي الضعفة والعجزة والظعن ونحوهم جمرة العقبة آخر ليلة النحر؛ بعد غياب القمر، أو بغلس الصبح؛ لإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم في ذلك ولا ينبغي التوقف في جواز ذلك لهم بعد طلوع الفجر (¬4). ب- واستدلوا على أن الأقوياء وغير الضعفة والظعن لا ¬
يجوز لهم رمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس يوم النحر بما يلي. 1 - مفهوم الأدلة السابقة وهو أن الإذن برمي الجمرة قبل طلوع الشمس إنما هو للظعن والضعفة ونحوهم، ولا يشمل غيرهم من الأقوياء الذكور والأصحاء (¬1). 2 - فعله - صلى الله عليه وسلم - فإنه إنما رمي جمرة العقبة ضحى يوم النحر؛ (¬2)، وقال - صلى الله عليه وسلم - لأمته «خذوا عني مناسككم» (¬3). 3 - ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله، وقال: «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» (¬4). فهذه الأدلة الصحيحة تدل دلالة ظاهرة على أن الأصحاء الأقوياء لا يجوز لهم أن يرموا جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس من يوم النحر، وأن الرخصة في رميها قبل لا تشملهم (¬5). والذي يظهر، والله تعالى أعلم، أن الراجح من هذه الأقوال هو القول الرابع؛ التفريق بين الضعفة والعجزة ¬
وغيرهم من الأقوياء الأصحاء؛ فيجوز الرمي بعد غياب القمر من ليلة النحر لمن له عذر أو يشق عليه مزاحمة الناس؛ كالمرضى والضعفة والعجزة، وأما القادر الصحيح فلا يجوز له الرمي إلا بعد طلوع الشمس، لما يلي: أولا: أن الإذن في رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس للضعفة والعجزة ثابت صحيح مشهور، لا مدفع له، ولا ينبغي التوقف في الإذن لهؤلاء في الرمي بعد الصبح قبل طلوع الشمس. ثانيًا: أن الأقوياء ثبت، كما في حديث ابن عباس، نهيهم عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس. ثالثًا: أن هذا القول هو القول الذي تجتمع به الأدلة وتتفق، والقاعدة المقررة عند أهل العلم: أن يجمع بين النصين إن أمكن، وإلا فالترجيح بينهما هو المتعين (¬1). قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: «ثم تأملنا فإذا أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - أمر الصبيان أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي، أما من قدمه من النساء، فرمين قبل طلوع الشمس للعذر، والخوف عليهن من مزاحمة الناس وحطمهم، وهذا الذي دلت عليه السنة؛ جواز الرمي قبل طلوع الشمس للعذر ¬
بمرض أو كبر يشق عليه مزاحمة الناس لأجله، وأما القادر الصحيح فلا يجوز له ذلك» (¬1). وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله: «إن الذي يقتضي الدليل رجحانه في هذه المسألة: أن الذكور الأقوياء لا يجوز لهم رمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس، وأن الضعفة والنساء لا ينبغي التوقف في جواز رميهم بعد الصبح قبل طلوع الشمس لحديث أسماء، وابن عمر المتفق عليهما الصريحين في الترخيص لهم في ذلك». وأما رميهم؛ أعني الضعفة والنساء، قبل طلوع الفجر، فهو محل نظر، فحديث عائشة عند أبي داود يقتضي جوازه، وحديث ابن عباس عند أصحاب السنن يقتضي منعه. والقاعدة المقررة في الأصول: هي أن يجمع بين النصين إن أمكن الجمع، وإلا فالترجيح بينهما، وقد جمعت بينهما جماعة من أهل العلم؛ فجعلوا لرمي جمرة العقبة وقتين: وقت فضيلة ووقت جواز، وحملوا حديث ابن عباس على وقت الفضيلة، وحديث عائشة على وقت الجواز؛ وله وجه من النظر، والعلم عند الله تعالى (¬2). ¬
المسألة السادسة: أول وقت طواف الإفاضة
المسألة السادسة: أول وقت طواف الإفاضة: طواف الإفاضة ويسمى: طواف الزيارة، وطواف الفرض؛ ركن من أركان الحج التي لا يتم الحج إلا بها بإجماع أهل العلم (¬1). قال الله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]. فهو أمر للحجيج بالطواف بالبيت؛ قال مجاهد رحمه الله: «يعني: الطواف الواجب يوم النحر» (¬2). ولهذا الطواف وقتان: وقت فضيلة، ووقت إجزاء (¬3). فأما وقت الفضيلة: فضحى يوم النحر، بعد الرمي والحلق؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - في حجته؛ حيث روى مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رمى جمرة العقبة ضحى، وذبح، وحلق: «ركب فأفاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر» (¬4). ولا خلاف في هذا بين أهل العلم (¬5). وأما وقت الجواز: فمحل خلاف بين أهل العلم ¬
والخلاف فيه مبني على الخلاف في مسألتي: الدفع من مزدلفة، ورمي جمرة العقبة (¬1)؛ وقد مضى الكلام في ذلك مفصلا في المسألتين السابقتين، مما يغني عن إعادة يطول بها البحث. ولكن من باب الاختصار الذي يحصل به المقصود دون إطالة. ذهب الشافعية والحنابلة: إلى أن أول وقت لطواف الإفاضة: هو بعد نصف الليل من ليلة النحر (¬2) استدلالا بالأدلة الدالة على أن الدفع من مزدلفة يجوز بعد نصف ليلة النحر؛ وأصرحها في هذا: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعني عندها» (¬3). وذهب الحنفية والمالكية: إلى أن أول وقت لطواف الإفاضة: هو طلوع الفجر من يوم النحر (¬4)؛ استدلالا بأن الدفع ¬
من مزدلفة إنما هو بعد طلوع الفجر؛ لما سبق من الأدلة (¬1). والذي تقتضيه الأدلة الصحيحة: التي سبق بيانها في مسألتي الدفع من مزدلفة، ورمي جمرة العقبة: التفريق بين الضعفة والنساء، والأقوياء الأصحاء: فالضعفة والنساء: يجوز لهم أن يطوفوا بالبيت بعد طلوع الفجر؛ لإذنه - صلى الله عليه وسلم - لضعفه أهله وللظعن بالدفع من مزدلفة آخر الليل (¬2). وأما الأصحاء الأقوياء: فلم يدل الدليل على الإذن لهم بالدفع من مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر، ولم يؤذن لهم في رمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس؛ بل دل الدليل على أن الذي ينبغي لهم هو البقاء في المزدلفة حتى يصلوا الفجر بها، ثم يقفوا بها كما وقف المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ثم يدفعوا إلى منى قبل طلوع الشمس، ويرموا الجمرة ضحى يوم النحر، ثم يحلقوا، وينحر من معه الهدي هديه، ثم يفيضوا إلى مكة لطواف الإفاضة. هذا هو الذي دل عليه الدليل الصحيح، وفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال لأمته «خذوا عني مناسككم» (¬3). ¬
المطلب الخامس مسائل متفرقة تترتب على طلوع الفجر الثاني
المطلب الخامس مسائل متفرقة تترتب على طلوع الفجر الثاني هناك جملة من المسائل الفقهية المتفرقة التي تترتب على طلوع الفجر عند طائفة من أهل العلم، وقد جرى فيها الخلاف بينهم، وذكرها بعضهم في غير مظانها؛ منها ما يتعلق بباب الطهارة والصلاة معًا، ومنها ما يتعلق بباب الزكاة والصيام معًا ومنها ما يتعلق بباب الحج والأضحية معًا وهذا بيانها في المسائل التالية: المسألة الأولى: أول وقت الغسل لصلاة الجمعة: لا خلاف بين أهل العلم، رحمهم الله، في استحباب الغسل لمن أتى الجمعة؛ وقد حكى بعض أهل العلم الإجماع على هذا (¬1). ¬
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: قد أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب (¬1). وعن الإمام أحمد رحمه الله: أنه واجب؛ وقيده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بمن له عرق، أو ريح يتأذى به الناس، وهذا من مفردات المذهب، والصحيح، إن شاء الله أنه مستحب وليس بواجب. واستدل جمهور أهل العلم: على استحباب الغسل يوم الجمعة بأدلة كثيرة؛ من السنة الصحيحة، وآثار سلف الأمة؛ منها: 1 - ما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» (¬2). 2 - وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» (¬3). ¬
قال الترمذي رحمه الله: «والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم اختاروا الغسل يوم الجمعة، ورأوا أن يجزئ الوضوء من الغسل يوم الجمعة» (¬1). 3 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن عمر بن الخطاب بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة، دخل رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فناداه عمر: أية ساعة هذه؟! فقال إني شغلت اليوم فلم انقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء، فلم أزد على أن توضأت! قال عمر: والوضوء أيضًا وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل» (¬2). وجاء في رواية لمسلم أن الرجل الذي دخل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه (¬3). ¬
وهذا صريح في أن غسل يوم الجمعة ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لما خفي على عثمان، وعلى من حضر من الصحابة، ولم يترك عمر عثمان رضي الله عنهما حتى يرده ويأمره بالغسل (¬1). وإذا تقرر هذا؛ فإن وقت الغسل للجمعة في قول جمهور أهل العلم، يكون بعد طلوع الفجر، فمن اغتسل بعد ذلك أجزأه، سواء راح بعده للجمعة أم تأخر، وإن اغتسل قبل الفجر لم يجزئه (¬2). لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ..» (¬3). فعلقه على اليوم، واليوم يكون من طلوع الفجر (¬4). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» (¬5) ولم يفرق بين أن يروح بعده، أو لا يروح (¬6). ¬
المسألة الثانية: أول وقت الغسل لصلاة العيدين
وقيده أكثر المالكية: بأن يتعقبه الرواح إلى الجمعة؛ فإن لم يرح عقبه لم يجزئه (¬1). لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رتب الخروج للجمعة في بعض ألفاظ الحديث بعد الغسل (¬2). ورأي الجمهور أولى، والله تعالى أعلم؛ لأن الغسل لأجل يوم الجمعة، فهو عيد الأسبوع؛ واليوم يبدأ من طلوع الفجر؛ ثم إن الأحاديث في فضل غسل الجمعة عامة، لم تقيده بالخروج بعده. المسألة الثانية: أول وقت الغسل لصلاة العيدين: الغسل للعيد مستحب في قول جمهور أهل العلم؛ لأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة، فاستحب الغسل فيه؛ كيوم الجمعة (¬3). وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى (¬4). ¬
ووقت الغسل للعيدين في قول جمهور أهل العلم: بعد طلوع الفجر الثاني، فمن اغتسل قبل الفجر لم يصب سنة الاغتسال؛ لأنه غسل الصلاة في اليوم، فلم يجز قبل الفجر؛ كغسل يوم الجمعة (¬1). وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجوز الغسل للعيدين قبل الفجر، وبعده؛ لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة، وصلاة العيد تفعل قريبًا من طلوع الشمس، فلو قلنا: لا يجوز الغسل قبل الفجر، لأدى ذلك إلى تفويت الصلاة بالغسل، لا سيما من كان بعيدًا عن المصلى، ولأن المقصود من الغسل التنظيف، وذلك يحصل بالغسل في الليل؛ لقربه من الصلاة (¬2). والأمر في هذا واسع بحمد الله؛ لأنه ليس فيه نص من الشارع، وهو من باب السنة لا الواجب، فسواء في ذلك من اغتسل قبل الفجر، أو بعده؛ لكن الأفضل أن يكون الاغتسال بعد طلوع الفجر؛ خروجًا من الخلاف، ولأنه أبلغ في ¬
المسألة الثالثة: بداية وقت وجوب إخراج زكاة الفطر
النظافة؛ لقربه من الصلاة (¬1). المسألة الثالثة: بداية وقت وجوب إخراج زكاة الفطر: زكاة الفطر من رمضان فرض بإجماع أهل العلم؛ تجب على كل مسلم فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة الفطر ويومه ما يؤدى في الفطرة، صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى، حرًا كان أو عبدًا، وتجب على اليتيم، ويخرج عنه وليه من ماله، في قول عامة أهل العلم (¬2). قال ابن قدامة رحمه الله: لا نعلم أحدًا خالف في هذا إلا محمد بن الحسن، قال: ليس في مال الصغير من المسلمين صدقة (¬3). ودليل الجمهور: ما ثبت في الصحيحين (¬4) من حديث ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفكر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد ¬
والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة. وإذا تقرر هذا؛ فإن وقت وجوب إخراج زكاة الفطر من رمضان محل خلاف بين أهل العلم على قولين: القول الأول: إن زكاة الفطر تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان؛ وإليه ذهب طائفة من فقهاء السلف، وهو إحدى الروايتين عن مالك، وأحد القولين عن الشافعي، ومذهب الحنابلة (¬1). والقول الثاني: إن زكاة الفطر تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر. وإليه ذهب بعض فقهاء السلف، وهو مذهب الحنفية، وإحدى الروايتين عن مالك، والقول القديم عن الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد اختارها بعض أصحابه (¬2). استدل أصحاب القول الأول؛ على أن وقت وجوب زكاة الفطر هو غروب الشمس، من آخر يوم من رمضان بأدلة، منها. ¬
1 - قول ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر؛ طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات (¬1). والوجه منه: أن الوجوب إنما يكون على من أدرك جزءًا من الصيام وبعد طلوع الفجر لا يكون مدركًا لذلك (¬2). 2 - حديث ابن عمر السابق؛ وفيه «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر من رمضان» (¬3). والوجه منه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أضاف الصدقة إلى الفطر من رمضان، والفطر من رمضان إنما يكون إذا غابت الشمس من آخر يوم منه، فكانت مختصة وواجبة به؛ كزكاة المال (¬4). واستدل أصحاب القول الثاني؛ على أن وقت وجوب ¬
زكاة الفطر هو طلوع الفجر من يوم الفطر بأدلة؛ منها: 1 - ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر، وقال: «أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» (¬1). والوجه منه: أن المراد باليوم يوم الفطر، فدل هذا على أنه وقت الوجوب؛ لأن الإغناء لا يحصل بدفعها قبله (¬2). ورد هذا الاستدلال: بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة (¬3). 2 - حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر .. وأمر بها أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة» (¬4). والوجه منه: أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بإخراجها قبل صلاة العيد، فدل هذا على أن وقت وجوبها بعد طلوع الفجر، وقبل صلاة العيد (¬5). ¬
ورد هذا: بأنه استدلال ضعيف؛ لأن الإضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب، بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان، وأما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر (¬1). 3 - ولأنها قربة وحق يتعلق بمال مخرج في يوم العيد، فوجب ألا يقدم وقتها يوم العيد؛ كالأضحية (¬2). ورد هذا: بعدم التسليم بأنها تتعلق بيوم العيد، بل صرحت الأحاديث، كما في أدلة القول الأول، بأنها تتعلق بآخر يوم من رمضان، وما ذكروه من الأضحية لا يسلم لهم؛ فإن الأضحية لا تتعلق بطلوع الفجر (¬3). والذي يظهر: والله تعالى أعلم، أن الراجح هو القول الأول، أن وقت وجوب زكاة الفطر من رمضان هو غروب الشمس من ليلة العيد؛ لقوة أدلة هذا القول، وصراحتها في الدلالة على المراد؛ وضعف أدلة القول الآخر. هذا من حيث وقت الوجوب، وتعلقها في الذمة. وأما وقت الجواز: فقد كان السلف رضي الله تعالى عنهم يخرجون زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؛ كما ¬
المسألة الرابعة: بداية وقت ذبح الأضحية
ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه كان يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» (¬1). وهذا كالإجماع منهم على جواز تقديم إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأن تعجيلها بهذا القدر لا يخل بالمقصود منها؛ فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغنى بها عن الطلب فيه (¬2). وأما أفضل أوقات إخراجها: فالمستحب أن يخرجها يوم العيد قبل الصلاة، فإن هذا هو عمل أكثر السلف (¬3)؛ والنبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث ابن عمر: أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة (¬4). المسألة الرابعة: بداية وقت ذبح الأضحية: الأضحية سنة مؤكدة، لا يستحب تركها لمن يقدر عليها. وإلى هذا ذهب الصاحبان من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة ¬
والتابعين وفقهاء السلف (¬1). لما روت أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره حتى يضحي» (¬2). فعلق التضحية على الإرادة، والواجب لا يعلق على الإرادة، فدل ذلك على أنها سنة وليست بواجبة (¬3). وإذا تقرر هذا فقد أجمع أهل العلم على أن السنة في ذبح الأضحية أن تذبح بعد الصلاة مع الإمام فمن فعل ذلك أجزأته وأجمعوا أنها لا جواز قبل طلوع الفجر من يوم النحر (¬4). واختلفوا في أول وقت جواز ذبحها على أربعة أقوال: ¬
القول الأول: يبدأ وقت الذبح بعد صلاة الإمام العيد بالبلد، فإن تعددت الصلاة فيه فبأسبق صلاة، فإن فاتت الصلاة بالزوال ذبح بعده، وسواء في هذا أهل الأمصار والقرى والبوادي، وإليه ذهب الشافعية في وجه، والحنابلة، وهو مذهب طائفة من فقهاء السلف؛ منهم الحسن، والأوزاعي وإسحاق (¬1). القول الثاني: يبدأ وقت الذبح من بعد طلوع الشمس يوم النحر، ومضي قدر ركعتين وخطبتين، سواء صلى الإمام أو لم يصل، وسواء كان من أهل الأمصار أو من أهل القرى والبوادي والمسافرين، وإليه ذهب الشافعية وبعض الحنابلة (¬2). القول الثالث: يبدأ وقت الذبح في حق أهل الأمصار بعد صلاة الإمام وخطبته، فإن تعددت الصلاة في البلد فبأسبق صلاة فإن فاتت الصلاة بالزوال ذبح بعده. وأما في وقتها في حق أهل القرى والبوادي فيبدأ بطلوع الفجر الثاني من يوم النحر. وإليه ذهب الحنفية (¬3). ¬
القول الرابع: يبدأ وقت الذبح في حق أهل الأمصار من بعد صلاة الإمام وخطبته وذبحه، فإن ترك الذبح لعذر فمن فعل الصلاة. وأما أهل القرى والبوادي فوقت أهل كل موضع يعتبر بأقرب البلاد إليه. وإليه ذهب بعض الحنفية، والمالكية (¬1). استدل أصحاب القول الأول بأدلة؛ منها: 1 - ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة؛ فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» (¬2). 2 - وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، فقال: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح» (¬3). ¬
فهذه النصوص نص في المسألة وهي تدل على اعتبار نفس صلاة العيد، وتعلق الذبح بها، وأنه لا يجوز الذبح قبل الصلاة وهي عامة في حق أهل الأمصار وغيرهم (¬1). واستدل أصحاب القول الثاني بأدلة، منها: 1 - ما رواه البراء بن عازب، رضي الله تعالى عنه، قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بعد الصلاة؛ فقال: «من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة؛ فتلك شاة لحم» (¬2). والمقصود من هذا: من صلى مثل صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن أحدًا لا يصلي صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما يصلى مثلها (¬3). ورد هذا: بأنه حمل للنص على غير ظاهره، بدليل روايات الحديث الأخرى الدالة على تعلق الذبح بالصلاة، مما استدل به أصحاب القول الأول (¬4). 2 - ولأن من لا صلاة عليه مخاطب بالتضحية، ولا يدخل وقت التضحية لهم إلا بعد مضي قدر الصلاة، فدل ¬
على أن المعتبر مضي قدر الصلاة (¬1). ورد هذا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رتب الذبح على فعل الصلاة، وليس على مضي زمن فعلها. 3 - ولأن التقدير بالزمان أضبط للناس في الأمصار والقرى والبوادي (¬2). ورد هذا: بأنه اجتهاد في مقابل النصوص الصريحة التي ترتب الذبح على الصلاة، والاجتهاد مع النص المردود. 4 - ولأن كل ما كان وقتًا للذبح في حق أهل المصر، كان وقتًا للذبح في حق غيرهم من أهل القرى والبوادي (¬3). واستدل أصحاب القول الثالث: بأدلة منها: 1 - استدلوا على أن وقت الذبح في حق أهل الأمصار يبدأ بعد صلاة الإمام وخطبته: بما استدل به أصحاب القول الأول (¬4). 2 - واستدلوا على أن وقت الذبح في حق غير أهل الأمصار يبدأ من طلوع الفجر؛ بأنه لا عيد عليهم، وما بعد طلوع الفجر من يوم النحر، فكان وقتها منه كسائر اليوم (¬5). ¬
ورد هذا من وجهين: الأول: أنها عبادة مؤقتة، وقتها في حق أهل الأمصار بعد إشراق الشمس، فلا تتقدم وقتها في حق غيرهم؛ كصلاة العيد. الثاني: أن أهل المصر لو لم يصل بهم الإمام، لم يجز الذبح لهم حتى تزول الشمس؛ لأنها حينئذ تسقط، فكأنه قد صلى فكذا في حق غيرهم من أهل القرى والبوادي (¬1). واستدل أصحاب القول الرابع بأدلة، منها: 1 - ما رواه جابر رضي الله عنهما قال: «صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا، وظنوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نحر فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي - صلى الله عليه وسلم -» (¬2). قالوا: فهذا يدل على أن الذبح معلق على فراغ الإمام من الصلاة والذبح، وأنه لا يجوز قبله (¬3). ورد هذا: بأنه محمول على أن المراد زجرهم عن التعجل الذي قد يؤدي إلى فعلها قبل الوقت؛ ولهذا جاء في ¬
باقي الأحاديث تقييد الذبح بالصلاة، وأن من ذبح بعدها أجزأه ومن لا فلا، ولا يشترط التأخير إلى أن ينحر الإمام (¬1). 2 - ما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة؛ فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» (¬2). فظاهره أن الذبح قبل صلاة الإمام ونحره ليس من الأضحية في شيء، وأنه لا يجوز للمسلم أن يضحي إلا بعد صلاة الإمام ونحره (¬3). ولكن هذا مردود بأنه لا يدل بظاهره على تخصيص ذلك بصلاة الإمام ونحره، وإنما هو دليل على أن الذبح لا يجزئ إلا بعد الصلاة. ويؤيد هذا: "أن الإمام لو لم ينحر، لم يكن ذلك مسقطًا عن الناس مشروعية النحر، ولو أن الإمام نحر قبل أن يصلي لم يجزئه نحره، فدل هذا على أنه هو والناس في وقت الأضحية سواء (¬4). ¬
والذي يظهر والله تعالى أعلم، أن وقت ذبح الأضحية في الموضع الذي يصلي فيه بعد الصلاة، وهذا يوافق القول الأول؛ لظاهر الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التي قيدت الذبح بالفراغ من الصلاة. وأما غير أهل الأمصار؛ من البوادي والقرى التي لا يصلى فيها العيد، فأول وقتها في حقهم بعد مضي قدر الصلاة والخطبة بعد دخول وقت صلاة العيد؛ لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها، وهذا يوافق القول الثاني؛ وبهذا تجتمع الأدلة، والله الموفق.
خاتمة بأهم نتائج البحث
خاتمة بأهم نتائج البحث بعد هذا البحث الفقهي لأحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني، وعرض مسائلها وأدلتها، وكلام أهل العلم فيها، ظهر لي جملة من النتائج المهمة، أجملها في الآتي: أولا: أن الوقت مهم في حياة المسلم، ومعتبر في نظر الشارع وقد رتب الله تعالى جملة من الأحكام الشرعية المعلقة بالعبادات على الوقت، وحددها بأوقات محددة لا يجوز أن تتقدمها، ولا أن تتأخر عنها، إلا لعذر مقبول شرعًا. ثانيًا: إن وقت الفجر الصادق من أهم الأوقات الشرعية التي اعتبرها الشارع الحكيم، ورتب عليها جملة من أحكام العبادات الشرعية المهمة. ثالثًا: الفجر فجران؛ أحدهما كاذب، والآخر صادق والتفريق بينهما من المسائل الفقهية الدقيقة؛ نظرًا لقربهما من بعض، واشتباههما على من ليس له علم بالفروق بينهما، ولا بد للمسلم من معرفة الفجرين، والتمييز بينهما لأن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بالفجر الثاني (الصادق) حتى يوقع
العبادات الشرعية التي كلفه الشارع بها في أوقاتها الشرعية المعتبرة. رابعًا: أن تحديد وقت طلوع الفجر الصادق لا زال محمل بحث، والتقاويم المتداولة بين الناس أغلبها متقدم على وقت الفجر بزمن يتراوح بين (15 - 30 دقيقة) وأقرب الأقوال الفلكية أن الفجر الصادق يبدأ عندما تكون زاوية الشمس تحت الأفق الشرقي (18 درجة) وهو ما حدده قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي رقم (6) في دورته التاسعة، المنعقدة في الفترة (12 - 19/ 7/ 1406هـ). خامسًا: يترتب على طلوع الفجر الصادق جملة من الأحكام الشرعية المهمة المتعلقة بالصلاة؛ فيبدأ به وقت صلاة الفجر؛ وينتهي به وقت الضرورة لصلاة العشاء؛ وينتهي به وقت صلاة الوتر؛ ويبدأ به وقت سنة الفجر؛ ويبدأ به أول أوقات النهي عن التطوع بالصلاة؛ وينتهي به وقت النزول الإلهي للسماء الدنيا. سادسًا: يترتب على طلوع الفجر الصادق جملة من الأحكام الشرعية المهمة المتعلقة بالصيام، فيجب بطلوعه الإمساك الشرعي للصائم عن المفطرات؛ ومن شك في طلوع الفجر بني على الأصل؛ وهو بقاء الليل؛ وإذا طهرت الحائض والنفساء قبل طلوع الفجر، وجب عليهما الصيام، ولو أخرتا الغسل إلى طلوع الفجر، ويجب على المجامع في ليل
رمضان النزع إذا طلع الفجر، ويجوز الإصباح للجنب، ويغتسل بعد طلوع الفجر، ويجب تبييت النية لصيام الفرض قبل طلوع الفجر؛ ويسن للصائم تأخير السحور إلى قبيل طلوع الفجر. سابعًا: يترتب على طلوع الفجر الصادق جملة من الأحكام الشرعية المهمة المتعلقة بالحج، فيبدأ به وقت الوقوف بعرفة عند الحنابلة، وينتهي به من يوم النحر وقت الوقوف بعرفة، ويفوت الحج؛ ويبدأ به وقت الدفع من مزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها، ويبدأ به وقت الوقوف بالمزدلفة لمن وجب عليه المبيت بها، ويبدأ به وقت رمي جمرة العقبة لغير أهل الأعذار، على الراجح من أقوال أهل العلم؛ ويبدأ به وقت طواف الإفاضة على أحد القولين في المسألة. ثامنًا: هناك جملة من أحكام العبادات الأخرى المتعلقة بطلوع الفجر الثاني؛ منها: وقت غسل يوم الجمعة؛ ووقت الغسل للعيدين؛ ووقت وجوب زكاة الفطر من رمضان، ووقت ذبح الأضحية. وفي ختام هذا البحث: أحمد الله تعالى وأشكره على ما أنعم به وأولى، واستغفره سبحانه من آفات الخطأ والسهو والغفلة والتقصير والنسيان، التي لا تخلو منها أعمال البشر وأسأله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به في الدنيا والآخرة.
سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وصلوات ربي وسلامه على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين كتبه الدكتور ناصر بن محمد بن مشري الغامدي الأستاذ المشارك بقسم القضاء ووكيل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى مكة المكرمة حرسها الله في 25/ 7/1428 هـ
مصادر البحث ومراجعة
مصادر البحث ومراجعة 1 - القرآن الكريم. 2 - الاستذكار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر (ضمن موسوعة شروح الموطأ للإمام مالك بن أنس) ت: د. عبد الله التركي، بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية القاهرة (ط1، 1425) هـ. 3 - آثار البلاد وأخبار العباد، زكريا بن محمد محمود القزويني، دار بيروت للطباعة والنشر (ط1، 1399هـ). 4 - أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، إعداد الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، دار القاسم الرياض (ط1، 1421 هـ). 5 - الأخبار العلمية من الاختبارات الفقهية: من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية اختارها علاء الدين البعلي، ت: أحمد بن محمد الخليل دار العاصمة الرياض (ط1، 1418هـ). 6 - أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك، أبو بكر بن حسن الكشناوي، ض: محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية بيروت (ط1، 1418 هـ). 6 - أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك، أبو بكر بن حسن الكشناوي، ض: محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية بيروت (ط1، 1416 هـ). 7 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية القاهرة (1413) هـ. 8 - الأم، محمد بن إدريس الشافعي ت: د. رفعت فوزي عبد المطلب، دار الوفاء المنصورة (ط1، 1422 هـ). 9 - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ت: أبو حماد صغير أحمد حنيف، دار طيبة، الرياض (ط2، 1414هـ).
10 - أوقات الصلوات في البلاد ذات خطوط العرض العالية، د. سعد بن تركي الخثلان، مطبوعات المجتمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، مكة (1428 هـ). 11 - الإجماع، أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، دار الكتب العلمية بيروت (ط2، 1408 هـ). 12 - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، تقي الدين أبو الفتح بن دقيق العيد، دار الكتب العلمية، بيروت. 13 - إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه: أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، ت: بهجة يوسف أبو الطيب، مؤسسة الرسالة، بيروت (ط1، 1416 هـ). 14 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي بيروت (ط2، 1405هـ). 15 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، ت: محمد حامد الفقهي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ط2. 16 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم الحنفي، دار المعرفة بيروت ط2. 17 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني، دار الكتاب العربي، بيروت (ط2، 1394 هـ). 18 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: محمد بن أحمد بن رشد الحفيد، ت: محمد صبحي حلاق، مكتبة ابن تيمية، القاهرة مكتبة العلم بجدة (ط1، 1415 هـ). 19 - البيان في مذهب الإمام الشافعي، أبو الحسين يحيى بن سالم العمران، ت. قاسم محمد النوري، دار المنهاج جدة (1/ 1421 هـ).
20 - التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن يوسف المواق (مطبوع مع مواهب الجليل). 21 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي، دار الكتاب الإسلامي القاهرة (ط1، 1313 هـ). 22 - التعريفات، علي بن محمد الجرجاني، ض: إبراهيم الأبياري دار الكتاب العربي بيروت (ط2، 1413 هـ). 23 - التعليق المغني على سنن الدارقطني، أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي (مطبوع مع سنن الدارقطني). 24 - تفسير سورة البقرة، محمد بن صالح العثيمين، درا ابن الجوزي، الدمام (ط1، 1423هـ) 25 - تفسير القرآن العظيم، الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ت: سامي بن محمد السلامة، دار طيبة، الرياض، الإصدار الثاني (ط1، 1422 هـ). 26 - التقاويم قديمًا وحديثًا: د. صالح العجيري، الناشر، مكتبة العجيري (1413 هـ). 27 - تقريب التهذيب: الحافظ ابن حجر العسقلاني ت: عادل مرشد مؤسسة الرسالة بيروت (ط1، 1416 هـ). 28 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت: السيد عبد الله هاشم المدني، دار المعرفة بيروت 1384 هـ. 29 - التمهيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر (ضمن موسوعة شروح الموطأ، للإمام مالك بن أنس) ت: د عبد الله التركي بالتعاون مع مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية القاهرة (ط1، 1425 هـ). 30 - تهذيب الأسماء واللغات، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الكتب العلمية بيروت.
31 - تهذيب التهذيب الحافظ ابن حجر العسقلاني، ت: إبراهيم الزيبق، وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة بيروت (ط1، 1416 هـ). 32 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) محمد بن جرير الطبري ت: د. عبد الله التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، دار هجر، القاهرة، (ط1، 1422 هـ). 33 - الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، ت: د. عبد الله التركي، بالتعاون مع مكتب التحقيق بمؤسسة الرسالة بيروت (ط1، 1427 هـ). 34 - الجامع الصحيح أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ت. أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت. 35 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير محمد بن عرفة الدسوقي، مطبعة التقدم العلمية بمصر 1331 هـ توزيع: دار الفكر بيروت. 36 - حاشية عبد الرحمن بن قاسم النجدي على الروض المربع شرح زاد المستقنع، لمنصور بن يونس البهوتي، الرياض (ط4، 1410 هـ). 37 - الحاوي الكبير في الفتاوى أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت: محمود مطرجي، دار الفكر، بيروت ط 1، 1414 هـ. 38 - الحج؛ أحكامه وصفته،، عبد الله بن عبد الرحمن السعد، دار المحدث الرياض (ط1، 1426 هـ). 39 - خالص الجمان تهذيب مناسك الحج من أضواء البيان للإمام محمد الأمين الشنقيطي هذبه ورتبه: د. سعود الشريم، دار الوطن الرياض، (ط1، 1416 هـ). 40 - الخرشي على مختصر خليل محمد الخرشي المالكي دار صادر بيروت.
41 - خلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، يحيى بن شرف النووي، ت: حسين إسماعيل الجمل، مؤسسة الرسالة، بيروت (ط1، 1418 هـ) 42 - رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عابدين، دار الفكر بيروت (ط2، 1386 هـ). 43 - الروض المربع شرح زاد المستقنع، منصور البهوتي ت: د عبد الله الطيار، د. إبراهيم الغصن، د. خالد المشيقح، د. عبد الله الغصن دار الوطن الرياض ط1، 1419 هـ. 44 - زاد المعاد في هدي خير العباد، محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، ت: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط مؤسسة الرسالة بيروت (ط15، 1407 هـ). 45 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف بالرياض (1415 هـ). 46 - سنن الدارقطني: للحافظ الكبير علي بن عمر الدارقطني ت: مجموعة من المختصين بإشراف المحدث الشيخ شعيب الأرنؤوط مؤسسة الرسالة بيروت (ط1، 1424 هـ). 47 - سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد بن ماجة، دار السلام، الرياض، ط1، 1420 هـ (مجلد واحد). 48 - سنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني دار السلام للنشر والتوزيع الرياض، ط1، 1420 هـ (مجلد واحد). 49 - السنن الصغرى (المجتبى) أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ض: عبد الوارث محمد علي دار الكتب العلمية بيروت (ط1، 1416 هـ). 50 - السنن الكبرى، أحمد بن الحسين البيهقي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد الكن (ط1، 1344 هـ) ومعه الجوهر النقي لابن التركماني.
51 - شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين، دار الوطن، الرياض ط 1426 هـ. 52 - شرح السنة للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي، ت: عادل عبد الموجود، وعلي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1412هـ. 53 - شرح صحيح البخاري، ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك، ت: أبو تميم ياسر إبراهيم، مكتبة الرشد، الرياض،، (ط1، 1420هـ). 54 - الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه القاهرة (1972 م). 55 - شرح العمدة في الفقه شيخ الإسلام أحمد بن عبد السلام بن عبد الحليم بن تيمية قسم الطهارة ومناسك الحج، ت: د سعود بن صالح العطيشان، ود صالح بن محمد الحسن، مكتبة العبيكان الرياض (ط1، 1413 هـ). 56 - الشرح الكبير، شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد قدامة المقدسي، ت: د عبد الله التركي، دار عالم الكتب الرياض (ط2، 1426 هـ). 57 - شرح مشكل الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، ت: شعيب الأرنؤوط مؤسسة الرسالة، بيروت، (ط1، 1415 هـ). 58 - شرح معاني الآثار، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، ت: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت (ط1، 1399 هـ). 59 - الشرح الممتع على زاد المستقنع، محمد بن صالح العثيمين ت: د. سليمان أبا الخيل، ود. خالد المشيقح مؤسسة آسام الرياض ط1، 1414 هـ.
60 - شرح النووي على صحيح مسلم، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، دار الخير بيروت (ط1، 1414 هـ). 61 - صحيح سنن ابن ماجة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف الرياض، ط2 الجديدة، 1421 هـ. 63 - صحيح البخاري محمد بن إسماعيل، دار ابن كثير، دمشق، بيروت (ط1، 1423 هـ) مجلد واحد. 64 - صحيح سنن الترمذي محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف الرياض ط1 الجديدة (1420 هـ). 65 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، بيت الأفكار الدولية، لبنان ط1 (2005 م). 66 - ضعيف سنن ابن ماجة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف الرياض (ط1 الجديدة 1417 هـ). 67 - ضعيف سنن أبي داود، محمد ناصر الدين الألباني مكتبة المعارف، الرياض (ط1 الجديدة 1421 هـ). 68 - الطبقات الكبرى، محمد بن سعد الزهري، دار صادر، بيروت 1380 هـ. 69 - عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، جلال الدين عبد الله بن نجم بن شاس، ت: د محمد أبو الأجفان، وعبد الحفيظ منصور دار الغرب الإسلامي، بيروت (ط1، 1415 هـ). 70 - علم الفلك والتقاويم، د. محمد باسل الطائي دار النفائس، بيروت (ط1، 1424 هـ). 71 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت. محمد فؤاد عبد الباقي، ومحب الدين الخطيب، مع تعليقات سماحة الشيخ ابن باز، دار الريان للتراث القاهرة، ط2، 1409 هـ.
72 - فتح القدير، لكمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام الحنفي، دار الفكر، بيروت ط2. 73 - الفروع، شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي ت: د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة بيروت (ط1، 1424 هـ). 74 - القاموس المحيط مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت (ط2، 1407 هـ). 75 - قرارات المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، مطابع رابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة. 76 - قرارات المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، الدورة التاسعة عشرة المنعقدة في (22 - 27/ 10/ 1428 هـ) مكة المكرمة مطبوعة على الآلة. 77 - قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية (القوانين الفقهية) محمد بن أحمد بن جزي المالكي، دار العلم للملايين، بيروت (1974م). 78 - الكافي، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، ت: د عبد الله التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر القاهرة (ط1، 1417 هـ). 79 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، أبو عمر يوسف بن عبد البر، ت: د. محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، مكتبة الرياض الحديثة الرياض، (ط1، 1398 هـ). 80 - الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدي الجرجاني، دار الفكر، بيروت (ط1، 1414 هـ). 81 - كتاب الحج من الحاوي الكبير أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت: د غازي بن طه خصيفان مكتبة الرشد، الرياض (ط1، 1422 هـ).
82 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، ت: محمد عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1 (1416 هـ). 83 - لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، دار إحياء التراث الإسلامي بيروت ط3، 1419 هـ. 84 - المبسوط، شمس الدين السرخسي، دار المعرفة بيروت (ط3، 1398 هـ). 85 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين الهيثمي، دار الكتب العلمية بيروت (1408 هـ). 86 - المجموع شرح المهذب للشيرازي، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، ت: محمد نجيب المطيعي، دار إحياء التراث العربي، مصر، 1415 هـ. 87 - مجموع فتاوى ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع: عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، مجمع الملك فهد، المدينة ط1، 1416 هـ. 88 - المحلى بالآثار، علي بن أحمد بن حزم الظاهري،: أحمد شاكر مكتبة التراث القاهرة. 89 - المحلى بالآثار، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، ت: د سليمان البنداري دار الفكر، بيروت (1405هـ). 90 - المدونة الكبرى، مالك بن أنس، برواية سحنون بن سعيد التنوخي، عن عبد الرحمن بن قاسم دار الفكر بيروت (ط1، 1398 هـ). 91 - مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، ت: حسن أحمد إسبر، دار ابن حزم، بيروت (ط1، 1419هـ). 92 - المسالك في المناسك، للإمام أبي منصور محمد بن مكرم بن شعبان الكرماني، ت: د سعود الشريم، دار البشائر الإسلامية بيروت (ط1، 1424 هـ).
93 - المستدرك على الصحيحين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، وبهامشه: تلخيص المستدرك، لشمس الدين الذهبي، ض: مصطفى عطا، دار الكتب العلمية، بيروت ط1. 94 - مسند الإمام أحمد بن حنبل بتحقيق أحمد شاكر، دار المعارف، مصر ط4. 95 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، ت: نخبة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط مؤسسة الرسالة بيروت ط1، 1416 هـ 96 - مشروع دراسة الشفق د. زكي بن عبد الرحمن المصطفى، وآخرون، المرحلة الأولى (رقم المشروع 2410 ف م) مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية معهد بحوث الفلك والجيوفيزياء، قسم الفلك 1426 هـ (مخطوط). 97 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد الفيومي، ض: يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، بيروت، ط2، 1418 هـ. 98 - معالم السنن شرح سنن أبي داود، أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي دار الكتب العلمية بيروت (1416هـ). 99 - معجم البلدان، أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي، ض: فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية بيروت. 100 - معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس الرازي، ت: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت. 101 - المعجم الوسيط إخراج: مجمع اللغة العربية بمصر إعداد: د. إبراهيم أنيس، ود: عبد الحليم المنتصر، وعطية الصوالحي ومحمد خلف الله، دار الفكر بيروت. 102 - المغني موفق الدين ابن قدامة الحنبلي، ت: د عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو دار هجر القاهرة ط1، 1410 هـ.
103 - مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ت: صفوان الداوودي، دار القلم، دمشق والدار الشامية بيروت (ط2، 1418 هـ). 104 - مفيد الأنام ونور الظلام في تحرير الأحكام لحج بيت الله الحرام عبد الله بن عبد الرحمن الجاسر النجدي، مكتبة النهضة المصرية القاهرة (ط2، 1389 هـ). 105 - المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (ومعه الشرح الكبير والإنصاف) ت: د. عبد الله التركي، دار عالم الكتب الرياض، (ط2، 1426 هـ). 106 - مناسك ابن جماعة على المذاهب الأربعة للقاضي عز الدين عبد العزيز بن محمد بن جماعة الكناني، ت: د حسن بن سالم الدهماني التونسي مطبعة الكواكب تونس (ط1، 1407 هـ). 107 - مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض (ط4، 1410) 108 - مناسك الحج العمرة والمشروع في الزيارة، محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي الدمام (1424هـ). 109 - منسك شيخ الإسلام ابن تيمية، للإمام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، ت: علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد، مكة (ط1، 1418 هـ). 110 - مواقيت الصلاة بين علماء الشريعة والفلك ا. د محمد الهواري مطبوعات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة (ط1، 1428 هـ). 111 - مواهب الجليل، محمد بن عبد الرحمن المغربي، دار الفكر بيروت ط2، 1398 هـ. 112 - الموسوعة الفلكية، د. خليل بديوي، عالم الثقافة عمان 1999 م (نقل منه بواسطة: أوقات الصلوات في البلاد ذات خطوط العرض العالية، 0د. سعد الخثلان).
113 - الموطأ الإمام مالك بن أنس، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية مصر ط2. 114 - نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي الحنفي، ض: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت (ط1، 1416 هـ). 115 - النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ض: عبد الرحمن صلاح عويضة دار الكتب العلمية، بيروت ط1، 1418 هـ. 116 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أحمد الرملي المطبعة البهية المصرية ط1، 1304هـ. 117 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من الأحاديث سيد الأخيار، محمد بن علي الشوكاني، ض: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث القاهرة (ط1، 1413 هـ).
ملخص البحث
ملخص البحث أحكام العبادات المترتبة على طلوع الفجر الثاني دراسة فقهية تأصيلية موازنة تأليف الدكتور ناصر بن محمد بن مشري الغامدي الأستاذ المشارك بقسم القضاء ووكيل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة أم القرى الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن الوقت في الإسلام من الأمور المهمة العظيمة التي أمر الشارع الحكيم بمراعاتها والمحافظة عليها، ورتب عليها جملة من الأحكام الشرعية، والمصالح المرعية، والفوائد المهمة، وأوقات الصلاة من أهم ما يجب على المسلم العناية به؛ لأن الصلاة آكد أركان الإسلام، والله تعالى قد جعل الصلاة على المؤمنين كتابًا مفروضًا، مؤقتًا بأوقات محددة معلومة، لا يجوز فعلها قبلها، ولا يجوز تأخيرها عنها إلا لعذر وضرورة. هذا وإن من أهم أوقات الصلاة وقت طلوع الفجر الصادق؛ حيث يتعلق به من الأحكام الشرعية جملة كبيرة من أحكام العبادات العظيمة التي تبدأ بطلوعه أو تنتهي بطلوعه. وحيث إن هذه المسألة من المسائل المهمة والأحكام
المترتبة عليها كثيرة جدًا مفرقة بين أبواب العبادات، ولم أر من بحثها أو جمعها وأصلها بالأدلة الشرعية، فقد رغبت في بحثها بحثًا علميًا فقهيًا مقارنًا مؤصلاً بالأدلة الشرعية، وقد سرت في بحثها وفق منهج علمي أوضحته في مقدمة البحث. وقسمت البحث إلى مقدمة مشتملة على أهميته وأسباب اختياره وخطته ومنهجه؛ وخمسة مطالب؛ أولها: في تعريف الفجر، وبيان نوعيه والفروق بينهما، وبيان تحديد الفجر الصادق، ومقارنته بما عليه التقاويم الحديثة. وثانيها: أحكام الصلاة المترتبة على طلوع الفجر الثاني. وثالثها: أحكام الصيام المترتبة على طلوع الفجر الثاني. ورابعها: أحكام الحج المترتبة على طلوع الفجر الثاني. والخامس: مسائل متفرقة تترتب على طلوع الفجر الثاني. وقد جمعت في كل مطلب من هذه المطالب الأحكام المترتبة على طلوع الفجر؛ سواء منها ما كان مبتدئًا بطلوعه، أو كان منتهيًا بطلوعه، مع بيان خلاف أهل العلم فيما قوي فيه الخلاف، وأدلتهم وبيان الرأي الراجح بأدلته. وقد رجعت في هذا البحث إلى المصادر الفقهية المعتمدة في المذاهب وتفاسير القرآن، ودواوين السنة النبوية العظيمة، وكتب اللغة والغريب، مع الاستفادة من البحوث والدراسات الحديثة في الموضوع، وما توصلت إليه بعض الهيئات العلمية المعتبرة، والمجامع الفقهية، ثم ختمت البحث بأهم النتائج المستخلصة منه، وفهرس للمصادر والمراجع. والله اسأل أن ينفع بهذا البحث من كتبه وقرأه وسمعه وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يتجاوز عما فيه من خطأ وتقصير ونسيان، والحمد لله رب العالمين.