إمتاع الأسماع
المقريزي
المجلد الأول
[المجلد الأول] [مقدمة المحقق] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح: 29] . صدق اللَّه العظيم
الإهداء
الإهداء إلى صاحب الخلق العظيم.. والخلق القويم.. إلي سيدنا ومولانا محمد، الفاتح لما أغلق.. والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق.. والهادي إلى صراط مستقيم.. وعلي آله وصحبه حقّ قدره ومقداره العظيم. أهدي هذا الجهد المتواضع من عنايتي بسيرته العطرة، راجيا أن أنال به الشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر، آملا أن ألقاه علي الحوض- إن كنت أهلا لذلك- وحتى ذلك الحين، له مني صلاة وسلاما دائمين إلي يوم الدين، في كل نفس، ولمحة، وطرفة عين، كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون.
دعاء
دعاء «لا أحوجك اللَّه إلي اقتضاء ثمن معروف أسديته، ولا ألجأك إلي قبض عوض عن جميل أوليته، ولا جعل يدك السفلي لمن كانت عليه هي العليا. وأعاذك من عز مفقود، وعيش مجهود. وأحياك ما كانت الحياة أجمل لك، وتوفاك إذا كانت الوفاة أصلح لك، بعد عمر مديد، وسموّ بعيد، وختم بالحسنى عملك، وبلغك في الأولى أملك، وسدد فيها مضطربك، وأحسن في الأخرى منقلبك، إنه سميع قريب، جواد مجيب» . التقي المقريزيّ، (السلوك في معرفة دول الملوك) : 1/ 1.
تقديم
تقديم * بقلم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي [إن الحمد للَّه نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا وأن محمدا عبد اللَّه ورسوله] . أما بعد: - فهذا كتاب من كتب التراث الإسلامي، عهد إلي بمراجعة تحقيقه، تمهيدا لإخراجه للدارسين والباحثين من أبناء هذه الأمة، والمنتفعين بعلمها وثقافتها، وهو واحد من الكتب التي منيت بما مني بها كثير من تراثنا الفكري والحضاريّ من الإهمال والضياع والتشويه. - إنه كتاب: إمتاع الأسماع بما للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأبناء والأحوال والحفدة والمتاع. لمؤلفه: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبي العباس الحسيني. العبيدي، تقي الدين المقريزي، رحمه اللَّه. إنني أعلم- ويعلم مؤرخو الفكر البشري، وراصدو خطو الحركة الثقافية الإنسانية علي أرض اللَّه- ما لهذا التراث الإسلامي من ثراء، وقوة، وجدية، وقدرة علي الإعطاء، والإثراء، والزيادة. وإنني أعلم- أيضا- مدى ما يعانيه هذا التراث المجيد من ضياع وإهمال، علي الرغم من كثرة المؤسسات القائمة علي نشره وإذاعته هذه المؤسسات التي يعمل كثير منها بدافع الكسب المادي قبل كل شيء، وفوق أي اعتبار- ولا يهمها أن يخرج الكتاب علي الناس موثقا أو غير موثق، محققا
أو غير محقق، بريئا من التحريف، أو يعتريه التحريف، في كل صفحاته وفقراته. لقد عانى التراث العربيّ من هذه المؤسسات الكثيرة، وما زال يعاني، وكم كنا نود أن تقوم هيئة عليا لوضع برنامج لأولويات نشر التراث، يكون ملزما لجميع الناشرين، بحيث لا يخرج الكتاب الواحد في عدة طبعات في آن واحد!! في الوقت الّذي لا تري النور ألوف من المخطوطات!! وبحيث لا يخرج الكتاب علي الناس محرفا، غير مقروء قراءة صحيحة، تلك مهمة هيئة عليا، ننتظر أن تقوم، إن صلحت النيات، وقويت الرغبة في الخير، وأريد لهذه الأمة أن تسلك مسالك الصلاح والإصلاح. وهذا الكتاب الّذي بين أيدينا، وأحد من آثار المقريزي العلمية، وجزء من تراثه الكبير. والمقريزي مؤخر، أديب، فقيه، رواية، له أثر كبير في نفسي، ونفوس الكثيرين من دراسيه وعارفي فضله. ولقد وقفت وتعرفت علي كثير من أعماله التاريخية، والأدبية، والدينية، رأيته عالما جليلا، تأثر بمن سبقوه، وأثر فيمن جاءوا بعده، وكان لتأثره وتأثيره أثر كبير في إنتاجه الثقافي الّذي أربى علي مائتي مجلد!! إن المقريزي علم من الأعلام الذين ينبغي أن نعني بدراستهم، ونهتم بتراثهم وآرائهم، وقد آلمني- أثناء دراستي للرجل، ولحياته- أن أجد كتب التراجم قد هجرت الرجل هجرا غير جميل، فلم تشر إليه إلا إشارات عابرة لا تكفي في تكوين فكرة عن الرجل، أو إلقاء ضوء علي حياته! الأمر الّذي يجعل الدارسين لحياة الرجل، والكاتبين لترجمته، يجدون عناء شديدا فيما يقصدون إليه، ويريدون له، فإنّهم ينقبون فيما كتبه الرجل، لا فيما كتب عنه، فما كتبه كثير، وما كتب عنه قليل، بل دون القليل!.
إن المقريزي معلم من معالم الكتابة التاريخية الإسلامية، له آراؤه الصائبة، ورؤيته الواضحة، ومنهجه البين، وشخصيته المتميزة، وتراثه، كان، وسيظل مثابة تهوي إليها عقول الدارسين، والباحثين، ورواد المعرفة، مع أن الّذي طبع منه ونشر قليل وضئيل، إذا قيس بما لم يطبع ولم ينشر. ولذا، فإن من حق المقريزي علينا- نحن الذين درسناه، وعرفناه، واستفدنا من علمه- أن نعني بتراثه، نشرا، وإخراجا، حتى يكون متاحا، وميسرا للعلماء وطلاب العلم، حيثما كانوا من ارض اللَّه. وقبل أن ارفع القلم عن هذه المقدمة القصيرة، أتمهل لأنوه بالمجهود المشكور الّذي قام به الأخ المحقق: الأستاذ الشيخ/ محمد عبد الحميد النميسي، لقد عكف علي هذا الكتاب الكبير، المترامي الأطراف، في السيرة، والخصائص، والشمائل، دارسا لفصوله، محققا لأصوله، شارحا لغريبه، مناقشا لآرائه مخرجا لنقوله، وقد أحسن فيما قصد إليه، فجزاه اللَّه عن العلم وأهله خير الجزاء. وإنني إذ أنهي هذه المقدمة، أرجو أن أكون قد وفقت، فيما إليه قصدت والحمد للَّه الّذي بحمده تتم الصالحات. ويا رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين. دكتور محمد جميل غازي رئيس المركز الإسلامي العام لدعاة التوحيد والسنة بمصر وكبير الباحثين بالمجلس الأعلى للثقافة [سابقا]
ترجمة المقريزي [1]
ترجمة المقريزي [ (1) ] اسمه: هو أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم تقي الدين المقريزي، [بفتح الميم نسبة إلي مقريز- محلة من بعلبكّ] البعلي ثم المصري الفقيه المؤرخ الشافعيّ.
مولده:
مولده: ولد سنة 766 هـ (1364 م) بحارة برجوان، بقسم الجمالية، بمحافظة القاهرة، بمصر. نشأته: نشأ المقريزي في أسرة معروفة بالاشتغال بالعلم في دمشق وبعلبكّ والقاهرة. وعبر عشرين سنة- هي سنوات طفولته ومراهقته وشبابه- شهد المقريزي حوادث ذلك العصر الآفل من نافذته الفكرية المصرية البعيدة عن شئون الدولة المملوكية وأمرائها الذين جعلوا من السلاطين الأطفال وأشباه الأطفال وقتذاك، ستارا رقيقا شفافا ساذجا يعملون من ورائه لتحقيق مطامعهم. ثقافته: وفي وسط تلك الحوادث الصاخبة المتقلبة، عكف الشاب أحمد المقريزي على الدراسة التقليدية لأبناء طبقته، وهي دراسة علوم الدين وحفظ القرآن ومعرفة النحو ودراسة الفقه والتفسير، والحديث، وبعض العلوم الأخرى مثلي التاريخ، وتقويم البلدان، والأدب، والحساب. مصادر ثقافته: ترجع مصادر ثقافة المقريزي إلي: 1- أنه كان يملك مكتبة كبيرة ضخمة تضم العديد من الكتب في مختلف أنواع العلم والمعرفة المتداولة في عصره، والدليل واضح في الكثرة الكثيرة من المراجع التي أشارت في مؤلفاته إلي أنه رجع إليها وأخذ عنها. 2- أنه ولى وظائف كثيرة مختلفة، مكنته من التعرف علي دولاب العمل وكيف يدار، وعلي مختلف النظم الإدارية والمالية، وعلي أحوال الشعب الاجتماعية والاقتصادية. 3- اشتغاله بعلمي الحديث والتاريخ، وهما علمان يعتمدان أصلا علي الجرح والتعديل، والنقد والتحليل، والتثبت من كل قول، أو رواية أو حقيقة علمية.
شخصية المقريزي:
شخصية المقريزي: أودع المقريزي في صفحة العنوان من كتاب [السلوك لمعرفة دول الملوك] ، شيئا من صفاته الشخصية، حيث يقول بعد كتابة اسم الكتاب واسمه هو، وكأنما يخاطب نفسه: [لا أحوجك اللَّه إلي اقتضاء ثمن معروف أسديته، ولا ألجأك إلي قبض عوض عن جميل أوليته، ولا جعل يدك السفلي لمن كانت عليه هي العليا، وأعاذك من عز مفقود، وعيش مجهود، وأحياك ما كانت الحياة أجمل لك، وتوفاك إذا كانت الوفاة أصلح لك، بعد عمر مديد، وسمو بعيد، وختم بالحسنى عملك، وبلغك في الأولى أملك، وسدد فيها مضطربك، وأحسن في الأخرى منقلبك، إنه سميع قريب، جواد منيب] . الوظائف التي تولاها المقريزي: التحق المقريزي بالخدمة الحكومية، بعد أن غدا بحكم طبقته وتعليمه من [أهل العلم والمعرفة] وهي التسمية المخصصة لهذه الطبقة تمييزا لها عن طبقة [أهل السيف] وهم المماليك وحدهم، دون غيرهم من سكان البلاد المصرية والشامية جميعا. وأول عهد المقريزي بالخدم الحكومية كأبيه من قبله: [ديوان الإنشاء بالقلعة] ، وهو الديوان الّذي يقابله في العصر الحاضر [وزارة الخارجية] ، فعمل المقريزي الشاب سنة 1388 م موقعا- أي كاتبا- وهي وظيفة لا يبلغها وقتذاك سوى أصحاب الموهبة والمعرفة والتفوق في اللغة والأدب والتاريخ. ثم تعين المقريزي نائبا من نواب الحكم- أي قاضيا- عند قاضي قضاة الشافعية بسبب ما اشتهر عنه من الحماسة للمذهب الشافعيّ منذ أيام دراسته، وتحوله عن مذهب الحنفية الّذي نشأ فيه، ثم صار المقريزي إمام الجامع الحاكم الفاطمي، وهي وظيفة في ذلك العصر. وتولى المقريزي بعد ذلك وظيفة مدرس للحديث بالمدرسة المؤيدية، وهي وظيفة يقابلها في المصطلح الجامعي في العصر الحاضر [أستاذ ذو كرسي] .
مؤلفات المقريزي:
- وربما كان تعين أحمد المقريزي في تلك الوظيفة التعليمية بتوصية خاصة من أستاذه [عبد الرحمن بن خلدون] لدى صديقه [السلطان برقوق] . ثم انتقل المقريزي من التدريس إلي الحسبة حين عينه [السلطان برقوق] سنة 1398 م محتسبا للقاهرة والوجه البحري، فانتقل بذلك من دائرة الإدارة والاختلاط بمختلف طبقات المجتمع، ذلك أن وظيفة المحتسب التي يقابلها في الوقت الحاضر عدة وظائف وزارية شملت وقت ذاك النظر في الأسعار الجارية، وأحوال النقود، وضبط الموازين والمكاييل والمقاييس، ومراقبة الآداب العامة ونظافة الشوارع، وتنظيم حركة المرور، مع الإشراف علي المدارس والمدرسين والطلاب، والعناية بالمساجد والحمامات والوكالات، فضلا عن مراقبة أصحاب الصناعات الفنية من الأطباء، والصيادلة، والمعلمين [أي المهندسين المعماريين] . ويضاف إلي هذه الواجبات الكثيرة الداخلة في اختصاص المحتسب أحوال الباعة الجائلين، والمتعيشين، والشحاذين، والمتعطلين الذين كانوا خطرا دائما علي الأمن. ويتضح من ضخامة هذه الوظيفة ومسئوليتها أن أحمد بن علي المقريزي الّذي تعين عليها بأمر [السلطان برقوق] ، لا بدّ أنه اشتهر وقتذاك بالكفاية والدقة في الإدارة والأمانة في تطبيق الأحكام الشرعية. غير أنه لم يلبث أن تنحى عن هذه الوظيفة مرتين في عامين متتالين، إذ ضاق بمسئوليتها التي شغلت وقته ليلا ونهارا، وصرفته عن القراءة، وتطلبت منه الجلوس في دكة المحتسب-[بوابة المتولي الحالية]- للفصل في شكاوى السوق والسوقة، وتوقيع عقوبات علي المخالفين، وإصدار الأوامر إلي العرفاء والأعوان والنقباء، مع العلم بأن وظيفة [محتسب القاهرة] شملت الوجه البحري كله. مؤلفات المقريزي: ترك المقريزي- رحمه اللَّه- مؤلفات عديدة، في مجال التاريخ، والأنساب، والعقائد، والفقه، والأدب، والعلوم البحتة، زادت علي
1 - (اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء) :
نحو مائتي مجلدة كبار في مكتبات العالم، أو المثبت عنواناته لدى من ترجم له، أو اعتني بالفهرسة العامة للمؤلفات العربية، ويمكن إجمال مؤلفاته علي النحو التالي: 1- (اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء) : أرخ فيه المقريزي للدولة الفاطمية منذ قيامها في المغرب العربيّ، وحتى سقوطها في مصر، مترجما لخلفائها، مشيرا من خلال ترجماتهم إلي الحوادث الواقعة في زمانهم، وقد انتظمتها عدة حوليات متتابعة، مقدما لترجماتهم بالحديث عن أولاد علي بن أبي طالب وأعقابهم، مع تحقيق نسب الخلفاء الفاطميين، والتعريف بنشأة دولتهم في المغرب العربيّ، ومذيلا عليها بالتعريف برسوم دولتهم في مصر، وما عابه الفقهاء والمؤرخون عليهم، فضلا عما صار إليه أمر أهليهم وذويهم، بعد سقوط دولتهم في مصر. نشره بالقاهرة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فيما بين سنتي (1967) ، (1973) ، في ثلاثة أجزاء بتحقيق الدكتور جمال الدين الشيال، والدكتور محمد حلمي عبد الهادي. 2- (أخبار قبط مصر) : وهو في تاريخ الأقباط، مستخرج من كتاب (المواعظ والاعتبار) . نشره هماكر بأمستردام سنة (1824) ، ونشره وستنفيلد بغوطا سنة (1845) . 3- (الإخبار عن الأعذار) : عالج المقريزي من خلاله موضوعا تاريخيا اجتماعيا، يدور حول ما يقام من ولائم في البناء [الزواج] ، والختان. ذكره السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 22. 4- (إزالة التعب والعناء في معرفة الحال في الغناء) : ذكره ابن تغري بردي في (المنهل الصافي) : 1/ 398، السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 23
5 - (الإشارة والإيماء في حل لغز الماء) :
* منه نسخة في دار الكتب [فهرس الخديوية] : 7/ 564، ونسحة بالمكتبة الوطنية بباريس. 5- (الإشارة والإيماء في حل لغز الماء) : وهو رسالة لطيفة الحجم، كتبها المقريزي يوم الثلاثاء، لأربع عشر ليلة خلت من المحرم سنة (823 هـ، 1420 م) علي سبيل التسلية، مستعرضا من خلالها معارفه الأدبية، واللغوية، والبلاغية، والفقهية، والعلمية البحتة، وهي تدور حول حل [تفسير] لغز الماء. لكن يعيب هذا المؤلف ما تخلل مادته من التسليم ببعض الخرافات ومستغربات الحدوث، مع احتوائه علي بعض المعاني المستغلقة، بعيدة المرمى، تحتاج إلى إيضاح. * توجد منه عدة نسخ خطية، في مسودتين، تحتفظ بهما مكتبة جامعة القاهرة، تحت رقمي (22075) و (26247) ضمن مجموع رسائل المقريزي- رحمه اللَّه- ومنه نسخة في دار الكتب المصرية [فهرس الدار] : 3/ 12، ونسخة في مكتبة نور العثمانية في استامبول برقم (4937/ 015) . 6- (الإشارة والإعلام ببناء الكعبة البيت الحرام) : أو تاريخ بناء الكعبة* ذكره المقريزيّ- رحمه اللَّه- في (الذهب المسبوك) : 26. منه نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية بدمشق، وهي بخط المؤلف برقم (4805) ، وليدن برقم (943) . 7- (إغاثة الأمة بكشف الغمة) : وهي رسالة لطيفة الحجم، فرغ المقريزيّ- رحمه اللَّه- من تأليفها في المحرم سنة (808 هـ، 1405 م) كما ذكره هو في (إغاثة الأمة) : 43، 86، علي أثر المجاعات والكوارث الاقتصادية، التي لحقت بمصر فيما بين عامين (796 هـ) ، (808 هـ) عارضا من خلالها لما حل بمصر من غلاء، وما ترتيب عليه من مجاعات أو كوارث مجيحة فيما قبل نشوء الإسلام وبعده، حتى سنة ثمان وثمانمائة للهجرة، محصيا منها ستا وعشرين حادثة، خصّ مصر
الإسلامية منها عشرين، وردت علي سبيل التمثيل لا الحصر وقد أشير من خلالها إلي أن فيها ما هو أشدّ وأنكى من المحن المعاصرة، معللا لهذه المحن بأسباب طبيعية، كقصور جري النيل في مصر، وعدم نزول المطر في الشام، والعراق، والحجاز، وما يصيب الغلال من الآفات وسمائم الرياح. وأخرى غير طبيعية، ترجع إلى سوء تدبير ولاة الأمور، وتتحصر في أمور ثلاثة، هي: 1- ولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية بالرشاء. 2- غلاء إيجار الأطيان الزراعية علي مبلغ ما تغله الأرض من محصول. 3- رواج الفلوس النحاسية. وفي هذا العامل الأخير يكمن لب المشكلة وحلها في رأي المقريزيّ- رحمه اللَّه- ولذا صرف جل اهتمامه إليه، مستطردا منه إلي ثلاثة موضوعات، هي: 1- النقد الإسلامي، وتطور سك العملة، وأثره في النظام النقدي في مصر. 2- نشأة الفلوس المضروبة من النحاس الأحمر في مصر، وتراجع الدراهم المضروبة من الذهب لعدم ضربها، وسبكها حليا. 3- أسعار النقد [ذهبا وفضة] ، وبعض السلع الرئيسية من المحاصيل الزراعية. لكن شاب هذه الرسالة- كذلك- تسليم المقريزيّ- رحمه اللَّه- من خلال مادتها بكثير مما جاء في مصادره من المبالغات، أو مستغربات الحدوث، في مصر والشام. ومن ذلك إشارته إلي نطق ثور جبة عسال- قرية من قرى دمشق بالشام-. منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية [فهرس الدار] : 5/ 36، ونسخة خطية في مكتبة نور العثمانية برقم (4937/ 1) . نشره في القاهرة لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط 2، 1957 م، بتحقيق الدكتور محمد مصطفى زيادة، والدكتور جمال الدين الشيال.
8 - (الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام) :
8- (الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام) : هو رسالة لطيفة الحجم، كتبها المقريزي- رحمه اللَّه- أثناء مجاورته في مكة سنة تسع وثلاثين وثمانمائة (1435- 1436 م) ، مرتبا لها علي مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة قصيرة جدا، اقتصر فيها علي الصلاة والتسليم. * منه نسخ خطية في: مكتبة جامعة ليدن برقم (992) ، (993) ، مكتبة نور العثمانية برقم (4937/ 11) ، دار الكتب المصرية برقم (500) [فهرس الدار] : (5/ 38) مكتبة باريس، نسخة تاريخها (841 هـ) . وظهرت لهذا الكتاب طبعتان: نشره رينك، ليدن، سنة (1790 م) ، نشر في القاهرة سنة (1313 هـ) . 9- (إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأموال والحفدة والمتاع) : وهو مؤلف مطول في سيرة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، جمع مادته من مصادر رئيسية ومتعددة، محررا فيه الخلاف حول كثير من الوقائع، مع العناية بتحقيق الكثير من المسائل الفقهية المتصلة بحوادث السيرة، حدّث به المقريزيّ في مكة، أثناء مجاورته فيها سنتي (834 هـ) (1431 م) ، (839 هـ) (1436 م) . توجد منه نسخ خطية محتفظ بها في مكتبة كوبريللي- تركيا برقم (1004) ، كتبت في شوال سنة (839 هـ 1561 م) ، كوبريللي زاده محمد باشا كتابخانه سند محفوظ، صحيفة (66) وهي في جزء واحد ضخم، تقع في ستة أجزاء ضخمة، ضمت (919) ورقة، مقاسها 27* 40 سم، ومسطرتها نحو 35 سطرا، وعنها مصورتي: دار الكتب المصرية في القاهرة، برقم (886) تاريخ، ومعهد إحياء المخطوطات العربية في القاهرة، برقم (63) تاريخ، لكن عدد صفحاتها كما هو تحت يدي (1839) صفحة نسخة بمكتبة غوطا برقم (1830) ، وهي في ستة أجزاء، وهذه النسخة قد اعتمدناها في التحقيق، وهي ناقصة، وقد أنكر أمناء مكتبة غوطا أن تكون في ستة أجزاء، نسخة في مكتبة ليدن، برقم (871) ، وهي نسخة صغيرة ناقصة جدا، كما توجد نسخة أخرى في خزانة عموجة حسين باشا في الآستانة، برقم (354) طبع الجزء
10 - (الأوزان والأكيال الشرعية) :
الأول منه بتحقيق الأستاذ محمود محمد شاكر، القاهرة (1941) ، علي نفقة السيدة قوت القلوب الدمر داشية. ثم طبع نفس الجزء مصورا علي الأوفست في دولة قطر بإشراف الشيخ عبد اللَّه الأنصاري. ثم طبع الجزء الأول مرة أخرى بتحقيقنا، نشرته دار الأنصار بالقاهرة (1981) ، ثم أعيد نشر الكتاب كاملا بالمقدمة والفهارس في سبعة عشر مجلدا، نشرته دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، (1998) . 10- (الأوزان والأكيال الشرعية) : وهي رسالة في الموازين والمكاييل، منها نسخة خطية في: مكتبة ليدن، برقم (1014) ، دار الكتب المصرية، [فهرس الخديوية] : (5/ 186) . * نشرها تيكس، روستوك بألمانيا سنة (1797 م) ، (1800 م) . 11- (البيان المفيد في الفرق بين التوحيد والتلحيد) : منه نسختان خطيتان في ليدن، [فهرس أمين المدني] برقم 188، وهي بخط المؤلف، دار الكتب المصرية، [فهرس الخديوية] : 7/ 565، لكن جاء في فهرس المخطوطات المصورة بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، أن هذه المخطوطة تصنيف أحد علماء المائة الثامنة الهجرية، وأن المقريزي- رحمه اللَّه- ناسخها فقط، (فهرس المخطوطات المصورة) : 1/ 119، عمود 2. 12- (البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب) : هي رسالة لطيفة الحجم، كتبها المقريزي- رحمه اللَّه- سنة (841 هـ 1437 م) مشيرا من خلالها إلي القبائل العربية التي دخلت مصر مع الفتح العربيّ، وأماكن وجودها في عصره، مقررا أن العرب الذين شهدوا فتح مصر قد أبادهم الدهر، وجهلت أكثر أعقابهم، وقد بقيت من العرب بقايا بأرض مصر حضرت لديه ست عشرة قبيلة، وهي ثعلبة، وجرم، وسنيس، وجذام وبني هلال، وبلى وجهينة، وقريش، وكنانة والأنصار، وعوف، وفزارة، ولواته، ولخم، وحرام، وبني سليم، غير مرتب لها
12 - (التاريخ الكبير المقفى في تاريخ أهل مصر والواردين عليها) :
علي حروف المعجم، ولا علي أصول الأنساب: [قحطانية وعدنانية] ، أو بحسب منازلهم في مصر، فأتت أشبه شيء بمذكرات كتبت علي عجل، وعلي غير نظام واضح. * منه نسخة خطية في: دار الكتب المصرية [فهرس الدار] : 5/ 64، مكتبة جامعة كمبرج، برقم (157) ، مكتبة نور العثمانية، برقم (4937/ 10) ، مكتبة ليدن، برقم (975) ، المكتبة الوطنية في باريس، برقم (1725) ، مكتبة فينة برقم (910) . ظهرت لهذا الكتاب طبعتان: نشره وستنفلد، غوطا سنة (1847 م) ، نشر في القاهرة سنة (1334 هـ) ، ثم أعاد نشره محققا الدكتور عبد الحميد عابدين، القاهرة، عالم الكتب، ط 1 سنة 1961، مع دراسة عن تاريخ العروبة في وادي النيل. 12- (التاريخ الكبير المقفى في تاريخ أهل مصر والواردين عليها) : هو معجم تأريخي ضخم، أتي في ست عشرة مجلدة، ترجم المقريزي- رحمه اللَّه- فيه لمشاهير أهل مصر، فيما قبل الإسلام وبعده حتى وقته، علي اختلاف طبقاتهم وأجناسهم، ممن استقروا فيها، أو تحولوا عنها إلي غيرها من البلدان [ميتا محنطا] أو [رأسا مقطوعة] ، حيث يقول [لما دخل المعز لدين اللَّه أبو تميم معد إلي القاهرة، كان معه توابيت آبائه: المنصور إسماعيل- هذا- والقائم أبي القاسم محمد، والمهدي عبيد اللَّه، فدفنهم بتربة القصر من القاهرة، فلذلك ذكرته في كتابي هذا] . (المقفى) : كما ترجم لخلف بن جبير، أحد ثوار المغرب، وقد قتل في المغرب، وطيف برأسه في القيروان، ثم حملت إلي مصر فطيف بها في القاهرة. (المقفى) ، أشار المقريزي- رحمه اللَّه- إلى هذا الكتاب في (إمتاع الأسماع) : 12/ 266 بتحقيقنا. * منه نسخة خطية في مكتبة باريس، برقم (2144) ، بخط المؤلف- رحمه اللَّه- ميونخ برقم (957) ، ليدن، بأرقام (1032) ، (1847) ، (1851) ، تم نشره بتحقيق محمد اليعلاوي، بيروت، الغرب الإسلامي، ط 1، سنة 1987. 13- (تاريخ بناء الكعبة) :
14 - (تجريد التوحيد المفيد) :
منه نسخة خطية في: دار الكتب الظاهرية في دمشق، وهي بخط المؤلف، ونسخة في مكتبة ليدن، برقم (943) ، نسخة بالظاهرية في دمشق، برقم (4805) . 14- (تجريد التوحيد المفيد) : هو مؤلف لطيف الحجم، يدور موضوعة حول علم التوحيد، أجمل المقريزي- رحمه اللَّه- الإشارة إليه في مقدمته بقوله وبعد، فهذا كتاب جم الفوائد، بديع الفرائد، ينتفع به من أراد اللَّه والدار الآخرة، سميته: تجريد التوحيد المفيد، واللَّه أسأل العون علي العمل بمنه وكرمه. وهذا المؤلف علي وجازته لم يأت مؤرخنا فيه بموضوع ديني تقليدي، وإنما أحاط فيه إلي جانب ذلك بالتعريف بكثير من الفرق الإسلامية، ذاكرا من خلالها مذاهبها وأدلتها، مناقشا لها. * منه نسخة خطية في مكتبة جامعة القاهرة، برقم (26247/ 11) ، مكتبة البلدية بالإسكندرية، برقم (99/ 6) فنون، ومكتبة نور عثمانية، برقم (5937/ 02) ، مكتبة باريس برقم 012، مكتبة جامعة برنستن [مجموعة كاريت] برقم (01496) ، مكتبة ليدن [هوتسما] ، برقم (993) . وقد طبع هذا الكتاب في القاهرة سنة (1343 هـ) ، ثم طبع في المطبعة المنيرية بالقاهرة، سنة (1373 هـ) بتحقيق طه الزيني. 15- (التذكرة) : هو مؤلف في التاريخ- كما يوهم ملخصه- أشار إليه ابن تغري بردي في (المنهل الصافي) : 1/ 398، غلي أنه كمل منه ثمانون مجلدا. 16- (تراجم ملوك المغرب) : احتوى علي بعض ترجمات ملوك المغرب العربيّ، وقد يكون مذكرات جمعها المقريزي- رحمه اللَّه- من المصادر للانتفاع بها في بعض مؤلفاته، مقدمة تحقيق (اتعاظ الحنفاء) : 1/ 14، بتحقيق الدكتور جمال الدين الشيال. فيه أخبار أبي حمو، وأخلافه من ملوك تلمسان. 17- (تلقيح العقول والآراء، في تنقيح، أخبار الجلة الوزراء) :
18 - (جني الأزهار من الروض المعصار) :
ذكره المقريزي- رحمه اللَّه- في (الخطط) : 1/ 443، 2/ 223. 18- (جني الأزهار من الروض المعصار) : منه نسخة خطية في مكتبة برلين، برقم (6049) ، مكتبة فينه، برقم (1266) ، دار الكتب المصرية، [فهرس الدار] : 6/ 25، مكتبة باريس، نسخة تاريخها (841 هـ) . 19- (حصول الإنعام والمير، في سؤال خاتمة الخير) : هي رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول سؤال العبد ربه- تعالى- أن يختم له ولأخيه المؤمن بخير، مستلهما ذلك من قول يوسف- عليه السلام- مناجيا ربه: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: 101] . 20- (الخبر عن البشر) : هو مؤلف ضخم، جعله المقريزي- رحمه اللَّه- مدخلا لكتاب (إمتاع الأسماع) ، مؤرخا من خلاله للخليفة حتى ظهور الإسلام، هادفا من وراء ذلك إلي التعريف بقبائل العرب، وتمييزها من سائر الأجناس، ليعرف لها حقها من المحبة والإعظام، والتجلة والإكرام لكونه صلّى اللَّه عليه وسلّم هاشميا، قرشيا، عربيا. قال عنه المقريزي- رحمه اللَّه-: ثم لما رأيت فضل اللَّه علي- بما علمني وفهمني- عظيما، ومنته وطوله- بما رزقني من كثرة الأشراف علي مقالات الخليقة- جسيما، جعلته كتابا مستقلا، لاتساعه وكثرة فوائده، وشرف أوضاعه، وسميته: (الخبر عن البشر) : ورقة 4 أ، مخطوطة تونس. وترجع أهمية هذا الكتاب- كذلك- إلى احتوائه- فضلا عن ذلك- علي مادة رئيسية، تكشف عن مفهوم المقريزي- رحمه اللَّه- لموضوع ((علم التاريخ)) ، وأقسامه، وإقراره بفوائده، وتحمسه للدفاع عنه. ومنه/ نسخة خطية في ليدن، برقم 01080، ونسخة في مكتبة أياصوفيا في الآستانة، تقع في ستة أجزاء متسلسلة، أرقام (3362) حتى (3341) ، وتشمل الأجزاء 1، 4، 5، 6 [غير متسلسلة] . (دفتر كتب خانة أياصوفيا) : ص 202، (دفتر فاتح كتبخانه سي) : ص 248.
21 - (خلاصة التبر في كتاب السر) :
21- (خلاصة التبر في كتاب السر) : أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في (الخطط) : 2/ 63. 22- (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة) : هو معجم في ترجمات أعيان عصر المقريزي- رحمه اللَّه- أشار في مقدمته إلي دافعه لتأليفه، قائلا وبعد، فإنّي ما ناهزت من سنى العمر الخمسين، حتى فقدت معظم الأصحاب والأقربين، فاشتد حزني لفقدهم، وتنغص عيشي من بعدهم، فعزيت النفس عن لقائهم بتذكارهم، وعوضتها عن مشاهدتهم باستماع أخبارهم، وأمليت ما حضرني من أنبائهم في هذا الكتاب وسميته (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة) . * له نسخة في مكتبة غوطا، المجلد الأول منها بخط المؤلف- رحمه اللَّه-، ونسخة في الموصل، لدى الدكتور محمود الجليلي، في جزأين، تاريخهما (878 هـ) وعن هذه النسخة الأخيرة تم نشر (300) ترجمة- حيث يحتوي الكتاب علي [556] ترجمة- بعالم الكتب- بيروت سنة (1412 هـ 1992 م) ، بتحقيق الدكتور محمد كمال الدين عز الدين علي، بعد تصديره بدراسة وافية عن المؤلف والكتاب بشكل موسوعي يستحق التقدير. 23- (الدرر المضيئة في تاريخ الدولة الإسلامية) : منه نسخة خطية في كمبرج، برقم (365) ، أشار إليه السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 23. 24- (الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك) : رسالة لطيفة الحجم يدور موضوعها حول التأريخ لمن حج من الخلفاء والملوك في خلافته أو ملكه، فرغ المقريزي- رحمه اللَّه- من تصنيفها في ذي القعدة سنة (841 هـ 1438 م) ، مرتبا لها علي مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة:
26 - (رسالة في حرص النفوس علي الذكر) :
- أما المقدمة، فقد أشار فيها إلي تسميته للكتاب، مهديا إياه إلي شخصية كبيرة في عصره، عزمت علي الحج، لم يفصح عن اسمها. - وأما الفصول، فقد أجمل في أولها الإشارة إلي [حجة الوداع] ، لكونه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو الّذي بين للناس معالم دينهم، مشيرا من خلال ذلك إلي بعض شعائر الحج والعمرة، كالقران، والتمتع، والهدي. وجعل ثانيها من حج من الخلفاء في خلافته، مترجما من خلاله بترجمات قصيرة لثلاثة عشر خليفة، مؤرخا لحجهم. وجعل ثالثها للترجمة لثلاثة عشر ملكا أو سلطانا ممن حج في ملكه أو سلطنته، منذ انقسمت الخلافة الإسلامية إلي دويلات يحكمها ملوك، وحتى عهد الأشرف شعبان- أحد سلاطين المماليك- مع التأريخ لحجهم. - وأما الخاتمة، فقد أتت مقتضبة للغاية، تبين عن الفراغ من كتابته، وانتهاء مادته، علي النحو التالي: " ... واللَّه- سبحانه- هو أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى اللَّه علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم- والحمد للَّه رب العالمين) . * منه له نسخة خطية في: مكتبة الاسكوريال [في أسبانيا] ، برقم (1771) ، مكتبة كمبرج، برقم (442) ، (443) ، مكتبة نور عثمانية، برقم (6/ 4937) . 26- (رسالة في حرص النفوس علي الذكر) : رسالة لطيفة الحجم، أنشأها المقريزي- رحمه اللَّه- هادفا من خلالها إلي الترغيب في عمل الخير، مقدما لموضوعه بقوله: ".. وبعد فهذه مقالة لطيفة، وتحفة سنية شريفة، في حرص النفوس الفاضلة علي بقاء الذكر، أسأل اللَّه- تعالى- أن يجعل لنا ثناء حسنا في الصالحين، وأن يحبونا بالزلفى إلي يوم الدين بمنه وكرمه) . متبعا ذلك بموضوع الكتاب، وقد أشار من خلال مادته إلي أن البقاء من أعظم وأحسن صفات اللَّه- تعالى- في حين ليس للعبد من نفسه إلا العدم، والفاضل هو الّذي يحرص علي بقاء ذكره دائما، علي النحو الوارد في القرآن الكريم
27 - (السلوك في معرفة دول الملوك) :
علي لسان إبراهيم- عليه السلام- وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: 84] . * منه نسخة خطية في: خزانة ولي الدين في الآستانة، ضمن مجموع خطي يشمل خمس عشرة رسالة كلها للمقريزي- رحمه اللَّه- برقم (3195) راجع دفتر كتابخانه. ولي الدين، صحيفة (195) ، مكتبة جامعة القاهرة برقم (11/ 26247) . وقد نشره في القاهرة الخانجي سنة (1955) بتحقيق الدكتور جمال الدين الشيال. * منه نسخة خطية في خزانة ولي الدين في الآستانة، وقد جاء في (تاريخ آداب اللغة العربية) لجورجي زيدان: 3/ 187، أن اسم هذا المخطوط: (مقالة لطيفة في حرص النفوس الفاضلة علي بقاء الذكر) ، وأنه محفوظ في المتحف البريطاني في لندن. 27- (السلوك في معرفة دول الملوك) : منه نسخة خطية في: دار الكتب المصرية [فهرس الدار] : 5/ 129، المكتبة الظاهرية بدمشق، مجلد رقم (7304) ، مكتبة كوبريللي برقم (1137) ، مكتبة بني جامع [ضمن المكتبة السليمانية في استامبول] ، برقم (887) ، مكتبة باتنا في الهند، برقم 1/ 166 (2223) ، مكتبة غوطا، برقم (1620) ، (1621) ، مكتبة باريس، برقم (1726) ، (1728) ، مكتبة الفاتيكان، (5/ 725) ، مكتبة جستربتي في دبلن، [فيها المجلد الثامن منه] برقم (4102) ، مكتبة المتحف البريطاني، الذيل: (480) . طبع هذا الكتاب بكماله في القاهرة في أربعة أجزاء علي النحو التالي: - الجزء الأول في ثلاثة أقسام، بتحقيق محمد زيادة (1934- 1939) . - الجزء الثاني في ثلاثة أقسام، بتحقيق محمد زيادة (1941- 1958) . - الجزء الثالث في ثلاثة أقسام، بتحقيق سعيد عاشور (1970- 1972) . - الجزء الرابع في ثلاثة أقسام، بتحقيق سعيد عاشور (1972- 1973) . 28- (شارع النجاة) :
29 - (شذور العقود في ذكر النقود) :
أشار السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 23، إلي أنه يشتمل علي جميع ما اختلفت فيه البشر من أصول ديانتهم وفروعها، مع أدلتها، وتوجيه الحق منها، ذكره المقريزي- رحمه اللَّه- في (الذهب المسبوك) ، 5، 7. 29- (شذور العقود في ذكر النقود) : رسالة لطيفة الحجم، انقسمت إلي مقدمة وخاتمة، فيما بينها ثلاثة فصول. - أما المقدمة فقد أشار فيها إلى موضوع الكتاب: «نبذة لطيفة في أمور النقود الإسلامية» . وأنه أنشأه تلبية [للأمر العالي] الّذي يرجح أن يكون شخصية كبيرة في بلاط المؤيد [شيخ المحمودي] . - وأما الفصل الأول فقد جعله للحديث عن [النقود القديمة] ، التي كانت علي وجه الدهر، وجعل الفصل الثاني للتعريف ب [النقود الإسلامية]- نشأتها وتطورها- وجعل الفصل الثالث للحديث عن [النقود المصرية] ، وهو في هذه الفصول الثلاثة يشير إلى أنواع النقود، وأوزانها، وأعيرتها، وزيوفها، وما حدث فيها من التغيير والتبديل، علي اختلاف عصورها. * منه نسخة خطية في: مكتبة نور العثمانية، برقم (4937) ، مكتبة برلين، برقم (6024) ، مكتبة ليدن، برقم (1012) ، (1013) ، مكتبة كمبرج، برقم (475) ، مكتبة الأسكوريال، برقم (1771) . وقد ظهرت لهذا الكتاب طبعات مختلفة: - نشرها تيكسن في روستك (1797 م) . - نشرها أحمد فارس الشديقان، مطبعة الجوائب استامبول، (1298 هـ) ، ضمن ثلاث رسائل. - نشرها ماير، الإسكندرية (1933) . - نشرها محمد آل بحر العلوم، النجف (1938) ثم توالت طبعات لهذا الكتاب في النجف، فكانت الخامسة سنة (1967) . - نشرها الأب أنستاس ماري الكرملي، ضمن كتابه (النقود العربية وعلم النميات، القاهرة (1939 م) .
30 - (ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداري) :
30- (ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداريّ) : رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول صحابي جليل، هو [تميم ابن أوس الداريّ]- رحمه اللَّه- وكان نصرانيا، جاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورأى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وأسلم، وروي الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه حديث [الجساسة والمسيخ الدجال] ، فانفرد هو من دون الصحابة بذلك، وكانت روايته صلّى اللَّه عليه وسلّم من باب رواية [الفاضل عن المفضول، والمتبوع عن تابعه] ، وقد استعرض المقريزي- رحمه اللَّه- من خلال مادتها الحديث عن أنساب الناس وأنساب العرب، وقدوم وفد الداريين علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإسلام تميم، وتحديثه- عليه السلام- عنه، وإقطاعه إياه قريتي [جبرون وعينون] ، ولم يكن فتحهما حدث بعد!! وما كان من أحوال تميم في الجاهلية والإسلام، معددا لمآثره، مؤرخا لوفاته بسنة أربعين للهجرة، مناقشا من خلال تلك الرسالة [قضية الهبة] ، مناقشة فقهية قضائية، مختتما لها بالتعريف بما آل إليه مصير [حبرون وعينون] حتى وقته. * له نسخة خطية في خزانة ولي الدين بالآستانة. تم طبع هذا المخطوط تحت اسم (ضوء الساري في خبر تميم الداريّ) ، بتحقيق الأستاذ محمد أحمد عاشور، في دار الاعتصام بالقاهرة وبيروت، سنة (1392 هـ) ، اعتمادا علي نسختين خطيتين: الأولى منقولة من الخزانة الوليدية في الآستانة- لعلها نفس خزانة ولي الدين آنفة الذكر- ويدل علي ذلك الرقم الّذي بينه المحقق، فهو نفس رقم المجموع الّذي منه (ضوء الساري) ، والأخرى منقولة عن المكتبة الأهلية في باريس. 31- (الطرفة الغريبة في أخبار وادي حضرموت العجيبة) : رسالة لطيفة الحجم، استفاد المقريزي- رحمه اللَّه- مادتها في مكة، أثناء مجاورته فيها سنة (839 هـ 1436 م) من بعض القادمين عليه من أهل حضرموت، ابتدأها بمقدمة موجزة، أشار فيها إلي ذلك قائلا:
32 - (عجائب تيمور) :
«وبعد، فهذه جملة من اخبار وادي حضرموت، علقتها بمكة- شرفها اللَّه تعالى- أيام مجاورتي بها في عام [تسعة وثلاثين وثمانمائة] ، حدثني بها ثقات من قدم مكة من أهل حضرموت» . ثم أتبعها بوصف جغرافي موجز لبلاد حضرموت، وما تردد في بعض المصادر من الاختلاف في نسب [حضرموت] ، وما شهرت به هذه البلاد من مزروعات أو حيوان [كالماشية والإبل] ، مذيلا عليها بطائفة كبيرة من الروايات الشفهية، المتضمنة الكثير من الخرافات أو مستغربات الحدوث، مما وثق مؤرخنا به، كنحو قوله: «وفي جبال ظفار قوم يقال لهم القمر، أهل بادية، وقد جرت العادة في ظفار أنها تمطر ثلاثة أشهر متوالية ليلا ونهارا، مطرا غزيرا جدا فإذا أراد أحد أن يسافر في مدة المطر إلي جهة من الجهات، طلب واحدا من القمر، ودفع له مالا ليدفع عنه المطر، ثم سار معه والمطر نازل، فيصير عن يمينه وشماله ولا يصيبه هو ولا أحماله منه قطرة واحدة، حتى يبلغ حيث يريد. له نسخة خطية في مكتبة جستربتي- برقم (4118/ 02) ، مكتبة نور العثمانية، برقم (4937/ 4) ، مكتبة ليدن، برقم (810) ، مكتبة كمبرج، برقم (654) ، (655) ، معهد المخطوطات العربية في الكويت، برقم (776/ 02) ، المصورة عن مخطوطة (شستربتي) ، ومخطوطة ولي الدين في مصورتها المحتفظ بها لدى جامعة القاهرة، برقم (26247) ، وقد نشرها [نوسكوى] مع ترجمة لاتينية في بون سنة (1866) . 32- (عجائب تيمور) : 33- (عقد جواهر الأسفاط في أخبار مدينة الفسطاط) : أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في صدر كتابه (اتعاظ الحنفاء) : 1/ 4 بقوله: «ضمنته ما وقفت عليه، وأرشدني اللَّه- سبحانه- إليه من أحوال مدينة الفسطاط، منذ افتتح أرض مصر أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصارت دار إسلام، إلي أن قدمت جيوش الإمام المعز لدين اللَّه أبي تميم معد من بلاد المغرب، مع عبده وقائده وكاتبه، أبي الحسين جوهر القائد الصقلي، في سنة
34 - (قرض سيرة المؤيد لابن ناهض) :
ثمان وخمسين وثلاثمائة، ونزلت في شمالي الفسطاط بالمناخ، وأسس مدينة القاهرة، وحل بها» ، كما ذكره أيضا في (السلوك) : 1/ 28. وقد اشتمل هذا المؤلف علي فترة من تاريخ مصر الإسلامية، امتدت فيما بين الفتحين الإسلامي والفاطمي لها. 34- (قرض سيرة المؤيد لابن ناهض) : ذكره السخاوي في (الضوء اللامع) : 2/ 23. 35- (ما شاهده وسمعه مما لم ينقل في كتاب) : يبدو أنه احتوى علي كثير من النوادر التاريخية وغير التاريخية، مما عايشه المقريزي- رحمه اللَّه- أو أخبر به، علي النحو المدرك من قول السخاوي: « ... ومن أعجب ما فيه أنه كان في رمضان سنة (إحدى وتسعين وسبعمائة) مارا بين القصرين، فسمع العوام يتحدثون أن الظاهر برقوق خرج من سجنه بالكرك، واجتمع عليه الناس. قال: فضبطت ذلك اليوم فكان كذلك. (الضوء اللامع) : 2/ 25- 24. 36- (مجمع الفرائد ومنبع الفوائد) : ذكره السخاوي، مشيرا إلي أنه يشتمل علمي على العقل والنقل، المحتوي علي فني الجد والهزل، بلغت مجلداته نحو المائة، بينما أشار ابن تغري بردي إلي أنه كمل منه نحو ثمانين مجلدا كالتذكرة. (الضوء اللامع) : 2/ 23، (المنهل الصافي) : 1/ 398. 37- (مختصر الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين من الرواة لابن عدي) : * منه نسخة خطية بخط المقريزي- رحمه اللَّه- مؤلف هذا المختصر، كتبها سنة (759 هـ) ، وهي في مكتبة مراد ملا باستامبول، برقم (569) ، وعنها مصورة معهد إحياء المخطوطات العربية في القاهرة، برقم (456) تاريخ. أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في (إمتاع الأسماع) : 11/ 311 بتحقيقنا. 38- (معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق علي من عداهم) :
39 - (المقاصد السنية في معرفة الأجسام المعدنية) :
رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول ما يجب لآل البيت النبوي علي المسلمين من حبهم وإجلالهم، ونصرتهم ومودتهم، فرغ المقريزي- رحمه اللَّه- من تأليفها في ذي القعدة سنة (841 هـ 1438 م) مرتبا لها علي مقدمة، أشار فيها إلي دافعه إلي تأليفها قائلا: « ... وبعد فإنّي لما رأيت أكثر الناس في حق آل البيت مقصرين، وعما لهم من الحق معرضين، ولمقدارهم مضيعين، وبمكانتهم من اللَّه- تعالى- جاهلين، أحببت أن أقيد في ذلك نبذة تدل علي عظم مقدارهم، وترشد المتقي للَّه- تعالى- علي جليل أقدارهم ليقف عند حده، ويصدق بما وعدهم اللَّه ومن به عليهم من صادق وعده» . تتبعها فصول خمسة، شارحة من خلال أقوال أئمة اللغة والتفسير لخمس آيات قرآنية، مع ما أتصل بها من الأحاديث النبويّة، عالج موضوعة من خلالها، وهي قوله تعالى: - إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب: 33] . - وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: 21] . - وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً [الكهف: 82] . - جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [الرعد: 23] . - قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [الشورى: 23] . مختتما لهذه الرسالة بعدد من الرؤى والحكايات الشفهية- التي أمده بها شيوخه ورفقته- وتدور كلها حول الحث علي حب آل البيت النبوي وتعظيمهم. * منه نسخة خطية في فينه، برقم (890) . طبع في دار الاعتصام، ط 2 سنة 1973 م بالقاهرة وبيروت بتحقيق محمد أحمد عاشور. 39- (المقاصد السنية في معرفة الأجسام المعدنية) : مؤلف علمي بحت يبحث في المعادن، أشار المقريزي- رحمه اللَّه-
40 - (منتخب التذكرة في التاريخ) :
من خلاله إلي كروية الأرض، وحركتها، وإحاطة الماء باليابسة من سائر جهاتها، والأجسام المتولدة عليها، وتكويناتها، وصفاتها، وأمكنة وجودها، والقيمة العلمية والمادية والطبية لها. ومنه نسخة خطية في مكتبة نور عثمانية، برقم (4937/ 9) ، ومكتبة باريس، نسخة تاريخها (842 هـ) ، مكتبة كمبرج، برقم (1082) ، مكتبة جامعة القاهرة، برقم (26247/ 10) . 40- (منتخب التذكرة في التاريخ) : مؤلف في التاريخ الإسلامي العام، اقتصر فيه المقريزي- رحمه اللَّه- علي ذكر العرب والفرس، دون غيرهم من الأمم المطيفة بهم في أطراف الأرض، اختصره من مؤلف أبسط منه سماه (التذكرة) ، فكان ما أودعه في هذا المؤلف اللب منه. * منه نسخة خطية في: دار الكتب المصرية، (فهرس الدار) : (5/ 368) ، مكتبة باريس برقم (1514) عرب، ونسخة أخرى بدار الكتب المصرية، برقم (1658) ، تاريخ عن مخطوطة مكتبة باريس ذات الرقم (1514) عرب، وتقع في نحو 166 ورقة لطيفة الحجم، مزدوجة الصفحات، باستثناء أولها وآخرها، مسطرتها نحو أربعة عشر سطرا. 41- (المنتقى من أخبار مصر لابن ميسر) : يضم الفترة فيما بين سنتي (439 هـ 1047 م) ، (553 هـ 1159 م) ، انتقاه المقريزي- رحمه اللَّه- في ربيع الأول للآثار الشرقية سنة (814 هـ 1411 م) . * طبع في القاهرة- المعهد الفرنسي للآثار الشرقية سنة (1981) بتحقيق أيمن فؤاد سيد. 42- (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) وتعرف بخطط المقريزي: منها نسخة خطية في: دار الكتب المصرية، (فهرس الخديوية) : (1/ 162) ، المكتبة العمومية بدمشق، الأرقام (3437) ، (5696) ، (5697) ، (7004) ، مكتبة أياصوفيا باستامبول، الأرقام (3471) ، (3484) ، مكتبة
43 - (نبذ تاريخية) :
طوب قبو سراي باستامبول، الأرقام (2947) ، (2954) ، مكتبة محمد الفاتح باستامبول برقم (4495) ، (4499) ،.. وغير ذلك. * طبع في مجلدين، بولاق (1270 هـ) ، وقد أعادت مكتبة المثنى ببغداد طبعه بالأوفست، طبع في أربعة أجزاء، مطبعة النيل- القاهرة (1324- 1326 هـ) ، طبعت منه خمسة أجزاء بتحقيق المستشرق الآثاري فييت، القاهرة (1911- 1927) ولم تتم. وظهرت لهذا الكتاب طبعات جزئية، نذكر منها: - أخبار قبط مصر، وقد سبقت الإشارة إليه. - (القول الإبريزي للعلامة المقريزي) ، نشره مينا إسكندر، وهو يتضمن تاريخ الأقباط وأحوالهم- نقلا عن (خطط المقريزي) . 43- (نبذ تاريخية) : ليس مؤلفا مستقلا- علي ما يبدو- ولكنه ملتقطات مما جمعه المقريزي- رحمه اللَّه- من المصادر، ليضمنه بعض مؤلفاته. منه نسخة خطية بمكتبة بلدية الإسكندرية برقم (2125 د/ 259) ، تقع في (52) ورقة مقاسها نحو (13* 16 سم) ، وعنها مصورة معهد إحياء المخطوطات العربية في القاهرة برقم (845) تاريخ. 44- (نحل عبر النحل) : رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول النحل، وما يتخلف منه من عسل وشمع، مستلهما منه العبرة والعظة لبني الإنسان، وقد رتبت علي مقدمة وعشرة فصول وخاتمة. أما المقدمة فقد أشار فيها إلي موضوع الكتاب قائلا: (( ... وبعد، فهذا قول وجيز في ذكر النحل، وما أودع فيه البارئ- جلت قدرته- من غرائب الحكمة وعجائب الصنع، ليعتبر أولو الأبصار، ويتذكر أرباب الاعتبار)) وأما الفصول- فقد اتصلت بعلوم: الحيوان، واللغة، والتفسير، والحديث، والفقه، والطب، والبيطرة، والنبات، والاقتصاد، والتاريخ، والأدب، فيجمل المقريزي- رحمه اللَّه- فيها الحديث عن النحل من الناحية
45 - (النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم) :
الحيوانية، ذاكرا أسماءه، وألوانه، وأحجامه، وصفاته، وخلاياه، وآفاته، وعلاجها، وعسله، وأنواعه وأصنافه- وجامعه، [مشتاره] وآلاته التي يستعين بها في جمعه، وما يرعاه النحل من أزهار وأنوار، وما ينتجه من شمع، مفصحا عن مركزه الاقتصادي في مصر الإسلامية، وما ورد في النحل والعسل من الآيات القرآنية، والأحاديث النبويّة، وأقوال الحكماء، والفقهاء والمفسرين، وما اتصل بالشمع من الحوادث التاريخية، سواء بالاستصباح [الإضاءة] به لدى الخلفاء، والسلاطين، والفقهاء، أو باستخدامه في القصور، والمواكب السلطانية، وحفلات العرس والزواج، أو بالختم به على تركات الموتى من أولاد الخلفاء، مختتما بذلك بما أنشئ في [الشمع] من أشعار وأما الخاتمة فقد أشار فيها إلى انتهاء مادة الكتاب باكتماله، قائلا: (( ... تمت بحمد اللَّه وعونه وحسن توفيقه، وصلى اللَّه علي سيدنا محمد، وعلي آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا دائما إلي يوم الدين، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. منه نسخة خطية في: مكتبة نور عثمانية برقم (4937/ 03) ، مكتبة كمبرج، برقم (664) ، (923) ، مكتبة جستربتي في دبلن، برقم (4118/ 02) ، وقد طبع في القاهرة، مكتبة الخانجي، سنة (1946) بتحقيق د. جمال الدين الشيال. 45- (النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم) : رسالة لطيفة الحجم، يدور موضوعها حول استئثار بني أمية وبني هاشم بالخلافة من دون [علي بن أبي طالب] وبنيه، أشار المقريزي- رحمه اللَّه- من خلالها إلى ما كان من منافرة ومنافسة بين بني أمية وبني هاشم قبل الإسلام وبعده. * منه نسخة خطية في: دار الكتب المصرية، (فهرس الدار) 5/ 385، المكتبة الظاهرية بدمشق، برقم (3731) ، مكتبة نور عثمانية، برقم (4937) ، ومكتبة ستر اسبورج، مكتبة ليدن، برقم (885) ، مكتبة فينة، برقم (886) وقد طبع هذا الكتاب مرتين:
46 - (النحل وما فيه من غرائب الحكمة) :
الأولى في ليدن، نشره فوس، سنة (1888) ، والثانية في القاهرة سنة (1927) ثم طبع عدة طبعات آخرها بدار المعارف- القاهرة- سنة (1988) بتحقيق الدكتور حسن مؤنس. وقد أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في (إمتاع الأسماع) : بتحقيقنا 12/ 355. 46- (النحل وما فيه من غرائب الحكمة) : منه نسخة خطية في مكتبة جامعة كمبرج، راجع (تاريخ آداب اللغة العربية) جورجي زيدان، 3/ 178، فقرة 12. 47- (نهاية الجمع لأخبار القراءات السبع) : أشار إليه المقريزي- رحمه اللَّه- في (إمتاع الأسماع) بتحقيقنا: 12/ 32 ولم أقف له علي مصدر آخر يشير إلي نسخ منه مخطوطة أو مطبوعة. من هذا العرض الموجز لمجهودات المقريزي- رحمه اللَّه- في الكتابة التاريخية، نجد أنه قد ألح من خلالها علي التوكيد علي ثلاث صفات امتاز بها، وهي: [مصريته] و [عروبته] و [إسلامه] . أما مصريته، فتبدو في تحمسه للتأريخ لمصر في أطوارها المختلفة، فيما قبل الإسلام وبعده، حيث أنشأ فيها مؤلفا مجملا، لتاريخها، وخططها، وعمرانها- منذ القدم وحتى وفاته- وهو: (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) ، ثم عمد إلي تفصيل أكثر، أجمل فيه بالتأريخ لمصر الإسلامية، منذ الفتح الإسلامي لها وإلي قبيل وفاته، في عدة مؤلفات متتابعة، وهي: (عقد جواهر الأسفاط) و (اتعاظ الحنفاء) و (السلوك) و (المقفى) وأما عروبته، فقد كانت دافعا قويا لديه إلي إنشاء عدة مؤلفات، منها (الخبر عن البشر) و (البيان والإعراب) و (تراجم ملوك المغرب) و (الطرفة الغريبة) . وأما إسلامه، فيتبدى- فضلا عن العاطفة الدينية الجياشة، المبثوثة في سائر مؤلفاته- في (إمتاع الأسماع) ، وقد جعله تاريخا مجملا للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم
وسيرته، و (النزاع والتخاصم) وهو مبحث في الخلافة، و (التذكرة) و (منتخبها) و (الدرر المضيئة) و (الإمام) . وقد جعل من هذه المؤلفات تاريخا عاما للدولة الإسلامية في مختلف أطوارها وأمصارها. بل إن أكثر رسائله ومؤلفاته الموجزة، المفردة بالتأليف في موضوع بعينه، تنزع إلي أي من هذه الصفات الثلاث.
(ب) التعريف بكتاب إمتاع الأسماع
(ب) التعريف بكتاب إمتاع الأسماع الأصول الخطية للكتاب: لقد بذلت ما وسعني من جهد- بعد توفيق اللَّه تعالى- للحصول على أكبر قدر من الأصول الخطية لكتاب (إمتاع الأسماع) ، وقد تيسر لي- بفضل اللَّه تعالى- أن وجدت نسختين خطيتين بالإضافة إلي الجزء المطبوع. فأما النسخة الأولى فقد رمزنا إليها بحرف (خ) والنسخة الثانية رمزنا إليها بحرف (ج) ، والجزء المطبوع رمزنا إليه بحرف (ط) ، وفيما يلي وصف موجز لكل من هذه الأصول: أولا: النسخة (خ) : هذه النسخة محفوظة بتركيا، ورقمها 1004، وهي مما وقفه الوزير أبو العباس أحمد بن الوزير أبي عبد اللَّه محمد بن عثمان، وقد حصلنا علي صورة منها مسجلة علي الميكروفيلم من معهد المخطوطات التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إحدى منظمات جامعة الدول العربية، وعلي صفحة العنوان من هذه النسخة يوجد بعض التقريرات والملاحظات، يمكن الوقوف عليها بمناظرة صور نماذج المخطوطات في الصفحات المقبلة بعد قليل. وصف النسخة (خ) : تقع هذه النسخة في 1839 ورقة، قام المصور بتصويرها في تسعة أجزاء علي النحو التالي: الجزء الأول: ويبدأ من الورقة الأولى، إلي الورقة رقم 215 وهو من أول الكتاب إلي قوله: (فصل في ذكر شمائل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) . الجزء الثاني: من الورقة 216 إلي الورقة 440، وأوله: (فصل في حسن عهده صلّى اللَّه عليه وسلّم) إلى قوله: (وأن اللَّه تجلى لموسى في سيناء) . الجزء الثالث:
من الورقة رقم 441 إلي الورقة رقم 651، ويبدأ بقوله عن اليهود: (وهذه نبذة من غضب اللَّه عليهم) ، إلي قوله: (كمل الجزء الثاني [ (1) ] من كتاب إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع) . الجزء الرابع: من الورقة رقم 652 إلى الورقة رقم 864، ويبدأ بعد البسملة بقوله: «أعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة بنين: القاسم وعبد اللَّه وإبراهيم» ، إلى قوله «وخرج البخاري في المناقب الحديث بمعناه، وذكر نحوا منه في باب هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . الجزء الخامس: من الورقة رقم 865 إلي الورقة رقم 1059، ويبدأ بقوله: «فصل في ذكر غزوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» إلى قوله: «فصل في ذكر من أقام عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حد الزنا» . الجزء السادس: من الورقة رقم 1060 إلي الورقة رقم 1260، ويبدأ بقوله: «ثم جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهم- جلوس ثم جلس فقال: استغفر اللَّه لماعز بن مالك» ، إلى قوله: «وأوتي من البيان مثله، أي أذن له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبين ما في الكتاب، يعم ويخص، يزيد عليه ويشرح ما في الكتاب، فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن» . الجزء السابع: من الورقة 1261 إلي الورقة رقم 1460، ويبدأ بقوله: «وقوله: يوشك رجل شبعان علي أريكته- الحديث- يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها مما ليس في القرآن له ذكر» ، إلى قوله: «فقلت: لا والّذي بعثك
بالحق، أضع سيفي علي عاتقي ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحق بك، قال: أو لا أدلك علي خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني» . الجزء الثامن: من الورقة رقم 1461 إلي الورقة 1660 ويبدأ بقوله: «فخرج البخاري من حديث شعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية» إلي قوله: «من يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه، فرجعت وقلت: لا أسأله فلانا أكثر قومي مالا، واللَّه تعالى أعلم» . الجزء التاسع: من الورقة رقم 1661 إلي الورقة 1839 ويبدأ بقوله: «وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم وابصة الأسدي بما جاء يسأله عنه قبل أن يسأله» ، إلى قوله: «وتم هذا الكتاب البديع المثال، البعيد المنال، البعيد المقال، بتمام هذا الجزء السادس وهو المسمى بإمتاع الأسماع بما للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع» . وتحتوي كل ورقة من ورقات هذه النسخة علي خمسة وثلاثين سطرا، بكل سطر منها حوالي تسعة عشر كلمة تقريبا، وهي مكتوبة بخط واضح نسبيا، كما أن أوائل الفصول أو رءوس الموضوعات مكتوبة بخط الثلث بحجم أكبر بحيث يشغل السطر منها قدر ما يشغله الثلاثة أسطر من تفاصيل الموضوع أو الخبر. ومن الملاحظات الهامة عن هذه النسخة: تسهيل الهمزات في الناحية الإملائية، مثل «الملايكة وحينئذ» بدلا من «الملائكة وحينئذ» هذا بالإضافة إلي كتابة أسماء الأعلام بخط أكبر من الخط الآخر، كما أن الآيات القرآنية مكتوبة برواية ورش عن نافع ويتضح ذلك في الآيات التي يظهر لاختلافها عن رواية حفص أثر في الرسم، مثل: فتثبتوا بدلا من فَتَبَيَّنُوا* [الحجرات: 6] وفي قوله تعالى فلا يخاف عقباها بدلا من وَلا يَخافُ عُقْباها [الشمس: 15] .
ثانيا: النسخة (ج)
ثانيا: النسخة (ج) وهذه النسخة مصورة عن النسخة المحفوظة بمكتبة غوطا برقم 440، وهي مكتوبة بخط أصغر من الخط الّذي كتبت به النسخة (خ) ، وتحتوى الورقة منها على تسعة عشر سطرا بكل سطر منها حوالي سبعة عشر كلمة تقريبا، ويبدو أن هذه النشخة مقولة عن النسخة (خ) ، غير أن الناسخ كتب أوائل الفصول ورءوس الموضوعات وأسماء الأعلام بخطر كبير وبمداد أحمد، بدليل أنه لم يظهر في التصوير الفوتوغرافي، وقد قمنا باستكمالها من النسخة (خ) . وتبدأ هذه النسخة (بفصل في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) ، وتنتهي بقوله: (كان صفوان بن المعطل بن ربيعة بن خزاعيّ بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم الذكوانيّ أبو عمرو، على ساقة العسكر يلتقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به) . وعدد ورقات هذه النسخة 225 الورقة الأولى منها تقابل في النسخة (خ) الورقة رقم 718، والأخيرة منها تلقى مع نهاية الورقة رقم 943 من النسخة (خ) . ثالثا: الجزء المطبوع: هذا الجزء عبارة عن (551) صفحة من القطع الكبير، يقابل في النسخة الخطية (خ) : من الصفحة الأولى وحتى السطر الثاني والعشرين من صفحة (179) وقد رمزنا إليه بالحرف (ط) ، أي أنه أقل من تسع الكتاب الأصلي، وقد تم طبع هذا الجزء عام 1941 م، بدار التأليف- القاهرة، علي نفقة السيدة قوت القلوب الدمر داشية، بتحقيق الأستاذ المرحوم محمود محمد شاكر. ولم أهمل هذا الجهد الّذي قام به فضيلته، فلم يفتني الاستئناس بالجزء المطبوع، علي الرغم مما به من ملاحظات نوهت عنها في مكانها. هذا بالإضافة إلي أنه اكتفى بنهاية السيرة النبويّة، واتخذ من وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نهاية للجزء الأول دون مراعاة التقسيم الأصلي للكتاب، سواء أجزاء
عدد أجزاء الكتاب:
المؤلف، أو أجزاء تصوير المخطوطة، كما بيناه عند كلامنا عن [عدد أجزاء الكتاب] . عدد أجزاء الكتاب: يقول (حاجي خليفة) في (كشف الظنون) ج 1 ص 166 عن كتاب إمتاع الأسماع «وهو كتاب نفيس في ست مجلدات حدث به في مكة» ، وذلك ما نقله الناسخ علي صفحة العنوان من النسخة (خ) . وقد لاحظنا من خلال الجزء المطبوع أن الصفحة من المخطوطة يتم طبعها في ثلاث صفحات من القطع الكبير، فلو قمنا بطبع الكتاب في ست مجلدات فإن المجلد الواحد قد يتجاوز الألف صفحة، وهذا أمر غير مقبول عمليا. اسم الكتاب والمؤلف: ظهر كتاب إمتاع الأسماع في كثير من كتب التصانيف والمؤلفات بأكثر من اسم، فضلا عن أن النسخة الخطية (ج) قد أثارت إشكالا علي صفحة العنوان منها حيث يقول ناسخها: «هذا كتاب إمتاع الأسماع للشيخ تقي الدين المقريزي» ويقول في زاوية أخرى من الصفحة ذاتها: «نقل العلقميّ أن كتاب الإمتاع لأبي حيان التوحيدي» ، وبخط آخر «ونقل الدميري أيضا أن الإمتاع لأبي حيان» ، وفي موضع آخر من ذات الصفحة: «لكن نقل الشمس الشامي في (سيرته) أن (الإمتاع) للمقريزي» . ودفعا لهذا الإشكال فإننا نذكر ما أورده صاحب كشف الظنون بصفحة 166، 167 عن المؤلفات المشابهة أو المقاربة في الاسم لكتاب الإمتاع للمقريزي، وهي: 1- (إمتاع الأسماع والأبصار) - لأبي العباس أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني الشافعيّ المتوفى سنة 923 هـ. 2- (إمتاع الأسماع فيما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحفدة والمتاع) - للشيخ تقي الدين أحمد بن علي المقريزي المؤرخ المتوفى سنة 845 هـ، «وهو كتاب نفيس في ستة مجلدات حدث به في مكة» .
3- (الإمتاع والمؤانسة) - للشيخ أبي حيان علي بن محمد التوحيدي المتوفى 380 هـ. 4- (الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع) - للحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ. 5- الامتاع في أحكام السماع- لكمال الدين أبي الفضل جعفر بن تغلب الأدفوي الشافعيّ المتوفى سنة 749 هـ. هذا بالإضافة إلي ما ذكره البغدادي في الجزء الأول من (هدية العارفين) ضمن مؤلفات المقريزي ص 127 باسم: (إمتاع الأسماع فيما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحفدة والأتباع) . والعمدة في تسمية هذا الكتاب، ما ذكره المقريزي نفسه في الصفحة الأولى والأخيرة من النسخة الخطية الكاملة للكتاب حيث يقول: «فقد سميته إمتاع الأسماع بما للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع» .
منهج المقريزي في جمع مادة كتاب إمتاع الأسماع
منهج المقريزيّ في جمع مادة كتاب إمتاع الأسماع اعتمد المقريزيّ في جمع مادة كتاب إمتاع الأسماع على النقول من المصادر الصحيحة بدء من الكتب الستة الصحيحة، وكتاب المستدرك للحاكم النيسابورىّ، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، واعتمد في تسجيل الدلائل والمعجزات على كتاب دلائل النبوة للبيهقي، ودلائل النبوة لأبي نعيم، فضلا عن مؤلفاته التي أشار إليها في (إمتاع الأسماع) ، وقام بحسم وشرح المسائل الفقهية العارضة في ثنايا الكتاب على مذهب الإمام الشافعيّ- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وكان رحمه اللَّه- حريصا على التدرج في تدوين صحة الخبر أو الأثر مبتدئا بالأخبار والآثار ذات الأسانيد العالية ثم ينتقل إلى ما دونها من درجات الصحة حيث يقول في بعض عناوين الفصول: [إن صح الخبر] أو [إن ثبتت الرواية] هذا بالنسبة للمتن. وأما بالنسية لسلسلة الرواة فإنه يدلي بدلوه جرحا أو تعديلا لرواة الحديث أو الأثر بقوله: [قال مؤلفه] ، وذلك بموضوعية شديدة وانحياز إلى الحق وقد ساعده على ذلك ثقافته الشمولية، وفكره الموسوعيّ في علم الحديث ورجاله، كما بينا ذلك في [الوظائف التي تولاها المقريزي] ، فضلا على مؤلفاته الجمة التي أشرنا إليها آنفا. رحمه اللَّه رحمة واسعة وجزاه عن السيرة النبويّة خير الجزاء.
منهج التحقيق
منهج التحقيق 1- قمت بمقابلة النسخ المخطوطة والجزء المطبوع، مع اختيار النسخة (خ) كأم، معالجا لما وجدته من تصحيف أو تحريف أو سقط، مع تصويب النص. 2- قمت بتخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة، وعزو الأقوال الواردة إلى أصحابها ما استطعت إلى ذلك سبيلا. 3- قمت بشرح الألفاظ اللغوية الغامضة مبينا معناها تسهيلا للقارئ الكريم على استيعاب المعنى، مع مراجعة المراجع التي أشار إليها المقريزي في فقرات كتابه. 4- وضعت بعض العناوين الجانبية للموضوعات التي لم يرد لها عنوان في الأصل مع مراجعة النصوص على مظانها من كتب المغازي والسير والتواريخ. 5- عقبت على بعض المواضع بالقدر الّذي تدعو إلى الضرورة بما تقتضيه الأمانة العلمية، وتجنبت الإكثار من ذلك خشية التدخل في مسار الكتاب، والخروج به عن أهدافه من كثرة النقد والتزيد. وبعد فإنني أقدم هذا الجهد المتواضع في خدمة السيرة النبويّة للقارئ الكريم، فله غنمه، وعليّ غرمه، فإن كان هناك توفيق فمن اللَّه تبارك وتعالى وإن تكن الأخرى فمن نفسي. رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ صدق اللَّه العظيم حدائق الزيتون- القاهرة في ليلة القدر 1419 هـ محمد عبد الحميد النميسي
مقدمة المؤلف
مقدمة المؤلف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وصلى اللَّه على نبينا محمد الّذي منّ به على عباده المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وأرسله بالشرع العام، إلى جميع الأنام ليكون رحمة للعالمين، ونجاة لمن اتبعه من خزي الدنيا وليكون في الآخرة من الفائزين، فبلّغ صلّى اللَّه عليه وسلّم الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وأعد لجهاد أعداء اللَّه تعالى الأسلحة والعتاد، وارتبط في سبيل اللَّه عز وجل المسوّمة الجياد، لمحاربة من حادّ اللَّه ورسوله بنفسه تارة، وندب لهم آونة من صحابته من رضيه لذلك واختاره، حتى ظهر أمر اللَّه وهم كارهون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد للَّه رب العالمين. اللَّهمّ صل عليه من نبي كان يأكل الطيبات من الطعام، وينكح المبرءات من العيوب والآثام، ويستخدم الموالي من الأرقاء والأحرار، ويصرفهم في مهنته ومهماته الجليلات الأقدار، ويركب البغلة الراتعة ويلبس الحبرة والقباء [ (1) ] ، ويمشي منتعلا وحافيا من مسجده إلى نحو قباء [ (2) ] ، ويدخر لأهله مما أفاء اللَّه عليه أقوات سنة كاملة، ويجعلها تحت أيديهم محرزة حاصلة، ويؤثر بقوته وثوبه أهل الحاجة والمساكين، ثقة منه بخير الرازقين، اللَّهمّ وابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون، وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومتبعيه إلى يوم الدين يا رب العالمين. وبعد، فغير جميل بمن تصدر للتدريس والإفتاء، وجلس للحكم بين الناس وفصل القضاء، أن يجهل من أحوال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونسبه وجميل سيرته ورفيع منصبه، وما كان له من الأمور الذاتية والعرضية ما لا غنى [ (3) ] لمن صدقه وآمن به عن معرفته، ولا بد لكل من اتسم بالعلم من درايته، فقد أدركنا وعاصرنا وصحبنا ورأينا كثيرا منهم [وهم] [ (4) ] عن هذا النبأ العظيم معرضون، ولهذا النوع الشريف من العلم تاركون، وبه جاهلون، فجمعت في هذا المختصر من أحوال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جملة أرجو أن تكون إن شاء اللَّه كافية، ولمن وفقه- سبحانه- من
داء الجهل شافية، التقط كتابا جامعا وبابا من أمهات العلم مجموعا، كان له غنمه، وعلى مؤلفه غرمه، وكان له نفعه، [يحده] [ (1) ] ، مع تعرضه لمطاعن البغاة ولأغراض المنافسين، ومع عرضه عقله الكدود [ (2) ] على العقول الفارغة، ومعانيه على الجهابذة [ (3) ] وتحكيمه فيه المتأولين والحسدة، ومع ذلك فقد سميته «إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع» صلّى اللَّه عليه وسلّم، واللَّه أسأل التوفيق لديمة [ (4) ] العمل بالسنة، ومرافقة الذين أنعم اللَّه عليهم في بحبوحة الجنة، بمنه وكرمه.
أسماؤه وكناه وألقابه
أسماؤه وكناه وألقابه هو سيد ولد آدم أبو القاسم، وأبو إبراهيم، وأبو قثم [ (1) ] ، وأبو الأرامل: (محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) [ (2) ] وأحمد، والماحي [ (3) ] ، والحاشر [ (4) ] ، والعاقب [ (5) ] ، والمقفي، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملاحم [ (6) ] . نسب أبيه ابن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر. (وهو قريش على الصحيح) [ (7) ] ، ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان [ (8) ] ، النبي المصطفى، والرسول المجتبى، خيرة رب العالمين، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، وسيد المرسلين، صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (9) ] .
نسب أمه
نسب أمه أم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وسلّم) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابن مرة بن كعب [ (1) ] ، حملت به في شعب أبي طالب [ (2) ] (وقيل عند الجمرة الكبرى، وقيل الوسطى) في ليلة رجب ليلة الجمعة [ (3) ] ، وقيل حملت به في أيام التشريق. مولده صلّى اللَّه عليه وسلّم ولد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة في دار عرفت بدار ابن يوسف، من شعب بني هاشم، يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، وقيل لليلتين خلتا منه، وقيل ولد في ثالثة، وقيل في عاشرة، وقيل في ثامنة، وقيل ولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من رمضان حين طلع الفجر، وقد شذّ بذلك الزبير بن بكار، إلا أنه موافق لقوله: إن أمه صلّى اللَّه عليه وسلّم حملت به أيام التشريق، فيكون حملها مدة تسعة أشهر على
صفة مولده صلى الله عليه وسلم
العادة الغالبة. وذلك عام الفيل، وقيل بعد قدوم الفيل مكة بخمسين يوما، وقيل بشهر، وقيل بأربعين يوما، وقيل قدوم الفيل للنصف من المحرم قبل مولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشهرين إلا أياما، وقيل ولد بعد الفيل بثمانية وخمسين يوما، وقيل بعده بعشر سنين، وقيل بعده بثلاثين عاما، وقيل قبل الفيل بخمس عشرة سنة، وقيل قبله بأربعين عاما، وقيل ولد يوم الفيل، وقيل ولد سنة ثلاث وعشرين للفيل، وقيل في صفر، وقيل يوم عاشوراء، وقيل في ربيع الآخر [ (1) ] . والراجح أنه ولد عام الفيل في الثانية والأربعين من ملك كسرى أنوشروان ابن قباذ بن نيروز بن يزدجرد بن بهرام جور بن يزدجرد الخشن بن بهرام بن سابور ابن سابور ذي الأكتاف. وكان على الحيرة يوم ولد صلّى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن المنذر بن امرئ القيس وهو عمرو ابن هند، وذلك قبل ولاية النعمان بن المنذر المعروف بأبي قابوس على الحيرة بنحو من سبع عشرة، وهي سنة إحدى وثمانين وثمانمائة لغلبة الإسكندر بن فيلبس المجدوني على دارا، وهي سنة ألف وثلاثمائة وستة عشرة لابتداء ملك نصر، ووافق يوم مولده العشرين من نيسان، وولد بالغفر [ (2) ] من المنازل وهو مولد الأنبياء، ويقال كان طالعة برج الأسد والقمر فيه. صفة مولده صلّى اللَّه عليه وسلّم وتركوا عليه جفنة كبيرة فانفلقت عنه فلقتين، فكان ذلك من مبادئ أمارات النبوة في نفسه الكريمة، ويقال ولد مختونا، مسرورا [ (3) ] مقبوضة أصابع يده،
مدة حمله صلى الله عليه وسلم
مشيرا بالسبابة كالمسبح بها، فأعجب ذلك جده عبد المطلب وقال: «ليكون لابني هذا شأن» . وقيل: إن جده ختنه يوم سابعه، وقيل: ختنه جبريل عليه السلام، وختم حين وضع الخاتم. مدة حمله صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت مدة الحمل به تسعة أشهر، وقيل: عشرة، وقيل: ثمانية، وقيل: سبعة، وقيل: ستة. وعقّ [ (1) ] عنه بكبش يوم سابعه، وسماه محمدا [ (2) ] .
موت أبيه
موت أبيه ومات عبد اللَّه بن عبد المطلب- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حمل في بطن أمه- بالمدينة، وقيل: بالأبواء بين مكة والمدينة، والأول هو المشهور، وقيل: مات بعد ولادته بثمانية وعشرين يوما، وقيل: بسبعة أشهر، وقيل: بسنة، وقيل: بسنتين، وقيل: بشهرين، والأول أثبت. رضاعه وإخوته في رضاعه أرضعته أمه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبعة أيام [ (1) ] ، ثم أرضعته «ثويبة» [ (2) ] مولاة «أبي لهب»
بلبن ابنها «مسروح» أياما قلائل [ (1) ] وكانت أرضعت قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمه «حمزة بن عبد المطلب» [ (2) ] ، وأرضعت بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «أبا سلمة بن عبد
الأسد» [ (1) ] ، ثم بعد رضاعه من «ثويبة» أرضعته «أم كبشة» [ (2) ] ، حليمة بنت أبي ذؤيب عبد اللَّه بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية ابن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن السعدية» بلبن زوجها الحارث [ (3) ] بن عبد العزى السعدي، وأرضعت معه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن عمه «أبا سفيان [ (4) ] بن الحارث بن عبد
مدة رضاعه
المطلب» أياما بلبن ابنها عبد اللَّه، ثم فطمته صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد سنتين. وكان حمزة بن عبد المطلب مسترضعا في بني سعد بن بكر فأرضعت أمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما وهو عند أمه حليمة، وكان حمزة رضيع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجهين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية، وكانت ابنتها الشيماء تحضنه معها. وكان أخوه من الرضاعة عبد اللَّه بن الحارث، وهو الّذي شرب مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنيسة بنت الحارث، والشيماء وهي حذافة [ (1) ] بنت الحارث [ (2) ] . مدة رضاعه فأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم عند حليمة في بني سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان نحوا من أربع سنين [ (3) ] . شق صدره وشق فؤاده المقدس هناك ومليء حكمة وإيمانا بعد أن أخرج حظّ الشيطان منه،
خروج آمنة وموتها
وروى البخاري [ (1) ] في الصحيح: شق صدره صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة المعراج، وقد استشكله أبو محمد بن حزم [ (2) ] . ويقال: إن جبريل عليه السلام ختنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما طهر قلبه الشريف. ثم ردته حليمة بعد شق فؤاده إلى أمة آمنة وهو ابن خمس سنين وشهر، وقيل: ابن أربع سنين، وقيل: سنتين وشهر. خروج آمنة وموتها ثم خرجت به آمنة إلى المدينة تزور أخواله بها فماتت بالأبواء [ (3) ] وهي راجعة إلى مكة، وله صلّى اللَّه عليه وسلّم ست سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وقيل: وعمره أربع سنين، وقيل: ثمانية أعوام، والأول أثبت [ (4) ] . كفالة جده فكفله بعد آمنة جده عبد المطلب بن هاشم وكان يرى من نشوئه ما يسره فيدنيه، حتى كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يدخل عليه إذا خلا وإذا نام وجلس على فراشه، فإذا أراد بنو عبد المطلب منعه قال عبد المطلب: دعوا ابني، فإنه يؤنس ملكا [ (5) ] .
رمده
رمده ورمد عليه السلام في سنة سبع من مولده فخرج به عبد المطلب إلى راهب فعالجه وأعطاه ما يعالج به وبشّر بنبوته [ (1) ] . حضانة أم أيمن وموت جده وكفالة عمه وحضنته بعد أمه أم أيمن بركة الحبشية مولاة أبيه، حتى مات عبد المطلب وله صلّى اللَّه عليه وسلّم من العمر ثماني سنين، وقد أوصى به إلى ابنه أبي طالب [ (2) ] لأنه كان أخا عبد اللَّه لأمه، فكفله عمه أبو طالب بن عبد المطلب وحاطه أتم حياطة. حليته وخلقه في صغره وكان بنو أبي طالب يصبحون غمصا رمصا [ (3) ] ويصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم صقيلا دهينا [ (4) ] ، وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان تصبيحهم أول البكرة فيجلسون وينهبون، ويكف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده لا ينهب معهم، فلما رأى ذلك أبو طالب عزل له طعامه على حدة. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يصبح في أكثر أيامه فيأتي زمزم فيشرب منه شربة، فربما عرض عليه الغداء فيقول: لا أريده، أنا شبعان. مخرجه الأول إلى الشام وخرج به إلى الشام في تجارة وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة
خبر بحيرا الراهب
أيام، وقيل ابن تسع سنين فبلغ به بصرى [ (1) ] ، وذلك فيما يقال لعشر خلون من ربيع الأول سنة ثلاث عشر للفيل. فرأى أبو طالب ومن معه من آيات نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم ما زاده في الوصاة به والحرص عليه: من تظليل الغمام له، وميل الشجرة بظلها عليه. خبر بحيرا الراهب وبشر به بحيرا الراهب (واسمه سرجس من عبد القيس) ، وأمر أبا طالب أن يرجع به لئلا تراه اليهود فيرمونه بسوء، فكانت هذه أول بشرى بنبوته، وهو لصغره غير واع إليها ولا متأهب لها، وقيل: خرج مع عمه وله تسع سنين، والأول أثبت [ (2) ] . أول أمره مع خديجة في التجارة وكان حكيم بن حزام [ (3) ] قد رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسوق حباشة، واشترى منه بزّا من بز [ (4) ] تهامة [ (5) ] وقدم مكة. فذلك حين أرسلت خديجة إلى رسول اللَّه
مشاركته السائب في التجارة
صلّى اللَّه عليه وسلّم تدعوه أن يخرج في تجارة إلى سوق حباشة [ (1) ] . وبعثت معه غلامها ميسرة، فخرجا فابتاعا بزا من بز الجند [ (2) ] وغيره مما فيها من التجارة، ورجعا إلى مكة فربحا ربحا حسنا، ويقال إن أبا طالب كلم خديجة حتى وكلت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتجارتها. مشاركته السائب في التجارة وكان يشارك السائب بن أبي السائب صيفي بن عابد [ (3) ] بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، فلما كان يوم الفتح جاءه فقال عليه السلام: (مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري) ومعنى يداري: يشاحن ويخاصم صاحبه. رعيه الغنم وكان بعد ذلك يرعى غنما لأهل مكة على قراريط، قيل: كل شاة بقيراط، وقيل: قراريط موضع، ولم يرد بذلك القراريط من الفضة [ (4) ] . مشهده حرب الفجار [ (5) ] وشهد حرب الفجار الأيام سائرها إلا يوم نخلة، وكان يناول عمه- الزبير
مخرجه الثاني إلى الشام في تجارة خديجة
بن عبد المطلب- النبل، وكان عمره صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عشرين سنة [ (1) ] ، وقيل: أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة [ (2) ] . مخرجه الثاني إلى الشام في تجارة خديجة ثم أجر نفسه من خديجة- بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب [ابن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر] [ (3) ]- سفرتين بقلوصين [ (4) ] . وخرج ثانيا إلى الشام في تجارة ومعه غلامها ميسرة- لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الفيل- وقد بلغ خمسا وعشرين سنة- حتى أتى بصرى فرآه نسطور الراهب وبشر بنبوته ميسرة. ورأى ميسرة من شأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما بهره فأخبر سيدته خديجة بما شاهد وبكلام الراهب [ (5) ] ، فرغبت خديجة رضي اللَّه عنها إليه أن يتزوجها لما رجت في ذلك من الخير. زواجه بخديجة فتزوج بخديجة بعد ذلك بشهرين وخمسة وعشرين يوما في عقب صفر [و] سنّه ست وعشرين، (وقيل: كانت [ (6) ] سنّه إحدى وعشرين سنة وقيل: ثلاثين، وقال ابن جريج: وله سبع وثلاثون سنة، وقال البرقي: سبع وعشرون سنة قد راهق الثلاثين، ولها من العمر أربعون سنة وعمره خمس وعشرون سنة، وقيل: ثلاث وعشرون، والأول أثبت [ (7) ] ) على اثنتي عشرة أوقية ونش [ (8) ] ، وقيل:
شهوده حلف الفضول [5]
عشرون بكرة [ (1) ] . وكان الّذي سفر بينهما نفيسة بنت منية أخت يعلي بن منية، وقيل: بل سفر بينهما ميسرة، وقيل: بل مولاة مولّدة. وكان الّذي زوّج خديجة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمها عمرو بن أسد بن عبد العزى وقال: محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب يخطب خديجة ابنة خويلد! هذا الفحل لا يقدح أنفه [ (2) ] . وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، فيما يحسب حماد: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكر خديجة وكان أبوها يرغب عن أن يزوجه، فصنعت طعاما وشرابا ودعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت خديجة: إن محمد بن عبد اللَّه يخطبني فزوّجني إياه، فزوجها، فخلّقته [ (3) ] وألبسته، وكذلك كانوا يفعلون بالآباء، فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال: ما شأني؟ ما هذا؟! قالت: زوجتني محمد بن عبد اللَّه، فقال: أنا أزوج يتيم أبي طالب! لا لعمري، فقالت خديجة: ألا تستحي! تريد أن تسفه نفسك عند قريش، تخبر الناس أنك كنت سكران. فلم تزل به حتى رضي. وقد ردّ هذا القول بأن أباها توفي قبل الفجار [ (4) ] . شهوده حلف الفضول [ (5) ] وشهد صلّى اللَّه عليه وسلّم حلف الفضول مع عمومته في دار عبد اللَّه بن جدعان بن عمرو
تحكيمه في أمر الحجر الأسود
ابن كعب [ (1) ] بن تميم بن مرة. تحكيمه في أمر الحجر الأسود وكان اللَّه تعالى قد صانه وحماه من صغره، وطهّره وبرّأه من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خلق جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوا من طهارته وصدق حديثه وأمانته، بحيث أنه لما بنيت الكعبة بعد هدم قريش لها في سنة خمس وثلاثين، وقيل: سنة خمس وعشرين من عمره صلّى اللَّه عليه وسلّم وذلك قبل المبعث بخمس عشرة سنة وبعد الفجار بخمس عشرة سنة- ووصلوا إلى موضع الحجر الأسود، اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه، [فأرادت [ (2) ]] كل قبيلة رفعه إلى موضعه، واستعدوا للقتال وتحالفوا على الموت، ومكثوا على ذلك أربع ليال. فأشار عليهم أبو أمية [ (3) ] حذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم- وهو أسنّ قريش يومئذ- أن يجعلوا بينهم حكما أول من يدخل من باب المسجد، فكان أول من دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا به، وأخبروه الخبر، فقال: [هلموا [ (4) ]] لي ثوبا، فأتي بثوب- يقال إنه كساء أبيض من متاع الشام كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأخذ الحجر الأسود فوضعه فيه بيده ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم أرفعوه جميعا، ففعلوا حتى بلغوا به موضعه فوضعه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده ثم بني عليه. ويقال: كان الثوب الّذي وضع فيه الحجر للوليد بن المغيرة. أول ما بدئ به من النبوة ولما أراد اللَّه رحمة العباد، وكرامته صلّى اللَّه عليه وسلّم بإرساله إلى العالمين، كان أوّلا يرى
تحنثه بحراء وبدء الوحي
ويعاين من آثار فضل اللَّه أشياء: فشق في صغره بطنه واستخرج ما في قلبه من الغل والدنس، فكان يعاين الأمر معاينة ثم كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه. فكان يلتفت يمينا ويسارا فلا يرى أحدا [ (1) ] . وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة قومها بذلك. ثم كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح [ (2) ] . فكان أول شيء رآه من النبوة في المنام بطنه طهّر وغسل ثم أعيد كما كان. تحنثه بحراء وبدء الوحي وحبّب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء كما كان يفعل ذلك متعبدو [ (3) ] ذلك الزمان، فيقيم فيه الليالي ذوات العدد، ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها يتحنث [ (4) ] بحراء ومعه خديجة، فيقال: إنه أول ما رأى جبريل عليه السلام بأجياد [ (5) ] فصرخ به: يا محمد يا محمد. بعثته ثم فجأة [ (6) ] الحق وهو بغار حراء [ (7) ] يوم الاثنين لثمان عشرة خلت من رمضان
وقيل: لأربع وعشرين ليلة مضت منه، وله من العمر أربعون سنة. وهذا مروي عن عبد اللَّه بن عباس [ (1) ] ، ...
وجبير بن مطعم [ (1) ] ، وقباث بن أشيم [ (2) ] ، ...
وعطاء [ (1) ] ، وسعيد بن المسيب [ (2) ] ، ...
وأنس بن مالك [ (1) ] ، وهو صحيح عند أهل السير والعلم بالأثر.
وقيل: بعث وله من العمر ثلاث وأربعون سنة، وقيل: أربعون ويوم [ (1) ] ، وقيل: وعشرة أيام وقيل: وشهرين [ (2) ] ، وقال ابن شهاب: بعث على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة، فكان بين مبعثه وبين الفيل سبعون سنة. قال إبراهيم بن المنذر: هذا وهم لا يشك فيه أحد من علمائنا، وذلك أن
أول ما نزل من القرآن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولد عام الفيل لا يختلفون في ذلك، ونبّئ على رأس أربعين من الفيل، وذلك على رأس مائة وخمسين سنة من عام حجة الغدر [ (1) ] ولستّ عشرة سنة من ملك أبرويز، ويقال: بل لعشرين سنة مضت من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وعلى الحيرة إياس بن قبيصة الطائي عاملا للفرس على العرب ومعه النخيرجان [ (2) ] الفارسيّ على رأس سنتين وأربعة أشهر من ملكهما، وعلى اليمن يومئذ باذان [ (3) ] أبو مهران. أول ما نزّل من القرآن فعلم صلّى اللَّه عليه وسلّم من حينئذ أن اللَّه بعثه نبيا، وذلك أن جبريل عليه السلام أتاه بغار حراء فقال له: اقرأ، قال: لست بقارئ، فغته [ (4) ] حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله، فقال: اقرأ، قال: لست بقارئ، فعل ذلك به ثلاث مرات ثم قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [ (5) ] فرجع بها صلّى اللَّه عليه وسلّم ترجف بوادره، فأخبر بذلك خديجة رضي اللَّه عنها وقال: قد خشيت على عقلي، فثبتته وقالت: أبشر! كلا واللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل [ (6) ] وتعين على نوائب الدهر- في أوصاف أخر جميلة عددتها من أخلاقه- تصديقا منها له وإعانة على الحق، فهي أول صدّيق له صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقيل: أول ما أنزل عليه من القرآن: البسملة وفاتحة الكتاب [ (7) ] وقيل: هي مدنية. وقيل: لما فجأه الحق وأتاه جبريل قال له: يا محمد، أنت يا رسول
فترة الوحي
اللَّه [ (1) ] . وقيل: أول ما أتى جبريل النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة السبت وليلة الأحد، ثم ظهر له برسالة اللَّه يوم الاثنين لسبع عشر خلت من رمضان، فعلمه الوضوء والصلاة، وعلمه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. فترة الوحي والتحقيق أن جبريل عليه السلام لما جاءه بغار حراء وأقرأه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ورجع إلى خديجة، مكث ما شاء اللَّه أن يمكث لا يرى شيئا وفتر عنه [ (2) ] الوحي، فاغتم لذلك وذهب مرارا ليتردى من رءوس الجبال شوقا منه إلى ما عاين أول مرة من حلاوة مشاهدة وحي اللَّه إليه. فقيل: إن فترة الوحي كانت قريبا من سنتين، وقيل: كانت سنتين ونصفا، وفي تفسير عبد اللَّه بن عباس كانت أربعين يوما، وفي كتاب معاني القرآن للزجاج كانت خمسة عشر يوما، وفي تفسير مقاتل ثلاثة أيام، ورجّحه بعضهم وقال: ولعل هذا هو الأشبه بحاله عند ربه [ (3) ] . تتابع الوحي وبدء الدعوة ثم تبدي له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته وبشره أنه رسول اللَّه حقا، فلما رآه فرق منه، وذهب إلى خديجة رضي اللَّه عنها فقال: «زمّلوني ... دثّروني ... » ، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [ (4) ] فكانت الحالة الأولى بغار حراء حالة نبوة وإيحاء، ثم أمره اللَّه تعالى في هذه الآية أن ينذر قومه ويدعوهم إلى اللَّه عزّ وجلّ. فشمّر صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ساق الاجتهاد، وقام في طاعة اللَّه أتم قيام، يدعو إلى اللَّه تعالى الصغير والكبير،
إسلام خديجة
والحر والعبد، والرجال والنساء، والأسود والأحمر، فكان فيما قاله عروة بن الزبير، ومحمد بن شهاب، ومحمد بن إسحاق: من حين أتت النبوّة وأنزل عليه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [ (1) ] إلى أن كلّفه اللَّه الدعوة، وأمره بإظهارها فيما أنزل عليه من قوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [ (2) ] وقوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (3) ] ، وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [ (4) ]- ثلاث سنين، لا يظهر الدعوة إلا للمختصين به، منهم خديجة وعلى وزيد وأبو بكر رضي اللَّه عنهم، فدعا ثلاث سنين مستخفيا، وقيل: دعا مستخفيا أربع سنين ثم أعلن الدعاء وصدع بالأمر. إسلام خديجة ويقال: إن اللَّه ابتعثه نبيا في يوم الاثنين لثمان مضين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، وقد مضى من مولده صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعون سنة ويوم. ويقال: علّمه جبريل عليه السلام الوضوء والصلاة في يوم الثلاثاء وأقرأه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (1) ] فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فأخبرها بما أكرمه اللَّه، وعلمها الوضوء والصلاة فصلت معه، فكانت أول خلق صلى معه. إسلام أبي بكر ثم استجاب له عباد اللَّه من كل قبيلة، فكان حائز قصب السبق: «أبو بكر عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب [ (5) ] بن غالب القرشي التيمي رضي اللَّه عنه» فآزره في دين اللَّه وصدقه فيما جاء به، ودعا معه إلى اللَّه على بصيرة، فاستجاب لأبي بكر رضي اللَّه عنه جماعة منهم:.
أوائل المسلمين
أوائل المسلمين «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي [ (1) ] القرشي الأموي» ، و «طلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة [ (2) ] القرشي التيمي» و «سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب [ (3) ] بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، و «الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي [ (4) ] الأسدي» ، و «عبد الرحمن ابن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث [ (5) ] بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري» : فجاءهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى استجابوا له بالإسلام وصلّوا، فصار المسلمون ثمانية نفر، أول من أسلم وصلى للَّه تعالى. إسلام علي وزيد الحبّ وأما «علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي» ، فلم يشرك باللَّه قط، وذلك أن اللَّه تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمه سيد المرسلين محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (6) ] ، فعند ما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي، وأخبر خديجة رضي اللَّه عنها وصدقت، كانت هي وعلي بن أبي طالب، و «زيد بن حارثة بن شراحيل ابن عبد العزى بن امرئ القيس [ (7) ] بن عامر بن عبد ودّ بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة الكلبي» حب رسول
إسلام ورقة بن نوفل
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- يصلون معه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إلى الكعبة أول النهار فيصلي صلاة الضحى، وكانت صلاة لا تنكرها [ (1) ] قريش. وكان إذا صلى في سائر اليوم بعد ذلك قعد علي أو زيد رضي اللَّه عنهما يرصدانه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشعاب فرادى ومثنى، وكانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين قبل الهجرة. فلم يحتج عليّ رضي اللَّه عنه أن يدعى، ولا كان مشركا حتى يوحّد فيقال أسلم، بل كان- عند ما أوحى اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- عمره ثماني سنين، وقيل: سبع سنين، وقيل: إحدى عشر سنة. وكان مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منزله بين أهله كأحد أولاده يتبعه في جميع أحواله. وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه أول من أسلم ممن له أهليّة الذبّ عن رسول اللَّه والحماية والمناصرة. هذا هو التحقيق في المسألة لمن أنصف وترك الهوى من الفريقين، وقد قال عمر مولى غفرة [ (2) ] : سئل محمد بن كعب [القرظي] [ (3) ] عن أول من أسلم، على بن أبي طالب أو أبو بكر؟ فقال: سبحان اللَّه! عليّ أولهما إسلاما، وإنما اشتبه على الناس لأن عليا أول ما أسلم كان يخفي إسلامه من أبي طالب، وأسلم أبو بكر فأظهر إسلامه، فكان أبو بكر أول من أظهر إسلامه، وكان علي أولهما إسلاما، فاشتبه على الناس- وكذلك أسلمت خديجة وزيد بن حارثة [ (4) ] . إسلام ورقة بن نوفل ثم أسلم القسّ ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وصدّق بما وجد من الوحي، وتمنى أن لو كان جذعا [ (5) ] ، وذلك أول ما نزل الوحي.
إسلام الأرقم
إسلام الأرقم ودخل من شرح اللَّه صدره للإسلام على بصيرة فأسلم الأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف [ (1) ] بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم سابع سبعة [ (2) ] ، وقيل: بعد عشرة [ (3) ] وفي داره كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مستخفيا من قريش، وكانت على الصفا، فأسلم فيها جماعة كثيرة. إيذاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت قريش لما بلغهم ما أكرم اللَّه به رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من النبوة راعهم ذلك وكبر عليهم، ولم ينكروا عليه شيئا من أمره حتى عاب آلهتهم وسفّه أحلامهم، وذمّ آباءهم وأخبر أنهم في النار، فأبغضوه عند ذلك وعادوه، وتعرضوا لمن آمن به. فأخذهم سفهاء أهل مكة بالأذى والعقوبة، وصان اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بعمه أبي طالب، لأنه كان شريفا في قومه مطاعا فيهم، نبيلا بينهم، لا يتجاسرون على مفاجأته بشيء في أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما يعلمون من محبته له، وكان من حكمة اللَّه تعالى بقاء أبي طالب على دين قومه لما في ذلك من المصلحة. إيذاء المسلمين هذا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو إلى اللَّه ليلا ونهارا وسرا وجهارا، لا يصده عن ذلك صادّ، ولا يرده عنه رادّ، ولا يأخذه في اللَّه لومة لائم. واشتد أذى المشركين على من آمن، وفتنوا جماعة منهم، حتى إنهم كانوا يضربونهم ويلقونهم في الحرّ، ويضعون الصخرة العظيمة على صدر أحدهم في الحر، وكان أحدهم إذا أطلق لا يستطيع أن يجلس لشدة الألم. ويقولون لأحدهم وهو يعذب في اللَّه: اللات إلهك من دون اللَّه؟ فيقول مكرها: نعم!، وحتى إن الجعل ليمرّ فيقولون: وهذا إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم!. ومرّ الخبيث أبو جهل: «عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن
الذين أعتقهم أبو بكر من الموالي المعذبين
مخزوم بن يقظة بن مرة» بسميّة «أم عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين العبسيّ» وهي تعذب في اللَّه هي وزوجها ياسر بن عامر، وابنها عمار بن ياسر فطعنها بحربة في فرجها فقتلها [ (1) ] . الذين أعتقهم أبو بكر من الموالي المعذبين وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه إذا مر بأحد الموالي وهو يعذب في اللَّه اشتراه من مواليه وأعتقه للَّه، فمن هؤلاء: بلال وأمه حمامة [ (2) ] ، وعامر بن فهيرة، وأم عبس، ويقال: أم عبيس فتاة بني تيم بن مرة، (وهي أم عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف) ، وزنيرة (زنّيرة بكسر الزاي وتشديد النون مع كسرها على وزن فعّيلة، وقيل: بفتح الزاي وسكون النون ثم باء موحدة مفتوحة) ، وسمية بنت خبّاط [ (3) ] (بباء موحدة، قاله ابن ماكولا) ، والنهدية وابنتها، وجارية لبني عدي كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يعذبها على الإسلام قبل أن يسلم. حتى قال له أبوه أبو قحافة: يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا، فلو أعتقت قوما جلدا يمنعونك! فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: إني أريد ما أريد [ (4) ] فقال: نزلت فيه: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى [ (5) ] إلى آخر السورة. همّ قريش بقتله عند البيت هذا وقد اشتد مكر قريش برسول اللَّه وهموا بقتله، فعرضوا على قومه ديته حتى يقتلوه، فحماه اللَّه برهطه من ذلك، فهموا أن يقتلوه في الزحمة [ (6) ] بقول
أول من جهر بالقرآن ومن رجع عن الإسلام
قبائل قريش كلها، وأحاطوا به وهو يطوف بالبيت ويصلى، حتى كادت أيديهم أن تخبط به أو تلتقي عليه، فصاح أبو بكر: أتقتلون رجلا أن يقول ربى اللَّه وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ فقال: دعهم يا أبا بكر، فو الّذي نفسي بيده، إني بعثت إليهم بالذبح، فتفرجوا عنه. فكانت فتنة شديدة وزلزال شديد، فمن المسلمين من عصمه اللَّه ومنهم من افتتن. أول من جهر بالقرآن ومن رجع عن الإسلام ويقال: أول من جهر بالقرآن عبد اللَّه بن مسعود فضرب. ورجع عن الإسلام خمسة وهم: أبو قيس بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن منبه بن الحجاج، والحارث بن زمعة بن الأسود، والوليد بن الوليد بن المغيرة. الهجرة الأولى إلى الحبشة فلما اشتد البلاء أذن اللَّه لهم في الهجرة إلى الحبشة، فكان أول من خرج من مكة فارا بدينه إلى الحبشة: عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتبعه الناس. فخرج أحد عشر رجلا وأربع نسوة متسللين حتى انتهوا إلى الشعيبة [ (1) ] ، منهم الراكب والماشي، فوفّق لهم ساعة جاءوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار. وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر حيث ركبوا فلم يدركوا منهم أحدا، وذكر أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه: عن قبيصة بن ذؤيب أن أبا سلمة ابن عمة رسول اللَّه أول من هاجر بظعينته [ (2) ] إلى أرض الحبشة. وقيل: أول من هاجر إلى أرض الحبشة أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك، وذلك في رجب سنة خمس من المبعث، وهي السنة الثانية من إظهار الدعوة، فأقاموا شعبان وشهر رمضان وبلغهم أن قريشا أسلمت، فعاد منهم قوم وتخلف منهم قوم. فلما قدم الذين قدموا إلى مكة بلغهم
بعثة قريش لإرجاع المسلمين من الحبشة
أن إسلام أهل مكة كان باطلا، فدخلوا مكة في شوال سنة خمس من النبوة، وما منهم من أحد إلا بجوار أو مستخفيا. وأقام المسلمون بمكة وهم في بلاء، فخرج جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وجماعات- بلغ عددهم بمن خرج أولا اثنين وثلاثين- فآواهم أصحمة النجاشي ملك الحبشة وأكرمهم. بعثة قريش لإرجاع المسلمين من الحبشة فلما علمت قريش بذلك بعثت في أثرهم عبد اللَّه بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وعمرو بن العاص، بهدايا وتحف إلى النجاشي ليردهم عليهم فأبى ذلك، فشفعوا إليه بقواده فلم يجبهم إلى ما طلبوا فوشوا إليه أن هؤلاء يقولون في عيسى عليه السلام قولا عظيما: يقولون إنه عبد. فأحضر المسلمين إلى مجلسه وزعيمهم جعفر فقال: ما تقولون في عيسى؟ فتلا عليه جعفر سورة كهيعص [ (1) ] فلما فرغ أخذ النجاشيّ عودا من الأرض وقال: ما زاد هذا على ما في الإنجيل ولا هذا العود، ثم قال: اذهبوا فأنتم شيوم [ (2) ] بأرضي من سبّكم غرّم، وقال لعمرو وعبد اللَّه: لو أعطيتموني دبرا من ذهب (يعني جبلا من ذهب) ما سلمتهم إليكما. ثم أمر فردت عليهما هداياهما ورجعا بشرّ خيبة [ (3) ] .
وقد ذكر محمد بن إسحاق فيمن هاجر إلى الحبشة أبا موسى الأشعري، وأنكر ذلك الواقدي وغيره. وهذا ظاهر لا يخفى على من دون ابن إسحاق، فإن أبا موسى إنما هاجر من اليمن إلى الحبشة إلى عند جعفر، كما ثبت في الصحيح وغيره. وقد قيل إن قريشا بعثت عمرو بن العاص وعبد اللَّه بن أبي ربيعة بعد وقعة بدر، فلما
أعداء رسول الله من قريش
سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعث قريش عمرا وابن أبي [ (1) ] ربيعة، بعث عمرو بن أمية الضمريّ وكتب معه إلى النجاشي، فقرأ كتابه ثم دعا جعفر بن أبي طالب، فقرأ عليهم سورة مريم، فآمنوا. هذا قول سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير. وقال أبو الأسود عن عروة: إن بعثتهم عمرو بن العاص كانت عند خروج المهاجرين إلى الحبشة، وكان بين خروج المهاجرين إلى الحبشة وبين وقعة بدر خمس سنين وأشهر. وقيل: كانت بعثتهم عمرو بن العاص مرتين، مرة مع عمارة بن الوليد [ (2) ] ومرة مع عبد اللَّه بن أبي ربيعة بن المغيرة، قاله أبو نعيم الحافظ. أعداء رسول اللَّه من قريش هذا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقيم بمكة يدعو إلى اللَّه، وكفار قريش تظهر حسده وتبدي صفحتها في عداوته وأذاه، وتخاصم وتجادل وتردّ من أراد الإسلام عنه. وكان أشد قريش عداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جيرانه، وهم: أبو جهل بن هشام بن المغيرة، وعمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة وهو ابن خال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والحارث بن قيس ابن عدي بن سعد بن سهم السهمي، والوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وأميّة وأبىّ ابنا خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤيّ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والعاص بن وائل بن هاشم [ (3) ] ابن سعيد بن سهم السّهمي والد عمرو بن العاص، والنّضر بن الحارث بن علقمة ابن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار، ومنبّه ونبيه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة ابن سعيد [ (4) ] بن سهم بن عمرو بن هصيص، وزهير بن أبي أمية حذيفة بن المغيرة، وهو ابن عمة [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والعاص بن سعيد العاص بن أمية، وعدّى بن
الحمراء الخزاعيّ، وأبو البختري العاص بن هشام بن (الحارث) [ (1) ] بن أسد بن عبد العزى، وعقبة بن أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزّى، وابن الأصداء [ (2) ] الهذلي، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس ابن عبد مناف، (وطعيمة بن عديّ) [ (3) ] أخو مطعم بن عديّ، والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف [ (4) ] ، والحارث بن مالك (وقيل: عمرو، وهو ابن الطّلاطلة، وهي أمه) [ (5) ] ابن عمرو بن الحارث (وهو غبشان) بن عبد عمر بن بوىّ بن ملكان [ (6) ] ، وركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب [ (7) ] ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي. وكان الذين تنتهي إليهم عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبو جهل، وأبو لهب، وعقبة بن أبي (معيط) [ (8) ] . وكان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب [ (9) ] ، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، ذوي عداوة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، لكنهم لم يكونوا يفعلون كما فعل هؤلاء، فلما أسلم حمزة بن عبد المطلب، عرفت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عزّ، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.
إسلام عمر بن الخطاب
إسلام عمر بن الخطاب وأسلم عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرط ابن رزاح بن عديّ بن كعب القرشي العدوي رضي اللَّه عنه، ويقال: إنه أسلم بعد تسعة وأربعين رجلا وثلاث وعشرين امرأة، وقيل: أسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة، وقيل: أسلم بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى وعشرين امرأة، وقيل: أسلم بعد ثلاثة وثلاثين رجلا، وكان إسلامه بعد هجرة الحبشة، وكان المسلمون لا يقدرون يصلون عند الكعبة. عزّ الإسلام بعمر وحمزة فلما أسلم عمر رضي اللَّه عنه قاتل قريشا حتى صلى عندها، وصلى معه المسلمون، وقد قووا بإسلامه وإسلام حمزة رضي اللَّه عنهما، وجهروا بالقرآن ولم يكونوا قبل ذلك يقدرون أن يجهروا به، ففشا الإسلام وكثر المسلمون. أمر الصحيفة وبلغ أهل مكة فعل النجاشي بالقادمين عليه وإكرامهم، فساء ذلك قريشا وائتمروا في أن يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه ألا يناكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى يسلموا إليهم محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكتبوا بذلك صحيفة وختموا عليها ثلاثة خواتيم، وعلقوها في سقف الكعبة. وقيل: بل كانت عند أمّ الجلاس مخرّبة [ (1) ] الحنظلية خالة أبي جهل، ذكره ابن سعد [ (2) ] ، وعند ابن عقبة: كانت عند هشام بن عبد العزى. فيقال: كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هشام عبد مناف، ويقال: النّضر بن الحارث، ويقال: بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشلت يده.
انحياز بني هاشم وبني المطلب إلى شعب أبي طالب
انحياز بني هاشم وبني المطلب إلى شعب أبي طالب وانحازت بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم ليلة هلال المحرم سنة سبع من النبوة- إلا أبا لهب وولده. فإنّهم ظاهروا قريشا على بني هاشم- فصاروا في شعب أبي طالب محصورين مضيقا عليهم أشد التضييق نحوا من ثلاث سنين، وقد قطعوا عنهم الميرة [ (1) ] والمادة فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد، وكان حكيم بن حزام [ (2) ] بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي تأتيه العير تحمل الحنطة من الشام فيقبلها [ (3) ] الشّعب ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم فيأخذون ما عليها من الحنطة. الهجرة الثانية إلى الحبشة ثم هاجر المسلمون ثانيا إلى أرض الحبشة وعدتهم ثلاثة وثمانون رجلا- إن كان عمار بن ياسر فيهم-[ (4) ] وثماني عشرة امرأة. نقض الصحيفة ثم سعى في نقض الصحيفة أقوام من قريش. وكان أحسنهم في ذلك بلاء هشام ابن عمرو (بن ربيعة) [ (5) ] بن الحارث بن حبيّب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، مشى في ذلك إلى زهير بن أبي أمية، وإلى مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وإلى أبي البحتري بن هشام، وإلى زمعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد، وكان سهل بن بيضاء [ (6) ] الفهري هو الّذي مشى إليهم حتى اجتمعوا
موت خديجة وأبي طالب (عام الحزن)
عليه، واتّعدوا [ (1) ] خطم الحجون [ (2) ] بأعلى مكة، وتعاهدوا هناك على القيام في نقض الصحيفة، وما زالوا حتى شقوها، فإذا الأرضة قد أكلتها إلا ما كان من «باسمك اللَّهمّ» . وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أخبر عمه أبا طالب بأن اللَّه قد أرسل على الصحيفة الأرضة فأكلت جميع ما فيها إلا ذكر اللَّه تعالى. وعن موسى بن عقبة عن الزّهري أن النبي قال لعمه: إن الأرضة لم تترك اسما للَّه إلا لحسته، وبقي فيها ما كان من (جور) [ (3) ] أو ظلم أو قطيعة رحم. فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه من الشعب كان له من العمر تسع وأربعون سنة، وكان خروجهم في السنة العاشرة، وقيل: مكثوا في الشعب سنتين، ويقال: إن رجوع من كان مهاجرا بالحبشة إلى مكة كان بعد الخروج من الشعب. موت خديجة وأبي طالب (عام الحزن) ومات عقيب ذلك أبو طالب وخديجة، فمات أبو طالب أوّل ذي القعدة، وقيل: في نصف شوال، ولرسول اللَّه من العمر تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما، وماتت خديجة رضي اللَّه عنها قبله بخمسة وثلاثين يوما، وقيل: كان بينهما خمسة وخمسون يوما، وقيل: ثلاثة أيام، وقيل: كان موتهما بعد الخروج من الشّعب بثمانية أشهر وأحد وعشرين يوما، فعظمت المصيبة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بموتهما وسمّاه «عام الحزن» وقال: ما نالت قريش مني شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب، لأنه لم يكن في عشيرته وأعمامه- حاميا له ولا ذابا عنه- (غير أبي طالب) [ (4) ] . خروجه إلى الطائف فخرج ومعه زيد بن حارثة إلى الطائف في شوال سنة عشر من النبوة يلتمس من ثقيف النصر لأنهم كانوا أخواله، فكلّم سادتهم، وهم: عبد ياليل ومسعود
إسلام النفر من جن نصيبين
وحبيب بنو عمر بن عمير، ودعاهم إلى نصره والقيام معه على من خالفه. فردّوا عليه ردا قبيحا، وأغروا به سفاءهم، فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى إن رجلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لتدميان، وزيد يقيه بنفسه حتى لقد شجّ في رأسه شجاجا، فرجع عنهم يريد مكة، حتى إذا كان بنخلة [ (1) ] قام يصلي من جوف الليل. إسلام النفر من جنّ نصيبين فمر به من جن نصيبين اليمن سبعة نفر فاستمعوا إليه (وهو يقرأ القرآن ثم ولّوا- بعد فراغه من صلاته) [ (2) ]- إلى قومهم منذرين، قد آمنوا فأجابوا. إقامته بنخلة وأقام بخلة أياما، فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم مكة وهم أخرجوك؟ فقال: يا زيد، إن اللَّه جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن اللَّه ناصر دينه ومظهر نبيه. ويقال: كان إيمان الجن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وله من العمر خمسون سنة وثلاثة أشهر، وذكر ابن إسحاق أن إسلام الجن قبل الهجرة بثلاث سنين. عودته إلى مكة في جوار المطعم بن عديّ ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما عاد من الطائف وانتهى إلى حراء بعث رجلا من خزاعة إلى المطعم بن عدي ليجيره حتى يبلغ رسالة ربه فأجاره. إسلام الطفيل الدوسيّ ذي النور ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة فأقام بها وجعل يدعو إلى اللَّه، فأسلم (الطفيل) [ (3) ] بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم [ (4) ] بن فهم الدوسيّ، ودعا له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجعل اللَّه له آية، فجعل اللَّه له في وجهه
إسلام بيوت من دوس
نورا، فقال: يا رسول اللَّه، أخشى أن يقولوا هذا مثلة، فدعا له فصار النور في سوطه، فهو المعروف بذي النور. إسلام بيوت من دوس ودعا الطفيل قومه دوسا إلى اللَّه، فأسلم بعضهم، وأقام في بلاده حتى قدم على) [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد فتح خيبر في نحو ثمانين بيتا. الإسراء والمعراج وفرض الصلوات (ثم أسري) [ (2) ] برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بجسده- على الصحيح من قول صحابة- من المسجد الحرام إلى بيت المقدس راكبا البراق صحبة جبريل عليه سلام، فنزل ثم (أمّ) [ (3) ] بالأنبياء عليهم السلام ببيت المقدس فصلى بهم. ثم عرج تلك الليلة من هناك إلى السموات السبع ورأى بها الأنبياء على منازلهم، ثم عرج إلى سدرة المنتهى ورأى جبريل عليه السلام على الصورة التي خلقه اللَّه بها، وفرضت) [ (4) ] عليه الصلوات الخمس تلك الليلة. وكان الإسراء في قول محمد بن شهاب الزّهري قبل الهجرة بثلاث سنين، قيل: بسنة واحدة، وقيل: وله من العمر إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر، قيل: كان الإسراء بين بيعتي الأنصار في العقبة، وقيل: كان بعد المبعث بخمسة عشر شهرا، وقال الحربي: كان ليلة سبعة وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة. وعورض من قال: إنه كان قبل الهجرة بسنة، بأن خديجة صلت معه بلا خلاف، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، والصلاة إنما فرضت ليلة الإسراء، وأجيب بأن صلاة خديجة كانت غير المكتوبة، بدليل حديث مسلم [ (5) ] أنه صلى ببيت المقدس ركعتين قبل أن يعرج إلى السماء، فتبين أن الصلاة كانت مشروعة
في الجملة، كما كان قيام الليل واجبا قبل الإسراء بلا خلاف، وفي رواية عن الزهري: كان بعد المبعث. ومما يقوي قول الحربي أنه عين الليلة من الشهر من السنة، فإذا تعارض خبران أحدهما فصّل القصة والآخر أجملها، ترجحت رواية من فصّل بأنه أوعى لها. وقال ابن إسحاق: أسري برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل، ويقال كان ليلة السبت لسبع عشر خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم نائم في بيته ظهرا. وقيل: كان ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة من شعب أبي طالب، وكانت سنّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين الإسراء اثنتين وخمسين سنة [ (1) ] . وقيل- وقد حكي عن حذيفة وعائشة ومعاوية رضي اللَّه عنهم-: إن الإسراء كان بروحه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: كان بجسده إلى بيت المقدس، ومن هناك إلى السموات بروحه. وقيل: أسري به وهو نائم في الحجر، وقيل: كان في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، وفرضت الصلوات الخمس ركعتين ركعتين، وإنما كانت قبل الإسراء صلاة بالعشي، ثم صارت صلاة بالغداة وصلاة بالعشي ركعتين ركعتين. فلم يرع برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس من صبيحة ليلة الإسراء فصلى به الظهر، ولهذا سميت الأولى، ثم صلى بقية الخمس في أوقاتها فصارت بعد الإسراء خمسا ركعتين ركعتين حتى أتمت أربعا بعد الهجرة إلى المدينة بشهر. وقد اختلف أهل العلم: هل رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة الإسراء أم لا؟ فلما أصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه بمكة أخبرهم بما أراه اللَّه عز وجل من آياته، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم إياه واستضراؤهم عليه، وارتدّ جماعة ممن كان أسلم وسألوه أمارة، فأخبرهم بقدوم عير يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب، فدعا اللَّه فحبس الشمس حتى قدموا كما وصف، قال ابن إسحاق: ولم تحبس الشمس إلا له ذلك اليوم وليوشع بن نون.
عرض نفسه على القبائل
عرض نفسه على القبائل (ثم عرض) [ (1) ] نفسه على القبائل أيام الموسم ودعاهم إلى الإسلام، وهم: بنو عامر، وغسّان، وبنو فزارة، وبنو مرّة، وبنو حنيفة، وبنو سليم، وبنو عبس، وبنو نصر، وثعلبة بن عكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة، وقيس بن الخطيم [ (2) ] ، وأبو الحيسر أنس بن أبي رافع [ (3) ] . وقد اقتص الواقدي أخبار هذه القبائل قبيلة قبيلة، ويقال: إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدأ بكندة فدعاهم إلى الإسلام، ثم أتى كلبا، ثم بني حنيفة، ثم بني عامر، وجعل يقول: من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربي، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي؟ هذا، وعمه أبو لهب وراءه يقول للناس: لا تسمعوا منه فإنه كذّاب! وكان أحياء العرب يتحامونه لما يسمعون من قريش فيه: إنه كاذب، إنه ساحر، إنه كاهن، إنه شاعر!! أكاذيب يقترفونه بها حسدا من عند أنفسهم وبغيا، فيصغي إليهم من لا تمييز له من أحياء العرب. وأما الألباء فإنّهم إذا سمعوا كلامه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفهّموه شهدوا بأن ما يقوله حقّ وصدق، وأن قومه يفترون عليه الكذب، فيسلمون. أول أمر الأنصار وكان مما صنع اللَّه للأنصار- وهم الأوس والخزرج- أنهم كانوا يسمعون من حلفائهم بني قريظة والنّضير- يهود المدينة- أن نبيا مبعوث في هذا الزمان، ويتوعّدون الأوس والخزرج به إذا حاربوا فيقولون: إنا سنقتلكم معه قتل عاد وإرم. وكانت الأنصار- وهم الأوس والخزرج- تحج البيت فيمن يحجه من العرب، فلما رأوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو الناس إلى اللَّه رأوا أمارات الصدق عليه لائحة، فقالوا: واللَّه هذا الّذي توعّدكم يهود به فلا تسبقنكم إليه.
سويد بن الصامت
سويد بن الصامت وكان سويد بن الصامت [ (1) ] بن خالد بن عطية بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأوسي، وهو ابن خالة عبد المطلب بن هاشم: أمه ليلى بنت عمرو من بني عديّ بن النجار، وهي خالة عبد المطلب بن هاشم، قد قدم مكة فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقرأ عليه القرآن، فلم يبعد منه ولم يجب، ثم قدم إلى المدينة فقتل في بعض حروبهم يوم بعاث [ (2) ] . إسلام إياس بن معاذ ثم قدم أبو الحيسر أنس، وقيل: بشر بن رافع «مكة» في فتية من قومه بني عبد الأشهل يطلبون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، فأتاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعاهم إلى الإسلام، فقال منهم إياس بن معاذ- وكان شابا حدثا-: يا قوم واللَّه خير مما جئنا له، فضرب أبو الحيسر وجهه وانتهره فسكت. وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وانصرف القوم إلى المدينة ولم يتمّ لهم حلف، فمات إياس مسلما فيما يقال [ (3) ] . أصحاب العقبة الأولى ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقي عند العقبة من منى في الموسم ستة نفر، كلهم من الخزرج، وهم يحلقون رءوسهم، فجلس إليهم فدعاهم إلى اللَّه وقرأ عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: إنه النبي الّذي توعدكم [ (4) ] به يهود فلا تسبقنّكم إليه، فاستجابوا للَّه ولرسوله وآمنوا وصدّقوا، وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة بن
إسلام الأنصار
عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وعوف بن الحارث بن رفاعة ابن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم (ويقال له: عوف بن عفراء) ، ورافع ابن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق، وقطبة بن عامر بن حديدة (ويقال: قطبة بن عمرو بن حديدة) بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن الخزرج، وعقبة بن عامر بن نابي [ (1) ] بن حرام، وجابر بن عبد اللَّه رياب [ (2) ] بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عديّ بن غنم بن كعب بن سلمة، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا مبادرة إلى الخير. إسلام الأنصار ثم رجعوا إلى قومهم بالمدينة فذكروا لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودعوهم إلى الإسلام، ففشا فيهم، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. أمر العقبة الثانية فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر- منهم تسعة من الخزرج، وهم: أسعد بن زرارة، وعوف بن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر، ومعاذ بن الحارث بن رفاعة (أخو عوف بن عفراء) ، وذكوان بن عبد القيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق، وعبادة بن الصامت ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، ويزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة (ويقال: يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بني فران (بن بلي) [ (3) ] ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة وكنيته أبو عبد الرحمن- وثلاثة من الأوس، وهم: أبو الهيثم مالك بن التيهان بن مالك بن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم (وكان يقال
بيعة العقبة الثانية
لأبي الهيثم: ذو السيفين من أجل أنه كان يتقلد بسيفين في الحرب) ، وعويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف ابن عمرو بن عوف، والبراء بن معرور [ (1) ] بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد ابن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة- فأسلموا. بيعة العقبة الثانية وقد كان معه صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ أبو بكر وعلي رضي اللَّه عنهما، فبايعوه عند العقبة على الإسلام كبيعة النساء [ (2) ] ، وذلك قبل أن يؤمر بالقتال فبعث معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدريّ [ (3) ] ، ويقال: وعبد اللَّه بن أم مكتوم، ليعلّما من أسلم القرآن ويدعوا [ (4) ] إلى اللَّه. إسلام بني عبد الأشهل فنزلا بالمدينة على أبي أمامة أسعد بن زرارة فخرج بهما إلى دار بني ظفر، واجتمع عليهما رجال ممن أسلم، فأتاهم أسيد بن حضير الكتائب بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، وسعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس ابن زيد بن عبد الأشهل، وهما سيّدا بني عبد الأشهل. فدعاهما مصعب إلى الإسلام فهداهما اللَّه وأسلما، ودعيا قومهما إلى اللَّه، فما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وقد أسلموا- إلا الأصيرم عمرو بن ثابت بن وقش- فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد. أول المهاجرين بالمدينة ويقال: أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير، ثم أتى بعده عمرو
أول من جمع بالمسلمين
ابن أم مكتوم [ (1) ] . ولم يزل مصعب بن عمير يدعو إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها عدّة مسلمون- إلا بني أمية بن زيد (وخطمة) ووائل وواقف، فإنّهم تأخر إسلامهم. أول من جمّع بالمسلمين وكان مصعب يؤمّ بمن أسلم، وجمع بهم يوما وهم أربعون نفسا في هزم حرة نقيع الخضمات [ (2) ] ، وبهذا جزم أبو محمد بن حزم. وعند ابن إسحاق: أن أول من جمع بهم أسعد بن زرارة، ثم عاد إلى مكة وأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن أسلم، فسرّه ذلك. بيعة العقبة الأخيرة ثم كانت بيعة العقبة ثانيا وقد وافى الموسم خلق من الأنصار ما بين مشرك ومسلم، وزعيمهم البراء بن معرور. فتسلل منهم جماعة مستخفين لا يشعر بهم أحد، واجتمعوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذي الحجة وواعدوه أوسط أيام التشريق بالعقبة وهم ثلاثة وسبعون [ (3) ] رجلا وامرأتان هما: أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو [ (4) ] وأسماء بنت عمر بن عدي بن نابي. وجاءهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه عمه العباس، وهو على دين قومه، وأبو بكر وعليّ رضي اللَّه عنهما، فأوقف العباس عليا على فم الشّعب عينا له، وأوقف أبا بكر على فم الطريق الآخر عينا له، وتكلم العباس أولا يتوثق لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدا منا حيث علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، وهو في عز ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز
أول من بايع
إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده. قالت الأنصار: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول اللَّه فخذ لنفسك ولربك ما أحببت. فتكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلا] [ (1) ] القرآن ورغبهم في الإسلام، وشرط عليهم أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم. فأخذ البراء بن معرور بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: والّذي بعثك لنمنعك مما نمنع منه أزرنا [ (2) ] ، فبايعنا يا رسول اللَّه، فنحن واللَّه أهل الحرب. فاعترض الكلام أبو الهيثم بن تيهان فقال: يا رسول اللَّه إننا بيننا وبنى الناس حبالا وإنا قاطعوها، فهل عسيت [ (3) ] إن أظهرك اللَّه أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: أنتم مني وأنا منكم، أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم، في كلام آخر. وتكلم العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، فأحسن ما شاء في شد العقد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: ابسط يدك. فبايعوه. أول من بايع وكان أوّلهم مبايعة أبو أمامة أسعد بن زرارة، وقيل: أو الهيثم بن التّيهان، وقيل: البراء بن معرور، وقيل: إن العباس بن عبد المطلب هو الّذي كان يأخذ عليهم البيعة. وكانت بيعتهم على أن يمنعوه صلّى اللَّه عليه وسلّم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم وأزرهم [ (4) ] . أمر النقباء الاثني عشر وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم اثنى عشر نقيبا هم: أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغرّ [ (5) ] ، (وعبد اللَّه بن رواحة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة
بدء الهجرة إلى المدينة
ابن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج) [ (1) ] ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن معرور، وعبد اللَّه بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة [ (2) ] (وهو والد جابر بن عبد اللَّه وقد أسلم ليلتئذ) ، وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي سلمة (ويقال ابن أبي حزيمة) بن ثعلبة ابن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج، والمنذر بن عمرو بن خنيس ابن حارثة بن لوازن بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب ابن الخزرج، وعبادة بن الصامت، فهؤلاء تسعة من الخزرج. ومن الأوس ثلاثة: أسيد بن الحضير، وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحاط [ (3) ] ابن كعب بن حارثة بن غنم بن السّلم [ (4) ] بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس، ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير [ (5) ] بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف ابن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (وهو أبو لبابة، وقيل اسمه مبشر [ (6) ] بن عبد المنذر) ، ويقال: بل الثالث من الأوس: أبو الهيثم مالك بن التّيهان [ (7) ] ، وكانت هذه البيعة على حرب الأحمر والأسود [ (8) ] ، فلما تمت بيعتهم استأذنوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يميلوا على أهل منى بأسيافهم، فقال: لم نؤمر بذلك. فرجعوا وعادوا إلى المدينة. بدء الهجرة إلى المدينة واشتد الأذى على من بمكة من المسلمين فأذن لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الهجرة
أول من هاجر بعد العقبة الأخيرة
إلى المدينة، فبادروا إلى ذلك وتجهزوا إلى المدينة في خفاء [ (1) ] وستر وتسللوا، (فيقال: إنه كان بين أولهم وآخرهم أكثر من سنة) وجعلوا يترافدون [ (2) ] بالمال والظهر ويترافقون. وكان من هاجر من قريش وحلفائهم (يستودع دوره وماله) [ (3) ] رجلا من قومه، فمنهم من حفظ من أودعه، ومنهم من باع، فممن حفظ وديعته [ (4) ] هشام بن الحارث بن حبيب، فمدحه حسان. أوّل من هاجر بعد العقبة الأخيرة وخرج أول الناس أبو سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (5) ] ، ومعه امرأته أم سلمة [ (6) ] هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، فاحتبست دونه ومنعت من اللحاق به، ثم هاجرت بعد سنة، وقيل: بل هاجر أبو سلمة رضي اللَّه عنه قبل العقبة الأخيرة. وقيل: أول من هاجر مصعب بن عمير [ (7) ] ثم هاجر عمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وبلال، ثم هاجر عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، ثم تلاحق المسلمون بالمدينة يخرجون من مكة أرسالا [ (8) ] حتى لم يبق بمكة إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما- أقاما بأمره لهما- وإلا من اعتقله المشركون كرها. ائتمار قريش به صلّى اللَّه عليه وسلّم وخروجه واستخلافه عليا فحذرت قريش خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واشتوروا بدار الندوة، وكانوا خمسة عشر رجلا، وقيل: كانوا مائة رجل، أيحسبوه في الحديد ويغلقوا عليه بابا؟ أو يخرجوه من مكة؟ أو يقتلوه؟ ثم اتفقوا على قتله. ويسمى اليوم الّذي اجتمعوا
هجرة الرسول وأبي بكر
فيه يوم الزحمة [ (1) ] ، فأعلمه اللَّه بذلك. فلما كان العتمة اجتمعوا على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه. فلما رآهم صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر عليا بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أن ينام على فراشه ويتشح [ (2) ] ببرده الحضرميّ الأخضر، وأن يؤدي ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك. فقام عليّ مقامه عليه السلام وغطي ببرد أخضر، فكان أول من شرى نفسه [ (3) ] وفيه نزلت: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [ (4) ] وخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ حفنة من تراب وجعله على رءوسهم وهو يتلو الآيات من: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (5) ] إلى قوله: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (5) ] . فطمس اللَّه تعالى أبصارهم فلم يروه، وانصرف. وهم ينظرون عليا فيقولون: إن محمدا لنائم، حتى أصبحوا، فقام علي من الفراش [ (6) ] ، فعرفوه. وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [ (7) ] ، وسأل أولئك الرهط عليا رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا أدري، أمرتموه بالخروج فخرج، فضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم (دخلوا عليه) [ (8) ] فأدى أمانة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. هجرة الرسول وأبي بكر ولما خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى أبا بكر فأعلمه أنه يريد الهجرة. وقد جاء أنه أتى أبا بكر بالهاجرة [ (9) ] وأمره أن يخرج من عنده، وأعلمه أن اللَّه قد أذن له في الخروج، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: الصحبة يا رسول اللَّه؟ قال: الصحبة. فبكى من
الفرح. فاستأجر عبد اللَّه بن أريقط الليثي من بني الدّئل من بني عبد بن عديّ، ليدلهما على الطريق. وخرجا من خوخة [ (1) ] في بيت أبي بكر، ومضيا إلى غار بجبل ثور، فلم يصعدا الغار حتى قطرت قدما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دما، لم يتعود الحفية ولا الرعية ولا الشقوة [ (2) ] ، وعادت قدما أبي بكر كأنهما صفوان. وعمّى اللَّه على قريش خبرها فلم يدروا أين ذهبوا. وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يريح [ (3) ] عليهما غنمه، وكانت أسماء ابنة أبي بكر رضي اللَّه عنها تحمل لهما الزاد إلى الغار، وكان عبد اللَّه بن أبي بكر يتسمع لهما ما يقال عنهما بمكة ثم يأتيهما بذلك. وجاءت قريش في طلبهما إلى ثور وما حوله، ومرّوا على باب الغار وحاذت أقدامهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبا بكر رضي اللَّه عنه، وقد نسج العنكبوت وعششت حمامتان على باب الغار، وذلك تأويل قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها [ (4) ] . وبكى أبو بكر رضي اللَّه عنه وقال: يا رسول اللَّه، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لرآنا. فقال له: يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟. وعمّى اللَّه على قريش، وقد قفا [ (5) ] كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة [ (6) ] بن عبد نهم [ (7) ] بن حليل بن حبشيّة أثر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انتهى إلى الغار، فرأى عليه نسج العنكبوت، فقال: ها هنا انقطع الأثر، فلم يهتدوا إليهما، ورجعوا فنادوا بأعلى مكة وأسفلها: من قتل محمدا وأبا بكر فله مائة من الإبل. ويقال: جعلوا لمن جاء بأحدهما أو قتله ديته، فلما مضت ثلاث لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر وهما في الغار أتاهما دليلهما، وقد سكن الطلب عنهما ومعهما بعيرهما، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما من أبي بكر رضي اللَّه عنه بالثمن، وقد
خبر سراقة
كان أبو بكر قد أعدّهما قبل ذلك، وأعد جهازه وجهاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منتظرا متى يأذن اللَّه لرسوله في الخروج، وعلف ناقتيه أربعة أشهر، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجدعاء. وروي في حديث مرسل أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوما، ما لنا طعام إلا البرير (يعني الأراك) ، وخرجا من الغار سحر ليلة الاثنين لأربع خلون من ربيع الأول، وقيل: أول يوم منه، وقيل: كانت هجرته في صفر، وسنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث وخمسون سنة على الصحيح، وقيل: خمس وخمسون، وقيل: خمسون، ومعهما سفرة أتت بها أسماء ابنة أبي بكر. وكان خروجه من الغار في الصبح، فصلى عليه السلام بأصحابه جماعة، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم أول من (جمع بالمسلمين في صلاة الفجر) [ (1) ] وساروا وقد أردف أبو بكر رضي اللَّه عنه عامر بن فهيرة، وسار عبد اللَّه بن أريقط أمامهما على راحلته حتى قالوا يوم الثلاثاء بقديد، وذلك بعد العقبة بشهرين وليال. وقال الحاكم [ (2) ] : بثلاثة أشهر أو قريبا منها، وقال الليث: حدثني عقيل عن ابن شهاب [ (3) ] أنه قال: كان بين ليلة العقبة وبين مهاجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أشهر أو قريب منها. كانت بيعة الأنصار رسول اللَّه ليلة العقبة في ذي الحجة، وكان عمره لما هاجر ثلاث وخمسون سنة. خبر سراقة ولما مروا بحيّ مدلج بصر بهم سراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو ابن تيم بن مدلج [ (4) ] ، فركب جواده ليأخذهم، حتى إذا قرب من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
إسلام بريدة وقومه
وسمع قراءته ساخت يدا فرسه في الأرض إلى بطنها، وكانت أرضا صلبه، وثار من تحتها مثل الدخان، فقال: ادع لي يا محمد ليخلصني اللَّه، ولك علي أن أراد عنك الطلب فدعا له، فتخلص فعاد يتبعهم، فدعا عليه الثانية، فساخت قوائم فرسه أشد من الأول. فقال: يا محمد، قد علمت أن هذا من دعائك عليّ، فادع لي ولك عهد اللَّه أن أردّ عنك الطلب، فدعا له فخلص، وقرب من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا رسول اللَّه خذ سهما من كنانتي فإن إبلي بمكان كذا فخذ منها ما أحببت. فقال: لا حاجة لي في إبلك. فلما أراد أن يعود عنه قال: كيف بك يا سراقة إذا سوّرت بسواري كسرى! قال: كسرى بن هرمز! قال: نعم. وسأل سراقة أن يكتب له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا، فكتب له أبو بكر رضي اللَّه عنه، ويقال: بل كتب له عامر بن فهيرة، في أديم [ (1) ] ورجع يقول للناس: قد كفيتم ما هاهنا، ويرد عنهم الطلب. إسلام بريدة وقومه ولقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه فيما بين مكة والمدينة وهم يريدون موقع سحابة [ (2) ] فأسلموا بعد ما دعاهم إليه، واعتذروا بقلة اللبن معهم وقالوا: مواشينا شصص، أي جافّة [ (3) ] وجاءوه [ (4) ] بلبن فشربه وأبو بكر، ودعا لهم بالبركة.
خبر أم معبد
خبر أم معبد ولقي أيضا أوس بن حجر الأسلمي، فحمله صلّى اللَّه عليه وسلّم على جمل وبعث معه غلاما له يقال مسعود (بن هنيدة) [ (1) ] ليؤديه إلى المدينة. ومرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخيمتي أم معبد عاتكة بنت خالد بن خليف [ (2) ] بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو وهو أبو خزاعة، فقال [ (3) ] عندها. وأراها اللَّه تعالى من آيات نبوته في الشاة- وحلبها لبنا كثيرا وهي حائل [ (4) ] في سنة مجدبة- ما بهر عقلها. ويقال: إنها ذبحت لهم شاة وطبختها فأكلوا منها، وسفّرتهم منها بما وسعته سفرتهم [ (5) ] وبقي عندها أكثر لحمها. وقالت أم معبد: لقد بقيت الشاة التي مسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرعها إلى عام الرمادة- وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة- وكنا نحلبها صبوحا [ (6) ] وغبوقا، وما في الأرض قليل ولا كثير [ (7) ] .
مقدمه إلى المدينة
مقدمه إلى المدينة وكان المهاجرون قد استبطئوا قدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبلغ الأنصار مخرجه من مكة وقصده إياهم، وكانوا كل يوم يخرجون إلى الحرة ينتظرونه فإذا اشتد الحر عليهم رجعوا، فلما كان يوم الاثنين- الثاني عشر من ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من المبعث- وافى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة حين اشتد الضّحاء [ (1) ] ، ونزل إلى جانب الحرة وقد عاد المهاجرون والأنصار بعد ما انتظروه على عادتهم. فكان بين المبعث إلى أول يوم من المحرم الّذي كانت الهجرة بعده اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يوما، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من أول عام الفيل. وقيل: قدم صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول، وقيل: خرج من الغار يوم الاثنين أول يوم من ربيع الأول ودخل المدينة يوم الجمعة لثنتى عشرة منه حين اشتد الضحاء، وقيل: دخل لهلال ربيع الأول، وقيل: يوم الاثنين لليلتين خلتا منه، وقال ابن شهاب للنصف منه، وذلك سنة أربع وخمسين من عام الفيل، وهو اليوم العشرون من أيلول سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة للإسكندر الأكبر (وهو الرابع من تير ماه) [ (2) ] . عمره يوم بعثته وهجرته وقيل: أقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة بعد المبعث عشر سنين، منها خمس سنين يخفي ما جاء به، وخمس سنين يعلن بالدعاء إلى اللَّه تعالى. وقيل: بعث وله خمس وأربعون سنة فأقام بمكة عشرا وبالمدينة ثمانيا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا قول شاذ. ولم يختلفوا أنه بعث على رأس أربعين سنة من عمره، وأنه أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين، وإنما اختلفوا في إقامته بمكة بعد ما أوحي إليه، وأصح ذلك ما رواه سعيد بن جبير، وعكرمة، وعمرو بن دينار، وأبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، عن ابن عباس أنه قال: مكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث عشرة سنة [ (3) ] ، ووافق ذلك ما رواه على بن الحسين عن أبيه عن عليّ مثل ذلك، فإن أصح ما قيل: أنه توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
أول من رآه من أهل المدينة
أول من رآه من أهل المدينة وكان أول من بصر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل من يهود كان على سطح أطم [ (1) ] له فنادى بأعلى صوته: يا بني قيلة [ (2) ] ، هذا جدكم الّذي تنتظرون، فخرج الأنصار بالمهاجرين في سلاحهم، فلقوه وهو مع أبي بكر في ظل نخلة، وحيّوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتحية النبوة وقالوا: اركبا آمنين، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] وأبو بكر رضي اللَّه عنه وحفوا حولهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ اللَّه فاستشرفوا [ (4) ] نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظرون إليه، وأقبل يسير حتى نزل على أبي القيس (كلثوم) بن الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، وقيل: بل نزل على سعد بن خيثمة، والأول أثبت. فجاء المسلمون يسلمون عليه وأكثرهم لم يره بعد، فكان بعضهم يظنه أبا بكر. حتى قام أبو بكر رضي اللَّه عنه حين اشتد الحر يظلل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثوب، فتحقق الناس حينئذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. إقامته بقباء وأقام في بني عمرو بن عوف الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ثم خرج يوم الجمعة، ويقال: بل أقام (بقباء) [ (5) ] في بني عمرو بن عوف ثلاثا وعشرين ليلة، ويقال: بل أقام بقباء أربع عشرة ليلة، ويقال: خمسا، ويقال: أربعا، ويقال: ثلاثا فيما ذكر الدولابي. إسلام عبد اللَّه بن سلام ومخيريق وأسس حينئذ مسجد قباء، وأتاه عبد اللَّه بن سلام فأسلم (ثم أسلم) [ (6) ]
خبر ناقة رسول الله
مخيريق اليهودي [ (1) ] . خبر ناقة رسول اللَّه وركب بأمر اللَّه تعالى وسار على ناقته والناس معه عن يمينه وشماله قد حشدوا ولبسوا السلاح، وذلك ارتفاع النهار من يوم الجمعة، فجعل كلما مر بقوم من الأنصار قالوا: هلم يا رسول اللَّه إلى القوة والمنفعة والثروة، فيقول لهم خيرا، ويقول: دعوها فإنّها مأمورة، وفي رواية: إنها مأمورة خلوا سبيلها فلما أتى مسجد بني سالم جمّع بمن كان معه من المسلمين، وهم إذ ذاك مائة، وقيل: كانوا أربعين، وخطبهم، وهي أول جمعة أقامها صلّى اللَّه عليه وسلّم في الإسلام. أول خطبة للرسول بالمدينة وكانت أول خطبة خطبها أنه قام فيهم فحمد اللَّه، وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس، فقدموا لأنفسكم، تعلمن واللَّه ليصعقنّ [ (2) ] أحدكم ثم ليدعنّ غنمه ليس لها راع، ثم ليقولنّ له ربه- ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك؟ وآتيتك مالا وأفضلت عليك؟ فما قدمت لنفسك؟ فلينظرنّ [ (3) ] يمينا وشمالا فلا يرى شيئا، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشقة من تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والسلام على رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته. منزله على أبي أيوب الأنصاري ثم ركب ناقته فلم تزل سائرة به، وقد أرخى زمامها، حتى جاءت دار بني
أول ما أهدي إليه
النجار- موضع مسجده الآن- فبركت ثم نهضت وسارت قليلا ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول. وقيل: إن جبّار بن صخر من بني سلمة- وكان من صالحي المسلمين- جعل ينخسها لتقوم منافسة لبني النجار أن ينزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عندهم فلم تقم، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها، وحمل أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف [ (1) ] بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى منزله، وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بزمام راحلة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكانت عنده. أول ما أهدي إليه وأول هدية أتته قصعة مثرودة خبزا وسمنا ولبنا جاءه بها زيد بن ثابت من عند أمه، فأكل وأصحابه. ثم جاءت قصعة سعد بن عبادة وفيها عراق [ (2) ] لحم. فأقام في بيت أبي أيوب سبعة أشهر، وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة وجفنة أسعد ابن زرارة كل ليلة، وجعل بنو النجار يتناوبون حمل الطعام إليه [ (3) ] مقامه في منزل أبي أيوب، وبعثت إليه أم زيد بن ثابت بثردة مروّاة سمنا ولبنا، ونزل أسامة بن زيد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في دار أبي أيوب. مسجده وحجره واشترى صلّى اللَّه عليه وسلّم موضع مسجده وكان مربدا [ (4) ] لسهل وسهيل ابني عمرو- وكانا يتيمين في حجر أسعد بن زرارة- بعشرة دنانير، وفي الصحيح أن بني النجار بذلوه للَّه تعالى، فبناه مسجده المعروف الآن بالمدينة. وبنى الحجر لأزواجه بجانب المسجد وجعلها تسعا: بعضها مبني بحجارة قد رصّت، وسقفها من جريد مطين بطين، ولكل بيت حجرة، وكانت حجرته صلّى اللَّه عليه وسلّم أكسية من شعر مربوطة في خشب من عرعر [ (5) ] .
منزل أبي بكر
منزل أبي بكر ونزل أبو بكر رضي اللَّه عنه بالسّنح على خبيب بن إساف (ويقال: يساف) ابن عتبة بن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج (بن الأوس) [ (1) ] الأنصاري، وقيل: على خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغرّ. مقدم عليّ ومنزله وقدم علي رضي اللَّه عنه من مكة للنصف من ربيع الأول ورسول اللَّه بقباء لم يرم [ (2) ] بعد وقدم معه صهيب. وذلك بعد ما أدى عليّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الودائع التي كانت عنده، وبعد ما كان يسير الليل ويمكن النهار حتى تفطرت [ (3) ] قدماه، فاعتنقه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبكى رحمة لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرّهما على قدميه فلم يشتكهما بعد ذلك حتى قتل رضي اللَّه عنه. ونزل على كلثوم بن الهدم، وقيل: على امرأة، والراجح أنه نزل مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. منزل عثمان ونزل عثمان بن عفان برقية ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منزل سعد بن خيثمة، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتيهم هنالك. بعثة زيد بن حارثة إلى مكة وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة، ودفع إليهما بعيرين وخمسمائة درهم أخذها من أبي بكر يشتريان بها ما يحتاجان إليه. وبعث أبو بكر معهما عبد اللَّه بن أريقط الديليّ ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبد اللَّه بن أبي بكر أن يحمل أهله: أم رومان، وعائشة، وأسماء. فاشترى زيد
موادعة يهود
بالخمسمائة ثلاثة أبعرة بقديد [ (1) ] ، وقدم مكة فإذا طلحة بن عبيد اللَّه يريد الهجرة، فقدما المدينة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بابنتيه: فاطمة، وأم كلثوم، وبزوجته سودة بنت زمعة، وبأسامة بن زيد، وأمه أم أيمن رضي اللَّه عنهم. وكانت رقية ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد (هاجر) [ (2) ] بها عثمان رضي اللَّه عنها قبل ذلك. وحبس أبو العاصي زوجته زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرج مع زيد وأبي رافع عبد اللَّه بن أبي بكر بعيال أبي بكر رضي اللَّه عنه. موادعة يهود ووادع [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بالمدينة من يهود، وكتب بذلك كتابا، وأسلم حبرهم عبد اللَّه بن سلام بن الحارث، وكفر عامتهم وهم ثلاث فرق: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة. المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين المهاجرين والأنصار- وقد أتت لهجرته ثمانية أشهر- فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء الإسلام إرثا مقدّما على القرابة. وكان الذين آخى بينهم تسعين رجلا: خمسة وأربعين من المهاجرين، وخمسة وأربعين من الأنصار، ويقال: خمسين من هؤلاء وخمسين من هؤلاء، ويقال: إنه لم يبق من المهاجرين أحد إلا آخى بينه وبين أنصاريّ. وقال ابن الجوزي: «وقد أحصيت جملة من آخى النبي بينهم، فكانوا مائة وستة وثمانين رجلا» ذكرهم في كتاب التلقيح [ (4) ] ، وكانت المؤاخاة بعد مقدمه بخمسة أشهر، وقيل: بثمانية أشهر. نسخ توارث المؤاخاة وفرض الزكاة ثم نسخ التوارث بالمؤاخاة بعد بدر. ونزل تمام الصلاة أربعا بعد شهر من مقدم
تحوله من بيت أبي أيوب إلى حجره
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فتمت صلاة المقيم أربعا بعد ما كانت ركعتين، وأقرت صلاة المسافر ركعتين، وفرضت الزكاة أيضا- رفقا بالمهاجرين رضي اللَّه عنهم- في هذا التاريخ، كما ذكره أبو محمد بن حزم، وقال بعضهم: إنه أعياه فرض الزكاة متى كان. تحوله من بيت أبي أيوب إلى حجره وتحول صلّى اللَّه عليه وسلّم من منزل أبي أيوب رضي اللَّه عنه إلى حجره لما فرغت، بعد إقامته عنده سبعة أشهر، وخط لأصحابه في كل أرض ليس لأحد، وفيما وهبت له الأنصار من خططها، وأقام قوم من المسلمين- لم يمكنهم البناء- بقباء على من [ (1) ] نزلوا عنده. زواجه عائشة وبنى بعائشة رضي اللَّه عنها بعد مقدمه بتسعة أشهر، وقيل: بثمانية أشهر، وقيل: بثمانية عشر شهرا في يوم الأربعاء من شوال، وقيل: في ذي القعدة، بالسنح في بيت أبي (بكر) [ (2) ] . الأذان للصلوات وتمام الصلاة وأري عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه (الأذان للصلوات) [ (2) ] ، وقيل: كان ذلك في السنة الثانية. وبعد شهر من مقدمه المدينة زيد في صلاة الحضر لاثنتي عشرة خلت من ربيع، قال الدولابي: يوم الثلاثاء، وقال السهيليّ: بعد الهجرة بعام أو نحوه. فرض القتال ولما استقر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة بين أظهر الأنصار رضي اللَّه عنهم وتكفلوا بنصره ومنعه من الأسود والأحمر، رمتهم العرب قاطبة عن قوس واحدة وتعرضوا لهم من كل جانب.
أول لواء عقد بعد فرض القتال
وكان اللَّه عز وجل قد أذن للمسلمين في الجهاد بقوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [ (1) ] ، فلما صاروا إلى المدينة، وكانت لهم شوكة وعضد، كتب اللَّه عليهم الجهاد بقوله سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ (2) ] . أول لواء عقد بعد فرض القتال وكان أول لواء عقده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- على رأس سبعة أشهر من مقدمه إلى المدينة- لعمه حمزة بن عبد المطلب على ثلاثين راكبا، شطرين: خمسة عشر من المهاجرين، وخمسة عشر من الأنصار، إلى ساحل البحر من ناحية العيص [ (3) ] (وقيل: لم يبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدا من الأنصار حتى غزا بنفسه إلى بدر، وذلك أنه ظن أنهم لن ينصروه إلا في الدار، وهو الثّبت) [ (4) ] . سرية حمزة إلى سيف البحر فبلغوا سيف البحر يعترضون عيرا لقريش قد جاءت من الشام تريد مكة، فيها أبو جهل في ثلاثمائة راكب. فالتقوا واصطفوا للقتال، فمشى بينهم مجدي بن عمر (الجهنيّ) [ (5) ] حتى انصرف الفريقان بغير قتال، وعاد حمزة رضي اللَّه عنه بمن معه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبروه بما حجز بينهم مجديّ، وأنهم رأوا منه نصفة [ (6) ] . (وقدم رهط مجدي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فكساهم وذكر مجدي بن عمرو فقال: إنه- ما علمت- ميمون النقيبة مبارك الأمر، أو قال: رشيد الأمر) . وكان لواء حمزة أبيض، يحمله أبو مرثد كنّاز [ (7) ] بن حصين، ويقال ابن حصن بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف الغنوي.
سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ
سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ ثم عقد لواء أبيض لعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف [ (1) ] وبعثه، وهو أسفل ثنية المرة [ (2) ] ، على رأس ثمانية أشهر في شوال، فحمل اللواء مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، فخرج في ستين راكبا من قريش كلهم من المهاجرين، فلقى مكرز بن حفص، وقيل: عكرمة بن أبي جهل، وقيل: أبا سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف على ماء يقال له أحياء من بطن رابغ، وأبو سفيان في مائتين. أول من رمى في الإسلام بسهم وكان أول من رمى في الإسلام بسهم سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه [ (3) ] : نثر كنانته وتقدم أمام أصحابه وقد ترسوا عنه فرمى بما في كنانته، وكان فيها عشرون سهما، ما منها سهم إلا ويجرح إنسانا أو دابة، ولم يكن بينهم يومئذ إلا هذا، لم يسلّوا سيفا. ثم انصرف كل منهما، وفر يومئذ من الكفار إلى المسلمين: المقداد ابن الأسود الكندي، وعتبة بن غزوان. وقيل: إن لواء عبيدة [ (4) ] هذا هو أول لواء عقده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار [ثم عقد] [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم لواء لسعد بن أبي وقاص إلى الخرار [ (6) ] حمله أبو معبد المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد البهراني [ (7) ] [وهو المقداد بن الأسود، نسبة إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب
غزوة رسول الله: ودان - الأبواء
ابن عبد مناف لأنه كان تبناه] فخرج في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر في عشرين أو أحد وعشرين رجلا من المهاجرين على أقدامهم، وقيل: بل كانوا ثمانية، فكانوا يكمنون النهار ويسيرون الليل حتى صبحوا صبح خمس الخرار [ (1) ] من الجحفة قريبا من خم، يريدون عير قريش ففاتتهم. وقد جعل الواقدي هذه السرايا جميعها في السنة الأولى من الهجرة، وجعلها محمد بن إسحاق في السنة الثانية، وجعل غزوة ودان بعد سرية سعد بن أبي وقاص. غزوة رسول اللَّه: ودان- الأبواء ثم غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ودان] [ (2) ] وهو جبل بين مكة والمدينة، بينه وبين الأبواء ستة أميال، فخرج في صفر على رأس أحد عشر شهرا يعترض عيرا لقريش، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه، فبلغ الأبواء، فلم يلق كيدا، فوادع بني ضمرة [بن بكر] [ (3) ] بن عبد مناة بن كنانة مع سيدهم مخشي [ (4) ] بن عمرو- على ألا يكثروا عليه ولا يعينوا عليه أحدا، وكتب بينه وبينهم [ (5) ] كتابا ورجع، فكانت غيبيته خمس عشرة ليلة. ويقال لهذه أيضا: غزاة الأبواء، وهي أول غزاة غزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفسه. وكان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه الغزاة أبيض يحمله حمزة رضي اللَّه عنه. زواج علي فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي صفر هذا زوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن عمه علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه بابنته فاطمة عليها السلام. غزوة بواط ثم كانت غزوة بواط من ناحية رضوى في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر
غزوة سفوان، وهي بدر الأولى
شهرا [من مهاجره] [ (1) ] ، فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم يعترض عيرا لقريش فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش، وألفان وخمسمائة بعير. وخرج معه صلّى اللَّه عليه وسلّم مائتان من أصحابه وحمل لواءه سعد بن أبي وقاص، واستخلف على المدينة سعد بن معاذ، وقيل: السائب بن عثمان بن مظعون، ورجع ولم يلق كيدا. غزوة سفوان، وهي بدر الأولى ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا [من مهاجره] [ (2) ] في طلب كرز بن جابر الفهري- وقد أغار على سرح المدينة، وكان يرعى بالجماء ونواحيها- حتى بلغ واديا يقال له سفوان من ناحية بدر ولم يدركه، وهي بدر الأولى. وكان يحمل اللواء علي رضي اللَّه عنه، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، ويقال: كانت سفوان بعد العشيرة بنحو عشر ليال. غزوة العشيرة [ثم غزا غزوة] [ (2) ] العشيرة [ (3) ] في جمادى الآخرة، ويقال جمادى الأولى على رأس ستة عشر شهرا [من مهاجره] [ (4) ] خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم يعترض عيرا لقريش حين أبدأت [ (5) ] إلى الشام، ومعه خمسون ومائة رجل، ويقال: خرج معه مائتا رجل، يتعقبون ثلاثين بعيرا، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وحمل اللواء حمزة. وكان قد جاءه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر بفصول [ (6) ] العير من مكة تريد الشام، قد جمعت قريش أموالها في تلك العير. فبلغ صلّى اللَّه عليه وسلّم ذا العشيرة [ (7) ] ببطن ينبع، فأقام بقية الشهر
تكنية علي بن أبي طالب أبا تراب
وليالي مما بعده، وصالح بني مدلج وحلفاءهم بني ضمرة، ورجع ولم يلق كيدا. وهذه هي العير التي خرج في طلبها صلّى اللَّه عليه وسلّم لما عادت وكانت وقعة بدر. تكنية علي بن أبي طالب أبا تراب وفي هذه السفرة كنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أبا تراب، في قول بعضهم، وقد مر به نائما تسفي عليه الريح التراب فقال: قم يا أبا تراب، ألا أخبرك بأشقى الناس أجمعين: عاقر الناقة، والّذي يضربك على هذا فيخضب هذه! [يعني على رأسك فيخضب لحيتك بدمك] وفي صحيح البخاري: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجده في المسجد نائما وقد ترب جنبه فجعل يمسح [ (1) ] التراب عن جنبه ويقول: قم أبا تراب [ (2) ] . سرية عبد اللَّه بن جحش إلى نخلة ثم كانت سرية أميرها عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة ابن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي إلى بطن نخلة [وهو بستان ابن عامر الّذي يقرب مكة] [ (3) ] في رجب على رأس سبعة عشر شهرا، دعاه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين صلى العشاء فقال: واف مع الصبح معك سلاحك أبعثك وجها، قال: فوافيت الصبح وعليّ سيفي وقوسي وجعبتي ومعي درقتي، فصلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس الصبح ثم انصرف، فيجدني قد سبقت واقفا عند بابه، وأجد نفرا من قريش، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبي بن كعب فدخل عليه فأمره فكتب كتابا [ (4) ] ، ثم دعاني فأعطاني صحيفة من أديم خولاني [ (5) ] فقال: قد استعملتك على هؤلاء النفر،
فامض، حتى إذا سرت ليلتين فانشر كتابي ثم امض لما أنت فيه [ (1) ] ، قلت: يا رسول اللَّه أي ناحية؟ قال: اسلك النجدية تؤم [ (2) ] ركبة [ (3) ] فانطلق عبد اللَّه في ثمانية- وقيل: اثنى عشر من المهاجرين- كل اثنين يتعاقبان بعيرا، حتى إذا كان ببئر ابن ضميرة نشر الكتاب فإذا فيه: سر حتى تأتي بطن نخلة على اسم اللَّه وبركاته، ولا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك، وامض لأمري فيمن تبعك حتى تأتي بطن نخلة على اسم اللَّه وبركاته: فترصد بها عير قريش. فلما قرأه عليهم قالوا أجمعين: نحن سامعون مطيعون للَّه ولرسوله ولك، فسر على بركة اللَّه. فسار حتى جاء نخلة فوجد عيرا لقريش فيها عمرو بن الحضرميّ خارجا نحو العراق، والحكم بن كيسان المخزومي، وعثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة المخزومي، ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة المخزومي، فهابهم أصحاب العير، وأنكروا أمرهم، فحلق عكاشة ابن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي [حلقه عامر بن ربيعة] ثم وافى ليطمئن القوم. فقال المشركون: لا بأس! قوم عمّار [ (4) ] ، فأمنوا وقيدوا ركابهم وسرحوها، وتشاور المسلمون في أمرهم- وكان آخر يوم من رجب ويقال أول يوم من شعبان [ (5) ] فقالوا: إن تأخرتم عن هذا اليوم دخلوا الحرم [ (6) ] فامتنعوا، وإن أصبتموهم ففي الشهر الحرام. فغلب على الأمر الذين يريدون عرض الدنيا وقاتلوهم. فرمى واقد [ (7) ] بن عبد اللَّه [بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد ابن مناة بن تميم التميمي اليربوعي الحنظليّ] عمرو بن الحضرميّ فقتله. وشد القوم عليهم، فأسروا عثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وحكم ابن كيسان- وكان الّذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو، فدعاه رسول اللَّه إلى الإسلام فأسلم وقتل ببئر معونة شهيدا. وأعجزهم نوفل بن عبد اللَّه بن
أول خمس وأول غنيمة وأول قتيل وأول أسير
المغيرة- واستاقوا العير- وكانت محملة خمرا وأدما وزبيبا- حتى قدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام. فأوقف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم العير فلم يأخذ منها شيئا، وحبس الأسيرين، وقال لأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، فسقط [ (1) ] في أيديهم وظنوا أنهم قد هلكوا. وبعثت قريش إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فداء أصحابهم فقال: لن نفديهما حتى يقدم صاحبانا، يعني سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب [ (2) ] بن زيد بن مالك بن الحارث بن عوف [بن الحارث] بن مازن المازني، وكانا زميلين، فضلّ ببجران [ (3) ] (وهي ناحية معدن بني [ (4) ] سليم) بعيرهما، فأقاما يومين يبغيانه فلم يشهدا نخلة. ثم قدما المدينة ففادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ الأسيرين بأربعين أوقية لكل واحد، وكان عبد اللَّه بن جحش قد قسم في رجوعه من نخلة أربعة أخماس ما غنم بين أصحابه، وعزل الخمس لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. أول خمس وأول غنيمة وأول قتيل وأول أسير فكان أول خمس خمّس في الإسلام، وأول غنيمة، وأول قتيل وأول أسير كان في الإسلام ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقف غنائم أهل نخلة حتى رجع من بدر فقسمها مع غنائم أهل بدر، وأعطى كل قوم حقهم [ (5) ] . وفي هذه الغزاة نزل قول اللَّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [ (6) ] .
أول من سمي أمير المؤمنين في الإسلام
ويقال ودى [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن الحضرميّ، والصحيح أنه لم يده. أول من سمي أمير المؤمنين في الإسلام وفي هذه السرية سمي عبد اللَّه بن جحش أمير المؤمنين. وذكر أبو بكر بن شيبة في مصنفه: حدثنا أبو أمامة، عن مجالد، عن زياد ابن علاقة [ (2) ] عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة جاءت جهينة فقالت: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأمنك [ (3) ] وتأمنّا، فأوثق لهم ولم يسلموا [ (4) ] فبعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رجب- ولا نكون مائة- وأمرنا أن نغير على حي من كنانة إلى جنب جهينة. قال: فأغرنا عليهم، وكانوا كثيرا فلجأنا إلى جهينة [فمنعونا] [ (5) ] وقالوا: لم تقاتلوا في الشهر الحرام، فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ فقالوا: نأتي رسول اللَّه فنخبره، وقال بعضنا: لا بل نقيم هاهنا، وقلت أنا، في أناس معي: لا بل نأتي عير قريش هذه فنصيبها [ (6) ] ، فانطلقنا إلى العير-[وكان الفيء إذ ذاك- من أخذ شيئا فهو له- فانطلقنا إلى العير] [ (7) ] وانطلق أصحابنا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبروه الخبر، فقام غضبان محمرا وجهه فقال: أذهبتم [ (8) ] من عندي جميعا وجئتم متفرقين! إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة. لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم، أصبركم على الجوع والعطش. فبعث علينا عبد اللَّه بن جحش الأسدي فكان أول أمير [أمر] [ (9) ] في الإسلام. أول ما نسخ من الشريعة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وفي شعبان على رأس ستة عشر شهرا، وقيل: على رأس سبعة عشر
فرض صيام رمضان وزكاة الفطر
شهرا [ (1) ] ، حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فكان أول شيء نسخ من الشريعة القبلة [ (2) ] ، وأول من صلى إليها أبو سعيد رافع، ويقال: الحارث، ويقال: أوس بن المعلى بن نفيع بن المعلى بن لوذان بن خالد بن زيد بن ثعلبة الزرقيّ الأنصاري وصاحب له [ (3) ] . ثم صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس الظهر إليها يومئذ. ويقال حولت القبلة في يوم الاثنين النصف من رجب بعد زوال الشمس، قبل قتال بدر بشهرين، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسجد بني سلمة [ (4) ] ، وقد صلى بأصحابه من صلاة الظهر ركعتين، فتحول في صلاته واستقل الميزاب من الكعبة، وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فسمي المسجد «مسجد القبلتين» . ويقال: صرفت في الظهر من يوم الثلاثاء للنصف من شعبان سنة اثنتين في منزل البراء بن معرور، وقيل: صرفت في صلاة الصبح. فرض صيام رمضان وزكاة الفطر وفي شعبان هذا فرض صوم رمضان وزكاة الفطر قبل العيد بيومين، وقال ابن سعد: قبل فرض زكاة الأموال، وقيل: إن الزكاة فرضت فيها، وقيل: قبل الهجرة. وكان المسلمون يصومون عاشوراء، فلما فرض رمضان لم يؤمروا بصيام عاشوراء ولم ينهوا عنه. غزوة بدر الكبرى وفي شهر رمضان هذا كانت غزوة بدر، وهي الوقعة العظيمة التي فرق اللَّه
ما فيها من دلائل النبوة
تعالى فيها بين الحق والباطل، وأعز الإسلام ودمغ الكفر وأهله. ما فيها من دلائل النبوة وجمعت الآيات الكثيرة والبراهين الشهيرة: بتحقيق اللَّه ما وعدهم من إحدى الطائفتين، وما أخبرهم به من ميلهم إلى العير دون الجيش، ومجيء المطر عند الالتقاء، وكان للمسلمين نعمة وقوة، وعلى الكفار بلاء ونقمة، وإمداد اللَّه المؤمنين بجند من السماء حتى سمعوا أصواتهم حين قالوا: أقدم حيزوم، ورأوا الرءوس ساقطة من الكواهل من غير قطع ولا ضرب، وأثر السياط في أبي جهل وغيره، ورمى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم المشركين بالحصى والتراب حتى عمّت رميته الجمع، وتقليل اللَّه المشركين في عيون المسلمين ليزيل عنهم الخوف ويشجعهم على القتال، وإشارة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مصارع المشركين بقوله: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فرأى المسلمون ذلك على ما أشار إليه وذكره، وقوله عليه الصلاة والسلام لعقبة بن أبي معيط: إن وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا [ (1) ] فحقق اللَّه ذلك، وإخباره عمه العباس بما استودع أم الفضل من الذهب، فزالت عن العباس رضي اللَّه عنه الشبهة في صدقه وحقيقة نبوته، فازداد بصيرة ويقينا في أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتحقيق اللَّه للمؤمنين [من الأسرى] [ (2) ] وعده إذ يقول: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [ (3) ] ، فأعطى العباس بدل عشرين أوقية- عشرين غلاما تجروا بماله، وإطلاع اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ائتمار عمير ابن وهب وصفوان بن أمية بمكة على قتله عليه السلام فعصمه اللَّه من ذلك، وجعله سببا لإسلام عمير بن وهب وعوده إلى مكة داعيا للإسلام ... إلى غير هذا من الآيات والمعجزات التي أعطاها اللَّه تعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأراها من معه من المؤمنين فزادتهم بصيرة ويقينا، ورد عين قتادة بعد ما سالت على حدقته، وقيل: كان ذلك في وقعة أحد. فكانت غزوة بدر أكرم المشاهد. أول الخروج إلى بدر وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تحين انصراف العير التي خرج من أجلها إلى
عرض المقاتلة ورد الصغار
العشيرة وإقبالها من الشام، ندب أصحابه للخروج إلى العير وأمر من كان ظهره [ (1) ] حاضرا بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالا كبيرا، وكان قد بعث طلحة بن عبيد اللَّه ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة القرشي التيمي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤيّ القرشي العدوي قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتحسسان [ (2) ] خبر العير فبلغا التجبار [ (3) ] من أرض الحوراء [ (4) ] فنزلا على كشد [ (5) ] الجهنيّ فأجارهما وأنزلهما وكتم [ (6) ] عليهما حتى مرت العير، ثم خرج بهما يخفرهما حتى أوردهما ذا المروة، فقدما المدينة ليخبرا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبر العدو فوجداه قد خرج. وكان قد ندب المسلمين وخرج بمن معه يوم السبت الثاني عشر من رمضان بعد تسعة عشر شهرا من مهاجره، [وقيل: خرج لثمان خلون من رمضان وذلك بعد ما وجه طلحة بن عبد اللَّه وسعيد بن زيد بعشر ليال] فخرج معه المهاجرون وخرجت الأنصار ولم يكن غزا بأحد منهم قبل ذلك. فنزل بالبقع [ويقال لها بئر أبي عنبة، وهي على ميل من المدينة] ، والتقيا على أربع مراحل من المدينة، وهي بيوت السقيا، يوم الأحد لثنتي عشرة خلت من رمضان. عرض المقاتلة وردّ الصغار فضرب عسكره هناك وعرض المقاتلة [ (7) ] ، فرد عبد اللَّه بن عمرو، وأسامة بن
دعاؤه لأهل المدينة وتحريم حرمها
زيد، ورافع بن خديج بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم الأنصاري الخزرجي [ (1) ] ، والبراء بن عازب بن حارث بن عدي بن جشم بن مجدعة [ (2) ] بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري [الأوسي] [ (3) ] الحارثي، وأسيد بن حضير ابن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، وزيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأغرّ الأنصاري الخزرجي، وزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري النجاري، ولم يجزهم. وعرض عمير بن أبي وقاص فاستصغره فقال: ارجع، فبكى، فأجازه. فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة. وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يستقوا من بئر السقيا وشرب من مائها، وصلى عند بيوت السقيا. دعاؤه لأهل المدينة وتحريم حرمها ودعا يومئذ لأهل المدينة فقال: اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك دعاك لأهل مكة، وإني محمد عبدك ونبيك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم [ (4) ] وثمارهم، اللَّهمّ وحبب إلينا المدينة، واجعل ما بها من الوباء بخم [ (5) ] ، اللَّهمّ إني حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم خليلك مكة. عيونه وخروج المسلمين إلى المشركين وقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عدي بن أبي الزغباء سنان بن سبيع بن ثعلبة بن ربيعة الجهنيّ، وبسبس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة بن عمرو بن سعد بن ذبيان
قلة الظهر يوم بدر ودعاؤه للمقاتلة
الذبيانيّ [الجهنيّ] [ (1) ] من بيوت السقيا. واستخلف على المدينة وعلى الصلاة عبد اللَّه بن أم مكتوم، وراح عشية الأحد من بيوت السقيا، وخرج المسلمون معه وهم ثلاثمائة وخمسة، ويقال كانت قريش ستة وثمانين رجلا، والأنصار مائتين وسبعة وعشرين رجلا. وقيل: كانت قريش ثلاثة وسبعين رجلا، والأنصار أربعين ومائتي رجل، وتخلف عنه ثمانية ضرب لهم بسهامهم وأجورهم. هذا الحديث رواه محمد بن حرب، حدثنا الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عمرو بن سليم الزرقيّ، عن عاصم بن عمرو، عن علي ابن أبي طالب رضي اللَّه عنه، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ائتوني بوضوء، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة ثم كبر ثم قال: اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك دعا لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعو لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثل ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين. قلة الظّهر يوم بدر ودعاؤه للمقاتلة وكانت الإبل سبعين بعيرا، فكانوا يتعاقبون الإبل- الاثنين والثلاثة والأربعة- فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلي بن أبي طالب، ومرثد بن أبي مرثد، ويقال: زيد بن حارثة مكان مرثد [ (2) ] ، يتعاقبون بعيرا واحدا. وحمل سعد بن عبادة على عشرين جملا، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم حين فصل [ (3) ] من بيوت السّقيا: «اللَّهمّ إنهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأشبعهم، وعالة [ (4) ] فأغنهم من فضلك، فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهرا، للرجل البعير والبعيران، واكتسى من كان عاريا، وأصابوا طعاما من أزوادهم [ (5) ] ، وأصابوا فداء الأسرى فاغتنى به كل عائل.
تعبئة الجيش وعده
تعبئة الجيش وعدّه واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المشاة وهم في السّاقة [ (1) ] قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول، وأمره حين فصل من السقيا أن يعدّ المسلمين، فوقف لهم عند بئر أبي عنبة فعدهم ثم أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقدّم أمامه عينين له إلى المشركين يأتيانه بخبر عدوه، وهما بسبس بن عمرو، وعدي بن أبي الزغباء- وهما من جهينة حليفان للأنصار- فانتهيا إلى ماء بدر فعلما الخبر، ورجعا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وسلك من السقيا بطن العقيق حتى نزل تحت شجرة بالبطحاء، فقام أبو بكر رضي اللَّه عنه فبنى مسجدا فصلى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأصبح يوم الاثنين ببطن ملل. وقال لسعد بن أبي وقاص، وهو بتربان: يا سعد، انظر إلى الظبي ففوّق له بسهم [ (2) ] ، وقام صلّى اللَّه عليه وسلّم فوضع ذقنه بين منكبي سعد وأذنيه، ثم قال: ارم! اللَّهمّ سدد رميته. فما أخطأ سهم سعد عن نحر الظبي، فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخرج سعد يعدو فأخذه وبه رمق فذكاه [ (3) ] وحمله حتى نزل قريبا، فأمر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقسم بين أصحابه [ (4) ] . أفراس المسلمين ببدر وكان معهم فرسان، فرس لمرثد بن أبي مرثد الغنوي، وفرس للمقداد بن عمرو ابن ثعلبة البهراني، ويقال: فرس للزبير، ولم [يكن معهم] [ (5) ] إلا فرسان، ولا خلاف أن المقداد له فرس يقال له «سبحة» ، ويقال لفرس مرثد «السّيل» ولحقت قريش بالشام في عيرها [ (6) ] .
عير قريش وما فيها
عير قريش وما فيها وكانت العير ألف بعير فيها أموال عظام، ولم يبق بمكة قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعدا إلا بعثت به في العير، فيقال: إن فيها لخمسين ألف دينار، ويقال: أقل. فأدركهم رجل من جذام بالزرقاء من ناحية معان [ (1) ]- وهم منحدرون إلى مكة- فأخبرهم أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم قد كان عرض لعيرهم في بدأتهم، وأنه تركه مقيما ينتظر رجعتهم وقد حالف عليهم أهل الطريق ووادعهم. خوف أصحاب العير وإرسالهم إلى مكة يستنجدون فخرجوا خائفين الرّصد، وبعثوا ضمضم بن عمرو حين فصلوا من الشام- وكانوا قد مروا به وهو بالساحل معه بكران فاستأجروه بعشرين مثقالا- وأمره أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية أن يخبر قريشا أن محمدا قد عرض لعيرهم، وأمره أن يجدّع [ (2) ] بعيره إذا دخل مكة، ويحول رحلة [ (2) ] ، ويشق قميصه من قبله ودبره [ (2) ] ، ويصيح: الغوث الغوث، ويقال: بعثوه من تبوك. وكان في العير ثلاثون رجلا من قريش فيهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل فلم يرع أهل مكة إلا وضمضم يقول: يا معشر قريش، يا آل لؤيّ بن غالب، اللطيمة [ (3) ] ، قد عرض لها محمد في أصحابه، الغوث الغوث، واللَّه ما أرى أن تدركوها. وقد جدّع أذني بعيره، وشق قميصه، وحوّل رحله. تأهب قريش لنجدة العير فلم تملك قريش من أمرها شيئا حتى نفروا على الصعب والذلول، وتجهزوا في ثلاثة أيام، ويقال في يومين، وأعان قويّهم ضعيفهم. وقام سهيل بن عمرو، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وحنظلة بن أبي سفيان، وعمرو بن أبي سفيان، يحضون الناس، فقال سهيل: يا آل غالب، أتاركون أنتم محمدا
استقسامهم بالأزلام وكراهية الخروج إلى بدر
والصباة [ (1) ] من أهل يثرب يأخذون عيراتكم وأموالكم؟ من أراد مالا فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة. فمدحه أمية بن [أبي] [ (2) ] الصلت بأبيات، ومشى نوفل ابن معاوية الديليّ إلى أهل القوة من قريش فكلمهم في بذل النفقة والحملان لمن خرج، فقال عبد اللَّه بن أبي ربيعة: هذه خمسمائة دينار فضعها حيث رأيت. وأخذ من حويطب بن عبد العزى مائتي دينار وثلاثمائة دينار قوّى بها في السلاح والظهر، وحمل طعيمة بن عدي على عشرين بعيرا وقواهم وخلفهم في أهله بمعونة، وكان لا يتخلف أحد من قريش إلا بعث مكانه بعيثا، ومشوا إلى أبي لهب فأبي أن يخرج أو يبعث أحدا، ويقال: إنه بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة- وكان له عليه دين- فقال اخرج، وديني لك، فخرج عنه [ (3) ] . [وكان الدين أربعة آلاف درهم] [ (4) ] . استقسامهم بالأزلام وكراهية الخروج إلى بدر واستقسم أميّة بن خلف وعتبة وشيبة عند هبل بالآمر والناهي من الأزلام فخرج القدح [ (5) ] الناهي عن الخروج. وأجمعوا [ (6) ] المقام حتى أزعجهم أبو جهل، واستقسم زمعة بن الأسود فخرج الناهي، وكذلك خرج لعمير بن وهب، وخرج حكيم ابن حزام وهو كاره لمسيره، وقد خرج له القدح الناهي، فلما نزلوا مرّ الظهران [ (7) ] نحر أبو جهل جزرا [ (8) ] ، فكانت جزور منها بها حياة فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه من دمها. وأخذ عدّاس [ (9) ] يخذل شيبة وعتبة ابني ربيعة
رؤيا ضمضم وعاتكة بنت عبد المطلب
عن الخروج، والعاصي بن منبّه بن الحجاج. وأبى أمية بن خلف أن يخرج فأتاه عقبة ابن أبي معيط وأبو جهل فعنّفاه، فقال: ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي، فابتاعوا له جملا بثلاثمائة درهم من نعم بني قشير فغنمه المسلمون [ (1) ] . وما كان أحد منهم أكره للخروج من الحارث بن عامر. رؤيا ضمضم وعاتكة بنت عبد المطلب ورأى ضمضم بن عمرو أن وادي مكة يسيل دما من أسفله وأعلاه، ورأت عاتكة بنت عبد المطلب رؤياها التي ذكرت في ترجمتها [ (2) ] . فكره أهل الرأي المسير
خروج قريش والمطعمون في طريقهم
ومشى بعضهم إلى بعض، فكان من أبطئهم عن ذلك الحارث بن عامر، وأمية ابن خلف وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وحكيم بن حزام، وأبو البختري، وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه، حتى بكتهم أبو جهل بالجبن، وأعانه عقبة بن أبي معيط، والنّضر بن الحارث بن كلدة، فأجمعوا المسير. خروج قريش والمطعمون في طريقهم وخرجت قريش بالقيان والدّفاف يغنين في كل منهل وينحرون الجزر وهم تسعمائة وخمسون مقاتلا. وكان المطعمون: أبو جهل، نحر عشرا- وأمية بن خلف، نحر تسعا- وسهيل بن عمرو بن عبد شمس أخو بني عامر بن لؤيّ، نحر عشرا- وشيبة بن ربيعة، نحر عشرا- ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، نحرا عشرا- والعباس بن عبد المطلب، نحر عشرا- وأبو البختري العاص بن هشام بن الحارث ابن أسد، نحر عشرا. وذكر موسى بن عقبة أن أول من نحر لقريش أبو جهل بن هشام بمرّ الظهران، عشر جزائر- ثم نحر لهم صفوان بن أمية بعسفان تسع جزائر- ثم نحر لهم سهيل بن عمرو بقديد، عشر جزائر- ومضوا من قديد إلى مناة من البحر [ (1) ] فظلوا فيها وأقاموا يوما، فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسع جزائر- ثم أصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر- ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم قيس بن قيس [ (2) ] تسع جزائر- ثم نحر عباس بن عبد المطلب
عدة أفراسهم وإبلهم
عشر جزائر- ثم نحر لهم الحارث بن عامر بن نوفل تسعا- ثم نحر لهم أبو البختريّ على ماء بدر عشر جزائر- ونحر مقيس السهمي على ماء بدر تسعا- ثم شغلتهم [ (1) ] الحرب فأكلوا من أزوادهم [ (2) ] . عدة أفراسهم وإبلهم وقادوا مائة فرس عليها مائة دارع سوى دروع في المشاة، وكانت إبلهم سبعمائة بعير، وهم كما ذكر اللَّه تعالى عنهم بقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [ (3) ] وأقبلوا في تجمل عظيم وحنق زائد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه لما يريدون من أخذ عيرهم، وقد أصابوا من قبل عمرو بن الحضرميّ والعير التي كانت معه. وصول عير قريش إلى بدر وأقبل أبو سفيان بالعير ومعها سبعون رجلا منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، فكانت عيرهم ألف بعير تحمل المال، وقد خافوا خوفا شديدا حين دنوا من المدينة واستبطئوا ضمضم بن عمرو والنفير [ (4) ] ، فلما كانت الليلة التي يصبحون فيها على ماء بدر، جعلت العير تقبل بوجوهها إلى ماء بدر- وكانوا باتوا [ (5) ] من وراء بدر آخر ليلتهم وهم على أن يصبّحوا بدرا إن لم يعترض لهم- فما انقادت لهم العير حتى ضربوها بالعقل [ (6) ] ، وهي ترجع الحنين تزاور [ (7) ] إلى ماء بدر- وما
رؤيا جهيم بن الصلت
بها إلى الماء حاجة، لقد شربت بالأمس- وجعل أهل العير يقولون: هذا شيء ما صنعته معنا منذ خرجنا، وغشيتهم تلك الليلة الظلمة حتى ما يبصر أحد منهم شيئا. فأصبح أبو سفيان ببدر قد تقدم العير وهو خائف من الرصد، فضرب وجه عيره فساحل بها [ (1) ] ، وترك بدرا يسارا وانطلق سريعا، وأقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل، يطعمون الطعام من أتاهم وينحرون الجزر. وهمّ عتبة وشيبة أن يرجعا ثم مضيا وقد عنفهما أبو جهل. رؤيا جهيم بن الصلت فلما كانوا بالجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف في منامه رجلا أقبل على فرس معه [ (2) ] بعير حتى وقف عليه فقال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وزمعة بن الأسود، وأمية بن خلف، وأبو البختري، وأبو الحكم، ونوفل بن خويلد، في رجال سماهم. وأسر سهيل بن عمرو، وفرّ الحارث بن هشام، وقائل يقول: واللَّه إني لأظنكم [ (3) ] إلى مصارعكم، ثم رآه كأنه ضرب في لبّة [ (4) ] بعيره فأرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه بعض دمه. فشاعت هذه الرؤيا في العسكر، فقال أبو جهل: هذا نبيّ آخر من بني المطلب: سيعلم غدا من المقتول، نحن أو محمدا وأصحابه. نجاة عير قريش وإصرار النفير على البقاء ببدر وأتاهم قيس بن امرئ القيس من أبي سفيان يأمرهم بالرجوع، ويخبرهم أن قد نجت عيرهم: فلا تجزروا [ (5) ] أنفسكم أهل يثرب، فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا العير وأموالكم، وقد نجاها اللَّه. فعالج قريشا فأبت الرجوع وردوا القيان من الجحفة. وقال أبو جهل: لا واللَّه لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم
رجوع الأخنس ببني زهرة عن بدر
ثلاثا، ننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلن تزال العرب تهابنا أبدا. وعاد قيس إلى أبي سفيان وقد بلغ الهدّة [ (1) ]- على تسعة أميال من عقبة عسفان- فأخبره بمضي قريش، فقال: وا قوماه!! هذا عمل عمرو ابن هشام [يعني أبا جهل] [ (2) ] ، كره أن يرجع لأنه ترأس على الناس فبغى، والبغي منقصة وشؤم، إن أصاب محمد النفير ذللنا. رجوع الأخنس ببني زهرة عن بدر ورجع الأخنس بن شريق [واسمه أبي بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج ابن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة] ببني زهرة من الأبواء [ (3) ]- وكانوا نحو المائة وقيل ثلاثمائة- فلم يشهد بدرا أحد من بني زهرة إلا رجلان هما عمّا مسلم ابن شهاب بن عبد اللَّه [ (4) ] وقتلا كافرين، ويقال: إن الأخنس بن شريق خلا بأبي جهل لما تراءى الجمعان فقال: أترى محمدا يكذب؟ فقال أبو جهل: كيف يكذب على اللَّه وقد كنا نسميه الأمين لأنه ما كذب قط! ولكن إذا كانت في عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة، فأي شيء بقي لنا؟ فحينئذ انخنس الأخنس ببني زهرة [ (5) ] ورجعت بنو عدي قبل ذلك من مرّ الظهران. الهاتف بمكة بنصر المسلمين وذكر قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل أن قريشا حين توجهت إلى بدر مرّ هاتف من الجن على مكة في اليوم الّذي أوقع بهم المسلمون وهو ينشد بأنفذ صوت ولا يرى شخصه [ (6) ] :
خبر الأعرابي بعرق الظبية
أزار الحنفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا أبادت رجالا من لؤيّ وأبرزت ... خرائد يضربن الترائب حسّرا فيا ويح من أمسى عدو محمد ... لقد جار عن قصد الهدى وتحيرا فقال قائلهم: من الحنفيون؟ فقال: هم محمد وأصحابه، يزعمون أنهم على دين إبراهيم الحنيف، ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين. خبر الأعرابي بعرق الظّبية وأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صبيحة أربع عشرة بعرق الظبية [ (1) ] فجاء من تهامة أعرابي فسئل عن أبي سفيان فقال: ما لي به علم، فقالوا له: تعال سلّم على رسول اللَّه، قال: وفيكم رسول اللَّه؟ قالوا: نعم، قال: فأيكم هو؟ قالوا: هذا، قال: أنت رسول اللَّه؟ قال: نعم، قال: فما في بطن ناقتي هذه إن كنت صادقا؟ فقال سلمة بن سلامة بن وقش: نكحتها فهي حبلى منك، فكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته وأعرض عنه. ثم سار صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أتى الروحاء ليلة الأربعاء للنصف من رمضان، فصلى عند بئر الروحاء، ولما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من وتره لعن الكفرة. دعاؤه على أبي جهل وزمعة وقال: اللَّهمّ لا تفلتن أبا جهل فرعون هذه الأمة، اللَّهمّ لا تفلتن زمعة بن الأسود، اللَّهمّ وأسخن عين أبي زمعة بزمعة، اللَّهمّ وأعم بصر أبي زمعة، اللَّهمّ لا تفلتن سهيلا، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين.
خروجه وأمره بالإفطار من الصوم
خروجه وأمره بالإفطار من الصوم واستعمل صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ورده من الروحاء، وقدم خبيب بن يساف [ (1) ] بالروحاء مسلما. وخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم فصام يوما أو يومين ثم نادى مناديه: يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا، وذلك أنه قد قال لهم قبل ذلك: أفطروا فلم يفعلوا. خبر العير الّذي برك وكان رفاعة وخلّاد ابنا رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاريان، وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان بن عمرو يتعاقبون بعيرا، حتى إذا كانوا بالروحاء برك بعيرهم وأعيا، فمر بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه برك علينا بكرنا، فدعا بماء فتمضمض وتوضأ في إناء ثم قال: افتحا فاه، ففعلا، ثم صبه في فيه [ (2) ] ، ثم على رأسه وعنقه، ثم على حاركه وسنامه، ثم على عجزه، ثم على ذنبه، ثم قال: اركبا، ومضى، فلحقاه وإن بكرهم لينفر [ (3) ] بهم، حتى إذا كانوا بالمصلى راجعين من بدر برك عليهم فنحره خلاد، فقسم لحمه وتصدق به. المشورة قبل بدر ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان دوين بدر أتاه الخبر بمسير قريش، فاستشار الناس، فقام أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر فقال فأحسن، ثم قال: يا رسول اللَّه، إنها واللَّه قريش وعزها، واللَّه ما ذلت منذ عزت، واللَّه ما آمنت منذ كفرت، واللَّه لا تسلم عزها أبدا ولتقاتلنك، فاتهب [ (4) ] لذلك أهبته، وأعدّ لذلك عدته، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللَّه، امض لأمر اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها:
مشورة الأنصار
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (1) ] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما [ (2) ] مقاتلون، والّذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد [ (3) ] لسرنا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، ودعا له بخير. مشورة الأنصار ثم قال أشيروا عليّ أيها الناس، وإنما يريد الأنصار، وكان يظنهم لا ينصرونه إلا في الدار، لأنهم شرطوا له أن يمنعوه [ (4) ] مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم، فقام [ (5) ] سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول اللَّه تريدنا! قال: أجل، قال: إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمر قد أوحي إليك [في غيره] [ (6) ] فإنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق فأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي اللَّه لما أردت، فو الّذي بعثك بالحق لو استعرضت (بنا) [ (7) ] هذا البحر (فخضته) [ (7) ] لخضناه معك ما بقي منا رجل، وصل من شئت واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت، والّذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قط وما لي بها من علم، وما نكره أن نلقى عدونا، إنا لصبر عند الحرب، صدق [ (8) ] عند اللقاء، لعل اللَّه يريك منا بعض ما تقر به عيناك. وفي رواية [ (9) ] أن سعد بن معاذ قال: إنا قد خلفنا من قومنا قوما ما نحن بأشد حبا لك منهم، ولا أطوع لك منهم، لهم رغبة في الجهاد ونية، ولو ظنوا يا رسول اللَّه أنك ملاق عدوا ما تخلفوا، ولكن إنما ظنوا أنها العير، نبني لك عريشا فتكون فيه ونعد عندك [ (10) ] رواحلك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا اللَّه وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا. فقال له
دلالته على مصارع المشركين يوم بدر
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، وقال: أو يقضي اللَّه خيرا من ذلك يا سعد!. دلالته على مصارع المشركين يوم بدر فلما فرغ سعد من المشورة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه قد وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكأنّي انظر إلى مصارع القوم، ثم أراهم مصارعهم يومئذ: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، فما عدا كل رجل مصرعه، فعلم القوم أنهم يلاقون القتال وأن العير تفلت، ورجوا النصر لقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. عقد الألوية ومن يومئذ عقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الألوية وهي ثلاثة: لواء يحمله مصعب بن عمير، ورايتان سوداوان [ (1) ] : إحداهما مع عليّ، والأخرى مع رجل من الأنصار، وأظهر السلاح، وكان خرج من المدينة على غير لواء معقود، وسار من الروحاء. وتعجل ومعه قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر [ (2) ] بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس الظفري، ويقال: بل كان معه معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أديّ بن سعد بن على ابن أسد بن ساردة بن يزيد [ (3) ] بن جشم بن الخزرج الأنصاري، وقيل: بل كان معه عبد اللَّه بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن
خبر سفيان الضمري
ابن النجار المازني. خبر سفيان الضمريّ فلقي سفيان الضمريّ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من الرجل؟ فقال: بل من أنتم؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأخبرنا ونخبرك، قال: وذاك بذاك؟ قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم. قال: فسلوا عما شئتم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخبرنا عن قريش، فقال: بلغني أنهم خرجوا يوم كذا وكذا من مكة، فإن كان الّذي أخبرني صادقا فإنّهم بجنب هذا الوادي. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأخبرنا عن محمد وأصحابه، قال: خبرت أنهم خرجوا من يثرب يوم كذا وكذا، فإن كان الّذي أخبرني صادقا فإنّهم بجانب هذا الوادي، قال الضمريّ: فمن أنتم؟ قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نحن من ماء، وأشار بيده نحو العراق، فقال (الضمريّ) [ (1) ] من ماء العراق؟ ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أصحابه، ولا يعلم واحد من الفريقين بمنزل صاحبه، بينهم قوز [ (2) ] من رمل، ومضى فلقيه بسبس وعدي بن أبي الزغباء فأخبراه خبر العير. خبر العيون وسقاء قريش ونزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان، فبعث عليا والزبير وسعد بن أبي وقاص وبسبس بن عمرو رضي اللَّه عنهم يتحسسون [ (3) ] على الماء، وأشار لهم إلى ظريب [ (4) ] وقال أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب الّذي يلي الظرب [ (4) ] فوجدوا على تلك القليب [ (5) ] روايا [ (6) ] قريش فيها سقاؤهم، فأفلت عامتهم وفيهم عجير، فجاء قريشا فقال: يا آل غالب، هذا ابن أبي كبشة وأصحابه قد أخذوا سقّاءكم، فماء العسكر وكرهوا ذلك، والسماء تمطر
عدة المشركين يوم بدر
عليهم، وأخذ تلك الليلة [أبو] [ (1) ] يسار غلام عبيدة بن سعيد بن العاص، وأسلم غلام منبه بن الحجاج، وأبو رافع غلام أمية بن خلف، فأتى بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يصلي فقالوا: (نحن) [ (2) ] سقّاء قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهم فضربوهم، فقالوا: نحن لأبي سفيان، ونحن في العير، فأمسكوا عنهم. فسلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم، ثم أقبل عليهم يسألهم، فأخبره أن قريشا خلف هذا الكثيب. عدة المشركين يوم بدر وأنهم ينحرون يوما عشرا ويوما تسعا، واعلموه بمن خرج من مكة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: القوم بين الألف والتسعمائة، وقال: هذه مكة قد ألقت [إليكم] [ (3) ] أفلاذ كبدها. المشورة في منزل الحرب واستشار أصحابه في المنزل، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن (حرام بن) [ (4) ] كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري: انطلق بنا إلى أدنى ماء (إلى) [ (5) ] القوم فإنّي عالم بها وبقلبها [ (6) ] ، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه، وماء كثير لا ينزح [ (7) ] ، ثم نبني عليها حوضا ونقذف فيه الآنية فنشرب ونقاتل ونغوّر [ (8) ] ما سواها من القلب. فقال: يا حباب، أشرت بالرأي، ونهض بمن معه فنزل على القليب ببدر، وبات تلك الليلة يصلي إلى جذم [ (9) ] شجرة هناك- وكانت ليلة الجمعة السابع عشر من رمضان- وفعل ما أشار به الحباب.
المطر يوم بدر
المطر يوم بدر وبعث اللَّه السماء، فأصاب المسلمين ما لبّد الأرض ولم يمنع من السير، وأصاب قريشا من ذلك ما لم يقدروا أن يرتحلوا منه، وإنما بينهم قوز من رمل [ (1) ] ، وكان مجيء المطر نعمة وقوة للمؤمنين، وبلاء ونقمة على المشركين. النّعاس الّذي أصاب المسلمين وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا حتى إن أحدهم [تكون] [ (2) ] ذقنه بين ثدييه وما يشعر حتى يقع على جنبه، واحتلم رفاعة بن رافع ابن مالك حتى اغتسل آخر الليل. وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم عمار بن ياسر وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهما فأطافا بالقوم، ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورين، وأن السماء تسحّ عليهم [ (3) ] . بناء عريش رسول اللَّه وبني لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما نزل القليب- عريش من جريد. وقام سعد ابن معاذ على بابه متوشح السيف. ومشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على موضع الوقعة، وعرض على أصحابه مصارع رءوس الكفر من قريش مصرعا مصرعا، يقول: هذا مصرع فلان، و [هذا] [ (4) ] مصرع فلان، فما عدا واحد منهم مضجعه الّذي حدّ له الرسول. وعدّل صلّى اللَّه عليه وسلّم الصفوف، ورجع إلى العريش فدخل صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر رضي اللَّه عنه، وأصبح ببدر يوم الجمعة السابع عشر، وقيل: الثامن عشر من رمضان قبل أن تنزل قريش، فطلعت قريش وهو يصفهم، وقد أترعوا حوضا. ودفع رايته إلى مصعب بن عمير فتقدم حيث أمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يضعها، ووقف صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إلى الصفوف فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه، وأقبل المشركون فاستقبلوا الشمس، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعدوة [ (5) ] الشامية، ونزلوا بالعدوة اليمانية. فجاء
خبر سواد بن غزية
رجل فقال: يا رسول اللَّه إني أرى أن تعلو الوادي، فإنّي أرى ريحا قد هاجت من أعلى الوادي، وإني أراها بعثت بنصرك. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد صففت صفوفي ووضعت رايتي، فلا أغير ذلك. ثم دعا ربه تعالى فنزل عليه: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (1) ] يعني بعضهم على إثر بعض. خبر سواد بن غزية ولما عدل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصفوف تقدم سواد بن غزية أمام الصف، فدفع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في بطنه فقال: استو يا سواد، فقال: أوجعتني والّذي بعثك بالحق أقدني [ (2) ] ، فكشف صلّى اللَّه عليه وسلّم عن بطنه وقال: استقد، فاعتنقه وقبّله. فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: حضر من أمر اللَّه ما قد ترى، وخشيت القتل، فأردت أن أكون آخر عهدي [ (3) ] بك [أن يمس جلدي جلدك] [ (4) ] وأن أعتنقك، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يسوّى الصفوف وكأنما يقوم بها القداح [ (5) ] . الريح التي بعثت والملائكة وجاءت ريح شديدة، ثم هبت ريح أشد منها، ثم هبت ريح ثالثة أشد منهما: فكانت الأولى جبريل عليه السلام في ألف مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، والثانية ميكائيل عليه السلام في ألف عن ميمنته، والثالثة إسرافيل في ألف عن ميسرته. ويقال: جاء جبريل في ألف من الملائكة في صور الرجال، وكان في خمسمائة من الملائكة في الميمنة، وميكائيل في خمسمائة من الميسرة، ووراءهم مدد من الملائكة لم يقاتلوا، وهم الآلاف المذكورون في سورة آل عمران [ (6) ] ، وكان إسرافيل وسط الصف لا يقاتل كما يقاتل غيره من الملائكة. وكان الرجل يرى الملك على صورة رجل يعرفه،
ألوية بدر
وهو يثبته ويقول له: ما هم بشيء، فكر عليهم [ (1) ] ، وهذا معنى قوله تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ [ (2) ] ، وفي مثل هذا قال حسان رضي اللَّه عنه: ميكال معك وجبرئيل كلاهما ... مدد لنصرك من عزيز قادر [ (3) ] ألوية بدر ويقال كان على الميمنة أبو بكر رضي اللَّه عنه، والثابت أنه لم يكن على الميمنة والميسرة أحد، وكان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأعظم- لواء المهاجرين- مع مصعب ابن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ. ومع قريش ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز (بن عمير) [ (4) ] ، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة. خطبته يوم بدر وخطب صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإنّي أحثكم على ما حثكم اللَّه عليه، وأنهاكم عما نهاكم عنه، فإن اللَّه عظيم شأنه، يأمر بالحق ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهله، على منازلهم عنده، به يذكرون وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل الحق لا يقبل اللَّه فيه من أحد إلا ما ابتغي به وجهه، وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج اللَّه به الهمّ، وينجي به من الغمّ، وتدركون النجاة في الآخرة، فيكم نبي اللَّه يحذركم ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطلع اللَّه عز وجل على شيء من أمركم يمقتكم عليه، فإن اللَّه يقول: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [ (5) ] . انظروا الّذي أمركم به من كتابه، وأراكم من آياته، وأعزكم [به] [ (6) ] بعد ذلة، فاستمسكوا به يرض به ربكم عنكم، وابلوا
دعاؤه على قريش
ربكم في هذه المواطن أمرا تستوجبوا وعدكم به من رحمته ومغفرته، فإن وعده حق وقوله صدق وعقابه شديد. وإنما أنا وأنتم باللَّه الحي القيوم، إليه ألجأنا ظهورنا، وبه اعتصمنا، وعليه توكلنا، وإليه المصير، يغفر اللَّه لي وللمسلمين. دعاؤه على قريش ولما رأى صلّى اللَّه عليه وسلّم قريشا تصوب من الوادي- وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلا- قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إنك أنزلت عليّ الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد، اللَّهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك [ (1) ] وتكذب رسولك، اللَّهمّ فنصرك الّذي وعدتني، اللَّهمّ أحنهم الغداة [ (2) ] . بعثة عمر إلى قريش يعرض عليهم الرجوع ولما نزل القوم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إليهم يقول: ارجعوا، فإنه إن يلي هذا الأمر مني غيركم، أحب إلي من أن تلوه مني، [وأن] [ (3) ] أليه من غيركم أحب [إليّ] من [أن] [ (3) ] أليه منكم، فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصفا فاقبلوه، واللَّه لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف [ (4) ] ، فقال أبو جهل: واللَّه لا نرجع بعد أن أمكننا اللَّه منهم، [ولا نطلب أثرا بعد عين، ولا يعترض لعيرنا بعد هذا أبدا] [ (5) ] . النفر الذين شربوا من الحوض وأقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض- منهم حكيم بن حزام- فأراد المسلمون طردهم فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوهم، فوردوا الماء فشربوا، فما شرب منهم أحد إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام نجا [ (6) ] .
بعثة عمير بن وهب لحرز المسلمين وما قاله لقريش
بعثة عمير بن وهب لحرز المسلمين وما قاله لقريش وبعثت قريش عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة بن الجمحيّ ليحرز [ (1) ] المسلمين، فلما لم ير لهم مددا ولا كمينا، رجع فقال: القوم ثلاثمائة إن زادوا [زادوا] [ (2) ] قليلا، معهم سبعون بعيرا وفرسان، ثم قال: يا معشر قريش! البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليست لهم منعة ولا ملجأ [ (3) ] إلا سيوفهم، ألا ترون خرسا لا يتكلمون، يتلمظون تلمظ [ (4) ] الأفاعي، واللَّه ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل منكم رجلا، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم فما خير في العيش بعد ذلك فروا رأيكم. فبعثوا أبا سلمة الجشمي، فأطاف على المسلمين بفرسه، ثم رجع فقال: واللَّه ما رأيت جلدا ولا عدادا ولا حلقة ولا كراعا، ولكني رأيت قوما لا يريدون أن يؤوبوا إلى أهليهم، قوما مستميتين ليست لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، زرق [ (5) ] العيون كأنها [ (6) ] الحصى تحت الحجف [ (7) ] ، فروا رأيكم. حكيم بن حزام يؤامر قريشا على الرجوع فمشى حكيم بن حزام في الناس ليرجعوا فوافقه عتبة بن ربيعة، وأبي أبو جهل وهبّ [ (8) ] إلى عامر الحضرميّ أخي المقتول بنخلة، وحثه على أخذه بأثر أخيه، فقام ثم حثا على استه التراب بعد ما اكتشف وصرخ: وا عمراه! فأفسد على الناس الرأي الّذي رآه عتبة ودعاهم إليه. بدء القتال يوم بدر وأول من قتل ثم حرّش بين الناس، وحمل فناوش المسلمين وشبت الحرب. فخرج إليه مهجع
مناشدة رسول الله ربه
مولى عمر [بن الخطاب] [ (1) ] فقتله عامر، فكان مهجع أول من استشهد يوم بدر، وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة قتله حبّان بن العرقة، ويقال: عمير بن الحمام قتله خالد بن الأعلم العقيلي. مناشدة رسول اللَّه ربه وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في العريش وأصحابه على صفوفهم، فاضطجع فغشيه نوم غلبه- وكان قد قال: لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم [ (2) ] فارموهم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم - فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه قد دنا القوم، وقد نالوا منا، فاستيقظ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو رافع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: اللَّهمّ إن تظهر على هذه العصابة يظهر الشرك ولا يقم لك دين، وأبو بكر يقول: واللَّه لينصرنك اللَّه وليبيضن وجهك. وقال عبد اللَّه بن رواحة: يا رسول اللَّه، إني أشير عليك- ورسول اللَّه أعظم وأعلم باللَّه من أن يشار عليه- إن اللَّه أجلّ وأعظم من أن ينشد وعده. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ابن رواحة، ألا أنشد اللَّه وعده، إن اللَّه لا يخلف الميعاد. ولم يذكر ابن إسحاق ولا الواقدي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتل، وخرّج الفريابي، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما كان يوم بدر وحضر الناس، أمّنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كان منا أحد أقرب إلى المشركين منه، وكان أشد الناس بأسا [ (3) ] . الأسود بن عبد الأسد: مقتله عند الحوض فلما تزاحف الناس قال الأسود بن عبد الأسد [ (4) ] المخزومي- حين دنا من الحوض-: أعاهد اللَّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنّه، أو لأموتنّ دونه، فشدّ حتى دنا منه، فاستقبله حمزة بن عبد المطلب فضربه فأطنّ [ (5) ] قدمه، فزحف الأسود حتى وقع في الحوض فهدمه برجله الصحيحة وشرب منه، وحمزة يتبعه
المبارزة وخروج الأنصار وكراهية رسول الله ذلك ودعوته للمهاجرين
فضربه في الحوض فقتله، فدنا بعضهم من بعض وخرج عتبة، وشيبة والوليد، ودعوا إلى المبارزة. المبارزة وخروج الأنصار وكراهية رسول اللَّه ذلك ودعوته للمهاجرين فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار فتيان وهم: معاذ ومعوّذ وعوف بنو عفراء، ويقال ثالثهم عبد اللَّه بن رواحة [ (1) ] فاستحيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكره أن يكون أول قتال- لقي فيه المسلمون المشركين- في الأنصار، وأحب أن تكون الشوكة [ (2) ] ببني عمه وقومه، فأمرهم فرجعوا إلى مصافهم، وقال لهم خيرا. ثم نادى منادي المشركين: يا محمد، أخرج لنا [ (3) ] الأكفاء من قومنا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بني هاشم، قوموا فقاتلوا بحقكم الّذي بعث به نبيكم، إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللَّه. فقام علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فمشوا إليهم [ (4) ] . وكان علي رضي اللَّه عنه معلما بصوفة بيضاء، فقال عتبة لابنه: قم يا وليد، فقام فقتله علي، ثم قام عتبة فقتله حمزة، ثم قام شيبة فقام إليه عبيدة فضربه شيبة فقطع ساقه، فكرّ حمزة وعلي فقتلا شيبة واحتملا عبيدة إلى الصف [ (5) ] فنزلت فيهما [ (6) ] هذه الآية: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُ
استفتاح أبي جهل
مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ [ (1) ] . استفتاح أبي جهل واستفتح أبو جهل يومئذ فقال: اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا يعلم، فأحنه الغداة. فأنزل اللَّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] . وقال يومئذ: ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سنّي لمثل هذا ولدتني أمي [ (3) ] إبليس يذمر المشركين ثم نكوصه على عقبيه وتصور إبليس في صورة سراقة (بن مالك) [ (4) ] ، بن جعشم (المدلجي) [ (4) ] يذمر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم من الناس، فلما أبصر عدوّ اللَّه الملائكة نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون [ (5) ] فتشبث به الحارث بن هشام وهو يرى أنه سراقة، فضرب في صدر الحارث، فسقط، وانطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر، [ورفع يديه وقال: يا رب، موعدك الّذي وعدتني] [ (6) ] .
شعار المسلمين في القتال وإعلامهم
شعار المسلمين في القتال وإعلامهم وأقبل أبو جهل يحض المشركين على القتال بكلام كثير [ (1) ] وجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم شعار المهاجرين «يا بني عبد الرحمن» وشعار الخزرج «يا بني عبد اللَّه» والأوس «يا بني عبيد اللَّه» . ويقال: كان شعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «يا منصور أمت» [ (2) ] وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الملائكة قد سوّمت فسوّموا [ (3) ] ، فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقلانسهم، وكان أربعة يعلمون في الزحوف [ (4) ] ، فكان حمزة معلما بريشة نعامة، وعلي معلما بريشة نعامة «وعليّ معلما بصوفة بيضاء، والزبير معلما بعصابة صفراء- وكان يحدّث أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر- وكان أبو دجانة معلما بعصابة حمراء. خبر قتال الملائكة يوم بدر وقال سهيل بن عمرو: ولقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين، يقتلون ويأسرون، وقال أبو أسيد الساعدي [بعد أن ذهب بصره] [ (5) ] ، لو كنت معكم الآن ببدر [ومعي بصري] [ (5) ] لأريتكم الشّعب الّذي خرجت منه الملائكة. وكان [ (6) ] ابن عباس يحدّث عن رجل من بني غفار حدثه، قال: أقبلت أنا وابن عم لي يوم بدر حتى أصعدنا في [ (7) ] جبل ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة [ (8) ] ، فننتهب مع من ينتهب، فبينا نحن في الجبل إذ رأيت سحابة دنت منا «فسمعت فيها حمحمة الخيل وقعقعة الحديد، وسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم. فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات، وأما
أنا فكدت أهلك، فتماسكت واتبعت البصر حيث تذهب السحابة، فجاءت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ثم رجعت وليس فيها شيء مما كنت أسمع. وقال أبو رهم الغفاريّ عن ابن عم له: بينا أنا وابن عم لي على ماء بدر- فلما رأينا قلة من مع محمد وكثرة قريش- قلنا: إذا التقت الفئتان عمدنا إلى معسكر محمد وأصحابه، فانطلقنا نحو المجنّبة اليسرى من أصحابه ونحن نقول: هؤلاء ربع قريش. فبينما نحن نمشي في الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا، فرفعنا أبصارنا إليها، فسمعنا أصوات الرجال والسلاح، وسمعنا رجلا يقول لفرسه: أقدم حيزوم، وسمعناهم يقولون: رويدا تتامّ أخراكم. فنزلوا على ميمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم جاءت أخرى مثل [ذلك] [ (1) ] فكانت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنظرنا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه فإذا هم الضّعف على قريش فمات ابن عمي، وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحسن إسلامه. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما رئي الشيطان يوما [هو] [ (2) ] فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة- وما ذلك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز اللَّه عن الذنوب العظام- إلا ما رئي يوم بدر، وقيل: ما رأى يوم بدر، قال: أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة. وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: هذا جبريل يسوق الريح كأنه دحية الكلبي، إني نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور. وقال عبد الرحمن بن عوف: رأيت يوم بدر رجلين، عن يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال، ثم يليهما ثالث من خلفه، ثم ربعهما رابع أمامه. وعن صهيب: ما أدري كم يد مقطوعة أو ضربة جائفة [ (3) ] لم يدم كلمهما [ (4) ]- يوم بدر- قد رأيتها. وعن أبي بردة بن نيار قال: جئت يوم بدر بثلاثة رءوس فوضعتهم بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه، أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث فإنّي رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه فتدهدى [ (5) ] أمامه فأخذت رأسه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذاك فلان من الملائكة. وكان ابن عباس يقول: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وعن ابن عباس: كان الملك يتصور في صورة من
نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل بني هاشم ورجال من قريش
يعرفون من الناس يثبتونهم فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشيء. وذاك قول اللَّه تبارك وتعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [ (1) ] . وعن حكيم بن حزام: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلص [ (2) ] بجاد [ (3) ] من السماء قد سد الأفق، فإذا الوادي يسيل نملا، فوقع في نفسي أن هذا شيء من السماء أيّد به محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة. نهي الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قتل بني هاشم ورجال من قريش ونهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قتل بني هاشم، فقال: من لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله. ونهى عن قتل العباس بن عبد المطلب، ونادى مناديه: من أسر أمّ حكيم بنت حزام فليخل سبيلها فإن رسول اللَّه قد أمنها. وكان قد أسرها رجل من الأنصار وكتفها بذؤابتها [ (4) ] فلما سمع المنادي خلى سبيلها. ونهى أيضا عن قتل أبي البختري فقتله أبو داود المازني، ويقال: قتله المجدّر بن ذياد [ (5) ] . ونهى عن قتل الحارث بن عامر بن نوفل، فقتله خبيب بن يساف ولا يعرفه. ونهى عن قتل زمعة بن الأسود، فقتله ثابت بن الجذع [ (6) ] ولا يعرفه. دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم رميه المشركين بالحصى ولما التحم القتال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رافعا يديه يسأل اللَّه النصر وما وعده. وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذ من الحصا كفا فرماهم بها وقال: شاهت الوجوه، اللَّهمّ ارعب قلوبهم، وزلزل أقدامهم. فانهزم أعداء اللَّه لا يلوون على شيء، وألقوا دروعهم، والمسلمون يقتلون ويأسرون، وما بقي منهم أحد إلا امتلأ وجهه وعيناه، ما يدري أين يتوجه، والملائكة يقتلونهم، وذلك قوله تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ
أسر عقبة بن أبي معيط وقتله
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (1) ] . أسر عقبة بن أبي معيط وقتله وجمح بعقبة بن أبي معيط فرسه، فأخذه عبد اللَّه بن سلمة العجلانيّ. فأمر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا، وصدق اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في قوله لعقبة: إن وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا . أسر أمية بن خلف وبينا عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه يجمع أدراعا بعد أن ولّى الناس إذا أمية بن خلف وابنه عليّ، فأخذ يسوقهما أمامه إذ بصر به بلال فنادى يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجوت. فأقبلوا حتى طرح أمية على ظهره، فقطع الحباب بن المنذر أرنبة أنفه، وضربه خبيب بن يساف حتى قتله، وقتل عمار بن ياسر عليّ بن أمية بن خلف. وقتل الزبير بن العوام عبيدة ابن سعيد بن العاص، وقتل أبو دجانة عاصم بن أبي عوف بن ضبيرة [ (2) ] السهمي، وقتل عليّ رضي اللَّه عنه عبد اللَّه بن المنذر بن أبي رفاعة، وحرملة بن عمرو وهو يراهما أبا جهل. وقتل حمزة رضي اللَّه عنه أبا قيس بن الفاكه بن المغيرة وهو يراهما أبا جهل، [وكان أبو جهل في مثل الحرجة (وهو الشجر الملتف) والمشركون يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه] . قتل أبي جهل فصمد معاذ بن الجموح إلى أبي جهل، وأبو جهل يرتجز: ما تنقم الحرب العوان مني ... بازل عامين حديث سنّي لمثل هذا ولدتني أمّي
فرق المسلمين
فضربه فطرح رجله من الساق، فأقبل عليه عكرمة بن أبي جهل فضربه على عاتقه فطرح يده من العاتق، وبقيت الجلدة، فوضع/ معاذ عليها رجله وتمطى (بها) [ (1) ] عليها حتى قطعها. وضربه مع معاذ معوّذ وعوف ابنا عفراء، فنفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معاذا سيف أبي جهل ودرعه. ولما وضعت الحرب أوزارها أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يلتمس أبو جهل فوجده عبد اللَّه بن مسعود في آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وضربه فقطع رأسه وأتى به بسلبة النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فسرّ به وقال: اللَّهمّ قد أنجزت ما وعدتني فتمم علي نعمتك. ويقال إن معاذا ومعوّذا ابني عفراء أثبتا أبا جهل، وضرب ابن مسعود عنقه في آخر رمق، وقد رأي في كتفيه آثار السياط. فوقف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على مصرع ابني عفراء فقال: يرحم اللَّه ابني عفراء، فإنّهما قد شركا في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر، فقيل: يا رسول اللَّه، ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة، ودافة [ (2) ] ابن مسعود. وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، فأسره جبار ابن صخر، ولقيه علي فقتله، فقال عليه السلام: الحمد للَّه الّذي أجاب دعوتي فيه. وقتل علي أيضا العاص بن سعيد. وانقطع سيف عكاشة بن محصن فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتل به حتى هزم اللَّه المشركين، فلم يزل عنده حتى هلك. وانكسر سيف سلمة بن أسلم بن حريش فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب [ (3) ] فقال: اضرب به، فإذا سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم خيبر. فرق المسلمين وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تصافوا للقتال: من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا فله كذا، فلما انهزم [المشركون] [ (4) ] كان الناس ثلاث فرق: فرقة قامت عند
اختلاف المسلمين في الغنائم، وما نزل من القرآن في ذلك
خيمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر معه فيها، وفرقة أغارت على النهب تنهب، وفرقة طلبت العدو فأسروا وغنموا. اختلاف المسلمين في الغنائم، وما نزل من القرآن في ذلك وكان سعد بن معاذ ممن أقام على خيمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] : ما منعنا أن نطلب العدو زهادة في الأجر ولا جبن [ (2) ] عن العدو، ولكن خفنا أن يرى [ (3) ] موضعك فتميل عليك خيل من خيل المشركين ورجال من رجالهم، وقد أقام عند خيمتك وجوه من المهاجرين والأنصار ولم يشذّ أحد منهم، والناس كثير، ومتى تعط هؤلاء لا يبقى لأصحابك شيء، والأسرى والقتلى كثير، والغنيمة قليلة. فاختلفوا، فأنزل اللَّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [ (4) ] فرجع الناس وليس لهم من الغنيمة شيء، ثم أنزل اللَّه تعالى وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [ (5) ] فقسمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: لما اختلفوا في غنائم بدر أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بها أن [ (6) ] تردّ في القسمة، فلم يبق منها شيء إلا ردّ، فظن أهل الشجاعة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخصهم بها دون أهل الضعف، [ (7) ] ثم أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تقسم بينهم على سواء فقال سعد: يا رسول اللَّه، أتعطي فارس القوم الّذي يحميهم مثل ما تعطي الضعيف؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثكلتك أمك، وهل تنصرون إلا بضعفائكم؟ ونادى مناديه: من قتل قتيلا فله سلبه، وأمر بما وجد في العسكر وما أخذوا بغير قتال فقسمه بينهم، ويقال: أمر أن تردّ الأسرى والأسلاب وما أخذوا في المغنم، ثم أقرع بينهم، في الأسرى وقسم الأسلاب التي ينفل [ (8) ] الرجل نفسه في المبارزة، وما أخذوه من العسكر قسمه بينهم. والثبت من هذا: أن كل ما جعله لهم فإنه سلّمه لهم، وما لم يجعل قسمه بينهم.
جمع الغنائم وقدرها وقسمتها
جمع الغنائم وقدرها وقسمتها وجمعت الغنائم واستعمل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن كعب بن عمرو المازنيّ وقسمها بسير [ (1) ] ، وقيل: بل استعمل عليها خبّاب بن الأرتّ، وكان فيها إبل ومتاع وأنطاع [ (2) ] وثياب، وكانت السّهمان على ثلاثمائة وسبعة عشر سهما، والرجال ثلاثمائة وثلاثة عشر، والخيل فرسان لهم أربعة أسهم، وثمانية نفر لم يحضروا ضرب لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم بسهامهم وأجورهم: ثلاثة من المهاجرين وهم: عثمان بن عفان- خلّفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ابنته رقية فماتت يوم قدم زيد بن حارثة- وطلحة ابن عبيد اللَّه وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بعثهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتحسسان العير تلقاء [ (3) ] الحوراء، ومن الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر خلفه على المدينة، وعاصم بن عديّ، خلّفه على قباء وأهل العالية، والحارث بن حاطب أمره بأمر في بني عمرو بن عوف، وخوّات بن جبير كسر بالروحاء [ (4) ] ، والحارث بن الصّمّة كسر بالروحاء. وروي أن سعد بن عبادة ضرب له بسهمه [ (5) ] وأجره، وضرب لسعد بن مالك الساعدي بسهمه وأجره، وضرب لرجل من الأنصار، ولرجل آخر، وهؤلاء الأربعة لم يجمع عليهم [ (6) ] ، وضرب أيضا لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر. وكانت الإبل التي أصابوا مائة بعير وخمسين بعيرا، وكان معهم أدم كثير [ (7) ] حملوه للتجارة فغنمه المسلمون، وأصابوا قطيفة حمراء [ (8) ] وكانت الخيل التي غنمت عشرة أفراس، وأصابوا سلاحا وظهرا وجمل أبي جهل فصار للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يزل
أسر سهيل بن عمرو وفراره ثم يأسره رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنده يضرب في إبله ويغزو [ (1) ] عليه حتى ساقه في هدي [ (2) ] الحديبيّة. وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صفيّ [ (3) ] من الغنيمة قبل أن يقسم منها شيء، فتنفّل سيفه ذا الفقار وكان لمنبّه بن الحجاج. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم قد غزا إلى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له العضب، ودرعه ذات الفضول وأحذى [ (4) ] مماليك حضروا بدرا ولم يسهم لهم، وهم ثلاثة: غلام لحاطب بن أبي بلتعة، وغلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لسعد بن معاذ، ويقال: شهد بدرا من الموالي عشرون رجلا. واستعمل صلّى اللَّه عليه وسلّم شقران غلامه على الأسرى فأحذوه من كل أسير، ما لو كان حرا ما أصابه في المقسم. أسر سهيل بن عمرو وفراره ثم يأسره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأسر سهيل بن عمرو ففرّ بالروحاء من مالك بن الدخشم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من وجده فليقتله، فوجده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يقتله، وأمر فربطت يداه إلى عنقه ثم قرنه إلى راحلته فلم يركب خطوة حتى قدم المدينة. وأسر أبو بردة بن نيار رجلا يقال له معبد بن وهب من بني سعد بن ليث [ (5) ] ، فلقيه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قبل أن يتفرق الناس فقال: أترون يا عمر أنكم قد غلبتم!! كلا واللات والعزى. فقال عمر: عباد اللَّه المسلمين!! أتتكلم وأنت أسير في أيدينا! ثم أخذه من أبي بردة فضرب عنقه، ويقال: إن أبا بردة قتله. أمر الأسرى يوم بدر ولما أتي بالأسرى كره ذلك سعد بن معاذ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا
قتل النضر بن الحارث
عمرو، كأنه شقّ عليك الأسرى أن يؤسروا؟ فقال: نعم يا رسول اللَّه، كانت أول وقعة التقينا فيها والمشركون، فأحببت أن يذلهم اللَّه، وأن نثخن فيهم القتل. قتل النضر بن الحارث وأسر المقداد بن الأسود النضر بن الحارث، فعرض على رسول اللَّه بالأثيل [ (1) ] ، وقد سار من بدر فقتله علي رضي اللَّه عنه بالسيف صبرا. وأسر عمرو ابن أبي سفيان بن حرب، فقيل لأبي سفيان: ألا تفدي عمرا! فقال: حنظلة قتل وأفتدي [ (2) ] عمرا، فأصاب بمالي وولدي؟ لا أفعل، ولكن أنتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه. أسر المشركين سعد بن النعمان فأصاب سعد بن النعمان [بن زيد] [ (3) ] بن أكّال أحد بني عمرو بن عوف جاء معتمرا، فلما قضى عمرته صدر- وكان معه المنذر بن عمرو- فطلبهما [ (4) ] أبو سفيان فأدرك سعدا فأسره وفاته المنذر. ففي ذلك يقول ضرار بن الخطاب: تداركت سعدا عنوة فأسرته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا وقال في ذلك أبو سفيان: أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه ... تفاقدتم، لا تسلموا السيد الكهلا فإن بني عمرو بن عوف أذلة ... لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا [ (5) ] ففادوه سعدا بابنه عمرو.
مقالة عمر في سهيل بن عمرو
مقالة عمر في سهيل بن عمرو ولما أسر سهيل بن عمرو قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، انزع ثنيته يدلع [ (1) ] لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أمثّل به فيمثّل اللَّه بي وإن كنت نبيا، ولعله يقوم مقاما لا تكرهه، فقام سهيل بن عمرو حين جاءه وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخطبة أبي بكر رضي اللَّه عنه بمكة كأنه كان سمعها، فقال عمر رضي اللَّه عنه حين بلغه كلام سهيل: أشهد أنك رسول اللَّه! يريد قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لعله يقوم مقاما لا تكرهه. تخيير رسول اللَّه في أمر الأسرى وكان علي رضي اللَّه عنه يقول: أتى جبريل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر فخيره في الأسرى أن تضرب أعناقهم أو يؤخذ منهم الفداء. ويستشهد منهم في قابل عدتهم، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه [ (2) ] فقال ما أعلمه جبريل، فقالوا: بل نأخذ الفدية نستعين بها ويستشهد منا فيدخل الجنة. فقبل منهم الفداء وقتل منهم عدتهم بأحد. ولما حبس الأسرى بعثوا إلى أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما ليكلما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمرهم، فأخذ أبو بكر يكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيهم، ويليّن أن يمنّ عليهم أو يفاديهم، وأخذ عمر يحث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ضرب أعناقهم، فقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم الفداء وأمّن أبا عزّة عمرو بن عبد اللَّه بن عثمان [ (3) ] الجمحيّ الشاعر وأعتقه بعد ما أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ألا يقاتله ولا يكثّر عليه أبدا. طرح قتلى بدر في القلب وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقلب فعوّرت [ (4) ] وطرحت القتلى فيها إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمّنا فانتفخ، ولما أرادوا أن يلقوه تزايل [لحمه فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اتركوه] [ (5) ] .
موقف رسول الله على قتلى بدر وما قاله
موقف رسول اللَّه على قتلى بدر وما قاله ثم وقف عليهم فناداهم: يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعدكم [ (1) ] ربكم حقا فإنّي قد وجدت ما وعدني ربي حقا؟ بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس! قالوا [ (2) ] : يا رسول اللَّه تنادي قوما قد ماتوا! قال: قد علموا أن ما وعدهم ربّهم حق. وقال السدّي عن مقسم عن ابن عباس: وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قتلى بدر فقال: جزاكم للَّه عني من عصابة شرا، فقد خوّنتموني [ (3) ] أمينا وكذبتموني صادقا. ثم التفت إلى أبي جهل فقال: هذا أعتى على اللَّه من فرعون، إن فرعون لما أيقن [ (4) ] بالهلكة وحّد اللَّه، وإن هذا لما أيقن بالهلكة دعا باللات والعزّى. وكان انهزام القوم حين زالت الشمس، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببدر وأمر عبد اللَّه بن كعب ببعض الغنائم وحملها، وندب نفرا من أصحابه أن يعينوه، ثم صلى العصر وراح فمرّ بالأثيّل [ (5) ] قبل غروب الشمس فنزل وبات به. وكان ذكوان بن عبد قيس [ (6) ] يحرس المسلمين تلك الليلة حتى كان آخر الليل ارتحل. فلما كان بعرق الظّبية أمر عاصم بن ثابت ابن أبي الأقلح فضرب عنق عقبة بن أبي معيط، ويقال: بل أمر عليّ بن أبي طالب فضرب عنقه، والأول أشهر. قسمة الغنائم ولما نزل بسير وهو شعب بالصّفراء قسم الغنائم بين أصحابه، وتنفلّ سيفه ذا الفقار وكان لمنبّه بن الحجّاج فكان صفيّه، وأخذ سهمه مع المسلمين وفيه جمل أبي جهل. وكان مهريا [ (7) ] ، فكان يغزو عليه ويضرب في لقاحه.
بشرى أهل المدينة بنصر رسول الله
وبالصفراء مات عبيدة بن الحارث رضي اللَّه عنه. واستقبل طلحة وسعيد بن زيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتربان [ (1) ] [فيما بين ملل والسيالة] وهو منحدر من بدر يريد المدينة. بشرى أهل المدينة بنصر رسول اللَّه وقدم زيد بن حارثة وعبد اللَّه بن رواحة من الأثيل إلى المدينة فجاء يوم الأحد شدّ [ (2) ] الضحى فنادى عبد اللَّه: يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول اللَّه وقتل المشركين وأسرهم، ثم اتّبع دور الأنصار فبشرهم. وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القصواء يبشر أهل المدينة فلم يصدق المنافقون ذلك وشنّعوا، وقدم شقران بالأسرى وهم في الأصل سبعون. وتلقى الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرّوحاء يهنئونه بفتح اللَّه، فقدم المدينة صلّى اللَّه عليه وسلّم مؤيدا مظفّرا منصورا قد أعلى اللَّه كلمته ومكّن له وأعزّ نصره، ودخلها من ثنية الوداع في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من رمضان فتلقاه الولائد بالدفوف وهنّ يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا للَّه داع إسلام المنافقين فأذلّ اللَّه بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين واليهود، فلم يبق بالمدينة يهودي ولا منافق إلا خضع عنقه. وأسلم حينئذ بشر كثير من أهل المدينة، ومن ثم دخل عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول [ (3) ] وجماعته من المنافقين في دين الإسلام تقيّة [ (4) ] . نوح قريش على قتلاها وناحت قريش على قتلاها بمكة شهرا، وجزّ النساء شعورهن، وجعل صفوان
خبر عمير بن وهب ومقدمه المدينة لقتل رسول الله ثم إسلامه وعودته إلى مكة
ابن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح لعمير بن وهب بن خلف بن وهب الجمحيّ- وهو المضرّب- إن قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتحمل بدينه ويقوم بعياله، وحمله على بعير وجهّزه. خبر عمير بن وهب ومقدمه المدينة لقتل رسول اللَّه ثم إسلامه وعودته إلى مكة فقدم عمير المدينة ودخل المسجد متقلدا سيفه يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأدخله عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما أقدمك يا عمير؟ قال: قدمت في أسير عندكم تقاربونا فيه، قال: فما بال السيف؟ قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت من شيء؟ إنما أنسيته [ (1) ] حين نزلت وهو في رقبتي. فقال: اصدق، ما أقدمك؟ قال: ما قدمت إلا في أسيري، قال: فما شرطت لصفوان ابن أمية في الحجر؟ ففزع عمير، قال: ماذا شرطت له؟ قال: تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك، واللَّه حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول اللَّه وأنك صادق. وأسلم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: علموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره، فعاد عمير إلى مكة يدعو الناس إلى الإسلام، فأسلم معه بشر كثير. مقدم جبير بن مطعم في فداء أسرى قريش وقد جبير بن مطعم في فداء الأسرى، وقدم أربعة عشر من قريش، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فداء الرجل أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف إلى ألفين إلى ألف [درهم] [ (2) ] ، ومنهم من منّ عليه لأنه لا مال له. خبر زينب بنت رسول اللَّه في فداء زوجها وبعثت زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع بقلادة لها كانت لخديجة رضي اللَّه عنها من جزع ظفار [ (3) ]- مع أخيه عمرو بن الربيع،
أسرى قريش وفداؤهم بتعليم الغلمان الكتابة
فرقّ لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا إليها متاعها فعلتم، قالوا: نعم، فأطلقوا أبا العاص وردّوا القلادة إلى زينب. وأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أبي العاص أن يخلي سبيل زينب فوعده ذلك. وكان الّذي أسره عبد اللَّه بن جبير بن النعمان أخو خوّات بن جبير، وفكّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن السائب بن عبيد، وعبيد بن عمرو بن علقمة بغير فدية، وقد أسرهما سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي لأنه لا مال لهما، ولم يقدم لهما أحد. أسرى قريش وفداؤهم بتعليم الغلمان الكتابة وكان في الأسرى من يكتب، ولم يكن في الأنصار من يحسن الكتابة، وكان منهم من لا مال له، فيقبل منه أن يعلم عشرة من الغلمان الكتابة ويخلي سبيله. فيومئذ تعلّم زيد بن ثابت الكتابة في جماعة من غلمان الأنصار. خرّج [ (1) ] الإمام أحمد من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول اللَّه [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء غلام يبكي إلى أبيه [ (3) ] فقال ما شأنك؟ قال ضربني معلمي، قال: الخبيث!! يطلب بذحل [ (4) ] بدر، واللَّه لا تأتيه أبدا. وقال عامر الشعبي: كان فداء الأسرى [من] [ (5) ] أهل بدر أربعين أوقية، فمن لم يكن عنده علم عشرة من المسلمين، فكان زيد بن ثابت [ممن] [ (5) ] علّم. عدة من استشهد يوم بدر واستشهد يوم بدر من المسلمين أربعة عشر: ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وقتل من المشركين سبعون وأسر سبعون، وقيل: أربعة وسبعون أحصي
قتل عصماء بنت مروان
منهم تسعة وأربعون أسيرا [ (1) ] . قتل عصماء بنت مروان وكانت عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطميّ، وكانت تؤذي رسول اللَّه وتعيب الإسلام وتحرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقالت شعرا [ (2) ] ، فنذر عمير بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة [واسمه عبد اللَّه بن جشم بن مالك بن الأوس] الخطميّ لئن ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر إلى المدينة ليقتلنها. فلما رجع صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر جاءها عمير ليلا حتى دخل عليها في بيتها [وحولها نفر من ولدها نيام، منهم من ترضعه في صدرها، فجسها بيده- وكان ضرير البصر- ونحّى الصبي عنها] [ (3) ] ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها، وأتى فصلى الصبح مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما انصرف نظر إليه وقال: أقتلت ابنة مروان؟ قال: نعم يا رسول اللَّه [قال: نصرت اللَّه ورسوله يا عمير، فقال: هل عليّ شيء من شأنها يا رسول اللَّه؟ فقال] [ (4) ] لا ينتطح فيها عنزان. فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال لأصحابه: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر اللَّه ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي، فقال عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه: انظروا إلى هذا الأعمى الّذي تشرّى [ (5) ] في طاعة اللَّه فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] : لا تقل الأعمى ولكنه البصير. فلما رجع عمير وجد بينها في جماعة يدفنونها فقالوا: يا عمير، أنت قتلتها؟ قال: نعم، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، فو الّذي نفسي بيده لو قلتم جميعا ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم. فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة، فمدح حسان عمير
فرض زكاة الفطر
ابن عدي [ (1) ] ، وكان قتل عصماء لخمس بقين من رمضان فرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر على رأس تسعة عشر شهرا. فرض زكاة الفطر وقام رسول اللَّه قبل يوم الفطر بيومين خطيبا فعلّم الناس زكاة الفطر، وخرج إلى المصلى يوم الفطر فصلى بالناس صلاة الفطر والعنزة [ (2) ] بين يديه، وهي أول صلاة صلاها في يوم العيد. قتل أبي عفك اليهودي ثم كان قتل أبي عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهرا، وكان شيخا من بني عمرو بن عوف قد بلغ عشرين ومائة سنة [ (3) ] ، وكان يحرّض على عداوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يدخل في الإسلام، وقال شعرا [ (4) ] ، فنذر سالم بن عمير بن ثابت ابن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف الأنصاري أحد
غزوة بني قينقاع وإجلاؤهم
البكاءين [ (1) ] من بني النجار ليقتلنّه أو يموت دونه، وطلب له غرة [ (2) ] ، حتى كانت ليلة صائفة- ونام (أبو عفك) [ (3) ] بالفناء في بني عمرو بن عوف- فأقبل [ (4) ] سالم فوضع السيف على كبده فقتله. غزوة بني قينقاع وإجلاؤهم ثم كان إجلاء بني قينقاع [ (5) ]- أحد طوائف اليهود بالمدينة- في شوال بعد بدر، وقيل: في صفر سنة ثلاث، وجعلها محمد بن إسحاق بعد غزوة «قرارة الكدر» . وكان سببها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما قدم المدينة مهاجرا وادعته يهود كلها، وكتب بينه وبينهم كتابا، وألحق كل قوم بحلفائهم، وجعل بينه وبينهم أمانا، وشرط عليهم شروطا منها: ألا يظاهروا عليه عدوا. فلما قدم من بدر بغت يهود، وقطعت ما كان بينها وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العهد، فجمعهم [بسوق بني قينقاع] [ (6) ] وقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يوقع اللَّه بكم مثل وقعة قريش، فو اللَّه إنكم لتعلمون أني رسول اللَّه، فقالوا: يا محمد لا يغرنك من لقيت، إنك قهرت قوما أغمارا [ (7) ] وإنا واللَّه أصحاب الحرب، ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا. سبب إجلائهم فبينما هم على ما هم عليه- من إظهار العداوة ونبذ العهد- جاءت امرأة رجل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع فجلست عند صائغ في حليّ لها، فجاء أحد بني قينقاع فحل درعها من ورائها بشوكة وهي لا تشعر، فلما قامت بدت عورتها فضحكوا منها، فاتبعه رجل من المسلمين فقتله، فاجتمع عليه بنو قينقاع وقتلوه، ونبذوا العهد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحاربوا، وتحصنوا في حصنهم. فأنزل اللَّه تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ [ (8) ] فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أخاف [ (9) ] بني قينقاع فسار إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم السبت
غزوة السويق
النصف من شوال بعد بدر ببضع وعشرين يوما، وهم سبعمائة مقاتل: منهم ثلاثمائة متدرّعون بدروع الحديد، ولم يكن لهم حصون ولا معاقل، وإنما كانوا تجارا وصاغة، وهم حلفاء لعبد اللَّه بن أبيّ بن سلول، وكانوا أشجع يهود فكانوا أول من غدر من اليهود، فحاصرهم خمس عشرة ليلة حتى نزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر بهم فربطوا، واستعمل على رباطهم وكتافهم المنذر بن قدامة السّلمي من بني غنم بن السّلم بن مالك بن الأوس، ثم خلّى عنهم بشفاعة عبد اللَّه بن أبي بن سلول، وأمرهم أن يجلوا من المدينة، فأجلاهم محمد بن مسلمة الأنصاريّ، وقيل: عبادة بن الصامت، وقبض أموالهم، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سلاحهم ثلاث قسيّ [ (1) ] وهي الكتوم والروحاء والبيضاء، وأخذ درعين: الصّغديّة وفضة، وثلاثة أسياف وثلاثة أرماح. ووجدوا في منازلهم سلاحا كثيرا وآلة الصياغة، وخمّس [ (2) ] ما أصاب منهم، وقسم ما بقي على أصحابه. وخرجوا بعد ثلاث فلحقوا بأذرعات [ (3) ] بنسائهم وذراريهم، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى هلكوا، وقال الحاكم: هذه وبني النضير واحدة وربما اشتبها على من [ (4) ] لا يتأمل. واستخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة بني قينقاع على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، وكان أبيض، ولم تكن الرايات يومئذ. غزوة السّويق ثم كانت غزوة السّويق، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحد الخامس من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا في مائتين من المهاجرين والأنصار، واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، فغاب [ (5) ] خمسة أيام. وذلك أن المشركين لما رجعوا إلى مكة من بدر حرّم أبو سفيان صخر بن حرب الدّهن حتى يثأر من محمد وأصحابه بمن أصيب من قومه، فخرج في مائتي راكب، وقيل: في أربعين راكبا، فجاءوا بني النضير- في طرف المدينة- ليلا، ودخلوا على سلّام بن مشكم فسقى
أول عيد ضحى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا سفيان خمرا وأخبره من أخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخرج [أبو سفيان] [ (1) ] سحرا، فوجد رجلا من الأنصار في حرث فقتله وأجيره- وهذا الأنصاري هو معبد بن عمرو- وحرّق بيتين بالعريض، وحرق حرثا لهم وذهب. فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن معه في أثره، وجعل أبو سفيان وأصحابه يلقون جرب السويق [ (2) ]- وهي عامة أزوادهم- يتخففون منها لسرعة سيرهم خوفا من الطلب، فجعل المسلمون يأخذونها. فسمّيت غزوة السويق لهذا. أول عيد ضحى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة. وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الأضحى بالمصلى، وضحى بشاة، وقيل: بشاتين، وضحّى معه ذوو اليسار. قال جابر ضحينا في بني سلمة سبع عشرة أضحية، وهو أول عيد ضحى فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. كتاب المعاقل والديات وكتب صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه السنة المعاقل [ (3) ] والديات، وكانت معلّقة بسيفه. زواج فاطمة بنت رسول اللَّه وغزوة قرارة الكدر ويقال: فيها بنى عليّ بفاطمة رضي اللَّه عنهما، على رأس اثنتين وعشرين شهرا ثم كانت غزوة قرارة الكدر، ويقال: قرقرة بني سليم وغطفان، خرج إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنصف من محرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا، هذا قول محمد بن عمر الواقدي [ (4) ] ، وقال ابن إسحاق: كانت في شوال سنة اثنين. وقال [ (5) ] ابن حزم: لم يقم منصرفة من بدر بالمدينة إلا سبعة أيام، ثم خرج يريد بني سليم وحمل لواءه عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، واستخلف على المدينة عبد اللَّه بن أم مكتوم. وذلك أنه بلغه أن بقرارة الكدر جمعا من غطفان وسليم، فأخذ عليهم الطريق فلم
سرية قتل كعب بن الأشرف
يجد في المجال أحدا، فأرسل في أعلى الوادي نفرا من أصحابه واستقبلهم في بطن الوادي فوجد رعاء [ (1) ] فيها غلام يقال له يسار، فسألهم، فأخبره يسار أن الناس ارتفعوا إلى المياه، فانصرف وقد ظفر بالنّعم [ (2) ] يريد المدينة، فأدركه يسار وهو يصلي الصبح فصلى وراءه، وطابت به أنفس المسلمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقبله وأعتقه. وقدم المدينة، وقد غاب خمس عشرة ليلة، وأخذ خمس النعم- وكانت خمسمائة- وقسم باقيها، وقيل: بل أصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة، وكانوا مائتي رجل، وكان قسمها بصرار على ثلاثة أميال من المدينة. سرية قتل كعب بن الأشرف ثم كان قتل كعب بن الأشرف اليهودي لأربع عشرة من شهر ربيع الأول على رأس خمسة عشر شهرا [ (3) ] وذلك أنه كان من بني نبهان بن طيِّئ حليفا لبني قريظة، وأمه من بني النضير، وكان عدوّا للَّه ولرسوله يهجو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ويحرّض عليهم كفار قريش في شعره، ثم خرج إلى مكة بعد بدر فجعل يرثي [قتلى بدر ويحرّض] [ (4) ] قريشا، وعاد إلى المدينة. سبب قتله فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت- في إعلانه الشرّ وقوله الأشعار- وقال: من لي بابن الأشرف فقد آذاني. فقال محمد بن مسلمة: أنا به يا رسول اللَّه، وأنا أقتله، قال: فافعل. وأمره بمشاورة سعد بن معاذ، فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس منهم عباد بن بشر بن وقش بن رغبة بن زعورا ابن عبد الأشهل، وأبو نائلة سلكان بن سلامة والحارث بن أوس [بن معاذ، وأبو عبس بن جبر أحد بني حارثة] [ (5) ] فقالوا: يا رسول اللَّه، نحن نقتله فأذن لنا فلنقل، قال: قولوا [ (6) ] . فأتاه أبو نائلة وهو في نادي قومه- وكان هو ومحمد بن
مسلمة أخويه من الرضاعة- فتحدثا وتناشدا الأشعار حتى قام القوم، فقال له: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاع العيال، فقال كعب: قد كنت أحدثك بهذا أن الأمر سيصير إليه، قال أبو نائلة: ومعي رجال من أصحابي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بها فنبتاع منك طعاما وتمرا، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة، واكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد، قال: لا أذكر منه حرفا، لكن اصدقني، ما الّذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه، قال: سررتني، فماذا ترهنونني! قال الحلقة [ (1) ] ، فرضي. وقام أبو نائلة من عنده على ميعاد. فأتى أصحابه فأجمعوا أن يأتوه إذا أمسى لميعاده، وأخبروا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمشى معهم ووجههم من البقيع [ (2) ] ، وقال: امضوا على بركة اللَّه وعونه، وذلك بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار، فأتوا ابن الأشرف فهتف به أبو نائلة- وكان حديث عهد بعرس [ (3) ]- فوثب ونزل من حصنه إليهم، فجعلوا يتحادثون ساعة، ثم مشوا قبل شرج العجوز [ (4) ] ليتحادثوا بقية ليلتهم، فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب وقال: ما أطيب عطرك هذا!! ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بقرون [ (5) ] رأسه فضربه الجماعة بأسيافهم، ووضع محمد بن مسلمة مغولا [ (6) ] معه في سرة كعب حتى انتهى إلى عانته، فصاح صيحة أسمعت جميع آطام اليهود، فأشعلوا نيرانهم. واحتز الجماعة رأس كعب واحتملوه وأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد قام يصلي ليلته بالبقيع- فلما بلغوه كبروا فكبّر صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: أفلحت الوجوه، فقالوا: ووجهك يا رسول اللَّه. ورموا برأس كعب بين يديه، فحمد اللَّه على قتله، وتفل على جرح الحارث بن أوس، وكان قد جرح ببعض سيوف أصحابه فبرأ من وقته. وأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف فقال: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فخافت اليهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم ولم ينطقوا،
مقتل ابن سنينة
(وخافوا أن يبيّتوا كما بيت ابن الأشرف) [ (1) ] . مقتل ابن سنينة وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة حليفا لحويصّة بن مسعود [قد أسلم] [ (2) ] ، فعدا [أخوه] [ (3) ] محيّصة [بن مسعود] [ (4) ] على ابن سنينة فقتله، فجعل أخوه حويّصة يضربه ويقول: أي عدو اللَّه أقتلته!! أما واللَّه لربّ شحم في بطنك من ماله، فقال محيصة: [فقلت [ (5) ]] واللَّه لو أمرني بقتلك الّذي أمرني بقتله لقتلتك [قال: أو اللَّه لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني؟ قال: نعم، واللَّه لو أمرني بضرب عنقك لضربتها، قال: واللَّه إن دينا بلغ بك هذا لعجب، فأسلم حويّصة] [ (6) ] . فجاءت يهود إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يشكون ذلك [ (7) ] ، فقال: إنه لو فر كما فرّ غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان السيف. ودعاهم أن يكتب [بينه و] [ (8) ] بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه كتابا. وحذرت يهود وخافت وذلت من يوم قتل ابن الأشرف. غزوة ذي أمر بنجد ثم كانت غزوة ذي أمر [ (9) ] بنجد، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم الخميس
خبر دعثور الذي أراد قتل رسول الله
الثامن عشر من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا في قول الواقدي [ (1) ] ، وذكر ابن إسحاق أنها كانت في المحرم سنة ثلاث، ومعه أربعمائة وخمسون، فيهم عدّة أفراس. واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه. وذلك أنه بلغه أن جمعا- من بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وبني محارب بن خصفة بن قيس- بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطرافه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجمعهم دعثور بن الحارث من بني محارب. فأصاب (رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) [ (2) ] رجلا منهم بذي القصة يقال له جبار من بني ثعلبة فأسلم، وسار معهم يدلهم على عورات القوم حتى أهبطهم من كثيب، فهربت الأعراب فوق الجبال، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم ذي أمر، فأصابهم مطر كثير، فذهب صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجته فأصابه المطر فبلّ ثوبه فنزعه ونشره على شجرة ليجف واضطجع تحتها والأعراب تنظر إليه. خبر دعثور الّذي أراد قتل رسول اللَّه فبادر دعثور وأقبل مشتملا على السيف حتى قام على رأس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيف مشهورا وقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ قال: اللَّه. ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقام به على رأسه فقال: من يمنعك مني؟ فقال: لا أحد، وأسلم، وحلف لا يكثّر عليه جمعا أبدا ثم أدبر، فأعطاه سيفه. فأتى قومه ودعاهم إلى الإسلام، وفيه نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (3) ] . وعاد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة فكانت غيبته أحد عشرة ليلة. زواج أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي ربيع الأول هذا تزوج عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه بأم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودخل بها في جمادى الآخرة، رضي اللَّه عنها.
غزوة بني سليم بالفرع
غزوة بني سليم بالفرع ثم كانت غزوة بني سليم ببحران [ (1) ] من ناحية الفرع، خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم في السادس من جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا في ثلاثمائة رجل، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، ولم يظهر وجها، فأغذ [ (2) ] السير، حتى إذا كان دون بحران [ (1) ] بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبره أن القوم افترقوا، فحبسه مع رجل وسار حتى ورد بحران [ (1) ] وليس بها أحد، فأقام أياما ورجع ولم يلق كيدا، وأرسل [ (3) ] الرجل. فكانت غيبته عشر ليالي [ (4) ] . سرية زيد بن حارثة إلى القردة ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى القردة [ (5) ]- وهي أول سرية خرج زيد (ابن حارثة) [ (6) ] فيها أميرا، سار لهلال جمادى الآخرة على رأس سبعة وعشرين شهرا- يريد صفوان بن أمية وقد نكب [ (7) ] عن الطريق- وسلك على جهة العراق يريد الشام بتجارة فيها أموال لقريش، خوفا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعترضها. فقدم نعيم بن مسعود الأشجعي على كنانة بن أبي الحقيق في بني النضير فشرب معه، ومعهم سليط بن النعمان [ (8) ] يشرب، ولم تكن الخمر قد حرّمت، فذكر نعيم خروج صفوان في عيره وما معهم من الأموال، فخرج (سليط) [ (9) ] من ساعته وأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأرسل زيد بن حارثة في مائة راكب فأصابوا العير وأفلت أعيان القوم. فقدموا بالعير فخمسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبلغ الخمس عشرين ألف
زواج حفصة أم المؤمنين
درهم، وقسم ما بقي على أهل السرية، وكان فيمن أسر فرات بن حيان [ (1) ] فأسلم. زواج حفصة أم المؤمنين وفي شعبان من هذه السنة تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهما، وقال أبو عبيد: سنة اثنتين، ويقال: بعد أحد. زواجه زينب أم المساكين وتزوج زينب أم المساكين في رمضان قبل أحد بشهر، وفي نصف رمضان ولد الحسن بن على رضي اللَّه عنهما. غزوة أحد ثم كانت غزوة أحد يوم السبت لسبع خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا [ (3) ] ، وقيل: كانت لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال، وقيل: كانت للنصف منه، وعن مالك بن أنس: كانت بعد بدر بسنة، وعنه أيضا كانت على أحد وثلاثين شهرا من الهجرة، وهي وقعة امتحن اللَّه عز وجل فيها عباده المؤمنين واختبرهم، وميز فيها المؤمنين والمنافقين. ما فيها من دلائل النبوة وكان فيها من دلائل النبوة: تحقيق قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمية بن خلف: بل أنا أقتلك، فقتله، وردّ عين قتادة إلى موضعها بعد سقوطها، غسل الملائكة لحنظلة وظهور ذلك للأنصار، فرأوا الماء يقطر من رأسه رفعا للجنابة التي كانت عليه، وما اعتراهم من النعاس مع قرب العدو منهم وذلك خلاف عادة من انهزم من عدوه،
سبب قتال أحد
واستخلف صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة ابن أم مكتوم. سبب قتال أحد وذلك أنه لما عاد المشركون من بدر إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب من الشام موقوفة في دار الندوة- وكذلك كانوا يصنعون- لم يحركها ولا فرّقها فطابت أنفس أشرافهم أن يجهزوا منها جيشا كثيفا لقتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وباعوها. وكانت ألف بعير، والمال خمسون ألف دينار، وكانوا يربحون في الدينار دينارا، فأخرجوا منها أرباحهم، فنزل فيهم قول اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [ (1) ] . بعثة قريش تستنفر العرب وبعثوا- عمرو بن العاص وهبيرة بن أبي وهب، وابن الزّبعرى، وأبا عزّة عمرو بن عبد اللَّه الجمحيّ الّذي منّ عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر- إلى العرب يستنفرونها، فألبوا العرب وجمعوها. خروج قريش من مكة وخرجوا من مكة ومعهم الظّعن [ (2) ]- وهن خمس عشرة امرأة- وخرج نساء مكة ومعهن الدفوف يبكين قتلى بدر وينحن عليهم. وحشدت بنو كنانة، وعقدوا ثلاثة ألوية، وخرجوا من مكة لخمس مضين من شوال في ثلاثة آلاف [رجل فيهم سبعمائة دارع، ومعهم مائتا فرس] [ (3) ] وثلاثة آلاف بعير وخمس عشرة امرأة. كتاب العباس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتب العباس بن عبد المطلب كتابا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع رجل من بني
خبر أبي عامر الفاسق
غفار يخبره بذلك، فقدم عليه وهو بقباء فقرأه عليه أبيّ بن كعب واستكتم أبيا [ (1) ] . ونزل [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس فقال: واللَّه إني لأرجو أن يكون في ذلك خير [ (3) ] . وقد أرجفت اليهود والمنافقون وشاع الخبر. وقدم عمرو بن سالم الخزاعي في نفر وقد فارقوا قريشا من ذي طوى، فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر وانصرفوا. خبر أبي عامر الفاسق وكان أبو عامر الفاسق قد خرج في خمسين رجلا [من الأوس] [ (4) ] إلى مكة وحرّض قريشا وسار معها وهو يعدها أن قومه يؤازرونهم- واسم أبي عامر هذا عبد عمرو [ (5) ] بن صيفيّ الراهب، وكان رأس الأوس في الجاهلية، وكان مترهبا، فلما جاء الإسلام خذل فلم يدخل فيه، وجاهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعداوة فدعا عليه، فخرج من المدينة إلى مكة، وهمّت قريش وهي بالأبواء أن تنبش قبر آمنة أم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم كفهم اللَّه عنه. بث العيون وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- أنسا ومؤنسا ابني فضالة ليلة الخميس عينين، فاعترضا لقريش بالعقيق [ (6) ] ، وعادا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبراه. ونزل المشركون ظاهر المدينة يوم الأربعاء فرعت إبلهم آثار الحرث والزرع يوم الخميس ويوم الجمعة حتى لم يتركوا خضراء. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحباب بن المنذر بن الجموح فنظر إليهم وعاد وقد حرز عددهم وما معهم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تذكروا من شأنهم حرفا، حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، اللَّهمّ بك أجول وبك أصول. المناوشة قبل أحد وخرج سلمة بن سلامة بن وقش يوم الجمعة فلقى عشرة أفراس طليعة فراشقهم
رؤيا رسول الله وخطبته
بالنّبل والحجارة حتى انكشفوا عنه، وعدا إلى قومه بني عبد الأشهل فأخبرهم ما لقي، وباتت وجوه الأوس والخزرج ليلة الجمعة لست مضين من شوال عليهم السلاح في المسجد بباب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خوفا من بيات [ (1) ] المشركين، وحرست المدينة حتى أصبحوا. رؤيا رسول اللَّه وخطبته ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم رؤيا، فلما أصبح يوم الجمعة واجتمع الناس خطب على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا، رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت كأن سيفي ذا الفقار انقصم [ (2) ] من عند ظبته [ (3) ] ، ورأيت بقرا تذبح، ورأيت كأني مردف كبشا. فقال الناس: يا رسول اللَّه، فما أولتها؟ قال: أما الدرع الحصينة فالمدينة، فامكثوا فيها، وأما انقصام سيفي من عند ظبته فمصيبة في نفسي، وأما البقر المذبح فقتلى في أصحابي، وأما أني مردف كبشا فكبش الكتيبة نقتله إن شاء اللَّه. وفي رواية: وأما انقصام سيفي فقتل رجل من أهل بيتي. وقال: أشيروا عليّ. اختلاف المسلمين في الخروج إلى العدو ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ألا يخرج من المدينة فواقفه عبد اللَّه بن أبيّ والأكابر من الصحابة مهاجرهم وأنصارهم، وقال عليه السلام: امكثوا في المدينة واجعلوا النساء والذراري في الآطام، فإن دخل علينا قاتلناهم في الأزقة- فنحن أعلم بها منهم- ورموا من فوق الصياصي والآطام [ (4) ] . وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن، فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا وطلبوا الشهادة وأحبوا لقاء العدو: اخرج بنا إلى عدونا، وقال حمزة وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك ابن ثعلبة، في طائفة من الأنصار: إنا نخشى يا رسول اللَّه أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر
كراهية رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج
في ثلاثمائة رجل فظفّرك اللَّه عليهم، ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو اللَّه به، فساقه اللَّه إلينا في ساحتنا. كراهية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للخروج ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما يرى من إلحاحهم كاره، وقد لبسوا السلاح. وقال حمزة: والّذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم [ (1) ] بسيفي خارجا من المدينة، وكان يوم الجمعة صائما ويوم السبت صائما. وتكلم مالك ابن سنان والد أبي سعيد الخدريّ، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، وإياس بن أوس ابن عتيك، في معنى الخروج للقتال. فلما أبوا إلا ذلك صلى [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجمعة بالناس وقد وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس بالشخوص [ (3) ] إلى عدوهم، وكره ذلك المخرج كثير. ثم صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر بالناس وقد حشدوا، وحضر أهل العوالي [ (4) ] ورفعوا النساء في الآطام: ودخل صلّى اللَّه عليه وسلّم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما فعمماه ولبساه. وقد صف الناس له ما بين حجرته إلى منبره. خبر ندامة المسلمين على استكراههم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم للخروج فجاء سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا للناس: قلتم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قلتم واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء، فردوا الأمر إليه فما أمركم فافعلوه، وما رأيتم فيه له هوى أو رأي فأطيعوه، فبينا هم على ذلك إذ خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد لبس لأمته [ (5) ] ، ولبس الدرع فأظهرها وحزم وسطها بمنطقة (من أدم) [ (6) ] من حمائل سيف، واعتم وتقلد السيف، فقال الذين يلحون: يا رسول اللَّه، ما كان لنا أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، فقال: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه، انظروا ما أمرتكم به فاتبعوه، امضوا على اسم اللَّه فلكم
الألوية يوم أحد
النصر ما صبرتم. ووجد مالك بن عمرو النّجّاري [ (1) ]- وقيل بل هو محرز بن عامر بن مالك ابن عدي بن عامر بن غنم بن عدي النجار، وهو قول ابن الكلبي- قد مات، ووضعوه عند موضع الجنائز فصلّى عليه. الألوية يوم أحد ثم دعا بثلاثة أرماح فعقد ثلاثة ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج إلى حباب بن المنذر بن الجموح- ويقال إلى سعد بن عبادة- ودفع لواء المهاجرين إلى على بن أبي طالب، ويقال: إلى مصعب بن عمير [ (2) ] رضي اللَّه عنهم. ثم ركب فرسه وتقلد القوس وأخذ قباءه [ (3) ] بيده. والمسلمون عليهم السلاح فيهم مائة دارع، وخرج السعدان أمامه يعدوان- سعد بن عبادة وسعد بن معاذ- والناس عن يمينه وشماله، حتى انتهى إلى رأس الثنية. كتيبة عبد اللَّه بن أبي وحلفاؤه من يهود [حتى إذا كان بالشيخين التفت فنظر إلى] [ (4) ] كتيبة خشناء لها زجل [ (5) ] فقال: ما هذه؟ فقالوا: هؤلاء حلفاء عبد اللَّه بن أبي بن سلول من يهود، فقال: لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك، ومضى فعسكر بالشيخين [ (6) ]- وهما أطمان-، والمشركون بحيث يرونه، فاستعدوا لحربه، وهمّ بنو سلمة وبنو حارثة ألا يخرجوا إلى أحد ثم خرجا. خيل المسلمين وكان المسلمون ألفا فيهم مائة دارع، وفرسان: أحدهما لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
عرض الغلمان وردهم عن القتال
والآخر لأبي بردة بن نيار. عرض الغلمان وردّهم عن القتال وعرض عليه غلمان: عبد اللَّه بن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، والنعمان بن بشير، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب (وعمرو بن حزم) [ (1) ] ، وأسيد بن ظهير، وعرابة بن أوس، وأبو سعيد الخدريّ، (وسعد بن حبتة الأنصاري) [ (2) ] ، وسمرة بن جندب، ورافع بن خديج، فردّهم، ثم أجاز رافع بن خديج لأنه رام، فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مري بن سنان: أجاز رسول اللَّه رافع بن خديج وردّني وأنا أصرعه، فأعلم بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تصارعا، فصرع سمرة رافعا فأجازه، ونزل عبد اللَّه بن أبيّ ناحية. الحرس والأدلاء فلما فرغ العرض وغابت الشمس، أذّن بلال بالمغرب، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه، ثم أذّن بالعشاء فصلى بهم، واستعمل على الحرس محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر. وقال حين صلى العشاء: من يحفظنا الليلة؟ فقام ذكوان بن عبد قيس فلبس درعه وأخذ درقته، فكان يطيف بالعسكر ليلته، ويقال: بل كان يحرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يفارقه. ونام صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى [ (3) ] كان السحر قال: أين الأدلاء؟ من رجل يدلنا على الطريق [و] [ (4) ] يخرجنا على القوم من كثب؟ فقام أبو حثمة الحارثي، ويقال: أوس بن قيظي، ويقال: محيصة، وأبو حثمة أثبت- فقال: أنا يا رسول اللَّه.
نبوءة رسول الله بسل السيوف
نبوءة رسول اللَّه بسل السيوف فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم فركب فرسه فسلك به في بني حارثة، فذبّ فرس أبي بردة بن نيار بذنبه فأصاب كلّاب [ (1) ] سيفه فسل سيفه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا صاحب السيف، شم شيفك، فإنّي إخال السيوف ستسلّ فيكثر سلها [ (2) ] . ولبس من الشيخين درعا واحدة حتى انتهى إلى أحد، فلبس درعا أخرى ومغفرا وبيضة فوق المغفر، ولما نهض صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشيخين زحف المشركون على تعبئة، وقد رأس فيهم أبو سفيان صخر بن حرب لعدم أكابرهم الذين قتلوا ببدر، ووافى عليه السلام أحدا وقد حانت الصلاة وهو يرى المشركين، فأذن بلال وأقام، وصلى عليه السلام بأصحابه الصبح صفوفا. انخزال ابن أبي ورجوعه وانخزل [ (3) ] ابن أبيّ في كتيبة وهو يقول: أيعصيني ويطيع الولدان؟ حتى عاد إلى المدينة ومعه ثلاثمائة، فبقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سبعمائة، وذكر له قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود فأبي [ (4) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك ومن أن يستعين بمشرك. تعبئة جيش المسلمين وصفّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه وجعل الرماة خمسين رجلا، عليهم عبد اللَّه ابن جبير، [ويقال: بل جعل عليهم سعد بن أبي وقاص، وابن جبير أثبت] [ (5) ] ، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو
تعبئة المشركين يوم أحد
الغنوي [ (1) ] ، وجعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة. تعبئة المشركين يوم أحد وأقبل المشركون: على ميمنتهم خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل، ولهم مجنّبتان مائتا فارس، وعلى الخيل صفوان بن أمية، ويقال: عمرو ابن العاص، وعلى رماتهم- وكانوا مائة- عبد اللَّه بن أبي [ (2) ] ربيعة. ودفعوا لواءهم إلى طلحة بن أبي طلحة: واسمه عبد اللَّه بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار ابن قصيّ. تسوية صفوف المسلمين ومشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رجليه يسوي الصفوف حتى كأنما يقوّم بها القداح، إن رأى صدرا خارجا قال: تأخر. فلما استوت دفع اللواء إلى مصعب ابن عمير فتقدم به بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد ثم قام فخطب الناس فقال: يا أيها الناس: أوصيكم بما أوصاني اللَّه في كتابه من العمل بطاعته والتناهي عن محارمه. ثم إنكم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الّذي عليه ثم وطّن نفسه له على الصبر واليقين والجدّ والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه [ (3) ] ، قليل من يصبر عليه إلا من عزم اللَّه له رشده، فإن اللَّه مع من أطاعه، وإن الشيطان مع من عصاه، فافتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم اللَّه. وعليكم بالذي أمركم به، فإنّي حريص على رشدكم، وإن الاختلاف والتنازع والتثبط من أمر العجز والضعف مما لا يحب اللَّه ولا يعطي عليه النصر ولا الظفر. يا أيها الناس: حدد في صدري [ (4) ] أن من كان على حرام فرّق اللَّه بينه وبينه ورغب له عنه غفر اللَّه له ذنبه، ومن صلى عليّ صلى اللَّه عليه وملائكته عشرا،
أول من أنشب الحرب
ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على اللَّه في عاجل دنياه أو آجل آخرته، ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبدا مملوكا، ومن استغنى عنها [ (1) ] استغنى اللَّه عنه، واللَّه غني حميد. ما أعلم من عمل يقربكم إلى اللَّه إلا وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه، وإنه قد نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها، لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها، فاتقوا اللَّه ربكم، وأجملوا في طلب الرزق، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية ربكم، فإنه لا يقدر ما عنده إلا بطاعته. قد بين لكم الحلال والحرام، غير أن بينهما شبها [ (2) ] من الأمر لا يعلمها كثير من الناس إلا من عصم اللَّه، فمن تركها حفظ عرضه ودينه، ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أو شك أن يقع فيه، وليس ملك إلا وله حمى، ألا وإن حمى اللَّه محارمه. والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى [ (3) ] تداعى إليه سائر الجسد [ (4) ] ، والسلام عليكم. أول من أنشب الحرب وأول من أنشب الحرب أبو عامر. طلع في خمسين من قومه مع عبيد قريش فنادى: يا للأوس، أنا أبو عامر، فقالوا: لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق! فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر! فتراموا بالحجارة ساعة حتى ولّى. ودعا طلحة ابن أبي طلحة إلى البراز فبرز له علي رضي اللَّه عنه فقتله، فكبر المسلمون وسرّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتله: فإنه هو كبش الكتيبة. نساء المشركين وغناؤهم وكانت نساء المشركين- قبل التقاء الجمعين- أمام صفوفهم يضربن بالأكبار والدّفاف والغرابيل، ثم يرجعن فيكن في مؤخر الصف، فإذا دنا القوم بعضهم من بعض تأخر النساء وقمن خلف الصفوف: فجعلن كلما ولّى رجل حرضنه وذكرنه
خبر قزمان
قتلاهم ببدر، ويقلن: نحن بنات طارق ... نمشي على النّمارق [ (1) ] إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق فراق غير وامق وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سمع قولهن قال: اللَّهمّ إني بك أجول وأصول، وفيك أقاتل، حسبي اللَّه ونعم الوكيل، ويقال: إن هندا قامت في النسوة يضربن بالدفوف وتقول: ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأديار ضربا بكل بتار وتقول: نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق [إلى آخره.. النمارق، جمع نمرقة بضم النون والراء، وربما كسرت النون، حكاه يعقوب: وهي الوسائد، وقد تسمى الطنفسة التي فوق الرحل نمرقة، ويقال في قولها: «نحن بنات طارق» : إنما أرادت بنات الأمر الواضح المضيء كإضاءة النجم، وذلك من قوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ] . خبر قزمان وكان قزمان [ (2) ] يعرف بالشجاعة وقد تأخر، فعيرته نساء بني ظفر فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يسوي الصفوف حتى انتهى إلى الصف الأول، فكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلا كأنها الرماح، ويكت كتيت [ (3) ]
خبر الرماة يوم أحد
الجمل، ثم فعل بالسيف الأفاعيل حتى قتل سبعة، وأصابته جراحة فوقع، فناداه قتادة بن النعمان، أبا الغيداق، هنيئا لك الشهادة! فقال: إني واللَّه ما قاتلت يا أبا عمرو على دين، ما قاتلت إلى على الحفاظ [ (1) ] أن تسير إلينا قريش حتى تطأ سعفنا [ (2) ] ، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه. فذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أهل النار، إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. خبر الرماة يوم أحد وتقدم صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الرماة فقال: احموا لنا ظهورنا، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا، والزموا مكانكم لا تبرحوا منه، وإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدافعوا عنا، اللَّهمّ إني أشهدك عليهم. وأرشقوا خيلهم بالنبل، فإن الخيل لا تقدم [ (3) ] على النبل. وكان الرماة تحمي ظهور المسلمين، ويرشقون خيل المشركين بالنبل فلا تقع إلا في فرس أو رجل فتولي الخيل هوارب. وشدّ المسلمون على كتائب المشركين فجعلوا يضربون حتى اختلت صفوفهم. حملة لواء المشركين ومصارعهم [وحمل لواءهم بعد طلحة ابنه أبو شيبة عثمان بن طلحة] [ (4) ] فحمل عليه حمزة فقتله، فحمله أخوه أبو سعد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله. فحمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله. فحمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم فقتله. فنذرت أمهم سلافة بنت سعد بن الشّهيد- وكانت مع نساء المشركين- أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر، وجعلت لمن جاء به مائة من الإبل. ثم تداول حمل لوائهم عدّة، وكلهم يقتلون، وقال
الزبير بن بكار: حدثني أبو الحسن الأثرم، عن أبي عبيدة، قال: كان لواء المشركين يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار فقتله عليّ ابن أبي طالب رضي اللَّه عنه. وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط السّلميّ ثم البهزي [بزاي] [ (1) ] : للَّه أيّ مذبّب عن حرمة ... أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا جادت يداك لهم بعاجل طعنة ... فتركت طلحة للجبين مجدّلا وشددت شدّة باسل فكشفتهم ... بالجرّ إذ يهوون أخول أخولا وعللت سيفك بالدماء ولم تكن ... لتردّه حران [ (2) ] حتى ينهلا قال: ثم أخذ اللواء بعد طلحة أخوه أبو سعد بن أبي طلحة فقتله سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه، ثم أخذ اللواء أخوهما عثمان بن أبي طلحة وهو أبو شيبة، فقتله حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، ثم أخذ اللواء مسافر بن طلحة بن أبي طلحة، فقتله عاصم [بن ثابت] [ (3) ] بن أبي الأقلح، رماه فلما أحسّ بالموت دفع اللواء إلى أخيه الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فرماه أيضا عاصم [بن ثابت [ (2) ]] ابن أبي الأقلح، فلما أحس الموت دفع اللواء إلى أخيه كلاب بن طلحة فقتله قزمان عديد [ (4) ] بني ظفر من الأنصار، ثم أخذ اللواء الحارث بن أبي طلحة فقتله قزمان،
فأخذ اللواء ارطأة بن شرحبيل [ (1) ] بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار فقتله مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار صاحب لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قتل مصعب بن عمير. ثم أخذ لواء المشركين أبو يزيد بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار فقتله قزمان أيضا. ثم أخذ اللواء القاسط بن شريح [ (2) ] ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار فقتله قزمان أيضا. فذلك عشرة، وقيل: سبعة من صليبتهم مشركون قتلوا يوم أحد. ثم أخذ اللواء «صؤاب» غلام لهم حبشي، فقالوا له: [لا] [ (3) ] نؤتينّ من قبلك، فقطعت يمينه فأخذ اللواء بشماله، فقطعت فالتزم القناة، وقال [ (4) ] : قضيت ما عليّ؟ قالوا: نعم، فرماه قزمان فقتله. ووقع اللواء فتفرق المشركون، فأخذت اللواء عمرة بنت علقمة الحارثية، [قال الكلبي: عمرة بنت الحارث بن الأسود بن عبد اللَّه بن عامر بن عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة] فأقامته، فتراجع المشركون فقال حسان ابن ثابت رضي اللَّه عنه، يعير بني مخزوم بالفرار، ويذكر صبر بني عبد الدار: صلي البأس منهم إذ فررتم ... عصبة من بني قصي صميم عمرة تحمل اللواء وطارت ... في رعاع من القنا مخزوم لم تطق حمله الزعانف منهم ... إنما يحمل اللواء النجوم وقال في صؤاب [ (5) ] :
عصيان الرماة ودولة الحرب على المسلمين
فخرتم باللواء وشرّ فخر ... لواء حين ردّ إلى صؤاب جعلتم فخركم فيه لعبد ... لألأم من مشى فوق التراب وقال في إقامة الحارثية اللواء، وفي سياق الأحابيش معهم [ (1) ] : إذا عضل [ (2) ] سيقت إلينا كأنهم ... جداية شرك معلمات الحواجب أقمنا لهم ضربا مبيرا منكلا ... وحزناهم بالطعن من كل جانب ولولا لواء الحارثية أصبحوا ... يباعون في الأسواق بيع الجلائب [ (3) ] وقال أبو عبيدة فيما سمع من علي: أقمنا لكم ضربا طلخفا [ (4) ] منكّلا ... وحزناكم بالطعن من كل جانب عصيان الرماة ودولة الحرب على المسلمين وما ظفر اللَّه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موطن قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد حتى عصوا الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وتنازعوا في الأمر. لقد قتل أصحاب اللواء، وانكشف المشركون منهزمين لا يلوون، ونساؤهم يدعون بالويل بعد ضرب الدفاف والفرح، ولكن المسلمين أتوا من قبل الرماة، فإن المشركين لما انهزموا وتبعهم المسلمون: يضعون السلاح فيهم حيث شاءوا، ووقعوا ينتهبون عسكرهم، قال بعض الرماة لبعض: لم [ (5) ] تقيمون هاهنا في غير شيء؟ قد هزم اللَّه العدوّ وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم! فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم. فقال بعضهم: ألم تعلموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لكم: احموا ظهورنا، ولا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا. فقال
قولهم إن محمدا قتل، وانتقاض صفوف المسلمين
الآخرون: لم يرد رسول اللَّه هذا. وانطلقوا، فلم يبق منهم مع أميرهم عبد اللَّه ابن جبير إلا دون العشرة، وذهبوا إلى عسكر المشركين ينتهبون، وكانت الريح أول النهار صبا فصارت دبورا، وبينا المسلمون قد شغلوا بالنهب والغنائم، إذ دخلت الخيول تنادي فرسانها بشعارهم: يا للعزى [يا لهبل] [ (1) ] ، ووضعوا في المسلمين السيوف وهم آمنون، وكل منهم في يده أو حضنه شيء قد أخذه، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرق المسلمون في كل وجه، وتركوا ما انتهبوا، وخلوا من أسروا، وكرّ خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل في الخيل إلى موضع الرماة، فرماهم عبد اللَّه بن جبير بمن معه حتى قتل، فجردوه ومثل به أقبح المثل [ (2) ] ، وكانت الرماح قد شرعت في بطنه حتى خرقت ما بين سرته إلى خاصرته إلى عانته وخرجت حشوته [ (3) ] . وجرح عامة من كان معه، وانتقضت صفوف المسلمين. قولهم إن محمدا قتل، وانتقاض صفوف المسلمين ونادى إبليس عند جبل عينين [ (4) ]- وقد تصور في صورة جعال بن سراقة-: إن محمدا قد قتل: ثلاث صرخات، فما كانت دولة أسرع من دولة المشركين [ (5) ] . اختلاط الأمر على المسلمين، فيقتل بعضهم بعضا واختلط المسلمون وصاروا يقتلون، ويضرب بعضهم بعضا، ما يشعرون من العجلة والدّهش، وجرح أسيد بن حضير جرحين ضربه أحدهما أبو بردة [بن نيار] [ (6) ] وما يدري، وضرب أبو زعنة [ (7) ] أبا بردة ضربتين وما يشعر والتقت أسياف المسلمين على اليمان [حسيل بن جابر] وهم لا يعرفونه حين اختلطوا، وحذيفة يقول: أبي، أبي!! حتى قتل. فقال حذيفة: يغفر اللَّه لكم وهو أرحم
تفرق المسلمون ثم البشرى بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الراحمين. فزادته عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، وأمر رسول اللَّه بديته أن تخرج، فتصدق حذيفة بن اليمان بديته على المسلمين. ويقال: إن الّذي أصابه عتبة بن مسعود. وأقبل الحباب بن المنذر بن الجموح يصيح: يا آل سلمة!، فأقبلوا إليه عنقا [ (1) ] واحدة: لبيك داعي اللَّه!! فيضرب يومئذ جبّار بن صخر في رأسه وما يدري، حتى أظهروا الشعار بينهم [ (2) ] فجعلوا يصيحون: أمت أمت! فكف بعضهم عن بعض، وقتل مصعب بن عمير وبيده اللواء، فقتله ابن قميئة واسمه عمرو، وقيل: عبد اللَّه. تفرق المسلمون ثم البشرى بسلامة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفرق المسلمون في كل وجه، وأصعدوا في الجبل لما نادى الشيطان: قتل محمد! فكان أول من بشرهم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سالما كعب بن مالك، فجعل يصيح ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشير إليه بإصبعه على فيه: أن اسكت. ودعا بلأمة كعب- وكانت صفراء أو بعضها- فلبسها ونزع لأمته فلبسها كعب. وقاتل كعب حتى جرح سبعة عشر جرحا لشدة قتاله. وصار أبو سفيان بن حرب يقول: يا معشر قريش أيكم قتل محمدا؟ فقال ابن قميئة: أنا قتلته! قال: نسوّرك [ (3) ] كما تفعل الأعاجم بأبطالها [ (4) ] . وجعل يطوف بأبي عامر الفاسق في المعرك، هل يرى محمدا؟ وتصفح القتلى فقال: ما نرى مصرع محمد، كذب ابن قميئة. ولقي خالد ابن الوليد فقال: هل تبين عندك قتل محمد؟ قال: رأيته قبل في نفر من أصحابه مصعدين في الجبل. قال [أبو سفيان] [ (5) ] هذا حق، كذب ابن قميئة، زعم أنه قتله.
نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إليه
نداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين إليه وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد انكشف الناس إلى الجبل وهم لا يلوون عليه- يقول: إليّ يا فلان، إلي يا فلان، أنا رسول اللَّه! فما عرّج واحد عليه. هذا، والنبل يأتيه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كل ناحية وهو في وسطها واللَّه يصرفها عنه. وعبد اللَّه بن شهاب الزهريّ يقول: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا! ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن جنبه ما معه أحد. ثم جاوزه عبد للَّه بن شهاب فلقي صفوان بن أمية [ (1) ] فقال له: ترحت [ (2) ] ! ألم يمكنك أن تضرب محمدا فتقطع هذه الشأفة [ (3) ] ، فقد أمكنك اللَّه منه؟ قال: وهل رأيته؟ قال: نعم! إنه إلى جنبك، قال: واللَّه ما رأيته! أحلف [ (4) ] أنه منا ممنوع، خرجنا أربعة تعاهدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك. أمر المسلمين بعد الهزيمة وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما انكشف المسلمون لم يبق معه إلا نفير [ (5) ] ، فأحدق به أصحابه من المهاجرين والأنصار، وانطلقوا به إلى الشعب وما للمسلمين لواء قائم ولا فئة ولا جمع، وإن كتائب المشركين لتحوشهم [ (6) ] مقبلة ومدبرة في الوادي يلتقون ويفترقون: ما يرون أحدا من الناس يردهم، ثم رجعوا نحو معسكرهم واشتوروا [ (7) ] في المدينة وفي طلب المسلمين، فبينا هم على ما هم فيه إذ طلع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أصحابه: فكأنهم لم يصبهم شيء حين رأوه سالما. ما نال المشركون من المسلمين وكان ابن قميئة- لما قتل مصعب بن عمير وسقط اللواء من يده- ابتدره رجلان من بني عبد الدار: سويبط بن حرملة وأبو الروم فأخذه أبو الروم فلم يزل في يده حتى دخل به المدينة حين انصرف المسلمون. ويقال: بل دفعه رسول اللَّه
من ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين في أحد
صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه. واقتتل الفريقان على الاختلاط من الصفوف، ونادى المشركون بشعارهم [يا للعزى، يا آل هبل] [ (1) ] فأوجعوا في المسلمين قتلا ذريعا، ونالوا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما نالوا. ولم يزل صلّى اللَّه عليه وسلّم شبرا واحدا بل وقف في وجه العدو، وأصحابه تثوب إليه مرة منهم طائفة، وتتفرق عنه مرة، وهو يرمي عن قوسه أو بحجر حتى تحاجزوا. من ثبت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسلمين في أحد وثبت معه خمسة عشر رجلا [ (2) ] : سبعة من المهاجرين هم: أبو بكر، وعمر، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد اللَّه، وأبو عبيدة بن الجراح، والزبير بن العوام، ومن الأنصار سبعة: الحباب بن المنذر، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وأسيد بن حضير، وسعد بن معاذ. ويقال: ثبت سعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة: فيجعلونهما مكان أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ. المبايعون على الموت وبايعه يومئذ على الموت ثمانية: ثلاثة من المهاجرين هم: علي، والزبير، وطلحة، وخمسة من الأنصار هم: أبو دجانة، والحارث بن الصمة، وحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، وسهل بن حنيف، فلم يقتل منهم أحد يومئذ، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعوهم في أخراهم [حتى انتهى من انتهى منهم إلى قريب من دون المهراس] [ (3) ] ويقال: ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلهم يقول: وجهي دون وجهك، ونفسي دون نفسك، وعليك السلام غير مودّع [ (4) ] .
خبر المدافعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خبر المدافعين عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما لحمه القتال [ (1) ] وخلص إليه، ذبّ عنه مصعب ابن عمير، وأبو دجانة حتى كثرت به الجراحة، فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رجل يشري [ (2) ] نفسه؟ فوثب فتية من الأنصار خمسة، منهم عمارة بن زيادة بن السكن فقاتل حتى أثبت وفاءت [ (3) ] فئة من المسلمين فقاتلوا حتى أجهضوا أعداء اللَّه. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمارة بن زياد: أدن منّي، إليّ إليّ! حتى وسّده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قدمه- وبه أربعة عشر جرحا- حتى مات. وجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ يذمّر [ (4) ] الناس ويحضهم على القتال. وكان رجال من المشركين قد أذلقوا [ (5) ] المسلمين بالرّمي، منهم حبان بن العرقة وأبو أسامة الجشمي، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لسعد بن أبي وقاص: إرم فداك أبي وأمي. خبر حبان بن العرقة وأم أيمن ورمى حبان بن العرقة بسهم فأصاب ذيل أم أيمن- وقد جاءت تسقي الجرحى- فانكشف عنها فاستغرب [ (6) ] في الضحك، فشق ذلك على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدفع إلى سعد بن أبي وقاص سهما لا نصل له فقال: إرم، فوقع السهم في نحر حبّان فوقع مستلقيا وبدت عورته، فضحك صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه، ثم قال: استقاد [ (7) ] لها سعد! أجاب اللَّه دعوتك وسدد رميتك. وكان مالك بن زهير [ (8) ]- أخو أبي سلمة [ (9) ] الجشمي- هو وحبان بن العرقة قد أكثرا [ (10) ] في المسلمين القتل بالنبل، فرمى سعد بن أبي وقاص مالكا أصاب السهم عينه حتى خرج من قفاه فقتله، ورمى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قوسه حتى صارت شظايا فأخذها قتادة بن النعمان فلم تزل عنده.
خبر عين قتادة
خبر عين قتادة وأصيبت عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذها وردها فعادت كما كانت، ولم تضرب عليه بعدها. وكان يقول بعد ما أسنّ: هي أقوى عينيّ! وكانت أحسنهما. مباشرته صلّى اللَّه عليه وسلّم القتال وباشر صلّى اللَّه عليه وسلّم القتال ورمى بالنبل حتى فنيت نبله، وتكسرت سية [ (1) ] قوسه. وقبل ذلك ما انقطع وتره وبقيت في يده قطعة تكون شبرا في سية القوس، فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتر [ (2) ] له فقال: يا رسول اللَّه، لا يبلغ الوتر، فقال مدّه يبلغ! قال عكاشة: فو الّذي بعثه بالحق، لمددته حتى بلغ وطويت منه ليتين أو ثلاثا على سية القوس، ثم أخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم قوسه فما زال يرام القوم- وأبو طلحة يستره مترسا عنه- حتى تحطمت القوس. خبر أبي طلحة وكان أبو طلحة قد نثر كنانته- وفيها خمسون سهما- بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان راميا وكان صيّتا [ (3) ]- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صوت أبي طلحة في الجيش خير من أربعين رجلا، فلم يزل يرم بها ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خلفه بين رأسه ومنكبه ينظر إلى مواقع النّبل حتى فنيت نبله وهو يقول: نحري دون نحرك جعلني اللَّه فداك. فإن كان صلّى اللَّه عليه وسلّم ليأخذ العود من الأرض فيقول: ارم أبا طلحة! فيرمي بها سهما جيدا. سبب تسميته أبا رهم المنحور ورمى يومئذ أبو رهم الغفاريّ بسهم فوقع في نحره، فبصق عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبرأ، وسمّي بعد ذلك المنحور.
المتعاهدون من قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
المتعاهدون من قريش على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان أربعة من قريش قد تعاهدوا وتعاقدوا على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعرفهم المشركون بذلك، وهم: عبد اللَّه بن شهاب، وعتبة بن أبي وقاص، وعمرو بن قميئة، وأبي بن خلف [وزاد بعضهم [ (1) ] وعبد اللَّه بن حميد بن زهير بن الحارث ابن أسد بن عبد العزى بن قصي] . خبر ما أصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجراحة يوم أحد ورمى عتبة يومئذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأربعة أحجار فكسر رباعيته، أشظى [ (2) ] باطنها اليمنى السفلى، وشج في وجنتيه حتى غاب حلق المغفر [ (3) ] في وجنته، وأصيبت ركبتاه: جحشتا [ (4) ] ، وكانت حفر حفرها أبو عامر كالخنادق يكيد بها المسلمين، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا على بعضها ولا يشعر به. والثبت أن الّذي رمى وجنته صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن قميئة، والّذي رمى شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص. وأقبل ابن قميئة- وهو يقول: دلوني على محمد، فو الّذي يحلف به [ (5) ] لئن رأيته لأقتلنه- فعلاه بالسيف، ورماه عتبة بن أبي وقاص مع تجليل [ (6) ] السيف- وكان عليه درعان. فوقع صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحفرة التي أمامه على جنبه فجحشت ركبتاه، ولم يصنع سيف ابن قميئة شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف فقد وقع لها صلّى اللَّه عليه وسلّم وانتهض، وطلحة يحمله من ورائه، وعليّ آخذ بيده حتى استوى قائما. ويقال: الّذي شج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جبهته ابن شهاب، والّذي أشظي رباعيته وأدمى شفتيه عتبة ابن أبي وقاص، والّذي دمّى وجنتيه حتى غاب الحلق في وجنته ابن قميئة وسال الدم من شجته التي [ (7) ] في جبهته حتى أخضل الدم لحيته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان سالم مولى أبي حذيفة رضي اللَّه عنه يغسل الدم من وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول:
نزع الحلق من وجنته صلى الله عليه وسلم
كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ وهو يدعوهم إلى اللَّه عز وجل، فأنزل اللَّه تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [ (1) ] وقال: اشتد غضب اللَّه [ (2) ] على قوم دمّوا فا [ (3) ] رسول اللَّه، اشتد غضب اللَّه على قوم دمّوا وجه رسول اللَّه، اشتد غضب اللَّه على رجل قتله رسول اللَّه، وقال: اللَّهمّ لا يحولنّ الحول على أحد منهم! فما حال الحول على أحد ممن رماه أو جرحه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فمات عتبة، وقتل ابن قميئة في المعركة. ويقال بل رمي بسهم فأصاب مصعب ابن عمير رضي اللَّه عنه قتله، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما له أقمأه اللَّه؟ فعمد إلى شاة يحتلبها فنطحته بقرنها وهو معتقلها فقتلته فوجد ميتا بين الجبال. وكان عدو اللَّه قد رجع إلى قومه فأخبرهم أنه قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وهو رجل من بني الأدرم [ (4) ] من بني فهر] وأقبل عبد اللَّه بن حميد بن زهير- حين رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على تلك الحال- يركض فرسه مقنعا في الحديد يقول: أنا ابن زهير! دلوني على محمد، فو اللَّه لأقتلنه أو لأموتن دونه. فقال له أبو دجانة: هلم إلى من يقي نفس محمد بنفسه. وضرب فرسه عرقبها [ (5) ] ثم علاه بالسيف فقتله، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إليه ويقول: اللَّهمّ ارض عن أبي خرشة كما أنا عنه راض، وكان أبو دجانة قد ترّس عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظهره، ونبل يقع فيه وهو لا يتحرك، رضي اللَّه عنه. نزع الحلق من وجنته صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما أصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أصاب أقبل أبو بكر رضي اللَّه عنه يسعى، فوافاه طلحة بن عبيد اللَّه، وبدر [ (6) ] أبو عبيدة بن الجراح فأخذ بثنيته حلقة المغفر فنزعها وسقط على ظهره وسقطت ثنيته، ثم أخذ الحلقة الأخرى [فكان أبو عبيدة في الناس أثرم [ (7) ]] ويقال: إن الّذي نزع الحلقتين من وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقبة ابن وهب بن كلدة، ويقال: أبو اليسر، وأثبت ذلك: عقبة بن وهب، فيما ذكره الواقدي [ (8) ] . وقال غيره: الصحيح أن أبا عبيدة بن الجراح وعقبة بن وهب
مسح فاطمة الدم عن وجهه صلى الله عليه وسلم
عالجاها حتى طارت ثنيتا أبي عبيدة في معالجته لهما، فكان أحسن أهتم خلق. ولما نزعتا جعل الدم يسيل، فجعل مالك بن سنان [وهو والد أبي سعيد الخدريّ] يملج الدم بفيه ثم ازدرده [ (1) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه دمي فلينظر إلى مالك بن سنان. وقيل له: تشرب الدم؟ فقال نعم! أشرب دم رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من مسّ دمه دمي لم تصبه النار. مسح فاطمة الدم عن وجهه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخرجت فاطمة عليها السلام في نساء، فلما رأت الّذي بوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتنقته وجعلت تمسح الدم عن وجهه، وذهب علي رضي اللَّه عنه يأتي بماء وقال لفاطمة: أمسكي هذا السيف غير ذميم فأتى بماء في مجنه [ (2) ] فأراد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يشرب منه- وكان قد عطش- فلم يستطع، ووجد ريحا من الماء كرهها فقال: هذا ماء آجن [ (3) ] ، فمضمض منه فاه للدم الّذي فيه، وغسلت فاطمة عن أبيها الدم، ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم سيف علي مختضبا فقال: إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وسيف أبي دجانة غير مذموم. النساء يحملن الطعام ويسقين الجرحى وخرج محمد بن مسلمة يطلب مع النساء ماء- وكن قد جئن أربع عشرة امرأة منهن فاطمة عليها السلام، يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى، ويداوينهم [ (4) ] . ومنهن أم سليم بنت ملحان، وعائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها على ظهورهما القرب، ومنهن حمنة بنت جحش وكانت تسقي العطشى وتداوي الجرحى، ومنهن أم أيمن تسقي الجرحى- فلم يجد محمد بن مسلمة عند النساء ماء. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عطش عطشا شديدا، فذهب محمد إلى قناة حتى استفى من حسي [ (5) ] ، فأتى بماء عذب فشرب منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعا له
دواء جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم
بخير. وجعل الدم لا ينقطع، وجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لن ينالوا منا مثلها حتى تستلموا الركن. دواء جرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما رأت فاطمة الدم لا يرقأ [ (1) ]- وهي تغسله وعلي يصب الماء عليها بالمجنّ، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا، ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم، ويقال: داوته بصوفة محترقة. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد يداوي الجرح في وجهه بعظم بال حتى يذهب أثره. ومكث يجد وهن ضربة ابن قميئة على عاتقه شهرا أو أكثر من شهر. قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبي بن خلف وأقبل يومئذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى [إذا] [ (2) ] دنا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعترض له ناس من المسلمين ليقتلوه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: استأخروا عنه! وقام وحربته في يده فرماه بها بين سابغة [ (3) ] البيضة والدرع فطعنه [ (4) ] هناك، فوقع عن فرسه وكسر ضلع من أضلاعه، فاحتملوه فمات- لما ولوا [قافلين] [ (5) ]- بالطريق، وفيه نزلت: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (6) ] وكان أبيّ بن خلف قدم المدينة في فداء ابنه وقد أسر يوم بدر، فقال: يا محمد! إن عندي فرسا أجلها فرقا [ (7) ] من ذرة كل يوم أقتلك عليها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه. ويقال: قال ذلك بمكة فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمته بالمدينة فقال: أنا أقتله عليها إن شاء اللَّه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم في القتال لا يلتفت وراءه، فكان يقول لأصحابه: إني أخشى أن يأتي أبيّ بن خلف من خلفي فإذا رأيتموه فآذوني، فإذا بأبيّ يركض على فرسه، وقد رأى رسول اللَّه فعرفه، فجعل يصيح بأعلى صوته:
قتل عثمان بن عبد الله المخزومي
يا محمد، لا نجوت إن نجوت! فقال القوم: يا رسول اللَّه! ما كنت صانعا حين يغشاك، فقد جاءك! وإن شئت عطف عليه بعضنا. فأبى صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودنا أبيّ، فتناول صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، [ويقال: من الزبير بن العوام] ، ثم انتفض [بأصحابه] [ (1) ] كما ينتفض البعير، فتطاير عنه أصحابه- ولم يكن أحد يشبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جد الجد- ثم أخذ الحربة فطعنه بها في عنقه وهو على فرسه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامر! واللَّه ما بك بأس، ولو كان هذا الّذي بك بعين أحدنا ما ضره! فيقول: لا واللات والعزى، ولو كان هذا الّذي بي بأهل [ذي] [ (1) ] المجاز لماتوا أجمعون! أليس قال: لأقتلنك؟ فاحتملوه، وشغلهم ذلك عن طلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعظم أصحابه في الشعب. وقال عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه: مات أبيّ بن خلف ببطن رابغ، فإنّي لأسير ببطن رابغ- بعد هويّ [ (2) ] من الليل- إذا نار تأجج لي فهبتها، فإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجذبها يصيح: العطش! وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول اللَّه، هذا أبيّ بن خلف. فقلت: ألا سحقا [ (3) ] ويقال: مات بسرف [ (4) ] ويقال: لما تناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الزبير حمل أبيّ على رسول اللَّه ليضربه، فاستقبله مصعب بن عمير يحول بنفسه دون رسول اللَّه، فضرب مصعب وجه أبيّ، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة بين سابغة البيضة والدروع فطعنه هناك، فوقع وهو يخور. قتل عثمان بن عبد اللَّه المخزومي وأقبل عثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة المخزومي على فرس أبلق يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعليه لأمة [ (5) ] كاملة- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم موجه إلى الشّعب- وهو يصيح: لا نجوت إن نجوت! فوقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعثر بعثمان فرسه في تلك
ذبح عبيد بن حاجز
الحفرة فيقع، ويخرج الفرس عائرا [ (1) ] فأخذه المسلمون فعقروه. ومشى الحارث بن الصمة إليه فاضطربا ساعة بسيفهما، ثم ضربه الحارث على رجله فبرك، ودفف عليه وأخذ درعه ومغفره وسيفه- ولم يسمع بأحد [ (2) ] سلب يومئذ غيره- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحمد للَّه الّذي أحانه [ (3) ] . وكان عبد اللَّه بن جحش أسره ببطن نخلة، فافتدى من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعاد إلى مكة حتى قدم فقتله اللَّه بأحد. ذبح عبيد بن حاجز [ويرى مصرعه] [ (4) ] عبيد بن حاجز العامري [فأقبل] يعدو فضرب الحارث ابن الصمة فجرحه على عاتقه، فاحتمله أصحابه. ووثب أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري إلى عبيد فناوشه ساعة ثم ذبحه بالسيف ذبحا، ولحق برسول اللَّه [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم. سهل بن حنيف ينضح بالنبل عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان سهل بن حنيف ينضح بالنبل عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عليه السلام: نبلو سهلا فإنه سهل. ونظر صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبي الدرداء رضي اللَّه عنه والناس منهزمون فقال: نعم الفارس عويمر غير أفّة [ (6) ] . ويقال: لم يشهد أبو الدرداء أحدا. ولقي أبو أسيرة بن الحارث بن علقمة رجلا فاختلفا ضربات [ (7) ] حتى قتله أبو أسيرة، فأقبل خالد بن الوليد على فرس أدهم أغر فطعن أبا أسيرة من خلفه: خرج الرمح من صدره فمات. قتال طلحة بن عبيد اللَّه وقاتل طلحة بن عبيد اللَّه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتالا شديدا- حين انهزم عنه أصحابه وكرّ المشركون فأحدقوا به من كل ناحية- وصار يذب بالسيف من بين
قتال علي والحباب بن المنذر
يديه ومن ورائه وعن يمينه وعن شماله: يدور حوله يترس بنفسه حول رسول اللَّه، وإن السيوف لتغشاه، والنبل من كل ناحية، وإن هو إلا جنة بنفسه لرسول اللَّه حتى انكشفوا، فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لطلحة: قد أوجب [ (1) ] . وكان طلحة أعظم الناس غناء عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ. ورمى مالك بن زهير الجشمي بسهم يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاتقى طلحة بيده عن وجهه المقدس فأصاب خنصره فشل خنصره. وقال حين رماه: حس [ (2) ] ! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قال بسم اللَّه لدخل الجنة والناس ينظرون! من أحب أن ينظر إلى رجل يمشى في الدنيا وهو من أهل الجنة فلينظر إلى طلحة بن عبيد اللَّه، طلحة ممن قضى نحبه. ولما جال المسلمون تلك الجولة ثم تراجعوا، أقبل رجل من بني عامر بن لؤيّ- يقال له: شيبة بن مالك المضرّب- يصيح: دلوني على محمد! فضرب طلحة عرقوب فرسه فاكتسعت [ (3) ] به، ثم طعن حدقته وقتله. وأصيب يومئذ طلحة في رأسه: ضربه رجل من المشركين ضربة وهو مقبل وأخرى وهو معرض عنه، فنزف الدم حتى غشي عليه، فنضح أبو بكر رضي اللَّه عنه الماء في وجهه حتى أفاق، فقال: ما فعل رسول اللَّه؟ قال: خيرا، هو أرسلني إليك. قال: الحمد للَّه كل مصيبة بعده جلل [ (4) ] . قتال علي والحباب بن المنذر وكان علي بن أبي طالب يذب عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ناحية، وأبو دجانة مالك بن خرشة بن لوذان بن عبد ودّ بن ثعلبة الأنصاري يذب من ناحية، وسعد ابن أبي وقاص يذب طائفة. وانفرد علي بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل، فدخل وسطهم بالسيف- فضرب به وقد اشتملوا عليه- حتى أفضى إلى آخرهم، ثم
خبر عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مشركا
كرّ فيهم ثانيا حتى رجع من حيث جاء. وكان الحباب بن المنذر الجموح يحوش المشركين كما تحاش الغنم، واشتملوا عليه حتى قيل قد قتل، ثم برز والسيف في يده وافترقوا عنه، وجعل يحمل على فرقة منهم وإنهم ليهربون [ (1) ] منه. وكان يومئذ معلما بعصابة خضراء في مغفره. خبر عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مشركا وطلع يومئذ عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال: من يبارز؟ وارتجز فقال: لم يبق إلا شكة ويعبوب ... وصارم يقتل ضلّال الشيب [ (2) ] وفي رواية: «وناشي يشرب أرحام الشيب» فنهض إليه أبو بكر رضي اللَّه عنه وهو يقول: أنا ذلك الأشيب! ثم ارتجزه فقال: لم يبق إلا حسبي وديني ... وصارم تقضي به يميني فقال له عبد الرحمن: لولا أنك أبي لم أنصرف. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي بكر رضي اللَّه عنه: شم شيفك، وارجع مكانك، ومتعنا بنفسك. خبر شماس بن عثمان كان شماس بن عثمان بن الشريد المخزومي لا يرمي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ببصره] [ (3) ] يمينا ولا شمالا إلا رآه في ذلك الوجه يذب بسيفه، حتى غشي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فترس بنفسه دونه حتى قتل رحمه اللَّه، فذلك قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما وجدت لشماس شبها إلا الجنة [ (4) ] .
أول من أقبل بعد الهزيمة
أول من أقبل بعد الهزيمة وكان أول من أقبل من المسلمين بعد التولية قيس بن محرث، [ويقال: قيس ابن الحارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة] مع طائفة من الأنصار، فصادفوا المشركين فدخلوا في حومتهم، فما أفلت منهم رجل حتى قتلوا، ولقد ضاربهم قيس حتى قتل نفرا فما قتلوه إلا بالرماح: نظموه، ووجد به أربع عشرة ضربة قد جافته [ (1) ] وعشر ضربات في بطنه. خبر الداعين إلى القتال وكان عباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم ابن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك ابن امرئ القيس بن مالك الأغر، وأوس بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان يرفعون أصواتهم، فيقول عباس: يا معشر المسلمين! اللَّه ونبيكم! هذا الّذي أصابكم بمعصية نبيكم، فيوعدكم النصر فما [ (2) ] صبرتم. ثم نزع مغفرة وخلع درعه وقال لخارجة بن زيد: هل لك فيهما؟ قال: لا، أنا أريد الّذي تريد. فخالطوا القوم جميعا، وعباس يقول: ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول اللَّه ومنا عين تطرف؟ فيقول خارجة: لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة، فقتل سفيان بن عبد شمس السلمي عباسا، وأخذت [ (3) ] خارجة الرماح، فجرح بضعة عشر جرحا، وأجهز عليه صفوان بن أمية. وقتل [ (4) ] أوس بن أرقم رضي اللَّه عنهم. خبر أبي دجانة وخبر السيف وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ قالوا: وما حقه؟ قال: يضرب به العدو. فقال عمر رضي اللَّه عنه: أنا يا رسول اللَّه، فأعرض عنه. ثم عرضه بذلك الشرط، فقام الزبير رضي اللَّه عنه، فقال: أنا، فأعرض عنه حتى وجدا [ (5) ] في أنفسهما. ثم عرضه الثالثة، فقال ذو المشهرة أبو دجانة:
خبر رشيد الفارسي
أنا يا رسول اللَّه آخذه بحقه. فدفعه إليه، فصدق به حين لقي العدو، فأعطى السيف حقه، فما قاتل أحد أفضل من قتاله. لقد كان يضرب به حتى إذا كلّ عليه شحذه على الحجارة، ثم يضرب به العدو حتى رده كأنه منجل، وكان حين أعطاه السيف لبس مشهرة فأعلم بها، وكان قومه يعلمون- لما بلوا منه- أنه إذا لبس تلك المشهرة لم يبق في نفسه غاية. فخرج يمشي بين الصفين واختال في مشيته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآه: إن هذه لمشية يبغضها اللَّه إلا في مثل هذا الموطن، ويقال: كان يعلم رأسه بعصابة حمراء. خبر رشيد الفارسيّ ولقي رشيد الفارسيّ مولى بني معاوية [ (1) ] رجلا من المشركين قد ضرب سعدا مولى حاطب جزله [ (2) ] باثنتين، فضربه على عاتقه فقتله، فاعترض له أخوه يعدو [ (3) ] فقتله، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحسنت يا أبا عبد اللَّه وكنّاه يومئذ ولا ولد له. خبر عمرو بن ثابت وكان عمرو [ (4) ] بن ثابت بن وقش بن زغبة بن عبد الأشهل الأنصاري شاكا في الإسلام حتى كان يوم أحد فأسلم وقاتل حتى أثبت فوجد وهو بآخر رمق فقالوا: ما جاء بك؟ قال: الإسلام! آمنت باللَّه ورسوله، ثم أخذت سيفي وحضرت، فرزقني اللَّه الشهادة. ومات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه لمن أهل الجنة. خبر مخيريق وكان مخيريق من أحبار يهود، فقال يوم السبت: يا معشر يهود! واللَّه إنكم لتعلمون أن محمدا لنبي، وأن نصره عليكم لحق! ثم أخذ سلاحه وحضر أحدا
خبر عمرو بن الجموح وولده وما كان من أمر امرأته
مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتل. وقال حين خرج: إن أحببت فأموالي لمحمد يضعها حيث أراد: فهي عامة صدقات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مخيريق خير يهود. خبر عمرو بن الجموح وولده وما كان من أمر امرأته وخرج عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وهو أعرج، وهو يقول: اللَّهمّ لا تردني إلى أهلي!! فقتل شهيدا، واستشهد ابنه خلاد بن عمرو، وعبد اللَّه بن عمرو بن حرام [بن ثعلبة بن حرام الأنصاري الخزرجي] [ (1) ] ، أبو جابر بن عبد اللَّه، فحملتهم هند بنت عمرو بن حرام- زوجة عمرو بن الجموح- على بعير لها تريد بهم المدينة، فلقيتها عائشة رضي اللَّه عنها- وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر، ولم يضرب الحجاب يومئذ- فقالت لها: عندك الخبر، فما وراءك؟ قالت: أما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصالح، وكل مصيبة بعده جلل، واتخذ اللَّه من المؤمنين شهداء، وردّ اللَّه الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى اللَّه المؤمنين القتال، وكان اللَّه قويا عزيزا. قالت عائشة: من هؤلاء؟ قالت: أخي وابن أخي خلاد وزوجي عمرو بن الجموح، قالت: فأين تذهبين بهم؟ قالت: إلى المدينة أقبرهم فيها، ثم قالت: حل [ (2) ] ، تزجر بعيرها فبرك، فقالت عائشة: لما عليه [ (3) ] ، قالت: ما ذاك به، لربما حمل ما يحمل البعيران، ولكني أراه لغير ذلك. وزجرته فقام [ (4) ] فوجهته راجعة إلى أحد فأسرع، فرجعت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته بذلك فقال: فإن الجمل مأمور، هل قال شيئا [ (5) ] ؟ قالت [ (6) ] إن عمرا لما وجّهه إلى أحد قال: اللَّهمّ لا تردني إلى أهلي خزيان [ (7) ] وارزقني الشهادة! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلذلك الجمل لا يمضي، إن منكم
أول قتيل من المسلمين يوم أحد
يا معشر الأنصار من لو أقسم على اللَّه لأبره: منهم عمرو بن الجموح. يا هند! ما زالت الملائكة مظلمة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين يدفن. ثم مكث صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى قبرهم. ثم قال يا هند! قد ترافقوا في الجنة، عمرو بن الجموح، وابنك خلاد، وأخوك عبد اللَّه، قالت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه أن يجعلني معهم [ (1) ] . أول قتيل من المسلمين يوم أحد وقال جابر بن عبد اللَّه: كان أبي أول قتيل قتل من المسلمين يوم أحد، قتله سفيان بن عبد شمس أبو أبي الأعور السلميّ، فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الهزيمة. خبر أم عمارة وقتالها يوم أحد وكانت أم عمارة [نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف [ (2) ] بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار] امرأة غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول [بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار] [ (3) ]-: قد شهدت أحدا هي وزوجها وابنها، ومعها شنّ [ (4) ] لتسقي الجرحى. فقاتلت وأبلت بلاء حسنا يومئذ- وهي حاجزة ثوبها على وسطها- حتى جرحت اثنى عشر جرحا، بين طعنة برمح أو ضربة بسيف. وذلك أنها كانت بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هي وابناها عبد اللَّه وحبيب ابنا زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن مبذول، وزوجها غزية بن عمرو- يذبون عنه، فلما انهزم المسلمون جعلت تباشر القتال وتذب عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيف، وترمي بالقوس. ولما أقبل ابن قميئة- لعنه اللَّه- يريد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت فيمن اعترض له، فضربها على عاتقها ضربة صار لها فيما بعد ذلك غور أجوف، وضربته هي ضربات. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لمقام نسيبة بنت
خبر حنظلة"غسيل الملائكة"
كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان، وقال: ما التفتّ يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني. وقال لابنها عبد اللَّه بن زيد: بارك اللَّه عليكم من أهل بيت، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان، ومقام ربيبك [يعني زوج أمه] خير من مقام فلان وفلان، ومقامك خير من مقام فلان وفلان، رحمكم اللَّه أهل بيت، قالت أم عمارة: ادع اللَّه أن نرافقك في الجنة، قال: اللَّهمّ [ (1) ] اجعلهم رفقائي في الجنة، قالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا. خبر حنظلة «غسيل الملائكة» وخرج حنظلة بن أبي عامر [بن عمرو بن صيفي بن مالك بن أمية [ (2) ] بن ضبيعة بن زيد بن [ (3) ] عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس] هو حنظلة الغسيل- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يسوي الصفوف بأحد، فلما انكشف المشركون ضرب فرس أبي سفيان بن حرب فوقع [على [ (4) ]] الأرض وصاح، وحنظلة يريد ذبحه، فأدركه الأسود بن شعوب [ (5) ] فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه، ومشى حنظلة إليه في الرمح وقد أثبته ثم ضربه الثانية فقتله، ونجا أبو سفيان. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت الملائكة تغسّل حنظلة بن [أبي] [ (6) ] عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة. قال أبو أسيد الساعدي: فذهبنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء. فلما أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك أرسل إلى امرأته فسألها، فأخبرته أنه خرج وهو جنب. خبر هند بنت عتبة وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف- زوجة أبي سفيان بن حرب- أول من مثل بقتلى المسلمين، وأمرت نساء المشركين أن
أول من دخل المدينة بعد الهزيمة
يمثلن بهم، فجدّعن الأنوف والآذان، فمثلن بالجميع إلا حنظلة الغسيل. أول من دخل المدينة بعد الهزيمة ولما صاح إبليس: إن محمدا قد قتل. تفرق الناس، فمنهم من ورد المدينة، فكان أول من دخلها بهذا الخبر أبو عبادة سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد بن عامر ابن زريق الأنصاري، ثم ورد بعده رجال. فجعل النساء يقلن: عن رسول اللَّه تفرّون. وجعل ابن أم مكتوم يقول: عن رسول اللَّه تفرون!! وحثت أم أيمن في وجوه بعضهم التراب وتقول: هاك المغزل، اغزل به، وهلمّ سيفك!! وقيل: إن المسلمين لم يعدوا الجبل- وكانوا في سفحه- لم يجاوزوه [ (1) ] . وأقبل [أبو] [ (2) ] أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وهو يقول: يوم بيوم بدر. وقتل رجلا من المسلمين فضربه علي رضي اللَّه عنه فقتله. وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: أنا ابن العواتك [ (3) ] . وقال أيضا: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب خبر أنس بن النّضر ومر أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدي بن النجار- وهو عم أنس بن مالك- بنفر من المسلمين قعود فقال: ما يقعدكم؟ قالوا: قتل رسول اللَّه! قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه! ثم جالد بسيفه حتى قتل رضي اللَّه عنه، فوجد به سبعون ضربة، وما عرف حتى عرفته أخته.
خبر خارجة بن زيد
خبر خارجة بن زيد ومرّ مالك بن الدّخشم على خارجة بن زيد أبي زهير وهو قاعد، في حشوته ثلاثة عشر جرحا، كلها قد خلصت إلى مقتل فقال: أما علمت أن محمدا قد قتل! فقال خارجة: فإن [ (1) ] كان محمد قد قتل فإن اللَّه حي لا يموت، لقد بلّغ [محمد] [ (2) ] ، فقاتل عن دينك. ومرّ على سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري أحد النقباء- وبه اثنا عشر جرحا كلها خلص إلى مقتل- فقال: علمت أن محمدا قد قتل!! فقال سعد: أشهد أن محمدا قد بلغ رسالة ربه، فقاتل عن دينك فإن اللَّه حي لا يموت، وقال منافق: إن رسول اللَّه قد قتل فارجعوا إلى قومكم فإنّهم داخلوا البيوت. خبر ثابت بن الدحداحة وأصحابه: آخر من قتل يوم أحد وأقبل ثابت بن الدّحداحة [ (3) ] (ويقال: ابن الدحداح) بن نعيم بن غنم بن إياس بن بكير والمسلمون أوزاع [ (4) ] قد سقط في أيديهم فصاح: يا معشر الأنصار!! إليّ إليّ، أنا ثابت بن الدحداحة، إن كان محمد قد قتل فإن اللَّه حي لا يموت، فقاتلوا عن دينكم فإن اللَّه مظهركم وناصركم. فنهض إليه نفر من الأنصار فحمل بهم على كتيبة فيها: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، فحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فقتله وقتل من كان معه من الأنصار رضي اللَّه عنهم، فيقال: إن هؤلاء آخر من قتل من المسلمين. ووصل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشّعب مع أصحابه فلم يكن هناك قتال. خبر وحشي ومقتل حمزة وكان وحشي عبدا لابنة الحارث [ (5) ] بن عامر بن نوفل، ويقال: لجبير بن
مطعم، فقالت له ابنة الحارث: إن أبي قتل يوم بدر، فإن قتلت أحد الثلاثة فأنت حر: إن قتلت محمدا، أو حمزة، أو عليا، فإنّي لا أرى في القوم كفؤا لأبي غيرهم. فكمن لحمزة رضي اللَّه عنه إلى صخرة، وقد اعترض له سباع بن عبد العزى (واسم عبد العزى عمرو بن نضلة بن غبشان بن سليم) - وهو ابن أم أنمار- فاحتمله ورمى به وبرك عليه فشحطه شحط [ (1) ] الشاة. ثم قام حتى بلغ المسيل فزلت رجله عن جرف، فهز وحشي حربته وضرب بها خاصرة حمزة خرجت من مثانته فلحق بربه. فأتاه وحشي فشق بطنه وأخرج كبده فجاء بها إلى هند بنت عتبة فقال لها: ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك؟ قالت: سلبي [ (2) ] ! فقال: هذه كبد حمزة! فمضغتها ثم لفظتها، ونزعت ثيابها وحليها فأعطتها وحشيا، ووعدته إذا جاء مكة أن تعطيه عشرة دنانير، وقامت معه حتى أراها مصرع حمزة فقطعت مذاكيره، وجدّعت أنفه وقطعت أذنيه، ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين [ (3) ] حتى قدمت بذلك مكة وكبده معها. وفي المسند للإمام أحمد قال: فنظروا فإذا حمزة قد بقرت بطنه، وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكلت منها شيئا؟ قالوا: لا، قال: ما كان اللَّه ليدخل من حمزة النار. وفي رواية ابن سعد [ (4) ] : إن اللَّه قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا. ويروى أن هندا لما أخرجت كبد حمزة لاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها، ثم علت على صخرة مشرفة فصاحت بأعلى صوتها بما قالت من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فهجاها حسان بن ثابت لما بلغه ذلك من قولها [ (5) ] .
موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على مقتل حمزة
موقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مقتل حمزة وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما فعل عمي؟ ويكرر ذلك، فخرج الحارث ابن الصمة فأبطأ، فخرج علي رضي اللَّه عنه فوجد حمزة رضي اللَّه عنه مقتولا، فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج يمشي حتى وقف عليه فقال: ما وقفت موقفا أغيظ إليّ من هذا! فطلعت صفية بنت عبد المطلب [ (1) ] رضي اللَّه عنها فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: [يا زبير] [ (2) ] أغن عني أمك. هذا وحمزة يحفر له فقال: إن في الناس تكشفا. فقالت: ما أنا بفاعلة حتى أرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رأته قالت: يا رسول اللَّه، أين ابن أمي حمزة؟ قال: هو في الناس، قالت: لا أرجع حتى انظر إليه. فجعل الزبير يجلسها حتى دفن حمزة رضي اللَّه عنه. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لولا أن يحزن نساءنا لتركناه للعافية [ (3) ] حتى يحشر يوم القيامة من بطون السباع وحواصل الطير. بكاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على حمزة ويقال: لما أصيب حمزة رضي اللَّه عنه جاءت صفية بنت عبد المطلب تطلبه فحالت بينها وبينه الأنصار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوها، فجلست عنده،
المثلة بحمزة
فجعلت إذا بكت بكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإذا نشجت نشج [ (1) ] . وكانت فاطمة عليها السلام تبكي ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلما بكت يبكي، وقال: لن أصاب بمثلك أبدا. ثم قال: أبشرا! أتاني جبريل وأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب أسد اللَّه وأسد رسوله. المثلة بحمزة ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم به مثلا شديدا فأحزنه ذلك المثل، ثم قال: لئن فرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم، فنزلت هذه الآية: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [ (2) ] [فعفا رسول اللَّه] فلم يمثل بأحد [ (3) ] ، وجعل أبو قتادة الأنصاري يريد أن ينال من قريش، لما رأى من غم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتل حمزة وما مثل به، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشير إليه أن اجلس- وكان قائما- فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: احتسبتك عند اللَّه، ثم قال: يا أبا قتادة: إن قريشا أهل أمانة، من بغاهم العواثر كبه [ (4) ] اللَّه لفيه، وعسى إن طالت بك مدة أن تحقر عملك مع أعمالهم وفعالك مع فعالهم، لولا أن تبطر [ (5) ] قريش لأخبرتها بما لها عند اللَّه، فقال أبو قتادة: واللَّه يا رسول اللَّه ما غضبت إلا للَّه ولرسوله حين نالوا منه ما نالوا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: صدقت، بئس القوم كانوا لنبيهم. مقتل عبد اللَّه بن جحش وخبره وقال عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر [ (6) ] بن صبرة بن مرة بن كبير [ (6) ] ابن غنم بن دودان [ (6) ] بن أسد بن خذيمة الأسدي: يا رسول اللَّه! إن هؤلاء القوم قد نزلوا حيث ترى، وقد سألت اللَّه فقلت: اللَّهمّ إني أقسم عليك نلقى العدو غدا فيقتلونني ويبقرونني ويمثلون بي، فألقاك مقتولا قد صنع هذا بي، فتقول: فيم [ (6) ] صنع بك هذا؟ فأقول: فيك. وأنا أسألك أخرى: أن تلي تركتي من
طلوع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه في الشعب
بعدي. فقال: نعم. فخرج حتى قتل ومثل به. ودفن هو وحمزة [ (1) ] رضي اللَّه عنه في قبر واحد. وولي تركته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاشترى لابنه [ (2) ] مالا بخيبر، فأقبلت أخته حمنة بنت جحش. فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حمن! احتسبي، قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: خالك حمزة، قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، غفر اللَّه له ورحمه، هنيئا له الشهادة! ثم قال لها: احتسبي، قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: أخوك، قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، غفر اللَّه له ورحمه، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: احتسبي، قالت: من يا رسول اللَّه؟ قال: مصعب بن عمير، قالت وا حزناه!! وفي رواية أنها قالت: وا عقراه!! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن للزوج من المرأة مكانا ما هو لأحد! ثم قال لها: لم قلت هذا؟ قالت: يا رسول اللَّه، ذكرت يتم بنيه فراعني. فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لولده أن يحسن عليهم الخلف، فتزوجت طلحة فولدت له محمد بن طلحة، فكان أوصل الناس لولدها. وكانت حمنة خرجت يومئذ إلى أحد مع النساء يسقين الماء. طلوع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أصحابه في الشّعب وطلع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أصحابه في الشّعب بين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ يتكفأ في الدرع [وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مشى يتكفأ تكفؤا] [ (3) ]- وقد بدن وظاهر بين درعين- وكان يتوكأ على طلحة بن عبيد اللَّه، فما صلى الظهر يومئذ بأصحابه إلا جالسا. وقد حمله طلحة رضي اللَّه عنه- حين انتهى إلى الصخرة- حتى ارتفع عليها. ثم مضى إلى أصحابه ومعه النفر الذين ثبتوا معه، فلما رأوهم ولوا في الشعب ظنا أنهم من المشركين، حتى جعل أبو دجانة يليح إليهم بعمامة حمراء على رأسه فعرفوه، فرجعوا أو بعضهم. وكانوا الذين ثبتوا معه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وطلعوا وهو بينهم إلى الشعب- أربعة عشر: سبعة من المهاجرين وسبعة من الأنصار. سرور المسلمين بسلامة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسروا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كأنهم لم تصبهم في أنفسهم مصيبة، وبينا هم
خبر النعاس
على ذلك ردّ المشركون فإذا هم فوقهم، وإذا كتائبهم قد أقبلت، فندبهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحضهم على القتال، فعدوا إليهم فانكشفوا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (1) ] . وأبو سفيان في سفح الجبل فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس لهم أن يعلونا فانكشفوا [ (2) ] . خبر النّعاس وألقى اللَّه النعاس على من مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهم سلّم [ (3) ] لمن أرادهم، لما بهم من الحزن فناموا ثم هبوا من نومهم كأن لم تصبهم قبل ذلك نكبة. وقال معتب ابن قشير، ويقال: بشير بن مليل بن زيد بن العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك ابن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا! فأنزل اللَّه تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ [إلى آخر الآيات] [ (4) ] قال أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم [ (5) ] بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري: لقد رأيتني يومئذ- في أربعة عشر رجلا من قومي- إلى جنب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أصابنا النعاس أمنة، فما منهم إلا رجل يغط غطيطا حتى إن الجحف [ (6) ] لتناطح. ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر به حتى أخذه بعد ما تثلم: وإن المشركين لتحتنا. وقال أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد بن مناة بن عدي ابن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري: ألقي علينا النعاس، فكنت أنعس حتى سقط سيفي من يدي. وكان النعاس لم يصب أهل النفاق والشك يومئذ، فكل [ (7) ] منافق يتكلم بما في نفسه، وإنما أصاب النعاس أهل اليقين والإيمان.
خبر أبي سفيان ومقالته ورد عمر
خبر أبي سفيان ومقالته وردّ عمر ولما تحاجزوا أراد أبو سفيان بن حرب الانصراف، وأقبل على فرس حتى أشرف على المسلمين في عرض الجبل فنادى بأعلى صوته: أعل هبل! ثم صاح: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ يوم بيوم بدر، ألا إن الأيام دول، وإن الحرب سجال، وحنظلة بحنظلة [ (1) ] ، فقال عمر رضي اللَّه عنه: أجيبه يا رسول اللَّه؟ فقال: بلى، فأجبه! فقال أبو سفيان: أعل هبل! فقال عمر: اللَّه أعلى وأجل! فقال أبو سفيان: إنها قد أنعمت فعال [ (2) ] عنها، ثم قال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر رضي اللَّه عنه: هذا رسول اللَّه، وهذا أبو بكر، وهذا عمر. فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، ألا إن الأيام دول وإن الحرب سجال. فقال عمر: لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، قال أبو سفيان: إنكم لتقولون ذلك، لقد خبنا إذا وخسرنا! لنا العزى ولا عزى لكم! فقال عمر: اللَّه مولانا ولا مولى لكم! قال أبو سفيان: إنها قد أنعمت يا ابن الخطاب فعال [ (2) ] عنها قم إليّ يا ابن الخطاب أكلمك، فقام عمر، فقال أبو سفيان: أنشدك بدينك، هل قتلنا محمدا؟ قال عمر: اللَّهمّ لا، وإنه ليسمع كلامك الآن، قال أنت عندي أصدق من ابن قميئة، ثم قال أبو سفيان ورفع صوته: إنكم واجدون في قتلاكم عنتا ومثلا، إلا أن ذلك لم يكن عن رأي سراتنا، أدركته حمية الجاهلية فقال: أما إذ [ (3) ] كان ذاك فلم نكرهه ثم نادى: ألا إن موعدكم بدر [ (4) ] الصفراء على رأس الحول، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قل نعم! فقال عمر رضي اللَّه عنه: نعم. انصراف المشركين ومخافة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مباغتة المدينة فانصرف أبو سفيان إلى أصحابه وأخذوا في الرحيل، فأشفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون من أن يغير المشركون على المدينة فتهلك الذراري والنساء، فبعث سعد
قدوم أبي سفيان مكة
ابن أبي وقاص لينظر: إن ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فهو الظعن، وإن ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فهي الغارة. ثم قال عليه السلام: والّذي نفسي بيده لئن ساروا إليه لأسيرن إليهم ثم لأناجزنهم، فذهب سعد يسعى إلى العقيق فإذا هم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل، بعد ما تشاوروا نهب المدينة فأشار عليهم صفوان بن أمية ألا يفعلوا فإنّهم لا يدرون ما يغشاهم، فعاد فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قدوم أبي سفيان مكة وقدم أبو سفيان مكة فلم يصل إلى بيته حتى أتى هبل فقال: قد أنعمت ونصرتني وشفيت نفسي من محمد وأصحابه، وحلق رأسه. أول من قدم إلى مكة بخبر أحد فكان أول من قدم مكة بخبر أحد وانكشاف المشركين عبد اللَّه بن [أبي] [ (1) ] أمية بن المغيرة فكره أن يأتيهم بهزيمة أهلهم، فقدم الطائف وأخبر أن أصحاب محمد قد ظفروا وانهزمنا. ثم قدم وحشيّ مكة فأخبرهم بمصاب المسلمين وقد سار أربعا على راحلته، ووقف على الثنية التي تطل الحجون فنادى: يا معشر قريش! أبشروا، قد قتلنا أصحاب محمد مقتلة لم يقتل مثلها في زحف قط، وجرحنا محمد فأثبتناه بالجراح، وقتل حمزة. فسرّوا بذلك. قتلى المسلمين وقتلى المشركين وقتل من المسلمين بأحد أربعة وسبعون [ (2) ] : أربعة من قريش وسائرهم من الأنصار، ويقال: خمسة من قريش. وقتل من المشركين أربعة وعشرون، وأسر من المشركين أبو عزة عمرو [ (3) ] بن عبد اللَّه بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح، ولم يؤسر منهم غيره فقال: يا محمد، منّ عليّ! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك تقول: خدعت [وفي رواية سحرت] محمدا مرتين، ثم أمر به عاصم بن ثابت فضرب عنقه، ويقال:
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد
إن المشركين لما انصرفوا بحمراء الأسد في أول الليل ساعة، ثم حلوا وتركوا أبا عزّة نائما مكانه حتى ارتفع النهار، ولحقه المسلمون وهو مستنبه يتلدد، وكان الّذي أخذه عاصم بن ثابت، فأمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فضرب عنقه. صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على شهداء أحد ولما انصرف المشركون أقبل المسلمون على أمواتهم، فكان حمزة رضي اللَّه عنه فيمن أتي به أولا، فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: رأيت الملائكة تغسله، لأن حمزة كان جنبا ذلك اليوم. ولم يغسّل صلّى اللَّه عليه وسلّم الشهداء، وقال: لفوهم بدمائهم وجراحهم، فإنه ليس أحد يجرح في سبيل اللَّه إلا جاء يوم القيامة جرحه لونه لون الدم وريحه ريح مسك، ثم قال: ضعوهم، أنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة. فكان حمزة أول من كبّر عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم جمع إليه الشهداء. فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهداء، حتى صلى عليه سبعين مرة، ويقال: كان يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم ثم ترفع التسعة وحمزة مكانه، ويؤتى بتسعة آخرين فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلي عليهم حتى فعل ذلك سبع مرات. ويقال: كبّر عليهم تسعا وسبعا وخمسا. وقيل: لم يصلّ عليهم. أخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث جابر وأنس وابن عباس رضي اللَّه عنهم: وهو مذهب مالك، والليث بن سعد والشافعيّ، وأحمد، وداود [ (2) ] : ألا يصلى على المقتول في المعركة. وقال فقهاء الكوفة والبصرة والشام: يصلى عليهم.
خبر دفن القتلى ودفن حمزة
خبر دفن القتلى ودفن حمزة وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم للمسلمين، احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر. وقدموا أكثرهم قرآنا، فكانوا يقدمون أكثرهم قرآنا في القبر، ولما واروا حمزة رضي اللَّه عنه أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببردة تمدّ عليه وهو في القبر، فجعلت البردة إذا خمّروا [ (1) ] رأسه بدت قدماه، وإذا خمّروا رجليه ينكشف وجهه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: غطوا وجهه، وجعل على رجليه الحرمل [ (2) ] . فبكى المسلمون وقالوا: يا رسول اللَّه! عم رسول اللَّه لا نجد له ثوبا؟ فقال: تفتح الأرياف والأمصار فيخرج إليها الناس ثم يبعثون إلى أهليهم، إنكم بأرض حجاز [ (3) ] جردية [الجردية التي ليس بها شيء من الأشجار] [ (4) ] والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. والّذي نفسي بيده لا يصبر أحد على لوائها وشدتها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة. مصعب بن عمير ومر صلّى اللَّه عليه وسلّم على مصعب بن عمير وهو مقتول في بردة [ (5) ] فقال: لقد رأيتك بمكة وما بها أحد أرق حلة منك ولا أحن لمّة منك، ثم أنت شعث الرأس في بردة. ثم أمر به فقبر. وكان كثير من الناس حملوا موتاهم إلى المدينة فدفنوهم، فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ردّوا القتلى إلى مضاجعهم. فلم يردّ أحد إلا رجل واحد أدركه المنادي ولم يدفن، وهو شماس بن عثمان المخزوميّ. موقف المسلمين للثناء على اللَّه ولما فرغ صلّى اللَّه عليه وسلّم من دفن أصحابه ركب فرسه وخرج، والمسلمون حوله: عامتهم جرحى، ولا مثل لبني [ (6) ] سلمة وبني عبد الأشهل ومعه أربع عشرة امرأة،
دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
فلما كانوا بأصل الحرة قال: اصطفوا فنثني على اللَّه، فاصطف الرجال صفين خلفهم النساء ثم دعا فقال: اللَّهمّ لك الحمد كله، اللَّهمّ لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت، ولا مقرب لما باعدت ولا مباعد لما قربت. اللَّهمّ إني أسألك النعيم المقيم الّذي لا يحول ولا يزول، اللَّهمّ إني أسألك الأمن يوم الخوف، والغنى يوم الفاقة، عائذا بك اللَّهمّ من شر ما أعطيتنا وشرّ ما منعت منا. اللَّهمّ توفنا مسلمين. اللَّهمّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللَّهمّ عذب كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسولك ويصدون عن سبيلك، اللَّهمّ أنزل عليهم رجسك وعذابك إله الحق. آمين. دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة وأقبل حتى طلع على بني عبد الأشهل وهم يبكون على قتلاهم فقال: لكن حمزة لا بواكي له: فخرج الناس ينظرون إلى سلامته، فقالت أم عامر الأشهلية: كل مصيبة بعدك جلل [ (1) ] وجاءت أم سعد بن معاذ [وهي كبشة بنت رافع بن معاوية] [ (2) ] بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، [وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج] [ (2) ] تعدو نحو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد وقف على فرسه، وسعد ابن معاذ آخذ بعنان الفرس، فقال سعد: يا رسول اللَّه: أمي، فقال: مرحبا بها، فدنت حتى تأملت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقالت: أما إذ رأيتك سالما فقد أشوت المصيبة [ (3) ] . فعزاها صلّى اللَّه عليه وسلّم بعمرو بن معاذ ابنها ثم قال: يا أم سعد: أبشري وبشّري أهليهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا- وهم اثنى عشر رجلا- وقد شفعوا في أهليهم، قالت: رضينا برسول اللَّه، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: ادع يا رسول اللَّه لمن خلفوا. قال: اللَّهمّ اذهب حزن قلوبهم، وأجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا. ثم قال: خلّ أبا عمرو الدابة. فخلى سعد الفرس، فتبعه الناس فقال: يا أبا عمرو، إن الجراح في أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح
خبر البكاء على حمزة
إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان: اللون لون الدم والريح ريح المسك، فمن كان مجروحا فليقرّ في داره وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي، عزمة مني. فنادى فيهم سعد، عزمة من رسول اللَّه ألا يتبع رسول اللَّه جريح من بني عبد الأشهل، فتخلف كل مجروح. فباتوا يوقدون النيران ويداوون الجراح، وإن فيهم لثلاثين جريحا، ومضى سعد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاء بيته فما نزل عن فرسه إلا حملا، واتكأ على سعد بن عبادة وسعد بن معاذ حتى دخل بيته، فلما أذّن بلال بصلاة المغرب خرج على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين فصلى ثم عاد إلى بيته. خبر البكاء على حمزة ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه فساقهن حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبكين حمزة رضي اللَّه عنه بين المغرب والعشاء، والناس في المسجد يوقدون النيران يتكمدون [ (1) ] بها من الجراح. وأذّن بلال رضي اللَّه عنه حين غاب الشفق فلم يخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلس بلال عند بابه حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه الصلاة يا رسول اللَّه، فهب صلّى اللَّه عليه وسلّم من نومه وخرج، فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل، وسمع البكاء فقال: ما هذا؟ فقيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة. فقال: رضي اللَّه عنكن وعن أولادكن، وأمر أن ترد النساء إلى منازلهن، فرجعن بعد ليل مع رجالهن. وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العشاء ثم رجع إلى بيته، وقد صفّ له الرجال ما بين بيته إلى مصلّاه يمشي وحده حتى دخل، وباتت وجوه الأوس والخزرج على بابه يحرسونه فرقا [ (2) ] من قريش أن تكر، ويقال: إن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه جاء بنساء بني سلمة، وجاء عبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه عنه بنساء بلحارث [بن الخزرج] [ (3) ] فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أردت هذا! ونهاهن الغد عن النوح أشد النهي. شماتة المنافقين وجعل عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول والمنافقون يشمتون معه ويسرّون بما أصاب
ما قالت اليهود والمنافقون شماتة بقتلى أحد
المسلمين، ويظهرون أقبح القول: فيقول ابن أبيّ لابنه عبد اللَّه- وهو جريح قد بات يكوي الجراحة بالنار- ما كان خروج معه إلى هذا الوجه برأي! عصاني محمد وأطاع الولدان، واللَّه لكأنّي كنت انظر إلى هذا. فقال ابنه: الّذي صنع اللَّه لرسوله [ (1) ] وللمسلمين خير. ما قالت اليهود والمنافقون شماتة بقتلى أحد وأظهرت اليهود القول السيء فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبي قط! أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه! وجعل المنافقون يخذّلون عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه ويأمرونهم بالتفرق عنه، ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل. وسمع عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ذلك في أماكن، فمشى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستأذنه في قتل من سمع ذلك منه من يهود والمنافقين. فقال عليه السلام: يا عمر، إن اللَّه مظهر دينه ومعزّ نبيه، ولليهود ذمة فلا أقتلهم، قال: فهؤلاء المنافقون! قال: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه؟ قال: بلى يا رسول اللَّه! وإنما يفعلون ذلك تعوذا من السيف، فقد بان لنا أمرهم، وأبدى اللَّه أضغانهم عن هذه النكبة! فقال: نهيت عن قتل من قال لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه يا ابن الخطاب، إن قريشا لن ينالوا منا مثل هذا اليوم حتى نستلم الركن. ما نزل من القرآن في غزوة أحد ونزل في غزوة أحد من قوله تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ من سورة آل عمران إلى آخرها [ (2) ] ، وكان قد نزل قبل أن يخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حد قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [ (3) ] . فلم يصبروا وانكشفوا، فلم يمدّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بملك واحد يوم أحد.
خبر معاوية بن المغيرة وكان هو الذي مثل بحمزة
خبر معاوية بن المغيرة وكان هو الّذي مثّل بحمزة وكان معاوية بن المغيرة بن أبي العاص قد انهزم ومضى على وجهه ونام قريبا من المدينة، فلما أصبح دخلها، وأتى عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، فلما رآه قال: ويحك أهلكتني وأهلكت نفسك، وأدخله بيته. ثم سأل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأجله ثلاثا فإن وجد بعدهن قتل. فجهزه عثمان. وخرج بعد ثلاث فأدركه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر بالجماء [ (1) ] فرمياه حتى قتلاه، وكان هو الّذي مثّل بحمزة رضي اللَّه عنه. غزوة حمراء الأسد ثم كانت غزوة حمراء الأسد [ (2) ] يوم الأحد صبيحة أحد. وذلك أن عبد اللَّه ابن عمرو بن عوف المزني [ (3) ] أو في باب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الأحد، وبلال على الباب بعد ما أذّن وهو ينتظر خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما خرج أخبره المزني أنه أقبل من أهله حتى كان بملل إذا قريش قد نزلوا، فسمع أبا سفيان وأصحابه يشتورون [ (4) ] ليرجعوا حتى يستأصلوا من بقي، وصفوان يأبى ذلك عليهم. فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما وذكر لهما ذلك، فقالا: أطلب العدو يا رسول اللَّه، ولا يقتحمون على الذرية، فلما صلى الصبح يوم الأحد- ومعه وجوه الأوس والخزرج، وقد باتوا في المسجد على بابه- أمر بلالا فنادى: إن رسول اللَّه يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس. خروج جرحى أحد للغزو فخرج سعد بن معاذ إلى داره يأمر قومه بالمسير وكلها جريح فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمركم أن تطلبوا عدوكم. فقال أسيد بن حضير- وبه سبع جراحات
اللواء
يريد أن يداويها- سمعا وطاعة للَّه ولرسوله، وأخذ سلاحه ولم يعرّج على دواء، ولحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وجاء سعد بن عبادة قومه، وجاء أبو قتادة إلى طائفة فبادروا جميعا. وخرج من بني سلمة أربعون جريحا- بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا [ (1) ] ، وبخراش بن الصمة عشر جراحات- حتى وافوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال لما رآهم: اللَّهمّ ارحم بني سلمة. اللواء ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لواءه إلى أبي بكر، وقيل: لعليّ رضي اللَّه عنهما، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأقام على حرسه عبّاد بن بشر. خبر عبد اللَّه ورافع ابني سهل وكان عبد اللَّه ورافع ابنا سهل بن رافع بن عدي بن زيد بن أمية بن زيد الأنصاريان، رجعا من أحد وبهما جراح كثيرة فخرجا يزحفان، فضعف رافع فحمله عبد اللَّه على ظهره عقبة ومشى عقبة [ (2) ] . فدعا لهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أتياه وقال: إن طالت بكم مدة كانت لكم مراكب من خيل وبغال وإبل، وليس ذلك بخير لكم، ولم يخرج أحد لم يشهد أحدا سوى جابر بن عبد اللَّه، واستأذنه رجال لم يخرجوا أحدا فلم يأذن لهم. خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما اجتمع الناس ركع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ركعتين في المسجد ودعا بفرسه على باب المسجد- وعليه الدرع والمغفر- فركب، وإذا بطلحة رضي اللَّه عنه، فقال: يا طلحة، سلاحك. فأسرع ولبس سلاحه- وبه تسع جراحات- وأقبل فقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم: أين ترى القوم الآن؟ قال: هم بالسّيالة. قال: ذلك ظننت، أما إنهم- يا طلحة- لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح اللَّه مكة علينا.
الطلائع
الطلائع وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم هم: سليط [ (1) ] ونعمان ابنا سفيان بن خالد بن عوف بن دارم وآخر [من أسلم من بني عوير، لم يسمّ لنا] [ (2) ] فقتلوا، ومضى صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد. وكان عامة زادهم التمر. وحمّل سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت الحمراء، وساق جزرا لينحر، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمر في النهار فيجمع الحطب، فإذا أمسوا أمر أن توقد النيران، فيوقد كل رجل نارا، فقد أوقدوا خمسمائة نار حتى رئيت من مكان بعيد. وذهب ذكر معسكر المسلمين ونيرانهم في كل وجه، فكان ذلك مما كبت اللَّه به عدوهم. خبر معبد الخزاعي وانصراف المشركين ولقي معبد بن أبي معبد الخزاعي-[وهو يومئذ مشرك، وكانت خزاعة سلما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ]- رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد، لقد عز علينا ما أصابك في نفسك وما أصاب أصحابك، ولوددنا أن اللَّه أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت بغيرك، ثم مضى، فوجد أبا سفيان وقريشا بالروحاء وهم مجمعون على الرجوع: فأخبرهم أن محمدا وقومه وأصحابه قد تركهم يتحرقون عليهم [ (4) ] مثل النيران، وأنهم في طلبهم، فانصرفوا سراعا خائفين من الطلب لهم. وبعث أبو سفيان مع نفر من عبد القيس مرّ بهم يريدون المدينة أن يعلموا [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنهم أجمعوا الرجعة إليه، فلما بلغوه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك قال: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل. فنزل في ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (6) ] ، وقوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [ (7) ] . وبعث معبد الخزاعي رجلا فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بانصراف أبي
سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى قطن
سفيان ومن معه خائفين، فانصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة بعد ثلاث. سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى قطن ثم كانت سرية أبي سليمة بن عبد الأسد إلى قطن: وهو جبل بناحية فيد به ماء لبني أسد بن خزيمة بنجد، وذلك في المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا: دعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهلال المحرم واستعمله على خمسين ومائة رجل، وعقد له لواء، وأمره أن يرد أرض [ (1) ] بني أسد، وأن يغير عليهم قبل أن تلاقي عليه جموعهم، وأوصاه ومن معه بتقوى اللَّه، فسار. وكان الّذي هيّج هذا أن رجلا من طيِّئ- يقال له الوليد بن زهير بن طريف- قدم المدينة، وأخبر أن طليحة وسلمة ابني [ (2) ] خويلد تركهما قد سارا- في قومهما ومن أطاعهما- لحرب رسول اللَّه، فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك، بعث أبا سلمة. وخرج الطائي معه دليلا ونكّب بهم عن الطريق، وسار بهم ليلا ونهارا حتى انتهوا بعد أربع إلى قطن، فوجدوا سرحا فأخذوه وثلاثة رعاء مماليك، ونذر بهم [ (3) ] القوم فتفرقوا في كل وجه، وورد أبو سلمة الماء وقد تفرقوا عنه، فبعث في طلب النّعم والشاء فأصابوا منها ولم يلقوا أحدا، فانحدروا إلى المدينة. وأعطى أبو سلمة الطائيّ الّذي دلهم رضاه من المغنم، ثم أخرج صفيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبدا، ثم أخرج الخمس، وقسم ما بقي بين أصحابه فأقبلوا بها إلى المدينة. ويقال: كان بين المسلمين وبين القوم قتال قتل فيه رجل من المشركين، واستشهد مسعود بن عروة. غزوة بئر معونة ثم كانت غزوة بئر معونة- وهي ماء لبني عامر بن صعصعة [ (4) ] ، وقيل: قرب حرة بني سليم- في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا. وسببها أن عامر ابن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة- أبا براء ملاعب، الأسنّة قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهدى له فرسين وراحلتين، فقال: لا أقبل
خبر القراء وخروجهم إلى بئر معونة
هدية مشرك، وردهما، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد، إني أرى أمرك هذا حسنا شريفا، وقومي خلفي، فلو أنك بعثت نفرا من أصحابك معي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك، فإن هم اتبعوك فما أعزى أمرك! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أخاف عليهم أهل نجد. فقال عامر: لا تخف عليهم، أنا لهم جار أن يعرض لهم أحد من أهل نجد. خبر القراء وخروجهم إلى بئر معونة وكان من الأنصار سبعون رجلا شببة، يسمون القراء، كانوا إذا أمسوا أتوا ناحية المدينة فتدارسوا وصلّوا، حتى إذا كان وجاء الصبح [ (1) ] استعذبوا من الماء وحطبوا من الحطب فجاءوا به إلى حجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكان أهلوهم يظنون أنهم في المسجد، وأهل المسجد يظنون أنهم في أهليهم، فبعثهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأمرّ عليهم المنذر بن عمرو بن حنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي: أحد النقباء، وكتب معه كتابا. فساروا ودليلهم المطّلب من بني سليم، حتى [إذا] [ (2) ] كانوا ببئر معونة وهو ماء من مياه بني سليم- عسكروا بها وسرّحوا ظهرهم، وبعثوا في سرحهم الحارث بن الصّمة بن عمرو بن عتيك بن عمرو بن عامر، وهو مبذول، ابن مالك بن النجار، وعمرو بن أمية بن خويلد بن عبد اللَّه بن إياس بن عبيد ابن ناشرة بن كعب بن جدي بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة [جدي بضم الجيم وفتح الدال] الضمريّ، وقدّموا حرام بن ملحان، وهو مالك بن خالد بن زيد ابن حرام بن جندب [ (3) ] بن عامر بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عامر بن الطفيل في رجال من بني عامر، فلم يقرءوا الكتاب. خبر عامر بن الطفيل ومقتل القراء ووثب عامر بن الطفيل على حرام فقتله، واستصرخ بني عامر فأبوا- وكان أبو براء بناحية نجد- فاستصرخ قبائل من سليم- عصية ورعلا [ (4) ]- فنفروا معه
دعاء رسول الله على أصحاب الغدر
حتى وجدوا القراء فقاتلوهم، فقتلوا رضي اللَّه عنهم إلا المنذر بن عمرو فإنّهم أمّنوه إن شاء، فأبى أن يقبل أمانهم حتى يأتي مقتل حرام، فلما أتى مصرعه قاتلهم حتى قتل، وأقبل الحارث [بن الصمة] [ (1) ] وعمرو بن أمية بالسرح والخيل واقفة، فقاتلهم الحارث حتى قتل بعد ما قتل منهم عدة. وأعتق عامر بن الطفيل عمرو ابن أمية عن أمّه وجزّ ناصيته. وكان ممن قتل يومئذ عامر بن فهيرة: طعنه جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ابن كلاب الكلابيّ بالرمح ثم انتزعه، فذهب بعامر في السماء حتى غاب عنه وهو يقول: فزت واللَّه! فأسلم جبار لما رأى من أمر عامر. دعاء رسول اللَّه على أصحاب الغدر ولما بلغ رسول اللَّه خبر بئر معونة «جاء معها في ليلة واحدة مصاب [خبيب ابن عدي] [ (2) ] ومرثد بن أبي مرثد وبعث محمد بن مسلمة، فجعل يقول: هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها. ودعا على قتلتهم بعد الركعة من الصبح في صبح تلك الليلة التي جاء الخبر فيها. فلما قال: سمع اللَّه لمن حمده، قال: اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ عليك ببني لحيان وزغب ورعل وذكوان، وعصيّة فإنّهم عصوا اللَّه ورسوله، اللَّهمّ عليك ببني لحيان وعضل والقارة، اللَّهمّ أنج الوليد ابن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين. غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه. ثم سجد. فقال ذلك خمس عشرة ليلة، ويقال: أربعين يوما، حتى نزلت: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [ (3) ] . حزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على القراء وما نزل فيهم من القرآن ولم يجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة، وأنزل اللَّه فيهم قرآنا نسخ بعد ما قرئ مدة «بلغوا قومنا [عنا] [ (4) ] أنا لقينا ربنا فرضي عنا
هدية أبي براء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورضينا عنه» . هدية أبي براء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأقبل أبو براء فبعث ابن أخيه لبيد بن ربيعة بفرس هدية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرده وقال: لا أقبل هدية مشرك، قال: فإنه قد بعث يستشفيك من وجع به [وكانت به الدبيلة] [ (1) ] فتناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مدرة من الأرض فتفل فيها ثم ناوله وقال: دفها [ (2) ] بماء ثم اسقها إياه. ففعل فبرأ. ويقال: بعث إليه بعكة [ (3) ] عسل فلم يزل يلعقها حتى برأ، وشق على أبي براء ما فعل عامر بن الطفيل. مقتل المشركين وقدم عمرو بن أمية على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما لقي بصدور قناة [ (4) ] رجلين من بني كلاب قد قدما على رسول اللَّه فكساهما وأمنهما، فقتلهما للذي أصابت بنو عامر من القراء. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بئس ما صنعت! قتلت رجلين قد كان لهما مني أمان وجوار! لأدينهما. وأخرج ديتهما دية حرّين مسلمين، فبعث بها وبسلبهما إلى عامر بن الطفيل. غزوة الرجيع (سرية مرثد بن أبي مرثد) ثم كانت غزوة الرجيع: وهو ماء لهذيل بين مكة وعسفان بناحية الحجاز، وذلك في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا. وذلك أن بني لحيان جعلت فرائض لعضل والقارة [رحم من بني الهون بن خزيمة بن مدركة إخوة بني أسد بن خزيمة] على أن يقدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيكلموه أن يخرج إليهم نفرا يدعونهم إلى الإسلام ليقتلوا من قتل سفيان بن نبيح الهذلي [ (5) ] ، ويبيعوا سائرهم على قريش بمكة، فقدم
خروج مرثد وأصحابه إليهم ومقتلهم
سبعة نفر من عضل والقارة مقرّين بالإسلام، فقالوا: يا رسول اللَّه، إن فينا إسلاما فاشيا، فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئونا القرآن ويفقهونا في الإسلام. خروج مرثد وأصحابه إليهم ومقتلهم فبعث معهم ستة وقيل عشرة، وهو الأصح كما وقع في كتاب الجامع الصحيح للبخاريّ رحمه اللَّه، وأمرّ عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي [ويقال: عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح] فخرجوا حتى إذا كانوا بماء لهذيل- يقال له الرجيع، قريب من الهدّة- لقيهم [ (1) ] مائة في أيديهم السيوف فقاموا ليقاتلوهم، فقالوا: ما نريد قتالكم، ولا نريد إلا أن نصيب منكم من أهل مكة ثمنا، ولكم عهد اللَّه وميثاقه لا نقتلكم، فاستأسر خبيب بن عدي الأنصاري، وزيد بن الدّثنّة بن معاوية بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاريّ البياضيّ وعبد اللَّه بن طارق بن عمرو بن مالك البلويّ، وأبيّ أبو سليمان عاصم بن ثابت، ومرثد، وخالد بن أبي البكير، ومعتّب ابن عبيد: أن يقبلوا جوارهم. خبر عاصم بن ثابت حمى الدّبر ورماهم عاصم حتى فنيت نبله، ثم طاعنهم حتى كسر رمحه، ثم كسر غمد سيفه، وقاتل حتى قتل. فبعث عليه الدبر [ (2) ] فحمته، فلم يدن منه أحد إلا لدغت وجهه، ثم بعث اللَّه في الليل سيلا فاحتمله فذهب به فلم يقدروا عليه. وذلك أنه كان قد نذر ألا يمسّ مشركا ولا يمسّه مشرك. وكانوا يريدون أن يجزوا رأسه ليذهبوا به: إلى سلافة بنت سعد بن الشّهيد لتشرب في قفة قحفة [ (3) ] الخمر، فإنّها نذرت إن أمكنها اللَّه منه أن تفعل ذلك من أجل أنه قتل لها ابنين في يوم واحد. خبر الأسرى يوم الرجيع وقتلوا [ (4) ] معتّبا، وخرجوا بخبيب بن عدي بن مالك بن عامر بن مالك بن
خبر خبيب بن عدي بمكة
مجدعة بن جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وعبد اللَّه بن طارق، وزيد بن الدّثنّة، وهم موثقون بأوتار قسيّهم، فنزع عبد اللَّه بن طارق يده من رباطه وأخذ سيفه، فقتلوه رجما بالحجارة وقبروه بمرّ الظهران. خبر خبيب بن عدي بمكة وقدموا مكة بخبيب وزيد فابتاع خبيبا حجير بن أبي إهاب بثمانين مثقالا ذهبا، ويقال: بخمسين فريضة [ (1) ] ويقال: اشترته ابنة [ (2) ] الحارث بن عامر بن نوفل بمائة من الإبل. [وكان حجير بن أبي إهاب قد ابتاع خبيب بن عدي لزوج أخته عقبة ابن الحارث بن عامر بن نوفل، ليقتله بأبيه: قتل يوم بدر] [ (3) ] واشترى زيدا صفوان بن أمية بخمسين فريضة ليقتله بأبيه. ويقال: أنه شرك فيه أناس من قريش. وحبس حجير خبيبا- لأنه كان في ذي القعدة وهو شهر حرام- فأقام محبوسا في بيت ماويّة [ (4) ] ، مولاة بني عبد مناف، وحبس زيد عند نسطاس مولى صفوان ابن أمية، ويقال: عند قوم من بني جمح، فرأت ماوية خبيبا وهو يأكل عنبا من قطف مثل رأس الرجل في يده، وما في الأرض يومئذ حبة عنب، فعلمت أنه رزق رزقه اللَّه، فأسلمت بعد ذلك، وكان يجهر بالقرآن فيسمعه النساء فيبكين، فلما أعلمته ماوية- بعد انسلاخ الأشهر الحرم- بقتله، ما اكترث لذلك، وطلب حديدة فأتته بموسي مع ابنها أبي حسين [ (5) ] ، مولى بني الحارث بن عامر بن نوفل ابن عبد مناف بن قصي فقال له ممازحا له: وأبيك إنك لجريء! أما خشيت أمّك
مقتل خبيب
غدري حين بعثت معك بحديدة، وأنتم تريدون قتلي؟ فقالت ماوية: يا خبيب، إنما أمنتك بأمان اللَّه، فقال: ما كنت لأقتله! ثم أخرجوه في الحديد إلى التنعيم [ (1) ] ومعه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة ومعه زيد بن الدّثنّة. مقتل خبيب فصلى خبيب ركعتين أتمهما من غير أن يطول فيهما- وكان أول من سن الركعتين عند القتل [ (2) ]- ثم قال: اللَّهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا. ثم أوثقوه رباطا وقالوا: ارجع عن الإسلام ونخلي سبيلك. فقال: لا إله إلا اللَّه! واللَّه ما أحب أني رجعت عن الإسلام وأنّ لي ما في الأرض جميعا! قالوا: أفتحب أن محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ فقال: واللَّه ما أحب أن يشاك محمد شوكة وأنا جالس في بيتي. فجعلوا يقولون: يا خبيب ارجع! قال: لا أرجع أبدا. قالوا: أما واللات والعزى لئن لم تفعل لنقتلنك! قال: إن قتلي في اللَّه لقليل [ (3) ] ، فجعلوا وجهه من حيث جاء، فقال: ما صرفكم وجهي عن القبلة؟ ثم قال: اللَّهمّ إني لا أريد إلا وجه عدو، اللَّهمّ ليس هاهنا أحد يبلغ رسولك عني السلام فبلغه أنت عني السلام، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهو جالس مع أصحابه وقد أخذته غمية [ (4) ]-: وعليه السلام ورحمة اللَّه، ثم قال: هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام. ثم أحضروا أبناء من قتل ببدر- وهم أربعون غلاما- فأعطوا كل غلام رمحا فطعنوه برماحهم، فاضطرب على الخشبة، وقد رفعوه إليها. وانفلت فصار [ (5) ] وجهه إلى الكعبة فقال: الحمد للَّه [ (6) ] فطعنه أبو سروعة- واسمه عقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصيّ- حتى أخرجها من ظهره، فمكث ساعة يوحّد ويشهد أن محمدا رسول اللَّه ثم مات رضي اللَّه عنه، وتولى قتل زيد نسطاس، وقد روي أن غزوة الرجيع كانت قبل
غزوة بني النضير
بئر معونة. غزوة بني النضير ثم كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقال: كانت في جمادى الأولى [ (1) ] سنة أربع، وروى عقيل ابن خالد وغيره عن ابن شهاب قال: كانت غزوة بني النضير بعد بدر بستة أشهر. سببها، وغدر اليهود برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سببها أن عمرو بن أمية الضمريّ لما قتل الرجلين من بني عامر خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني النضير يستعين في ديتهما- لأن بني النضير كانوا حلفاء بني عامر، وكان ذلك يوم السبت- فصلى في مسجد قباء ومعه رهط من المسلمين. ثم جاء بني النضير ومعه دون العشرة من أصحابه [ (2) ] فيجدهم في ناديهم، فجلس يكلمهم أن يعينوه في الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل، اجلس حتى نطعمك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستند إلى بيت، فخلا بعضهم إلى بعض، وأشار عليهم حيي بن أخطب أن يطرحوا عليه حجارة من فوق البيت الّذي هو تحته فيقتلوه، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش ليطرح عليه صخرة، وهيأ الصخرة ليرسلها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأشرف بها، فجاء الوحي بما همّوا به، فنهض صلّى اللَّه عليه وسلّم سريعا كأنه يريد حاجة ومضى إلى المدينة. فلما أبطأ لحق به أصحابه- وقد بعث في طلب [ (3) ] محمد بن مسلمة- فأخبرهم بما همت به يهود، وجاء محمد بن مسلمة فقال: اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم: [إن رسول اللَّه أرسلني إليكم] [ (4) ] أن اخرجوا من بلده، فإنكم قد نقضتم العهد بما هممتم به من الغدر، وقد أجّلتهم عشرا، فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه. أمر إجلاء بني النضير فأخذوا يتجهزون في أيام، ثم بعث حيي بن أخطب مع أخيه جدي [ (5) ] بن
مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وحصارهم
أخطب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لا نخرج، فليصنع ما بدا له. وقد غره عبد اللَّه بن أبي بأن أرسل إليه سويدا وداعسا بأن يقيم بنو النضير ولا يخرجوا: فإن معي من قومي وغيرهم [من العرب] [ (1) ] ألفين، يدخلون معكم فيموتون من آخرهم دونكم. فلما بلّغ جدي رسالة أخيه حييّ كبّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه وقال: حاربت يهود. ونادى مناديه بالمسير إلى بني النضير. مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وحصارهم وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه فصلى العصر بفضاء بني النضير وقد قاموا على جدر [ (2) ] حصونهم ومعهم النبل والحجارة، ولم يأتهم ابن أبيّ واعتزلتهم [ (3) ] قريظة فلم تعنهم بسلاح ولا رجال، وجعلوا يرمون يومهم بالنبل والحجارة حتى أمسوا، فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العشاء- وقد تتام أصحابه- رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه، وعليه الدرع والمغفر وهو على فرس. واستعمل عليا رضي اللَّه عنه على العسكر، ويقال: بل استعمل أبا بكر رضي اللَّه عنه. وبات المسلمون محاصريهم يكبرون حتى أصبحوا. وأذن بلال رضي اللَّه عنه بالمدينة، فغدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس في فضاء بني خطمة، واستعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم. قتال بني النضير وحملت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبة أدم أرسل بها سعد بن عبادة، فضربها بلال ودخلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرمى عزوك- من اليهود- فبلغ نبله القبة، فحولت حيث لا يصلها النّبل. ولزم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الدّرع وظل محاصرهم ست ليال من ربيع الأول. وحينئذ حرّمت الخمر، على ما ذكره أبو محمد بن حزم. وفقد عليّ رضي اللَّه عنه في بعض الليالي فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه في بعض شأنكم! فعن قليل جاء برأس عزوك: وقد كمن له حتى خرج في نفر من اليهود يطلب غرّة من المسلمين، وكان شجاعا راميا، فشدّ عليه عليّ رضي اللَّه عنه فقتله، وفرّ اليهود، فبعث معه
تحريق نخلهم وشرط إجلائهم
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا دجانة وسهل بن حنيف، في عشرة فأدركوا اليهود الذين فروا من علي رضي اللَّه عنه فقتلوهم، وأتوا برءوسهم فطرحت في بعض البئار [ (1) ] . وكان سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه يحمل التمر إلى المسلمين. تحريق نخلهم وشرط إجلائهم وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنخل فقطعت وحرّقت، واستعمل على ذلك أبا ليلى المازني وعبد اللَّه بن سلام فشق على يهود قطع النّخل، وبعث حيي بن أخطب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه يخرج ومن معه. فقال عليه السلام: لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها ولكم [دماؤكم و] [ (2) ] ما حملت الإبل إلا الحلقة [ (3) ] ، فلم يقبل حييّ، وحالفت عليه طائفة ممن معه وأسلّم منهم يامين بن عمير بن كعب [ابن عمّ عمرو ابن جحاش] [ (4) ] وأبو سعد بن وهب ونزلا فأحرزا أموالهما، ثم نزلت يهود على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة، وجعل يامين لرجل من قيس عشرة دنانير. ويقال: خمسة أوسق من تمر حتى قتل عمرو بن جحاش غيلة، فسرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتله. كيف كان جلاؤهم وأقام على حصار يهود خمسة عشر يوما حتى أجلاهم وولي إخراجهم محمد ابن مسلمة. وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم [بأيديهم] [ (5) ] مما يليهم، والمسلمون يخربون مما يليهم ويحرّقون، حتى وقع الصلح، جعلوا يحملون الخشب ويحملون النساء والذرية، وشقوا سوق المدينة والنساء في الهوادج عليهنّ الحرير والديباج وحلي الذهب والمعصفرات وهن يضربن بالدفوف ويزمرن بالمزامير تجلدا- وكبارهم يومئذ حييّ بن أخطب، وسلّام بن أبي الحقيق- وقد صف لهم الناس وهم يمرون، فكانوا على ستمائة بعير، فنزل أكثرهم بخيبر فدانت لهم، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، فكان ممن صار منهم إلى خيبر أكابرهم كحيي بن أخطب، وسلام ابن أبي الحقيق، وحزن المنافقون لخروجهم أشد الحزن.
أموال بني النضير
أموال بني النضير وقبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأموال والحلقة: فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة [ (1) ] ، وثلاثمائة سيف وأربعين سيفا. وقال عمر رضي اللَّه عنه: ألا تخمّس ما أصبت. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أجعل شيئا جعله اللَّه لي دون المؤمنين- بقوله: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ [ (2) ] كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين. وكانت بنو النضير من صفايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعلها حبسا لنوائبه، وكان ينفق على أهله منها: كانت خالصة له، فأعطى من أعطى منها، وحبس ما حبس، وكان يزرع تحت النخل، وكان يدخل منها قوت أهله سنة من الشعير والتمر لأزواجه وبني المطلب [ (3) ] ، وما فضل جعله في الكراع والسلاح. واستعمل على أموال بني النضير أبا رافع مولاه، وكانت صدقاته منها ومن أموال مخيريق. المهاجرون والأنصار وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تحول من بني عمرو بن عوف إلى المدينة تحول المهاجرون فتنافست فيهم الأنصار أن ينزلوا عليهم حتى اقترعوا فيهم السهمان، فما نزل أحد من المهاجرين على أحد من الأنصار إلا بقرعة، فكان المهاجرون في دور الأنصار وأموالهم. خبر قسمة أموال بني النضير على المهاجرين دون الأنصار فلما غنم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بني النضير بعث ثابت بن قيس بن شمّاس فدعا الأنصار كلها- الأوس والخزرج- فحمد اللَّه وأثنى عليه، وذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم، وأثرتهم على أنفسهم، ثم قال: إن أحببت قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء اللَّه عليّ من بني النضير، وكان
زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة
المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم. فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ: يا رسول اللَّه، بل تقسمه للمهاجرين، ويكونون في دورنا كما كانوا. ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار. وقسم ما أفاء اللَّه عليه على المهاجرين دون الأنصار إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث بن عمرو بن خناس (ويقال خنساء) بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري، وأبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ودّ بن ثعلبة الأنصاري. وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق، وكان سيفا له ذكر. ووسّع صلّى اللَّه عليه وسلّم في الناس من أموال بني النضير، وأنزل اللَّه تعالى في بني النضير «سورة الحشر» . وفي جمادى الأولى [ (1) ] مات عبد اللَّه بن عثمان عن رقية. زواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأم سلمة وفي شوال من هذه السنة تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأم سلمة رضي اللَّه عنها. غزوة بدر الموعد ثم كانت غزوة بدر الموعد لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا. وسببها أن أبا سفيان بن حرب لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى: موعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي فيه فنقتتل. فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه- وقد أمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم-: نعم، إن شاء اللَّه. سوق بدر الصفراء وكراهية أبي سفيان الخروج إلى الموعد وكانت بدر [ (2) ] الصفراء مجمعا للعرب في سوق يقام لهلال ذي القعدة إلى ثمان
رسالة أبي سفيان نعيم بن مسعود لتخذيل المسلمين
منه، فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وأحبّ ألا يوافي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الموعد، وكان يظهر أنه يريد الغزو في جمع كثيف، فيبلغ أهل المدينة عنه أنه يجمع الجموع ويسير في العرب، فتأهب المسلمون له. رسالة أبي سفيان نعيم بن مسعود لتخذيل المسلمين وقدم [ (1) ] نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فأخبر أبا سفيان [ (2) ] وقريشا بتهيؤ المسلمين لحربهم. وكان عاما [ (3) ] جدبا، أعلمه أبو سفيان بأنه كاره للخروج إلى لقاء المسلمين، واعتل بجدب الأرض. وجعل له عشرين فريضة توضع تحت يد سهيل بن عمرو، على أن يخذل المسلمين عن المسير لموعده وحمله على بعير. فقدم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان حتى رعّب [ (4) ] المسلمين، وهو يطوف فيهم حتى قذف الرعب في قلوب المسلمين ولم تبق لهم نية في الخروج. واستبشر المنافقون واليهود وقالوا: محمد لا يغلب! - من هذا الجمع- فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى خشي ألا يخرج معه أحد. وجاءه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما- وقد سمعا ما سمعا- وقالا: يا رسول اللَّه، إن اللَّه مظهر دينه ومعزّ نبيه، وقد وعدنا القوم موعدا، ولا نحب أن نتخلف فيرون أن هذا جبن، فسر لموعدهم، فو اللَّه إن في ذلك لخيرة. فسرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم قال: والّذي نفسي بيده لأخرجنّ وإن لم يخرج معي أحد. فبصّر اللَّه المسلمين وأذهب ما كان رعبهم الشيطان، وخرجوا بتجارات لهم إلى بدر فربحت ربحا كثيرا. خروج المسلمين إلى بدر واستخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة عبد اللَّه بن رواحة، وسار في ألف وخمسمائة، فيهم عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وقام السّوق صبيحة الهلال فأقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة. وخرج أبو سفيان من مكة في ألفين معهم خمسون فرسا ثم رجعوا من مجنة [ (5) ] ، [وذلك أن أبا سفيان بدا له الرجوع فقال: يا معشر قريش، ارجعوا
خبر مجدي بن عمرو، وبني ضمرة
فإنه لا يصلحنا إلا عام خصيب غيداق نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، فإنّي راجع فارجعوا. فرجع الناس، فسمّاهم أهل مكة: «جيش السويق» . يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق] [ (1) ] . خبر مجدي بن عمرو، وبني ضمرة وقام مجدي بن عمرو من بني ضمرة [- ويقال: مخشيّ بن عمرو-] والناس مجتمعون في سوقهم، والمسلمون أكثر ذلك الموسم فقال: يا محمد لقد أخبرنا أنه لم يبق منكم أحد، فما أعلمكم إلا أهل الموسم!. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أخرجنا إلا موعد أبي سفيان وقتال عدونا، وإن شئت مع ذلك نبذنا إليك وإلى قومك العهد ثم جالدناكم [ (2) ] قبل أن نبرح منزلنا هذا. فقال الضمريّ: بل نكف أيدينا عنكم ونتمسك بحلفك. معبد الخزاعي ينذر أهل مكة وانطلق [ (3) ] معبد بن أبي معبد الخزاعي سريعا- بعد انقضاء الموسم [ (4) ]- إلى مكة، وأخبر بكثرة المسلمين وأنهم أهل ذلك الموسم وأنهم ألفان، وأخبرهم بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للضمري. فأخذوا في الكيد والنفقة لقتال [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واستجلبوا من حولهم من العرب وجمعوا الأموال، وضربوا البعث على أهل مكة فلم يترك أحد منهم إلا أن يأتي بمال، ولم يقبل من أحد أقل من أوقية لغزو الخندق. وأنزل اللَّه تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (6) ] يعني نعيم بن مسعود. وعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة فكانت غيبته عنها ست عشرة ليلة. وذكر
سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبي رافع اليهودي، وسبب ذلك
أبو محمد بن حزم أن بدر الموعد بعد ذات الرقاع [ (1) ] . سرية عبد اللَّه بن عتيك لقتل أبي رافع اليهودي، وسبب ذلك ثم كانت سرية عبد اللَّه بن عتيك إلى أبي رافع سلّام بن أبي الحقيق حتى قتل سحر ليلة الاثنين لأربع خلون من ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهرا، وقيل: كان قتله في جمادى الأولى سنة ثلاث. وكان سبب ذلك أن أبا رافع كان قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب، وجعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فإنه كانت له رياسة قريظة بعد يوم بعاث [ (2) ]- فبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه ابن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن زيد بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري [ (3) ]- وكانت أمه بخيبر يهودية أرضعته- وبعث معه أربعة هم: عبد اللَّه بن أنيس، وأبو قتادة، والأسود بن الخزاعي، ومسعود بن سنان، وأمرهم بقتله، ونهى عن قتل النساء والولدان، فانتهوا إلى خيبر ونزلوا على أم عبد اللَّه [ابن عتيك] [ (4) ] ليلا- وقد تلقتهم بتمر وخبز- فكمنوا [ (5) ] حتى هدأت الرّجل، واستفتحوا على أبي رافع. فقالت امرأته: ما شأنكم؟ فقال لها عبد اللَّه بن عتيك- وكان يرطن باليهودية-: جئت أبا رافع بهدية. ففتحت له فدخل بمن معه- وأبو رافع نائم- فعلوه بأسيافهم وقد صاحت المرأة، واتكأ عبد اللَّه بن أنيس بسيفه على بطنه حتى بلغ الفراش، وهلك. فنزولا، ونسي أبو قتادة الأنصاري قوسه فرجع فأخذها، [فوقع من الدرجة] [ (6) ] فانكفت رجله فاحتملوه. وقام الصّائح وأتت يهود، فخرج منهم أبو
تعليم زيد بن ثابت كتابة اليهود
ذؤيب [ (1) ] الحارث في آثار القوم ومعه جمع، فنجاهم اللَّه منهم. وقد كمنوا يومين حتى سكن الطلب، ثم أقبلوا إلى المدينة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر، فقال: أفلحت الوجوه! فقالوا: أفلح وجهك يا رسول اللَّه! قال: أقتلتموه؟ قالوا: نعم، كلنا يدّعي قتله. وأروه أسيافهم فقال: هذا قتله، هذا أثر الطعام في سيف عبد اللَّه ابن أنيس. فكانت غيبتهم عشرة أيام. ويقال: كانت هذه السرية في رمضان سنة ست [ (2) ] . تعليم زيد بن ثابت كتابة اليهود وفي هذه السنة الرابعة أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد ابن لوذان بن عمرو بن عوف بن غنم بن مالك النجار الأنصاريّ رضي اللَّه عنه أن يتعلم كتاب يهود، وقال: لا آمن أن يبدلوا كتابي. وولد الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما- في قول بعضهم- لليال خلون من شعبان. غزوة ذات الرقاع ثم كانت غزوة ذات الرقاع: وسمّيت بذلك لأنها كانت عند جبل فيه بقع حمر وبيض وسود كأنها رقاع، وقيل: سميت بذلك لأنها رقعوا راياتهم، ويقال أيضا: ذات الرقاع شجرة بذلك الموقع يقال لها ذات الرقاع. وأصح الأقوال ما رواه البخاري من طريق أبي موسى قال: خرجنا مع النبي [ (3) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة [ (4) ]- ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه- فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا [ (5) ] نلفّ على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع لما كنا
ما فيها من دلائل النبوة
نعصب من الخرق على أرجلنا [ (1) ] . ما فيها من دلائل النبوة وفي هذه الغزاة ظهر من أعلام النبوة: ظهور بركة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في أكل أصحابه من ثلاث بيضات حتى شبعوا ولم تنقص، وسبق جمل جابر بعد تخلفه، وبرء الصبي مما كان به، وقصة الأشاءتين [ (2) ] ، وقصة غورث [بن الحارث] [ (3) ] وقصة الجمل لما برك يشكو. الخروج إلى الغزوة وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة السبت لعشر خلون من المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا، وقدم صرار [ (4) ] يوم الأحد لخمس بقين منه، وغاب خمس عشرة ليلة. وسببها أن [قادما- قدم يجلب له] [ (5) ] من نجد إلى المدينة- أخبر أن بني أنمار بن بغيض، وبني سعد بن ثعلبة بن ذبيان بن بغيض، قد جمعوا لحرب المسلمين، فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم في أربعمائة، وقيل: في سبعمائة، وقيل: ثمانمائة، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، وبثّ السرايا في طريقه فلم يروا أحدا، ثم قدم محالّهم وقد ذهبوا إلى رءوس الجبال وأطلّوا على المسلمين، فخاف الفريقان بعضهم من بعض. صلاة الخوف وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الخوف، فكان أوّل ما صلاها يومئذ، وقد خاف أن يغيروا عليه وهم في الصلاة، فاستقبل القبلة وطائفة خلفه وطائفة مواجهة للعدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجدتين ثم ثبت قائما فصلوا خلفه ركعتين وسجدتين ثم سلموا، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين،
تحقيق القول في صلاة الخوف متى كانت
والطائفة الأولى مقبلة على العدو، فلما صلى بهم ركعة ثبت جالسا حتى أتموا لأنفسهم ركعة وسجدتين ثم سلّم. هكذا ذكر ابن إسحاق والواقدي وغيرهما من أهل السّير، وهو مشكل. تحقيق القول في صلاة الخوف متى كانت فإنه قد جاء في رواية الشافعيّ وأحمد والنّسائيّ عن أبي سعيد: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حبسه المشركون يوم الخندق عن الظهر والعصر والمغرب والعشاء فصلاهن جمعا، وذلك قبل نزول صلاة الخوف. قالوا: وإنما نزلت صلاة الخوف بعسفان، كما رواه أبو عيّاش الزّرقيّ قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعسفان فصلى بنا الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقالوا: لقد أصبنا منهم غفلة، ثم قالوا: إن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أموالهم وأبنائهم. فنزلت- يعني صلاة الخوف- بين الظهر والعصر، فصلى بنا العصر ففرقنا فرقتين، وذكر الحديث. أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي [ (1) ] . وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نازلا بين ضجنان [ (2) ] وعسفان محاصر المشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أهم إليهم من أبنائهم وأبكارهم، أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة. فجاء جبريل عليه السلام فأمره أن يقسم أصحابه نصفين، وذكر الحديث. رواه النّسائيّ [ (1) ] والترمذي [ (3) ] وقال: حسن صحيح. وقد علم بلا خلاف أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق فاقتضى هذا أن ذات الرقاع بعدها بل بعد خيبر. ويؤيد هذا أن أبا موسى الأشعري وأبا هريرة رضي اللَّه عنهما شهداها: أما أبو موسى الأشعري فإنه قدم بعد خيبر، وقد جاء في الصحيحين عنه: أنه شهد غزوة ذات الرقاع، وأنهم كانوا يلفّون على أرجلهم الخرق لما نقبت، فسميت بذلك، وأما أبو هريرة، فعن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة: هل صليت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الخوف؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: عام غزوة
خبر الربيئة: عباد بن بشر وعمار بن ياسر
نجد، وذكر صفة من صفات صلاة الخوف. أخرجه [ (1) ] الإمام أحمد وأبو داود والنسائي. وإنما جاء أبو هريرة مسلما أيام خيبر. وكذلك قال عبد اللَّه بن عمر، قال: غزوت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل نجد، فذكر صلاة الخوف. وإجازة [ (2) ] عبد اللَّه في القتال كانت عام الخندق. وقد قال البخاري: إن ذات الرقاع بعد خيبر، واستشهد بقصة [ (3) ] أبي موسى وإسلام أبي هريرة. وقال ابن إسحاق: إنها كانت في جمادى الأولى بعد غزوة بني النضير بشهرين، وقد قال بعض من أرّخ: إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة، فواحدة كانت قبل الخندق، وأخرى بعدها. وقد قيل: إن قصة جمل جابر وبيعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت في غزوة ذات الرقاع. وفي ذلك نظر، لأنه جاء أن ذلك كان في غزوة تبوك. وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم جعال بن سراقة بشيرا إلى المدينة بسلامته وسلامة المسلمين. خبر الربيئة: عباد بن بشر وعمار بن ياسر وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أصاب في محالهم نسوة منهن جارية وضيئة كان زوجها يحبها، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم راجعا إلى المدينة حلف زوجها ليطلبن محمدا، ولا يرجع إلى قومه حتى يصيب محمدا، أو يهريق فيهم دما، أو يتخلص صاحبته. فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيرة في عشية ذات ريح فنزل في شعب فقال: من رجل يكلأنا [ (4) ] الليلة؟ فقام عمار بن ياسر وعباد بن بشر فقالا: نحن يا رسول اللَّه نكلؤك: وجعلت الريح لا تسكن، وجلسا على فم الشّعب. فقال أحدهما لصاحبه: أي الليل [ (5) ] أحب إليك [أن أكفيكه، أوله أم آخره] [ (6) ] ؟ قال: [بل] [ (7) ] اكفني
خبر فرخ الطائر
أوله. فنام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلي، وأقبل عدو اللَّه يطلب غرّة وقد سكنت الريح. فلما رأى سواده من قريب قال: يعلم اللَّه إن هذا لربيئة القوم: ففوّق له سهما فوضعه فيه، فانتزعه [فوضعه] [ (1) ] ، ثم رماه بآخر فوضعه فيه، فانتزعه فوضعه، ثم رماه الثالث فوضعه فيه. فلما غلبه الدم ركع وسجد، ثم قال لصاحبه: اجلس فقد أتيت: فجلس عمار، فلما رأى الأعرابي أن عمارا قد قام علم أنهم قد نذروا به. فقال عمار: أي أخي؟ ما منعك أن توقظني في أول سهم رمى به؟ قال: كنت في سورة أقرأها- وهي سورة الكهف- فكرهت أن أقطعها حتى أفرغ منها. ولولا إني خشيت أن أضيع ثغرا أمرني به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما انصرفت ولو أتى على نفسي. ويقال: بل هو عمارة بن حزم، وأثبتهما عباد بن بشر. خبر فرخ الطائر وجاء رجل بفرخ طائر، فأقبل أبواه، أو أحدهما حتى طرح نفسه في يد الّذي أخذ فرخه، فعجب الناس من ذلك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه! واللَّه لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه. خبر صاحب الثوب الخلق ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا وعليه ثوب منخرق فقال: أما له غير هذا؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، إن له ثوبين جديدين في العيبة [ (2) ] ، فقال له: خذ ثوبيك. فأخذ ثوبيه فلبسهما ثم أدبر فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أليس هذا أحسن؟ ما له ضرب اللَّه عنقه! فسمع ذلك الرجل، فقال: في سبيل اللَّه يا رسول اللَّه! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: في سبيل اللَّه. فضربت عنقه بعد ذلك في سبيل اللَّه.
خبر البيضات
خبر البيضات وجاءه علبة [ (1) ] بن زيد الحارثي بثلاث بيضات وجدها في مفحص [ (2) ] نعام، فأمر جابر بن عبد اللَّه بعملها، فوثب فعملها وأتى بها في قصعة، فأكل صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه منه بغير خبز، والبيض في القصعة كما هو، وقد أكل منه عامتهم. خبر غورث وقيل: إن حديث غورث بن الحارث كان في هذه الغزاة [ (3) ] ، وقيل: كان في غزوة ذات الرقاع التي بعد الخندق- لما أخرجا في الصحيحين [ (4) ] عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فجاء رجل من المشركين- وسيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معلّق بشجرة- فأخذ سيف نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] فاخترطه [ (6) ] ، فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتخافني؟ قال: لا. قال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه يمنعني منك [ (7) ] ! قال: فتهدده أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأغمد السيف وعلّقه. قال: فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين. قال: فكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع ركعات وللقوم ركعتان. واللفظ لمسلم. تحريم الخمر قال البلاذريّ: وفي سنة أربع من الهجرة حرّمت الخمر. غزوة دومة الجندل ثم كانت غزوة دومة الجندل. خرج إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخامس والعشرين
سبب غزوة دومة الجندل
من ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا في ألف من المسلمين، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ. سبب غزوة دومة الجندل وسببها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يدنو إلى أدنى الشّأم، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشأم فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر، وذكر له أن بدومة الجندل جمعا كثيرا من [الضافطة] [ (1) ] ، وأنهم يظلمون من مرّ بهم، ويريدون أن يدنوا [ (2) ] من المدينة. فندب الناس وسار مغذّا [ (3) ] للسير، ونكّب عن طريقهم، فكان يسير الليل [ (4) ] ويكمن النهار، ومعه دليل من بني عذرة يقال له: مذكور. فلما كان بينه وبين دومة الجندل يوم أو ليلة، هجم على ماشيتهم [ورعاتهم فأصاب منها ما أصاب] [ (5) ] ، وفرّ باقيهم، فتفرق أهل دومة لما بلغهم الخبر، ونزل صلّى اللَّه عليه وسلّم بساحتهم فلم يجد بها أحدا، فأقام أياما وبث سراياه، فعادت بإبل ولم يلق أحدا، وعاد إلى المدينة في العشرين من ربيع الآخر. ووادع في طريقه عيينة بن حصن الفزاري. زواجه بأم سلمة ثم بزينب بنت جحش ونزول آية الحجاب وفي ليال بقين من شوال تزوج أم سلمة، وقيل: تزوجها سنة اثنين بعد بدر، وقيل: قبل بدر. وفي ذي القعدة من هذه السنة تزوج ابنة عمته زينب بنت جحش. وقيل: تزوجها سنة ثلاث، ويقال: سنة خمس، وقيل: تزوجها سنة ثلاث مع زينب أم المساكين. ونزلت آية الحجاب. وفي هذه السنة أمر زيد بن ثابت بتعلم كتاب اليهود، وفيها رجم اليهودي واليهودية، وفي جمادى الآخرة خسف القمر وصلى صلاة الخسوف. وزلزلت [ (6) ] المدينة. وسابق بين الخيل، وقيل: في سنة ست،
غزوة المريسيع"بني المصطلق"
وجعل بينها سبقا ومحللا. غزوة المريسيع «بني المصطلق» ثم كانت غزوة المريسيع، ويقال: غزوة بني المصطلق وهم بنو جذيمة بن كعب ابن خزاعة، فجذيمة هو المصطلق. والمريسيع ماء لخزاعة بينه وبين الفرع نحو من يوم، وبين الفرع والمدينة ثمانية برد [ (1) ] . وكانت في سنة ست من الهجرة، وقيل: سنة خمس. خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، وقال ابن هشام: استعمل أبا ذر، ويقال: نميلة بن عبد اللَّه الليثي، [ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه] [ (2) ] ، وقيل: إلى عمار بن ياسر، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة. سببها وسببها أن الحارث بن أبي ضرار بن حبيب [بن الحارث بن عائد [ (3) ]] بن مالك بن جذيمة [بن سعد] [ (3) ] بن كعب بن خزاعة سيد بني المصطلق، جمع لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قومه ومن العرب [جمعا] [ (4) ] كبيرا، فتهيّئوا [ (5) ] ليسيروا إليه، وكانوا ينزلون ناحية الفرع، فبلغ خبرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعث بريدة بن الحصيب بن عبد اللَّه بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح بن عدي بن سهم ابن مازن بن الحارث بن سلامان بن سلّم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر الأسلمي- يعلم علم ذلك، فأتاه بخبرهم. فندب الناس وأخبرهم خبر عدوّهم، فأسرعوا الخروج، وقادوا ثلاثين فرسا منها: عشرة للمهاجرين، وعشرون للأنصار، ولرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسان هما: لزاز والظّرب. وخرج كثير من المنافقين ليصيبوا من عرض الدنيا ولقرب السفر عليهم.
إسلام رجل من عبد القيس
إسلام رجل من عبد القيس فلقي صلّى اللَّه عليه وسلّم في طريقه رجلا في طريقه من عبد القيس فأسلم، وسأل: أي الأعمال أحب إلى اللَّه؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة في أول وقتها. فكان بعد ذلك لا يؤخر الصلاة إلى الوقت الآخر. فأصاب عينا من المشركين فضرب عنقه بعد أن عرض عليه الإسلام فأبي. الانتهاء إلى المريسيع ولقاء العدو وانتهى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المريسيع [وهو ماء لخزاعة من ناحية قديد إلى الساحل] وقد بلغ القوم مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقتله عينهم، فتفرق عن الحارث من كان قد اجتمع إليه من أفناء [ (1) ] العرب، وضرب له صلّى اللَّه عليه وسلّم قبة من أدم، وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي اللَّه عنهما. فصف أصحابه وقد تهيأ الحارث للحرب، ونادى عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه في الناس: قولوا لا إله إلا اللَّه تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم. فأبوا ورموا بالنبل، فرمى المسلمون ساعة بالنبل ثم حملوا على المشركين حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان، وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم، وسبيت النساء والذرية، وغنمت الإبل والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدوّ [ (2) ] ، فقتله خطأ. شعار المسلمين وكان شعارهم: يا منصور أمت أمت. وقيل: بل أغار عليهم صلّى اللَّه عليه وسلّم وهم غارّون ونعمهم تسقي على الماء. والحديث الأول أثبت. وكان من خبر الرجل الّذي قتل: أنه خرج هشام بن صبابة في طلب العدو، فرجع في ريح شديدة فوجد رجلا [من رهط عبادة بن الصامت يقال له أوس] فقلته وهو يظنه مشركا، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تخرج ديته، [ويقال: قتله رجل من بني عمرو بن عوف] فقدم أخوه مقيس بن صبابة من مكة مسلما فيما يظهر يطلب دية أخيه، فأمر له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالدّية فقبضها، ثم عدا على قاتل أخيه
الأسرى والغنائم
فقتله، ثم ارتدّ ولحق بقريش وقال شعرا، فأهدر صلّى اللَّه عليه وسلّم دمه، حتى قتله نميلة [ابن عبد اللَّه الليثي] [ (1) ] يوم الفتح. الأسرى والغنائم وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأسرى فكتّفوا، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب، وأمر بما وجد في رحالهم من متاع وسلاح فجمع، وسيقت النّعم والشاء، واستعمل عليها شقران: مولاه. واستعمل على المقسم- مقسم الخمس وسهمان المسلمين- محمية ابن جزء [ (2) ] بن عبد يغوث بن عويج بن عمرو بن زبيد الأصغر الزبيدي، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس من جميع المغنم فكان يليه محمية بن جزء [ (2) ] ، وكان يجمع إليه الأخماس. وكانت الصدقات على حدتها، أهل الفيء بمعزل عن الصدقة، [وأهل الصدقة] [ (3) ] بمعزل عن الفيء. فكان يعطي من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف، فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء وأخرج من الصدقة ووجب عليه الجهاد، فإن كره الجهاد وأباه لم يعط من الصدقة شيئا، وخلى بينه وبين أن يكتسب لنفسه. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يمنع سائلا: فأتاه رجلان يسألانه من الخمس فقال [ (4) ] : إن شئتما أعطيتكما منه، ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب. قسمة الغنائم وفرّق السبي فصار في أيدي الرجال، وقسم المتاع والنعم والشاء، وعدلت الجزور بعشر من الغنم، وبيعت رثة المتاع فيمن يزيد، وأسهم للفرس سهمان ولصاحبه سهما، وللراجل سهما، وكانت الإبل ألفي بعير وخمسة آلاف شاة، وكان السّبي مائتي أهل بيت. خبر جويرية بنت الحارث وزواج رسول اللَّه بها، وبركتها على أهلها وصارت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس
فداء أسرى بني المصطلق
أو ابن له، فكاتبها على تسع أواق من ذهب، فبينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الماء إذ دخلت عليه تسأله في كتابتها وقالت: يا رسول اللَّه، إني امرأة مسلمة وتشهدت وانتسبت، وأخبرته بما جرى لها واستعانته في كتابتها، فقال: أو خير من ذلك، أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك! قالت: نعم. فطلبها من ثابت فقال: هي لك يا رسول اللَّه. فأدى ما عليها وأعتقها وتزوجها، وخرج الخبر إلى الناس وقد اقتسموا رجال بني المصطلق وملكوهم ووطئوا نساءهم، فقالوا: أصهار النبي! فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي. وكانت جويرية رضي اللَّه عنها عظيمة البركة على قومها. فداء أسرى بني المصطلق ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، ويقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، وقيل: كان السبي: منهم من منّ عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير فداء، ومنهم من افتدى، وذلك بعد ما صار السبي في أيدي الرجال، فافتديت المرأة والذرية بست فرائض، وكانوا قدموا المدينة ببعض السبي، فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم، فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها، قال الواقدي: وهذا الثبت. وقيل: إن الحارث افتدى ابنته جويرية من ثابت بن قيس بما افتدى به امرأة من السبي ثم خطبها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبيها فأنكحها: وكان اسمها برّة، فسماها [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم جويرية [ (2) ] . قال الواقدي: وأثبت هذا عندنا حديث عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قضى عنها كتابتها وأعتقها وتزوجها. خبر العزل وسئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه الغزوة عن العزل فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا؟ ما من نسمة كائنة يوم القيامة إلا وهي كائنة. فقال رجل من اليهود لأبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه، وقد خرج بجارية يبيعها في السوق: لعلك تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة [ (3) ] ؟ فقال: كلا، إني كنت أعزل عنها. فقال: تلك الموءودة الصغري! فلما أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك قال: كذبت يهود.
خبر جهجاه وسنان على الماء
خبر جهجاه وسنان على الماء وبينا المسلمون على ماء المريسيع إذ أقبل سنان بن وبر الجهنيّ- وقيل: هو سنان بن تيم اللَّه، وهو من جهينة بن سود بن أسلم- حليف الأنصار- ومعه فتيان من بني سالم يستقون. [وعلى] [ (1) ] الماء جمع من المهاجرين والأنصار. فأدلى دلوه، وأدلى جهجاه بن مسعود بن سعد بن حرام الغفاريّ- أجير عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه- دلوه. تنازعهما واختلاف المهاجرين والأنصار فالتبست دلو سنان ودلو جهجاه وتنازعا، فضرب جهجاه سنانا فسال الدم، فنادى: يا للخزرج! وثارت الرجال، فهرب جهجاه وجعل ينادى في العسكر: يا لقريش! يا لكنانة! فأقبلت قريش وأقبلت الأوس والخزرج، وشهروا السلاح حتى كادت تكون فتنة عظيمة، فقام رجال في الصلح فترك سنان حقه. تحريض عبد اللَّه بن أبيّ وما كان من مقالته في ذلك وكان عبد اللَّه بن أبيّ جالسا في عشرة من المنافقين فغضب وقال: واللَّه ما رأيت كاليوم مذلة! واللَّه إن كنت لكارها لوجهي هذا، ولكن قد غلبوني. قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلدنا، وأنكروا منتنا، واللَّه ما صرنا وجلابيب [ (2) ] قريش هذه إلا كما قال القائل: «سمّن كلبك يأكلك» ، واللَّه لقد ظننت أني سأموت قبل أن أسمع هاتفا يهتف بما هتف به جهجاه وأنا حاضر لا يكون لذلك مني غير [ (3) ] ، واللَّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ. ثم أقبل على من حضر من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم! أحللتموهم بلادكم، ونزلوا منازلكم، وآسيتموهم [ (4) ] في أموالكم حتى استغنوا. أما واللَّه لو أمسكتم [عنهم ما] [ (5) ] بأيديكم لتحولوا [ (6) ] إلى غير بلادكم، ثم لم ترضوا ما فعلتم حتى جعلتم
إبلاغ زيد بن أرقم رسول الله مقالة عبد الله بن أبي
أنفسكم- أغراضا [ (1) ] للمنايا فقتلتم دونهم [ (1) ] ، فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا. إبلاغ زيد بن أرقم رسول اللَّه مقالة عبد اللَّه بن أبيّ وكان زيد بن أرقم حاضرا- وهو غلام لم يبلغ أو قد بلغ- فحدّث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، وعنده نفر من المهاجرين والأنصار، فتغير وجهه ثم قال: يا غلام، لعلك غضبت عليه؟ قال: لا واللَّه، لقد سمعت منه. قال: لعله أخطأ سمعك! قال: لا يا نبي اللَّه. قال: فلعله شبه عليك؟ قال: لا واللَّه لقد سمعت منه يا رسول اللَّه. وشاع في العسكر ما قاله ابن أبيّ، حتى ما كان للناس حديث إلا هو. وأنّب جماعة من الأنصار زيد بن أرقم، فقال- في جملة كلام-: وإني لأرجو أن ينزل اللَّه على نبيه، حتى تعلموا أني كاذب أم غيري. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! مر عباد بن بشر فليأتك برأسه. فكره ذلك وقال: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وبلغ الخبر ابن أبيّ، فحلف باللَّه ما قال من ذلك شيئا، ثم مشى [ (2) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحلف باللَّه ما قال. رحيل رسول اللَّه بعد مقالة المنافقين وأسرع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك السير، ورحل في ساعة لم يكن يرتحل فيها. فأقبل عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه حتى جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في فيء شجرة عنده غليم أسيود يغمز ظهره [ (3) ] فقال: يا رسول اللَّه! كأنك تشتكي ظهرك! فقال: تقحّمت بي الناقة [ (4) ] الليلة. فقال عمر: يا رسول اللَّه، ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبيّ في مقالته. فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه. طلوع رسول اللَّه على العسكر ومقالة سعد بن عبادة ويقال: لم يشعر أهل العسكر إلا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد طلع على راحلته وكانوا في حر شديد، وكان لا يروح حتى يبرد، إلا أنه لما جاءه ابن أبيّ رحل في تلك
تصديق الله خبر زيد بن أرقم
الساعة، فكان أوّل من لقيه سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه، ويقال: أسيد بن حضير. فقال: خرجت يا رسول اللَّه في ساعة ما كنت تروح فيها! قال: أو لم يبلغك ما قال صاحبكم ابن أبيّ، زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذلّ؟ قال: فأنت يا رسول اللَّه تخرجه إن شئت، فهو الأذل وأنت الأعز، يا رسول اللَّه! ارفق به، فو اللَّه لقد جاء اللَّه بك وإن قومه لينظمون له الخرز، ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي ليتوجوه، فما يرى إلا قد سلبته ملكه. تصديق اللَّه خبر زيد بن أرقم وبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير من يومه ذلك- وزيد بن أرقم يعارضه براحلته يريد وجهه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستحث راحلته فهو مغذّ في المسير- إذ نزل عليه الوحي فسرّي [ (1) ] عنه، فأخذ بأذن زيد بن أرقم حتى ارتفع عن مقعده عن راحلته وهو يقول: وفت [ (2) ] أذنك يا غلام وصدّق اللَّه حديثك! ونزل في ابن أبيّ: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ [ (3) ] وكان عبادة بن الصامت قبل ذلك قال لابن أبيّ: ايت رسول اللَّه يستغفر لك، فلوى رأسه معرضا، فقال له عبادة: واللَّه لينزلنّ في ليّ رأسك قرآن يصلّى به. ومرّ عبادة بن الصامت بابن أبيّ- عشية راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المريسيع، وقد نزل فيه القرآن- فلم يسلّم عليه، ثم مرّ أوس بن خوليّ فلم يسلّم عليه، فقال: إن هذا الأمر قد تمالأتما عليه. فرجعا إليه فأنّباه [ (4) ] وبكّتاه بما صنع، وبما نزل القرآن إكذابا لحديثه. فقال: لا أعود أبدا. حديث عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي عن أبيه وخبره وجاء ابنه عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبيّ فقال: يا رسول اللَّه، إن كنت تريد أن تقتل [ (5) ] أبي فيما بلغك عنه فمرني به، فو اللَّه لأحملن إليك رأسه قبل أن تقوم
سير رسول الله
من مجلسك هذا. واللَّه لقد علمت الخزرج ما كان فيها [ (1) ] رجل أبرّ بوالده [ (1) ] مني، وإني لأخشى- يا رسول اللَّه- أن تأمر غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن انظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النار، وعفوك أفضل، ومنّك أعظم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أردت قتله، وما أمرت به، ولنحسنن صحبته ما كان بين أظهرنا. فقال: يا رسول اللَّه! إن أبي كانت هذه البحيرة قد استقوا [ (2) ] عليه ليتوجوه، فجاء اللَّه بك فوضعه ورفعنا بك، ومعه قوم يطيفون به [ (3) ] يذكرونه أمورا قد غلب اللَّه عليها. وقال عبد اللَّه في ذلك شعرا. سير رسول اللَّه ولما خرجوا من المريسيع قبل الزوال لم ينخ [ (4) ] أحد إلا لحاجة أو لصلاة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستحث راحلته بالسوط في تراقيها [ (5) ] حتى أصبحوا، ومدّوا يومهم حتى انتصف النهار، ثم راحوا مردين [ (6) ] ، فنزل من الغد ماء يقال له: بقعاء. الريح التي أنذرت بموت كهف المنافقين رفاعة بن التابوت فأخذتهم ريح شديدة- اشتدت إلى أن زالت الشمس ثم سكنت آخر النهار- حتى أشفقوا منها، وسألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها، وخافوا أن يكون عيينة بن حصن خالف إلى المدينة، وقالوا: لم تهج هذه الريح إلا من حدث. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس عليكم بأس منها، فما بالمدينة من نقب [ (7) ] إلا عليه ملك يحرسه، وما كان ليدخلها
جزع المنافقين لموته
عدو حتى تأتوها، ولكنه مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة: فلذلك عصفت الريح. وكان موته للمنافقين غيظا شديدا، وهو رفاعة بن زيد بن التابوت [ (1) ] [أحد بني قينقاع، وكان عظيما من عظماء يهود، وكهفا للمنافقين] [ (2) ] ، مات ذلك اليوم. وكانت هذه الريح أيضا بالمدينة حين دفن عدو اللَّه فسكنت. جزع المنافقين لموته وقال عبادة بن الصامت يومئذ لابن أبيّ: أبا حباب! مات خليلك. قال: أي أخلائي؟ قال: من موته فتح للإسلام وأهله! رفاعة بن زيد [ (1) ] بن التابوت، قال: يا ويلاه! كان واللَّه وكان وكان، وجعل يذكر. فقال له عبادة: اعتصمت واللَّه بالذّنب الأبتر! قال: من خبّرك يا أبا الوليد بموته؟ قال: رسول اللَّه أخبرنا الساعة أنه مات هذه الساعة، فأسقط في يديه وانصرف كئيبا حزينا. فلما دخلوا المدينة وجدوا عدو اللَّه مات في تلك الساعة. خبر ناقة رسول اللَّه التي فقدت، ومقالة المنافق وفقدت ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- القصواء- من بين الإبل وهي سارحة، فتطلبها المسلمون في كل وجه، فقال زيد بن اللصيت [القينقاعي] [ (3) ] وكان منافقا: أفلا يخبره اللَّه بمكان ناقته! فأنكر القوم ذلك عليه، وأسمعوه كل مكروه، وهموا به، فهرب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متعوذا به وقد جاءه الوحي بما قال، فقال- والمنافق يسمع-: إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه وقال: ألا يخبره اللَّه بمكانها؟ فلعمري أن محمدا ليخبر بأعظم من شأن الناقة! ولا يعلم الغيب إلا اللَّه، وإن اللَّه قد أخبرني بمكانها، وأنها في هذا الشعب: مقابلكم، قد تعلق زمامها بشجرة، فاعمدوا عمدها. فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
حماية النقيع لخيل المسلمين
حماية النقيع لخيل المسلمين ولما مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنقيع [ (1) ] رأى سعة وكلأ وغدرا [ (2) ] كثيرة، فأمر حاطب بن أبي بلتعة أن يحفر به بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى، واستعمل عليه بلال ابن الحارث المزني، قال: وكم أحمي منه يا رسول اللَّه؟ قال: أقم رجلا صيتا- إذا طلع الفجر- على هذا الجبل فحيث انتهى صوته، فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها. قال: يا رسول اللَّه، أفرأيت ما كان من سوائم [ (3) ] المسلمين؟ فقال: لا يدخلها. قال: أرأيت المرأة والرجل الضعيف يكون له الماشية اليسيرة وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى. وسبّق صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ بين الخيل والإبل، فسبقت القصواء الإبل وعليها بلال، وسبق فرسه الظرب وعليه أبو أسيد الساعديّ. بدء حديث الإفك وكان حديث الإفك [ (4) ] ، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل منزلا ليس معه ماء، وسقط عقد عائشة رضي اللَّه عنها من عنقها، فأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس حتى أصبحوا، وضجر [ (5) ] الناس وقالوا: حبستنا عائشة. فضاق بذلك أبو بكر رضي اللَّه عنه وعاتب عائشة عتابا شديدا. نزول آية التيمم ونزلت آية التيمم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كان من قبلكم لا يصلون إلا في بيعهم وكنائسهم، وجعلت لي الأرض طهورا حيثما أدركتني الصلاة. ونزلت آية التيمم عند طلوع الفجر، فمسح المسلمون أيديهم بالأرض، ثم مسحوا أيديهم إلى
مسابقة رسول الله عائشة
المناكب ظهرا وبطنا. وكانوا يجمعون مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الصلاتين في سفره. مسابقة رسول اللَّه عائشة ثم صاروا ونزلوا حوضا دمثا [ (1) ] طيبا ذا أراك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عائشة! هل لك في السباق؟ قالت: نعم! فتحزّمت ثيابها، وفعل ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم استبقا، فسبق صلّى اللَّه عليه وسلّم عائشة رضي اللَّه عنها، فقال: هذه بتلك السبقة التي كنت سبقتني. وكان جاء إلى منزل أبي بكر رضي اللَّه عنه، ومع عائشة شيء فقال: هلميه! فأبت وسعت، وسعى في أثرها، فسبقته. خرّج أبو داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه، وعن أبي سلمة عن عائشة أنها كانت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة [ (2) ] . وخرجه أبو حبان به ولفظه: سابقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقني، فقال: هذه بتلك. وكانت هذه الغزوة قبل أن يضرب الحجاب. تخلف عائشة ومجيء صفوان وحديث الإفك وكان يرحل بعير عائشة رضي اللَّه عنها أبو مويهبة [ (3) ] ورجل آخر، وكانت تقعد في هودج [ (4) ] ، فحمل الهودج وهو يظنها فيه- لخفة النساء يومئذ من قلة أكلهن- وساروا وقد ذهبت عائشة لحاجتها وتجاوزت العسكر، وفي عنقها عقد من جزع ظفار [ (5) ] فانسل من عنقها ولا تدري به، فرجعت تلتمسه حتى وجدته، ثم عادت وليس في العسكر أحد، فاضطجعت ونامت، فجاء صفوان بن المعطل ابن ربيضة [ (6) ] بن خزاعيّ بن محارب بن مرّة بن فالج [ (6) ] بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة
استشارة رسول صلى الله عليه وسلم الله أصحابه في فراق عائشة
ابن سليم السلمي ثم الذّكواني أبو عمرو- وكان في السّاقة [ (1) ]- فاسترجع لما رآها، فاستيقظت وخمرت [ (2) ] وجهها بملحفتها. فلم يكلمها، وأناخ بعيره وولى عنها حتى ركبت، وقاد بها حتى أتى العسكر. فقال أصحاب الإفك- وكبيرهم عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول- ما قالوا، حتى بلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتغير لعائشة وهي لا تشعر، حتى أعلمتها أم مسطح ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ابن قصي، وكانت أمها خالة أبي بكر رضي اللَّه عنه. فأتت أبويها لتستيقن الخبر، فوجدت عندهما العلم بما قاله أهل الإفك. فبكت ليلتها حتى أصبحت. استشارة رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّه أصحابه في فراق عائشة واستشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا وأسامة في فراق عائشة. فقال أسامة: هذا الباطل والكذب، ولا نعلم إلا خيرا. وقال عليّ: لم يضيق اللَّه عليك، والنساء كثير، وقد أحلّ اللَّه لك وأطاب، فطلقها وأنكح غيرها. وخلا صلّى اللَّه عليه وسلّم ببريرة وسألها فقالت: هي أطيب من طيب الذهب، واللَّه ما أعلم عليها إلا خيرا، واللَّه يا رسول اللَّه لئن كانت على غير ذلك ليخبرنك اللَّه بذلك، ألا إنها جارية ترقد عن العجين حتى تأتي الشاة فتأكل عجينها. وسأل زينب بنت جحش فقالت: حاشى سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا، واللَّه ما أكلمها، وإني لمهاجرتها، وما كنت أقول إلا الحق. وسأل أم أيمن فقالت: حاشى سمعي وبصري أن أكون علمت أو ظننت بها قط إلا خيرا. خطبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمر الإفك واختلاف الأوس والخزرج ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: من يعذرني ممن يؤذيني في أهلي؟ ويقولون لرجل، واللَّه ما علمت على ذلك الرجل إلا خيرا، وما كان يدخل بيتا من بيوتي إلا معي، ويقولون عليه غير الحق! فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أعذرك
دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وحديثهما
منه يا رسول اللَّه، إن يك من الأوس آتيك برأسه، وإن يك من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك يمضي لك. فقام سعد بن عبادة- وقد غضب منه- فقال: كذبت لعمر اللَّه، لا تقتله ولا تقدر [ (1) ] على قتله. فقال أسيد بن حضير: كذبت، واللَّه ليقتلنه وأنفك راغم. وكادت تكون فتنة، فأشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده إلى الأوس والخزرج أن اسكتوا، ونزل عن المنبر، فهدّأهم وخفضهم حتى انصرفوا. دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عائشة وحديثهما ودخل على عائشة- وقد مكث شهرا قبل ذلك لا يوحى إليه في شأنها- فتشهد ثم قال: أما بعد يا عائشة، فإنه بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة يبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بشيء مما يقول الناس فاستغفري اللَّه عز وجل، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى اللَّه تاب اللَّه عليه. فقالت لأبيها: أجب عني رسول اللَّه. قال: واللَّه ما أدري ما أقول وما أجيب به عنك! فقالت لأمها: أجيبي عني. فقالت: واللَّه ما أدري ما أجيب به. فقالت: إني واللَّه قد علمت أنكم سمعتم بهذا الحديث، فوقع في أنفسكم فصدقتم به! فلئن قلت لكم إني بريئة [ (2) ] لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر يعلم اللَّه أني منه بريئة لتصدقنني، وإني واللَّه ما أجد لي مثلا إلا أبا يوسف إذ يقول: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ [ (3) ] ، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر، واللَّه ما قيل لنا هذا في الجاهلية حيث لا نعبد [ (4) ] اللَّه، فيقال لنا في الإسلام! وأقبل عليها مغضبا فبكت. نزول القرآن ببراءة عائشة فغشي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يغشاه وسجى [ (5) ] بثوبه، وجمعت وسادة من أدم تحت رأسه، ثم كشف عن وجهه وهو يضحك ويمسح جبينه وقال: يا عائشة، إن اللَّه قد أنزل براءتك. فأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي
أصحاب الإفك
تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ [ (1) ] فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الناس مسرورا، فصعد المنبر وتلا على الناس ما نزل عليه في براءة عائشة رضي اللَّه عنها. ويقال: كان نزول براءة عائشة رضي اللَّه عنها بعد قدومهم المدينة بسبع وثلاثين ليلة. أصحاب الإفك وكان الذين خاضوا في الإفك مع ابن أبيّ: مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش. فضربهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحد. قال الواقدي: وقيل: لم يضربهم [ (2) ] ، وهو أثبت. إصلاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الأوس والخزرج ومكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أياما، ثم أخذ بيد سعد بن معاذ في نفر حتى دخل على سعد بن عبادة ومن معه، فتحدثوا ساعة، وقرب لهم سعد بن عبادة طعاما فأصابوا منه وانصرفوا. فمكث أياما، ثم أخذ بيد سعد بن عبادة ونفر معه، فانطلق به حتى دخل منزل سعد بن معاذ، فتحدثوا ساعة، وقرب لهم سعد بن معاذ طعاما، فأصابوا [منه] [ (3) ] ، ثم خرجوا، فذهب من أنفسهم ما كانا تقاولا من ذلك القول.
مقالة عبد الله بن أبي في جعيل بن سراقة
مقالة عبد اللَّه بن أبيّ في جعيل بن سراقة وكان عبد اللَّه بن أبي بن سلول [وسلول أمه، وإنما هو أبيّ بن مالك بن الحارث ابن عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عمرو بن الخزرج] لما قال- وذكر جعيل ابن سراقة الغفاريّ. ويقال: الضمريّ، وجهجاه بن مسعود، ويقال: ابن سعيد ابن حرام بن غفار الغفاريّ، وكانا من فقراء المهاجرين- قال: ومثل هذين يكثّرا على قومي، وقد أنزلنا محمدا في ذروة كنانة وعزها؟ واللَّه لقد كان جعيل يرضى أن يسكت فلا يتكلم، فصار اليوم يتكلم!. مقالته في صفوان ثم كان من كلامه- في صفوان بن المعطل بن ربيعة بن الخزاعي بن محارب ابن مرة بن فالج [ (1) ] بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة [ (1) ] بن سليم السلميّ- ما كان، ورميه بالإفك. قال حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عديّ بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري رضي اللَّه عنه: أمسى الجلابيب قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد [ (2) ] وفي أبيات أخر. خبر صفوان بن المعطل في ضرب حسان بن ثابت فجاء صفوان بن المعطل- بعد ما قدموا المدينة- إلى جعيل بن سراقة فقال: انطلق بنا نضرب حسان، فو اللَّه ما أراد غيرك وغيري، ولنحن أقرب إلى رسول اللَّه منه، فأبي جعيل أن يذهب إلا بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخرج صفوان مصلتا بالسيف، حتى ضرب حسان بن ثابت في نادي قومه. فوثب الأنصار فأوثقوه رباطا، وولي ذلك منه ثابت بن قيس بن شماس [بن زهير] [ (3) ] بن مالك بن
حبس صفوان وما كان من أمر سعد في إطلاقه
امرئ القيس بن مالك الأغر الأنصاري- فمرّ به عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان ابن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري [ (1) ] فخلّى عنه. وجاء به وبحسان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال حسان: يا رسول اللَّه شهر علي السيف في نادي قومي، ثم ضربني لأن أموت ولا أراني إلا ميتا من جراحاتي! فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] لصفوان: ولم ضربته وحملت السلاح عليه؟ وتغيظ صلّى اللَّه عليه وسلّم. فقال: يا رسول اللَّه، آذاني وهجاني وسفه عليّ [ (2) ] وحسدني على الإسلام! فقال لحسان: أسفهت على قوم أسلموا؟. حبس صفوان وما كان من أمر سعد في إطلاقه ثم قال: احبسوا صفوان، فإن مات حسان فاقتلوه به. فخرجوا بصفوان، وبلغ ذلك سعد بن عبادة، فأقبل على قومه من الخزرج فقال: عمدتم إلى رجل من قوم رسول اللَّه تؤذونه، وتهجونه بالشعر، وتشتمونه، فغضب لما قيل له، ثم أسرتموه أقبح الأسر ورسول اللَّه بين أظهركم؟ قالوا: فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرنا بحبسه وقال: إن مات صاحبكم فاقتلوه. قال سعد: واللَّه إن أحب الأمرين إلى رسول اللَّه العفو، ولكن رسول اللَّه قد قضى لكم بالحق، وإن رسول اللَّه ليحب أن يترك صفوان، واللَّه لا أبرح حتى يطلق. فقال حسان: ما كان لي من حق فهو لك. وأتى قومه، فغضب قيس بن سعد [بن عبادة] [ (3) ] وقال: عجبا لكم! ما رأيت كاليوم! إن حسان قد ترك حقه وتأبون أنتم؟ ما ظننت أحدا من الخزرج يردّ أبا ثابت في أمر يهواه: فاستحيا القوم وأطلقوا صفوان من الوثاق، فذهب به سعد إلى بيته فكساه حلة، ثم خرج به إلى المسجد ليصلي فيه، فرآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: صفوان؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه! قال: من كساه؟ قالوا: سعد ابن عبادة. قال: كساه اللَّه من ثياب الجنة. عفو حسان عن حقه قبل صفوان ثم كلّم حسان حتى أقبل في قومه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا رسول اللَّه،
خبر عبد الله بن رواحة، وطروق أهله ليلا حتى رابه ما رابه
كل حق لي قبل صفوان بن معطل فهو لك. قال: أحسنت وقبلت ذلك. وأعطى حسان أرضا براحا [ (1) ] وهي بيرحا، وسيرين أخت مارية. وأعطاه سعد بن عبادة حائطا كان يجدّ [ (2) ] مالا كثيرا، عوضا بما عفا من حقه. ويروى أن حسان- لما حبس صفوان- أرسل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا حسان أحسن فيما أصابك. فقال: هو لك يا رسول اللَّه! فأعطاه بيرحا [ (3) ] وسيرين [ (4) ] عوضا. خبر عبد اللَّه بن رواحة، وطروق أهله ليلا حتى رابه ما رابه وكان جابر بن عبد اللَّه رفيق عبد اللَّه بن رواحة في غزوة المريسيع، فأقبلا حتى انتهيا إلى وادي العقيق في وسط الليل، والناس معرّسون، فتقدم ابن رواحة إلى المدينة فطرق أهله، فإذا مع امرأته إنسان طويل. فظن أنه رجل، وندم على تقدّمه، واقتحم البيت رافعا سيفه يريد أن يضربهما، ثم فكر وادكر، فغمز امرأته برجله فاستيقظت وصاحت، فقال: أنا عبد اللَّه، فمن هذا؟ قالت: هي رحيلة [ (5) ] سمعنا بقدومكم [ (6) ] فدعوتها تمشّطني فباتت عندي. فبات وأصبح. فخرج يلقى [ (7) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو سائر بين أبي بكر الصديق، وبشير بن سعد بن ثعلبة ابن خلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري رضي اللَّه عنهما، فالتفت صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بشير فقال: يا أبا النعمان، إن وجه عبد اللَّه ليخبرك أنه كره طروق أهله. فلما انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خبرك
النهي عن طروق النساء ليلا
يا ابن رواحة!. النهي عن طروق النساء ليلا فأخبره، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تطرقوا النساء ليلا. فكان ذلك أول ما نهى عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكان قدومه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المريسيع إلى المدينة لهلال رمضان، فغاب شهرا إلا ليلتين. الخلاف في تاريخ غزوة بني المصطلق تنبيه: قد اختلف في غزوة المريسيع. فذهب الواقديّ- كما تقدم- إلى أنها كانت في شعبان سنة خمس، وقال ابن إسحاق: في شعبان من السنة السادسة، وصححه جماعة. وفيه إشكال، فإنه وقع في الصحيحين وغيرهما أن المقاول لسعد ابن عبادة سعد بن معاذ، كما تقدم عند خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسبب أهل الإفك. ولا يختلف أحد في أن سعد بن معاذ مات إثر قريظة، وقد كان عقب الخندق، وهي في سنة خمس على الصحيح، ثم حديث الإفك لا يشك أحد من علماء الآثار أنه في غزوة بني المصطلق هذه، وهي غزوة المريسيع، وقد اختلف الناس في الجواب عن هذا. فقال موسى بن عقبة- فيما حكاه البخاري عنه [ (1) ]- إن غزوة المريسيع كانت في سنة أربع، وهذا خلاف الجمهور. ثم في الحديث ما ينفي ما قال، لأنها قالت: «وذلك بعد ما نزل الحجاب» . ولا خلاف أن الحجاب نزل صبيحة دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بزينب بنت جحش، وقد سأل صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب عن شأن عائشة في ذلك فقالت: «أحمي سمعي وبصري» قالت عائشة: «وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . وقد ذكر علماء الأخبار أن تزويجه صلّى اللَّه عليه وسلّم بزينب كان في ذي القعدة سنة خمس، فبطل ما قال موسى بن عقبة، ولم ينحل الإشكال. وقال ابن إسحاق: إن المريسيع كانت في سنة ست، وذكر فيها حديث الإفك، إلا أنه قال عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه [بن عتبة] [ (2) ] ، عن عائشة، فذكر الحديث- قال: فقام أسيد بن الحضير فقال: «أنا أعذرك منه» ،
غزوة الخندق
ولم يذكر سعد بن معاذ. قال الحافظ أبو محمد علي بن [ (1) ] أحمد بن سعيد بن حزم: وفي مرجع الناس من غزوة بني المصطلق قال أهل الإفك ما قالوا، وأنزل اللَّه تعالى في ذلك من براءة عائشة رضي اللَّه عنها ما أنزل. وقد روينا من طرق صحاح أن سعد بن معاذ كانت له في شيء من ذلك مراجعة مع سعد بن عبادة. وهذا عندنا وهم [ (2) ] ، لأن سعد ابن معاذ مات إثر فتح بني قريظة بلا شك، وفتح بني قريظة في آخر ذي القعدة من السنة الرابعة من الهجرة، وغزوة بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة- بعد سنة وثمانية أشهر من موته، وكانت المقاولة بين الرجلين المذكورين بعد الرجوع من غزوة بني المصطلق بأزيد من خمسين ليلة. وذكر ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، وغيره: أن المقاول لسعد بن عبادة إنما كان أسيد بن الحضير، وهذا هو الصحيح، والوهم لم يعر [ (3) ] منه أحد من بني آدم. واللَّه أعلم. غزوة الخندق ثم كانت غزوة الخندق: وتسمى الأحزاب. وهي الغزاة التي ابتلى اللَّه سبحانه فيها عباده المؤمنين وزلزلهم، وثبت الإيمان في قلوب أوليائه، وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق وفضحهم وقرّعهم. ثم أنزل تعالى نصره ونصر عبده، وهزم الأحزاب، وأعز جنده، ورد الكفرة بغيظهم، ووقى المؤمنين شر كيدهم، وحرم عليهم شرعا وقدرا أن يغزو المؤمنين بعدها، بل جعلهم المغلوبين، وجعل حزبه هم الغالبين بمنّه وفضله. بدؤها وكان من خبرها: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عسكر يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة سنة خمس، وقيل: كانت في شوال منها، وقال موسى بن عقبة: كانت في سنة أربع، وصححه ابن حزم. وقال ابن إسحاق في شوّال سنة خمس، وذكرها
سببها
البخاري قبل غزوة ذات الرقاع [ (1) ] . واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. سببها وسبب ذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أجلى بني النضير ساروا إلى خيبر، وبها من يهود قوم أهل عدد وجلد، وليست لهم من البيوت والأحساب ما لبني النضير فخرج [سلام ابن أبي الحقيق، و] [ (2) ] حيي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي من الأوس، وأبو عامر الراهب [ (3) ] . في بضعة عشر رجلا إلى مكة يدعون قريشا وأتباعها إلى حرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمدا، جئنا لنحالفكم على عداوته وقتاله. فنشطت قريش لذلك، وتذكروا أحقادهم ببدر، فقال أبو سفيان: مرحبا وأهلا: أحبّ الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد. تعاهد بطون قريش عند الكعبة على قتال المسلمين وأخرج خمسين رجلا من بطون قريش كلها وتحالفوا وتعاقدوا- وقد ألصقوا أكبادهم [ (4) ] بالكعبة، وهم بينها وبين أستارها-: ألا يخذل بعضهم بعضا، ولتكونن كلمتهم واحدة على محمد ما بقي منهم رجل. ثم قال أبو سفيان: يا معشر يهود، أنتم أهل الكتاب الأول والعلم، أخبرونا عما أصبحنا [نختلف] فيه [ (5) ] نحن ومحمد، أديننا خير أم دين محمد؟ فنحن عمار البيت، وننحر الكوم ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام!.
خبر اليهود في نصرة المشركين
خبر اليهود في نصرة المشركين فقالت يهود: اللَّهمّ أنتم أولى بالحق منه، إنكم لتعظمون هذا البيت، وتقومون على السقاية، وتنحرون البدن، وتعبدون ما كان عليه آباؤكم، فأنتم أولى بالحق منه. فأنزل اللَّه تعالى في ذلك [ (1) ] : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. الخروج إلى القتال واتعدوا لوقت وقتوه، وخرجت يهود إلى غطفان، وجعلت لهم ثمر خيبر سنة إن هم نصروهم. وتجهزت قريش، وسيرت تدعو العرب إلى نصرها، وألبوا [ (2) ] أحابيشهم [ (3) ] ومن تبعهم. الأحزاب ومنازلهم وأتت يهود بني سليم فوعدوهم السير معهم، ولم يكن أحد أسرع إلى ذلك من عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جرية [ (4) ] بن لوذان بن فزارة ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان [ويقال له ابن اللقيطة: يعني لا تعرف له أم] [ (5) ] الفزاريّ. وخرجت قريش ومن تبعها من أحابيشها في أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في
دار الندوة، وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف بعير وخمسمائة بعير. ولاقتهم سليم بمر الظهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس [حليف حرب بن أمية وهو] [ (1) ] أبو أبي الأعور السّلمي الّذي كان مع معاوية بن أبي سفيان بصفين. وكان أبو سفيان بن حرب قائد جيش قريش. وخرجت بنو أسد وقائدها طليحة بن خويلد الأسدي. وخرجت بنو فزارة في ألف يقودهم عيينة بن حصن. وخرجت أشجع في أربعمائة يقودهم مسعود بن رحيلة بن عائذ بن مالك بن حبيب بن نبيح بن ثعلبة بن قنفذ ابن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث [ (2) ] بن غطفان بن سعد بن قيس ابن عيلان [ (3) ] [وقال ابن إسحاق: هو مسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة [ (4) ] بن عبد اللَّه بن هلال بن خلادة بن أشجع] . وخرجت بنو مرّة في أربعمائة يقودهم الحارث [بن عوف] [ (5) ] بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ ابن مرة بن عوف [بن سعد] [ (5) ] بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان،: وقيل: لم يحضر بنو مرّة. وكانوا جميعا عشرة آلاف، [وأقبلت قريش في أحابيشها ومن تبعها من بني كنانة] [ (6) ] حتى نزلت وادي العقيق، ونزلت غطفان بجانب أحد ومعها ثلاثمائة فرس فسرحت قريش ركابها في عضاة [ (7) ] وادي العقيق، ولم تجد لخيلها هناك شيئا إلا ما حملت من علفها، وهو الذرة، وسرّحت غطفان إبلها إلى الغابة في أثلها وطرفائها [ (8) ] . وكان الناس قد حصدوا زرعهم قبل ذلك بشهر، وأدخلوا حصادهم وأتبانهم. وكادت خيل غطفان وإبلها تهلك من الهزال، وكانت المدينة إذ ذاك جديبة.
مشورة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه خبر خروج الأحزاب وإشارة سلمان بحفر الخندق
مشورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بلغه خبر خروج الأحزاب وإشارة سلمان بحفر الخندق وكانت خزاعة عند ما خرجت من مكة: أتى ركبهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- في أربع ليال- حتى أخبروه، فندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم: أيبرز من المدينة، أم يكون فيها ويخندق عليها، أم يكون قريبا والجبل وراءهم؟ فاختلفوا. وكان سلمان الفارسيّ يرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يهم بالمقام بالمدينة- ويريد [ (1) ] أن يتركهم حتى يردوا ثم يحاربهم على المدينة وفي طرقها- فأشار بالخندق فأعجبهم ذلك، وذكروا يوم أحد، فأحبوا الثبات في المدينة. وأمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجد، ووعدهم النصر إن هم صبروا واتقوا، وأمرهم بالطاعة. خبر حفر الخندق وركب فرسا له- ومعه عدة من المهاجرين والأنصار- فارتاد موضعا ينزله، وجعل سلعا [ (2) ] خلف ظهره وعمل في [حفر] [ (3) ] الخندق لينشطهم، وندب الناس وخبّرهم بدنو عدوهم، وعيّن حفر الخندق في المراد [ (4) ] وعسكر بهم إلى سفح سلع، فتبادر المسلمون في العمل، وقد استعاروا من بني قريظة آلة كثيرة- من مساحي وكرازين ومكاتل [ (5) ]-، للحفر في الخندق. ووكل صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل جانب من الخندق قوما يحفرونه. وكان الشباب ينقلون التراب، ويخرج المهاجرون والأنصار في نقل التراب وعلى رءوسهم المكاتل، ويرجعون بها بعد إلقاء التراب منها وقد ملئوها حجارة من جبل سلع: وهي أعظم سلاحهم، يرمون بها. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل التراب في المكاتل والقوم يرتجزون [ (6) ] ، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: هذا الجمال لا جمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر
أخبار المسلمين يوم حفر الخندق
أخبار المسلمين يوم حفر الخندق وجعل المسلمون إذا رأوا من الرجل فتورا ضحكوا منه، وتنافس الناس في سلمان الفارسيّ، فقال المهاجرون: سلمان منا- وكان قويا عارفا يحفر الخنادق- وقالت الأنصار: هو منا ونحن آخرته [ (1) ] . فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: سلمان منا أهل البيت. ولقد كان يعمل عمل عشرة رجال حتى عانة [ (2) ] قيس بن أبي صعصعة فلبط به [ (3) ] فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: مروه فليتوضّأ وليغتسل به، ويكفأ الإناء خلفه، ففعل فكأنما حلّ من عقال. وجعل لسلمان خمس أذرع طولا وخمسا في الأرض ففرغها وحده وهو يقول: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة. وحفر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحمل التراب على ظهره. وفي حديث سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي: أنه عليه السلام حين ضرب في الخندق قال: بسم اللَّه وبه هدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا حبذا ربا وحبذا دينا [ (4) ] وكان بنو سلمة في ناحية يحفرون ويرتجزون، فعزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كعب ابن مالك ألا يقول شيئا، وعزم على حسان بن ثابت، وقال: لا يغضب أحد مما قاله صاحبه، لا يريد بذلك سوءا، إلا ما قال كعب وحسان فإنّهما يجدان ذلك [ (5) ] .
تغيير اسم جعيل وتسميته عمرا
تغيير اسم جعيل وتسميته عمرا وكان جعيل بن سراقة رجلا صالحا «وكان ذميما قبيحا، وكان يعمل في الخندق، فغير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمه يومئذ وسماه عمرا، وجعل المسلمون يرتجزون ويقولون: سماه من بعد جعيل عمرا ... وكان للبائس يوما ظهرا سبب النهي عن أن يروّع المسلم أو يؤخذ سلاحه وكان زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاريّ فيمن ينقل التراب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما إنه نعم الغلام!. وغلبته عيناه فنام في الخندق- وكان القرّ شديدا- فأخذ عمارة بن حزم سلاحه وهو لا يشعر، فلما قام فزع. فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا رقاد! نمت حتى ذهب سلاحك! ثم قال: من له علم بسلاح هذا الغلام؟ فقال عمارة: يا رسول اللَّه، هو عندي. فقال: فرده عليه. ونهى أن يروع المسلم، و [لا] [ (1) ] يؤخذ متاعه [جادا ولا] [ (1) ] لاعبا. ولم يتأخر عن العمل في الخندق أحد من المسلمين، وكان أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما ينقلان التراب في ثيابهما من العجلة، إذ [ (2) ] لم يجدا مكاتل- لعجلة المسلمين- وكانا لا يتفرقان في عمل ولا مسير ولا منزل. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو يعمل في الخندق: اللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
خبر نبوءته صلى الله عليه وسلم عن الفتوح يوم حفر الخندق
[فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا] [ (1) ] [إن الأولى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا] [ (1) ] يردد ذلك. خبر نبوءته صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الفتوح يوم حفر الخندق وضرب بالكرزين فصادف حجرا فصل [ (2) ] الحجر، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقيل: ممّ تضحك يا رسول اللَّه؟ قال: أضحك من قوم يؤتى بهم من المشرق في الكبول [ (3) ] ، يساقون إلى الجنة وهم كارهون. وضرب عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بالمعول فصادف حجرا صلدا، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه المعول فضرب ضربة فذهبت أوّلها برقة إلى اليمن، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة إلى الشام، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة نحو المشرق، وكسر الحجر عند الثالثة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت في الأولى قصور اليمن، ثم رأيت في الثانية قصور الشام، ورأيت في الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن. وجعل يصفه لسلمان فقال: صدقت! والّذي بعثك بالحق إن هذه لصفته! وأشهد أنك رسول اللَّه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه فتوح يفتحها اللَّه عليكم بعدي، يا سلمان لتفتحن الشام ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشأم ولا ينازعكم أحد، ولتفتحن اليمن، ولتفتحن هذا المشرق ويهرب كسرى فلا يكون كسرى بعده. ولما كمل الخندق صارت المدينة كالحصن، ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام. البركة في طعام جابر ورأى جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحفر، ورآه خميصا [ (4) ] ، فأتى امرأته فأخبرها ما رأى من خمص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: واللَّه ما عندنا شيء إلا هذه الشاة ومدّ من شعير، قال: فاطحني وأصلحي. فطبخوا بعضها، وشووا
عرض الغلمان وإجازتهم
بعضها، وخبزوا الشعير، ثم أتى جابر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! قد صنعت لك طعاما، فأت أنت ومن أحببت من أصحابك. فشبّك صلّى اللَّه عليه وسلّم أصابعه بين أصابع جابر ثم قال: أجيبوا جابرا يدعوكم. فأقبلوا معه، فقال جابر في نفسه: واللَّه إنها الفضيحة!. وأتى المرأة فأخبرها فقالت: أنت دعوتهم أو هو؟ فقال: بل هو دعاهم! قالت: دعهم فهو أعلم. وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر أصحابه، وكانوا فرقا: عشرة عشرة. ثم قال لجابر: اغرفوا وغطوا البرمة، وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه. ففعلوا وجعلوا يغرفون ويغطون البرمة ثم يفتحونها فما يرونها [ (1) ] نقصت شيئا، ويخرجون الخبز من التنور ويغطونه فما يرونه ينقص شيئا، فأكلوا حتى شبعوا، وأكل جابر وأهله [ (2) ] . عرض الغلمان وإجازتهم وعرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغلمان وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز وردّ من ردّ. فكان ممن أجاز: [عبد اللَّه] [ (2) ] بن عمر [بن الخطاب] [ (3) ] ، وزيد بن ثابت، والبراء ابن عازب، وما منهم إلا ابن خمس عشرة سنة. وكان الغلمان الذين لم يبلغوا يعملون معه ثم أمرهم [ (4) ] فرجعوا إلى أهليهم. عدة المسلمين يوم الخندق وكان المسلمون يومئذ ثلاثة آلاف، وزعم ابن إسحاق أنه إنما كان في سبعمائة، وهذا غلط. وقال ابن حزم: وخرج رسول اللَّه- يعني في الخندق- في ثلاثة آلاف، وقد قيل: في تسعمائة فقط، وهو الصحيح الّذي لا شك فيه، والأول وهم [ (5) ] . اجتهاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في العمل يوم الخندق ومن شدة اجتهاده صلّى اللَّه عليه وسلّم في العمل: كان يضرب مرة بالمعول ومرة بالمسحاة يغرف بها التراب، ومرة يحمل التراب في المكتل، وبلغ يوما منه التعب مبلغا فجلس، ثم اتكأ
مواقف المسلمين
على حجر بشقه الأيسر فنام، فقام أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما على رأسه يمنعان الناس من أن يمروا به فينبّهوه، ثم فزع ووثب فقال: أفلا أفزعتموني! وأخذ الكرزين يضرب به وهو يقول: اللَّهمّ إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار [ (1) ] والمهاجرة، اللَّهمّ العن عضلا والقارة، فهم كلفوني أنقل الحجارة [ (2) ] . وفرغ حفر الخندق في ستة أيام. مواقف المسلمين وعسكر فجعل سلعا خلف ظهره والخندق أمامه. ودفع لواء المهاجرين إلى زيد ابن حارثة، ولواء الأنصار إلى سعد بن عبادة. وضرب له قبة من أدم. وعاقب بين ثلاث من نسائه، وكانت عائشة أياما، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، وبقية نسائه في الآطام. خبر حيي بن أخطب وأبي سفيان وكان حيي بن أخطب يقول- لأبي سفيان بن حرب ولقريش في مسيره معهم-: إن قومي قريظة معكم، وهم أهل حلقة وافرة، وهم سبعمائة مقاتل وخمسون مقاتلا. فلما دنوا قال له أبو سفيان: ائت قومك حتى ينقضوا العهد الّذي بينهم وبين محمد. عهد بني قريظة فأتى بني قريظة- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة صالح قريظة والنضير ومن معهم من يهود ألا يكونوا معه ولا عليه، ويقال: صالحهم على أن ينصروه ممن دهمه [ (3) ] ، ويقيموا على معاقلهم [ (4) ] الأولى التي بين الأوس والخزرج- فأتى
نقض بني قريظة العهد ومجاهرتهم بالعداوة
كعب بن أسد، وكان صاحب عقد بني قريظة وعهدها [ (1) ] ، فكرهت قريظة دخول حيي بن أخطب إلى دارهم، فإنه يحب الرئاسة والشرف عليهم، وكان يشبّه بأبي جهل في قريش [ (2) ] . فلقيه عزّال [ (3) ] بن سموأل أول الناس، فقال له حيي: قد جئتك بما تستريح به من محمد، هذه قريش قد دخلت وادي العقيق، وغطفان بالزغابة! فقال عزال [ (3) ] : جئتنا واللَّه بذل الدهر! فقال: لا تقل هذا! ثم أتى كعب بن أسد فقال له: إنك امرؤ مشئوم، وقد شأمت [ (4) ] قومك حتى أهلكتهم، فارجع عنا! فما زال به حيي حتى لان له ونقض العهد، وشقوا الكتاب الّذي كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم (بينه و) [ (5) ] بينهم، واستدعى رؤساؤهم- وهم: الزبير ابن باطا، ونبّاش بن قيس، وعزال بن سموأل، وعقبة بن زيد، وكعب ابن زيد- وأعلمهم بما فعل من نقض العهد، فلحمه [ (6) ] الأمر لما أراد اللَّه بهم من هلاكهم. نقض بني قريظة العهد ومجاهرتهم بالعداوة فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قبته، - والمسلمون على خندقهم يتناوبونه، معهم بضع وثلاثون فرسا، والفرسان يطوفون على الخندق- إذ جاء عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه، بلغني أن بني قريظة قد نقضت العهد وحاربت. فاشتد ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل. بعثة الزبير بن العوام لاستطلاع خبر بني قريظة وتسميته (حواريّ رسول اللَّه) وبعث الزبير بن العوام رضي اللَّه عنه إليهم لينظر. فعاد بأنهم يصلحون حصونهم، ويدرّبون [ (7) ] طرقهم وقد جمعوا ماشيتهم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن لكل نبي
رعب المسلمين يوم الأحزاب
حواريا، وإن حواري [ (1) ] الزبير. ثم بعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد ابن حضير لينظروا ما بلغه عن بني قريظة، وأوصاهم- إن كان حقا- أن يلحنوا له [أي يلغزوا] لئلا [ (2) ] يفت ذلك في عضد المسلمين ويورث وهنا، فوجدوهم مجاهرين بالعداوة والغدر، فتسابوا، ونال اليهود- عليهم لعائن [ (3) ] اللَّه- من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسبهم سعد بن معاذ وانصرفوا عنهم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما وراءكم؟ قالوا: عضل والقارة! [يعنون غدرهم بأصحاب الرجيع] . فكبّر صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: أبشروا بنصر اللَّه وعونه. رعب المسلمين يوم الأحزاب وانتهى الخبر إلى المسلمين، فاشتدّ الخوف وعظم البلاء، ونجم النفاق وفشل الناس: وكانوا كما قال اللَّه تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً [ (4) ] . مقالة المنافقين وتكلم قوم بكلام قبيح، فقال معتّب بن قشير [ (5) ] (ويقال له: ابن بشر، ويقال له: ابن بشير) بن حليل (ويقال: ابن مليل) بن زيد بن [ (6) ] العطاف بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري: يعدنا محمد (أن نأكل) [ (7) ] كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب لحاجته! ما وعدنا اللَّه ورسوله إلا غرورا!.
من أخبار يهود يوم الأحزاب
من أخبار يهود يوم الأحزاب وهمت بنو قريظة أن يغيروا على المدينة ليلا، وبعث حيي بن أخطب إلى قريش أن يأتيه منهم ألف رجل ومن غطفان ألف، فيغيروا بهم، فجاء الخبر بذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعظم البلاء. وبعث سلمة بن أسلم بن حريش بن عدي بن مجدعة ابن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري- في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير، ومعهم خيل المسلمين، وكانوا يبيتون بالخندق خائفين، فإذا أصبحوا أمنوا. وكان الخوف على الذراري بالمدينة من بني قريظة أشد من الخوف من قريش وغطفان إلا أن اللَّه ردّ بني قريظة عن المدينة بأنها كانت تحرس. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خوات ابن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاري لينظر غرة لبني قريظة فكمن [ (1) ] لهم، فحمله رجل منهم وقد أخذه النوم، فأمكنه اللَّه من الرجل وقتله ولحق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره. وخرج نباش بن قيس في عشرة من اليهود يريد المدينة، ففطن بهم نفر من أصحاب سلمة ابن أسلم فرموهم حتى هزموهم، ومر سلمة فيمن معه فأطاف بحصون يهود فخافوه، وظنوا أنه البيات. بنو حارثة الذين قالوا إن بيوتنا عورة وبعث بنو حارثة بأوس بن قيظي بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقولون: إن بيوتنا عورة، وليس في دار من دور الأنصار مثل دارنا، ليس بيننا وبين غطفان أحد يردّهم عنّا، فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا فنمنع ذرارينا ونساءنا. فأذن لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم. فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال: يا رسول اللَّه! لا تأذن لهم؟ إنا واللَّه ما أصابنا وإياهم شدّة قطّ إلا صنعوا هكذا. فردهم. وقال ابن الكلبي: وأبو مليل [ (2) ] بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة شهد بدرا، وهو الّذي قال: «بيوتنا عورة» يوم الخندق. وقال ابن عبد البر:
حراسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلمة يخافها من الخندق
أبو مليل سليك بن الأعزّ [ (1) ] . حراسة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلمة يخافها من الخندق وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يختلف إلى ثلمة في الخندق يحرسها [ (2) ] «فإذا آذاه البرد دخل قبته فأدفأته عائشة رضي اللَّه عنها في حضنها، فإذا دفيء خرج إلى تلك الثلمة يحرسها ويقول: ما أخشى على الناس إلا منها، فبينا هو ليلة في حضن عائشة قد دفيء وهو يقول: ليت رجلا صالحا يحرسني الليلة، فجاء سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: عليك بهذه الثلمة فاحرسها، ونام، وقام صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلته في قبته يصلي، ثم خرج فقال: هذه خيل المشركين تطيف بالخندق! ثم نادى: يا عباد ابن بشر، قال: لبيك! قال: معك أحد؟ قال: نعم، أنا في نفر حول قبتك. فبعثه يطيف بالخندق، وأعلمه بخيل تطيف بهم. ثم قال: اللَّهمّ ادفع عنا شرّهم وانصرنا عليهم، واغلبهم لا يغلبهم غيرك. نوبة المشركين عند الخندق وكان المشركون يتناوبون بينهم: فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عمرو بن العاص يوما، ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب الفهري يوما، فلا يزالون يجيلون خيلهم، ويتفرقون مرة ويجتمعون مرة أخرى، ويناوشون المسلمين، ويقدمون رماتهم فيرمون، وإذا أبو سفيان في خيل يطيفون بمضيق من الخندق، فرماهم المسلمون حتى رجعوا. طلب المشركين مضيقا من الخندق وردهم وكان عباد بن بشر ألزم الناس لقبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحرسها. وكان أسيد بن حضير يحرس في جماعة، فإذا عمرو بن العاص في نحو المائة يريدون العبور من الخندق، فرماهم حتى ولوا، وكان المسلمون يتناوبون الحراسة، وكانوا في قرّ شديد وجوع. وكان عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيرا ما يطلبان غرة، ومضيقا
شعار المهاجرين
من الخندق يقتحمانه، فكانت للمسلمين معهما وقائع في تلك الليالي. شعار المهاجرين وكان شعار المهاجرين: يا خيل اللَّه. وجاء في بعض الليالي عمرو بن عبد [بن أبي القيس] [ (1) ] في خيل المشركين، ومعه مسعود بن رخيلة [ (2) ] بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد اللَّه بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان في خيل غطفان، فرماهم المسلمون. ولبس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم درعه ومغفره، وركب فرسه وخرج، فصرفهم اللَّه وقد كثرت فيهم الجراحة، فرجع صلّى اللَّه عليه وسلّم ونام، وإذا بضرار بن الخطاب وعيينة بن حصن في عدة فركب عليه السلام بسلاحه ثانيا، فرماهم المسلمون حتى ولوا وفيهم جراحات كثيرة. الخوف يوم الخندق وشدة البلاء قالت أم سلمة رضي اللَّه عنها: شهدت معه مشاهد- فيها قتال وخوف- المريسيع وخيبر، وكنا بالحديبية، وفي الفتح، وحنين- لم يكن من ذلك أتعب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا أخوف عندنا من الخندق. وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة، وأن قريظة لا نأمنها على الذراري: فالمدينة تحرس حتى الصباح، نسمع تكبير المسلمين فيها حتى يصبحوا خوفا، حتى ردهم اللَّه بغيظهم لم ينالوا خيرا [ (3) ] . وقال محمد بن مسلمة وغيره: كان ليلنا بالخندق نهارا، وكان المشركون يتناوبون بينهم، فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوما، ويغدو خالد بن الوليد يوما، ويغدو عمرو بن العاص يوما، ويغدو هبيرة بن أبي وهب [ (4) ] يوما، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوما، ويغدو ضرار بن الخطاب يوما، حتى عظم البلاء وخاف الناس خوفا شديدا. رماة المشركين وكان معهم رماة يقدمونهم إذا غدوا، متفرقين أو مجتمعين بين أيديهم، وهم:
إصابة سعد بن معاذ وهي الإصابة التي قتلته
حبّان بن العرقة وأبو أسامة الجشمي في آخرين، فتناوشوا بالنبل ساعة، وهم جميعا في وجه واحد وجاه قبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورسول اللَّه قائم بسلاحه على فرسه. إصابة سعد بن معاذ وهي الإصابة التي قتلته فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله [ (1) ] وقال: خذها وأنا ابن العرقة! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عرّق اللَّه وجهه في النار، ويقال: بل رماه أبو أسامة الجشمي. اقتحام المشركين مضيقا من الخندق وقتالهم وردهم ثم أجمع رؤساء المشركين أن يغدو جميعا، وجاءوا يريدون مضيقا يقحمون خيلهم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتوا مكانا ضيقا أغفله المسلمون فلم تدخله خيولهم. وعبره عكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد اللَّه المخزومي، وضرار بن الخطاب [هو ضرار بن الخطاب بن مرداس بن كبير بن عمرو آكل السّقب بن حبيب بن عمرو ابن شيبان بن محارب [ (2) ] بن فهر بن مالك الفهري، أسلم يوم الفتح] ، وهبيرة بن أبي وهب، وعمرو بن عبد- وقام سائرهم وراء الخندق، فدعا عمرو بن عبد إلى البراز- وكان قد بلغ تسعين سنة، وحرم الدهن حتى يثأر بمحمد وأصحابه- فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا رضي اللَّه عنه سيفه وعمّمه وقال: اللَّهمّ أعنه عليه! فخرج له وهو راجل [ (3) ] وعمرو فارسا، فسخر به عمرو، ودنا منه عليّ، فلم يكن بأسرع من أن قتله علي، فولى أصحابه الأدبار. وسقط نوفل بن عبد اللَّه عن فرسه في الخندق، فرمي بالحجارة حتى قتل. ومرّ عمر بن الخطاب والزبير في إثر القوم فناوشوهم ساعة، وسقطت درع هبيرة بن أبي وهب، فأخذها الزبير رضي اللَّه عنه.
تعبئة المسلمين
تعبئة المسلمين ثم وافى المشركون سحرا، وعبأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه، فقاتلوا يومهم إلى هويّ من الليل: وما يقدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا أحد من المسلمين أن يزولوا من موضعهم. تخلف المسلمين عن الصلاة يوم الخندق وما قدر صلّى اللَّه عليه وسلّم على صلاة ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء، فجعل أصحابه يقولون: يا رسول اللَّه، ما صلينا! فيقول: ولا أنا ما صليت! حتى كشف اللَّه المشركين، ورجع كل من الفريقين إلى منزله. وأقام أسيد بن حضير في مائتين على شفير الخندق، فكرت خيل للمشركين يطلبون غرة- وعليها خالد بن الوليد- فناوشهم ساعة، فزرق وحشيّ الطفيل بن النعمان [وقيل: الطفيل بن مالك بن النعمان] [ (1) ] بن خنساء الأنصاري بمزراقه [ (2) ] فقتله كما قتل حمزة رضي اللَّه عنه بأحد. إقامة الصلاة التي شغلوا عنها فلما صار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى موضع قبته أمر بلالا فأذن وأقام للظهر، وأقام بعد لكل صلاة إقامة، فصلى كل صلاة كأحسن ما كان يصليها في وقتها، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف، وذلك قوله تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [ (3) ] . وقال يومئذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شغلنا المشركون عن صلاة الوسطى: صلاة
طلب المشركين جيفة نوفل بن عبد الله
العصر، ملأ اللَّه أجوافهم وقبورهم نارا. وفي حديث جابر: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما شغل يومئذ عن صلاة العصر. وفي حديث أبي سعيد وعبد اللَّه بن مسعود: أنه شغل يومئذ عن أربع صلوات: الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي مرسل سعيد بن المسيّب: أنه شغل عن الظهر والعصر. فاحتمل أن يكون كله صحيحا، لأنهم حوصروا في الخندق وشغلوا بالأحزاب أياما. ومثل حديث جابر في ذلك حديث علي رضي اللَّه عنه: «وهو حديث ثابت من طرق عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس، ملأ اللَّه قلوبهم وبطونهم- أو بيوتهم- نارا. طلب المشركين جيفة نوفل بن عبد اللَّه وأرسلت بنو مخزوم يطلبون جيفة نوفل بن عبد اللَّه: يشترونها، وأعطوا فيها عشرة آلاف درهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما هي جيفة حمار! وكره ثمنه، فخلّى بينهم وبينه. وفي رواية: أن أبا سفيان بعث بديته مائة من الإبل، فأبى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: خذوه، فإنه خبيث الدية خبيث الجثة. اقتتال الطليعتين من المسلمين وخرجت طليعتان من المسلمين ليلا فالتقيا- ولا يشعر بعضهم ببعض، ولا يظنون إلا أنهم العدو- فكانت بينهم جراحة وقتل، ثم نادوا بشعار الإسلام: «حم لا ينصرون» ، فكف بعضهم عن بعض، وجاءوا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جراحكم في سبيل اللَّه، ومن قتل منكم فإنه شهيد. فكانوا بعد ذلك إذا دنا المسلمون بعضهم من بعض نادوا بشعارهم. خبر الفتى الّذي ذهب إلى أهله وكان رجال يستأذنون أن يطلعوا إلى أهليهم، فيقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أخاف عليكم من قريظة. فإذا ألحوا يقول: من ذهب منكم فليأخذ سلاحه. وكان فتى حديث عهد بعرس، فأخذ سلاحه وذهب، فإذا امرأته قائمة بين البابين، فهيأ لها الرمح ليطعنها فقالت: اكفف حتى ترى ما في بيتك! فإذا بحية على فراشه،
جوع المسلمين وخبر البركة في الطعام
فركز فيها رمحه فاضطربت، وخر الفتى ميتا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما أخبر بذلك-: إن بالمدينة جنّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام [ (1) ] ، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان. جوع المسلمين وخبر البركة في الطعام وكان المسلمون قد أصابهم مجاعة شديدة، وكان أهلوهم يبعثون إليهم بما قدروا عليه، فأرسلت عمرة ابنة رواحة ابنتها بجفنة تمر عجوة في ثوبها إلى زوجها بشير ابن سعد بن ثعلبة الأنصاري، وإلى أخيها عبد اللَّه بن رواحة- فوجدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا في أصحابه فقال: تعالي يا بنية! ما هذا معك؟ فأخبرته، فأخذه في كفيه ونثره على ثوب بسط له، وقال لجعال بن سراقة: اصرخ، يا أهل الخندق أن هلم إلى الغداء: فاجتمعوا عليه يأكلون منه حتى صدر أهل الخندق وإنه ليفيض من أطراف الثوب. وأرسلت أم متعب [ (2) ] الأشهلية [ (3) ] بقبعة فيها حيس [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في قبته مع أم سلمة، فأكلت حاجتها، ثم خرج بالقعبة فنادى مناديه: هلم إلى عشائه! فأكل أهل الخندق حتى نهلوا وهي كما هي. موادعة عيينة بن حصن ثم نقض ذلك وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه محصورين بضع عشرة ليلة حتى اشتد الكرب، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إنك إن تشأ لا تعبد. وأرسل إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف- وهما رئيسا غطفان- أن يجعل لهما ثلث تمر المدينة ويرجعان بمن معهما، فطلبا نصف التمر، فأبى عليهما إلا الثلث، فرضيا. وجاءا في عشرة من قومهما حتى تقارب الأمر، وأحضرت الصحيفة والدواة ليكتب عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه الصلح- وعباد بن بشر قائم على
خبر نعيم بن مسعود الأشجعي في تخذيل الأحزاب
رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقنع في الحديد-، فأقبل أسيد بن حضير، وعيينة مادّ رجليه، فقال له: يا عين الهجرس [ (1) ] ، اقبض رجليك، أتمد رجليك بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ واللَّه لولا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأنفذت حضنيك بالرمح! ثم قال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليك، إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فو اللَّه لا نعطيهم إلا السيف، متى طمعتم بهذا منا؟ فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما خفية، فقالا [ (2) ] : إن كان هذا أمرا من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فسمع وطاعة، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم. فقالا: يا رسول اللَّه، واللَّه إن كانوا ليأكلون العلهز [ (3) ] في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا منا قط: أن يأخذوا ثمرة إلا بشراء أو قرى! فحين أتانا اللَّه بك وأكرمنا بك، وهدانا بك، نعطي الدنية! لا نعطيهم أبدا إلا السيف. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: شق الكتاب. فشقه سعد، فقام عيينة والحارث، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارجعوا، بيننا السيف: رافعا صوته. خبر نعيم بن مسعود الأشجعي في تخذيل الأحزاب وكان نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة الأشجعي صديقا لبني قريظة، وقدم مع قومه من الأحزاب حين أجدب الجناب [ (4) ] وهلك الخف والكراع [ (5) ] ، فقذف اللَّه في قلبه الإسلام. فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا فأسلم، فأمره أن يخذّل الناس: وأذن له أن يقول [ (6) ] . فتوجه إلى بني قريظة، وأشار عليهم ألا يقاتلوا مع قريش وغطفان حتى يأخذوا منهم رهنا من أشرافهم فقبلوا رأيه، واستكتمهم مجيئه إليهم. ثم جاء إلى أبي سفيان في رجال قريش، وأعلمهم أن قريظة قد ندمت على ما كان منها، وأنهم راسلوا محمدا بأنهم يأخذون [ (7) ] من أشراف قريش وغطفان
اختلاف الأحزاب
سبعين رجلا يسلمونهم [ (1) ] إليه ليضرب أعناقهم، حتى يرد بني النضير إلى ديارهم، ويكونون معه حتى يردوا قريشا عنه، وأشار عليهم ألا يجيبوا قريظة إلى إعطاء الرهن، وسألهم كتمان أمره ثم جاء إلى غطفان وأعلمهم عن بني قريظة بما أعلم به قريشا عنهم، وحذرهم أن يدفعوا إليهم رهنا، فأرسلت يهود عزال [ (2) ] ابن سموأل إلى قريش بأن الثواء قال طال ولم يصنعوا شيئا، والرأي أن يتواعدوا على يوم تزحف فيه قريش وغطفان وهم، ولكنهم لا يخرجون لذلك معهم حتى يرسلوا إليهم برهائن من أشرافهم، فإنّهم يخافون: إن أصابكم ما تكرهون رجعتم وتركتمونا. فلم يرجعوا إليهم بجواب. وجاء نعيم إلى بني قريظة وقال لهم: إني عند أبي سفيان وقد جاءه رسولكم يطلب منه الرّهان فلم يرد عليه شيئا، فلما ولى رسولكم قال: لو طلبوا مني عناقا [ (3) ] ما رهنتها! فلا تقاتلوا معه حتى تأخذوا الرهن، فإنكم إن لم تقاتلوا محمدا- وانصرف أبو سفيان- تكونوا على موادعتكم الأولى. فلما كانت ليلة السبت بعث أبو سفيان بعكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة أن يخرجوا غدا ليناجزوا محمدا جميعا، فقالوا: إن غدا السبت، لا نقاتل فيه ولا نعمل عملا، وإنا مع ذلك لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهانا من رجالكم لئلا تبرحوا، فإنا نخشى إن أصابتكم الحرب أن تشمّروا إلى بلادكم وتدعونا إلى محمد، ولا طاقة لنا به. فتحققت قريش صدق ما قال لهم نعيم: وأرسلت غطفان إلى بني قريظة بمسعود بن رخيلة في رجال بمثل ما راسلهم أبو سفيان، فأجابوهم بمثل [ (4) ] ما أجابوا به عكرمة، فتحققت غطفان وبنو قريظة ما قاله نعيم، ويئس كل منهم من الآخر واختلف أمرهم. اختلاف الأحزاب وأخذ أبو سفيان ومن معه يلومون حيي بن أخطب، فأتى بني قريظة فلم يجد منهم موافقة له، وأبوا أن يقاتلوا مع قريش حتى يأخذوا سبعين رجلا من قريش
دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب وهبوب الريح عليهم
وغطفان رهانا عندهم. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأحزاب وهبوب الريح عليهم وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد دعا على الأحزاب فقال: اللَّهمّ منزّل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللَّهمّ اهزمهم. وكان دعاؤه عليهم يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستجيب له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء، فعرف السرور في وجهه، فلما كان ليلة السبت، بعث اللَّه الريح على الأحزاب حتى ما يكاد أحدهم يهتدي لموضع رحله، ولا يقرّ لهم قدر ولا بناء. وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي إلى أن ذهب ثلث الليل. وكذلك فعل ليلة قتل كعب بن الأشرف. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا حزبه الأمر أكثر من الصلاة. خبر الريح وتفرق الأحزاب ورجوعهم وبعث حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنه لينظر ما فعل القوم وما يقولون. فدخل عسكرهم في ليلة شديدة البرد فإذا هم مصطلون على نار لهم والريح لا تقر لهم قدرا ولا بناء، وهم يشتورون [ (1) ] في الرحيل حتى ارتحلوا. وأقام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد في مائتي فارس جريدة [ (2) ] . ثم ذهب حذيفة إلى غطفان فوجدهم قد ارتحلوا، فأخبرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك. فلما كان السحر لحق عمرو وخالد بقريش، ولحقت كل قبيلة بمحلتها [ (3) ] . مدة حصار الخندق فكانت مدة حصار الخندق خمسة عشر يوما، وقيل: عشرين يوما، وقيل: قريبا من شهر. وأصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد رحيل الأحزاب، فأذن للمسلمين في الانصراف، فلحقوا بمنازلهم. كتاب أبي سفيان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتب أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا فيه: «باسمك اللَّهمّ. فإنّي أحلف
ما نزل من القرآن في شأن الخندق
باللات والعزى، لقد سرت إليك في جمعنا وإنا نريد ألا نعود [ (1) ] أبدا حتى نستأصلكم [ (2) ] ، فرأيتك قد كرهت لقاءنا، وجعلت مضايق وخنادق، فليت شعري من علّمك هذا؟ فإن نرجع عنك فلكم منا يوم كيوم أحد» وبعث به مع أبي أسامة الجشميّ، فقرأه أبيّ بن كعب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قبته، وكتب إليه: «من محمد رسول اللَّه إلى أبي سفيان بن حرب. أما بعد، فقديما غرك باللَّه الغرور. أما ما ذكرت- أنك سرت إلينا في جمعكم، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا- فذلك أمر يحول اللَّه بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر اللات والعزى. وأما قولك: من علمك الّذي صنعنا من الخندق؟ فإن اللَّه ألهمني لما أراد من غيظك وغيظ أصحابك، وليأتينّ عليك يوم تدافعني بالراح، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وإساف ونائلة وهبل، حتى أذكرك ذلك. ويقال: كان في كتاب أبي سفيان: «ولقد علمت أني لقيت أصحابك ناجيا [ (3) ] وأنا في عير لقريش فما خص أصحابك منا شعره، ورضوا منا بمدافعتنا بالراح، ثم أقبلت في عير قريش حتى لقيت قومي- فلم تلقنا- فأوقعت بقومي ولم أشهدها من وقعة، ثم غزوتكم في عقر داركم، فقتلت وحرقت [يعني غزوة السويق] . ثم غزوتك في جمعنا يوم أحد، فكانت وقعتنا فيكم مثل وقعتكم بنا ببدر. ثم سرنا إليكم في جمعنا ومن تألب إلينا يوم الخندق، فلزمتم الصياصي وخندقتم الخنادق» . ما نزل من القرآن في شأن الخندق وأنزل اللَّه تعالى- في شأن الخندق يذكر نعمته وكفايته عدوهم، بعد سوء الظن منهم، ومقالة من تكلم بالنفاق- قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [ (4) ] .
ذكر من قتل من المسلمين
ذكر من قتل من المسلمين وقتل من المسلمين يومئذ ستة نفر، ثلاثة من بني الأشهل هم: سعد بن معاذ، وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو، وعبد اللَّه بن سهل، واثنان من بني جشم ابن الخزرج ثم من بني سلمة هما: الطفيل بن النعمان، وثعلبة بن عتمة [ (1) ] ، وواحد من بني النجار ثم من بني دينار [هو] [ (2) ] : كعب بن زيد، أصابه سهم غرب [ (3) ] فقتله. من قتل من الكفار وقتل من المشركين ثلاثة نفرهم [ (4) ] : منبّه بن عثمان بن عبيد بن السبّاق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمكة، ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة بن مخزوم، وعمرو بن عبد ودّ قتله علي رضي اللَّه عنه. ولم تغز كفار قريش المسلمين بعد الخندق. غزوة بني قريظة ثم كانت غزوة بني قريظة: خرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأربعاء لسبع خلون من ذي الحجة سنة خمس، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وحصرها خمسا وعشرين ليلة، وقيل: خمسة عشر يوما، وقيل: شهرا. سببها وسبب ذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما رجع من الخندق دخل بيت عائشة رضي اللَّه عنها [ (5) ] فاغتسل ودعا بالمجمرة ليتخبر، وقد صلى الظهر، فأتاه جبريل عليه السلام وقت الظهر- على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة، وعلى ثناياه النقع- فوقف عند موضع الجنائز فنادى: عذيرك [ (6) ] من محارب. فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
الخروج إلى قريظة
فزعا، فقال: ألا أراك وضعت اللأمة ولم تضعها الملائكة بعد؟ لقد طردناهم إلى حمراء الأسد، إن اللَّه يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، فإنّي عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم. [ويقال: جاءه على فرس أبلق] [ (1) ] . الخروج إلى قريظة فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا رضي اللَّه عنه فدفع إليه لواءه، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق، وبعث بلالا رضي اللَّه عنه فأذن في الناس: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمركم ألا تصلوا العصر إلا في بني قريظة. وعن قتادة قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ مناديا، يا خيل اللَّه اركبي. ولبس الدرع والمغفر والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه. وحف به أصحابه وقد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وكانت ستة وثلاثين فرسا، وكانت له صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أفراس معه. وقيل: خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو راكب على حمار عري [ (2) ] . وسار فمر بنفر من بني النجار قد صفوا وعليهم السلاح، فقال: هل مر بكم أحد؟ قالوا: نعم! دحية الكلبي، مر على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من إستبرق، فأمرنا بلبس السلاح، فأخذنا سلاحنا وصففنا، وقال لنا: هذا رسول اللَّه يطلع عليكم الآن! فقال: ذلك جبريل. وصول علي إلى حصن بني قريظة وسفاهة يهود وانتهى إلى بني قريظة، وقد سبق عليّ في نفر من المهاجرين والأنصار، وغرز الراية عند أصل الحصن، فاستقبلهم يهود يشتمون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه، فسكت المسلمون وقالوا: السيف بيننا وبينكم. فلما رأى عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجع إليه، وأمر أبا قتادة الأنصاري أن يلزم اللواء. مسيره صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وما قاله وسار صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يهود، وقال يومئذ: الحرب خدعة. وتقدمه أسيد بن حضير فقال: يا أعداء اللَّه! لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعا، إنما أنتم بمنزلة ثعلب
تقدم الرماة وبدء المراماة
في جحر. قالوا: يا ابن الحضير، نحن مواليك دون الخزرج! وخاروا. فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إلّ [ (1) ] . ودنا صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم وقد ترس عنه أصحابه. فقال: يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطواغيت! أتشتموني؟ فجعلوا يحلفون: ما فعلنا! ويقولون: يا أبا القاسم ما كنت جهولا!. تقدم الرماة وبدء المراماة وتقدمت الرماة من المسلمين، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد بن أبي وقاص: يا سعد، تقدم فارمهم. فرماهم والمسلمون ساعة، ويهود تراميهم، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقف على فرسه فيمن معه. ثم انصرفوا إلى منازلهم، وباتوا وقد بعث إليهم سعد بن عبادة بأحمال تمر فأكلوا، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يأكل منه: نعم الطعام التمر. واجتمع المسلمون عنده عشاء، ومنهم من صلى ومنهم من لم يصلّ حتى جاء بني قريظة، فما عاب على أحد من الفريقين. تعبئة المسلمين حول الحصن ثم غدا سحرا وقدّم الرماة وعبأ أصحابه، فأحاطوا بحصون يهود وراموهم بالنّبل والحجارة وهم يرمون من حصونهم حتى أمسوا، فباتوا حول الحصون. مفاوضة يهود للصلح فنزل نبّاش بن قيس وكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير: له الأموال والحلقة، ويحقن دماءهم، ويخرجون من المدينة بالنساء والذراري، ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة. فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا أن ينزلوا عن حكمه، وعاد نبّاش إليهم بذلك. مشورة كعب بن أسد اليهودي فأشار عليهم كعب بن أسد بأن يدخلوا في الإسلام، وذكرهم بما عندهم من العلم بنبوته، فلم يقبلوا رأيه. فأشار عليهم أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يخرجوا
ذكر من أسلم من يهود بني قريظة
فيقاتلوا حتى يقتلوا أو يظفروا، فأبوا ذلك. فأشار عليهم أن يخرجوا ليلة السبت والمسلمون آمنون فيبيتونهم فقالوا: لا نحل السبت. واختلفوا وندموا على ما صنعوا. ذكر من أسلم من يهود بني قريظة ونزل منهم [ثعلبة بن سعيه، وأسيد بن سعيه] [ (1) ] ، وأسد بن عبيد، وأسلموا. وأمنوا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ونزل عمرو بن سعدى، [وكان أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: لا أغدر بمحمد أبدا. فبات في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب] [ (2) ] فلم يدر أين هو! وقيل: [إنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأصبحت رمته ملقاة ولا يدرى أين ذهب!] [ (3) ] . خبر أبي لبابة في مشورة اليهود فلما اشتد عليهم الحصار طلبوا أبا لبابة بن عبد المنذر، فدخل عليهم فقالوا له: ما ترى؟ إن محمدا أبى إلا أن ننزل عن حكمه! قال: فانزلوا. وأومأ إلى حلقه، وهو الذبح. ثم نزل- والناس ينتظرونه- وقد ندم على ما كان منه. فمر على وجهه حتى ارتبط في المسجد إلى سارية، وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنع وذهابه، فقال: دعوه حتى يحدث اللَّه فيه ما يشاء، ولو جاءني استغفرت له، وأما إذ [ (4) ] لم يأتني وذهب فدعوه. فكان كذلك خمس عشرة ليلة، - وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استعمله على القتال، وأنزل فيه: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (5) ] .
نزول بني قريظة على حكم رسول الله وكتافهم وما وجد عندهم
ويقال نزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ (1) ] . ويقال نزلت فيه: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [ (2) ] . والأول أثبت. نزول بني قريظة على حكم رسول اللَّه وكتافهم وما وجد عندهم ثم نزلت يهود على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمر بأسراهم فكتفوا رباطا- وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة- ونحّوا ناحية، وأخرج النساء والذرية من الحصون فكانوا ناحية، واستعمل عليهم عبد اللَّه بن سلام. وجمعت أمتعتهم وما وجد في حصونهم من الحلقة والأثاث والثياب، فوجد فيها ألف وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع، وألفا رمح، وألف وخمسمائة ترس وجحفة، وأثاث كبير وآنية كثيرة، وخمر وجرار سكر، فهريق ذلك كله ولم يخمس. ووجد من الجمال النواضح عدة، ومن الماشية شيء كثير، فجمع ذلك كله. طلب الأوس حلفاءهم بني قريظة وطلب الأوس من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يهب لهم بني قريظة فإنّهم حلفاؤهم، كما وهب لابن أبيّ [بني] [ (3) ] قينقاع حلفاءه. تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة فقال: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ قالوا: بلى! قال: فذلك إلى سعد بن معاذ. وسعد يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة، ويقال: كعيبة [ (4) ] بنت سعد بن سعد بن كعب بن عبد الأسلمية، وكانت تداوي الجرحى، وتلم الشعث، وتقوم على الضائع الّذي لا أحد له، وكان لها خيمة في المسجد، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل سعد بن معاذ فيها منذ جرح. فخرجت
خبر بني قريظة بعد حكم سعد وما جرى في قتلهم
الأوس فحملوه على حمار. وجعلوا وهم حوله يقولون له: يا أبا عمرو! إن رسول اللَّه قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن، فقد رأيت ابن أبي وما صنع من حلفائه، وأكثروا في هذا وشبهه، وهو لا يتكلم، ثم قال: قد آن لسعد ألا تأخذه في اللَّه لومة لائم. فقال الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عدي بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاري: وا قوماه! وقال غيره منهم نحو ذلك. ثم رجع إلى الأوس فنعى لهم قريظة. فلما جاء سعد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والناس حوله قال: قوموا إلى سيدكم! فقاموا له على أرجلهم صفين يحييه كل منهم. [ويقال: إنما عني صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله: «قوموا لسيدكم» الأنصار دون قريش] . وقالت الأوس الذين حضروا: يا أبا عمرو! إن رسول اللَّه قد ولّاك فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك. فقال سعد: أترضون بحكمي لبني قريظة؟ قالوا: نعم، فأخذ عليهم عهد اللَّه وميثاقه أن الحكم ما حكم، ثم قال: فإنّي أحكم فيهم أن يقتل من جرت عليه المواسي، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع أرقعة [ (1) ] . خبر بني قريظة بعد حكم سعد وما جرى في قتلهم فأمر بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنساء والذرية إلى دار ابنة الحارث، وقد اختلف في اسمها، فقيل: كيّسة بنت الحارث بن كريز بن [ربيعة] [ (2) ] بن حبيب بن عبد شمس، وكانت تحت مسيلمة الكذاب، ثم خلف عليها عبد اللَّه بن عامر بن كريز، وأمر بأحمال التمر فنثرت على بني قريظة، فباتوا يكدمونها كدم الحمر [ (3) ] . وأمر بالسلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل، وبالإبل والغنم فتركت [ (4) ] هناك ترعى الشجر، ثم غدا صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة في يوم الخميس السابع من ذي الحجة والأسرى معه، وأتى إلى السوق، فأمر بخدود فخدت [ (5) ] ،
مقالة حيي بن أخطب عند قتله
وحفر فيها هو وأصحابه، وجلس ومعه علية أصحابه، ودعا [ (1) ] برجال بني قريظة فكانوا يخرجون أرسالا تضرب أعناقهم. مقالة حيي بن أخطب عند قتله ولما جيء بعدو اللَّه حيي بن أخطب [بن سعيه بن ثعلبة بن عبيد بن كعب ابن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير بن ناخوم من بني إسرائيل من سبط لاوي ابن يعقوب، ثم من ولد هارون بن عمران أخي موسى صلى اللَّه عليه] [ (2) ] ، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألم يمكّن اللَّه منك يا عدو اللَّه؟ فقال: بلى! واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مظانّه، وأبى اللَّه إلا أن يمكّنك مني، قلقلت كلّ مقلقل، ولكنه من يخذل اللَّه يخذل. ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس! لا بأس بأمر اللَّه، قدر وكتاب، ملحمة كتبت على بني إسرائيل! فأمر فضربت عنقه. أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالإحسان إلى الأسرى ثم أتى بعزّال [ (3) ] بن سموأل، ونباش بن قيس، فضربت أعناقهما، وقد جابذ [ (4) ] نباش الّذي جاء به، حتى قاتله ودق أنفه فأرعفه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم للذي جاء به: لم صنعت به هذا؟ أما كان السيف كفاية! ثم قال: أحسنوا إسارهم، وقيّلوهم واسقوهم، لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحرّ السلاح. وكان يوما صائفا، فقيّلوهم وسقوهم وأطعموهم، فلما أبردوا راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتل من بقي منهم. إسلام رفاعة بن سموأل وسألت أم المنذر سلمى بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عدي
كراهة بعض الأوس قتل قريظة، ثم تفريق الأسرى في الأوس
ابن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رفعة بن سموأل فقال: هو لك؟ فأسلم. كراهة بعض الأوس قتل قريظة، ثم تفريق الأسرى في الأوس وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر فقالا: يا رسول اللَّه، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم. فقال سعد بن معاذ: ما كرهه من الأوس أحد فيه خير، فمن كرهه فلا أرضاه اللَّه. فقام أسيد بن حضير فقال: يا رسول اللَّه، لا تبقينّ دار من دور الأوس إلا فرقتهم فيها. ففرقهم في دور الأنصار فقتلوهم. وضرب رسول اللَّه عنق كعب بن أسد بين يديه. قتل بنانة اليهودية وسببه وأمر ببنانة امرأة الحكم القرظي- وهي من السبي- فقتلت، لأنها ألقت من حصن الزبير بن باطا رحّي [ (1) ] بإشارة زوجها على نفر من المسلمين كانوا يستظلون في فيئه، فشدخت رأس خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة ابن امرئ القيس بن مالك الأغر، فمات. قتل كل من أنبت، وبكاء نساء يهود وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل كل من أنبت منهم، وترك من لم ينبت، وتمادى القتل فيهم إلى الليل فقتلوا على شعل السعف، ثم ردّ عليهم التراب في الخنادق. وكان من شك فيه منهم أن يكون بلغ، نظر إلى مؤتزره: فإن كان أنبت قتل، وإلا ترك في السبي. وكانوا ستمائة، [وقيل: ما بين الستمائة إلى السبعمائة. وقيل: كانوا سبعمائة وخمسين] ، ولما قتلوا صاحت نساءهم وشقّت جيوبها، ونشرت شعورها، وضربت خدودها، وملأت المدينة.
خبر الزبير بن باطا
خبر الزبير بن باطا وسأل ثابت بن قيس بن شماس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الزبير بن باطا فقال: هو لك. فلم يرض بالحياة وطلب أن يلحقوه بأحبته، فضرب الزبير بن العوام عنقه. وطلب ثابت بن قيس أهله وولده فردّوا إليه إلى الحلقة، فكانوا مع آل ثابت بن قيس. إسلام ريحانة بنت زيد وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ريحانة بنت زيد لنفسه صفيا وعزلها حتى تسلم، فما زال بها [ثعلبة بن سعية] [ (1) ] حتى أسلمت، فبعثها إلى بيت أم المنذر سلمى بنت قيس حتى حاضت ثم طهرت. فجاءها وخيّرها: أيعتقها ويتزوجها أو تكون في ملكه يطؤها بالملك؟ فاختارت أن تكون في ملكه، وقيل: أعتقها وتزوجها. بيع المتاع وقسمة الفيء وأمر بالمتاع فبيع في من يزيد، وبيع السبي، وقسمت النخل أسهما، وكانت الخيل ستا وثلاثين فرسا، فأسهم: للفرس سهمان، ولصاحبه سهم، وللراجل سهم. وقاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أفراس فلم يضرب إلا سهما واحدا. وأسهم لخلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو، وقد قتل تحت الحصن: طرحت عليه رحى، فشدخته شدخا شديدا. وأسهم لأبي سنان بن محصن [واسمه وهب بن عبد اللَّه، ويقال: عبد اللَّه بن وهب، ويقال: عامر، ولا يصحّ، ويقال: اسمه وهب بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وعلى هذا فهو أخو عكاشة بن محصن، وهو أصح ما قيل فيه. وبات ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحاصرهم، وكان يقاتل مع المسلمين. وكان المسلمون ثلاثة [ (2) ] آلاف، فكانت سهمان الخيل والرجال على ثلاثة آلاف واثنين وسبعين سهما: للفرس سهمان ولصاحبه سهم. وأسهم يومئذ على الأموال فجزئت خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها للَّه، فخرجت السهمان، وكذلك الرثّة [ (3) ] والإبل والغنم والسبي،
ترك فيء رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء
ثم فضّ أربعة أسهم على الناس. ترك فيء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنساء وأخذ [ (1) ] فيء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النساء اللاتي حضرت القتال ولم يسهم لهن، وهن: صفية بنت عبد المطلب، وأم عمارة، وأم سليط، وأم العلاء الأنصارية، والسميراء بنت قيس الأنصارية، وأم سعد بن معاذ، وهي: كبشة بنت رافع بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج. أمر السبي ولما بيعت السبايا والذرية بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بطائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة [ (2) ] ، يبيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا. واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهما طائفة. فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشّواب، فربح عثمان مالا كثيرا لأنه صار في سهم العجائز. ويقال: لما قسم صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل الشواب على حدة، والعجائز على حدة، وخيّر عبد الرحمن وعثمان فأخذ عثمان العجائز. واشترى أبو الشحم اليهودي امرأتين- مع كل واحدة ثلاثة أطفال- بخمسين ومائة دينار، وجعل يقول: ألستم على دين يهود؟ فتقول المرأتان: لا نفارق دين قومنا حتى نموت عليه، وهن يبكين. وكان السبي ألفا من النساء والصبيان، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسه قبل بيع المغنم، فجزأ السبي خمسة أجزاء: فأخذ خمسا، فكان يعتق منه ويهب منه، ويخدم منه من أراد، وكذلك صنع بما أصاب من رثتهم: قسمت قبل أن تباع. وكذلك النخل عزل خمسة، وكل ذلك يسهم عليه خمسة أجزاء ويكتب في سهم منها [للَّه] [ (3) ] ، ثم يخرج السهم، فحيث طار سهمه أخذه ولم يتخير. وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزّبيدي، وهو الّذي قسم المغنم بين المسلمين.
النهي عن التفريق بين النساء والولد حتى يبلغوا
النهي عن التفريق بين النساء والولد حتى يبلغوا ونهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفرّق في القسم والبيع بين النساء والذرية، وقال: لا يفرّق بين الأم وولدها حتى يبلغوا، فقيل: يا رسول اللَّه! وما بلوغهم؟ قال: تحيض الجارية ويحتلم الغلام. وكان يفرق يومئذ بين الأختين إذا بلغتا، وبين الأم وابنتها إذا بلغت. وكانت الأم وولدها الصغار تباع من المشركين من العرب، ومن يهود المدينة وتيماء وخيبر، يخرجون بهم. وإذا كان الولد صغيرا ليس معه أم لم يبع من المشركين ولا من يهود إلا من المسلمين. فكانت أموال بني قريظة أول فيء وقع فيه السهمان والخمس. موت سعد بن معاذ، وبكاء أمه، وحزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سعد ثم دفنه ولما حكم سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه في بني قريظة، رجع إلى خيمة رفيدة بنت سعد الأسلمية- وكان قد كوى جرحه بالنار فانتفخت يده، وسال الدم فحمّه أخرى فانتفخت يده، فسأل اللَّه أن يبقيه حتى يقاتل بني قريظة- فانفجر جرحه ومات بعد ما عاده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحمل إلى منزله. وغسّله الحارث بن أوس ابن معاذ، وأسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة بن وقش بحضرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأم سعد تبكي وتقول: [ويل أم سعد سعدا ... صرامة وحدّا وسؤددا ومجدا ... وفارسا معدّا سدّ به مسدّا ... يقدها ما قدّا] [ (1) ] فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كل البواكي يكذبن إلا أم سعد. ثم كفّن في ثلاثة أثواب وحمل في سرير. فحمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [جنازته] [ (2) ] وهو بين عمودي سريره حتى رفع من داره إلى أن خرج، ومشى أمام جنازته، ثم صلى عليه ونزل في قبره أربعة نفر: الحارث بن أوس بن معاذ، وأسيد بن حضير، وأبو نائلة،
بلوغ خبر قريظة إلى يهود بني النضير
وسلمة بن سلامة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقف على قدميه على قبره. ولما وضع في لحده تغير وجهه وسبح ثلاثا، فسبح المسلمون ثلاثا حتى ارتج البقيع [ (1) ] ، ثم كبر ثلاثا وكبر أصحابه حتى ارتج البقيع، فسئل عن ذلك فقال: تضايق على صاحبكم قبره، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد، ثم فرّج اللَّه عنه. وجاءت أم سعد تنظر إليه في اللحد وقالت: احتسبك عند اللَّه. وعزّاها [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قبره. وجلس ناحية والمسلمون يردون تراب القبر حتى سوّي ورشّ الماء عليه، ثم وقف صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعا، ثم انصرف. بلوغ خبر قريظة إلى يهود بني النضير وسار حسيل بن نويرة الأشجعي يومين حتى قدم خيبر، فأعلم سلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، ويهود بني النضير، ويهود خيبر بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قتل مقاتلة قريظة صبرا بالسيف، وسبي النساء والذرية، فقال سلام بن مشكم- وكانت له رئاسة بني النضير بعد يوم بعاث [ (3) ]-: هذا كله عمل حيي بن أخطب، لا قامت يهودية بالحجاز أبدا! وصاح نساؤهن وأقمن المآتم، وفزعت اليهود إلى سلام ليروا رأيه. فأشار عليهم يسيروا معه، ويهود تيماء وفدك ووادي القرى- ولا يجلبوا معهم أحدا من العرب- حتى يغزوا محمدا في عقر داره، فوافقوا على ذلك. زواجه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش وفي هذه السنة الخامسة تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش، في قول طائفة. فرض الحج وفيها فرض الحج، وقيل: سنة ست، وقيل: سنة سبع، وقيل: سنة ثمان، وقيل غير ذلك.
سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان ابن خالد بن نبيح الهزلي
سرية عبد اللَّه بن أنيس إلى سفيان ابن خالد بن نبيح الهزلي ثم كانت سرية عبد اللَّه بن أنيس بن أسعد [ (1) ] بن حرام بن حبيب بن مالك ابن غنم بن كعب بن تيم بن نفاثة بن إياس [ (2) ] بن يربوع بن البرك بن وبرة [ويعرف بالجهني وليس بجهني، ولكنه من وبر قضاعة وجهينة أيضا من قضاعة] [ (3) ]- إلى سفيان بن خالد بن نبيح الهزلي، ثم اللحياني. خروجه إليه وسببه خرج إليه يوم الاثنين لخمس خلون من المحرّم على رأس أربعة وخمسين شهرا [ (4) ] ، فغاب اثنتي عشرة ليلة وقدم يوم السبت لسبع بقين من المحرم. وقد بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن سفيان بن خالد بن نبيح الهزلي ثم اللحياني نزل عرنة وما حولها في ناس فجمع لحربه، وضوى إليه بشر كثير من أفناء العرب. فبعث عبد اللَّه بن أنيس وحده ليقتله، وقال له: انتسب إلى خزاعة. صفة ابن نبيح (فقال عبد اللَّه بن أنيس: يا رسول اللَّه، انعته لي حتى أعرفه) [ (5) ] ، قال: إذا رأيته هبته، وفرقت منه، وذكرت الشيطان، وآية (ما بينك وبينه) [ (6) ] أن تجد له قشعريرة إذا رأيته، وأذن له أن يقول ما بدا له، وكان أنيس [ (7) ] لا يهاب
قتل سفيان بن خالد
الرجال. فأخذ سيفه وخرج، حتى (إذا) [ (1) ] كان ببطن عرنة لقي سفيان يمشي: ووراءه الأحابيش، فهابه، وعرفه بالنّعت الّذي نعت له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد دخل وقت العصر، فصلى وهو يمشي يومئ إيماء برأسه، فلما دنا منه قال: من الرجل؟ قال: رجل من خزاعة، سمعت لجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك. ومشى معه يحادثه وينشده، وقال: عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث، فارق الآباء وسفه أحلامهم! فقال سفيان: لم يلق محمد أحدا يشبهني! حتى انتهى إلى خبائه وتفرّق عنه أصحابه. فقال: هلمّ يا أخا خزاعة. قتل سفيان بن خالد فدنا منه وجلس عنده حتى نام الناس، فقتله وأخذ رأسه واختفى في غار، والخيل تطلبه في كل وجه، ثم سار الليل وتوارى في النهار إلى أن قدم المدينة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد فقال: أفلح الوجه! قال: أفلح وجهك يا رسول اللَّه! ووضع الرأس بين يديه، وأخبره الخبر، فدفع إليه عصا وقال: تخصّر [ (2) ] بهذه في الجنة، فإن المتخصّرين [ (2) ] في الجنة قليل، وكانت عنده حتى أدرجت في أكفانه بعد موته. غزوة القرطاء ثم كانت غزوة القرطاء من بني بكر [ (3) ] بن كلاب، بناحية ضريّة بالبكرات، وبين ضرية والمدينة سبع ليال. خرج فيها محمد بن مسلمة لعشر خلون من المحرم، فغاب تسع عشرة ليلة، وقدم لليلة بقيت من المحرم. وكان في ثلاثين رجلا، فسار الليل وكمن [ (4) ] النهار [حتى إذا] [ (5) ] كان بالشّربّة [ (6) ] لقي ظعنا من محارب، فأغار عليهم. وقتل نفرا منهم وفرّ سائرهم، واستاق نعما وشاء، ومضى. وقدّم عباد ابن بشر عينا لينظر بني بكر بن كلاب. فلما أتاه بخبرهم شنّ الغارة عليهم، وقتل منهم عشرة، واستاق النّعم، والشاء، وقدم المدينة، وهي خمسون ومائة بعير،
غزوة بني لحيان
وثلاثة آلاف شاة، فخمّس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقسم ما بقي، فعدّل الجزور بعشر من الغنم. غزوة بني لحيان ثم كانت غزوة بني لحيان بن هذيل بن مدركة، بناحية عسفان [ (1) ] . خرج فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهلال ربيع الأول سنة ست في مائتي رجل، ومعهم عشرون فرسا، يريد بني لحيان ليأخذ بثأر أصحاب الرجيع، فعسكر من ناحية الجزف في أول نهاره، وأظهر أنه يريد الشأم، ثم راح مبردا حتى انتهى إلى حيث كان مصاب عاصم بن ثابت وأصحابه بين أمج وعسفان ببطن عران [ (2) ] ، وبينها وبين عسفان خمسة أميال. وقد هرب بنو لحيان، فأقام يوما أو يومين وبث السرايا فلم يقدر على أحد. فأتى عسفان في مائتي راكب من أصحابه، ثم بعث فارسين حتى بلغا كراع الغميم ثم كرّا. وقال الواقدي [ (3) ] : بعث أبا بكر رضي اللَّه عنه في عشرة فوارس فبلغ كراع الغميم ورجع. ولم يلق أحدا. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا يبلغ قريشا فيذعرهم، ويخافون أن نكون نريدهم. وكان خبيب بن عديّ يومئذ في أيديهم، فخافوا أن يكون قد جاء ليخلّصه. وعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، وقد غاب أربع عشرة ليلة وكان يخلفه على المدينة ابن أم مكتوم. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال في منصرفه إلى المدينة: آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون. اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة على الأهل، اللَّهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال. اللَّهمّ بلغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير، مغفرة منك ورضوانا، وهذا أوّل ما قال هذا الدعاء [ (4) ] . وصحّح جماعة أن غزوة بني لحيان هذه كانت بعد قريظة بستة أشهر، وأنها كانت في جمادى الأولى. وصحح ابن حزم أنها في الخامسة.
غزوة الغابة
غزوة الغابة وكانت غزوة الغابة. ويقال: غزاة ذي قرة [ويقال: قرد بضمتين] ، وهو ماء على بريد من المدينة، في ربيع الأول. وقال ابن عبد البر [ (1) ] : كانت بعد لحيان بليال. وقال البخاري: كانت قبل خيبر بثلاثة أيام [ (2) ] ، وفي مسلم نحوه [ (3) ] ، وفيه نظر لإجماع أهل السّير على خلافه [ (4) ] . سببها وسببها: أن لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكانت عشرين لقحة [ (5) ] : منها ما أصاب في ذات الرقاع: ومنها ما قدم به محمد بن مسلمة من نجد- وكانت ترعى البيضاء فقربوها إلى الغابة، وكان الراعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب. فاستأذن أبو ذر جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار الغفاريّ، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخروج إلى لقاحه، فقال: إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير [ (6) ] عليك، ونحن لا نأمن عيينة بن حصن وذويه. وهو في طرف من أطرافهم، فلما ألح عليه أبو ذر رضي اللَّه عنه قال: لكأنّي بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك. ليلة السرح فلما كانت ليلة السرح، جعلت سبحة فرس المقداد بن عمرو لا تقرّ ضربا
غارة ابن عيينة على السرح
بيديها وصهيلا، فيقول أبو معبد: واللَّه إن لها لشأنا! فينظر آريّها [ (1) ] فإذا هو مملوء علفا. فيقول: عطشى! فيعرض الماء عليها فلا تريده، فلما طلع الفجر أسرجها ولبس سلاحه وخرج، حتى صلى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح فلم ير شيئا. ودخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيته، ورجع المقداد إلى بيته، وفرسه لا تقرّ، فوضع سرجه وسلاحه واضطجع. فأتاه آت فقال: إن الخيل قد صبّح بها [ (2) ] !. غارة ابن عيينة على السرح وكانت لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد روّحت وعطّنت وحلبت عتمتها [ (3) ] ، وأحدق عبد الرحمن بن عيينة بن حصن في أربعين فارسا من بني عبد اللَّه بن غطفان، [وذكر ابن الكلبي أن الّذي أغار على سرح المدينة عبد اللَّه بن عيينة بن حصن] . وهم نيام. فأشرف لهم ابن أبي ذرّ فقتلوه وساقوا اللقاح. فجاء أبو ذر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره فتبسّم. خبر سلمة بن الأكوع وكان سلمة بن عمرو [بن] [ (4) ] الأكوع-[واسمه سنان] [ (4) ] بن عبد اللَّه ابن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي قد غدا إلى الغابة للقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [بفرس لطلحة بن عبد اللَّه] [ (5) ] لأن يبلّغه [ (6) ] لبنها، فلقي غلام عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه- وكان في إبله فأخطئوا مكانها، فأخبره أن لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أغار عليها ابن عيينة في أربعين فارسا. وأنهم رأوا إمدادا بعد ذلك أمدّ به ابن عيينة، فرجع سلمة إلى المدينة وصرخ على ثنية الوداع بأعلى صوته! يا صباحاه! ثلاثا، ويقال نادى: الفزع الفزع! ثلاثا.
نداء الفزع ليلة السرح
ووقف على فرسه حتى طلع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحديد مقنّعا، فوقف واقفا. [و قيل: ركب فرسا عريا لأبي طلحة يقال له مندوب، فلما انصرف قال: إن وجدناه لبحرا ] [ (1) ] . نداء الفزع ليلة السرح [ونودي يا خيل اللَّه اركبي! وكان أول ما نودي بها] [ (2) ] ، فكان [ (3) ] أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو وعليه السلاح شاهرا سيفه. فعقد له لواء على رمحه وقال: امض حتى تلحقك الخيول، إنا على أثرك. فخرج حتى أدرك أخريات العدو، فظفر له بفرس. وأدرك مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر الفزاريّ فتطاعنا برمحيهما، ثم فرّ مسعدة. فنصب مقداد اللواء، ولحقه أبو قتادة- معلما بعمامة صفراء على فرس له- فتسايرا ساعة، فاستحث أبو قتادة فرسه حتى غاب، وقد أدرك مسعدة فقتله. وخرج سلمة بن الأكوع على رجليه يعدو، يسبق الخيل، حتى لحق العدو فرماهم بالنبل والخيل تكر عليه وهو يقول: خذها وأنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرّضّع [حتى انتهى إلى ذي قرد وقد استنفذ منهم جميع اللقاح وثلاثين بردة، قال سلمة:. وصول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ذي قرد فلحقنا] [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والخيول عشاء، وكانوا ثمانية أفراس، وكان
ذكر القتلى
المقداد أمير الفرسان [وقيل: بن أميرهم سعد بن زيد الأشهلي] [ (1) ] . فقال سلمة: يا رسول اللَّه! إن القوم عطاش، وليس لهم ماء دون أحساء كذا وكذا، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما بين أيديهم من السرح، وأخذت بأعناق القوم! فقال: ملكت فأسجح [ (2) ] ! ثم قال: [إنهم الآن] [ (3) ] ليقرون [ (4) ] في غطفان. وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتي، والرجال على أقدامهم، و [على] [ (5) ] الإبل، والقوم يعتقبون البعير والحمار، حتى انتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي قرد، فاستنقذوا عشر لقاح- منها جمل أبي جهل- وأفلت القوم بعشر [ (6) ] . ذكر القتلى وكانت راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العقاب يحملها سعد، وكان قد أدرك محرز، نضلة بن عبد اللَّه بن مرّة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة- القوم بهيفا [ (7) ] ، فطاعنهم ساعة [ (8) ] بالرمح فقتله مسعدة بن حكمة. وأقبل عباد بن بشر
دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة
على أوبار بن عمرو بن أوبار [ (1) ] وقاتله، فقتله عباد، وقيل: بل قتله عكاشة بن محصن. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي قتادة ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي قتادة لما أدركه فقال: اللَّهمّ بارك له في شعره، وبشره. وقال: أفلح وجهك! فقال: ووجهك يا رسول اللَّه! ثم قال: قتلت مسعدة؟ قال: نعم! قال: ما هذا بوجهك؟ قال: سهم رميت به يا رسول اللَّه! قال: فادن مني! فدنا منه فبصق عليه فما ضرب عليه قطّ ولا قاح [ (2) ] فمات أبو قتادة، وهو ابن سبعين سنة، وكأنه ابن خمس عشرة [ (3) ] سنة، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ فرس مسعدة وسلاحه وقال: بارك اللَّه لك فيه. أصحاب الخيل واستعمل صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ على الخيل سعد بن زيد الأشهليّ وقدّمه أمامه، فلحق القوم وناوشهم ساعة: هو والمقداد بن عمرو، ومعاذ بن ماعص، وأبو قتادة، وسلمة بن الأكوع، فحمل سعد على حبيب بن عيينة بن حصن فقتله وأخذ فرسه، وقيل: قتل حبيب بن عيينة المقداد. وكان شعار المسلمين يومئذ: أمت أمت. صلاة الخوف وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ صلاة الخوف: فقام إلى القبلة وصفّ طائفة خلفه، وطائفة مواجهة العدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجدتين ثم انصرفوا. وقاموا مقام أصحابهم، وأقبل الآخرون فصلى بهم ركعة وسجدتين وسلّم، فكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعة.
تاريخ الغزوة
تاريخ الغزوة وكانت غزاة ابن عيينة ليلة الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الأول سنة ست. فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأربعاء، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وأقام بذي قرد يوما وليلة. وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها، وكانوا خمسمائة، ويقال: كانوا سبعمائة. حراسة المدينة وإمداد سعد بن عبادة المسلمين وأقام سعد بن عبادة- في ثلاثمائة من قومه- يحرسون المدينة خمس ليال حتى رجع صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الاثنين. وأمدّ المسلمين سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه بأحمال تمر، وبعشر جزائر بذي قرد: وبعث بذلك مع ابنه قيس بن سعد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا قيس! بعثك أبوك فارسا، وقرى المجاهدين، وحرس المدينة من العدو! اللَّهمّ ارحم سعدا وآل سعد! ثم قال: نعم المرء سعد بن عبادة! فقالت الأنصار: يا رسول اللَّه، هو بيننا وسيدنا وابن سيدنا. كانوا يطعمون في المحل [ (1) ] ، ويحملون الكل [ (2) ] ، ويقرون الضيف، ويعطون في النائبة، ويحملون عن العشيرة [ (3) ] . فقال: خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدين. الرجوع إلى المدينة وخبر امرأة أبي ذر ورجع صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة ليلة الاثنين وقد غاب عنها خمس ليال. فأقبلت امرأة أبي ذر على ناقته القصواء. - وكانت في السرح- فدخلت عليه فأخبرته من أخبار الناس، ثم قالت: يا رسول اللَّه! إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها أن أنحرها فآكل من كبدها وسنامها! فتبسم وقال: بئس ما جزيتها! أن حملك اللَّه عليها ونجاك [بها] [ (4) ] ثم تنحرينها! إنه لا نذر في معصية اللَّه ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعي إلى أهلك على بركة اللَّه.
خبر الهدية
خبر الهدية وقيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه لقحتك السمراء على بابك، فخرج مستبشرا، فإذا رأسها بيد ابن أخي عيينة بن حصن، فلما نظر عرفها، فقال: أيم بك [ (1) ] ؟ فقال: يا رسول اللَّه! أهديت إليك هذه اللقحة، فتبسم وقبضها منه، وأمر له بثلاثة أواقي فضة، فتسخط، فصلى عليه السلام الظهر وصعد المنبر فحمد اللَّه، ثم قال: إن الرجل أهدى لي الناقة من إبلي، أعرفها كما أعرف بعض أهلي ثم أثيبه عليها، فيظل يتسخط عليّ! ولقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قريشي أو أنصاري. وفي رواية [ (2) ] : أو ثقفي أو دوسي. بعض تاريخ الغزوة ووقع في صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع في هذه القصة قال: فرجعنا إلى المدينة فلم نلبث إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر. وذهب قوم إلى غزوة المريسيع كانت في شعبان، بعد غزوة الغابة هذه [ (3) ] . يا خيل اللَّه اركبي وفي غزوة الغابة نودي عند ما جاء الفزع: يا خيل اللَّه اركبي: ولم يكن يقال قبلها. سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر ثم كانت سرية عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم ابن دودان بن أسد بن خزيمة- الأسدي- إلى الغمر: وهو ماء لبني أسد على ليلتين من قيد [ (4) ] في ربيع الأول سنة ست. فخرج في أربعين رجلا يغذ السير، فنذر به القوم فهربوا، وانتهى إلى علياء بلادهم فلم يلق أحدا. وبث سراياه فظفروا
سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة
بنعم فاستاقوا مائتي بعير وعادوا. سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة ثم كانت سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة- موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرين ميلا- يريد بني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة [ (1) ] : وهم مائة رجل، في ربيع الأول، فسار في عشرة حتى وردوا ليلا وناموا، فأحاط بهم المائة رجل من بني ثعلبة ففزعوا، وراموهم ساعة بالنبل، ثم حملت الأعراب بالرماح عليهم فقتلوهم، وسقط محمد بن مسلمة جريحا، فحمل بعد ذلك إلى المدينة. سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة ثم كانت سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع الآخر سنة ست. خرج في ليلة السبت ومعه أربعون رجلا، فغاب ليلتين، وكانت بلاد بني ثعلبة وأنمار قد أجدبت، فتتبع بنو محارب وثعلبة وأنمار سحابة وقعت بالمراض إلى تغلمين، [والمراض على ستة وثلاثين ميلا من المدينة] ، وأجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة ببطن هيفاء [ (2) ] : [موضع على سبعة أميال من المدينة] . فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا عبيدة رضي اللَّه عنه بمن معه بعد ما صلوا صلاة المغرب: فمشوا ليلهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح [ (3) ] ، فأغاروا على القوم فأعجزوهم هربا، وأخذوا رجلا، واستاقوا نعما، ووجدوا رثة من متاع، وعادوا، فخمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغنيمة، وقسم باقيها. وأسلم الرجل وترك لحاله. سرية زيد بن حارثة إلى العيص وكانت سرية زيد بن حارثة رضي اللَّه عنه إلى العيص: على أربع ليال من المدينة، في جمادى الأولى منها، ومعه سبعون ومائة راكب، ليأخذوا عيرا لقريش قد أخذت طريق العراق. ودليلها فرات بن حيان العجليّ. فظفر بها زيد، وأسر أبا العاص بن الربيع، والمغيرة بن معاوية بن أبي العاص، ووجد فضة كثيرة لصفوان
إسلام أبي العاص زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ابن أمية. وقدم المدينة، فأجازت زينب [بنت رسول اللَّه] [ (1) ] عليها السلام زوجها أبا العاص. إسلام أبي العاص زوج زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت: ورد عليه كل ما أخذ من المال. فعاد إلى مكة وأدى إلى كل ذي حقّ حقه، وأسلم. ثم قدم المدينة مهاجرا، فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه زينب بذلك النكاح. إفلات المغيرة بن معاوية من أسر عائشة رضي اللَّه عنها وأفلت المغيرة بن معاوية فتوجه إلى مكة، فأخذه خوات بن جبير أسيرا- وكان في سبعة نفر مع سعد بن أبي وقاص- فدخلوا به المدينة بعد العصر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة رضي اللَّه عنها: احتفظي عليك بهذا الأسير، وخرج. فلهت عائشة مع امرأة بالحديث، فخرج وما شعرت به. خبر دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عائشة رضي اللَّه عنها فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يره وسألها، فقالت: غفلت عنه، وكان هاهنا آنفا! فقال: قطع اللَّه يدك. وخرج فصاح بالناس، فخرجوا في طلبه حتى أخذوه وأتوا به. فدخل صلّى اللَّه عليه وسلّم على عائشة وهي تقلّب يدها فقال: مالك؟ قالت: انظر كيف تقطع يدي! قد دعوت عليّ بدعوتك! فاستقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة ورفع يديه ثم قال: اللَّهمّ إنما أنا بشر أغضب وآسف كما يغضب البشر، فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعلها له رحمة [ (2) ] . سرية زيد بن حارثة إلى الطرف وكانت سرية زيد بن حارثة إلى الطّرف- ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة، بناحية نخل من طريق العراق- في جمادى الآخرة منها، ومعه خمسة عشر
سرية زيد بن حارثة إلى حسمي وسببها
رجلا يريد بني ثعلبة، فأصاب لهم نعما وشاء. وقدم من غير قتال بعشرين بعيرا، ثم غاب أربع ليال. سرية زيد بن حارثة إلى حسمي وسببها وكانت سرية زيد أيضا إلى حسمي وراء وادي القرى، في جمادى الآخرة هذا. وسببها أن دحية الكلبي أقبل من عند قيصر ملك الروم بجائزة وكسوة، فلقيه بحسمي الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد في جمع من جذام، فأخذوا ما معه. ودخل المدينة بسمل [ (1) ] ثوب، [ويقال: بل نفر إليه النعمان بن أبي جعال في نفر من بني الضّبيب فخلص له متاعه بعد حرب] . فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيدا على خمسمائة رجل ومعه دحية، فكان يسير ليلا ويكمن نهارا، حتى هجم مع الصبح على الهنيد وابنه فقتلهما، واستاق ألف بعير وخمسة آلاف شاة، ومائة ما بين امرأة وصبيّ. فأدركه بنو الضّبيب- وقد كانوا أسلموا وقرءوا من القرآن- وحدّثوه أن يرد عليهم ما أخذ. ثم قدم زيد بن رفاعة الجذامي في نفر من قومه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فذكر له ما صنع زيد بن حارثة، ورضوا بأخذ ما أصاب لهم من الأهل والمال، وأغضوا عمّن قتل. فبعث معهم علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه ومعه سيفه أمارة- ليردّ عليهم زيد ما أخذ منهم- فردّ جميع ذلك بعد ما فرّقه فيمن معه، وقد وطئوا النساء. سرية عبد الرحمن بن عوف إلى كلب بدومة الجندل يدعوهم إلى الإسلام وكانت سرية عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه إلى كلب بدومة الجندل في شعبان منها [ (2) ] ، ليدعوا كلبا إلى الإسلام، ومعه سبعمائة رجل. فأقعده بين يديه، ونقض عمامته بيده الكريمة، صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم عمّمه بعمامة سوداء وأرخى بين كتيفيه منها، ثم قال: هكذا فاعتم يا ابن عوف! ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أغد باسم اللَّه وفي سبيل اللَّه. فقاتل من كفر باللَّه. لا تغلّ ولا تغدر ولا تقتل وليدا.
الخمس المهلكات
الخمس المهلكات ثم بسط يده فقال: يا أيها الناس! اتقوا خمسا قبل أن تحلّ بكم: ما نقض [ (1) ] مكيال قوم إلا أخذهم اللَّه بالسنين [ (2) ] ونقص من الثمرات لعلّهم يرجعون، وما نكث قوم عهدهم إلا سلّط اللَّه عليهم عدوهم، وما منع قوم الزكاة إلا أمسك اللَّه عنهم قطر السماء: ولولا البهائم لم يسقوا، وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط اللَّه عليهم الطاعون، وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم شيعا [ (3) ] وأذاق بعضهم بأس بعض. إسلام الأصبغ ملك كلب، وزواج عبد الرحمن ابن عوف تماضر ابنته فسار عبد الرحمن بن عوف حتى قدم دومة الجندل، ودعا أهلها ثلاثة أيام إلى الإسلام وهم يأبون إلا محاربته. ثم أسلم الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن ابن ضمضم الكلبي: وكان نصرانيا وهو رأس القوم، فكتب عبد الرحمن بن عوف بذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع رافع بن مكيث، وأنه أراد أن يتزوج فيهم، فكتب إليه أن تزوج تماضر ابنة الأصبغ، فتزوجها، فهي أول كلبية تزوجها قرشيّ، فولدت له أبا سلمة، [العقية] [ (4) ] . [وهي أخت النعمان بن المنذر لأمّه] . وأقبل بعد ما فرض الجزية على من أقام على دينه. سرية علي بن أبي طالب إلى بني سعد بن بكر ثم كانت سرية علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه إلى بني سعد بن بكر [ (5) ]
سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة [5] ، وسببها
وكانوا بفدك [ (1) ] في شعبان منها، ومعه مائة رجل. وقد أجمعوا [يعني بني سعد ابن بكر] [ (2) ] على أن يمدوا يهود خيبر. فسار ليلا وكمن نهارا، حتى [إذا] [ (2) ] انتهى إلى ماء بين خيبر وفدك يقال له: الهمج، وجد عينا لبني سعد قد بعثوه إلى خيبر- لتجعل لهم يهود من ثمرها كما جعلوا لغيرهم، حتى يقدموا عليهم- فدلهم على القوم بعد ما أمّنوه. فسار عليّ حتى أغار على نعمهم وضمّها، وفرّت رعاتها فأنذرت القوم. وقد تجمّعوا مائتي رجل، وعليهم وبر بن عليم [ (3) ] ، فتفرقوا. وانتهى عليّ بمن معه فلم ير منهم أحدا، وساق النّعم: وهي خمسمائة بعير وألفا شاة، فعزل الخمس وصفىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقوحا تدعى (الحفذة) [ (4) ] ، ثم قسم ما بقي، وقدم المدينة. سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة [ (5) ] ، وسببها ثم كانت سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفزارية، بناحية وادي القرى: على سبع ليال من المدينة، في رمضان سنة ست، وسببها أن زيدا خرج في تجارة إلى الشام، [ومعه بضائع لأصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (6) ] ، فخرج عليه- دوين وادي القرى- ناس من بني بدر من فزارة فضربوه، ومن معه حتى ظنوا أنهم قتلوه، وأخذوا ما كان معه، ثم تحامل حتى قدم المدينة. فبعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سرية إلى بني فزارة، فكان يكمن نهاره ويسير ليله، ونذرت بهم بنو بدر فاستعدّوا، فلما كان زيد ومن معه على مسيرة ليلة أخطأ بهم دليلهم الطريق، حتى صبحوا القوم فأحاطوا بهم، فقتل سلمة بن الأكوع رجلا منهم، وأخذ [سلمة بن] [ (7) ] سلامة بن وقش، [ويقال: بل سلمة بن الأكوع، واسم
سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم اليهودي بخيبر
الأكوع سنان] ، جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر وأمّها أمّ قرفة: فاطمة بنت ربيعة بن بدر، وغنموا. ثم قدموا المدينة، فقرع زيد بن حارثة الباب، فقام إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجرّ ثوبه عريانا حتى اعتنقه وقبّله، وساءله، فأخبره بما ظفّره اللَّه. وقتل في هذه السرية عبد اللَّه بن مسعدة، وقيس بن النعمان بن مسعدة بن حكمة بن مالك [بن حذيفة] [ (1) ] بن بدر، أحد بني قرفة. وأم قرفة قتلها قيس ابن المحسر [اليعمري] [ (2) ] قتلا عنيفا: ربط بين رجليها حبلا، ثم ربطها بين بعيرين [ثم زجرهما فذهبا فقطعاها] [ (3) ] وهي عجوز كبيرة. فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برأسها فدير به في المدينة ليعلم قتلها، ويصدق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قوله لقريش: «أرأيتم إن قتلت أمّ قرفة؟ فيقولون: أيكون ذلك؟» وكان زوجها مالك بن حذيفة ابن بدر. وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سلمة بن الأكوع ابنة أم قرفة، فوهبها لحزن ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهي مشركة وهو مشرك، فولدت له عبد الرحمن بن حزن، وكانت جميلة. سرية عبد اللَّه بن رواحة إلى أسير بن زارم اليهودي بخيبر ثم كانت سرية أميرها عبد اللَّه بن رواحة إلى أسير بن زارم [ (4) ] بخيبر، وكان من يهود، في شوال سنة ست. وكان قد بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل ذلك في رمضان في ثلاثة نفر ينظر إلى خيبر وما تكلم به يهود، فوعى ذلك وعاد بعد إقامة ثلاثة أيام، فقدم لليال بقين منه، فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما ندبه إليه. خبر أسير بن زارم وكان أسير قد تأمّر على يهود بعد أبي رافع، فقام فيهم يريد حرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسار في غطفان فجمعها ليسير إلى المدينة، فقدم بخبره خارجة بن حثيل
غدرة لليهودي
الأشجعي [ (1) ] . فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، فانتدب له ثلاثون رجلا، واستعمل عليهم عبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه عنه. فقدموا خيبر، وبعثوا إلى أسير فأمّنهم حتى يأتوه [ (2) ] ، فيما جاءوا فيه، فأتوه وقالوا له: إن رسول اللَّه قد بعثنا إليك أن تخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك. فطمع في ذلك، وخرج في ثلاثين من يهود، ثم ندم في أثناء الطريق حتى عرف ذلك منه. غدرة لليهودي وهمّ بعبد اللَّه بن أنيس- وكان فيمن خرج مع ابن رواحة- ففطن عبد اللَّه بغدره وبادر ليقتله، فشجّه أسير ثم قتل. ومالوا على أصحابه فقتلوهم كلهم، إلا رجلا واحدا فرّ منهم، ولم يصب أحد من المسلمين. وقدموا المدينة- وقد خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتحسب أخبارهم- فحدثوه الحديث، فقال: نجاكم اللَّه من القوم الظالمين- ونفث في شجة عبد اللَّه بن أنيس فلم تفح [ (3) ] بعد ذلك ولم تؤذه، وكان العظم قد نقّل. ومسح على وجهه ودعا له، وقطع له قطعة من عصاه فقال: أمسك هذه علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها، فإنك تأتي يوم القيامة متخصّرا. فجعلت معه في قبره تلي جلده، ويروى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان قد قال له: يا عبد اللَّه! لا أرى أسير بن زارم! أي اقتله. سرية كرز بن جابر ثم كانت سرية كرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر بن مالك القرشيّ الفهريّ- لما أغير على لقاح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي الجدر- في شوال سنة ست- وهي على ستة أميال من المدينة، وذلك أن نفرا من عرينة ثمانية قدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فأسلموا، واستوبئوا المدينة. وطحلوا، فأمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ]] إلى لقاحه- وكان سرح المسلمين بذي الجدر ناحية
عقاب الأسرى
قباء قريبا من عير ترعى هناك- فكانوا فيها حتى [ (1) ] صحوا وسمنوا- وكانوا استأذنوه أن يشربوا من ألبانها وأبوالها فأذن لهم- فغدوا على اللقاح فاستاقوها، فيدركهم يسار مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه نفر فقاتلهم، فأخذوه فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وانطلقوا بالسرح. فأقبلت امرأة من بني عمرو بن عوف على حمار لها حتى تمرّ بيسار فتجده تحت شجرة، فلما رأته وما به رجعت إلى قومها فأخبرتهم، فخرجوا نحو يسار حتى جاءوا به إلى قباء ميتا. فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في إثرهم عشرين فارسا، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري، فخرجوا في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرّة، وأصبحوا لا يدرون أين يسلكون، فإذا هم بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها، فقالوا: ما هذا معك؟ قالت: مررت بقوم قد نحروا بعيرا فأعطوني هذا. ودلتهم على موضعهم فأتوهم. فأحاطوا بهم وأسروهم جميعهم. عقاب الأسرى وربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة- وقد خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الغابة [ (2) ]- فأتوه بهم. فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمل [ (3) ] أعينهم، وصلبوا بالزّغابة. النهي عن المثلة فنزلت هذه الآية: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [ (4) ] فلم تسمل بعد ذلك عين، ولا بعث صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك بعثا إلا نهاهم عن المثلة. وروى جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده: لم يقطع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسانا قط، ولم يسمل عينا ولم يزد على قطع اليد والرجل.
اللقاح
اللقاح ولما ظفر المسلمون باللقاح خلّفوا عليها سلمة بن الأكوع ومعه أبو رهم الغفاريّ. وكانت خمسة عشرة لقحة غزارا. فلما أقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الزّغابة إذا اللقاح على باب المسجد تحان [ (1) ] ، فلما نظر إليها تفقد منها لقحة يقال لها الحنّاء، وقد نحرها القوم، فردها إلى ذي الجدر فكانت هناك، وكان لبنها يروح به سلمة ابن الأكوع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كل ليلة وطب [ (2) ] لبن. عمرة الحديبيّة ثم كانت عمرة الحديبيّة [على مقربة مكة] [ (3) ] . وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى في النوم أنه دخل البيت وحلق رأسه، وأخذ مفتاح البيت، وعرّف مع المعرّفين [ (4) ] ، فاستنفر أصحابه إلى العمرة، فأسرعوا وتهيأوا للخروج. إسلام بسر بن سفيان وشراؤه الهدي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقدم عليه بسر بن سفيان بن عمرو بن عويمر الخزاعيّ في ليال من شوال مسلما، فقال له: يا بسر! لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء اللَّه معتمرون. فأقام وابتاع بدنا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكان يبعث بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، وسلمها إلى ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن عمرو بن واثلة بن سهم [ (5) ] بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي ليقدمها إلى ذي الحليفة. سلاح المسلمين وهديهم وخرج المسلمون لا يشكون في الفتح- للرؤيا المذكورة-، وليس معهم
كلام عمر في أمر السلاح
سلاح إلا السيوف في القرب. وساق قوم الهدي [ (1) ] : منهم أبو بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد بن عبادة، رضوان اللَّه عليهم. كلام عمر في أمر السلاح وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: أتخشى يا رسول اللَّه علينا من أبي سفيان ابن حرب وأصحابه ولم تأخذ للحرب عدتها؟ فقال: ما أدري، ولست أحب أحمل السلاح معتمرا. وقال سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه: لو حملنا يا رسول اللَّه السلاح معنا، فإن رأينا من القوم ريبا كنا معدين لهم! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لست أحمل السلاح، إنما خرجت معتمرا. يوم الخروج واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وخرج من المدينة يوم الاثنين لهلال ذي القعدة. هذا هو الصحيح، وإليه ذهب الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، والواقدي [ (2) ] ، واختلف فيه على عروة بن الزبير، فعنه: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الحديبيّة في رمضان، وكانت الحديبيّة في شوال [ (3) ] . وعنه أنها كانت في ذي القعدة من سنة ست. بدء الجهاز للعمرة قال الواقدي: فاغتسل في بيته، ولبس ثوبين من نسج صحار [ (4) ] ، وركب راحلته القصواء من عند بابه، وخرج المسلمون. فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بالبدن فجلّلت [ (5) ] ، ثم أشعر [ (6) ] منها عدة- وهي موجهات إلى القبلة- في
إشعار الهدي وتقليده
الشق الأيمن. إشعار الهدي وتقليده ثم أمر ناجية بن جندب بإشعار ما بقي، وقلد [ (1) ] نعلا نعلا، وهي سبعون بدنة: منها جمل أبي جهل الّذي غنمه يوم بدر. وأشعر المسلمون بدنهم، وقلدوا النعال في رقابها. وبعث بسر بن سفيان عينا له، وقدم عباد بن بشر طليعة في عشرين فرسا، ويقال: أميرهم سعد بن زيد الأشهلي. إحرام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذي الحليفة ثم صلى ركعتين وركب من باب المسجد بذي الحليفة [ (2) ] ، فلما انبعثت به راحلته مستقبلة القبلة أحرم فلبى: «لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» . وأحرم عامة الناس بإحرامه. عدد المسلمين وسلك طريق البيداء [ (3) ] ، وخرج معه من المسلمين ألف وستمائة، ويقال: ألف وأربعمائة، ويقال: ألف وخمسمائة وخمسة وعشرون رجلا، ويقال: ألف وثلاثمائة [ (4) ] . عدد النساء وأربع نسوة: أم سلمة أم المؤمنين، وأم عمارة، وأم منيع- أسماء بنت عمرو ابن عدي [بن سنان بن نابي] [ (5) ] بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصارية، وأم عامر الأشهلية، وقال بعضهم: كانوا سبعمائة. قال ابن حزم:
مقالة بني بكر ومزينة وجهينة
وهذا وهم شديد البتة، قال: والصحيح بلا شك ما بين ألف وثلاثمائة إلى ألف وخمسمائة. مقالة بني بكر ومزينة وجهينة ومر فيما بين مكة والمدينة بالأعراب بني بكر ومزينة وجهينة فاستنفرهم، فتشاغلوا بأبنائهم وأموالهم، وقالوا فيما بينهم: أيريد محمد أن يغزو بنا [ (1) ] إلى قوم معدّ في الكراع والسلاح؟ وإنما محمد وأصحابه أكلة جزور [ (2) ] ! لن يرجع محمد وأصحابه من سفرهم هذا أبدا! قوم لا سلاح معهم ولا عدد!. هدية بني نهد ثم قدم ناجية بن جندب مع الهدي في فتيان من أسلم، ومعهم هدي للمسلمين. ولقي بالروحاء طائفة من بني نهد، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبعثوا إليه بلبن من نعمهم فقال: لا أقبل هدية من مشرك. رد هدية المشركين وردّه، فابتاعه المسلمون منهم. وابتاعوا ثلاثة أضب [ (3) ] فأكل منها قوم أجلّة. وسأل المحرمون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها فقال: كلوا، فكلّ صيد البر لكم حلال في الإحرام تأكلونه إلا ما صدتم أو صيد لكم. الصيد في الحرم ورأى أبو قتادة بالأبواء حمارا وحشيا- وكان محلا [ (4) ] فحمل عليه فقتله، فأكل منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وجاءه يومئذ الصّعب بن جثامة بن قيس الليثيّ بحمار وحشيّ أهداه له فردّه، وقال: إنا لم نرده إلا أنا حرم.
هدية إيماء بن رحضة
هدية إيماء بن رحضة وأهدي له إيماء بن رحضة بن خربة الغفاريّ مائة شاة وبعيرين يحملان لبنا: بعث بهما مع ابنه خفاف بن إيماء ففرق ذلك وقال: بارك اللَّه فيكم. وأهدي له من ودان لياء [وهو حب أبيض كالحمص] وعتر [ (1) ] وضغابيس [ (2) ] ، فجعل يأكل الضغابيس والعتر وأعجبه، وأدخل منه على أمّ سلمة. خبر كعب الّذي آذاه القمل وهو محرم ورأى بالأبواء كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث البلوي ورأسه يتهافت قملا وهو محرم، فقال: هل تؤذيك هوامّك يا كعب؟ قال: نعم يا رسول اللَّه! قال: فاحلق رأسك. وفيه نزلت: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [ (3) ] ، فأمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستين مسكينا: لكل مسكين مدّين، أي ذلك فعل أجزأه. ويقال: إن كعب بن عجرة أهدي بقرة قلدها وأشعرها. ما عطب من الهدي وعطب [ (4) ] من ناجية بن جندب بعير من الهدي، فجاء بالأبواء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخبره، فقال: أنحرها [ (5) ] ، وأصبغ قلائدها في دمها، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منها، وخلّ بين الناس وبينها. نزول الجحفة ولما نزل الجحفة لم يجد بها ماء، فبعث رجلا في الروايا إلى الخرّار، فرجع
خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بها وقال: يا رسول اللَّه! ما أستطيع أن أمضي رعبا! فبعث رجلا آخر بالروايا، فرجع وذكر كما ذكر الأول: فبعث آخر وخرج السقاء معه، فاستقوا وأتوا بالماء. ثم أمر بشجرة يقم [ (1) ] ما تحتها. خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخطب الناس فقال: إني كائن لكم فرطا [ (2) ] ، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم [ (3) ] تضلوا: كتاب اللَّه وسنة نبيه. بلاغ خبر المسلمين إلى أهل مكة وخروجهم إليهم وبلغ أهل مكة خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فراعهم ذلك، وتشاوروا. ثم قدّموا عكرمة بن أبي جهل- ويقال: خالد بن الوليد- على مائتي فارس إلى كراع الغميم، واستنفروا من أطاعهم من الأحابيش، وأجلبت ثقيف معهم: ووضعوا العيون على الجبال، وهم عشرة رجال يوحي بعضهم إلى بعض بالصوت: فعل محمد كذا كذا، حتى ينتهي ذلك إلى قريش ببلدح [ (4) ] . وخرجوا إلى بلدح وضربوا بها القباب والأبنية، ومعهم النساء والصبيان، فعسكروا هناك، وقد أجمعوا على منع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دخول مكة ومحاربته. إجماع قريش على منع المسلمين من دخول مكة، ومشورة المسلمين ورجع بسر بن سفيان من مكة وقد علم خبر القوم، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وراء عسفان وأخبره الخبر. واستشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] الناس: هل يمضي لوجهته ويقاتل من صدّه عن البيت أو يخالف الذين استنفروا إلى أهليهم فيصيبهم؟
بديل بن ورقاء وخبر قريش
فأشار أبو بكر رضي اللَّه عنه أن يمضوا لوجوههم، ويقاتلوا من صدهم. وقال المقداد بن عمرو: يا رسول اللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون» ولكن: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما [ (1) ] مقاتلون» . واللَّه يا رسول اللَّه! لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ما بقي منا رجل. وقال أسيد بن الحضير: يا رسول اللَّه! نرى أن نصمد لما خرجنا له، فمن صدنا قاتلناه. فقال: إنا لم نخرج لقتال أحد، إنما خرجنا عمارا. بديل بن ورقاء وخبر قريش ولقيه بديل بن ورقاء بن عبد العزى بن ربيعة بن جرى بن عامر بن مازن ابن عدي بن عمرو بن ربيعة [وهو الحي] [ (2) ] الخزاعي- في نفر من خزاعة، منهم الحليس بن علقمة الحارثي، من بني الحارث بن عبد مناة، فقال: يا محمد! لقد اغتررت بقتال قومك حلائب [ (3) ] العرب، واللَّه ما أرى معك أحدا له وجه، مع أني أراكم قوما لا سلاح معكم! فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: عضضت ببظر اللات! فقال بديل: أما واللَّه لولا يد لك عندي لأجبتك، فو اللَّه ما أتهم أنا ولا قومي ألا أكون أحب أن يظهر محمد. إني رأيت قريشا مقاتلتك عن ذراريها وأموالها، قد خرجوا إلى بلدح فاضطربوا [ (4) ] الأبنية، معهم العوذ المطافيل [ (5) ] ، وترافدوا على الطعام [ (6) ] يطعمون الخزير [ (7) ] من جاءهم، يتقوون به على حربك، فر رأيك [ (8) ] . وكانت قريش قد ترافدوا وجمعوا أموالا يطعمون بها من ضوى إليهم من الأحابيش. وكان يطعم في أربعة أمكنة: في دار الندوة لجماعتهم، وكان صفوان ابن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وحويطب بن عبد العزى، كل منهم يطعم في داره.
دنو خالد بن الوليد في المشركين للقاء المسلمين
دنو خالد بن الوليد في المشركين للقاء المسلمين ودنا خالد بن الوليد في خيله حتى نظر إلى المسلمين، فصفّ خيله فيما بينهم وبين القبلة، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عباد بن بشر في خيله، فقام بإزائه وصف أصحابه. وحانت صلاة الظهر، فأذن بلال وأقام، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه مستقبل القبلة وهم خلفه، يركع بهم ويسجد. ثم قاموا، فكانوا على ما كانوا عليه من التعبئة. فقال خالد بن الوليد: قد كانوا على غرة، لو كنّا حملنا عليهم أصبنا منهم! ولكن تأتي الساعة صلاة هي أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم!. صلاة الخوف فنزل جبريل عليه السلام بين الظهر والعصر بهذه الآية: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [ (1) ] فحانت العصر، فأذن بلال وأقام، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مواجها للقبلة والعدو أمامه فكبر وكبّر الصفان جميعا، ثم ركع فركع الصفان جميعا، ثم سجد فسجد الصف الّذي يليه، وقام الآخرون يحرسونه. فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم السجود بالصف الأول، قام وقاموا معه، وسجد الصف المؤخر السجدتين، ثم استأخر الصفّ الّذي يلونه، وتقدم الصف المؤخر فكانوا يلون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقاموا جميعا. ثم ركع صلّى اللَّه عليه وسلّم فركع الصفان جميعا ثم سجد وسجد الصف الّذي يلونه، وقام الصف المؤخر يحرسونه مقبلين على العدو. فلما رفع رأسه من السجدتين، سجد الصف المؤخر السجدتين اللتين بقيتا عليهم، واستوى صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا فتشهد ثم سلّم.
الخلاف في أول صلاة الخوف
الخلاف في أول صلاة الخوف وكان ابن عباس رضي اللَّه عنه يقول: هذه أول صلاة صلاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخوف. وقال سفيان بن سعيد، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقيّ: أنه كان- يعني ابن عباس- مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ، فذكر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى هكذا. وذكر أبو عيّاش أنها أول ما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الخوف- يعني ابن عباس: وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أول صلاة الخوف في غزوة ذات الرّقاع، ثم صلاها بعد بعسفان، بينهما أربع سنين. قال الواقدي [ (1) ] : وهذا أثبت عندنا. مسير المسلمين إلى ثنية ذات الحنظل وحيرة الدليل فلما أمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: تيامنوا في هذا العصل [ (2) ] ، فإن عيون قريش بمرّ الظهران أو بضجنان، فأيكم يعرف ثنية ذات الحنظل؟ فقال بريدة بن الحصيب: أنا يا رسول اللَّه! فقال: اسلك أمامنا. فأخذ بريدة في العصل، قبل جبال سراوع قبل المغرب، فسار قليلا [ (3) ] وحار. فنزل حمزة بن عمرو الأسلمي فسار بهم قليلا، ثم لم يدر أين يتوجه. فسار بهم عمرو بن [عبد] [ (4) ] نهم الأسلمي حتى بلغها. خبر الثنية وأن من جازها غفر له فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده، ما مثل هذه الثنية إلا مثل الباب الّذي قال اللَّه لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ [ (5) ] ثم قال: لا يجوز هذه الثنية أحد إلا غفر له. فجعل الناس يسرعون.
طعام المسلمين
طعام المسلمين فلما نزل من الثنية قال: من كان معه ثقل [أي دقيق] فليصطنع [ (1) ] . فقال أبو سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه: وأيّنا معه ثقل؟ إنما كان عامة زادنا التمر. فقالوا: يا رسول اللَّه! إنا نخاف من قريش أن ترانا! فقال: إنهم لن يروكم، إن اللَّه سيعينكم [ (2) ] عليهم. فأوقدوا النيران، واصطنع من أراد أن يصطنع: فلقد أوقدوا خمسمائة نار. الغفران، وخبر الرجل المحروم من غفران اللَّه فلما أصبحوا صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح ثم قال: والّذي نفسي بيده، لقد غفر اللَّه للركب أجمعين، إلا رويكبا واحدا على جمل أحمر التفت عليه رحال [ (3) ] القوم: ليس منهم. فطلب في العسكر فإذا به ناحية، وهو من بني ضمرة من أهل سيف البحر [ (4) ] ، قد أوى إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، قال له سعيد- وقد قيل له ما قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم-: ويحك! اذهب إلى رسول اللَّه يستغفر لك! فقال: بعيري أهمّ إليّ من أن يستغفر. وكان قد أضلّ بعيره. فقال سعيد: تحول عني، لا حياك اللَّه! فانطلق يطلب بعيره، فبينا هو في جبال سراوع [ (5) ] إذ زلقت نعله فتردى فمات وأكلته السباع. أهل اليمن وقال يومئذ: أتاكم أهل اليمن كأنهم قطع الحساب، هم خير من على الأرض. الدنو من الحديبيّة، وخبر راحلة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسار حتى [ (6) ] دنا من الحديبيّة- وهي طرف الحرم، على تسعة أميال من
خبر جيشان الماء من الثمد
مكة، فوقعت يد راحلته صلّى اللَّه عليه وسلّم على ثنية تهبط على غائط [ (1) ] ، فبركت، فقال المسلمون: حل حل [يزجرونها]- فأبت أن تنبعث، فقالوا: خلأت القصواء [ (2) ] ! فقال: إنها ما خلأت، ولا هو لها بعادة، ولكن حبسها حابس الفيل، أما واللَّه لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة اللَّه إلا أعطيتهم إياها. ثم زجروها فقامت، فولى راجعا حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد [ (3) ] الحديبيّة [ظنون] قليل الماء. خبر جيشان الماء من الثمد واشتكى الناس قلة الماء، فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الثمد، فجاشت لهم بالرواء حتى صدروا عنه بعطن، وإنهم ليغترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر. وكان الّذي نزل بالسهم ناجية بن جندب، وقيل: ناجية بن الأعجم، وقيل: خالد بن عبادة [ (4) ] الغفاريّ، وقيل: البراء بن عازب. مقالة المنافقين في دليل النبوة وكان على الماء نفر من المنافقين، الجدّ بن قيس، وأوس [بن خوليّ] [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن أبي، فقال أوس بن خولي: ويحك يا أبا الحباب! أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه! أبعد هذا شيء؟ فقال: إني قد رأيت مثل هذا. فقال أوس: قبحك اللَّه وقبح رأيك! فأقبل ابن أبي [ (6) ] يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أي أبا الحباب! أين رأيت مثل ما رأيت اليوم؟ فقال: ما رأيت مثله قط! قال: فلم قلت ما قلت؟ فقال عبد اللَّه بن أبي: أستغفر اللَّه. فقال ابنه: يا رسول اللَّه! استغفر له! فاستغفر له.
المطر والصلاة في الرحال
المطر والصلاة في الرحال ومطر المسلمون بالحديبية مرارا وكثرت المياه، ومطروا مطرا ما ابتلت منه أسفل النعال، فنودي: إن الصلاة في الرّحال. وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح في الحديبيّة في إثر سماء [ (1) ] كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا اللَّه ورسوله أعلم. الأنواء قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا برحمة اللَّه وبرزق اللَّه وبفضل اللَّه فهو مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكواكب كافر بي [ (2) ] . وكان ابن أبي قال: هذا نوء الخريف، مطرنا بالشّعرى. الهدايا وأهدى عمرو بن سالم وبسر بن سفيان الخزاعيان بالحديبية إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غنما وجزورا، وأهدى عمرو بن سالم لسعد بن عبادة جزرا، وكان صديقا له. فجاء سعد بالغنم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأخبره أن عمرا أهداها له فقال: وعمرو قد أهدى إلينا ما ترى فبارك اللَّه في عمرو! ثم أمر بالجزر [ (3) ] تنحر وتقسم في أصحابه، وفرق الغنم فيهم من أخراها. فدخل على أم سلمة بعضها، وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم للذي جاء بالهدية بكسوة. خبر بديل بن ورقاء مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما اطمأن بالحديبية، جاءه بديل بن ورقاء وركب من خزاعة- وهم عيبة [ (4) ] نصح رسول اللَّه بتهامة، منهم المسلم ومنهم الموادع، لا يخفون عليه بتهامة
سماع المشركين مقالة بديل
شيئا- فسلموا، ثم قال بديل: جئناك من عند قومك كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ، وقد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، معهم العوذ المطافيل-[النساء [ (1) ] والصبيان]- يقسمون باللَّه لا يخلون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراؤهم [ (2) ] . فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه. وقريش قوم قد أضرت بهم الحرب ونهكتهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة يأمنون فيها، ويخلون فيما بيننا وبين الناس- والناس أكثر منهم-، فإن ظهر أمري على الناس كانوا بين أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، أو يقاتلوا وقد جمّوا [ (3) ] . واللَّه لأجهدن على أمري هذا إلى أن تنفرد سالفتي [ (4) ] أو ينفذ اللَّه أمره! فعاد بديل وركبه إلى قريش، وقد تواصوا ألا يسألوا بديلا عما جاء فيه. فلما رأى أنهم لا يستخبرونه قال: إنا جئنا من عند محمد. أتحبون أن نخبركم؟ فقال عكرمة بن أبي جهل، والحكم بن أبي العاص: لا، واللَّه ما لنا حاجة بأن تخبرونا عنه، ولكن أخبره عنا: أنه لا يدخلها علينا عامه هذا حتى لا يبقى منا رجل. سماع المشركين مقالة بديل فأشار عليهم عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد ابن عوف بن ثقيف [واسمه قسي] [ (5) ] بن منبه بن بكر بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان- أن يسمعوا كلام بديل، فإن أعجبهم قبلوه، وإلا تركوه، فقال صفوان بن أمية، والحارث بن هشام: أخبرنا بالذي رأيتم والّذي سمعتم. فأخبروه بمقالة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عروة بن مسعود: فإن بديلا قد جاءكم بخطة رشد، لا يردها أحد إلا أخذ شرا منها، فاقبلوها منه، وابعثوني حتى آتيكم بمصداقها، وأكون لكم عينا. بعثة قريش عروة بن مسعود إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعثوه. فقال: يا محمد! إني تركت قومك على أعداد [ (6) ] مياه الحديبيّة قد
بعثة مكرز بن حفص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
استنفروا لك، وهم يقسمون باللَّه لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين: إما أن تجتاح قومك- فلم نسمع برجل اجتاح أصله قبلك- أو بين أن يخذلك من نرى معك، فإنّي لا أرى معك إلا أوباشا [ (1) ] من الناس لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم، فغضب أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه وقال: امصص ببظر اللات! أنحن نخذله؟ فقال: أما واللَّه لولا يد لك عندي لأجبتك! وطفق عروة يمس لحية رسول اللَّه وهو يكلمه، والمغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك قائم على رأسه بالسيف، فقرع يد عروة [وهو عمه] وقال: اكفف يدك عن مس لحية رسول اللَّه قبل ألا تصل إليك، فلما فرغ عروة من كلامه، ورد عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قال لبديل بن ورقاء، عاد إلى قريش فقال: يا قوم، قد وفدت على كسرى وهرقل والنجاشي، وإني واللَّه ما رأيت ملكا قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، واللَّه ما يشدون [ (2) ] إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلا أن يشير إلى امرئ فيفعل، وما يتنخّم وما يبصق إلا وقعت في يدي رجل منهم يمسح بها جلده، وما يتوضأ من وضوء إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه بشيء. وقد حزرت القوم، واعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم، وقد رأيت قوما لا يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم، واللَّه لقد رأيت نسيّات [ (3) ] معه، إن كنّ ليسلمنه أبدا على حال، فروا رأيكم. وقد عرض عليكم خطة، فمادوه [ (4) ] يا قوم. أقبلوا ما عرض فإنّي لكم ناصح، مع أني أخاف ألا تنصروا عليه. رجل أتى هذا البيت معظّما له مع الهدي ينحره وينصرف! فقالوا: لا تكلم بهذا يا أبا يعفور! لو غيرك تكلم بهذا! ولكن نرده في عامنا هذا ويرجع إلى قابل. بعثة مكرز بن حفص إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم جاء مكرز بن حفص بن الأخيف بن علقمة بن عبد الحارث بن الحارث ابن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر- فلما طلع قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا رجل غادر (وفي رواية: هذا رجل فاجر) وجاء،
بعثة الحليس سيد الأحابيش
فكلمه بنحو مما كلم به أصحابه، وعاد بذلك إلى قريش. بعثة الحليس سيد الأحابيش فبعثوا الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن عامر بن عوف بن الحارث ابن عبد مناة بن كنانة الحارثي الكناني سيد الأحابيش ورأسهم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا من قوم يعظّمون الهدي، (وفي رواية يتألهون) [ (1) ] ، ابعثوا الهدي في وجهه، فبعثوه، فلما رأى الهدي يسيل في الوادي-: عليه القلائد، قد أكل أوباره (من طول الحبس عن محله [ (2) ] ) ، يرجّع الحنين، واستقبله القوم في وجهه يلبون، وقد أقاموا نصف شهر فتفلوا وشعثوا [ (3) ]- رجع، ولم يصل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إعظاما لما رأى. وقال لقريش: إني قد رأيت ما لا يحل صده! رأيت الهدي في قلائده قد أكل أوباره معكوفا [ (4) ] عن محله، والرجال قد تفلوا وقملوا أن يطوفوا بهذا البيت! أما واللَّه ما على هذا حالفناكم ولا عاقدناكم: على أن تصدوا عن بيت اللَّه من جاء له معظما لحرمته مؤديا لحقه، والهدي معكوفا أن يبلغ محله! والّذي نفسي بيده، لتخلن بينه وبين ما جاء به، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد! قالوا: كل ما رأيت مكيدة من محمد وأصحابه، فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا بعض ما نرضى به. وفي رواية الزبير بن (بكار) [ (5) ] أنه لما رجع قال: يا قوم! الهدي! البدن! القلائد! الدماء! فقالت قريش: ما نعجب منك، ولكن نعجب منا إذ أرسلناك، إنما أنت أعرابي جلف. بعثة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خراش بن أمية إلى قريش وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى قريش خراش بن أمية بن الفضل الكعبي الخزاعي- على جمل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقال له الثعلب- ليبلغ أشرافهم أنه إنما جاء معتمرا. فعقر الجمل عكرمة بن أبي جهل، وأرادوا قتله، فمنعه من هناك من قومه، فرجع. فأراد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبعث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فخاف على نفسه وأشار بعثمان رضي اللَّه عنه.
بعثة عثمان بن عفان
بعثة عثمان بن عفان فبعثه ليخبرهم: إنا لم نأت [ (1) ] لقتال أحد، وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته، ومعنا الهدي ننحره وننصرف. فأبوا على عثمان أن يدخل عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورحب به أبان بن سعيد بن العاص وأجاره، وحمله من بلدح [ (2) ] إلى مكة وهو يقول: أقبل وأدبر ولا تخف أحدا، بنو سعيد أعزّة الحرم! فبلغ عثمان من بمكة ما جاء فيه، فقالوا جميعا: لا يدخل محمد علينا أبدا. حراسة المسلمين وأسر بعض المشركين وكان يتناوب حراسة المسلمين بالحديبية ثلاثة: أوس بن خولي، وعباد بن بشر، ومحمد بن مسلمة. فبعثت قريش مكرز بن حفص على خمسين رجلا ليصيبوا من المسلمين غرة، فظفر بهم محمد بن مسلمة، وجاء بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- بعد إقامة عثمان بمكة ثلاثا- أنه قتل، وقتل معه عشرة رجال مسلمون قد دخلوا مكة بإذن رسول اللَّه ليروا أهليهم. وبلغ قريشا حبس أصحابهم، فجاء جمع منهم ورموا بالنبل والحجارة، فرماهم المسلمون، وأسروا منهم اثني عشر فارسا. وقتل من المسلمين زنيم، وقد اطلع الثنية من الحديبيّة، فرماه المشركون فقتلوه. بدء الصلح فبعثت قريش سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر [ (3) ] ، وحويطب بن عبد العزّى، ومكرز بن حفص (ليصالحوه) [ (4) ] . تحرك المسلمين إلى منازل بني مازن بعد خبر مقتل عثمان، والبيعة وأمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منازل بني مازن بن النجار، وقد نزلت في ناحية من
بعثة سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح والأسرى
الحديبيّة جميعا، فجلس في رحالهم. وقد بلغه قتل عثمان رضي اللَّه عنه، ثم قال: إن اللَّه أمرني بالبيعة. فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا، فما بقي لهم متاع إلا وطئوه، ثم لبسوا السلاح، وهو معهم قليل. وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدها وشدّت سكينا في وسطها. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبايع الناس، وعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه آخذ بيده، فبايعهم على ألا يفروا، وقيل بايعهم على الموت. ويقال: أول من بايع سنان بن أبي سنان وهب بن محصن فقال: يا رسول اللَّه، أبايعك على ما في نفسك. فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبايع الناس على بيعة سنان، فبايعوه (إلا) [ (1) ] الجد بن قيس اختبأ تحت بطن بعير. بعثة سهيل بن عمرو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلح والأسرى فلما جاء سهيل بن عمرو، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سهّل أمرهم! فقال سهيل: يا محمد! إن هذا الّذي كان من حبس أصحابك، وما كان من قتال من قاتلك- لم يكن من رأي ذوي رأينا، بل كنا له كارهين حين بلغنا ولم نعلم به- وكان من سفهائنا. فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أول مرة والذين أسرت آخر مرة. قال: إني غير مرسلهم حتى ترسلوا [ (2) ] أصحابي. قال: أنصفتنا. فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشّتيم بن عبد مناف التيمي فبعثوا بمن كان عندهم، وهم: عثمان وعشرة من المهاجرين، وأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابهم الذين أسروا. البيعة تحت الشجرة وخوف المشركين وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يبايع الناس تحت شجرة خضراء، وقد نادى عمر رضي اللَّه عنه: إن روح القدس نزل على الرسول وأمر بالبيعة، فاخرجوا على اسم اللَّه فبايعوا. فلما رأى سهيل بن عمرو ومن معه، ورأت عيون قريش سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب، اشتد رعبهم وخوفهم، وأسرعوا إلى القضية [ (3) ] . ولما جاء عثمان رضي اللَّه عنه بايع تحت الشجرة. وقد كان قبل ذلك- حين بايع الناس- قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن عثمان ذهب في حاجة اللَّه وحاجة رسوله، فأنا أبايع له، فضرب بيمينه شماله.
بعثة قريش إلى عبد الله بن أبي
بعثة قريش إلى عبد اللَّه بن أبيّ وبعثت قريش إلى عبد اللَّه بن أبي بن سلول: إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل، فقال له ابنه: يا أبت! أذكرك اللَّه أن تفضحنا في كل موطن! تطوف ولم يطف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم! فأبى حينئذ وقال: لا أطوف حتى يطوف رسول اللَّه. فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلامه، فسرّ به. رجوع سهيل إلى قريش وعودتهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورجع سهيل وحويطب ومكرز فأخبروا قريشا بما رأوا من سرعة المسلمين إلى التنعيم [ (1) ] فأشار أهل الرأي بالصلح على أن يرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويعود من قابل فيقيم ثلاثا، فلما أجمعوا على ذلك أعادوا سهيلا وصاحبيه ليقروا هذا. فلما رآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أراد القوم الصلح. وكلم رسول اللَّه، فأطالا الكلام وتراجعا، وارتفعت الأصوات، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ جالسا متربعا، وعباد بن بشر، وسلمة ابن أسلم بن حريش مقنّعان بالحديد قائمان على رأسه. فلما رفع سهيل صوته قالا: اخفض صوتك عند رسول اللَّه! وسهيل بارك على ركبتيه [ (2) ] ، رافع صوته، والمسلمون عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جلوس. خبر الصلح وغضب عمر بن الخطاب فلما اصطلحوا ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه! ألسنا بالمسلمين؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بلى! فقال: فعلام [ (3) ] نعطي الدنية في ديننا؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا عبد اللَّه ورسوله ولن أخالف أمره، ولن يضيعني. فذهب عمر إلى أبي بكر رضي اللَّه عنهما فقال: يا أبا بكر! ألسنا بالمسلمين؟ قال: بلى! قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال: الزم غرزه [ (4) ] ! فإنّي أشهد أنه رسول اللَّه، وأن الحق ما أمر به، ولن يخالف أمر اللَّه، ولن يضيعه اللَّه. ولقي عمر رضي اللَّه عنه من القضية أمرا كبيرا، وجعل يردّد على رسول
كراهية المسلمين الصلح
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكلام، وهو يقول: أنا رسوله ولن يضيعني! ويردد ذلك أبو عبيدة ابن الجراح رضي اللَّه عنه: ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول اللَّه يقول ما يقول! تعوذ باللَّه من الشيطان واتهم رأيك!. فجعل يتعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم حينا. كراهية المسلمين الصلح وكان المسلمون يكرهون الصلح، لأنهم خرجوا ولا يشكون في الفتح لرؤيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه حلق رأسه، وأنه دخل البيت فأخذ مفتاح الكعبة وعرّف مع المعرفين، فلما رأوا الصلح داخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون. فجعل اللَّه عاقبة القضية خيرا- فأسلم في الهدنة أكثر ممن كان أسلم- من يوم دعا رسول اللَّه إلى يوم الحديبيّة-، وما كان في الإسلام فتح أعظم من الحديبيّة، فإن الحرب كانت قد حجزت بين الناس. فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس بعضهم بعضا، ودخل في تلك الهدنة صناديد قريش الذين كانوا يقومون بالشرك، وما يحدث عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وأشباههما، وفشا الإسلام في جميع نواحي العرب. وكانت الهدنة إلى أن نقضوا العهد اثنين وعشرين شهرا. خبر أبي جندل بن سهيل بن عمرو وبينما الناس قد اصطلحوا والكتاب لم يكتب، أقبل أبو جندل بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشي العامري- وقد أفلت يرسف في القيد متوشح السيف خلال أسفل مكة، فخرج من أسفلها حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يكاتب أباه سهيلا، وكان سهيل قد أوثقه في الحديد وسجنه، فخرج من سجن سهيل، واجتنب الطريق وركب الجبال حتى هبط بالحديبية. ففرح المسلمون به وتلقوه حين هبط من الجبل فسلموا عليه وآووه، فرفع سهيل رأسه فإذا بابنه أبي جندل، فقام إليه فضرب وجهه بغصن شوك وأخذ بتلبينه [ (1) ] . فصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين! أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ فزاد المسلمين ذلك شرا إلى ما بهم، وجعلوا يبكون لكلام أبي جندل. فقال حويطب بن عبد العزى لمكرز بن حفص: ما رأيت قوما قط أشد حبا لمن دخل معهم من أصحاب محمد لمحمد وبعضهم لبعض! أما إني
رد أبي جندل إلى أسر المشركين
أقول لك: لا نأخذ من محمد نصفا [ (1) ] أبدا بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوة [ (2) ] ! فقال مكرز: وأنا أرى ذلك. رد أبي جندل إلى أسر المشركين وقال سهيل بن عمرو: هذا أول ما قاضيتك عليه، ردّه! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نقض الكتاب بعد! فقال سهيل: واللَّه لا أكاتبك على شيء حتى ترده إليّ. فرده عليه، وكلمه أن يتركه، فأبى سهيل وضرب وجهه بغصن من شوك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هبه لي أو أجره من العذاب! فقال: واللَّه لا أفعل. فقال مكرز وحويطب: يا محمد، نحن نجيره لك. فأدخلاه فسطاطا فأجاراه، فكف عنه أبوه. ثم رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صوته فقال: يا أبا جندل: اصبر واحتسب، فإن اللَّه جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك عهدا، وإنا لا نغدر. عودة عمر إلى مقالته وعاد عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! ألست برسول اللَّه؟ قال: بلى! قال: ألسنا على الحق؟ قال: بلى! قال: أليس عدونا على الباطل؟ قال: بلى! قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ فقال: إني رسول اللَّه، ولن أعصيه ولن يضيعني. فانطلق إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال له مثل ذلك، فأجابه بنحو ما أجاب به رسول اللَّه، ثم قال: ودع عنك ما ترى يا عمر. فوثب إلى أبي جندل يمشي إلى جنبه، وسهيل يدفعه، وعمر يقول: اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب! وإنما هو رجل، ومعه [ (3) ] السيف يحرضه على قتل أبيه. وجعل يقول: يا أبا جندل! إن الرجل يقتل أباه في اللَّه! واللَّه لو أدركنا آباءنا لقتلناهم في اللَّه، فرجل برجل. فقال له أبو جندل: مالك لا تقتله أنت؟ قال عمر: نهاني رسول اللَّه عن قتله وقتل غيره. قال أبو جندل: ما أنت أحق بطاعة رسول اللَّه مني.
مقالة المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح
مقالة المسلمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلح وقال عمر ورجال معه: يا رسول اللَّه! ألم تكن حدثتنا أنك تدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة، وتعرّف مع المعرّفين؟ وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحن! فقال: قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما إنكم ستدخلونه، وآخذ مفتاح الكعبة، وأحلّق رأسي ورءوسكم ببطن مكة، وأعرّف مع المعرفين، ثم أقبل على عمر رضي اللَّه عنه وقال: أنسيتم يوم أحد، إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب، إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر؟ أنسيتم يوم كذا؟ أنسيتم يوم كذا؟ والمسلمون يقولون: صدق اللَّه ورسوله، يا نبي اللَّه! ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولأنت أعلم باللَّه وبأمره منا. فلما دخل صلّى اللَّه عليه وسلّم عام القضية [ (1) ] وحلق رأسه قال: هذا الّذي وعدتكم. فلما كان يوم الفتح، أخذ المفتاح وقال: ادعوا إليّ عمر بن الخطاب! فقال: هذا الّذي قلت لكم. فلما كان في حجة الوداع وقف بعرفة فقال: أي عمر! هذا الّذي قلت لكم. قال: أي رسول اللَّه! ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبيّة. فتح الحديبيّة وخبر أبي بكر وكان أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه يقول: ما كان فتح أعظم في الإسلام من فتح الحديبيّة، ولكن الناس يومئذ قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، واللَّه لا يعجل كعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد. لقد نظرت إلى سهيل بن عمرو في حجة الوداع قائما عند النحر يقرّب إلى رسول اللَّه بدنة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينحرها بيده! ودعا الحلاق فحلق رأسه، فأنظر إلى سهيل يلقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه! وأذكر إباءه أن يقرّ يوم الحديبيّة بأن يكتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم! وإباءه أن يكتب أن محمدا رسول اللَّه! فحمدت اللَّه الّذي هداه للإسلام. فصلوات اللَّه وبركاته على نبيّ الرحمة الّذي هدانا به، وأنقذنا به من الهلكة.
كتاب الصلح
كتاب الصلح فلما حضرت الدواة والصحيفة- بعد طول الكلام والمراجعة- دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوس بن خولي يكتب، فقال سهيل: لا يكتب إلا ابن عمك علي، أو عثمان بن عفان، فأمر عليا فكتب، فقال: اكتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف الرحمن، اكتب ما نكتب، باسمك اللَّهمّ. فضاق المسلمون من ذلك، وقالوا: هو الرحمن، واللَّه ما نكتب إلا الرحمن. قال سهيل: إذا لا أقاضيه على شيء. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اكتب، باسمك اللَّهمّ. هذا ما اصطلح عليه محمد رسول اللَّه. فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول اللَّه ما خالفتك واتبعتك، أفترغب عن اسمك واسم أبيك، محمد بن عبد اللَّه؟ فضجّ المسلمون منها ضجّة هي أشد من الأولى حتى ارتفعت الأصوات، وقام رجال يقولون: لا نكتب إلا محمد رسول اللَّه! وأخذ أسيد بن حضير وسعد بن عبادة رضي اللَّه عنهما بيد الكاتب فأمسكاها وقالا: لا تكتب إلا محمد رسول اللَّه، وإلا فالسيف بيننا، علام نعطي هذه الدّنية في ديننا؟ فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخفّضهم ويومئ إليهم بيده: اسكتوا. وجعل حويطب يتعجب مما يصنعون، ويقول لمكرز: ما رأيت قوما أحوط لدينهم من هؤلاء! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا محمد بن عبد اللَّه، فاكتب. فكتب. نص كتاب الصلح «باسمك اللَّهمّ، هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد اللَّه وسهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال [ (1) ] ، وأنّ بيننا عيبة مكفوفة. وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وأنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنه من أتى محمدا منهم بغير إذن وليه رده محمد إليه. وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمد لم يردوه، وأن محمدا يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا من قابل في أصحابه فيقيم بها ثلاثا، لا يدخل علينا بسلاح إلا سلاح المسافر: السيوف في القرب» .
شهود الكتاب
شهود الكتاب شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح، ومحمد بن مسلمة، وحويطب بن عبد العزّى، ومكرز بن حفص بن عبد الأخيف، وكتب عليّ صدر الكتاب. نسخة كتاب الصلح ودخول خزاعة في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبني بكر في عهد قريش فقال سهيل: يكون عندي: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل عندي! ثم كتب له نسخة، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكتاب الأول، وأخذ سهيل نسخته. ووثب من هناك من خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عهد محمد وعقده، ونحن على من وراءنا من قومنا. ووثبت بنو بكر فقالوا: ندخل مع قريش في عهدها وعقدها، ونحن على من وراءنا من قومنا. فقال حويطب لسهيل: بادأنا أخوالك بالعداوة، وقد كانوا يستترون منا، قد دخلوا في عقد محمد وعهده! وقال سهيل: ما هم إلا كغيرهم، هؤلاء أقاربنا ولحمتنا [ (1) ] قد دخلوا مع محمد، قوم اختاروا لأنفسهم أمرا فما نصنع بهم؟ قال حويطب: نصنع بهم أن ننصر عليهم حلفاءنا بني بكر! قال سهيل: إياك أن تسمع هذا منك بكر، فإنّهم أهل شؤم، فتقعوا بخزاعة، فيغضب محمد لحلفائه، فينتقض العهد بيننا وبينه. مدة الهدنة وقال عبد اللَّه بن نافع، عن عاصم بن عمر، عن عبد اللَّه بن دينار [ (2) ] ، عن ابن عمر قال: كانت الهدنة بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وبين أهل مكة بالحديبية أربع سنين، خرّجه الحاكم وصححه، وفي كتاب عمر [ (3) ] بن شيبة في أخبار مكة: كانت
خبر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالنحر والحلق والإحلال
سنتين. خبر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين بالنحر والحلق والإحلال فلما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الكتاب، وانطلق سهيل وأصحابه، قال: قوموا فانحروا واحلقوا وحلوا. فلم يجبه أحد إلى ذلك. فرددها ثلاث مرات، فلم يفعلوا. فدخل على أم سلمة رضي اللَّه عنها وهو شديد الغضب، فاضطجع، فقالت: مالك يا رسول اللَّه؟ مرارا، وهو لا يجيبها، ثم قال: عجبا يا أم سلمة، إني قلت للناس انحروا واحلقوا وحلوا مرارا، فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك، وهم يسمعون كلامي، وينظرون في وجهي. فقالت: يا رسول اللَّه، انطلق أنت إلى هديك فانحره، فإنّهم سيقتدون بك، فاضطبع [ (1) ] بثوبه وخرج، فأخذ الحربة ويمم هديه، وأهوى بالحربة إلى البدنة رافعا صوته: بسم اللَّه واللَّه أكبر. ونحر. نحر الهدي فتواثب المسلمون إلى الهدي وازدحموا عليه ينحرونه، حتى كاد بعضهم يقع على بعض، وأشرك صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصحابه في الهدي، فنحر البدنة عن سبعة، وكان الهدي سبعين بدنة، وقيل: مائة. وكان الهدي دون الجبال التي تطلع على وادي الثنية، عرض له المشركون فردّوا وجوه البدن، فنحر رسول اللَّه بدنه حيث حبسوه، [وهي الحديبيّة] . وشرد جمل أبي جهل من الهدي وهو يرعى- وقد قلد وأشعر، وكان نجيبا مهريا- فمرّ من الحديبيّة حتى انتهى إلى دار أبي جهل بمكة. وخرج في إثره عمرو بن غنمة [ (2) ] بن عدي بن نابي السلميّ الأنصاري، فأبى سفهاء مكة أن يعطوه حتى أمرهم سهيل بن عمرو بدفعه إليه، فدفعوا فيه مائة ناقة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لولا أننا سميناه في الهدي فعلنا. ونحره عن سبعة. ونحر طلحة بن عبيد اللَّه وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان بدنات ساقوها. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مضطربا [ (3) ] في الحل، وإنما يصلى في الحرم. وحضره من يسأل من لحوم البدن معترا [ (4) ] ، فأعطاهم من لحومها وجلودها. وأكل المسلمون من هديهم وأطعموا المساكين، وبعث صلّى اللَّه عليه وسلّم من الهدي بعشرين بدنة لتنحر عند المروة
دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين والمقصرين
مع رجل من أسلم، فنحرها عند المروة وفرّق لحمها. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمحلقين والمقصرين فلما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من نحر البدن، دخل قبة له من أدم حمراء، فيها الحلاق فحلّق رأسه، ثم أخرج رأسه من قبته وهو يقول: رحم اللَّه المحلقين! قيل: يا رسول اللَّه والمقصرين! قال: رحم اللَّه المحلقين! ثلاثا، ثم قال: والمقصرين. ورمى بشعره على شجرة كانت بجنبه من سمرة خضراء، فجعل الناس يأخذون الشعر من فوق الشجرة فيتحاصون فيه [ (1) ] . وأخذت أم عمارة طاقات من شعر، فكانت تغسلها للمريض وتسقيه حتى يبرأ، وحلّق ناس وقصّر آخرون. وكان الّذي حلقه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] خراش بن أمية بن الفضل الكعبي، فلما حلقوا بالحديبية ونحروا، بعث اللَّه تعالى ريحا عاصفة فاحتملت أشعارهم فألقتها في الحرم. خبر أم كلثوم بنت عقبة وخرجت يومئذ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي عاتق [لم تتزوج] فقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هجرتها ولم يردّها إلى المشركين [ (3) ] ، وقدمت المدينة، فتزوجها زيد بن حارثة. إقامة المسلمين بالحديبية، وما أصابهم من الجوع وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحديبية بضعة عشر يوما، ويقال: عشرين يوما، ثم انصرف. فلما نزل عسفان أرمل [ (4) ] المسلمون من الزاد، وشكوا أنهم قد بلغوا [ (5) ] من الجوع، وسألوا أن ينحروا من إبلهم، فأذن لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن ادعهم بأزوادهم، ثم ادع لهم فيها اللَّه. فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنطاع فبسطت، ثم
المطر
نادى مناديه: من كان عنده بقية زاد فلينثره على الأنطاع. فكان منهم من يأتي بالتمرة الواحدة وأكثرهم لا يأتي بشيء، ويؤتى بالكف من الدقيق والكف من السّويق، وذلك كله قليل. فلما اجتمعت أزوادهم وانقطعت موادهم مشى صلّى اللَّه عليه وسلّم إليها فدعا فيها بالبركة، ثم قال: قربوا بأوعيتكم. فجاءوا بأوعيتهم، فكان الرجل يأخذ ما شاء من الزاد حتى إنّ أحدهم ليأخذ ما لا يجد له محملا. المطر ثم أذّن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل ونزلوا معه فشربوا من ماء السماء، وقام صلّى اللَّه عليه وسلّم فخطبهم. فجاء ثلاثة نفر، فجلس اثنان وذهب واحد معرضا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا أخبركم خبر الثلاثة؟ قالوا: بلى، يا رسول اللَّه! قال: أما واحد فاستحيا فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فتاب فتاب اللَّه عليه، وأما الثالث فأعرض فأعرض اللَّه عنه. سؤال عمر وسكوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن جوابه، ونزول سورة الفتح وبينا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال: ثكلتك أمك يا عمر! بدرت [ (1) ] رسول اللَّه ثلاثا، كل ذلك لا يجيبك! وحرك بعيره حتى تقدم الناس، وخشي أن يكون نزل فيه قرآن، فأخذه ما قرب وما بعد: لمراجعته بالحديبية وكراهته القضية. وبينا هو يسير مهموما متقدما على الناس، إذ منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينادي: يا عمر بن الخطاب! فوقع في نفسه ما اللَّه به أعلم، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم، فردّ عليه السلام وهو مسرور ثم قال: أنزلت عليّ سورة هي أحب مما طلعت عليه الشمس. فإذا هو يقرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [ (2) ] ، فأنزل اللَّه في ذلك سورة الفتح، فركض الناس وهم يقولون: أنزل على رسول اللَّه! حتى توافوا عنده وهو يقرؤها. ويقال: لما نزل جبريل عليه
خبر فرار أبي بصير من أسر المشركين
السلام قال: نهنئك [ (1) ] يا رسول اللَّه! فلما هنأه جبريل هنأه المسلمون. وكان نزول سورة الفتح بكراع الغميم، ويقال [ (2) ] : نزلت بضجنان. وعن قتادة عن أنس رضي اللَّه عنهم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، قال: خيبر. وقال غيره: الحديبيّة، منحره وحلقه. وقيل: نزلت سورة الفتح منصرفه من خيبر. خبر فرار أبي بصير من أسر المشركين ولما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة من الحديبيّة، في ذي الحجة جاء أبو بصير عتبة بن أسيد [وقيل: عبيد بن أسيد] بن جارية بن أسيد بن عبد اللَّه بن [أبي] [ (3) ] سلمة بن عبد اللَّه بن غيرة بن عوف بن قسي [وهو ثقيف] حليف بني زهرة- مسلما، قد انفلت من قومه، وسار على قدميه سبعا [ (4) ] . كتاب قريش في أمر أبي بصير وكتب الأخنس بن شريق، وأزهر بن عوف الزهري إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا مع خنيس بن جابر من بني عامر، واستأجراه ببكرين لبون، وحملاه على بعير، وخرج معه مولى يقال له: كوثر، وفي كتابهما ذكر الصلح، وأن يرد عليهم أبا بصير. فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام، فقرأ أبيّ بن كعب الكتاب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا فيه: «قد عرفت ما شارطناك عليه- وأشهدنا بيننا وبينك- من ردّ من قدم عليك من أصحابنا، فابعث إلينا بصاحبنا» . رد أبي بصير إلى المشركين فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بصير أن يرجع معهم ودفعه إليهما، فقال: يا رسول اللَّه! تردني إلى المشركين يفتنوني في ديني! فقال: يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر. وإن اللَّه جعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا. فقال: يا رسول اللَّه! تردني إلى المشركين، قال: انطلق يا أبا بصير، فإن اللَّه سيجعل لك مخرجا. ودفعه إلى العامري وصاحبه. فخرج
قتله العامري
معهما، وجعل المسلمون يسرّون إلى أبي بصير، يا أبا بصير، أبشر! فإن اللَّه جاعل لك مخرجا، والرجل يكون خيرا من ألف رجل، فافعل وافعل: يأمرونه بالذين معه فانتهيا به عند صلاة الظهر إلى ذي الحليفة. فصلى أبو بصير في مسجدها ركعتين صلاة المسافر. ومعه زاد له من تمر يحمله، ثم أكل منه ودعا العامريّ وصاحبه ليأكلا معه، فقدما سفرة فيها كسر وأكلوا جميعا. قتله العامري وقد علق العامري سيفه في الجدار، وتحادثوا، فقال أبو بصير: يا أخا بني عامر! ما اسمك؟ قال: خنيس. قال: ابن من؟ قال: ابن جابر. قال: يا أبا جابر، أصارم سيفك هذا؟ قال: نعم! قال: ناولينه انظر إليه إن شئت. فناوله، فأخذ أبو بصير بقائم السيف- والعامري ممسك بالجفن- فعلاه به حتى برد. وخرج كوثر هاربا يعدو نحو المدينة، وأبو بصير في أثره فأعجزه، حتى سبقه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورسول اللَّه جالس في أصحابه بعد العصر، إذ طلع كوثر يعدو، فقال: هذا رجل قد رأى ذعرا! وأقبل حتى وقف فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويحك! مالك؟ قال: قتل صاحبكم صاحبي، وأفلتّ منه ولم أكد!. مرجع أبي بصير إلى المدينة وأقبل أبو بصير فأناخ بعير العامري بباب المسجد، ودخل متوشحا سيفه، فقال: يا رسول اللَّه! وفت ذمتك، وأدى اللَّه عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني من أن أفتن، ويعبث بي أو أكذب بالحق. فقال عليه السلام: ويل أمه محشّ حرب [ (1) ] لو كان معه رجال! وقدم سلب العامري ورحله وسيفه ليخمسه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني إذا خمسته رأوا [ (2) ] أني لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه، ولكن شأنك بسلب صاحبك. ثم قال: لكوثر: ترجع به إلى أصحابك؟ فقال: يا محمد! ما لي به قوة ولا يدان! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي بصير: اذهب حيث شئت.
خروج أبي بصير إلى العيص
خروج أبي بصير إلى العيص فخرج حتى أتى العيص، فنزل منه ناحية على ساحل البحر على طريق عير قريش إلى الشأم، وعند ما خرج لم يكن معه إلا كف تمر فأكله ثلاثة أيام، وأصاب حيتانا قد ألقاها البحر بالساحل فأكلها، وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبره. فتسللوا إليه. وكان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه هو الّذي كتب إليهم بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي بصير: ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال، وأخبرهم أنه بالساحل. فاجتمع عند أبي بصير قريب من سبعين مسلما، فكانوا بالعيص. وضيقوا على قريش، فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر عليهم عير إلا اقتطعوها، ومر بهم ركب يريدون الشأم، معهم ثمانون بعيرا، فأخذوا ذلك، وأصاب كل رجل منهم قيمة ثلاثين دينارا، وكانوا قد أمروا عليهم أبا بصير، فكان يصلى بهم ويقرئهم ويجمعهم، وهم له سامعون مطيعون، فغاظ قريشا صنيع أبي بصير وشق عليهم، وكتبوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسألونه بأرحامهم إلا أدخل أبا بصير إليه ومن معه: فلا حاجة لنا بهم. فكتب صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبي بصير أن يقدم بأصحابه معه، فجاءه الكتاب وهو يموت، فجعل يقرأه، ومات وهو في يده فدفنوه. وأقبل أصحابه إلى المدينة وهم سبعون فيهم الوليد بن الوليد بن المغيرة، فمات بعقب قدومه فبكته أم سلمة رضي اللَّه عنها. هجرة أم كلثوم بنت عقبة إلى المدينة وكانت أم كلثوم بنت عقبة [ (1) ] بن أبي معيط قد أسلمت بمكة، فكانت تخرج إلى بادية أهلها [لها بها أهل] ، فتقيم أياما بناحية التنعيم ثم ترجع. حتى أجمعت على المسير مهاجرة، فخرجت كأنها تريد البادية على عادتها، فوجدت رجلا من خزاعة فأعلمته بإسلامها، فأركبها بعيره حتى أقدمها المدينة بعد ثماني ليال، فدخلت على أم سلمة رضي اللَّه عنها، وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة، وتخوفت أن يردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أم سلمة أعلمته، فرحب بأم كلثوم وسهّل، فذكرت له هجرتها، وأنها تخاف أن يردها.
ما نزل فيها من القرآن
ما نزل فيها من القرآن فأنزل اللَّه فيها آية الممتحنة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا، ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ (1) ] . طلب قريش رد أم كلثوم فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرد من جاءه من الرجال، ولا يرد من جاءه من النساء، وقدم أخواها من غد قدومها- الوليد وعمارة ابنا عقبة بن أبي معيط- فقالا: يا محمد! ف [ (2) ] لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه. فقال: قد نقض ذلك. فانصرفا إلى مكة فأخبرا قريشا، فلم يبعثوا أحدا، ورضوا بأن تحبس النساء. فرار أميمة بنت بشر وهجرتها إلى المدينة ويقال: إن أميمة بنت بشر الأنصارية، ثم من بني عمرو بن عوف، كانت تحت حسان بن الدحداح [ (3) ] [أو ابن الدحداحة] وهو يومئذ مشرك، ففرت من زوجها بمكة وأتت [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تريد الإسلام، فهم أن يردها إلى زوجها، حتى أنزل اللَّه تعالى: فَامْتَحِنُوهُنَّ [ (5) ] . ثم زوجها رسول اللَّه سهل بن حنيف، فولدت له عبد اللَّه بن سهل. طلاق الكوافر وأنزل اللَّه تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (5) ] فطلق عمر بن الخطاب امرأتين هما: قريبة بنت أبي أمية، [بن المغيرة] [ (6) ] ، فتزوجها معاوية بن أبي
بعثة الرسل إلى الملوك
سفيان، والأخرى أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيّب بن ربيعة بن أصرم ابن حبيش بن حرام بن حبيشة بن سلول بن كعب الخزاعية، فتزوجها أبو جهم ابن حذيفة. وطلق عياض بن غنم الفهري أم الحكم بنت أبي سفيان بن حرب. فتزوجها عبد اللَّه بن عثمان الثقفي فولدت له عبد الرحمن ابن أم الحكم، وكلهم يومئذ مشرك. ولم يعلم أن امرأة من المسلمين لحقت بالمشركين. بعثة الرسل إلى الملوك وفي هذه السنة السادسة، بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رسله إلى الملوك بكتبه، فأرسل حاطب بن أبي بلتعة [عمرو، وقيل: راشد] بن معاذ اللخمي إلى المقوقس بمصر. * أرسل شجاع بن وهب [ويقال: ابن أبي وهب] بن ربيعة بن أسد ابن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسديّ إلى الحارث ابن أبي شمر الغسّانّي. * وأرسل دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزرج [ (1) ] [وهو زيد مناة] بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف بن غدرة ابن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب الكلبي، إلى قيصر ملك الروم. * وأرسل سليط بن عمر بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل ابن عامر بن لؤيّ القرشي العامري، إلى هوذة بن علي الحنفي، وإلى ثمامة بن أنال [وهما] [ (2) ] رئيسا اليمامة. * وبعث عبد اللَّه بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، إلى كسرى ملك فارس. * وأرسل عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد اللَّه بن إياس بن عبيد بن ناشرة [ (3) ] ابن كعب الضمريّ، إلى النجاشي ملك الحبشة. * وأرسل العلاء بن الحضرميّ [اسمه عبد اللَّه] بن عباد [وقيل: عبد اللَّه بن عمار، وقيل: عبد اللَّه بن ضمار، وقيل: عبد اللَّه بن عبيدة بن ضمار] بن مالك
ردود الملوك
وقيل: العلاء بن عبد اللَّه بن عمار بن أكبر بن ربيعة بن مالك بن أكبر بن عويف ابن مالك بن الخزرج بن أبي بن الصّدف، إلى المنذر بن ساوي ملك البحرين. وقيل: إن إرساله كان سنة ثمان. ردود الملوك * فأما المقوقس، فإنه قبل كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأهدى إليه أربع جواري، منهن مارية [القبطية] . * وأما قيصر [واسمه هرقل] ، فإنه قبل أيضا الكتاب واعترف بالنّبوّة، ثم خاف من قومه فأمسك. * وأما الحارث بن أبي سمر الغسّاني، فإنه لما أتاه الكتاب قال: أنا سائر إليه [يعني محاربا] . فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد بلغه ذلك عنه: باد ملكه. * وأما النجاشي فإنه آمن برسول اللَّه واتبعه، وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، وأرسل ابنه في ستين من الحبشة فغرقوا في البحر. وبعث إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يزوجه بأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب- وكانت مهاجرة بالحبشة مع زوجها عبيد اللَّه بن جحش فتنصّر هناك- فزوجه إياها، وقام بصداقها: أربعمائة دينار من عنده. * وأما كسرى أبرويز هرمز، فإنه مزق الكتاب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مزق اللَّه ملكه، فسلط عليه ابنه شيرويه فقتله. * وأما هوذة بن عليّ، فبعث وفدا بأن يجعل له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأمر بعده حتى يسلم، وإلا قصده وحاربه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفنيه! فمات بعد قليل. * وأما المنذر بن ساوي، فإنه أسلم وأسلم أهل البحرين. سحر لبيد بن الأعصم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي محرم سنة سبع سحر لبيد بن الأعصم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مال جعله له من بقي بالمدينة من اليهود والمنافقين.
غزوة خيبر
غزوة خيبر وكانت غزوة خيبر في صفر سنة سبع، وبينها وبين المدينة ثمانية برد، مشى ثلاثة أيام. وقيل: سميت بخيبر بن قانية بن هلال بن مهلهل بن عبيل بن عوض ابن إرم بن سام بن نوح [ (1) ] : وكان عثمان بن عفان مصرّها. أول الخروج إلى خيبر ويقال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهلال ربيع الأول. ونقل عن الإمام مالك أن خيبر كانت في سنة ست. وإليه ذهب أبو محمد بن حزم، والجمهور على أنها كانت في سنة سبع، وأمر أصحابه بالتهيّؤ للغزو، واستنفر من حوله يغزون معه. وجاءه المخلفون عنه في غزوة الحديبيّة ليخرجوا معه رجاء الغنيمة، فقال: لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، وأما الغنيمة فلا. وبعث مناديا فنادى: لا يخرجن معنا إلا راغب في الجهاد. واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ، وقيل: أبا ذر، وقيل: نميلة بن عبد اللَّه الليثي. ما كانت تفعله يهود قبل غزو المسلمين وكان يهود خيبر لا يظنون أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغزوهم، لمنعتهم وحصونهم وسلاحهم وعددهم، كانوا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفا ثم يقولون: محمد يغزونا!! هيهات هيهات [ (2) ] ! فعمى اللَّه عليهم، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى نزل بساحتهم ليلا. دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أشرف خيبر ولما أشرف على خيبر قال لأصحابه: قفوا، ثم قال قولوا: اللَّهمّ ربّ السموات السبع وما أظلت، وربّ الأرضين السبع وما أقلت، [ورب الشياطين وما أضللن] [ (1) ] ، ورب الرياح وما ذرت، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها [وشر أهلها] [ (3) ] وشر ما فيها! ثم قال:
خبر يهود وغزو المسلمين
ادخلوا على بركة اللَّه. وعرّس بمنزله ساعة. خبر يهود وغزو المسلمين وكانت يهود يقومون كل ليلة قبل الفجر، ويصفون الكتائب، وخرج كنانة ابن أبي الحقيق في أربعة عشر رجلا إلى غطفان، يدعوهم إلى نصرهم ولهم نصف ثم خيبر سنة. فلما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بساحتهم، لم يتحركوا تلك الليلة، ولم يصح لهم ديك، حتى طلعت الشمس، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق، وفتحوا حصونهم، [وغدوا إلى أعمالهم] [ (1) ] ، معهم المساحي والكرازين والمكاتل، فلما نظروا المسلمين قالوا: محمد والخميس [ (2) ] !! وولوا هاربين إلى حصونهم، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اللَّه أكبر! خربت خيبر! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. قتال أهل النطاة وقاتل يومه ذلك إلى الليل أهل النّطاة [ (3) ] ، فلما أمسى تحول بالناس إلى الرجيع [ (4) ] . وكان يغدو [ (5) ] بالمسلمين على راياتهم. وكان شعارهم: يا منصور أمت. وأمر بقطع نخلهم، فوقع المسلمون في قطعها حتى قطعوا أربعمائة عذق [ (6) ] ، ثم نادى بالنهي عن قطعها. ويروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نزل خيبر أخذته الشّقيّقة [ (7) ] ، فلم يخرج إلى الناس.
مقتل محمود بن مسلمة
مقتل محمود بن مسلمة قال الواقدي: وجلس محمود بن مسلمة الأنصاري تحت حصن ناعم يتبع فيئة [ (1) ] ، وقد قاتل يومئذ، وكان يوما صائفا [ (2) ] ، فدلّى عليه مرحب [اليهودي] [ (3) ] رحى فهشمت البيضة، وسقطت جلدة جبينه على وجهه، وندرت عينه [ (4) ] ، فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرد الجلدة كما كانت، وعصبها بثوب، وتحوّل إلى الرجيع خشية على أصحابه من البيات. فكان مقامه بالرجيع سبعة أيام، يغدو كل يوم للقتال، ويستخلف على العسكر عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه ويقاتل أهل النطاة يومه [ (5) ] ، فإذا أمسى رجع إلى الرجيع، ومن جرح يحمل إلى العسكر ليداوى. فجرح أول يوم خمسون من المسلمين. اليهودي المستأمن ونادى يهودي من أهل النطاة بعد ليل: أنا آمن وأبلغكم؟ فقالوا: نعم! فدخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدله على عورة يهود. فدعا أصحابه وحضّهم على الجهاد. فغدوا عليهم، فظفرهم اللَّه بهم، فلم يك في النطاة شيء من الذرية، فلما انتهوا إلى الشق وجدوا فيه ذرية، فدفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليهودي زوجته. حراسة المسلمين وفتح النطاة وكانت الحراسة نوبا بين المسلمين، حتى فتح اللَّه حصن النطاة، فوجد فيها منجنيق، فنصب على حصن النزار [ (6) ] ، ففتحه اللَّه، ونازل المسلمون حصن ناعم في النطاة، فنهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن القتال حتى يأذن لهم. فعمد رجل من أشجع فحمل على يهود فقتله مرحب، فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تحل الجنة لعاص. ثم أمر الناس بالقتال. وكان ليهود عبد حبشي اسمه يسار، في ملك عامر اليهودي، يرعى له غنما، فأقبل بالغنم حتى أسلم، ورد الغنم لصاحبها، وقاتل حتى قتل شهيدا.
الألوية، وأول راية في الإسلام
الألوية، وأول راية في الإسلام وفرق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الرايات، ولم تكن راية قبل خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت راية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سوداء تدعى العقاب: من برد لعائشة رضي اللَّه عنها، ولواؤه أبيض، ورفع راية إلى علي، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد ابن عبادة رضي اللَّه عنهم. مدد عيينة بن حصن ليهود وكان عيينة بن حصن قد أقبل مددا ليهود بغطفان في أربعة آلاف، فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليه أن يرجع وله نصف ثمر خيبر، فأبى أن يتخلى عن حلفائه، فبعث اللَّه على غطفان الرعب، فخرجوا على الصعب والذلول [ (1) ] ، فذل عند ذلك عدو اللَّه كنانة بن أبي الحقيق، وأيقن بالهلكة. حصن ناعم ورجوع المسلمين وجثم [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الحصون، وألحّ على حصن ناعم بالرمي، ويهود تقاتل. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على فرس يقال له الظرب، وعليه درعان ومغفر وبيضة، وفي يده قناة وترس. وقد دفع لواءه إلى رجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا. فحث صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين على الجهاد، وسالت كتائب يهود: أمامهم الحارث أبو زينب يهذ [ (3) ] الناس هذا. فساقهم صاحب راية الأنصار حتى انتهوا إلى الحصن فدخلوه، وخرج أسير يقدم يهود، فكشف الأنصار حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موقفه، فاشتد ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمسى مهموما [ (4) ] . [وخرج مع ذلك سعد بن عبادة] ، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية غدا رجلا يحبه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه على يديه ليس بفرّار، أبشر يا محمد بن مسلمة! غدا- إن شاء اللَّه تعالى- يقتل قاتل أخيك، وتولّي عادية يهود.
بعثة علي لفتح حصن ناعم
بعثة علي لفتح حصن ناعم فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل إلى علي رضي اللَّه عنه- وهو أرمد- فقال [علي] [ (1) ] : ما أبصر سهلا ولا جبلا! فذهب إليه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: افتح عينيك! ففتحهما، فتفل فيهما، فما رمد بعدها. مقتل أبي زينب اليهودي ثم دفع إليه اللواء، ودعا له ومن معه بالنصر. وكان أول من خرج إليه الحارث أبو زينب- أخو مرحب- فانكشف المسلمون وثبت علي، فاضطربا ضربات فقتله عليّ، وانهزم اليهود إلى حصنهم. خبر مرحب اليهودي ومقتله ثم خرج مرحب فحمل على عليّ وضربه، فاتقاه بالتّرس، فأطن ترس علي رضي اللَّه عنه، فتناول بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده حتى فتح اللَّه عليه الحصن، وبعث رجلا يبشر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتح حصن مرحب. ويقال: إن باب الحصن جرّب بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلا. وروي- من وجه ضعيف عن جابر: ثم اجتمع عليه سبعون رجلا، فكان جهدهم أن أعادوا الباب. وعن أبي رافع: فلقد رأيتني في نفر مع سبعة- أنا ثامنهم- نجهد أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه. وزعم بعضهم: أن حمل عليّ باب خيبر لا أصل له، وإنما يروى عن رعاع الناس. وليس كذلك، فقد أخرجه ابن إسحاق في سيرته عن أبي رافع، وأن سبعة لم يقلبوه. وأخرجه الحاكم من طرق منها: عن أبي علي الحافظ: حدثنا الهيثم بن خلف الدوري، حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري [نسيب] [ (2) ] السّدّي، حدثنا المطلب بن زياد، حدثنا الليث بن أبي سليم، حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن حسين، عن جابر: أن عليا حمل الباب يوم خيبر، وأنه جرّب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.
خبر مرحب وأسير وياسر ومقتلهم
خبر مرحب وأسير وياسر ومقتلهم ويقال: إن مرحبا برز كالفحل الصئول يدعو للبراز، فخرج إليه محمد بن مسلمة فتجاولا ساعة، وضرب محمد مرحبا فقطع رجليه وسقط، فمر به عليّ رضي اللَّه عنه فضرب عنقه وأخذ سلبه، فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سلبه محمد بن مسلمة. وبرز أسير، فخرج له محمد بن مسلمة فقتله محمد، ثم برز ياسر، وكان من أشدائهم، فقال: قد علمت خيبر أني ياسر ... شاكي السلاح بطل مغاور إذا الليوث أقبلت تبادر ... وأحجمت من صولتي المخاطر [ (1) ] إن حماي فيه موت حاضر فقتله الزبير رضي اللَّه عنه وهو يقول: قد علمت خيبر أني زبّار ... قرم لقوم غير نكس فرّار وابن حماة المجد وابن الأخيار ... ياسر! لا يغررك جمع الكفار فجمعهم مثل السراب الجرار [ (2) ] (وفي رواية: «فإنّهم مثل السراب الموّار» ) فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبشروا! قد ترحبت خيبر وتيسرت. وبرز عامر فقتله عليّ وأخذ سلاحه. البشرى بقتل قاتل محمود بن مسلمة ولما قتل مرحب بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعيل بن سراقة الغفاريّ يبشر محمود ابن مسلمة: أن اللَّه قد أنزل فرائض البنات، وأن محمد بن مسلمة قد قتل قاتله، فسر بذلك، ومات في اليوم الّذي قتل فيه مرحب، بعد ثلاث من سقوط الرحى عليه. فتح حصن الصعب بن معاذ بعد الجوع والجهد وكان الناس قد أقاموا على حصن النطاة عشرة أيام لا يفتح، وجهدهم الجوع،
خبر أبي اليسر في إطعام المسلمين
فبعثوا أسماء بن حارثة بن هند بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر ابن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نشكو الجوع والضعف، فادع اللَّه لنا! فقال: اللَّهمّ افتح عليهم أعظم حصن فيه، أكثره طعاما وأكثره ودكا. ودفع اللواء إلى الحباب بن المنذر بن الجموح، وندب الناس. فما رجعوا حتى فتح اللَّه عليهم حصن الصعب. خبر أبي اليسر في إطعام المسلمين فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟ فقال أبو اليسر كعب ابن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة: أنا يا رسول اللَّه! وخرج يسعى مثل الظبي، فقال عليه السلام: اللَّهمّ متعنا به! فأدرك الغنم وقد دخل أولها الحصن، فأخذ شاتين من آخرها واحتضنهما، ثم أقبل عدوا، فأمر بهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذبحتا [ (1) ] وقسمتا، فما بقي أحد من أهل العسكر المحاصرين الحصن إلا أكل منها، وكانوا عددا [ (2) ] كثيرا. نحر الحمر الإنسية وتحريم لحمها وخرج من الحصن عشرون حمارا أو ثلاثون، فأخذها المسلمون وانتحروها، وطبخوا لحومها، فمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهم على تلك الحال، فسأل، فأخبر خبرها، وأمر فنودي: إن رسول اللَّه نهاكم عن لحوم [الحمر] [ (3) ] الإنسية فأكفئوا القدور. النهي عن متعة النساء وكل ذي ناب ومخلب [نهاكم] [ (4) ] عن متعة النساء [ (5) ] ، وعن كل ذي ناب ومخلب. وذبح المسلمون فرسين قبل فتح حصن الصعب فأكلوا.
مقتل عامر بن سنان الأنصاري
مقتل عامر بن سنان الأنصاري وقتل عامر بن سنان الأنصاري- عمّ سلمة [ (1) ] بن عمرو بن الأكوع [وسنان هو الأكوع]- وقد لقي يهوديا فبدره بضربة، فاتقى عامر بدرقته، فنبا سيف اليهودي عنه، وضرب عامر رجل اليهودي فقطعها، ورجع السيف عليه، فنزف فمات. فقال أسيد بن حضير: حبط عمله. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذب من قال ذلك، إن له لأجرين، إنه جاهد [ (2) ] مجاهد، وإنه ليعوم في الجنة عوم الدعموص [ (3) ] . خبر حصن الصعب ولما أقام المسلمون على حصن الصعب يومين، عدا بهم الحباب بن المنذر في اليوم الثالث ومعه الراية، فقاتلهم أشد قتال. وبكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتراموا بالنبل، وقد ترس المسلمون على رسول اللَّه. ثم حملت اليهود حملة منكرة، فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو واقف قد نزل عن فرسه، ومدعم [ (4) ] يمسك الفرس، وثبت الحباب برايته يراميهم على فرسه. فندب رسول اللَّه الناس وحضهم على الجهاد فأقبلوا حتى زحف بهم الحباب، واشتد الأمر، فانهزمت يهود وأغلقوا الحصن عليهم، ورموا من أعلى جدره بالحجارة رميا كثيرا فتباعد عنه المسلمون ثم كروا. فخرجت يهود وقاتلوا أشد قتال، فقتل ثلاثة من المسلمين، ثم هزمهم اللَّه تعالى. غنائم حصن الصعب واقتحم المسلمون الحصن يقتلون ويأسرون. فوجدوا فيه من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك كثيرا [ (5) ] فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلوا
فتح قلعة الزبير
واعلفوا ولا تحتملوا [يعنى لا تخرجوا به إلى بلادكم ] . فأخذوا من ذلك الحصن طعامهم، وعلف دوابهم، ولم يمنع أحد من شيء، ولم يخمس. ووجدوا بزّا في عشرين عكما [ (1) ] محزمة من متاع المين [ (2) ] ، ووجدوا خوابي سكر [ (3) ] ، فأمر بالسكر فكسر خوابيه. ووجدوا آنية من نحاس وفخار كانت يهود تأكل فيها وتشرب، فقال عليه السلام: اغسلوها واطبخوا، وكلوا فيها واشربوا. وأخرجوا منها غنما وبقرا وحمرا، وآلة الحرب، ومنجنيقا، ودبابات وعدة، وخمسمائة قطيفة، وعشرة أحمال خشب [ (4) ] فأحرق، وشرب الخمر رجل من المسلمين يقال له: «عبد اللَّه الحمار» [ (5) ] ، فخفقه رسول اللَّه بنعليه، وأمر من حضروه فخفقوه [ (6) ] بنعالهم. ولعنه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإنه يحب اللَّه ورسوله! ثم راح عبد اللَّه كأنه أحدهم، فجلس معهم. فتح قلعة الزبير وتحولت يهود إلى قلعة [ (7) ] الزبير، فزحف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم وحصرهم- وكانوا في حصن منيع- مدة ثلاثة أيام حتى فتحه، وكان آخر حصون النطاة. فتح حصون الشق ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنفال والعسكر أن يحول من الرجيع إلى مكانه الأول بالشّق، وبه عدة حصون، فنازلها حتى فتحها. ووجد في حصن منها صفية بنت حيي وابنة عمها، ونسيّات معها وذراري، يبلغ عدة الجميع زيادة على ألفين. مصالحة كنانة بن أبي الحقيق على أهل الكتيبة وصالح كنانة بن أبي الحقيق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [على] [ (8) ] أهل الكتيبة فأمن
ما كتبه ابن أبي الحقيق من أموال يهود وما كان فيه من الغنائم
الرجال والذرية، ودفعوا إليه الأموال من الذهب والفضة والحلقة والثياب إلا ثوبا على إنسان، بعد ما حصرهم أربعة عشر يوما. وقال مالك، عن ابن شهاب: والكتيبة أكثرها عنوة، وفيها صلح. وقال ابن وهب: قلت لمالك: وما الكتيبة؟ قال: من أرض خيبر، وهي أربعون ألف عذق. فوجد خمسمائة قوس عربية، ومائة درع، وأربعمائة سيف، وألف رمح. ما كتبه ابن أبي الحقيق من أموال يهود وما كان فيه من الغنائم وسأل [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] كنانة بن أبي الحقيق عن الأموال- وكان قد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم حين صالحه برئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا- فقال كنانة: يا أبا القاسم! أنفقناه في حربنا فلم يبق منه شيء! وأكد الأيمان، فقال رسول اللَّه: برئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله إن كان عندكم؟ قال: نعم! ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: وكل ما أخذت من أموالكم، وأصبت من دمائكم، فهو حل لي ولا ذمة لكم؟ قال: نعم! وأشهد عليه عدة من المسلمين ومن يهود. فدله سعية [ (2) ] ابن سلام بن أبي الحقيق على خربة، فبعث عليه السلام الزبير في نفر مع سعية [ (2) ] حتى حفر، فإذا كنز في مسك [ (3) ] جمل، فيه حلي. فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر الزبير أن يعذب كنانة حتى يستخرج كل ما عنده، فعذبه حتى جاءه بمال، ثم دفعه إلى محمد بن مسلمة فقتله بأخيه محمود، وعذب ابن أبي الحقيق الآخر، ثم دفع إلى ولاة بشر بن البراء فقتل به، وقيل ضرب عنقه، واستحل صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك أموالهما، وسبي ذراريهما. ووجد في المسك: أسورة الذهب، ودمالج الذهب، وخلاخل الذهب، وأقرطة ذهب، ونظم من جوهر وزمرّد، وخواتم ذهب، وفتخ بجزع ظفار مجزع [ (4) ] بالذهب. [وذكر] [ (5) ] .
صفية بنت حيي: إسلامها، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بها
صفية بنت حيي: إسلامها، وزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بها وكانت صفية بنت حيي تحت كنانة بن أبي الحقيق، فسباها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبعث بها مع بلال إلى رحله، فمر بها وبابنة عمها على القتلى، فصاحت ابنة عمها صياحا شديدا، فكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنع بلال وقال: ذهبت منك الرحمة؟ تمر بجارية حديثة السن على القتلى!! فقال: يا رسول اللَّه! ما ظننت أنك تكره ذلك، وأحببت أن ترى مصارع قومها! فدفع ابنة عم صفية إلى دحية الكلبي، وأعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها. خبر الشاة المسمومة التي أكل منها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقتلت بشر بن البراء ثم إن زينب ابنة الحارث اليهودية أخت مرحب [ (1) ] ، ذبحت عنزا لها وطبختها وسمتها، فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المغرب وانصرف إلى منزله، وجد زينب عند رحله، فقدمت له الشاة هدية. فأمر بها فوضعت بين يديه، وتقدم هو وأصحابه إليها ليأكلوا، فتناول الذراع، وتناول بشر بن البراء عظما، وانتهس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ازدرد، وقال: كفّوا أيديكم، فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة! فقال بشر بن البراء: واللَّه يا رسول اللَّه، وجدت ذلك من أكلتي [ (2) ] التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا كراهية أنغّص عليك طعامك. فلم يرم [ (3) ] بشر من مكانه حتى تغير ثم مات. ودعا رسول اللَّه زينب وقال: سممت الذراع؟ قالت: من أخبرك؟ قال: الذراع! قالت: نعم! قال: وما حملك على ذلك؟ قالت: قتلت أبي وعمي وزوجي، ونلت من قومي ما نلت، فقلت: إن كان نبيا فستخبره الشاة، وإن كان ملكا استرحنا منه! فقيل: أمر بها فقتلت ثم صلبت [ (4) ] ، كما رواه أبو داود. وقيل: عفا عنها [ (5) ] .
الاختلاف في قتل صاحبة الشاة المسمومة
الاختلاف في قتل صاحبة الشاة المسمومة وقد اختلفت [ (1) ] الآثار في قتلها [ (2) ] : ففي صحيح مسلم أنه لم يقتلها، وهو مروي عن أبي هريرة وجابر، وفي أبي داود أنه قتلها. وعن ابن عباس: دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور، وكان أكل منها فمات بها، فقتلوها. وقال ابن سحنون: أجمع أهل الحديث أن رسول اللَّه قتلها. وكان نفر ثلاثة قد وضعوا أيديهم في الطعام ولم يصيبوا منه شيئا، فأمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاحتجموا أوساط رءوسهم. احتجام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سم الشاة واحتجم صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت كتفه اليسرى، وقيل: على كاهله، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة. وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرض موته: ما زالت أكلة خيبر يصيبني منها عداد [ (3) ] ، حتى كان هذا أوان أن تقطع أبهري [ (4) ] . ويقال: الّذي مات مسموما من الشاة بشر بن البراء، وبشر أثبت. مغانم خيبر واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مغانم خيبر فروة بن عمرو بن وذفة [ (5) ] بن عبيد ابن عامر بن بياضة البياضي الأنصاري، فلم يخمس الطعام والأدم والعلف، بل أخذ
الغلول من الغنائم
الناس منه حاجتهم. وكان من احتاج إلى سلاح يقاتل به أخذه من صاحب المغنم ثم رده [ (1) ] إليه. فلما اجتمعت المغانم كلها جزأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها للَّه، وسائر السهمان أغفال. وكان أول سهم خرج سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لم يتخير في الأخماس. ثم أمر ببيع الأخماس الأربعة فيمن يزيد، فباعها فروة ابن عمرو، ودعا فيها صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبركة فقال: اللَّهمّ ألق عليها النّفاق! - فتداك الناس عليها حتى نفق في يومين، وكان يظن أنهم لا يتخلصون منه حينا لكثرته. فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خمسه ما أراد اللَّه: فأعطى أهله، وأعطى رجالا من بني عبد المطلب ونساء، وأعطى اليتيم والسائل. وجمعت مصاحف فيها التوراة، ثم ردّت على يهود. الغلول من الغنائم ونادى منادي رسول اللَّه: أدّوا الخياط والمخيط [ (2) ] ، فإن الغلول عار وشنار، ونار يوم القيامة! فعصب فروة رأسه بعصابة ليستظل بها من الشمس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عصابة من نار عصبت بها رأسك! فطرحها. وسأل رجل أن يعطى من الفيء شيئا فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يحل من الفيء خيط ولا مخيط لأحد، ولا معطي. وسأله رجل عقالا فقال: حتى تقسم الغنائم ثم أعطيك عقالا، وقتل [ (3) ] كركرة يومئذ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلها. وتوفي رجل من أشجع فلم يصلّ عليه، وقال: إن صاحبكم غلّ في سبيل اللَّه: فوجد في متاعه خرز [ (4) ] لا يساوي درهمين. واشترى الناس يومئذ تبرأ بذهب جزافا [ (5) ] ، فنهى [ (6) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك. ووجد رجل في خربة مائتي درهم، فأخذ منها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس ودفعها إليه.
النهي عن أشياء
النهي عن أشياء وسمع [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] يومئذ يقول: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره [ (2) ] ، ولا يبع شيئا من المغنم حتى يعلم. ولا يركب دابة من المغنم حتى إذا أدبرها [ (3) ] ردّها. ولا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلقه ردّه، ولا يأت [ (4) ] امرأة من السبي حتى تستبرأ بحيضة، وإن كانت حبلى حتى تضع الحمل. ومرّ على امرأة مجح [ (5) ] فقال: لمن هذه؟ فقيل: لفلان. فقال: لعله يطؤها؟ قالوا: نعم! قال: كيف بولدها؟ يرثه وليس بابنه، ويسترقه، وهو يغذو [ (6) ] في سمعه وبصره! لقد هممت أن ألعنه لعنة تتبعه في قبره. قدوم أصحاب السفينتين وقدم أهل السفينتين من عند النجاشي بعد أن فتحت خيبر، فيهم جعفر بن أبي طالب وأبو موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري، في جماعة من [ (7) ] الأشعريين يزيدون على سبعين. وذكر ابن سعد عن الواقدي بسنده [ (8) ] : أنهم لما سمعوا خبر هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، رجع ثلاثة وثلاثون رجلا وثماني نسوة، فمات منهم رجلان بمكة، وحبس بمكة سبعة نفر. وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا. فلما كان شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة، كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية الضمريّ، فأسلم. وكتب إليه أيضا أن يزوجه أم حبيبة [بنت أبي سفيان] [ (9) ]- وكانت فيمن هاجر إلى الحبشة- فزوجه إياها. وكتب إليه أيضا أن يبعث بمن بقي عنده من أصحابه
إشراك القادمين في غنائم خيبر
ويحملهم، فحملهم في سفينتين مع عمرو بن أمية، فأرسلوا بساحل بولا وهو الجار [ (1) ] . ثم ساروا حتى قدموا المدينة، فوجدوا [ (2) ] رسول اللَّه بخيبر فأتوه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أدري بأيهما أنا أسر؟ قدوم جعفر، أو فتح خيبر!! ثم ضمّه وقبل بين عينيه. إشراك القادمين في غنائم خيبر وهمّ المسلمون أن يدخلوا جعفرا ومن قدم معه في سهمانهم ففعلوا، وقدم الدوسيون، فيهم أبو هريرة والطفيل بن عمرو وأصحابهم، ونفر من الأشعريين، فكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه [ (3) ] فيهم أن يشركوهم في الغنيمة، فقالوا: نعم، يا رسول اللَّه. الخمس وقسمته وكان الخمس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كل مغنم غنمه المسلمون، شهده أو غاب عنه. وكان لا يقسم لغائب في مغنم لم يشهده، إلا أنه في بدر ضرب لثمانية لم يشهدوا، وكانت خيبر لأهل الحديبيّة من شهدها أو غاب عنها. قال اللَّه سبحانه: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [ (4) ]- يعني خيبر، وقد تخلف عنها رجال، ومات رجلان وأسهم صلّى اللَّه عليه وسلّم لمن تخلف منهم ومن مات، وأسهم لمن شهد خيبر ولم يشهد الحديبيّة، وأسهم لرسل كانوا يختلفون إلى أهل فدك، وأسهم لثلاثة مرضى لم يحضروا القتال، وأسهم للذين استشهدوا. وقيل: كانت خيبر لأهل الحديبيّة، لم يشهدها غيرهم، ولم يسهم فيها لغيرهم، والأول أثبت. وأسهم لعشرة من يهود المدينة- غزّاهم إلى خيبر- كسهمان المسلمين، ويقال: أحذاهم [ (5) ] ولم يسهم لهم، وأعطى مماليك كانوا معه ولم يسهم.
من شهد خيبر من النساء
من شهد خيبر من النساء وشهد خيبر عشرون امرأة، منهن: أم المؤمنين أم سلمة، وصفية بنت عبد المطلب، وأم أيمن، وسلمى امرأة أبي رافع مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وامرأة عاصم بن عدي، [وولدت بخيبر سهلة بنت عاصم] ، وأم عمارة نسيبة بنت كعب، وأم منيع وهي أم شباث، وكعيبة بنت سعد الأسلمية، وأم مطاوع الأسلمية، وأم سليم بنت ملحان، وأم الضحاك بنت مسعود الحارثية، وهند بنت عمرو بن حرام، وأم العلاء الأنصارية، وأم عامر الأشهلية، وأم عطية الأنصارية، وأم سليط، وأمية بنت قيس الغفارية، فرضخ لهن [ (1) ] من الفيء ولم يسهم لهن. وولدت امرأة عبد اللَّه بن أنيس فأحذاها ومن ولدته. خبر أفراس المؤمنين وسهمانها وقاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خيبر ثلاثة أفراس: لزار، والظّرب، والسكب. وقاد المسلمون مائتي فرس، وقيل: ثلاثمائة، والأول أثبت. فأسهم لمن له فرسان خمسة أسهم: أربعة لفرسيه وسهما له [ (2) ] ، ولم يسهم لأكثر من فرسين لرجل واحد. ويقال: إنه لم يسهم إلا لفرس واحد، وهذا أثبت. ويقال: إنه عرّب العربيّ وهجّن الهجين [ (3) ] يوم خيبر، فأسهم للعربي دون الهجين. وقيل: لم يكن في عهده عليه السلام هجين، إنما كانت العراب [ (4) ] حتى كان زمن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وفتحت الأمصار، ولم يسمع أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرب لما كان معه من الخيل لنفسه إلا لفرس واحد، فكان له صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أسهم: لفرسه سهمان وله سهم. إحصاء الناس بخيبر وولي إحصاء الناس بخيبر زيد بن ثابت، فقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينهم الغنائم:
مساقاة اليهود على زرع خيبر
وهم ألف وأربعمائة، والخيل مائتا فرس. وكانت السهمان التي في النطاة والشق على ثمانية عشر سهما. وكان من كان فارسا له في ذلك ثلاثة أسهم فوضى لم تحد ولم تقسم، إنما لها رءوس مسمون، لكل مائة رأس يقسم على أصحابه ما خرج من غلتها. مساقاة اليهود على زرع خيبر ولما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، ساقى [ (1) ] يهود على الشطر من الثمر والزرع، وكان يزرع تحت النخل، وكان يبعث عبد اللَّه بن رواحة يخرص [ (2) ] عليهم النخل، ويقول إذا خرص، إن شئتم [فلكم] [ (3) ] ، وتضمنون نصف ما خرصت، وإن شئتم فلنا، ونضمن لكم ما خرصت. وخرص عليهم أربعين ألف وسق [ (4) ] . فلما قتل ابن رواحة بمؤتة «خرص عليهم أبو الهيثم بن التّيهان، وقيل: جبار بن صخر، وقيل: فروة بن عمرو. شكوى اليهود من المسلمين وإنصافهم وجعل المسلمون يقعون [ (5) ] في حرثهم وبقلهم بعد المساقاة، فشكت يهود ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنادى عبد الرحمن بن عوف: الصلاة جامعة، ولا يدخل الجنة إلا مسلم، فاجتمع المسلمون، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن يهود شكوا إليّ أنكم وقعتم في حظائرهم، وقد أمناهم على دمائهم،
خبر الكتيبة وأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة
وعلى أموالهم التي في أيديهم في أراضيهم، وعاملناهم [ (1) ] وإنه لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها. فكان [ (2) ] المسلمون لا يأخذون من بقولهم شيئا إلا بثمن. خبر الكتيبة وأنها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصة وقيل: إن الكتيبة كانت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصة، لأنهم لم يوجفوا عليها [ (3) ] ، وقيل: هي خمسه من خيبر. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يطعم من الكتيبة من أطعم، وينفق على أهله منها، وكانت تخرص ثمانية آلاف وسق تمرا، فليهود نصفها: أربعة آلاف. وكان يزرع فيها الشعير، فيحصد منه ثلاثة آلاف صاع، لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصفه، وليهود نصفه. وربما اجتمع منها ألف صاع نوى [ (4) ] ، هي أيضا بينهما نصفين. فأطعم من الكتيبة كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا تمرا، وعشرين وسقا شعيرا، وللعباس بن عبد المطلب مائتي وسق، ولفاطمة وعلي عليهما السلام ثلاثمائة وسق شعيرا وتمرا، ولأسامة بن زيد مائة وخمسين وسقا شعيرا وتمرا، وأطعم آخرين. وقسم بين ذوي [ (5) ] القربى بخيبر: بين بني هاشم وبني عبد المطلب فقط. شهداء خيبر واستشهد بخيبر خمسة عشر رجلا: أربعة من المهاجرين، والبقية من الأنصار. فقيل: صلى عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: لم يصل عليهم. وقتل من يهود ثلاثة وتسعون رجلا، وأعطى صلّى اللَّه عليه وسلّم جبل [ (6) ] بن جوال الثعلبي كل داجن بخيبر، وقيل: إنما أعطاه كل داجن [ (7) ] في النطاة، ولم يعطه من الكتيبة ولا من الشق شيئا. ما نهي عنه في خيبر وفي غزاة خيبر نهى صلّى اللَّه عليه وسلّم: عن أكل الحمار الأهلي [ (8) ] ، وعن أكل كل ذي
بلوغ خبر خيبر إلى أهل مكة
ناب من السباع [ (1) ] ، وأن توطأ الحبالى حتى يضعن، وعن أن تباع السهام حتى تقسم [ (2) ] ، وأن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها [ (3) ] . ولعن يومئذ الواصلة والموصلة [ (4) ] ، والواشمة والموشومة [ (4) ] ، والخامشة وجهها [ (5) ] ، والشاقة جيبها [ (6) ] ، وحرم لحوم البغال وكل ذي مخلب من الطيور، وحرم المجثّمة [ (7) ] والخليسة [ (8) ] ، والنّهبة [ (9) ] ، ونهى عن قتل النساء. بلوغ خبر خيبر إلى أهل مكة وقدم عباس بن مرداس السلمي مكة، فخبّر أن محمدا سار إلى خيبر، وأنه لا يفلت. فقال صفوان بن أمية: أنا معك يا عباس. وضوى معه نفر، وقال حويطب بن عبد العزّى: إن محمدا سيظهر [ (10) ] . ووافقه جماعة، فتخاطر [ (11) ] مائة بعير. فلما جاء الخبر بظهور [ (10) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ حويطب وحيّزه [ (12) ] الرهن. وكان الّذي جاءهم بذلك علاط السّلمي [بن ثويرة بن حنثر بن هلال بن عبيد ابن ظفر بن سعد بن عمرو بن تيم بن بهز] [ (13) ] بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم ابن منصور، وقد أسلم بخيبر. [وكان قد استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يأتي مكة،
مصالحة أهل فدك
وكان له بها مال وأهل، وتخوّف إن علمت قريش بإسلامه أن يذهبوا بماله، فأذن له رسول اللَّه أن يأتي مكة] [ (1) ] ليجمع ماله. مصالحة أهل فدك وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أقبل أهل خيبر، بعث محيّصة بن مسعود بن كعب ابن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري إلى فدك، يدعوهم إلى الإسلام، فبعثوا معه بنفر منهم، حتى صالحهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أن يخلّوا بينه وبين الأموال، وأن لهم نصف الأرض: وصارت [ (2) ] فدك خالصة لرسول اللَّه أبدا، أخذها بغير إيجاف خيل ولا ركاب. إعراسه بصفية بنت حيي وانصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر يريد وادي [ (3) ] القرى، فلما كان بالصهباء أعرس بصفية بنت [ (4) ] حيي مساء، وأو لم عليها [ (5) ] بالحيس والسّويق والتمر [ (6) ] . وبات أبو أيوب الأنصاري رضي اللَّه عنه قريبا من قبته، آخذا بقائم السيف حتى أصبح، وهو يحرسه صلّى اللَّه عليه وسلّم. غزوة وادي القرى فلما انتهى إلى وادي القرى- وقد ضوى إليها [ (7) ] ناس من العرب- استقبله اليهود بالرّمي، فقلت مدعم [ (8) ] ، - وهو يحط رحل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- بسهم، فعبأ عليه السلام أصحابه وصفّهم للقتال، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عبّاد بن بشر. ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرزوا فقتل منهم أحد عشر رجلا. وبات عليهم وغدا لقتالهم،
مصالحة يهود تيماء
فأعطوا بأيديهم [ (1) ] ، فأخذها عنوة، وغنم ما فيها فقسمه، وعامل يهود على النخل. مصالحة يهود تيماء فطلب يهود تيماء الصلح فصولحوا على الجزية، وأقاموا على أموالهم. وانصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم من وادي القرى- وقد أقام أربعة أيام- يريد المدينة، فلما قرب منها نزل وعرّس. النوم عن صلاة الصبح فنام ومن معه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، فأذن بلال، وركعوا ركعتي الفجر، ثم صلى بهم حتى إن أحدهم ليسلت [ (2) ] العرق عن جبينه من حرّ الشّمس، فلما سلم قال: كانت أنفسنا بيد اللَّه، فلو شاء قبضها، وكان أولى بها، فلما ردّها إلينا صلينا، ثم أقبل على بلال- وكان قد قال قبل أن ينام: ألا رجل صالح حافظ لعينيه يحفظ لنا صلاة الصبح؟ فقال بلال: أنا! ثم نام معهم، غلبته عيناه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] : مه [ (4) ] يا بلال؟ فقال: بأبي وأمي، قبض نفسي الّذي قبض نفسك! فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] . وقد قيل: إن ذلك كان مرجعه صلّى اللَّه عليه وسلّم من
جبل أحد واتخاذ المنبر وحنين الجذع
حنين. والأول قول محمد بن شهاب عن سعيد بن المسيّب، وهو أعلم الناس بالسّير والمغازي، وكذلك سعيد بن المسيّب، ولا يقاس بهما المخالف لهما في ذلك: وروي عن قتادة أن ذلك كان في جيش الأمراء، وهذا وهم، وجيش الأمراء كان في غزوة مؤتة، ولم يشهدها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن عطاء بن يسار أنها كانت في غزوة تبوك، وهذا لا يصح [ (1) ] ، لأن الآثار الصحاح على خلاف قوله مسندة ثابتة، وقوله مرسل. جبل أحد واتخاذ المنبر وحنين الجذع ولما نظر إلى أحد قال: هذا جبل يحبنا ونحبه [ (2) ] ! اللَّهمّ إني حرّمت ما بين لابتي المدينة [ (3) ] . ونهى أن يطرق الرجل أهله ليلا بعد صلاة العشاء [ (4) ] ولما قدم المدينة اتخذ المنبر، وله درجتان والمستراح، وخطب عليه فحنّ الجذع [ (5) ] الّذي كان
رد زينب إلى أبي العاص
يستند إليه إذا خطب. رد زينب إلى أبي العاص وفي جمادى الأولى من سنة سبع، ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع. سرية عمر بن الخطاب إلى تربة ثم كانت سرية عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى تربة، في شعبان سنة سبع. بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ثلاثين رجلا إلى عجر هوازن بتربة، وهي بناحية العبلاء، على أربع ليال من مكة، طريق صنعاء ونجران، فخرج ومعه دليل من بني هلال، فكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار، حتى أتوا محالهم وقد فرّوا، فلم يلقوا أحدا وعادوا إلى المدينة. سرية أبي بكر إلى بني كلاب ثم كانت سرية أبي بكر الصّديق رضي اللَّه عنه إلى بني كلاب بنجد بناحية ضرية، في شعبان هذا، فبيت ناسا من هوازن، وقتل منهم. سرية بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك وسرية بشير بن سعد إلى فدك، فيه أيضا. ومعه ثلاثون رجلا ليوقع بني مرّة، فاستاق نعما وشاء وانحدر إلى المدينة، فأدركوه ليلا، وراموهم بالنّبل حتى فنيت نبل المسلمين، وأحيط بهم وأصيبوا. واستاق المريّون نعمهم وشاءهم، فتحامل بشير ابن سعد حتى انتهى إلى فدك، فأقام عند يهوديّ حتى اندملت جراحة، وعاد إلى المدينة.
سرية الزبير بن العوام ثم سرية غالب ابن عبد الله إلى بني مرة أيضا
سرية الزبير بن العوام ثم سرية غالب ابن عبد اللَّه إلى بني مرة أيضا فهيأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الزبير بن العوام، وبعثه إلى مصاب القوم، ومعه مائتا رجل، وعقد له لواء. ثم بعث غالب بن عبد اللَّه [الليثي] [ (1) ] على مائتي رجل في صفر سنة ثمان، ومعه أسامة بن زيد وعلبة بن زيد الحارثي، فسار حتى دنا منهم، فبعث الطلائع عليها علبة بن زيد، فأعلموه خبرهم، ثم وافاهم، وحض من معه على الجهاد، وأوصاهم بالتقوى، وحمل بهم على القوم، فقاتلوا ساعة ثم حووا الماشية والنساء وقد قتلوا الرجال. قتل أسامة الرجل الّذي قال: لا إله إلا اللَّه ومرّ أسامة بن زيد في إثر رجل منهم يقال له: نهيك بن مرداس، حتى دنا منه، فقال: لا إله إلا اللَّه! فقتله، ثم ندم، وأقبل إلى جماعته، فقال له غالب ابن عبد اللَّه: بئس واللَّه ما فعلت! تقتل امرأ يقول: لا إله إلا اللَّه! وساق النّعم والشّاء والسّبي فكانت سهامهم عشرة أبعرة لكل رجل، أو عدلها من الغنم: كل جزور بعشرة. وقدموا المدينة، فحدّث زيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخبره، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] : قتلته يا أسامة، وقد قال: لا إله إلا اللَّه؟ فجعل [أسامة] يقول: إنما قالها تعوّذا من القتل! فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] : أفلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟ فقال أسامة: لا أقتل أحدا يقول لا إله إلا اللَّه أبدا [ (2) ] . سرية غالب بن عبد اللَّه إلى الميفعة ثم كانت سرية غالب بن عبد اللَّه بن مسعر الليثي أيضا- في رمضان منها إلى الميفعة، ليوقع ببني عوال وبني عبد بن ثعلبة، في مائة وثلاثين رجلا، ومعه يسار مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستاقوا نعما وشاء، وقتلوا من أشرف لهم، على ماء يقال له الميفعة بناحية نجد، بعده من المدينة ثمانية برد، وعادوا بالغنيمة.
سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار
سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار ثم كانت سرية بشير بن سعد إلى يمن وجبار في سنة سبع. وذلك أن حسيل ابن نويرة الأشجعي أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن جمعا من غطفان بالجناب، قد واعدوا عيينة بن حصن أن يزحفوا إلى أطراف المدينة. فذكر ذلك لأبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، فأشارا بإرسال بشير بن سعد، فعقد له لواء، وبعث معه ثلاثمائة رجل. وكان حسيل دليلهم، حتى أتوا إلى يمن وجبار وهي نحو الجناب، والجناب يعارض سلاح وخيبر ووادي القرى، فنزلوا بسلاح، ثم دنوا من القوم فأصابوا نعما كثيرا ملئوا منه أيديهم، وتفرق الرعاء فأنذروا أصحابهم، فمروا على وجوههم، فلم يلق بشير أحدا، وعاد بالنّعم، فوجدوا عينا لعيينة فقتله، ثم لقي جمع عيينة فأوقع بهم وهم لا يشعرون، فناوشهم فانهزموا، وأسر منهم رجلا أو رجلين، وقدما المدينة فأسلما وتركا لحالهما. عمرة القضية ثم كانت عمرة القضية، وتسمى عمرة القضاء، وغزوة القضاء، وعمرة الصّلح، ويقال لها: عمرة القصاص، قال الغريابيّ: أخبرنا [ (1) ] ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله تعالى: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ [ (2) ] قال: فحزنت قريش لردها [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الحديبيّة محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام، فأدخله اللَّه مكة من العام القابل فقضى عمرته، وأقصّه [ (4) ] ما حيل بينه وبين يوم الحديبيّة. أول الجمع للعمرة وذلك أن ذا القعدة لما أهلّ في سنة سبع، أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم وألا يتخلف أحد ممن شهد الحديبيّة، فلم يتخلف من أهلها أحد هو حي، وخرج سوى أهل الحديبيّة رجال عمّار. وكان المسلمون في عمرة القضية ألفين. وقال جماعة من العرب: واللَّه يا رسول اللَّه ما لنا زاد، وما من
الهدي ومسير المسلمين
أحد يطعمنا. فأمر المسلمين أن ينفقوا في سبيل اللَّه، وأن يتصدقوا، وألا يكفّوا أيديهم فيهلكوا [ (1) ] . فقالوا: يا رسول اللَّه! بم نتصدق وأحدنا لا يجد شيئا؟ فقال: بما كان، ولو بشق تمرة، ولو بمشقص [ (2) ] يحمل به أحدكم في سبيل اللَّه. فأنزل اللَّه تعالى في ذلك: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [ (3) ] يعني: ترك النفقة في سبيل اللَّه. الهدي ومسير المسلمين وساق عليه السلام ستين بدنة، وجعل عليها ناجية بن جندب الأسلميّ ليسير أمامه يطلب الرعي في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم. وكان أبو رهم كلثوم ابن حصين الغفاريّ ممن يسوقها ويركبها. وقلد صلّى اللَّه عليه وسلّم هديه بيده وحمل السلاح فيها البيض والدّروع، وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة، وقدّم الخيل والسلاح، واستخلف على المدينة أبا ذرّ الغفاريّ، وأحرم من باب المسجد، لأنه سلك طريق الفرع [ (4) ] ، ولولا ذلك لأهلّ من البيداء، وسار يلبّي والمسلمون معه يلبون، فلما انتهى محمد بن مسلمة بالخيل إلى مرّ الظهران [ (5) ] ، وجد بها نفرا من قريش، فسألوه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يصبّح هذا المنزل إن شاء اللَّه. بلوغ الخبر إلى قريش ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فأسرعوا إلى مكة وأخبروا قريشا ففزعوا، وقالوا: واللَّه ما أحدثنا حدثا، ففيم يغزونا: محمد؟ ولما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ [ (6) ] الظهران قدم السلاح إلى بطن يأجج [ (7) ] ، وترك معه مائتين من أصحابه، عليهم أوس بن خوليّ. وخرج مكرز بن حفص في نفر حتى لقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببطن يأجج [ (7) ] ، فقالوا: يا محمد! واللَّه ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر! تدخل بالسلاح الحرم! وقد شرطت ألا تدخل إلا بسلاح المسافر، السيوف في القرب؟ فقال: إني لا أدخل عليهم السلاح. فعاد [مكرز] [ (8) ] إلى مكة، فخرجت قريش إلى رءوس الجبال، وقالوا: لا ننظر إليه ولا إلى أصحابه.
دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة
دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وحبس الهدي بذي طوى، ودخل عليه السلام مكة من الثنيّة [ (1) ] التي تطلع على الحجون، وقد ركب القصواء، وأصحابه حوله متوشحو السيوف يلبّون، وعبد اللَّه بن رواحة آخذ بزمام راحلته، فلم يزل عليه السلام يلبي حتى استلم الركن. وقيل: لم يقطع التلبية حتى جاء عروش مكة. طواف المسلمين بالكعبة وتحدثت قريش أن المسلمين في جهد، ووقفت منهم جماعات عند دار الندوة، فاضطبع [ (2) ] عليه السلام بردائه، وأخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم قوة! فلما انتهى إلى البيت- وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمامها، وقد صف له المسلمون- دنا من الركن فاستلمه بمحجنه [ (3) ] وهو مضطبع بثوبه، وهرول هو والمسلمون في الثلاثة الأشواط الأول، وكان ابن رواحة يرتجز [ (4) ] في طوافه، وهو آخذ بزمام الناقة، فقال عليه السلام: إيها [ (5) ] يا بن رواحة! قل: لا إله إلا اللَّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده! فقالها الناس. فلما قضى طوافه خرج [ (6) ] إلى الصفا فسعى على راحلته، والمسلمون يسترونه من أهل مكة أن يرميه أحد منهم أو يصيبه بشيء. نحر الهدي عند المروة ووقف عند فراغه قريبا من المروة- وقد وقف الهدي عندها- فقال: هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر. ونحر عند المروة. وكان قد اعتمر معه قوم لم يشهدوا الحديبيّة فلم ينحروا، وشركه في الهدي من شهد الحديبيّة، فمن وجد بدنة من الإبل نحرها، ومن لم يجد بدنة رخّص له في البقرة، وكان قد قدم رجل ببقر فاشتراه الناس منه. وحلق عليه السلام عند المروة، حلقه معمر بن عبد اللَّه
دخول رسول الله الكعبة
العدويّ. دخول رسول اللَّه الكعبة ثم دخل البيت، ولم يزل فيه حتى أذن بلال بالظهر فوق ظهر الكعبة، فقال عكرمة بن أبي جهل: لقد أكرم اللَّه أبا الحكم! لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول!! وقال صفوان بن أميّة: الحمد للَّه الّذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا! وقال خالد ابن أسيد: الحمد للَّه الّذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم، حين يقوم ابن أم بلال ينهق فوق الكعبة!! وغطى سهيل بن عمرو ورجال معه وجوههم حين سمعوا. وقيل: لم يدخل عليه السلام الكعبة، بل أرسل إليهم فأبوا، وقالوا: لم يكن في شرطك! فأمر بلالا فأذّن فوق الكعبة مرّة ولم يعد بعد، وهو الثبت. زواجه صلّى اللَّه عليه وسلّم ميمونة رضي اللَّه عنها وخطب ميمونة، فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فتزوجها وهو محرم، وقيل: تزوجها لما أحل. وكلم عليّ بن أبي طالب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عمارة بنت حمزة- وكانت مع أمها سلمى بنت عميس بمكة- فقال: علام نترك بنت عمنا يتيمة بين ظهراني المشركين! فخرج بها، حتى إذا دنوا من المدينة، أراد زيد ابن حارثة- وكان وصيّ حمزة وأخاه إخوة المهاجرين- أن يأخذها من عليّ، وقال: أنا أحق بها، ابنة أخي! فقال جعفر بن أبي طالب: الخالة والدة، وأنا أحق بها لمكان خالتها عندي، أسماء بنت عميس [ (1) ] . فقال عليّ رضوان اللَّه عليه: ألا أراكم في ابنة عمي، وأنا أخرجتها [ (2) ] من بين أظهر المشركين، وليس لكم إليها نسب دوني، وأنا أحق بها منكم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحكم بينكم: أما أنت يا زيد فمولى اللَّه ورسوله، وأما أنت يا عليّ فأخي وصاحبي، وأما أنت يا جعفر فتشبه خلقي وخلقي، وأنت يا جعفر أولى بها، تحتك [ (3) ] خالتها، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا عمتها. فقضى بها لجعفر، فقام جعفر فحجل حول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما هذا يا جعفر؟ قال: يا رسول اللَّه، كان النجاشيّ إذا أرضى أحدا قام فحجل حوله. فقال علي رضي اللَّه عنه: تزوجها يا رسول اللَّه! قال: هي ابنة أخي من
طلب قريش خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة
الرضاعة. طلب قريش خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة ولما كان عند الظهر يوم الرابع، أتى سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- في مجلس الأنصار، وهو يتحدث مع سعد بن عبادة- فقال: قد انقضى أجلك، فاخرج عنا. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] : وما عليكم لو تركتموني فأعرست [ (2) ] بين أظهركم، وصنعت طعاما؟ فقالا: لا حاجة لنا في طعامك، اخرج عنا، ننشدك [ (3) ] اللَّه والعهد الّذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا! فهذه الثلاث قد مضت! فغضب سعد بن عبادة وقال لسهيل [بن عمرو] [ (4) ] كذبت لا أم لك! ليست بأرضك ولا أرض أبيك، واللَّه لا يبرح منها إلا طائعا راضيا! فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: يا سعد، لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا. فأسكت الرجلان [ (4) ] عن سعد. وروي أنهم بعثوا عليا إلى النبي عليه السلام ليخرج عن بلدهم. الرحيل والبناء بميمونة وأمر عليه السلام أبا رافع بالرحيل، وقال: لا يمسينّ بها أحد من المسلمين. وركب حتى نزل سرف، وخلّف أبا رافع ليحمل إليه ميمونة حين يمسى، فخرج بها مساء، ولقي عنتا [ (5) ] من سفهاء المشركين. فبنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على ميمونة بسرف. منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم ينزل بمكة بيتا، وإنما ضربت له قبة من أدم بالأبطح، وكان هناك حتى سار منها. وبعث بمائتي رجل ممن طافوا بالبيت إلى بطن يأجج [ (6) ] ، فأقاموا عند السلاح حتى أتى الآخرون فقضوا نسكهم، وقدم المدينة في ذي الحجة.
سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم
سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم وكانت سرية ابن أبي العوجاء السّلمي إلى بني سليم، في ذي الحجة سنة سبع. بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خمسين رجلا إلى بني سليم، وقد أنذروا به فجمعوا [ (1) ] له، فقاتلوا حتى قتل عامة أصحاب ابن أبي العوجاء، وأثخنوه بالجراح، ثم تحامل إلى المدينة فقدمها أول يوم من صفر. إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن أبي طلحة وفي صفر سنة ثمان، خرج عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ القرشي السهمي من مكة- بعد مرجعه من الحبشة- يريد المدينة، فهاجر، فوجد في طريقه خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر [ (2) ] بن مخزوم القرشي المخزوميّ، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة عبد اللَّه بن عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدريّ، وقد قصدا قصده، فقدموا المدينة، ودخلوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فبايعه خالد أولا، ثم بايعه عثمان، ثم عمرو على الإسلام، فقال عليه السلام: إن الإسلام يجب [ (3) ] ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها. سرية غالب بن عبد اللَّه إلى الكديد وفي صفر هذا كانت سرية غالب بن عبد اللَّه بن [مسعر بن جعفر بن] [ (4) ] كلب بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكير [ (5) ] بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان الكنانيّ ثم الليثي- إلى الكديد لغير على بني الملوح من بني ليث، في ربيع الأول منها. فخرج في بضعة عشر رجلا حتى [إذا] [ (6) ] كان بقديد لقي الحارث بن مالك بن قيس بن عوذ [ (7) ] بن جابر بن عبد مناف بن شجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة
سرية كعب بن عمير إلى ذات أطلاح
ابن كنانة، [وكان يقال لمالك بن قيس: ابن البرصاء] فأخذه فشده وثاقا، [البرصاء هي أم قيس بن عوذ [ (1) ] ، واسمها: ريطة بنت ربيعة بن رباح بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر] ، وخلف عليه سويد بن صخر. وأتى الكديد عند غروب الشمس، فكمن في ناحية الوادي، وبعث جندب بن مكيث الجهنيّ ربيئة، فأتى تلا مشرفا على الحاضر [ (2) ] فعلاه وانبطح، فخرج رجل من خباء فقال [لامرأته] [ (3) ] : إني أرى على هذا التل سوادا ما رأيته عليه [أول يومي هذا] [ (3) ] . ورماه بسهم ثم آخر، فما أخطأه، وثبت مكانه، فقال: لو كان زائلة [ (4) ] لقد تحرك بعد! لقد خالطه سهماي!! ثم دخل خباءه. وراحت ماشية الحي من إبلهم وأغنامهم، فحلبوا وعطنوا، حتى إذا اطمأنوا شن المسلمون عليهم الغارة، فقتلوا المقاتلة، وسبوا/ الذرية، واستاقوا النعم والشاء. وكان شعارهم: أمت أمت. ثم انحدروا بها نحو المدينة، واحتملوا ابن البرصاء معهم، فجاء القوم بما لا قبل لهم به، وبينهم وبين الوادي، فجاء اللَّه بالسيل حتى ملأ جنبتيه [ (5) ] ، ولم يستطع أحد أن يجوزه، فوقف المشركون ينظرون إليهم، حتى فاتوهم ولا يقدرون على طلبهم، إلى أن قدموا المدينة. فبعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مائتي رجل إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد، وذلك في صفر سنة ثمان كما تقدم. سرية كعب بن عمير إلى ذات أطلاح ثم كانت سرية كعب بن عمير الغفاريّ إلى ذات أطلاح من أرض الشأم، وراء وادي القرى، في خمسة عشر رجلا، فقاتلهم حتى قتلوا، وأفلت منهم رجل جريح، فتحامل حتى أتى المدينة فشقّ ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. سرية شجاع بن وهب إلى السيّ وكانت سرية شجاع بن وهب [الأسدي] [ (6) ] إلى السّيّ- وهو ماء من
سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة
ذات عرق إلى وجرة، على ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة، وخمس من المدينة- يريد بني عامر بناحية ركبة في ربيع الأول أيضا، على أربعة وعشرين رجلا. فخرج حتى أغار على القوم وهم غارّون فأصابوا نعما وشاء، وقدموا المدينة. وكانت سهمانهم خمسة عشر بعيرا كلّ رجل، وعدلوا البعير بعشرة من الغنم. وغابوا خمس عشرة ليلة، وقدموا بسبايا، فيهن جارية وضيئة. فقدم وفدهم مسلمين، فردوهنّ إليهم، واختارت الجارية الوضيئة شجاع بن وهب، وكان قد أخذها بثمن، فأقامت عنده حتى قتل باليمامة. سرية قطبة بن عامر إلى خثعم بتبالة ثم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلا إلى حيّ ابن خثعم بناحية تبالة. فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها، فوجد رجلا فسأله فلم يجبه عن القوم، وجعل يصيح بالحاضر، فضرب عنقه، وشنّ الغارة ليلا فقاتله القوم قتالا شديدا حتى أتى قطبة عليهم، وساق النّعم والشاء والنساء حتى قدم المدينة. فكانت سهامهم أربعة أبعرة لكل رجل أو عدلها: عشرة من الغنم عن كل بعير. غزوة مؤتة ثم كانت غزوة مؤتة من عمل البلقاء بالشأم دون دمشق، [وهي بضم أوله، وإسكان ثانيه، بعده تاء معجمة باثنتين من فوقها] ، كانت في جمادى الأولى. سببها وسبب ذلك أن الحارث بن عمير الأزديّ لما نزل مؤتة بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى صاحب بصرى، أخذه شرحبيل بن عمرو الغسّاني وضرب عنقه. فاشتد ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وندب الناس فأسرعوا، وعسكروا بالجرف، ولم يبن لهم الأمر [ (1) ] .
الأمراء يوم مؤتة
الأمراء يوم مؤتة فلما صلى الظهر جلس في أصحابه وقال: زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر فعبد اللَّه بن رواحة، فإن أصيب عبد اللَّه بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فيجعلوه [ (1) ] عليهم. وعقد لواء أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة، فودّع الناس الأمراء، وخرج معهم إلى مؤتة ثلاثة آلاف. وجعل المسلمون ينادون: دفع اللَّه عنكم وردكم صالحين غانمين. وداع جيش مؤتة ووصية الأمراء وشيّعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ثنية الوداع، ثم وقف وهم حوله، وقال: أوصيكم بتقوى اللَّه، وبمن معكم من المسلمين خيرا. اغزوا بسم اللَّه في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث، فأيتهن ما أجابوك إليها، فاقبل منهم واكفف عنهم: ادعهم إلى الدخول في الإسلام، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، فإن فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، وإن دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم اللَّه، ولا يكون لهم في الفيء، ولا في الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم، فإن أبوا فاستعن باللَّه وقاتلهم. وإن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك أن تستنزلهم على حكم اللَّه فلا تستنزلهم على حكم اللَّه، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم اللَّه فيهم أم لا؟ وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك على أن تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة رسوله، فلا تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة رسوله، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أبيك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا [ (2) ] ذمتكم وذمة آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة اللَّه وذمة رسوله. وستجدون رجالا في الصوامع معتزلين للناس، فلا تتعرضوا لهم، وستجدون
من خبر عبد الله بن رواحة
آخرين في رءوسهم مفاحص [ (1) ] فافتعلوها بالسيوف. لا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا [ (2) ] ولا كبيرا فانيا، ولا تغرقن نخلا، ولا تقلعن شجرا، ولا تهدموا بيتا. من خبر عبد اللَّه بن رواحة وقال عبد اللَّه بن رواحة: يا رسول اللَّه! مرني بشيء أحفظه عنك. قال: إنك قادم غدا بلدا، السجود فيه قليل فأكثر السجود. قال: زدني يا رسول اللَّه. قال: اذكر للَّه، فإنه عون لك على ما تطلب [ (3) ] . فقام من عنده، حتى إذا مضى ذاهبا رجع. فقال: يا رسول اللَّه، إن اللَّه وتر يحبّ الوتر! فقال: يا ابن رواحة، ما عجزت فلا تعجزنّ إن أسأت عشرا أن تحسن واحدة. فقال: لا أسألك عن شيء بعدها. بلوغ المسلمين إلى مصرع الحارث بن عمير ومضى المسلمون، وقد أمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينتهوا إلى مقتل الحارث ابن عمير، وسمع العدو بمسيرهم، فجمعوا لهم. فقام فيهم رجل من الأزد يقال له: شرحبيل [بن عمرو الغساني] [ (4) ] ، وقدّم [ (5) ] الطلائع أمامه، وبعث أخاه سدوس بن عمرو في خمسين فلقوا المسلمين في وادي القرى فقاتلوه وقتلوه. ونزلوا معان [من أرض الشأم] [ (6) ] ، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من البلقاء، في مائة ألف من الرّوم ومعه بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام مائة ألف، عليهم رجل من بليّ، يقال له: مالك. أول القتال يوم مؤتة، وخوف المسلمين ثم إقدامهم فأقاموا ليلتين، وأرادوا أن يكتبوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالخبر ليردهم أو يزيدهم رجالا، فشجعهم عبد اللَّه بن رواحة وقال: واللَّه ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد، ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول، إلا بهذا الدين الّذي أكرمنا اللَّه به! انطلقوا،
مقتل زيد بن حارثة
واللَّه لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا فرسان، ويوم أحد فرس واحد! فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور عليهم، فذلك ما وعدنا اللَّه ووعد نبيّنا، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة، فلنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان! فشجع الناس ومضوا إلى مؤتة. فرأوا المشركين ومعهم ما لا قبل لهم به من العدد والسلاح والكراع، والديباج والحرير والذهب. قال أبو هريرة: وقد شهدت ذلك فبرق بصري [ (1) ] فقال لي ثابت بن أقرم [ (2) ] : يا أبا هريرة! مالك، كأنك ترى جموعا كثيرة! قلت: نعم! قال: لم تشهدنا ببدر! إنا لم ننصر بالكثرة. مقتل زيد بن حارثة وقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم: فأخذ اللواء زيد بن حارثة، فقاتل وقاتل الناس معه، والمسلمون على صفوفهم، وعلى الميمنة قطبة بن قتادة السّدوسيّ وعلى الميسرة عباية [ (3) ] بن مالك، فقتل زيد طعنا بالرماح. مقتل جعفر بن أبي طالب ثم أخذه جعفر فنزل على فرسه فعرقبها، ثم قاتل حتى قتل، ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوقع أحد نصفيه في كرم، فوجد في نصفه بضع وثلاثون جرحا. وقيل: وجد- مما قبل يديه [ (4) ] فيما بين منكبيه- اثنتان وسبعون [ (5) ] ضربة بسيف أو طعنة برمح، ووجد به طعنة قد أنفذته. مقتل عبد اللَّه بن رواحة ثم أخذ اللواء بعده عبد اللَّه بن رواحة، فقاتل حتى قتل. سقوط لواء المسلمين وسقط اللواء، فاختلط المسلمون والمشركون، وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة، وقتلوا، واتّبعهم المشركون. فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم، يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا! فما يثوب [ (6) ] إليه أحد. ثم تراجعوا، فأخذ اللواء
أخذ اللواء لخالد بن الوليد
ثابت بن أقرم، وصاح يا للأنصار!! فأتاه الناس من كل وجه وهم قليل، وهو يقول: إليّ أيها الناس. أخذ اللواء لخالد بن الوليد فلما نظر إلى خالد بن الوليد قال: خذ اللواء يا أبا سليمان! فقال: لا آخذه، أنت أحق به، أنت رجل لك سنّ [ (1) ] ، وقد شهدت بدرا. قال ثابت: خذه أيها الرجل! فو اللَّه ما أخذته إلا لك! فأخذه خالد فحمله ساعة، وجعل المشركون يحملون عليه، فثبت حتى تكركر [ (2) ] المشركون، وحمل بأصحابه ففض جمعا من جمعهم، ثم دهمه منهم بشر كثير [ (3) ] ، فانخاش [ (4) ] بالمسلمين فانكشفوا راجعين. وقد قيل: إن ابن رواحة قتل مساء، فبات خالد فلما أصبح غدا، وقد جعل مقدّمته ساقة وساقته مقدّمة، وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة، [فأنكر المشركون] [ (5) ] ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم، فقالوا: قد جاءهم مدد! ورعبوا، فانكشفوا منهزمين، فقتلوا منهم مقتلة لم يقتلها قوم. والأول أثبت: أن خالدا انهزم بالناس فعيّروا بالفرار، وتشاءم الناس به [ (6) ] . مرجع المسلمين إلى المدينة فلما سمع أهل المدينة بقدومهم تلقوهم، وجعلوا يحثون في وجوههم التراب، ويقولون: يا فرّار!! أفررتم في سبيل اللَّه؟ فيقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليسوا بفرار، ولكنهم كرّار إن شاء اللَّه. خبر المنهزمين وما لقوا من الناس فانصرفوا إلى بيوتهم فلزموها، فإنّهم كانوا إذا خرجوا صاحوا بهم: يا فرّار! أفررتم في سبيل اللَّه؟ وكان الرجل يدق عليهم فيأبون يفتحون له لئلا يقول [ (7) ] : ألا تقدمت مع أصحابك فقتلت؟ حتى جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرسل إليهم رجلا
إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل القتال يوم مؤتة
رجلا، يقول: أنتم الكرّار في سبيل اللَّه! وكان بين أبي هريرة وابن عم له كلام، إلا فراركم يوم مؤتة! فما دري ما يقول له. إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أهل القتال يوم مؤتة وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما التقى الناس بمؤتة- جلس على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشأم، فهو ينظر إلى معتركهم فقال:. زيد بن حارثة أخذ الراية زيد بن حارثة، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكرّه إليه الموت فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين، تحبّب إليّ الدنيا! فمضى قدما حتى استشهد: فصلى عليه وقال: استغفروا له! وقد دخل الجنة وهو يسعى. جعفر بن أبي طالب ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة وكره إليه الموت، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا! ثم مضى قدما حتى استشهد [ (1) ] . فصلى عليه ودعا له. ثم قال: استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة، فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة. عبد اللَّه بن رواحة ثم أخذ الراية بعده عبد اللَّه بن رواحة فاستشهد، ثم دخل الجنة معترضا. فشقّ ذلك على الأنصار، فقال: أصابته الجراح. قيل: يا رسول اللَّه ما إعراضه؟ قال: لما أصابته الجراح نكل [ (2) ] ، فعاتب نفسه فشجع، فاستشهد فدخل الجنة، فسرّي عن قومه. سلمة بن الأكوع وقال يومئذ: خير الفرسان أبو قتادة، وخير الرّجال [ (3) ] سلمة بن الأكوع.
دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل جعفر بن أبي طالب
ولما أخذ خالد الراية قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: الآن حمي الوطيس [ (1) ] . دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهل جعفر بن أبي طالب ودخل صلّى اللَّه عليه وسلّم على أسماء بنت عميس [ (2) ] امرأة جعفر بن أبي طالب فقال: يا أسماء أين بنو جعفر؟ فجاءت بهم إليه، فضمهم إليه وشمهم، ثم ذرفت عيناه فبكى، فقالت: أي رسول اللَّه لعلّه بلغك عن جعفر شيء؟ فقال: نعم، قتل اليوم! فقامت تصيح، واجتمع إليها النساء فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا أسماء لا تقولي هجرا [ (3) ] ، ولا تضربي صدرا. وخرج حتى دخل على ابنته فاطمة عليها السلام وهو يقول: وا عماه! وقال [ (4) ] . على مثل جعفر فلتبك [ (5) ] الباكية! ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم. وقد روي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نعى لأسماء جعفرا، مسح على رأس عبد اللَّه بن جعفر، وعيناه تهراقان الدموع حتى لحيته تقطر [ (6) ] ، ثم قال: اللَّهمّ إن جعفرا قد قدّم إليّ أحسن الثواب، فاخلفه [ (7) ] في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته! ثم قال: يا أسماء، ألا أبشّرك؟ قالت: بأبي أنت وأمي! قال: فإن اللَّه جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة! قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! فأعلم الناس ذلك. خطبته في أمر جعفر فقام، وأخذ بيد عبد اللَّه بن جعفر، يمسح بيديه رأس عبد اللَّه حتى رقي المنبر، وأجلس عبد اللَّه أمامه على الدرجة السفلى، والحزن يعرف عليه، فتكلم وقال: إن المرء كثير بأخيه وابن عمه. ألا إن جعفرا قد استشهد، وقد جعل اللَّه له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل، ودخل بيته وأمر بطعام يصنع لآل جعفر، وأرسل إلى أخي عبد اللَّه بن جعفر فتغديا عنده: شعيرا طحنته سلمى خادمه، ثم نسفته [ (8) ] ، ثم أنضجته. وأدمته بزيت، وجعلت عليه فلفلا. وأقاما ثلاثة أيام في
غنائم مؤتة
بيته، يدوران معه في بيوت نسائه. غنائم مؤتة وغنم المسلمون بعض أمتعة بمؤتة، وجاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخاتم، فقال: قتلت صاحبه يومئذ، فنفّله إياه. وقتل خزيمة بن ثابت يومئذ رجلا، وعليه بيضة فيها ياقوتة، فأخذها وأتى بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنفّله إياها، فباعها بمائة دينار. واستشهد بمؤتة ثمانية نفر. غزوة ذات السلاسل ثم كانت غزوة ذات السلاسل. [ويقال السّلسل] [ (1) ] ، وهو ماء وراء وادي القرى من المدينة، [بينه وبين المدينة] [ (1) ] عشرة أيام. وسببها أن جمعا من بليّ وقضاعة تجمعوا ليدنوا من أطراف المدينة، فعقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمرو بن العاص لواء أبيض، وجعل معه راية سوداء، وبعثه في جمادى الآخرة سنة ثمان على ثلاثمائة من سراة [ (2) ] المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن مر به من بلاد بلي وعذرة وبلقين. وذلك أن عمروا كان ذا رحم فيهم: كانت أم العاص بن وائل بلوية، فأراد عليه السلام يتألفهم بعمرو. فسار يكمن النهار ويسير الليل- وكان معه ثلاثون فرسا- حتى دنا منهم. فنزل على ماء بأرض جذام [ (3) ] يقال له السلاسل. وكان شتاء، فجمع أصحابه ليصطلوا فمنعهم، فشق ذلك عليهم، حتى كلمه بعض المهاجرين بغلظة، فقال عمرو: قد أمرت أن تسمع لي وتطيع! قال: أفعل. المدد واختلاف عمرو وأبي عبيدة على الإمارة وبعث رافع بن مكيث الجهنيّ يخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن للقوم جمعا كثيرا ويستمده، فبعث أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء. وبعث معه سراة المهاجرين كأبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، وعدة من الأنصار. فسار في مائتين، وأمره أن يكونا جميعا ولا يختلفا، فلما لحق بعمرو، وأراد أن يؤم الناس ويتقدم عمرا، فقال له عمرو: إنما قدمت مددا لي، وليس لك أن تؤمني، وأنا الأمير! فقال
خبر صاحب الجزور
المهاجرون: كلا! بل أنت أمير أصحابك، وهو أمير أصحابه. فقال: لا! أنتم مدد لنا. فقال أبو عبيدة- وكان حسن الخلق- انظرن يا عمرو! تعلمنّ أن آخر ما عهد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن قال: إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا، وإنك واللَّه إن عصيتني لأطيعنك! فكان عمرو يصلي بالناس. وسار- وقد صار في خمسمائة- حتى وطئ بلاد بلي ودوّخها، وكلما انتهى إلى موضع، بلغه أنه قد كان به جمع فلما سمعوا به تفرقوا. حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلى وعذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعا، فقاتلهم ساعة وهزمهم. وأقام أياما يبث سراياه، فيؤتى بالشاء والنّعم فينحرون ويذبحون، ولم يكن في ذلك أكثر من هذا، ولم تكن غنائم تقسم. خبر صاحب الجزور وخرج عوف بن مالك الأشجعي يوما في العسكر، فمر بقوم [ (1) ] قد عجزوا عن نحر جزورهم وعملها، فقال: أتعطوني عليها وأقسمها بينكم؟ فجعلوا له شعيرا منها، فنحرها، وجزأها بينهم، وأخذ جزءه وأتى به إلى أصحابه، فطبخوه وأكلوه، فلما فرغوا، قال أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما. من أين لك هذا اللحم؟ فأخبرهما، فقالا: واللَّه ما أحسنت حين أطعمتنا هذا! ثم قاما يتقيئان، وفعل ذلك الجيش. وقال أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما لعوف: تعجلت أخرى! ثم أتى أبا عبيدة رضي اللَّه عنه فقال له مثل ذلك. صلاة عمرو بالناس بغير غسل واحتلم عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه في ليلة باردة كأشد ما يكون من البرد فقال لأصحابه: ما ترون؟ قد واللَّه احتلمت، وإن اغتسلت مت! فدعا بماء فتوضأ وغسل فرجه وتيمّم، ثم قام فصلى بهم. وبعث عوف بن مالك بريدا [ (2) ] ، فقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم عليه، فقال: عوف بن مالك؟ قال: عوف بن مالك يا رسول اللَّه! قال: صاحب الجزور! قال: نعم! قال: أخبرني! فأخبره بمسيرهم، وما كان بين أبي عبيدة وبين عمرو، ومطاوعة أبي عبيدة! ثم أخبره أن
سرية الخبط
عمرا صلى وهو جنب ومعه الماء، لم يزد على أن غسل وجهه بماء وتيمم، فلما قدم عمرو وسأله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن صلاته قال: والّذي بعثك بالحق لو اغتسلت لمت، ولم أجد قط برد مثله، وقد قال اللَّه: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً [ (1) ] ، فضحك صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يقل شيئا. سرية الخبط ثم كانت سرية الخبط [ (2) ] أميرها أبو عبيدة بن الجراح، [وقيل: عبد اللَّه بن عامر بن الجراح] [ (3) ] ، والصحيح: عامر بن عبد اللَّه بن الجرّاح بن هلال بن أهيب ابن ضبّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشيّ الفهريّ. بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- في رجب على ثلاثمائة إلى حي من جهينة، بالقبليّة مما يلي ساحل البحر، على خمس ليال من المدينة. فأصابهم جوع شديد، جمعوا زادهم حتى إن كانوا ليقتسمون [ (4) ] التّمرة، ولم يكن معهم حمولة [ (5) ] ، إنما كانوا على أقدامهم، وأباعر يحملون عليها زادهم، فأكلوا الخبط، حتى ما كادوا [ (6) ] أن تكون بهم حركة إليه، فابتاع قيس بن سعد بن عبادة خمس جزائر، كل جزور بوسقين من تمر: يقوم بها إذا رجع، ونحرها- كلّ يوم جزورا- للقوم، مدّة ثلاثة أيام، حتى وجدوا حوتا يقال له العنبر قد ألقاه البحر، فأكلوا منه اثنتي عشرة ليلة، ثم أمر أبو عبيدة بضلع من أضلاعه فنصبت، ومرّ تحتها راحلة برحلها فلم تصبها، وكان يجلس في مأق [ (7) ] عين الحوت الجماعة من الناس. سرية أبي قتادة إلى الخضرة ثم كان سرية أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاري إلى خضرة، وهي أرض محارب
سرية أبي قتادة إلى بطن إضم
بنجد [ (1) ] ، أميرها أبو قتادة الأنصاريّ، [بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] في شعبان منها- في خمسة عشر رجلا إلى غطفان نحو نجد. فساروا ليلا وكمنوا نهارا، حتى أتوا ناحيتهم، فهجموا على حاضر منهم [ (3) ] عظيم، وجرّدوا سيوفهم وكبروا، فقتلوا رجالا، واستاقوا النّعم وحملوا النساء، حتى قدموا بمائتي بعير، وألف شاة وسبي كثير، فعزلوا من ذلك الخمس. وقد غابوا خمس عشرة ليلة، وكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا، أو عدلها عن البعير عشرة من الغنم. سرية أبي قتادة إلى بطن إضم ثم كانت سرية أبي قتادة بن ربعيّ الأنصاري إلى بطن إضم- وهي فيما بين خشب وذي المروة، على ثلاثة برد من المدينة- في رمضان، على ثمانية أنفس. وذلك حين همّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغزوة الفتح، ليظنّ ظان أنه عليه السلام توجه إلى تلك الناحية، ولأن تذهب بذلك الأخبار. قتل المسلم فلقيهم عامر بن الأضبط الأشجعيّ، فسلّم عليهم بتحية الإسلام، فبدر إليه محلّم بن جثّامة الليثي فقتله، وأخذ بعيره وسلبه، ثم لحقوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد علموا مسيره فأدركوه بالسّقيا ولم يلقوا جمعا. ما نزل فيه من القرآن وفيهم نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ، كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا، إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً [ (4) ] .
الاختلاف في سبب نزول الآية
الاختلاف في سبب نزول الآية وقال ابن عبد البرّ، والاختلاف في المراد بهذه الآية كثير مضطرب جدا، قيل: نزلت في المقداد، وقيل: نزلت في أسامة بن زيد، وقيل: في محلّم بن جثامة. وقال ابن عباس: نزلت في سريّة، ولم يسمّ أحدا. وقيل: نزلت في غالب الليثي من بني ليث، يقال له: فليت، كان على السّريّة، وقيل: نزلت في أبي الدّرداء. وهذا اضطراب شديد جدا [ (1) ] . غزوة الفتح وسببها ثم كانت غزوة الفتح. وسببها أن أنس بن زنيم الدّيليّ هجا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسمعه غلام من خزاعة فضربه فشجّه، فثار الشّرّ بين بني بكر [حلف قريش] ، وبين خزاعة [حلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] . فلما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبيّة-[وقال ابن إسحاق: فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة عشر أو الثمانية عشر شهرا]- كلمت بنو نفاثة من بني الدّيل أشراف قريش أن يعينوها بالرجال والسلاح على خزاعة، فأمدوهم بذلك. وخرج إليهم صفوان بن أمية ومكرز بن حفص بن الأخيف [ (2) ] ، وحويطب بن عبد العزّى، وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو، وأجلبوا معهم أرقّاءهم فبيّتوا- مع بني بكر ورأسهم نوفل بن معاوية الدّؤليّ- خزاعة ليلا وهم آمنون [ (3) ] ، فقتلوا منهم ثلاثة وعشرين رجلا، وذلك على ماء يقال له الوتير قريب من مكة، وعامتهم نساء وصبيان وضعفة الرّجال، حتى أدخلوهم دار بديل بن ورقاء، وقيل: حتى انتهوا بهم إلى أنصاب الحرم [ (4) ] . ندم قريش على نقض العهد وندمت قريش، وعرفوا أن هذا الّذي صنعوا نقض [ (5) ] للمدة والعهد الّذي بينهم وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وجاء الحارث بن هشام وجماعة إلى صفوان بن أمية
قدوم أبي سفيان إلى المدينة
ومن كان معه فلاموهم، وقالوا لأبي سفيان بن حرب: هذا أمر لا بد له من أن يصلح، فاتفقوا على مسيره إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليزيد في الهدنة، ويجدّد العهد، فخرج لذلك وقد سار عمرو بن سالم بن حصيرة بن سالم الخزاعيّ في أربعين راكبا من خزاعة، حتى دخل المسجد ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس في أصحابه، فقام ينشد شعرا، وأخبره الخبر واستصرخه، فقام صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يجرّ ثوبه ويقول: لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي!. قدوم أبي سفيان إلى المدينة وقدم أبو سفيان فقال: يا محمد! إني كنت غائبا في صلح الحديبيّة، فاشدد العهد وزدنا في المدّة. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولذلك قدمت يا أبا سفيان؟ قال: نعم! قال: هل كان قبلكم حدث؟ قال: معاذ اللَّه! قال: فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبيّة، لا نغيّر ولا نبدّل. خبر أبي سفيان في دار أم المؤمنين ابنته ثم قام أبو سفيان فدخل على ابنته أم حبيبة [ (1) ] رضي اللَّه عنها، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طوته دونه وقالت: أنت امرؤ نجس مشرك!! فقال: يا بنية! لقد أصابك بعدي شرّ! قالت: هداني اللَّه للإسلام، وأنت يا أبت سيّد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك دخولك للإسلام؟ وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر. قال: يا عجباه!! وهذا منك أيضا! أأترك ما كان يعبد آبائي، وأتبع دين محمد!؟. مناشدة أبي سفيان لكبار أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم خرج فلقي أبا بكر رضي اللَّه عنه فكلمه، وقال: نكلّم محمدا، أو تجير [ (2) ] أنت بين الناس! فقال: جواري في جوار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم لقي عمر رضي اللَّه عنه، فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر فقال [عمر] [ (3) ] : واللَّه لو وجدت الذّرّ [ (4) ]
مناشدته عليا ومشورة علي
تقاتلكم لأعنتها عليكم! فقال [أبو سفيان] [ (1) ] : جزيت من ذي رحم شرا، ثم دخل على عثمان رضي اللَّه عنه فقال: إنه ليس في القوم أحد أقرب بي رحما منك! فزد في الهدنة وجدّد العهد، فإن صاحبك لن يردّه عليك أبدا! قال: جواري من جوار رسول اللَّه! فدخل على فاطمة وكلمها في أن تجير بين الناس، فقالت: إنما أنا امرأة! قال: مري أحد ابنيك يجير بين الناس! قالت: إنما هما صبيّان! وليس مثلهما يجير. مناشدته عليا ومشورة علي فأتى علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه فقال: يا أبا الحسن! أجر بين الناس أو تكلم محمدا يزيد في المدة! فقال: ويحك يا أبا سفيان! إن رسول اللَّه قد عزم أن لا يفعل، وليس أحد يستطيع أن يكلمه في شيء يكرهه. قال: فما الرأي؟ يسّرني [ (2) ] لأمري، فإنه قد ضاق عليّ، فمرني بأمر ترى أنه نافعي. قال: واللَّه ما أجد لك شيئا أمثل من أن تقوم فتجير بين الناس، فإنك سيّد كنانة. قال: ترى ذلك مغنيا عنّي شيئا؟ قال: لا أظن ذلك واللَّه، ولكني لا أجد لك غيره. فقام أبو سفيان بين ظهري الناس فصاح: ألا إني قد أجرت بين الناس، ولا أظنّ محمدا يخفرني! ثم دخل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد! ما أظنّ أن تردّ جواري! فقال: أنت تقول ذلك يا أبا سفيان!! ثم جاء [أبو سفيان] [ (3) ] لسعد بن عبادة فقال: يا أبا ثابت! قد عرفت الّذي كان بيني وبينك! وأني كنت لك في قومنا جارا، وكنت لي بيثرب مثل ذلك، وأنت سيد هذه البحرة [ (4) ] ، فأجر بين الناس وزد في المدة. فقال: يا أبا سفيان! جواري في جوار رسول اللَّه! ما يجير أحد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: خرج أبو سفيان على أنه قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنت تقول ذلك يا أبا سفيان!! ويقال: لما صاح لم يقرب النبيّ عليه السلام وركب راحلته وانطلق إلى مكة.
مرجع أبي سفيان إلى مكة وما قيل له
مرجع أبي سفيان إلى مكة وما قيل له وكانت قد طالت غيبته، واتّهمته قريش أنه قد أسلم. فلما دخل على هند ليلا قالت: لقد حبست حتى اتهمك قومك! فإن كنت مع طول الإقامة جئتهم بنجح، فأنت الرّجل! ثم دنا منها فجلس منها مجلس الرجل من امرأته، فجعلت تقول: ما صنعت؟ فأخبرها الخبر وقال: لم أجد إلّا ما قال لي علي! فضربت برجليها في صدره، وقالت: قبّحت من رسول قوم! وأصبح فحلق رأسه عند إساف ونائلة [ (1) ] ، وذبح لهما ومسح بالدم رءوسهما، وقال: لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي. وقالت له قريش: ما وراءك؟ هل جئتنا بكتاب من محمد، أو زيادة في مدّة أمانا من أن يغزونا؟ فقال: واللَّه لقد أبى عليّ، ولقد كلمت أصحابه عليه فما قدرت على شيء منهم، إلا أنهم يرموني بكلمة واحدة. إلّا أن عليا قد قال- لما ضاقت بي الأمور-: أنت سيد كنانة، فأجر بين الناس!! فناديت بالجوار، ثم دخلت على محمد فقلت: إني قد أجرت الناس، وما أظنّ أن تردّ جواري! فقال: أنت تقول ذلك يا أبا سفيان!! لم يزدني على ذلك. قالوا: ما زاد على أن تلعّب بك تلعّبا!! قال: واللَّه ما وجدت غير ذلك. جهاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للفتح ولمّا ولّى أبو سفيان راجعا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة رضي اللَّه عنها: جهّزينا وأخفي أمرك. وقال عليه السلام: اللَّهمّ خذ من قريش الأخبار والعيون حتى نأتيهم [ (2) ] بغتة، [وفي رواية: اللَّهمّ خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتة، ولا يسمعون بي إلا فجأة] . وأخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنقاب [ (3) ] ، وكان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يطوف عليها ويقول: لا تدعوا أحدا يمرّ بكم تنكرونه إلا رددتموه. وكانت الأنقاب مسلمة، إلا من سلك إلى مكة فإنه يتحفّظ به ويساءل عنه.
خبر أبي بكر
خبر أبي بكر ودخل أبو بكر رضي اللَّه عنه على عائشة رضي اللَّه عنها وهي تجهّز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، تعمل قمحا سويقا ودقيقا، فقال: يا عائشة، أهمّ رسول اللَّه يغزو؟ قالت: ما أدري! قال: إن كان همّ بسفر فآذنينا [ (1) ] نتهيأ له. قالت: ما أدري! لعله يريد بني سليم، لعله يريد ثقيفا! لعله يريد هوازن! فاستعجمت عليه [ (2) ] حتى دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: يا رسول اللَّه، أردت سفرا؟ قال: نعم. قال: أفأتجهّز؟ قال: نعم، قال: فأين تريد يا رسول اللَّه؟ قال: قريشا، وأخف ذلك يا أبا بكر! وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس بالجهاز، وطوى عنهم [ (3) ] الوجه الّذي يريد، وقال أبو بكر: يا رسول اللَّه! أو ليس بيننا وبينهم مدة؟ قال: إنهم غدروا ونقضوا العهد، فأنا غازيهم، واطو ما ذكرت لك! فظان يظن أنه يريد الشأم، وظان يظن ثقيفا، وظان يظنّ هوازن. خبر حاطب بن أبي بلتعة ورسالته إلى قريش فلما أجمع صلّى اللَّه عليه وسلّم المسير إلى قريش وعلم بذلك الناس، كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش، يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمرهم. وكان كتابه إلى ثلاثة نفر: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، فيقول فيه: «إن رسول اللَّه قد أذّن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد بكتابي إليكم» . وأعطى الكتاب إلى امرأة من مزينة من أهل العرج-[يقال لها كنود، ويقال لها سارة مولاة عمرو بن صيفي بن هاشم ابن عبد مناف]- وجعل لها دينارا [وقيل: عشرة دنانير] ، على أن تبلّغه قريشا، وقال: أخفيه ما استطعت، ولا تمرّي على الطريق فإن عليه حرسا [ (4) ] . فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها، وسلكت على غير نقب، حتى لقيت الطريق بالعقيق. وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث عليا والزّبير رضي
دعوة المسلمين من القبائل
اللَّه عنهما فقال: أدركا امرأة من مزينة، قد كتب معها حاطب كتابا يحذر قريشا. فخرجا، فأدركاها، فاستنزلاها، والتمساه [ (1) ] في رحلها فلم يجدا [ (2) ] شيئا. فقالا لها: إنا نحلف باللَّه ما كذب رسول اللَّه ولا كذبنا، ولتخرجنّ هذا الكتاب! أو لنكشفنّك! فلما رأت منهما الجد قالت: أعرضا عنّي! فأعرضا عنها، فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب. فجاءا به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعا حاطبا فقال: ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول اللَّه! واللَّه إني لمؤمن باللَّه ورسوله، ما غيّرت ولا بدّلت، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم. فقال عمر رضي اللَّه عنه: قاتلك اللَّه! ترى رسول اللَّه يأخذ بالأنقاب، وتكتب إلى قريش تحذرهم!! دعني يا رسول اللَّه أضرب عنقه فإنه قد نافق. فقال: وما يدريك يا عمر؟ لعل اللَّه اطّلع يوم بدر على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم [ (3) ] ، وأنزل اللَّه في حاطب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [ (4) ] . ومضت سارّة إلى مكة، وكانت مغنّية، فأقبلت تتغنى بهجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد ارتدت عن الإسلام. دعوة المسلمين من القبائل فلما أبان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغزو، أرسل إلى أهل البادية وإلى من حوله من
عدة المسلمين
المسلمين يقول: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة. وبعث رسلا في كل ناحية حتى قدموا. فقدمت أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، المدينة، وأتت بنو سليم بقديد، وعسكر ببئر أبي عنبة، وعقد الألوية والرايات. عدة المسلمين وكان المهاجرون سبعمائة، ومعهم ثلاثمائة فرس، وكانت الأنصار أربعة آلاف، ومعهم خمسمائة فرس، وكانت مزينة ألفا، فيها مائة فرس ومائة درع، وكانت أسلم أربعمائة، فيها ثلاثون فرسا، وكانت جهينة ثمانمائة، معها خمسون فرسا، وكانت بنو كعب بن عمرو خمسمائة. ويقال: لم يعقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الألوية والرايات حتى انتهى إلى قديد. الخروج إلى الفتح وخرج يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر. وروى أبو خليفة الفضل بن الحباب من حديث شعبة بن قتادة عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: خرجنا مع رسول اللَّه حين فتح مكة لسبع عشرة أو تسع عشرة بقين من رمضان. الحديث. ورواه سعيد [ (1) ] بن أبي عروبة، عن قتادة بإسناده، فقال فيه: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لثنتي عشرة. وقال هشام عن قتادة فيه بإسناده: لثمان عشرة. وعن عطية بن قيس، عن قزعة [ (2) ] ، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: آذننا [ (3) ] رسول اللَّه بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان. الحديث. مسير المسلمين وخرج المسلمون وقادوا الخيول، وامتطوا الإبل، وكانوا عشرة آلاف رجل، وقال الحاكم: اثنا عشر ألفا. وقدّم صلّى اللَّه عليه وسلّم أمامه الزبير بن العوام رضي اللَّه عنه في
منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج
مائتين، فلما كان بالبيداء قال: إني لأرى [ (1) ] السحاب يستهلّ بنصر بني كعب. ولما خرج من المدينة نادى مناديه: من أحبّ أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر. وصام هو، حتى [إذا] [ (2) ] كان بالعرج صبّ على رأسه ووجهه الماء من العطش، فلما كان بالكديد- بين الظهر والعصر أخذ إناء من ماء في يده حتى رآه المسلمون، ثم أفطر تلك الساعة، ويقال: كان فطره يومئذ بعد العصر. وبلغه أن قوما صاموا، فقال: أولئك العصاة! وقال بمرّ الظهران: إنكم مصبّحو [ (3) ] عدوّكم. والفطر أقوى لكم. منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعرج فلما نزل العرج- والناس لا يدرون أين يتوجه [ (4) ] ! أإلى قريش، أو إلى هوازن، أو إلى ثقيف؟ وأحبّوا أن يعلموا أتى [ (5) ]- كعب بن مالك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد جلس في أصحابه، وهو يتحدث- ليعلم ذلك، فأنشده شعرا، فتبسّم ولم يزد على ذلك. فلما نزل بقديد قيل: هل لك يا رسول اللَّه في بيض النساء وأدم الإبل؟ فقال: إن اللَّه حرّمهم عليّ بصلة الرحم، ووكزهم في لبّات الإبل. [وفي رواية: [إن] [ (6) ] اللَّه حرّمهم عليّ ببر الوالدين ووكزهم في لبّات الإبل.] [ (7) ] . وجاء عيينة بن حصن بالعرج وسار [ (8) ] وكان الأقرع بن حابس قد وافى بالسّقيا في عشرة من قومه. فلما عقد صلّى اللَّه عليه وسلّم الألوية بقديد ندم عيينة ألّا يكون قدم بقومه. خبر الكلبة ونظر عليه السلام بعد مسيره من العرج إلى كلبة تهرّ [ (9) ] على أولادها، وهنّ
الطلائع
حولها يرضعنها، فأمر جعيل بن سراقة يقوم حذاءها، لا يعرض لها أحد من الجيش ولا لأولادها. الطلائع وقدم من العرج جريدة من خيل [ (1) ] طليعة، فأتوا بعين من هوازن، فسأله عنهم فقال: تركتهم ببقعاء قد جمعوا الجموع، وأجلبوا العرب، وبعثوا إلى جرش [ (2) ] في عمل الدبابات [ (3) ] والمنجنيق، وهم سائرون إلى هوازن فيكونوا جميعا. فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (4) ] : وإلى من جعلوا أمرهم؟ قال: إلى مالك بن عوف. قال: وكل هوازن قد أجاب؟ قال: أبطأ من بني عامر كعب وكلاب. وقد مررت بمكة فرأيتهم ساخطين لما جاء به أبو سفيان، وهم خائفون. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ما أراه إلا صدقني! وأمر خالد بن الوليد فحبسه حتى دخل مكة وفتحها فأسلم، ثم خرج مع المسلمين إلى هوازن فقتل بأوطاس. [وأوطاس واد في ديار هوازن، وفيه كانت وقعة حنين] . إسلام أبي سفيان وقدم بالأبواء أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يريد الإسلام، بعد ما عادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرين سنة وهجاه، ولم يتخلف عن قتاله. فلما طلع صلّى اللَّه عليه وسلّم في موكبه، وقف تلقاء وجهه، فأعرض عنه، فتحرك إلى ناحيته، فأعرض عنه مرارا، وأعرض عنه الناس وتجهموا له، فجلس على باب منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلازمة حتى فتح مكة، وهو لا يكلمه ولا أحد من المسلمين. فلما كان يوم هوازن، ثبت فيمن ثبت مع رسول اللَّه، وأخذ العباس رضي اللَّه عنه بلجام بغلته، وأخذ أبو سفيان بالجانب [ (5) ] الآخر، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: من هذا؟ فقال العباس:
العباس بن عبد المطلب ومخرمة بن نوفل
يا رسول اللَّه! أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث [ (1) ] ! فارض عنه، أي رسول اللَّه! قال: قد فعلت، فغفر اللَّه له كلّ عداوة عاداها. فقبّل أبو سفيان رجله في الركاب. فالتفت عليه السلام إليه، فقال: أخي لعمري! ويقال: إنه جاء هو وعبد اللَّه بن أبي أمية- أخو أم سلمة- إلى نيق العقاب [ (2) ] فطردهما، فشفعت فيهما أم سلمة، وأبلغته عنهما ما رقّقه عليهما، فقبلهما. العباس بن عبد المطلب ومخرمة بن نوفل وقدم العباس بن عبد المطلب ومخرمة بن نوفل، بالسقيا. وقيل: بل قدم العبّاس بذي الحليفة- وقيل: بالجحفة- فأسلم، وبعث ثقله [ (3) ] ومضى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأقام معه، ولم يخرج من عنده حتى راح عليه السلام. وكان ينزل معه في كل منزل حتى دخل مكة. رؤيا أبي بكر ورأى أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه- في الليلة التي أصبح فيها بالجحفة- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما دنوا من مكة، خرجت عليهم كلبة تهرّ، فلما دنوا منها استلقت على ظهرها، فإذا أطباؤها تشخب لبنا [ (4) ] . فذكرها أبو بكر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذهب كلبهم [ (5) ] ، وأقبل درّهم [ (6) ] . هم سائلوكم بأرحامكم! وأنتم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه.
منزل المسلمين بقديد
منزل المسلمين بقديد فلما نزل عليه السلام قديدا لقيته سليم- وهم تسعمائة على الخيول جميعا، مع كل رجل رمحه وسلاحه، ويقال: إنهم ألف- فجعلهم مقدمته مع خالد بن الوليد رضي اللَّه عنه واجتمع المسلمون بمرّ الظهران، ولم يبلغ قريشا حرف واحد من مسيرهم، فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين أن يوقدوا النيران، فأوقدوا عشرة آلاف نار، وأمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل ليالي فتح مكة، وفي غزوة بدر. بعثة قريش أبا سفيان يتجسس وبعثت قريش أبا سفيان يتجسس الأخبار، وإن لقي محمدا يأخذ لهم منه جوارا، فإن رأى رقّة من أصحابه آذنه بالحرب، فخرج ومعه حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، فرأوا الأبنية والعسكر والنيران بمرّ الظهران، وسمعوا صهيل الخيل ورغاء الإبل، فأفزعهم ذلك فزعا شديدا وقالوا: هؤلاء بنو كعب جاشتها الحرب [ (1) ] ! فقال بديل: هؤلاء أكثر من بني كعب! قالوا: فتنجّعت [ (2) ] هوازن على أرضنا! واللَّه ما نعرف هذا، إن هذا العسكر مثل حاجّ الناس! وكان على الحرس تلك الليلة عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه. خبر العباس وقدومه بأبي سفيان وصاحبيه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد ركب العباس رضي اللَّه عنه دلدل [ (3) ] ، على أن يصيب رسولا إلى قريش يخبرهم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم داخل عليهم في عشرة آلاف. فسمع صوت أبي سفيان، فقال: أبا حنظلة! فقال: يا لبيك! أبا الفضل؟ قال: نعم! قال: فما وراءك؟ قال: هذا رسول اللَّه في عشرة آلاف من المسلمين، فأسلم، ثكلتك أمك وعشيرتك، وأقبل على حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء فقال: أسلما، فإنّي لكما جار حتى تنتهوا إلى رسول اللَّه، فإنّي أخشى أن تقطعوا دون النبي! قالوا: فنحن معك.
دخولهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويروى أن أبا سفيان وحكيما وبديلا لما طلعوا مر [الظهران] [ (1) ] عشاء، ورأوا النيران والفساطيط والعسكر راعهم ذلك، فبينا هم كذلك لم يشعروا حتى أخذهم نفر- كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثهم عيونا له- بخطم [ (2) ] أبعرتهم، وأتوا بهم العسكر، فلقيهم عند ذلك العباس فأجارهم. دخولهم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأتى بهم العباس ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! أبو سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، قد أجرتهم، وهم يدخلون عليك! فقال: أدخلهم. فدخلوا عليه، فمكثوا عنده عامة الليل ليستخبرهم، ودعاهم إلى الإسلام، فأسلم حكيم وبديل. وقال أبو سفيان: أشهد أنّ لا إله إلا اللَّه. فقال رسول اللَّه: وأني رسول اللَّه. قال: واللَّه يا محمد، إن في النفس من هذا لشيئا بعد، فارجها [ (3) ] . ثم قال للعباس: قد أجرناهم، اذهب بهم إلى منزلك. فذهب بهم. خبر أبي سفيان بعد سماع الأذان فلما أذّن الصبح، أذّن العسكر كلهم، ففزع أبو سفيان من أذانهم وقال: ما يصنعون؟ أمروا فيّ بشيء؟ قال: لا! ولكنهم قاموا إلى الصلاة! قال أبو سفيان: كم يصلون في اليوم والليلة؟ قال: يصلون خمس صلوات. قال: كثير واللَّه! فلما رآهم أبو سفيان يبتدرون وضوء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: ما رأيت يا أبا الفضل ملكا كهذا! لا ملك [ (4) ] كسرى ولا ملك بني الأصفر! فقال العباس: ويحك آمن! قال: أدخلني عليه. فأدخله، فقال: يا محمد! استنصرت إلهي واستنصرت إلهك، فلا واللَّه ما لقيتك من مرّة إلا ظفّرت عليّ، فلو كان إلهي حقا وإلهك مبطلا لقد غلبتك! وشهد أن محمدا رسول اللَّه.
مقالة أبي سفيان وحكيم بن حزام
مقالة أبي سفيان وحكيم بن حزام ثم قال أبو سفيان وحكيم: يا محمد! جئت بأوباش الناس- من نعرف ومن لا نعرف [ (1) ]- إلى عشيرتك وأصلك! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنتم أظلم وأفجر، غدرتم عهد الحديبيّة، وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان في حرم اللَّه وأمنه. فقال أبو سفيان وحكيم بن [ (2) ] حزام: يا رسول اللَّه! لو كنت جعلت حدّك [ (3) ] ومكيدتك بهوازن، فهم أبعد رحما وأشدّ لك عداوة! فقال: إني لأرجو [ (4) ] من ربّي أن يجمع ذلك لي كله: فتح مكة وإعزاز الإسلام بها، وهوازن، وأن يغنّمني اللَّه أموالهم وذراريهم، فإنّي راغب إلى اللَّه في ذلك. وقيل: إن أبا سفيان ركب خلف العباس، ورجع حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء. خبر عمر بن الخطاب حين رأى أبا سفيان فلما مرّ العباس بعمر بن الخطاب، ورأى أبا سفيان قال: أبا سفيان! عدوّ اللَّه! الحمد للَّه الّذي أمكن منك بلا عهد ولا عقد. ثم خرج نحو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشتدّ، فركض العباس البغلة حتى اجتمعوا على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخلوا. فقال عمر: يا رسول اللَّه! هذا أبو سفيان عدوّ اللَّه، قد أمكن اللَّه منه بلا عهد ولا عقد، فدعني أضرب عنقه. فقال العباس: إني قد أجرته! ثم التزم [ (5) ] رسول اللَّه، فقال: واللَّه لا يناجيه الليلة أحد دوني. فلما أكثر عمر في أبي سفيان قال العباس: مهلا يا عمر! وتلاحيا [ (6) ] . فقال النبي عليه السلام للعباس: اذهب به فقد أجرته، فليبت عندك حتى تغدو علينا إذا أصبحت. فغدا به. فقال له رسول اللَّه: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك [ (7) ] أن تعلم أن لا إله إلا اللَّه؟ قال: بأبي أنت! ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! قد كان يقع في نفسي أن لو كان مع اللَّه إله [ (8) ] لقد أغنى عنّي شيئا بعد. قال: يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني
من دخل دار أبي سفيان فهو آمن
رسول اللَّه؟ [قال] [ (1) ] : بأبي أنت وأمي! ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! أمّا هذه فو اللَّه إنّ في النفس منها لشيئا بعد، فقال العباس: ويحك! اشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه قبل واللَّه أن تقتل! فشهد شهادة الحق. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن فقال العباس: يا رسول اللَّه! إنك قد عرفت أبا سفيان وحبّه الشّرف والفخر، اجعل له شيئا. قال: نعم! من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق [عليه] [ (1) ] داره فهو آمن. وأمر ألا يجهز على جريح، ولا يتّبع مدبر. ويروى أن أبا سفيان وحكيما قالا: يا رسول اللَّه! ادع الناس إلى الأمان! أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها، آمنون هم؟ قال: نعم! من كفّ يده وأغلق [عليه] [ (1) ] بابه فهو آمن. قالوا: فابعثنا نؤذّن فيهم بذلك. قال: انطلقوا، فمن دخل دارك يا أبا سفيان فهو آمن، ودارك يا حكيم، و [ومن] [ (1) ] كفّ يده فهو آمن. رد أبي سفيان بعد فراقه فلما توجهوا قال للعباس: إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه ويكفر، فاردده حتى يفقه ويرى جنود اللَّه معك. فأدركه عباس فحبسه، فقال: أغدرا يا بني هاشم؟ قال: ستعلم أنّا لسنا بغدر [ (2) ] ، ولكن لي إليك حاجة، فأصبح حتى تنظر إلى جنود اللَّه، وإلى ما أعدّ للمشركين. فحبسه بالمضيق- دون الأراك إلى مكة- حتى أصبحوا. وقيل: بل قال عليه السلام للعباس بعد ما خرج أبو سفيان: احبسه بمضيق الوادي حتى تمر به جنود اللَّه فيراها. فعدل به العباس في مضيق الوادي، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مناديا فنادى: لتصبح كلّ قبيلة قد ارتحلت ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر كل ما معها من العدّة.
تعبئة المسلمين ومرورهم على أبي سفيان
تعبئة المسلمين ومرورهم على أبي سفيان فأصبح الناس على ظهر [ (1) ] ، وعبأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه، فجعل أبا عبيدة ابن الجراح [ (2) ] على المقدّمة،
وخالد بن الوليد [ (1) ] على الميمنة، والزبير بن العوام [ (2) ]
على الميسرة، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم في القلب، وقدم بين يديه الكتائب فمرّت القبائل على قادتها، والكتائب على راياتها. فقدم خالد بن الوليد في بني سليم [ (1) ]- وهم ألف
يحمل لواءهم عباس بن مرداس [ (1) ] ،
وخفاف بن ندبة [ (1) ]- فقال أبو سفيان [ (2) ] : من هؤلاء؟ قال العباس [ (3) ] : خالد بن الوليد، فلما حاذى خالد العباس وأبا سفيان،
كبر بمن معه ثلاثا ومضوا. ثم مرّ على إثره الزبير بن العوام: في خمسمائة ومعه راية سوداء، فلما حاذاهما كبّر ثلاثا وكبر أصحابه، فقال [أبو سفيان] : من هذا؟ قال [العباس] : الزبير بن العوام. قال: ابن أختك؟ قال: نعم! ومرّت بنو غفار [ (1) ] في ثلاثمائة يحمل رايتهم أبو ذرّ الغفاريّ [ (2) ] [ويقال: إيماء
ابن رحضة] [ (1) ] ، فلما حاذوهما كبروا ثلاثا، فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال
العباس: بنو غفار. فقال: ما لي ولبني غفار!! ثم مضت أسلم [ (1) ] في أربعمائة فيها لواءان يحمل أحدهما بريدة بن الحصيب [ (2) ] ، والآخر ناجية بن الأعجم [ (3) ] .
فلما حاذوهما كبّروا، فقال: من هؤلاء؟ قال: أسلم. قال ما لي ولأسلم! ما كان بيننا وبينهم ترة [ (1) ] قط. قال العباس: هم قوم مسلمون دخلوا في الإسلام ثم مرّت بنو كعب بن عمرو [ (2) ] في خمسمائة، يحمل لواءهم بسر بن سفيان [ (3) ] . قال من هؤلاء؟ قال: بنو كعب بن عمرو. فلما حاذوه كبروا ثلاثا. ثم مرت مزينة [ (4) ]
في ألف- فيها ثلاثة ألوية ومائة فرس، يحمل ألويتها: النعمان بن مقرّن [ (1) ] ، وبلال بن الحارث [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن عمر [ (3) ]- فلما حاذوه كبّروا، فقال: من
هؤلاء؟ قال: مزينة. قال: ما لي ولمزينة! جاءتني تقعقع من شواهقها [ (1) ] ! ثم مرّت جهينة [ (2) ] في ثمانمائة-
معها أربعة ألوية يحملها أبو روعة معبد بن خالد [ (1) ] ، وسويد بن صخر [ (2) ] ، ورافع بن مكيث [ (3) ]
وعبد اللَّه بن بدر [ (1) ]- فلما حاذوهما كبّروا ثلاثا. ثم مرت كنانة [ (2) ] : [بنو ليث [ (3) ] ، وضمرة، وسعد ابن بكر] [ (4) ] في مائتين، يحمل لواءهم أبو واقد الليثي [ (5) ] ، فلما حاذوهما كبروا
ثلاثا. فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: بنو بكر. قال: أهل شؤم! هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم، أما واللَّه ما شوورت [ (1) ] فيه ولا علمته، ولقد كنت له كارها حيث بلغني، ولكنه أمر حمّ [ (2) ] ! قال العباس: قد خار اللَّه لك [ (3) ] في غزو محمد لكم. ودخلتم في الإسلام كافة. ومرّت بنو ليث [ (4) ]- وهم مائتان وخمسون يحمل لواءهم الصعب بن جثامة [ (5) ]- فلما حاذوهما كبروا ثلاثا فقال
أبو سفيان: من هؤلاء؟ قال: بنو ليث. ثم مرّت أشجع [ (1) ]- وهما ثلاثمائة معهم لواءان يحملهما معقل بن سنان [ (2) ] ، ونعيم بن مسعود [ (3) ]- فقال أبو سفيان:
كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
[من هؤلاء؟ قال: بنو أشجع. قال] [ (1) ] : هؤلاء كانوا أشدّ العرب على محمد! فال العباس: أدخل اللَّه قلوبهم الإسلام، فهذا من فضل اللَّه. كتيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما طلعت كتيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخضراء، طلع سواد وغبرة من سنابك الخيل، ومرّ الناس حتى مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ناقته القصواء بين أبي بكر [ (2) ]
وأسيد بن حضير [ (1) ]- وهو يحدثهما-، ومعه المهاجرون [ (2) ] والأنصار، - فيها الرايات والألوية، مع كل بطن من بطون الأنصار راية ولواء- في الحديد لا يرى
منهم إلى الحدق، ولعمر بن الخطاب [ (1) ]
مقالة سعد بن عبادة لأبي سفيان
فيها زجل [ (1) ] ، وعليه الحديد، وهو يزعها [ (2) ] فقال أبو سفيان: لقد أمر أمر بني عدّي [ (3) ] بعد قلة وذلة! فقال العباس: إن اللَّه يرفع ما يشاء، وإن عمر ممن رفعه الإسلام. مقالة سعد بن عبادة لأبي سفيان وكان في الكتيبة ألف دارع: وسعد بن عبادة يحمل راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمام الكتيبة، فنادى: يا أبا سفيان! اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة، اليوم أذلّ اللَّه قريشا! فنادى أبو سفيان- عند ما حاذاه النبي عليه السلام- يا رسول اللَّه، أمرت بقتل قومك؟ زعم سعد ومن معه كذا- وذكر ما قاله سعد- وإني أنشدك اللَّه في قومك! فأنت أبرّ الناس، وأرحم الناس وأوصل الناس!!.
عزل سعد راية رسول الله صلى الله عليه وسلم
عزل سعد راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان: يا رسول اللَّه! ما نأمن من سعد أن تكون منه في قريش صولة. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا سفيان! اليوم يوم الرحمة [ (1) ] ، اليوم أعزّ اللَّه فيه قريشا! وأرسل إلى سعد فعزله، وجعل اللواء إلى قيس بن سعد، فأبى سعد أن يسلم اللواء إلا بأمارة، فأرسل صلّى اللَّه عليه وسلّم بعمامته، فدفع اللواء إلى ابنه قيس. ويقال: دخل سعد بلوائه حتى غرزه بالحجون. ويقال إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر عليا فأخذ الراية، فذهب علي بها حتى دخل بها مكة فغرزها عن الركن، وقيل: بل أمر الزبير بن العوام فأخذ اللواء [ (2) ] وصححه جماعة. مقالة أبي سفيان حين رأى ما رأى وقال أبو سفيان: ما رأيت مثل هذه الكتيبة قط، ولا خبّرنيه مخبر! ما لأحد به طاقة ولا يدان! لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما! فقال له العباس: يا أبا سفيان! ليس بملك ولكنه نبوّة. قال: فنعر [ (3) ] ! قال فانج ويحك فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم. خروج أبي سفيان إلى مكة وما كان منه فخرج أبو سفيان فتقدم الناس كلهم حتى دخل مكة من كداء وهو يقول: من أغلق بابه فهو آمن! حتى انتهى إلى هند بنت عتبة فأخذت برأسه فقالت: ما وراءك؟ قال: هذا محمد في عشرة آلاف عليهم الحديد. وقد جعل لي: من دخل داري فهو آمن! قالت: قبحك اللَّه رسول قوم! وجعل يصرخ بمكة! يا معشر قريش! ويحكم! إنه قد جاء ما لا قبل لكم به! هذا محمد في عشرة آلاف عليهم الحديد فأسلموا تسلموا! قالوا! قبحك اللَّه وافد قوم! وجعلت هند تقول: اقتلوا وافدكم هذا، قبحك اللَّه وافد قوم! فيقول! ويلكم! لا تغرنكم هذه من أنفسكم! رأيت ما لم تروا [ (4) ] رأيت الرجال والكراع والسلاح، فما لأحد [ (5) ]
خبر العباس في مكة
بهذا طاقة! خبر العباس في مكة وذكر عمر بن شبّة [ (1) ] : أن العباس ركب بغلة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مر [الظهران] [ (2) ] ليدعو أهل مكة فقدمها وقال: يا أهل مكة أسلموا تسلموا. قد استبطنتم بأشهب بازل [ (3) ] ، وأعلمهم بمسير الزبير من أعلى مكة، ومجيء خالد ابن الوليد من أسفلها لقتالهم، ثم قال: من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. موقف المسلمين وانتهى المسلمون إلى ذي طوى، فوقفوا ينظرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تلاحق الناس، وقد كان صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو دعوا إلى القتال، واجتمع إليهم- من قريش وغيرهم- جماعة عليهم السلاح، يحلفون باللَّه لا يدخلها محمد عنوة أبدا. دخول رسول اللَّه مكة وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في كتيبته الخضراء- على ناقته القصواء، معتجرا بشقّة برد حبرة، [وفي رواية: وهو معتجر بشقة برد أسود] ، وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء، ولواؤه أسود- حتى وقف بذي طوى وتوسط الناس، وإن عثنونه [ (4) ] ليمسّ واسطة الرّحل أو يقرب منه، تواضعا للَّه تعالى حين رأى ما رأى من فتح اللَّه وكثرة المسلمين، ثم قال: العيش عيش الآخرة.
مداخل المسلمين إلى مكة
مداخل المسلمين إلى مكة وأمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن ينصب رايته بالحجون، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من اللّيط: وهي كداء من أسفل مكة. [ويقال: بعث الزبير بن العوام من أعلى مكة، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل من كداء] . ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أذخر. النهى عن القتال ونهى عن القتال. ويقال: بل أمرهم بقتال من قتالهم، فتراموا بشيء من النبل. فظهر عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمن الناس إلا خزاعة عن [ (1) ] بني بكر. وذكر جماعة أنه لم يؤمّنهم. وقيل: أمر بقتل ستة نفر، وأربع نسوة: عكرمة بن أبي جهل، وهبّار بن الأسود، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، ومقيس بن صبابة الليثي، والحويرث بن نقيذ [ (2) ] بن بجير بن عبد قصيّ، وهلال بن عبد اللَّه بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كبير بن تيّم بن غالب بن فهر [ (3) ] ، فتيم هو الأدرم [ (4) ] [وعبد بن عبد مناف هو خطل بن خطل الأدرميّ] . وهند بنت عتبة بن ربيعة، وسارة مولاة عمرو بن هشام، وقينتين لابن خطل: قرينا وقريبة، ويقال فرتنا وأرنبة. قتال خالد بن الوليد فكل الجنود دخل فلم يلق جمعا، إلا خالد بن الوليد، فإنه وجد جمعا من قريش وأحابيشها: فيهم صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، فمنعوه الدخول، وشهروا السلاح، ورموا بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عنوة أبدا. فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم، فقتل منهم أربعة وعشرين رجلا من قريش، وأربعة من هذيل، [وقيل: بل قتل من المشركين ثلاثة عشر رجلا] ،
خبر راعش المشرك
وانهزموا أقبح هزيمة. وقتل من المسلمين ثلاثة. خبر راعش المشرك وكان راعش [ (1) ] ، أحد بني صاهلة الهذليّ، [وقيل: حماس [ (2) ] بن قيس بن خالد أحد بني بكر] ، يعدّ سلاحا، فقالت له امرأته: لم تعدّ ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه! فقالت له: ما أرى أن يقوم لمحمد وأصحابه شيء! فقال: واللَّه إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، ثم قال [ (3) ] : إن تقدموا اليوم فما بي علة ... هذا سلاح كامل وألّة [ (4) ] وذو غرارين سريع السّله [ (5) ] هزيمة المشركين ثم شهد الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل، فهزمهم خالد بن الوليد، فمرّ حماس [ (6) ] منهزما حتى دخل بيته، وقال لامرأته: أغلقي عليّ بابي! فقالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال [ (7) ] : إنك إن شهدت يوم الخندمة ... إذ فرّ صفوان وفر عكرمة واستقبلتنا بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة ضربا فلا تسمع إلا غمغمه ... لهم نهيت خلفنا وهمهمه
التأمين
لم تنطقي في اللوم [ (1) ] أدنى كلمه التأمين واتبعهم المسلمون، وأبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان: يا معشر قريش! علام تقتلون أنفسكم؟ من دخل داره فهو آمن. ومن وضع السلاح فهو آمن! فاقتحم الناس الدور وأغلقوا عليهم الأبواب، وطرحوا السلاح في الطّرق، فأخذها المسلمون، ويروي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقد لأبي رويحة عبد اللَّه بن عبد الرحمن- أحد الفزع بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفل [وهو خثعم]- لواء وأمره أن ينادي: من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن. قتال خالد بن الوليد ولما ظهر [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ثنية أذاخر، نظر إلى البارقة [ (3) ] فقال: «ما هذه البارقة؟ ألم أنه عن القتال؟» فقيل: يا رسول اللَّه، خالد بن الوليد قوتل، ولو لم يقاتل ما قاتل! فقال: «قضاء اللَّه خير» . ابن خطل وأقبل ابن خطل من أعلى مكة في الحديد على فرس بيده قناة، وبنات سعيد ابن العاص قد نشرن رءوسهن ويضربن بخمرهن [ (4) ] وجوه الخيل، فقال لهن: أما واللَّه لا يدخلها محمد حتى ترين ضربا كأفواه المزاد [ (5) ] ! فلما انتهى إلى الخندمة،
دخول الزبير مكة
ورأى خيل المسلمين وقتالهم، دخله رعب حتى ما يستمسك من الرّعدة، فانتهى إلى الكعبة فنزل، وطرح سلاحه، ودخل بين أستارها. فأخذ رجل من بني كعب درعه ومغفره وبيضته وسيفه وفرسه، ولحق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحجون. دخول الزبير مكة وأقبل الزبير بمن معه حتى انتهوا إلى الحجون، فغرز به الراية. ولم يقتل من المسلمين إلا رجلان [ (1) ] أخطئا الطريق، هما: كرز بن جابر الفهريّ، وخالد الأشعري الخزاعيّ. منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة ولما أشرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أذاخر فنظر بيوت مكة، وقف فحمد اللَّه وأثنى عليه، ونظر إلى موضع قبّته فقال: هذا منزلنا يا جابر، حيث تقاسمت علينا قريش في كفرها! وكان أبو رافع قد ضرب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحجون قبة من أدم، فأقبل حتى انتهى إلى القبة في يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان، وقيل لثلاث عشرة [ (2) ] مضت من رمضان. فمضى الزّبير بن العوام برايته حتى ركزها عند قبّة رسول اللَّه، وكان معه أم سلمة وميمونة رضي اللَّه عنهما. وقيل: يا رسول اللَّه، ألا تنزل منزلك من الشّعب؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل منزلا؟ وكان عقيل بن أبي طالب قد باع منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومنزل إخوته، والرجال والنساء بمكة فقيل: يا رسول اللَّه، فانزل في بعض بيوت مكة في غير منازلك، فقال: لا أدخل البيوت. فلم يزل مضطربا [ (3) ] بالحجون لم يدخل بيتا، وكان يأتي المسجد من الحجون لكل صلاة. خبر إجارة أم هانئ عبد اللَّه بن أبي ربيعة والحارث بن هشام وكانت أم هانئ بنت أبي طالب تحت [ (4) ] هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ، فدخل
تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للطواف بالبيت
عليها حموان لها- عبد اللَّه بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر [ (1) ] ابن مخزوم المخزومي، والحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر [ (1) ] ابن مخزوم- يستجيران بها فأجارتهما. فدخل عليها أخوها على بن أبي طالب يريد قتلهما، وقال: تجيرين المشركين؟ فحالت دونهما وقالت: واللَّه لتبدأنّ بي قبلهما! فخرج ولم يكد، فأغلقت عليهما بيتا، وذهبت إلى خباء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبطحاء، فشكت إلى فاطمة عليها السلام عليا فلم تشكها، وقالت لها: لم تجيرين المشركين؟ وإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه [ (2) ] رهجة الغبار [ (3) ] ، فقال: مرحبا بفاختة أم هانئ، فقالت: ماذا لقيت من ابن أمّي علي! ما كدت أنفلت منه! أجرت حموين لي من المشركين، فتفلّت عليهم ليقتلهما، فقال: ما كان ذلك له! قد أمنّا من أمّنت، وأجرنا من أجرت. ثم أمر فاطمة عليها السلام فسكبت له ماء فاغتسل، وصلى ثماني ركعات في ثوب واحد ملتحفا به، وذلك ضحى. ورجعت أم هانئ فأخبرتهما، فأقاما عندها يومين ثم مضيا. وأتى آت فقال: يا رسول اللَّه: الحارث ابن هشام وابن أبي ربيعة جالسان في ناديهما في الملاء المزعفر [ (4) ] ! فقال: لا سبيل إليهما فقد أمّناهما. تجهّز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للطواف بالبيت ومكث صلّى اللَّه عليه وسلّم في منزله ساعة من نهار، واغتسل وضفر رأسه ضفائر أربع، [وقيل: بل اغتسل في بيت أم هانئ بمكة] ، وصلى ثماني ركعات وذلك ضحى، وذلك في الصحيحين [ (5) ] ، وزاد أبو داود: سلّم من كلّ ركعتين ثم لبس السلاح ومغفرا من حديد، وقد صف له الناس، وركب القصواء ومرّ وأبو بكر رضي اللَّه عنه إلى جنبه يحادثه، وعبد اللَّه بن أم مكتوم بين يديه من بين الصفا والمروة وهو يقول: يا حبذا مكة من وادي ... [أرض] بها أهلي وعوّادي [ (6) ]
الأصنام التي حول الكعبة
[أرض] بها أمشي بلا هادي ... [أرض] بها ترسخ أوتادي [ (1) ] حتى انتهى إلى الكعبة: فتقدم على راحلته فاستلم الركن بمحجته وكبّر، فكبّر المسلمون لتكبيره حتى ارتجت مكة تكبيرا. فأشار إليهم أن اسكتوا! والمشركون فوق الجبال ينظرون. الأصنام التي حول الكعبة ثم طاف، ومحمد بن مسلمة [ (2) ] آخذ بزمامها، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصصة بالرّصاص- وهبل أعظمها وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون- فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلما مرّ بصنم منها يشير بقضيب في يده ويقول: «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» . فيقع الصنم لوجهه. فطاف سبعا يستلم الركن بمحجنه في كل طواف. فعطش صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ]- وكان يوما صائفا- فاستسقى [ (4) ] فأتى بقدح من شراب زبيب، فلما أدناه من فيه وجد له ريحا شديدة فردّه. ودعا بماء من زمزم فصبّه عليه حتى فاض من جوانبه، وشرب منه، ثم ناوله الّذي عن يمينه. فلما فرغ من [سبعة] [ (5) ] نزل عن راحلته، وجاء معمر بن عبد اللَّه بن نضلة فأخرج راحلته. وانتهى رسول اللَّه إلى المقام- وهو يؤمئذ لاصق بالكعبة، والدّرع والمغفر عليه، وعمامة لها طرف بين كتفيه- فصلى ركعتين، ثم انصرف إلى زمزم فاطّلع فيها وقال: لولا أن يغلب بنو عبد المطلب لنزعت منها دلوا! فنزع له العباس بن عبد المطلب دلوا فشرب منه. ويقال: الّذي نزع الدلو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ولم يسع بين الصفا والمروة لأنه لم يكن يومئذ معتمرا. كسر هبل وأمر بهبل فكسّر وهو واقف عليه، فقال الزبير بن العوّام لأبي سفيان ابن حرب: يا أبا سفيان! قد كسر هبل! أما إنك قد كنت منه يوم أحد في غرور،
خبر زمزم
حين تزعم أنه قد أنعم! فقال: دع عنك هذا يا ابن العوام، فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان. خبر زمزم ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجلس ناحية من [ (1) ] المسجد والناس حوله، فأتى بدلو من زمزم فغسل منها وجهه، فما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان: إن كانت قدر ما يحسوها حساها، وإلا تمسح بها. والمشركون ينظرون، فقالوا: ما رأينا ملكا قطّ أعظم من اليوم. ولا قوما أحمق من القوم يتصل به. إسلام قريش والبيعة وجاءته قريش فأسلموا طوعا وكرها وقالوا: يا رسول اللَّه اصنع بنا صنع أخ كريم. فقال: أنتم الطلقاء! وقال مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. ثم اجتمعوا لمبايعته، فجلس على الصفا، وجلس عمر بن الخطاب أسفل مجلسه يأخذ على الناس، فبايعوا على السمع والطاعة للَّه ولرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما استطاعوا، فقال: لا هجرة بعد الفتح. غسل الكعبة وتجرد الرجال [ (2) ] من الأزر، ثم أخذوا الدّلو فغسلوا ظهر الكعبة وبطنها حتى انبعج [ (3) ] الوادي من الماء، فلم يدعوا فيه صورة ولا أثرا من آثار المشركين إلا محوه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم لما جلس ناحية من المسجد، توضأ بسجل [ (4) ] من زمزم قريبا من المقام، والمسلمون يبادرون وضوءه يصبونه على وجوههم والمشركين يتعجبون ويقولون: ما رأينا ملكا قط بلغ هذا ولا شبيها به! مفتاح الكعبة ثم أرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة ليأتيه بمفتاح الكعبة فمنعته أمه، حتى جاء
محو الصور
أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، فدفعته إلى ابنها فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما تناولته قال العباس: يا رسول اللَّه، اجمع لنا السقايا والحجابة. فقال عليه السلام: «أعطيكم ما ترزءون فيه ولا أعطيكم ما ترزءون به» [ (1) ] . وقيل بل جاء عثمان ابن طلحة بالمفتاح إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما بلغ رأس الثنية. محو الصور وقيل: بعث صلّى اللَّه عليه وسلّم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه من البطحاء- ومعه عثمان ابن طلحة- ليفتح البيت، ولا يدع صورة إلا محاها، [ولا تمثالا] [ (2) ] ، فترك عمر صورة إبراهيم عليه السلام حتى محاها عليه السلام. دخوله الكعبة ودخل صلّى اللَّه عليه وسلّم الكعبة- ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة- فمكث فيها وصلى ركعتين، ثم خرج والمفتاح في يده، ووقف على الباب خالد بن الوليد يذبّ الناس عنه حتى خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوقف على باب البيت وأخذ بعضادتيه [ (3) ] ، وأشرف على الناس وفي يده المفتاح، ثم جعله في كمّه، وقال- وقد جلس الناس-: خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على باب البيت الحمد للَّه الّذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده: [يا معشر قريش] [ (4) ] : ماذا تقولون؟ وماذا تظنون؟ قالوا: نقول خيرا ونظن خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت. فقال: فإنّي أقول كما قال أخي يوسف: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. ألا إن كل ربا في الجاهلية أو دم، أو مال، أو مأثرة فهو تحت قدمي هاتين
إلا سدانة البيت وسقايا الحاج. ألا وفي قتيل العصا والسوط الخطأ شبه العمد، والدّية مغلظة مائة ناقة، منها أربعون في بطونها أولادها. إن اللَّه قد أذهب نخوة الجاهلية وتكثرها بآبائها، كلكم لآدم وآدم من تراب، وأكرمكم عند اللَّه أتقاكم. ألا إن اللَّه حرم مكّة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام بحرام اللَّه، لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحلّ لأحد كائن بعدي، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من النهار [ (1) ] ، ألا لا ينفر صيدها، ولا يعضد عضاهها [ (2) ] ، ولا تحلّ لقطتها إلا لمنشد [ (3) ] ، ولا يختلى خلاها [ (4) ] ، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول اللَّه، فإنه لا بد منه للقبور وطهور البيوت! فسكت ساعة ثم قال: إلا الإذخر فإنه حلال. ولا وصية لوارث: وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يحل لامرأة تعطى من مالها إلا بإذن زوجها. والمسلم أخو المسلم، والمسلمون إخوة، والمسلمون يد واحدة على من سواهم، يتكافئون دماءهم، يرد عليهم أقصاهم، ويعقد عليهم أدناهم، ومشدهم على مضعفهم [ (5) ] ومسيّرهم [ (6) ] على قاعدهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين ولا جلب ولا جنب [ (7) ] . ولا تؤخذ صدقات المسلمين إلا في بيوتهم وأفنيتهم. ولا تنكح المرأة على
رد المفتاح إلى عثمان بن طلحة
عمتها وخالتها [ (1) ] . والبينة على من ادّعى، واليمين على من أنكر. ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلا مع ذي محرم [ (2) ] . ولا صلاة بعد العصر ولا بعد الصبح. وأنهاكم عن صيام يومين [ (3) ] : يوم الأضحى ويوم الفطر، وعن لبستين: لا يحتب أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السماء، ولا يشتمل الصّماء [ (4) ] : ولا إخالكم إلا وقد عرفتموها. رد المفتاح إلى عثمان بن طلحة ثم نزل ومعه المفتاح، فتنحى ناحية من المسجد فقال: ادعوا إليّ عثمان ابن طلحة، فدعي. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له يوما بمكة وهو يدعوه إلى الإسلام، ومع عثمان المفتاح، فقال: لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت! فقال له عثمان: لقد هلكت إذن قريش وذلت! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل عمرت وعزت يومئذ! فأقبل عثمان، فقال عليه السّلام: خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة، ولا ينزعها منكم إلا ظالم! يا عثمان! إن اللَّه استأمنكم على بيته، فكلوا بالمعروف. فلما ولي عثمان ناداه عليه السلام فرجع إليه، فقال له: ألم يكن الّذي قلت لك؟ فذكر عثمان قوله له بمكة، فقال: بلى أشهد أنك رسول اللَّه. فقال: قم على الباب، وكل بالمعروف. ودفع عليه السلام السقايا إلى العباس رضي اللَّه عنه. معاتبة خالد بن الوليد من أجل قتاله وقال لخالد بن الوليد رضي اللَّه عنه: لم قاتلت وقد نهيت عن القتال؟ فقال:
النهي عن القتال إلا خزاعة عن بني بكر
هم يا رسول اللَّه بدءونا بالقتال، ورشقونا بالنّبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، ودعوتهم إلى الإسلام وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فأبوه، حتى إذا لم أجد بدا قاتلتهم، فظفرنا اللَّه عليهم وهربوا في كل وجه يا رسول اللَّه! فقال: فكف عن الطلب. قال: قد فعلت يا رسول اللَّه. قال: قضاء اللَّه خير. النهي عن القتال إلا خزاعة عن بني بكر ثم قال: يا معشر المسلمين! كفّوا السلاح، إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر، فخبّطوهم ساعة. وهي الساعة التي أحلّت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم تحلّ لأحد قبله. وقيل: خبّطوهم إلى نصف النهار وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى أن يقتل من خزاعة أحد. وبعث تميم بن أسد الخزاعي فجدّد أنصاب الحرم. ودخل جنيدب بن الأدلغ [الهذليّ] [ (1) ] مكة يرتاد وينظر- والناس آمنون- فرآه جندب بن الأعجم [ (2) ] الأسلمي. فقال: جنيدب بن الأدلغ! قاتل أحمر [بأسا] [ (3) ] ! فقال: نعم فخرج جندب [بن الأعجم] يستجيش عليه حيّه، فلقي خراش بن أمية الكعبيّ فأخبره. فاشتمل خراش على السيف ثم أقبل إليه- والناس حوله وهو يحدثهم- فحمل عليه فقتله، ويقال إنه قتله بالمزدلفة. خطبته صلّى اللَّه عليه وسلّم لما كثر القتل بين خزاعة وبني بكر فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله، قام خطيبا- الغد من يوم الفتح بعد الظهر- فقال: يا أيها الناس، إن اللَّه حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، ويوم خلق الشمس والقمر، ووضع هذين الجبلين، فهي حرام إلى يوم القيامة لا يحل لمؤمن يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك فيها دما. ولا يعضد فيها شجرا، لم تحلّ لأحد كان قبلي، ولا تحلّ لأحد [يكون] [ (4) ] بعدي، ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار، ثم رجعت حرمتها بالأمس، فليبلغ شاهدكم غائبكم، فإن قال قائل: قد قاتل فيها رسول اللَّه! فقولوا: إن اللَّه قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة!
أذان بلال على ظهر الكعبة ومقالة قريش
ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد واللَّه كثر إن نفع [ (1) ] . وقد قتلتم هذا القتيل، واللَّه لأدينّه! فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بالخيار: إن شاءوا فدم قتيلهم، وإن شاءوا فعقله [ (2) ] . ويروي أنه قام خطيبا فقال: إنّ أعدى الناس على اللَّه: من قتل في الحرم، ومن قتل غير قاتله، ومن قتل بذحول الجاهلية [ (3) ] . ويقال: إن قتل خراش لجنيدب كان بعد ما نهى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن القتل، وإنه عليه السلام قال: لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا بالهذلىّ: ثم أمر خزاعة يخرجون ديته، فأخرجوها مائة من الإبل، فكان أول قتيل وداه [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الإسلام. أذان بلال على ظهر الكعبة ومقالة قريش وجاءت الظّهر، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا أن يؤذن فوق ظهر الكعبة، وكانت قريش فوق رءوس الجبال وقد فرّ وجوههم وتغيبوا خوفا أن يقتلوا. فلما أذّن بلال ورفع صوته كأشدّ ما يكون وقال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه- قالت جويرية بنت أبي جهل: قد لعمري رفع لك ذكرك! أما الصلاة فسنصلّي، واللَّه لا نحب من قتل الأحبة أبدا، ولقد كان جاء أبي الّذي جاء محمدا من النبوة فردّها، وكره خلافة قومه. وقال خالد بن الأسيد: الحمد للَّه الّذي أكرم أبي فلم يسمع هذا اليوم! وقال الحارث بن هشام: وا ثكلاه! ليتني متّ قبل هذا اليوم قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق الكعبة! وقال الحكم بن أبي العاص: هذا واللَّه الحدث العظيم. أن يصبح عبد بني جمح على بنيّة [ (5) ] أبي طلحة! وقال سهيل بن عمرو: إن كان هذا سخطا للَّه فسيغيره، وإن كان للَّه رضي فسيقرّه. وقال أبو سفيان بن حرب أما أنا فلا أقول شيئا، لو قلت شيئا لأخبرته هذه الحصباء! فأتى جبريل عليه السلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره خبرهم.
أمية بن أبي عبيدة
أمية بن أبي عبيدة أتاه يعلي بن أميّة بأبيه. فقال: يا رسول اللَّه، بايع أبي على الهجرة، فقال: لا! بل أبايعه على الجهاد فقد انقضت الهجرة. سهيل بن عمرو وكان سهيل بن عمرو أغلق عليه [بابه] [ (1) ] ، وبعث إلى ابنه عبد اللَّه ابن سهيل أن يأخذ له أمانا، فأمّنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال. من لقي سهيل بن عمرو، فلا يشد النظر إليه فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف، وما مثل سهيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه [ (2) ] أنه لم يكن له بنافع، فخرج عبد اللَّه إلى أبيه فأخبره، فقال سهيل: كان واللَّه برا صغيرا وكبيرا! فخرج وشهد حنينا، وأسلم بالجعرّانة. هبيرة بن أبي وهب وابن الزبعري وهرب هبيرة بن أبي وهب زوج أم هانئ بنت أبي طالب- هو وعبد اللَّه ابن الزّبعرى بن قيس بن عديّ بن سعيد بن سهم القرشيّ السّهمي- إلى نجران. فبعث حسان بن ثابت بشعر إلى ابن الزبعري فجاء. ولما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليه قال: هذا ابن الزبعري ومعه وجه فيه نور الإسلام! فأسلم. ومات هبيرة بنجران مشركا. حويطب بن عبد العزى وهرب حويطب بن عبد العزّي بن أبي القيس بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشي العامري! فأمّنه أبو ذر رضي اللَّه عنه ومشى معه، وجمع بينه وبين عياله. إسلام نساء من قريش وأسلمت هند بنت عتبة، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام: امرأة عكرمة
بيعة النساء وخبر هند بنت عتبة
ابن أبي جهل، والبغوم بنت المعذّل [ (1) ] : امرأة صفوان بن أمية، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وهند بنت منبّه بن الحجاج: أم عبد اللَّه بن عمرو بن العاص في عشر نسوة من قريش. بيعة النساء وخبر هند بنت عتبة فأتين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأبطح- وعنده زوجتاه وفاطمة ابنته، في نساء من نساء بني عبد المطلب، فبايعنه، ولم تمسّ يده يد امرأة. وقيل-: وضع على يده ثوبا ثم مسحن على يده. وقيل: أدخل يده في قدح فيه ماء، ثم دفعه إليهن فأدخلن أيديهنّ فيه. وقيل: بل كانت بيعة النساء عقيب بيعة الرجال عند الصّفا. ورئيت [ (2) ] فيهن هند وهي متنكّرة لأجل صنيعها بحمزة- وكان زوجها أبو سفيان حاضرا- فعرفها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إنك لهند! فقالت: أنا هند، فاعف عما سلف. فبايعهن عمر رضي اللَّه عنه واستغفر لهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. إسلام عكرمة بن أبي جهل وطلبت أم حكيم أمانا لعكرمة وقد هرب إلى اليمن فأمّنه. فخرجت إليه حتى قدم. فلما دنا من مكة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا، فلا تسبوا أباه، فإنّ سبّ الميت يؤذي الحىّ ولا يبلغ إليه! فلما رآه وثب إليه فرحا، فوقف- ومعه امرأته منتقبة- فقال: يا محمد، إنّ هذه أخبرتني أنك أمنتنى! فقال: صدقت، فأنت آمن! فأسلم. صفوان بن أمية وهرب صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح القرشيّ الجمحيّ. فأخذ له عمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حذافة أمانا، وخرج في أثره حتى رجع، وشهد هوازن كافرا، وأسلم بالجعرّانة. عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح وكان عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح ممن أهدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دمه يوم الفتح،
الحويرث بن نقيذ
فأتى به عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، وسأله أن يهبه له، فوهب له جرمه. وأسلم. الحويرث بن نقيذ وأهدر صلّى اللَّه عليه وسلّم دم الحويرث بن نقيذ [ (1) ] بن بجير بن عبد قصي، فضرب عليّ رضي اللَّه عنه عنقه، وكان مؤذيا للَّه ولرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم. هبار بن الأسود وأهدر دم هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي ابن الأسدي القرشيّ، فأسلم. ابن خطل وأخرج أبو برزة الأسلميّ عبد اللَّه بن خطل- وهو متعلق بأستار الكعبة- فضرب عنقه بين الركن والمقام. [ويقال: قتله سعيد بن حريث المخزوميّ، ويقال: عمّار بن ياسر، وقيل: نضلة بن عبد اللَّه بن الحارث بن حيال بن ربيعة [ (2) ] بن دعبل ابن أنس بن خزيمة بن حديدة بن مازن بن الحارث [ (3) ] بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو مزيقياء [ (4) ] ويقال: شريك بن عبدة العجلاني [ (5) ] [وأثبته أبو برزة] . وفيه نزلت لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وفي المستدرك للحاكم، عن السائب بن يزيد قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخرج عبد اللَّه بن خطل من بين أستار الكعبة فقتله صبرا [ (6) ] ، ثم قال: لا يقتل أحد من قريش بعد هذا صبرا.
سارة
سارة وقتلت سارة مولاة عمرو بن هشام [ (1) ] ، وهي التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة. قتلها علي رضي اللَّه عنه. ويقال غيره. أرنب وقتلت أرنب [أو قيربة] وأسلمت فرتنى. مقيس بن صبابة وقتل مقيس بن صبابة نميلة بن عبد اللَّه الليثي. وقيل رآه المسلمون بين الصفا والمروة فقتلوه بأسيافهم. مقالة أبي سفيان في القتلى ولما قتل النفر الذين أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتلهم، سمع النّوح عليهم. وجاء أبو سفيان بن حرب فقال: فداك أبي وأمي! البقية في قومك! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تقتل قريش صبرا بعد اليوم [يعني على كفر] وفي رواية: لا تغزي قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة. [يعني على كفر] . الأمر بقتل وحشي وأمر عليه السلام بقتل وحشي، ففرّ إلى الطائف حتى قدم في وفدهم فأسلم: فقال له عليه السلام: غيّب عني وجهك! فكان إذا رأى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم توارى [ (2) ] عنه. سلف رسول اللَّه من بعض قريش واستسلف صلّى اللَّه عليه وسلّم من عبد اللَّه بن أبي ربيعة أربعين ألف درهم فأعطاه، فردّها عليه من غنائم هوازن، وقال: إنما جزاء السّلف الحمد والأداء. وقال بارك اللَّه لك في مالك وولدك؟ واستقرض من صفوان بن أمية خمسين ألف درهم فأقرضه. واستقرض من حويطب بن عبد العزى أربعين ألف درهم. فكانت ثلاثين ومائة ألف قسمها بين أهل الضّعف، فأصاب الرجل خمسين درهما وأقلّ وأكثر. وبعث من ذلك إلى بني جذيمة.
المجلد الثاني
[المجلد الثاني] [تتمة غزوة الفتح] بسم اللَّه الرحمن الرّحيم هدية الخمر وأهدي له يومئذ راوية خمر فقال: إن اللَّه حرّمها! فسارّ الرجل غلامه: اذهب بها إلى الحزورة [ (1) ] فبعها. فقال: بم أمرته؟ قال: ببيعها! فقال: إن الّذي حرّم شربها حرّم بيعها! ففرّغت بالبطحاء. ونهي يومئذ عن ثمن الخمر. وثمن الخنزير، وثمن الميتة، وثمن الأصنام، وحلوان الكاهن. تحريم شحوم الميتة وقيل له يومئذ: ما ترى في شحوم الميتة يدهن به السّقاء؟ فقال قاتل اللَّه يهودا! حرّم عليهم الشحوم فباعوها، فأكلوها ثمنها. وحرّم متعة النساء يومئذ، وقال يومئذ- وهو بالحزورة-: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه إليّ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت [ (2) ] . العفو عن بعض أهل مكة وهبط ثمانون من أهل مكة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جبل التّنعيم عند صلاة الفجر، فأخذهم سلما [ (3) ] فعفا عنهم، ونزل فيهم: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [ (4) ] .
حد شارب الخمر
حد شارب الخمر وأتي بشارب فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضرب بالسوط وبالنّعل وبالعصا، وحثا عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم التراب. إسلام جبر وجاء جبر غلام بني عبد الدار- وقد كان يكتم إسلامه- فأعطاه ثمنه، فاشتري نفسه فعتق. نذر رجل الصلاة في بيت المقدس وقال رجل يومئذ: إني نذرت أن أصلي في بيت المقدس إن فتح اللَّه عليك مكة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم، والّذي نفسي بيده! لصلاة ها هنا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من البلدان. نذر ميمونة أم المؤمنين وقالت ميمونة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها: يا رسول اللَّه، إني جعلت على نفسي- إن فتح اللَّه عليك مكة- أن أصلي في بيت المقدس! فقال: لا تقدرين على ذلك، ولكن ابعثي بزيت يستصبح [ (1) ] لك فيه به، فكأنك أتيته [ (2) ] . وكانت ميمونة تبعث إلى بيت المقدس كل سنة بمال ليشترى به زيت يستصبح به في بيت المقدس، حتى ماتت فأوصت بذلك. نساء قريش وجمالهن وجلس عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه في مجلس فيه جماعة- منهم سعد ابن عبادة رضي اللَّه عنه- فمرّت نسوة من قريش فقال سعد: قد كان يذكر لنا من نساء قريش حسن وجمال [ (3) ] ، ما رأيناهنّ كذلك! فغضب عبد الرحمن ابن عوف حتى كاد أن يقع بسعد وأغلظ له [ (4) ] ، ففرّ منه سعد حتى أتى رسول
هدية هند بنت عتبة بعد إسلامها
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، ماذا لقيت من عبد الرحمن؟ فقال: وما له؟ فأخبره بما كان، فغضب صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كان وجهه ليتوقد [ (1) ] ، ثم قال: رأيتهنّ وقد أصبن بآبائهن وأبنائهنّ وإخوانهنّ وأزواجهن! خير نساء ركبن الإبل نساء قريش! أحناه على ولد، وأبذله لزوج بما ملكت يد. هدية هند بنت عتبة بعد إسلامها وأهدت هند بنت عتبة بعد إسلامها هدية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهو بالأبطح- مع مولاة لها، جديين [ (2) ] مرضوفين وقدّا [ (3) ] ، فانتهت الجارية إلي خيمته، فسلمت واستأذنت فأذن لها فدخلت ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أم سلمة وميمونة ونساء بني عبد المطلب، فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك بهذه الهدية، وهي معتذرة إليك، وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال: بارك اللَّه لكم في غنمكم، وأكثر والدتها! فسرّت هند لما أخبرتها مولاتها بذلك، ورأوا من كثرة غنمهم ووالدتها ما لم يكن من قبل ولا قريبا. وكانت هند تقول: هذا بدعاء رسول اللَّه وبركته. إحدى نساء بني سعد وخبر وفاة حليمة السعدية وأتته صلّى اللَّه عليه وسلّم إحدى نساء بني سعد بن بكر- إمّا خالة أو عمة- بنحي [ (4) ] مملوء سمنا وجراب أقط [ (5) ]- وهو بالأبطح- فعرفها، ودعاها إلى الإسلام فأسلمت، وأخبرته بوفاة حليمة [ (6) ] فذرفت عيناه، وقالت: أخواك وأختاك محتاجون! فأمر لها بكسوة وجمل ومائتي درهم، فقالت: نعم واللَّه المكفول كنت صغيرا، ونعم المرء كنت كبيرا، عظيم البركة. السرايا وهدم الأصنام وبثّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سراياه وأمرهم أن يغيروا على من لم يسلم. فخرج هشام بن العاص
مدة المقام بمكة
في مائتين قبل يلملم. وخرج خالد بن سعيد بن العاص في ثلاثمائة قبل عرنة وبعث خالد بن الوليد إلى العزّى في ثلاثين فارسا فهدمها لخمس [ (1) ] بقين من رمضان، وكانت بنخلة. وبعث الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم ابن فهم [ (2) ] الدّوسي إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة فحرّقه بالنار، وبعث سعد بن زيد الأشهليّ إلى مناة بالمشلّل [ (3) ] فهدمه. وبعث عمرو بن العاص إلى صنم هذيل سواع فهدمه. ونادى منادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كان يؤمن باللَّه وبرسوله فلا يدعنّ في بيته صنما إلا كسره أو حرّقه، وثمنه حرام. فجعل المسلمون يكسرون الأصنام، ولم يكن رجل من قريش بمكة إلا وفي بيته صنم: إذا دخل مسحه وإذ خرج مسحه: تبركا به. وكان عكرمة بن أبي جهل لما أسلم لم يسمع بصنم في بيت إلا مشى إليه حتى يكسره. وجعلت هند بنت عتبة تضرب صنما في بيتها بالقدوم فلذة فلذة [ (4) ] وهي تقول: كنا منك في غرور!! مدة المقام بمكة وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة- على ما في صحيح البخاريّ- خمس عشرة ليلة. [وفي رواية تسع عشرة، وفي أبي داود تسع عشرة، وفي الترمذي ثماني عشرة، وقيل عشرا، وقيل بضع عشرة، وقيل: عشرين ليلة] يصلي ركعتين، ويأمر أهل مكة أن يتموا، كما رواه النسائي. وأفطر بقية شهر رمضان. بعثة خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وقتلهم، وكانوا مسلمين ولما رجع خالد بن الوليد من هدم العزّى، بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني جذيمة ابن عامر بن عمرو بن مناة بن كنانة يدعوهم إلى الإسلام فخرج أول شوّال في ثلاثمائة وخمسين إلى أسفل مكة وانتهى إليهم، فقالوا: نحن مسلمون! فقال خالد: استأسروا! فكتف بعضهم بعضا، ودفع خالد إلى كل رجل من أصحابه رجلا أو رجلين، فباتوا في وثاق إلى السّحر. فنادى خالد: من كان معه أسير فليدافّه [ (5) ] .
بعثة علي بالديات إلى بني جذيمة
فقتل بنو سليم من كان في أيديهم، وكانوا قريبا من ثلاثين رجلا. وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم وقالوا: اذهبوا حيث شئتم! فغضب خالد على من أرسل أسيره. فقال له أبو أسيد السّاعديّ: اتّق اللَّه يا خالد! ما كنا لنقتل قوما مسلمين! قال: وما يدريك؟ قال: تسمع إقرارهم بالإسلام، وهذه المساجد بساحتهم! فلما قدم خالد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عاب [ (1) ] عبد الرحمن بن عوف عليه ما صنع، فتلاحيا، وأعانه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وأعرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه وقال له- وقد بلغه ما صنع بعبد الرحمن بن عوف-: يا خالد! ذروا لي أصحابي! متى ينكأ أنف المرء يبجع [ (2) ] ! لو كان أحد ذهبا تنفقه قيراطا قيراطا في سبيل اللَّه لم تدرك غدوة أو روحة من غدوات أو روحات عبد الرحمن بن عوف! ورفع صلّى اللَّه عليه وسلّم يديه حتى رئي بياض إبطيه، وهو يقول: اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد!! بعثة عليّ بالديات إلى بني جذيمة وبعث عليا رضي اللَّه عنه إلى بني جذيمة بمال فودى لهم ما أصاب خالد، ودفع إليهم مالهم، فبقيت لهم بقية مال، فبعث عليّ أبا رافع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليستزيده فزاده مالا، فودى لهم كلّ ما أصاب [خالد] ، حتى إنه ليدي لهم ميلغة [ (3) ] الكلب وبقي مع عليّ شيء من المال. فقال: هذه البقية من هذا المال لكم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مما أصاب خالد، مما لا يعلمه ولا تعلمونه. فأعطاهم ذلك وعاد فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بما صنع فقال: أصبت! ما أمرت خالدا بالقتال، إنما أمرته بالدعاء! ثم أقبل على خالد رضي اللَّه عنه وقال: لا تسبوا خالدا ابن الوليد، فإنما هو سيف من سيوف اللَّه سله على المشركين. فتح مكة وقد اختلف في فتح مكة، فقال الأوزاعيّ ومالك وأبو حنيفة: إنّها فتحت عنوة ثم أمّن أهلها. وقال مجاهد والشافعيّ: فتحت صلحا بأمان عقده. وقيل:
غزوة حنين"هوازن"
فتح أسفلها عنوة وأعلاها صلحا [ (1) ] . وروي أنه يوم فتح مكة حام حمام الحرم [ (2) ] فأظلته صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعا لها بالبركة. وكان يحبّ الحمام. غزوة حنين «هوازن» ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزوة حنين: وذلك واد- ويقال ماء- بينه وبين مكة ثلاث ليال في قرب الطائف. سمّي بحنين بن قانية بن مهلائيل من جرهم، وقيل: حنين بن ماثقة بن مهلان بن مهليل بن عبيل بن عوص بن إرم ابن سام [ (3) ] بن نوح. جموع هوازن وثقيف وذلك أن أشراف هوازن وثقيف حشدوا، وقد جعلوا أمرهم إلى مالك ابن عوف بن سعيد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة [ (4) ] بن دعمان بن نصر بن معاوية ابن بكر بن هوازن النصريّ، وهو ابن ثلاثين سنة. وأقبلت ثقيف ونصر وجشم، وكان في ثقيف سيّدان [ (5) ] لهم هما: قارب بن عبد اللَّه بن الأسود بن مسعود الثقفيّ، وذو الخمار سبيع بن الحارث، [ويقال: الأحمر بن الحارث] ، واجتمع إليهم من بني هلال بن عامر نحو المائة، ولم يحضرهم أحد من كعب ولا كلاب
منزل هوازن
[من هوازن] [ (1) ] وحضر دريد بن الصّمّة بن [الحارث بن] [ (2) ] بكر بن علقمة ابن خزاعة بن غزيّة [ (3) ] بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن في بني جشم، وهو ابن ستين ومائة سنة لا شيء فيه، إلا أنهم يتيمنون برأيه ومعرفته بالحرب ودربته [ (4) ] . منزل هوازن وجاءوا جميعا بأموالهم ونسائهم وأبنائهم يريدون حرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى نزلوا بأوطاس، فقال دريد: بأيّ واد أنتم: قالوا: بأوطاس فقال: مجال الخيل! لا حزن ضرس، ولا سهل دهس [ (5) ] . ثم قال لمالك بن عوف: ما لي أسمع بكاء الصغير، ورغاء البعير، ونهاق الحمير، ويعار الشاة؟ قال مالك: يا أبا قرّه! إني سقت مع الناس أموالهم وذراريهم، وأردت أن أجعل خلف كلّ رجل منهم أهله وماله يقاتل عنه، فأنقض به دريد، ثم قال: رويعي ضأن واللَّه! وهل يردّ المنهزم شيء؟ وقال: هذا يوم لم أشهده [ (6) ] ، ولم أغب عنه! وقال: يا ليتني فيها جذع [ (7) ] ... أخب فيها وأضع [ (8) ] أقود وطفاء الزّمع [ (9) ] ... كأنها شاة صدع [ (10) ] [قوله: «أنقض به دريد» يريد أنه نقر بلسانه في فيه كما يزجر الشاة أو الحمار. وقوله: «رويعي [ (11) ] ضأن» ، يستجهله] . خروج رسول اللَّه إلى حنين فغدا صلّى اللَّه عليه وسلّم يريدهم يوم السبت لست خلون من شوال، وقيل قدم مكة لثماني
إعجاب المسلمين بكثرتهم يوم حنين
عشرة ليلة من شهر رمضان سنة ثمان، وأقام بها اثنتي عشرة ليلة، ثم أصبح غداة الفطر غاديا إلى حنين. وخرج معه أهل مكة- لم يتأخر منهم كبير أحد- ركبانا ومشاة، حتى خرج معه النساء يمشين: على غير دين نظارا ينظرون ويرجون الغنائم، ولا يكرهون الدّولة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. واستعمل على مكة عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس القرشيّ الأمويّ- وله نحو عشرين سنة-، وجعل معه معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عديّ بن كعب بن عمرو بن أديّ ابن سعيد بن علي بن أسد بن ساردة [ (1) ] بن زيد بن جشم بن الخزرج الأنصاريّ الخزرجي، يعلمهم السّنن والفقه. وخرج معه اثنا عشر ألف رجل: عشرة آلاف من المدينة وألفان من أهل مكة، وهم الطلقاء. إعجاب المسلمين بكثرتهم يوم حنين فقال رجل من بني بكر: لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة! فأنزل اللَّه تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [ (2) ] . عارية السلاح واستعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صفوان بن أمية مائة درع، وقيل أربعمائة درع، بأداتها، وخرج [صفوان] [ (3) ] وهو مشرك مع المسلمين. خبر ذات الأنواط فمرّوا بشجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط- كانت العرب من قريش وغيرها يأتونها كل سنة يعلقون عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما- فقالوا: يا رسول اللَّه: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط: فقال: اللَّه أكبر! قلتم- والّذي نفسي بيده- كما قال قوم موسي:
خبر الرجل الذي أراد قتل رسول الله
اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [ (1) ] ، إنها السّنن، سنن من كان قبلكم [وفي رواية: لتركبن سنن من قبلكم] [ (2) ] . خبر الرجل الّذي أراد قتل رسول اللَّه ونزل رسول اللَّه تحت شجرة دوين أوطاس، وعلق بها سيفه وقوسه، فجاء رجل وهو نائم فسلّ السيف، وقام على رأسه ففزع به [ (3) ] وهو يقول: يا محمد! من يمنعك منّي اليوم؟ فقال: اللَّه! فأتى أبو بردة بن نيار يريد أن يقتل الرجل، فمنعه النبي عليه السلام من قتله وقال: يا أبا بردة، إن اللَّه مانعي وحافظي حتى يظهر دينه على الدّين كلّه. وانتهى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال. عيون هوازن ورعب المشركين فبعث مالك بن عوف ثلاثة رجال متفرقين في العسكر [يأتونه بخبر أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (4) ] ، فرجعوا وقد تفرقت أوصالهم [من الرعب] [ (4) ] ، وقالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فو اللَّه ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! وقالوا: ما نقاتل أهل الأرض إنما نقاتل إلا أهل السماء! وإن أطعتنا رجعت بقومك. فسبّهم وحبسهم. ثم بعث آخر فعاد إليه بمثل ما قال الثلاثة، فلم ينته. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن حدرد مرثد بن أبي مرثد الغنويّ تلك الليلة على فرسه وهو يحرس المسلمين. خروج غير المسلمين إلى حنين وكان قد خرج رجال من مكة على غير دين، ينظرون على من تكون الدائرة، فيصيبون من الغنائم، منهم أبو سفيان بن حرب [ (5) ] ، ومنهم معاوية بن أبي سفيان- خرج ومعه الأزلام [ (6) ] في كنانته، وكان يسير في أثر العسكر، كلّما مرّ بترس
تعبئة المسلمين
ساقط أو رمح أو متاع حمله، حتى أوقر جمله [ (1) ]-، وصفوان بن أمية، ومعه حكيم بن حزام، وحويطب بن عبد العزّى، وسهيل بن عمرو، والحارث ابن هشام [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن أبي ربيعة، فلما كانت الحرب وقفوا خلف الناس. تعبئة المسلمين وعبّأ مالك بن عوف أصحابه في الليل بوادي حنين، وعبأ له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في السّحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها. فحمل رايات المهاجرين: عليّ وسعد بن أبي وقّاص، وعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهم، وحمل رايات الأنصار الحباب بن المنذر، وقيل كان لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة، ولواء الأوس مع أسيد بن حضير. وفي كل بطن لواء أو راية. وكانت رايات المهاجرين سودا وألويتهم بيضاء، ورايات الأنصار خضرا وحمرا، وكانت في قبائل العرب رايات، وبقيت سليم كما هي في مقدمة الخيل، وعليهم خالد بن الوليد. المسير إلى القتال وانحدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه في وادي حنين. وهو على تعبئته وقد ركب بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين والمغفر والبيضة، وحضّ على القتال، وبشر بالفتح إن صدقوا وصبروا. انهزام المسلمين فاستقبلتهم هوازن في غبش الصّبح [ (3) ] بكثرة لم يروا مثلها قط، وحملوا على المسلمين حملة واحدة، فانكشف أول الخيل خيل [بني] [ (4) ] سليم مولّية، فولوا وتبعهم أهل مكة، وتبعهم الناس منهزمين ما يلوون على شيء.
انهزام المشركين بغير قتال
انهزام المشركين بغير قتال فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمينا وشمالا- والناس منهزمون حتى بلغوا مكة، فلم يرجع آخرهم إلا والأسارى بين يدي النبي عليه السلام- وهو يقول: يا أنصار اللَّه وأنصار رسول اللَّه؟ أنا عبد اللَّه ورسوله!! ثم تقدّم بحربته أمام الناس، وانهزم المشركون، وما ضرب أحد من المسلمين بسيف ولا طعن برمح. ورجع صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى العسكر، وأمر أن يقتل كلّ من قدر عليه من المشركين، وقد ولت هوازن، وثاب من انهزم من المسلمين. الذين ثبتوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الهزيمة ولم يثبت معه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقت الهزيمة إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وقد أخذ [ (1) ] بثغر البلغة، والعباس وقد أخذ بحكمتها [ (2) ] ، وهو يركضها إلى وجه العدوّ، وينوّه باسمه فيقول: أنا النبيّ لا كذب ... أنا ابن عبد المطّلب دعوة المنهزمين وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم يا عباس! اصرخ: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السّمرة [ (3) ] ! فنادى بذلك- وكان رجلا صيّتا [ (4) ]-، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنّت إلى أولادها يقولون يا لبّيك ... يا لبيك! فأشرف صلّى اللَّه عليه وسلّم كالمتطاول في ركابيه، فنظر إلى قتالهم وقال: الآن حمي الوطيس! ثم أخذ بيده من الحصا فرماهم به وهو يقول: شاهت الوجوه، حم لا ينصرون! ثم قال: انهزموا وربّ الكعبة! فما زال أمرهم مدبرا وانهزموا: فانحاز صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات اليمين، وهو على بغلته قد جرّد سيفه.
عدد من ثبت معه
عدد من ثبت معه وثبت معه [ (1) ] سوى من ذكرنا: عليّ، والفضل بن عباس، وربيعة ابن الحارث [بن عبد المطلب] [ (2) ] ، وأيمن بن عبيد الخزرجي، وأسامه بن زيد، وأبو بكر وعمر، رضي اللَّه عنهم. وقيل لما انكشف الناس عنه قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لحارثة بن النّعمان الأنصاري: كم ترى الناس الذين ثبتوا؟ فحرزهم مائة، وهذه المائة هي التي كرّت بعد الفرار، فاستقبلوا هوازن واجتلدوهم [ (3) ] وإياهم وكان دعاؤه يومئذ- حين انكشف الناس عنه، فلم يبق إلا في المائة الصابرة-: اللَّهمّ لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان [ (4) ] ! ويقال إن المائة الصابرة يومئذ: ثلاثة وثلاثون من المهاجرين، وسبعة وستون من الأنصار، وكان عليّ، وأبو دجانة، وعثمان بن عفان، وأيمن بن عبيد رضي اللَّه عنهم يقاتلون بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. خبر على وقتاله يوم حنين قال الحارث بن نوفل: فحدّثني الفضل بن العباس قال: التفت العباس يومئذ وقد أقشع [ (5) ] الناس عن بكرة أبيهم- فلم ير عليا فيمن ثبت، فقال: شوهة وبوهة [ (6) ] ! أوفي مثل هذه [ (7) ] الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ وهو صاحبه فيما هو صاحبه!! [يعني المواطن المشهورة له] فقلت: بعض قولك لابن أخيك! أما تراه في الرّهج؟ قال: أشعره [ (8) ] لي يا بنيّ. قلت ذو كذا، ذو كذا، ذو البردة. قال: فما تلك البرقة؟ قلت: سيفه يرفل [ (9) ] به بين
قتال أم عمارة وصواحباتها
الأقران [ (1) ] . فقال برّ ابن برّ؟ فداه عم وخال! قال: فضرب عليّ يومئذ أربعين مبارزا كلهم يقده حتى يقدّ أنفه وذكره. قال: وكانت ضرباته منكرة. قتال أم عمارة وصواحباتها وكانت أم عمارة في يدها سيف صارم، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها وهي يومئذ حامل بعبد اللَّه بن أبي طلحة، وأم سليط، وأم الحارث- حين انهزم الناس- يقاتلن: وأم عمارة تصيح بالأنصار: أيّة عادة هذه! ما لكم وللفرار! وشدّت على رجل من هوازن فقتلته وأخذت سيفه. موقف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قائم مصلت السيف بيده، وقد طرح غمده ينادي: يا أصحاب سورة البقرة! فكرّ المسلمون، وجعلوا يقولون: يا بني عبد الرحمن! يا بني عبد اللَّه! يا بني عبيد اللَّه! يا خيل اللَّه- وكان صلى اللَّه عليه وسلّم قد سمّي خيله خيل اللَّه-[وكان شعار [ (2) ] المهاجرين بني عبد الرحمن، وشعار الأوس بني عبيد اللَّه، وشعار الخزرج بني عبد اللَّه] . فكرّت الأنصار، ووقفت هوازن حملة ناقة [ (3) ] ، ثم كانت هزيمتهم أقبح هزيمة، والمسلمون يقتلون ويأسرون. تحريض أم سليم وأم سليم بنت ملحان تقول: يا رسول اللَّه! ما رأيت هؤلاء الذين أسلموا وفرّوا عنك وخذلوك! لا تعف عنهم إذا أمكنك اللَّه منهم، تقتلهم كما تقتل هؤلاء المشركين! فقال: يا أم سليم! قد كفى اللَّه، عافية اللَّه أوسع. النهي عن قتل الذرية وحنق المسلمون على المشركين فقتلوهم حتى شرعوا [ (4) ] في قتل الذّرية. فلما بلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذّرّيّة!
خبر النمل
ألا لا تقتل الذرية، فقال أسيد بن الحضير: يا رسول اللَّه! أليس إنما هم أولاد المشركين؟! فقال: أوليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، وأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها [ (1) ] !. خبر النمل وقال جبير بن مطعم: لما تراءينا نحن والقوم، رأينا سوادا لم نر مثله قط كثرة، وإنما ذلك السواد نعم فحملوا النساء عليه. فأقبل مثل الظّلّة السوداء من السماء، حتى أظلت علينا وعليهم وسدّت الأرض. فنظرت فإذا وادي حنين يسيل بالنمل، نمل أسود مبثوث. لم أشكّ أنه نصر أيدنا اللَّه به، فهزمهم اللَّه. وحدّث شيوخ من الأنصار قالوا: رأينا كالبجد [ (2) ] السود هوت من السماء ركاما فنظرنا فإذا نمل مبثوث، فإن كنا لننفضه عن ثيابنا، فكان نصرا أيّدنا اللَّه به. نصر الملائكة وكانت سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمرا [ (3) ] قد أرخوها بين أكتافهم، وكان الرعب الّذي قذف اللَّه في قلوب المشركين يومئذ كوقع الحصاة في الطّست: له طنين، فيجدون في أجوافهم مثل ذلك. ولم رمي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك الكفّ من الحصا، لم يبق أحد من المشركين إلا وهو يشكو القذى في عينه. ويجدون في صدورهم خفقانا كوقع الحصا في الطّساس [ (4) ] : ما يهدأ ذلك عنهم. ورأوا رجالا بيضا على خيل بلق، عليهم عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم، وهم بين السماء والأرض: كتائب، فما كانوا يستطيعون أن يتأمّلوهم من الرعب منهم. القتلى في ثقيف استحرّ القتل من ثقيف [في] [ (5) ] بني مالك، فقتل منهم قريب من مائة رجل تحت رايتهم، وقتل ذو الخمار، وهربت ثقيف.
إسلام شيبة بن عثمان
إسلام شيبة بن عثمان وكان شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، قد تعاهد هو وصفوان بن أميّة يومئذ إن رأيا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دبرة أن يكون عليه، وهما خلفه. قال شيبة: فأدخل اللَّه الإيمان قلوبنا. ولقد هممت بقتله، فأقبل شيء حتى يغشى فؤادي، فلم أطق ذلك، وعلمت أنه قد منع مني وفي رواية: غشيتني ظلمة حتى لا أبصر، فعرفت أنه ممتنع مني، وأيقنت بالإسلام. وفي رواية: أنّ شيبة قال: لما رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم غزا مكة فظفر بها وخرج إلى هوازن، قلت: أخرج لعلي أدرك ثأري! وذكرت قتل أبي يوم أحد [قتله حمزة] ، وعمي [قتله عليّ] ، فلما انهزم أصحابه جئته عن يمينه، فإذا العباس قائم علي درع بيضاء كالفضة، فقلت: عمّه! لن يخذله! فلما جئته عن يساره، فإذا بأبي سفيان بن الحارث، فقلت: ابن عمّه! ولن يخذله [ (1) ] ! فجئته من خلفه، فلم يبق [ (2) ] إلا أسوّره بالسيف [ (3) ] ، إذ رفع لي- فيما بيني وبينه- شواظ [ (4) ] من النار كأنه برق، وخفت أن يمحشني [ (5) ] ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، فالتفت إليّ وقال: يا شيب! أدن مني! فوضع يده على صدري وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الشيطان! فرفعت رأسي إليه وهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري وقلبي، ثم قال: يا شيب! قاتل الكفّار! فتقدّمت بين يديه أحبّ واللَّه أقيه بنفسي وبكلّ شيء. فلما انهزمت هوازن، رجع إلى منزله ودخلت عليه، فقال: الحمد للَّه الّذي أراد بك خيرا مما أردت. ثم حدثني بما هممت به. خبر المنافقين ولما كانت هزيمة المسلمين، تكلم قوم بما في نفوسهم من الضّغن والغشّ، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر؟ فقال [أبو مقيت ابن سليم] [ (6) ] : أما واللَّه لولا أني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينهي عن قتلك لقتلتك!
النهي عن قتل النساء والمماليك
وقال كلدة بن حنبل- أخو صفوان لأمه- ألا بطل سحر محمد اليوم! فقال له صفوان: اسكت فضّ اللَّه فاك! لأن يربّني ربّ من قريش أحبّ إليّ من أن يربّني ربّ من هوازن! وقال سهيل بن عمرو: [واللَّه] [ (1) ] لا يجتبرها [ (2) ] محمد وأصحابه [أبدا] [ (1) ] ! فقال له عكرمة [بن أبي جهل] [ (1) ] : إنّ هذا ليس بقول! إنما الأمر بيد اللَّه، وليس إلى محمد الأمر شيء! إن أديل [ (3) ] عليه اليوم فإن له العاقبة [ (4) ] غدا. فقال له سهيل: واللَّه إن عهدك بخلافه لحديث! قال: يا أبا يزيد، إنا كنا واللَّه نوضع في غير شيء وعقولنا عقولنا [ (5) ] نعبد حجرا لا ينفع ولا يضرّ!! النهي عن قتل النساء والمماليك ومرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بامرأة مقتولة: قتلها خالد بن الوليد، فبعث إليه: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينهاك أن تقتل امرأة أو عسيفا [ (6) ] . خبر بني سليم ولما هزم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هوازن، وأتبعهم المسلمون يقتلونهم، نادت بنو سليم: ارفعوا عن بني أمكم القتل! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ عليك ببني بمكة! أمّا في قومي فوضعوا السّلاح وضعا، وأمّا عن قومهم فرفعوا رفعا، [وبكمة بنت مرّ أم سليم، وهي أخت تميم بن مرّ] . خبر بجاد السعدي وأمر عليه السلام بطلب القوم، وقال: إن قدرتم على بجاد فلا يفلتنّ منكم! وكان [بجاد] [ (7) ] من بني سعد [بن بكر بن هوازن] [ (7) ] وقد قطّع رجلا مسلما وحرّقه بالنار، فأخذته الخيل، وضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزّى- أخت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة- وأتوا بهما فرحّب بالشيماء وأجلسها على
هزيمة هوازن وقتل دريد بن الصمة
ردائه، وأعطاها- بعد ما أسلمت- ثلاثة أعبد وجارية، فاستوهبته بجادا فوهبه لها. هزيمة هوازن وقتل دريد بن الصمة ومرّت هوازن في هزيمتها إلى الطائف، وإلى أوطاس، وإلى نخلة. فسارت الخيل تريد من أتى نخلة. أدرك الربيع بن ربيعة بن رفيع بن أهبان [ (1) ] بن ثعلبة بن ضبيعة بن يربوع بن سمّال بن عوف بن مريء القيس بن بهثة بن سليم السّلمي-[وكان يقال له «ابن الدّغنّة» ، وهي أمه فغلبت على اسمه] [ (2) ]- دريد بن الصّمة فقتله. أبو عامر الأشعري وتوجّه أبو عامر الأشعريّ- أخو أبي موسى [الأشعريّ] [ (2) ]- إلى أوطاس، ومعه لواء في عدّة من المسلمين، وقد عسكر المشركون، فقاتلهم وقتل منهم تسعة ثم أصيب، فاستخلف أخاه أبا موسى ففتح اللَّه عليه. ولحق مالك بن عوف بالطائف. الغنائم والسبي وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالغنائم فجمعت. ونادى مناديه: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يغلّ! وأصاب المسلمون سبايا، فكانوا يكرهون أن يقعوا عليهنّ ولهنّ أزواج، فسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك فأنزل اللَّه وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً [ (3) ] وقال صلى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: لا توطأ حامل من السبي حتى تضع حملها، ولا غير ذات حمل حتى تحيض. وسألوه عن العزل [ (4) ] ، فقال: ليس من كل الماء
دية عامر بن الأضبط
يكون الولد، وإذا أراد اللَّه أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء. دية عامر بن الأضبط وقام عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعيّ- وقد قتله محلّم بن جثّامة بن قيس الليثي في سرية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى إضم- بعد ما حيّا بتحية الإسلام- فدافع عنه الأقرع بن حابس، فأشار النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالدية فقبلوها. شارب الخمر أتي يومئذ بشارب، فأمر عليه السلام من عنده [ (1) ] فضربوه بما كان في أيديهم، وحثا عليه التراب. الشهداء والسبي وجميع من استشهد [ (2) ] بحنين أربعة [ (3) ] . وفي هذه الغزاة قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من قتل قتيلا فله سلبه. وكان أبو طلحة قد قتل عشرين رجلا فأعطاه سلبهم. وذكر الزبير بن بكّار:
غزوة الطائف
أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سبى يوم حنين ستة آلاف- بين غلام وامرأة- فجعل عليهم أبا سفيان بن حرب. ومات رجل من أشجع أيام حنين، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلّوا على صاحبكم فإنه قد غلّ. فنظروا. فإذا في برديه خرز لا يساوي درهمين. غزوة الطائف ثم كانت غزوة الطائف. وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما فتح حنينا، بعث الطفيل ابن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سالم بن فهم الدّوسيّ إلى ذي الكفّين- صنم عمرو بن حمه- يهدمه، وأمره أن يستمدّ قومه ويوافيه بالطائف، وقال له: أفش السلام، وأبذل الطعام- واستحي من اللَّه كما يستحي الرجل ذو الهيئة من أهله [ (1) ] ، إذا أسأت فأحسن، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ [ (2) ] . فخرج إلى قومه فهدم ذا الكفين، وجعل يحشو النّار في وجهه ويحرقه ويقول: يا ذا الكفين لست من عبّاكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا أنا حششت [ (3) ] النار في فؤادكا ووافى معه بأربعمائة، بعد ما قدم عليه السلام الطائف بأربعة أيام، ومعه دبّابة، ومنجنيق. ويقال: بل اتخذ المنجنيق سلمان الفارسيّ، وقدم بالدبّابة خالد بن سعيد ابن العاص من جرش [ (4) ] . وكان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حسك من خشب [ (5) ] يطيف بعسكره.
بعثة خالد بن الوليد على المقدمة
بعثة خالد بن الوليد على المقدمة وقدّم صلى اللَّه عليه وسلّم خالد على مقدّمته، وبعث بالسبي والغنائم إلى الجعرّانة مع بديل ابن ورقاء الخزاعيّ، وسار إلى الطائف وقد رمّوا حصنهم، ودخل فيه من انهزم من أوطاس، واستعدوا للحرب وأتي صلى اللَّه عليه وسلّم- في طريقه بليّة [ (1) ]- برجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل، فضرب أولياؤه عنقه، وكان أوّل دم أقيد [ (2) ] به في الإسلام، وحرّق بليّة [ (3) ] قصر مالك بن عوف. منزل المسلمين بالطائف ثم نزل قريبا من حصن الطائف وعسكر به، فرموا بنبل كثير أصيب به جماعة من المسلمين بجراحة، فحوّل عليه السلام أصحابه، وعسكر حيث لا يصيبهم رمي أهل الطائف، وثار المسلمون إلى الحصن، فقتل يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد بن عبد العزّى بن قصيّ القرشيّ الأسدي، فظفر أخوه يعقوب بن زمعة بهذيل بن أبي الصّلت، [أخي أميّة بن الصلت] . وقال: هذا قاتل أخي! فضرب عنقه، وأقام صلى اللَّه عليه وسلّم على حصار الطائف ثمانية عشر يوما، وقيل تسعة عشر يوما، وصحح ابن حزم إقامته عليه السلام بضع عشرة ليلة وفي الصحاح عن أنس بن مالك قال: فحاصرناهم أربعين يوما. يعني ثقيفا. مصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فكان في إقامته يصلّي ركعتين بين قبّتين قد ضربتا لزوجتيه أمّ سلمة وزينب رضي اللَّه عنهما. فلما أسلمت ثقيف، بني أمية بن عمرو بن وهب بن معتّب ابن مالك [ (4) ] على مصلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسجدا، وكان فيه سارية-[فيما
محاصرة حصن الطائف
يزعمون] [ (1) ]- لا تطلع الشمس عليها [يوما] [ (1) ] من الدهر إلا يسمع لها نقيض أكثر من عشر مرار، وكانوا يرون أن ذلك تسبيح [ (2) ] . محاصرة حصن الطائف ونصب صلى اللَّه عليه وسلّم المنجنيق على حصن الطائف، وقد أشار به سلمان الفارسيّ رضي اللَّه عنه، وقد عمله بيده، وقيل: قدم به يزيد بن زمعة ومعه دبابتان [ (3) ] ، وقيل: قدم به الطّفيل بن عمرو: وقيل: قدم به وبدبابتين خالد بن سعيد من جرش [ (4) ] ونثر صلى اللَّه عليه وسلّم الحسك حول الحصن، ودخل المسلمون تحت الدبابتين، ثم زحفوا [ (5) ] بها إلى جدار الحصن ليحفروه، فأرسلت عليهم ثقيف سكك [ (6) ] الحديد محماة بالنار فحرقت الدبابتين- وكانت من جلود البقر- فأصيب من المسلمين جماعة، وخرج من بقي من تحتها فقتلوا بالنبل. فأمر عليه السلام بقطع أعنابهم وتحريقها، فقطعها المسلمون قطعا ذريعا. فنادى سفيان بن عبد اللَّه الثّقفي: يا محمد! لم تقطع أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا، وإما أن تدعها [للَّه] [ (7) ] وللرحم كما زعمت! فقال عليه السلام: للَّه وللرّحم! وكفّ عنها. النازلون من حصن الطائف ونادى منادى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أيّما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر [ (8) ] ! فخرج بضعة عشر رجلا: أبو بكرة، والمنبعث، والأزرق [أبو عقبة الأزرق] ، ووردان، ويحنّس النّبّال، وإبراهيم بن جابر، ويسار، ونافع، وأبو السائب [ (9) ] ، ومرزوق، فأعتقهم صلى اللَّه عليه وسلّم، ودفع كلّ رجل منهم إلى رجل من
خير هيت وماتع
المسلمين يمونه ويحمله، وأمرهم أن يقرؤهم القرآن ويعلموهم السنن، فشق ذلك على أهل الطائف. خير هيت وماتع وكان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم، يقال له «ماتع» وآخر يقال «هيت» . وكان «ماتع» [ (1) ] ، يدخل بيوته ويرى أنه لا يفطن لشيء من أمر النساء ولا إربة له، فسمعه وهو يقول لخالد ابن الوليد، [ويقال لعبد اللَّه بن أبي أمية [ (2) ] بن المغيرة] : إن افتتح رسول اللَّه الطائف غدا فلا تفلتنّ منك بادية بنت غيلان! فإنّها تقبل بأربع وتدبر بثمان، وإذا جلست تثنت، وإذا تكلّمت تغنّت وإذا اضطجعت تمنّت، وبين رجليها مثل الإناء المكفأ، مع ثغر كأنه الأقحوان [ (3) ] ، فقال عليه السلام: ألا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع!! لا يدخلنّ على أحد من نسائكم! وغرّبهما إلى الحمى، فتشكيا الحاجة [ (4) ] ، فأذن لهما أن ينزلا كل جمعة يسألان ثم يرجعان إلى مكانهما. فلما توفّي عليه السلام ودخلا مع الناس، أخرجهما أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلما توفّي [دخلا مع الناس، أخرجهما عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه. فلما توفّي] [ (5) ] دخلا مع الناس.
خبر خولة بنت حكيم
خبر خولة بنت حكيم وقالت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص السّلميّة امرأة عثمان بن مظعون: يا رسول اللَّه، أعطني- إن فتح اللَّه عليك [الطائف] [ (1) ]- حلّى الفارعة بنت الخزاعي [ (2) ] أو بادية بنت غيلان. فقال لها: وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خوله! فذكرت ذلك لعمر رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه! ما حديث حدثتني خولة بنت أنك قلته [ (3) ] ! قال: ولم يؤذن لك فيهم؟ قال: لا! قال أفلا أؤذّن في الناس [ (4) ] بالرحيل؟ قال: بلى. أذان عمر بالرحيل عن الطائف فأذّن عمر بالرحيل، فشقّ على المسلمين رحيلهم بغير فتح. ورحلوا، فأمرهم عليه السلام أن يقولوا: لا إله إلا اللَّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده فلما استقلوا المسير قال: قولوا آئبون إن شاء اللَّه تائبون عابدون لربنا حامدون [ (5) ] . وقيل له لما ظعن: يا رسول اللَّه: أدع اللَّه على ثقيف! فقال: اللَّهمّ أهد ثقيفا وأت بهم! وكان من استشهد بالطائف أحد عشر رجلا [ (6) ] . خبر أبي رهم وسار صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الجعرانة. فبينا هو يسير- وأبو رهم الغفاريّ إلى جنبه على ناقة له، وفي رجليه نعلان غليظتان- إذ زحمت ناقته ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فوقع حرف نعله على ساق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأوجعه فقال: أوجعتني! [أخّر رجلك! وقرع رجله بالسّوط، وقال أبو رهم: فأخذني ما تقدم من أمري وما تأخر،
خبر سراقة بن مالك بن جعشم
وخشيت أن ينزل فيّ قرآن لعظيم ما صنعت، فلما أصبحنا بالجعرّانة، خرجت أرعي الظّهر- وما هو يومي- فرقا أن يأتي للنّبيّ عليه السلام رسول يطلبني! فلما روّحت الركاب سألت. فقالوا طلبك النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: إحداهنّ واللَّه [ (1) ] ! فجئته وأنا أترقّب. فقال: إنك [أوجعتني] [ (2) ] برجلك فقرعتك بالسّوط، فخذ هذه الغنم عوضا من [ (3) ] ضربتي [قال أبو رهم: فرضاه عنّي كان أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها] [ (4) ] . وحادثة عبد اللَّه بن أبي حدرد [ (5) ] الأسلميّ في مسيره، فلصقت ناقته بناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأصاب رجله، فقال: أخِّ [ (6) ] !! أوجعتني! ودفع رجل عبد اللَّه بمحجن في يده، فلما نزل دعاه وقال له: أوجعتك بمحجني البارحة! خذ هذه القطعة من الغنم. فأخذها فوجدها ثمانين شاة ضائنة [ (7) ] . ولما أراد أن يركب من قرن [ (8) ] راحلته، وطئ له على يدها أبو روعة الجهنيّ، ثم ناوله الزمام بعد ما ركب، فخلّف عليه السلام الناقة بالسوط، فأصاب أبا روعة فالتفت إليه وقال: أصابك السوط؟ قال: نعم، بأبي وأمي: فلمّا نزل الجعرانة صاح: أين أبو روعة! قال: ها أنا ذا! قال خذ هذه الغنم بالذي أصابك من السّوط أمس. فوجدها عشرين ومائة. خبر سراقة بن مالك بن جعشم ولقيه سراقة بن مالك بن جعشم وهو منحدر إلى الجعرانة، فجعل الكتاب الّذي كتبه أبو بكر رضي اللَّه عنه بين إصبعيه ونادى: أنا سراقة، وهذا كتابي! فقال عليه السلام: هذا يوم وفاء وبرّ، فأدنوه منه، فأسلم وساق إليه الصّدقة.
هدية رجل من أسلم
وسأله عن الضالة من الإبل تغشى حياضه، وقد ملأها لإبله، فهل له من أجر إن سقاها؟ فقال عليه السلام: نعم! في كل ذات كبد حرّى [ (1) ] أجرا. هدية رجل من أسلم واعترض له رجل من أسلم معه غنم فقال يا رسول اللَّه! هذه هدية قد أهديتها لك! - وكان قد أسلم وساق صدقته إلى بريدة بن الحصيب لما خرج مصدّقا- فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: نحن على ظهر كما ترى، فالحقنا بالجعرانة، فخرج يعدو عراض ناقة [ (2) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول. يا رسول اللَّه! تدركني الصلاة وأنا في عطن الإبل [ (3) ] ، أفأصلّى فيه؟ قال: لا! قال: فتدركني وأن في مراح الغنم [ (4) ] ، أفأصلي فيه؟ قال: نعم! قال: يا رسول اللَّه! ربما تباعد بنا الماء ومع الرجل زوجته، فيدنو منها؟ قال: نعم! ويتيمم. قال: يا رسول اللَّه! وتكون فينا الحائض؟ قال: تتيمم! فلحقه عليه السلام بالجعرانة فأعطاه مائة شاة. سؤال الأعراب وجعل الأعراب في طريقه يسألونه [أن يقسم عليهم فيئهم من الإبل والغنم] [ (4) ] ، وكثّروا عليه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فنزعته [ (5) ] ، فوقف وهو يقول: أعطوني ردائي! لو كان عدد هذا العضاة نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذّابا. منزله بالجعرانة وانتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس خلون من ذي القعدة، والسّبي والغنائم بها محبوسة، وقد اتخذ السّبي حظائر يستظلون بها من الشمس، وكانوا ستة آلاف،
عطاء المؤلفة قلوبهم
والإبل أربعة وعشرين ألف بعير- فيها اثنا عشر ألف ناقة- والغنم أربعين ألفا، وقيل أكثر. فأمر بسر [ (1) ] بن سفيان الخزاعي يقدم مكة فيشتري للسبي ثيابا يكسوهن، وكساهم كلهم. واستأذنّا صلى اللَّه عليه وسلّم بالسّبي، وأقام يتربّص أن يقدم وفدهم وكان قد فرّق منه وهو بحنين، فأعطى عبد الرحمن بن عوف امرأة. وأعطى صفوان ابن أميّة، وعليا، وعثمان، وعمر، وجبير بن مطعم، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد ابن أبي وقاص، وأبا عبيدة بن الجرّاح، والزبير بن العوام رضي اللَّه عنهم. عطاء المؤلفة قلوبهم فلما رجع إلى الجعرّانة بدأ بالأموال فقسمها، فأعطى المؤلفة قلوبهم أوّل الناس، وكان مما غنم أربعة آلاف أوقية فضة. عطاء أبي سفيان فجاء أبو سفيان بن حرب والفضّة بين يديه، فقال: يا رسول اللَّه! أصبحت أكثر قريش مالا! فتبسّم عليه السلام، فقال أبو سفيان: أعطني من هذا يا رسول اللَّه، قال: يا بلال، زن لأبي سفيان أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال: ابني يزيد! قال: زنوا ليزيد أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال: ابني معاوية يا رسول اللَّه! قال: زن له يا بلال أربعين أوقية وأعطه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: إنك لكريم فداك أبي وأمّي! واللَّه لقد حاربتك فنعم المحارب كنت! ثم سالمتك فنعم المسالم أنت. عطاء حكيم بن حزام وسأل حكيم بن حزام يومئذ من الإبل فأعطاه، ثم سأل مائة فأعطاه، ثم قال [صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] : يا حكيم بن حزام إن هذا المال خضرة حلوة. فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس [ (3) ] لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا [ (4) ] خير من اليد السّفلى [ (5) ] ، وابدأ بمن تعول [ (6) ] . فأخذ
عطاء النضير بن الحارث
حكيم المائة الأولى ثم ترك ما عداها. عطاء النضير بن الحارث وأعطى النضير بن الحارث بن [علقمة] [ (1) ] بن كلدة- أخا النضر ابن الحارث- مائة، وأعطى أسيد بن جارية [ (2) ]- حليف بني زهرة- مائة من الإبل، وأعطى العلاء بن جارية خمسين بعيرا، وأعطى الحارث بن هشام مائة من الإبل، وسعيد بن يربوع خمسين بعيرا، وصفوان بن أميّة مائة بعير. عطاء صفوان بن أمية وفي صحيح مسلم عن الزّهريّ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى يومئذ صفوان بن أمية ثلاثمائة من الإبل. ويقال إنه طاف مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يتصفّح الغنائم إذ مرّ بشعب مما أفاء اللَّه عليه، فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه، فقال: أعجبك يا أبا وهب هذا الشّعب؟ قال: نعم! قال: هو لك وما هو فيه! فقال: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قطّ إلا نبي، وأشهد أنك رسول اللَّه. عطاء جماعة من المؤلفة قلوبهم وأعطى قيس بن عديّ مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين بعيرا، وأعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل، وأعطى هشام بن عمرو خمسين بعيرا، وأعطى الأقرع بن حابس التميميّ مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن الفزاري مائة من الإبل، وأعطى أبا عامر العبّاس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة [ (3) ] بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحارث [ابن يحيى بن الحارث] [ (4) ] بن بهثة بن سليم [بن منصور السّلميّ] [ (4) ] دون المائة، فعاتب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في شعر قاله، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اقطعوا عني لسانه! فأعطوه مائة، ويقال خمسين بعيرا، وأثبت القولين أن هذا العطاء كان من الخمس.
منع جعيل بن سراقة من العطاء
منع جعيل بن سراقة من العطاء وقال يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمريّ؟! فقال: أما والّذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع [ (1) ] الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكني أتألفهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه. خبر ذي الخويصرة التميمي وجلس صلى اللَّه عليه وسلّم يومئذ، وفي ثوب بلال رضي اللَّه عنه فضة يقبّضها للناس على ما أراه اللَّه، فأتي ذو الخويصرة التميمي- (واسمه حرصوص) : فقال: اعدل يا رسول اللَّه! فقال: ويلك! فمن يعدل إذا لم أعدل، قال عمر رضي اللَّه عنه: ائذن لي أن أضرب عنقه! قال: دعه، فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم [ (2) ] ، وصيامه مع صيامهم [ (2) ] ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّمية [ (3) ] : [ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافة [ (4) ] فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه [ (5) ]- وهو قدحه- فلا يوجد فيه شيء، ثم] ينظر إلى قذذه [ (6) ] فلا يوجد فيه شيء [ (7) ] قد سبق الفرث [ (8) ] والدّم. آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر [ (9) ] ويخرجون على حين فرقة من الناس [ (10) ] .
مقالة رجل من المنافقين
مقالة رجل من المنافقين وقال معتب بن قشير العمريّ يومئذ، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعطي تلك العطايا: إنها لعطايا ما يراد بها وجه اللَّه!! فأخبر عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك فتغير لونه، ثم قال: يرحم اللَّه أخي موسى! قد أوذي بأكثر من هذا فصبر [ (1) ] . إحصاء الناس والغنائم وقسمتها ثم أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه بإحصاء الناس والغنائم ثم فضّها [ (2) ] على الناس. وكانت سهمانهم: لكل رجل أربع من الإبل وأربعون شاة. وإن كان فارسا أخذ اثنتي عشرة من الإبل أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له. وفد هوازن وإسلامهم وقدم وفد هوازن: وهم أربعة عشر رجلا- رأسهم [ (3) ] أبو صرد زهير ابن صرد الجشمي السعديّ- قد أسلموا وأخبروا بإسلام من وراءهم من قومه فقال أبو صرد: يا رسول اللَّه، إنّا أصل وعشيرة [ (4) ] وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفي عليك، إنما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ولو أنّا ملحنا [ (5) ] للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر. ثم نزل منا أحدهما بمثل الّذي نزلت به، رجونا عطفه وعائدته [ (6) ] ، وأنت خير المكفولين. [وفي رواية [ (7) ] أنه قال: إنما في هذه الحظائر أخواتك وعماتك وبنات عماتك وبنات خالاتك، وأبعدهن قريب منك يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمّي! حضنّك في حجورهنّ، وأرضعتك بثديهنّ وتوركنك على أوراكهن! وأنت خير المكفولين] .
جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم
امنن علينا رسول اللَّه في كرم ... فإنك المرء نرجوه وندّخر امنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك يملأه من محضها الدّرر امنن على نسوة إعتاقها [ (1) ] قدر ... ممزق شملها في دهرها غير أبقت لما الدّهر هتّافا على حزن ... على قلوبهم الغمّاء والغمر اللات [ (2) ] إذ كنت طفلا كنت ترضعها ... وإذ يزينك [ (3) ] ما تأتي وما تذر إلا تداركها نعماء تنشرها ... يا أرجح الناس حلما حين يختبر فألبس العفو من قد كنت ترضعه ... من أمهاتك إن العفو مشتهر يا خير من مرحت كمت الجياد به ... عند الهياج إذا ما استوقد الشّرر إنا نؤمّل عفوا منك تلبسه ... هذي البريّة إذ تعفو وتنتصر [ (4) ] فاعف عفا اللَّه عمّا أنت واهبه ... يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر تجعلنا كمن شالت نعامته ... واستبق منا فإنا معشر زهر إنا لنشكر آلاء وإن قدمت ... وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر جواب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن أحسن الحديث أصدقه، وعندي ما ترون من المسلمين، فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ قالوا: يا رسول اللَّه! خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا [ (5) ] !! وما كنا نعدل بالأحساب شيئا، فردّ علينا أبناءنا ونسائنا. فقال: أمّا ما [كان] [ (6) ] لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وأسأل لكم الناس. فإذا [أنا] [ (7) ] صليت الظّهر بالناس [فقوموا] [ (7) ] فقولوا [ (8) ] : إنا نستشفع برسول اللَّه إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول اللَّه! فإنّي سأقول لكم. ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وسأطلب لكم إلى الناس.
رضي المهاجرين والأنصار ورد غيرهم
رضي المهاجرين والأنصار ورد غيرهم فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الظهر بالناس، قاموا فتكلموا بما أمرهم به، فأجابهم بما تقدّم فقال المهاجرون: فما كان لنا فهو لرسول اللَّه! وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول اللَّه؟ وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا! وقال عيينة ابن حصن: أما أنا وفزارة فلا! وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا: فقالت بنو سليم: ما كان لنا فهو لرسول اللَّه! فقال عباس: وهّنتموني [ (1) ] . خطبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في أمر هوازن ثم قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الناس خطيبا فقال: إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين، وقد كنت استأنيت بهم فخيرتهم بين النّساء [ (2) ] والأبناء والأموال، فلم يعدلوا بالنساء والأبناء، فمن كان عنده منهن شيء فطابت [ (3) ] نفسه أن يردّه فسبيل [ (4) ] ذلك، ومن أبي منكم ويمسّك بحقه فليرد عليهم، وليكن فرضا علينا ستّ فرائض من أول ما يفيء اللَّه علينا به! فقالوا: يا رسول اللَّه! رضينا وسلمنا! قال. فمروا عرفاءكم أن يرفعوا ذلك إلينا حتى نعلم فكان زيد بن ثابت على الأنصار يسألهم: هل سلموا ورضوا؟ فخبروه أنهم سلموا ورضوا، ولم يتخلف منهم رجل واحد وبعث عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى المهاجرين يسألهم. فلم يتخلف منهم أحد، وكان أبو رهم الغفاريّ يطوف على قبائل العرب. ثم جمعوا العرفاء واجتمع الأمناء الذين أرسلهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فاتفقوا على قول واحد: أنهم سلموا ورضوا. ودفع عند ذلك السّبي إليهم. وتمسكت بنو تميم مع الأقرع بن حابس بالسبي، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الفداء ست فرائض: ثلاث حقاق وثلاث جذاع [ (5) ] وقال يومئذ: لو كان ثابتا [ (6) ] على أحد من العرب ولاء أورق لثبت
سؤاله عن مالك بن عوف
اليوم، ولكن إنما هو إسار أو فدية: وجعل أبا حذيفة العدوي على مقاسم المغنم. سؤاله عن مالك بن عوف وقال للوفد [ (1) ] : ما فعل مالك بن عوف؟ قالوا: هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف فقال: إنه إن يأت [ (2) ] مسلما رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل. وكان قد حبس أهل مالك بمكة عند [عمتهم أم عبد اللَّه بهمة [ (3) ] ابنة أبي أمية] [ (4) ] ، ووقف ماله فلم تجر فيه السهام. فلما بلغ ذلك مالكا [ (5) ] مر من ثقيف ليلا، وقدم الجعرانة وأسلم، وأخذ أهله وماله ومائة من الإبل. ويقال: بل قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو بمكة واستعمله على قومه، وعقد له لواء فقاتل أهل الشرك، وأغار على ثقيف وقاتلهم وقتل وغنم كثيرا. وبعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالخمس مما يغير عليه: فبعث مرة مائة بعير ومرة ألف شاة. مقالة الأنصار إذ منعوا العطاء ولما أعطى رسول اللَّه عطاياه وجد [ (6) ] الأنصار في أنفسهم- إذ لم يكن فيهم منها شيء- وكثرت القالة، فقال واحد: لقي رسول اللَّه قومه! أما حين القتال فنحن أصحابه! وأما حين القسم فقومه وعشيرته! ووددنا أنا نعلم ممن كان هذا؟ إن كان هذا من اللَّه صبرنا، وإن كان هذا من رأي رسول اللَّه استعتبناه، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فغضب غضبا شديدا. ودخل عليه سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه فقال له: ما يقول قومك؟ قال: وما يقولون يا رسول اللَّه؟! فذكر له ما بلغه وقال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال يا رسول اللَّه؟! فذكر له ما بلغه وقال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال يا رسول اللَّه، ما أن إلا كأحدهم وإنا لنحب أن نعلم من أين هذا؟ قال: فاجمع لي من كان ها هنا من الأنصار. فلما اجتمعوا، حمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال:
خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يا معشر الأنصار! مقالة بلغتني عنكم؟ وجدة [ (1) ] وجدتموها في أنفسكم، ألم آتكم ضلّالا فهداكم اللَّه؟ وعالة فأغناكم اللَّه، وأعداء فألف اللَّه بين قلوبكم؟ قالوا: بلى! اللَّه ورسوله أمنّ وأفضل! قال: ألا تجيبوني؟ قالوا: وماذا نجيبك يا رسول اللَّه؟ قال: أما واللَّه لو شئتم قلتم فصدقتم: آتيتنا مكذّبا فصدّقناك! ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك! [وخائفا فأمّناك] [ (2) ] وجدتم في أنفسكم يا مشعر الأنصار في شيء من الدّنيا تألّفت به قوما أسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن تذهب الناس [إلى رحالهم] [ (2) ] بالشاء والبعير، وترجعون برسول اللَّه إلى رحالكم؟ والّذي نفسي بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك [ (3) ] الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار. أكتب لكم بالبحرين كتابا من بعدي تكون لكم خاصة دون الناس؟ قالوا: وما حاجتنا بعدك يا رسول اللَّه؟ قال: إمّا لا فسترون بعدي أثره، فاصبروا حتى تلقوا اللَّه ورسوله، فإن موعدكم الحوض، وهو كما بين صنعاء وعمان، وآنيته أكثر من عدد النجوم. اللَّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار [ (4) ] !! فبكوا حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول اللَّه حظا وقسما. وانصرفوا [ (5) ] . مقامة بالجعرانة وأقام عليه السلام بالجعرّانة ثلاث عشرة ليلة. وخرج ليلة الأربعاء لثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة، وأحرم ولبّى حتى استلم الركن. وقيل: لما نظر إلى البيت قطع التلبية، وأناخ راحلته على باب بني شيبة، وطاف فرمل [ (6) ] في الأشواط الثلاثة. ولما أكمل طوافه سعى بين الصفا والمروة على راحلته، ثم حلق رأسه عند المروة حلقه أبو هند عند بني بياضة، وقيل حلقه خراش بن أمية. ولم يسق هديا. ثم عاد إلى الجعرّانة من ليلته، فكان كبائت بها.
مسيره إلى المدينة
مسيره إلى المدينة وخرج يوم الخميس على سرف إلى مر الظهران، واستعمل على مكة عتّاب ابن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، وخلّف معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري يعلمان الناس القرآن والتفقه في الدين. وقال لعتاب: أتدري على من استعملتك؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم! قال: استعملتك على أهل اللَّه، بلّغ عني أربعا: لا يصلح شرطان في بيع، ولا بيع وسلف، ولا بيع ما لم يضمن، ولا تأكل ربح ما ليس عندك [ (1) ] . خبر الفتح بالمدينة وكان أول من قدم المدينة بفتح حنين رجلان من بني عبد الأشهل، هما: الحارث بن أوس، ومعاذ بن أوس بن عبيد بن عامر [ (2) ] . وقدم صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي القعدة. بعثة عمرو بن العاص إلى ابني الجلندي وفي هذه السنة- وهي سنة ثمان- بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن العاص إلى جيفر وعمرو ابني الجلندي بعمان مصدّقا، فأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم، وأخذ الجزية من المجوس، وهم كانوا أهل البلد. وقيل: كان ذلك في سنة سبع. وفيها تزوّج صلى اللَّه عليه وسلّم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية ثم فارقها. مولد إبراهيم عليه السلام فيها ولدت مارية إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في ذي الحجة، وفيها أقام عتاب ابن أسيد بالناس الحجّ، وحج الناس على ما كانت عادة العرب تحجّ، وحج ناس
فريضة الصدقات وبعثه المصدقين
من المشركين على مدّتهم. فريضة الصدقات وبعثه المصدقين ثم كانت فريضة الصدقات وبعثه المصدّقين لهلال المحرم سنة تسع، فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بريدة بن الحصيب بن عبد اللَّه بن الحارث بن الأعرج بن سعد بن رزاح ابن عديّ بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة ابن عمرو بن عامر الأسلمي- إلى أسلم وغفار يصدّقهم. [ويقال: بل بعث كعب بن مالك الأنصاري ... وبعث عبّاد بن بشر الأشهلي إلى سليم ومزينة. وبعث عمرو بن العاص إلى فزارة. وبعث الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلابي إلى بني كلاب، وبعث بسر [ (1) ] بن سفيان الكعبي إلى بني كعب. وبعث ابن اللّتبيّة الأزديّ إلى بني ذبيان. وبعث رجلا من بني سعد إلى هذيم على صدقاتهم. خبر بسر على صدقات بني كعب فحرج بسر [ (1) ] بن سفيان على صدقات بني كعب، [ويقال: إنما خرج ساعيا عليهم نعيم بن عبد اللَّه النّحّام العدويّ] ، فجاء وقد حلّ بنواحيهم من بني تميم: بنو عمرو بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، وهم يشربون علي غدير لهم بذات الأشظاظ، [ويقال: على عسفان] ، ثم أمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة، فحشرت عليه خزاعة الصدقة من كل ناحية، فاستكثرت ذلك بنو تميم، ومنعوا المصدّق وشهروا سيوفهم، ففرّ إلى المدينة، وأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك. خبر خزاعة وأما خزاعة فإنّها أخرجت التميميين من محالها إلى بلادهم وندب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم الناس لحربهم، فانتدب [ (2) ] عيينة بن حصن الفزاري، فبعثه في خمسين فارسا ليس فهم مهاجر ولا أنصاريّ. فسار إلى العرج وخرج في آثارهم، حتى وجدهم قد عدلوا من السّقيا يؤمون أرض بني سليم، فلما رأوا الجمع ولوا، وأخذ منهم أحد عشر
وفد بني تميم
رجلا وإحدى عشر امرأة وثلاثين صبيا، فجلبهم إلى المدينة فأمر صلى اللَّه عليه وسلّم بهم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث. وفد بني تميم وقدم وفد بني تميم، وهو عشرة من رؤسائهم: عطارد بن حاجب بن زرارة في سبعين، والزّبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف [ (1) ] بن بهدلة بن عوف ابن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم البهدلي التيمي السعدي أبو عياش [ (2) ] . [وقيل أبو شذرة] ، وقيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منفر المنقريّ، وقيس ابن الحارث، ونعيم بن سعد، وعمرو بن الأهتم بن سنان بن خالد بن منفر، والأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم، [والحتات ابن يزيد المجاشعيّ] [ (3) ] ، ورباح بن الحارث بن مجاشع، -[وكان رئيس الوفد: الأعور بن شامة العنبريّ] [ (4) ]- ودخلوا المسجد قبل الظّهر، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بيت عائشة رضي اللَّه عنها، وقد أذّن بلال والناس ينتظرون الصلاة فنادوا: يا محمد! اخرج إلينا! وشهروا أصواتهم فخرج عليه السلام وقيل: إنما ناداه رجل واحد: يا محمد إنّ قدحي رين، وإن شتمي شين! وأقام بلال الصلاة، فتعلقوا به يكلّمونه، فوقف معهم مليا؟، ثم مضى فصلى بالناس الظهر: فلما انصرف إلى بيته ركع [ (5) ] ركعتين، ثم خرج فجلس. خطبة عطارد بن حاجب وقدّموا عطارد بن حاجب خطيبهم فقال: الحمد للَّه الّذي له الفضل علينا، والّذي جعلنا ملوكا، وأعطانا الأموال نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثرهم مالا وأكثرهم عددا. فمن مثلنا من الناس؟ ألسنا برءوس الناس وذوي [ (6) ] فضلهم؟ فمن يفاخر. فليعدد مثل ما عددنا. ولو شئنا لأكثرنا من الكلام، ولكنا نستحي من الإكثار فيما أعطانا اللَّه. أقول قولي هذا لأن نؤتي بقول
جواب ثابت بن قيس
هو أفضل من قولنا. جواب ثابت بن قيس فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لثابت بن قيس: قم فأجب خطيبهم. فقام- وكان من أجهر الناس صوتا- وما درى من ذلك بشيء، ولا هيّأ قبل ذلك ما يقول، فقال: الحمد للَّه الّذي السموات والأرض خلقه، قضي فيهنّ [ (1) ] أمره ووسع كلّ شيء علمه، فلم يكن شيء إلا من فضله، ثم كان ما قدّر أن جعلنا ملوكا، اصطفى لنا من خلقه رسولا، أكرمهم نسبا وأحسنهم زيا، وأصدقهم حديثا. أنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، وكان خيرته من عباده، فدعا إلى الإيمان فآمن المهاجرون من قومه وذوي رحمه [ (2) ] : أصبح الناس وجها، وأفضل الناس فعالا. ثم كنا أول الناس إجابة حين [ (3) ] دعا رسول اللَّه، فنحن أنصار اللَّه ورسوله، نقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه. فمن آمن باللَّه ورسوله منع منا ماله ودمه، ومن كفر باللَّه ورسوله جاهدناه في ذلك، وكان قبله علينا يسيرا، أقول قولي هذا واستغفر اللَّه [لي ولكم و] [ (4) ] للمؤمنين والمؤمنات. ثم جلس. شعر الزبرقان بن بدر وقالوا: يا رسول اللَّه ائذن لشاعرنا، فأذن له، فأقاموا الزّبرقان بن بدر فقال: نحن الكرام فلا حيّ يعادلنا [ (5) ] ... فينا الملوك وفينا تنصب البيع وكم قسرنا [ (6) ] من الأحياء كلّهم ... عند النّهاب وفضل الخير يتبع ونحن نطعمهم في القحط ما أكلوا ... من السّديف إذا لم يؤنس الفزع [ثم ترى النّاس تأتينا سراتهم ... من كلّ أرض هوبا ثم تصطنع] [ (7) ] وننحر الكوم عبطا في أرومتنا ... للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا [فلا ترانا إلى حيّ نفاخرهم ... إلا استقادوا، فكاد الرأس يقتطع
شعر حسان
فمن يقادرنا في ذاك نعرفه ... فيرجع القوم والأخبار تستمع] [ (1) ] إنا أبينا ولا يأبى لنا أحد [ (2) ] ... إنا كذلك عند الفخر [ (3) ] نرتفع تلك المكارم حزناها [ (4) ] مقارعة ... إذا الكرام على أمثالها اقترعوا شعر حسان وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يا حسان! أجبهم. فقال: إنّ الذّوائب من فهر وإخوتهم ... قد بينوا [ (5) ] سنة للناس تتبّع يرضى بها كلّ من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الّذي شرعوا قوم إذا حاربوا ضروا عدوّهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجيّة تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم شرها البدع لا يرقع الناس ما أوهت أكفّهم ... عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا ولا يضنون عن جار بفضلهم ... ولا ينالهم من مطمع طبع [ (6) ] إن كان في الناس سباقون بعدهم ... فكل سبق الأدنى سبقهم تبع أكرم بقوم رسول اللَّه شيعتهم ... إذا تفرقت الأهواء والشيع أعفّه ذكرت في الوحي عفتهم ... لا يطمعون ولا يرديهم طمع كأنهم في الوغى والموت مكتنع ... أسد ببيشة في أرساغها فدع [ (7) ] لا فخر إن هم أصابوا من عدوّهم ... وإن أصيبوا فلا خور ولا جزع [ (8) ] إذا نصبنا لحيّ [ (9) ] لم ندبّ لهم ... كما يدبّ إلى الوحشيّة الدّرع
ما نزل من القرآن في وفد بني تميم
نسمو إلى الحرب نالتنا مخالبها ... إذا الزعانف من أظفارها خشعوا [ (1) ] خذ منهم ما أتوا عفوا إذا غضبوا ... ولا يكن همّك الأمر الّذي منعوا [ (2) ] فإن في حربهم فاترك عداوتهم ... سمّا غريضا عليه الصاب والسّلع أهدى لهم مدحه قلب يؤازره ... فيما أحبّ لسان حائك صنع فإنّهم أفضل [ (3) ] الأحياء كلهم ... إن جدّ بالناس جدّ لقول أو شمعوا [ (4) ] فسرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون بمقام ثابت وحسّان، وخلا الوفد فقالوا: إن هذا الرّجل مؤيد مصنوع له-[وفي رواية: إن هذا الرجل لمؤتّى له]- واللَّه لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولهو أحلم منا! فأسلموا، وكان الأقرع [بن حابس] [ (5) ] أسلم قبل ذلك. ما نزل من القرآن في وفد بني تميم وفيهم نزل قول اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (6) ] . رد أسرى بني تميم فرد عليهم صلى اللَّه عليه وسلّم الأسرى والسبي. ويقال: سألوه أن يحسن إليهم في سبيهم، فقال لسمرة بن عمرو: هذا يحكم بيننا وبينكم! فقالوا: عمه فينا وهو أفضل منه!
رئيس وفد بني تميم
فأبي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. فحكم سمرة أن يمنّ على الشطر ويفدوا الشطر، ففعل. رئيس وفد بني تميم كان رئيسهم الأعور بن بشامة العنبري، وكانت أخته صفية سبيت، فعرض النبيّ عليها نفسه فاختارت زوجها، فردها. وقام عمرو بن الأهتم يومئذ يهجو قيس ابن عاصم، وقد أجازهم النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كما كان يجيز الوفود إذا قدموا عليه، وقال: هل بقي منكم من لم نجزه؟ فقالوا: غلام في الرّحل. فقال: أرسلوه نجزه! فقال قيس بن عاصم: إنه غلام لا شرف له! فقال: وإن كان، فإنه وافد وله حق!! فقال عمرو [ (1) ] شعرا يريد به قيسا. وكانت جوائزهم على يد بلال رضي اللَّه عنه: لكل واحد ثنتي عشر أوقية ونصف، ولغلام هو أصغرهم خمس أواقي. بعثة الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ثم كانت بعثة الوليد بن عقبة [بن أبي معيط] [ (2) ] إلى بني المصطلق ليأخذ صدقاتهم، فخرجوا يلقونه بالجزر والغنم فرحا به، فولّي راجعا إلى المدينة، وأخبر أنهم يلقونه بالسلاح ليحولوا بينه وبين الصدقة. فبلغهم ذلك عنه، فقدم وفدهم وقالوا: يا رسول! سل هل ناطقنا أو كلمنا؟ فنزلت فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ [ (3) ] ، فقرأها عليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال: من تحبون أن أبعث إليكم؟ قالوا: عبّاد بن بشر، فخرج معهم يقرئهم القرآن ويعلمهم شرائع الإسلام، وقد قال له: خذ صدقات أموالهم، توقّ كرائم أموالهم. فأقام عندهم عشرا ثم انصرف راضيا. سرية قطبة بن عامر إلى خثعم وكانت سرية قطبة بن عامر إلى خثعم في صفر سن تسع، فخرج في عشرين رجلا معهم عشرة أبعرة يتعقبوها، [فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم، فجعل يصيح بالحاضر ويحذرهم. فضربوا عنقه، ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنّوا عليهم الغارة، فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعا: وقتل قطبة
سرية الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب
ابن عامر من قتل، وساقوا النعم والشاء والنساء إلى المدينة: وجاء سيل أتيّ [ (1) ] فحال بينهم وبينه، فما يجدون إليه سبيلا. وكانت سهمانهم أربعة أبعرة أربعة أبعرة، والبعير يعدل بعشر من الغنم بعد أن أخرج الخمس] [ (2) ] . سرية الضحاك بن سفيان إلى بني كلاب وكانت سرية الضحاك بن سفيان [ (3) ] بن عوف بن أبي بكر بن كلاب الكلابيّ إلى بني كلاب، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، فقاتلهم بمن معه وهزمهم [ (4) ] وذلك في ربيع الأوّل. كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى بني حارثة بن عمرو وكتب صلى اللَّه عليه وسلّم إلى بني حارثة بن عمرو بن قريظ يدعوهم إلى الإسلام مع عبد اللَّه ابن عوسجة من غرينة [ (5) ] ، مستهلّ ربيع الأول، فأخذوا [ (6) ] الصحيفة فغسلوها ورقعوا بها دلوهم، وأبوا أن يجيبوا، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم- لما بلغه ما لهم ذلك-: ما لم؟ أذهب اللَّه عقولهم! فصاروا أهل رعدة وعجلة وكلام مختلط، وأهل سفه. وقدم وفد بليّ في ربيع الأول هذا، فنزلوا على رويفع [بن ثابت] [ (7) ] البلويّ. خبر رعية السحيمي قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبيد اللَّه بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الشّعبي: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كتب إلى رعية السّحيمي بكتاب، فأخذ الكتاب فرقع به دلوه. فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سرية فأخذوا أهله وماله، وأفلت رعية- على فرس له- عريانا ليس عليه شيء فأتى ابنته- وكانت
متزوّجة في بني هلال، وكانوا أسلموا فأسلمت معهم، وكانوا دعوه إلى الإسلام [فأبى] [ (1) ]- وكان مجلس القوم بفناء بيتها، فأتى البيت من وراء ظهره. فلما رأته ابنته عريانا ألقت عليه ثوبا وقالت: مالك؟ قال كلّ الشرّ! ما ترك لي أهل ولا مال! أين بعلك؟ قالت: في الإبل! فأتاه فأخبره، فقال: خذ راحلتي برحلها، ونزودك من اللبن: قال: لا حاجة لي فيه، ولكن أعطني قعود [ (2) ] الرّاعي وإدواة من ماء [ (3) ] ، فإنّي أبادر محمدا لا يقسم أهلي ومالي! فانطلق وعليه ثوب: إذا غطى به رأسه خرجت استه، وإذا غطى استه خرج رأسه. فانطلق حتى دخل المدينة ليلا، فكان بحذاء [ (4) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فلما صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الفجر، قال له: يا رسول اللَّه! أبسط يدك لأبايعك! فبسط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما ذهب رعية ليمسح عليها، قبضها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال له رعية: يا رسول اللَّه! أبسط يدك، قال: ومن أنت؟ قال رعية السحيميّ! قال: فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعضده فرفعه [ (5) ] ثم قال: أيها الناس! هذا رعية السحيمي الّذي كتبت إليه فأخذ كتابي فرقع بها دلوه!! أسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه! أهلي ومالي! فقال: أما مالك فقد قسم بين المسلمين، وأما أهلك فانظر من قدرت عليه منهم! قال [رعية] [ (6) ] ، فخرجت فإذا ابن لي قد عرف الراحلة، وإذا هو قائم عندها، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقلت: هذا ابني! فأرسل معى بلالا فقال: انطلق معه فسله: أبوك هو؟ فإن قال نعم، فادفعه إليه، قال [رعية] [ (7) ] : فأتاه بلال فقال: أبوك هو؟ قال: نعم، فدفعه إليه. قال: فأتي بلال رضي اللَّه عنه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: واللَّه ما رأيت واحدا منه مستعبرا إلى صاحبه! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ذلك جفاء الأعراب! وقال أبو عمر بن عبد البر رعية السّحيميّ، [ويقال: الرّبعي، ويقال العرنيّ وهو الصواب. يروي أنه من سحيمة عرينة] كتب إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قطعة أدم،
سرية علقمة بن مجزر إلى الشعيبة
فرقع دلوه بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقالت له [ابنته] [ (1) ] ما أراك إلا ستصيبك قارعة! عمدت إلى كتاب سيد العرب فرقعت به [ (2) ] دلوك؟ [وكانت ابنته قد تزوجت في بني هلال وأسلمت] [ (3) ] ، وبعث إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خيلا. فأخذوا أهله وماله وولده [ونجا هو عريانا] [ (3) ] ، فأسلم. وقدم علي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أغير على أهلي ومالي وولدي! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أما المال فقد اقتسم، ولو أدركته قبل أن يقسم كنت أحق به! وأما الولد، فاذهب معه يا بلال، فإن عرفه [ (4) ] ولده فادفعه إليه، فذهب معه فأراه إياه، فقال لابنه، تعرفه؟ قال: نعم! فدفعه إليه. سرية علقمة بن مجزر إلى الشعيبة ثم كانت سرية علقمة بن مجزر المدلجي في ربيع الآخر- في ثلاثمائة رجل- إلى ساحل البحر بناحية مكة وقد تراءى أهل [ (5) ] الشعيبة ناسا من الحبشة في مراكب. [فانتهى علقمة وأصحابه إلى جزيرة في البحر، وقد خاض إليهم البحر] [ (6) ] ، ففروا منه، فرجع. واستأذنه بعض جيشه في الانصراف فأذن لهم. وأمّر عليهم عبد اللَّه ابن حذافة السّهميّ- وكانت فيه دعابة- فأمر أصحابه أن يتواثبوا في نار [ (7) ] لهم، فلما أرادوا ذلك قال: إنما كنت أضحك معكم! فلما ذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه. سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس صنم طيِّئ ثم كانت سرية علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه إلى الفلس- صنم طيِّئ- ليهدمه، في ربيع الآخر، في خمسين ومائة رجل من وجوه الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرسا، حتى أغاروا على أحياء من العرب، وشنوا الغارة مع الفجر على
خبر سفانة بنت حاتم الطائي
محلة آل حاتم، فسبوا حتى ملئوا أيديهم من السّبي والنعم والشاء. وهدم عليّ رضي اللَّه عنه الفلس صنم طيِّئ وخرّب، ثم عاد. وكانت رايته سوداء، ولواؤه أبيض، ويحمل الراية سهل بن حنيف، واللواء جبّار بن صخر السّلمي، ودليله حريث من بني أسد. وكان فيمن سبي سفّانة بنت حاتم الجواد بن عبد اللَّه بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن نثل بن جرول بن عمرو بن الغوث بن طيِّئ، ومن [ (1) ] أسر أسلم، ووجد في بيت الفلس ثلاثة أسياف: رسوب والمخذم [ (2) ] واليماني وثلاثة أدراع. واستعمل على السبي أبا قتادة، وعلى الماشية والرّثّة [ (3) ] عبد اللَّه بن عتيك. وقسم السبي والغنائم إلا آل حاتم فإنه قدم بهم المدينة، وبالخمس مما غنموا، وبالأسياف الثلاثة صفيّا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. خبر سفانة بنت حاتم الطائي فنزلت [سفّانة بنت حاتم] [ (4) ] أخت عدي بدار رملة بنت الحارث. وكان عديّ بن حاتم قد فرّ- لما سمع بحركة عليّ رضي اللَّه عنه- إلى الشام، فكانت أخت عدي إذا مرّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم تقول: يا رسول اللَّه! صلى اللَّه عليك وسلّم! هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علينا منّ اللَّه عليك! فيسألها: من وافدك؟ فتقول: عدي ابن حاتم! فيقول: الفارّ من اللَّه ورسوله؟! حتى يئست. فلما كان اليوم الرابع مرّ [ (5) ] ، فأشار إليها عليّ رضي اللَّه عنه: قومي فكلميه؟ فكلمته فخلى عنها ووصلها أخاها عدي بن حاتم- وقد لحق بالشأم- فحسنت له أن يأتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقدم المدينة وأسلم، وله في إسلامه قصة. موت النجاشي وفي رجب سنة تسع نعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم النجاشيّ للمسلمين، وصلى عليه بمن معه في اليوم الّذي مات فيه، على بعد ما بين الحجاز وأرض الحبشة، فكان ذلك علما [ (6) ] من أعلام النبوة كبيرا [ (6) ] .
غزوة تبوك
غزوة تبوك ثم كانت غزوة تبوك- وتسمي غزوة العسرة [ (1) ]- في غرة رجب، وسببها أن أخبار الشأم كانت بالمدينة عند المسلمين، لكثرة من يقدم من الأنباط بالدّرمك [ (2) ] والزيت، فذكروا أن الرّوم قد جمعت جموعا كثيرة [ (3) ] بالشأم، وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة، وأقبلت مع لخم وجذام [ (4) ] وغسّان وعاملة، وزحفوا، وقدموا مقدّماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها، وتخلف هرقل بحمص. ولم يكن ذلك، إنما ذلك شيء قيل لهم فقالوه. الخبر عن الغزو والبعثة إلى القبائل وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لا يغزو غزوة إلا ورّى بغيرها- لئلا تذهب الأخبار بأنه يريد كذا وكذا- حتى كانت غزوة تبوك فغزاها في حرّ شديد. واستقبل سفرا بعيدا، وعددا كثيرا، فجلى [ (5) ] للناس أمرهم ليتأهّبوا لذلك أهبته، وأخبرهم بالوجه الّذي يريد. وبعث إلى القبائل وإلى مكة يستنفرهم إلى عدوهم. فبعث بريدة ابن الحصيب وأمره أن يبلغ الفرع، وبعث أبا رهم الغفاريّ إلى قومه، وأبا واقد اللّيثيّ إلى قومه، وأبا جعدة الضّمريّ إلى قومه بالساحل، ورافع بن مكيث ابن جندب بن جنادة إلى جهينة، ونعيم بن مسعود إلى أشجع، وبديل بن ورقاء وعمرو بن سالم وبسر بن سفيان إلى بني كعب بن عمرو، والعباس بن مرداس إلى بني سليم. وحضّ على الجهاد ورغّب فيه. صدقات المسلمين للغزو وأمر بالصدقة فحملت صدقات كثيرة. وأول من حمل صدقته أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه، جاء بماله كله أربعة آلاف درهم، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. هل أبقيت شيئا؟ قال: اللَّه ورسوله! وجاء عمر رضي اللَّه عنه بنصف ماله، فقال
صدقات النساء
له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هل أبقيت شيئا؟ قال: نعم، نصف مالي ما جئت به. وبلغ عمر ما جاء به أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال: ما استبقنا إلى خير إلا سبقني إليه. وحمل العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه مالا يقال إنه تسعون ألفا. وحمل طلحة ابن عبيد اللَّه مالا. وحمل عبد الرحمن بن عوف مائتي أوقية. وحمل سعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة [ (1) ] مالا. وتصدق عاصم بن عديّ بتسعين وسقا [ (2) ] تمرا، وجهز عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه ثلث ذلك الجيش، فكان من أكثرهم نفقة، حتى كفي ثلث ذلك الجيش مؤنتهم، حتى إن كان ليقال: ما بقيت له حاجة!! فجاء بألف دينار ففرغها في حجر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فجعل يقلبها ويقول صلى اللَّه عليه وسلّم: ما ضرّ عثمان ما فعل بعد هذا اليوم! قالها مرارا. ورغب عليه السلام أهل الغني في الخير والمعروف، فتبادر المسلمون في ذلك، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين ويقول: هذا البعير بينكما تعتقبانه، ويأتي الرجل بالنفقة فيعطيها بعض من يخرج. صدقات النساء وأتت النساء بكل ما قدرن عليه، فكن يلقين- في ثوب مبسوط بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- المسك، والمعاضد والخلاخل، والأقرطة، والخواتيم، والخدمات [ (3) ] . وكان الناس في حر [ (4) ] شديد، وحين طابت الثمار، وأحبّت الظلال، والناس يحبون المقام ويكرهون الشخوص عنها. وأخذ صلى اللَّه عليه وسلّم الناس بالجد وعسكر بثنية الوداع، والناس كثير لا يجمعهم كتاب. خبر المخلفين وقال صلى اللَّه عليه وسلّم للجدّ بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عديّ ابن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري: أبا وهب! هل لك العام تخرج معنا لعلك تحتقب من بنات الأصفر [ (5) ] ! قال أو تأذن لي ولا تفتنّي؟ فو اللَّه لقد عرف قومي ما أحد أشدّ عجبا بالنساء منّي، وإني لأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا
البكاءون
أصبر عنهنّ. فقال: قد أذنت لك! فجعل يثبط قومه ويقول: لا تنفروا في الحرّ. فنزل فيه قوله تعالى: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (1) ] . وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [ (2) ] . البكاءون وجاء البكاءون- وهم سبعة: أبو ليلى المازنيّ، وسلمة بن صخر الزّرقيّ، وثعلبة بن غنمة السّلمي، وعلبة بن زيد الحارثي، والعرباض بن سارية السّلمي، وهرمي بن عمر المزني وسالم بن عمير. [وقيل: وإن فيهم عبد اللَّه بن المغفّل ومعقل ابن يسار. وقيل: البكاءون بنو مقرّن السّيمة، وهم من مزينة]- يستحملون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكانوا أهل حاجة فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فولّوا يبكون [ (3) ] فلقي اثنان منهم يامين بن عمير بن كعب [بن عمر بن عمرو بن جحاش النضري] [ (4) ] فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما تتقوى [ (5) ] به على الخروج، ونحن نكره أن تفوتنا غزوة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فأعطاهما ناضحا له [ (6) ] فارتحلاه، وزوّد كلّ واحد صاعين من تمر. وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين، وحمل عثمان ابن عفان منهم ثلاثة. النهي عن خروج أصحاب الضعف وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: لا يخرجنّ معنا إلا مقو [ (7) ] . فخرج رجل على بكر صعب [ (8) ]
المنافقون
فصرعه بالسويداء، فقال الناس: الشهيد!! فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مناديا ينادي: لا يدخل الجنة إلا مؤمن-[وإلا نفس مؤمنة]-، ولا يدخل الجنة عاص. المنافقون وجاء ناس من المنافقين يستأذنون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من غير علة فأذن لهم، وهم بضعة وثمانون رجلا. وجاء المعذرون [ (1) ] من الأعراب فاعتذروا وهم نفر من بني غفار فيهم خفاف بن إيماء بن رحضة، اثنان وثمانون رجلا فلم يعذرهم اللَّه، وجاء عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول بعسكره- معه حلفاؤه من اليهود والمنافقين- فضربه على ثنية الوداع. فكان يقال: ليس عسكر ابن أبيّ بأقل العسكرين. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يستخلف على العسكر أبا بكر رضي اللَّه عنه، فلما أجمع المسير استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ، [وقيل محمد ابن مسلمة] . تخليف علي بن أبي طالب وخلف علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه علي أهله، فقال المنافقون: ما خلفه إلا استقلالا له! فأخذ سلاحه ولحق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالجرف وأخبره ما قالوا، فقال: كذبوا! إنما خلّفتك لما ورائي! فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبيّ بعدي، فرجع. الأمر بحمل النعال وسار عليه السلام وقال: استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبا ما دام منعلا. تخلف المنافقين فلما سار تخلف ابن أبيّ فيمن تخلف من المنافقين وقال: يغزو محمد بني
الألوية
الأصفر- مع جهد الحال والحر والبلد البعيد- إلى مالا قبل له به؟! يحسب محمد أن قتال بني الأصفر اللعب؟! ونافق بمن معه ممن هو على مثل رأيه، ثم قال: واللَّه لكأنّي انظر إلى أصحابه غدا مقرنين في الحبال. الألوية فلما رحل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من ثنيّة الوداع عقد الألوية والرايات. فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه، ورايته العظمي إلى الزبير، وراية الأوس إلى أسيد بن الحضير، ولواء الخزرج إلى أبي دجانة، [ويقال: إلى الحباب بن المنذر ابن الجموح] ، وأمر كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء أو راية. خبر العبد المملوك فلقيه عبد لامرأة من بني ضمرة وهو متسلح، فقال: أقاتل معك يا رسول اللَّه؟ فقال: وما أنت؟ قال، مملوك لامرأة من بني ضمرة سيئة الملكة [ (1) ] فقال: ارجع إلى سيّدتك! لا تقتل معي فتدخل النار!! عدة المسلمين وسار معه ثلاثون ألفا، وعشرة آلاف فرس، واثنا عشر ألف بعير. وقال أبو زرعة: كانوا سبعين ألفا. وفي رواية: أربعين ألفا. تخلف نفر من المسلمين وتخلف نفر من المسلمين أبطأت بهم النية من غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن مالك بن أبي كعب عمرو بن القين [ (2) ] بن كعب بن سواد بن غنم ابن كعب بن سلمة الأنصاريّ، وهلال بن أمية الواقفيّ، وأبو خيثمة عبد اللَّه ابن خيثمة السالميّ، ومرارة بن الربيع العمري، ثم إن أبا خيثمة أدرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بتبوك.
المتخلفون
وكان دليله عليه السلام علقمة بن الغفواء [ (1) ] الخزاعي. وجمع- من يوم نزل ذا خشب- بين الظهر والعصر في منزله: يؤخر الظهر حتى يبرد ويعجّل العصر، ثم يجمع بينهما. فكان ذلك فعله حتى رجع من تبوك. المتخلفون ولما مضى من ثنية الوداع، جعل يتخلف عنه قوم، فيقولون: يا رسول اللَّه! تخلف فلان! فيقول: دعوه! فإن يك فيه خير فيلحقه اللَّه بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه. وخرج معه ناس من المنافقين كثير، لم يخرجوا إلا رجاء الغنيمة. خبر أبي ذر وأبطأ أبو ذر رضي اللَّه عنه من أجل بعيره: كان نضوا أعجف [ (2) ] ، ثم عجز فتركه وحمل متاعه على ظهره: وسار ماشيا في حر شديد وحده، حتى لحق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نصف النهار وقد بلغ منه العطش، فقال له: مرحبا بأبي ذر! يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده! ما خلفك؟ فأخبره خبر بعيره، فقال: إن كنت لمن أعزّ أهلي عليّ تخلّفا! لقد غفر اللَّه لك بكلّ خطوة ذنبا إلى أن بلغتني. خبر أبي رهم وسايره أبو رهم- كلثوم بن الحصين الغفاريّ- ليلة فألقى عليه النّعاس، فزاحمت عليه راحلته راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- ورجله في الغرز- فما استيقظ إلا بقوله: حسّ [ (3) ] ! فقال: يا رسول اللَّه، استغفر لي، فقال: سر! وجعل يسأله عمّن تخلّف من بني غفار ويخبره، فقال: ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل علي بعيره رجلا نشيطا في سبيل للَّه ممّن يخرج معنا، فيكون له مثل أجر الخارج! إن كان لمن أعزّ أهلي عليّ أن يتخلف عنّي: المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم.
جهد المسلمين
جهد المسلمين ومرّ على بعير قد تركه صاحبه من الضعف، فمرّ به مارّ فعلفه أياما ثم حمله وقد صلح، فخاصمه فيه صاحبه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من أحيا خفا أو كراعا بمهلكة من الأرض فهو له. وشكوا إليه صلى اللَّه عليه وسلّم ما بظهرهم من الجهد، فتحين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مضيقا سار الناس فيه وهو يقول: مرّوا باسم اللَّه، فجعل ينفح [ (1) ] بظهورهم وهو يقول: اللَّهمّ احمل عليها في سبيلك، فإنك تحمل على القوى والضعيف، والرطب واليابس، والبر والبحر! فلما بلغوا المدينة جعلت تنازعهم أزقتها بدعوته صلى اللَّه عليه وسلّم. وصلى يوما بأصحابه وعليه جبة صوف وقد أخذ بعنان فرسه، فبال الفرس فأصاب الجبة فلم يغسله. وقال: لا بأس بأبوالها ولعابها وعرقها. لكنّ يعارضه قوله: استنزهوا من البول، وهو أصحّ. مقالة المنافقين وكان رهط من المنافقين يسيرون، منهم: وديعة بن ثابت أخو بني عمرو ابن عوف، والجلاس بن سويد بن الصامت، ومخشّي بن حميّر من أشجع حليف بني سلمة وثعلبة بن حاطب، وقال ثعلبة: تحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم؟ واللَّه لكأنّي بكم غدا مقرنين في الحبال! وقال وديعة بن ثابت: ما لي أرى قراءنا [ (2) ] هؤلاء أرغبنا [بطونا] [ (3) ] ، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء؟ قال الجلاس بن سويد- زوج أم عمير [ (4) ]-: هؤلاء سادتنا وأشرافنا وأهل الفضل منا، واللَّه لئن كان محمد صادقا لنحن شرّ من الحمير! ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصادق وأنت الكاذب! وقال مخشي بن حمير: واللَّه لو وددت أنّي أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وأننا ننفلت من أن ينزل فينا قرآن بمقالتكم! وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعمار بن ياسر رضي اللَّه عنه: أدرك القوم فإنّهم قد
وادي القرى
اخترقوا [ (1) ] . فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى! قد قلتم كذا وكذا!! فذهب إليهم فقال لهم، فأتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على ناقته، وقد أخذ بحقبها [ (2) ]-: يا رسول اللَّه! إنما كنا نخوض ونلعب! فأنزل اللَّه فيه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ [ (3) ] . وقال مخشي بن حميّر: يا رسول اللَّه! قعد بي اسمي واسمي أبي! فكان الّذي عفي عنه في هذه الآية مخشي، فتسمى عبد الرحمن، وسأل اللَّه أن يقتله شهيدا لا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر. وجاء الجلاس فحلف ما قال من ذلك شيئا. فأنزل اللَّه فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [ (4) ] . وكان للجلاس دية في الجاهلية على بعض قومه- وكان محتاجا- فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة أخذها له فاستغنى بها. وادي القرى ومرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في وادي القرى على حديقة امرأة فقال: اخرصوها فجاء خرصها عشرة أوسق [ (5) ] فقال لها: احفظي ما خرج منها حتى نرجع إليك.
نزول الحجر وهبوب الريح
نزول الحجر وهبوب الريح فلما أمسى بالحجر قال: إنها ستهبّ الليلة ريح شديدة، فلا يقومنّ منكم أحد إلا مع صاحبه، ومن كان له بعير فليوثق عقاله، فهاجت ريح شديدة ولم يقم أحد إلا مع صاحبه، إلا رجلين من بني ساعدة: خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعيره. فأما الّذي خرج لحاجته، فإنه خنق على مذهبه، وأما الّذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح فطرحته بجبل طيِّئ فأخبر عليه السلام خبرهما فقال: ألم أنهكم أن يخرج رجل إلا معه صاحب له؟ ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفى، وأما الآخر فإن طيِّئا قدمت به إلى المدينة. هدية بني عريض وأهدى له عليه السلام بنو عريض اليهودي هريسا فأكلها، وأطعمهم أربعين وسقا، فلم تزل جارية عليهم [ (1) ] . خبر بئر الحجر واستقى الناس من بئر الحجر [ (2) ] وعجنوا، فنادى منادى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تشربوا من مائها ولا توضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين فاعلفوه الإبل، فجعل الناس يهريقون ما في أسقيتهم، وتحوّلوا إلى بئر صالح عليه السلام فارتووا منها. وقال يومئذ: لا تسألوا نبيكم الآيات! هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم آية، فكانت الناقة ترد عليهم من هذا الفجّ، تسقيهم من لبنها يوم وردها ما شربت من مائهم. فعقروها، فأوعدوا ثلاثا، وكان وعد اللَّه غير مكذوب، فأخذتهم الصيحة، وقال يومئذ: لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم فيصيبكم ما أصابهم. وجاء رجل بخاتم وجده في الحجر في بيوت المعذبين، فأعرض عنه واستتر بيده أن ينظر إليه، وقال: ألقه! فألقاه. وقال لأصحابه حين حاذاهم: إن هذا وادي القرى! فجعلوا يوضعون فيه
قلة الماء ودعاء رسول الله بالمطر
ركابهم حتى خرجوا منه. وأوضع صلى اللَّه عليه وسلّم راحلته. قلة الماء ودعاء رسول اللَّه بالمطر وارتحل من وادي القرى فأصبح ولا ماء معهم، فشكوا ذلك إليه، فاستقبل القبلة ودعا- ولا يرى في السماء سحاب- فما برح يدعو حتى تألف السحاب من كل ناحية، فما رام مقامه حتى سحب عليهم السماء بالرواء. ثم كشف اللَّه السماء من ساعتها والأرض غدر [ (1) ] ، فسقى الناس وارتووا من آخرهم، فكبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقال: أشهد أنّي رسول اللَّه! فقال عبد اللَّه بن أبي حدرد لأوس ابن قيظي-، [ويقال لزيد بن اللصيت القينقاعيّ]- وكان من المنافقين: ويحك!! بعد هذا شيء؟ فقال: سحابة مارة. خبر ناقة رسول اللَّه التي ضلّت ومقالة المنافق وارتحل عليه السلام فأصبح في منزل، فضلّت ناقته القصواء، فخرج المسلمون في طلبها، وكان زيد بن اللصيت أحد بني قينقاع، وكان يهوديا فأسلم فنافق، وكان فيه خبث اليهود وغشهم، وكان مظاهرا لأهل النفاق، وقد نزل في رحل عمارة بن حزم، وعمارة عند رسول اللَّه- فقال زيد: أليس محمد يزعم أنه نبيّ وهو يخبركم بأمر السماء، ولا يدري أين ناقته؟ وأنّي واللَّه لا أعلم إلا ما علمني اللَّه، وقد دلني عليها، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا- لشعب به [ (2) ]- حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوا بها [ (3) ] . فذهبوا، فجاءوا وقد وجدها الحارث بن خزمة [ (4) ] الأشهلي، كما قال عليه السلام. فرجع عمارة بن حزم إلى رحلة فقال: العجب من شيء حدّثناه رسول اللَّه آنفا عن مقالة قائل أخبره اللَّه عنه كذا وكذا!! - للذي قال زيد- فقال أخوه عمرو بن حزم ولم يحضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن زيدا هو قائل هذه المقالة قبل أن تطلع علينا! فأقبل عمارة بن حزم على زيد بن اللّصيت يجأه [ (5) ] في عنقه ويقول: إن في رحلي لداهية [ (6) ] وما أدري!! أخرج يا عدو اللَّه من رحلي! فقال زيد: لكأنّي لم أسلم إلا اليوم! قد كنت شاكّا
نبوءة الفتوح
في محمد، وقد أصبحت وأنا فيه ذو بصيرة، أشهد أنه رسول اللَّه! فقيل: إنه تاب، وقيل: لم يزل فسلا [ (1) ] حتى مات. نبوءة الفتوح وقال ليلة وهم يسيرون: إن اللَّه أعطاني الكنزين: فارس والروم، وأمدني بالملوك ملوك حمير: يجاهدون في سبيل اللَّه، ويأكلون فيء اللَّه [ (2) ] . تأخره صلى اللَّه عليه وسلّم عن صلاة الصبح ولما كان بين الحجر وتبوك ذهب لحاجته- وكان إذا ذهب أبعد-، فتبعه المغيرة بن شعبة بماء في إدواة بعد الفجر، فأسفر الناس بصلاتهم حتى خافوا الشمس، فقدّموا عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه فصلى بهم. فلما فرغ صلى اللَّه عليه وسلّم من حاجته، صبّ عليه المغيرة من الإداوة فغسل وجهه. ثم أراد أن يغسل ذراعيه فضاق كم الجبة- وكان عليه جبة رومية- فأخرج يديه من تحت الجبة فغسلهما ومسح خفيه. صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بصلاة عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه وانتهى إلى عبد الرحمن رضي اللَّه عنه وقد ركع بالناس ركعة، فسبح الناس حين رأوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى كادوا أن يفتنوا، فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه عليه السلام: أن أثبت! فصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خلف عبد الرحمن ركعة، فلما جلس عبد الرحمن تواثب الناس، وقام صلى اللَّه عليه وسلّم للركعة الباقية ثم سلم بعد فراغه منها، وقال أحسنتم، إنه لم يتوفّ [ (3) ] نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته.
خبر الأجير ورجل من العسكر
خبر الأجير ورجل من العسكر وأتاه [ (1) ] يومئذ يعلى بن منية بأجير له قد نازع رجلا من العسكر فعضه الرجل، فانتزع الأجير يده من في [ (2) ] العاضّ فانتزع ثنيته، فلزمه المجروح وبلغ به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: يعمد أحدكم فيعضّ أخاه كما يعض الفحل! فأبطل صلى اللَّه عليه وسلّم ما أصاب من ثنيته. نهيه صلى اللَّه عليه وسلّم عن الشرب من عين تبوك حتى يقدم وقال: إنكم ستأتون غدا إن شاء اللَّه تعال عين تبوك: وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمسّ من مائها حتى آتي، فسبق رجلان من المنافقين إليها- والعين تبضّ بشيء [ (3) ] من ماء- فسألهما عليه السلام: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم! فسبّهما وقال لهما ما شاء اللَّه أن يقول. ثم غرفوا من العين بأيديهم قليلا حتى اجتمع في شيء ثم غسل فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها، فجاءت العين بماء كثير فاستسقى الناس. ثم قال [لمعاذ بن جبل] [ (4) ] : يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد مليء جنانا! وقال يوما في مسيره: من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له حرمه اللَّه على النار. خبر الحية التي سلمت عليه صلى اللَّه عليه وسلّم وعارض الناس في سيرهم حية ذكر من عظمها وخلقها شيء كثير، فأقبلت حتى واقفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو على راحلته طويلا، والناس ينظرون إليها، ثم التوت حتى اعتزلت الطريق فقامت قائمة، فأقبل الناس حتى لحقوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال لهم: هل تدرون من هذا [ (5) ] ؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم! قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا إلى يستمعون القرآن، فرأى عليه من [ (6) ] الحق- حين ألمّ رسول اللَّه ببلده- أن يسلم عليه، وها هو ذا يقرئكم السلام
رقاده صلى الله عليه وسلم عن صلاة الفجر
فسلّموا عليه! فقال الناس جميعا: وعليه السلام ورحمة اللَّه، فقال: أجيبوا عباد اللَّه من كانوا. رقاده صلى اللَّه عليه وسلّم عن صلاة الفجر ولما كان من تبوك على ليلة، رقد [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلّم فلم يستقيظ حتى كانت الشمس قيد رمح [ (2) ] ، فقال: يا بلال، ألم أقل لك اكلأنا الليلة [ (3) ] ؟ فقال: يا رسول اللَّه ذهب بي النوم، ذهب بي الّذي ذهب بك! فارتحل عليه السلام من ذلك المكان غير بعيد ثم صلى ركعتين قبل الفجر، ثم صلى الفجر، ثم سار يومه وليلته فأصبح بتبوك فجمع الناس ثم قال: خطبته صلى اللَّه عليه وسلّم بتبوك أيها الناس، أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب اللَّه، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنن محمد، وأشرف الحديث ذكر اللَّه، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عواقبها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأشرف القتل قتل الشهداء، وأعمى الضلالة الضلالة بعد الهدي، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدي ما أتّبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السّفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى. وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة. ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا، ومنهم من لا يذكر اللَّه إلا هجرا. ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب. وخير الغني غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة اللَّه، وخير ما ألقى في القلب اليقين، والارتياب من الكفر. والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جمر جهنم، والسّكر كنّ من النار. والشّعر من إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبالة إبليس، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربا، وشر المال أكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقىّ من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضوع أربع أذرع والأمر إلى آخره، وملاك العمل خواتمه، وشر الرّؤيا رؤيا الكذب، وكلّ ما هو آت قريب. وسباب المؤمن فسوق،
عظته صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالناس
وقتل المؤمن كفر، وأكل لحمه من معصية اللَّه، وحرمة ماله كحرمة دمه. ومن يتألّ [ (1) ] على اللَّه يكذّبه، ومن يعف يعف اللَّه عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره اللَّه، ومن يصبر على الرّزية يعوّضه اللَّه. ومن يتتبع السّمعة يسمّع اللَّه به [ (2) ] . ومن يصبر يضاعف اللَّه له، ومن يعص اللَّه يعذّبه. اللَّهمّ اغفر لي ولأمتي. اللَّهمّ اغفر لي ولأمتي، أستغفر اللَّه لي ولكم. عظته صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يطوف بالناس وطاف على ناقته بالناس وهو يقول: يا أيها الناس، يد اللَّه فوق يد المعطي، ويد المعطي الوسطي ويد المعطى السفلي، أيها الناس، فتغنّوا ولو بحزم الحطب. اللَّهمّ هل بلغت! ثلاثا. فقال له رجل من بني عذرة- يقال له عدي-: يا رسول اللَّه، إن امرأتين لي اقتتلتا، فرميت فأصبت إحداهما في رميتي؟ [يعني ماتت] ، فقال له: تعقلها [ (3) ] ولا ترثها. قوله صلى اللَّه عليه وسلّم في أهل اليمن وأهل المشرق ونظر بتبوك نحو اليمن، ورفع يديه يشير إلى أهلها وقال: الإيمان يمان! ونظر نحو المشرق، وأشار بيده وقال: إن الجفاء وغلظ القلوب في الفدّادين [ (4) ] أهل الوبر من المشرق حيث يطلع الشيطان قرنيه. خبر البركة في الطعام وجلس بتبوك في نفر من أصحابه هو سابعهم، فجاء رجل من بني سعد بن هذيم فسلم فقال: اجلس، فقال: يا رسول اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك
بعثة هرقل رجلا من غسان
رسول اللَّه! فقال: أفلح وجهك، ثم قال: يا بلال، أطعمنا! فبسط نطعا [ (1) ] ، ثم أخرج من حميت [ (2) ] له خرجات من تمر معجون بسمن وإقط، ثم قال عليه السلام: كلوا: فأكلوا حتى شبعوا، فقال الرجل: يا رسول اللَّه: إن كنت لآكل هذا وحدي! فقال: الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معى واحد. ثم جاء من الغد متحيّنا الغداء ليزداد في الإسلام يقينا، فإذا عشرة حوله عليه السلام فقال: هات أطعمنا يا بلال! فجعل يخرج من جراب تمرا بكفّه قبضة قبضة، فقال: أخرج ولا تخف من ذي العرش إقتارا! فجاء بالجراب فنثره فحرزه الرجل مدّين، فوضع صلّى اللَّه عليه وسلّم يده على التمر. ثم قال: كلوا باسم اللَّه! فأكل القوم وأكل الرجل- وكان صاحب تمر- حتى ما يجد [له] [ (3) ] مسلكا، وبقي على النّطع مثل الّذي جاء به بلال، كأنهم لم يأكلوا منه تمرة واحدة. ثم عاد الرجل من الغد، وعاد نفر. فكانوا عشرة أو يزيدون رجلا أو رجلين، فقال عليه السلام: يا بلال أطعمنا! فجاء بذلك الجراب بعينه فنثره، ووضع صلّى اللَّه عليه وسلّم يده عليه وقال: كلوا باسم اللَّه! فأكلوا حتى نهلوا [ (4) ] ، ثم رفع مثل الّذي صبّ. ففعل ذلك ثلاثة أيام. بعثة هرقل رجلا من غسان وكان هرقل ملك الروم بعث رجلا من غسان إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إلى صفته، وإلى علامته، فوعى أشياء من حاله، وعاد إليه فذكر ذلك. فدعا هرقل الروم إلى التصديق به، فأبوا حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه لم يتحرك ولم يوجف [ (5) ] . وكان الّذي خبّر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- عن تعبئته أصحابه، ودنوّه إلى أدنى الشام- باطلا [ (6) ] ، لم يرد ذلك هرقل ولا همّ به.
المشورة في السير إلى القتال
المشورة في السّير إلى القتال وشاور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التقدم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: إن كنت أمرت بالمسير فسر! فقال: لو أمرت ما استشرتكم فيه. قالوا: يا رسول اللَّه، إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام، وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوّك، فلو رجعت هذه السنة حتى ترى، أو يحدث اللَّه لك في ذلك أمرا. هبوب الريح لموت المنافق وهاجت ريح شديدة بتبوك فقال عليه السلام: هذا لموت منافق عظيم النفاق، فلما قدموا المدينة وجدوا منافقا قد مات عظيم النفاق. وأتي بجبنة فقالوا: هذا طعام تصنعه فارس، وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة، فقال: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم اللَّه. النهي عن إخصاء الخيل وأهدى إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل من قضاعة فرسا، فأعطاه رجلا من الأنصار وأمر أن يربطه حياله، استئناسا بصهيله. فلم يزل كذلك حتى قدم عليه السلام المدينة ففقد صهيله، فسأل عنه صاحبه فقال: خصيته يا رسول اللَّه! فقال: مه! [ (1) ] فإن الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: وقام بتبوك إلى فرسه الظّرب فعلّق عليه شعيرة ومسح ظهره [ (2) ] بردائه. غزوة أكيدر بدومة الجندل ثم كانت غزوة أكيدر بدومة الجندل، بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد
فتح الحصن
من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا- إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل في رجب، وهي على ليال من المدينة، وكان أكيدر من كندة قد ملكهم، وكان نصرانيا. فقال خالد: يا رسول اللَّه: كيف لي به وهو وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير؟ فقال ستجده يصيد البقر فتأخذه! وقال: فلا تقتله وأت [ (1) ] به إليّ، فإن أبى فاقتلوه! فخرج خالد، حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين، وفي ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له من الحرّ، ومعه امرأته- الرباب بنت أنيف بن عامر- وقينته تغنيه وقد شرب، فأقبلت البقر تحكّ بقرونها باب الحصن: فأشرفت امرأته فرأت البقر فقالت: من يترك هذا؟! قال: لا أحد!! قال أكيدر: واللَّه ما رأيت جاءتنا ليلا بقر غير تلك الليلة! ولقد كنت أضمّر لها الخيل- إذا أردت أخذها- شهرا أو أكثر، ثم أركب بالرجال وبالآلة. فنزل فأمر بفرسه فسرج، وأمر بخيل فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيته معه: أخوه حسان ومملوكان له. فخرجوا من حصنهم بمطاردهم [ (2) ] ، وخيل خالد تنتظرهم: لا يصهل منها فرس ولا يتحرك، فساعة فصل [ (3) ] أخذته الخيل. وقاتل حسّان حتى قتل عند باب الحصن: وهرب المملوكان ومن كان معهما. واستلب خالد بن الوليد حسّانا قباء ديباج مخوّصا بذهب، فبعث [به] [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمرو بن أميّة الضمريّ، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجّبون منه، فقال عليه السلام: تعجبون من هذا! والّذي نفسي بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنّة أحسن من هذا!! وأسلم حريث [بن عبد الملك، أخو] [ (5) ] أكيدر، على ما في يده فسلم له. فتح الحصن وقال خالد لأكيدر: هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتي رسول اللَّه على أن تفتح لي دومة؟ قال: نعم! فانطلق به في وثاق حتى أدناه من الحصن فنادى
الرجوع بأكيدر إلى المدينة
أهله: افتحوا باب الحصن! فأرادوا ذلك، فأبى عليهم مضاد [ (1) ] أخوه، فقال أكيدر لخالد: تعلم واللَّه لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك، فحلّ عنى، ولك اللَّه والأمانة أن أفتح لك الحصن إن أنت صالحتنى عل أهله. قال: فإنّي أصالحك [ (2) ] فقال أكيدر إن شئت حكّمتك وإن شئت حكمتني. قال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فصالحه على ألفى بعير. وثمانمائة رأس، وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح- على أن ينطلق به وأخيه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيحكم فيهما حكمه. فخلّى سبيله ففتح الحصن، ودخله خالد أوثق مضادا أخا أكيدر، وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلام. الرجوع بأكيدر إلى المدينة ثم خرج قافلا إلى المدينة ومعه أكيدر ومضاد، وعلى أكيدر صليب من ذهب، وعليه الديباج ظاهر، ومع خالد الخمس مما غنموا، وصفيّ خالص لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكانت السّهمان خمس فرائض لكلّ رجل معه سلاح ورماح. فلما قدم بأكيدر، صالحه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجزية. وخلى سبيله وسبيل أخيه، وكتب لهم أمانا وختمه بظفره: لأنه لم يكن في يده خاتم. وأهدى [أكيدر] [ (3) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثوب حرير، فأعطاه عليا فقال. شقّقه خمرا [ (4) ] بين الفواطم [ (5) ] . كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأكيدر ونسخة الكتاب بعد البسملة: «هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لأكيدر،
عودة أكيدر
حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام. مع خالد بن الوليد في دومة الجندل وأكنافها: أن له [ (1) ] الضاحية من الضحل والبور والمعامي وأغفال الأرض والحلقة والسلاح والحافر والحصن، ولكم الضامنة من النخل والمعين من المعمور بعد الخمس، لا تعدل سارحتكم. ولا تعدّ فاردتكم، ولا يحظر عليكم النبات [ (2) ] ، ولا يؤخذ منكم إلا عشر الثبات [ (3) ] . تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها عليكم بذلك العهد والميثاق، ولكم بذلك الصّدق والوفاء، شهد اللَّه ومن حضر من المسلمين» . عودة أكيدر وعاد أكيدر إلى حصنه. وقيل: إنه أسلم ثم ارتد، فقتله خالد بن الوليد في الرّدّة. وقيل: لما منع في خلافة أبي بكر ما كان يؤديه إلى رسول اللَّه، أخرج من جزيرة العرب في دومة، فلحق بالجزيرة [ (4) ] ، وابتنى بها-[قرب عين التمر]- بناء سمّاه دومة. قدوم يوحنا بن رؤبة وأهل أيلة وخاف أهل أيلة [ (5) ] وتيماء، فقدم يوحنا بن رؤبة- ومعه أهل جرباء، وأذرح-، وعليه صليب من ذهب، وقد عقد ناصيته. فلما رأى النبيّ عليه
كتابه صلى الله عليه وسلم لأهل أيلة ويوحنا بن رؤبة
السلام، كفّر [ (1) ] وأومأ برأسه. فأومأ إليه: [أن] [ (2) ] ارفع رأسك! وكساه بردا، وأنزله عند بلال. فصالحهم عليه السلام، وقطع عليهم الجزية، فوضع على أهل أيلة ثلاثمائة دينار، وكانوا ثلاثمائة رجل. وكتب لهم بعد البسملة: كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأهل أيلة ويوحنا بن رؤبة «هذه [ (3) ] أمنة من اللَّه ومحمد النبي رسول اللَّه ليوحنا بن رؤبة وأهل أيلة: سفنهم وسيّارتهم [ (4) ] في البر والبحر، لهم ذمة اللَّه وذمة محمد النبي [ (5) ] ، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن، وأهل البحر، فمن [ (6) ] أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس. وإنه لا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه، ولا طريقا يريدونه، من برّ أو بحر. هذا كتاب جهيم بن الصّلت، وشرحبيل بن حسنة، بإذن رسول اللَّه» . وقال الدولابيّ: أهدى أهل أيلة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم القلقاس فأكله وأعجبه، وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض فقال: إن شحمة الأرض لطيّبة! كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهل جرباء وكتب لأهل جرباء: «هذا كتاب من محمد النبي رسول اللَّه لأهل جرباء [وأذرح] [ (7) ] : أنهم آمنون بأمان اللَّه وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، واللَّه كفيل [عليهم] [ (8) ] » . كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهل أذرح ونسخة كتاب أذرح [ (9) ] بعد البسملة:
كتابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل مقنا
«من محمد النبي [رسول اللَّه] [ (1) ] لأهل أذرح: أنهم آمنون بأمان اللَّه وأمان محمد، وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، واللَّه كفيل عليهم بالنّصح والإحسان للمسلمين، ومن لجأ [إليهم] [ (2) ] من المسلمين من المخافة، والتعزير إذا خشوا على المسلمين وهم [ (3) ] آمنون حتى يحدث إليهم محمد قبل خروجه» [ (4) ] . كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهل مقنا وكتب لأهل مقنا: أنهم آمنون بأمان اللَّه وأمان محمد، وأن عليهم ربع غزوهم وربع ثمارهم. وكان عبيد بن ياسر بن نمير [ (5) ] . ورجل من جذام قد قدما بتبوك وأسلما، فأعطاهما ربع مقنا مما يخرج من البحر ومن الثمر من نخلها. وربع الغزل [ (6) ] وأعطى عبيد بن ياسر مائة ضفيرة [يعني حلة] [ (7) ] لأنه كان فارسا، والجذاميّ راجلا، ثم قدما مقنا وبها يهود. فكانت تقوم على فرسه، وأعطاها ستين ضفيرة من ضفائر فرسه وأهدي عبيد للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا عتيقا يقال له مراوح، وقال: إنه سابق! فأجرى عليه السلام الخيل بتبوك فسبق الفرس، ثم أعطاه المقداد بن عمرو. تحريم النهبة ومر عليه السلام بتبوك لحاجته، فرأى أناسا مجتمعين على بعير قد نحره رافع ابن مكيث الجهنيّ، وأخذ منه حاجته، وخلّى بين الناس وبينه، فأمر أن يردّ رافع ما أخذ الناس ثم قال: هذه نهبة لا تحلّ! قيل: يا رسول اللَّه! أن صاحبه أذن في أخذه! فقال وإن أذن في أخذه.
أفضل الصدقة
أفضل الصدقة وقال له رجل: أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: ظلّ خباء في سبيل اللَّه، أو خدمة خادم في سبيل اللَّه، أو طروقة فحل [ (1) ] في سبيل اللَّه. وقال بتبوك: اقطعوا قلائد الإبل من الأوتار. قيل: يا رسول اللَّه! فالخيل؟ قال: لا تقلدوها بالأوتار [ (2) ] . الحرس بتبوك وكان قد استعمل على حرسه بتبوك عبّاد بن بشر. وكان يطوف في أصحابه بالعسكر مدّة إقامته عليه السلام. فسمع صوت تكبير من ورائهم في ليلة، فإذا هو سلكان بن سلامة خرج في عشرة على خيولهم يحرسون الحرس. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه حرس الحرس في سبيل اللَّه، فلكم قيراط من الأجر على من حرستم من الناس جميعا أو دابة. وفد بني سعد هذيم وقدم من بني سعد هذيم قوم فقالوا: يا رسول اللَّه! إنا قدمنا عليك وتركنا أهلنا على بئر لنا قليل ماؤها وهذا القيظ، ونحن نخاف إن تفرّقنا أن نقتطع، لأن الإسلام لم يفش حولنا، فادع اللَّه لنا في مائنا، فإنا إن روينا به فلا قوم أعز منّا، لا يقربنا أحد مخالف لديننا. فقال: ابغوني حصيّات، فدفع إليه ثلاث حصيات فعركهنّ بيده، ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيّات إلى بئركم فاطرحوا واحدة واحدة وسمّوا اللَّه. فانصرفوا، ففعلوا ذلك فجاشت بئرهم بالرواء [ (3) ] ، ونفوا [ (4) ] من قاربهم من المشركين ووطئوهم. فما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من تبوك حتى أوطئوا من حولهم غلبة. ودانوا بالإسلام.
الصيد في تبوك
الصيد في تبوك واستأذنه رافع بن خديج في الصيد فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن ذهبت فاذهب في عدة من أصحابك، وكونوا على خيل، فإنكم متفرقون من العسكر. فانطلق في عشرة من الأنصار فيهم أبو قتادة- وكان صاحب طرد بالرّمح، وكان رافع راميا- وأتوا بخمسة أحمرة وظباء كثيرة. فأمر عليه السلام رافعا فجعل يعطى القبيلة بأسرها الحمار والظبي حتى فرّق ذلك، وصار لرسول اللَّه ظبي واحد، فطبخه، ودعا أضيافه فأكلوا. آية الطعام يوم تبوك وكان عرباض بن سارية يلزم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحضر والسفر، فرجع ليلة من حاجته بتبوك- وقد تعشّى عليه السلام ومن معه من أضيافه، وهو يريد أن يدخل قبّته على أمّ سلمة- فلما رأى العرباض سأله عن غيبته فأخبره. ثم جاء جمال بن سراقة وعبد اللَّه بن مغفّل المزني- وهم ثلاثتهم جياع-، فطلب عليه السلام في بيته شيئا يأكله فلم يجده، فنادى بلالا: هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ فقال: لا، والّذي بعثك بالحق، لقد نفضنا جربنا وحمتنا [ (1) ] ! قال: انظر، عسى أن تجد شيئا! فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا، فتقع التمرة والتمرتان حتى اجتمع سبع تمرات، فوضعها عليه السلام في صحفة وسمي اللَّه، ثم قال: كلوا باسم اللَّه! فأكلوا، وأحصى عرباض أربعا وخمسين تمرة أكلها يعدها ونواها في يده الأخرى، وأكل كلّ واحد من الآخرين خمسين تمرة، ورفعوا أيديهم، فإذا التمرات السبع [ (2) ] كما هي، فقال: يا بلال، أرفعها في جرابك، فإنه لا يأكل منها أحد حتى نهل شبعا! فبات الثلاثة حول قبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقام يتهجّد على عادته، فلما صلّى بالناس الصّبح جلس بفناء قبته وحوله عشرة من الفقراء، فقال: هل لكم في الغداء؟ فقال عرباض في نفسه: أي غداء؟ فدعا بلال بالتمر فوضع يده عليه في الصّحفة ثم قال: كلوا باسم اللَّه! فأكلوا حتى شبعوا، وإذا التمرات كما هي، فقال عليه السلام لولا أني أستحي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد
موت ذي البجادين
المدينة من آخرنا! وأخذ التمرات فدفعها إلى غليّم، فولّي الغلام يلوكهنّ. موت ذي البجادين ومات بتبوك عبد اللَّه [بن عبد نهم المزني] [ (1) ] ذو البجادين [ (2) ] ، فنزل صلّى اللَّه عليه وسلّم قبره عشاء وهيأه لشقّه، وقد دلّاه أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما. ثم قال: اللَّهمّ إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه، فقال عبد اللَّه بن مسعود: ياليتني كنت صاحب هذا اللحد. مدة الإقامة بتبوك وأقام عليه السلام بتبوك عشرين ليلة- وقيل بضع عشر ليلة- يصلّى ركعتين. العسرة والجوع وآية النبوة فلما أجمع المسير أرمل الناس [ (3) ] إرمالا شديدا، فشخص على ذلك، حتى استأذنوه أن ينحروا ركابهم فأذن لهم. فلقيهم عمر رضي اللَّه عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا، ودخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أذنت للناس في حمولتهم يأكلونها [ (4) ] ؟ فقال: شكوا إليّ ما بلغ منهم من الجوع فأذنت لهم، تنحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهر، هم قافلون إلى أهليهم! فقال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من ظهرهم يكن [ (5) ] خيرا، ولكن ادع بفضل أزوادهم، ثم اجمعها فادع اللَّه فيها بالبركة- كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرملنا-، فإن اللَّه مستجيب لك. فنادى مناديه: من كان عنده فضل زاد فليأت به. وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتي بالمدّ الدقيق والسويق أو التمر، أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر [ (6) ] ، والكسر، فيوضع كلّ صنف على حدة، وكلّ ذلك قليل. فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق
خبر النهي عن الماء وخلاف المنافقين
والتمر. ثلاثة أفرق حزرا [ (1) ] ثم توضّأ وصلّى ركعتين ودعا اللَّه، ونادى مناديه هلمّوا [ (2) ] إلى الطعام خذوا منه حاجتكم! فأقبل الناس فجعل كلّ من جاء بوعاء ملأه، فقال بعضهم: لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا ما كفانا إلى المدينة. فجعل الناس يتزودون حتى نهلوا من آخرهم، حتى كان آخر ذلك أن أخذت الأنطاع ونثر ما عليها، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو واقف: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني عبده ورسوله، وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه اللَّه حرّ النار. خبر النهي عن الماء وخلاف المنافقين وأقبل قافلا حتى كان بين تبوك وواد يقال له وادي الناقة [ (3) ]- هو وادي المشقّق [ (4) ] ، وكان فيه وشل [ (5) ] يخرج منه في أسفله قدر ما يروي الراكبين والثلاثة- فقال: من سبقنا إلى ذلك الرمل [ (6) ] فلا يستقين منه شيئا حتى نأتي. فسبق إليه أربعة من المنافقين: معتب بن قشير والحارث بن يزيد الطائيّ حليف بني عمرو بن عوف [ (7) ] ، ووديعة بن ثابت، وزيد بن اللصيت، فقال عليه السلام: ألم أنهكم؟! ولعنهم ودعا عليهم ثم نزل فوضع يده في الوشل، ثم مسحه بإصبعه حتى اجتمع منه في كفّه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء اللَّه أن يدعو، فانخرق الماء [ (8) ] . قال معاذ بن جبل: والّذي نفسي بيده، لقد سمعت له من شدة انخراقه مثل الصواعق! فشرب الناس ما شاءوا، وسقوا ما شاءوا، ثم
خبر أبي قتادة
قال عليه السلام: لئن بقيتم- أو من بقي منكم- لتسمعنّ بهذا الوادي وهو أخصب ممّا [ (1) ] بين يديه وما خلفه، فقال سلمة بن سلامة بن وقش لوديعة بن ثابت: ويلك [ (2) ] ! أبعد ما ترى شيء [ (3) ] ؟ أما تعتبر! فقال: قد كان يفعل مثل هذا قبل هذا. خبر أبي قتادة ثم سار عليه السلام. وعن أبي قتادة قال: بينما نحن في الجيش نسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا- وهو قافل وأنا معه- إذ خفق خفقة [ (4) ] وهو على راحلته فمال على شقّه، فدنوت منه فدعمته [ (5) ] فانتبه، فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة يا رسول اللَّه، خفت أن تسقط فدعمتك، فقال: حفظك اللَّه كما حفظت رسوله، ثم سار غير كبير ثم فعل مثلها، فأدعمه فانتبه، فقال: يا أبا قتادة، هل لك في التعريس [ (6) ] ؟ فقلت: ما شئت يا رسول اللَّه. التعريس، والنوم عن الصلاة فقال: انظر من خلفك؟ فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال: ادعهم، فقلت، أجيبوا رسول اللَّه! فجاءوا فعرّسنا، ونحن خمسة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «ومعي إداوة فيها ماء: فنمنا فما انتبهنا إلا بحرّ الشمس، فقلت: إنا للَّه! فاتنا الصبح! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. لنغيظن الشيطان كما غاظنا! فتوضأ من ماء الإداوة ففضل فضلة، فقال: يا أبا قتادة، احتفظ بما في الإداوة والرّكوة [ (7) ] فإن لهما شأنا، ثم صلّى بنا الفجر بعد طلوع الشمس، فقرأ بالمائدة.
ظمأ الجيش بتبوك
ظمأ الجيش بتبوك فلما انصرف من الصلاة قال: أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا. وذلك أنهما أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما [ (1) ] ، فنزلوا على غير ماء بفلاة [ (2) ] من الأرض. فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلحق الجيش عند زوال الشمس- ونحن معه-، وقد كادت تقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا. آيات النبوة في الماء بتبوك فدعا بالرّكوة فأفرغ ما في الإداوة فيها، فوضع أصابعه عليها فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا، وفاض الماء حتى تروّوا وأرووا خيلهم وركابهم، وإن كان في العسكر اثنا عشر ألف بعير- ويقال خمسة عشر ألف بعير- والناس ثلاثون ألفا، والخيل عشرة آلاف فرس: وذلك قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي قتادة احتفظ بالركوة والإداوة. وكان في تبوك أربعة أشياء [ (3) ] : فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير منحدرا إلى المدينة- وهو في قيظ شديد- عطش العسكر بعد المرّتين الأوليين عطشا شديدا، حتى لا يوجد للشّفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأرسل أسيد بن حضير- في يوم صائف وهو متلثم- فقال: عسى أن تجد لنا ماء! فخرج أسيد- وهو فيما بين الحجر وتبوك- فجعل يضرب في كل وجه، فيجد راوية من ماء مع امرأة من بلي، فكلّمها وخبّرها خبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: هذا الماء، فانطلق به، فدعا فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبركة، ثم قال: هلمّوا [ (4) ] أسقيتكم! فلم يبق معهم سقاء إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت. ويقال إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بما [ (5) ] جاء به أسيد فصبّه [ (6) ] في قعب عظيم من عساس [ (7) ] أهل البادية، فأدخل فيه يديه وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلّى ركعتين، ثم رفع يديه مدا،
كيد المنافقين بإلقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية
ثم انصرف وإن القعب ليفور فقال للناس [ (1) ] زوّدوا، فاتسع الماء وانبسط للنّاس، حتى يصفّ عليه المائة والمائتان، فأرووا وإن القعب ليجيش بالرواء. ثم راح مبردا مترويا [ (2) ] من الماء. كيد المنافقين بإلقاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الثنية ولما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعض الطريق مكر به أناس من المنافقين، وائتمروا أن يطرحوه من عقبة، فلما بلغ تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فأخبر خبرهم، فقال للناس [ (1) ] : اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي. وسلك صلّى اللَّه عليه وسلّم العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق خلفه، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه فغضب وأمر حذيفة أن يردّهم، فرجع إليهم فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأتي حذيفة فسار به. فلما خرج من العقبة ونزل الناس قال: يا حذيفة، هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين فلم أعرفهم من أجل ظلمة الليل. التقاط ما سقط من المتاع وكانوا قد أنفروا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسقط بعض متاع رحله، فكان [ (3) ] حمزة ابن عمرو الأسلميّ يقول: فنور لي في أصابعي الخمس [ (4) ] ، فأضاءت حتى كنّا نجمع ما سقط، السّوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه. وكان [حمزة بن عمرو الأسلمي] [ (5) ] قد لحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعقبة. أمر المنافقين فلما أصبح [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] قال له أسيد بن الحضير: يا رسول اللَّه، ما منعك البارحة من سلوك الوادي، فقد كان أسهل؟ فقال: يا أبا يحي! أتدري
مشورة أسيد بن الحضير في قتل المنافقين
ما أراد البارحة المنافقون وما همّوا به؟ قالوا: نتبعه في العقبة، فإذا أظلم الليل عليه قطعوا أنساع [ (1) ] راحلتي ونخسوها حتى يطرحوني عن راحلتي؟ مشورة أسيد بن الحضير في قتل المنافقين فقال أسيد: يا رسول اللَّه، فقد اجتمع الناس ونزلوا، فمر كلّ بطن أن يقتل الرجل الّذي همّ بهذا، فيكون الرجل الّذي يقتله من عشيرته، وإن أحببت فنبّئني بهم، فو الّذي بعثك بالحق لا تبرح [ (2) ] حتى آتيك برءوسهم، وإن كانوا في النّبيت [ (3) ] كفيتهم، وأمرت سيد الخزرج فكفاك من ناحيته، فإن مثل هؤلاء لا يتركون يا رسول اللَّه! حتى متى نداهنم، وقد صاروا اليوم في القلة والذلة وضرب الإسلام بجرانه؟! فما تستبقي من هؤلاء؟ قال: يا أسيد إني أكره أن يقول الناس إن محمدا- لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين- وضع يده في قتل أصحابه! فقال: يا رسول اللَّه، وهؤلاء ليسوا بأصحاب! قال: أو ليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا اللَّه؟ قال: بلى، ولا شهادة لهم! قال: أوليس يظهرون أني رسول اللَّه؟ قال بلى، ولا شهادة لهم! قال: فقد نهيت عن قتل أولئك. عدة أهل العقبة أصحاب الكيد وكان أهل العقبة الذين أرادوا ما أرادوا- ثلاثا عشر رجلا، قد سمّاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحذيفة وعمّار. وقيل:. ربعة عشر، وقيل: خمسة عشر، وقيل: اثني عشر وهو الثّبت. وقال ابن قتيبة [ (4) ] إن الذين همّوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن أبي [ابن سلول] ، وسعد بن أبي سرح: [وهو أبو الّذي كان يكتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان «غفور
أصحاب مسجد الضرار
رحيم» ، و «عزيز حكيم» ] ، وأبو حاضر الأعرابيّ، والجلاس بن سويد [ابن الصامت] ، ومجمّع بن جارية [ (1) ] ، ومليح التّيمي: [وهو] الّذي سرق طيب الكعبة وارتد [عن الإسلام] وانطلق فلا يدري أين ذهب، وحصين بن نمير: [وهو الّذي أغار على تمر الصدقة فسرقه] ، وطعيمة بن أبيرق، ومرّة بن ربيع، [وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة] [ (2) ] . واعترض عليه بأن ابن أبي لم يشهد تبوك، وأن أبا عامر فرّ عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل هذا. أصحاب مسجد الضرار وأقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى نزل بذي أوان: - بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار-، وقد كان جاءه أصحاب مسجد الضرار [ (3) ] ، وهم خمسة: معتّب بن قشير، وثعلبة ابن حاطب، وخذام [ (4) ] بن خالد، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعبد اللَّه بن نبتل ابن الحارث، فقالوا: يا رسول اللَّه، إنّا رسل من خلفنا من أصحابنا، إنا قد بنينا مسجدا لذي القلة والحاجة والليلة المطيرة، والليلة الشاتية، ونحن نحب أن تأتينا فتصلّي فيه! وكان يتجهز إلى تبوك، فقال: إني على جناح سفر وحال شغل-[أو كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] ، لو قدمنا- إن شاء اللَّه- أتيناكم فصلينا بكم فيه. الوحي بخبر المسجد وإرصاده لأبي عامر الفاسق فلما نزل بذي أوان أتاه [ (6) ] خبر المسجد [ (7) ] وخبر أهله من السماء، وكانوا إنما بنوه [يريدون ببنائه السّوأى، ضرارا لمسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكفرا باللَّه، وتفريقا بين المؤمنين، وإرصادا لأبي عامر الفاسق] [ (8) ] ، قالوا بينهم: يأتينا أبو عامر فيتحدث عندنا فيه، فإنّه يقول: لا أستطيع أن آتي مسجد بني عمرو بن عوف،
هدم المسجد وتحريقه
إنما أصحاب محمد يلحظوننا بأبصارهم. يقول اللَّه تعالى: وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يعني أبا عامر. هدم المسجد وتحريقه فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عاصم بن عديّ العجلانيّ، ومالك بن الدّخشم السّالميّ، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم حرّقاه فخرجا سريعين- على أقدامهما- حتى أتيا مسجد بني سالم [بن عوف، وهم رهط مالك ابن الدخشم] [ (1) ] ، فقال مالك لعاصم: انظرني [ (2) ] حتى أخرج [ (3) ] إليك بنار من أهلي فدخل إلى [ (4) ] أهله فأخذ سعفا من النخيل وأشعل فيه نارا، ثم خرجا يعدوان حتى انتهيا إليهم بين المغرب والعشاء وهم فيه، وإمامهم مجمّع بن جارية، فأحرقاه، - وثبت من بينهم زيد بن جارية بن عامر حتى احترقت أليته [ (5) ]-، وهدماه حتى وضعاه بالأرض. هجران أرض المسجد وشؤم أخشابه فلما قدم صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة عرض على عاصم بن عدي المسجد يتخذه دارا، فقال: ما كنت لأتخذ مسجدا قد نزل فيه ما نزل دارا! فأعطاه ثابت بن أقرم [ (6) ] وأخذ أبو لبابة بن عبد المنذر خشبا من مسجد الضّرار- كان قد أعانهم به، وكان غير مغموص عليه في النّفاق- فبني به منزلا له، فلم يولد له في ذلك البيت مولود، ولم يقف فيه حمام، ولم تحضن فيه دجاجة قط. عدة من بني مسجد الضرار وكان الذين بنوا مسجد الضرار اثني عشر [ (7) ] رجلا: جارية بن عامر بن
من خبر المنافقين أصحاب المسجد
مجمّع [ (1) ] بن العطاف- وهو حمار الدار-، وابناه [ (2) ] مجمّع بن جارية، [ويزيد ابن جارية] [ (3) ] ، ووديعة بن ثابت، وعبد اللَّه بن نبتل [ (4) ] ونجاد بن عثمان، وأبو حبيبة بن الأزعر، ومعتّب بن قشير، وعباد بن حنيف وثعلبة بن حاطب من بني أمية بن زيد، وخزام بن خالد من بني أحد بني مرو بن عوف، بني أميّة بن زيد، وخزام [ (5) ] بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف، [ويخرج من بني ضبيهة] [ (6) ] . من خبر المنافقين أصحاب المسجد وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: زمام خير من خزام، وسوط خير من نجاد: وكان عبد اللَّه بن نبتل يستمع حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يأتي به المنافقين، فقال جبريل: يا محمد! إن رجلا من المنافقين يأتيك فيستمع حديثك، ثم يذهب به إلى المنافقين، فقال: أيهم [ (7) ] هو؟ قال: الرجل الأسود ذو الشعر الكثير، الأحمر العينين، كأنهما قدران من صفر، كبده كبد حمار وينظر بعين شيطان. ما نزل فيهم من القرآن وفيهم نزل قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [ (8) ] . وأرادوا ببنائه: أنهم كان يجتمعون في المسجد فيتناجون فيما بينهم، ويلتفت
المتخلفون عن تبوك
بعضهم إلى بعض، فيلحظهم المسلمون بأبصارهم، فشق ذلك عليهم، وأرادوا مسجدا يكونون فيه لا يغشاهم فيه إلا من يريدون ممن هو على قبل رأيهم. وكان أبو عامر يقول: لا أقدر أن أدخل مربدكم هذا [ (1) ] ! وذلك أنّ أصحاب محمد يلحظوني وينالون مني ما أكره. فقالوا: نحن نبني مسجدا تتحدّث فيه عندنا. المتخلفون عن تبوك [وقد كان تخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رهط من المنافقين، وتخلف أولئك الرّهط الثلاثة المسلمين من غير شك ولا نفاق: كعب بن مالك الأنصاريّ السّلميّ، ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أميّة الواقفيّ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تكلمنّ أحدا من هؤلاء الثلاثة! فاعتزل المسلمون كلام أولئك النّفر الثلاثة] [ (2) ] . وأجمع كعب بن مالك أن يصدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. مقدمة إلى المدينة ودعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقدم صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة في رمضان، فقال: الحمد للَّه على ما رزقنا في سفرنا هذا من أجر وحسبة ومن بعدنا شركاؤنا فيه. فقالت عائشة رضي اللَّه عنها. أصابكم العسر [ (3) ] وشدّة السّفر، ومن بعدكم شركاؤكم فيه؟ فقال: إن بالمدينة لأقواما ما سرنا من مسير، ولا هبطنا واديا إلا كانوا معنا، حبسهم المرض، أو ليس اللَّه يقول في كتابه وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [ (4) ] ؟ فحن غزاتهم وهم قعدتنا [ (5) ] ، والّذي نفسي بيده، لدعاؤهم أنفذ في عدونا من سلاحنا!!. دخول المسجد والنهي عن كلام المتخلفين ولما قدم بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فجاء المخلفون
المعذرون وقبول أعذارهم
فجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون له، - وكانوا بضعة وثمانين رجلا-، فقبل منهم علانيتهم وأيمانهم. وقيل: بل خرج [ (1) ] عامّة المنافقين إليه بذي أوان، فقال: لا تكلموا أحدا ممن تخلف عنا، ولا تجالسوه حتى آذن لكم، فلم يكلموهم. المعذرون وقبول أعذارهم فلما قدم المدينة جاءه المعذرون يحلفون له، فأعرض عنهم وأعرض المؤمنون، حتى إن الرجل ليعرض عن أبيه وأخيه وعمه، فجعلوا يأتون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعتذرون بالحمّى والأسقام، فيرحمهم ويقبل علانيتهم وأيمانهم، وحلفوا فصدّقهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى اللَّه. خبر كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين خلّفوا وجاء كعب بن مالك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في المسجد، فلما سلّم عليه تبسّم تبسم المغضب ثم قال: تعال! فجاء حتى جلس بين يديه، فقال: ما خلفك؟ ألم تكن ابتعت ظهرك [ (2) ] ؟ فقال: بلى يا رسول اللَّه، واللَّه لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلا، ولكن واللَّه لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كاذبا لترضي عني، ليوشكنّ اللَّه أن يسخط عليّ، ولئن حدثتك اليوم حديثا صادقا تجد على [ (3) ] فيه، إنّي لأرجو عقبى اللَّه فيه. لا واللَّه ما كان لي عذر! واللَّه ما كنت أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك! فقال عليه السلام: أمّا أنت فقد صدقت! فقم حتى يقضى اللَّه فيك. فقام ومعه رجال من بني سلمة، فقالوا له: واللَّه ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا! ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت بما اعتذر به المخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول اللَّه لك. حتى كاد أن يرجع فيكذّب نفسه، فلقيه معاذ بن جبل وأبو قتادة [ (4) ] ، فقالا لي: لا تطع أصحابك وأقم على الصدق، فإن اللَّه سيجعل لك فرجا ومخرجا إن شاء اللَّه تعالى، فأما هؤلاء المعذرون، فإن كانوا صادقين
النهي عن كلام الثلاثة وتمام أخبارهم
فسيرى اللَّه ذلك ويعلم نبيه، وإن كانوا غير ذلك يذمهم أقبح الذم ويكذّب حديثهم فقال لهم: هل أتى هذا (أحد) [ (1) ] غيري؟ قالا: نعم! رجلان قالا مثل مقالتك، وقيل لهما مثل ما قيل لك! قال: من هما؟ قالا: مرارة بن ربيع العمري وهلال بن أمية الواقفيّ. النهي عن كلام الثلاثة وتمام أخبارهم ونهي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن كلام الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبهم الناس وتغيّروا لهم، حتى تنكّرت لهم أنفسهم، فلبثوا على ذلك خمسين ليلة. وقد قعد مرارة وهلال في بيوتهما، وكان كعب يخرج فيشهد الصلوات مع المسلمين ويطوف بالأسواق فلا يكلّمه أحد. ويأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهو في مجلسه بعد الصلوات- فيسلم عليه ويصلى قريبا منه يسارقه النظر وهو معرض عنه. وتسوّر يوما جدار حائط أبي قتادة- وهو ابن عمه وأحبّ الناس إليه- فسلم عليه فلم يردّ عليه السلام، فقال: يا أبا قتادة! أنشدك اللَّه! هل تعلمني أحبّ اللَّه ورسوله؟ فسكت، وكرر ذلك فقال في الثالثة: اللَّه ورسوله أعلم! ففاضت عيناه وانصرف: فلما مضت أربعون ليلة بعث إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وإلى هلال ابن أمية ومرارة بن ربيع- مع خزيمة بن ثابت يأمرهم أن يعتزلوا نساءهم، فقال كعب لأمرأته: ألحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي اللَّه في هذا الأمر ما هو قاض!! هلال بن أمية وبكي هلال بن أمية وامتنع عن الطعام وواصل اليومين والثلاثة ما يذوق طعاما، إلا أن يشرب الشّربة من الماء أو الضّيح [ (2) ] من اللبن، ويصلّى الليل ولم يخرج من بيته لأن أحدا لا يكلمه، حتى إن الولدان يهجرونه لطاعة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وجاءت امرأته فقالت: يا رسول اللَّه، إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع لا خادم له، وأنا أرفق به من غيري، فإن رأيت أن تدعني أخدمه فعلت! قال:
التوبة على الثلاثة وما نزل من القرآن
نعم، ولكن لا تدعيه يصل إليك، فقالت: يا رسول اللَّه، ما به من حركة إليّ! واللَّه ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. وإن لحيته لتقطر دموعا الليل والنهار ولقد ظهر البياض على عينيه حتى تخوّفت أن يذهب بصره. التوبة على الثلاثة وما نزل من القرآن فلما كملت خمسون ليلة- وهم كما قال اللَّه تعالي: حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ- أنزل اللَّه توبتهم بقوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [ (1) ] . فأعلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك عند الصّبح. فخرج أبو بكر رضي اللَّه عنه فأوفي على سلع [ (2) ] فصاح: قد تاب اللَّه على كعب بن مالك! يبشره. فأتاه حمزة بن عمرو فبشره، فنزع ثوبيه وكساهما إياه، ولا يملك غيرهما، واستعار ثوبين من أبي قتادة فلبسهما، ثم انطلق إلى رسول اللَّه والناس يهنئونه، وخرج أبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل إلى هلال يبشره فلما أخبره سجد ولقيه الناس يهنئونه، فما استطاع المشي- لما أصابه من الضعف والحزن والبكاء- حتى ركب حمارا. وبشّر مرارة بن ربيع بن سلكان بن سلامة بن وقش، فأقبل حتى توافدوا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. انخلاع كعب من ماله فقام طلحة بن عبيد اللَّه يتلقى كعب بن مالك. فلمّا سلّم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له- ووجهه يبرق من السرور-: أبشر بخير يوم مر عليك منذر ولدتك أمّك! فقال: أمن عندك يا رسول اللَّه أو من عند اللَّه؟ قال: من عند اللَّه، وتلا
ما نزل في المعذرين الكاذبين
عليه الآيات [ (1) ] فقال كعب: يا رسول اللَّه، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة! فقال: أمسك عليك [بعض] [ (2) ] مالك فهو خير لك. قال: فالثلثان؟ قال: لا، قال: فالنصف [ (3) ] ؟ قال: لا، قال: فالثلث [ (4) ] ؟ قال: نعم. ما نزل في المعذرين الكاذبين ونزل في الذين كذبوا قوله تعالى: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ [ (5) ] . توهم المسلمين انقطاع الجهاد وجعل المسلمون يبيعون أسلحتهم ويقولون. قد انقطع الجهاد! فجعل أهل القوى منهم يشتريها لفضل قوّته، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنهاهم عن ذلك وقال: لا تزال [ (6) ] عصابة من أمتي ظاهرين يجاهدون على الحق حتى يخرج الدجّال. ما نزل من القرآن في تبوك وأنزل اللَّه في غزوة تبوك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [ (7) ] : الآيات من سورة «براءة» [ (8) ] . وكشفت «براءة» منهم ما كان مستورا، وأبدت أضغانهم ونفاق من نافق منهم.
وفد ثقيف وإسلام عروة بن معتب
وفد ثقيف وإسلام عروة بن معتب وفي شهر رمضان هذا قدم وفد ثقيف. وكان عروة بن مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد ابن عوف بن ثقيف الثّقفي- حين حاصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل الطائف- بجرش، ثم رجع بعد منصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقذف اللَّه في قلبه الإسلام. فقدم المدينة بعد رجوع أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما من الحج، فيما ذكر عروة بن الزبير وموسى بن عقبة وقيل: بل لحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين مكة والمدينة فأسلم، وهو قول ابن إسحاق. دعاؤه ثقيف ثم إنه [ (1) ] أراد أن يرجع إلى ثقيف فيدعوهم إلى الإسلام، فقال له عليه السلام، إنهم إذا قاتلوك، قال: لأنا أحبّ إليهم من أبكار أولادهم! ثم استأذنه الثانية، ثم الثالثة، فقال: إن شئت فاخرج] [ (2) ] ، وعاد إلى الطائف عشاء، فدخل منزله ولم يأت الرّبة [ (3) ] ، فأنكر قومه ذلك، وأتوه منزله، فدعاهم إلى الإسلام فاتهموه وآذوه، وخرجوا يأتمرون ما يصنعون به. حتى إذا طلع الفجر أو في على غرفة فأذّن بالصلاة، فرماه وهب بن جابر- ويقال: أوس بن عوف من بني مالك- فأصاب أكحله فلم يرفأ دمه، ومات، فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله قال: مثل عروة مثل صاحب ياسين [ (4) ] ، دعا قومه إلى اللَّه تعالى فقتلوه! ولحق ابنه أبو مليح وابن أخيه قارب بن الأسود برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلما، ونزلا على المغيرة بن شعبة. مشورة ثقيف عمرو بن أمية وكان عمرو بن أمية- أحد بني علاج- من أدهى العرب، وكان مهاجرا
وفد ثقيف والأحلاف
لعبد ياليل بن عمرو، فمشى إليه ظهرا حتى دخل داره. [ثم أرسل إليه: إن عمرو ابن أمية يقول لك: أخرج إليّ! فقال عبد ياليل للرسول: ويلك! أعمرو أرسلك إليّ! قال: نعم، وها هو ذا واقفا في دارك! فقال: إن هذا شيء ما كنت أظنّه، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك!] [ (1) ] فخرج إليه، فدعاه إلى الدخول في الإسلام، [وقال له: إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة! إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت، وقد أسلمت العرب كلها، وليست لكم بحربهم طاقة، فانظروا في أمركم!] [ (1) ] فقال [عبد ياليل] [ (1) ] : واللَّه قد رأيت ما رأيت، فائتمرت ثقيف فيمن يرسلونه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفد ثقيف والأحلاف حتى أجمعوا على أن يبعثوا عبد ياليل بن عمرو بن عمير ورجلين [معه] [ (2) ] من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك، فبعثوا عبد ياليل [ومعه] الحكم بن عمرو ابن وهب بن معتّب، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة- وهما من الأحلاف رهط عروة بن مسعود-، وبعثوا من بني مالك: عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد ابن دهمان أخا بني يسار، وأوس بن عوف، ونمير بن خرشة بن ربيعة، ستة نفر، ويقال إن الوفد قد كانوا بضعة عشر رجلا فيهم: سفيان بن عبد اللَّه، والحكم ابن عمرو بن وهب. مقدم الوفد إلى المدينة فخرجوا- ورأسهم عبد ياليل- حتى قاربوا المدينة فإذا المغيرة بن شعبة يرعي في نوبته ركاب أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكانت رعيتها نوبا على أصحابه- فسلّم عليهم وترك الرّكاب عندهم، وخرج يشتدّ يبشر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدومهم، فبشره ثم عاد إليهم. فأتوا إلى المسجد فقال الناس: يا رسول اللَّه! يدخلون المسجد وهم مشركون! فقال: إن الأرض لا ينجسها شيء.
ضيافة الوفد
ضيافة الوفد ثم أنزل المغيرة في داره، وأمر لهم عليه السلام بخيمات ثلاث من حرير فضربن في المسجد. فكانوا يستمعون القراءة بالليل وتهجّد الصحابة، وينظرون صفوفهم في الصلوات المكتوبات، ويرجعون إلى منزل المغيرة فيطعمون ويتوضءون. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجري لهم الضيافة في دار المغيرة فكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يأكل منه خالد بن سعيد بن العاص، فإنه كان يمشي بينهم وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أسلموا. بعض اعتراضهم وكانوا يسمعون خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا يسمعونه يذكر نفسه فقالوا: يأمرنا نشهد أنه رسول اللَّه، ولا يشهد به في خطبته! فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قولهم قال: أنا أول من شهد أنّي رسول اللَّه، ثم قام فخطب، وشهد أنه رسول اللَّه في خطبته. إسلام عثمان بن أبي العاص فمكثوا أياما يغدون على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم- وكان أصغرهم- فكانوا إذا رجعوا وناموا بالهاجرة، خرج فعمد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسأله عن الدين، فاستقرأه القرآن وأسلم سرا وفقه وقرأ من القرآن سورا. جدال الوفد في الزنا والربا والخمر هذا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو الوفد إلى الإسلام، فقال له عبد ياليل: هل أنت مقاضينا [ (1) ] حتى نرجع إلى قومنا، فقال إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم. فقال عبد ياليل: أرأيت الزنا! فإنا قوم عزّاب [ (2) ] لا بد لنا منه، ولا يصبر أحدنا على العزبة [ (3) ] ! قال: هو مما حرّم اللَّه، قال:
كتاب الصلح
أرأيت الربا! قال: الربا حرام! قال فإن أموالنا كلها ربا! قال: لكم رءوس أموالكم، قال: أفرأيت الخمر! فإنّها عصير أعنابنا ولا بد لنا منها! قال: فإن اللَّه حرّمها. فخلا بعضهم ببعض، وقال عبد ياليل: ويحكم! نرجع إلى قومنا بتحريم هذه الخصال!! لا تصبر ثقيف عن الخمر ولا عن الزنا أبدا. كتاب الصلح ومشى خالد بن سعيد بن العاص بينهم وبين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كتبوا الكتاب- وكتبه خالد- وأسلموا، وتعلموا فرائض الإسلام وشرائعه، وصاموا بقية شهر رمضان. فأمّر عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عثمان بن أبي العاص، وهو أصغرهم، وقال له: اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا: وخرجوا إلى الطائف. هدم ربّة ثقيف وسار في إثرهم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم الربة صنمهم، فدخل القوم الطائف، وكانت لهم مع قومهم أنباء حتى أسلموا. ودخل المغيرة في بضعة عشر رجلا فهدموا الرّبّة، وانتزع كسوتها وما فيها من طيب وذهب وفضة. فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ممّا وجد فيه أبا مليح بن عروة، وقارب بن الأسود، وناسا: وجعل في سبيل اللَّه وفي السّلاح منها. ثم كتب لثقيف بعد البسملة: كتابه صلّى اللَّه عليه وسلّم لثقيف «من محمد النبي رسول اللَّه [ (1) ] ، [هذا كتاب من النبي رسول اللَّه] [ (2) ] ، إلى المؤمنين: إن عضاه وج وصيده لا يعضد [ (3) ] ، ومن وجد يفعل [شيئا] [ (4) ] من ذلك يجلد وتنزع ثيابه، فإن تعدى [ذلك] [ (4) ] فإنه يؤخذ فيبلغ [به] [ (4) ] النبيّ محمد، وإن [ (5) ] هذا أمر النبي محمد رسول اللَّه. وكتب خالد بن سعيد بأمر النبيّ
حمي وج
محمد بن عبد اللَّه، فلا يتعده أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول اللَّه. حمي وج ونهي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قطع عضاه [ (1) ] وجّ وعن صيده، فكان الرجل يؤخذ بفعل ذلك، فتنزع ثيابه. واستعمل على حمى وجّ سعد بن أبي وقّاص رضي اللَّه عنه. إسلام كعب بن زهير وفي هذه السنة كان إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزنيّ من، مزينة بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر: وذلك أنه خرج هو وأخوه بجير إلى أبرق العراق، فتركه بجير في غنمه وقدم المدينة فأسلم، فقال كعب شعرا غضب منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهدر دمه. فكتب إليه بجير بعد عودة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الطائف، وقال له: النّجاء النّجاء!! وما أراك أن تفلت، ثم كتب إليه يدعوه إلى الإسلام فأسلم، وقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وأنشده: «بانت سعاد فقلبي اليوم متبول» . .. القصيد. خبره وخبر البردة فكساه بردة كانت عليه. وقيل: أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتله لأنه كان يشبّب بأمّ هانئ بنت أبي طالب، وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة منصرفا عن الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب، فذكر الحديث. وقيل: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأي زهيرا وله مائة سنة فقال: اللَّهمّ أعذني من شيطانه! فما لاك بيتا حتى مات. وقال ابن قتيبة [ (2) ] : أعطي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كعب بن زهير راحلة وبردا، فباع البرد من معاوية [ (3) ] بعشرين ألفا، فهو عند الخلفاء إلى اليوم.
الوفود
الوفود ولما أسلمت ثقيف ضربت إليه وفود العرب من كل وجه لمعرفتهم أنهم لا طاقة لهم بحرب رسول اللَّه ولا عداوته، فدخلوا في دين اللَّه أفواجا. وفد بني أسد: فقدم وفد بني أسد وقالوا: أتيناك قبل أن ترسل إلينا!! فأنزل اللَّه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (1) ] : كتب ملوك حمير: وقدمت كتب [ملوك] [ (2) ] حمير [ورسوله إليه بإسلامهم] [ (3) ] : الحارث بن عبد كلال [ونعيم بن عبد كلال] [ (2) ] ، والنعمان قيل ذي رعين، [ومعافر] [ (3) ] وهمدان، أقرّوا بالإسلام. وفد بهراء: وقدم وفد بهراء، فنزلوا على المقداد بن عمرو [البهرانيّ] [ (4) ] . وفود أخر: وقدم وفد بني البكاء، ووفد فزارة وفيهم خارجة بن حصين، ووفد ثعلبة، ووفد سعد بن بكر ووافدهم ضمام بن ثعلبة، ووفد الداريين من لخم وهم
موت عبد الله بن أبي
عشرة [ (1) ] . موت عبد اللَّه بن أبيّ ومرض عبد اللَّه بن أبيّ في ليال من شوّال، ومات في ذي القعدة وكان مرضه عشرين يوما، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده فيها، فلما دخل عليه وهو يجود بنفسه قال له: نهيتك عن حبّ يهود! فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فما نفعه؟: ثم قال: يا رسول اللَّه، ليس بحين عتاب، هو الموت! فإن مت فاحضر غسلي، وأعطني قميصك أكفن فيه فأعطاه قميصه الأعلى- وكان عليه قميصان-، فقال: الّذي يلي جلدك! فنزع قميصه الّذي يلي جلده فأعطاه ثم قال صلّ عليّ واستغفر لي. حضور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويروي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جاء بعد موته إلى قبره، فأمر به فأخرج، فكشف عن وجهه، ونفث عليه من ريقه وأسنده إلى ركبتيه، وألبسه قميصه الّذي يلي جلده: قال الواقدي [ (2) ] : والأول أثبت أنه حضر غسله وكفّنه. الصلاة عليه واعتراض عمر في ذلك ثم حمل إلى موضع الجنائز، فتقدم صلّى اللَّه عليه وسلّم ليصلي عليه، فلما قام وثب إليه عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه، تصلي على ابن أبي؟ فإنه قال يوم كذا وكذا [ (3) ] ، ويوم كذا وكذا، فعدّ عليه قوله: فتبسم وقال: أخّر عني يا عمر، فإنّي خيرت فاخترت، [وقد قيل لي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ] [ (4) ] ولو [ (5) ] أعلم أني إن زدت [ (6) ] على السبعين غفر له زدت عليه!! فصلّى عليه وأطال الوقوف.
ما نزل من القرآن في المنافقين
ما نزل من القرآن في المنافقين ونزل قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ* وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ* وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ* رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [ (1) ] فعرف عليه السلام في هذه الآية المنافقين فكان من مات منهم لم يصلّ عليه. دفن عبد اللَّه واجتماع المنافقين ثم حمل ابن أبيّ إلى قبره، وقد غلب عليه المنافقون كسعد بن حنيف، وزيد ابن الصليت وسلامة [ (2) ] بن الحمام [ (3) ] ونعمان بن أبي عامر [ (4) ] ، ورافع ابن حرملة [ (5) ] ، ومالك بن أبي نوفل [ (6) ] ، وداعس، وسويد، وهؤلاء أخابث المنافقين. وهم الذين كانوا يمرّضونه، وكان يقول: لا يليني غيرهم، ويقول لهم: أنتم واللَّه أحب إليّ من الماء على الظمأ! ويقولون: ليت إنا نفديك بالأنفس والأموال والأولاد! فلما وقعوا على حفرته- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقف يلحظهم- ازدحموا على النزول في حفرته، وارتفعت الأصوات، حتى أصيب أنف داعس وسال الدم، وكان يريد أن ينزل فنحّي، وجعل عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنه يذبهم ويقول: اخفضوا أصواتكم عند رسول اللَّه، ونزل حفرته رجال من قومه أهل فضل وإسلام، وهم: ابنه [عبد اللَّه] [ (7) ] وسعد بن عبادة، وعبادة بن الصامت، وأوس ابن خولي حتى بنوا عليه. ودلاه عليهم [ (8) ] الصحابة وأكابر الأوس والخزرج، وهم قيام مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودلاه عليه السلام بيديه إليهم، ثم قام على القبر حتى دفن،
ابنته وحزنها
وعزّى ابنه وانصرف. وحثا المنافقون عليه تراب قبره وهم يقولون: يا ليت أنا فديناك بالأنفس وكنا قبلك، وحثوا على رءوسهم التّراب. ابنته وحزنها ولم تتخلف امرأة من الأوس والخزرج حتى أتت ابنته جميلة بنت عبد اللَّه ابن أبي، وهي تقول: وا جبلاه! وا ركناه! وا أبتاه! وما ينهاها أحد ولا يعيب عليها. حج أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه ثم كانت حجة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه سنة تسع [ (1) ] . وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- قبل أن ينزل عليه سورة براءة- قد عاهد ناسا من المشركين عهدا، فلبث بعد مرجعه من تبوك أربعة أشهر وحضر الحجّ، فكره أن يخرج ذلك العام حتى ينبذ [ (2) ] إلى كلّ من عهد إليه من المشركين عهده. حج المشركين وكانوا يحجون مع المسلمون، فإذا قال المسلمون «لبيك لا شريك لك» ، عارضهم المشركون بقولهم [لبيك] [ (3) ] «لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك» ، عالية أصواتهم ليغلّطوهم بذلك، ويطوف رجال منهم عراة، ليس على أحد منهم ثوب، يعظمون بذلك الحرمة [ (4) ] ، ويقول أحدهم: أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس عليّ شيء من الدنيا خالطة الظلم. الخروج إلى الحج فكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحج ذلك العام، فاستعمل أبا بكر على الحج، [وكتب له بنفس الحج، لأنه اشتكى أنه لا علم له بالقضاء] [ (5) ] . فخرج في
صفة الحج
ثلاثمائة رجل. وبعث معه بعشرين بدنة قلدها النعال وأشعرها بيده في الجانب الأيمن، واستعمل عليها ناجية بن جندب الأسلمي، وساق أبو بكر رضي اللَّه عنه خمس بدنات. وحج عامئذ عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه فأهدى بدنا. وأهلّ أبو بكر رضي عنه من ذي الحليفة، وسار حتى [إذا] [ (1) ] كان بالعرج في السّحر سمع رغاء القصواء، فإذا علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه عليها فقال: قد استعملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الحج؟ قال: لا ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس: فانبذ إلى كل ذي عهد عهده. وقيل أدركه عليّ رضي اللَّه عنهما بضجنان. صفة الحج وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عهد إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه أن يخالف المشركين: فيقف يوم عرفة بعرفة ولا يقف بجمع، ولا يدفع من عرفة حتى تغرب الشمس، ويدفع من جمع قبل طلوع الشمس فخرج حتى أتى مكة وهو مفرد بالحجّ، فخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر، وطاف يوم التروية- حين زاغت الشمس- بالبيت سبعا، ثم ركب راحلته من باب بني شيبة! وصلّى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح بمنى، ولم يركب حتى طلعت الشمس على ثبير، فانتهى إلى نمرة، فنزل في قبة من شعر فقال فيها وركب راحلته لما زاغت الشمس فخطب ببطن عرفة، ثم أناخ فصلّى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم ركب راحلته فوقف بالهضاب من عرفة، فلما أفطر الصائم دفع يسير العنق [ (2) ] حتى نزل بجمع- قريبا من النار التي على قزح [ (3) ] فلما طلع الفجر صلّى الفجر ثم وقف، فلما أسفر دفع. وجعل يقول في وقوفه: يا أيها الناس. أسفروا [ (4) ] ، ثم دفع قبل الشمس. وكان يسير العنق [ (2) ] حتى انتهى إلى محسّر فأوضع راحلته، فلما جاز وادي محسّر عاد إلى مسيره الأول حتى رمي الجمرة راكبا بسبع حصيّات، ثم رجع إلى المنحر فنحر ثم حلق.
قراءة براءة
قراءة براءة وقرأ علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه- يوم النحر عند الجمرة- براءة، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. خطبة أبي بكر وخطب أبو بكر رضي اللَّه عنه يوم النحر بعد الظهر على راحلته، وقام برمي الجمار ماشيا: ذاهبا وجائيا: فلما رمي يوم الصدر [ (1) ] وجاوز العقبة، ركب. ويقال: رمي يومئذ راكبا، وصلّى بالأبطح الظهر والعصر، وصلّى بمكة المغرب والعشاء، ثم خرج من ليلته قافلا إلى المدينة. سيرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل براءة [وكانت سيرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ]- قبل نزول براءة-: أن يقاتل من قاتله، ومن كفّ يده كف عنه، فنسخت براءة ذلك. وكان العرب إذا تحالف سيدهم أو رئيسهم مع آخر لم ينقض ذلك إلا الّذي يحالف أو أقرب الناس قرابة به. وكان عليّ رضي اللَّه عنه هو الّذي عاهد المشركين، فلذلك بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببراءة. ولما رجع المشركون من حجهم لام بعضهم بعضا وقالوا: ما تصنعون وقد أسلمت قريش؟! فأسلموا. وفود غسان وغامد ونجران ثم كانت سنة عشر. وفيها كان وفد غسّان [ (3) ] ووفد غامد في شهر رمضان. وقدم وفد نجران: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل خالد بن الوليد إلى بني الحارث ابن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثا، فإن أجابوا أقام فيهم
إسلامهم وكتاب النبي لهم
وعلمهم شرائع الإسلام، وإن أبوا قاتلهم، فخرج إليهم في ربيع الأول سنة عشر، ودعاهم فأجابوا وأسلموا، وأقام فيهم، وكتب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمه إسلامهم، ثم عاد ومعه وفدهم، فيهم: قيس بن الحصين بن زيد بن شداد ويقال له ابن ذي الغصّة [ (1) ] ، ويزيد بن عبد المدان، في آخرين، ثم عادوا في بقيّة شوال أو في ذي القعدة، وأمّر عليهم قيس بن الحصين. إسلامهم وكتاب النبي لهم وخرج إليهم عمرو بن حزم يعلمهم شرائع الإسلام ويأخذ صدقاتهم. وكتب له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا ليحملهم على ما فيه، وبين فيه الأحكام والزكوات ومقادير الديات ويقال: كان ذلك في شهر ربيع الآخر، وقيل في جمادى الأولى. فتوفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمرو بن حزم على نجران. المباهلة وأرسل نصارى نجران العاقب والسّيّد في نفر، فأرادوا مباهلة [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج ومعه فاطمة وعليّ والحسن والحسين عليهم السلام، فلما رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على اللَّه أن يزيل الجبال لأزالها!! ولم يباهلوا، وصالحوه على ألفي حلة: ثمن كل حلة أربعون درهما، وجعل لهم عليه السلام ذمّة اللَّه وعهده على ألا يفتنوا عن دينهم، ولا يعشروا [ (3) ] ولا يحشروا [ (4) ] ، ولا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا [به] [ (5) ] . سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن ثم كانت سرية علي رضي اللَّه عنه في رمضان: بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن [حين] [ (6) ] تتام أصحابه، وعقد له لواء: أخذ عمامة فلفها مثنية مربعة وجعلها
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له
في رأس الرّمح، ثم دفعها إليه وقال: هاك هذا اللواء! وعممه عمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعها بين يديه وشبرا من ورائه، ثم قال: هكذا العمّة [ (1) ] ! وصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم له وقال له: امض ولا تلتفت! فقال على: يا رسول اللَّه، كيف أصنع؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منك قتيلا، فإن قتلوا منك قتيلا فلا تقاتلهم، تلوّمهم [ (2) ] حتى تريهم أناة. ثم تقول لهم: هل لكم أن تقولوا لا إله إلا اللَّه؟ فإن قالوا: نعم، فقل هل لكم إلى أن تصلوا؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم إلى أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردّونها على فقرائكم؟ فإن قالوا: نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك، واللَّه لأن يهدي اللَّه على يديك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت. الغنائم فخرج في ثلاثمائة فارس حتى انتهى إلى أرض مذحج ففرّق [ (3) ] أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك، فكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد، فجعل على الغنائم بريدة بن الحصيب ثم لقي جمعا فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا ورموا بالنّبل والحجارة ساعة، فصفّ أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السّلمي، وحمل عليه بمن معه، قتل منهم عشرين رجلا، فانهزموا فلم يتبعهم، ودعاهم إلى الإسلام فأجابوا. وبايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام وقالوا: نحن على من وراءنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق اللَّه. قسمة الغنائم إلا الخمس وجمع على الغنائم وجزأها خمسة أجزاء. وأقرع عليها، وكتب في سهم منها، فخرج أوّل السهام سهم الخمس، ولم ينفل منه أحدا من الناس شيئا. وكان من قبله من الأمراء يعطون أصحابهم- الحاضر دون غيرهم- من
خبر أبي رافع في الإعطاء من الخمس
الخمس، ثم يخبر بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلا يردّه عليهم، فطلبوا ذلك من علي فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى فيه رأيه، وهذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوافي الموسم، ونلقاه به فيصنع ما أراه اللَّه فانصرف راجعا، وحمل الخمس، وساق معه ما كان ساق. وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن أحمال معكومة، ونعم مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم. ثم تعجل، وجعل أبا رافع على أصحابه وعلى الخمس، وكان عليّ ينهاهم عن ركوب إبل الصدقة. فسأل القوم أبا رافع أن يكسوهم ثيابا يحرمون فيها، فكساهم ثوبين. خبر أبي رافع في الإعطاء من الخمس فلما خرج علي يتلقاهم- وهم داخلون مكة ليقدم بهم- رأى عليهم الثياب فعرفها، فقال لأبي رافع: ما هذا! فأخبره، فقال: قد رأيت إبائي عليهم ذلك، ثم أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلفت فتعطيهم؟! وجرّد بعضهم من ثوبيه. فلما قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شكوه، فدعاه [ (1) ] وقال. ما لأصحابك يشكونك؟ فقال: ما أشكيتهم: قسمت عليهم ما غنموا. وحبست الخمس حتى نقدم عليك وترى رأيك فيه، وقد كانت الأمراء يفعلون أمورا: ينفلون من أرادوا من الخمس، فأردت أن أحمله إليك لترى فيه رأيك! فسكت عليه السلام. قدوم علي في الحج وكان عليّ رضي اللَّه عنه قد كتب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما ظهر علي عدوّه- مع عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزنيّ- بما كان من لقاء القوم وإسلامهم، فأمر أن يوافيه في الموسم-، فعاد إليه عبد اللَّه. وقدم عليّ من اليمن فوجد فاطمة عليها السلام ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: أمرني بهذا أبي، فذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محرّشا عليها [ (2) ] ، مستفتيا في الّذي ذكرت، وأخبره، فقال: صدقت! ماذا قلت
وفد الأزد
حين فرضت الحج؟ قال: قلت اللَّهمّ إني أهلّ بما أهلّ به رسولك! قال: فإن معي فلا تحلّ، وكان الهدي الّذي جاء به عليّ رضي اللَّه عنه والّذي ساقه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة مائة بدنة، فأشرك عليا في هديه [ (1) ] . وفد الأزد فيها قدم [ (2) ] وفد الأزد، ورأسهم صرد بن عبد اللَّه في بضعة عشر رجلا فأسلم، وأمّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد المشركين فسار إلى مدينة جرش، فحصر خشعم نحو شهر، ثم رجع كأنه منهزم، فخرجوا إليه، فعطف عليهم فقتلهم أشد قتل. وكان أهل جرش قد بعثوا رجلين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظران حاله، فأخبرهما بما كان من أمر صرد بن عبد اللَّه، فرجعا، فوجدا أصحابهما قد أصيبوا في تلك الساعة من ذلك اليوم الّذي ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها حالهم. فقدم، وفد جرش فأسلموا، وحمي لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حول القرية للفرس والراحلة والمثيرة. والمثيرة: بقرة الحرث [ (3) ] [لأنها تثير الأرض] [ (4) ] . وفد مراد وقدم وفد مراد مع فروة بن مسيك بن الحارث بن سلمة بن الحارث بن كريب الغطيفي ثم المرادي [ (5) ] مفارقا لملوك كندة، فاستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مراد وزبيدة ومذحج كلّها، وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة. وقيل: كان إسلام فروة سنة تسع. وفد فروة الجذامي وقدم وفد فروة بن عمرو بن النّافرة الجذامي، عامل الروم على فلسطين وما حولها وعلى من يليه من العرب، وكان موضعه بميعان من أرض فلسطين، وكتب بإسلامه وأهدى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغلة بيضاء، فطلبه الروم وحبسوه ثم قتلوه.
وفد زبيد
وفد زبيد وقدم وفد زبيد مع عمرو [ (1) ] بن معديكرب بن عبد اللَّه بن عمر عصم [ (2) ] ابن عمرو بن زبيد، ثم عاد. وقيل: كان إسلامه سنة تسع. وفد عبد القيس وقدم وفد عبد القيس، وفيهم الجارود بن عمرو بن حنش [ (3) ] بن يعلي، وكان نصرانيا فأسلم، وأسلم من معه. وفد بني حنيفة وقدم وفد بني حنيفة، وفيهم مسيلمة الكذّاب بن ثمامة بن كبير بن حبيب ابن الحارث بن عبد الحارث بن عدي، فنزل دار ابنة الحارث الأنصاريّة، وعاد إلى اليمامة فتنبأ وادعى أنه شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النبوة، فاتبعه بنو حنيفة. وفد كندة وقدم وفد كندة- وهم ستون راكبا- مع الأشعث بن قيس بن معديكرب ابن معاوية بن جبلة [ (4) ] بن عديّ بن ربيعة بن معاوية [الأكرمين] [ (5) ] بن الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر بن معاوية بن ثور بن مرنّع [واسمه عمرو] [ (5) ] ابن معاوية بن ثور بن عفير [وثور بن عفير هو كندة، لأنه كند أباه النعمة] [ (6) ] ابن عدي بن مرّة بن أرد بن زيد الكندي، فقال. نحن بنو آكل المرار. وأنت يا محمد ابن آكل المرار! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفوا أمّنا ولا ننتفي من أبينا [ (7) ] . وفد محارب وقدم وفد محارب، ووفد الرّهاويين- وهم بطن من مذحج- ينسبون إلى
وفد عبس والصدف وخولان وبني عامر بن صعصعة
رهاء [بفتح الراء] بن منبّه بن حرب بن علة بن خالد بن مالك بن أدد بن زيد ابن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان: وفد عبس والصّدف وخولان وبني عامر بن صعصعة ووفد عبس، ووفد الصدف، ووفد خولان، وكانوا عشرة، ووفد بني عامر ابن صعصعة، فيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وجبّار بن سلمى بن مالك ابن جعفر، فأراد عامر الغدر برسول اللَّه [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له قومه. إن الناس قد أسلموا فأسلم! فقال: لا أتبع عقيب هذا الفتى! ثم قال لأربد: إذا قدمنا عليه فإنّي شاغله عنك فاعله بالسيف من خلفه، فلما قدموا جعل عامر يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يقول: يا محمد خالّني! قال: لا واللَّه حتى تؤمن باللَّه وحده. قال: يا محمد! خالني! وجعل يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وينتظر من أربد ما كان من أمره به، فجعل أربد لا يحير شيئا، فلما رأى عامر ما يصنع أربد، قال: يا محمد! خالّني! قال: لا، حتى تؤمن باللَّه وحده لا شريك له. فلما أبى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما واللَّه] [ (2) ] لأملأنها عليك خيلا ورجلا! فلمّا ولّي قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اكفني عامرا! فلما خرجوا قال عامر لأربد. لم لا قتلته؟ قال: كلما هممت بقتله دخلت بيني وبينه حتى ما أرى غيرك، أفأضربك بالسيف؟ فأرسل اللَّه في طريقهم على عامر الطاعون، فقتله وهو في بيت امرأة سلوليّة حتى مات، وأرسل اللَّه على أربد صاعقة فأحرقته. وفد طيِّئ وقدم وفد طيِّئ: فيهم زيد الخيل بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي فأسلم، وسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد الخير، وقال: ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا رأيته دون الصّفة غيرك. وأقطع له أرضين في ناحيته، وأسلم قومه. كتاب مسيلمة الكذاب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتب مسيلمة الكذاب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «من مسيلمة رسول اللَّه إلى
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه
محمد رسول اللَّه، أما بعد، فإنّي قد أشركت معك في الأمر، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها، ولكن قريشا قوم يعتدون» . كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليه فكتب إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد البسملة: «من محمد رسول اللَّه إلى مسيلمة الكذاب، أما بعد، فالسلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» . وقدم بكتاب مسيلمة رجلان، فسألهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه فصدّقاه، فقال أما واللَّه لولا أن الرّسل لا تقتل لقتلتكما. وقيل: إن دعوى مسيلمة، والأسود العنسيّ، وطليحة النبوّة، إنما كانت بعد حجة الوداع. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قدم الوفود لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك. البعثة على الصدقات وفيها بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمراءه إلى الصدقات، فبعث المهاجر بن أبي أميّة ابن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشي إلى صنعاء، وبعث زياد بن لبيد ابن ثعلبة بن سنان بن عامر بن أمية بن بياضة الأنصاريّ البياضيّ إلى حضرموت، وبعث عديّ بن حاتم بن عبد اللَّه [ (1) ] بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس ابن عدي (ابن أخزم بن أبي أخزم) [ (2) ] بن ربيعة بن جرول بن نعل بن عمرو ابن الغوّث بن طيِّئ بن أدد بن زيد بن كهلان الطائيّ على صدقة طيِّئ وأسد، وبعث مالك بن نويرة على صدقات حنظلة، وجعل الزّبرقان بن بدر بن امرئ القيس بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي، وقيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن الحارث (وهو مقاعس) ابن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم المنقريّ التميميّ على صدقات سعد ابن زيد مناة، وبعث العلاء بن الحضرميّ إلى البحرين.
بعثة علي رضي الله عنه إلى نجران
بعثة علي رضي اللَّه عنه إلى نجران وبعث عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه إلى نجران على صدقاتهم، فقدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجّه، وأحرم كإحرامه، وذكر بعضهم أن عليا رضي اللَّه عنه سار في هذه السنة إلى اليمن- بعد توجّه خالد بن الوليد إليها- فقرأ على أهل اليمن كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت كلها في يوم واحد فكتب بذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: السلام على همدان، وكرر ذلك ثلاثا، ثم تتابع [ (1) ] أهل اليمن على الإسلام، فلما كتب ذلك عليّ سجد صلّى اللَّه عليه وسلّم شكرا للَّه تعالى. وأنه بعثه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم، فلقيه عليه السلام بمكة في حجّة الوداع ولم يذكر الواقديّ في مغازيه بعثة عليّ رضي اللَّه عنه سوى إلى اليمن كما تقدم- في رمضان. حجة الوداع ثم كانت حجة الوداع، ويقال حجّة الإسلام، وحجّة البلاغ، وحجّة التمام، وقد أجمع صلّى اللَّه عليه وسلّم الخروج في ذي القعدة سنة عشر من مهاجره [ (2) ] ، وقد أسلمت جزيرة العرب ومن شاء اللَّه من أهل اليمن- فصلّى الظهر بذي الحليفة، وأذّن في الناس بالحجّ، فقدم المدينة بشر كثير يريدون أن يأتمّوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعملوا بعمله [ (3) ] . المسير وصفه إحرامه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسار من المدينة- متدهّنا [ (4) ] ومترجّلا [ (5) ] [متجردا في ثوبين صحاريّين: إزار ورداء، وذلك] [ (6) ] يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة-، ومعه أزواجه، وأهل بيته، وعامة المهاجرين والأنصار ومن شاء من قبائل العرب وأفناء [ (7) ] الناس. وقال ابن حزم: الصحيح أنه خرج لستّ بقين (من ذي القعدة) ، فصلّى
الهدي
الظهر بذي الحليفة ركعتين، وأحرم عند صلاة الظهر من يومه ذلك. ويقال: انتهى إلى ذي الحليفة عند الظهر فبات لأن تجتمع إليه أصحابه والهدي، حتى أحرم عند الظهر من الغد في ثوبين صحاريين. إزار ورداء أبدلها بالتنعيم بثوبين من جنسهما. وقيل صلّى الظهر يوم الخميس لستّ بقين من ذي القعدة، ثم خرج فصلّى العصر بذي الحليفة، واجتمع إليه نساؤه وحجّ بهنّ جميعا في الهوادج. فلما انتهى إليه اجتماع إليه اجتماع أصحابه والهدي، دخل مسجد ذي الحليفة بعد أن صلّى الظهر فصلّى ركعتين، ثم خرج فدعا بالهدي فأشعره [ (1) ] في الجانب الأيمن بيده، ووجّهه إلى القبلة، وقلده نعلين نعلين [ (2) ] ثم ركب ناقته، فلما استوى بالبيداء أحرم. وقيل: أشعر هديه وقلده قبل أن يحرم. والقول- أنه لم يبت- أثبت. الهدي وساق مائة بدنة، ويقال: إنه أمر أن يشعر ما فضل من البدن ناجية بن جندب واستعمله على الهدي وكان مع ناجية بن جندب فتيان من أسلم، وكانوا يسوقونها سوقا، يتبعون بها الرّعي، وعليها الجلال [ (3) ] ، فقال ناجية بن جندب: يا رسول اللَّه، أرأيت ما عطب [ (4) ] منها كيف أصنع به؟ قال تنحره، وتلقي قلائده في دمه. ثم تضرب به صفحته اليمني [ (5) ] ، ثم لا تأكل منه ولا أحد من أهل رفقتك. وأمر من كان معه هدي أن يهلّ كما أهلّ، وسار، وبين يديه وخلفه وعن يمينه وعن شماله أمم لا يحصون كثرة: كلهم قد قدموا ليأتموا [ (6) ] به صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: كان معه تسعون ألفا، ويقال: مائة وأربعة عشر ألفا، ويقال: أكثر من ذلك. ومرّ صلّى اللَّه عليه وسلّم برجل يسوق بدنة، فقال: أركبها، ويلك! قال: إنها بدنة؟ قال: أركبها! وكان يأمر المشاة أن يركبوا على بدنه.
إحرام عائشة
إحرام عائشة وطيّبته عائشة رضي اللَّه عنها لإحرامه بيدها، وأحرمت وتطيبت، فلما كانوا بالقاحة [ (1) ] سال من الصفرة على وجهها [ (2) ] ، فقال: ما أحسن لونك الآن يا شقيراء [ (3) ] . الصلاة وكان يصلّى بين مكة والمدينة ركعتين أمثالا لا يخالف إلا اللَّه. فلما قدم مكة صلّى بهم ركعتين ثم سلم وقال: أتمّوا صلاتكم يا أهل مكة فإنّا سفر. الإهلال بالعمرة والحج وقد اختلف فيما أهلّ به: فعن أبي طلحة، أنه قرن مع حجّته عمرة. وعن حفصة رضي اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه، تأمر الناس أن يحلوا ولم تحلّ أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبّدت رأسي، وقلدت هدي، فلا أحلّ حتى أنحر هديي. وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: أهلّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعمرة وساق الهدي. وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أفرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحجّ: وقد صحّ أنه أتاه آت من ربّه في وادي العقيق، يأمره عن ربّه أن يقول في حجته: هذه حجّة في عمرة، ومعنى هذا أنّ اللَّه أمره بأن يقرن الحج مع العمرة. فأصبح فأخبر الناس بذلك، وطاف على نسائه بغسل واحد، ثم اغتسل وصلّى عند المسجد ركعتين، وأهل بحجة وعمرة معا روي ذلك عنه ستة عشر صحابيا، وعنهم ستة عشر تابعيا. منازل السير وأصبح صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحد بيلملم، ثم راح فتعشّى بشرف السّيالة [ (4) ] وصلّى
خبر غلام أبي بكر الذي أضل بعيره
المغرب والعشاء، ثم صلّى الصّبح بعرق الظبية، بين الرّوحاء والسيالة، وهو دون الروحاء ثم نزل الروحاء فإذا بحمار عقير فقال: دعوه حتى يأتي صاحبه. فأهداه له صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر به أبا بكر رضي اللَّه عنه فقسمه بين الصحابة. وقال: صيد البرّ لكم حلال إلا ما صدتم أو صيد لكم. ثم راح من الرّوحاء فصلّى العصر بالمنصرف، وصلّى المغرب والعشاء بالمتعشى وتعشى به، وصلّى الصبح بالأثاية، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج. خبر غلام أبي بكر الّذي أضل بعيره وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة: إن عندي بعيرا نحمل عليه زادنا، فقال: فذاك إذا! فكانت زاملة [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر رضي اللَّه عنه واحدة. وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بزاد، دقيق وسويق، فجعل على بعير أبي بكر رضي اللَّه عنه. فكان غلامه يركب عليه عقبة [ (2) ] ، فلما كان بالأثاية عرّس الغلام وأناخ بعيره، فغلبته عيناه فقام البعير يجر خطامه آخذا في الشّعب، وقام الغلام فلزم الطريق- يظن أنه سلكها- وهو ينشده، فلا يسمع له بذكر. ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أبيات بالعرج، فجاء الغلام، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه أين بعيرك؟ قال: ضلّ منى! قال: ويحك! لو لم يكن إلا أنا لهان الأمر [ (3) ] ، ولكن رسول اللَّه وأهله! فلم ينشب [ (4) ] أن طلع به صفوان بن المعطل وكان على ساقة [ (5) ] الناس- فأناخه، وقال لأبي بكر رضي اللَّه عنه: انظر هل تفقد شيئا من متاعك؟ فنظر فقال ما نفقد شيئا إلا قعبا كنا نشرب به! فقال الغلام: هذا القعب معي! فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه أدى اللَّه عنك الأمانة!. رواية أخرى في خبر غلام أبي بكر وروي أنه عليه السلام لما نزل بالعرج جلس وأبو بكر إلى جنبه، وعائشة إلى جنبه الآخر وأسماء بجنب أبي بكر رضوان اللَّه عليهم، وأقبل الغلام فقال له
طعام آل نضلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أبو بكر: أين بعيرك؟ قال: أضلني! فقام إليه فضربه ويقول: بعير واحد يضل عنك؟! فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبسّم ويقول: ألا ترون هذا المحرم وما يصنع؟! ولم ينهه. طعام آل نضلة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخبّر آل نضلة الأسلميون أن زاملة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضلت، فحملوا حفنة من حيس [ (1) ] ، فأقبلوا بها حتى وضعوها بين يديه، فقال: هلمّ يا أبا بكر! فقد جاءك اللَّه بغداء طيب! وجعل أبو بكر رضي اللَّه عنه يغتاظ على الغلام، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هوّن عليك! فإن الأمر ليس إليك ولا إلينا معك! فقد كان الغلام حريصا على ألا يضلّ بعيره. وهذا خلف مما كان معه. فأكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله وأبو بكر، وكلّ من كان يأكل مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى شبعوا. مجيء البعير، وبعير سعد بن عبادة ويجيء [ (2) ] سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه وابنه قيس بن سعد بزاملة حتى يجدان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا قد أتى اللَّه بزاملته، فقال سعد: يا رسول اللَّه! بلغنا أن زاملتك أضلت الغلام، وهذه زاملة مكانها. فقال: قد جاء اللَّه بزاملتنا، فارجعا بزاملتكما بارك اللَّه عليكما! أما يكفيك يا أبا ثابت ما تصنع بنا في ضيافتك منذ نزلنا المدينة؟ فقال سعد: يا رسول اللَّه! المنّة للَّه ولرسوله، واللَّه يا رسول اللَّه، للذي تأخذ من أموالنا أحب إلينا من الّذي تدع! قال صدقتم يا أبا ثابت! أبشر فقد أفلحت إن الأخلاف [ (3) ] بيد اللَّه، فمن شاء أن يمنحه خلفا صالحا منحه، ولقد منحك اللَّه خلفا صالحا، فقال سعد: الحمد للَّه، هو فعل ذلك. سيادة بيت سعد بن عبادة قال ثابت بن قيس بن شمّاس: يا رسول اللَّه: إن أهل بيت سعد في الجاهلية سادتنا، والمطعمون في المحل منّا [ (4) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الناس معادن:
احتجام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيره
خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لهم ما أسلموا عليه [ (1) ] . احتجام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسيره واحتجم صلّى اللَّه عليه وسلّم بلحى جمل [ (2) ]- وهو محرم- في وسط رأسه ونزل السقيا يوم الأربعاء وأصبح بالأبواء، فأهدى له الصّعب بن جثامة بن قيس الليثي عجز حمار يقطر دما، فرده وقال، أنا محرم. وأكل بالجحفة ثم راح منها، وكان يوم السبت بقديد. خبر المرأة وصغيرها ومرّ يومئذ بامرأة في محفتها [ (3) ] ، ومعه ابن لها صغير، فأخذت بعضده فقالت: يا رسول اللَّه، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر!! وكان يوم الأحد بعسفان. ثم راح. فلما كان بالغميم اعترض المشاة، فصفّوا صفوفا فشكوا إليه المشي، فقال استعينوا بالنّسلان [ (4) ] ، ففعلوا، فوجدوا لذلك.
دخول مكة وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله
راحة. وكان يوم الاثنين بمر الظهران، فلم يبرح حتى أمسى، وغربت الشمس بسرف، فلم يصلّ المغرب حتى دخل مكة. وكان الناس لا يذكرون إلا الحجّ، فلما كانوا بسرف أمر عليه السلام النّاس أن يحلّوا بعمرة إلا من ساق الهدي. دخول مكة وعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقوله ولما انتهى إلى الثنيتين بات بينهما- بين كداء وكدي- ثم أصبح فاغتسل، ودخلها نهار الاثنين الرابع من ذي الحجّة. وذكر الواقدي: أنه دخل مكة يوم الثلاثاء من كداء على راحلته القصواء إلى الأبطح، فدخل مكة من أعلاها حتى انتهى إلى باب بني شيبة، فلما رأى البيت رفع يديه، فوقع زمام راحلته فأخذه بشماله، ثم قال حين رأى البيت اللَّهمّ زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، ولما دخل المسجد بدأ بالطواف قبل الصلاة. قال طاوس: وطاف راكبا على راحلته. فما انتهى إلى الركن استلمه وهو مضطبع بردائه، وقال: بسم اللَّه واللَّه أكبر. ثم رمل ثلاثة ثلاثة [ (1) ] من الحجر إلى الحجر. وكان يأمر من استلم الركن أن يقول: باسم اللَّه واللَّه أكبر، إيمانا باللَّه، وتصديقا بما جاء به محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال فيما بين الركن اليمانيّ والأسود: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. ولم يستلم من الأركان إلا اليماني والأسود. ومشى أربعة [ (2) ] ثم انتهى خلف المقام فصلّى ركعتين، يقرأ فيهما: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثم عاد إلى الركن فاستلمه. نهي عمر عن مزاحمة الطائف وقال لعمر رضي اللَّه عنه: إنك رجل قوي، إن وجدت الركن خاليا فاستلمه، وإلا فلا تزاحم عليه فتؤذي [الناس ممن يستلم الركن] [ (3) ] . وقال لعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه: كيف صنعت بالركن يا أبا محمد [ (4) ] ؟ فقالت: استلمت وتركت، فقال: أصبت.
صفة سعيه بين الصفا والمروة
صفة سعيه بين الصفا والمروة ثم خرج إلى الصفا من باب بني مخزوم، وقال: أبدأ بما بدأ اللَّه به. وسعى على راحلته، لأنه قدم وهو شاك وقيل: سعى على بغلته، والمعروف على راحلته. فصعد على الصّفا فكبّر سبع تكبيرات وقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، صدق اللَّه وعده، ونصره عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك. ونزل إلى المروة، فلما انصبت قدماه في الوادي رمل. وقال في المشي. أيها الناس! إن اللَّه كتب عليكم السعي فاسعوا، وسعى حتى انكشف إزاره عن فخذه. وقال في الوادي: ربّ اغفر وارحم، ثم أنت الأعزّ الأكرم، فلما انتهى إلى المروة فعل عليها مثل ما فعل على الصفا، فبدأ بالصفا وختم بالمروة. فسخ حج من لم يسق الهدي إلى عمره وأمر من لم يسق الهدي أن يفسخ حجه إلى عمرة، ويتحلل حلا تاما، ثم يهلّ بالحجّ [ (1) ] وقت خروجه إلى منى، وقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة. وقدم عليّ من اليمن، فقال له: بم أهللت؟ قال: بإهلال كإهلال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. فقال: إني سقت الهدي وقرنت [ (2) ] . هكذا روي أبو داود بسند صحيح [ (3) ] . نزول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأبطح وكان قد اضطرب [ (4) ] بالأبطح، فقالت أم هانئ: يا رسول اللَّه، ألا ننزل في بيوت مكة؟ فأبي، ولم ينزل بالأبطح حتى خرج يوم التروية [ (5) ] ، ثم رجع من
دخوله الكعبة وصلاته بها
منى فنزل بالأبطح حتى خرج إلى المدينة. ولم يدخل بيتا ولم يظله. دخوله الكعبة وصلاته بها ودخل الكعبة بعد ما خلع نعليه، فلما انتهى إلى بابها خلع نعليه. ودخل معه عثمان بن أبي طلحة، وبلال وأسامة بن زيد رضي اللَّه عنهم، فأغلقوا عليهم الباب طويلا ثم فتحوه، وصلّى فيه ركعتين بين الأسطوانتين المقدّمتين، وكان البيت على ستة أعمدة. وقيل: بل كبّر في نواحيه ولم يصلّ. وروي أنه دخل على عائشة رضي اللَّه عنها حزينا، فقالت: مالك يا رسول اللَّه؟ قال: فعلت اليوم أمر ليتني لم أك فعلته! دخلت البيت، فعسى الرجل من أمتى لا يقدر أن يدخله، فتكون في نفسه حزازة [ (1) ] ، وإنما أمرنا بالطواف ولم نؤمر بالدخول. وكسا البيت الحبرات [ (2) ] : وكانت الكعبة يومئذ ثمانية عشر ذراعا. مدة إقامته بمكة وأقام بمكة يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس، وكان يوم التروية يوم الجمعة، فخطب قبل التروية بيوم بعد الظهر بمكة. وقام يوم التروية بين الرّكن والمقام، فوعظ الناس وقال: من استطاع أن يصلّى الظهر بمنى فليفعل. فصلّى في حجّته هذه صلاة أربعة أيام- وهو مقيم بمكة- حتى خرج إلى منى، وهو في كل ذلك يقصر [ (3) ] ولم تكن إقامته هذه إقامة، لأنها ليست له بدار إقامة، [وأنه لم ينو صلّى اللَّه عليه وسلّم أن] [ (4) ] يتخذها دار إقامة ولا وطن، وإنما كان مقامه بمكة إلى يوم التروية كمقام المسافر في حاجة يقضيها في سفره منصرفا إلى أهله، فهو مقام من لا نيّة له في الإقامة. فلم ينو صلّى اللَّه عليه وسلّم جعلها مقامه. بل نوى الخروج منها إلى منى يوم التروية عاملا في حجه حتى ينقضي وينصرف إلى المدينة.
مسيره إلى منى
مسيره إلى منى وركب حين زاغت الشمس في يوم التروية بعد أن طاف بالبيت أسبوعا فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، وكان بلال إلى جانب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى منى، وبيده عود عليه (ثوبا وشيء) [ (1) ] . يظله من الشمس. وقالت له عائشة: يا رسول اللَّه، ألا نبني لك كنيفا [ (2) ] ؟ فأبى، وقال: منى منزل من سبق! وقيل: بني بمنى ليلة الجمعة التاسع من ذي الحجة. مسيره إلى عرفة ثم أصبح فسار إلى عرفة. ولم يركب من منى حتى رأى الشمس قد طلعت فركب إلى عرفة، ونزل بنمرة، وقد ضرب له بها قبة من شعر. ويقال: إنما قال [ (3) ] إلى فيء صخرة، وميمونة رضي اللَّه عنها تتبع ظلها حتى راح عنها، وأزواجه في قباب- أو في قبّة- خزّ له فلما كان حين زاغت الشمس أمر براحلته القصواء فرحلت برحل رثّ وقطيفة لا تسوى أربعة دراهم، فلما توجّه قال: اللَّهمّ حجّة لا رياء فيها ولا سمعة! ثم أتى بطن الوادي- بطن عرفة [ (4) ]-، وكانت قريش لا تشكّ أنه لا يتجاوز المزدلفة يقف بها، فقال نوفل بن معاوية الديليّ- وهو يسير إلى جنبه-: يا رسول اللَّه! ظن قومك أنك تقف بجمع! فقال: لقد كنت أقف بعرفة قبل النبوة خلافا لهم، وكانت قريش كلها تقف بجمع [ (5) ] ، إلا أن شيبة بن ربيعة من بينهم فإنه كان يقف بعرفة. صلاته بعرفة وخطبته صلّى اللَّه عليه وسلّم وخطب صلّى اللَّه عليه وسلّم- حين زاغت الشمس- ببطن عرفة على ناقته، فلما كان آخر خطبته أذّن بلال، وسكت صلّى اللَّه عليه وسلّم من كلامه. فلما فرغ بلال من أذانه تكلم بكلمات، وأناخ راحلته، وأقام بلال، فصلّى-
خطبة عرفة
عليه السلام- الظهر، ثم أقام فصلّى العصر: جمع بينهما بأذان وإقامتين ثم ركب وهو يشير بيده إلى الناس: ارتفعوا إلى عرفة، وكان من خطبته بعرفة قبل الصلاتين. خطبة عرفة أيها الناس: إني واللَّه ما أدري لعلي لا ألقاكم بمكاني هذا، بعد يومكم هذا، رحم اللَّه امرأ سمع مقالتي فوعاها، فربّ حامل فقه لا فقه له، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه! واعلموا أن أموالكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. واعلموا أن الصدور لا تغلّ على ثلاث [ (1) ] : إخلاص العمل للَّه، ومناصحة أهل الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم [ (2) ] . ألا إن كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدميّ موضوع، وأول دماء الجاهلية أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث [بن عبد المطلب] [ (3) ]-[كان مسترضعا في بني سعد [بن بكر] [ (3) ] فقتلته [ (4) ] هذيل]-، وربا الجاهلية موضوع [ (5) ] كله وأول ربا أضعه ربا عبّاس بن عبد المطلب: اتقوا اللَّه في النساء، إنما أخذتموهن بأمانة اللَّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللَّه، وإنّ لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكنّ أحدا تكرهونه، [وعليهنّ أن لا يأتين بفاحشة مبينة] [ (6) ] . فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح، [فإن انتهين] [ (6) ] ، فلهن [ (7) ] عليكم رزقهن وكسوتهنّ بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب اللَّه وأنتم مسئولون عنّي، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأديت ونصحت! ثم قال بإصبعه السبّابة يشير إلى السماء يرفعها ويكبّها ثلاثا: اللَّهمّ اشهد. المبلغ عنه بعرفة وكان الّذي يبلّغ عنه بعرفة [ (8) ] ربيعة بن أميّة بن خلف لكثرة الناس، فإنه
ذكر المناسك
شهد الخطبة نحو من أربعين ألفا. ذكر المناسك ووقف بالهضاب من عرفة وقال: كل عرفة موقف إلا بن عرنة، وكل مزدلفة موقف إلا [ (1) ] بطن محسّر، وكل منى منحر إلا خلف العقبة. وبعث إلى من هو بأقصى عرفة فقال: الزموا مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام. دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعرفة ومدّ يديه- وهو واقف بعرفة- ثم أقبل براحتيه على وجهه وقال: إن أفضل دعائي ودعاء من كان قبلي من الأنبياء: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير. الاختلاف في صيامه بعرفة واختلفوا في صيامه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: فقالت أم الفضل [ (2) ] أنا أعلم لكم علم ذلك، فأرسلت إليه بعس من لبن [ (3) ] ، فشرب وهو يخطب. ما نزل من القرآن بعرفة ووقف على راحلته حتى غربت الشمس يدعو! ونزل عليه وهو واقف بعرفة، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (4) ] . النفر من عرفة وكان أهل الجاهلية يدفعون [ (5) ] من عرفة إذا كانت الشمس على رءوس الجبال
الإفاضة
كهيئة العمائم على رءوس الرجال، وظنت قريش أنه عليه السلام يدفع كذلك، فأخر دفعه حتى غربت الشمس. ثم سار عشيّة، وأردف أسامة بن زيد [ (1) ] من عرفة إلى مزدلفة. الإفاضة وذكر الزّبير بن بكار، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفاض [ (2) ] . عن يمينه أبو سفيان ابن حرب، وعن يساره الحارث بن هشام! وبين يديه يزيد ومعاوية ابنا أبي سفيان على فرسين، فكان يسير العنق [ (3) ] ، فإذا وجد فجوة نصّ [ (4) ] وقال: أيها الناس، على رسلكم [ (5) ] ، عليكم بالسكينة، ليكفّ قويكم عن ضعيفكم. النزول إلى المزدلفة ومال إلى الشّعب- وهو شعب الأذاخر، عن يسار الطريق بين المأزمين [ (6) ]- فبال، ولم يصلّ حتى نزل قريبا من الدار التي على قزح، وصلّى المغرب والعشاء بالمزدلفة [بأذان واحد لهما وبإقامتين، لكل صلاة منهما إقامة] [ (7) ] ، ولم يسبّح بينهما، ولا إثر واحدة منهما. فلما كان في السّحر أذن- لمن استأذن من أهل الضعف من الذرية والنساء- في التقدم من جمع قبل حطمة الناس [ (8) ] ، وحبس نساءه حتى دفعن بدفعه [ (9) ] حين أصبح. فرمي [ (10) ] الذين تقدّموا الجمرة قبل الفجر أو مع الفجر. الدفع من مزدلفة ولما برق الفجر، صلى عليه السلام الصبح، ثم ركب راحلته ووقف على قزح.
موقفه بمنى
وكان أهل الجاهلية لا يدفعون من جمع حتى تطلع الشمس على ثبير، يقولون: «أشرق ثبير، كيما نغير» فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن قريشا خالفت عهد إبراهيم. فدفع قبل طلوع الشمس. موقفه بمنى وأردف الفضل بن العبّاس من مزدلفة إلى منى. وقال: هذا الموقف، وكل المزدلفة موقف. جمع الجمرات من مزدلفة وحمل حصى العقبة من المزدلفة، وأوضع في وادي محسّر ولم يقطع التلبية حتى رمي الجمرة، ورمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقته [ (1) ] ، ولا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك [ (2) ] . نحر الهدي وتفريقه والأكل منه ولما انتهى إلى المنحر [ (3) ] قال: هذا المنحر، وكل منى منحر، وكلّ فجاج مكة طريق ومنحر، ثم نحر بيده ثلاثا وستين بدنة بالحربة، ثم أعطى رجلا فنحر ما بقي، ثم أمر من كلّ بدنة نحرها ببضعة [ (4) ] فجعل في قدر فطبخه، فأكل من لحمها وحسا من مرقها. وأمر عليا رضي اللَّه عنه أن يتصدق بجلال البدن وجلودها ولحومها، ولا يعطي منها في جزرها شيئا. التحليق ولما فرغ من نحر الهدي دعا الحلاق، وحضر المسلمون يطلبون شعره، فناول [ (5) ] الحلاق شقّ رأسه الأيمن، ثم أعطاه أبا طلحة الأنصاري [ثم ناوله الشّق الأيسر فحلقه. فأعطاه أبا طلحة، فقال اقسم بين الناس] [ (6) ] .
ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد، وحديث أبي بكر في أمر خالد
ناصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لخالد بن الوليد، وحديث أبي بكر في أمر خالد وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق، فدفعها إليه، فكان يجعلها في مقدّم قلنسوته [ (1) ] . فلا يلقى جمعا إلا فضّه.. وكان أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه يقول: كنت انظر إلى خالد بن الوليد وما نلقى منه في أحد، وفي الخندق، وفي الحديبيّة، وفي كل موطن لاقانا، ثم نظرت إليه يوم النحر يقدّم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدنة وهي تعتب في العقل [ (2) ] ، ثم نظرت إليه ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحلق رأسه وهو يقول: يا رسول اللَّه! ناصيتك! لا تؤثر عليّ بها أحدا [ (3) ] ! فداك أبي وأميّ! فأنظر إليه أخذ ناصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان يضعها على عينيه وفيه. تفريق شعره صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الناس وفرق صلّى اللَّه عليه وسلّم شعره في النّاس. ولما حلق رأسه، أخذ من شاربه وعارضيه، وقلم أظافره، وأمر بشعره وأظفاره أن يدفنا. المحلقون والمقصرون وقصّر قوم وحلّق آخرون فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه المحلقين! ثلاثا، كلّ ذلك يقال: والمقصرين يا رسول اللَّه! فقال: والمقصرين في الرابعة. وأصاب الطيب بعد أن حلق، ولبس القميص. وجلس الناس، فما سئل يومئذ عن شيء قدّم أو أخر [ (4) ] إلا قال: افعله ولا حرج. النهي عن الصيام أيام منى وبعث عبد اللَّه بن حذافة السهمي- وقيل كعب بن مالك- ينادي في الناس بمنى: إن رسول اللَّه قال: إنها أيام أكل وشرب وذكر اللَّه. فانتهى المسلمون عن صيامهم، إلا محصر [ (5) ] أو متمتع بالعمرة إلى الحج. فإن الرخصة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يصوموا أيام منى.
الإفاضة يوم النحر إلى مكة
الإفاضة يوم النحر إلى مكة وأفاض صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم النحر وأردف معاوية بن أبي سفيان من منى إلى مكة واختلف أين صلّى الظهر يومئذ؟ ويقال أفاض من نسائه مساء يوم النحر، وأمر أصحابه فأفاضوا بالنهار. الشرب من زمزم وأتى زمزم فأمر بدلو فنزع، فشرب منه وصبّ على رأسه وقال: لولا أن تغلبوا عليها يا ولد عبد المطلب لنزعت منها. ويقال: إنه نزع دلوا لنفسه. رمي الجمرات وكان يرمي الجمار حين تزيغ الشمس قبل الصلاة ماشيا- ذاهبا وراجعا- في اليومين، ورمي يوم الصدر حين زاغت الشمس قبل الصلاة، وكان إذا رمي الجمرتين علاهما، ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي وكان يقف عند الجمرة الأولى أكثر مما يقف عند الثانية، ولا يقف عند الثالثة، فإذا رماها انصرف. وكان إذا رمي الجمرتين وقف عندهما ورفع يديه، ولا يفعل ذلك في رمي العقبة، فإذا رماها انصرف. النهي عن المبيت بسوى منى ونهى أن يبيت أحد ليالي منى بسوى منى، ورخص للرعاء أن يبعدوا عن منى. ومن جاء منهم فرمي بالليل. رخص له في ذلك. وقال ارموا بمثل حصى الحذف. وكان أزواجه يرمين مع الليل. عدة الخطب في حجة الوداع وخطب في حجته ثلاث خطب: الأولى قبل التروية بيوم بعد الظهر بمكة، والثانية يوم عرفة بعرفة حين زاغت الشمس على راحلته قبل الصلاة، والثالثة يوم النحر بمنى بعد الظهر على راحلته القصواء، وقيل: بل خطب الثانية ثاني يوم النّحر. وقال المحبّ الطبري: دلت الأحاديث على أنّ الخطب في الحج خمس، خطبة
خطبة يوم النحر بمنى
يوم السابع من ذي الحجّة وخطبة يوم عرفة، وخطبة يوم النحر، وخطبة القرّ [ (1) ] وخطبة يوم النفر الأول [ (2) ] ، قال الواقدي: فقال- يعنى في خطبة يوم النّحر بمنى-: خطبة يوم النحر بمنى أيها الناس، اسمعوا من قولي واعقلوه، فإنّي لا أدري: لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا! أيها الناس! أيّ شهر هذا؟ فسكتوا، فقال: هذا شهر حرام، وأي باد هذا؟ فسكتوا، فقال: بلد حرام، وأي [ (3) ] يوم هذا؟ فسكتوا، قال: يوم حرام، ثم قال: إن اللَّه قد حرّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا إلى أن تلقوا ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللَّهمّ اشهد، ثم قال: إنكم سوف تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم، قال: اللَّهمّ اشهد، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، ألا وإنّ كلّ ربا في الجاهليّة موضوع، وإن كل دم في الجاهلية موضوع، [ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، قضى اللَّه أنه ربا، وإن ربا عبّاس بن عبد المطلب موضوع كله] [ (4) ] وأوّل دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث-[كان مسترضعا في بني سعد بن ليث فقتلته هذيل]-، ألا هل بلغت؟ قالوا: اللَّهمّ نعم، قال: اللَّهمّ اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، ألا إن كل مسلم محرم على كل مسلم، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا ما أعطي عن طيب نفس.
فقال عمرو بن يثربي: يا رسول اللَّه، أرأيت إن لقيت غنم ابن عمّي، أجتزر [ (1) ] منها شاة؟ فقال: إن لقيتها [نعجة] [ (2) ] تحمل شفرة [وأزنادا] [ (2) ] بحبت الجميش [ (3) ] فلا تهجها! ثم قال أيها الناس: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ [ (4) ] ، [ويحرموا ما أحلّ اللَّه] [ (5) ] ، ألا وإن الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض، إن عدة الشهور عند اللَّه اثنا [ (6) ] عشر شهرا في كتاب اللَّه منها أربعة حرم: ثلاثة متوالية: ذو القعدة وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب الّذي يدعى شهر مضر: الّذي جاء بين جمادى الآخرة وشعبان، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون «ألا هل بلّغت؟ فقال الناس: نعم، فقال: اللَّهمّ اشهد» . ثم قال: أيها الناس، إن للنساء عليكم حقا وإن لكم عليهنّ حقا: فعليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا ولا يدخلن بيوتكم أحدا تكرهونه إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن اللَّه قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع [ (7) ] ، وأن تضربوهن ضربا غير مبرّح، فإن انتهين وأطعنكم فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وإنما النساء عندكم عوان [ (8) ] ، لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنما أخذتموهنّ بأمانة اللَّه، واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللَّه، فاتقوا اللَّه في النساء واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم، قال: اللَّهمّ اشهد. أيها الناس، إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرونه [من أعمالكم] [ (9) ] . إن كلّ مسلم أخو المسلم، وإنما المسلمون إخوة، ولا يحل لامرئ مسلم دم أخيه ولا ماله إلا بطيب
يوم الصدر
نفس منه، وإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على اللَّه، ولا تظلموا أنفسكم، ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. إني قد تركت فيكم ما لا تضلون به: كتاب اللَّه. ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم، قال: اللَّهمّ اشهد. يوم الصدر ثم انصرف إلى منزله، وصلّى الظهر والعصر يوم الصدر بالأبطح. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: إنما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمحصب لأنه كان أسمح [ (1) ] لخروجه. خبر صفية وعائشة وذكر صفية بنت حييّ رضي اللَّه عنها، فقيل له: حاضت! فقال: أحابستنا هي؟ فقيل: يا رسول اللَّه، إنها قد. فاضت، قال: فلا إذن، فلما جاءت عائشة رضي اللَّه عنها من التنعيم وقضت عمرتها، أمر بالرحيل. ومرّ بالبيت فطاف به قبل الصبح. الرجوع إلى المدينة ومدة إقامة المهاجر بمكة ثم انصرف راجعا إلى المدينة. وقال إنما هي ثلاث يقيم بها [ (2) ] المهاجر بعد الصدر. وسأل سائل أن يقيم بمكة، فلم يرخص له أن يقيم إلا ثلاثة أيام، وقال: إنها ليست بدار مكث ولا إقامة. عيادة سعد بن أبي وقاص وجاء سعد بن أبي وقاص بعد حجه يعوده من وجع أصابه. فقال: يا رسول اللَّه، قد بلغ بي ما ترى من الوجع [ (3) ] ، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، فأتصدق بثلث [ (4) ] مالي؟ قال: لا! قال: فالشطر؟ قال: لا! [قال:
موت سعد بن خولة بمكة
فالثلث؟] [ (1) ] قال الثلث، والثلث كثير، إنك إن تترك [ (2) ] ورثتك أغنياء خير [ (3) ] من أن تتركهم عالة يتكففون [الناس] [ (4) ] ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في امرأتك! فقال: يا رسول اللَّه، أخلف بعد أصحابي؟ فقال: إنك إن تخلف فتعمل صالحا تزدد خيرا ورفعة، ولعلك إن تخلف ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون. اللَّهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم. موت سعد بن خولة بمكة لكن البائس سعد بن خولة! يرثي له أن مات بمكة، [وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكره لمن هاجر أن يرجع إليها، أو يقيم بها أكثر من انقضاء نسكه] [ (5) ] . وخلّف علي سعد بن أبي وقاص رجلا، وقال: إن مات سعد بمكة فلا تدفنه بها يكره [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (6) ] أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها. وداع البيت الحرام ولما ودّع صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت وكان في الشّوط السّابع، خلّف البيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من باب الحزورة [ (7) ] . وكان إذا قف من حجّ أو عمرة أو غزوة، فأوفى على ثنية أو فدفد كبّر ثلاثا ثم قال. لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. آئبون تائبون ساجدون عابدون، لربّنا حامدون، صدق اللَّه وعده، ونصره عبده، وهزم الأحزاب وحده [ (8) ] ، اللَّهمّ إنا نعوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في
النزول بالمعرس والنهي عن طروق النساء ليلا
الأهل والمال، اللَّهمّ بلّغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير، مغفرة منك ورضوانا. النزول بالمعرس والنهي عن طروق النساء ليلا ولما نزل بالمعرّس [ (1) ] ، نهي أن يطرقوا النساء ليلا، فطرق رجلان أهليهما، فكلاهما وجد ما يكره. وأناخ بالبطحاء، وكان إذا خرج إلى الحج سلك على الشجرة [ (2) ] ، وإذا رجع من مكة دخل المدينة من معرّس الأبطح، فكان في معرّسه في بطن الوادي، وكان فيه عامة الليل، فقيل له: إنك ببطحاء مباركة. إسلام جرير بن عبد اللَّه البجلي وفي هذه السنة- وهي العاشرة- قدم جرير بن عبد اللَّه جابر- وهو الشّليل [ (3) ]- بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عويف [ (4) ] بن خزيمة [ (5) ] ابن حرب بن علي [ (6) ] بن مالك بن سعد بن نذير [ (7) ] بن نسر [ (8) ]- وهو مالك- ابن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث البجليّ [ (9) ]- مسلما في شهر رمضان. إسلام فيروز وباذان بن منبه، ووفد النخع وفيها أسلم فيروز من الأبناء [ (10) ] ، وباذان، ووهب بن منبّه، باليمن. وللنصف من محرم سنة إحدى عشرة، قدم وفد النّخع- وهم مائتا رجل، فنزلوا دار رملة بنت الحارث بن عداء، وكان نصرانيا.
بعث أسامة بن زيد إلى أبني"غزو الروم"
بعث أسامة بن زيد إلى أبني «غزو الروم» ثم كان بعث أسامة بن زيد إلى أهل أبني [ (1) ] بالشّرارة [ (2) ] ناحية بالبلقاء، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقام- بعد حجته- بالمدينة بقيّة ذي الحجة والمحرّم، وما زال يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وأصحابه رضي اللَّه عنهم، ووجد عليهم وجدا شديدا. فلما كان يوم الاثنين- لأربع بقين من صفر سنة إحدى عشر [من مهاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] ، أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالتّهيّؤ لغزو الرّوم، وأمرهم بالجدّ. أمر أسامة بالغزو وتأميره ثم دعا من الغد- يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر- أسامة بن زيد فقال: يا أسامة، سر على اسم اللَّه وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبني [ (1) ] وحرّق عليهم! وأسرع السّير تسبق الخبر، فإن أظفرك اللَّه فأقلل اللبث [ (4) ] فيهم وخذ معك الأدلاء، وقدّم العيون أمامك والطلائع. ابتداء مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ووصيته لأسامة فلما كان يوم الأربعاء- لليلتين بقيتا من صفر- ابتدأ مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصدّع [ (5) ] وحمّ. وعقد يوم الخميس لأسامة لواء بيده. وقال: يا أسامة! أغز باسم اللَّه في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه [ (6) ] . اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا تمنّوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم: واكفف بأسهم عنّا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيحوا فعليكم بالسكينة والصّمت، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، وقولوا اللَّهمّ إنا عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تغلبهم أنت! واعلموا أن الجنة تحت البارقة [ (7) ] .
خروج أسامة وجيشه
خروج أسامة وجيشه فخرج أسامة فدفع لواءه إلى بريدة بن الحصيب، فخرج به إلى بيت أسامة، وعسكر بالجرف، وخرج الناس ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين [والأنصار] [ (1) ] إلا انتدب [ (2) ] في تلك الغزوة، كعمر بن الخطاب [ (3) ] ، وأبي عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي الأعور سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل رضي اللَّه عنهم، في رجال آخرين، ومن الأنصار عدة مثل، قتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم ابن جريش. طعن رجال من المهاجرين في تأمير أسامة فقال رجال من المهاجرين- وكان أشدّهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة-: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين؟! فكثرت القالة، وسمع عمر رضي اللَّه عنه بعض ذلك فردّه على من تكلم، وأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم به فغضب غضبا شديدا! وخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: خطبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمر أسامة رضي اللَّه عنه أما بعد أيها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟! واللَّه لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله! وأيم اللَّه. إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإنهما لمخيلان [ (4) ] لكل خير، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم. توديع الغزاة ثم نزل فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول. وجاء
الأمر بإنفاذ بعث أسامة
المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيهم عمر رضي اللَّه عنه. الأمر بإنفاذ بعث أسامة فقال: أنفذوا بعث أسامة. ودخلت أم أيمن رضي اللَّه عنها فقالت يا رسول اللَّه لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج على حاله هذه لم ينتفع بنفسه، فقال أنفذوا بعث أسامة. دخول أسامة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعاؤه له فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثقيل مغمور [ (1) ] ، وهو اليوم الّذي لدّوه فيه [ (2) ] ، - فدخل عليه وعيناه تهملان [ (3) ]- وعنده العباس، والنساء حوله- فطأطأ عليه أسامة فقبله، وهو [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (4) ] لا يتكلم، إلا أنه يرفع يده إلى السماء ثم يصبّها على أسامة، كأنه يدعو له. فرجع أسامة إلى معسكره. وغدا منه يوم الاثنين، فأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مفيقا، وجاءه أسامة، فقال: أغد على بركة اللَّه، فودعه أسامة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مفيق. خروج أبي بكر إلى السنح ودخل أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال: يا رسول اللَّه، أصبحت مفيقا بحمد اللَّه واليوم يوم ابنة خارجة [ (5) ] فأذن [لي] [ (6) ] فأذن له، فذهب إلى السّنح [ (7) ] . خروج الجيش وركب أسامة إلى معسكره، وصاح في أصحابه: اللحوق بالعسكر، فانتهى إلى
إبلاغ خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لجيش أسامة
معسكره فنزل، وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار. إبلاغ خبر وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لجيش أسامة فبينا هو يريد أن يركب من الجرف، أتاه رسول أمّه- أم أيمن- يخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يموت فأقبل إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي اللَّه عنهما، فانتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يموت: فتوفي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. يوم وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال السهيليّ: لا يصلح أن تكون وفاته يوم الاثنين إلا في ثاني الشهر، أو ثالث عشرة، أو رابع عشره، (أو خامس عشره) [ (1) ] . وذكر الكلبي وأبو مخنف أنه توفي في الثاني من ربيع [ (2) ] . وقد صححه ابن حزم وغيره. وقال الخوارزمي: توفي أول ربيع. رجوع الغزاة إلى المدينة ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة ابن الحصيب باللواء فغرزه معقودا عند باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما بويع أبو بكر رضي اللَّه عنه أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة، وألا يحمله أبدا حتى يغزوهم أسامة. أمر أبي بكر بتوجيه الغزو وقال [أبو بكر] لأسامة: أنفذ في وجهك الّذي وجهك فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ الناس بالخروج فعسكروا في موضعهم الأول، وخرج بريدة باللواء، ومشى أبو بكر رضي اللَّه عنه إلى أسامة في بيته فكلمه في أن يترك عمر رضي اللَّه عنه، ففعل وخرج فنادى مناديه: عزمة منى ألّا يتخلف عن أسامة من بعثه أحد ممن انتدب معه في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإنّي لن أوتي بأحد بطّأ عن الخروج إلا
تشييع أبي بكر أسامة
ألحقته به ماشيا. فلم يتخلّف عن البعث أحد. تشييع أبي بكر أسامة ثم خرج أبو بكر رضي اللَّه عنه يشيّع أسامة فركب من الجرف لهلال ربيع الآخر في ثلاثة آلاف فيهم ألف فرس وسار أبو بكر رضي اللَّه عنه إلى جنبه ساعة وقال: أستودع اللَّه دينك وخواتيم عملك، إني سمعت رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] يوصيك، فأنفذ لأمر رسول اللَّه، فأني لست آمرك ولا أنهاك عنه، إنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . غزو أسامة فحرج سريعا فوطئ بلادا هادئة لم يرجعوا عن الإسلام- جهينة وغيرها من قضاعة- حتى نزل وادي القرى، فقدّم عينا له من بني عذرة يدعى حريثا، فانتهى إلى أبنى [ (2) ] ، ثم عاد فلقى أسامة على ليلتين من أبني فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم، وحثّه على سرعة السّير قبل اجتماعهم، فسار إلى أبني وعبأ أصحابه، ثم دفع عليهم الغارة فقتل وسبى، وحرّق بالنار منازلهم وحرثهم ونخلهم، ورحل مساء حتى قدم المدينة، وقد غاب خمسة وثلاثين يوما وقيل: قدم لشهرين وأيام. خبر وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونعيه إلى نفسه وكان من خبر وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن اللَّه تعالى أنذره بموته حين أنزل عليه: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (3) ] ، فقال نعيت إلى نفسي! فحج حجّة الوداع. عرض القرآن في رمضان وكان جبريل ينزل عليه في كل سنة مرّة، وفي شهر رمضان، فيعرض عليه القرآن مرة واحدة، وكان يعتكف العشر الأواخر [من رمضان] [ (4) ] . فلما كان في سنة موته، عرض عليه جبريل القرآن مرتين، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] : ما أظنّ أجلي
الخروج إلى البقيع والاستغفار لأهله
إلا قد حضر! فاعتكف العشر الأواسط [ (1) ] والعشر الأواخر، وكان هذا نذيرا [ (2) ] بموته. الخروج إلى البقيع والاستغفار لأهله ثم أمر بالخروج إلى البقيع ليستغفر لأهله والشهداء ويصلى عليهم، وليكون توديعا للأموات قبل الأحياء فوثب من مضجعه في جوف الليل، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: أين؟ بأبي وأمي! أي رسول اللَّه! قال: أمرت أن استغفر لأهل البقيع. فخرج ومعه مولاه أبو موهبة- ويقال: أبو مويهبة، ويقال: أبو رافع- حتى جاء البقيع، فاستغفر لهم طويلا، ثم قال: ليهنئكم [ (3) ] ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضها، يتبع آخرها أوّلها، الآخرة شر من الأولى!! التخيير ثم قال: يا أبا مويهبة [ (4) ] ! إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة، فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة! فقال بأبي وأمي! فخذ خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة! فقال: يا أبا مويهبة! لقد اخترت لقاء ربّي والجنة. خبر شكوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم انصرف، وذلك ليلة الأربعاء، فأصبح يوم الأربعاء محموما- لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشر- وهو في بيت زينب بنت جحش رضي اللَّه عنها واشتكى شكوى جديدة حتى قيل: هو مجنوب، يعني ذات الجنب [ (5) ] .
مدة الشكوى
مدة الشكوى واجتمع إليه نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر ليلة، وقيل أربعة عشر يوما، وقيل: اثنى عشر [ (1) ] ، بدئ صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة رضي اللَّه عنها. صفة الشكوى وأخذته بحّة شديدة مع حمىّ موصّمة [ (2) ] مع صداع، وكان ينفث في علته شيئا يشبه نفث آكل الزبيب. ودخلت عليه أمّ بشر بن البراء بن معرور فقالت: يا رسول اللَّه! ما وجدت مثل هذه الحمّى التي عليك على أحد! فقال: إنا يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، ما يقول الناس! قالت: يقولون يا رسول اللَّه: ذات الجنب! فقال: ما كان اللَّه ليسلّطها على رسوله، إنها همزة الشيطان. أكلة خيبر من الشاة المسمومة ولكنها من الأكلة التي أكلت أنا وابنك بخيبر من الشاة، وكان يصيبني منها عداد مرة بعد مرّة فكان هذا أوان انقطع أبهري؟ فمات صلّى اللَّه عليه وسلّم شهيدا. الخروج إلى الصلاة وكان إذا خفّ عنه ما يجد خرج فصلّى بالناس، وإذا وجد ثقلة قال: مروا الناس فليصلوا. خبر اللدود واشتد شكوه حتى غمر من شدّة الوجع، فاجتمع عنده أزواجه، وعمّه العبّاس، وأمّ الفضل بنت الحارث، وأسماء بنت عميس رضي اللَّه عنهم، فتشاوروا في لدّه [ (3) ] حين غمر- وهو مغمور- فلدوه، فوجدوا في جوفه حفلا [ (4) ] ، فلما
أمره ألا يبقى في البيت أحد إلا لد
أفاق قال من فعل هذا؟ هذا عمل نساء جئن من ها هنا! وأشار بيده إلى أرض الحبشة، وكانت أمّ سلمى وأسماء [بنت عميس] [ (1) ] رضي اللَّه عنهما لدّتاه، فقالوا: يا رسول اللَّه، خشينا أن يكون بك ذات الجنب، قال: فبم [ (2) ] لددتموني؟ قالوا: بالعود الهنديّ، وشيء من ورس، وقطرات من زيت فقال: واللَّه ما كان ليعذّبني بذلك الداء [ (3) ] . أمره ألا يبقى في البيت أحد إلا لدّ ثم قال: عزمت عليكم لا يبقى في البيت أحد إلا لدّ، إلا عم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ]- فجعل بعضهن يلدّ بعضا، والتدت ميمونة وهي صائمة، لقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. إقامته صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة رضي اللَّه عنها وأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة سبعة أيام، يبعث إلى نسائه أسماء بنت عميس يقول لهن: إن رسول اللَّه يشقّ عليه أن يدور عليكنّ، فحلّلنه. فكن يحللنه. ويروي أن فاطمة عليها السلام- بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- هي التي كانت تدور على نسائه وتقول ذلك. طوافه علي نسائه في شكواه ويروي أنه كان يحمل في ثوب يطاف به على نسائه، وذلك أن زينب بنت جحش كلمته في ذلك قال: فأنا أدور عليكنّ. فكن يحمل في ثوب يحمل بجوانبه الأربع، يحمله أبو رافع مولاه، وأبو مويهبة، وشقران وثوبان حتى يقسم لهن كما كان يقسم. فجعل يقول: أين أنا غدا؟ فيقولون: عند فلانة، فيقول: أين أنا بعد غد؟ فيقولون، عند فلانة! فعرف أزواجه أنه يريد عائشة رضي اللَّه عنها.
هبة أمهات المؤمنين أيامهن لعائشة
هبة أمهات المؤمنين أيامهن لعائشة فقلن يا رسول اللَّه، قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة وروي أنه لما ثقل واشتد وجعه، استأذن أزواجه أن يمرّض في بيت عائشة، فأذن له، فخرج بين الفضل ابن العباس وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما. تخط رجلاه في الأرض [ (1) ]- وذلك يوم الأربعاء الآخر [ (2) ]- حتى دخل بيت عائشة رضي اللَّه عنها، فأقام في بيتها حتى توفي. اشتداد الحمى وإراقة الماء عليه ولما اشتد وجعه بعد أن دخل بيتها. قال، أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن [ (3) ] ، لعلّي أعهد إلى الناس، فأجلسوه في مخضب [ (4) ] لحفصة رضي اللَّه عنها من صفر، ثم صبّوا عليه تلك القرب، ثم خرج إلى الناس فصلّى بهم وخطبهم: وكانت تلك القرب من بئر أبي أيوب الأنصاري رضي اللَّه عنه. خطبته قبل وفاته وخرج يوم السبت عاشر ربيع الأول- مشتملا قد طرح طرفي ثوبه على عاتقيه، عاصبا رسه بخرقة- فأحدق الناس به وهو على المنبر. فقال: والّذي نفسي بيده، إني لقائم على الحوض الساعة- ثم تشهّد واستغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد- ثم قال: ذكر التخيير إن عبدا من عباد اللَّه خيّر بين الدنيا وبين ما عند اللَّه فاختار ما عند اللَّه العبد! فبكى أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال: بأبي وأمي! نفديك بآبائنا وأمهاتنا، وبأنفسنا وأموالنا، فقال: على رسلك [يا أبا بكر] [ (5) ] سدّوا هذه الأبواب الشّوارع [ (6) ] إلى
خبر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته
المسجد إلا باب أبي بكر، فإنّ أمنّ [ (1) ] الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، فلو كنت متخذا في الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ولكن أخوة الإسلام ومودته. فقال عمر رضي اللَّه عنه: دعني يا رسول اللَّه افتح كوة: إليك حين تخرج إلى الصلاة، فقال: لا. أيها الناس، [وكان باب أبي بكر رضي اللَّه عنه في غربيّ المسجد] [ (2) ] . ثم ذكر أسامة بن زيد فقال، أنفذوا بعث أسامة- وكرر ذلك ثلاثا- فلعمري لئن قلتم في إمارة أبيه من قبله. وإنه واللَّه لخليق للأمارة، وأبوه من قبله، وإن كان لمن أحب الناس الناس إليّ. ويروي أنه قال أيضا- بعد [ذكر] [ (3) ] يا معشر المهاجرين! إنكم أصبحتم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد، هي على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، ونعلي التي أطأ بها، وكرشي التي آكل فيها، فاحفظوني فيهم، فأكرموا كريمهم، وأقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن من مسيئهم، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ما بال أبواب أمرت بها أن تفتح: وأبواب أمرت بها أن تغلق؟ قال: ما فتحتها ولا سددتها عن أمري!! خبر كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند موته واشتدّ به صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه يوم الخميس، فقال: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا! فتنازعوا فقال بعضهم: ما له؟ أهجر [ (4) ] ؟! استعيدوه! وقالت زينب بنت جحش وصواحبها: ائتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحاجته. فقال عمر رضي اللَّه عنه: قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللَّه، من لفلانة وفلانة؟ يعني مدائن الروم- فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليس بميت حتى يفتحها، ولو مات لا ننظره كما انتظرت بنو إسرائيل موسى!! فلما لغطوا عنده قال: دعوني! فما أنا فيه خير مما تسألوني، ثم أوصاهم بثلاث [ (5) ] : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو بما كنتم تروني أجيزهم. وأنفذوا جيش أسامة،
خبر الكنيسة التي بالحبشة
قوموا. خبر الكنيسة التي بالحبشة وتذكر [ (1) ] بعض نسائه كنيسة رأينها [ (2) ] في أرض الحبشة. فذكرت أمّ حبيبة بنت أبي سفيان وزينب بنت جحش [ (3) ] كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية، وما فيها من التصاوير، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه فقال. أولئك [قوم] [ (4) ] إذا مات الرجل الصالح منهم بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند اللَّه! وطفق يلقي خميصة [ (5) ] على وجهه. فإذا اغتمّ بها ألقاها عن وجهه، ويقول: لعنة اللَّه علي اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد! [يحذّرهم مثل ما صنعوا] لا يبقين دينان بأرض العرب. مقالته في شكواه ولم يشك شكوى إلا سأل اللَّه العافية، حتى كان مرضه الّذي مات فيه، فإنه لم يكن يدعو بالشفاء، وطفق يقول: يا نفس مالك تلوذين كلّ ملاذ [ (6) ] ؟ التخيير بين الشفاء والغفران وأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول: إذا شئت شفيتك، وكفيتك، وإن شئت توفيتك وغفرت لك!! فقال: ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء. مقالته في كرب الموت وكان لما نزل به، دعا بقدح من ماء، فجعل يمسح على وجهه ويقول: اللَّهمّ أعنّي على كرب الموت، وأخذته بحّة شديدة فجعل يقول: مع الرفيق الأعلى!
وفاته في حجر عائشة وخبر الذهب
وقد شخص بصره [ (1) ] . وفاته في حجر عائشة وخبر الذهب وتوفي في حجر عائشة رضي اللَّه عنها وقد قال لها لما حضر [ (2) ]- وهو مستند إلى صدرها-: ما فعلت بالذّهب؟ فأتته بها وهي تسعة دنانير، فقال: أنفقيها!! ما ظنّ محمّد بربه لو لقي اللَّه وهي عنده؟! مسارة فاطمة ودعا صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنته فاطمة عليه السلام، فسارّها فبكت، ثم دعاها فسارّها فضحكت، فسئلت عن ذلك بعد فقالت: دعاني أول مرّة فقال: إن القرآن كان يعرض علي في كل عام مرة، وعرض عليّ العام مرتين ولا أراني إلا ميتا في مرضي هذا! فبكيت. ثم دعاني فقال: أنت أسرع أهلي لحوقا بي! فضحكت. فماتت بعد وفاته بستّة أشهر. وقيل: أقل من ذلك. إمامة أبي بكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل موته وقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] : ما هلك نبيّ حتى يؤمّه رجل من أمته. فلما كان يوم الاثنين، صلّى أبو بكر رضي اللَّه عنه بالناس الصبح، فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتوكأ على الفضل بن العباس وثوبان، ولم يبق امرأة ولا رجل إلا أصبح في المسجد! لوجعه عليه السلام، فخرج حتى جلس إلى جنب أبي بكر، فصلّى بصلاة أبي بكر، فلما قضي صلاته جلس- وعليه خميصة له- فقال: إنكم واللَّه لا تمسكون عليّ بشيء، إني لا أحلّ إلا ما أحل اللَّه في كتابه، ولا أحرّم إلا ما حرم اللَّه في كتابه! يا فاطمة بنت محمد! ويا صفيّة بنت عبد المطلب!! اعملا لما عند اللَّه، لا أملك لكما من اللَّه شيئا! وصلّى أبو بكر رضي اللَّه عنه بالناس- إلى أن توفّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- سبع عشرة صلاة.
وفاته
وفاته وتوفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضحى يوم الإثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجره- وقيل مستهله، وقيل ثانيه-، فبعث العبّاس رضي اللَّه عنه في طلب أبي عبيدة بن الجراح، وكان يشقّ: [يضرح] [ (1) ] وبعث في طلب أبي طلحة، وكان يلحد [ (2) ] ، وقال اللَّهمّ اختر لنبيك! فوجد أبو طلحة. حيث دفن وقال أبو بكر رضي اللَّه عنه- وقد اختلفوا أين يدفن-: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض. فخط له صلّى اللَّه عليه وسلّم حول الفراش، ثم حوّل بالفراش في ناحية البيت، وحفر أبو طلحة القبر، فانتهى به إلى أصل الجدار إلى القبلة، وجعل رأسه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يلي بابه الّذي كان يخرج منه إلى الصلاة. ثم غسلوه من بئر عرس، وكان يشرب منها. جهاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما أخذوا في جهازه أمر العباس رضي اللَّه عنه فأغلق الباب، فنادت الأنصار نحن أخواله، ومكاننا من الإسلام مكاننا، وهو ابن أختنا!! ونادت قريش: نحن عصبته [ (3) ] ، فأدخل من الأنصار أوس بن خولي، وأحضروا الماء من بئر عرس، واحضروا سدرا وكافورا، فأرسل اللَّه عليهم النوم فما منهم رجل إلا واضعا لحيته على صدره وقائل يقول ما ندري من هو!: اغسلوا نبيكم وعليه قميصه! فغسّل في القميص. وغسّل الأولى بالماء القراح، والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور. الغسل وغسّله عليّ والفضل بن عباس- وكان الفضل رجلا أيّدا [ (4) ]-، وكان يقلّبه
الكفن
شقران، ووقف العباس بالباب وقال: لم يمنعني أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحي أني أراه حاسرا [ (1) ] . وذهب علي رضي اللَّه عنه يلتمس من بطن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما يلتمس من بطن الميت، فلم يجد شيئا، فقال: بأبي وأمي!! ما أطيبك حيا وميتا!! وقيل غسله علي، والعباس وابنه الفضل يعينانه، وقثم وأسامة وشقران يصبون الماء. الكفن واشترى له عليه السلام حلة حبرة بتسعة دنانير ونصف ليكفّن بها. ثم بدا لهم فتركوها. فابتاعها عبد اللَّه بن أبي بكر. وكفّن صلّى اللَّه عليه وسلّم في ثلاثة أثواب سحوليّة بيض [ (2) ] ، أحدها برد حبرة. وقيل: أحدها حلة حبرة وليس فيها قميص ولا عمامة وأدرج في أكفانه. وقيل: كفّن في حلة حبرة وقميص. وفي رواية: في حلة حمراء نجرانية وقميص. وقيل: إن الحلة اشتريت له فلم يكفّن فيها. وقيل كفّن في سبعة أثواب، وهو شاذ. وقيل: كفن في ثلاثة أثواب: قميصه الّذي مات فيه، وحلة نجرانية، وهو ضعيف، وحنّط بكافور، وقيل: بمسك [ (3) ] . الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم وضع على سريره، وكان ألواحا ثم أحدثت له بعد ذلك قوائم، ووضع السرير على شفير القبر، ثم كان الناس يدخلون زمرا زمرا. يصلون عليه. أول من صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأوّل من صلّى عليه العباس وبنو هاشم. ثم خرجوا ودخل المهاجرون، ثم الأنصار: زمرة زمرة، ثم دخل الصبيان، ثم النساء. وقيل صلّي عليه اثنتان وسبعون صلاة [ (4) ] .
خبر أمهات المؤمنين
خبر أمهات المؤمنين وقد قامت أمهات المؤمنين يلتدمن على صدورهن [ (1) ] : وقد وضعن الجلابيب عن رءوسهن، ونساء الأنصار يضربن الوجوه، وقد بحّت حلوقهنّ من الصياح [ (2) ] . الصلاة عليه ولم يزل صلّى اللَّه عليه وسلّم موضوعا على سريره، من حين زاغت الشمس في يوم الاثنين إلى حين زاغت الشمس يوم الثلاثاء، فصلي عليه وسريره على شفير قبره. يوم دفنه ودفنوه ليلة الأربعاء سحرا. وقيل: دفن يوم الثلاثاء، وقيل: ليلة الثلاثاء. وقيل: يوم الاثنين عند الزوال. قاله الحاكم وصحّحه. وقال ابن عبد البرّ: أكثر الآثار على أنه دفن يوم الثلاثاء، وهو قول، أكثر أهل الأخبار. فلما أرادوا أن يقبروه [ (3) ] نحّوا السرير قبل رجليه [ (4) ] ، فأدخل من هناك. لحده ومن دخل فيه ودخل حفرته العبّاس، والفضل بن عباس، وقثم بن عباس، وعلي، وشقران رضي اللَّه عنهم، ويروي أنه نزل أيضا أسامة بن زيد وأوس بن خولي: وبني عليه في لحده بتسع لبنات، وضرح في لحده سمل قطيفة نجرانية كان يلبسها [ (5) ] . ثم خرجوا وهالوا التراب، وجعلوا ارتفاع القبر شبرا وسطحوه، وجعلوا عليه
عمره عند وفاته صلى الله عليه وسلم
حصباء ورش بلال رضي اللَّه عنه على القبر الماء بقربة: فبدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب الماء إلى الجدار، ولم يقدر أن يدور من الجدار. عمره عند وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان عمره صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم توفاه اللَّه ثلاثا وستين سنة على الصحيح. وقيل كان ستين. وقيل خمسا وستين. وهذه الأقوال الثلاثة في صحيح البخاريّ عن ابن عباس رضي اللَّه عنه [ (1) ] . فصل في ذكر أسمائه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عدة أسماء: منها ما سماه اللَّه- عزل وجل- به في القرآن الكريم، ومنها ما سمي به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه، وقد سمّي بعدة أسماء كثيرة. فذكر الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن وهبة بن عساكر- رحمه اللَّه- عشرين اسما. وذكر الحافظ أبو الفرح عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي- رحمه اللَّه- ثلاثة وعشرين اسما [ (2) ] وقال الحافظ أبو الخطاب عمر بن حسن بن دحية- رحمه اللَّه- ثلاثمائة اسم في كتابه (المستوفي في أسماء المصطفى) [وقال] [ (3) ] : أنه إذا فحص عن جملتها من الكتب المتقدمة والقرآن العظيم والحديث النبوي بلغت ثلاثمائة اسم. وذكر أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن الحرالّي تسعة وتسعين اسما. وذكر القاضي أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن العربيّ المعافري في شرح جامع الترمذي عن بعض الصوفية: أن للَّه تعالى ألف اسم، وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ألف اسم، عرف منها أربعة وستون اسما فذكرها.
وأشهر أسمائه صلّى اللَّه عليه وسلّم (محمد) و (أحمد) ، وهما اسمان من أسماء الأعلام التي يراد بها التمييز بين الأشخاص، وكل منهما ومن بقية أسمائه يشتمل على معنى من معاني الفضل. ومن تأمل علم أنه ليس من أسماء الناس اسم يجمع من [معاني صفات الحمد] [ (1) ] ما يجمعه هذان الاسمان، فأحمد اسم منقول من صفة لأفعل، وتلك الصفة- أفعل- التي يراد بها التفضيل، فمعنى أحمد: أي أحمد الحامدين لربه. والأنبياء عليهم السلام كلهم حامدون للَّه تعالى، إلا أن نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثرهم حمدا، فيكون هو الأحق بالحمد، ومحمد هو البليغ في الحمد، فمن سمّي بهذين الاسمين فقد سمّي بأجمع الأسماء لمعاني الفضل. يقال رجل محمد ومحمود، إذا كثرت خصاله المحمودة، ومعنى الاسمين واحد، فإنّ وصف الشخص بأنه أحق بالحمد مبالغة في حمده، والمبالغة في حمده تقدير له في الحمد على من لا يبالغ في حمده، فأحمد على هذا هو محمد، ومحمد أحمد. وقد ذكر اللَّه جل جلاله هذين في كتابه فقال تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (2) ] ، وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [ (3) ] ، وقال: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (4) ] . وخرّج الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري- رحمه اللَّه- في صحيحه من حديث سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا تعجبون كيف يصرف اللَّه عني شتم قريش ولعنهم؟ - يشتمون مذمما، ويلعنون مذمما، وأنا محمد [ (5) ] . وخرّج النسائي أيضا، وذكر أبو الربيع بن سالم أنه روي عن عبد المطلب إنما سماه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمدا لرؤيا رآها، زعموا أنه رأى في منامه سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف المشرق وطرف في
المغرب، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها في نور وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها فقصها. فعبّرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمدا، مع ما حدثته آمنة به [ (1) ] . وقال أبو القاسم السهيليّ [ (2) ] : لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا ثلاثة طمع آباؤهم حيث سمعوا بذكر محمد وبقرب زمانه وأنه يبعث بالحجاز، أن يكون ولدا لهم، ذكرهم ابن فورك في كتاب الفصول، وهم: محمد ابن سفيان بن مجاشع جد [ (3) ] الفرزدق الشاعر، والآخر: محمد بن أحيحة بن الجلاح ابن الحريش بن جمحي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس، والآخر: محمد بن حمران بن ربيعة. وكان آباؤهم الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك، وكان عنده علم من الكتاب الأول، فأخبرهم بمبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وباسمه، وكان كل واحد منهم قد خلّف امرأته حاملا، فنذر كل واحد منهم: إن ولد له ذكر أن يسميه محمدا، ففعلوا ذلك. وذكر القاضي عياض: من تسمي بمحمد في الجاهلية فبلغوا ستة، ثم قال في هذين الاسمين من عجائب خصائصه وبدائع آياته شيء آخر، هو أن اللَّه جلّ اسمه حمى أن يسمّى بهما أحد قبل زمانه، أما أحمد الّذي أتى في الكتاب وبشرت به الأنبياء. فمنع اللَّه تعالى بحكمته أن يسمّى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله، حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب، أو شك [ (4) ] . وكذلك محمد أيضا لم يسمّ به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده صلّى اللَّه عليه وسلّم وميلاده، أن نبيا يبعث اسمه محمد، فسمّى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك، رجاء أن يكون أحدهم هو، واللَّه أعلم حيث يجعل رسالته، وهم: محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن برّاء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد
ابن خزاعيّ السلمي، لا سابع لهم. ويقال: أول من سمى محمدا، محمد بن سفيان، واليمن تقول: بل محمد ابن اليحمد من الأزد، ثم حمى اللَّه كل من تسمى به أن يدّعي النبوة، أو يدعيها أحد له، أو يظهر عليه سبب يشك أحدا في أمره حتى تحققت السمتان له صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم ينازع فيهما. قال كاتبه. وذكر محمد بن مسلمة الأنصاري فيهم، فيه نظر من حيث أنه ولد بعد ولادة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بنحو عشر سنين، ولكنه صحيح من حيث أنه لم تكن النبوة ظهرت- واللَّه أعلم. وذكر ابن سعد فيهم: محمد الجشمي في بني سراة، ومحمد الأسيدي، ومحمد الفقيمي. وقال أبو العباس المبرد: فتش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم من اسمه أحمد قبل أبي الخليل بن أحمد. وللبخاريّ من حديث الزهري، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول [ (1) ] : إن لي أسماء، أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الّذي يمحو اللَّه بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الّذي ليس بعدي أحد، وقد سماه اللَّه رءوفا رحيما، ذكره البخاري في التفسير، وانتهى حديثه عند قوله: وأنا العاقب. وذكره مسلم أيضا من حديث عقيل، قال: قلت: لابن شهاب وما العاقب؟ قال: الّذي ليس بعده نبي [ (2) ] . ومن حديث معمر وعقيل: وأنا الماحي الّذي يمحو اللَّه بي الكفر [ (3) ] ، وللبخاريّ من حديث مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد، وأنا الماحي الّذي
يمحو اللَّه بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب. وذكره البخاري في المناقب في باب ما جاء في أسماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: تفرد برفعه عن مالك جويرية بن أسماء، ورواه عبد اللَّه ابن وهب، وبشر بن عمرو الزهراني، ويحيى بن عبد اللَّه بن بكير المصري عن مالك مرسلا لم يذكر فيه جبيرا، ورفعه صحيح عن الزهري، فقد وصله عنه يونس ابن زيد، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وسفيان بن عيينة (انتهى) . وقد رفعه عن مالك غير جويرية بن أسماء قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: وقد ذكر حديث مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أن النبي هكذا روي هذا الحديث [رواه] [ (1) ] يحيى مرسلا لم يقل عن أبيه، وتابعه على ذلك أكثر رواة الموطأ، وممن تابعه على ذلك القيعي وابن بكير، وابن وهب وابن القاسم، وعبد اللَّه بن يوسف، وابن أبي أويس، وعبد اللَّه بن مسلم الدمشقيّ، وأسنده عن مالك معن بن عيسى، ومحمد بن المبارك الصوري، ومحمد بن عبد الرحيم، وابن شروس الصنعاني، وإبراهيم بن طهمان، وحبيب ومحمد بن وهب، وأبو حذافة، وعبد اللَّه بن نافع، وأبو المعتب الزهري، كل هؤلاء رواه عن مالك مسندا عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه. وخرجه مسلم من حديث سفيان عن الزهري، سمع محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أحمد، وأنا محمد، وأن الماحي الّذي يمحي بي الكفر، وأنا الحاشر الّذي يحشر الناس على عقبي، وأنا العاقب، والعاقب الّذي ليس بعده نبي [ (2) ] . وخرجه عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن لي أسماء: أنا أحمد وأنا محمد، وأنا الماحي الّذي يمحو اللَّه بي الكفر، وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، قال: قلت للزهري: وما العاقب؟ قال: الّذي ليس بعده نبي. وخرجه مسلم أيضا عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق، وأخرجه أيضا من
حديث يونس بن يزيد عن الزهري، وقال في الحديث: وأنا العاقب الّذي ليس بعده أحد، وقد سمّاه اللَّه رءوفا رحيما [ (1) ] ، ويحتمل أن تكون تفسير العاقب من قول محمد بن شهاب الزهري، كما بينه معمر، وقوله: وقد سماه اللَّه رءوفا رحيما، من قول الزهري، واللَّه أعلم. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: سألت سفيان- يعني ابن عيينة- عن العاقب فقال لي: آخر الأنبياء. قال أبو عبيد: وكذلك كل شيء خلف بعد شيء فهو عاقب، وقد عقب يعقب عقبا، ولهذا قيل: ولد الرجل بعده عقبة، وكذلك آخر كل شيء عقبه. وقوله يحشر الناس على قدمي: أي قدّامي وأمامي. أي أنهم مجتمعون إليه، وينضمون حوله، ويكونون أمامه يوم القيامة ووراءه. وقال الخليل بن أحمد حشرتهم السنة: إذا ضمتهم من البوادي، وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (2) ] . وقد روي: يحشر الناس على قدمي بالإفراد مخفف الياء، وروي بتشديد الياء على التثنية [ (3) ] . وقيل معناه أنه أول من يبعث من القبر، وكل من عداه إنما يبعثون بعده، وهو أول من يذهب به من المحشر ثم الناس في إثره. وقيل معنى قوله وأنا الماحي، يعني تمحى به سيئات من اتبعه. وخرج أبو داود الطيالسي من حديث جابر [عن] نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أنا محمد وأنا أحمد والحاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة. ولمسلم من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمي لنا نفسه أسماء فقال:
أنا محمد وأحمد [ (1) ] والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الملحمة [ (2) ] . وقد روي من عدة طرق عن الليث بن سعد رحمه اللَّه قال: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة عن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم أنه دخل على عبد الملك بن مروان فقال له عبد الملك: أتحصي أسماء رسول اللَّه التي كان جبير بن مطعم يعدها؟ قال نعم، قال هي ستة: محمد وأحمد وخاتم وحاشر وعاقب وماحي، فأما حاشر: فبعث مع الساعة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، وأما عاقب، فإنه عقب الأنبياء، وأما ماحي، فإن اللَّه عزّ وجلّ محا به سيئات من اتبعه. وذكره الحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد قيل إنه إنّما سمي نبي التوبة لأنه أخبر أن اللَّه يقبل التوبة من عباده إذا تابوا، وسمي نبي الملحمة لأن اللَّه فرض عليه قتل الكفار، وجعله شرعا باقيا إلى قيام الساعة، فما فتح مصرا من الأمصار إلا بالسيف أو خوفا من السيف، إلا المدينة النبويّة فإنّها فتحت بالقرآن. وقيل معنى المقفى: المتبع للأنبياء عليهم السلام، يقال قفوته أقفوه، وقفيته أقفيه إذا اتبعته، وقافية كل شيء آخره، وقيل لأنه قفي إبراهيم عليه السلام. وقيل المقفي لموسى وعيسى عليهما السلام، لنقل قومهما من اليهودية والنصرانية إلى الحنفية. وقيل إنما اقتصر صلّى اللَّه عليه وسلّم على هذه الأسماء مع أن له أسماء غيرها، لأنها موجودة في الكتب المتقدمة، وعند الأمم السالفة. وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما أنا رحمة مهداة، ورواه وكيع عن الأعمش عن أبي صالح منقطعا. وروي الكلبي عن أبي صالح عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما في قول اللَّه سبحانه: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى [ (3) ] ، يا رجل ما أنزلنا عليك
القرآن لتشقى، وكان يقوم الليل على رجليه، فهي لعلك [ (1) ] ، إن قلت لعكيّ يا رجل، لم يلتفت، فإذا قلت له طه، التفت إليك [ (2) ] . وقال الخليل بن أحمد: خمسة من الأنبياء ذوو اسمين: محمد وأحمد نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعيسى والمسيح، وإسرائيل ويعقوب، ويونس وذو النون، وإلياس وذو الكفل، عليهم السلام [ (3) ] . وقال أبو زكريا بن محمد العنبري: ولنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة أسماء في القرآن: محمد، وأحمد، وعبد اللَّه، وطه ويس، قال اللَّه تعالى في ذكر محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وقال: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ (4) ] وقال: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [ (5) ] : يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [ (5) ] . وإنما كانوا يقعون بعضهم على بعض كما أن اللبد تتخذ من الصوف فيوضع بعضه على بعض فيصير لبدا. قال تعالى: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، والقرآن إنما نزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دون غيره. وقال تعالى: يس يعني يا إنسان، والإنسان ها هنا: هو محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، وقد سماه اللَّه تعالى في القرآن الكريم رسولا ونبيا أميا، وسماه شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى اللَّه بإذنه وسراجا منيرا، وسماه رءوفا رحيما، وسماه نذيرا مبينا، وسماه مذكّرا، وجعله رحمة [للعالمين صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (6) ] . وعن كعب الأحبار قال: قال اللَّه تعالى لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: عبدي المختار. وعن سفيان بن عيينة قال: سمعت على بن زيد يقول: اجتمعوا فتذاكروا أي بيت أحسن فيما قالت العرب؟ قالوا: الّذي قال أبو طالب، للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم:
فصل في ذكر كنية رسول الله صلى الله عليه وسلم
وشق له من اسمه يجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد ومن أسمائه: الضحوك القتال، والأمين، والقثم، وأحيد، لأنه يحيد أمته عن نار جهنم، فهو محمد وأحمد والأمين، والأمي والحاشر والخاتم، والرسول، ورسول اللَّه والشاهد والضحوك، والعاقب والفاتح، والقتال والقثم، والماحي والمصطفى، والمتوكل والمقفي، والنبي والنذير، ونبي الرحمة، ونبي الملاحم. فصل في ذكر كنية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الكنية إنما وضعت لاحترام المكنى بها وإكرامه وتعظيمه، كي لا يصرح في الخطاب باسمه، ومنه قول [الشاعر] [ (1) ] : أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقبه والسّوأة اللقبا ويقال كنيت الرجل بأبي فلان، وأبا فلان على تعدية الفعل، بعد إسقاط الحرف كلية بكسر الكاف وضمها. وكذلك يقال: كنيته، وكنية فلان أبو فلان، وكذلك كنيته بالكسر، أي الّذي يكنى به. وقال اللحياني: يقال كنية، وكنية، وكنية، وكنوة، وكنوة، وكنوة. وقال المبرد: الكنية من الكناية، والكناية ضرب من التعظيم والتفخيم، فيعظم الرجل أن يدعى باسمه فيكنى. ووقعت الكنية في الصبي على جهة التفاؤل بأن يكون له ولد فيدعى به، وفي الكبير بأن يصان اسمه باسم ابنه، وقال غيره: يقال كنوته وكنيته. وقال المطرزي: يقال أيضا: أكنيته من الكنية، ويقال-: إن الأصل في سبب الكنى في العرب أن ملكا من ملوكهم الأول ولد له ولد، توسم فيه النجابة، فشغف به حتى إذا نشأ وترعرع لأن يؤدب أدب الملوك، أحب أن يفرد له موضعا بعيدا من العمارة، يكون فيه مقيما يتخلق بأخلاق الملوك من مؤدبيه، ولا يعاشر من يضيع عليه بعض زمانه، فبنى له في البرية منزلا ونقله إليه، ورتب إليه من يؤدبه بأنواع الآداب العلمية والملكية، فأقام له ما يحتاج إليه من أمر دنياه، ثم أضاف
إليه من أقرانه وأضرابه من أولاد بني عمه، وأمرائه ليؤنسوه ويتأدبوا بآدابه، ويحببوا إليه الأدب بموافقتهم له عليه. وكان الملك في رأس كل سنة [يذهب] [ (1) ] إلى ولده، ويستصحب معه من أصحابه من له عند ولده ولد، ليبصروا أولادهم، وكانوا إذا وصلوا إليهم سأل ابن الملك عن أولئك الذين جاءوا مع أبيه ليعرفهم بأعيانهم، فيقال له: هذا أبو فلان: وهذا أبو فلان، يعنون آباء الصبيان الذين هم عنده، فكان يعرفهم بإضافتهم إلى أبنائهم، فمن هنالك ظهرت الكنى في العرب. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكنى بأبي القاسم، وبأبي إبراهيم، خرّج البخاري ومسلم من حديث حميد عن أنس رضي اللَّه عنه قال: نادى رجل رجلا بالبقيع: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال [الرجل] [ (2) ] يا رسول اللَّه إني لم أعنك!! إنما دعوت فلانا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي واللفظ لمسلم [ (3) ] . وقال البخاري: دعا رجل رجلا. وقال: سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي، ذكره في البيوع في باب ما ذكر في الأسواق. وفي لفظ له: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال [الرجل] [ (4) ] : إنما دعوت هذا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي [ (5) ] . وذكره أيضا في المناقب. وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن سليمان ومنصور وقتادة، سمعوا
سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تعالى عنه قال: ولد لرجل من الأنصار غلام، فأراد أن يسميه محمدا، قال شعبة في حديث منصور أن الأنصاري قال: حملته على عنقي، فأتيت به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي حديث سليمان: ولد له غلام فأراد أن يسميه محمدا، قال: سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنّي جعلت قاسما أقسم بينكم، ذكره البخاري في كتاب الخمس وفي كتاب الأدب. وذكر له مسلم عدة طرق، في بعضها: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم أقسم بينكم. وفي بعضها: فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم، وفي بعضها: فإنّي أنا أبو القاسم أقسم بينكم. وللترمذي من حديث أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي، أنا أبو القاسم، اللَّه يرزق وأنا أقسم. وخرج الدارميّ من حديث عقيل عن ابن شهاب عن أنس أنه لما ولد إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من مارية جاريته، كان يقع في نفس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منه حتى أتاه جبريل عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم [ (1) ] . قال جامعه: وللناس في التكني بأبي القاسم ثلاثة مذاهب: المنع مطلقا، وإليه ذهب الشافعيّ، والجواز مطلقا، وأن النهي خاص بحياة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . والثالث: لا يجوز لمن اسمه محمد، ويجوز لغيره. قال الرافعي: ويشبه أن يكون هذا هو الأصح: لأن الناس ما زالوا يفعلونه في جميع الأعصار من غير إنكار. وقال النووي: هذا مخالف لظاهر الحديث، وأما إطباق الناس عليه ففيه تقوية للمذهب الثاني. وحكي الطبري مذهبا رابعا له هو المنع من التسمية بمحمد مطلقا ومن التكنية بأبي القاسم مطلقا [ (3) ] .
فصل في ذكر صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ربعه، بعيد ما بين المنكبين، أبيض اللون مشربا حمرة، يبلغ شعره شحمة أذنيه، وكان شعره فوق الجمة، ودون الوفرة، ودخل مكة وله أربع غدائر، وكان سبط الشعر، في لحيته كثافة ومات صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عشرين شعرة، وكان ظاهر الوضاءة، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر، وكان كما وصفته عائشة رضي اللَّه عنها بما قاله شاعره حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه [ (1) ] : متى يبد في الداجي البهيم جبينه ... يلح مثل مصباح الدجى المتوقد فمن كان أو قد يكون كأحمد ... نظام لحق أو نكال لملحد وكما كان أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه يقول إذا رآه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمسى مصطفى بالخير يدعو ... كعضو البدر زايله الظلام وكما كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ينشد إذا رآه: لو كنت من شيء سوى بشر ... كنت المعني لليلة البدر وكان أبيض اللون، ليس بالأبيض الأمهق [ (2) ] ولا بالآدم [ (3) ] ، أقنى العرنين [ (4) ] ،
سهل الخدين، أزج الحاجبين [ (1) ] أقرن [ (2) ] ، أدعج العينين [ (3) ] ، في بياض عينيه عروق حمر دقاق، حسن الخلق معتدلة، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، دقيق السرة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، ضليع [ (4) ] الفم أشنب، مفلج الأسنان [ (5) ] ، بادنا متماسكا [ (6) ] سواء البطن والصدر، ضخم الكراديس [ (7) ] ، أنور المتجرد، أشعر الذراعين والمنكبين، عريض الصدر طويل الزندين، رحب الراحة، شائل الأطراف [ (8) ] خمصان [ (9) ] ، بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمام يشبه حسده، إذا مشى كأنما يتحدّر من صبب [ (10) ] وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر [ (11) ] ، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من ريح المسك [ (12) ] .
فأما صفة رأسه المقدس
وقال عند أم سليم [ (1) ] فعرق، فجاءت بقارورة فجعلت تسكب العرق فيها، فاستيقظ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أم سليم، ما هذا الّذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو أطيب من الطيب. وكان في صوته صوته صهل وفي عنقه سطع، إن سكت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأجمله من قريب، حلو المنطق خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام، أجود الناس كفّا، وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى [ (2) ] الناس بعهده، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه [معرفة أحبّه] . يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. فأما صفة رأسه المقدس فقد خرج أبو عيسى الترمذي من حديث جميع بن عمر العجليّ قال: حدثني رجل
وأما وجهه الكريم
عن ابن لأبي هالة عن الحسن بن على عن خاله هند بن أبي هالة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عظيم الهامة [ (1) ] . وقال شريك عن عبد الملك بن عمير بن نافع بن جبير قال: وصف لنا عليّ رضي اللَّه عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان عظيم الهامة [ (1) ] . وأما وجهه الكريم فخرج البخاري من حديث عن إسحاق بن منصور قال: أخبرنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل الذاهب، وليس بالقصير [ (2) ] . وقال البخاري: ليس بالطويل البائن، ذكره في باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . وخرجه ابن أبي خيثمة، من حديث إبراهيم بن يوسف كما رواه مسلم والبخاري والترمذي من حديث أبي نعيم، حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال: سئل البراء أكان وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مثل السيف؟ قال لا، مثل القمر [ (4) ] . قال: هذا حديث حسن [ (5) ] . ولمسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن عبيد اللَّه بن موسى عن إسرائيل عن سماك، أنه سمع جابر بن سمرة قال له رجل: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه كالسيف؟ قال جابر: لا، مثل الشمس والقمر مستديرا. وقال المحاربي عن أشعث عن أبي إسحاق عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة أضحيان وعليه حلّة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر، فلهو أحسن كان في عيني من القمر، وفي لفظ قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة
أضحيان [ (1) ] ، وعليه حلة حمراء، فجعلت أماثل بينه وبين القمر [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث يحيى بن بكير، أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن عبد اللَّه بن كعب- وكان قائد كعب من بنيه حين عمى- قال: سمعت كعب بن مالك يقول: لما سلمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يبرق وجهه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه [ (3) ] . وخرج أيضا من حديث يحيى عن عبد الرّزاق قال: أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما مسرورا وأسارير وجهه تبرق فقال: ألم تسمعي ما قال مجزر المدلجي، ورأى زيدا وأسامة قد غطيا رءوسهما، وبدت أقدامها، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بضع [ (4) ] . وخرّجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرّزاق، وقال أبو إسحاق الهمدانيّ عن امرأة من همدان سمّاها قالت حججت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرات فرأيته على بعير له يطوف بالكعبة، بيده محجن، عليه بردان أحمران يكاد يمس منكبه، إذا مر بالحجر استلمه بالمحجن، ثم يرفعه إلى فمه فيقبله، قال أبو إسحاق: فقلت لها شبّهيه، قالت: [كان] كالقمر ليلة البدر، ولم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] . وخرّج عبد اللَّه بن محمد بن إسحاق الفاكهي من حديث أسامة بن زيد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: قلنا للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: لو رأيته لقلت: الشمس طالعة [ (5) ] . وفي حديث هند بن أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخما مفخما [ (6) ] يتلألأ
وأما صفة لونه
وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، خرجه الترمذي [ (1) ] . وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان في وجه رسول اللَّه تدوير. ولأحمد من حديث عبد الرازق قال: أخبرنا إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر ابن سمرة يقول: كان وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستديرا. وفي حديث أم معبد قالت [ (2) ] : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه (تعنى مشرق الوجه مضيئة) ، ومنه: تبلج الصبح إذا أسفر. وفي حديث هند بن أبي هالة: كان سهل الخدين، وقال قتادة: ما بعث اللَّه نبيا إلا بعثه حسن الوجه وحسن الصوت، حتى بعث نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعثه حسن الوجه حسن الصوت، ولم يكن يرجّع، ولكن كان يمد بعض المد. وأما صفة لونه فخرج البخاري في باب صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث يحيى بن بكير قال: حدثني الليث عن خالد عن سعيد ابن أبي هلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا بأدم، ليس بجعد قطط، ولا سبط رجل، أنزل عليه وهو ابن أربعين، فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه: وبالمدينة عشر سنين، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال ربيعة. فرأيت شعرا من شعره فإذا هو أحمر، فسألت. فقيل: أحمر من الطيب [ (3) ] . ولمسلم من حديث إسماعيل بن جعفر وسليمان بن بلال. كلاهما عن ربيعة عن أنس أنه سمعه يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان أزهر، بعثه اللَّه على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه اللَّه على دابر ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء [ (4) ] .
لم يقل في حديث إسماعيل على رأس ستين سنة. قال الحافظ أبو نعيم: هذا حديث صحيح ثابت متفق عليه، رواه عن ربيعة يحيى بن سعيد الأنصاري، وعمرو ابن يحيى المازني، وعبادة بن غزية، وسعيد بن هلال وأسامة بن زيد، ونافع بن أبي نعيم، ومحمد بن إسحاق، وعبد اللَّه بن عمر، وفليح. وأبو أويس، وعبد العزيز الماجشون، والدراوَرْديّ: والثوري، ومالك والأوزاعي، وسعد، وأبو بكر ابن عياش، وقرة بن جبريل، وأبو زكين، وأنس بن عياض، ومنصور بن أبي الأسود، وإبراهيم بن طهمان في آخرين. وخرّج الترمذي من حديث عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس، قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربعة، ليس بالطويل، ولا بالقصير، حسن الجسم، أسمر اللون، كان شعره ليس بجعد ولا سبط، إذا مشى يتوكأ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب [ (1) ] . ولمسلم من حديث الجرير عن أبي الطفيل قال: قلت له: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، كان أبيض مليح الوجه [ (2) ] . وله أيضا من حديث الجرير عن أبي الطفيل قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما على وجه الأرض رجل رآه غيري، قال: قلت: فكيف رأيته: قال: كان أبيض مليج الوجه مقصدا [ (2) ] . وخرجه ابن أبي خيثمة والبخاري ومسلم من حديث محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد شاب، وكان الحسن بن على يشبهه [ (3) ] . ولأبي داود الطيالسي من حديث عثمان بن عبد اللَّه بن عزيز عن نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مشربا وجهه حمرة. قال البيهقي، ويقال إن المشرب بالحمرة ما أضحى للشمس والرياح، وما تحت
الثياب فهو الأبيض الأزهر. وقال ابن إسحاق عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم، عن أبيه أن سراقة بن جعشم قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وكان راكبا] على ناقته، انظر إلى ساقه كأنها جمّارة [ (1) ] . وخرج الحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي من حديث مزاحم بن أبي مزاحم عن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد عن محرش الكعبي قال: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجعرانة ليلا فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة. وخرج من حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه تعالى عنه يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان شديد البياض. وللترمذي في الشمائل من حديث صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر [ (2) ] قلت: صالح بن أبي الأخضر ضعيف في الزهري، قال ابن معين: ليس بشيء في الزهري، وفي رواية صالح بن أبي الأخضر بغير ضعيف [ (3) ] . وقال ابن المبارك: أخبرني رشدي بن سعد قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي يونس مولى أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة قال: ما رأيت شيئا أحسن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع في مشيته منه، كأن الأرض تطوى له، إنا لنجتهد وإنه [ (4) ] غير مكترث. وخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث قتيبة قال: أخبرنا ابن لهيعة عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ما رأيت [شيئا أحسن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] . وخرجه تقي بن مخلد من حديث حرملة قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني
عمرو بن الحارث أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كأنما الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مشيته كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث. قال الترمذي: هذا حديث غريب: قال مؤلفه: إسناد تقي هذا الحديث أجود من إسناد الترمذي، وإسناد تقي على شرط مسلم. وقد روي مسلم عن حرملة بن يحيى هذا غير ما حدثت، ولم يخرج هو ولا البخاري من حديث ابن لهيعة شيئا. وخرّج مسلم من حديث محمد بن جعفر قال: أخبرنا شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس العقبين [ (1) ] . قال: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم، قلت، ما أشكل العينين؟ قال. طويل شق العينين، قلت: ما منهوس العقب؟ قال: قليل لحم العقب. قال قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل: وتفسير سماك على ما ذكره إلا في الشكلة، فإن ابن الهيثم أخبرنا عن داود بن محمد عن ثابت بن عبد العزيز قال: الشكلة في العين حمرة تخالط البياض، وقال أبو عبيد: الشكلة كهيئة الحمرة تكون في بياض العين، والشهلة عين الشكلة، وهي حمرة في سواد العين. وخرجه الترمذي من حديث أبي قطن قال: أخبرنا شعبة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشكل العينين منهوس العقب، قال: هذا حديث حسن صحيح. وخرج من حديث محمد بن جعفر عن شعبة مثل حديث مسلم، وقال في تفسيره: قال شعبة: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟ قال: واسع الفم.. الحديث.
وخرجه أبو داود من حديث شعبة بسنده ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشهل العينين منهوس العقب ضليع الفم. وللترمذي من حديث عباد بن العوام، أخبرنا الحجاج عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان في ساقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسما، وكنت إذا نظرت إليه قلت: أكحل وليس بأكحل. قال أبو عيسى. هذا حديث حسن غريب صحيح [ (1) ] . وله من حديث عمر بن عبد اللَّه مولى غفرة قال: حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أدعج العينين أهدب الأشفار [ (2) ] ، والدعج: سواد العينين، والأهدب: الطويل الأشفار، وهو الشعر المتعلق به الأجفان. وقال حجاج: حدثنا حماد عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عظيم العينين أهدب الأشفار متشرب العين بحمرة. وخرّج سعيد بن منصور من حديث خالد بن عبد اللَّه عن عبيد اللَّه بن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طلب عن أبيه عن جده قال: قيل لعلي رضي اللَّه عنه: انعت لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان أبيض مشربا بياضه حمرة، وقال: كان أسود الحدقة أهدب الأشفار. وله من حديث عيسى بن يونس قال، حدثنا عمر بن عبد اللَّه مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال: كان علي رضي اللَّه عنه إذا نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان في الوجه تدوير أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار. ومن حديث ابن أبي ذؤيب: حدثنا صالح مولى التّزمّة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه كان ينعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال. كان أهدب أشفار العين.
أما صفة جبينه وأنفه وحاجبيه وفمه وأسنانه ونكهته
أما صفة جبينه وأنفه وحاجبيه وفمه وأسنانه ونكهته فخرّج يعقوب بن سفيان من حديث الزهري عن سعيد بن المسيّب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان خاضّ الجبين أهدب الأشفار. وفي حديث أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهم عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشمّ، سهل الخدين ضليع الفم أشنب، مفلج الأسنان. وقال موسي بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفلج الثنيتين، كان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه، وقال أبو عبيدة معمر ابن المثنى: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنت قاعدة أغزل والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولد نورا، فبهت، فنظر إليّ فقال: مالك؟ قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورا، فلو رآك أبو كثير الهزلي لعلم أنك أحق بشعره، قال: وما يقول أبو كثير؟ قلت: يقول: وإذا نظرت إلى أسرّة وجهه ... برقت كبرق العارض المتهلل فقام فقبّل بين عيني، وقال: جزاك اللَّه يا عائشة عني خيرا، ما سررت مني كسروري منك. أخرجه ابن عساكر في تاريخه. ولابن حبان من حديث أبي جعفر الداريّ، عن أبي رهم عن يونس بن عبيد (مولى لأنس) عن أنس قال: صحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، وشممت العطر كله، فلم أشم نكهة أطيب من نكهته [ (1) ] . وأما بلوغ صوته حيث لا يبلغ صوت غيره فخرج أبو نعيم من حديث حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن البراء قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أسمع العواتق في خدورهن، ينادي بأعلى صوته: يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم،
فإنه من يتبع عورة أخيه أتبع اللَّه عورته، ومن اتبع اللَّه عروته فضحه في جوف بيته [ (1) ] . وخرجه من حديث عمران بن وهب عن سعيد بن عبد اللَّه بن جريج عن أبي بردة قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهاجرة العليا بصورت يسمع العواتق في خدورهن فقال: يا معشر من آمن بلسانه ... فذكره. ومن حديث أبي ثميلة قال: حدثنا جريج بن هلال الطائي، حدثنا عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: صلينا خلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما، فلما انفلت من صلاته أقبل علينا غضبان فنادى بصوت أسمع العواتق في أجواف الخدور فقال: يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تسبوا المسلمين ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم هتك اللَّه ستره، وأبدى عروته ولو كان في جوف بيته، أو في ستر بيته [ (2) ] . عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جلس يوم الجمعة على المنبر فقال للناس: اجلسوا، فسمع عبد اللَّه بن رواحة فجلسوا في بني غنم، فقيل يا رسول اللَّه، ذاك ابن رواحة جالس في بني غنم، سمعك وأنت تقول للناس اجلسوا فجلسوا في مكانه [ (3) ] . وله من حديث مسدد قال: أخبرنا عبد الوارث عن حميد الأعرج عن محمد ابن إبراهيم التيمي بن عبد الرحمن بن معاذ- وكان من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمنى، ففتحنا أسماعنا حتى إن كنا لنسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم ثم قال: عليكم بحصى الخذف [ (4) ] . وقال سفيان عن سعد عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن أم هانئ قالت: كنت أسمع قراءة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا على عريش أهلي. وقال هلال بن حباب: نزلت أنا ومجاهد على يحيى بن جعدة بن أم هانئ فحدثنا عن أم هانئ قالت: كنا نسمع قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جوف الليل عند
وأما صفة لحيته
الكعبة وأنا على عريشي. وأما صفة لحيته ففي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الرأس واللحية، وفي رواية: كان ضخم الهامة عظيم اللحية [ (1) ] . وللترمذي من حديث أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كثّ اللحية. ورواه حماد عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كث اللحية، وليعقوب بن سفيان من حديث الزهري عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان أسود اللحية حسن الشعر. وقال محمد بن المثنى: حدثنا يحيى بن كثير عن أبي ضمضم قال: نزلت بالرجيع فقيل لي: هاهنا رجل رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتيته فقلت: رأيت رسول اللَّه؟ قال نعم، رأيته رجلا مربوعا حسن السّبلة، قال: وكانت اللحية تدعى في أول الإسلام سبلة. وقال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها بالسّوية. وروي ابن عبد البر من طريق جنادة بن مروان الأزدي عن جرير بن عثمان عن عبد اللَّه بن بسر قال: كان شارب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحيال شفته. وقال محمد بن عائذ: قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جنازة سعد بن معاذ ويده في لحيته. وقال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا وجد [ (2) ] فإنما يده في لحيته يفتلها أو يحركها. قال محمد بن عمرو عن علقمة الليثي عن عائشة قالت. بكى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سعد- يعني ابن معاذ- حتى إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء
وأما صفة شعره
عمر رضي اللَّه عنهما، قالت: وكانوا كما قال اللَّه عزّ وجلّ: رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [ (1) ] . فقال: يا أمتاه! فما صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقالت: ما كانت عيناه تكاد تدمعان على أحد، ولكنه كان إذا وجد [ (2) ] فإنما يده في لحيته. وقال حماد بن سلمة: أخبرنا عبيد اللَّه بن عمر عن سعيد المقبري عن ابن جريج أنه قال لابن عمر: رأيتك تحفي شاربك، قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحفي شاربه. وقال الفضل بن دكين: أخبرنا مندل عن عبد الرحمن بن زياد عن أشياخ لهم قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأخذ الشارب من أطرافه. وأما صفة شعره فخرج مسلم من حديث أنس كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل الشعر ليس بالسبط ولا بالجعد القطط. وأخرج من حديث مالك وغيره عن ربيعة، وللبخاريّ من حديث مسلم ابن إبراهيم: أخبرنا جرير عن قتادة عن أنس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم اليدين لم أر بعده مثله، وكان شعر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل لا جعدا ولا سبطا. ومن حديث وهب بن جرير قال: حدثني أبي عن قتادة قال: سألت أنس ابن مالك عن شعر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان شعر رسول اللَّه رجلا ليس بالسبط ولا الجعد، بين أذنيه وعاتقه، ذكرهما في اللباس، وخرّج مسلم من هذه الطريق نحو هذا [ (3) ] . ولأبي داود من حديث عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس قال: كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى شحمة أذنيه [ (4) ] . وقال حميد عن أنس كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أنصاف أذنيه.
وللبخاريّ من حديث أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، يبلغ شعره شحمة أذنيه. الحديث. وأخرجه مسلم ولفظه: ما رأيت أحدا من خلق في حلة حمراء يعني أحسن من رسول اللَّه، إن [ (1) ] لمّته تضرب قريبا من منكبيه. وفي حديث علي رضي اللَّه عنه كان كثير شعر الرأس رجله. ولأبي داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوق الوفرة ودون الجمة. وقال سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم هانئ: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وله أربع غدائر يعني ضفائر. وفي الصحيحين من حديث ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه، وكان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون دونهم، فسدل رسول اللَّه ناصيته ثم فرق بعد [ (2) ] . وقال ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت. أنا فرقت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه [صدعت] [ (3) ] فرقه عن يافوخه، وأرسلت ناصيته بين عينيه. قال ابن إسحاق واللَّه أعلم: ذلك لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تكف ثوبا ولا شعرا، وهي سيما كان يتوسم بها. قال: وقد قال محمد بن جعفر وكان فقيها: ما هي إلا سيما من سيم الأنبياء تمسكت بها النصارى من بين الناس.
وأما صفة عنقه وبعد ما بين منكبيه
وخرّج البخاري من حديث أنس: توفي رسول اللَّه وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء [ (1) ] . ولمسلم عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يختضب، إنما كان شمط عند العنفقة يسيرا وفي الصدغين يسيرا وفي الرأس يسيرا. وروي أبو إبراهيم محمد بن القاسم الأسدي، حدثنا شعبة بن الحجاج عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جمة جعدة. قال ابن شاهين: تفرد بهذا الحديث محمد بن القاسم الأسدي عن شعبة، لا أعلم حدّث به غيره، وهو حديث غريب. وأما صفة عنقه وبعد ما بين منكبيه ففي حديث أم معبد [ (2) ] أنها قالت: في عنقه سطع، يعني الطول، وفي حديث هند بن أبي هالة: كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة [ (3) ] . وفي حديث علي رضي اللَّه عنه كان عنقه إبريق فضة، وفي حديث البراء: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، وفي حديث الزهري عن ابن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان بعيد ما بين المنكبين. وقال النضر بن شميل، حدثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر [سواء] [ (4) ] البطن [والصدر] [ (4) ] ، عظيم مشاش المنكبين [ (5) ] ، يطأ بقدميه جميعا، إذا أقبل أقبل جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا. وخرّج الترمذي من حديث غفرة قال: حدثني إبراهيم بن محمد عن علي كان
وأما صفة صدره وبطنه
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جليل الكتد، الكتد: مجمع الكتفين، وهو الكاهل. والمنكب: مجمع رأس العضد في الكتف. وأما صفة صدره وبطنه ففي حديث هند بن أبي هالة: كان عريض الصدر سواء البطن والصدر، وفي حديث أم معبد: لم يعبه ثجلة، والثجلة عظم البطن واسترخاء أسفله. وفي حديث أم هانئ: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا ذكرت القراطيس المثنى بعضها على بعض. وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجرد ذو مسربة. وفي حديث هند بن أبي هالة: كان أنور المتجرد [ (1) ] ، دقيق المسربة [ (2) ] ، موصول ما بين اللبة [ (3) ] والسّرة بشعر يجري كالخيط. عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر. أما صفة كفيه وقدميه وإبطيه وذراعيه وساقيه وصدره فخرج البخاري من حديث أنس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخم اليدين، لم أر بعده مثله.. الحديث. وفي رواية: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الرأس والقدمين، وكان سبط [ (4) ] الكفين، وخرّج من حديث همام: أخبرنا قتادة عن أنس أو عن رجل عن أبي هريرة قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شثن [ (5) ] الكفين والقدمين. وفي رواية عن قتادة عن أنس أو جابر بن عبد اللَّه كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ضخم الكفين والقدمين، لم أر بعده شبها له. وللفسوي من حديث ابن أبي ذؤيب حدثنا صالح مولى التزمة قال: كان
أبو هريرة ينعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كان شبح [ (1) ] الذراعين بعيد ما بين المنكبين، أهدب أشفار العينين. وفي حديث علي رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شثن الكفين والقدمين، ضخم الكراديس. وفي حديث ابن أبي هالة: كان رحب الراحة، وفي حديث أنس: ما مست قط خزا ولا حريرا ألين من كف رسول اللَّه [ (2) ] . وفي حديث هند بن أبي هالة: كان طويل الزندين ضخم الكراديس، وفي حديث شعبة عن سماك عن جابر: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضليع الفم أشكل العينين منهوس العقبين، يعني قليل لحم العقب. وفي حديث أبي هريرة كان يطأ بقدميه جميعا، ليس له أخمص، وفي حديث هند بن أبي هالة: كان خصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء [ (3) ] . وخرج البيهقي من حديث زيد بن هارون، أخبرنا عبد اللَّه بن يزيد بن مقسم قال: حدثني عمتي سارة بنت مقسم عن ميمونة بنت كردم قال رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة وهو على ناقة له وأنا مع أبي، وبيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم درة كدرة الكتاب، فدنا منه أبي فأخذ بقدمه نقيلة [ (4) ] رسول اللَّه، قالت: فما نسيت طول إصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه. وفي الصحيحين من حديث مالك بن مغول قال: سمعت عون بن أبي جحيفة ذكر عن أبيه قال: دفعت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأبطح في قبة بالهاجرة، فخرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدفع الناس يأخذون
منه، قال: ثم دخل فأخرج العنزة، ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأني انظر إلى وميض ساقيه فركز العنزة [ (1) ] ثم صلّى بنا الظهر ركعتين [ (2) ] ، يمر بين يديه المرأة والحمار [ (3) ] . وفيهما من حديث أنس: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرفع يديه في الدعاء حتى يرى بياض إبطه، يعني في الاستسقاء. وفي حديث حجاج عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يضحك إلا تبسما، وكان في ساقيه حموشة ... الحديث. وخرّج البيهقي وأحمد من حديث يحيى بن يمان، حدثنا إسرائيل عن سماك ابن حرب عن جابر بن سمرة قال: كانت إصبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خنصره من رجله متظاهرة. وقال محمد بن معد: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي، حدثنا سالم أبو النضر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أشفق من الحاجة (يعني ينساها) ربط في خنصره أو في خاتمه الخيط.
وأما قامته
وأما قامته ففي حديث أنس: أن كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، وفي حديث البراء: ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير. وفي حديث علي: ليس بالقصير ولا بالطويل، وفيه: إذا مشى تكفأ تكفيا [ (1) ] كأنما ينحط من صبب، وفي رواية: كان لا قصير ولا طويل، وكان يتكفأ في مشيته كأنما يمشى في صبب [ (2) ] . وفي رواية كان لا قصير ولا طويل، وهو إلى الطول أقرب. قال: إذا مشى تكفأ كأنما يمشى في صفد [ (3) ] . وفي رواية كان ليس بالذاهب طولا، فوق الربعة، إذا جامع القوم غمرهم، وفي حديث أبي هريرة: كان رجلا ربعة وهو إلى الطويل أقرب، وكان يقبل جميعا ويدبر جميعا. وفي رواية الترمذي: لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد، كان ربعة من القوم. قال الترمذي: سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول: سمعت الأصمعي يقول: الممغط: الذاهب طولا، والمتردد: الداخل بعضه في بعض قصرا. وفي حديث هند بن أبي هالة: كان أطول من المربوع وأقصر من المشذب، وقال عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، عن جعفر بن محمد عن أبيه، وهشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: من صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لم يك يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله رسول اللَّه، وربما مشى [بين] [ (4) ] الرجلين الطويلين يتطولهما، فإذا فارقاه نسبا إلى الطول، ونسب هو إلى الربعة. وأما اعتدال خلقه ورقة بشرته ففي حديث هند: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معتدل الخلق بادنا متماسكا [ (5) ] ، يعني كان تام خلق الأعضاء، ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره.
وأما حسنه وطيب رائحته وبرودة يده ولينها في يد من مسها وصفة قوته
وخرّج الحافظ أبو نعيم الأصفهاني من حديث محمد بن بكر الحضرميّ، حدثنا يزيد بن عبد اللَّه القرشي عن عثمان بن عبد الملك قال حدثني خالي- وكان من أصحاب عليّ قدم صفين- عن علي رضي اللَّه عنه قال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقيق البشرة. وقال عبد الأعلى بن حماد: حدثنا معمر عن حميد عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ألين الناس كفا [وما] [ (1) ] مست خزا ولا حريرا ألين من كفه. وأما حسنه وطيب رائحته وبرودة يده ولينها في يد من مسها وصفة قوته ففي حديث البراء بن عازب رضي اللَّه عنه ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وسأله رجل: أكان وجهه] مثل السيف؟ قال: لا، مثل القمر، انفرد بإخراجه البخاري [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن أبي يونس أنه سمع أبا هريرة يقول ما رأيت أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأن الشمس تخرج في وجهه. وقال جابر بن سمرة رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة أضحيان [ (3) ] ، وعليه حلة حمراء، فجعلت انظر إليه وإلى القمر، فلهو أحسن في عيني من القمر [ (4) ] . وقال البراء ما رأيت أحدا في حلة حمراء مترجلا أحسن من رسول اللَّه.. الحديث. وفي حديث أبي الطفيل كان أبيض مليحا مقصدا [ (5) ] ، وفي حديث أم معبد كان أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب. وعن أبي هريرة: كأنما صيغ من فضة.
وخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث عبد العزيز العمي عن جعفر بن محمد وهشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس وجها، وأنورهم لونا. ومن حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه: كان وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كدارة القمر. وخرّج الدارميّ من حديث عبيد اللَّه بن موسى عن أسامة بن زيد عن أبي عبيدة محمد بن عمارة قال: قلت للربيع بنت معوذ صفى لي رسول اللَّه، فقالت: يا بني، لو رأيته رأيت الشمس طالعة [ (1) ] . وقال أحمد بن عبد اللَّه الغدافي أخبرنا عمرو بن أبي عمرو عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: لم يكن لرسول اللَّه ظل، ولم يقم مع شمس قط إلا غلب ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوءه على ضوء السراج. وخرّج ابن عساكر من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: كنت أصافح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو يمس جلدي جلده، فأعرف في يدي بعد ثالثة أطيب من ريح المسك. وقال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه ما مسست بيدي ديباجا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول اللَّه، ولا شممت رائحة قط أطب من ريح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وي رواية، قال أنس: ما شممت شيئا قط- مسكا ولا عنبرا- أطيب من ريح رسول اللَّه، ولا مسست شيئا قط- حريرا ولا ديباجا- ألين مسّا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي رواية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، وما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول اللَّه، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أطيب رائحة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] .
وقال جابر بن سمرة وأما أنا فمسح خدي فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجهما من جونة [ (1) ] عطار. وقال شعبة عن يعلي بن عطاء: سمعت جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بمنى فقلت له: رسول اللَّه، ناولني يدك! فناولينها، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك. وخرّج أبو نعيم من طريق الحميدي قال: أخبرنا سفيان [ (2) ] بن عيينة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدلو من ماء فشرب ثم توضأ، فمضمض ثم مجة في الدلو مسكا أو أطيب من المسك، واستنثر خارجا من الدلو. وخرّجه البيهقي من طريق يعقوب بن سفيان ومن حديث مسعر عن عبد الجبار ابن وائل قال: حدثني أخي [ (3) ] عن أبي قال: أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدلو من ماء فشرب من الدلو ثم مج في الدلو ثم صب في البئر، أو قال: شرب من الدلو ثم مج في البئر ففاح منها مثل رائحة المسك. وخرّج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: دخل علينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال [ (4) ] عندنا، فعرق، وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا أم سليم! ما هذا الّذي تصنعين، قالت: هذا عرق نجعله لطيبنا، وهو أطيب من الطيب [ (5) ] . ومن حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن أم سليم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعا فيقيل عليه- وكان كثير العرق- فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أم سليم! ما هذا قالت: عرقك أدوف به طيبي [ (5) ] . وخرّج أبو نعيم من حديث أبي يعلي الموصلي قال: أخبرنا بشر بن سنحان، أخبرنا عمرو بن سعيد الأشج، أخبرنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: كنا نعرف
وأما صفة خاتم النبوة
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبل بطيب ريحه. وخرّج من حديث مغيرة بن عطية عن أبي الزبير عن جابر قال كان في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خصال: لم يكن في طريق فسلكه أحد إلا عرف مسلكه من طيب عرفه أو ريح عرقه [ (1) ] . وأما صفة خاتم النبوة فخرج البخاري من حديث حاتم بن إسماعيل عن الجعد بن عبد الرحمن قال: سمعت السائب بن يزيد يقول: ذهبت بي خالتي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابن أختي وجع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره، فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل ذر الحجلة. ذكره في كتاب المناقب، وفي كتاب الدعاء في باب الدعاء للصبيان، وفي كتاب المرضى في باب من ذهب بالصبي المريض ليدعى له، وقال فيه: فنظرت إلى خاتمه، وذكره في الطهارة في باب استعمال فضل وضوء الناس، وفيه: أن ابن أختي وقع، وفيه: فنظرت إلى خاتم النبوة [ (2) ] . وخرّجه مسلم من طرق، ولمسلم من حديث عبد اللَّه بن موسى عن إسرائيل عن سماك أنه سمع جابر بن سمرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد شمط مقدّم رأسه ولحيته، وكان إذا ادّهن لم تتبين، وإذا شعث رأسه تبين، وكان كثير شعر اللحية، فقال رجل: وجهه مثل السيف؟ قال: لا: بل مثل الشمس والقمر، وكان مستدير الرأس، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده [ (3) ] . وله من حديث شعبة عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة قال: رأيت خاتما في ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنه بيضة حمام. وله من حديث حامد بن محمد البكراويّ قال: أخبرنا عبد الواحد- يعني ابن زياد- أخبرنا عاصم عن عبد اللَّه ابن سرجس قال رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأكلت
معه خبزا ولحما، أو قال: ثريدا، قال: قلت له أستغفر لك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، ولك، ثم تلا هذه الآية: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [ (1) ] ، قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض [ (2) ] كتفه اليسري، جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل [ (3) ] . وخرّجه النّسائي ولفظه: عن عبد اللَّه بن سرجس قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في ناس من أصحابه فدرت من خلفه فعرف الّذي أريد، فألقى الرداء عن ظهره فرأيت موضع الخاتم على موضع كتفيه مثل الجمع كأنها الثآليل، فجئت حتى استبقلته، فقلت: غفر اللَّه لك يا رسول اللَّه، قال: ولك- قال بعض القوم استغفر لك رسول اللَّه؟ قال [ (4) ] : نعم ولكم، ثم تلا، وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [ (1) ] ، ذكره في التفسير. وخرج أبو داود الطيالسي من حديث قرّه بن خالد قال: أخبرني معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه، أرني الخاتم، قال: أدخل يدك، قال: فأدخلت يدي في جربانه، فجعلت ألمس انظر إلى الخاتم، فإذا هو على نغض كتفه مثل البيضة، فما منعه ذلك أن جعل يدعو لي، وإن يدي لفي جربانه. وخرج الفسوي من حديث عبيد اللَّه بن إياد قال: حدثني أبي عن أبي دمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه، فقال: يا رسول اللَّه، إني كأطبّ الرجال، أفأعالجها لك؟ فقال: لا، طبيبها الّذي خلقها. وقال الثوري عن إياد بن لقيط في هذا الحديث: فإذا خلف كتفه مثل التفاحة،
فصل جامع في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال عاصم بن بهدلة عن أبي دمثة: فإذا في نغضّي كنفه مثل بعرة البعير أو بيضة الحمامة. وخرّج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن ميسرة، حدثنا عتاب قال: سمعت أبا سعيد يقول: الخاتم الّذي بين كتفي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لحمة ناتئة. وخرّج البيهقي من حديث سماك بن حرب عن سلامة العجليّ عن سلمان الفارسيّ قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فألقى إليّ رداءه وقال: يا سليمان إلى ما أمرت به، قال: فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة. فصل جامع في صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم روي أبو نعيم من حديث المسعودي عن عثمان بن عبد اللَّه بن هرمز عن نافع ابن جبير بن معطم عن علي رضي اللَّه عنه قال: لم يكن رسول اللَّه بالطويل ولا بالقصير، وكان [ (1) ] شثن الكفين والقدمين، ضخم الرأس واللحية مشربا وجهه حمرة، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى يمشى قلعا كأنما ينحدر من صبب. وفي رواية: إذا مشى تكفّأ تكفيا كأنما ينحط من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروي الفسوي من حديث عيسى بن يونس، حدثنا محمد بن عبد اللَّه مولى عفرة، قال: حدثني إبراهيم بن محمد من ولد على قال: كان علي إذا نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لم يكن بالطويل الممغط، ولا القصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، كان جعدا رجلا، ولم يكن بالمطهم ولا المكلثم، وكان في الوجه تدوير أبيض، مشرب أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتف، أو قال الكتد، أجرد ذا مسربة، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة [ (2) ] ، أجود الناس كفا وأرحب الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى
الناس بذمة، وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي رواية لم يكن بالطويل الممغط ولا القصير المتردد، لم يكن بالمطهم ولا المكلثم، أبيض مشرب، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، شثن الكفين والقدمين، دقيق المسربة، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معا، ليس بالسبط ولا بالجعد القطط. وفي رواية: كان أزهر، ليس بالأبيض الأمهق، وفي رواية: كان في عينيه شكلة، وفي رواية: كان شبح الذراعين. فالممغط: الّذي ليس بالبائن الطويل، ولا القصير، وقيل: الممغط: الذاهب طولا، والمتردد: الّذي تردد خلقه بعضه على بعض، فهو مجتمع. يقول: ليس هو كذلك، ولكن ربعة بين الرجلين، كما جاء في حديث آخر: كان ضرب اللحم بين الرجلين. والمطهم: المنتفخ الوجه، وقيل الفاحش السّمن، وقيل النحيف الجسم، وقيل: الطهمة في اللون أن تتجاوز سمرته إلى السواد، والمكلثم: المدور الوجه، وقيل: هو القصير الحنك الداني الجبهة مع الاستدارة. يقول: فليس كذلك، ولكنه مسنون، وقوله: مشرب أي شرب حمرته، والأدعج العين: الشديد سوادها، والجليل المشاش: العظيم رءوس العظام، مثل الركبتين والمرفقين، والكتد: الكاهل وما يليه من الجسد، وقيل: الكتد: مجمع الكتفين، وهو الكاهل. وقوله: شثن الكفين والقدمين: يعني أنهما إلى الغلظ. وقيل الشثن الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين، وقوله إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب: القلع: أن يمشي بقوة، والصبب الانحدار، والقطط: الشديد الجعودة من أشعار الحبش، والسبط: الّذي ليس فيه تكسر، يقول: فهو جعد رجل، والأزهر الأبيض النير البياض، لا يخالط بياضه حمرة، والأمهق الشديد البياض الّذي لا يخالط بياضه شيء من الحمرة وليس بنيّر، ولكن كلون الجصّ أو نحوه، يقول: فليس هو كذلك.
والشكلة: كهيئة الحمرة تكون في بياض العين، والشهلة: حمرة في سواد العين، والمرهة: بياض لا يخالطه غيره، وأهدب الأشفار: يعني طويلها، وقوله: شبح الذراعين: يعني عبل الذراعين عريضهما، والمسربة الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة. وقال يعلي بن عبيد عن مجمع بن يحيى الأنصاري عن عبد اللَّه بن فران عن رجل من الأنصار أنه سأل عليا رضي اللَّه عنه عن نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض اللون مشربا حمرة، أدعج العينين، سبط الشعر ذو وفرة، دقيق المسربة، كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكف والقدم، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب، وإذا مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه أطيب من المسك [] [ (1) ] ، ليس بالطويل ولا بالقصير؟ لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال إبراهيم بن طهمان عن حميد الطويل عن أنس قال: لم يكن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالآدم ولا الأبيض الشديد البياض، فوق الربعة ودون البائن [ (2) ] الطويل، كان من أحسن ما رأيت من خلق اللَّه، وأطيبهم ريحا وألينهم كفا، ليس بالجعد الشديد الجعودة، وكان يرسل شعره إلى أنصاف أذنيه، وكان يتوكأ إذا مشى. وقال عبد الرّزاق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: سئل أبو هريرة عن صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أحسن الناس صفة وأجملها، كان ربعة إلى الطول، ما هو بعيد ما بين المنكبين، أسيل الجبين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين أهدب، إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها، وليس أخمص، إذا وضع رداءه عن منكبه فكأنه سبيكة فضة، وإذا ضحك يتلألأ. لم أر قبله ولا بعده مثله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي حديث أم معبد عاتكة بنت خالد بن خليف الخزاعية، رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه [ (3) ] ، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولا تزريه صقله، وسيما قسيما، في عينيه دعج، وفي أشفاره عطف، وفي صوته صحل [ (4) ] ، وفي عنقه
سطع، وفي لحيته كثافة، أزجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه، وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نذر ولا هدر، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، لا تشنؤه [ (1) ] من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصنا بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفنّد صلّى اللَّه عليه وسلّم، [وسيأتي] حديث أم معبد بطوله مشروحا عند ذكر المعجزات إن شاء اللَّه تعالى. وخرّج الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي [ (2) ] من حديث جميع بن عمر العجليّ، قال حدثني رجل بمكة عن ابن أبي هالة عن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي- وكان وصافا- عن حلية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أشتهى أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشعر. إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يتجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزّج الحواجب سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشمّ، كثّ اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسّرة بشعر يجرى كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، شثن الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط العقب، شثن الكفين والقدمين، شائل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، فإذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا، ويمشى هونا، ذريع المشية كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدأ من لقيه بالسلام، قلت: صف لي منطقه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متواصل الأحزان. دائم الفكرة، ليست له راحة، طويل السكوت، لا يتكلم في غير حاجة: يفتتح الكلام ويختتمه
بأشداقه، ويتكلم بجوامع الملك، فصلا لا فضول ولا تقصير، دمثا، ليس بالمجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقّت، ولا يذم منها شيئا، غير أنه لم يكن يذم ذواقا [ (1) ] ، ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يكن يغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسة ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها: وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، فيضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حبّ الغمام. قال الحسن: فكتمها الحسين زمانا ثم حدثنيه فوجدته قد سبقني إليه. فسأله عما سألته. فوجدته قد سأل (يعني عليا) رضي اللَّه عنه عن مدخله ومخرجه، وشكله فلم يدع منه شيئا. قال الحسين عليه السلام سألت أبا هريرة عن دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا للَّه عزّ وجلّ، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزءا جزأة بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ولا يدخر عنهم شيئا. وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه [ (2) ] على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم. ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبّت اللَّه قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون عليه روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة (يعني فقهاء) [ (3) ] . قال: وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخزن لسانه [ (4) ] إلا فيما [ (5) ] يعينهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه
عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس [ (1) ] ، ويحسّن الحسن ويقويه، ويقبّح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، ولا يغفل مغافة أن يغفلو أو يميلوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه [ (2) ] الذين يلونه من الناس، خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة. قال: فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر. ولا يوطن الأماكن وينهي عن إيطانها [ (3) ] ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، ومن جالسه أو قاومه في حاجة صابره، حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس من بسطه وخلقه، فصار لهم أبا. وصاروا عنده في الحق متقاربين، متفاضلين بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب. قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب [ (4) ] ولا فحاش ولا عيّاب ولا مدّاح، يتغافل عما لا يشتهي. ولا يؤيس [ (5) ] منه، ولا يخيّب فيه مؤمليه [ (6) ] ، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: لا يذم أحدا، ولا يعيّره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعوا عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم
عنده حديث أوليهم [ (1) ] ، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته [ (2) ] ، حتى كان أصحابه ليستجلبوهم [ (3) ] [في المنطق] [ (4) ] ، ويقول. إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ [ (5) ] ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام [ (6) ] . قال: سألته كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكير، فأما تقديره ففي تسويته النظر، والاستماع بين الناس، وأما تذكره- أو قال: تفكره- ففيم يبقى ويغنى [ (7) ] . وجمع له صلّى اللَّه عليه وسلّم الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهي عنه، واجتهاد الرأى فيما أصلح أمته، والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة صلّى اللَّه عليه وسلّم. وحديث جميع بن عمرو قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد اللَّه عن ابن أبي هالة لم يسم، عن الحسن بن علي قال: سألت خالي هند بن أبي هالة- وكان وصّافا- عن حلية رسول اللَّه فقال: كان رسول اللَّه فخما مفخما. (الحديث. هكذا رواه الترمذي في الشمائل، والطبراني في معجمه الكبير، ورواه العقيلي في الضعفاء من طريق مجمع بن عمر، حدثنا يزيد ابن عمر التميمي عن أبيه عن الحسن، فبين ذلك المبهمين في الإسناد الأول. والفخم المفخّم: العظيم المعظم في العيون والصدور، أي كان جميلا مهيبا عند الناس. والمشذب: الطويل البائن الطول مع نقص في لحمة، أي ليس بنحيف طويل، بل طوله وعرضه متناسبان على أتم صفة.
والشعر الرّجل الّذي ليس شديد الجعودة ولا شديد السبوطة، بل بينهما، والعقيصة: الشعر المجموع كهيئة المضفور، والعقيقة: الشعر الّذي يخرج على رأس الصبي حين يولد وسمي الشعر عقيقة لأنه منها ونباته من أصولها، وقيل العقيقة هنا تصحيف، وإنما هي العقيصة. والأزهر: الأبيض المستنير، وهو أحسن الألوان، وليس بالشديد البياض. الزّجج: وهو دقة الحاجبين وسبوغهما إلى محاذاة آخر العين مع تقوس، والقرن: أن يلتقي طرفاهما مما يلي أعلى الأنف، وهو محمود عند العرب، ويستحبون البلج وهو بياض ما بين رأسيهما وخلوة في صفته عليه السلام، دون أن حاجبيه قد سبغا وامتدا حتى كادا يلتقيان فيه ولم يلتقيا، ونفي القرن هو الصحيح في صفته عليه السلام، دون ما وصفته به أم معبد، ويمكن أن يقال: لم يكن بالأقرن، ولا بالأبلج حقيقة، بل كان بين حاجبيه فرجة كبيرة، لا تتبين إلا لمن حقق النظر إليها، كما ذكر في صفة أنفه فقال: يحسبه من لم يتأمله أشمّ ولم يكن أشم. والسوابغ: جمع سابغ، وهو التام الطويل، ويدرّه الغضب، أي يحركه ويظهره، كان إذا غضب امتلأ ذلك العرق دما كما يمتلى الضرع لبنا إذا درّ، فيظهر ويرتفع. والعرنين: الأنف، والقنا: طول الأنف ودقة أرنبته مع ارتفاع في وسط قصبته، والشمم: ارتفاع رأس الأنف وإشراف الأرنبة قليلا، واستواء أعلى القصبة، أي كان يحسب لحسن قناة قبل التأمل أشم، فليس قناؤه بفاحش مفرط، بل يميل إلى الشمم. والشعر الكث: الكثيف المتراكب من غير طول ولا رقة، وسهل الخدين: أي ليس في خديه نتوء وارتفاع، وقيل: أراد أن خديه أسيلان قليلا اللحم رقيقا الجلدة. والضليع الفم: العظيم الواسع، وكانوا يذمون صغر الفم، وقال أبو عبيد: أحسبه جله في الشفتين، وغلظة فيهما. والشنب: رقة الأسنان ودقتهما، وتحدد أطرافهما، وقيل: هو بردهما وعذوبتهما.
والفلج: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات، والمسربة: ما دق من شعر الصدر مائلا إلى السرة. والجيد: العنق، والدمية الصورة المصورة في جدار أو غيره. واعتدال الخلق: تناسب الأعضاء والأطراف، وأن لا تكون متباينة في الدقة والغلظ، والصّغر والكبر، والطول والقصر. والبادن: الضخم التام اللحم، والمتماسك: الّذي لحمه ليس بمسترخ ولا بعضه بعضا، لأن الغالب على السّمن الاسترخاء. قوله: سواء البطن والصدر: أي متساويهما، يعني أن بطنه غير خارج، فهو مساو لصدره، وصدره عريض فهو مساو لبطنه. والمنكبان: أعلا الكتفين، وبعد ما بينهما يدل على سعة الصدر والظهر، والكراديس: جمع كردوس، وهو رأس كل عظم كبير، وملتقى كل عظمتين ضخمتين كالمنكبين والمرفقين، والوركين والركبتين، ويريد به ضخامة الأعضاء وأغلظها. والمتجرد ما كشف عنه الثوب من اليدين، يعني أنه كان مشرق الجسد، نيّر اللون، فوضع الأنور موضع النيّر. والأشعر: الّذي عليه الشعر من البدن، واللبة (بفتح اللام) الوهدة في أعلى الصدر وفي أسفل الحلق بين الترقوتين. وقوله: عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أي أن ثدييه وبطنه ليس عليهما شعر سوى المسربة المقدم ذكرها، الّذي جعله جاريا كالخط. والزندان: العظمان اللذان يليان الكف من الذراع، رأس أحدهما يلي الإبهام، ورأس الآخر يلي الخنصر. والراحة: الكف، ورحبها: سعتها، وهو دليل الجود، والشثن: الغليظ الأطراف والأصابع وكونها سائلة أي ليست بمتعقدة ولا متجعدة، فهي مع غلظتها سهلة سبطة.
والقصب: جمع القصبة، وهي كل عظم أجوف فيه مخ، والسبط: الممتد في استواء ليس فيه تعقد ولا نتوء. والأخمص من القدم: الموضع الّذي لا يصل إلى الأرض منها عند الوطء، والخمصان: المبالغ منه، أي أن ذلك الموضع منه شديد التجافي عن الأرض. وسئل ابن الأعرابي عنه فقال: إذا كان خمص الأخمص بقدر لم يرتفع جدا ولم يسو أسفل القدم جدا فهو أحسن ما يكون، وإذا استوى أو ارتفع جدا فهو ذم. فيكون المعنى حينئذ: معتدل الخمص بخلاف الأولى، وكلا القولين متجه يحتمله اللفظ، ومسيح القدمين: أي أن ظاهرهما ممسوح غير متعقد، فإذا صب عليهما الماء مرّ سريعا لملامستهما فينبو عنهما الماء ولا يقف، يقال: نبا الشيء ينبو [ (1) ] إذا تباعد. وقال الهروي: أراد أنهما ملساوان: ليس فيهما وسخ ولا شقاق ولا تكسر، فإذا أصابهما الماء نبا عنهما. وقوله: إذا زال زال قلعا كأنما ينحط من صبب، والانحدار من صبب والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض. أراد أنه كان يستعمل التثبت، ولا يبين منه في هذه الحال استعجال ومبادرة شديدة. وفي حديث آخر: إذا مشى تقلّع، أراد به قوة المشي وأنه كان يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا، لا كمن يمشى اختيالا، ويقارب خطوه، فإن ذلك من مشى النساء. والتكفؤ: تمايل الماشي إلى قدام كالغصن إذا هبت به الريح، والهون: المشي في رفق ولين غير مختال ولا معجب-، والذريع: السريع، أي أنه كان واسع الخطو فيسرع مشيه، وربما يظن أن هذا ضد الأول. ولا تضاد فيه، لأن معناه أنه كان مع تثبته في المشي يتابع الخطوات ويوسعها فيسبق غيره. والصّبب: الموضع المنحدر من الأرض، وذلك دليل سرعة مشيه، لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه.
وفي رواية كأنما يهوي من صبوب بضم الصاد: جمع صبب، وهو المنحدر من الأرض، وبفتح الصاد: اسم لما يصب على الإنسان من ماء غيره، وهو يهوي: إذا نزل من موضع عال. وقوله: وإذا التفت التفت جميعا: أي لم يكن يلوي عنقه، ورأسه إذا أراد أن يلتفت إلى ورائه، فعل الطائش العجل، إنما يدير بدنه كله وينظر، وقيل: أراد أن لا يسارق النظر، وخفض الطرف ضد رفعه، وجلّ الشيء معظمه والملاحظة: أن ينظر بلحظ عينيه وهو شقها الّذي يلي الصدغ والأذن. ولا يحدق [ (1) ] إلى الشيء تحديقا. والطرف العين. وكانت الملاحظة معظم نظره وأكثره، وهو دليل الحياء والكرم. ويسوق أصحابه: أي يقدمهم أمامه، ويمشي وراءهم، والسكت: السكوت، وجوامع الكلم: القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني، جمع جامعة وهي اللفظة الجامعة للمعاني، والقول الفصل: هو البين الظاهر المحكم الّذي لا يعاب قائله، وحقيقته الفاصل بين الحق والباطل، والخطأ والصواب. والفضول من الكلام: ما زاد عن الحاجة وفضل، ولذلك عطف عليه (ولا تقصير) ، والدمث: السهل اللين الخلق، والجافي: المعرض المتباعد عن الناس، وقيل: الغليظ الخلقة والطبع، والمهين (بضم الميم) من الإهانة وهي الإذلال والإطراح، أي لا يهين أحدا من الناس، و (بفتح الميم) من المهانة وهي الحقارة والصغر. ويعظم النعمة: أي لا يستصغر شيئا أوتيه وإن كان صغيرا، والذّواق: اسم لما يذاق باللسان، أي لا يصف الطعام بطيب ولا بشاعة، وقالوا: وقوله: تعوطي الحق لم يعرفه أحد، أي إذا نيل من الحق أو أهمل أو تعرض للقدح فيه، تنكر عليهم وخالف عادته معهم، حتى لا يكاد يعرفه أحد منهم، ولا يثبت لغضبه شيء حتى ينتصر للحق. وقوله: إذا تحدث اتصل بها، أي أنه كان يشير بكفه إلى حديثة، وتفسير، «قوله فيضرب بباطن راحته اليمني باطن إبهامه اليسرى، وأشاح» : إذا بالغ في
الإعراب وجدّ فيه. المشيح المبالغ في كل أمر، أي إذا غضب لم يكن ينتقم ويؤاخذ. بل يقنع بالإعراض عمن أغضبه» . وغض الطرف عند الفرح دليل على نفي البطر والأشر، والتبسم: أقل من الضحك، ويفتر: أي يكشف عند التبسم عن أسنانه من غير قهقهة. وحب الغمام: البرد، وقوله: فيرد ذلك على العامة بالخاصة: أرد أن العامة كانت لا تصل إليه في هذا الوقت، وكانت الخاصة تخبر العامة بما سمعت منه فكأنه أوصل الفوائد إلى العامة بالخاصة، وقيل أن الباء في الخاصة تخبر العامة: بمعنى من، أي فجعل وقت العامة بعد وقت الخاصة وبدلا منهم. والرّوّاد: جمع رائد، وهو الّذي يتقدم القوم. يكشف لهم حال الماء والمرعى قبل وصولهم، ويخرجون أدلة: أي يدلون الناس بما قد علموه منه وعرفوه. يريد أنهم يخرجون من عنده فقهاء. ومن قال أذلة (بذال معجمة) فيكون جمع ذليل، أي يخرجون من عنده متواضعين، وقوله: لا يفترقون إلا عن ذواق: ضرب الذواق مثلا لما ينالون عنده من الخير، أي لا يفترقون إلا عن علم يتعلمونه يقوم لهم مقام الطعام والشراب، لأنه يحفظ الأرواح كما يحفظ الأجسام. وقوله: لا تؤبن فيه الحرم: أي لا تقذف وترمي بعيب، والحرم: جمع حرمة، وهي المرأة. ولا تنثى فلتاته: أي لا يتحدث عن مجلسه بهفوة أو زلة إن حدثت فيه من بعض القوم، يقال: نتوت الحديث إذا أذعته. والفلتات جمع فلتة، وهي الزلة والسقطة. وقيل معناه: أنه لم يكن فيه فلتات فتنثى. والبشر: طلاقة الوجه وبشاشته. والفظ: السيء الخلق. والسخاب فعال من السخب، وهو الضجة واختلاط الأصوات. والخصّام والفحّاش والعيّاب: فعال من الفحش في القول وعيب الناس والوقيعة بينهم. وقوله: لا يقبل الثناء إلا من مكافئ: يريد أنه كان إذا ابتدأ بثناء ومدح كره ذلك، وإذا اصطنع معروفا فأثني عليه، هش وشكر له قبل ثنائه.
فصل في ذكر شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه
وأنكر ابن الأعرابي هذا التأويل وقال: المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه ممن لا يعرف حقيقة إسلامه ويكون من المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. وقال الأزهري: معناه لا يقبل الثناء إلا من مقارب غير مجاوز حد مثله، ولا مقصر عما رفعه اللَّه إليه. والمكافأة: المجازاة على الشيء. فصل في ذكر شمائل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأخلاقه قال اللَّه تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ (1) ] قال ابن سيده: والخلق والخلق الخليقة، أعني الطبيعة، وفي التنزيل: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ، والجمع أخلاق، وتخلق بخلق كذا: استعمله من غير أن يكون موضوعا في فطرته، وفي قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ثلاثة أقوال: أحدهما: دين الإسلام، قاله عبد اللَّه ابن عباس ومجاهد، والثاني: أدب القرآن، قاله الحسن وعطية العوفيّ، وسئلت عائشة رضي اللَّه عنها عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: كان خلقه القرآن، تعني كان على ما أمره اللَّه به في القرآن، واختار هذا القول الزّجاج.. والثالث: أنه الطبع الكريم، وهذا القول هو الظاهر، وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، وسمي خلقا لأنه يصير كالخلقة في الإنسان. وأما ما طبع عليه من الآداب فهو الخير، فيكون الخلق هو الطبع المتكلف، والخير هو الطبع الغريزي، وقد اجتمع في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكارم الأخلاق، وشهد له به تعالى بالحكمة البالغة، والأخلاق السمية الرفيعة، والمنازل العلية الرصينة. قال أبو القاسم: سمي خلقه عظيما، لأنه لم تكن له همة سوى اللَّه تعالى. وقال لأنه امتثل أمر ربه في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللَّه بن الزبير في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ، قال: أمرني ربي أن آخذ [ (3) ] العفو من أخلاق الناس.
وقيل: عظم خلقه حيث صغرت الأكوان في عينه بعد مشاهدة مكونها سبحانه، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قالت عائشة رضي اللَّه عنها حيث سئلت عن خلقه: القرآن، يغضب لغضبه، ويرضي لرضاه، ولا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات اللَّه. وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد، فيكون غضبه لربه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه، [وقد] [ (1) ] عرض عليه أن ينتصر بالمشركين وهو في قلة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده في عدد من معه فأبي [ (2) ] وقال: إنا لا نستعين بمشرك. وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم، ما سئل شيئا فقال لا، ولا يبيت في بيته درهم ولا دينار، فإن فضل ولم يجد من يأخذه وفجئه الليل لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه، ولا يأخذ مما آتاه اللَّه إلا قوت أهله عاما فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام. ولم يشغله اللَّه تعالى من المال بما يقضي محبة في فضوله ولا أحوجه إلى أحد، بل أقامه على حد الغنى [ (3) ] بالقوت، ووفقه لتنفيذ الفضل فيما يقرب من ربه تعالى. وكان أحلم الناس، وأشدّ حياء من العذراء في خدرها، وكان خافض الطرف. نظره الملاحظة، لا يثبت بصره في وجه أحد تواضعا، يجيب من دعاه من غني أو فقير، وحر أو عبد، وكان أرحم الناس، يصغي الإناء للهرّة، وما يرفعه حتى تروى رحمة لها. وكان أعفّ الناس، لم تمس يده يد امرأة إلا بملك رقّها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه، وكان أعدل الناس، وجد أصحابه قتيلا من خيارهم وفضلائهم، فلم يحف [ (4) ] لهم من أجله على أعدائه من اليهود، وقد وجد مقتولا بينهم! بل وداه [ (5) ] مائة ناقة من صدقات المسلمين وإن بأصحابه حاجة إلى بعير
واحد يتقوون به، ووودي بني خزيمة وهم غير موثوق بإيمانهم، إذ وجب بأمر اللَّه ذلك. وكان أكثر الناس إكراما لأصحابه، لا يمد رجليه بينهم، ويوسع لهم إذا ضاق بهم المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه، وكان له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا له، وإن أمر تبادروا لأمره، وكان يتحمل لأصحابه ويتفقدهم ويسأل عنهم، فمن مرض عاده [ (1) ] ، ومن غاب تفقده وسأل عنه، ومن مات استرجع فيه وأتبعه الدعاء له، ومن تخوّف أن يكون وجد في نفسه شيئا انطلق إليه حتى يأتيه في منزله. ويخرج إلى بساتين أصحابه ويأكل ضيافتهم، ويتألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل، ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يجفو عليه، ويقبل [ (2) ] معذرة المعتذر إليه، والضعيف والقوي في الحق عنده سواء، ولا يدع أحدا يمشي خلفه، ويقول: خلّوا ظهري للملائكة، ولا يدع أحدا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله، فإن أبي قال: تقدمني إلى المكان الفلاني. ويخدم من خدمه، وله عبيد وإماء لا يرتفع عنهم [في شيء] [ (3) ] من مأكل ولا ملبس، قال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: خدمته نحوا من عشرين سنة، فو اللَّه ما صحبته في حضر ولا سفر إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له. وما قال لي أف قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟ ولا قال لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا [ (4) ] ؟!! وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول اللَّه، عليّ ذبحها وقال آخر عليّ سلخها، وقال آخر: عليّ طبخها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وعليّ جمع الحطب! فقالوا: يا رسول اللَّه، نحن نكفيك، فقال: قد علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم، فإن اللَّه يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه وقام فجمع الحطب.
وكان في سفر فنزل إلى الصلاة ثم كر راجعا، فقيل: يا رسول اللَّه، أين تريد؟ قال: أعقل ناقتي فقالوا: نحن نعقلها. قال: لا يستعين أحدكم بالناس في قضمة من سواك. وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر. وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبه. لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يقوم الّذي جلس إليه، إلا أن يستعجله أمر فيستأذنه، ولا يقابل أحدا بما يكره، ولا يجزي السيئة بمثلها. بل يعفو ويصفح. وكان يعود المرضى ويحب المساكين ويجالسهم. ويشهد جنائزهم. ولا يحقر فقيرا لفقره، ولا يهاب ملكا لملكه، ويعظم النعمة وإن قلت. ولا يذم منها شيئا: وما عاب طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه. وكان يحفظ جاره ويكرم ضيفه، وكان أكثر الناس تبسما، وأحسنهم بشرا، ولا يمضي له وقت في غير عمل اللَّه، أو فيما لا بد منه، وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، إلا أن يكون إثما أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس منه. وكان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، ويركب الفرس والبغل والحمار، ويردف خلفه عبده أو غيره من الناس، ويمسح وجه فرسه بطرف ردائه. وكان يحب الفأل ويكره الطيرة، وإذا جاءه ما يحب قال: الحمد للَّه رب العالمين، وإذا جاء ما يكره قال: الحمد للَّه على كل حال، وإذا رفع الطعام من بين يديه قال: الحمد للَّه الّذي أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا مسلمين. وكان أكثر جلوسه وهو مستقبل القبلة، ويكثر ذكر اللَّه تعالى، ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة، ويستغفر في المجلس الواحد مائة مرة، وكان يسمع لصدره وهو في الصلاة أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وكان يقوم الليل في الصلاة حتى ورمت قدماه. وكان يصوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وعاشوراء. وقلما كان يفطر يوم الجمعة، وكان أكثر صيامه في شعبان، وكان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم.
وكان عليه السلام تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارا للوحي، وإذا نام نفخ ولا يغط وإذا رأى في منامه ما يكره قال: هو اللَّه لا شريك له، وإذا أخذ مضجعه قال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك، وإذا استيقظ قال: الحمد اللَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. وكان لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية ويكافئ عليها، ولا يتأنق في مأكل، ويعصب على بطنه الحجر من الجوع! هذا وقد آتاه اللَّه مفاتح خزائن الأرض فلم يقبلها، بل زهد في الدنيا، واختار عليها اللَّه والدار الآخرة. وأكل الخبز بالخلّ وقال نعم الإدام الخلّ، وأكل لحم الدجاج ولحم الحباري، وكان يأكل ما وجد، ولا يرد ما حضر، ولا يتكلف ما لم يحضر، ولا يتورع عن مطعم حلال، إن وجد تمرا دون خبز أكله، وإن وجد شواء أكله وإن وجد خبز برّ أو شعير أكله، وإن وجد حلوى أو عسلا أكله، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان له من أصحابه من يبرد الماء وقال للهيثم بن التيهان [ (1) ] كأنك علمت حبنا اللحم، وكان لا يأكل متكئا، ولم يأكل على خوان، ولم يشبع من خبز برّ ثلاثا تباعا حتى لقي اللَّه عز وجل، وكان يفعل ذلك إيثارا على نفسه، لا فقرا ولا بخلا. وكان يحضر الوليمة إذا دعي إليها، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب، وكان يحب من المأكل الدباء وذراع الشاة، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن، وكان منديله باطن قدميه، ويأكل خبز الشعير بالتمر، وأكل البطيخ بالرطب، والقثاء بالرطب، والتمر بالزبد، وكان يحب الحلوى والعسل، ويشرب قاعدا، وربما شرب قائما، وكان يتنفس في الإناء ثلاثا، مبينا للإناء عن فمه، ويبدأ بمن عن يمينه إذا سقاه، وشرب لبنا وقال: من أطعمه اللَّه
طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه اللَّه لبنا فليقل اللَّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه. وقال: ليس شيء يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن وشرب النّبيذ الحلو (وهو الماء الّذي قد نقع فيه تمرات يسيرة حتى يحلو) ، وكان يلبس الصوف وينتعل بالمخصوف، ولا يتأنّق في ملبس، ويحب من اللباس الحبرة (وهي برود من اليمن فيها حمرة وبياض) . وأحب الثياب إليه القميص، وكان يقول إذا لبس ثوبا استجدّه اللَّهمّ لك الحمد كما ألبستنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له. وتعجبه الثياب الخضر، وربما لبس الإزار الواحد. أو عليه غيره، يعقد طرفه بين كتفيه، ويلبس يوم الجمعة برده الأحمر ويعتم ويلبس خاتما من فضة نقشه (محمد رسول اللَّه) في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر. ويحب الطيب ويكره الرائحة الكريهة، ويقول: إن اللَّه جعل لذتي في النساء والطيب، وجعلت قرّة عيني في الصلاة، وكان يتطيب بالغالية والمسك ويتطيب بالمسك وحده، ويتبخر بالبخور والكافور، ويكتحل بالإثمد، وربما اكتحل وهو صائم، ويكثر دهن رأسه ولحيته، ويدهن غبّا [ (1) ] ويكتحل وترا، ويجب التيمن في ترجله وفي تنعله وفي طهوره وفي شأنه كله. وينظر في المرآة، ولا تفارقه قارورة الدهن في سفره، والمرآة والمشط والمقراض والسواك والإبرة والخيط، ويستاك في ليله ثلاث مرات: قبل نومه وبعده، وعند القيام لورده، وعند القيام لصلاة الصبح، وكان يحتجم. وكان يمزح ولا يقول إلا حقا، قد جمع اللَّه له كمال الأخلاق ومحاسن الأفعال، وأتاه علم الأولين والآخرين، وما فيه النجاة والفوز وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، ولا معلم له من البشر، بل نشأ في بلاد الجهل والصحاري، وآتاه اللَّه ما لم [ (2) ] يؤت أحدا من العالمين، واختاره على الأولين والآخرين، وعصمه من الناس. ورفع له ذكره، وضمن له إظهار دينه على الدين كله. وجعل شانئه الأبتر، وأعزه بالنصر على كل عدوّ، وأوجب طاعته على جميع الإنس والجان، وأكرمه برسالته، وأمنه
أما حسن خلقه
من كل بشر، وأكب عدوه لوجهه، وغفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر صلّى اللَّه عليه وسلّم. وسيأتي هذا في مظانه مبسوطا إن شاء اللَّه تعالى. أما حسن خلقه فخرج من حديث أبي بكر بن شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر العبديّ، حدثنا سعيد بن أبي عروة، حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام أنه قال لعائشة رضي اللَّه عنها يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت [ (1) ] : ألست تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: فإن خلق رسول اللَّه كان القرآن. وخرج الإمام أحمد من حديث مبارك عن الحسن عن سعد بن هشام بن عامر قال: أتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين، أخبريني بخلق رسول اللَّه: قالت: كان خلقه القرآن، أما تقرأ القرآن وَإِنَّكَ [ (2) ] لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ الحديث. وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران عن يزيد ابن بابنوس [ (3) ] : قلنا لعائشة رضي اللَّه عنها: يا أم المؤمنين، كيف كان خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قالت كان خلق رسول اللَّه القرآن، ثم قالت: تقرأ سورة المؤمنين، اقرأ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ إلى العشر، [فقرأ] [ (4) ] حتى بلغ العشر [آيات] [ (4) ] ، فقالت: هكذا كان خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال زيد بن واقد عن بسر بن عبيد اللَّه عن أبي إدريس الخولانيّ، عن أبي الدرداء قال: سألت عائشة عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه. وخرّج البخاري من حديث مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: ما خير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة اللَّه عز وجل فينتقم للَّه بها. لم يذكر فيه مسلم (فينتقم اللَّه بها) ، وفي لفظ: ما خيّر رسول اللَّه بين أمرين
إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه. وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه في شيء يؤتي إليه قط حتى تنتهك حرمات اللَّه، فينتقم للَّه، ولم يذكر مسلم في حديث مالك (فينتقم للَّه) . وقال البخاري في رواية: واللَّه ما انتقم لنفسه في شيء يؤتي إليه قط حتى تنتهك حرمات اللَّه فينتقم للَّه. وفي لفظ له عن عائشة قالت: ما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه في شيء يؤتي إليه حتى ينتهك من حرمات اللَّه، فينتقم للَّه. ولمسلم من حديث أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما خير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر، إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، [فإن كان إثما] [ (1) ] كان أبعد الناس منه. وفي لفظ: ما ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل اللَّه عن رجل، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم اللَّه عز وجل فينتقم [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خادما له قط، ولا ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل اللَّه، وما نيل من شيء فانتقمه إلا من صاحبه إلا أن ينتهك محارم اللَّه فينتقم للَّه عز وجل، وما عرض عليه أمران أحدهما أيسر من الآخر إلا أخذ بأيسرهما إلا أن يكون مأثما، فإنه كان أبعد الناس منه. ولابن سعد من حديث وكيع عن داود بن أبي عبد اللَّه عن ابن جدعان عن جدته عن أم سلمة: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل وصيفة له فأبطأت، فقال: لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك. وخرّجه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلي به، وروي منصور بن المعتمر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت-: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منتصرا من
ظلامة ظلمها قط، إلا أن ينتهك من محارم اللَّه، فإذا انتهك من محارم اللَّه شيء كان أشدهم في ذلك، وما خير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما. وفي لفظ: ما رأيت رسول اللَّه منتصرا من ظلمة قط ما لم ينتهك من محارم اللَّه شيء فإذا انتهك من محارم اللَّه شيء كان أشدّهم في ذلك غضبا، وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وروي محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: ما خيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين قطّ إلا اختار أيسرهما ما لم يكن حراما، فإن كان حراما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه من شيء يصاب منه إلا أن تعاب حرمة اللَّه فينتقم للَّه. وخرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث محمد بن سلام: أخبرنا يحيى بن محمد أبو محمود البصري قال: سمعت عمر مولى المطلب قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لست من دد، ولا الدّد مني، يعني ليس الباطل مني بشيء. وخرّج البخاري في كتاب الديات في باب من استعان عبدا أو صبيا، من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عبد العزيز عن أنس رضي اللَّه عنه قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه، إن أنسا غلام كيّس فليخدمك، قال: فخدمته في الحضر والسفر، فو اللَّه ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا؟ وخرجه مسلم بنحوه. وخرّج في كتاب الوصايا [ (1) ] في باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له، من حديث ابن عليّة، أخبرنا عبد العزيز عن أنس قال: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة ليس له خادم، فأخذ أبو طلحة بيدي (الحديث بمثله) ، غير أنه لم يقل (فو اللَّه) . وخرّج في كتاب الأدب في باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل،
من حديث سلام بن مسكين: سمعت ثابتا يقول: أخبرنا أنس قال: خدمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، وما قال لي: أف، ولا لم صنعت؟ ولا ألا صنعت؟. وخرجه مسلم في المناقب من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين والله ما قال لي أفا قط، وما قال لي لشيء: لم فعلت كذا أو هلا فعلت كذا؟! ومن حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: خدمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين بالمدينة وأنا غلام، ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون عليه، ما قال لي فيه: أف قط، ولا قال لي: لم فعلت هذا؟ وألا فعلت هذا؟ وله من حديث زكريا قال: حدثني سعيد وهو ابن أبي برده عن أنس قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تسع سنين فما أعلمه قال لي قط: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب عليّ شيئا قط. ولمسلم وأبي داود من حديث عمر بن يونس قال: أخبرنا عكرمة- وهو ابن عمار- قال: قال إسحاق: قال أنس: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أحسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة فقلت: لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به، رسول اللَّه، فخرجت حتى أمرّ على الصبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس، أذهبت حيث أمرتك؟ قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول اللَّه. وقال أنس: والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا؟ أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا وكذا [ (1) ] ؟ وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي معاوية عن جعفر بن برقان عن عمران القصير عن أنس قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين، فما أرسلني في حاجة قط لم تهيّأ إلا قال: لو قضي لكان، أو لو قدر لكان. ولمسلم من حديث عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس خلقا.
وخرّج البخاري من حديث عبد الوارث عن أبي التياح عن أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس خلقا وكان لي أخ يقال له أبو عمير: أحسبه فطيم، وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير: ما فعل النّغير؟ - نغز كان يلعب به- فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الّذي تحته، فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه، فيصلي بنا. ترجم عليه (باب الكنية للصبي) . وخرّجه مسلم ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير قال: وأحسبه قال: كان فطيما، فكان إذا جاء رسول اللَّه فرآه قال: أبا عمير، ما فعل النّغير؟ قال: فكان يلعب به. وخرّجه أبو داود من حديث حماد قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نغر يلعب به فمات، فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم فرآه حزينا، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره! فقال: «يا أبا عمير، ما فعل النّغير؟» ترجم عليه. (باب الرجل يتكني وليس له ولد) [ (1) ] . وفي هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستون وجها، جمعها أبو العباس أحمد بن القاصّ الفقيه الشافعيّ في جزء [ (2) ] .
وخرّج البخاري في كتاب الأدب في باب حسن الخلق وما يكره من البخل، من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس (الحديث) . وخرّج في باب ما ينهي من السباب واللعن من حديث فليح بن سليمان أخبرنا هلال بن علي عن أنس بن مالك قال: لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاحشا ولا لعّانا ولا سبّابا، كان يقول عند المعتبة: ما له تربت جبينه. وخرّج البخاري من حديث شعبة عن سليمان، سمعت أبا وائل، سمعت مسروقا قال: قال عبد اللَّه بن عمرو من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة عن مسروق قال: دخلنا على عبد اللَّه بن عمر حين قدم مع معاوية إلى الكوفة، فذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لم يكن فاحشا ولا متفحشا، وقال: قال رسول اللَّه: إن من أخيركم أحسنكم خلقا (ذكره في كتاب الأدب وفي صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) . وخرّجه مسلم، ولفظه عن مسروق قال: دخلنا على عبد اللَّه بن عمرو حين قدم معاوية إلى الكوفة، فذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لم يكن فاحشا ولا متفحشا،
وقال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا. ولأبي داود الطيالسي من حديث شعبة عن ابن إسحاق قال: سمعت أبا عبد اللَّه الجدلي يقول سمعت عائشة رضي اللَّه عنها سئلت عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: لم يكن فاحشا ولا متفحشا، لا سخّابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، أو قالت يعفو ويغفر (شك أبو داود) . وخرّج البخاري في كتاب البيوع في باب كراهية السخب في الأسواق من حديث فليح: أخبرنا هلال عن عطاء بن يسار: لقيت عبد اللَّه بن عمرو بن القاضي، قلت: أخبرني عن صفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوراة، قال: أجل واللَّه إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه اللَّه حتى يقيم الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا اللَّه، ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا [ (1) ] . وخرّج في تفسير سورة الفتح من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال ابن أبي هلال، عن عطاء بن يسار عن عبد اللَّه بن عمرو، أن هذه الآية التي في القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً، قال في التوراة: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا [ومبشرا] [ (2) ] وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه اللَّه حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا اللَّه فيفتح به أعينا عميا وآذانا صما، وقلوبا غلفا. وخرّج يعقوب بن سفيان الفسوي من حديث آدم وعاصم بن علي قالا: أخبرنا ابن أبي ذؤيب، حدثنا صالح مولى التزمة قال: كان أبو هريرة رضي اللَّه عنه ينعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كان يقبل جميعا، ويدبر جميعا، بأبي وأمي ولم يكن فاحشا ولا
متفحشا ولا صخابا في الأسواق (زاد آدم: ولم أر مثله قبله، ولم أر بعده) . وذكر الوقدي أن أعرابيا أقبل من تهامة، فقال له أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تعال سلّم على رسول اللَّه، قال: وفيكم رسول اللَّه؟ قالوا: نعم، قال: فأيكم رسول اللَّه؟ قالوا هذا، قال: أنت رسول اللَّه؟ قال: نعم، قال: فما في بطن ناقتي هذه إن كنت صادقا؟ قال سلمة بن سلامة بن وقش: نكحتها، فهي حبلي منك، فكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته وأعرض عنه، ذكر ذلك في توجه رسول اللَّه إلى بدر، ثم ذكره في عود رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بدر [ (1) ] . قال: ولقيه الناس يهنئونه بالروحاء بفتح اللَّه، فلقيه وحوله الخزرج، فقال سلمة بن سلامة بن وقش: ما الّذي تهنئوننا به؟ فو اللَّه ما قتلنا إلا عجائز صلعا، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا ابن أخي، أولئك الملأ لو رأيتهم لهبتهم، ولو أمروك لأطعتهم، ولو رأيت فعالك مع فعالهم لاحتقرته، وبئس القوم كانوا على ذلك لنبيهم، فقال سلمة بن سلامة: أعوذ باللَّه من غضبه، وغضب رسوله، إنك يا رسول اللَّه لم تزل عني معرضا منذ كنا بالروحاء في بدأتنا، فقال رسول اللَّه: أما ما قلت للأعرابي وقعت على ناقتك فهي حبلي منك، ففحشت وقلت ما لا علم لك به، وأمّا ما قلت في القوم، فإنك عمدت إلى نعمة من نعم اللَّه تعالى تزهدها، فقبل منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معذرته، وكان من علية أصحابه. وذكر الخطيب من حديث أبي داود: أخبرنا طلحة عن عبد اللَّه عن عبيد اللَّه عن أم سلمة قالت: ما طعن رسول اللَّه في حسب ولا نسب قط. وخرّج البخاري في المناقب من حديث شعبة عن قتادة عن عبد اللَّه بن أبي عتبة عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها، وزاد في رواية: وإذا كره شيئا عرف في وجهه، وذكره في كتاب الأدب ولفظه: فإذا رأي شيئا يكرهه عرفناه في وجهه وخرّجه مسلم بنحوه [ (2) ] .
ولأبي داود والبخاري في الأدب المفرد من حديث حماد بن زيد قال: حدثنا سلّم [ (1) ] العلويّ عن أنس أنّ رجلا دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعليه أثر صفرة، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلّ ما يواجه رجلا في وجهه بشيء يكرهه، فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل ذا عنه [ (2) ] ! وله من حديث الأعمش عن سليم [ (3) ] عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال من يقولون كذا وكذا؟. وفي لفظ: إذا بلغه الشيء عن الرجل لم قلت كذا وكذا أثر ذكره. وخرّج البخاري ومسلم من حديث مالك عن إسحاق عن أنس قال: كنت أمشي مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذا شديدا حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال اللَّه الّذي عندك، قال: فالتفت إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فضحك، ثم أمر له بعطاء [ (4) ] . وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن يوسف التنيسي حدثنا عبد اللَّه بن سالم، حدثنا محمد بن حمزة بن محمد بن يوسف بن عبد اللَّه بن سالم [ (5) ] عن أبيه عن جده، أن زيد بن سعنة- كان [ (6) ] من أحبار اليهود- أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتقاضاه فجبذ ثوبه عن منكبه الأيمن. ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب أصحاب مطل، وإني بكم لعارف، قال: فانتهره عمر، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يا عمر] [ (7) ] : أنا وهو كنّا إلى غير هذا منك أحوج، أن تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي، انطلق يا عمر وفّه حقّه، أما إنه قد بقي من أجله ثلاث، فزده [ (8) ]
ثلاثين صاعا لتزويرك [ (1) ] عليه. قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرّجه الفسوي من حديث الأعمش عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم قال: كان رجل من الأنصار يدخل علي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدنا منه وإنه عقد له عقدا وألقاه في بئر، ففزّع ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتاه ملكان يعودانه فأخبراه أن فلانا عقد له عقدا وهي في بئر فلان، وقد اصفرّ الماء من شدة عقده، فأرسل الني صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستخرج العقد فوجد الماء قد اصفرّ، فحل العقد ونام النبي عليه السلام، ولقد رأيت الرجل بعد ذلك يدخل علي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما رأيته في وجه النبي عليه السلام حتى مات. ولأبي بكر بن أبي شيبة من حديث عباد بن العوام، عن النعمان بن ثابت عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أنس قال: ما أخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ركبتيه بين يدي جليس قط، ولا ناول يده أحدا قط فتركها حتى يكون هو يدعها، وما جلس إلى رسول اللَّه أحد قط فقام حتى يقوم، وما وجدت شيئا قط أطيب ريحا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرّج الفسوي من حديث عمران بن زيد الملائي قال: حدثني زيد العمي عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صافح أو صافحه الرجل. لا ينزع، وإن استقبله بوجهه لا يعرضه عنه حتى يكون الرجل ينصرف، ولم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له. وخرّج أبو داود من حديث مبارك بن فضالة [ (3) ] عن ثابت عن أنس قال: ما رأيت رجلا التقم أذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الّذي ينحي رأسه، وما رأيت رسول اللَّه أخذ بيده رجل [ (4) ] فترك يده حتى يكون الرجل هو الّذي يدع يده [ (5) ] . وفي الأدب المفرد للبخاريّ من حديث عبد الوارث، حدثنا عتبة بن عبد الملك،
حدثني زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو السهمي، أن الحارث بن عمرو السهمي حدثه قال: أتيت النبي وهو بمنى أو بعرفات، وقد أطاف به الناس، ويجيء الأعراب فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك، قلت يا رسول اللَّه استغفر لي، فقال: اللَّهمّ اغفر لنا، فدرت فقلت: استغفر لي فقال: اللَّهمّ اغفر لنا، فدرت فقلت استغفر لي فقال: اللَّهمّ أغفر لنا، فذهب بيده بزاقه ومسح به نعله، كره أن يصيب أحدا من حوله. وخرّج الحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عمر ابن عبد العزيز عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه قال: كان رسول اللَّه إذا جلس يتحدث كثيرا يرفع طرفه إلى السماء. وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: ما عاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طعاما قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه [ (1) ] . وخرّج البخاري في كتاب الأدب من حديث ابن وهب، أخبرنا عمرو أن أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كن يتبسم [ (2) ] . وخرج مسلم بنحوه. وخرّج مسلم من حديث يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال نعم، كثيرا ما كان لا يقوم من مصلاه الّذي يصلّى فيه الصبح حتى تطلع الشمس. فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون ويأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويبتسم صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] .
وخرّجه الترمذي من حديث شريك عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: جالست النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من مائة مرّة، فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت وربما تبسم [ (1) ] قال هذا حديث حسن صحيح. وقال الليث بن سعد عن الوليد بن أبي الوليد أن سليمان بن خارجة أخبره عن خارجة بن زيد أن نفرا دخلوا على أبيه زيد بن ثابت فقالوا: حدّثنا عن بعض أخلاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كنت جاره فكان إذا نزل الوحي بعث إليّ فآتيه فأكتب الوحي، وكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، فكل هذا يحدثكم عنه. وخرّج البخاري في المناقب من حديث سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحدث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه [ (2) ] . ومن حديث يونس عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت: ألا يعجبك [ (3) ] أبا فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي [ (4) ] يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمعني ذلك، وكنت أسبّح فقام قبل أن أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يسرد [ (5) ] الحديث [كسردكم] [ (6) ] . وخرّج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدّث أن عائشة قالت: ألا تعجل أبا هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمعني ذلك، وكنت أسبح فقام قبل أقضي سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول اللَّه لم يكن يسرد الحديث كسردكم. وخرّج أيضا من حديث سفيان بن عيينة عن هشام عن أبيه قال: كان أبو هريرة يحدث ويقول: اسمعي يا ربة الحجرة، وعائشة رضي اللَّه عنها تصلي، فلما قضت صلاتها قالت لعروة: ألا تسمع إلى هذا أو مقالته آنفا؟ إنما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا لو عدّه العاد لأحصاه.
وخرّج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن المثنى عن أبيه عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب [ (1) ] . ولابن حبان من حديث حسين بن علوان الكوفي، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما كان أحد أحسن خلقا من رسول اللَّه، ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال لبيك، فلذلك أنزل اللَّه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ. وخرج أبو بكر الشافعيّ من حديث عثمان بن مطر، عن ثابت عن أنس قال: مرّ علينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن صبيان فقال: السلام عليكم يا صبيان. وقال عبد الملك بن شقيق عن أبيه عن عبد اللَّه بن أبي الحماء قال: بايعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ببيع قبل أن يبعث، فبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذاك، فنسيت يومي والغد، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه فقال: يا بني! لقد شققت عليّ، إني ها هنا منذ ثلاث. وقال الإمام أحمد: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق. وقال محمد بن حماد بن سلمه عن عاصم بن بهدلة عن زر [ (2) ] عن عبد اللَّه بن مسعود قال: كنا يوم بدر تتعاقب ثلاثة على بعير، وكان عليّ وأبو لبابة زميلي رسول اللَّه، فكان إذا كانت عقب رسول اللَّه، يقولان له: اركب حتى نمشي، فيقول: إني لست بأغنى عن الأجر منكما، ولا أنتما بأقوى على المشي مني. وخرجه الحاكم [ (3) ] . وقال [ (4) ] صحيح الإسناد. وخرّجه ابن حبان أيضا في صحيحه. وخرّج
وأما شجاعته
أبو يعلى من حديث يونس بن بكير: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل، حدثنا عثمان ابن كعب، حدثني ربيع- رجل من بني النضر وكان في حجر صفية- عن صفية بنت حيي قالت: ما رأيت قط أحسن خلقا من رسول اللَّه، لقد رأيته راكب [] [ (1) ] من خيبر على عجز ناقته ليلا فجعلت أنعس فيضرب رأسي مؤخرة الرحل، فيمسكني بيده ويقول: يا هذه مهلا، يا صفية بنت حيي!! حتى إذا جاء الصهباء [ (2) ] قال: أما إني اعتذر إليك يا صفية مما صنعت بقومك!! إنهم قالوا لي كذا وكذا. وعن وهب بن منبه قال: قرأت أحدا وسبعين كتابا، فوجدت في جميعها أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا. وأما شجاعته فخرّج البخاري في كتاب الأدب من حديث حماد بن زيد عن ثابت قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس، وكان أجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة عري (ما عليه سرج) ، في عنقه سيف قال: وجدناه بحرا أو إنه لبحر [ (3) ] . وخرّجه مسلم [ (4) ] وقال: فانطلق ناس [ (5) ] . وقال: فتلقاهم رسول اللَّه راجعا وقد سبقهم إلى الصوت [ (6) ] . وذكره البخاري في مواضع من كتاب الجهاد.
وأما سعة جوده صلى الله عليه وسلم
وخرّجه النسائي من حديث أبي خيثمة عن ابن إسحاق عن حارثة بن مغرب عن علي رضي اللَّه عنه قال: كنا إذا حمي البأس، والتقي القوم اتقينا برسول اللَّه، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: كنا واللَّه إذا احمرّ البأس نتقي به، يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأن الشجاع منا الّذي يحاذي به. وله من حديث إسحاق بن راهويه، حدثنا عمرة بن محمد، حدثنا عمر الزيات عن سعيد بن عثمان العبدري عن عمران بن الحصين قال: ما لقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كتيبة إلا كان أول من يضرب. وخرّج الدارميّ من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا سعد عن عبد الملك بن عمير قال: قال ابن عمر: ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود ولا أشجع ولا أوضأ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وأما سعة جوده صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاري في فضائل القرآن، وخرّج مسلم في المناقب من حديث شهاب عن عبيد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان لأنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ الشهر، فيعرض عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القرآن، فإذا لقيه جبريل، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة (اللفظ لمسلم) [ (2) ] . ولفظ البخاري: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأن جبريل كان يلقاه [في] [ (3) ] كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول اللَّه القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود من الريح المرسلة، (هذا
اللفظ في كتاب فضائل القرآن) . ولفظه في كتاب الصيام بنحو إلا أنه قال: وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان (الحديث) . وذكره في أول كتابه، ولفظه: كان رسول اللَّه أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول اللَّه أجود بالخير من الريح المرسلة. وذكره أيضا في المناقب، وفي كتاب بدء الخلق وقال فيه: لرسول اللَّه حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. ولابن سعد من حديث الزهري عن عبيد اللَّه عن ابن عباس وعائشة قالا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل [ (1) ] . وخرّج من حديث سفيان عن ابن المنكدر، سمعت جابرا يقول: ما سئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن شيء قط فقال لا! [ (2) ] . ولفظ مسلم: ما سئل رسول اللَّه شيئا فقال لا [ (3) ] ! ذكره البخاري في كتاب الأدب، ولمسلم من حديث حميد عن موسى بن أنس عن أبيه قال: ما سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة [ (3) ] . ومن حديث حماد بن سلمة عن أنس أن رجلا سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غنما بين جبلين فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال يا قوم أسلموا فو اللَّه إن محمدا ليعطي عطاء ما يخاف الفقر، فقال أنس: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها (انفرد به مسلم) [ (3) ] . وله من حديث ابن شهاب قال: غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوة الفتح (فتح مكة) ، ثم خرج بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين. فنصر اللَّه دينه والمسلمين، فأعطى رسول اللَّه يومئذ صفوان بن أمية مائة من النّعم، ثم مائة، قال ابن شهاب:
حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: واللَّه لقد أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ [ (1) ] . ولأحمد بن حنبل رحمه اللَّه، من حديث الزهري عن عمر بن محمد بن جبير ابن مطعم قال: حدثني محمد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم قال: سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه الناس مقفلة من حنين، فعلقه الأعراب فساء لونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف وقال: ردوا على ردائي، أتخشون عليّ البخل: فلو كان عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا [ (2) ] . (أخرجه البخاري وانفرد بإخراجه) . وخرّج الإمام أحمد من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال عمر: يا رسول اللَّه: لقد سمعت فلانا وفلانا يحسنان الثناء، يذكران أنك أعطيتهما دينارا، ثم قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: واللَّه لكن فلانا ما هو كذلك، لقد أعطيته من عشرة إلى مائة، فما يقول ذلك، أما واللَّه إن أحدكم ليخرج مسألته من عندي يتأبطها (يعني حتى تكون تحت إبطه يعني نارا) ، قال: قال عمر: يا رسول اللَّه! تعطيها إياهم؟ قال: فما أصنع يا عمر إلا ذاك؟ ويأبى اللَّه لي البخل!! وقال عبد اللَّه بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على بلال وعنده صبر من تمر، فقال: ما هذا يا بلال؟ قال: أدّخره يا رسول اللَّه، قال: أما تخشى أن يكون له بخار في النار؟ أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا [ (3) ] . وخرّج الترمذي من حديث هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسأله أن يعطيه،
فقال: ما عندي شيء ولكن ابتع على، فإذا جاءني شيء قضيته، فقال عمر: يا رسول اللَّه لقد أعطيته وما كلفك اللَّه مالا بعد، فكره النبي عليه السلام قول عمر، فقال رجل من الأنصار: رسول اللَّه! أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول اللَّه، وعرف البشر في وجهه لقول الأنصاري ثم قال: بهذا أمرت. وقال قتيبة: حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا ثابت عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يدخر شيئا لغد. ولأبي داود الطيالسي عن زمعة عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حييا لا يسأل شيئا إلا أعطى [ (1) ] . وقال ابن سعد أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكيّ، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، حدثني زياد بن سعد عن محمد بن المنكدر [ (2) ] قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه قال: ما [ (3) ] سئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا قط فقال: لا. أخبرنا الفضل بن دكين، حدثنا أبو العلاء الخفاف [ (4) ] خالد بن طهمان عن المنهال بن عمرو، عن محمد بن الحنفية قال-: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يكاد يقول لشيء لا، فإذا هو سئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم يرد أن يفعل سكت، فكان قد عرف ذلك منه. وقال أبو يعلي: حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير، أخبرنا أبي، حدثنا هشام ابن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمه، أن رجلا كان يلقب حمارا وكان يهدي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العكة من السمن والعكة من العسل. فإذا صاحبه يتقاضاه جاء به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيقول: رسول اللَّه! أعط هذا ثمن متاعه، فما يزيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] على أن يتبسم، ويأمر به فيعطى. ولابن حبان من حديث الأوزاعي عن هارون بن رباب عن أنس قال: قدم
على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبعون ألف درهم- هو أكثر مال أتى به- فوضع على حصير ثم قام فقسمه، فما رد سائلا حتى فرغ منه. وقال الواقدي في حجة الوداع [ (1) ] : ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الروحاء [ (2) ] ، فصلّى العصر بالمنصرف [ (3) ] ثم صلّى المغرب والعشاء وتعشى به [ (4) ] ، وصلّى الصبح بالأثاية [ (5) ] ، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج [ (6) ] ، فحدثني أبو حمزة عبد الواحد ابن مصون [ (7) ] عن عروة بن الزبير، عن أسماء بنت بي بكر رضي اللَّه عنها قالت: كان أبو بكر رضي اللَّه عنه قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة: إن عندي بعيرا محمل عليه زادنا، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذاك إذا قالت: فكانت زاملة رسول اللَّه وأبي بكر واحدة، فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بزاد، دقيق وسويق، فجعلا على بعير أبي بكر، فكان غلامه يركب عليه عقبة، فلما كان بالأثاية [ (8) ] عرّس الغلام وأناخ بعيره، فغلبته عيناه، فقام البعير يجر خطامه آخذا في الشعب، وقام الغلام فلزم الطريق يظن أنه سلكها وهو ينشده فلا يسمع له بذكر، ونزل رسول اللَّه في أبيات بالعرج، فجاء الغلام مظهرا، فقال أبو بكر: أين بعيرك؟ قال: ضل مني، قال: ويحك! لو لم يكن إلا أنا لهان الأمر، ولكن رسول اللَّه وأهله، فلم يلبث [ (9) ] أن طلع به صفوان بن المعطل- وكان صفوان على ساقة الناس- وأناخه على باب منزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لأبي بكر: انظر هل تفقد شيئا من متاعك؟ فنظر، فقال. ما نفقد شيئا إلا قعبا كنا نشرب به، فقال الغلام: هذا القعب معي، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه أدي اللَّه عنك الأمانة. حدثني يعقوب بن يحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير عن عيسى بن معمر،
عن عباد بن عبد اللَّه، عن أسماء بنت أبي بكر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نزل بالعرج، جلس معنا منزله ثم جاء أبو بكر فجلس إلى جنبه، فجاءت عائشة فجلست إلى جنبه الآخر، وجاءت أسماء فجلست إلى جنب أبي بكر رضي اللَّه عنه، فأقبل غلام أبي بكر متسربلا، فقال له أبو بكر-: أين بعيرك؟ قال: أضلني، فقام إليه يضربه ويقول: بعير واحد يضل منك، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبسّم ويقول: ألا ترون إلى هذا المحرم وما يصنع، وما ينهاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وحدثني أبو حمزة عن عبد اللَّه بن سعد الأسلمي عن آل نضلة الأسلمي [ (1) ] أنهم خبّروا [ (2) ] أن زاملة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضلّت فحملوا جفنة من حيس، فأقبلوا [ (3) ] بها، حتى وضعوها بين يدي رسول اللَّه، فجعل يقول: هلم يا أبا بكر، فقد جاءك [ (4) ] اللَّه بغداء طيب، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام، فقال النبي عليه السلام: هون عليك، فإن الأمر ليس إليك ولا إلينا معك، قد كان الغلام حريصا أن لا يضل بعيره، وهذا أخلف [ (5) ] مما كان معه، فأكل رسول اللَّه وأهله وأبو بكر، وكل من كان [ (6) ] مع رسول اللَّه حتى شبعوا- قال: وجاء سعد بن عبادة وابنه قيس بن سعد رضي اللَّه عنه بزاملة تحمل زادا يؤمان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يجد رسول اللَّه واقفا عند باب منزله، قد أتي اللَّه بزاملته، فقال سعد: يا رسول اللَّه! قد بلغنا أن زاملتك أضلت مع الغلام [ (7) ] ، وهذه زاملة مكانها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد جاء اللَّه بزاملتنا فارجعا بازملتكما [ (8) ] ، بارك اللَّه عليكما، أما يكفيك يا أبا ثابت ما تصنع بنا في ضيافتك منذ نزلنا بالمدينة؟ قال: يا رسول اللَّه! المنّة للَّه ولرسوله، واللَّه يا رسول اللَّه، للذي تأخذ من أموالنا أحب إلينا من الّذي تدع، قال صدقتم يا أبا ثابت، أبشر فقد أفلحت، إن الأخلاق بيد اللَّه، فمن أراد أن يمنحه منها خلقا صالحا منحه، ولقد منحك اللَّه خلقا صالحا،
وأما تواضعه وقربه
فقال سعد: الحمد للَّه [الّذي] [ (1) ] هو فعل ذلك، قال ثابت بن قيس: يا رسول اللَّه، إن أهل بيت سعد في الجاهلية سادتنا، والمطعمون في المحل منا، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لهم [ (2) ] ما أسلموا عليه، قال ابن أبي الزّناد: يقول له جميل ذكره. وأما تواضعه وقربه فخرج سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي الأحوص عن مسلم الأعور عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعود المريض ويشهد الجنازة ويجيب دعوة الملوك ويركب الحمار، وكان يوم خيبر على حمار، ويوم قريظة على حمار مخطوم [ (3) ] من ليف تحته إكاف [ (4) ] ليف. وخرّجه الترمذي من حديث علي بن مسهر [ (5) ] عن مسلم الأعور عن أنس بنحو هذا، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسلم عن أنس، ومسلم الأعور يضعّف، وهو مسلم بن كيسان الملائي، ذكره الترمذي في الجنائز [ (6) ] . وخرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث ابن المبارك، أخبرنا سلمى أبو قتيبة، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: رمدت عيني فعادني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: يا زيد، لو أن عينك لما بها، كيف كنت تصنع؟ قال: كنت أصبر وأحتسب، قال: لو أن عينك لما بها ثم صبرت واحتسبت كان ثوابك الجنة. وخرّج أيضا من حديث حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: ذهبت بعبد اللَّه بن أبي طلحة آتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم ولد، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
في عباءة يهنو بعيرا له فقال: أمعك تمرات؟ قلت: نعم، فناولته تمرات فلاكهن ثم فغر فا الصبي، فأوجدهن إياه، فتلمظ الصّبي فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حب الأنصار، وسماه عبد اللَّه. وخرج البخاري في الصحيح من حديث إبراهيم عن الأسود قال: سألت عائشة رضي اللَّه عنها [ (1) ] ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله- (تعني خدمة أهله) - فإذا حضرت الصلاة. خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذكره في كتاب الصلاة، وترجم عليه باب من كان في حاجة أهله، وأقيمت الصلاة فخرج، وذكره في كتاب النفقات ولفظه: سألت عائشة: ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصنع في البيت؟ قالت: في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج. وترجم عليه باب خدمة الرجل في أهله وذكره، وذكره في كتاب الأدب ولفظه: ما كان النبي يصنع في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله؟ فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة، ترجم عليه كيف يكون الرجل في أهله [ (2) ] ؟. وخرج عبد الرزاق من [ (3) ] حديث الزهري، وهشام بن عروة عن أبيه، قال سأل رجل عائشة: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعمل في بيته؟ قالت: نعم كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه؟ ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن عمرة قالت: قيل لعائشة ما كان يعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلّي ثوبه ويحلب شاته [ (4) ] ويخدم نفسه. وخرج البخاري في كتاب الأدب من حديث هيثم، أخبرنا حميد الطويل، أخبرنا أنس قال: إن كانت الأمة من إماء لأهل المدينة لتأخذ بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتنطلق به حيث شاءت [ (5) ] .
وخرج مسلم من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم، قال: أخبرنا سليمان ابن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلّى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتي بإناء إلا غمس يده فيها، فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها [ (1) ] . وخرج من حديث يزيد بن هارون عن عماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول اللَّه، إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أي السكك شئت حتى أقضي إليك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها [ (2) ] . وقال علي بن الحسين بن واقد عن أبيه قال: سمعت يحيى بن عقيل يقول: سمعت عبد اللَّه بن أبي أوفى يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة، ولا يستنكف أن يمشي مع العبد والأرملة حتى يفرغ لهم من حاجاتهم [ (3) ] . وخرج الإمام أحمد عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكر الحديث.
وخرجه عن إسماعيل بن علبة عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس، ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن أنس (لم يذكر عمرو بن سعيد) . وخرّج البخاري من حديث علي بن الجعد قال: حدثنا شعبة عن شيبان بن أبي الحكم عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أنه مرّ على صبيان فسلم عليهم [ (1) ] ، وأخرجه مسلم أيضا وقال ابن لهيعة: حدثني عمارة بن غزية عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أفكه الناس مع صبي. وخرّج البخاري في الأدب المفرد عن طريق وكيع عن معاوية بن أبي برد عن أبيه عن أبي هريرة قال: أخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيد الحسن أو الحسين ثم وضع قدميه فوق قدميه ثم قال شهق. ومن طريق عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن راشد عن يعلي بن مرّة أنه قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعينا إلى طعام، فإذا بحسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمام القوم ثم بسط يديه، فجعل يمر مرة ها هنا، ومرة هاهنا يضاحكه، حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه ثم اعتنقه فقبّله، ثم [قال] : حسين مني وأنا منه، أحبّ اللَّه من أحب الحسن والحسين، سبطان من الأسباط. ومن طريق ابن أبي فديك قال: حدثني هشام بن سعد عن نعيم المجمر عن أبي هريرة قال: ما رأيت حسنا إلا فاضت عيناي دموعا، وذلك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوما فوجدني في المسجد فأخذ بيدي، فانطلقت معه، فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع، فطاف به ونظر ثم انصرف وأنا معه حتى جئنا المسجد، فاحتبى ثم قال: أين لكاع؟ أدع لكاعا، فجاء حسن يشتد فوقع في حجره، ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يفتح فاه في فيه ثم قال: اللَّهمّ إني أحبه فأحببه، وأحب من يحبه.
وخرج الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا محمد- يا سيدنا وابن سيدنا- وخيرنا وابن خيرنا! فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أيها الناس قولوا بقولكم، لا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد اللَّه، عبد اللَّه ورسوله، واللَّه ما أحب أن تعرفوني فوق منزلتي التي أنزلني اللَّه. وخرجه النسائي بنحوه. وروي النّضر بن شميل عن شعبة عن قتادة قال: سمعت مطرف بن عبد اللَّه ابن الشخير عن أبيه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنت سيد قريش، فقال السيد اللَّه، فقال: أنت أعظمها فيها طولا، وأعلاها فيها قولا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان- وخرجه أبو داود والنسائي بنحوه أو قريبا منه. وخرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث مسدد، أخبرنا بشر بن المفضل، أخبرنا أبو مسلمة عن أبي نضرة عن مطرف، قال: إني انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقالوا: أنت سيدنا، فقال: السيد اللَّه، قالوا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم، ولا يستجرينكم الشيطان [ (1) ] . وللبخاريّ من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بطنه [ (2) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث ابن سلمة عن حميد عن أنس قال: ما كان شخص أحب إليهم من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانوا [إذا] رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك [ (1) ] . وخرجه الترمذي ولفظه: لم يكن شخص ... ، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وخرجه البخاري في الأدب المفرد. وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن على بن رباح أن رجلا سمع عبادة بن الصامت يقول: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: قوموا نستغيث إلى رسول اللَّه من هذا المنافق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقام إليّ، إنما يقام للَّه تبارك وتعالى. وخرج من حديث معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن أنه ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا واللَّه ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا يقوم دونه الحجاب ولا يغدى عليه بالجفان [ (2) ] ، ولا يراح عليه بها، ولكنه كان بارزا، من أراد أن يلقي نبي اللَّه لقيه، كان يجلس بالأرض، ويوضع طعامه بالأرض، ويلبس الغليظ، ويركب ويردف معه، ويلعق واللَّه يده [ (3) ] . وقال جعفر بن عون: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن أبي مسعود، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كلم رجلا فأرعد فقال: هوّن عليك، فإنّي لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد. قال ابن الجوزي: وكذا رواه هاشم ابن عمرو الحمصي عن يونس عن إسماعيل عن قيس بن جرير، كلاها وهم! والصواب: عن إسماعيل، عن قيس مرسلا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر حديث حميد ابن الربيع قال: حدثنا هشيم، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم
أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما قام بين يديه استقبلته رعدة! فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هوّن عليك، فإنّي لست ملكا، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد [ (1) ] . قال: وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان، وزهير بن أبي معاوية عن أبي خالد. وخرّج الحاكم من حديث عباد بن العوام عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن جرير بن عبد اللَّه قال: أوتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برجل ترعد فرائصه، قال: فقال له: هوّن عليك فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء. ثم تلا جرير بن عبد اللَّه البجلي، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج ابن حيان من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبيد بن سعيد ابن العاص الأموي عن علي بن زيد قال: قال أنس بن مالك. أن كانت الوليدة من ولائد المدينة تجيء فتأخذ بيد رسول اللَّه فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت. وله من حديث شعبة عن علي بن زيد عن أنس: أن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول اللَّه، فيدور بها في حوائجها حتى تفرغ، ثم يرجع. وله من حديث المحاربي عن عبيد اللَّه بن الوليد الصافي عن عبد اللَّه بن عبيد ابن عمير عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت يا رسول اللَّه: كل- جعلني اللَّه فداك- متكئا، فإنه أهون عليك، قال: لا، آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد [ (2) ] . وله من حديث أبي معشر عن سعيد المقبري، عن عائشة قالت: قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جاءني ملك فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت نبيا عبدا، وإن شئت نبيا ملكا، فنظرت إلى جبريل عليه السلام، فأشار إليّ أن ضع نفسك، فقلت نبيا عبدا [ (1) ] . وخرّج الحافظ أبو نعيم الأصبهاني من حديث أيوب بن نهيك قال: سمعت أبا حازم قال: سمعت ابن عمر رضي اللَّه عنه يقول: لقد هبط عليّ ملك من السماء ما هبط علي بني قبلي، ولا يهبط على أحد بعدي- وهو إسرافيل- فقال: السلام عليك يا محمد، وقال: أنا رسول ربك إليك، أمرني أن أخيّرك إن شئت نبيا عبدا، وإن شئت نبيا ملكا، فنظر إليّ جبريل فأومأ إلي أن تواضع، فقال النبي عند ذلك: نبيا عبدا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو أني قلت نبيا ملكا ثم أمرت لصارت معي الجبال ذهبا. قال أبو نعيم: حديث غريب من حديث أبي حازم وابن عمر، تفرد به أيوب بن نهيك، وأبو حازم مختلف فيه، فقيل سلمة بن دينار، وقيل محمد بن قيس المزني واللَّه أعلم [ (1) ] . وله من حديث أيمن بن نايل قال: سمعت قدامة بن عبد الملك قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرمي الجمرة على ناقة صهباء، لا ضرب ولا طرد، ولا إليك إليك [ (2) ] . وخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق الأعمش عن سلام بن شرحبيل
وأما رقته ورحمته ولطفه
عن حبه بن خالد وسواء بن خالد [ (1) ] أنهما أتيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يعالج حائطا أو يناله، فأعاناه. وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن أبي بكر المقدمي، حدثنا ابن سليم عن ثابت عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة ودنا منه على رحله متخشنا. قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وله من حديث الحسن بن واقد، حدثني عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه أن رجلا أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بحمار وهو يمشي، فقال: اركب يا رسول اللَّه، فقالا: إن صاحب الدابة أحق بصدرها [ (2) ] [إلا أن تجعله لي، قال: قد فعلت] [ (3) ] . وأما رقته ورحمته ولطفه فخرج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعته إلى أم سيف- امرأة قين [ (4) ] يقال له أبو سيف- فانطلق يأتيه واتّبعته، فانتيهنا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره، قد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت بين يدي رسول فقلت: يا أبا سيف! أمسك جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمسك، فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فضمه إليه وقال ما شاء اللَّه أن يقول، فقال أنس لقد رأيته وهو يكيد بنفسه [ (5) ] بين يدي رسول اللَّه، فدمعت عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، واللَّه يا إبراهيم إنا بك لمحزونون [ (6) ] .
وخرّج من حديث إسماعيل بن علية عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس ابن مالك قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة [ (1) ] ، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه ليدخّن، وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع، قال عمرو: فلما مات إبراهيم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة. وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث ابن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أو أملك أن نزع اللَّه من قلبك الرحمة؟. وفي لفظ مسلم عن عائشة قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول اللَّه فقال: تقبلون صبيانكم؟ فقالوا نعم؟ قالوا: لكننا ما نقبل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأملك إن كان اللَّه قد نزع منكم الرحمة [ (4) ] ؟. وقد خرجا [ (5) ] من حديث أنس: رويدك يا نجشة، سوقك بالقوارير، يعني
النساء، وفي لفظ: ويحك يا نجشة، رويدك بالقوارير، وفي آخر: يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير، وفي آخر: أيا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير. وخرج البخاري في الأدب المفرد [ (1) ] عن طريق مبارك [ (2) ] عن ثابت عن أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتي بالشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة، فإنّها كانت صديقة خديجة، اذهبوا به إلى بيت فلانة فإنّها كانت تحب خديجة. وقال الواقدي في مغازيه وقد ذكر فتح مكة: حدثني عبد الرحمن بن محمد عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم قال: لما سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العرج، رأى كلبة تهر على أولادها وهن حولها من ضعفها، فأمر رجلا من أصحابه يقال له جعيل بن سراقة أن يقوم حذاها، لا يعرض لها أحد من الجيش ولا لأولادها [ (3) ] . وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن يحيى بن سعيد بن العاص عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استعذر أبا بكر من عائشة، ولم يظن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينال منها بالذي نال منها، فرفع أبو بكر يده فلطمها وصكّ في صدرها، فوجد من ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا أبا بكر، ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبدا.
وأما حسن عهده عليه السلام
وأما حسن عهده عليه السلام فخرج البخاري في المناقب من حديث الليث قال: كتب إليّ هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما غرت على امرأة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ما غرت على خديجة- هلكت قبل أن يتزوجني- لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره اللَّه أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاه فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث أبي أمامة قال: أخبرنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة- ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين- لما كنت أسمعه يذكرها، ولقد أمره ربه تبارك وتعالي أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، وأنه كان يذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها [ (2) ] . وخرّجه البخاري من حديث أسامة بنحوه، إلا أنه قال: ثم يهدي في خلتها منها. ذكره في كتاب الأدب [ (3) ] . وخرّج أيضا من حديث حفص عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة! فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد [ (4) ] . وفي لفظ: ما غرت على نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا علي خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة!؟ فقال: إني رزقت بحبها [ (4) ] . وخرّج في حديث علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن عائشة رضي اللَّه
وأما كراهته للمدح والإطراء
عنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد- أخت خديجة- على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك، فقال: اللَّهمّ هالة. قالت: فغرت فقلت: وما تذكر من عجوز قريش، حمراء الشّدقين هلكت في الدهر، قد أبدلك اللَّه خيرا منها [ (1) ] . وخرّج مسلم بمثله وقال: فارتاح لذلك فقال: اللَّهمّ هالة بنت خويلد [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث أسد بن موسى، حدثنا مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى بشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة فإنّها كانت صديقة خديجة، قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] . ومن حديث عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يذبح الشاة فيتتبع بها صدائق خديجة بنت خويلد رضي اللَّه عنها. قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (3) ] . ومن حديث عفان: حدثنا حماد بن سلمة عن ابن عمير، عن موسى بن طلحة عن عائشة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكثر ذكر خديجة، فقلت: لقد أخلفك اللَّه زوجا، وقال حماد: أعقبك اللَّه عن عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر الأول، قالت: فتغير وجهه تغيرا ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي وإذا رأى مخيلة الرعد والبرق، حتى يعلم أرحمة هي أم عذاب. قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وأما كراهته للمدح والإطراء فخرج البخاري في كتاب الأنبياء من حديث سفيان قال: سمعت الزفري يقول: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس، سمع عمر رضي اللَّه عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [يقول] : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد اللَّه ورسوله [ (4) ] .
وأما حلمه وصفحه صلى الله عليه وسلم
وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه، أن رجلا قال: يا محمد، يا سيدنا وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أيها الناس، عليكم بقولكم، ولا يستجرينك الشيطان، أنا محمد بن عبد اللَّه، عبد اللَّه ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني اللَّه. وخرّجه النسائي بنحوه وخرّجه أيضا ولفظه عن أنس، أن ناسا قالوا، لرسول اللَّه (الحديث) ، وقال فيه، ولا يستهوينكم الشيطان، وقال: التي أنزلنيها اللَّه. ذكرهما في كتاب اليوم وليلة. وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث غيلان بن جرير عن مطرف بن عبد اللَّه عن أبيه قال: قدمنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رهط من بني عامر فسلمنا عليه، فقلت: أنت ولدنا وأنت سيدنا. وأنت أفضلنا علينا فضلا، وأنت أطولنا علينا طولا، وأنت الجفنة الغراء، فقال: قولوا بقولكم ولا يستجرئنك الشيطان. وخرجه النسائي بهذا الإسناد وقال: لا يستهوينكم الشيطان، ولم يذكر قوله، وأنت الجفنة الغراء. وخرجه أبو داود من حديث سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن مطرف قال، إني انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا، أنت سيدنا، قال: السيد هو اللَّه، قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، قال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرئنكم الشيطان [ (1) ] . وأما حلمه وصفحه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج الإمام أحمد من حديث جرير عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: ساءل أهل مكة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزدرعون فقيل: إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن تعطيهم الّذي ساءلوا، فإن كفروا أهلكتهم كما أهلكت من قبلهم قال: بل استأني بهم.
وخرّج البخاري من حديث شعيب، حدثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن قال: قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: قدم طفيل بن عمرو الدوسيّ وأصحابه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه، إن دوسا عصت وأبت، فادع اللَّه عليها فقيل: هلكت دوس، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم. ذكره في كتاب الجهاد، وترجم عليه باب الدعاء للمشركين لتألفهم. وذكره في كتاب الدعاء في باب الدعاء للمشركين ولفظه: قدم الطفيل ابن عمرو على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه إن دوسا قد عصت وأبت فادع اللَّه عليها، فظن الناس أنه يدعو عليهم، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم. وذكره في آخر المغازي. وخرّجه مسلم من حديث المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول اللَّه، إن دوسا قد كفرت وأبت، فادع اللَّه عليها، فقيل: هلكت دوس، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم. وخرّجه الإمام من حديث سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: جاء الطفيل بن عمرو الدوسيّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن دوسا قد عصت وأبت، فادع اللَّه عليهم، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة ورفع يديه، فقال الناس. هلكوا، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم، اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم، اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم. وخرّج البخاري في كتاب الاستئذان، ومسلم في الجهاد من حديث معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير، أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ركب حمارا عليه إكاف تحته قطيفة فدكية، وأردف وراءه أسامة وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، وذلك قبل وقعة بدر، حتى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، وفيهم عبد اللَّه بن أبي بن سلول، وفي المجلس عبد اللَّه بن رواحة 7 فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة، خمر عبد اللَّه بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم وقف فنزل، فدعاهم إلى اللَّه، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد اللَّه بن أبي: أيها المرء لا أحسن
من هذا، إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه، قال [ (1) ] عبد اللَّه بن رواحة: اغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك، قال: فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخفضهم، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه فقال: أي سعد، ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ - يريد عبد اللَّه بن أبي- قال: كذا وكذا، قال: اعف عنه يا رسول اللَّه واصفح، فو اللَّه لقد أعطاك اللَّه الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحرة (وقال مسلم «البحيرة» ) على أن يتوجوه فيعصبونه [ (2) ] بالعصابة، فلما رد اللَّه ذلك بالحق الّذي أعطاك، «شرق بذلك، فذلك [ (3) ] فعل به ما رأيت، فعفا عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم» . وأخرجاه من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب، وزاد مسلم: (وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه) ، لم يذكر غير هذا. وقال البخاري في حديث عقيل عن ابن شهاب عن عروة أن أسامة أخبره أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ركب على حمار على إكاف على قطيفة فدكية 7 وأردف أسامة وراءه، يعود سعد بن عبادة قبل وقعة بدر، فسار حتى مرّ بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول- وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه- وفي المجلس أخلاط ... (الحديث نحو ما تقدم) ، وفيه: يا أيها المرء لا أحسن مما تقول، إن كان حقا فلا تؤذونا به في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك فاقصص عليه، قال ابن رواحة: بلي يا رسول اللَّه! فاغشنا به في مجالسنا، فإنّا نحب ذلك ... (الحدى) وفيه: حتى كادوا يتشاورون، وقال: أهل هذه البحرة، ولم يقل في آخره: فعفا عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ذكره في كتاب المرضى في باب عيادة المريض راكبا وماشيا وردفا على الحمار. وأخرجاه أيضا من حديث شعيب بن أبي حمزة وابن أبي عقيق عن الزهري، فذكره البخاري في كتاب التفسير وفي كتاب الأدب في باب كنية المشرك، ولفظه: أن رسول اللَّه ركب على حمار على قطيفة فدكية، وأردف أسامة وراءه يعود سعد
ابن عبادة في بني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر، فسارا حتى مرّا بمجلس فيه عبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول- وذلك قبل أن يسلم عبد اللَّه بن أبي- وإذا في المجلس أخلاط الحديث ... (إلى آخره) ، وقال: حتى كادوا يتشاورون. وقال: أهل هذه البحرة. وقال في آخره بعد قوله فعفا عنه رسول اللَّه: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم اللَّه، ويصبرون على الأذى، قال اللَّه عز وجل: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً [ (1) ] ، وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ [ (2) ] فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتأول في العفو عنهم ما أمره اللَّه به حتى أذن له فيهم، فلما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدرا، وقتل اللَّه بها من قتل من صناديد الكفار وسادة قريش، فقفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه منصورين غانمين، معهم أسارى من صناديد الكفار وسادة قريش، قال ابن أبيّ بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توحد، فبايعوا لرسول اللَّه، فبايعوه. وخرّج البخاري ومسلم من حديث أبي أمامة عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد اللَّه بن أبيّ جاء ابن عبد اللَّه بن عبد اللَّه ابنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليصلي عليه، فقام عمر رضي اللَّه عنه فأخذ بثوب رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه أتصلّي عليه وقد نهاك اللَّه أن تصلّي عليه؟ - ولفظ البخاري: وقد نهاك ربك أن تصلي عليه- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم، إن تستغفر لهم سبعين مرة، وسأزيد علي السبعين، قال: إنه منافق، فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [ (3) ] . وذكره البخاري في كتاب التفسير، وخرّجه مسلم من حديث يحيى القطان عن عبيد اللَّه بهذا الإسناد ونحوه، وزاد قال: فترك الصلاة عليهم. وخرّجه البخاري في كتاب اللباس في باب لبس القميص، من حديث يحيى ابن سعيد عن عبيد اللَّه، أخبرني نافع بن عبد اللَّه قال: لما توفي عبد اللَّه بن أبيّ جاء
ابنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه أعطني قميصك أكفنه فيه، وصلّ عليه واستغفر له، فأعطاه قميصه وقال: إذا فرغت فآذنّا، فلما فرغ آذنه، فجاء ليصلي عليه فجذبه عمر وقال: أليس قد نهاك اللَّه أن تصلي على المنافقين؟ فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [ (1) ] فنزلت: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [ (2) ] ، فترك الصلاة عليهم. وذكره في كتاب الجنائز وقال فيه: فقال آذنّي أصلي عليه فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر. وذكره في كتاب التفسير من حديث أنس بن عياض عن عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد اللَّه بن أبيّ، جاء ابنه عبد اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعطاه قميصه فأمره أن يكفّنه فيه، ثم قام يصلي عليه، فأخذ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بثوبه وقال: تصلي عليه وهو منافق، وقد نهاك اللَّه أن تستغفر لهم؟ قال: إنما خيّرني اللَّه أو أخبرني اللَّه فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً، فقال: سأزيده على سبعين، قال: فصلّى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصلوا معه، ثم أنزل عليه: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ. وخرّج أيضا من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب: أخبرني عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: لما مات عبد اللَّه ابن أبيّ ابن سلوك، دعي له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليصلي عليه، فلما قام رسول اللَّه وثبت إليه فقلت: يا رسول اللَّه! أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا، كذا وكذا؟ قال: أعدد عليه قوله. فتبسم رسول اللَّه وقال: أخّر عنّي يا عمر، فلما أكثرت عليه قال: إني خيّرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها، قال: فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة [ (3) ] : وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً إلى قوله: وَهُمْ فاسِقُونَ، قال: فعجبت بعد من جراءتي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
يومئذ، واللَّه ورسوله أعلم. ذكره في الجنائز وفي التفسير، وخرّجه النسائي في الجنائز، وخرّجه الإمام أحمد أيضا. وخرّج أحمد من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه أن ثمانين رجلا من أهل مكة، هبطوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من التنعيم مستحلين يريدون غرّة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فأخذهم سلما فاستحياهم، فأنزل اللَّه عز وجل: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [ (1) ] وفي الصحيح: أن ملك الجبال بلّغه عن اللَّه تعالى تخييره بين أن يطبق على من كذبه الأخشبين، فقال عليه السلام: بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد اللَّه، كما ستراه في ذكر من حدث عنه عليه السلام، وتقدم ذكر خبر الأعرابي بالبرد، حتى أثر في عاتقه عليه السلام، فضحك وأمر له بعطاء. وخرّج البخاري من حديث جرير عن منصوص عن أبي وائل عن عبد اللَّه قال: لما كان يوم حنين، آثر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أناسا في القسمة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: واللَّه إن هذه لقسمة ما عدل فيها، أو ما أريد بها وجه اللَّه، فقلت: واللَّه لأخبرن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتيته فأخبرته، فقال: من يعدل إذا لم يعدل اللَّه ورسوله؟ رحم اللَّه موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر. وخرّج مسلم من حديث مروان الفزاري عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول اللَّه، أدع على المشركين، قال: إني لم أبعث لعّانا وإنما بعثت رحمة. ذكره في كتاب البرّ والصلة. وقال القاسم بن سلام بن مسكين الأزديّ: حدثني أبي قال: حدثنا ثابت البناني عن عبد اللَّه بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما فتح مكة طاف بالبيت وصلّى ركعتين ثم أتى بالكعبة، وأخذ بعضاد في الباب فقال: ما تقولون وما تظنون؟ قالوا: نقول: أخ كريم وابن عمّ حليم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أقول كما قال يوسف، لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
[ (1) ] ، فخرجوا كأنما نشروا من القيود، قد دخلوا في الإسلام. ولابن حبان من حديث ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن بعض آل عمر ابن الخطاب عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: لما كان يوم الفتح أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى صفوان بن أمية وأبي سفيان بن حرب والحارث بن هشام، قال عمر: فقلت: قد أمكنني اللَّه منهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته، لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، فانفضحت حياء من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وله من حديث عبد اللَّه بن المغيرة: قال مالك بن أنس، حدثني يحيى بن سعيد عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يقبّض الناس يوم حنين من فضة في ثوب بلال، فقال له رجل يا نبي اللَّه! اعدل، فقال: ويحك، فن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن كنت لا أعدل، فقال عمر رضي اللَّه: ألا أضرب عنقه فإنه منافق؟ فقال: معاذ اللَّه أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. وله من حديث معاذ بن هشام الدستواني قال: حدثنا أبي عن قتادة عن عقبة ابن وشاح الأزدي عن عبد اللَّه بن عمرو قال: أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقليل من ذهب وفضة، فجعل يقسمه بين أصحابه، فقام رجل من أهل البادية فقال: يا محمد! واللَّه لقد أمرك اللَّه أن تعدل، فما أراك تعدل، فقال: ويحك، من يعدل عليك بعدي؟ فلما ولّى قال ردوه عليّ رويدا. وله من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا إسماعيل بن عليه عن بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده، أن أخاه أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: جيراني على ما أخذوا، فأعرض عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن الناس يزعمون أنك نهيت عن البغي فلم تتحلى به؟ فقال: إن كنت أفعل ذلك إنه لعلّي وما هو عليكم، خلّوا عن جيرانه. وله من حديث محمد بن إسحاق عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ابتاع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جزورا من أعرابي بوسق من تمر الذخيرة، فجاء به إلى منزله، فالتمس التمر فلم يجده في البيت، قالت: فخرج إلى الأعرابي فقال: يا عبد
اللَّه، إنا ابتعنا منك جزورك هذا بوسق من تمر الذخيرة ونحن نرى أنه عندنا فلم نجده، فقال الأعرابي: وا غدراه وا غدراه، فوكزه الناس وقالوا: لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تقول هذا؟ فقال: دعوه. وله من حديث إبراهيم بن الحكم بن أبان قال: حدثني أبي عن عكرمة عن أبي هريرة أن أعرابيا جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يستعينه في شيء فأعطاه شيئا ثم قال: أحسنت إليك؟ قال: لا، ولا أجملت! فغضب المسلمون فقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفّوا ثم قام فدخل منزله، ثم أرسل الأعرابي فدعاه إلى البيت، يعني فأعطاه فرضي، فقال: إنك جئنا فسألتنا فأعطيناك، وقلت ما قلت وفي أنفس المسلمين شيء من ذلك، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يديّ حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك، قال: نعم، فلما كان الغد أو العشي جاء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن صاحبكم هذا كان جائعا فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال، وإنّا دعوناه إلى البيت فأعطيناه، فزعم أنه قد رضي، أكذاك؟ قال نعم، فجزاك اللَّه من أهل عشيرة خيرا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي، كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فأتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحب الناقة: خلّوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها فأخذ لها من قمام [ (1) ] الأرض فجاءت فاستناخت فشدّ عليها رحلها واستوى عليها، ولو أني تركتكم حين قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار. وله من حديث الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن أرقم رضي اللَّه عنه قال: سحر النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياما، فأتى جبريل عليه السلام فقال: إن رجلا من اليهود سحرك، فعقد ذلك عقدا، فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا رضي اللَّه عنه فاستخرجها فجاء بها، فجعل كلما حلّ عقدة وجد لذلك خفّة، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنما نشط من عقال-، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه قط. وله من حديث على بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب عن أنس قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين فما سبّني سبّة قط، ولا ضربني ضربة ولا
انتهرني ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني أحد من أهله قال: دعوه فلو قدّر شيء كان. وقد تقدم حديث أنس هذا، ولكن أوردته لما في حديث ابن حبان هذا من الزيادة المفيدة. وله أيضا من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا محمد بن حمزة بن يوسف قال: حدثني أبي عن جدي قال: قال عبد اللَّه بن سلام: إن اللَّه عز وجل أراد هدي زيد بن سعنة [ (1) ] ، قال: زيد: ما من علامات النبوة شيء إلا قد عرفته في وجه محمد سوى اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فكنت أنطلق إليه لأخالطه وأعرف حلمه، فخرج يوما ومعه علي ابن أبي طالب، فجاءه رجل كالبدوي فقال: يا رسول اللَّه، إن قرية بني فلان أسلموا، وحدثتهم أنهم إن أسلموا أتتهم أرزاقهم رغدا، وقد أصابتهم سنة وشدّة، وإني مشفق عليهم أن يخرجوا من الإسلام، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء يعينهم، قال زيد بن سعنة، فقلت، أنا أبتاع منك بكذا وكذا وسقا، فأعطيته ثمانين دينارا فدفعها إلى الرجل وقال: اعجل عليهم بها فأعنهم، فلما كان قبل المحل بيوم أو يومين أو ثلاث، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جنازة في نفر من أصحابه، فجبذت رداءه جبذة شديدة حتى سقط عاتقه، ثم أقبلت بوجه جهم غليظ فقلت: ألا تقضيني يا محمد، فو اللَّه ما علمتكم يا بني عبد المطلب لمطل، فارتعدت فرائص عمر بن الخطاب كالفلك المستدير، ثم أومى ببصره إليّ وقال، أي عدوّ اللَّه! أتقول هذا لرسول اللَّه وتصنع به ما أرى وتقول ما أسمع؟ فو الّذي بعثه بالحق لولا ما أخاف فوته لسبقني رأسك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إلى عمر في تؤدة وسكون، ثم تبسم وقال: لأنا أحوج إلى غير هذا: أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه، اذهب يا عمر فاقضه حقه وزده عشرين صاعا من تمر، فقلت: ما هذا؟ قال أمرني رسول اللَّه أن أزيدك وكان ما دعتك: فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحبر؟ قلت الحبر، قال: فما دعاك إلى أن تفعل برسول اللَّه ما فعلت وتقول له ما قلت؟ قلت: يا عمر، إنه لم يبق من علامات النبوّة شيء إلا وقد عرفته في وجه رسول اللَّه حين نظرت إليه إلا اثنتان لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، فقد
اختبرتهما منه، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وأشهدك أن شطر مالي للَّه، فإنّي أكثرها مالا صدقة على أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر رضي اللَّه عنه: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم، قلت: أو على بعضهم، قال: فرجع عمر وزيد بن سعنة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، فآمن به وصدّقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة. وخرجه الحاكم من حديث الوليد بن مسلم به نحوه، وقال: هذا حديث صحيح. وقال الحارث بن أبي أسامة: حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا جرير بن حازم، حدثني من سمع الزهريّ يحدث أن يهوديا قال: ما كان بقي شيء من نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوراة إلا ورأيته إلا الحلم، وإني أسلفته ثلاثين دينار إلى أجل معلوم، فتركته حتى إذا بقي من الأجل المعلوم يوم أتيته، فقلت: يا محمد أوفني حقي، فإنكم معاشر بني عبد المطلب مطل، فقال عمر رضي اللَّه عنه: يا يهودي أجننت؟ أما واللَّه لولا مكانه لضربت الّذي فيه عيناك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: غفر اللَّه لك يا أبا حفص، نحن كنا إلى غير هذا منك أحوج: إلى أن تكون أمرتني بقضاء ما عليّ، وهو إلى أن تكون أعنته في قضاء حقه أحوج، قال: فلم يزده جهلي عليه إلا حلما، قال: يا يهودي، إنما يحل حقك غدا، ثم قال يا أبا حفص، اذهب به إلى الحائط الّذي كان سألك أول يوم، فإن رضيه فأعطه كذا وكذا صاعا، وزده لما قلت له كذا وكذا صاعا، وإن لم يرض فأعطه ذلك من حائط كذا وكذا، فأتي به الحائط فرضى، وأعطاه رسول اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما أمره من الزيادة، فلما قبض اليهودي تمره قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنه رسول اللَّه، وإنه واللَّه ما حملني على ما رأيتني صنعت يا عمر إلا إني كنت رأيت في رسول اللَّه صفاته في التوراة كلّها إلا الحلم، فاختبرت حلمه اليوم على ما وصف في التوراة، وإني أشهد أن هذا التمر وشطر مالي في فقراء المسلمين، فقال عمر: فقلت: أو بعضهم، فقال: أو بعضهم وأسلم أهل بيت اليهود كلهم إلا شيخا كان له مائة سنة، فبقي على الكفر. وقال إسرائيل عن السدي عن الوليد بن أبي هاشم عن زيد بن زائدة عن عبد اللَّه
ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وإني سليم الصدر. فقال: فأتاه مال فقسمه، فانتهيت إلى رجلين يتحدثان وأحدهما يقول لصاحبه: واللَّه ما أراد محمد بقسمته التي قسم وجه اللَّه والدار الآخرة، قال: فتثبتّ حتى سمعتها، ثم أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرت له ذلك، فقلت: إنك قلت: لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا، وإني سمعت فلانا وفلانا يقولان كذا وكذا، قال: فاحمرّ وجهه وقال: دعنا منك فقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر. وخرج مسلم من حديث زيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول اللَّه ادع اللَّه على المشركين، قال: إنما لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة. انفرد بإخراجه مسلم. وقال سفيان بن الحسن عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما أنا رحمة مهداة. وقال الواقدي في مغازيه وقد ذكر فتح مكة: وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل جماعة فذكرهم إلى أن قال: وأما هبار بن الأسود فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان كلما بعث سرية أمرها بهبار إن أخذ أن يحرق بالنار، ثم قال: إنما يعذّب بالنار ربّ النار، اقطعوا يديه ورجليه إن قدرتم عليه ثم اقتلوه، فلم يقدر عليه يوم الفتح، وكان جرمه أنه عس [ (1) ] بابنة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب، وضرب ظهرها بالرمح- وكانت حبلي- حتى أسقطت فأهدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دمه، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس بالمدينة في أصحابه، إذا طلع هبار بن الأسود- وكان لسنا- فقال: يا محمد: أسب من سبك، إني قد جئت مقرا بالإسلام: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فقبل منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرجت سلمى مولاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: لا أنعم اللَّه بك عينا، أنت الّذي فعلت وفعلت، فقال: إن الإسلام محا ذلك، ونهي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن سبه والتعريض له [ (2) ] . [ثم قال] [ (3) ] : حدثني هشام بن عمارة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم
عن أبيه عن جده قال: كنت جالسا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه في مسجده منصرفه من الجعرانة، فطلع هبار بن الأسود، قال [ (1) ] : قد رأيته فأراد بعض القوم القيام إليه، فأشار إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن اجلس، ووقف عليه هبار فقال: السلام عليك يا رسول اللَّه، إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، ولقد هربت منك في البلاد، وأردت اللحوق بالأعاجم ثم ذكرت عائدتك وفضلك وبرك وصفحك عن من جهل إليك [ (2) ] ، وكنا يا رسول اللَّه أهل شرك باللَّه فهدانا باللَّه بك، وأنقذنا بك من الهلكة، فاصفح عن جهلي وعما كان يبلغك عني، فإنّي مقر بسيئاتي [ (3) ] معترف بذنبي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد عفوت عنك، وقد أحسن اللَّه بك حيث هداك للإسلام، والإسلام يجبّ ما قبله. [ثم قال] : حدثني واقد بن أبي ياسر عن يزيد بن رومان قال: قال الزبير ابن العوام رضي اللَّه عنه: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكر هبارا قط إلا تغيّظ عليه، ولا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث سرية قط إلا قال: إن ظفرتم بهبار فاقطعوا يديه ورجليه ثم اضربوا عنقه، واللَّه لقد كنت أطلبه وأسأل عنه، واللَّه يعلم لو ظفرت به قبل يأتي إلى رسول اللَّه لقتلته ثم طلع على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا عنده جالس، فجعل يعتذر إلى رسول اللَّه يقول، سبّ يا محمد من سبّك وأوذي [ (4) ] من آذاك، فقد كنت موضعا في سبّك وأذاك وكنت مخذولا وقد بصّرني [ (5) ] اللَّه وهداني للإسلام. قال الزّبير: فجعلت انظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنه ليطأطئ رأسه استحياء منه مما يعتذر هبار، وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يقول: قد عفوت عنك، والإسلام يجبّ ما كان قبله، وكان لسنا، وكان يسبّ حتى يبلغ منه فلا ينتصف من أحد، فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حمله وما يحمل عليه من الأذى، فقال هبار [ (6) ] : سبّ من سبّك.
وأما شفقته ومداراته
وأما شفقته ومداراته فقال تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [ (1) ] ، قال السمرقندي فيما نقل القاضي عياض، ذكّرهم اللَّه تعالى منّته أنه جعل رسوله رحيما بالمؤمنين، رءوفا ليّن الجانب، ولو كان فظا خشنا في القول لتفرقوا من حوله، لكن جعله اللَّه سمحا سهلا، طلقا برا لطيفا. هكذا قال الضحاك. وخرج البخاري من حديث سليمان بن بلال قال: حدثني شريك بن عبد اللَّه، سمعت أنس بن مالك يقول: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمّه. وخرّجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن شريك عن أنس أنه قال، ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم (لم يزد على هذا) . وخرّجا من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمّه من بكائه. ترجم عليه باب من أخف صلاته عند بكاء الصبي، وذكر في هذا الباب في رواية أبي محمد الحموي وأبي الهيثم الكشميني حديث سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز لما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه. وخرّج البخاري من حديث الأوزاعي عن يحي بن أبي كثير عن عبد اللَّه بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني لأقوم في الصلاة، وإني أريد أن أطوّل فيها. (الحديث) . مثله ذكره في باب خروج النساء إلى المساجد. ولمسلم من حديث يحيى بن يحيى قال: أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة، فيقرأ بالسورة الخفيفة أو بالسورة القصيرة.
وله من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي اللَّه عنها أخبرته أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج من جوف الليل فصلّى في المسجد، فصلّى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فطفق منهم رجال يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الصلاة أقبل على الناس ثم تشهد وقال، أما بعد، فإنه لم يخف عني شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها. وخرّجه البخاري بنحوه، وزاد في آخره، فتوفي رسول اللَّه والأمر على ذلك، ذكره في باب فضل من قام رمضان، وفي كتاب الجمعة في باب من قال في الخطبة بعد الثناء، أما بعد، غير أنه لم يذكر الزيادة، وقال في بعض الموضعين: أما بعد، فإنه لم يخف عليّ مكانكم. وخرّج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى في ذات ليلة في المسجد فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما. صبح قال، قد رأيت الّذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا إنني خشيت أن تفرض عليكم، قال: وذلك في رمضان. ذكره البخاري في باب تحريض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب ولم يقل فيه أبو داود: والرابعة. ذكره في باب قيام شهر رمضان [ (1) ] ، وذكر بعده متصلا به حديث محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن عائشة قالت: كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزاعا [ (2) ] ، فأمرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فضربت له حصيرا فصلّى فيه رسول اللَّه بهذه
القصة، قالت [ (1) ] فيه: قال: - يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أيها الناس، أما واللَّه ما بتّ ليلتي هذه بحمد اللَّه غافلا، ولا خفي علي مكانكم. وللبخاريّ من حديث يحي بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلّى من الليل في حجرته- وجدار الحجرة قصير- فرأى الناس شخص النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقام ناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا بذلك، فقام الليلة الثانية، فقام معه أناس يصلون بصلاته، صنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثا حتى إذا كان بعد ذلك، جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك الناس فقال: إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل، ذكره في باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة. وخرّج الإمام أحمد من حديث معمر عن الزهري، عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يترك العمل وهو يحب أن يعمله كراهية أن يستن الناس به فيفرض عليهم، وكان يحب ما خفف من الفرائض. وخرّج مسلم من حديث حماد عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال رجل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أين أبي؟ قال: في النار! فلما رأى ما في وجهه قال: إن أبي وأباك في النار. انفرد بإخراجه مسلم [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون قال: حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: إن فتى شابا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: أدنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟
قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر ابن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تلى قول اللَّه عز وجل: إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وقال عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فرفع يديه ثم قال: اللَّهمّ أمتى أمتى، وبكى، فقال اللَّه عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد- وربك أعلم- فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره بما قال اللَّه تعالى: فقال اللَّه تعالى: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤك. وخرّج البخاري من حديث همام، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى أعرابيا يبول في المسجد! فقال: دعوه، حتى إذا فرغ دعا بماء فصبه عليه. ترجم عليه، باب ترك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله. وخرّجه مسلم من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثنا إسحاق بن أبي طلحة قال: حدثني أنس بن ملك- وهو عم إسحاق- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مه مه! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا تزرموه لا تزرموه [ (2) ] ، دعوه، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعاه فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، وإنما هي لذكر اللَّه والصلاة وقراءة القرآن- أو كما قال رسول اللَّه- قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فصبّه عليه. وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن أعرابيا قام إلى ناحية في المسجد فبال فيها، فصاح بن الناس، فقال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، دعوه فلما فرغ أمر رسول اللَّه بذنوب فصب عليه. اللفظ لمسلم. ولفظ البخاري قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما قضى بوله أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذنوب من ماء فأهريق عليه. ذكره في باب صب الماء على البول في المسجد. وخرّج البخاري ومسلم والنّسائي من حديث حماد بن زيد عن ثابت عن أنس، أن أعرابيا بال في المسجد فقام إليه بعض القوم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوه، ولا تزرموه، فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبّه عليه. لفظهما فيه سواء. وقال النسائي بعد قوله: لا تزرموه، لا تقطعوا بوله، وفي لفظ للبخاريّ، أن أعرابيا بال في المسجد فقاموا إليه: فقال رسول اللَّه: لا تزرموه، ودعا بدلو من ماء فصب عليه. ذكره في كتاب الأدب، في باب الرّفق في الأمر كله. وخرّج البخاري والنسائي من حديث الزهري قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال: قام أعرابي في المسجد فبال: فتناوله الناس، فقال لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعوه وأهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسّرين. ذكره البخاري في باب صب الماء على البول في المسجد وخرّجه في كتاب الأدب ولفظه: أن أبا هريرة أخبره أن أعرابيا بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول اللَّه، دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين. ذكره في باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يسّروا ولا تعسّروا، وكان يحب التخفيف واليسر على الناس. وخرّج أبو داود والترمذي من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، أن أعرابيا دخل المسجد ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس، فصلّى ركعتين ثم قال: اللَّهمّ ارحمني ومحمدا، ولا ترحم منا أحدا! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد تحجّرت واسعا، ثم لم يلبث أن بال في المسجد، فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلا من ماء، أو قال: ذنوبا من ماء [ (1) ] وقال الترمذي: أهريقوا عليه سجلا من ماء أو دلوا من ماء، وقال
فيه: فلما فرغ قال. وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. قال مؤلفه: ذكر البخاري قول الأعرابي: اللَّهمّ ارحمني ومحمدا، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم له، ولم يذكر فيه أنه بال في المسجد. وخرّج مسلم من حديث سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رجلا [ (1) ] استأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ائذنوا له فبئس أخو العشيرة، فلما دخل عليه ألان له القول، قالت عائشة: فقلت يا رسول اللَّه! قلت الّذي قلت ثم ألنت له القول؟ قال يا عائشة إن شرّ الناس عند اللَّه منزلة يوم القيامة، من تركه الناس اتقاء فحشه. وخرّج مسلم من حديث يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء ابن يسار عن معاوية بن الحكم قال: بينما أنا أصلي مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك اللَّه: فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثكل أمّاه! ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فعرفت أنهم يصمتونني، لكني سكتّ، فلما صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فبأبي وأمي- ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو اللَّه ما نهرني [ (2) ] ولا ضربني ولا شتمني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن- أو كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- قلت: يا رسول اللَّه! إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء اللَّه بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهّان، قال: فلا تأتهم، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا
يصدنكم، قال: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك، قال: وكانت لي جارية ترعى غنما قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكّة، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعظم ذلك عليّ، فقلت: يا رسول اللَّه، أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها: فقال لها أين اللَّه؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول اللَّه، قال أعتقها فإنّها مؤمنة. وخرّجه أبو داود قريبا منه، ذكره في باب تشميت العاطس [في الصلاة] وفيه، قلت: يا رسول اللَّه، إنا حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا اللَّه بالإسلام، ومنا رجال يأتون الكهان، قال: فلا تأتونهم. وقال: فلا يصدنهم، وقال فيه، قلت: جارية لي كانت ترعي غنيمات قبل أحد والجوانية، إذا طلعت عليها إطلاعة ... الحديث [ (1) ] .
وخرّجه النّسائي أيضا وفي حديث لأبي داود من طريق فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: لما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علمني أمورا من أمور الإسلام، فكان فيما علّمت: أن قيل لي: إذا عطست فاحمد اللَّه، وإذا عطس العاطس فحمد اللَّه فقل: يرحمك اللَّه، قال: فبينما أنا قائم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة، إذا عطس رجل فحمد اللَّه، فقلت: يرحمك اللَّه- رافعا بها صوتي- فرماني الناس بأبصارهم حتى احتملني ذلك، فقلت: ما لكم تنظرون إلى بأعين شزر؟ قال: فسبّحوا، فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاته قال: من المتكلم؟ قيل: هذا الأعرابي، فدعاني رسول اللَّه، فقال: إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر اللَّه عز وجل، فإذا كنت في الصلاة فليكن ذلك شأنك، فما رأيت معلما قط أرفق من رسول اللَّه. وخرّج البخاري ومسلم والنسائي من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن عليه قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال: أتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحيما رفيقا، فظن أنّا قد اشتقنا إلى أهلنا فسألنا عن من تركنا من أهلنا فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم وبروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم، اللفظ لمسلم. ولفظ البخاري: عن أبي قلابة عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: أتينا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا وسألنا عمن تركنا في أهلينا، فأخبرناه- وكان رفيقا رحيما- فقال: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم وبروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم. ذكره في كتاب الأدب في باب رحمة الناس. وأخرجاه أيضا من حديث عبد الوهاب الثقفي وحماد بن زيد عن أيوب قال: قال لي أبو قلابة: يا مالك بن الحويرث أبو سليمان، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وناس ونحن شببة متقاربون، وأقمنا جميعا.. الحديث بنحو حديث ابن علية. وذكره البخاري أيضا في باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، من حديث عبد الوهاب، وذكره في كتاب الصلاة في باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم من حديث حماد بن زيد عن أيوب، وذكره في باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد من حديث وهيب عن أيوب. وأخرجاه من حديث خالد الحذّاء عن أبي قلابة، وذكره البخاري في باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، وذكره في باب اثنان فما فوقهما جماعة مختصرا. وخرّج ابن حبان والبخاري في الأدب المفرد من طريق أبي نعيم، حدثنا ابن الغسيل عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال: لما أن أصيب أكحلي بعد يوم الخندق وثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة- وكانت تداوي الجرحى- فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مرّ به يقول: كيف أمسيت؟ وإذا أصبح يقول: كيف أصبحت؟ فيخبره. وخرّج الحاكم من حديث شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عليّ قال: قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سبى فأمرني ببيع أخوين فبعتهما وفرّقت بينهما ثم أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته فقال: أدركهما فارتجعهما وبعهما جميعا ولا تفرق بينهما. قال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح على شرط الشيخين. وخرج ابن حبان من حديث يحيى بن أبي بكير العبديّ قال: حدثنا عباد ابن كثير عن ثابت عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا فقد الرجل من أصحابه ثلاثة أيام سأل عنه، فإن كان غائبا عاله، وإن كان شاهده زاره، وإن كان مريضا
عاده. وبلغ من مداراة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه وجد قتيلا من أصحابه بين اليهود فلم يحف عليهم، بل حملهم على مرّ الحق، وجاد بأن وداه بمائة من الإبل وإن بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد. وخرّج مسلم من حديث مالك قال: حدثني أبو ليلي بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن سهل عن سهل عن أبي خنتمة أنه أخبر عن رجال من كبراء قومه أن عبد اللَّه بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتي محيصة فأخبر أن عبد اللَّه بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين، فأتي يهود فقال: أنتم واللَّه قتلتموه، قالوا: واللَّه ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قوم وذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة- وهو أكبر منه- وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم- وهو الّذي بخيبر- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لمحيصة: كبّر كبّر (يريد السن) فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أما أن تدوا [ (1) ] صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب، فكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، فكتبوا: إنا واللَّه ما قتلناه، فقال رسول اللَّه لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم، قالوا: لا، قال: فتحلف لكم يهود؟ قالوا: ليسوا بمسلمين. فوداه [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عنده فبعث إليهم مائة ناقة حتى أدخلت الدار، فقال سهل: فقد ركضتني منها ناقة حمراء. وخرّجه في كتاب الأحكام، ولم يقل حمراء. وخرّجه أبو داود في باب القتل بالقسامة [ (3) ] . وخرّجه النسائي في كتاب الأحكام وفي القسامة [ (3) ] . وكان من حسن مداراته صلّى اللَّه عليه وسلّم أن لا يذم طعاما ولا ينه خادما كما تقدم بطرقه. وخرّج الحاكم من حديث يزيد بن هارون: أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت محمد بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب يحدث عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد عن أبيه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في إحدى صلاتي النهار- الظهر أو العصر-
وأما اشتراطه على ربه أن يجعل سبه لمن سب من أمته أجرا
وهو حامل الحسن، فتقدم فوضعه عند قدمه اليمني، فسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سجدة أطالها، فرفعت رأسي فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساجد، وإذا الغلام راكب ظهره، فعدت فسجدت، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ناس: يا رسول اللَّه! لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها، أشيء أمرت به أو كان يوحي إليك؟ فقال: كل ذلك لم يكن، ابني ارتحلني فكرهت أن أعلجه حتى يقضي حاجته [ (1) ] . وأما اشتراطه على ربه أن يجعل سبه لمن سب من أمته أجرا فخرّج البخاري من كتاب الدعاء من حديث يونس عن ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اللَّهمّ فأيّما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة [ (2) ] . وخرّج مسلم بنحوه وقال فأيما عبد. وله من حديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال: حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اللَّهمّ إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فأيّما مؤمن سببته أو جلدته فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة [ (3) ] . وله من حديث جرير عن الأعمش عن أبي الضحي عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه فلعنهما وسبّهما، فلما خرجا قلت: يا رسول اللَّه! من [ (4) ] أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟ قال وما ذاك؟ قلت: لعنتهما وسببتهما! قال: أو ما علمت ما شارطت [ (5) ] عليه ربي قلت: اللَّهمّ إنما أنا بشر [فأيّما أجد من] [ (6) ] المسلمين لعنته أو سببته، فاجعله له زكاة وأجرا.
وخرّجه من حديث علي بن حجر السعدي وإسحاق بن إبراهيم وعلي ابن خشرم عن عيسى بن يونس عن الأعمش بهذا الإسناد نحو حديث جرير وقال فيه: فخلوا به فسبّهما ولعنهما وأخرجهما [ (1) ] . وله من حديث عبد اللَّه بن نمير قال: حدثنا أبي، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة [ (1) ] . وخرّجه البخاري من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مثله، إلا أن فيه: زكاة وأجرا. وله من حديث المغيرة عن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد [ (2) ] عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: اللَّهمّ إني اتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته، شتمته، لعنته، جلدته، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة [ (3) ] . وله من حديث الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن سالم مولى النصريين قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اللَّهمّ إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر، وإني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته، فاجعلها له كفّارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة [ (4) ] . وله من حديث جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه [يقول] [ (5) ] : سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنما أنا بشر، وإني اشترطت على ربي عز وجل أيّ عبد من المسلمين سببته أو شتمته أن يكون ذلك له زكاة وأجرا. وخرّج مسلم أيضا من حديث عكرمة بن عمّار قال: أخبرنا إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة قال: حدثني أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: كانت عند
أم سليم يتيمة- وهي أم أنس- فرأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اليتيمة فقال: أأنت هيه [ (1) ] ، لقد كبرت لا كبر سنّك، فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لك يا منيّمة؟ قالت الجارية: دعا [ (2) ] عليّ نبي اللَّه ألا يكبر سني! فالآن لا يكبر سني أبدا، أو قالت: قرني، فجرت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال لها: ما لك يا أم سليم؟ فقالت: يا نبي اللَّه؟ أدعوت علي يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سليم؟ قالت: زعمت أنك دعوت عليها أن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها، قال [ (3) ] : فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: يا أم سليم، أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر: فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها [ (4) ] له طهورا وزكاة وقربة يقربها [ (5) ] بها يوم القيامة. انفرد بإخراجه مسلم [ (6) ] . وخرّج الإمام أحمد [ (7) ] من حديث ابن أبي ذؤيب قال: حدثني محمد بن عمر ابن عطاء عن ذكوان مولى عائشة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأسير فلهوت عنه فذهب: فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما فعل الأسير؟ قالت: لهوت عنه مع النسوة فخرج، فقال: ما لك؟ قطع اللَّه يدك! فخرج فأذن به الناس فطلبوه، فجاء به فدخل عليّ وأنا أقلب يدي فقال: أجننت! قلت: دعوت عليّ فأنا أقلب يدي انظر أيهما يقطعان، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم رفع يديه مدا وقال: اللَّهمّ إني بشر، أغضب كما يغصب البشر، فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعله له زكاة وطهورا. وله من حديث محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة أن عائشة قالت: إن أمداد
وأما مزاحه وملاعبته
العرب كثروا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وقام إليه المهاجرون يعرجون عنه حتى قام على عتبة عائشة فرهقوه فأسلم رداءه في أيديهم ووثب عن العتبة فدخل فقال: اللَّهمّ العنهم، فقالت عائشة: يا رسول اللَّه! هلك القوم، فقال: كلا واللَّه: يا بنت أبي بكر، لقد شرطت على ربي شرطا لا خلف له فقلت: إنما أنا بشر: أضيق بما يضيق به البشر: فأي المؤمنين بدرت إليه مني بادرة فاجعلها له كفارة. وأما مزاحه وملاعبته فخرّج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قالوا يا رسول اللَّه إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وخرّج أبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والبخاري [ (4) ] في الأدب المفرد من حديث خالد عن حميد عن أنس رضي اللَّه عنه أن رجلا أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللَّه احملني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنا حاملوك على ولد ناقة، قال: وما أصنع بولد ناقة؟ فقال: النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وهل تلد الإبل إلا النّوق؟. وخرّج أبو داود من حديث يونس عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر رضي اللَّه عنه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسمع صوت عائشة- رضي اللَّه عنه- عاليا، فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول اللَّه، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرج أبو بكر: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ قال: فمكث أبو بكر رضي اللَّه عنه أياما، ثم استأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوجدهما قد اصطلحا: فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد فعلنا قد فعلنا [ (5) ] .
وله من حديث بشر بن عبيد اللَّه عن أبي إدريس الخولانيّ عن عوف بن مالك الأشجعي قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فسلمت فردّ وقال: أدخل، فقلت: أكلّي يا رسول؟ قال: كلّك، فدخلت، قال عثمان ابن أبي العاتكة، إنما قال أدخل كلى من صغر القبّة [ (1) ] . وخرّج أبو داود والترمذي من حديث شريك عن عاصم عن أنس قال: ربما قال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ذا الأذنين، يمازحه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب [ (2) ] . وله من حديث المبارك بن فضالة عن الحسن قال: أتت عجوز للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه أن يدخلني الجنة، فقال: يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز، قال: فولّت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن اللَّه يقول: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً [ (3) ] . وخرّج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا أو حزام بن حجال: وكان يهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الهدية من البادية فيجهزه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن زاهرا بادينا [ (4) ] ونحن حاضروه [ (5) ] ، قال: وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحبه وكان رجلا دميما [ (6) ] : فأتاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلني، من هذا! فالتفت فعرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعل لا يألو [ (7) ] ما ألصق ظهره بصدر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين عرفه: وجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول اللَّه! إذن واللَّه تجدني كاسدا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لكن عند اللَّه لست بكاسد، أو قال:
لكن عند اللَّه أنت غال. وخرّج أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن يحيى بن مفرّج الأندلسي في كتابه في تسمية من روي عن مالك بن أنس من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه قال: مازح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا فقال: ضرب اللَّه عنقك، فقال: في سبيله يا رسول اللَّه! قال في سبيله. وخرّج الإمام أحمد من حديث سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: سابقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقته، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني فقال: هذه بتيك [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث أبي حفص المعيطي قال: حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا فتقدموا ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس تقدموا فقدموا، فقال تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك، وهو يقول هذه بتلك [ (1) ] . وخرّج أبو بكر الشافعيّ من حديث يحيى بن سعيد القطان عن الصلت ابن الحجاج عن عاصم الأحوال عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لعائشة رضي اللَّه عنها ذات يوم: ما أكثر بياض عينيك! وله من حديث ابن المبارك قال: حدثنا حميد الطويل عن ابن أبي الورد عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رآه، قال: فرأى رجلا أحمر فقال: أنت أبو الورد؟ ولأبي بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصّبيّ حمرة لسانه فيهش إليه. ولابن حبان من حديث ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد
اللَّه بن يزيد قال: حدثنا إسماعيل بن أبي داود عن طفيل بن سنان عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لأمزح ولا أقول إلا حقا. وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم للصبي: يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ وقال شعبة: حدثني علي بن عاصم عن خالد الحذّاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعابة. وقال ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من أفكه الناس. وقال خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة رضي اللَّه عنها: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مزّاحا: وكان يقول: إن اللَّه لا يؤاخذ المزّاح الصادق في مزاحه. وقال وهب بن جرير عن أبيه قال: سمعت زيد بن أسلم يحدث أنّ خوّات ابن جبير قال [ (1) ] : نزلت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ [ (2) ] الظهران فخرجت من خبائي، فإذا نسوة يتحدثن فأعجبنني، فرجعت فأخرجت حلّة لي من عيبتي فلبستها ثم جلست إليهن فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قبته فقال [ (3) ] : أبا عبد اللَّه! ما يجلسك إليهن؟ قال: فقلت يا رسول اللَّه: جمل لي شرود أبتغي له قيدا: فمضى رسول اللَّه وتبعته: فألقى رداءه [ (4) ] ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ، ثم جاء فقال: يا أبا عبد اللَّه! ما فعل شراد جملك؟ ثم ارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المنزل إلا قال: السلام عليكم أبا عبد اللَّه: ما فعل شراد جملك؟ قال: فتعجلنا إلى المدينة فاجتنبت [ (5) ] المسجد ومجالسة رسول اللَّه، فلما طال ذلك عليّ تحينت ساعة خلوة [ (6) ] ، فجعلت أصلّى، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض حجره، فجاء فصلّى ركعتين خفيفتين ثم جلس، وطوّلت رجاء أن يذهب ويدعني، فقال طوّل يا أبا عبد اللَّه ما شئت فلست بقائم حتى تنصرف، فقلت واللَّه لأعتذرن إلى رسول
فصل في ذكر آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمته وهديه
اللَّه [ (1) ] ، فانصرفت، فقال: السلام عليكم يا أبا عبد اللَّه، ما فعل شراد الجمل؟ فقلت: والّذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت، فقال: رحمك اللَّه مرتين أو ثلاثا: ثم أمسك عني فلم يعد. فصل في ذكر آداب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسمته وهديه اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت له آداب، منها: أنه ان يمناه لطهوره، ويسراه لدفع الأذى، ويخفض صوته، ويخمّر وجهه إذا عطس، وكان يقعد القرفصاء، ويحتبي إذا جلس بيديه، ويتكيء على يساره: ويستلقي واضعا إحدى رجليه على الأخرى، ويكثر الصمت، ويعيد الكلمة ثلاثا، وإذا سلّم سلّم ثلاثا، ويسمع الشّعر ويتمثل به ويكثر التبسم: ويحب الفأل ولا يتطير، ويغير الاسم القبيح، ويقبل الهدية ويثبت عليها، ويكثر مشاورة أصحابه، ويحسر عن رأسه حتى يصيبه المطر، ويحتاط في نفي التهمة عنه، ويعرف من وجهه رضاه وغضبه، ويخالط الناس ويحذرهم ويحترس منهم، ويتفقد أصحابه، ويقول في حلفه إذا حلف: لا ومقلب القلوب، ويقول: لا والّذي نفسي بيده، ويقول: لا، وأستغفر اللَّه، وإذا أراد أن يقوم من مجلسه قال: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، اشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. فأما جعله يمناه لطهوره ويسراه لدفع الأذى فخرّج ابن حبان من حديث عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عرونة: عن أبي معشر عن إبراهيم: عن الأسود عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كانت يده اليمني لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما به من أذى. وأما محبته التيمن في أفعاله فخرّج مسلم من حديث أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: أن كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليحب التيمين في طهوره إذا تطهر، وفي ترجّله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل.
وأما فعله عند العطاس
وخرّج البخاري ومسلم من حديث الأشعث عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره، وترجّله، وتنعله. لم يقل مسلم: ما استطاع، وقال في نعله وترجله وطهوره. ذكره البخاري في كتاب الصلاة: في باب التيمن في دخول المسجد وغيره، وذكره في كتاب الطهارة في باب التيمن في الوضوء والغسل، وفي كتاب الأطعمة في باب التيمن في الأكل وغيره، وفي كتاب اللباس. وذكر عمر بن شبة من حديث أشعث بسنده هذا: ولفظه عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ شيئا أخذه بيمينه، وإذا أعطى شيئا أعطى بيمينه: ويبدأ بميامنه في كل شيء. وأما فعله عند العطاس فخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث يحيى بن سعيد وأبي خالد الأحمر عن محمد بن عجلان، عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ عطس أمسك على وجهه وغضّ صوته. وقال يحى: خمّر وجهه. وخرّجه الترمذي من حديث يحيى بسنده وقال: كان إذا عطس غطى وجهه بيده أو بثوبه، وغض به صوته، وقال- أي الترمذي-: هذا حديث حسن صحيح. وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته (شك يحيى) . وخرّجه قاسم من حديث إدريس بن يحيى الخولانيّ قال: أخبرني عبد اللَّه ابن عباس عن ابن هرمز عن أبي هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا عطس أحدكم فليضع كفّه على وجه ويخفض صوته. وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر ذي الجناحين يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا عطس حمد اللَّه فيقال له: يرحمك اللَّه، فيقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم. وأما جلسته واحتباؤه واتكاؤه واستلقاؤه فخرّج أبو داود من حديث حجاج بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزياد
عن عمر بن عبد العزيز بن وهيب: سمعت خارجة بن زيد يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أوقر الناس في مجلسه: لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه. وخرّج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن حسان عن جدته عن قيلة بنت مخرمة أنها رأت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد وهو قاعد القرفصاء، قالت: فلما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق. وسيرد في فصل كتب رسول اللَّه بطوله. وله من حديث دبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدريّ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس في المجلس احتبى بيديه. وله من حديث إسرائيل عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متكئا على وسادة على يساره. ولمالك عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول اللَّه مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى، قال أبو عمر بن عبد البر: قدح فيه عبد العزيز بن أبي سلمة: فرواه عن ابن شهاب عن محمود بن لبيد عن عباد بن تميم عن عمه قال: ولا وجه لذكر محمود بن لبيد في هذا الإسناد، وهو من الوهم البين عند أهل العلم. قال فأظن- أن السبب الواجب لإدخال مالك هذا الحديث في موطنه ما بأيدي العلماء من النهي عن هذا المعنى، وذلك أن الليث بن سعد وابن جريج وحماد بن سلمة: رووا عن أبي الزبير عن جابر: قال: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره. وروي محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى ويستلقي، قاله لنرى واللَّه أعلم أن مالكا بلغه هذا الحديث، وكان عنده عن ابن شهاب حديث عباد بن تميم هذا فحدّث به على وجه الدفع لذلك، ثم أردف هذا الحديث في موطنه بما رواه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما كان يفعلان ذلك، فكأنه ذهب إلى أن نهيه عن ذلك منسوخ بفعله، واستدلّ على نسخه بفعل الخليفتين بعده، وذكر من حديث ابن شهاب عن عباد بن تميم أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك. ومن حديث ابن شهاب قال: حدثني عمر
وأما صمته وإعادته الكلام والسلام ثلاثا وهديه في الكلام وفصاحته
ابن عبد العزيز أن محمد بن نوفل أخبره أنه رأى أسامة بن زيد بن حارثة في مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يفعل ذلك، قال: أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع أنه رأى ابن عمر رضي اللَّه عنه يفعل ذلك. وأما صمته وإعادته الكلام والسلام ثلاثا وهديه في الكلام وفصاحته فخرّج أبو بكر محمد بن عبد اللَّه من حديث قيس بن الربيع عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال نعم، كان كثير الصمت. وخرّجه الإمام أحمد من حديث فريك عن سماك، فذكر به نحوه إلا أنه قال: وكان طويل الصمت. وخرّج البخاري من حديث عبد اللَّه بن المثنى، حدثا ثمامة بن عبد اللَّه عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سلم سلم ثلاثا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا ذكره في باب التسليم والاستئذان ثلاثا وفي كتاب العلم ولفظه فيه: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى يفهم عنه، وإذا أتي على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا. ذكره في باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم فقال: ألا وقول الزور، فما زال يكررها، وقال ابن عمرة: هل بلّغت ثلاثا. وخرّج أبو داود من حديث محمد بن إسحاق عن يعقوب عن عتبة عن عمر ابن عبد العزيز عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء. وخرّج من حديث مسعد قال: سمعت شيخا في المسجد يقول: سمعت جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول: كان في كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترتيل وترسيل. وخرّج من حديث الزهري عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلا يفهمه كل من سمعه، وفي رواية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يسرد سردكم هذا، كان يتكلم بكلام ينشئه فصلا يحفظه من يسمعه. وفي رواية كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا لو عدّه العاد لأحصاه.
وفي حديث هند بن أبي هالة: كان لا يتكلم في غير حاجة، طويل السّكت، يفتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فضلا لا فضول فيه ولا تقصير. وفي حديث أم معبد: وكان إذا صمت فعليه الوقار، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، حلو المنطق لا نذر ولا هذر. وخرّج أبو محمد الدارميّ من حديث موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا تكلم يرى كالنور بين ثناياه [ (1) ] . وقال السهيليّ: فقد روي أنه كان يسطع على الجدار نور من ثغره إذا تبسّم، أو قال: تكلم. وفي حديث هند أيضا: كان إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلّبها، وإذا تحدّث أفضل بها، يضرب براحته اليمني باطن إبهامه اليسرى. وقال علي بن الحسين بن واقد: حدثنا أبي عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أنه قال: يا رسول اللَّه! ما بالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: كانت لغة إسماعيل قد درست، فجاء بها جبريل فحفظتها. وقال عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن جده قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم جالسا مع أصحابه، إذ نشأت سحابة، فقالوا: يا رسول اللَّه! هذه سحابة. فقال: كيف ترون قواعدها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ تمكنها!! فقال: كيف ترون رحاها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ استدارتها! قال: وكيف ترون بواسقها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ استقامتها!! فقال: كيف ترون برقها؟ أو ميضا؟ أم خفيا؟ أم يشق شقا؟ قالوا: بل يشق شقا، قال: فكيف ترون جونها؟ قالوا: ما أحسنه وأشدّ سواده!! فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم الحيا. فقالوا: يا رسول اللَّه ما رأينا الّذي هو أفصح منك، قال: وما يمنعني، وإنما أنزل القرآن بلساني لسان عربيّ مبين، قواعدها: أسافلها، واحدها قاعدة، ورحاها: وسطها، وعظمها وبواسقها: ما علا وارتفع منها، واحدتها باسقة، والوميض: اللمع الخفي، والخفي: البرق الضعيف، وجونها: أسودها، والحيا (مقصورا) ، الغيث والخصب، وجمعه أحياء.
وقال شبابة بن سوار: حدثنا الحسام بن مصك عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أفصح الناس: كان يتكلم بكلام لا يدرون ما هو حتى يخبرهم. وعن علي رضي اللَّه عنه: ما سمعت كلمة غريبة [ (1) ] من العرب إلا وقد سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسمعته يقول: «مات حتف أنفه» [ (2) ] ، وما سمعتها من عربي قبله. وقال ابن الجوزي: وكل كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكم وفصاحة، ومن ظرائفه: إياكم وخضراء الدّمن [ (3) ] ، وقوله: إن مما ينبت الربيع لم يقتل [ (4) ] حبطا أو يلم، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين [ (5) ] ، والناس كأسنان المشط [ (6) ] ، والمرء كثير بأخيه [ (7) ] ، وقوله للأنصار: إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع، وقوله: خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة [ (8) ] ، وقوله [خير المال عين ساهرة لعين نائمة] [ (9) ] ، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه [ (10) ] ، وحبك للشيء يعمي
وأما تكلمه بالفارسية
ويصم [ (1) ] ، كل الصيد في جوف الفرا، القناعة مال لا ينفذ [ (2) ] ، ومثل هذا كثير [ (3) ] . وأما تكلمه بالفارسية فخرّج ابن حبان من حديث أبي عاصم النبيل عن حنظلة بن أبي سفيان عن سعيد بن مينا عن جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه: قوموا فقد صنع لكم جابر سورا، قال ثعلب: إنما يراد من هذا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تكلم بالفارسية، قوله: صنع سورا: أي طعاما دعا إليه الناس [ (4) ] . وخرّج أيضا من حديث الصلت بن الحجاج عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال: مرّ بي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أشتكي بطني فقال: يا أبا هريرة، عليك بالصلاة فإنه شفاء من كل سقم، قال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يثبت عند علماء النقل، وقد رويناه من أربعة طرق عن أبي هريرة، ومدارها على داود ابن علية، قال يحيى: لا يكتب حديثه، وقال مرة: ليس بشيء، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا أصل له، وهذه الطريق التي يرويها ابن حبان عن الصلت لا تصح. قال أبو أحمد بن عدي الحافظ: حديث الصلت منكر، قال ابن الجوزي: ولعله أخذه من داود بن علية، ثم مدار الكل على ليث وقد ضعّفوه، قال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وكان ثعلب الأسانيد، ويأتي عن الثقات بما ليس في حديثهم. وقال علماء النقل: أبو هريرة لم يكن فارسيا، إنما مجاهد فارسي، والّذي قال هذا أبو هريرة خاطب به مجاهدا، ومن رفعه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد وهم. وقد روي هذا الحديث إبراهيم بن البراء من طريق أبي الدرداء، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له ذلك، وإبراهيم يحدّث بالأباطيل، قال ابن حبان: يحدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات.
وأما سماعه الشعر واستنشاؤه وتمثله به
وأما سماعه الشعر واستنشاؤه وتمثله به فقال عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يحاصر أهل الطائف لكعب بن مالك وهو إلى جنبه: هيه، لينشده فأنشده قصيدة. وخرّج مسلم في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد من حديث سفيان ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم، قال: هيه، فأنشدته بيتا فقال: هيه، ثم أنشدته بيتا فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت [ (1) ] . وخرّجه من حديث عبد الرحمن بن مهدي، والمعتمر بن سليمان، كلاهما عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: - استنشدني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثل حديث إبراهيم بن ميسرة، وزاد قال: إن كان كاد ليسلم. وفي حديث ابن مهدي قال: فلقد كاد يسلم في شعره. ذكره في كتاب الأدب. وقال البغوي: أخبرنا داود بن رشيد، حدثنا يعلي بن الأشدق قال: سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [حتى] بلغنا: السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو بعد ذلك مظهرا فقال ابن المطهر: يا أبا ليلى! قلت الجنة؟ قال أجل إن شاء اللَّه: ثم قلت: ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر تحمى صفوه إن تكدّرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أجدت: لا يفضض اللَّه فاك (مرتين) . وقال أبو عبد اللَّه إبراهيم بن محمد بن عرفة: حدثنا أحمد بن يحيى عن محمد
ابن سلام، أخبرنا محمد بن سليمان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد ابن المسيب قال: قدم كعب بن زهير متنكرا حين بلغه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوعده، فأتى أبا بكر رضي اللَّه عنه، فلما صلّى الصبح أتاه به وهو متلثم بعمامته، فقال: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، رجل يبايعك على الإسلام، فبسط يده فحسر عن وجهه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، هذا مقام العائذ بك من النار، أنا كعب بن زهير، فتجهمته الأنصار وغلظت له لما كان من ذكره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلانت له قريش وأحبوا إسلامه، فأمّنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنشده مدحته التي يقول فيها: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول فكساه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بردة اشتراها معاوية بن أبي سفيان من الكعب بن زهير بعده بمال كثير، فهي البردة التي يلبسها الخلفاء في العيدين [ (1) ] . وقال عمرو بن شيبة: حدثنا أحمد بن عيسى، حدثني مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، حدثني سهل بن المغيرة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: دخل رسول اللَّه وأنا [أنشد] [ (2) ] هذين البيتين: ارفع ضعيفك لا يحربك ضعف ... يوما فتدركه عواقب ما جني [ (3) ] يجزيك أو يثنى عليك، وإنّ من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى [ (4) ]
فقال: ردي علي قول اليهودي قاتله اللَّه، لقد أتاني جبريل برسالة من ربي: أيّما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد له جزاء إلا الثناء والدعاء فقد كافأه [ (1) ] : قيل هما لغريض اليهودي، وهو السموأل بن عادية، وقيل لزيد بن عمرو بن نفيل، وقيل لورقة بن نوفل، وقيل لزهير بن جناب: وقيل عامر الحرمي، والصحيح أنهما لغريض أو لابنه. قال ابن الجوزي: وقد أنشده جماعة منهم العباس، وعبد اللَّه بن رواحة، وحسان وضرار، وأنس بن زنيم، وعائشة في خلق كثير، قد ذكرتهم في كتاب أحكام الانتشاء. وخرّج الترمذي من حديث شريك، عن المقدام بن شريح عن أبيه عائشة رضي اللَّه عنها، قال: قيل لها: هل كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل بشعر ابن رواحة [ (2) ] ، ويتمثل ويقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد [ (3) ] قال هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] . وخرّجه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل من الأشعار: ويأتيك بالأخبار من لم تزود وخرّجه النسائي من حديث هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا استراث الخبر تمثل بقافية طرفة:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود [ (1) ] وخرّجه الإمام أحمد بهذا السند ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا استراث الخبر تمثل فيه ببيت طرفة، فذكره. وخرّجه البخاري في الأدب المفرد من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك: عن عكرمة قال: سألت عائشة رضي اللَّه عنها: هل سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل شعرا قط؟ فقالت: كان أحيانا إذا دخل بيته يقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود وخرّج عبد الرزّاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فنزل رجل من المهاجرين فزجر بهم فقال: لم يغذها مدّ ولا يضيف ... ولا تميرات ولا تعجيف لكن غذاها اللبن الخريف ... المحصي القارص والصريف فقالت الأنصار: انزل يا كعب: فإنما يعرض بنا، فنزل كعب بن مالك فقال: لم يغذها مدّ ولا نصيف ... ولا تميرات ولا تعجيف لكن غذاها الحنظل النقيف ... ومذقة كططرة الخيف تنبت بين الزرب والكنيف قال: فخاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكون بينهما شيء، فأمرهما فركبا. وخرّجه عن معمر قال: حدثني أبو حمزة الثمالي بنحو حديث هشام وزاد فيه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عطف ناقته وأمرهما فركبا. وخرّجه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أصدق بيت قاله الشاعر، قول لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل [ (2) ]
ذكره البخاري في كتاب الرقاق. وخرّجا من حديث سفيان عن عبد الملك بن عمير قال: حدثنا أبو سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم. وقال البخاري: الشاعر. ذكره في كتاب الأدب، وفي أيام الجاهلية، وفي لفظ لمسلم والترمذي قال: أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد، فذكره. وفي لفظ لمسلم: إن أصدق بيت قاله الشاعر، فذكره. وكان أمية بن أبي الصلت أن يسلم. وفي آخر: إن أصدق كلمة قالها شاعر: كلمة لبيد. وخرّج البخاري ومسلم من حديث قتيبة: حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخندق وهم يرتجزون ونحن ننقل التراب على أكبادنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة وخرّجه مسلم مثله سواء. ذكره البخاري في غزوة الخندق، وفي كتاب المناقب، وذكره في كتاب الرقاق ولفظه فيه: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة وذكره في غزوة الخندق في كتاب الجهاد، وفي عدة مواضع. وذكره مسلم من عدة طرق.
وأما تبسمه صلى الله عليه وسلم
وخرّجا من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب ينقل معنا التراب، ولقد رأيته وارى التراب بياض بطنه وهو يقول: واللَّه لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... إن الأولى قد بغوا علينا قال: وربما قال: إن الملا أبوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا ويرفع بها صوته وقال البخاري: ولولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، إن الأولى، وربما: إن الملأ قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا. يرفع بها صوته وكرره في عدة مواضع [ (1) ] . وخرجا من حديث شعبة عن أبي إسحاق قيل للبراء: أولّيتم مع النبي يوم حنين؟ فقال: أمّا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلا، كانوا رماة، فقال: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب [ (2) ] وكرراه. وخرّجا أيضا من حديث شعبة عن الأسود بن قيس عن جندب بن أبي سفيان البجلي قال: أصاب حجر إصبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدميت فقال: هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لاقيت؟ وخرّجه الترمذي أيضا. وأمّا تبسّمه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسّم.
وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد اللَّه بن الحارث بن جزء يقول: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرّج ابن حبان من حديث عبد الحميد بن زياد بن صهيب عن أبيه عن صهيب قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه. وخرّج من حديث بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري عن شيخ يكنى أبا عبد اللَّه الصمد قال: سمعت أم الدرداء تقول: كان أبو الدرداء إذا حدّث حديثا تبسم، فقلت: لا يقال أنك أي أحمق، فقال: ما رأيت أو سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا إلا تبسم. وفي رواية كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقلت له: إني أخشى أن يحمقك الناس، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث لا تبسم. ومن حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت أنيابه. وكذا من حديث وهب بن جرير، أخبرنا أبي قالت سمعت ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي اللَّه- وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان- فقالوا للنعيمان: ويحك! إنّ ناقته نادية- أي سمينة- فلو نحرتها فانا قد قدمنا إلى اللحم، ولو فعلت عزمها رسول اللَّه وأكلنا لحمها، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه وجد عليّ قالوا: إلا تفعل، فقام فضرب في لبته ثم انطلق، فمرّ المقداد قد حفر حفرة استخرج منها طينا فقال: يا مقداد، غيبني في هذه الحفرة وأطبق عليّ شيئا ولا تدل عليّ أحدا، فإنّي قد أحدثت حدثا، ففعل، فلما خرج الأعرابي ورأى ناقته صرخ! فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان، قال: فأين توجه؟ قالوا: هاهنا، فتبعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حمزة وأصحابه حتى أتى على المقداد فقال له: هل رأيت نعيمان؟ فصمت، فقال: لتخبرني أين هو؟ فقال: ما لي به علم، وأشار بيده إلى مكانه، فكشف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحفرة، فلما رآه قال: أي عدوّ نفسه، ما حملك على ما صنعت؟ قال: والّذي بعثك بالحق لأمرني حمزة وأصحابه، فأرضى
عليه السلام الأعرابيّ وقال: شأنكم بها، فأكلوها، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه. وقال زائدة عن أبان عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك [ (1) ] . وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكى عن رجل أخرج من النار فقيل له: تمنّ، فتمنى، فيقال له: ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟ فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (2) ] . ولابن حبان من حديث الليث عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد!! كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم، فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه مثلي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت له ذلك فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم
وأما محبته الفأل وتركه الطيرة وتغييره الاسم القبيح
اللَّه، أو قال: لقد رضي اللَّه حكمك فيهم [ (1) ] . قال ابن الجوزي: وهذا الحديث لا يثبت، فيه جماعة مجروحون ولا يصح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يزيد عن التبسم. وخرّج الإمام أحمد وأبو يعلي والبراء والطبراني في الكبير من حديث هشام عن أبي الزبير عن عبد اللَّه بن سلمة عن علي أو عن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطبنا فيذكرنا بأيام اللَّه حتى يعرف ذلك في وجهه وكأنه نذير قوم يصبّحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكا حتى يرتفع. وأما محبته الفأل وتركه الطيرة وتغييره الاسم القبيح فخرج مسلم من حديث يحيى بن عتيق قال: أخبرنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح. ومن حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوي ولا هامة، ولا طيرة وأحب الفأل الصالح. وخرّجا من حديث معمر وشعيب عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن أبا هريرة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا طيرة وخيرها الفأل، قيل يا رسول اللَّه وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم. وخرّج البخاري وأبو داود من حديث هشام: أخبرنا قتادة عن أنس عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا عدوي ولا طيرة، ويعجبني الفأل الكلمة الحسنة. وخرّج أبو داود من حديث هشام عن قتادة عن عبيد اللَّه بن مريدة عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا
أعجبه اسمه فرح به رئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهة ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإذا أعجبه اسمها رئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية ذلك في وجهه. وقال مالك عن يحيى بن سعيد: أن رسول اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال للقحة تحلب: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال الرجل: مرّة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال: حرب، فقال له: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال: يعيش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احلب. هكذا رواه مالك موقوفا على يحيى [ (1) ] . وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يتطير ولكن يتفأل، فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه: من أنت؟ قال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال: برد أمرنا وصلح، ثم قال ممن؟ قال: من أسلم، فقال لأبي بكر سلمنا، ثم قال: ممن؟ قال: من سهم، قال: خرج سهمك. فقال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: فمن أنت؟ قال: محمد ابن عبد اللَّه رسول اللَّه، قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك عبده ورسوله، فأسلم بريدة وأسلم الذين معه جميعا، فقال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تدخل المدينة إلا معك لواء، فحلّ عمامته ثم شدّها في رمح ثم مشي بين يديه حتى دخل المدينة. قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت [له] [ (2) ] بنو سهم طائعين. وخرّج الترمذي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس: أن نبي اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج لحاجته يعجبه أن يسمع يا راشد.. يا نجيح. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. وخرّج البزار من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوه حسن الوجه حسن الاسم، ذكره أنه لا يعلم رواه عن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه إلا قتادة. وقال هشام الدستواني عن يحيى بن كثير قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمراء الأجناد ألا توفدوا إلينا إلا برجل حسن الوجه حسن الاسم. وخرّج ابن حبان من حديث مبارك بن فضالة عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع كلمة فأعجبته فقال: أخذنا فألك من فيك. وخرّج الترمذي من حديث عمر بن علي المقدمي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يغير الاسم القبيح، وربما قال عمر ابن علي في هذا الحديث هشام بن عروة عن أبيه، ولم يذكر فيه عائشة. وخرّج مسلم والترمذي من حديث يحيى عن سعيد عن عبيد اللَّه قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غيّر اسم عاصية وقال: أنت جميلة [ (1) ] . ولمسلم من حديث سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت جويرة اسمها برّة، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمها جويرة، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة [ (1) ] . وللبخاريّ ومسلم من حديث شعبة عن عطاء بن ميمونة عن أبي رافع عن أبي هريرة أن زينب ان اسمها برة، فقيل تزكي [ (2) ] نفسها، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب.
ولمسلم من حديث الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمر عن عطاء قال: حدثتني زينب ابنة أم سلمة قالت: كان اسمي برة، فسمّاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب، قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها برة فسماها زينب. ومن حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمر بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب ابنة أبي سلمة: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهي عن هذا الاسم، وسميت برّة فقال رسول اللَّه: لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البرّ منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث عبيد اللَّه بن عمر عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر، قال: فدعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني أمرت أن أغير اسم هذين، قلت: اللَّه ورسوله أعلم، فسماهما حسنا وحسينا. وخرّج قاسم بن أصبغ وأحمد بن حنبل من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال بل هو حسين، فلما ولد الثالث جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابن، ما سميتموه؟ قلت: حربا، قال هو محسن [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد حديث سفيان عن أبي إسحاق عن رجل من جهينة قال: سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يقول يا حرام، فقال: يا حلال. ومن حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا عبيد اللَّه بن إياد [ (3) ] بن لقيطة [السدوسي] [ (4) ] عن أبيه عن ليلى امرأة بشير بن الخضامية عن بشير قال- وكان
قد أي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واسمه زحم- فسماه النبي بشيرا [ (1) ] . ومن حديث إسماعيل بن عياش عن بكر بن زرعة الخولانيّ عن مسلم بن عبد اللَّه الأزدي قال: جاء عبد اللَّه بن قرظ الأزدي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: ما اسمك؟ قال: شيطان بن قرظ، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنت عبد اللَّه بن قرظ. ومن حديث شعبة عن عبد اللَّه بن أبي السفر [ (2) ] عن عامر الشعبي عن عبد بن مطيع ابن الأسود، حدثني عدي بن كعب عن أبيه مطيع- وكان اسمه العاصي- فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطيعا. قال سمعت رسول اللَّه حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا. ولأبي داود [ (3) ] من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، قال سعيد: فظننت أن ستصيبنا بعده حزونة. قال أبو داود: وغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمه العاص وعزيز وعتلة [ (4) ] وشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما، وسمي حربا سلما [ (5) ] ، وسمي المضطجع المنبعث، وأرض
تسمى عفرة [ (1) ] سماها خضرة، وشعب الضلالة سماها شعب الهدى، وبني الزنية سماهم بني الرّشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة [ (2) ] . قال أبو داود: وتركنا أسانيدهما للاختصار. وخرّج بقي [بن] مخلد من حديث عبدة بن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ بأرض تسمى مجدبة فسماها خضرة. وخرّج البخاري من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال لا أغير اسما سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعده. ترجم عليه باب اسم الحزن، وذكره أيضا في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه. [و] [ (3) ] من حديث ابن جريج، أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني أن جده قدم على النبي فقال: ما اسمك؟ (الحديث بنحو منه) . وللبخاريّ ومسلم من حديث أبي غسان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتي بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء بين يديه، فأتي أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأقلبوه [ (4) ] ، ...
فاستفاق النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين الصبي؟ فقال أبو أسيد: أقلبناه يا رسول اللَّه، قال ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لا، ولكن اسمه المنذر، فسماه يومئذ المنذر. وذكره البخاري [ (2) ] في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه ولم يقل: فأقلبوه، وقال: ولكن اسمه المنذر، لم يذكر لا. وخرّج أبو داود [ (3) ] من حديث بشير بن ميمون عن عمه عن أسامة ابن أخدريّ أن رجلا يقال له أصرم كان في النفر الذين أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما اسمك؟ قال [أنا] [ (4) ] أصرم، قال: بل أنت زرعة. وقال أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا يزيد بن المقدام بن شريح عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هانئ بن شريح أنه ذكر أنه أول ما وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه سمعهم وهو يكنون هاني أبا الحكم، فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنه اللَّه هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكن أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء فحكمت بينهم رضى كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا، قال: فما لك من الولد؟ قال: شريح بن هاني وعبد اللَّه ومسلم قال أين أكبرهم؟ قال: شريح، قال: أنت أبو شريح، فدعاه له ولولده، وسمع القوم وهم يسمون رجلا منهم عبد الحجر فقال: ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال: بل أنت عبد اللَّه- وأنه لما حضر خروج القوم إلا بلادهم أعطى كل رجل منهم [] [ (5) ] في بلاده حيث أحب، إلا أن هانئ قال له: يا رسول اللَّه، أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: عليك بحسن الكلام وبذل الطعام. وذكره أبو داود في باب تغيير الاسم القبيح إلى قوله-: فأنت أبو شريح، وبعده قال أبو داود: هذا هو الّذي كسر السلسلة وهو ممن دخل تستر. وخرّجه النسائيّ [ (6) ] أيضا والبخاري في الأدب المفرد [ (7) ] .
وأما قبوله الهدية ومثوبته عليها
وأما قبوله الهدية ومثوبته عليها فخرج أبو بكر الشافعيّ من حديث علي بن خشرم قال: حدثنا عيسى ابن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبل الهدية ويثيب عليها، وقالت عائشة رضي اللَّه عنها لعروة: ابن أختي! لتنظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: قلت: يا خالة! ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول اللَّه جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانها فيسقينا. وفي رواية: كانت لم منائح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ألبانهم فيسقينا. وخرّج البخاري من حديث الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدى إليّ ذراع لقبلت. وأما مشاورته أصحابه فقال تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [ (1) ] . وقد اختلف السلف في المعنى الّذي من أجله أمر اللَّه تعالى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يشاورهم فيه، فقال بعضهم: أمره بمشاورة أصحابه في مكائد الحروب وعند لقاء العدو، وتطييبا منه بذلك لأنفسهم، وتألفا لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان اللَّه تعالى قد أغناه بتدبيره له أموره، وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم، وإلى هذا ذهب قتادة والربيع وابن إسحاق والشافعيّ. قال قتادة: أمر اللَّه تعالى نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم، وإن القوم إذا شاور بعضهم بعضا وأرادوا بذلك وجه اللَّه، عزم اللَّه لهم على رشده. وقال الربيع: أمر اللَّه نبيه أن يشاور أصحابه في الأمور وهو يأتيه الوحي من السماء، لأنه أطيب لأنفسهم.
وقال ابن إسحاق: وشاورهم في الأمر: أي لقولهم أنك تسمع منهم وتستعين بهم، وإن كنت عنهم غنيا، تألفهم بذلك على دينهم. وقال الشافعيّ، وكقوله عليه السلام: والبكر تستأمر، تطييبا لقلبها لأنه واجب. وقال آخرون: بل أمره اللَّه بمشورتهم في ذلك ليتبين له الرأى وأصوب الأمور في الأمور، لما علم اللَّه تعالى في المشورة من الفضل. وإلى هذا ذهب الضحاك ابن مزاحم والحسن. قال الضحاك: ما أمر اللَّه نبيه بالمشورة إلا لما علم فيها من الفضل، وعن الحسن: ما شاور قوم قطّ إلا هدوا لأرشد أمورهم. وقال آخرون: إنما أمره [ (1) ] اللَّه بمشاورة أصحابه مع استغنائه عنهم، ليتبعه المؤمنون وبعده فيما جدّ لهم من أمر دينهم، لأنهم إذا تشاوروا في أمر دينهم متبعين الحق في المشورة، لم يخلهم اللَّه من لطفه وتوفيقه إياهم للصواب من الرأي، ونظيره قوله تعالى فيما مدح به المؤمنين: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ [ (2) ] . قال سفيان بن عيينة في قوله: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ: قال: هي للمؤمنين أن يتشاوروا فيما لم يأتهم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه أثر. واختار أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: أن اللَّه تعالى أمر نبيه بمشاورة أصحابه فيما حزبه [ (3) ] من أمر عدوّه ومكائد حربه تألفا منه بذلك لمن لم يأمن عليه الفتنة، وتعريفا لأمته ليقتدوا به في ذلك عند النوازل، وأما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن اللَّه تعالى كان يعرف مطالب ما جدّ به من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه بالصواب، وأما أمته إذا تشاوروا مستنين بفعله فإنه تعالى يسددهم [ (4) ] . وقد خرّج ابن حبان من حديث طلحة بن زيد عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رأيت رجلا أكثر استشارة للرجال من
وأما ما يفعله عند نزول المطر
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد ذكرت فيما يأتي فصلا في ذكر من شاوره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ورجعه إلى رأيه، فتأمّله ففيه ما لم أره مجموعا كما أوردته فيه واللَّه أعلم. وأمّا ما يفعله عند نزول المطر فخرج مسلم من حديث يحيى بن يحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت البنانيّ عن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطر، قال: فحسر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثوبه حتى أصابه المطر، فقلنا: يا رسول اللَّه! لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربّه [ (1) ] . وخرّج ابن حبان من حديث أيوب بن مدرك عن مكحول عن معاوية بن قرة [ (2) ] قال: سمعت أبا هريرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يكشفون رءوسهم في أول مطر يكون من السماء في العام ويقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه أحدث بربنا وأعظمه بركه. وخرّج الحاكم من حديث أبي عامر العقدي حدثنا سليمان بن سفيان المديني، حدثني بلال [ (3) ] بن طلحة بن عبيد اللَّه عن أبيه عن جده أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا رأى الهلال قال: اللَّهمّ أهلّه علينا باليمن [ (4) ] والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك اللَّه [ (5) ] . ومن حديث عفان: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا أبو مطر عن سالم عن ابن عمر قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سمع الرعد والصواعق قال: اللَّهمّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (6) ] .
وأما احتياطه في نفي التهمة عنه
وأمّا احتياطه في نفي التّهمة عنه فخرّج البخاري ومسلم من حديث أبي سليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: عن [عليّ] [ (1) ] بن الحسين أن صفية زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرته أنها جاءت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مرّ رجلان من الأنصار فسلما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها صفية [ (2) ] ، فقالا: سبحان اللَّه يا رسول اللَّه! وكبر عليهما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا. ذكره البخاري في الاعتكاف، وترجم عليه باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟. وذكره مسلم في كتاب الأدب، وذكره البخاري في كتاب الخمس في باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي [ (3) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث عبد الرحمن بن خالد عن شهاب بنحوه، وفيه: فسلّما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم نفذا فقال: على رسلكما، قالا: سبحان اللَّه! الحديث. وذكره في كتاب الأدب في باب التكبير والتسبيح عند التعجب، من حديث أبي اليمان عن شعيب، ومن حديث محمد بن أبي عتيق كلاهما عن ابن شهاب، وذكره في الاعتكاف باختلاف ألفاظ. وأمّا ما يفعله إذا ورد عليه ما يسرّه فخرّج أبو داود [ (4) ] في سننه وفي كتاب الجهاد عن مخلد بن خالد، وخرّج أبو عيسى الترمذي [ (5) ] في السّير من جامعه عن محمد بن المثنى، وخرّج ابن ماجة [ (6) ] عن عبدة بن عبد اللَّه وأحمد بن يوسف، أربعتهم عن أبي عاصم الضحاك
وأما ظهور الرضى والغضب في وجهه
ابن مخلد الشيبانيّ النبيل [ (1) ] عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن بكرة رضي اللَّه عنه ان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أتاه أمر يسرّه أو بشّر به خرّ ساجدا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث بكار بن عبد العزيز، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا سجدة الشكر. انتهى. وذكره أبو بكر البزار في مسندة قال: حدثنا عمرو بن عليّ، حدثنا أبو عاصم بهذا الإسناد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سرّ بأمر بشّر به فخرّ ساجدا. وذكر يونس بن بكير عن عنبسة بن الأزهر عن ابن إسحاق قال: لما جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل، استحلفه ثلاثة أيمان باللَّه الّذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا فحلف له، فخرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساجدا، أو قد جاء أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى لما بشّر بقتله [ركع] [ (2) ] ركعتين. وجاء من طريق ابن لهيعة: حدثني موسى ابن وردان العامري عن أبي هريرة قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقعدا فخرّ ساجدا. وأمّا ظهور الرضى والغضب في وجهه فخرّج ابن حبان من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب عن عمه عن عبد اللَّه بن كعب عن كعب بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّه الأمر استنار وجهه كأنه دارة القمرة. وله من حديث الليث عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسرورا تبرق أسارير وجهه. وله من حديث جامع بن أبي راشد عن منذر الثوري عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سرّه الأمر استنار وجهه. وخرّج الحاكم من حديث أبي همام محمد بن حبيب، حدثنا سفيان الثوري، حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
وأما مخالطته الناس وحذره واحتراسه منهم وتفقده أصحابه
إذا ذكر الساعة احمرّت وجنتاه واشتد غضبه وعلا صوته، كأنه منذر جيش صبحتكم مساتكم، قال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرّج ابن حبان وله من حديث قتادة عن أبي السوار عن عمران بن حصين قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا كره شيئا عرف في وجهه. وله من حديث عبد اللَّه بن إدريس عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا اشتد وجده أكثر من مسّ لحيته. وخرّج الحاكم من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول اللَّه، أتأذن لي فأكتب ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت: في الرضى والغضب؟ قال: نعم، فإنه لا ينبغي أن أقول عند الرضى والغضب إلا حقا. قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (1) ] . وأما مخالطته الناس وحذره واحتراسه منهم وتفقده أصحابه ففي حديث هند بن أبي هالة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحرز لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي على أحد بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس. وفي حديث علي رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجود الناس وأصدقهم لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث همام: حدثنا رجل من الأنصار أن أبا بكر بن عبد اللَّه بن قيس حدثه أن أباه حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يكثر زيارة الأنصار خاصة وعامة، وكان إذا زار خاصة أتى الرجل في منزله، وإذا زار عامة أتى المسجد.
وأما يمينه إذا حلف
وأمّا يمينه إذا حلف فخرّج البخاري من حديث موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ومقلب القلوب. وخرّج من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. وهو مما اتفقا عليه [ (1) ] . وخرّجا من حديث إسماعيل بن جعفر عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثا وأمّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن تطعنوا في إمارته، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده. اللفظ للبخاريّ وقد كرره في مواضع. وقد أورد البخاري رحمه اللَّه في باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جملة من الأحاديث، منها يمينه: والّذي نفسي بيده، وبو الذي نفس محمد بيده: ولبقي ابن مخلد من حديث حماد بن خالد عن محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كانت يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا وأستغفر اللَّه وأمّا قوله إذا أراد القيام من مجلسه فخرّج أبو داود من حديث الحجاج بن دينار عن أبي هاشم عن أبي العالية عن أبي برزة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول بآخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. فقال رجل: يا رسول اللَّه، إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما ما مضى، قال: كفارة لما يكون في المجلس. وخرّجه النّسائي بنحو أو قريب منه. والنسائي من حديث الليث عن ابن الهاد عن يحي بن سعيد عن زرارة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقوم من مجلس إلا قال: لا إله
فصل في ذكر زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا وإعراضه عنها وصبره على القوت الشديد فيها واقتناعه باليسير منها وأنه كان لا يدخر إلا قوت أهله، وصفة عيشه، وأنه اختار الله والدار الآخرة
إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، فقلت: يا رسول اللَّه! ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت! قال: لا يقولهن أحد حين يقوم من مجلسه إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس. وفي لفظ له: قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قام من مجلس يكثر أن يقول: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، وساق الحديث بنحوه. فصل في ذكر زهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الدنيا وإعراضه عنها وصبره على القوت الشديد فيها واقتناعه باليسير منها وأنه كان لا يدخر إلّا قوت أهله، وصفة عيشه، وأنه اختار اللَّه والدار الآخرة قال اللَّه جل جلاله: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] . وأما زهده في الدنيا وإعراضه [ (2) ] عنها فقد [ (3) ] روى أنه عليه السلام خيّر بين أن يكون عبدا نبيا وبين أن يكون ملكا نبيا، فاستشار فيه جبريل عليه السلام فأشار عليه بأن يتواضع، فاختار أن يكون عبدا نبيا. وخرّج يعقوب بن سفيان الفسوي، من حديث بقية بن الوليد، عن الزبيدي عن الزهري، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس رضي اللَّه عنه يتحدث أن اللَّه عزّ وجلّ أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل عليه السلام، فقال الملك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا نبيا، فالتفت نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير له، فأشار جبريل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أكون عبدا نبيا، قال: فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا حتى لقي ربه عزّ وجلّ [ (4) ] .
وقال عمر بن الخطاب: رضي اللَّه عنه في حديث اعتزال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه: فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خزانته، فإذا هو مضطجع على حصير، فأدني عليه إزاره وجلس، وإذا الحصير أثّرت بجنبه، وقلّبت عيني في خزانة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا ليس فيها شيء من الدنيا غير قبضتين- أو قال قبضة- من شعير، وقبضة من قرظ نحو الصاعين، وإذا أفيق أو أفيقان معلقان، فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا رسول اللَّه! وما لي لا أبكي وأنت صفوة اللَّه ورسوله، وخيرته من خلقه، وهذه خزانتك، وهذه الأعاجم كسرى وقيصر، في الثمار والأنهار، وأنت هكذا؟ قال: يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: فاحمد اللَّه. وذكر الحديث. وفي لفظ قال: فجلست فرفعت رأسي في البيت، فو اللَّه ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهب ثلاثة، فقلت: أدع اللَّه يا رسول اللَّه أن يوسع على أمتك، فقد وسّع على فارس والروم وهم لا يعبدون اللَّه، فاستوى جالسا فقال: أفي شك يا ابن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: أستغفر اللَّه يا رسول اللَّه. وفي رواية أنس: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على سرير مرمول بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عليه عمر وناس من أصحابه، فانحرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم انحرافة، فرأى عمر- رضي اللَّه عنه- أثر الشريط في جنبه فبكى، فقال له: ما يبكيك يا عمر؟ فقال عمر: وما لي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا، وأنت على الحال التي أرى؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمر! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى، قال: هو كذلك. ولأبي داود من حديث عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه قال: اضطجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على حصير فأثر الحصير بجلده، فجعلت أمسحه عنه وأقول: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه؟ فقال: ما لي وللدنيا؟ ما أنا والدنيا؟ إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. وخرّجه الترمذي بهذا السند ولفظه: نام رسول اللَّه على حصير فقام وقد أثّر
في جنبه، فقلنا يا رسول اللَّه! لو اتخذنا لك؟ فقال: ما لي والدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها. قال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . وخرّجه الحاكم من حديث ثابت بن زيد: حدثنا هلال بن خباب [ (2) ] عن عكرمة عن ابن عباس، ومن حديث عمرو بن مرة كما تقدم وصححاه. وخرّج ابن حبان من طريق أبي حسين الجعفي عن فضيل بن عياض عن مطرح ابن يزيد عن عبيد اللَّه بن زحر عن القثم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عرض عليّ ربي بطحاء مكة ذهبا فقلت: لا يا رب، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا شبعت حمدتك وشكرتك، وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك [ (3) ] . وله من حديث محمد بن حمير عن الزارع بن نافع عن أبي سلمة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: اتخذت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فراشين حشوهما ليف وإذخر فقال: يا عائشة! ما لي والدنيا؟ إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة في أصلها، حتى إذا فاء الفيء ارتحل فلم يرجع إليها أبدا. وخرّج الإمام أحمد من حديث مالك بن مغول عن مقاتل بن بشير عن شريح ابن هانئ قال: سألت عائشة عن صلاة رسول اللَّه قالت: لم تكن صلاة أحرى أن يؤخرها إذا كان على حدث من صلاة العشاء الآخرة، وما صلاها قط فدخل عليّ إلّا صلّى بعدها أربعا أو ستا، وما رأيته متقى الأرض بشيء قط [ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا له نطعا، فكأني انظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منه] [ (4) ] . وله من حديث ابن لهيعة عن الأسود عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: ما أعجب رسول اللَّه شيئا من الدنيا ولا أعجبه أحد قط إلا ذو تقى. وفي رواية: ولا أعجبه شيء من الدنيا إلا أن يكون فيها ذو تقى. وله من حديث مروان بن معاوية قال: أخبرني هلال بن يزيد أبو يعلي قال: سمعت أنس بن مالك يقول:
وأما صبره على القوت الشديد وقنعه من الدنيا بالشيء اليسير
أهديت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائرا، فلما كان من الغد أتيته به فقال لها: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد؟ فإن اللَّه يأتي برزق كل غد [ (1) ] . وروي بكر بن مضر عن أبي هاني عن علي بن رباح أنه سمع عمرو بن العاص وهو على المنبر يقول: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها. ولأبي نعيم من حديث الفضيل بن عياض، أخبرنا سفيان الثوري عن عون ابن أبي جحيفة عن أبيه أن معاوية ضرب على الناس بعثا فخرجوا، فرجع أبو الدحداح فقال له معاوية: ألم تكن خرجت مع الناس؟ قال: بلى، ولكني سمعت من رسول اللَّه حديثا فأحببت أن أضعه عندك مخافة أن لا تلقاني، سمعت [من] [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا أيها الناس من ولى منكم عملا فحجب بابه عن ذي الحاجة المسلم [ (3) ] حجبه اللَّه أن يلج باب الجنة، ومن كانت الدنيا نهمته حرّم اللَّه عليه جواري، فإنّي بعثت بخراب الدنيا ولم أبعث بعمارتها [ (4) ] . وأما صبره على القوت الشديد وقنعه من الدنيا بالشيء اليسير فخرّج البخاري من حديث عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا. ذكره في باب كيف كان عيش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] . وخرّجه عنه مسلم بمثله في كتاب الأدب. وفي رواية: اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا، وفي رواية: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا، وفي رواية: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد كفافا. وقال محمد بن دينار الأزدي عن هشام بن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: ما رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قط عشاء الغداء ولا غداء العشاء، ولا اتخذ من شيء زوجين، لا قميصين ولا رداءين ولا إزارين ولا من النعال، ولا
رئي قط فارغا في بيته، إما يخصف نعلا لرجل مسكين، أو يخيط ثوبا لأرملة. وخرّج البخاري من حديث عبد الرزّاق عن معمر عن همام سمع أبا هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت أن لا تأتي ثلاث وعندي منه دينار، ليس شيء أرصده في دين عليّ أجد من يقبله. ذكره في كتاب التمني في باب تمني الخير [ (1) ] . وخرّج في كتاب الرقاق من حديث يونس عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال أبو هريرة: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرّني ألا تمرّ عليّ ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين. وذكره في كتاب الاستقراض في باب أداء الدين، قال بعقبه: رواه صالح وعقيل عن الزهري. وذكر في الرقاق حديث أبي ذر رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما يسرّني أن عندي يمثل أحد ذهبا تمضي عليّ ثلاثة وعندي منه دينار إلا شيء أرصده لديني. وخرّجه مسلم من طرق، وخرّجه الإمام أحمد أيضا، ولأحمد من حديث الأعمش عن شقيق [ (2) ] ، عن مسروق عن عائشة قالت: ما ترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دينارا ولا درهما، ولا شاة ولا بعيرا، ولا أوصى بشيء. ولابن سعيد من حديث الأعمش عن عمرو بن عمر، عن أبي نصر، سمعت عائشة تقول: إني لجالسة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في البيت، فأهدى لنا أبو بكر رجل شاة، فإنّي لأقطعها مع رسول اللَّه في ظلمة البيت، فقال لها قائل: يا محمد! ألكم سراج؟ فقالت: لو كان لنا ما يسرج به أكلناه. وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أخفت في اللَّه ولا أخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذي [ (3) ] أحد، ولقد أتت عليّ ما بين ثلاثين من يوم وليلة، ما لي طعام آكله إلا شيء يواريه إبط بلال. خرجه ابن حبان في صحيحه.
وأما أنه لا يدخر إلا قوت أهله
وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، حدثنا وكيع عن حماد عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في اللَّه وما نخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثة ما بين يوم وليلة ما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما والاه إبط بلال. وأما أنه لا يدّخر إلّا قوت أهله فخرج ابن حبان من حديث قيس بن حفص، أخبرنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يدخر شيئا. وخرّج البخاري من حديث عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة قال: صليت وراء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة العصر، فسلم فقام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته فقال: ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته. وفي حديث روح فقال: ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ عندنا، فكرهت أن يمسى أو يبيت عندنا، فأمرت بقسمته [ (1) ] . ذكره في كتاب الصلاة في باب يفكر الرجل [ (2) ] [في] [ (3) ] الشيء في الصلاة، وذكره في كتاب الزكاة في باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها ولفظه: فقال: فقال: كنت خلفت في البيت تبرأ من الصدقة،
فكرهت أن أبيته فقسمته [ (1) ] ، وذكره في كتاب الاستئذان في باب من أسرع في مشيه لحاجة [أو قصد] [ (2) ] . وخرّج تقي بن مخلد من حديث محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في وجعه الّذي مات فيه: ما فعلت تلك الذّهب؟ قالت: هي عندنا، قال: آتيني بها- وهي بين السبعة والخمسة- فجعلها في كفه ثم قال: ما ظن محمد باللَّه لو لقي ربه وهذه عنده؟ أنفقيها [ (3) ] . وخرّجه الإمام أحمد من حديث محمد بن عمرو، قال: حدثني أبو سلمة قال قالت عائشة رضي اللَّه عنها: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه: ما
فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة أو الثمانية أو التسعة، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما ظن محمد باللَّه لو لقيه وهذه عنده؟ أنفقيها [ (1) ] . ولأبي ذر عبد بن أحمد الهروي من حديث مفضل بن صالح قال: حدثني سليمان الأعمش عن طلحة بن مصرف الهمدانيّ عن مسروق عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أطعمنا يا بلال، قال: يا رسول اللَّه! ما عندي إلا صبر من تمر خبأته لك، قال: أما تخشى أن يخسف اللَّه به في نار جهنم، أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا [ (2) ] .
وأما صفة عيشه وعيش أهله [2]
وقال الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر رضي اللَّه عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء اللَّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه [ (1) ] . وقال وكيع عن ابن عيينة قال: قال لي معمر: قال لي الثوري: هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو بعض سنتهم؟ قال معمر: فلم يحضرني، ثم ذكرت حدثناه حدثناه الزهري عن مالك بن أوس عن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نحل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم. هذا الحديث والّذي قبله واحد، وهو متفق عليه، وبهذا تبين أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعطي نفقاتهم ولا يدخر لنفسه. وأما صفة عيشه وعيش أهله [ (2) ] فقال الأسود عن عائشة رضي اللَّه عنها: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى إلى سبيله.
وفي رواية: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاث ليال تباعا من خبز بر حتى توفى. وفي لفظ: ما شبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أيام تباعا حتى مضى لسبيله. وفي لفظ: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال عبد الرحمن بن عائش عن أبيه عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق باللَّه، وفي لفظ: ما شبع آل محمد من خبز بر فوق ثلاث. وقال هلال عن عروة عن عائشة قالت: ما أكل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر. وفي لفظ: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا إحداهما تمر [ (1) ] . وقال ابن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لقد مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين. وقال منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن عائشة: توفّي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين شبعنا من الأسودين التمر والماء. وفي لفظ: وما شبعنا من الأسودين. وقال عكرمة عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر. وقال أبو حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: والّذي نفسي بيده، ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض. وفي لفظ: ما أشبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا. وخرّج ابن عساكر من حديث حماد عن إبراهيم عن عائشة أنها قالت: ما شبع
آل محمد ثلاثة أيام متتابعات من خبز البرّ حتى ذاق محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الموت، وما زالت الدنيا علينا عسرة حتى مات صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما مات انصبّت الدنيا علينا صبا [ (1) ] .
وقال سعيد المقبري عن أبي هريرة: أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلّية، فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير [ (1) ] . وهذه الأحاديث: منها ما خرّجاه، ومنها ما خرّجه أحدهما، وللترمذي من حديث ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس، رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبيت الليالي المتتابعة طاويا، وأهله لا يجدون شيئا، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . ولتقي بن مخلد من حديث عقبة بن مكرم، أخبرنا عبد اللَّه بن خراش عن العوام عن المسيب بن رافع عن أبي هريرة قال: ما ترك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، ولا شاة ولا بعيرا، ولقد كان يربط على بطنه حجرا من الجوع [ (3) ] . ولمسلم من حديث أبي الأحوص عن سماك قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه. وخرّجه الترمذي [ (4) ] بهذا الإسناد مثله وقال: هذا حديث [حسن] [ (5) ] صحيح. ولمسلم من حديث شعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان يخطب قال: ذكر عمر رضي اللَّه عنه ما. صاب الناس من الدنيا، [فقال] [ (5) ] لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يظل] [ (6) ] اليوم يتلوى ما يجد دقلا يملأ به بطنه [ (7) ] . وخرّج البخاري من حديث هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي اللَّه عنه
أنه مشى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم درعا له بالمدينة عند يهوديّ وأخذ منه شعيرا لأهله. ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صاع برّ ولا صاع حبّ، وإن عنده لتسع نسوة. ذكره في كتاب البيوع في باب شراء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنسيئة [ (1) ] . وذكره الترمذي في جامعه بهذا السند وقال: هذا حديث حسن صحيح، ذكره في البيوع [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث همام بن حيي، أخبرنا قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك و [خبّازه] [ (3) ] قائم فقال [ (4) ] : كلوا فما أعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى رغيفا مرقّقا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط. ذكره في الرقاق وفي كتاب الأطعمة [ (5) ] . وله من حديث قتادة عن أنس [ (6) ] قال: ما علمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكل على [ (7) ] سكرجة قط ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان [ (8) ] ، قيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السّفر [ (9) ] . ولأحمد من حديث سليمان بن رومان عن عروة عن عائشة أنها قالت: والّذي بعث محمدا بالحق، ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه اللَّه إلى أن قبضه، فقلت: كيف كنتم تأكلون الشعير؟ قالت: كنا نقول: أفّ أفّ. ولأبي ذر الهروي من حديث حماد عن ثابت عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ من بين يوم وليلة وما لي طعام نأكله إلا شيء يواريه إبط بلال. وخرّج البخاري [ (10) ] من حديث أبي حازم: سألت سهل بن سعد فقلت: هل
وأما تبسمه [2] صلى الله عليه وسلم
أكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النّقي؟ قال [سهل] [ (1) ] ما رأى رسول اللَّه النّقىّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: قلت: فهل كانت لكم في عهد رسول اللَّه مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه منخلا من حين بعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: فكيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطعنه وننفخه فيطير [ما طار وما بقي ثرّيناه فأكلناه] [ (1) ] . وأمّا تبسّمه [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم [ (3) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة، عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد اللَّه بن الحارث بن جزء يقول: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] . وخرّج ابن حبان من حديث عبد الحميد بن زياد بن صهيب، عن أبيه عن صهيب قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (5) ] .
وخرج من حديث بقية، عن حبيب بن عمر الأنصاري، عن شيخ يكنى أبا عبد اللَّه الصمد، قال: سمعت أم الدرداء [ (1) ] تقول:
كان أبو الدرداء [ (1) ] إذا حدّث حديثا تبسّم، فقلت: لا يقول الناس إنك أي أحمق، فقال: ما رأيت أو ما سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث حديثا إلا تبسم.
وفي رواية: كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقالت له: إني أخشى أن يحمّقك الناس، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يحدث بحديث إلا تبسّم [ (1) ] . ومن حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: ضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت أنيابه. وكذا من حديث وهب بن جرير، أخبرنا أبي قال: سمعت ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي اللَّه وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان، فقالوا للنعيمان: ويحك! إن ناقته نادية أي سمينة، فلو نحرتها فإنا قد قدمنا إلى اللحم، ولو فعلت عزمها رسول اللَّه وأكلنا لحمها، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه وجد عليّ، قالوا: إلا تفعل!! فقام،
فضرب لبتها ثم انطلق، فمر بالمقداد قد حفر حفرة استخرج منها طينا، فقال: يا مقداد! غيبني في هذه الحفرة وأطبق عليّ شيئا، ولا تدل عليّ أحدا، فإنّي قد أحدثت حدثا، ففعل. فما خرج الأعرابي ورأى ناقته صرخ، فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان! قال: فأين توجه؟ قالوا: ها هنا، فتبعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حمزة وأصحابه، حتى أتى على المقداد فقال له: هل رأيت نعيمان؟ فكشف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحفرة، فلما رآه قال: أي عدوّ نفسه! ما حملك على ما صنعت؟ قال: والّذي بعثك بالحق لأمرني حمزة وأصحابه، فأرضى عليه السلام الأعرابي وقال: شأنكم بها فأكلوها، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه. وقال زائدة عن أبان، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك [ (1) ]
وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حكى عن رجل أخرج من النار، فقيل له، تمنّ فتمنّى، فيقال: لك ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟ فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى بدت نواجذه [ (1) ] . ولابن حبان من حديث الليث، عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد، كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه ثلثي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت له ذلك، فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم اللَّه، أو قال لقد رضي اللَّه حكمك فيهم [ (2) ] .
وأما محبته الفأل [3] وتركه الطيرة [4] وتغيير الاسم القبيح
قال ابن الجوزي: وهذا الحديث لا يثبت، فيه جماعة مجروحون، ولا يصح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه كان يزيد على التبسم. وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو يعلي، والبزار والطبراني في الكبير، من حديث هشام عن أبي الزبير، عن عبد اللَّه بن سلمة، عن علي أو عن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطبنا فيذكرنا بأيام اللَّه، حتى نعرف ذلك في وجهه، وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكا حتى يرتفع (عنه) [ (2) ] . وأما محبته الفأل [ (3) ] وتركه الطيرة [ (4) ] وتغيير الاسم القبيح فخرج مسلم من حديث يحيى بن عتيق قال: أخبرنا محمد بن سيرين عن أبي
هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح [ (1) ] . ومن حديث هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا عدوى ولا هامة ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح [ (2) ] . وخرّجا من حديث معمر وشعيب عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، أن أبا هريرة [ (3) ] قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا طيرة، وخيرها الفأل، قيل: يا رسول اللَّه، وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم [ (4) ] . وخرج البخاري وأبو داود من حديث هشام، أخبرنا قتادة عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل، الكلمة الحسنة [ (5) ] . وخرج أبو داود [ (6) ] من حديث هشام عن قتادة، عن عبيد اللَّه بن بريدة، عن
أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به، ورئي أثر [ (1) ] ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئي كراهة [ (2) ] ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإذا [ (3) ] أعجبه اسمها [فرح بها] ، ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمها رئي كراهية [ (4) ] ذلك في وجهه. وقال مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال للقحة تحلب: من يحلب هذه؟ فقام رجل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال له الرجل: مرّة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال: حرب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس، ثم قال: من يحلب هذه؟ فقام رجل فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اسمك؟ فقال يعيش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احلب. هكذا رواه مالك مرفوعا عن يحيى [ (5) ] . وخرج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة [ (6) ] عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يتطير ولكن يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني سهم، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بماء، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أنت؟ قال: بريدة، فالتفت إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقال: برد أمرنا وصلح، ثم قال: ممن؟ قال: من أسلم، قال: لأبي بكر: سلمنا، ثم قال: ممن؟ قال: من سهم، قال: خرج سهمك [ (7) ] ، قال بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فمن أنت؟ قال:
محمد بن عبد اللَّه، رسول اللَّه، قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك عبده ورسوله. فأسلم بريدة، وأسلم الذين معه جميعا، فقال [ (1) ] بريدة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تدخل المدينة إلا معك لواء، فحل عامته، ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة، قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت [له] بنو سهم طائعين. وخرج الترمذي من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن أنس، أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج لحاجته، يعجبه أن يسمع: يا راشد.. يا نجيح. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح [ (2) ] . وخرج البزار من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوه حسن الوجه، حسن الاسم [ (3) ] . وقال: لا نعلم رواه بهذا الإسناد إلا قتادة. وقال هشام الدستواني، عن يحيي بن كثير قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمراء الأجناد: ألا توفدوا إلينا إلا برجل حسن الوجه، حسن الاسم. وخرّج ابن حبان من حديث مبارك بن فضالة [ (4) ] ، عن عبيد اللَّه بن عمر، عن
نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذنا فألك من فيك [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث عمر بن عليّ المقدّميّ، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يغير الاسم القبيح. وربما قال عمر ابن على عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسل، ولم يذكر فيه [عن] عائشة [ (2) ] . وخرّج مسلم والترمذي من حديث يحيى عن سعيد عن عبيد اللَّه قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غيّر اسم عاصية، وقال: أنت جميلة [ (3) ] . ولمسلم من حديث حماد بن سلمة عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن ابنة لعمر رضي اللَّه عنه يقال لها عاصية، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جميلة [ (4) ] ، وله من حديث سفيان بن عبد الرحمن- مولى أبي طلحة- عن كريب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت جويرة اسمها برة، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمها جويرة، وكان
يكره أن يقال: خرج من عند برة [ (1) ] . وللبخاريّ ومسلم من حديث شعبة عن عطاء بن ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، أن زينب كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب [ (2) ] . ولمسلم من حديث الوليد بن كثير قال: حدثني محمد بن عمرو، عن عطاء قال: حدثتني زينب ابنة أم سلمة، قالت: كان اسمي برة، فسماني رسول اللَّه زينب. قالت: دخلت عليه بنت جحش واسمها برة، فسماها زينب [ (3) ] . ومن حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى عن هذا الاسم، وسمّيت برّة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البر منكم، فقالوا: بم نسميها؟ قال: سموها زينب [ (4) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي، عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما ولد الحسين سماه بعمه جعفر فدعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني أمرت أن أغير اسم هذين، قلت: اللَّه ورسوله أعلم، فسماها، حسنا وحسينا [ (5) ] . وخرّج قاسم بن أصبغ وأحمد بن حنبل من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما ولد الحسن جاء النبي فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسن، فلما ولد الحسين
قال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال بل هو حسين، فلما ولد الثالث جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: حربا، قال هو محسن [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان عن أبي إسحاق عن رجل من جهينة قال سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يقول: يا حرام، فقال: يا حلال. ومن حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا عبيد اللَّه بن إياد [ (2) ] بن لقيطة [السدوسي] [ (3) ] عن أبيه عن ليلى امرأة بشير بن الخضامية عن بشير قال: وكان قد أي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واسمه زحم- فسماه النبي بشيرا [ (4) ] . ومن حديث إسماعيل بن عياش عن بكر بن زرعة الخولانيّ عن مسلم بن عبد اللَّه الأزدي قال: جاء عبد اللَّه بن قرظ الأزدي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: ما اسمك؟ قال: شيطان بن قرظ، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنت عبد اللَّه بن قرظ. ومن حديث شعبة عن عبد اللَّه بن أبي السفر [ (5) ] عن عامر الشعبي عن عبد بن مطيع بن الأسود، حدثني عدي بن كعب عن أبيه مطيع- وكان اسمه العاصي- فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطيعا. قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا. ولأبي داود [ (6) ] من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده أن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: بل أنت سهل، قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن، قال سعيد: فظننت أن ستصيبنا بعده حزونة. قال أبو داود: وغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اسمه العاص وعزيز وعتلة [ (1) ] ووشيطان والحكم وغراب وحباب وشهاب فسماه هشاما، وسمى حربا سلما [ (2) ] ، وسمي المضطجع المنبعث، وأرض تسمى عفرة [ (3) ] سماها خضرة، وشعب الضلالة سماها شعب الهدى، وبنى الزّنية سماهم بني الرّشدة، وسمى بني مغوية بني رشدة [ (4) ] . قال أبو داود: وتركنا أسانيدهما للاختصار.
وخرّج بقي [بن] مخلد من حديث عبدة بن هشام عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرّ بأرض تسمى مجدبة فسماها خضرة. وخرّج البخاري من حديث الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء النبي فقال: ما اسمك؟ قال: حزن، قال: أنت سهل، قال لا أغير اسما سمانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعده. ترجم عليه باب اسم الحزن، وذكره أيضا في باب تحويل الاسم إلي اسم أحسن منه. [و] [ (1) ] من حديث ابن جريج، أخبرني عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني أن جده قدم على النبي فقال: ما اسمك؟ الحديث بنحو منه. وللبخاريّ ومسلم من حديث أبي غسان حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتي بالمنذر بن أبى أسيد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس، فلهى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء بين يديه، فأتي أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذ النبي فأقلبوه [ (2) ] ، فاستفاق النبي [ (3) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين الصبي؟ فقال أبو أسيد: أقلبناه يا رسول اللَّه، قال ما اسمه؟ قال: فلان، قال: لا، ولكن اسمه المنذر، فسماه يومئذ المنذر. وذكره البخاري [ (4) ] في باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه ولم يقل: فأقبلوه، وقال: ولكن اسمه المنذر، لم يذكر لا. وخرّج أبو داود [ (5) ] من حديث بشير ابن ميمون عن عمه عن أسامة بن أخدريّ أن رجلا يقال له أصرم كان في النفر
الذين أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما اسمك؟ قال [أنا] [ (1) ] أصرم، قال: بل أنت زرعة. وقال أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا يزيد بن المقدام بن شريح عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده هاني بن شريح أنه ذكر أنه أول ما وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قومه سمعهم وهو يكنون هاني أبا الحكم، فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنه اللَّه هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكن أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء فحكمت بينهم رضي كلا الفريقين، قال: ما أحسن هذا، قال: فما لك من الولد؟ قال: شريح بن هاني وعبد اللَّه ومسلم قال أين أكبرهم؟ قال: شريح، قال: أنت أبو شريح، فدعاه له ولولده، وسمع القوم وهم يسمون رجلا منهم عبد الحجر فقال: ما اسمك؟ فقال: عبد الحجر، فقال: بل أنت عبد اللَّه- وأنه لما حضر خروج القوم إلى بلادهم أعطى كل رجل منهم [] [ (2) ] في بلاده حيث أحب، إلا أن هانئ قال له: يا رسول اللَّه، أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال: عليك بحسن الكلام وبذل الطعام. وذكره أبو داود في باب تغيير الاسم القبيح إلى قوله: فأنت أبو شريح، وبعده قال أبو داود: هذا هو الّذي كسر السلسلة وهو ممن دخل تستر. وخرّجه النسائي [ (3) ] أيضا والبخاري في (الأدب المفرد) [ (4) ] .
فصل في ذكر اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طاعة ربه ومداومته على عبادته
فصل في ذكر اجتهاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طاعة ربه ومداومته على عبادته خرّج البخاري من حديث حيوة عن أبي الأسود، سمع عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقوم الليل حتى تتفطر [ (1) ] قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول اللَّه وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟ فلما كثر لحمه صلّى جالسا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع [ (2) ] .
وخرّجه مسلم من حديث أبي صخر عن ابن قسيط عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلّى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول اللَّه! أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (1) ] . ولهما من حديث أبي عوانة عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (2) ] . وللبخاريّ من حديث مسعر [ (3) ] عن زياد قال: سمعت المغيرة يقول: إن كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليقوم أو يصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (4) ] .
وله من حديث أبي عيينة، أخبرنا زياد أنه سمع المغيرة يقول: قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ [ (1) ] . وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث سفيان عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جعلت قرة عيني الصلاة [ (2) ] ، وكان يصلي حتى ترم قدماه، قال: فقيل له يا رسول اللَّه! أليس قد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وله من حديث شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وخرّج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عليا قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أصبح ببدر من الغد أحيا تلك الليلة كلها وهو مسافر [ (3) ] .
ومن حديث شعبة عن حارثة بن مضرب عن علي رضي اللَّه عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح [ (1) ] وخرّج الإمام أحمد من حديث مالك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن معمر عن أبي يوسف مولى عائشة عن عائشة أن [رجلا سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] فقال: يا رسول اللَّه، تدركني الصلاة وأنا جنب، وأنا أريد الصيام فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب وأنا أريد الصيام فأغتسل وأصوم، فقال الرجل: إنا لسنا مثلك، قد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فغضب رسول اللَّه وقال: واللَّه إني لأرجو أن أكون أخشاكم للَّه عز وجل وأعلمكم بما أتقى [ (2) ] وخرّج ابن عساكر من حديث آدم، أخبرنا أبو شيبة عن عطاء الخراساني عن أبي عمران الجوني عن عائشة قالت: كان أحب الأعمال إلى رسول اللَّه أربعة، فعملان يجهدان ماله وعملان يجهدان جسده، فأما اللذان يجهدان ماله فالجهاد والصدقة، وأما اللذان يجهدان جسده فالصوم والصلاة [ (3) ] . وخرّج من حديث عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريح قال: قال عبد اللَّه بن أبي مليكة: سمعت أهل عائشة يذكرون عنها أنها كانت تقول: كان رسول اللَّه شديد الإنصاب لجسده في العبادة، غير أنه حين دخل في السن وثقل من اللحم كان أكثر ما يصلي وهو قاعد [ (3) ] .
وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] من حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها قلت: يا أم المؤمنين، كيف كان عمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيّكم تستطيعون ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستطيع. ذكره البخاري في كتاب الرقاق، وفي كتاب الصيام [ (4) ] وخرّج البخاري من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثني أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إياكم والوصال، قال: قلت: فإنك تواصل يا رسول اللَّه، قال: إني لست في ذاكم مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من العمل ما لكم به طاقة [ (5) ] . وخرّجه مسلم من
أوجه [ (1) ] . وخرّجا معناه من حديث ابن عمر وأنس وعائشة والنسائي في كتاب عمل اليوم والليلة من [حديث] سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد اللَّه عن خالد بن عبد اللَّه بن الحسين قال: سمعت أبا هريرة يقول: ما رأيت أحدا أكثر أن يقول: أستغفر اللَّه وأتوب إليه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه في اليوم مائة مرة [ (2) ] .
وله من حديث مغيرة بن أبي الخواء الكندي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال: جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن جلوس فقال: ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت اللَّه فيها مائة مرة [ (1) ] . وله من حديث عفان عن حماد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت عن أبي بردة عن [الأغر المزني] [ (2) ] قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنه ليغان على قلبي حتى استغفر اللَّه في كل يوم مائة مرة [ (3) ] .
ومن حديث جعفر بن سليمان عن ثابت عن أبي بردة عن رجل من أصحابه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللَّه كل يوم مائة مرة. ومن حديث سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: حدثني أبو بردة قال: جلست إلى رجل من المهاجرين يعجبني تواضعه، فسمعته يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا أيها الناس توبوا إلى اللَّه واستغفروه فإنّي أتوب إلى اللَّه وأستغفره كل يوم [مائة] مرة، أو قال: أكثر من مائة مرة [ (1) ] .
ورواه النضر بن شميل من حديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه في كل يوم مائة مرة [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث داود عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر في آخر أمره من قول: سبحان اللَّه وبحمده أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه! ما لي أراك تكثر من قول سبحان اللَّه وبحمده أستغفر اللَّه وأتوب إليه؟ قال: إني ربي عزّ وجل كان أخبرني أني
سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابا، فقد رأيتها، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً [ (1) ] . وخرّج البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة السليماني عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقرأ عليّ القرآن، فقلت: يا رسول اللَّه! أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري، قال: [فقرأت عليه] حتى إذا بلغت فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [ (2) ] ، فرفعت بصري أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل. وقال البخاري: إني أحب أن أسمعه من غيري- وهنا انتهى حديثه- لم يذكر ما بعده. ترجم عليه باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره، وذكره في باب البكاء عند قراءة القرآن [ (3) ] .
وفي رواية لمسلم: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على المنبر اقرأ عليّ، فذكره [ (1) ] . وذكر البخاري في كتاب التفسير من حديث سفيان عن سليمان عن إبراهيم عن عبيده عن عبد اللَّه قال يحيى بعض الحديث «عن عمرو بن مرة قال: قال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اقرأ عليّ، قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً قال: أمسك، فإذا عيناه تذرفان» [ (2) ] . وذكره في فضائل القرآن وكرره [ (3) ] . وذكر له مسلم عدة طرق. وخرج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن المبارك، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير عن أبيه قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يصلي،
ولجوفه أزيز [ (1) ] كأزيز المرجل (من البكاء) [ (2) ] . وخرجه ابن حبان من حديث هدبة عن حماد بمثله سواء [ (3) ] . ورواه يزيد بن هارون عن حماد عن ثابت عن مطرف عن أبيه أنه قال: رأيت
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي وفي صدره أزيز أزيز الرحى من البكاء [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث أبي كريب، أخبرنا معاوية بن هشام عن شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! أراك شبت! قال: شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه [ (2) ] .
وروى علي بن صالح هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي جحيفه نحو هذا [ (1) ] ، وقد روى عن أبي الحق عن أبي ميسرة شيء من هذا مرسلا، ورواه معاوية ابن هشام أيضا عن شيبان عن فراس عن عطية عن أبي سعيد قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! أسرع عليك الشيب! فقال: شيبتني هود، وأخواتها: الواقعة، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت [ (2) ] . وقال سيف بن عمر عن محمد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس قال: ألظّ [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالواقعة والحاقة، وعم يتساءلون، والنازعات، وإذا
الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، فاستطار [ (1) ] فيه القتير [ (2) ] فقال له أبو بكر رضي اللَّه عنه: أسرع فيك القتير [ (2) ] ! بأبي أنت وأمي، فقال: شيبتني هود وصواحباتها [ (3) ] هذه، وفيها، والمرسلات. وخرّج البخاري من حديث أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لن ينجى أحدا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة، سدّدوا، وقاربوا، وأغدوا، وروحوا، وشيء من الدّلجة، والقصد القصد (تبلغوا) [ (4) ] ذكره في الرقاق [ (5) ]
وخرّجه مسلم من حديث ليث عن بكير عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لن ينجي أحدا منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول اللَّه؟ قال: ولا إياي إلا أن يتغمدني اللَّه منه برحمة، ولكن سددوا [ (1) ] . وفي رواية له: قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله، قالوا: يا رسول اللَّه، ولا أنت؟ قال: وقال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة منه وفضل [ (2) ] .
وله من حديث معقل عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من أحد يدخله عمله الجنة، فقيل له: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه برحمة. [ (1) ] وذكره من طرق عديدة. وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث موسى بن عقبة قال سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها كانت تقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لن يدخل الجنة أحدا عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني اللَّه منه برحمته، واعلموا أن أحب العمل إلى اللَّه أدومه وإن قل. ولابن حبان من حديث جعفر بن عوف قال: حدثنا أبو جناب الكلبي، حدثنا عطاء قال: دخلت أنا وعبد اللَّه بن عمر وعبيد بن عمير على عائشة رضي اللَّه عنها، فقال ابن عمر: حدثيني بأعجب ما رأيت من رسول اللَّه، فسكتت ثم قالت: كل أمره كان عجبا، أتاني في ليلتي حتى إذا دخل معني في لحافي، وألصق جلده بجلدي، قال: يا عائشة، ائذني لي في ليلتي لربي، فقلت، إني أحب قربك وهواك، فقام إلى قربة في البيت، فما أكثر صب الماء، ثم قام فقرأ القرآن ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت حجره، ثم اتكأ على جنبه الأيمن، ووضع يده اليمنى تحت خده، ثم بكى حتى رأيت دموعه قد بلغت الأرض، قالت: فجاءه بلال فآذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول اللَّه! أتبكي وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ وقال: أفلا أبكي وقد أنزل علي الليلة: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ [ (4) ] ،
وويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر فيها [ (1) ] . وله من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت حارثة بن مضرب يحدث عن علي رضي اللَّه عنه قال: لقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح، يعني ليلة القدر [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (3) ] . وخرّجاه من طرق متعددة.
وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا أسامة بن زيد عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تصور ذات ليلة فقيل له: ما أسهرك؟ قال: إني وجدت تمرة ساقطة فأكلتها ثم ذكرت تمرا كان عندنا من تمر الصدقة، فما أدري أمن ذلك كانت التمرة أو من تمر أهلي؟ فذلك أسهرني. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (1) ] . وله من حديث المعافي بن عمران عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن أبي مريم عن ضمرة ابن حبيب عن أم عبد اللَّه أخت شداد بن أوس أنها بعثت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدح لبن عند فطره، وذلك في طول النهار وشدة الحر، فرد إليها الرسول: أنى لك هذا اللبن؟ قالت: من شاة لي، قال: أنى لك هذه الشاة؟ قالت: اشتريتها من مالي، فشرب فلما أن كان من الغد أتت أمّ عبد اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه! بعثت إليك بذلك اللبن مرثيّة لك من شدة الحر وطول النهار، فرددتها إلي مع الرسول! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: «بذلك أمرت الرسل، أن لا تأكل إلا طيبا، ولا تعمل إلا صالحا» قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرّج أبو داود في كتاب الجهاد عن مخلد بن خالد [ (3) ] ، وخرّج الترمذي في السير عن محمد بن المثنى [ (4) ] ، وخرّج ابن ماجة عن عبدة بن عبد اللَّه، وخرّج محمد
ابن يوسف أربعتهم عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل عن أبي بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أتاه أمر يسرّه ويسرّ به خرّ ساجدا [ (1) ] . وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي، أخبرنا كثير بن زيد عن زياد بن أبي زياد مولى عياش بن أبي ربيعة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كانتا خصلتان لا يكلهما، إلى أحد: الوضوء من الليل حين يقوم والسائل يقوم حتى يعطيه [ (2) ] . وله من طريق الليث بن سعد أن معاوية بن صالح حدثه أن أبا حمزة حدثه أنّ عائشة قالت: ما خيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، [قالت] : [ (3) ] وما انتقم رسول اللَّه لنفسه من أحد قط إلا أن يؤذى في اللَّه فينتقم، ولا رأيت رسول اللَّه وكل صدقته إلى غير نفسه حتى يكون هو الّذي يضعها في يد السائل، ولا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكل [في وضوئه] [ (4) ] إلى غير نفسه حتى يكون هو
الّذي يهيئ وضوءه لنفسه حتى يقوم من الليل [ (1) ] . وقال محمد بن حمير حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: اشترى أسامة بن زيد بمائة دينار إلى شهر، فسمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «لا تعجبوا من أسامة المشتري إلى شهر، إن أسامة لطويل الإبل، والّذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفراى لا يلتقيان حتى أقبض، ولا لقمت لقمة إلا ظننت أن لا أسيغها حتى أغصّ بها من الموت» ، ثم قال: «يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى، والّذي نفسي بيده إنما توعدون لآت، وما أنتم بمعجزين» [ (2) ] . وقال ابن لهيعة عن أبي هريرة عن حيثر عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يهريق الماء فيمسح التراب، فأقول: يا رسول اللَّه! الماء منك قريب، فيقول: «وما يدريني لعلي لا أبلغه» . وخرج الإمام أحمد من حديث مسلم بن محمد بن زائدة، قال عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أنها قالت: ما رفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه إلى السماء إلا قال: «يا مصرف القلوب ثبت قلبي على طاعتك» [ (3) ] . وقال ابن المبارك: حدثنا الحسن بن صالح، عن منصور عن إبراهيم قال: حدثنا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم ير خارجا من الغائط قط إلا توضأ [ (4) ] . وذكر ابن عساكر من حديث محمد بن الحجاج عن محمد بن عبد الرحمن بن
سفينة عن أبيه عن سفينة قال: تعبّد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واعتزل النساء حتى صار كالشن [ (1) ] البالي قبل موته بشهرين [ (2) ] .
[تنبيه] : حديث وجود التمر في بعض طرقه: لقي تمرة على فراشه، وفي بعضها لقي تمرة في منزلة، وفي أخرى لقي تمرة في الطريق، فكان في ذلك ثلاث رتب في الورع، متفاوتة في التأكيد، أيسرها تمرة الفراش، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يقبل الصدقة، ولا تدخل منزله غالبا، فكيف بأخص منزله وهو الفراش، فيندر كونها من تمر الصدقة، وفوق ذلك في التأكيد تمرة المنزل، وآكدها تمرة الطريق لكثرة مرور الصدقات فيها، هذا كله مع أن تمر الصدقة قليل بالنسبة إلى جنس التمر، فآكد هذه الصور الثلاث لا يجاوز الورع في المباح، ولا تنتهي التمرة به إلى حد النهي، لكن مقام النبوة كريم، والورع به جدير.
فصل في حفظ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في تثبيته عن أقذار الجاهلية ومعايبها تكرمة له وصيانة
فصل في حفظ اللَّه لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم في تثبيته عن أقذار الجاهلية ومعايبها تكرمة له وصيانة قال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: فتثبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع أبي طالب يكلؤه اللَّه عزّ وجلّ ويحفظه من أقذار الجاهلية ومعايبها لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين [ (1) ] ، لما جمع اللَّه فيه من الأمور الصالحة. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما
ذكر لي يحدّث عما كان يحفظه اللَّه به في صغره، فحدثني والدي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنه قال فيما يذكر من حفظ اللَّه إياه: إن لمعي غلمان هم أسناني [ (1) ] ، قد جعلنا أزرنا [ (2) ] على أعناقنا لحجارة ننقلها نلعب بها إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال: اشدد عليك إزارك [ (3) ] .
وخرج البخاري ومسلم من حديث روح بن عبادة قال: أخبرنا زكريا بن إسحاق، أخبرنا عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يحدث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي، لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة، قال: فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه، قال: فما رئي بعد ذلك اليوم عريانا. لفظهما فيه سواء [ (1) ] . وخرجا أيضا من حديث ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه يقول: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعباس ينقلان حجارة- وقال البخاري: الحجارة- فقال عباس للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجعل إزارك على عاتقك- وقال
البخاري: على رقبتك- يقك من الحجارة، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق فقال: إزاري إزاري فشدّ عليه إزاره [ (1) ] . ورواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر نحوه. ورواه عمرو بن أبي قيس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه قال: كنا ننقل الحجارة إلى البيت حين بنت قريش البيت، وأفردت قريش رجلين رجلين ينقلون الحجارة، والنساء تنقل الشّيد، وكنت أنا وابن أخي وكنا نحمل على رقابنا وأزرنا تحت الحجارة، فإذا غشينا اتزرنا، فبينما أمشي ومحمد عليه السلام قدامي ليس عليه شيء، فخر محمد فانبطح على وجهه، قال: فجئت أسعى وألقيت حجري، قال وهو ينظر إليّ السماء فوقه فقلت: ما شأنك؟ قال: فأخذ إزاره ثم قال: نهيت أن أمشي عريانا، قلت: اكتمها الناس مخافة أن يقولوا: مجنون [ (2) ] . ورواه شعيب عن عكرمة عن ابن عباس مثله [ (3) ] . وروى إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن جده عن عكرمة عن ابن عباس
قال: لما قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غسّله عليّ والفضل، وكان العباس يناول الماء من وراء الستر، وقال العباس، ما منعني أن أغسله إلا أنا كنا صبيانا نحمل الحجارة إلى المسجد يعني لبناء الكعبة، فننزع أزرنا ونضعها على أكتافنا ونضع الحجر عليها فبينما نحن كذلك ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ وقع وسقط الحجر وأنا قائم فقلت: يا ابن أخي! قم، وإني لا أرى بك بأسا ولا أرى الحجر ضرك [فقام] ثم نظر إلي فقال: اشدد عليك إزارك، فإنّي قد نهيت أن أتعرى بعد هذا اليوم. قال العباس: هذا أول ما رأيت منه. وروى محمد بن إسماعيل [الأحمسيّ] [ (1) ] عن المجازي، حدثنا النضر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أبو طالب يعالج زمزم، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقل الحجارة وهو غلام، فأخذ إزاره واتقى به الحجارة، [فغشي عليه] [ (2) ] فقيل لأبي طالب عن غشيته: الحق ابنك قد غشي عليه، فلما أفاق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من غشيته سأله أبو طالب عن غشيته فقال: أتاني آت عليه ثياب بياض فقال لي: استتر، قال ابن عباس: فكان أول شيء رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من النبوة أن قيل له: استتر، فما رئيت عورته من يومئذ. ورواه الأحمسيّ عن الحماني عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: أول شيء أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من النبوة وهو غلام أن قيل له استتر، فما رئيت عورته من يومئذ. ورواه الحسن بن حماد الوراق عن الحماني عن النضر مثله. وخرجه الحاكم من حديث الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن، حدثنا النضر به ونحوه. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .
وقال الحسن بن سفيان: حدثنا زهير بن سلام، حدثنا عمرو بن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء أن أبا طالب كان يرسل بنيه ومحمد عليه السلام، معهم صبيان صغار ينقلون الحجارة إلى صفة زمزم، فأخذ محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نمرة [ (1) ] صغيرة كانت عليه على عنقه، ثم حمل عليها حجرين فطرح عنه الحجرين وأغمى عليه ساعة، ثم قام فشد نمرته [ (1) ] عليه، فقال له بنو عمه: مالك يا محمد؟ قال: نهيت عن التعري [ (2) ] . وقال عبد الأعلى بن حماد: حدثنا داود العطار، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم عن أبي الطفيل قال: قلت له: يا خال، حدثنا عن بنيان الكعبة قبل أن تبنها قريش، قال: كانت رضمه [ (3) ] يابس ليس بمدر [ (4) ] ينزوة [ (5) ] العناق [ (6) ] ، وتوضع الكسوة على الجدر ثم تدلي، ثم إن سفينة الروم أقبلت حتى إذا كانت بالشعيبة انكسرت، فسمعت بها قريش فركبوا إليها، فأخذوا خشبها، وروى كذا: يقال بالقوم نجاريان، فلما قدموا مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا، فاجتمعوا كذلك ونقلوا الحجارة من أجياد الضواحي، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقلها إذ انكشفت نمرته، فنودي: يا محمد عورتك، فذلك أول ما نودي واللَّه أعلم، فما رئيت له عورة قبل ولا بعد. ورواه الحسن بن الربيع وداود بن مهران عن داود العطار مثله.
وقال عبد الرازق عن معمر عن عبد اللَّه بن عثمان بن حشيم عن أبي الطفيل قال: كانت الكعبة مبنية بالرضم ليس فيها مدر، وكان قدر ما تقتحمها العناق وكانت غير مسقوفة، إنما توضع ثيابها عليها ثم تسدل سدلا عليها، وكان الركن الأسود موضوعا على سورها باديا، وكان ذات ركنين كهيئة الحلقة، فأقبلت سفينة من أرض الروم حتى إذا كانوا قريبا من جدة انكسرت، فخرجت قريش ليأخذوا خشبها، فذكروا بناء البيت، وقال: فبينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة، فذهب يضع النمرة على عاتقة، فترى عورته من صغر النمرة، فنودي: يا محمد خمّر عورتك، فلم ير عريانا بعد ذلك، وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين [ (1) ] . قال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد الأصفهاني: وحديث أبي الطفيل جائز أن يكون وقوعه في حالة ثالثة، وهي انكشاف الثوب لا سقوطه، والحالتان المتقدمتان، بسقوط الثوب مرة بفعله وأخرى بغير فعله تنبيها له صلّى اللَّه عليه وسلّم في الأحوال الثلاث، قال: وإذا حفظ من التعري فما فوقه أولى أن يعصم منه وينهى عنه [ (2) ] . وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد اللَّه بن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا ليلتين من الدهر، كلتاهما يعصمني اللَّه فيها، قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن رعاية غنم أهلنا، فقلت لصاحبي: أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما يسمر الفتيان [ (3) ] ، قال: فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفا بالغرابيل والمزامير، فقلت: ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان، فجلست انظر، وضرب اللَّه على أذني، فو اللَّه ما أيقظني إلا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ قلت ما فعلت شيئا، ثم أخبرته بالذي رأيت، ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الّذي سمعت تلك الليلة، فسألت، فقيل: فلان نكح فلانة، فجلست انظر فضرب اللَّه
على أذني، فو اللَّه ما أيقظني إلا مسّ الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء ثم أخبرته الخبر، فو اللَّه ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك حتى أكرمني اللَّه بنبوته [ (1) ] . وخرجه الحاكم [ (2) ] بنحوه وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث مسعر بن كدام [ (3) ] عن العباس بن ذريح [ (4) ] الكلبي عن زياد بن عبد اللَّه النخعي قال: حدثني عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه أنهم قالوا: يا رسول اللَّه، هل أتيت في الجاهلية من النساء شيئا؟ قال: لا، وقد كنت منه على ميعادين، أما أحدهما فغلبتني عيناي، وأما الآخر فحال بيني وبينهم سامر قوم [ (5) ] .
وخرج من حديث أبي سنان عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي رضي اللَّه عنه قال: قيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل عبدت وثنا قط؟ قال: لا، قال: شربت خمرا قط؟ قال: لا، وما زلت أعرف أن الّذي هم عليه كفر، وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الإيمان، وبذلك نزل القرآن: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (1) ] .
وخرج من حديث عمر بن صبح عن ثور بن يزيد عن مكحول عن شداد بن أوس قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدثنا على باب الحجرات فقال: لما ولدتني أمي فنشأت بغّضت إلي أوثان قريش وبغض إليّ الشعر [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ويحى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أسامة بن زيد، عن زيد بن حارثة قال: كان صنم من نحاس يقال له إساف أو نائلة، يتمسح به المشركون إذا طافوا، فطاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فطفت معه، فلما مررت مسحت به، فقال رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تمسه، قال زيد: فطفنا، فقلت في نفسي: لأمسنه حتى انظر ما يكون، فمسحته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ألم تنه؟ قال زيد: فو الّذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب، ما استلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صنما حتى أكرمه اللَّه بالذي أكرمه وأنزل عليه [ (2) ] . وسيأتي في قصة بحيرا الراهب حين قيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو غلام: أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك، فقال عليه السلام: لا تسألني باللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا بغضهما [ (3) ] . وخرج أبو نعيم من حديث حسين بن عبد اللَّه عن عكرمة عن ابن عباس قال: حدثتني أم أيمن قالت: كانت ببوانة [ (4) ] صنما تحضره قريش، وتعظمه، وتنسك له النسائك، ويحلقون رءوسهم عنده، ويعكفون عنده يوما إلى الليل وذلك يوم في السنة، وكان أبو طالب يحضره مع قومه، فيأبى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] حتى رأيت
أبا طالب غضب عليه أسوأ غضب، فيقول: إنا نخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا، وجعل يقول: ما ترى يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ولا تكثر لهم جمعا، قالت: فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء اللَّه ثم رجع إلينا مرعوبا، فقلن عماته: ما دهاك؟ [قال إني أخشى أن يكون بي لمم، فقلن ما كان اللَّه ليبتليك وفيك من خصال الخير ما فيك، فما الّذي رأيت؟] [ (1) ] قال إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي: وراءك يا محمد! لا تمسّه، قالت أم أيمن: فما عاد إلى عيد لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم [حتى تنبّأ] [ (1) ] . وخرج من حديث المنذر بن عبد اللَّه بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرّ عليّ جبريل وميكائيل عليهما السلام وأنا بين النائم واليقظان بين الركن وزمزم، فقال أحدهما للآخر: هو هو؟ قال نعم ونعم المرء هو لولا أنه يمسح الأوثان. قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فما مسحتهن حتى أكرمني اللَّه بالنّبوّة خمس حجج. وخرج من حديث دواد بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: بينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأجياد رأى ملكا واضعا إحدى رجليه على الأخرى في أفق السماء يصيح: يا محمد! أنا جبريل، فذعر من ذلك وجعل يراه كلما رفع رأسه إلى السماء ورجع سريعا إلى خديجة رضي اللَّه عنها فأخبرها خبره فقال: يا خديجة، ما أبغضت بغض هذه الأصنام شيئا قط ولا آلهتكن. وخرج من حديث عمرو بن محمد حدثنا طلحة بن عمر عن عطاء عن ابن عباس أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقوم مع بني عمه عند الصنم الّذي عند زمزم واسمه إساف، فرفع رأسه إلى ظهر الكعبة ساعة ثم انصرف، فقال له بنو عمه: ما لك يا محمد؟ قال: نهيت أن أقوم عند هذا الصنم [ (2) ] . وخرج الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير عن سفيان الثوري عن عبد اللَّه بن عقيل عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال:
كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يشهد مع المشركين مشاهدهم، قال: فسمع ملكين خلفه وأحدهما يقول لصاحبه: اذهب حتى نقوم خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كيف نقوم خلفه وإنما عهده باستلام الأصنام قبيل؟ قال: فلم يعد بعد ذلك أن يشهد مع المشركين مشاهدهم. قال أبو القاسم الطبراني في تفسير قول جابر: وإنما عهده باستلام الأصنام يعني أنه شهد مع من استلم الأصنام وذلك قبل أن يوحى إليه [ (1) ] .
وقد أنكر الإمام أحمد هذا الحديث جدا وقال: هذا موضوع أو شبيه بالموضوع. وقال الدارقطنيّ: أن عثمان وهم في إسناده. قال القاضي عياض: والحديث بالجملة منكر غير متفق على إسناده فلا يلتفت إليه، والمعروف عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خلافه عند أهل العلم من قوله: بغضت إلى الأصنام [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث موسى بن عقبة، أخبرني سالم أنه سمع عبد اللَّه بن عمر يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وذلك قبل أن ينزل على رسول اللَّه الوحي فقدم إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفرة [ (2) ] فيها لحم فأبى أن يأكل، قال: لا آكل ما يذبحون على أنصابهم، إني لا آكل إلا مما ذكر اسم اللَّه عليه [ (3) ] ، وإن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها اللَّه وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض المرعى، ثم يذبحونها على غير اسم اللَّه إنكارا لذلك وإعظاما له.
وخرج من حديث عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يعيب أكل ما ذبح لغير اللَّه، فما ذقت شيئا ذبح على النصب حتى أكرمني اللَّه بما أكرمني به من رسالته. وقال عمرو بن شيبة: حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا ابن وهب، حدثنا عبد اللَّه بن عمر أنه بلغه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن أول ما أوقع اللَّه في نفس هذا الأمر أن عمي أبا طالب ذبح للأنصاب فبعثني بلحم على حمار إليها، فمررت بزيد بن عمرو بن نفيل [ (1) ] فقلت: يا عم، ألا نأكل من هذا اللحم؟ قال: يا ابن أخي، إني
لا آكل من ذبائحكم هذه [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس [ (2) ] ، وكان سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر اللَّه نبيه أن
يأتي عرفات فيقف بها ثم يفيض منها، فذلك قوله عزّ وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [ (1) ] . ذكره البخاري في كتاب التفسير [ (2) ] ، وخرجه أبو داود
بمثله [ (1) ] . وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد اللَّه بن أبي [أحمد بن جحش] عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير عن أبيه قال: لقد لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على دين قومه وهو يقف على بعرفات من بين قومه حتى يدفع بعدهم توفيقا من اللَّه له [ (2) ] . وقد خرج البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو، سمع محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير بن مطعم قال: أضللت بعيرا لي فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا مع الناس بعرفة فقلت: واللَّه إن هذا لمن الحمس، فما شأنه ها هنا؟ وكانت قريش تعد من الحمس [ (3) ] .
وأخرجه أبو بكر البرقاني وزاد بعد قوله: هذا من الحمس: فما باله خرج من الحرم، وكان سائر الناس تقف بعرفة، وذلك قول اللَّه عزّ وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، قال سفيان: الأحمس: الشديد في دينه.
فصل في ذكر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدين به قبل أن يوحي إليه
فصل في ذكر ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتديّن به قبل أن يوحي إليه قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن عروة بن رويم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أول ما نهاني ربي عن عبادة الأصنام وعن شرب الخمر وعن ملاجأة الرجال [ (1) ] . قال الإمام أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن حنبل رحمه اللَّه: من قال أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان على دين قومه فهو قول سوء، أليس كان لا يأكل مما ذبح على النصب؟. وقد خرج البيهقي من حديث يونس بن شبيب عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر عثمان بن أبي سليمان عن نافع عن جبير بن مطعم عن أبيه جبير قال: لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على دين قومه وهو يقف على بعير له بعرفات من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من اللَّه عزّ وجل له. قال البيهقي: قوله على دين قومه معناه: على ما كان قد بقي فيهم من إرث إبراهيم وإسماعيل في حجهم ومناكحهم وبيوعهم دون الشرك، فإنه لم يشرك باللَّه قط. وفيما ذكر من بغضه اللات والعزى دليل على ذلك [ (2) ] . وقال أبو نعيم: وما أضيف إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الذبح على النّصب خلاف ما كانت قريش تذبحه، لأن قريشا تذبحه عند الآلهة تقربا وتدينا وهو شرك وكفر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عصمه اللَّه من هذا، ويجوز أن يكون هذا الفعل في موضع ذبائحهم، فيكون القربان للَّه، كما لو صلّى إنسان من المسلمين في كنيسة صلاة الإسلام جاز، وهو في الظاهر مستقبح، ويحتمل أن يكون يحضر مذابحهم مداريا لأعمامه وعماته كما رواه ابن عباس رضي اللَّه عنه في قصة عيد بوانة على ما تقدم ذكرنا مع طمأنينة قلبه للإيمان وبغضه لأنصابهم وأعيادهم كما روينا، مع أن بعض الناس من أهل العلم كان يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على دين قومه في أكل ذبائحهم
وغيره، محتجا بقوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (1) ] ، والأحرى والأشبه برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يضاف ذلك على ما قدمنا لأن قوله: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى تأولوه على غير وجه، فقيل: مغمورا في بحور ضلال، كقوله: ضل الماء في اللبن فلا يتميز منه، فكذلك كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مختلطا بقومه غير متميز منهم، فحمل الضلال على هذا الوجه. وقيل: وجدك ضالا عن الكتاب والشرائع كما قال تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (2) ] وكيف تحمل على غير ما اخترناه وتأولناه، وقد نهي عن التعري حين نقل الحجارة إلى بناء الكعبة مع قومه؟ أفلا تراه ينهى عن الشرك والتدين بدين قومه لو أراده عليه السلام. وقال أبو الوفاء بن عقيل: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متدينا قبل بعثه، فهل كان متعبدا بشريعة من قبله؟ فيه روايتان، إحداهما أنه كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي إليه لا من جهتهم ولا بنقلهم ولا من كتبهم المبدلة، واختارها أبو الحسن التميمي، وهو قول أصحاب أبي حنيفة رحمه اللَّه. والرواية الثانية أنه لم يكن متعبدا بشيء من الشرائع إلا ما أوحي إليه في شريعته، وهو قول المعتزلة والأشعرية. ولأصحاب الشافعيّ رحمه اللَّه وجهان كالروايتين، قال: واختلف القائلون بأنه متعبد بشرع من قبله بأية شريعة كان يتعبد؟ فقال بعضهم بشريعة إبراهيم عليه السلام خاصة، وإليه ذهب أصحاب الشافعيّ. وذهب قوم منهم إلى أنه كان متعبدا بشريعة موسى عليه السلام إلا ما نسخ في شرعنا. قال: وظاهر كلام أحمد رحمه اللَّه: أنه كان متعبدا بكل ما صح أنه شريعة لنبي قبله ما لم يثبت نسخه، يدل عليه قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [ (3) ] . وقال النووي: والمختار أنه لا يجزم في ذلك بشيء، إذ ليس فيه دلالة عقل، ولا يثبت فيه نص ولا إجماع. وقال محمد بن قتيبة: لم تزل العرب على بقايا من دين إسماعيل، من ذلك: حج البيت، والختان، وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثا، وأن للزوج الرجعة في الواحدة والاثنين، ودية النفس مائة من الإبل، والغسل من الجنابة، وتحريم ذوات المحارم
بالقرابة والصهر، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما كانوا عليه من الإيمان باللَّه والعمل بشرائعهم في الختان والغسل والحج. قال: وقوله تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ يعني به شرائع الإيمان، ولم يرد به الإيمان الّذي هو الإقرار [بوحدانية] [ (1) ] اللَّه تعالى، لأن آباءه الذين ماتوا في الشرك كانوا يؤمنون باللَّه ويحجون له مع شركهم. وذكر الإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازيّ: في المسألة بحثان: الأول: أنه قبل النبوة هل كان متعبدا بشرائع من قبله؟ أثبته قوم ونفاه آخرون، وتوقف فيه ثالث، احتج المنكرون بأمرين، الأول: لو كان مقيدا بشرع أحد لوجب عليه الرجوع إلى علماء تلك الشريعة والاستفتاء منهم، والأخذ بقولهم، ولو كان كذلك لاشتهروا ولنقل بالتواتر قياسا على سائر أحواله، فحيث لم ينقل علمنا أنه ما كان متعبدا بشرعهم. الثاني: لو كان على ملة قوم لافتخر به هؤلاء القوم ونسبوه إلى أنفسهم ولاشتهر ذلك. فإن قيل: ولو لم يكن متعبدا بشرع أحد، فبقاؤه لا على شرع أحد البتة لا يكون شيئا مخالفا للعادة فلا تتوفر الدواعي على نقله، أما كونه شرع، إما كان على خلاف عادة قومه وجب أن ينقل، احتجوا بأمرين: الأول: أن دعوة من تقدمه كانت عامة فوجب دخوله فيها، الثاني أنه كان يركب البهيمة ويأكل اللحم ويطوف بالبيت. والجواب عن الأول: أنا لا نسلم عموم دعوة من تقدمه سلمناه، لكن لا نسلم وصول تلك الدعوة إليه بطريق، فوجب العلم أو الظن الغالب، وهذا من زمن الفترة، وعن الثاني أن نقول: أما ركوب البهائم فحسن في العقل إذا كان طريقا إلى حفظها ونفعها بالعلف وغيره، وأما أكل اللحم الذكي فحسن أيضا لأنه ليس فيه مضيرة على حيوان، وأما طوافه بالبيت فبتقدير ثبوته لا يجب، أو فعله من غير شرع أن يكون حراما. البحث الثاني: في حالة بعد النبوة، قال جمهور المعتزلة وكثير من الفقهاء: لم يكن متعبدا بشرع أحد. وقال قوم من الفقهاء: بل كان متعبدا بذلك إلا باستثناء الدليل الراجح ثم اختلفوا، قال قوم: كان متعبدا بشرع إبراهيم عليه السلام، وقيل بشرع موسى عليه السلام، وقيل بشرع عيسى عليه السلام.
واعلم أن من قال: كان متعبدا بشرع من قبله، إما أن يريد أن اللَّه تعالى كان يوحي إليه بمثل الأحكام التي أمر بها من قبله، أو يريد به أن اللَّه تعالى أمره باقتباس الأحكام من كتبهم، فإن قالوا بالأول، فإما أن يقولوا به في كل شرعه أو في بعضه، والأول معلوم البطلان بالضرورة، لأن شرعنا يخالف شرع من قبلنا في كثير من الأمور. والثاني مسلم [به] [ (1) ] ولكن ذلك لا يقتضي إطلاق القول بأنه متعبد بشرع غيره لأن ذلك يوهم التبعية، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما كان تبعا لغيره بل كان أصلا في شرعه. وأما الاحتمال الثاني وهو حقيقة المسألة فيدل على بطلانه وجوه: الأول: لو كان متعبدا بشرع أحد لوجب أن يرجع إلى أحكام الحوادث إلى شرعه، وأن لا يتوقف إلى نزول الوحي، لكن لم يفعل ذلك لوجهين: الأول: أنه لو فعل لاشتهر، والثاني أن عمر رضي اللَّه عنه طالع ورقة في التوراة فغضب صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي، ولما لم يكن كذلك علمنا أنه لم يكن متعبدا بشرع أحد، فإن قيل: الملازمة ممنوعة لاحتمال أن يقال: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم علم في تلك الصورة أنه غير متعبد فيها بشرع من قبله، ولا جرم توقف فيها على نزول الوحي عليه، أو لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم علم خلو شرعهم على حكم تلك الواقعة فانتظر الوحي، أو لأن أحكام تلك الشرائع إن كانت منقولة بالتواتر فلا يحتاج في معرفتها إلى الرجوع إليهم في كتبهم، وإن كانت منقولة بالآحاد لم يجز قبولها، لأن أولئك الرواة كانوا كفارا، ورواية الكفار غير مقبولة سلمنا الملازمة، لكن قد ثبت رجوعه إلى التوراة في الرجم لما احتكم إليه اليهود، والجواب قوله: إنما لم يرجع إليها في شيء من الوقائع إليهم، وجب أنت يكون ذلك لأنه علم أنه غير متعبد في شيء منها بشرع من قبله، قوله: إنما لم يرجع إليها لعلمه بخلو كتبهم عن تلك الوقائع، قلنا: العلم بخلو كتبهم عنها لا يحصل إلا بالمطلب الشديد والبحث الكثير، فكان يجب أن يقع منه ذلك الطلب والبحث. قوله: «ذلك الحكم إما أن يكون متواترا أو آحادا» قلنا: يجوز أن يكون متن الدليل متواترا إلا أنه لا بد من العلم بدلالته على المطلوب من نظر كثير أو بحث دقيق، وكان يجب اشتغال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنظر في كتبهم، والبحث عن كيفية دلالتها على الأحكام. قوله: «رجع في الرجم إلى التوراة» قلنا: لم يكن
رجوعه إليها رجوع مثبت الشرع بها، والدليل عليه أمور، أحدها: أنه لم يرجع إليها في غير الرجم، وثانيها: أن التوراة محرفة عنده، فكيف يعتمد عليها؟ وثالثها: أن من أخبره بوجوب الرجم في التوراة لم يكن ممن يقع العلم بخبره، فثبت أن رجوعه إليها كان ليقرر عليهم أن ذلك الحكم أنه ثابت في شرعه فهو أيضا ثابت في شرعهم، وأنهم أنكروه كذبا وعنادا. الحجة الثانية أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لو كان متعبدا بشرع من قبله لوجب على علماء الأمصار أن يرجعوا في الوقائع إلى شرع من قبله ضرورة أن التأسي به واجب، وحيث [أنهم] [ (1) ] لم يفعلوا ذلك علمنا بطلان ذلك. الحجة الثالثة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صوّب معاذا على حكمه باجتهاده إذا عدم حكم الحادثة من الكتاب والسنة، ولو كان متعبدا بحكم التوراة كما تعبد بحكم الكتاب لم يكن له العمل باجتهاد نفسه حتى ينظر في التوراة والإنجيل، فإن قلت: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يصوب معاذا في العمل باجتهاده إلا إذا عدمه من الكتاب- والتوراة كتاب- ولأنه إنما لم يذكر التوراة لأن في القرآن آيات تدل على الرجوع إليها، كما أنه لم يذكر الإجماع لهذا السبب، قلنا: الجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أنه لا يفهم من إطلاق الكتاب إلا القرآن، فلا يحمل على غيره إلا بدليل. الثاني: أنه لم يعهد من معاذ قط تعليم التوراة والإنجيل بتمييز المحرف منهما عن غيره كما عهد منه تعلم القرآن، وبه ظهر الجواب عن الثاني. الحجة الرابعة: لو كانت تلك الكتب حجة علينا لكان حفظها من فروض الكفايات كما في القرآن والأخبار، ولرجعوا إليها في مواقع اختلافهم حين أشكل عليهم: كمسألة العول وميراث الجد والمفوضة، وبيع أم الولد وحد الشرب، والربا في غير النسيئة، ودية الجنين، والردّ بالعيب بعد الوطء، والتقاء الختانين وغير ذلك من الأحكام. ولما لم ينقل عن واحد منهم مع طول أعمارهم وكثرة وقائعهم، واختلافهم مراجعة التوراة، سيما وقد أسلم من أحبارهم من تقوم الحجة بقولهم، كعبد اللَّه بن سلام وكعب [الأحبار] ووهب، وغيرهم. ولا يجوز القياس إلا بعد اليأس من الكتاب، وكيف يحصل اليأس قبل العلم؟ احتجوا بأمور أحدها: قوله
تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ [ (1) ] وثانيها: قوله تعالى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [ (2) ] أمره أن يقتدي بهداهم، وثالثها: قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [ (3) ] ، ورابعها: قوله تعالى: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [ (4) ] ، وخامسها: قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً [ (5) ] . والجواب عن الأول يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ: لا يمكن إجراؤه على ظاهره، لأن جميع النبيين لم يحكموا بجميع ما في التوراة، ذلك معلوم بالضرورة، فوجب إما تخصيص الحكم وهو أن كل النبيين حكموا ببعضه وذلك لا يضرنا، فإن نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم حكم بما فيه من معرفة اللَّه تعالى وملائكته وكتبه ورسله، أو تخصيص النبيين وهو أن بعض النبيين حكموا بكل ما فيه وذلك لا يضرنا. وعن الثاني أنه تعالى أمر بأن [ (6) ] يهتدي بهدي مضاف إلى كلهم، وهداهم الّذي اتفقوا عليه هو الأصول دون ما وقع عليه النسخ. وعن الثالث: أنه يقتضي تشبيه الوحي بالوحي، لا تشبيه الوحي بالموحى به. وعن الرابع: أن المسألة محمولة على الأصول دون الفروع، ويدل عليه أمور، أحدها: أنه يقال: ملة الشافعيّ وأبي حنيفة واحدة وإن كان مذهبهما في كثير الشرعيات مختلفا، وثانيهما: قوله تعالى بعد هذه الآية: وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (7) ] . وثالثها: أن شريعة إبراهيم عليه السلام قد اندرست. وعن الخامس: أن الآية تقتضي أنه وصى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالذي وصى به نوحا من أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه، وأمرهما بإقامة الدين لا يدل على اتفاق دينهما، كما أن أمر الاثنين بأن يقوما بحقوق اللَّه تعالى يدل على أن الحق على أحدهما مثل الحق على الآخر، وعلى أن الآية تدل على أنه تعبّد محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بما وصى به نوحا عليه السلام، واللَّه أعلم. وقال الحافظ الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم: وأما شريعة
ذكر ما ورد في أنه عق عن نفسه صلى الله عليه وسلم
إبراهيم عليه السلام فشريعتنا، ولسنا نقول: أن اللَّه تعالى بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الناس كافة بالشريعة التي بعث اللَّه تعالى بها إبراهيم إلى قومه خاصة دون سائر أهل عصره، وإنما لزمتنا لأن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث بها إلينا لا لأن إبراهيم بعث بها، قال تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [ (1) ] وقال تعالى: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قال: تبلجت المسألة والحمد للَّه. قال: ونسخ اللَّه تعالى عنا بعض شريعة إبراهيم عليه السلام كما نسخ عنا ما كان يلزمنا من شريعة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمن ذلك ذبح الأولاد نسخ بقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ [ (2) ] ، وبقوله تعالى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [ (3) ] ، وبقوله تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ [ (4) ] . ونسخ الاستغفار للمشركين بقوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [ (5) ] . قال: وقد قال قوم: ماذا كانت شريعة النبي قبل أن ينبّأ؟ والجواب: أن يقال: في نفس سؤالكم جوابكم، وهو قولكم: قبل أن ينبّأ، وإذا لم يكن نبيا فلم يكن مكلفا شيئا من الشرائع التي لم يؤمر بها، ومن قبل أن يكون مأمورا بما لم يؤمر به، فصح يقينا أنه لم يكن ألزم شيئا من الشريعة حاشا التوحيد اللازم لقومه من عهد إبراهيم لولده ونسله حتى غيّره عمرو بن يحيي، وحاشا ما صانه اللَّه من الزنا وكشف العورة والكذب والظلم وسائر الفواحش التي سبق في علم اللَّه تعالى [أنه] [ (6) ] سيحرمها عليه وعلى الناس. ذكر ما ورد في أنه عقّ عن نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الجلال: أخبرني أبو المثنى العنبري أن أبا دواد حدثهم قال: سمعت أحمد يحدث بحديث الهيثم بن جميل عن عبد اللَّه بن المثنى عن ثمامة عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عق عن نفسه.
قال أحمد [بن] عبد اللَّه بن قتادة عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عق عن نفسه، منكر، وضعّف عبد اللَّه بن محرز قال الجلال: أخبرنا محمد بن عوف الحمصي، أخبرنا الهيثم بن جميل، حدثنا عبد اللَّه بن المثنى عن رجل من آل أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عقّ عن نفسه بعد ما جاءته النبوة [ (1) ] . وفي مصنف عبد الرزاق: أخبرنا عبد اللَّه بن محرز عن قتادة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عقّ عن نفسه بعد النبوة. قال عبد الرزاق: انما تركوا ابن محرز لهذا الحديث [ (2) ] .
فصل في ذكر بدء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف تراءى الملك له وإلقاؤه الوحي إليه وتقريره له أنه يأتيه من عند الله عز وجل وأنه قد صار يوحى إليه نبيا ورسولا إلى الناس جميعا
فصل في ذكر بدء الوحي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكيف تراءى الملك له وإلقاؤه الوحي إليه وتقريره له أنه يأتيه من عند اللَّه عز وجل وأنه قد صار يوحى إليه نبيا ورسولا إلى الناس جميعا قال ابن سيده في كتاب المحكم: وجاء وحيا: كتب، والوحي المكتوب أيضا وعلى ذلك جمعوا فقالوا: أوحى، وأوحى إليه: ألهمه [ (1) ] ، وفي التنزيل: وَأَوْحى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [ (1) ] ، وفيه: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [ (2) ] أي إليها، فمعنى هذا: أمرها، ووحي في هذا المعنى وأوحى إليه ووحي إليه: أومأ. وفي التنزيل: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [ (3) ] . وقال الحافظ أبو نعيم [ (4) ] : ومعنى الوحي مأخوذ من الوحا، وهو العجلة، فلما
كان الرسول متعجلا لما يفهم قيل لذلك التفهيم: وحي، وله مراتب ووجوه في القرآن: - وحي إلى الرسول، وهو أن يخاطبه الملك شفاها ويلقي ذلك في روعه، وذلك قوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [ (1) ] يريد بذلك خطابا يلقي فهمه في قلبه حتى يعيه ويحفظه. - وما عداه من غير خطاب، فإنما هو ابتداء إعلام وإلهام وتوقيف من غير كلام ولا خطاب كقوله تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [ (2) ] ، وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى [ (3) ] وما في معناهما.
وقال ابن سيده [ (1) ] في كتاب المخصص: النبي هو من نبّأت، أي أخبأت، لأنه إنباء عن اللَّه، وأنبئ، ومن زعم أن أصله غير الهمز فقد أخطأ، لأن سيبويه قال: وليس أحد من العرب إلا وهو يقول: تنبأ مسيلمة، فلو كان من النبوة- كما ذهب إليه غير سيبويه لقالوا: تنبأ مسيلمة، وبعضهم يقول تنبّأ مسيلمة، كما أن سنة لما كانت من الهاء عند قوم ومن الواو عند آخريين، قالوا: سنهات وسنوات، وكذلك عضة، قالوا مرة عضاة ومرة عضوات، فكذلك النبي: لو كان من النبوة ومن النبأ لهمز مرة وترك همزة أخرى. قال: وزعم سيبويه [ (2) ] أن بعض أهل الحجاز يهمزون النبي، وهي لغة رديئة،
ولم يستردئ ذهابا منه إلى أن أصله غير الهمز، وإنما استردأها من حيث كثرة استعمال الجمهور من العرب لها من غير لها من غير همز. قال أبو عبيد [ (1) ] : قال يونس: أهل مكة يخالفون غيرهم من العرب، يهمزون
النبي والبرية [ (1) ] ، وذلك قليل في الكلام. وقال [يعني ابن سيده] في كتاب المحكم في مادة ن ب أ: والنبي المخبر عن اللَّه عز وجل مكية، قال سيبويه: الهمز فيه لغة رديئة، يعني لقلة استعمالها، لا لأن القياس يمنع من ذلك، ألا ترى إلى قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد قيل له: يا نبئ اللَّه فقال: «لست بنبيء اللَّه ولكني نبيّ اللَّه» ، وذلك أنه عليه السلام أنكر الهمز في اسمه، فرده على قائله لأنه لم يرد بما سماه، فأشفق أن يمسك على ذاك وفيه شيء يتعلق بالشرع، فيكون بالإمساك عنه مبيح محظور أو حاظر مباح، والجمع أنبياء ونبآء، وتنبأ الرجل: ادعى النبوة. وقال في مادة ن ب و: والنبي العلم من أعلام الأرض التي يهتدى بها، قال بعضهم: ومنه اشتقاق النبي لأنه أرفع خلق اللَّه، وذلك لأنه يهتدى به. وقال أبو نعيم: فالنبوة هي سفارة العبد بين اللَّه وبين ذوي الألباب من خليقته، ولهذا يوصف أبدا بالرسالة والبعثة. وقيل: إن النبوة إزاحة علل ذوي الألباب فيما تقصر عقولهم عنه من مصالح الدارين، ولهذا يوصف دائما بالحجة والهداية ليزيح عللهم على سبيل الهداية و [السقيف] [ (2) ] . ومعنى النبي وذو النبأ والخبر أن يكون مخبرا عن اللَّه بما خصه به من الوحي-
وقيل إنها مشتقة من النّبوة التي هي المكان المرتفع عن الأرض، وهو أن يخص بضرب من الرفعة، فجعل سفيرا بين اللَّه وبين خلقه، يعنى بذلك وصفه بالشرف والرفعة. ومن جعل النبوة من الأنباء التي هي الأخبار، لم يفرق بين النبوة والرسالة، ومعنى الرسول: فهو المرسل، معول على لفظ مفعل، وإرساله أمره إياه بإبلاغ الرسالة والوحي. قال كاتبه: والنبي أصله بالعبرانية نبي- بضم النون وكسر الباء الموحدة ثم ياء آخر الحروف لا همز عليها- فلما عرّبت قيل: نبي بفتح النون، وهذا يؤيد أن ترك الهمز أشهر وأعرف، وفوق كل ذي علم عليم. تنبيه وإرشاد إلى معنى النبوة- واللَّه أعلم- وكيفية تلقي الأنبياء الوحي: اعلم أن اللَّه سبحانه اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته، وجعلهم وسائل بينه وبين عباده، يعرفونهم مصالحهم ويحرصون على هدايتهم، ويأخذون بحجزاتهم عن النار، ويدلونهم على طرق النجاة، وكان مما يلقيه اللَّه تعالى إليهم من المعارف، ويظهره على ألسنتهم من الخوارق، وقوع الكائنات المغيبة عن البشر التي لا سبيل إلى معرفتها إلا من اللَّه بوساطتهم، ولا يعلمونها إلا بتعليم اللَّه إياهم، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ألا وإني لا أعلم إلا ما علمني اللَّه» . واعلم أن خبرهم في ذلك من خاصته وضرورته الصدق، كما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوة، وعلامة هذا الصنف من البشر أن يوجد لهم في حال الوحي غيبة عن الحاضرين، مع غطيط كأنها غشي أو إغماء وليست منها في شيء، إنما هي بالحقيقة استغراق في لقاء الملك الروحانيّ بإدراكهم المناسب لهم، الخارج عن مدارك البشر كلية. ثم يتنزل إلى المدارك البشرية إما سماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له في صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند اللَّه، ثم ينجلي عنه تلك الحال، وقد وعى ما ألقي عليه. قال صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد سئل [ (1) ] عن الوحي:
«أحيانا [ (1) ] يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ، فيفصم عني وقد وعيت
ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» ويدركه أثناء ذلك
من الشدة [ (1) ] والغط ما لا يعبر عنه، ففي الحديث: كان مما يعالج من التنزيل شدة [ (1) ] ، وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: «فلقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد [البرد] [ (2) ] فيفصم عنه وإن جبينه ليفصد عرقا» وقال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [ (3) ] ولأجل هذه الحالة في تنزيل الوحي كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون ويقولون: له رئي أو تابع من الجن، وإنما لبس عليهم بما شاهدوه من ظاهر تلك الحال وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ [ (4) ] . ومن علاماتهم أيضا أنهم يوجد لهم قبل الوحي خلق الخير والزكاة ومجانبة المذمومات والرجس أجمع، وهذا هو معنى العصمة، وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات والمنافرة لها، وكأنها منافية لجبلته [ (5) ] ، واعتبر بسقوط إزار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [حين] انكشف كيف خرّ مغشيا عليه [ (6) ] ، وبقصده وليمة العرس كيف غشيه النوم ليله كله ولم يحضر شيئا من شأنهم [ (7) ] ، بل نزّهه اللَّه عن ذلك بجبلته [ (1) ] حتى أنه عليه السلام ليتنزه عن المطعومات المستكرهة، فلم يقرب البصل ولا الثوم، فلما قيل له في ذلك قال: إني أناجي من لا تناجي [ (8) ] ، وانظر لما أخبر.....
[رسول] [ (1) ] اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خديجة رضي اللَّه عنها بحال الوحي أول ما فجئه وأرادت اختباره فقالت له: اجعلني بينك وبين ثوبك، فلما فعل ذلك ذهب عنه!! فقالت: إنه ملك وليس بشيطان [ (2) ] ، ومعناه أنه لا يقرب النساء، وكذلك سألته عن أحب الثياب إليه أن يأتيه فيها، فقال: البياض والخضرة، فقالت إنه الملك، بمعنى أن الخضرة والبياض من ألوان الخير والملائكة، والسواد من ألوان الشرّ والشياطين وأمثال ذلك. ومن علاماتهم أيضا دعواهم الخلق إلى الدين والعبادة من الصلاة والصدقة والعفاف، وقد استدلت خديجة رضي اللَّه [عنها] [ (1) ] على صدقه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، وكذلك أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلم يحتاجا- رضي اللَّه عنهما- في أمره عليه السلام إلى دليل خارج عن حاله وخلقه، وكذا هرقل لما جاءه كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعوه إلى الإسلام سأل عن حاله، وكان فيما قال: فبم يأمركم؟ فقال أبو سفيان: بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف، فأجابه عن ذلك، فقال: إن يكن ما يقول حقا إنه نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين [ (3) ] ، والعفاف الّذي أشار إليه هرقل هو العصمة، فانظر كيف أخذ من العصمة والدعاء إلى الدين والعبادة دليلا على صحة النبوة، ولم يحتج إلى معجزة، فدل على أنّ ذلك من علامات النبوة. ومن علاماتهم أيضا أن يكونوا ذوى حسب في قومهم، كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ما بعث اللَّه نبيا في منعه [ (4) ] من قومه» ، وفي رواية للحاكم: في ثروة من قومه.
وكذا قال هرقل في مساءلته أبا سفيان: كيف هو فيكم؟ فقال أبو سفيان: هو فينا ذو حسب، قال هرقل: والرسل تبعث في أحساب قومها، ومعناه أن تكون له عصبية وشوكة تمنعه من أذى الكفار حتى يبلغ رسالات ربه، ويتم مراد اللَّه من إكمال دينه وملته. ومن علاماته أيضا وقوع الخوارق لهم شاهدة بصدقهم، وهي أفعال تعجز البشر عن مثلها، فسميت لذلك معجزة وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتهم، وللناس في كيفية وقوعها ودلالتها على تصديق الأنبياء خلاف ليس هذا موضع إيراده. وأما حقيقة النبوة: فاعلم أنّا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام، وربط الأسباب بالمسببات، واتصال الأكوان بالأكوان، واستحالة بعض الموجودات إلى بعض، لا تنقضي عجائبه، ولا تنتهي غاياته، وأبدأ من ذلك بالعالم المحسوس الجسماني، وأولا: عالم العناصر المشاهد كيف تدرج صاعدا من الأرض إلى الماء، ثم إلى الهواء، ثم إلى النار متصلا بعضها ببعض، وكل واحد منها مستعد أن يستحيل إلى ما يليه صاعدا أو هابطا، ويستحيل بعض الأوقات، والصاعد منها ألطف مما قبله إلى أن ينتهي إلى عالم الأفلاك وهي ألطف من الكل، وعلى طبقات اتصل بعضها ببعض على هيئة لا يدرك الحس منها إلا الحركات فقط، وما يهتدي بها بعضهم إلى معرفة مقاديرها وأوضاعها، وما بعد ذلك من وجود الذات التي لها هذه الآثار فيها. ثم انظر إلى عالم التكوين، كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج [إلى] [ (1) ] آخر أفق المعادن، متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له، وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم، متصل بأول أفق الحيوان كالحلزون والصدف، ولم يوجد لهما إلا قوة اللمس فقط، ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد القريب لأن يصير أول أفق من الّذي بعده، واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهى في تدرج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر، والرؤية ترتفع إليه
من عالم [القدرة] [ (1) ] الّذي استجمع فيه الكيس والإدراك، ولم ينته إلى الرؤية والفكر بالفعل، وكان ذلك في أول أفق من الإنسان بعده، وهذا غاية شهودنا. ثم أنا نجد في العوالم على اختلافها آثارا متنوعة، ففي عالم الحس آثار من حركة الأفلاك والعناصر، وفي عالم التكوين آثار من حركات النمو والإدراك تشهد كلها بأن لها مؤثرا مباينا للأجسام، فهو روحاني متصل بالمكونات، لوجود اتصال هذه العوالم في وجودها، وذلك هو النفس المدركة والمحركة، ولا بد فوقها من موجود آخر يعطيها قوى الإدراك والحركة، ويتصل بها أيضا وتكون [ذواته] [ (2) ] إدراكا صرفا، وتعقلا محضا، وهو عالم الملائكة، فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للانسلاخ من البشرية إلى الملائكية، لتصير بالفعل من جنس الملائكة وقتا من الأوقات، وفي لمحة من اللمحات، وذلك بعد أن تكمل ذاتها الروحانية بالفعل- كما نذكره بعد [ذلك] [ (3) ] إن شاء اللَّه- ويكون لها اتصال بالأفق الّذي بعدها، شأن الموجودات المترتبة كما قدمناه، فلها في الاتصال جهة العلو والسفل، فهي متصلة بالبدن من أسفل منها، ومكتسبة به المدارك الحسية التي تستعد بها للحصول على التعقل بالفعل، ومتصلة من جهة الأعلى منها بأفق الملائكية، ومكتسبة منه المدارك العلية والغيبية، فإن علم الحوادث موجود في ذواتهم من غير زمان، وهذا على ما قدّمناه من الترتيب المحكم في الوجود باتصال ذواته وقواه بعضها ببعض. ثم إن هذه النفس الإنسانية غائبة من العيان، وآثارها ظاهرة في البدن، وكأنه وجميع أجزائه مجتمعة ومتفرقة آلات للنفس ولقواها، أما الفاعلة: فالبطش باليد، والمشي بالرجل، والكلام باللسان، والحركة الكلية بالبدن متدافعا، وأما المدركة وإن كانت قوى الإدراك مترتبة ومرتقبة إلى القوة العليا منها وهي المعركة التي يعبرون عنها بالناطقة، فقوى الحس الظاهر بآلاته من البصر والسمع وسائرها ترتقي إلى الباطن، وأوله الحسن المشترك، وهو قوة تدرك المحسوسات، مبصرة، ومسمعة، وملموسة، وغيرها في حالة واحدة، وبذلك فارقت قوة الحس الظاهر، لأن
المحسوسات لا يزدحم عليها في الوقت الواحد، ثم يؤديه الحس المشترك إلى الخيال، وهو قوة تمثل الشيء المحسوس في النفس كما هو مجرد عن المواد الخارجة فقط، وآلة هاتين القوتين في تصرفهما: البطن الأول من الدماغ مقدمه للأولى ومؤخره للثانية، ثم يرتقي الخيال إلى الوهمية والحافظة، فالوهمية لإدراك المعاني المتعلقة بالشخصيات، كعداوة زيد، وصداقة عمرو، ورحمة الأب، وافتراس الذئب، والحافظة لإيداع المدركات كلها متخلية، وهي لها كالخزانة تحفظها إلى وقت الحاجة إليها، وآلة هاتين القوتين في تصرفهما: البطن المؤخر من الدماغ أوله للأولى ومؤخره للأخرى ثم ترتقي جميعها إلى قوة الفكر وآلته البطن الأوسط من الدماغ، وهو القوة التي تقع بها حركة الرؤية والتوجه نحو التعقل، فتحرك النفس بها دائما بما ركب فيها من النزوع إلى ذلك لتخلص من درك القوة والاستعداد الّذي للبشرية، وتخرج إلى الفعل في خلقها متشبهة بالملإ الأعلى الروحانيّ، وتعتبر في أول مراتب الروحانيات في إداركها بغير الآلات الجسمانية، فهي متحركة دائما ومتوجهة نحو ذلك، وقد تنسلخ بالكلية من البشرية وروحانيتها إلى الملائكية من الأفق الأعلى من غير اكتساب بما جعل اللَّه تعالى فيها من الجبلة والفطرة الأولى في ذلك. واعلم أن النفوس البشرية في ذلك على ثلاثة أصناف: صنف عاجز بالطبع عن الوصول إلى الإدراك الروحانيّ، فيقنع بالحركة السفلى نحو المدارك الحسية والخيالية، وتركيب المعاني من الحافظة والوهمية على قوانين محصورة وترتيب خاص، يستفيدون به العلوم التصورية والتصديقية التي للفكر في البدن، وكلّها خيالي منحصر نطاقه، إذ هو من جهة مبدئية ينتهى إلى الأوليات ولا يتجاوزها، وإن فسدت فسد ما بعدها، وهذا هو [أغلب] [ (1) ] نطاق الإدراك البشري الجسماني، وإليه ينتهي مدارك العلماء،؟ وفيه؟ ترسخ أقدامهم. وصنف متوجه بتلك الحركة الفكرية نحو التعقل الروحانيّ والإدراك الّذي لا يفتقر إلى آلات البدن بما جعل فيه من الاستعداد لذلك، فيتّسع نطاق إدراكه عن الأوليات التي هي نطاق الإدراك الأول البشري، ويسرح في فضاء المشاهدات
الباطنة، وهي وجدان كلها، لا نطاق لها من مبدئها ولا من منتهاها، وهذه مدارك الأولياء، أهل العلوم اللدنية والمعارف الربانية، وهي الحاصلة بعد الموت لأهل السعادة. وصنف مفطور على الانسلاخ من البشرية جملة: جسمانيها وروحانيها إلى الملائكية من الأفق الأعلى ليصير في لمحة من اللمحات ملكا بالفعل، ويحصل له شهود الملأ الأعلى في أفقهم، وسماع الكلام النفساني والخطاب الإلهي في تلك اللمحة، وهو لأهم الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، جعل اللَّه لهم الانسلاخ من البشرية في تلك اللمحة وهي حالة الوحي، فطرة فطرهم اللَّه عليها، وجبلة صورهم فيها، ونزههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بالبشرية بما ركب في غرائزهم من العصمة والاستقامة التي يحادون بها تلك الوجهة، وركز في طبائعهم رغبة في العبادة تكتنف بتلك الوجهة، وتشيع نحوها، فهم يتوجهون إلى ذلك الأفق بذلك النوع من الانسلاخ متى شاءوا بتلك الفطرة التي فطروها عليها، لا باكتساب ولا صناعة، فإذا توجهوا وانسلخوا عن بشريتهم، وتلقوا في ذلك الملأ الأعلى ما يتلقونه على جوابه على المدارك البشرية، متنزلا في قواها لحكمة التبليغ للعباد، فتارة بسماع دويّ كأنه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الّذي ألقى إليه، فلا ينقضي الدويّ إلا وقد وعاه وفهمه. وتارة يتمثل له الملك الّذي يلقى إليه رجلا يكلمه ويلقى ما يقوله، والتلقي من الملك والرجوع على المدارك البشرية وفهمه ما ألقي عليه كأنه في لحظة واحدة بل أقرب من لمح البصر، لأنه ليس في زمان بل كلها تقع جميعا، فتظهر كأنها سريعة، ولذلك سميت وحيا، لأن الوحي في اللغة الإسراع. واعلم أن الأولى وهي حالة الدوي رتبة الأنبياء غير المرسلين على ما حققوه، والثانية وهي حالة يتمثل الملك رجلا يخاطب [و] [ (1) ] هي رتبة الأنبياء المرسلين، ولذلك كانت أكمل من الأولى، وهذا معنى الحديث الّذي فسر فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي لما سأله الحارث بن هشام وقال: كيف يأتيك الوحي؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحيانا
يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قاله، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقوله [ (1) ] ، وإنما كانت الأولى أشد لأنها مبدأ الخروج في ذلك الاتصال من القوة إلى الفعل، فيعسر بعض العسر، ولذلك لما عاج [ (2) ] فيها على المدارك البشرية اختصت بالسمع وصعب ما سواه، وعند ما يتكرر الوحي ويكثر التلقي يسهل ذلك الاتصال، فعند ما يعرج على المدارك البشرية يأتي على جميعها، وخصوصا الأوضح منها، وهو إدراك البصر، وفي العبارة عن الوعي في الأولى بصيغة الماضي وفي الثانية بصيغة المضارع لطيفة من البلاغة، وهي أن الكلام جاء مجيء التمثيل لحالتي الوحي، فتمثلت الحالة الأولى بالدويّ الّذي هو المتعارف [ (3) ] غير كلام وإخبار، أن الفهم والوعي يتبعه عقب [ (4) ] انقضائه، فناسب عند تصوير انقضائه وانفصاله العبارة عن الوعي بالماضي المطابق للانقضاء والانقطاع، ويمثل الملك في الحالة الثانية برجل يخاطب ويتكلم، والكلام يساوقه الوعي فناسب العبارة بالمضارع المقتضى للتجدد. واعلم أن في حالتي الوحي كلها على الجملة صعوبة وشدة، قد أشار إليها القرآن الكريم، قال تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [ (5) ] وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: كان مما يعاني من التنزيل شدة، وقالت: كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا، ولذلك ما كان يحدث فيه تلك الحالة من الغيبة والغطط ما هو معروف. وشبيه ذلك أن الوحي كما قررناه مفارقة البشرية إلى المدارك الملائكية، وتلقي كلام النفس، فيحدث عنه شدة من مفارقة الذات ذاتها، وانسلاخها من أفقها إلى ذلك الأفق الآخر، وهذا معنى الغط الّذي عبّر به في مبدإ الوحي في قوله: فغطني حتى بلغ من الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ [ (6) ] .
وقد يقضي الاعتبار فيه بالتدريج شيئا فشيئا إلى بعض السهولة بالقياس إلى ما قبله، وكذلك كانت تنزل نجوم القرآن [ (1) ] ، وسوره وآياته حين كان بمكة أقصر منها وهو بالمدينة، وانظر إلى ما قيل في نزول سورة براءة [ (2) ] في غزوة تبوك، وأنها أنزلت أو أكثرها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يسير على ناقته بعد أن كان بمكة ينزل عليه بعض السورة من القصار المفصل [ (3) ] في وقت، وينزل عليه الباقي في حين آخر، وكذلك كان من آخر ما نزل عليه بالمدينة آية الدين [ (4) ] ، وهي ما هي بالطول، بعد أن كانت الآيات تنزل بمكة مثل آيات سورة الرحمن، والذاريات، والمدثر، والضحى، والعلق، وأمثالها، واعتبر من ذلك علامة تميزها بين المكيّ والمدني من السور والآيات، واللَّه المرشد إلى الصواب. هذا ما تحصل من أمر النبوة.
أنواع الوحي وأقسامه
أنواع الوحي وأقسامه وتبيان لأنواع الوحي وأقسامه: اعلم أن الوحي للأنبياء والمرسلين يكون تارة في النوم وتارة في اليقظة، فالذي يكون في اليقظة إما بواسطة الملك أو بغير واسطة، ومن الرسل من فضله اللَّه تعالى بأن كلمه اللَّه في اليقظة من وراء حجاب دون وحي ولا بتوسط ملك، لكن بكلام مسموع بالآذان، معلوم بالقلب، زائد على الوحي الّذي هو معلوم بالقلب فقط، أو مسموع من الملك عن اللَّه تعالى، وهذا هو الّذي خصّ به موسى عليه السلام [ (1) ] من الشجرة، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء [ (2) ] من المستوى الّذي سمع فيه صريف [ (3) ] الأقلام، وقد كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الوحي حالات متعددة، فكان الوحي الّذي يلقاه [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منحصرة أقسامه في ثلاثة عشرة وهي: نزول الملك في صورة دحية [ (5) ] ، ونزوله على الصورة التي خلق عليها وله ستمائة جناح، ونفث [ (6) ] روح القدس في روعه، ورؤيته في المنام، وسماعه مثل صلصلة الجرس، ونزول إسرافيل عليه، وتكليمه اللَّه تعالى بلا واسطة من وراء حجاب في اليقظة، وتكليمه تعالى كذلك في المنام، والعلم الّذي يلقيه سبحانه في صدره وعلى لسانه عند الاجتهاد في الوقائع لأن الشيطان ليس له إلى باطن الأنبياء من سبيل، فخواطر الأنبياء كلها إما ربانية أو ملكية أو نفسية، لا حظّ للشيطان في قلوبهم، لأنهم مشرعون، فلذلك عصمت بواطنهم، والوحي المشبه بدويّ النحل، ومجيء جبريل في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، ومجيء ملك الجبال، والخطاب مشافهة على قول من يثبت الرؤية، وسنقف على شرح ذلك وتبيانه من الأحاديث المسندة بطرقها إن شاء اللَّه تعالى.
[فصل في أمارات نبوته صلى الله عليه وسلم التي رآها قبل البعثة]
[فصل في أمارات نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم التي رآها قبل البعثة] وأما أمارات النبوة التي رآها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل بعثته بالرسالة: قال الواقدي: عن علي بن محمد بن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن برة بنت أبي بخزان أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان حين أراد اللَّه عز وجل كرامته وابتداءه بالنّبوّة إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا، ويفضي إلى الشعاب و [بطون] الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر [ة] إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه، [فكان] يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا [ (1) ] .
وفي رواية لغير الواقدي: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرد عليهم: وعليك السلام، وكان علمه جبريل التحية [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث الحرث بن أبي أسامة، حدثنا، داود ابن [المحبر] [ (2) ] ، حدثنا حماد بن أبي عمران الجوني عن يزيد بن [ (3) ] بابنوس عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نذر أن يعتكف شهرا هو وخديجة بحراء، فوافق ذلك من شهر رمضان، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسمع: السلام عليك، فظنها فجأة الجن، فجاء مسرعا حتى دخل على خديجة فسجته [ (4) ] ثوبا وقالت: ما شأنك يا ابن عبد اللَّه؟ فقلت: قيل: السلام عليك فظننتها فجأة الجن، فقالت: أبشر
يا ابن عبد اللَّه فالسلام خير، وذكر الحديث. وخرج من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا برز سمع من ينادي: يا محمد، فإذا سمع الصوت انطلق هاربا فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فذكر ذلك لها فقال: يا خديجة، قد خشيت أن يكون خالط عقلي شيء! إني إذا برزت أسمع شيئا يناديني فلا أرى شيئا فأنطلق هاربا، فقالت: ما كان اللَّه ليفعل ذلك بك، إنك ما علمت تصدق الحديث وتؤدي الأمانة وتصل الرحم، وما كان اللَّه ليفعل ذلك بك، فأسرّت ذلك إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه وكان صديقا له في الجاهلية، فأخذ أبو بكر بيده فقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال له ورقة: ترى شيئا؟ قال: لا، ولكني إذا برزت سمعت النداء ولا أرى شيئا! فأنطلق هاربا فإذا هو عندي يناديني، قال: فلا تفعل ذلك، إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، فلما برز سمع: يا محمد، قال: لبيك، قال: قل: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، ثم قال: قل: الحمد للَّه رب العالمين من فاتحة الكتاب- ثم أتى ورقة فذكر ذلك له فقال له: أبشر ثم أبشر ثم أبشر، أشهد أنك الرسول الّذي بشّر به عيسى [إذ قال: وَمُبَشِّراً] [ (1) ] بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ، فأنا أشهد أنك أحمد، وأنا أشهد أنك محمد، وأنا أشهد أنك رسول اللَّه [وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك، فلما توفى ورقة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدّقني] [ (2) ] . قال أبو نعيم [ (3) ] : ورواه شريك عن إسحاق عن عمرو بن شرحبيل. وروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصن عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأجياد إذ رأى ملكا واضع إحدى رجليه على الأخرى في أفق السماء يصيح: يا محمد، أنا جبريل، فذعر ورجع
سريعا إلى خديجة رضي اللَّه عنها فقال: إني لأخشى أن أكون كاهنا! قالت: كلا يا ابن العم، لا تقل ذلك، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وإن خلقك لكريم [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث حماد قال [ (2) ] : حدثنا عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال: أقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة خمسة عشر سنة، سبعا يرى الضوء [والنور] [ (3) ] ويسمع الصوت، وثماني سنين يوحى إليه. وخرج مسلم من حديث إبراهيم بن طهمان قال: حدثني سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن [ (4) ] . ورواه سليمان بن معاذ عن سماك عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن بمكة لحجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت عليه. وخرج البيهقي من حديث السّدي عن عبّاد بن عبد اللَّه عن علي رضي اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا حجر ولا جبل إلا قال له: السلام عليك يا رسول اللَّه [ (5) ] . وفي رواية: لقد رأيتني أدخل معه بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوادي، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه وأنا أسمعه. [[ (6) ]] .
المجلد الثالث
[المجلد الثالث] [بقية فصل في أمارات نبوته] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم ذكر مجيء الملك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برسالات ربه تعالى خرج البخاري ومسلم من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرته كذا، أنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي [ (1) ] الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- قال: والتحنث: هو التعبد- الليالي ذوات العدد، وقال مسلم: أولات العدد- قبل أن يرجع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجئه الحق في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقْرَأْ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ، فقلت: ما أنا بقارئ، فقال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ
الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ [ (1) ] ، فرجع بها [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة رضي اللَّه عنها فقال: زملوني زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع- وقال مسلم: حتى ذهب عنه ما يجد من الروع- ثم قال لخديجة: أي خديجة! ما لي قد خشيت على نفسي؟ وأخبرها الخبر فقالت له خديجة: ...
كلا [ (1) ] ، فأبشر، فو اللَّه لا يخزيك اللَّه ... [8] عدم الصبر على أذى قومه. [9] أن يقتلوه. [10] مفارقة الوطن. [11] تكذيبهم إياه. [12] تعييرهم إياه. وأولى هذه الأقوال بالصواب، وأسلمها من الارتياب، الثالث واللذان بعده، وما عداها فهو معترض. واللَّه الموفق: (فتح الباري) : 1/ 28- 32، كتاب بدء الوحي، حديث رقم (3) .
أبدا [ (1) ] ، فو اللَّه إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة- أخى أبيها- وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء اللَّه أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمى، فقالت له خديجة: يا ابن عم-
وقال مسلم: أي عم- اسمع من ابن أخيك، فقال [له] ورقة يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبر ما رأى، فقال له ورقة ابن نوفل: هذا الناموس الّذي أنزل على موسى [بن عمران] ، يا ليتني فيها جذعا، يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك- وقال البخاري: يا ليتني أكون حيا [إذ] ... - فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو مخرجيّ هم؟ قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي - وقال مسلم: إلا أوذي- وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي [فترة حتى حزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] . قال محمد بن شهاب [ (1) ] : وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن
عبد اللَّه الأنصاري [رضي اللَّه عنه] ، قال فسلم: وكان من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وهو- يحدث عن فترة الوحي: قال في حديثه: بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، [فرعبت] [ (1) ] منه فرجعت، - وقال مسلم: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فخشيت منه فرقا فرجعت- فقلت: زملوني [زملوني] ، فدثّروه- وقال مسلم: فدثروني- فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ (2) ]- وهي الأوثان- قال: ثم تتابع الوحي [ (3) ]- وقال البخاري: قال أبو سلمة: وهي الأوثان التي كانت الجاهلية يعبدون، قال: ثم تتابع الوحي، ولم يذكر مسلم: ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ذكره البخاري في كتاب التفسير وفي كتاب الإيمان [ (4) ] وذكره مسلم من حديث معمر عن الزهري [ (5) ] ولفظه: أول ما بدئ به
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي.. وساق الحديث بمثل حديث يونس، غير أنه قال: فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، وقال: قالت خديجة أيا ابن العم! اسمع من ابن أخيك، وذكره أيضا من حديث عقيل عن ابن شهاب، سمعت عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده، فاقتص الحديث بمثل حديث يونس ومعمر، ولم يذكر أول حديثهما من قوله: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة، وتابع يونس على قوله: فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، وذكر قول خديجة: أي ابن عم! اسمع من ابن أخيك. وذكر من حديث عقيل عن ابن شهاب [ (1) ] قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أي جابر بن عبد اللَّه أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ثم فتر الوحي عني فترة، فبينا أنا أمشي.. ثم ذكر بمثل حديث يونس، غير أنه قال: فخشيت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض. قال: وقال أبو سلمة: الرجز الأوثان، قال: حمي الوحي بعد ذلك وتتابع. وذكره من حديث معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحو حديث يونس، قال: فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ إلى [ (2) ] وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ- قبل أن تفرض الصلاة- وهي الأوثان، قال فخشيت منه كما قال عقيل [ (3) ] . وذكر البخاري في كتاب التعبير حديث عقيل ولفظه [ (4) ] : أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم بنحو حديث يونس وقال فيه: حتى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وقال: فقالت له خديجة: أي ابن عم.. الحديث إلى قوله نصرا مؤزرا، وقال بعده: ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلما أو في بذروة جبل لكي يلقى [منه] بنفسه تبدي له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول
اللَّه حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أو في بذروة جبل تبدي له جبريل فقال له مثل ذلك [ (1) ] . ترجم عليه أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة. وذكر في أول حديث عقيل ولفظه: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الرؤيا الصالحة في النوم وقال فيه: يرجف فؤاده، وقال: وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء اللَّه أن يكتب، وقال: فقالت له خديجة: يا ابن عم، وقال: هو الناموس الّذي نزل على موسى، وقال: ليتني أكون حيا إذا يخرجك قومك، وقال: رجل قط بما جئت به إلا عودي، قال في التعبير وقال بعد قوله نصرا مؤزرا: ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي [ (2) ] . قال ابن شهاب: وأخبرني سلمة بن عبد الرحمن أن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: بينا أمشي إلا سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الّذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل اللَّه عز وجل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [ (3) ] ،
فحمي الوحي وتتابع. تابعه عبد اللَّه بن يونس وأبو صالح، وتابعه هلال بن ردّاد عن الزهري. وقال يونس ومعمر: بوادره. وذكر في التفسير من حديث معمر عن الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يحدث عن فترة الوحي [ (1) ] فقال في حديثه: فبينا أنا أمشي إذا سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي إليه، فإذا الملك الّذي جاءني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ، إلى وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ قبل أن تفرض الصلاة، وهي الأوثان، وذكر فيه أيضا حديث عقيل عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: أخبرني جابر بن عبد اللَّه أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث عن فترة الوحي، [قال] : فبينا أنا أمشي سمعت تصويتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الّذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، فزملوني، فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ إلى قوله: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان، ثم حمي الوحي وتتابع. وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة [ (2) ] ، حدثنا
منجاب بن الحارث، حدثنا علي بن مسهر عن الشيبانيّ عن عبد اللَّه بن شداد قال: نزل جبريل عليه السّلام على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فغمه ثم قال له: اقرأ، قال ما أقرأ؟ فغمه ثم قال له: اقرأ، قال: ما أقرأ، فغمه ثم قال له: اقرأ، قال: ما أقرأ، قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى ما لَمْ يَعْلَمْ، فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فأخبرها بالذي رأى، فأتت ورقة ابن نوفل ابن عمها فأخبرته بالذي رأى فقال: هل رأى زوجك صاحبه في خضر؟ فقالت: نعم، فقال: إن زوجك نبي وسيصيبه في أمته بلاء. وخرج من حديث منجاب قال: حدثنا على بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما أنزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخديجة: لقد خشيت أن أكون كاهنا أو مجنونا، قالت: لا واللَّه لا يفعل اللَّه ذلك بك، إنك لتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتؤدي الأمانة، واللَّه لا يفعل ذلك بك، فأتت ابن عمها ورقة ابن نوفل وكانت تضيفه إليه، فأخبرته بالذي رأى، فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه الناموس الأكبر، ناموس عيسى الّذي لا تعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم، ولئن نطق وأنا حيّ لأبلين اللَّه فيه بلاء حسنا، قال أبو نعيم: هكذا رواه علي بن مسهر وأصحاب هشام مرسلا، ورواه يعقوب بن محمد الزهري عن عبد اللَّه بن محمد ابن يحيى بن عروة عن هشام متصلا، وفيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال ورقة لما ذكرت له خديجة أنه ذكر لها جبريل: سبّوح سبّوح، وما لجبريل يذكر في هذه الأرض التي تعبد فيها الأوثان، جبريل أمين اللَّه بينه وبين رسله، اذهبي به إلى المكان الّذي رأى فيه ما رأى، فإذا أتاه فتحسّرى فإن يكن من عند اللَّه لا يراه، ففعلت، قالت: فلما تحسّرت تغيّب جبريل فلم يره، فرجعت فأخبرت ورقة فقال: إنه ليأتيه الناموس الأكبر الّذي لا يعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم إلا بالثمن، ثم أقام ورقة ينتظر إظهار الدعوة، فقال في ذلك: لججت وكنت في الذكرى لجوجا [ (1) ] ... لهم طالما بعث النشيجا [ (2) ]
ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظاري يا خديجا ببطن المكتين [ (1) ] على رجائي [ (2) ] ... حديثك أن [ (3) ] أرى منه خروجا بما خبرتنا [ (4) ] عن قول قسّ ... من الرهبان أكره [ (5) ] أن يعوجا بأن محمدا سيسود فينا [ (6) ] ... ويخصم من يكون له حجيجا ويظهر في البلاد ضياء نور [ (7) ] ... يقيم به البرية أن تعوجا
فيلقى من يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا [ (1) ] فيا ليتني [ (2) ] إذا ما كان ذاكم ... شهدت فكنت أولهم ولوجا ولوجا [ (3) ] في الّذي كرهت قريش ... ولو عجت بمكتها عجيجا [ (4) ] أرجى بالذي كرهوا جميعا ... إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا وإن يبقوا وأبق [ (5) ] تكن أمور ... يضجّ الكافرون بها ضجيجا [ (6) ] وإن أهلك فكل فتى سيلقى ... من الأقدار متلفة خلوجا [ (7) ] هو الأصل للضوء، ومنه مبدؤه، وعنه يصدر، وفي التنزيل: فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الآية 17/ البقرة] ، وفيه: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً [الآية 5/ يونس] ، لأن نور القمر لا ينتشر عنه من الضياء ما ينتشر من الشمس، ولا سيما طرفي الشهر، وفي الصحيح: «الصلاة نور، والصبر ضياء» ، وذلك أن الصلاة هي عمود الإسلام، وهي ذكر وقرآن، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالصبر عن المنكرات، والصبر على الطاعات هو: الضياء الصادر عن هذا النور الّذي هو القرآن والذكر، وفي أسماء الباري سبحانه اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الآية 35/ النور] ، ولا يجوز أن يكون الضياء من أسمائه سبحانه. (الروض الأنف) .
وخرج أيضا من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا داود بن المحبر، حدثنا حماد عن أبي عمران الجوى عن يزيد بن بابنوس عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نذر أن يعتكف شهرا هو وخديجة رضي اللَّه عنها بحراء، فوافق ذلك شهر رمضان، فخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات ليلة فسمع: السلام عليك! قال: فظننتها فجأة الجن، فجئت مسرعا حتى جئت إلى خديجة فسجتني ثوبا فقالت: ما شأنك يا ابن عبد اللَّه؟ فأخبرها فقالت له: أبشر يا ابن عبد اللَّه، فإن السلام خير، قال: ثم خرجت مرة أخرى فإذا أنا بجبريل على الشمس، جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب، قال [ (1) ] : فهلت منه فجئت مسرعا فإذا هو بيني وبين الباب، فكلمني حتى أنست به، ثم وعدني موعدا فجئت له فأبطأ عليّ فرأيت أن أرجع، فإذا أنا به وميكائيل بين السماء والأرض قد سدّ الأفق، فهبط جبريل وبقي ميكائيل بين السماء والأرض، فأخذني جبريل فاستلقاني لحلاوة القفا [ (2) ] ، ثم شق عن قلبي فاستخرج ما شاء اللَّه أن يستخرج، ثم غسله، في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم أكفأني كما يكفأ الأديم، ثم ضم في ظهري حتى وجدت مسّ الخاتم في قلبي، ثم قال لي: اقرأ، ولم أكن [ (3) ] قرأت كتابا قط، فلم أدر ما أقرأ، ثم قال: اقرأ، فقلت ما أقرأ؟ قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (4) ] ، حتى انتهى إلى خمس آيات منها فما نسيت شيئا بعد، ثم وزنني برجل فوزنته، ثم وزنني بآخر فوزنته حتى وزنت بمائة فقال ميكائيل: تبعته أمته ورب الكعبة، فجعلت لا يلقاني حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه حتى دخلت على خديجة فقالت: السلام عليك يا رسول اللَّه [ (5) ] . وفي رواية يونس بن حبيب عن داود: فقال ميكائيل: تبعته أمته، وقال:
كما يكفأ الإناء، وقال: أخذ بحلقي حتى أجهشت بالكباء ثم قال لي: اقرأ.. والباقي مثله سواء. وخرج من حديث إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن [الحارث] [ (1) ] بن هشام عن أم سلمة عن خديجة [ (2) ] رضي اللَّه عنها أنها قالت: قلت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ابن عم، أتستطيع إذا جاءك هذا الّذي يأتيك أن تخبرني به؟ قال: نعم، قالت خديجة: فجاءه جبريل عليه السّلام ذات يوم وأنا عنده فقال: يا خديجة، هذا صاحبي الّذي يأتيني قد جاء، فقلت له: قم فاجلس على فخذي [ (3) ] ، فجلس عليهما [ (4) ] فقلت: هل تراه؟ قال: نعم، فقلت: تحول فاجلس على فخذي اليسرى فجلس فقلت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت خديجة [فتحسرت] [ (5) ] فطرحت خماري فقلت: هل تراه؟ قال: لا، فقلت: هذا واللَّه ملك كريم، واللَّه ما هذا شيطان، قالت خديجة فقلت لورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي: ذلك مما أخبرني محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال ورقة: إن [ (6) ] يك حقا يا خديجة فاعلمي ... حديثك إيّانا فأحمد مرسل [وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من اللَّه وحي بشرح الصدر منزّل] [ (7) ] يفوز به من فاز فيها بتوبة ... ويشقى به العاني الغويّ المضلّل [ (8) ] فريقان منهم فرقة في جنانه ... وأخرى بأجواز الجحيم تغلّل [ (9) ]
إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت ... مقامع في هاماتهم ثم تشعل [ (1) ] فسبحان من تهوى الرياح بأمره ... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل ومن عرشه فوق السموات كلها ... وأحكامه [ (2) ] في خلقه لا تبدّل وقال ورقة أيضا: يا للرجال وصرف الدّهر والقدر ... وما [ (3) ] لشيء قضاه اللَّه من غير حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... وما لنا [ (4) ] بخفي الغيب من خبر فكان ما سألت عنه لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس عن أخر [ (5) ] فخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر [ (6) ] والعصر بأن أحمد يأتيه فيخبره ... جبريل إنك مبعوث إلى البشر فقلت على الّذي ترجين ينجزه ... لك الإله فرجّي الخير وانتظري وأرسليه إلينا كي نسائله ... عن أمر ما يري في النوم والسهر فقال خير أتانا منطقا عجبا ... يقفّ منه أعالي الجلد والشّعر إني رأيت أمين اللَّه واجهني ... في صورة أكملت في أهيب الصّور ثم استمر فكاد الخوف يذعرني ... مما يسلم من حولي من الشجر فقلت ظني وما أدرى سيصدقني ... أن سوف يبعث يتلو منزل السّور [ (7) ]
وسوف أوليك [ (1) ] إن أعلنت دعوتهم ... مني [ (2) ] الجهاد بلا منّ ولا كدر [ (3) ] وخرج من حديث فليح بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عبد العزيز الإماميّ عن يزيد بن رومان، [والزهري] [ (4) ] عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان جالسا مع خديجة [رضي اللَّه عنها] [ (5) ] يوما من الأيام إذ رأى شخصا بين السماء والأرض فقالت خديجة [ (6) ] : لا يزول، أدن مني، فدنا منها، فقالت له: أتراه؟ [قال: نعم] [ (7) ] قالت: أدخل [يدك] [ (8) ] تحت [الدرع] [ (9) ] ، ففعل ذلك، فقالت [ (10) ] : أتراه؟ قال: لا، قد أعرض عني، قالت: أبشر فإنه ملك كريم، لو كان شيطانا ما استحى. فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
يوما من الأيام إذا رأى شخصا بين السماء والأرض بأجياد [ (1) ] إذ بدا له جبريل فسلم عليه، وبسط بساطا كريما مكللا بالياقوت والزبرجد، ثم بحث في الأرض فنبع الماء، فعلّم جبريل رسول اللَّه كيف يتوضأ، فتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم صلّى ركعتين نحو [الكعبة] [ (2) ] مستقبل الركن الأسود، وبشره بنبوته، ونزل عليه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (3) ] ثم انصرف منقلبا فلم يمر على شجر ولا حجر [ (4) ] إلا وهو يسلم عليه يقول: سلام [ (5) ] عليك يا رسول اللَّه، فجاء إلى خديجة فقال: يا خديجة! أشعرت [أن] [ (6) ] الّذي كنت أراه قد بدا لي [وبسط لي] [ (7) ] بساطا كريما وبحث من [ (8) ] الأرض فنبع الماء فعلمني الوضوء، فتوضأت وصليت ركعتين، [فقالت] [ (9) ] : أرني كيف أراك؟ فأراها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [وتوضأت] [ (10) ] ثم صلت معه وقالت: أشهد أنك رسول اللَّه. ولأبي نعيم من حديث حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخديجة: إني أسمع صوتا وأرى ضوءا، وإني أخشى أن يكون خبل، فقالت: لم يكن اللَّه ليفعل بك ذلك يا ابن عبد اللَّه، ثم أتت ورقة ابن نوفل فذكرت ذلك له فقال: إن يك صادقا إن هذا ناموس مثل ناموس موسى، وإن يبعث وأنا حي فسأعزره وأنصره وأعينه [ (11) ] .
وله من حديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال: سمعت عبد اللَّه بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي حديث أخبرنا عبيد كيف كان بدء ما ابتدأ اللَّه به رسوله من النبوة حين جاءه جبريل؟ فقال عبيد: وأنا حاضر يحدث عبد اللَّه بن الزبير وهو من عنده من الناس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجاور [ (1) ] في حراء من كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تحنثت به قريش- والتحنث: التبرر [ (2) ]- فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجاور ذلك الشهر في كل سنة يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من ذلك الشهر كان أول ما ابتدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء اللَّه من ذلك، ثم يرجع إلى بيته حتى إذا كان الشهر الّذي أراد اللَّه به ما أراد من كرامته من السنة التي بعث فيها، وذلك الشهر شهر رمضان، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حراء كما كان يخرج لجواره معه أهله، حتى كانت الليلة التي أكرمه اللَّه فيها برسالته، ورحم العباد بها، جاءه جبريل من اللَّه تعالى [ (3) ] . وقال إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاءني
وأنا نائم [ (1) ] بنمط من ديباج فيه كتاب [ (2) ] ، فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ [ (3) ] قال: فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ [ (3) ] ، فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ [ (3) ] ، قال: فغتني حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا [لأفتدي] [ (4) ] منه أن يعود لي بمثل ما صنع فيّ، قال: اقْرَأْ بِاسْمِ [ (5) ] رَبِّكَ
الَّذِي خَلَقَ إلى قوله: ما لَمْ يَعْلَمْ، قال: فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتابا، [قال: ولم يكن من خلق اللَّه تعالى أحد أبغض إليّ من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أن انظر إليهما، قال: قلت: إن الأبعد يعني لشاعر أو مجنون لا يتحدث بهذا قريش عني أبدا إلا عمدت إلى خالق من الجبل، ولأطرحت نفسي منه فلأقتلنها ولأستريحن] [ (1) ] ، قال: فخرجت [أريد ذلك] [ (1) ] حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من [السماء] [ (2) ] يقول: يا محمد! أنت رسول اللَّه وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء انظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول اللَّه وأنا جبريل، قال: فوقفت انظر إليه [فشغلني ذلك عما أردت] [ (3) ] ما أتقدم ولا أتأخر، وجعلت أصرف وجهي [ (4) ] في آفاق السماء ولا انظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي ولا أرجع ورائي حتى بعثت خديجة [في] [ (5) ] رسلها في طلبي، فبلغوا [ (6) ] مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكان ذلك ثم انصرف عني، [فانصرفت] [ (7) ] راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا [إليها] [ (8) ] فقالت: يا أبا القاسم! أين كنت: فو اللَّه لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا [إليّ] [ (9) ] ، قال: [قلت لها: إن الأبعد لشاعر مجنون، قال: فقالت: أعيذك باللَّه يا أبا القاسم، ما كان اللَّه تعالى ليصنع ذلك بك مع صدق حديثك وحسن خلقك وعظم أمانتك وصلتك رحمك، وما ذاك يا ابن عم؟ لقد رأيت شيئا؟ قال: قلت [ (10) ] نعم] ، ثم
حدثتها الّذي رأيت فقالت: أبشر يا ابن العم واثبت، فو الّذي نفس خديجة بيده أن تكون نبي هذه الأمة، قال: ثم قامت فجمعت عليها ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة ابن نوفل بن أسد [ (1) ] وهو ابن عمها - وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة [وأهل] الإنجيل- فأخبرته بما أخبرها به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه رأى وسمع فقال ورقة [ (2) ] : قدوس قدوس، والّذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الّذي يأتي [به] [ (3) ] موسى، وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له [فليثبت] [ (4) ] ، فرجعت خديجة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وأخبرته] [ (5) ] بقول ورقة [ (6) ] [وسهّل عليه ذلك بعض ما كان فيه من الهم بما جاءه] [ (7) ] ، فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جواره وانصرف صنع فيه كما يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة ابن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال: يا ابن أخي! أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره فقال له ورقة: والّذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الّذي جاء موسى، ولتكذبنّه ولتؤذينّه ولتخرجنّه ولتقاتلنّه [ (8) ] ولئن أنا أدركت [ (9) ] ذلك لأنصرن اللَّه نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه [منه] [ (10) ] فقبّل يافوخه، ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى منزله. [وقد زاده ذلك من قول
ورقة ثباتا، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم] [ (1) ] . قال أبو نعيم: وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد نحوه مختصرا، وله من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة، أراه اللَّه رؤيا في المنام فشق ذلك عليه، ورأى أنه بينما هو بمكة أتى إلى سقف بيته فنزع شبحة شبحة [ (2) ] حتى إذا نزل أدخل فيه سلم من فضة فيما يخيل إليه، ثم نزل إليه رجلان، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأردت أن أستغيث فحبساني مكاني ومنعت الكلام، فقعد أحدهما إليّ والآخر إلى جنبي وأنا فرق، فأدخل أحدهما يده في جنبي فنزع ضلعين منه كما ينزل علق الصندوق الشديد، فأدخل يده في جوفي وأنا أجد بردها، فأخرج قلبي فوضعه على كفه وقال لصاحبه، نعم القلب، وقال: قلب رجل صالح، ثم أدخلا القلب مكانه وردا الضلعين كما يرد علق الصندوق الشديد، ثم ارتفعا ورفعا سلمهما فاستيقظت فإذا السقف كما هو فقلت يحلم، وذكره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لخديجة بنت خويلد فعصمها اللَّه من التكذيب وقالت: أبشر! فو اللَّه لا يفعل اللَّه بك إلا خيرا، وأخبرها أنه رأى بطنه طهر وغسل ثم أعيد كما كان، فقالت: هذا واللَّه خير فأبشر، ثم استعلن له جبريل وهو بأفلاء مكة من قبل حراء فوضع يده على رأسه وفؤاده وبين كتفيه وقال له: لا تخف! أنا جبريل، وأجلسه معه على مجلس كريم كهيئة الدر، نوره فيه الياقوت واللؤلؤ، فبشره برسالات اللَّه حتى اطمأن إلى جبريل ثم قال: اقرأ، قال: كيف أقرأ؟ قال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى قوله: ما لَمْ يَعْلَمْ، فأبدى له جبريل نفسه، له جناحان من ياقوت يخطفان البصر، ففتح جبريل عينا من ماء فتوضأ، ومحمد ينظر إليه فوضأ وجهه ويديه
إلى المرفقين، ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ونضح فرجه [وسجد] [ (1) ] سجدتين مواجه البيت، ففعل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم كما رأى جبريل يفعل، وقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رسالة ربه، وسألها اللَّه بحقها، واتّبع الّذي نزل به جبريل من عند رب العرش العظيم، فلما قضى جبريل الّذي أمره به، انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يمر على حجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه، فرجع إلى بيته وهو مؤمن قد رأى أمرا عظيما، فلما دخل على خديجة أخبرها، قال: أرأيتك الّذي كنت أخبرتك أني رأيته في المنام؟ فإنه جبريل قد استعلن لي، أرسله إليّ ربي عزّ وجلّ، أخبرها بالذي جاءه من اللَّه وسمع فقالت: أبشر، فو اللَّه لا يفعل اللَّه بك إلا خيرا، فاقبل الّذي أتاك من اللَّه فإنك رسول اللَّه حقا، ثم انطلقت حتى أتت غلاما لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس- نصرانيا من أهل نينوى يقال له: عداس- فقالت: يا عدّاس أذكرك باللَّه، هل عندك من جبريل علم؟ فلما سمعها: عداس تذكر جبريل قال: قدوس قدوس، ما شأنه يذكر بهذه الأرض التي أهلا أهل الأوثان؟ قالت: أحب أن تحدثني فيه بعلمك، قال: فإنه أمين اللَّه بينه وبين النبيين، وهو صاحب عيسى وموسى عليهما السلام. رجعت خديجة من عنده فأتت ورقة ابن نوفل، وكان ورقة قد كره عبادة الأوثان هو وزيد بن عامر بن نفيل، وكان زيد قد حرم كل شيء حرمه من الدم والذبيحة، على النصب، وكل شيء من أبواب الظلم في الجاهلية، فلما وصفت خديجة لورقة حين جاءته شأن محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكرت له جبريل وما جاء به من عند اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها: يا ابنة أخي! واللَّه ما أدري لعل صاحبك الّذي ينتظره أهل الكتاب الّذي يجدونه مكتوبا في الإنجيل، وأقسم باللَّه إن كان إياه ثم دعا إلى اللَّه وأنا حيّ لأبلين اللَّه في طاعة رسوله وحسن المؤازرة والنصرة له، فمات ورقة [ (2) ] .
ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورواه من طريق محمد بن فليح عن موسى بن عقبة بمعنى حديث عروة بن الزبير من طريق محمد بن عبد الأعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه بأتم من روايتي عروة وموسى بن عقبة وأحسن، فقد اختلفت الروايات في نزول [أول سورة من القرآن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . ذكر الاختلاف في أول سورة من القرآن أنزلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري في كتاب التفسير من حديث وكيع عن على بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قلت: يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه عن ذلك وقلت له مثل الّذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت: دثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا، فدثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا، فنزلت: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [ (2) ] ، وكرره غير مرة. وخرجه مسلم من حديث الأوزاعي قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل قبل؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فقلت: اقْرَأْ؟ فقال جابر: أحدثكم ما حدثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قال: جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن
شمالي فلم أر أحدا، ثم نوديت، فنظرت فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في [الهواء] [ (1) ]- يعني جبريل عليه السلام- فأخذتني رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت: دثروني، فدثروني وصبوا عليّ ماء [ (2) ] ، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (3) ] قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ.
ذكر الاختلاف في شق [4] صدر [5] رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى كان وأين وقع؟
وفي لفظ له: فإذا جبريل جالس بين السماء والأرض [ (1) ] ، وفي لفظ البخاري [ (2) ] : فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض. وخرج الحاكم من حديث الحميدي، حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أول سورة أنزلت: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ إلى ما لَمْ يَعْلَمْ [ (3) ] . ذكر الاختلاف في شق [ (4) ] صدر [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، متى كان وأين وقع؟ اعلم أن شق صدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وغسل قلبه وحشوه بالإيمان والحكمة،
قال اللَّه تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [ (1) ] ، قال إبراهيم بن طهمان: سألت سعيدا عن قوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ قال: فحدثني عن قتادة عن أنس بن مالك أنه قد شق بطنه- يعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- من عند بطنه إلى صدره، فاستخرج قلبه فغسل في طست من ذهب ثم مليء إيمانا وحكمة ثم أعيد مكانه، قد روى من وجوه باختلاف الأماكن والأيام، فروى أن ذلك وقع وهو مسترضع في بني سعد كما تقدم ذكره عند ذكر حليمة في فصل أمهاته من الرضاعة، وقيل وقع ذلك في موضع آخر في زمان آخر، فروى أنه أعيد له شرح الصدر بعد أن تم له عشر سنين. وقد أخرج في الصحيحين أنه شق صدره ليلة المعراج، وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبيّ بن كعب قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أبيّ بن كعب أن أبا هريرة سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان حريّا [ (2) ] أن يسأله عن الّذي لا يسأله غيره- فقال: يا رسول اللَّه! ما أول ما ابتدئت به من أمر النبوة؟ فقال [ (3) ] : إذا سألتني إني لفي صحراء أمشي ابن عشر حجج، إذا
أنا برجلين فوق رأسي، يقول أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم، [قال] [ (1) ] : فأخذاني فلصقاني بحلاوة القفا، ثم شقا بطني، [وكان] [ (2) ] جبريل يختلف بالماء في طست من ذهب، وكان ميكائيل يغسل جوفي، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فإذا صدري [فيما أرى] [ (3) ] مفلوقا لا أجد له وجعا ثم قال: اشقق قلبه، فشق قلبي، فقال أخرج الحسد والغل [ (4) ] منه، فأخرج شبه العلقة فنبذ به [ (5) ] ثم قال: أدخل الرأفة والرحمة قلبه [ (6) ] ، فأدخل شيئا كهيئة الفضة، ثم أخرج ذرورا كان معه فذرّ عليه ثم نقر إبهامي ثم قال: أغد، فرجعت بما لم أغد به من رحمتي على الصغير ورقتي على الكبير. قال: أبو نعيم: وهذا الحديث مما تفرد به معاذ ابن محمد [عن آبائه] [ (7) ] ، وتفرد بذكر السن الّذي شق فيه عن قلبه والّذي رواه عبد اللَّه بن جعفر عن حليمة السعدية وعبد الرحمن بن عمرو السلمي عن عتبة ابن عبد، اتفقا على أنه كان مسترضعا في بني سعد، فأما رواية أبي ذر، فرواه الزهري عن أنس عنه، قال كاتبه: معاذ مما يروى عن أبيه وعن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم، وأبي الزبير المكيّ وجماعة، ويروى عنه معاوية بن صالح الحضرميّ وعبد اللَّه بن لهيعة، ومحمد بن عمر الواقدي وآخرون، ذكره ابن حبان في الثقات. وفي أفراد مسلم من حديث شيبان بن فروخ قال: حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة ثم قال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده إلى
مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه- يعني ظئره [ (1) ]- فقالوا: إن محمدا قد قتل! فاستقبلوه وهو منتقع اللون، قال أنس: وقد كنت [أرى] [ (2) ] أثر المخيط في صدره صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . قال البيهقي: وهو موافق لما هو معروف عند أهل المغازي- يعني وقوع ذلك- وهو مسترضع في بني سعد، وسيأتي في الإسراء حديث مسلم [ (4) ] من طريق سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت، وحديث البخاري من طريق سليمان عن شريك بن عبد اللَّه عن أنس، وحديث البخاري
ومسلم عن طريق همام عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة [ (1) ] ، وفيها شق صدره ليلة الإسراء. وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث يونس عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل فعرج صدري حتى غسله من ماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه. ولأبي داود الطيالسي من حديث عمار بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة ابن الزبير عن أبي ذر الغفاريّ رضي اللَّه عنه قال: قلت يا رسول اللَّه! كيف علمت أنك نبي؟ وبما علمت حتى استيقنت؟ قال: يا أبا ذر، أتاني آتيان وأنا ببطحاء مكة، فوقع أحدهما بالأرض [ (2) ] والآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما للآخر [ (3) ] : أهو هو [ (4) ] ؟ فقال: فزنه برجل، [فوزنني برجل] [ (5) ] فرجحته، ثم قال [ (6) ] : زنه بعشرة، فوزنني بعشرة فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنني بمائة فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنني [بألف] [ (7) ] فرجحتهم، ثم جعلوا يتساقطون [ (8) ] على [ (9) ] كفة الميزان، ثم قال أحدهما لصاحبه:
شقّ بطنه، فشقّ بطني فأخرج قلبي، فأخرج منه مغمز الشيطان، وعلق الدم فطرحهما، فقال أحدهما لصاحبه: اغسل بطنه غسل الإناء، واغسل قلبه [ (1) ] غسل الملأ، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه فخاط بطني وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ووليّا عني وكأني أعاين [الأمر] [ (2) ] معاينة [ (3) ] . وفي رواية: لو وزنته بأمته لرجحهم، وقال: واغسل قلبه غسل الماء، ثم أتيت بسكينة وهرهرة [ (4) ] بيضاء فأدخلت قلبي. ولأبي نعيم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتيت في أهلي فأتى بي إلى زمزم، فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم نزلت طست من ذهب قد ملئت إيمانا وحكمة، فحشى بها صدري، قال أنس: فكأني انظر والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى الأثر في صدره [ (5) ] .
وقد ذكر بعضهم أن اللَّه تعالى خلق في قلوب البشر علقة قابلة لما يلقيه الشيطان فيها، فأزيلت هذه العلقة من قلب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي فيه الشيطان شيئا.
ذكر مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصورة التي خلقه الله تعالى عليها
ذكر مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصورة التي خلقه اللَّه تعالى عليها خرج الحافظ أبو نعيم من حديث أيوب بن فرقد عن الأعمش عن عبد اللَّه ابن عبد اللَّه الرازيّ عن سعيد بن جبير عن أنس رضي اللَّه عنه قال: قال ورقة ابن نوفل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا محمد! كيف يأتيك الوحي؟ يعني جبريل عليه السلام؟ فقال: يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر [ (1) ] . وفي حديث سليمان: سألت زر بن حبيش عن قول اللَّه تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال زر: قال عبد اللَّه: لقد رأى جبريل له ستمائة جناح. وفي رواية زرّ عن عبد اللَّه ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [ (2) ] ، قال رأى جبريل له ستمائة جناح. وفي رواية: سأل زر بن حبيش عن قول اللَّه عز وجل: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [ (3) ] قال: قال عبد اللَّه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت جبريل عليه السلام له ستمائة جناح [ (4) ] .
ولأبي يعلى الموصلي من حديث يحيى بن حماد بن سلمة، حدثنا عاصم عن زر عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت جبريل عند السدرة وله ستمائة جناح ينتشر من ريشه تهاويل الدر والياقوت، قال أبو نعيم: رواه عن عاصم مثله مرفوعا زائدة وحسين بن واقد. ورواه شريك وغيره موقوفا على عبد اللَّه. وقال أبو وائل عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاني جبريل في خضر معلقا به الدرّ، وزاد عاصم: وله ستمائة جناح [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني وآدم عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد اللَّه وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى [ (2) ] قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق تتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لا يعلمه إلا اللَّه [ (3) ] .
ومن طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد اللَّه في قوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل في حلتي رفرف قد سد ما بين السماء والأرض [ (1) ] . ومن حديث قيس بن وهب عن مرة عن عبد اللَّه: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً قال: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل معلقا رجليه بالسدرة، عليهما الدر كأنه قطر المطر على البقل. ومن حديث سفيان عن الأعمش عن أبي الضحى عن علقمة عن عبد اللَّه وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ، قال: جبريل في رفرف خضر قد سد الأفق [ (2) ] .
ومن حديث عثمان، حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي اللَّه عنها قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت جبريل منهبطا قد ملأ ما بين السماء إلى الأرض عليه ثياب سندس معلق به الدر والياقوت [ (1) ] . ومن حديث مسلمة بن أبي الأشعث عن أبي صالح عن أبي سلمة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لجبريل: وددت أن أراك في صورتك، قال: أتحب ذلك؟ قلت: نعم، قال: موعدك كذا وكذا من الليل في بقيع الغرقد، فلقيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لموعده، فنشر جناحا من أجنحته فسد أفق السماء حتى ما يرى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من السماء شيئا، وأحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك [ (2) ] . وللإمام أحمد من حديث أبي بكر بن عياش عن إدريس بن وهب بن منبه عن أبيه وهب عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل أن يراه في صوره، فقال: ادع ربك، فدعا ربه فطلع عليه سواد من قبل المشرق فجعل يرتفع فينتشر، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صعق، فنعشه فمسح البزاق عن فمه [ (3) ] .
ولابن حبان من حديث صفوان بن عمرو عن شريح بن عبد اللَّه قال: لما صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السماء فأوحى اللَّه إلى عبده ما أوحى، خرّ جبريل ساجدا حتى قضى اللَّه إلى عبده ما قضى، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الّذي خلق عليه، منظوم بالزبرجد، واللؤلؤ والياقوت، فخيّل إليّ أنّ ماء عينيه قد سد الأفق، وكنت لا أراه قبل ذلك إلا على صورة مختلفة، وأكثر ما كنت أراه على صورة دحية الكلبي، وكنت أحيانا لا أراه قبل ذلك إلا كما يرى الرجل صاحبه من وراء الغربال [ (1) ] . قال أبو نعيم: والروايات تتسع في ترائي جبريل عليه السلام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في صور مختلفة، ووجه ذلك: أن يكون لجبريل ضروب من الصور، فكل مرة يتراءى فيها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يثبت اللَّه قلب رسوله لرؤيته فيها بقوة يجددها اللَّه له، وكل حالة إبقاء اللَّه تعالى رسوله على جبلته، ولا يحدث له فيها قوة، يضعف صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رؤيته، فيصعق صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ثبته اللَّه تعالى.
ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر كيفية إلقاء الوحي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن الحرث بن هشام سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه، كيف كان يأتيك الوحي؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده عليّ فينفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. قالت عائشة رضي اللَّه عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد وإن جبينه ليتفصد عرقا. وخرجه النسائي أيضا، وخرجه البخاري ومسلم من حديث على بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الحرث بن هشام سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف يأتيك الوحي؟ قال: كل ذلك، يأتيني أحيانا مثل صلصلة الجرس فيفصم عني وقد وعيت ما قال وهو أشده عليّ، ويتمثل لي الملك أحيانا رجلا فيكلمني فأعي ما يقول. ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق، وخرجه النسائي عن سفيان عن هشام وقال فيه: وأحيانا يأتيني في مثل صورة الفتى فينبذه إليّ [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث أبي أسامة ومحمد بن بشر عن هشام ولفظه: أن الحرث بن هشام سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كيف كان يأتيك [ (2) ] الوحي؟ فقال: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّ عليّ، ثم يفصم عني وقد وعيته، وأحيانا ملك في مثل صورة الرجال، فأعى ما يقول.
ولمسلم من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: إن كان لينزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الغداة الباردة ثم تفيض جبهته عرقا. وله من حديث قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد اللَّه عن عبادة بن الصامت رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد وجهه، وفي لفظ: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رءوسهم، فلما أتلى [ (1) ] عنه رفع رأسه. وفي رواية لغير مسلم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه الوحي عرفنا ذلك فيه وغمض عينيه وتربد وجهه، فنزل عليه فأمسكنا عنه، فلما سرى عنه قال: خذوهن اقتلوهن [ (2) ] . ولعبد الرزاق من حديث يونس بن يزيد الأشهلي عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه القاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي نسمع عنه دويا كدويّ النحل.
وخرجه الترمذي من حديث عبد الرزاق بهذا السند ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه دويّ كدويّ النحل [ (1) ] ، فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة فسرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللَّهمّ زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا، ثم قال: أنزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [ (2) ] حتى ختم عشر آيات. قال الترمذي: سمعت إسحاق بن منصور يقول: رواه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق عن يونس بن سليمان عن يونس بن يزيد عن الزهري هذا الحديث نحوه، ومن سمع من عبد الرزاق فربما قال لهم: إنما تذكرون فيه عن يونس بن يزيد، وبعضهم لا يذكر فيه عن يونس بن يزيد، ومن ذكر فيه عن يونس بن يزيد فهو أصح، وكذا عبد الرزاق ربما ذكر في هذا الحديث يونس بن يزيد، وربما لم يذكره وهو عندنا أصح. وخرجه أيضا عنه ابن حميد، وخرجه الحاكم وقال: الإسناد صحيح. وفي حديث قصة الإفك قالت عائشة: فو اللَّه ما رام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل الّذي ينزل عليه، قالت: فلما سرّى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سرّي عنه وهو يضحك [ (3) ] . ولأبي بكر بن أبي شيبة من حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن علقمة ابن وقاص، حدثتني عائشة رضي اللَّه عنها قالت: شخص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بصره إلى السقف، وكان إذا نزل عليه وجد ثقلا، قال اللَّه تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [ (4) ] .
وللإمام أحمد من حديث صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال: سمعت زيد بن ثابت يقول: كان إذا نزل الوحي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثقل لذلك وتحدر جبينه عرقا كأنه الجمان، وإن كان في البرد. وله من حديث معمر عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ (1) ] ، فجاء ابن أم مكتوم فقال: يا رسول اللَّه، إني أحب الجهاد، ولكن بي من الزّمانة [ (2) ] ما ترى، قال زيد: فثقلت فخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم قال: اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ (3) ] . ولأبي نعيم من حديث ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عمرو ابن الوليد عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنه قال: قلت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل تحس بالوحي؟ قال: نعم أسمع صلاصل ثم أسبت عند ذلك، وما من مرة يوحى إليّ إلا ظننت أن نفسي تقبض منه. ولأبي نعيم من حديث عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي عن خالد الفلتان بن عاصم قال: كنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنزل عليه، وكان إذا أنزل عليه دام بصره مفتوحة عيناه، وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من اللَّه عز وجل. وله من حديث أبي عون عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي صدع فغلف رأسه بالحناء. وله لأحمد بن حنبل من حديث سفيان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: كنت آخذة بزمام ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين نزلت المائدة، فكاد
أن ينكسر عضدها من ثقل المائدة [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة، حدثنا حيي عن عبد اللَّه أن أبا عبد الرحمن الجبليّ حدثه قال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو [ (2) ] يقول: أنزلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها [ (3) ] . وللبخاريّ ومسلم من حديث همام قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح قال: حدثني صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بالجعرانة [ (4) ] وعليه جبة وعليه أثر الخلوق [ (5) ]- أو قال: أثر صفرة- فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ قال: فأنزل اللَّه على النبي الوحي [صلوات اللَّه وسلامه عليهما] [ (6) ] فستر بثوب، [وكان يعلى يقول] [ (7) ] : وددت أن أرى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أنزل [ (8) ] اللَّه عليه الوحي، فقال عمر رضي اللَّه عنه: أيسرك أن ترى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
وقد أنزل [ (1) ] عليه اللَّه الوحي؟ قلت: نعم، فرفع عمر طرف الثوب، فنظرت إليه له [ (2) ] غطيط، قال: وأحسب [ (3) ] قال: كغطيط البكر، قال: فلما سرى عنه قال: أين السائل عن العمرة؟ اخلع الجبة واغسل [ (4) ] أثر الخلوق وأنق [ (5) ] الصفرة، واصنع في عمرتك كما [ (6) ] تصنع في حجك [ (7) ] وقال مسلم: اغسل عنك أثر الصفرة أو قال: أثر الخلوق، واخلع عنك جبتك، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك [ (8) ] . وخرجاه من طرق مطولا ومختصرا [ (9) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث أبي الزناد عن خارجة بن زيد قال: قال زيد ابن ثابت: إني قاعد إلى جنب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ أوحي إليه، قال: وغشيته السكينة [و] [ (1) ] وقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة، [قال زيد] [ (1) ] : فلا واللَّه ما وجدت شيئا أثقل من فخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم سرى عنه فقال: أكتب يا زيد [ (2) ] . وروى الحسين بن إسماعيل المحاملي من حديث أبي الزياد عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت قال: كان إذا أنزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم السورة الشديدة أخذه من الشدة والكرب على قدر شدة السورة، وإذا أنزل عليه السورة اللينة أخذ [ (3) ] به من ذلك على قدر لينها. ولابن سعد من حديث صالح بن محمد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي أروى الدوسيّ قال: رأيت الوحي ينزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنه على راحلته فترغو وتقبل يديها حتى أظن أن ذراعها تنفصم فربما بركت وربما قامت موئدة يديها حتى يسرى عنه مثل الوحي، وإنه ليتحدر مثل الجمان [ (4) ] . وخرج الحاكم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد اللَّه بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أوحي إليه لم يستطع أحد منا يرفع طرف إليه حتى ينقضي الوحي. قال هذا حديث صحيح
على شرط مسلم [ (1) ] . [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وله من حديث معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فلم تستطع أن تتحرك، وتلت قول اللَّه عزّ وجلّ: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] ، [ولم يخرجاه] [ (2) ] واللَّه الموفق بمنه وكرمه وحسن توفيقه.
ذكر تعليم جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة
ذكر تعليم جبريل عليه السلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوضوء والصلاة قال أبو عمر بن عبد اللَّه: ومعلوم أن الجنابة لم يفترض الغسل منها قبل الوضوء، كما أنه معلوم عند جميع أهل السير أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم افترضت عليه الصلاة بمكة والغسل من الجنابة، وأنه لم يصل قط بمكة إلا بوضوء مثل وضوئه بالمدينة ومثل وضوئنا اليوم، وهذا لا يجهله عالم ولا يدفعه إلا معاند. وخرج الإمام أحمد من حديث [ابن] لهيعة عن عقيل عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن جبريل أتاه أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة ماء فنضح بها فرجة [ (1) ] . وروى الواقدي من حديث معمر عن الزهري وقتادة والكلبي قالوا: علم جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوضوء والصلاة، واقرأه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (2) ] ، فأتى خديجة رضي اللَّه عنها فأخبرها بما أكرمه اللَّه عز وجل به، وعلمها الوضوء فصلت معه، وكانت أول خلق صلى معه [ (3) ] . ومن حديث أبي معشر عن محمد بن قيس قال: فحص جبريل بعقبه الأرض فنبع ماء، فعلم جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوضوء، فمضمض ثم استنشق وغسل وجهه وذراعيه، ومسح رأسه وغسل رجليه، ثم نضح تحت إزاره ثم صلّى ركعتين، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسرورا فجاء إلى خديجة رضي اللَّه عنها فحدثها وأراها ما أراه جبريل، ثم صلت معه ركعتين [ (3) ] . وقال الواقدي: وكان علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة رضي اللَّه عنهما يلزمان
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يخرج إلى الكعبة أول النهار ويصلي صلاة الضحى- وكانت تلك صلاة لا تنكرها قريش- وكان إذا صلّى في سائر اليوم بعد ذلك قعد عليّ أو زيد يرصدانه [ (1) ] . وروى عن سلمة بن [] [ (2) ] عن عميرة بنت عبيد اللَّه بن كعب بن مالك عن بنت أبي بحراة قالت: كانت قريش لا تنكر صلاة الضحى إنما تنكر غيرها، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشعاب فيصلون فرادى ومثنى، قال الواقدي: كانوا يصلون الضحى والعصر، ثم نزلت الصلوات الخمس قبل الهجرة، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم نزل تمامها بالمدينة للمقيم، وبقيت صلاة المسافر ركعتين. وقال مقاتل بن سليمان: فرض اللَّه تعالى على المسلم في أول الإسلام صلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالضحى، ثم فرض الخمس في ليلة المعراج، وقد جاء أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى عند زوال الشمس في أول النبوة، ولما نزلت سورة المزمل بمكة كان قيام الليل فرضا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين، فشق ذلك عليه وعليهم، فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [ (3) ] . وقال عطاء بن السائب ومقاتل بن سليمان: نزل قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [ (3) ] بالمدينة، والأول أصح، وقيل: نسخ قيام الليل في حقه بقوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (4) ] ، ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس، وقيل: نسخ عن الأمة وبقي فرضه عليه، وقيل: إنما كان مفروضا عليه دونهم، وعن ابن عباس رضي اللَّه عنه: كان بين نزول أول المزمل وآخرها سنة.
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السّير أن الصلاة إنما فرضت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة في حين الإسراء حين عرج به إلى السماء، ولكنهم اختلفوا في هيئتها حين فرضت، فروي عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها فرضت ركعتين ركعتين، ثم زيدت في صلاة الحضر، فأكملت أربعا، وأقرت صلاة السفر على ركعتين، وبذلك قال الشعبي وميمون بن مهران ومحمد ابن إسحاق. وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أنها فرضت أربعا وفي السفر ركعتين، وقال نافع بن جبير: أنها فرضت في أول ما فرضت أربعا إلا المغرب، فإنّها فرضت ثلاثا، والصحيح ركعتين، وكذلك قال الحسن البصري وهو قول ابن جريج. وقد روي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث القشيري وغيره ما يوافق ذلك، ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الزوال عند الإسراء، فعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة ومواقيتها وهيئتها. وقال إسحاق الحربي: أول ما فرضت الصلاة بمكة، ركعتان في أول النهار وركعتان في آخره، وذكر حديث عائشة قالت: فرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة ركعتين ركعتين ثم زاد فيها في الحضر، هكذا حدث ابن الحربي عن أحمد بن الحجاج عن ابن المبارك عن ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت: فرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة ركعتين ركعتين. الحديث، وليس في حديث عائشة هذا دليل على صحة ما ذهب إليه من قال: أن الصلاة فرضت ركعتين في أول النهار وركعتين في آخره، وليس يوجد هذا في أثر صحيح، بل في حديث عائشة دليل على أن الصلاة التي فرضت ركعتين ركعتين في الصلوات الخمس ثم زيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر، لأن الإشارة بالألف واللام إلى الصلاة في حديث عائشة هذا هي إشارة إلى الصلاة المعهودة، وهذا هو الظاهر المعروف في الكلام، وقد أجمع العلماء أن الصلوات الخمس إنما فرضت في الإسراء، والظاهر من حديث عائشة أنها أرادت تلك الصلاة، واللَّه أعلم.
وأورد من طريق النسائي حديث الوليد بن مسلم قال: أخبرني أبو عمر يعني الأوزاعي أنه سأل الزهري عن صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة قبل الهجرة إلى المدينة فقال: أخبرني عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: فرض اللَّه الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أول ما فرضها ركعتين ركعتين ثم أتمت في الحضر أربعا، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى [ (1) ] ، فهذا ومثله يدلك على أنها الصلاة المعهودة، وهي الخمس المفترضة في الإسراء به لا صلاتان، ومن ادّعى غير ذلك كان عليه الدليل من كتاب أو سنة، ولا سبيل له إليه. وقال جماعة من أهل العلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن عليه صلاة مفروضة قبل الإسراء إلا ما كان أمر به من صلاة الليل على نحو قيام الليل من رمضان من غير توقيت ولا تحديد، لا بركعات معلومات ولا بوقت محصورة، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، وقامه المسلمون معه نحوا من حول حتى شق عليهم ذلك فأنزل اللَّه التوبة عنهم والتخفيف في ذلك، ونسخه بقوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [ (2) ] ، فنسخ آخر السورة أولها، فضلا منه ورحمة، فلم تبق في الصلاة فريضة إلا الخمس، ألا ترى إلى حديث طلحة بن عبيد اللَّه في الأعرابي النجدي إذا سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عما عليه من الصلاة فقال: الصلوات الخمس، فقال: هل على غيرها؟ فقال: لا. ذكر وكيع عن مسعر عن سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: لما نزلت يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل [ (3) ] آخرها، وكان بين أولها وآخرها حول. وعن عائشة مثله بمعناه وقالت: فجعل قيام الليل تطوعا بعد فريضة. وعن الحسن مثله قال: فنزلت الرخصة بعد حول. قال كاتبه: حديث عائشة خرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت:
فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر. وقال البخاري: فرض اللَّه الصلاة حين فرضها ... الحديث مثله، ذكره في كتاب الصلاة، وخرجه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتان، فأقرت في صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر ... الحديث، ذكره البخاري في أبواب تقصير الصلاة [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: فرض اللَّه الصلاة حين فرضها ركعتين ثم أتمها في الحضر فأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى [ (2) ] .
وخرجه البخاري من حديث يزيد بن ذريع، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، ثم هاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ففرضت أربعا، وتركت صلاة السفر على الأولى، تابعه عبد الرزاق عن معمر، ذكره البخاري في كتاب الهجرة [ (1) ] ، وأما حديث ابن عباس فخرجه النسائي [ (2) ] من حديث أبي عوانة عن بكير الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: فرضت الصلاة على لسان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، قال ابن عبد البر: انفرد به بكير بن الأخنس وليس بحجة فيما انفرد به. وخرج ابن أبي شيبة من حديث عبيدة بن حميد عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فلما أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب. قال ابن عبد البر: قول الشعبي هذا أصله حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وقد يمكن أن يأخذه عن الأسود عن مسروق عن عائشة، فأكثر ما عنده عن عائشة هو عنهما.
وروى يونس بن بكير عن سالم بن أبي المهاجر قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: كان أول الصلاة مثنى ثم صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعا فصارت سنة، وأقرت الركعتان للمسافر وهي تمام. قال ابن عبد البر: وهذا إسناد لا يحتج بمثله، وقوله: فصارت سنة قول نكر، وكذلك استثنى الشعبي المغرب وحدها، ولم يذكر الصبح قول لا معنى له، ومن قال بهذا من أهل السير قال: إن الصلاة أتمت بالمدينة بعد الهجرة بشهر وأربعة أيام.
وأما إقامة جبريل عليه السلام أوقات الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أمه فيها
وأمّا إقامة جبريل عليه السّلام أوقات الصّلاة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنّه أمّه فيها فخرج البخاري ومسلم من حديث مالك عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة يوما وهو في [الكوفة] [ (1) ] فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا يا مغيرة؟! أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم صلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم صلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، ثم قال بهذا أمرت، فقال عمر [ (3) ] لعروة: انظر ما تحدثت به يا عروة، أو أن جبريل هو الّذي أقام لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقت الصلاة؟ فقال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه، قال [ (4) ] عروة: ولقد حدثتني عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [أنه] كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر [ (5) ] . وأخرجاه والنسائي من حديث الليث بن سعد عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخّر الصلاة شيئا، فقال له عروة: أما أن جبريل قد نزل فصلى أمام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له عمر: اعلم ما تقول يا عروة، فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا سلمة مسعود يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ويحسب بأصابعه خمس صلوات.
وقال البخاري والنسائي [ (1) ] : أخر العصر شيئا، ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق في ذكر الملائكة [ (2) ] ، وخرجه في كتاب المغازي من حديث شعيب عن الزهري: سمعت عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز في إمارته: أخّر المغيرة ابن شعبة العصر وهو أمير الكوفة، فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن- شهد بدرا- فقال: لقد علمت نزل جبريل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس صلوات ثم قال هكذا أمرت، كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه. ذكره في الباب الّذي بعد باب شهود الملائكة بدرا [ (3) ] . وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث سفيان قال: حدثنا الزهري قال: أخّر عمر ابن عبد العزيز يوما الصلاة فقال له عروة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نزل جبريل فأمّني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، ثم نزل فأمني فصليت معه، حتى عد الصلوات الخمس فقال له عمر بن عبد العزيز: اتّق اللَّه يا عروة وانظر ما تقول: فقال عروة: أخبرنيه بشير بن أبي مسعود عن أبيه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] . قال الحافظ أبو عمر بن عبد [البر] [ (5) ] : وظاهر مساقه في رواية مالك تدل على الانقطاع لقوله: أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما ودخل عليه عروة، ولم يذكر فيه سماعا لابن هشام من شهاب من عروة، ولا سماعا لعروة من بشير بن أبي
مسعود، وهذه اللفظة- أعني أن عند جماعة من [أهل] [ (1) ] العلم بالحديث- محمولة على الانقطاع حتى يتبين السماع واللقاء، ومنهم من لا يلتفت إليها، ويحمل الأمر على المعروف من مجالسة بعضهم بعضا، ومشاهدة بعضهم لبعض، وأخذهم بعضهم من بعض، فإن كان ذلك معروفا لم يسأل عن هذا اللفظة، وكان الحديث عنده على الاتصال، وهذا يشبه أن يكون مذهب مالك- رحمه اللَّه- لأنه في موطئه لا يفرق بين شيء من ذلك، وهذا الحديث متصل عند أهل العلم مسند صحيح لوجوه: منها أن مجالسة بعض المذكورين فيه لبعض مشهورة، ومنها أن هذه القصة قد صح شهود ابن شهاب لما جرى فيها بين عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير بالمدينة، وذلك في أيام إمارة عمر عليها لعبد الملك وابنه الوليد، وهذا محفوظ من رواية الثقات لهذا الحديث عن ابن شهاب. قال: وممن ذكر مشاهدة ابن شهاب للقصة عند عمر بن عبد العزيز مع عروة ابن الزبير في هذا الحديث من أصحاب ابن شهاب: معمر والليث بن سعد وشعيب ابن أبي حمزة وابن جريج، فذكروا رواية الليث التي تقدم ذكرها من طريق النسائي إلا أن سياقه عن ابن شهاب أنه كان قاعدا على منابر عمر بن عبد العزيز في إمارته على المدينة ومعه عروة بن الزبير، فأخّر عمر العصر، فقال له عروة: أما أن جبريل قد نزل فصلّى أمام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له عمر: اعلم يا عروة ما تقول، فقال: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: نزل جبريل فأمّني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس مرات. وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: كنا مع عمر بن عبد العزيز فأخر العصر مرة، فقال له عروة: حدثني بشير بن أبي مسعود الأنصاري أن المغيرة ابن شعبة أخر الصلاة مرة- يعني العصر- فقال له أبو مسعود: أما واللَّه يا مغيرة لقد علمت أن جبريل نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى الناس معه، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصلّى الناس معه، حتى عدّ خمس صلوات، فقال له عمر: انظر ما تقول يا عروة، أو أن جبريل هو سنّ وقت الصلاة؟
فقال له عروة: كذلك حدثني بشير بن أبي مسعود. قال: فما زال عمر يعتلم وقت الصلاة بعلامة حتى فارق الدنيا [ (1) ] . قال عبد الرزاق: أنبأنا ابن جريج قال: حدثني ابن شهاب أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل عروة بن الزبير، فقال عروة بن الزبير: مشى المغيرة بن شعبة بصلاة العصر وهو على الكوفة فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال له: ما هذا يا مغيرة؟ أما واللَّه لقد علمت أن جبريل نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بالناس معه خمس مرات، ثم قال: هكذا أمرت، فقال عمر لعروة: اعلم ما تقول، أو أن جبريل هو أقام وقت الصلاة؟ فقال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه فقد بان بما ذكرنا من رواية الثقات عن ابن شهاب لهذا الحديث اتصاله وسماع ابن شهاب له من عروة، وسماع عروة من بشير، وبان بذلك أيضا أن الصلاة التي أخرها عمر هي صلاة العصر، وأن الصلاة التي أخرها المغيرة تلك أيضا، وبان بما ذكرنا أيضا أن جبريل صلّى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس صلوات في أوقاتها، وليس في شيء من معنى حديث ابن شهاب هذا ما يدل على أن جبريل صلّى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين كل صلاة في وقتين. وظاهر من حديث ابن شهاب هذا [ما] [ (2) ] يدلك على أن ذلك إنما كان مرة واحدة لا مرتين، وقد روى من غير وجه في إمامة جبريل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه صلّى مرتين في كل صلاة من الصلوات الخمس في وقتين. وظاهر من حديث ابن شهاب هذا [ما] [ (2) ] يدلك على أن ذلك إنما كان مرة واحدة لا مرتين، وقد روى من غير وجه في إمامة جبريل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه صلّى مرتين من في كل صلاة من الصلوات الخمس في وقتين. قال: ورواية ابن عيينة لهذا الحديث عن ابن شهاب بمثل حديث الليث ومن ذكرنا معه في ذلك، وفي حديث معمر وابن جريج أن الناس صلوا خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ، وقد روى ذلك من غير حديثهما، ثم ذكر حديث سفيان من طريق قاسم بن أصبغ كما تقدم ذكره، وقال: فهذا وضح ما ذكرنا من أنه إنما صلّى به الصلوات الخمس مرة واحدة، وهو ظاهر الحديث، إلا أن في رواية ابن أبي ذؤيب وأسامة بن زيد الليثي عن ابن شهاب في هذا الحديث ما يدل على أنه صلّى به مرتين في يومين على نحو ما ذكره عن ابن شهاب في حديث إمامة جبريل،
فأما رواية ابن أبي ذؤيب له، فإن ابن أبي ذؤيب ذكره في موطنه عن ابن شهاب أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبي مسعود الأنصاري أن المغيرة بن شعبة أخّر الصلاة، فدخل عليه أبو مسعود فقال: ألم تعلم أن جبريل نزل على محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى وصلّى وصلّى وصلّى وصلّى وصلّى، ثم صلّى ثم صلّى ثم صلّى ثم صلّى ثم صلّى [ثم صلّى] [ (1) ] ، ثم قال: هكذا أمرت. وأما حديث أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على المنبر، فأخر العصر شيئا، فقال له عروة: أما أن جبريل قد أخبر محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بوقت الصلاة، فقال له عمر: اعلم ما تقول، فقال عروة: سمعت بشير بن أبي معسود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يقول] [ (2) ] : نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة فصليت معه، ثم صليت [معه] [ (3) ] ، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، يحسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلّى الظهر حين زالت الشمس وربما أخرها حين يشبه الحر، وروايته: يصلّى العصر والشمس مرتفعة بيضاء قبل أن تدخلها الصّفرة، فينصرف الرجل من الصلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس، ويصلي المغرب حين تسقط الشمس، ويصلي العشاء حين يسود الأفق، وربما أخرها حين يجتمع الناس، ويصلي الصبح مرة بغلس، ثم صلّى مرة آخرا فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك إلى الغلس حتى مات لم يعد يغد إلى أن يسفر. قال أبو داود: روي هذا الحديث عن الزهري: معمر ومالك وابن عيينة وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعد وغيرهم، لم يذكروا الوقت الّذي صلّى فيه [و] [ (4) ] لم يفسروه، وكذلك رواه أيضا: هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه، إلا أن حبيبا لم يذكر. قال ابن عبد البر: هذا كلام أبي داود، ولم يسبق في كتابه رواية معمر ولا من ذكر معه عن ابن شهاب لهذا الحديث، وإنما ذكروا رواية أسامة بن زيد هذه
عن ابن شهاب وحدها من رواية ابن وهب، ثم أردفها بما ذكرنا من كلامه، وصدق فيما حكى، إلا أن حديث أسامة ليس فيه من البيان ما في حديث ابن أبي ذؤيب من تكرير الصلوات الخمس مرتين مرتين، وكذلك رواية معمر ومالك والليث ومن تابعهم ظاهرها مرة واحدة، وليس فيها ما يقطع به على أن ذلك كذلك، وقد ذكرنا رواية معمر ومالك والليث وغيرهم، وقد روى الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب هذا الحديث مثل رواية ابن وهب عن أسامة سواء. قال محمد بن يحى الذهلي في رواية أبي بكر بن حزم عن عروة بن الزبير ما يقوّى رواية أسامة، لأن رواية أبي بكر بن حزم شبيهة برواية أسامة، فيه أنه صلّى الوقتين، وإن كان لم يسنده عنه إلا أيوب بن عتبة فقد روى عنه معناه مرسلا يحيى بن سعيد وغيره من الثقات. قال ابن عبد البر: وقد روى هذا الحديث جماعة عن عروة بن الزبير منهم: هشام بن عروة، وحبيب بن أبي مرزوق، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهم، فأما رواية هشام بن عروة عن أبيه، فذكرها من طريق أحمد بن زهير قال: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا فليح عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أخّر عمر بن عبد العزيز الصلاة يوما فدخلت عليه فقلت: إن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما فدخل عليه أبو مسعود ... فذكر الحديث، وقال فيه: كذلك سمعت بشير ابن أبي مسعود يحدث عن ابنه، قال: ولقد حدثتني عائشة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم تظهر، وقال أحمد بن زهير: وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه أن المغيرة ابن شعبة كان يوجز الصلاة، فقال له رجل من الأنصار: أما سمعت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: قال جبريل عليه السلام: صل صلاة كذا في وقت كذا حتى عدّ الصلوات الخمس؟ قال: بلى، قال: فاشهد أنا كنا نصلّى العصر مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والشمس نقية بيضاء، ثم نأتي بني عمرو وإنها لمرتفعة- وهي على رأس ثلثي فرسخ من المدينة.
وأما رواية حبيب بن أبي مرزوق، فذكرها من طريق الحرث بن أبي أسامة قال: حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر قال: حدثني حبيب بن أبي مرزوق عن عروة بن الزبير قال: حدثني أبو مسعود أن جبريل نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نزل فصلّى، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى أتمها خمسا، فقال له عمر بن عبد العزيز: انظر يا عروة ما تقول أن جبريل هو الّذي وقت مواقيت الصلاة؟ قال: كذلك حدثني ابن مسعود، فبحث عمر عن ذلك حتى وجد ثبته، فما زال عمر عنده علامات الساعات ينظر فيه حتى قبض. قال ابن عبد البر: قد أحسن حبيب بن أبي مرزوق في سياقه هذا الحديث على ما ساقه أصحاب ابن شهاب في الخمس صلوات لوقت واحد مرة واحدة، إلا أنه قال فيه عن عروة: حدثني أبو مسعود، والحفاظ يقولون: عن عروة عن بشير عن أبيه، وبشير هذا ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبوه أبو مسعود الأنصاري، اسمه عقبة بن عمر، ويعرف بالبدري لأنه كان يسكن بدرا، واختلف في شهوده بدرا. وأما رواية أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بمثل رواية ابن أبي ذؤيب وأسامة ابن زيد عن ابن شهاب في أنه صلّى الصلوات الخمس لوقتين مرتين، وحديثه أبين في ذلك وأوضح، وفيه ما يضارع قول حبيب بن أبي مرزوق عن عروة عن أبي مسعود، فذكره من طريق على بن عبد العزيز قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أيوب بن عتبة، حدثنا أبو بكر بن حزم أن عروة بن الزبير كان يحدث عمر بن عبد العزيز- وهو يومئذ أمير المدينة في زمن الحجاج والوليد بن عبد الملك، وكان ذلك زمانا يؤخرون فيه الصلاة- فحدث عمر عروة وقال: حدثني أبو مسعود الأنصاري، وبشير بن أبي مسعود- قال كلاهما قد صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن جبريل جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين دلكت الشمس- قال أيوب: فقلت: وما دلوكها؟ قال: حين زالت- قال: فقال: يا محمد، صلّ الظهر، قال: فصلّى، ثم جاءه حين
كان ظل كل شيء مثله فقال: يا محمد، صلّ العصر، فقال: فصلى، ثم أتاه جبريل حين غربت الشمس فقال: يا محمد، صل المغرب، فصلى، قال: ثم جاءه حين غاب الشفق فقال: يا محمد، صل العشاء، فصلى، ثم أتاه حين انشق الفجر فقال: يا محمد، صلّ الصبح، قال: فصلى ثم جاءه الغد حين كان ظل كل شيء مثله فقال: يا محمد، صل [ (1) ] الظهر، قال: فصلى، ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثليه فقال: يا محمد، صلّ [ (1) ] العصر، قال: فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس فقال: يا محمد، صلّ [ (1) ] المغرب، قال: فصلى، ثم أتاه حين ذهبت ساعة من الليل فقال: يا محمد، صل [ (1) ] العشاء، قال فصلى، ثم أتاه حين أضاء الفجر وأسفر فقال: يا محمد، صل [ (1) ] الصبح، قال فصلى، قال ثم قال: ما بين هذين وقت، يعني أمس واليوم. قال عمر لعروة: أجبريل أتاه؟ قال: نعم. ففي هذا الحديث وهذه الرواية بيان واضح أن صلاة جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في حين تعليمه له الصلاة في أول وقت فرضها كانت في يومين لوقتين وقتين كل صلاة، وكذلك رواية معمر عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن جبريل نزل صلى فذكر مثله سواء إلا أنه مرسل. وكذلك رواه الثوري عن عبد اللَّه بن أبي بكر ويحيى بن سعيد، جميعا عن أبي بكر بن حزم مثله سواء، أن جبريل صلى الصلوات الخمس بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين في يومين لوقتين، ومراسيل هؤلاء عند مالك حجة، وهو خلاف ظاهر حديث الموطأ، وحديث هؤلاء جميعا بالصواب أولى، لأنهم زادوا وأوضحوا، وفسروا ما أجمله غيرهم وأهمله، ويشهد بصحة ما جاءوا به: رواية ابن أبي ذؤيب ومن تابعه عن ابن شهاب، وعامة الأحاديث في إمامة جبريل على ذلك جاءت مفسرة لوقتين، ومعلوم أن حديث أبي مسعود من رواية ابن شهاب وغيره في إمامة جبريل وردّ برواية من زاد وأتم وفسّر أولى من رواية من أجمل وقصّر، وقد رويت إمامة جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث ابن عباس، وحديث جابر، وأبي سعيد الخدريّ على نحو ما ذكرنا.
فأما حديث ابن عباس رضي اللَّه عنه فذكره من طريق قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أحمد بن زهير بن حرب، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الحرث، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الرحمن، ومن طريق قاسم: حدثنا أحمد بن زهير، وحدثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحرث. قال كاتبه: وخرجه الترمذي من حديث هناد: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحرث بن عيّاش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم- وهو ابن عباد بن حنيف- أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: أخبرني ابن عبّاس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلّى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلّى العصر حين [كان] [ (1) ] [ظل] [ (2) ] كل شيء [مثله] [ (3) ] ، ثم صلّى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلّى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلّى الفجر حين برق [ (4) ] وحرم الطعام على الصائم، وصلّى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلّى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلّى المغرب لوقته الأول، ثم صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلّى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إلى جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت [فيما] [ (5) ] بين هذين الوقتين [ (6) ] .
قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن، وقال ابن عبد البر: لا يوجد هذا اللفظ (وقت الأنبياء قبلك) إلا في هذا الإسناد، وتكلم بعض الناس في إسناد حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له، ورواته كلهم معروفو [ (1) ] النسب، مشهورون [ (2) ] في العلم. وقد خرجه أبو داود [ (3) ] وغيره، وذكره عبد الرزاق عن الثوري، وابن أبي سبرة عن عبد الرحمن بن الحرث بإسناده مثل رواية وكيع وأبي نعيم، وذكره عبد الرزاق عن العمري عن عمر بن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن ابن عباس نحوه. وأما حديث جابر رضي اللَّه عنه [ (4) ] فذكره من طريق أحمد بن زهير: حدثنا أحمد ابن الحجاج، ومن طريق النسائي [ (5) ] : حدثنا سويد بن نصر قالا: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرني حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان، حدثنا جابر بن عبد اللَّه قال: جاء جبريل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين مالت الشمس فقال: قم يا محمد فصل الظهر، فصلّى الظهر حيث مالت الشمس، ثم مكث حتى إذا
كان الفيء في الرجل مثله، جاء العصر فقال: يا محمد، قم صل العصر، فصلاها، ثم مكث حتى إذا غابت الشمس جاء فقال: قم فصل المغرب، فقام فصلاها حين غابت الشمس، ثم غاب حتى إذا غاب الشفق جاءه فقال: قم فصل العشاء فصلاها، ثم جاء سطع الفجر بالصبح فقال: قم يا محمد فصل الصبح، فصلاها، ثم جاءه حين كان فيء الرجل مثليه، فقال: يا محمد، قم فصل العصر، ثم جاء للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدا لم يغب عنه فقال: قم فصل المغرب، ثم جاءه حين ذهب ثلث الليل فقال: قم فصل العشاء، ثم جاءه للصبح حين ابيض جدا فقال: قم فصل، ثم قال له: الصلاة ما بين الوقتين. وقال سويد بن نصر في حديثه: ما بين هذين وقت كله، قلت: وخرجه الترمذي من حديث أحمد بن محمد بن موسى، أنبأنا عبد اللَّه بن المبارك، أنبأنا حسين بن على، أخبرني وهب بن كيسان عن جابر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: أمني جبريل.. فذكر الحديث بنحو حديث ابن عباس بمعناه ولم يذكر فيه لوقت العصر بالأمس [ (1) ] . قال أبو عيسى: وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو ابن دينار، وابن الزبير عن جابر بن عبد اللَّه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو حديث وهب ابن كيسان عن جابر [ (2) ] . وذكر ابن عبد البر من طريق النسائي: حدثنا يوسف [ (3) ] ، حدثنا قدامة ابن شهاب عن برد عن عطاء بن أبي رباح عن جابر: أن جبريل أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصلّى الظهر حين زالت [ (4) ] الشمس، وأتاه حين كان الظل مثل شخصه فصنع كما صنع، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
فصلّى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى المغرب، ثم أتاه حين غاب الشفق، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى العشاء، ثم أتاه حين انشق الفجر، فتقدم جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خلفه، والناس خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى الغداة، ثم أتاه اليوم الثاني حين كان ظل الرجل مثل شخصه، فصنع مثل ما صنع بالأمس فصلّى الظهر، ثم أتاه جبريل حين كان ظل الرجل مثل شخصيه، فصنع كما صنع بالأمس فصلّى العصر، ثم أتاه حين وجبت الشمس، فصنع كما صنع بالأمس فصلّى المغرب فيها، ثم أتاه فصنع كما صنع بالأمس فصلّى العشاء، فأتاه جبريل حين امتد الفجر واضح والنجوم بادية مشتبكة، فصنع كما صنع بالأمس فصلّى الغداة ثم قال: ما بين هذين وقت [ (1) ] . ورواه أبو الدرداء [ (2) ] عن برد عن عطاء عن جابر مثله سواء، إلا أنه قال في اليوم الثاني في المغرب: ثم جاءه حين وجبت الشمس لوقت واحد فذكره، قال: ثم جاء نحو ثلث الليل للعشاء فذكره، ثم جاء حين أضاء الصبح ولم يقل: والنجوم بادية مشتبكة. وأما حديث أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه [ (3) ] ، فذكره ابن عبد البر من طريق محمد بن سنجر قال: حدثنا سعيد بن الحكم حدثنا ابن لهيعة قال: حدثني بكر [ (4) ] بن [عبد اللَّه] [ (5) ] الأشج عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الساعدي أنه سمع أبا سعيد الخدريّ يقول [ (6) ] : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمني جبريل في الصلاة فصلّى الظهر حين زالت الشمس، وصلّى العصر حين كان الفيء قامة [ (7) ] ، وصلّى المغرب حين غابت الشمس [في وقت واحد، وصل العشاء ثلث الليل، وصلّى الصبح
حين كادت الشمس أن تطلع، ثم قال: الصلاة فيما بين هذين الوقتين] [ (1) ] . قال ابن عبد البر: هذا ما في إمامة جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من صحيح الآثار، قال: واحتج من زعم أن جبريل صلّى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في اليوم الّذي يلي ليلة الإسراء مرة واحدة الصلوات كلها لا مرتين على ظاهر حديث مالك في ذلك، فذكر من طريق أحمد بن زهير قال: حدثنا هدبة بن خالد عن هشام عن قتادة، قال فحدثنا الحسن أنه ذكر له أنه لما كان عند صلاة الظهر نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس فاجتمعوا إلى نبيهم صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بهم الظهر أربع ركعات يؤم جبريل عليه السلام محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، فلما [زالت] الشمس نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصلّى بهم العصر أربع ركعات وهي أخف، يؤم جبريل محمدا، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل ويقتدي الناس بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد، وسلم محمد على الناس، فلما غربت الشمس نودي الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم فصلّى بهم ثلاث ركعات أسمعهم القراءة في ركعتين وسبح في الصلاة الثالثة- يعني به قام لم يظهر القراءة- يؤم جبريل محمدا ويؤم محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، ويقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، فلما بدت النجوم نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصلّى بهم أربع ركعات أسمعهم القراءة في ركعتين وسبح في الأخريين، يؤم جبريل محمدا، ويؤم محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل، ويقتدي الناس بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، ثم رقدوا ولا يدرون أيزادون أم لا؟ حتى إذا طلع الفجر نودي أن الصلاة جامعة، ففزع الناس واجتمعوا إلى نبيهم صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصلّى بهم ركعتين أسمعهم فيها القراءة، يؤم جبريل محمدا، ويؤم
محمد الناس، يقتدي محمد بجبريل ويقتدي الناس بمحمد، ثم سلم جبريل على محمد وسلم محمد على الناس، وصلّى اللَّه على جبريل ومحمد وسلم تسليما كثيرا. ففي هذا الخبر أن جبريل لم يصل الصلوات الخمس بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا مرة واحدة، وهو وإن كان مرسلا فإنه حديث حسن مهذب. واحتجوا أيضا فذكر من طريق أحمد بن زهير وعبيد بن عبد الواحد قالا: حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن عتبة ابن مسلم مولى بني تميم عن نافع بن جبير قال: وكان نافع بن جبير كثير الرواية عن ابن عباس، قال: فلما فرضت الصلاة وأصبح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.... وذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال نافع ابن جبير وغيره: لما أصبح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ليلة أسري به لم يرعه إلا جبريل، نزل حين زاغت الشمس، ولذلك سميت الأولى، فأمر فصيح بأصحابه: الصلاة جامعة فاجتمعوا، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، طوّل الركعتين الأوليين ثم قصر الباقين، ثم سلم جبريل على النبي وسلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الناس، ثم نزل في العصر على مثل ذلك ففعلوا كما فعلوا في الظهر، ثم نزل في الليل في أوله فصيح الصلاة جامعة، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، طول في الأوليين وقصر في الثالثة، ثم سلم جبريل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسلم النبي على الناس، ثم لما ذهب ثلث الليل نزل، فصيح الصلاة جامعة، فاجتمعوا، فصلّى جبريل بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصلّى النبي بالناس، فقرأ في الأولين فطوّل وجهر، وقصر في الباقيتين، ثم سلم جبريل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الناس، فلما طلع الفجر فصيح الصلاة جامعة، فصلّى جبريل بالنبيّ، وصلّى النبي بالناس، فقرأ فيهما فجهر وطول ورفع صوته، وسلم جبريل بالنبيّ، وصلّى النبي بالناس، فقرأ فيهما فجهر وطول ورفع صوته، وسلم جبريل على النبي، وسلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الناس. قال ابن عبد البر: فقال: من ذكرنا حديث نافع بن جبير هذا مثل حديث الحسن في أن جبريل لم يصل في وقت فرض الصلاة بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلوات الخمس إلا مرة واحدة، وهو ظاهر حديث مالك، والجواب عن ذلك ما تقدم ذكرنا له من الآثار الصحاح المتصلة في إمامة جبريل لوقتين، وقوله: ما بين هذين وقت،
وفيها زيادة يجب قبولها والعمل بها لنقل العدول لها، وليس تقصير من قصّر عن حفظ ذلك وإتقانه والإتيان به بحجة، وإنما الحجة في شهادة من شهد لا في قول من قصر وأجمل واختصر، على أن هذه الآثار منقطعة، وإنما ذكرناها لما وصفنا، ولأن فيها أن الصلاة فرضت في الحضر أربعا لا ركعتين على خلاف ما زعمت عائشة، وقال بذلك جماعة، وردّوا حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وإن كان إسناده صحيحا لضروب من الأعمال، واللَّه سبحانه وتعالى الموفق بمنه وكرمه.
ذكر الجهة [1] التي كان صلى الله عليه وسلم يستقبلها في صلاته
ذكر الجهة [ (1) ] التي كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يستقبلها في صلاته ذكر ابن جريج في تفسيره، وذكر سنينة عن حجاج عن ابن جريج قال: صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أول ما صلّى إلى الكعبة [ (2) ] ، ثم صرف إلى بيت المقدس [ (3) ] ، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثلاث حجج [ (4) ] ، وصلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
بعد قدومه ستة عشر شهرا، ثم وجهه اللَّه إلى الكعبة [ (1) ] . قال ابن عبد البر: وهذا أمر قد اختلف فيه، وأحسن شيء روى في ذلك فذكر من حديث أبي عوانة عن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي نحو بيت المقدس وهو بمكة، والكعبة بين يديه، وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا، ثم صرفه اللَّه إلى الكعبة [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث عفّان [ (2) ] قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [ (3) ] ، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة [ (4) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: وروى أن المخبر لهم بما في هذا الحديث هو عباد بن بشر [ (5) ] .
روى إبراهيم بن حمزة الزبيري قال: حدثني إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد ابن سلمة عن أبيه عن جدته تويلة بنت أسلم [ (1) ] ، وكانت من المبايعات، قالت: كنا في صلاة الظهر فأقبل عباد بن بشر بن قيظي فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استقبل الكعبة- أو قال: البيت الحرام- فتحول الرجال مكان النساء، وتحول النساء مكان الرجال. وخرج البخاري ومسلم من حديث يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني أبو إسحاق قال: سمعت البراء يقول: صلينا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، ثم صرفنا نحو الكعبة. وقال البخاري: ثم صرفه نحو القبلة [ (2) ] . ذكره في التفسير في باب قوله: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ [هُوَ مُوَلِّيها] [ (3) ] .
ولمسلم من حديث أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: صليت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا حتى نزلت الآية التي في البقرة وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [ (1) ] ، فنزلت بعد ما صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فانطلق رجل [من القوم] [ (2) ] فمر بناس من الأنصار وهم يصلون، فحدثهم [بالحديث] [ (3) ] ، فولوا وجوههم [نحو القبلة، وهو البيت] [ (4) ] وخرج البخاري من حديث زهير، حدثنا أبو إسحاق عن البراء أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده- أو قال: على أخواله- من الأنصار، وأنه صلّى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلّى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلّى معه قوم، فخرج رجل ممن صلّى معه فمر على مسجد فيه قوم راكعون فقال: أشهد باللَّه لقد صليت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكانت
اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولي وجهه قبل البيت أنكروا ذلك. قال زهير: حدثنا أبو إسحاق في حديثه عن البراء أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فهيم، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (1) ] ، ذكره في كتاب الإيمان [ (2) ] ،
وذكره في التفسير مختصرا [ (1) ] ، وذكره في كتاب الصلاة [ (2) ] ، وفي باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق [ (3) ] .
وخرج البخاري ومسلم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد أنزل عليه الليلة [ (2) ] وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا [ (3) ] إلى الكعبة، وقال البخاري: فاستداروا إلى القبلة، ذكره في التفسير [ (4) ] وفي كتاب الصلاة [ (4) ] ، وفي باب إجازة خبر الواحد الصدوق [ (4) ] . وقال ابن عبد البر: وأجمع العلماء أن شأن القبلة أول ما نسخ من القرآن، وأجمعوا أن ذلك كان بالمدينة، وأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إنما صرف عن الصلاة إلى بيت المقدس، وأمر إلى الصلاة إلى الكعبة بالمدينة، واختلفوا في صلاته حين فرضت عليه الصلاة بمكة، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى الكعبة؟ فقالت طائفة: كانت صلاته إلى بيت المقدس من حين فرضت عليه الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة، ثم بالمدينة سبعة عشر شهرا أو نحوها حتى صرفه اللَّه إلى الكعبة. ذكر سفيان عن حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يستقبل صخرة بيت المقدس، فأول [ما] [ (5) ] نسخت من القرآن القبلة، ثم الصيام الأول، قال ابن عبد البر: من حجة الذين قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إنما صلى إلى بيت المقدس بالمدينة، وأنه إنما كان يصلى بمكة إلى الكعبة، فذكر حديث البراء ثم قال: فظاهر هذا الخبر يدل على أنه لما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس لا قبل ذلك، ويدلل [ (6) ] على ذلك أيضا، فذكر من حديث عبد اللَّه بن صالح، حدثنا
معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: أول ما نسخ اللَّه من القرآن القبلة، وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود، أمره اللَّه أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود، فاستقبلها بضعة عشر شهرا، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم، وكان يدعو اللَّه وينظر إلى السماء، فأنزل اللَّه: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [ (1) ]- يعني نحوه- فارتاب اليهود من ذلك وقالوا: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [ (2) ] ؟ فأنزل اللَّه: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [ (2) ] ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ (1) ] ، وقال: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ [ (3) ] يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ [ (4) ] ، قال ابن عباس: ليميز أهل اليقين من أهل الشك، قال ابن عبد البر: ففي قول ابن عباس هذا من الفقه: أن الصلاة لم ينسخ منها شيء قبل القبلة، وفيه أنه كان يصلي بمكة إلى الكعبة، وهو ظاهره أنه لم يصل إلى بيت المقدس إلا بالمدينة وهو محتمل غيره [ (5) ] .
وقال أبو إسحاق الحربي: ثم قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة في ربيع الأول فصلى إلى بيت المقدس تمام سنة إحدى عشرة أشهر، وصلى من سنة ثنتين ستة أشهر ثم حولت القبلة في رجب.
وقال موسى بن عقبة وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن عبد الرحمن ابن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن القبلة صرفت في جمادى. وقال الواقدي: إنما صرفت صلاة العصر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان. وذكر أبو بكر أحمد بن علي الرازيّ الحنفي في كتاب أحكام القرآن [ (1) ] : أن من الناس من يقول: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان مخيّرا في أن يصلي إلى حيث شاء، وإنما كان توجهه إلى بيت المقدس على وجه الاختيار لا على وجه الإيجاب حتى أمر بالتوجه إلى الكعبة، وكان قوله تعالى: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ (2) ] في وقت التخيير قبل الأمر بالتوجه إلى الكعبة، واللَّه الموفق. ***
ذكر من قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الملائكة
ذكر من قرن برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الملائكة خرج الإمام أحمد من حديث ابن عدي عن داود عن عامر الشعبي: نزلت عليه صلى اللَّه عليه وسلّم النبوة وهو ابن أربعين سنة، فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين، وكان يعلمه الكلمة والشيء. لم ينزل [من] [ (1) ] القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام، فنزل القرآن على لسانه [عشرين، عشرا بمكة وعشرا بالمدينة] [ (1) ] . ولحديث ابن سعد من حديث وهيب بن خالد عن داود بن أبي هند عن عامر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة، وكان معه إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين قرن بنبوته ثم عزل عنه إسرافيل عليه السلام، وقرن به أيضا جبريل عليه السلام بمكة عشر سنين مهاجره بالمدينة، قال ابن سعد: فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر فقال: ليس يعرف أهل العلم ببلدنا أن إسرافيل قرن برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وأن علماءهم وأهل السير منهم يقولون: لم يقرن به صلى اللَّه عليه وسلّم غير جبريل صلوات اللَّه وسلامه عليه من حيث أنزل عليه صلى اللَّه عليه وسلّم الوحي إلى أن قبض صلى اللَّه عليه وسلّم، وصحح الحاكم ذلك، واللَّه سبحانه الموفق بمنه. ***
فصل في ذكر الفضائل التي خص الله تعالى بها نبيه ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وشرفه بها على جميع الأنبياء
فصل في ذكر الفضائل التي خصّ اللَّه تعالى بها نبيّه ورسوله محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم وشرفه بها على جميع الأنبياء اعلم أن اللَّه تعالى فضّل رسوله محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم بفضائل عديدة ميّزه بها وشرّفه على من عداه من الأنبياء عليهم السلام، فجعله رحمة للعالمين، ولم يخاطبه باسمه وإنما خاطبه بالنّبوّة والرسالة التي لا أجلّ منها ولا أعظم، ونهى تعالى الأمة أن يخاطبوه باسمه، ودفع عنه ما قذفه به المشركون، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولم يذكر له ذنبا ولا زلة، وأخذ الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا به إن أدركوه، وأمر الناس أن يتأسوا به فعلا وقولا، وفرض طاعته على الكافة، وقرن اسمه تعالى باسمه، وقدم نبوته قبل خلق آدم عليه السلام، ونوه باسمه من عهد آدم، وشرّف أصله، وكرّم حسبه ونسبه، وطيب مولده، وسماه بخير الأسماء، وأقسم بحياته، وأفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء، فآدم ومن دونه تحت لوائه، وخصّه بالشفاعة العظمى يوم الفزع الأكبر وبالحوض المورود، وجعله أعظم الأنبياء تبعا، وأعطاه خمسا لم يعطهن أحدا قبله، وبعث بجوامع الكلم، وأولى مفاتيح خزائن الأرض، وأمدّه اللَّه بالملائكة حتى قاتلت معه، وختم به الأنبياء، وجعل أمته خير الأمم، وذكره في كتب الأنبياء وصحفهم، وأنطق العلماء بالبشارة به حتى كانت بعثته صلى اللَّه عليه وسلّم تنتظرها الأمم، وسمع الأخبار بنبوته صلى اللَّه عليه وسلّم من هواتف الجن ومن أجواف الأصنام ومن رجز الكهان، صلى اللَّه تعالى عليه وعلى جميع الأنبياء وعظّم وكرّم. ***
فأما أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين
فأما أنه صلى اللَّه عليه وسلّم رحمة للعالمين فقد قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (1) ] ، وذلك أن أعداءه أمنوا من العذاب مدة حياته، قال تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [ (2) ] ، فلم يعذبهم اللَّه تعالى حتى ذهب عنهم إلى ربه، فأنزل بهم ما أوعدهم من قبل وأشد، وذلك قوله تعالى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [ (3) ] . خرج الحرث بن أبي أسامة من حديث على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: بعثني اللَّه رحمة وهدى للعالمين، وهو هدي الدعاء والبيان. ورواه محمد بن إسحاق من حديث الفرح بن فضالة عن علي بن يزيد به ولفظه: إن اللَّه بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين، وهو هدى التعريف والاستهداء. وقال يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قيل يا رسول اللَّه، ألا تدعو على المشركين؟ قال: إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا، فإن قيل: كيف يكون رحمة للعالمين وقد أنزل بمن عاداه الذل والصّغار، فحطّم بعد الرفعة، وأهانهم بعد المنعة، وصيرهم بعد الملك إلى الهلك، بأن حوى أموالهم، وسبى حريمهم، وملك معاقلهم، وقتل حماتهم، ثم إن أصحابه من بعده دوخوا ممالك الأرض بدعوته، فاجتاحوا العرب من بني حنيفة وغيرهم عند ارتدادهم عن ملته، ومزقوا ملك كسرى وملك فارس، وأذلوا الفرس، وشردوا قيصر ملك الروم عن الشام والجزيرة، وقتلوا الروم والفرس أبرح قتل، وغلبوا قبط مصر وجبروهم أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون بعد ما ملكوا ديارهم وأموالهم
بمصر، وأزاحوا البربر عن بلاد المغرب وانتزعوها منهم ومن القوط الجلالقة، فلم يتركوا نوعا من أنواع العذاب حتى أحلّوه بمن ذكرنا من الأمم، وهم سكان البسيطة ومعظم الخليقة من البشر؟. قلنا: هذا اعتراض من لم ترض نفسه بالحكمة، حتى غفل عن ترتيب حكمة الباري تعالى في مصنوعاته، ولم يعلم ما تعطيه حقائق الأشياء، وذلك أن المحالّ إنما تقبل على قدر الاستعداد المهيأ فيها، وبيان ذلك أن اللَّه تعالى وصف كتابه العزيز بأنه هدى للناس، قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ [ (1) ] ، وهذا عام مطّرد باعتبار القوة والصلاحية، أي في قوته وصلاحيته أن يهدي جميع الناس، وهو عام مخصوص بمن لم يهتد باعتبار الفعل، إذ كثير من الناس لم يهتد به، ثم وصف تعالى كتابه بوصفين متضادين في وروده على الناس بحسب قبول قلوبهم له على قدر استعدادها، قال تعالى: وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ [ (2) ] ، وقال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [ (3) ] ، وقال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [ (4) ] ، فانظر- أعزك اللَّه- كيف كانت عين القرآن واحدة، وأثره في قلوب الناس مختلف، فيزيد المؤمن به إيمانا على إيمانه، ويزداد به الكافر كفرا على كفره حتى يموت كافرا، وانظر كيف تكون شفاء ورحمة لقوم وخسارا لآخرين، وكيف يهتدي به قوم ويكون عمى على قوم؟، وذلك بحسب ما أعطاه اللَّه من الاستعداد والمهيأ للقبول، وقد كشف لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قناع هذا المعنى ببليغ بيانه: فخرج البخاري [ (5) ] ..
ومسلم [ (1) ] ...
والنّسائي [ (1) ] من حديث سويد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أن مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب فمسكت الماء فنفع اللَّه بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا، فذلك مثل من فقه معاني دين اللَّه ونفعه بما بعثني به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى اللَّه الّذي أرسلت به. اللفظ لمسلم، ذكره في كتاب المناقب، وذكره البخاري في كتاب العلم وقال فيه: كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء، وقال فيه: فشربوا وسقوا وزرعوا، وقال فيه: ونفعه بما بعثني اللَّه، وقال بعده: قال إسحاق: وكان منها طائفة قبلت الماء قاع يعلوه الماء.
فانظر ما أبلغ هذا المثال النبوي وأبينه لما نحن بصدده، فهذه عين الماء الّذي نزل من السماء واحدة، وأثره في الأرض مختلف على قدر ما أعطاها الحكيم الخبير سبحانه من الاستعداد، وهيأ فيها من القبول حتى قبلت [كل] [ (1) ] قطعة منها الماء بحسب استعدادها، فأنبتت الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات التي يفضل بعضها على بعض في الأكل، وقبلت قطعة أخرى من الأرض ذلك الماء بعينه، فأنبتت بحسب استعدادها كلأ وعشبا ترعاه الأنعام، وفقدت قطعة أخرى هذا الاستعداد المهيئ لقبول الإنبات، فأمسكت الماء ولم تغيره عن أصله لطيبها حتى استقى منه الناس فشربوا وحملوا وسقوا أنعامهم، وكانت قطعة أخرى من الأرض لم يجعل اللَّه تعالى فيها من الاستعداد لقبول الإنبات شيئا، وسلبها مع ذلك الطيب والاعتدال، حتى انحرفت عنه فلم تخرج نبتا ولا أمسكت ماء، بل أحالته لخبثها أجاجا وملحا لا ينتفع به، فكما اختلفت الأرض في الاستعداد واختلفت في القبول، وهكذا نفوس الناس لما اختلفت في الاستعداد لقبول الخير والهدى، اختلفت في قبوله، وعين الهدى واحدة، ولكن أثره في نفوس الناس مختلف، فواحد قبل هدى اللَّه الّذي جاء به نبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم حال ما جاء به من غير أن يدعى إليه ولا طلب منه دليلا عليه كخديجة بنت خويلد، وأبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وزيد الحبّ، رضي اللَّه عنهم، وذلك بحسب قوة استعدادهم لقبول الهدى، وقد عبّر عن هذا الاستعداد في اصطلاح القرآن بالهداية، ويقال له التوفيق أيضا، وإليه الإشارة بقوله تعالى: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ [ (2) ] ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ [ (3) ] ، أي والذين اهتدوا يعني قبلوا الهداية العامة الإيمانية بقابليتهم الأصلية، وأقبلوا بكلية مواطنهم إليها، زادهم اللَّه هدى بما أدركهم من عناية مدد الحضرة الرحمانية بالهداية الخاصة من مقام الإحسان، وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ يعني أعطاهم تقوى نفوسهم بأن جعلوا حكم توحيدهم الباطن في قلوبهم وقاية تصون أنفسهم عن التلبس من أحشاء الانحرافات المبعدة لهم عن جناب
موجدهم تقدّس وتعالى. وآخرون آتاهم اللَّه تعالى من هذا الاستعداد دون ما أتى من ذكرنا، فاحتاجوا إلى أن يدعوا إلى اللَّه ويدلّوا على الطريق إليه، وهم الذين دخلوا في دين الإسلام من المهاجرين والأنصار، وقصر هذا الاستعداد في قلوب آخرين حتى احتاجوا في دخولهم في الإيمان إلى أن أظهر لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من آياته ومعجزاته ما قادهم إلى الإيمان به طوعا، وانحط فريق عن هذه الرتب لضعف الاستعداد عندهم لقبول الهدى، فلم يدخلوا فيه إلا كرها من تحت السيف، كمسلمة الفتح الذين قيل لهم: «الطلقاء» [ (1) ] . وعدمت طوائف من الناس هذا الاستعداد جملة فشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى وعاندوا الحق بعد ما وضح، وصدّوا عن سبيل اللَّه من آمن به، وبذلوا جهدهم في إطفاء نور اللَّه- رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- حتى ماتوا وهم كافرون من أجل أنه لم يكن فيهم من الاستعداد المهيء لقبول الهدى شيء، قلّ ولا جلّ، بل كانوا في ورود الهدى عليهم بمنزلة الأرض الخبيثة التي أحاطت ماء الغيث العذب الطهور إلى السباخ الرديء، وبمنزلة من به آفة في معدته من خلط رديء، [فأحالت] [ (2) ] أطيب المآكل وأنفعها سما مهلكا وداء عياء. وانظر- رحمك اللَّه- إلى الآية الواحدة من كتاب اللَّه تعالى فإنّها ترد على الأسماع، فواحد يفهم أمرا واحدا، وآخر لا يفهم منها ذلك الأمر بل يفهم أمرا آخر، وآخر يفهم منها أمورا كثيرة، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها، فالآية واحدة العين، والسامعون لها مختلفون في القبول، وذلك لاختلاف استعداد أفهامهم فيها. واوع سمعك أمثالا أفصّلها مما قد ألفته من المحسوسات: منها أن الشمس تبسط أنوارها على الموجودات كلها فتقبل المحال ذلك النور على قدر الاستعداد، فالجسم
المبرود يسخن بها فيتلذذ بذلك، والجسم المحرور يزيد في كمية حرارته فيتألم بها، فالنور واحد لهما، وكل واحد منهما يتألم بما به ينعم الآخر بعينه، فلو كان النور لإعطائه حقيقة واحدة، وإنما ذلك لاستعداد القابل. وهكذا تجد الشمس تسوّد وجه القصّار [ (1) ] وتبيض الثوب الّذي يقصره، فإن استعداد الثوب تعطي الشمس فيه التبييض، ووجه القصّار تعطي الشمس فيه التسويد، وكذلك ترى الشمس تذيب الشمع والشحم، وتجفف الطين والثوب المبلول، فإن استعداد كل واحد من هذه المذكورات تعطيه الشمس بحسب قبوله، ومن ذلك الهواء، إذا هبّ فإنه في هبوبه يطفئ السراج ويشعل النار في الحطب ونحوه مما من شأنه أن يقبل الاشتعال، وهكذا نفخك يطفئ السراج ويشعل النار في الحطب، وربما كان ذلك بنفخة واحدة، وذلك أن اختلافهما في الاستعداد يوجب اختلافهما في القبول، والهواء واحد في عينه، ومن هذا القبيل العطايا الإلهية، قال تعالى: وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً [ (2) ] أي ممنوعا، فهو سبحانه معط على الدوام، والمحالّ تقبل على قدر ما أعطاها اللَّه تعالى من الاستعدادات، فإذا فهمت هذا علمت أن عطاء اللَّه تعالى ليس بممنوع، إلا أنك تحب أن يعطيك مالا يقبله استعدادك، وتنسب المنع إليه- سبحانه- فيما طلب منه، ولا تجعل ما لك من الاستعداد وتقول: إن اللَّه تعالى على كل شيء قدير، وتصدق في ذلك، ولكنك تغفل عن ترتيب الحكمة الإلهية وما تعطيه حقائق الأشياء والكل من عند اللَّه، فمنعه عطاء، وعطاؤه منع، ولكن بقي أن تعلم بكذا أو من كذا. وإذا تدبرت هذه الأمثلة انجلت لك شبهة ما أورده أهل الزيغ والإلحاد على عموم أن رسالة محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رحمة للعالمين، واللَّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. قال أبو عبد اللَّه محمد بن علي المعروف بالحكيم الترمذي: إن الأنبياء والرسل
صفوة الخلق، وأما محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنه [نور] [ (1) ] ورحمة، قال اللَّه تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (2) ] ، فالرسل خلقوا للرحمة، ومحمد صلى اللَّه عليه وسلّم خلق بنفسه رحمة، فلذلك صار أمانا للخلق لما بعثه سبحانه وتعالى أمن الخلق العذاب إلى نفخة الصور، وسائر الأنبياء عليهم السلام لم يحلوا هذا المحل، ولذلك قال صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا رحمة مهداة، فأخبر أنه بنفسه رحمة للخلق من اللَّه تعالى، وقوله: مهداة، أي هدية من اللَّه سبحانه وتعالى للخلق، واللَّه الموفق. ***
وأما مخاطبة الله له بالنبوة والرسالة ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه
وأما مخاطبة اللَّه له بالنّبوّة والرسالة ومخاطبة من عداه من الأنبياء باسمه فإن ذلك أبان اللَّه تعالى به عن إجلال قدر نبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وتمجيده وتعظيمه، فإنه لا أجلّ من النبوة، ولا أعظم خطرا منها، قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ [ (1) ] ، وقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [ (2) ] ، وقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [ (3) ] ، وقال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ [ (4) ] ، وخاطب سبحانه الأنبياء بأسمائهم، وأخبر عنهم بأسمائهم، فقال تعالى: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [ (5) ] ، وقال في الإخبار عنه: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [ (6) ] ، وقال، يا نُوحُ اهْبِطْ [ (7) ] ، وقال في الإخبار عنه: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ [ (8) ] ، وقال: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا [ (9) ] ، وقال في الإخبار عنه: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [ (10) ] ، وقال: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي [ (11) ] ، وقال في الإخبار عنه: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ [ (12) ] ، وقال: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ [ (13) ] ، وقال في الإخبار عنه: وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ [ (14) ] ، وقال: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ [ (15) ] ، وقال: يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا (بعذاب اللَّه) [ (16) ] ، وقال: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ [ (17) ] ، وقال: وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ [ (18) ] ،....
وقال: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ [ (1) ] ، وقال: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ [ (2) ] ، فلم يخاطب أحدا منهم ولا أخبر عنه إلا باسمه، وكل موضع ذكر فيه محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم أضاف إليه ذكر الرسالة، فقال تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [ (3) ] ، وقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [ (4) ] ، وقال: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ [ (5) ] ، وقال: وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [ (6) ] ، فسماه ليعلم من جحده أن أمره وكتابه هو الحق، ولأنهم لم يعرفوه إلا بمحمد، فلو لم يسمه لم يعلم اسمه من الكتاب، وكأن تسمية اللَّه له بمحمد زيادة في جلالة قدره وتنبيها على مزيد شرفه، لأن اسمه عليه السلام مشتق من اسم اللَّه تعالى، كما مدحه به عمه أبو طالب بقوله: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد ولما جمع اللَّه تعالى بين ذكر محمد وإبراهيم عليهما السلام، سمي خليله باسمه وكنّي حبيبه محمدا بالنّبوّة فقال تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا [ (7) ] ، فأبان سبحانه بذلك عن شرف مقدار محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وعلو رتبته عنده، ثم قدمه اللَّه عز وجل في الذكر على من تقدمه في البعث، قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ... [ (8) ] ، إلى قوله: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً [ (9) ] ، وقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ [ (10) ] الآية، وقد روى من طرق عن سعيد بن بشير، حدثنا قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [ (11) ] ، قال: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث، فانظر كيف خاطب اللَّه سبحانه محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم بالنّبوّة والرسالة، ولم يخاطب غيره من الأنبياء إلا باسمه، إلا أن يكون محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم في جملتهم فيشركهم معه
في الخطاب والخبر، ليبين تعالى لعباده ارتفاع رتبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على جميع الأنبياء، وعلوّ مكانته على مكاناتهم كلهم، إذ الكناية عن الاسم غاية التعظيم للمخاطب، لأن من بلغ به الغاية في التعظيم كني عن اسمه بأخص أوصافه وأجلّها، واللَّه الموفق.
وأما دفع الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قرفه به المكذبون، ونهي الله تعالى العباد عن مخاطبته باسمه
وأما دفع اللَّه عن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم ما قرفه به المكذبون، ونهي اللَّه تعالى العباد عن مخاطبته باسمه اعلم أن الأمم السالفة كانت تخاطب أنبياءهم بأسمائهم، كقولهم: يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [ (1) ] ، وقولهم: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً [ (2) ] ، وقولهم: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ [ (3) ] ، وقولهم: يا صالِحُ ائْتِنا [ (4) ] ، فشرف اللَّه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بتبجيل قدره، ونهى الكافة أن يخاطبوه باسمه، فقال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (5) ] ، فندبهم اللَّه تعالى إلى تكنيته بالنّبوّة والرسالة، رفعة لمنزلته وتشريفا لقدره على جميع الرسل والأنبياء، وأوجب تعالى تعزيره صلى اللَّه عليه وسلّم وتوقيره، وألزم سبحانه إكرامه وتعظيمه، قال ابن عباس: تعزروه: تبجلوه، وقال المبرد: تعزروه: تبالغوا في تعظيمه، وقال الأخفش: تنصرونه، وقال الطبري: تعينونه، وقرأ تعززونه بزاءين من العز. [و] [ (6) ] خرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة من حديث أبي رزق عن الضحاك عن ابن عباس رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (7) ] قال: كانوا يقولون: يا محمد يا أبا القاسم، قال: فنهاهم اللَّه عن ذلك إعظاما لنبيه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: فقالوا: يا نبي اللَّه، يا رسول اللَّه. ولأبي نعيم من حديث محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً يعني كدعاء أحدكم إذا
دعي أخاه باسمه، ولكن وقروه وعزروه وعظموه، وقولوا: يا رسول اللَّه، ويا نبي اللَّه. وعن عاصم عن الحسن: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قال: لا تقولوا: يا محمد، قولوا يا رسول اللَّه. وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قال: لا تقولوا: يا محمد، قولوا يا رسول اللَّه. وعن قتادة: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قال: أمر اللَّه سبحانه وتعالى أن يهاب نبيه صلوات اللَّه عليه وأن يعظم ويفخّم ويسوّد، وفي رواية قال: أمرهم اللَّه تعالى أن يفخموه ويشرفوه، ونهى المؤمنين أن يقولوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: راعنا سمعك، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا [ (1) ] ، قال الضحاك عن ابن عباس: لا تقولوا: راعنا، وذلك أنها سبّة بلغة اليهود، فقال: قولوا انظرنا، يريد أسمعنا، فقال المؤمنون بعدها: من سمعتموه يقولها فاضربوا عنقه، فانتهت اليهود بعد ذلك. وعن أبي صالح عن ابن عباس: لا تَقُولُوا راعِنا قال: راعنا بلسان اليهود السب القبيح، فكان اليهود يقولون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك سرا، فلما سمعوا أصحابه يقولونه أعلنوا بها، فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم، فسمعها منهم سعد بن معاذ رضي اللَّه عنه فقال لليهود: يا أعداء اللَّه، عليكم لعنة اللَّه، والّذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لأضربن عنقه. وعن مجاهد: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا خلافا وقولوا: انظرنا، أفهمنا، بين لنا. وعن قتادة: لا تَقُولُوا راعِنا قال: كانت اليهود تقول: راعنا استهزاء، فنهى اللَّه المؤمنين أن يقولوا كقولهم.
وعن عطية: لا تَقُولُوا راعِنا قال: كان أناس من اليهود يقولون: راعنا سمعك، حتى قالها أناس من المؤمنين، فكره لهم ما قالت اليهود، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا كما قالت اليهود وَقُولُوا انْظُرْنا واللَّه الموفق. ***
وأما دفع الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قرفه المكذبون له
وأما دفع اللَّه تعالى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ما قرفه المكذبون له كان من تقدم من أنبياء اللَّه صلوات اللَّه عليهم كانوا يردون عن أنفسهم ويدفعون ما قرفهم مكذبوهم، فتولى اللَّه ذلك عن رسول اللَّه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، قال تعالى [حكاية] [ (1) ] عن قوم نوح: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (2) ] ، فقال دافعا عن نفسه: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [ (3) ] ، وقال قوم هود: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ [ (4) ] ، فقال دافعا عن نفسه: قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ [ (5) ] ، وقال فرعون لموسى: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً [ (6) ] ، فقال موسى مجيبا له: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [ (7) ] ، فتولى اللَّه سبحانه وتعالى المجادلة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قال المشركون عنه: إنه شاعر، فقال: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [ (8) ] ، ولما قالوا: كاهن قال تعالى: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ [ (9) ] ، ولما قالوا: ضال، قال سبحانه وتعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [ (10) ] ، ولما قالوا عنه صلى اللَّه عليه وسلّم: إنه مجنون، قال اللَّه سبحانه وتعالى: فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [ (11) ] .
وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطا ولا زلة
وأما مغفرة ذنبه من غير ذكره تعالى له خطا ولا زلّة فقد خرج الحاكم من حديث الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس: إن اللَّه فضل محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم على جميع الأنبياء وعلى جميع أهل السماء، وفضله على أهل الأرض، قالوا: يا ابن عباس!! بم فضله على أهل السماء؟ قال: قال اللَّه تعالى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [ (1) ] ، وقال لمحمد: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (2) ] الآية، قالوا: فبم فضّله على أهل الأرض؟ قال: قال اللَّه تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [ (3) ] ، الآية، وقال لمحمد: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [ (4) ] ، فأرسله إلى الجن والإنس، قال الحاكم: هذا حديث صحيح. واعلم أن من تقدم الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم، من الأنبياء ذكر اللَّه تعالى أحوالهم [و] [ (5) ] ما كان منهم يقصّه تعالى على ما غفره لهم، قال تعالى في قصه موسى: رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً [ (6) ] ، وقال: إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ [ (7) ] ، فقصّ تعالى ما غفر له وسأل فيه المغفرة، وقال تعالى عن داود: وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ* إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ* قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ [ (8) ] ، فقصّ تعالى على
ما كان فيهم، ولم يقصّ على خطأ كان من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إكراما له وتشريفا، فقال عز من قائل: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [ (1) ] ، وهذا غاية الفضل والشرف، لأنه تشريف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من غير أن يكون هناك ذنب، ولكنه تعالى استوعب في هذه الآية جميع أنواع النعم الأخروية والدنيوية التي أنعم اللَّه بها على عباده، فلم تبق نعمة يمكن أن تكون من اللَّه تعالى على عباده إلا وقد جمعها لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فإن جميع النعم الأخروية شيئان: سلبية وهي غفران الذنوب، وثبوتية وهي لا تتناهى، أشار إليها بقوله: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ [ (1) ] ، وجميع النعم الدنيوية شيئان: دينية أشار إليها بقوله: وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً [ (1) ] ، ودنيوية، وإن كانت هنا المقصود بها الدين، وهي قوله: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [ (1) ] ، وقدم الأخروية على الدنيوية، وقدم في الدنيوية الدينية على غيرها تقديما للأهم فالمهم، فانتظم بذلك تعظيم قدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بإتمام نعم اللَّه تعالى عليه، المتفرقة في غيره، ولهذا قال: جعل ذلك غاية الفتح المبين الّذي عظمه وفخمه بإسناده إليه بنون العظمة، وجعله خاصا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بقوله: لك. وقد أشار ابن عطية إلى هذا فقال: وإنما المعنى: التشريف بهذا الحكم، ولو لم يكن له ذنب البتة. انتهى. وقد ذكر الناس أقوالا أخر، منها: ما يجب تأويله، ومنها ما يجب ردّه، فمن ذلك ما روى عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ أي ما يكون، وهذا يمكن تأويله على ما قدمناه، أي مما يكون لو كان، والمعنى أنك يا سيد المرسلين بحالة لو كان لك ذنوب ماضية ومستقبلة لغفرنا جميعها لك لشرفك عندنا. ومنها قول مقاتل: لِيَغْفِرَ لَكَ ما كان في الجاهلية، وهذا مردود، لأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس له جاهلية، ومن قال: ليغفر لك ما كان قبل النبوة فهو مردود
أيضا، لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم قبل النبوة وبعدها. ومنها قول سفيان الثوري: ليغفر لك ما كان في الجاهلية ما علمت وما لم تعلم، وهو مردود بمثل الّذي قبله، ومنها قول عطاء الخراسانىّ: ليغفر لك ما تقدم من ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك، وما تأخر من ذنوب أمتك بدعوتك على حذف مضاف. ومنها ما حكى عن مجاهد: ليغفر لك ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد، وهذا قول باطل، فإنه لم يكن في قصه مارية وامرأة زيد ذنب أصلا، وقد أوردنا ما جاء في قصتيهما عند ذكر أزواجه وسراريه صلى اللَّه عليه وسلّم، وليس فيهما ما يعدّ زلة ولا ذنبا، ومن اعتقد ذلك فقد أخطأ. ومنها قول الزمخشريّ: جميع ما فرط منك، وهذا مردود بشيئين: أحدهما: عصمة الأنبياء، وقد أجمعت الأمة على عصمتهم فيما يتعلق بالتبليغ وفي غير ذلك من الكبائر ومن الصغائر الرذيلة التي تحط مرتبتهم، ومن المداومة على الصغائر، فهذه الأربعة مجمع عليها، واختلفوا في الصغائر التي لا تحط مرتبتهم، فذهبت المعتزلة، وكثير من غيرهم إلى جوازها، والمختار المنع لأنا مأمورون بالاقتداء في كل ما يصدر منهم في قول وفعل، فكيف يقع منهم ما لا ينبغي، ونؤمر بالاقتداء بهم فيه؟ وتجاسر قوم على الأنبياء فنسبوا إليهم تجويزها عليهم مطلقا، وهم محجوجون بما تقدم من الإجماع، ثم إن الذين جوزوا الصغائر لم يجوزوها بنص ولا دليل، وإنما أخذوا ذلك من هذه الآية وأمثالها، وقد ظهر بجواب هذه، وفي كل موضع من الباقيات يذكر جوابه إن شاء اللَّه تعالى. والذين جوزوا الصغائر التي ليست برذائل، قال ابن عطية: اختلفوا هل وقع ذلك من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أو لم يقع؟ قال كاتبه: والحق الّذي لا مرية فيه أنه لم يقع، وكيف يستحيل خلاف ذلك وأحواله صلى اللَّه عليه وسلّم منقسمة إلى قول وفعل؟ أما القول، فقال تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [ (1) ] ، وأما الفعل،
فإجماع الصحابة المعلوم منهم قطعا على اتباعه والتأسي بما يفعله في كل ما يفعله من قليل أو كثير، أو صغير أو كبير، لما عندهم في ذلك توقف ولا بحث، حتى أعماله عليه السلام في السر والخلوة يحرصون على العلم بها وعلى اتباعها، علم بهم صلى اللَّه عليه وسلّم أو لم يعلم. والثاني: أنا لو سلمنا بعدم العصمة- وحاش للَّه- فإنه لا يناسب ما تشير إليه الآية من التعظيم والامتنان، وجعل ذلك غاية الفتح المبين، المقرون بالتعظيم، فحمله على ذلك مخل بالبلاغة، والمعنى الّذي حملنا عليه الآية يناسب البلاغة، فوجب المصير إليه، وقوله: وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً [ (1) ] أعيد لفظه لمّا بعد عما عطف عليه، وليكون المبتدأ والمنتهي بالاسم الظاهر، والضميران في الوسط، وأتت هذه النعم الأربع بلفظ الغيبة، وجاء الفتح قبلها بضمير المتكلم تعظيما لأمر الفتح، لأن المغفرة وإن كانت عظيمة فهي عامة، قال تعالى: وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [ (2) ] وكذلك إتمام النعمة، قال تعالى: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [ (3) ] ، وهكذا الهداية، قال تعالى: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [ (4) ] ، ومثله النصر، قال تعالى: إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [ (5) ] ، وأما الفتح: فإنه لم يتفق لغير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقيل في الاسم مع النصر: إنه تعظيم له، ولهذا قلّ ما ذكر اللَّه تعالى النصر من غير إضافة إليه أو اقتران باسمه ليطمئن القلب بذكر اللَّه تعالى، فيحصل الصبر، وبه يحصل النصر، واللَّه يقول الحق وهو يهدي السبيل. وقال سفيان عن عيينة قال: عن ميسرة قال ابن عبد اللَّه: أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب، قال تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [ (6) ] ، وقال عبد اللَّه بن يزيد المصري: ليس هذا لنبي قبله ولا بعده، يعني قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ [ (6) ] ، فبدأ سبحانه بالعفو قبل العقاب.
وأما أخذ الله تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وينصروه إن أدركوه
وأما أخذ اللَّه تعالى الميثاق على جميع الأنبياء أن يؤمنوا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وينصروه إن أدركوه فقد قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (1) ] . قوله: لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ ما، بمعنى الّذي، قال النحاس: التقدير على قول الخليل: الّذي آتيتكموه ثم حذف الهاء لطول الاسم، والإصر: العهد. وعن أبي أيوب عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لم يبعث اللَّه نبيا [من لدن] [ (2) ] آدم فمن بعده إلا أخذ اللَّه العهد عليه في محمد لئن بعث وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ... وعن سعيد عن قتادة: قوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ... الآية، هذا ميثاق قد أخذه اللَّه على النبيين أن يصدّقوا بعضهم بعضا، وأن يبلغوا كتاب اللَّه ورسالاته، فبلغت الأنبياء كتاب اللَّه ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ويصدقوه وينصروه. وقال أسباط عن السدي: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ الآية، قال: لم يبعث اللَّه نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ ميثاقه ليؤمنن
بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ولينصرنه إن خرج وهو حيّ، وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به ولينصرونه هم إن خرج وهم أحياء. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم- يعني على أهل الكتاب- وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه- يعني بتصديق محمد صلى اللَّه عليه وسلّم- إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم فقال: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ... إلى آخر الآية. وقال أسباط عن السدي في قوله: لَما آتَيْتُكُمْ: يقول لليهود: أخذت ميثاق النبيين لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم وهو الّذي ذكر في الكتاب عندكم، فهذا كما ترى، وقد أخذ اللَّه الميثاق على جميع الأنبياء عليهم السلام إن جاءهم رسول مصدق لما معهم وهو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم آمنوا به ونصروه، فلم يكن أحد منهم ليدرك الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إلا وجب عليه الإيمان به ونصره على أعدائه لأخذه الميثاق منهم، فجعلهم تعالى كلهم أتباعا لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم يلزمهم الانقياد له والطاعة لأمره لو أدركوه. وقد نصّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على معنى ما قلنا، فروى هشيم عن مجالد عن الشعبيّ عن جابر عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: «أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتاب فقال: والّذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيا اليوم ما وسعه إلا أن يتبعني» [ (1) ] .
وقال بعض العارفين باللَّه تعالى. وبهذا يتبين لك سيادة محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على جميع الأنبياء [والمرسلين من] [ (1) ] قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم [ (2) ] ولا فخر، وفي رواية مسلم [ (3) ] : أنا سيد الناس يوم القيامة، فثبتت له السيادة والشرف على
أبناء جنسه من البشر، وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين [ (1) ] ، فأخبره اللَّه تعالى بمرتبته، وأنه عليه السلام إذ ذاك صاحب شرع، فإنه قال: كنت نبيا ولم
يقل: كنت إنسانا، ولا كنت موجودا، أو ليست النبوة إلا بالشرع المقدر عليه من عند اللَّه تعالى؟ فأخبر سبحانه وتعالى أنه عليه السلام صاحب النبوة قبل وجوده في الأنبياء في الدنيا وهو روح قبل اتخاذه تعالى الأجسام الإنسانية، فكانت الأنبياء عليهم السلام في هذا العالم نواب محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من آدم إلى عيس عليهما السلام، وإلى هذا الإشارة بقوله عليه السلام: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني، وكذلك لو كان محمد صلى اللَّه عليه وسلّم موجودا بجسمه من لدن آدم عليه السلام إلى زمان وجوده، لكان جميع بني آدم تحت شريعته، ولهذا لم يبعث بشريعة عامة إلا هو صلى اللَّه عليه وسلّم، فإنه الملك والسيد، وكل رسول إنما بعث إلى قوم مخصوصين، ولم تعم، فمن زمن آدم إلى زمن بعثة محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وإلى يوم القيامة ملكه، وله يوم القيامة التقدم أيضا على جميع الرسل مع السيادة، فكانت روحانيته صلى اللَّه عليه وسلّم روحانية كل رسول موجودة، والإمداد يأتي إليهم من روحه الطاهرة بما يظهر منهم من الشرائع والعلوم في زمن وجودهم رسلا، وكان تشريعهم الشرائع كما كان علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وغيرهما من الصحابة رضي اللَّه عنهم يقضون في زمان وجود جسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكما يكون عيسى عليه السلام حين ينزل آخر الزمان بشرع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، لكن لما لم يوجد صلى اللَّه عليه وسلّم في الحسّ نسب كل شرع إلى من بعث به، وهو في الحقيقة شرع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وإن كان مفقود العين، كما يكون صلى اللَّه عليه وسلّم مفقود العين في زمان نزول عيسى وحكمه بالشرع المحمدي، وكون محمد صلى اللَّه عليه وسلّم نسخ اللَّه بشرعه جميع الشرائع، لا يخرجها النسخ عن أن تكون من شرعه، فإن اللَّه تعالى قد أشهدنا في القرآن والسنة النسخ مع إجماعنا واتفاقنا على أنه شرعه، فنسخ بالمتأخر، فكان هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة المحمدية تنبيها لنا على أن نسخه لجميع الشرائع المتقدمة لا يخرجها عن كونها شرعا له، وكان نزول عيسى آخر الزمان حاكما بغير شرعه الّذي كان عليه في زمان رسالته، وحكمه بشرع محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أدلّ دليل على أنه لا حكم لأحد من الأنبياء مع وجود محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أو وجود ما قرره من الحكم، فخرج من هذا كله أن محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم ملك وسيد على جميع بني آدم، وأن جميع من تقدمه كان ملكا له، والحاكمون فيه كانوا نوابا عنه، فإن قلت: قال اللَّه تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ
اقْتَدِهْ [ (1) ] ، قلت: هذا صحيح، فقد قال تعالى: فَبِهُداهُمُ، وهداهم من اللَّه وهو شرعه صلى اللَّه عليه وسلّم، أي الزم شرعك الّذي أظهرته نوّابك من إقامة الدين وعدم التفرق فيه، ولم يقل سبحانه: فبهم أقتد، وكذا قال سبحانه: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [ (2) ] وهو الدين، فهو صلى اللَّه عليه وسلّم مأمور باتباع الدين، فإن أصل الدين إنما هو من اللَّه تعالى لا من غيره، وأين هذا من قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني؟ فأضاف الاتباع إليه، وأمر هو صلى اللَّه عليه وسلّم باتباع الدين لا باتباع الأنبياء، فإن السلطان الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم إلا له، فإذا غاب حكم النائب بمراسمه، فهو الحاكم في الحقيقة غيبا وشهادة، مما قيل في شرفه: فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب [ (3) ] فانظر ما أبدع هذا الفضل الّذي لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، الّذي لم ينتبه إليه إلا من شاء اللَّه، وقليل ما هم، واللَّه يختص برحمته من يشاء. ***
وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم
وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى اللَّه عليه وسلّم فاعلم أن الإيمان به صلى اللَّه عليه وسلّم هو التصديق بنبوته وإرسال اللَّه تعالى له وتصديقه في جميع ما جاء به من اللَّه وما قاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول اللَّه، فإذا اجتمع التصديق بالقلب والنطق بالشهادة باللسان، تم الإيمان به والتصديق له، قال اللَّه تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا [ (1) ] ، وقال: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (2) ] ، وقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يَجِدُونَهُ [ (3) ] الآية، فالإيمان بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم واجب لا يتم الإيمان إلا به، ولا يصح الإسلام إلا معه، وقد تقرر بما تقدم ثبوت نبوته وصحة رسالته، فوجب الإيمان به وتصديقه فيما أتى به وتعيّن ذلك، قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً [ (4) ] ، وقال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [ (5) ] ، وقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [ (6) ] ، وقال: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [ (7) ] ، أي على رسالتك يشهد لك بإظهار المعجزات على صدقك، إذ المعجزة في قوة قول اللَّه تعالى: صدق عبدي في أنه رسول، والثانية مقررة للأولى، لأنه إنما تثبت عموم دعوته بإخباره، وما ورد على لسانه، وخبره إنما يقبل إذا ثبت صدقه، وصدقه إنما ثبت بالمعجزات، فأذن نظم الدليل هكذا: محمد صلى اللَّه عليه وسلّم أتي بالمعجزات فهو صادق، وكل صادق يجب قبول خبره بعموم دعوته، وهو المطلوب. وخرج مسلم من حديث يزيد بن زريع قال: حدثنا روح عن العلاء بن
عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة، عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم
على اللَّه [ (1) ] . وقال البخاري: فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه. ذكره في كتاب الإيمان.
وخرج مسلم من حديث عبد اللَّه بن بريد عن يحى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهنيّ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن [الحميري] [ (1) ] حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسألناه عن ما يقول [هؤلاء] [ (2) ] في القدر فوفق لنا عبد اللَّه بن عمر فاكتنفته أنا وصاحبي، كان أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون ألا قدر، وأن الأمر أنف، [قال: فإذا] [ (3) ] لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والّذي يحلف به
عبد اللَّه بن عمر لو أن لأحد مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل اللَّه ما قبله اللَّه منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال بينما نحن عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، فعجبنا له، يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: [فأخبرني] [ (1) ] عن الإحسان، قال: أن تعبد اللَّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: [فأخبرني] [ (1) ] عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها، [قال:] [ (2) ] [أمارتها] [ (3) ] أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة [العالة] [ (4) ] رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق فلبث مليا، ثم قال لي: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: اللَّه
ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. هذا الحديث انفرد به مسلم [ (1) ] ، ولم يخرجه البخاري، وأخرجه أبو داود من طريق ابن بريدة بمثله أو
نحوه، وقال فيه: فلبثت مليا [ (1) ] وخرجه الترمذي بنحو حديث مسلم وقال في آخره: فلقيني النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك بثلاث فقال: يا عمر، أتدري من السائل؟ ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم [ (2) ] . قال القاضي عياض: فقد قرر أن الإيمان محتاج [ (3) ] إلى العقد بالجنان، والإسلام
به مضطر إلى النطق باللسان، وهذه الحالة المحمودة التامة، وأما الحال المذمومة: فالشهادة باللسان دون تصديق القلب، وهذا هو النفاق، قال: وللفرق بين القول والعقد ما جعل في حديث جبريل عليه السلام، الشهادة من الإسلام، والتصديق من الإيمان، وبقيت حالتان [أخريان بين هذين] [ (1) ] . إحداهما: أن يصدق بقلبه ثم يخترم [ (2) ] قبل اتساع وقت للشهادة بلسانه، فاختلف فيه فشرط بعضهم من تمام الإيمان القول والشهادة به، ورآه بعضهم مؤمنا مستوجبا للجنة لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان [ (3) ] ، فلم يذكر سوى ما في القلب، وهذا مؤمن بقلبه غير عاص ولا مفرط بترك غيره، وهذا هو الصحيح في هذا الوجه. الثانية: أن يصدق بقلبه ويطول مهلة وعلم ما يلزمه من الشهادة فلم ينطق بها جملة، ولا استشهد في عمره ولا مرة، فهذا اختلف فيه أيضا فقيل: هو مؤمن لأنه مصدق، والشهادة من جملة الأعمال، فهو عاص بتركها غير مخلد [في النار] [ (4) ] ، وقيل: ليس بمؤمن حتى يقارن عقده بشهادة، إذ الشهادة إنشاء عقد وإلزام إيمان، وهي مرتبطة مع العقد، ولا يتم التصديق مع المهملة إلا بها، وهذا هو الصحيح. وخرج الحاكم من حديث عبد الرازق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن هيثم، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار، فجعلت أقول: أين [ (5) ] تصديقها في كتاب اللَّه، [وقلّ ما سمعت حديثا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا وجدت
تصديقه في كتاب اللَّه تعالى] [ (1) ] ، حتى وجدت هذه الآية: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [ (2) ] ، قال: الأحزاب الملل كلها، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ***
وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتي به صلى الله عليه وسلم
وأما فرض طاعته، فإذا وجب الإيمان به وتصديقه بما جاء به وجبت طاعته لأن ذلك مما أتي به صلى اللَّه عليه وسلّم قال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (1) ] ، وقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ (2) ] ، فجمع تعالى بينهما بواو العطف المشتركة، ولا يجوز جمع هذا الكلام في غير حقه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [ (3) ] ، وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [ (4) ] ، وقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (5) ] ، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [ (6) ] الآية، وقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [ (7) ] ، فجعل طاعة رسوله طاعته تعالى، وقرن طاعته بطاعة رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم، ووعد على ذلك بجزيل الثواب، وأوعد على مخالفته بسوء العقاب، وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه، فبيّن أنه سبحانه وتعالى فرض على الكافة بأسرها طاعة رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم فرضا مطلقا لا شرط فيه ولا استثناء، كما فرض تعالى طاعته ولم يقل من طاعتي، أو من كتابي أو بأمري، وحين فرض أمره ونهيه صلى اللَّه عليه وسلّم على الخلق طرا كفرض من التنزيل، لا يزاد في ذلك، ولا يطلب فيه تنبيه، كما أخبر تعالى عن قوم موسى عليه السلام أنهم قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [ (8) ] ، وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أولى بأمته وبأموالهم وأنفسهم وأهليهم وذراريهم منهم بأنفسهم، قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ (9) ] ، وقع ذلك منهم بوفاقهم وكراهيتهم، فإنه تعالى حكم على من وجد في نفسه شيئا من
حكمه صلى اللَّه عليه وسلّم وقضائه بالخروج من الإيمان، قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] ، فأقسم سبحانه وتعالى بأن أحدا لا يؤمن حتى يحكّم رسوله محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم مع تحكيمه إياه لا يجد في نفسه كرها لما قضى به عليه مما هو مخالف لهواه، بل يرضى بما حكم به، ويسلّم لأمره تسليما لا شائبة فيه من اعتراض ولا تعقيب. وانظر- أعزك اللَّه وهداك- كيف أقسم تعالى بإضافة الرب إلى كاف الخطاب، يتبين لك تعظيمه تعالى للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم، حتى هنا: غاية، أي ينتفي عنهم الإيمان إلى هذه الغاية، فإذا وجد ما بعد الغاية كانوا مؤمنين، وفِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، في كل أمر دنيوي وأخروي وقع بينهم فيه تنازع وتجاذب، ومعنى يُحَكِّمُوكَ: يجعلوك حكما، وفي الكلام حذف تقديره: فتقضي بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا، أي ضيقا من حكمك. وقال مجاهد: شكّا، لأن الشاكّ في ضيق من أمره حتى يلوح له الشأن، وقال الضحاك: إثما، أي سبب إثم، والمعنى: لا يخطر ببالهم ما يأثمون به من عدم الرضى، وقيل: هما وحزنا، ويسلموا: أي ينقادوا ويذعنوا لقضائك لا يعارضون فيه بشيء، قاله ابن عباس رضي اللَّه عنهما والجمهور. وقيل: معناه ويسلموا: أي سارعوا فيه لحكمك، ذكره الماوردي، وأكد تعلق الفعل بالمصدر على سبيل صدور التسليم حقيقة. قال المفسرون والأئمة: طاعة الرسول في التزام محبته والتسليم لما جاء به، وقالوا: وما أرسل اللَّه من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه، وقالوا: من يطع الرسول في سنته يطع اللَّه في فرائضه. وسئل سهل بن عبد اللَّه عن شرائع الإسلام فقال: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [ (2) ] ، وقال السمرقندي: يقال: أطيعوا اللَّه في فرائضه والرسول في سننه، وقيل: أطيعوا اللَّه فيما حرّم عليكم والرسول فيما بلغكم، ويقال: أطيعوا اللَّه
بالشهادة له بالربوبية، والنبي بالشهادة له بالنّبوّة. وخرج البخاري في كتاب الأحكام من حديث الزهري: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع [من] [ (1) ] أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من أطاعني فقد أطاع اللَّه، ومن عصى أميري فقد عصاني [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] مثله
سواء، فطاعة الرسول من طاعة اللَّه، إذ اللَّه أمر بطاعته، وطاعته امتثال لما أمر اللَّه به وطاعة له. وقد حكى اللَّه تعالى عن الكفار في دركات [ (1) ] جهنم يوم تقلب وجوههم في النار يقولون: يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [ (2) ] فتمنوا طاعته حيث لا ينفعهم التمني. وخرج البخاري ومسلم من حديث ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب قالا: كان أبو هريرة يحدث أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم [ (3) ] . وخرجه البخاري من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان
قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ذكره في كتاب الاعتصام [ (1) ] .
وخرج البخاري ومسلم من حديث أبي أمامة عن بريدة عن أبي بريدة عن أبي موسى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إنما مثلي ومثل ما بعثني اللَّه به كمثل رجل أتى قوما فقال: يا قوم، إني رأيت الجيش بعينيّ وإني أنا النذير العريان، فالنجاء [النجاء] [ (1) ] ، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني [فاتبع] [ (2) ] ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق. لفظهما فيه متقارب، ولم يقل فيه مسلم: فنجوا. ذكره البخاري في كتاب الاعتصام [ (3) ] . ..
وفي كتاب الرقاق [ (1) ] .
وخرج البخاري من حديث سعيد بن ميناء قال: حدثنا- أو سمعت- جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: [بأن] [ (1) ] لصاحبكم هذا مثلا فاضربوا له مثلا، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل [من] [ (2) ] المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل [من] [ (2) ] المأدبة، فقالوا: أولوها له بفقهها، [قال] [ (3) ] بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، فمن أطاع محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] فقد أطاع اللَّه، ومن عصى محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] فقد عصى اللَّه، ومحمد فرق بين
الناس [ (1) ] [ (2) ] ...
وله من حديث فليح: حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي، قالوا: [يا رسول اللَّه] [ (1) ] ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي [ (2) ] » . ذكره والّذي قبله في كتاب الاعتصام. ***
وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهداه صلى الله عليه وسلم
وأما وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهداه صلى اللَّه عليه وسلّم فقد قال اللَّه تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [ (1) ] فوعد تعالى محبته ومغفرته [للذين] [ (2) ] اتبعوا الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وآثروه على أهوائهم وما تجنح إليه نفوسهم، قال الحسن: إن أقواما قالوا: يا رسول اللَّه، إنا نحب اللَّه، فأنزل اللَّه سبحانه وتعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الآية، وقيل إن كعب بن الأشرف وغيره قالوا: نحن أبناء اللَّه وأحباؤه، ونحن أشد حبا للَّه، فأنزل اللَّه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ الآية، وقال الزجاج: معناه إن كنتم تحبون اللَّه أن تقصدوا طاعته فافعلوا ما أمركم، إذ محبة العبد للَّه والرسول طاعته لهما ورضاه بما أمر، ومحبة اللَّه لهم عفوه عنهم وإنعامه عليهم برحمته، وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [ (3) ] ، فأمر تعالى الكافة بمتابعته صلى اللَّه عليه وسلّم، ووعدهم الاهتداء باتباعه لأنه اللَّه تعالى أرسله بالهدى ودين الحق ليزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويهديهم إلى صراط مستقيم. وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية، أي ينقادون لحكمك، يقال: سلم واستسلم وامتثل إذا انقاد، فجعل تعالى صحة إيمان خليقته بانقيادهم له صلى اللَّه عليه وسلّم ورضائهم بحكمه وترك الاعتراض عليه. وقال سهل في قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [ (4) ] قال: بمتابعة السنة. وخرج أبو داود من حديث ثور بن يزيد قال: حدثني خالد بن معدان قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن
سارية [ (1) ] وهو ممن نزل فيه: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [ (2) ] ، فتكلمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة تامة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول اللَّه [كأن] [ (3) ] هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا، فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ...
ضلالة [ (1) ] . وأخرجه الترمذي [ (2) ] وقال: حديث حسن صحيح. وخرج بقي بن مخلد من حديث زيد بن الجناب عن معاوية بن صالح قال: حدثني الحسن بن جابر أنه سمع المقدام بن معديكرب يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يوشك برجل متكئ على أريكته يحدث بحديثي يقول: بيننا وبينكم كتاب اللَّه،
وما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول اللَّه مثل ما حرم اللَّه [ (1) ] . وخرج البخاري في كتاب الأدب [ (2) ] وفي كتاب الاعتصام [ (3) ] من حديث الأعمشي، حدثنا مسلم عن مسروق [قال] [ (4) ] : قالت عائشة رضي اللَّه عنها: صنع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم شيئا [فرخص] [ (5) ] فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فخطب فحمد
اللَّه ثم قال: [ما بال] [ (1) ] أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فو اللَّه إني لأعلمهم باللَّه وأشدهم [له] [ (1) ] خشية. وخرجه مسلم بنحوه أو قريب منه [ (2) ] . وخرج الترمذي من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن
عبد اللَّه بن يزيد عن عبد اللَّه بن عمرو [بن العاص] [ (1) ] رضي اللَّه [عنهما] [ (2) ] قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية [ليكوننّ] [ (3) ] في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، [وستفترق] [ (4) ] أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا من هي يا رسول اللَّه؟ قال: [من كان على] [ (5) ] ما أنا عليه وأصحابي. قال أبو عيسى: هذا حديث مفسّر غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه [ (6) ] . قال الترمذي: الإفريقي ضعيف عند أهل الحديث،
ضعفه يحى بن سعيد القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي. وخرج الترمذي من حديث محمد بن عبد اللَّه الأنصاري عن أبيه عن علي بن زيد عن سعيد بن [المسيب] [ (1) ] قال: قال أنس بن مالك رضي اللَّه عنه: قال [لي] [ (2) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل، ثم قال لي: يا بني، وذلك من سنتي ومن [أحيا] [ (3) ] سنتي فقد [أحياني] [ (4) ] ومن [أحياني] [ (5) ] كان معي في الجنة - وفي الحديث قصة طويلة- قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ومحمد بن عبد اللَّه الأنصاري ثقة، وأبوه ثقة، وعلي بن زيد صدوق إلا أنه [ربما] [ (6) ] يرفع الشيء الّذي يوقفه
غيره. [قال] [ (1) ] : وسمعت محمد بن بشار يقول: قال أبو الوليد: قال شعبة: [أخبرنا] [ (1) ] علي بن زيد وكان رفاعا، ولا يعرف لسعيد بن المسيب [عن أنس] [ (2) ] رواية إلا في هذا الحديث بطوله. وقد روى عباد [بن ميسرة] [ (3) ] المقبري هذا الحديث عن علي بن زيد عن أنس ولم يذكر فيه عن سعيد بن المسيب، قال أبو عيسى: وذاكرت محمد بن إسماعيل [ولم] [ (4) ] يعرفه، ولم يعرف لسعيد بن المسيب، عن أنس هذا الحديث ولا غيره، ومات أنس [بن مالك] [ (5) ] سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين، مات سنة خمس وتسعين واللَّه أعلم [ (6) ] .
ومخالفة أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وتبديل سنته ضلال وبدعة، يوعد اللَّه تعالى على ذلك بالخذلان والعذاب، قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (1) ] ، وقال: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً [ (2) ] . والآثار المسندة والموقوفة أيضا كثيرة جدا وفي استيعابها خروج عما نحن بصدده، وفيما أوردته كفاية إن شاء اللَّه تعالى، واللَّه سبحانه وتعالى الموفق بمنه. ***
وأما أمر الكافة بالتأسي به قولا وفعلا
وأما أمر الكافّة بالتّأسي به قولا وفعلا فقال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ [ (1) ] ، فأمر تعالى بالتأسي به صلى اللَّه عليه وسلّم أمرا مطلقا، لم يستثن من التأسي به شيئا بخلاف أمره تعالى بالتأسي بإبراهيم عليه [السلام] [ (2) ] ، فإنه استثنى بالتأسي به، قال تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ [ (3) ] ، فحثّ تعالى المؤمنين أن يتأسوا بإبراهيم عليه السلام والذين معه من أنبياء اللَّه فيما ذكر تعالى، ثم استثنى من التأسي به استغفاره عليه السلام لأبيه، فنهى المؤمنين عن التأسي به في ذلك. قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ، قال: نهوا أن يتأسوا به في استغفاره لأبيه، فيستغفروا للمشركين. وقال مطرف عن مجاهد: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ إلى قوله: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ يقول تعالى: ائتسوا به في كل شيء ما خلا قوله لأبيه: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ فلا تأتسوا بذلك منه، فإنّها كانت عن موعدة وعدها إياه. وقال معمر عن قتادة: يقول: لا تأتسوا بذلك منه فإنه كان عليه موعدا، وتأسوا بأمره كله. وقال ابن وهب: قال ابن زيد: قول اللَّه تعالى: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ إلى قوله: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ قال: يقول: ليس لكم في هذه أسوة. وقال محمد بن علي الترمذي: الأسوة في الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته في قول أو فعل. وقال الإمام محمد بن عمر الرازيّ: اختلفوا في أن فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بمفرده،
هل يدل على حكم في حقنا أم لا؟ على أربعة أقوال: أحدها: أنه للوجوب وهو قول ابن شريج وأبي سعيد الاصطخري، وأبي على ابن خيران. وثانيها: أنه للندب ونسب ذلك إلى الشافعيّ رحمه اللَّه. وثالثها: أنه للإباحة وهو قول مالك رحمه اللَّه. ورابعها: أنه يتوقف على الكل، وهو قول الصيرفي وأكثر المعتزلة، وهو المختار لنا، إنا إذا جوّزنا في ذلك الفعل أن يكون ذنبا له ولنا، وحينئذ لا يجوز لنا فعله، وإن لم نجوز الذنب عليهم جوزنا كونه مباحا ومندوبا وواجبا، وبتقدير أن يكون واجبا جوزنا أن يكون ذلك من خواصه، وأن لا يكون، ومع احتمال هذه الأقسام امتنع الجزم بواحد منها، واحتج القائلون بالوجوب بالقرآن والإجماع والمعقول، أما القرآن: فسبع آيات. [أولها] : قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، والأمر حقيقة الفعل، والتحذير عن مخالفة فعله يقتضي وجوب موافقة فعله. وثانيها: قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، وهذا يجري مجرى الوعيد فيمن ترك التأسي به، ولا معنى للتأسي إلا أن يفعل الإنسان مثل فعله. وثالثها: قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ، وظاهر الأمر للوجوب، والمتابعة هي الإتيان بمثل فعله. ورابعها: قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي، دلت الآية على أن محبته تعالى مستلزمة للمتابعة، لكن المحبة واجبة بالإجماع، ولازم الواجب واجب، فمتابعه واجبة. وخامسها: قوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، فإذا فعل فعلا فقد أتانا بالفعل، فوجب علينا أن نأخذه. وسادسها: قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ ... ،
دلت الآية بإطلاقها على وجوب طاعة الرسول، والآتي بمثل ما فعله الغير لأجل أن ذلك الغير فعله طائع لذلك الغير، فوجب أن يكون ذلك واجبا. وسابعها: قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها [ (1) ] ، بين أنه تعالى إنما زوجه لها ليكون حكم أمته مساويا لحكمه في ذلك وهو المطلوب. وأما الإجماع فلأن الصحابة بأجمعهم اختلفوا في الغسل بالتقاء الختانين، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: فعلته أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاغتسلنا، فرجعوا إلى ذلك، وإجماعهم على الرجوع حجة، وهو المطلوب. وإنما كان ذلك لفعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقد أجمعوا ها هنا على أن مجرد الفعل للوجوب، ولأنهم واصلوا الصيام لما واصل، وخلعوا نعالهم لما خلع، وأمرهم عام الحديبيّة بالتحلل فتوقفوا، فشكا ذلك إلى أم سلمة رضي اللَّه عنها فقالت: اخرج إليهم فاحلق واذبح، ففعل، فحلقوا وذبحوا مسارعين، وأنه خلع خاتمه فخلعوا، وأن عمر رضي اللَّه عنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول اللَّه يقبلك لما قبلتك، وأما خلع الخاتم فهو مباح، فلما خلع أحبوا موافقته لا لاعتقادهم وجوب ذلك عليهم. والجواب عن الوجه الأول من المعقول أن الاحتياط إنما يصار إليه إذا خلا عن الضرر قطعا، وها هنا ليس كذلك لاحتمال أن يكون ذلك الفعل حراما، وإذا احتمل الأمران لم يكن المصير إلى الوجوب احتياطا. وعن الثاني إن ترك الإتيان بمثل ما يأتي به الملك العظيم قد يكون تعظيما، ولذلك يقبح من العبد أن يفعل كل ما يفعله سيده، واحتج القائلون بالندب بالقرآن والإجماع والمعقول. أما القرآن: فقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فلو كان التأسي به واجبا لقال عليه، ولما لم يقل ذلك وقال لكم دل على عدم الوجوب، ولما أثبت الأسوة دل على رجحان جانب الفعل على الترك، فلم يكن
مباحا. وأما الإجماع: فهو أنا رأينا أهل الأمصار متطابقين على الاقتداء في الأفعال بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، وذلك يدل على انعقاد الإجماع على أنه يفيد الندب. وأما المعقول: فهو أنه يفيد أن فعله إما أن يكون راجح العدم أو مساوي العدم أو مرجوح العدم، والأول باطل لما ثبت أنه لا يوجد منه الذنب، والثاني باطل ظاهر، لأن الاشتغال به عبث، والعبث مزجور عنه لقوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [ (1) ] ، فتعين الثالث، وهو أن يكون مرجوح العدم. ثم لما تأملنا أفعاله صلى اللَّه عليه وسلّم وجدنا بعضها مندوبا وبعضها واجبا، والقدر المشترك هو رجحان جانب الوجوب وعدم الوجوب ثابت بمقتضى الأصل، فأثبتنا الرجحان مع عدم الوجوب. والجواب عن الأول ما تقدم: أن التأسي في إيقاع الفعل على الوجوب الّذي أوقعه، فلو فعله واجبا أو مباحا وفعلناه مندوبا لما حصل التأسي. وعن الثاني أنا لا نسلم أنهم استدلوا بمجرد الفعل، فلعلهم وجدوا مع الفعل قرائن أخر. وعن الثالث: لا نسلّم أن فعل المباح عبث، لأن العبث هو الخالي عن العرض، وإذا حصل في المباح منفعة ناجزة لم يكن عبثا، بل من حيث النفع به خرج عن العبث، فلم قلتم بأنه خلّى عن العرض، ثم حصول العرض في التأسي بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم متابعته في أفعاله بيّن، فلا يعد من أقسام العبث. واحتج القائلون بالإباحة بأنه لما ثبت أنه لا يجوز صدور الذنب منه صلى اللَّه عليه وسلّم ثبت أن فعله لا بد وأن يكون مباحا أو مندوبا أو واجبا، وهذه الأقسام الثلاثة مشتركة في رفع الحرج عن الفعل، فأما رجحان جانب الفعل يثبت على وجوده دليلا لأن الكلام فيه، وثبت على عدمه دليل، لأن هذا الرجحان كان معدوما، والأصل
في كل شيء بقاؤه، فقد ثبت بهذا أنه لا حرج في فعله قطعا، ولا رجحان في فعله ظاهرا، فهذا الدليل يقتضي في كل أفعاله صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون مباحا ترك العمل به في الأفعال التي كونها واجبة أو مندوبة، فبقي معمولا به في الباقي، وإذا ثبت كونه مباحا ظاهرا وجب أن يكون في حقنا كذلك، للآية الدالة على وجوب التأسي ترك العمل به فيما إذا كان من خواصه، فبقي معمولا به في الباقي. والجواب هنا: أنه في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم كذلك، فلم يجب أن يكون في حق غيره كذلك؟ واللَّه أعلم. قال جمهور الفقهاء والمعتزلة: التأسّي واجب، ومعنى ذلك أنا إذا علمنا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فعل فعلا على وجه الوجوب فقد تعبدنا أن نفعله على وجه الوجوب، وإن علمنا أنه مستقل به كنا متعبدين بالتنفل به، وإن علمنا أنه فعله على وجه الإباحة كنا متعبدين باعتقاد إباحته، وجاز لنا أن لا نفعله. وقال أبو على بن خلاد- تلميذ أبي هاشم من المعتزلة-: نحن متعبدون بالتأسي به في العبادات دون غيرها كالمناكحات والمعاملات، ومن الناس من أنكر ذلك في الكل، احتج أبو الحسن بالقرآن والإجماع. أما القرآن فقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ والتأسي بالغير في أفعاله هو أن يفعل على الوجه الّذي فعل ذلك الغير، ولم يفرق اللَّه تعالى بين أفعال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا كانت مباحة أو لم تكن مباحة. وأما الإجماع: فهو أن السلف رجعوا إلى أزواجه صلى اللَّه عليه وسلّم في قبلة الصائم، وفي من أصبح جنبا لم يفسد صومه، وفي تزويج النبي ميمونة رضي اللَّه عنها وهو حرام، وذلك يدل على أن أفعاله لا بد من أن يمتثل بها في طريقه. ولقائل أن يقول: على الدليل الأول، الأمر يفيد التأسي به مرة واحدة، كما أن قول القائل لغيره: لك في الدار ثوب حسن، يفيد ثوبا واحدا، فإن قلت: هذا إن ثبت تم عرضا من التعبد بالتأسي به صلى اللَّه عليه وسلّم في الجملة، ولأنه يفيد إطلاق كون الشيء أسوة لنا، ولا يطلق وصف الإنسان بأنه أسوة لزيد إلا إذا لم يجز لزيد وصف أن يتبعه إلا في واحد، وإنما يطلق ذلك أن لو كان ذلك الإنسان لزيد قدوة يهتدي به في
أموره كلها ما خصه الدليل. قلت: الجواب عن الأول: أن أحدا لا ينازع في التأسي به صلى اللَّه عليه وسلّم في الجملة، لأنه لما قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم، فقد أجمعوا على وقوع التأسي به، والآية ما دلت إلا على المرة الواحدة، فكان التأسي به صلى اللَّه عليه وسلّم في هذه الصورة كافيا في العمل بالآية، لا سيما والآية إنما وردت على صيغة الإخبار عما مضى، وذلك يكفي فيه وقوع التأسي به فيما مضى. والجواب عن الثاني: أنك إن أردت أنه لا يصح إطلاق اسم الأسوة إلا إذا كان أسوة في كل شيء فهو ممنوع، ثم يدل على فساده وجهان: الأول: أنه من يعلم من إنسان نوعا واحدا من العلم يقال له: إن لك في فلان أسوة حسنة في كل شيء، ويقال لك في فلان أسوة حسنة في هذا الشيء دون ذاك ولو اقتضى اللفظ العموم لكان الأول تكرار، والثاني نقصا، وإن أردت أنه يصح إطلاق اسم الأسوة إذا كان أسوة في بعض الأشياء فهذا مسلّم، ولكنه صلى اللَّه عليه وسلّم أسوة لنا في أقواله وأفعاله التي أمرنا بالاقتداء بها كقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي، وخذوا عني مناسككم» . والجواب عن الحجة الثانية: أن قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ يطلق في الاتباع فلا يفيد العموم في كل الاتباعات، والأمر لا يقتضي التكرار، فلا يفيد العموم في كل الأزمنة، فإن قلت: ترتب الحكم على الاسم يشعر بأن المسمى علة لذلك الحكم، فماهية المتابعة علة الأمر بها، قلت: فعلى هذا لو قال السيد لعبده: اسقني، يلزمه أن يكون أمرا له يجمع أنواع السقي في كل الأزمنة، وفي هذه الأمثلة كثرة، وما ذكرناه في فساد ما قالوا، وأما الإجماع فقد سبق الكلام عليه، قال: لما عرفت أن التأسّي مطابقة المتأسّى به في الوجه وجب معرفة الوجه الّذي عليه وقع فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وهو ثلاثة: الندب والإباحة والوجوب. أما الإباحة فتعرف بطرق أربعة: أحدها: أن ينص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على أنه مباح. وثانيها: أن تقع امتثالا لأنها دالة على الإباحة.
وثالثها: أن تقع بيانا لأنها دالة على الإباحة. ورابعها: أنه لما ثبت أنه لا ندب ثبت أنه لا حرج عليه في ذلك الفعل، ويعرف نفي كيفية الوجوب والندب بالبقاء على الأصل، فحينئذ نعرف كونه مباحا. أما الندب فيعرف بتلك الثلاثة الأدلة مع أربعة أخرى. أحدها: أن يعلم من قصده صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قصد القربة بذلك الفعل، فيعلم أنه راجح الوجود، ولم يعرف انتفاء الوجوب بحكم الاستصحاب فيثبت الندب. وثانيها: أن ينص على أنه كان مخيّرا بين ما فعل وبين فعل ما ثبت أنه ندب، لأن التخيير لا يقع بين الندب وبين ما ليس بندب. وثالثها: أن يقع قضاء لعبادة كانت مندوبة. ورابعها: أن يداوم على الفعل ثم يخل به من غير نسخ، فيكون إدامته صلى اللَّه عليه وسلّم دليلا على كونه طاعة، وإخلاله به من غير نسخ دليل على عدم الوجوب. وأما الوجوب، فيعرف بتلك الثلاثة الأول مع خمسة أخرى: أحدها: الدلالة على أنه كان مخيرا بينه وبين فعل آخر قد ثبت وجوبه، لأن التخيير لا يقع بين الواجب وما ليس بواجب. وثانيها: أن يكون قضاء لعبادة ثبت وجوبها. وثالثها: أن يكون على وقوعه أمارة قد تقرر في الشريعة أنها أمارة الوجوب كالصلاة بأذان وإقامة. ورابعها: أن يكون جزاء الشرط موجب كفعل ما وجب نذره. وخامسها: أن يكون لو لم يكن واجبا لم يجز كالجمع بين الركوعين في الكسوف. قال: الفعل إذا عارضه معارض، فمعارض فعله صلى اللَّه عليه وسلّم إما أن [يكون] [ (1) ] قولا
أو فعلا، أما القول: فإما أن يعلم أن المقدم هو القول أو الفعل، ولا يعلم واحد منهما. أما القسم الأول: وهو أن يكون المتقدم هو القول والفعل المعارض إما أن يحصل عقيبه أو متراخيا عنه، فإن كان متعاقبا له فإما أن يكون القول متناولا له خاصة، أو لأمّته خاصة، أو له ولهم معا، لا يجوز أن يتناوله خاصة إلا على قول من يجوّز نسخ الشيء قبل حضور وقته، فإن تناول أمته خاصة وجب المصير إلى القول دون الفعل، وإلا لكان القول لغوا ولا يلغو الفعل لأن حكمه ثابت في الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم، وإن كان الخطاب يعمه وإياهم، ذلك فعله على أنه مخصوص من القول، وأمته داخلة فيه لا محالة وإن كان الفعل متراخيا عن القول، فإن كان القول عاما لنا وله صار مقتضاه منسوخا عنا وعنه، وإن تناول ما دونه كان ناسخا عنا دونه، لأن القول لم يتناوله، وإن تناوله دوننا كان منسوخا عنه دوننا، ثم يلزمنا مثل فعله لوجوب التأسي به. القسم الثاني: أن يكون هو الفعل، فالقول المعارض له إما أن يحصل عقيبه أو متراخيا عنه، فإن كان متعقبا: فإما أن يكون الفعل متناولا له خاصة، أو لأمنه خاصة، أو عاما فيه وفيهم، فإن كان متناولا له خاصة وقد كان الفعل المتقدم على لزوم مثله لكل مكلف في المستقبل فيصير ذلك القول المخصص به مخصصا له عن ذلك العموم، وإن كان متناولا لأمته خاصة، دل على أن حكم الفعل مختص به دون أمته، وإن كان عاما فيه وفيهم دلّ سقوط حكم الفعل عنه [و] [ (1) ] عنهم، وأما إن كان القول متراخيا عن الفعل، فإن كان القول متناولا له ولأمته فيكون القول ناسخا لحكم الفعل عنه وعن أمته، أو يتناول أمته دونه فيكون منسوخا عنهم دونه أو يتناوله دون أمته، فيكون منسوخا عنه دون أمته. القسم الثالث: إذا لم يعلم تقدم أحدهما على الآخر فهاهنا يقدم القول على الفعل ويدل عليه وجهان.
أحدهما: أن القول أقوى من الفعل، والأقوى راجح، إنما قلنا أنه موافى لأن دلالة القول تستغني على الفعل، ودلالة الفعل لا تستغني عن القول، والمستغني أقوى من المحتاج. والثاني: أنا نقطع بأن القول قد يتناولها، وأما الفعل فبتقدير أن [يتراخى] [ (1) ] كان متناولا لنا معلوم، وبتقدير أن يتناولنا [أو] [ (2) ] لا يتناولنا، وكون [الفعل] [ (2) ] متناولا لنا معلوم، وكون الفعل متناولا لنا مشكول، والمعلوم مقدم لنا [على] [ (2) ] المشكول. فرع: نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة، ثم جلس في البيت لقضاء الحاجة مستقبل بيت المقدس، فعند الشافعيّ- رحمه اللَّه- أن نهيه مخصوص بفعله حتى يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البيوت لكل أحد، وعند الكرخي: يجب إجراء النهي على إطلاقه في الصحراء والبنيان، وكان ذلك من خواص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وتوقف القاضي عبد الجبار في المسألة. وحجة الشافعيّ: أن النهي عام ومجموع الدليل الّذي يوجب علينا أن نفعل مثل فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم مع كونه مستقبل القبلة في البنيان عند قضاء الحاجة أخص من ذلك النهي، والخاص مقدم على العام، فوجب القول بالتخصيص، أما إذا كان الفعل للفعل فعلا آخر، فذاك على وجهين. الأول: أن يفعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فعلا فيعلم بالدليل أن غيره مكلف به ثم نراه بعد ذلك قد أقر الناس على فعل ضده، فنعلم أنه خارج منه. الثاني: إذا علمنا أن ذلك الفعل مما يلزم أمثاله للرسول صلى اللَّه عليه وسلّم في مثل تلك الأوقات ما لم يرد ناسخ، ثم يفعل صلى اللَّه عليه وسلّم ضده في مثل ذل الوقت، فنعلم أنه قد نسخ عنه. تنبيه: التخصيص والنسخ في الحقيقة إنما لحقا ما دلّ على أن ذلك الفعل لازم لغيره، فإنه لازم له في مستقبل الأوقات، وإنما يقال: أن ذلك الفعل قد لحقه
النسخ، يعني أنه قد زال التعبد بمثله، فإن التخصيص قد لحقه على معنى أن المكلفين لا يلزمهم مثله واللَّه أعلم. وأنه قال في جواب [من سأل] [ (1) ] أم سلمة رضي اللَّه عنها عن قبلة الصائم: ألا أخبرتيه أني أقبّل وأنا صائم، وأما المعقول فمن وجهين: الأول: أن الاحتياط يقتضي حمل الشيء على أعظم مراتبه، وأعظم مراتب فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون واجبا عليه وعلى أمته، فوجب حمله عليه ببيان الأول أن الاحتياط يتضمن دفع ضرر الخوف عن النفس بالكلية، ودفع الضرر واجب ببيان الثاني، أن أعظم مراتب الفعل أن يكون واجبا على الكل. الثاني: أنه لا نزاع في وجوب تعظيم الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم في الجملة، وإيجاب الإتيان بمثل فعله تعظيم له بدليل العرف، والتعظيمان مشتركان في هذا القدر من المناسبة، فيجمع بينهما بالقدر المشترك فيكون ورود الشرع بإيجاب ذلك التعظيم يقتضي وروده بأن يجب على الأمة الإتيان بمثل فعله، والجواب عن الأول: أنا لا نسلّم أن الأمر حقيقة في الفعل، فليس حمله على ذلك بأولى من حمله على هذا سلمناه، لكن هاهنا ما يمنع حمله على الفعل من وجهين: الأول أن تقدم ذكر الدعاء وذكر المخالفة، وذكر الدعاء يمنع منه، فإن الإنسان إذا قال لعبده: لا تجعل دعائي كدعاء غيري واحذر مخالفة أمري، فهم منه أنه أراد بالأمر القول الثاني، وهو أنه قد أريد به القول بالإجماع، ولا يجوز حمله على الفعل، إلا أن اللفظ المشترك لا يجوز حمله على معنييه سلمنا ذلك، ولكنها راجعة إلى اللَّه تعالى لأنه أقرب المذكورين، فإن قلت: القصد هو الحث على اتباع الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم لأنه تعالى قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (2) ] ، فحث بذلك على الرجوع إلى أقواله وأفعاله، ثم عقب ذلك بقوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [ (2) ] ، فعلمنا أنه حث بذلك على التزام ما كان دعاء اللَّه من الرجوع إلى أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وأيضا فلم لا يجوز الحكم بصرف الكناية إلى اللَّه والرسول؟ قلت: الجواب عن الأول صرف الضمير إلى اللَّه تعالى مؤكد لهذا الغرض أيضا، ولأنه لما حثّ على الرجوع إلى أقوال الرسول وأفعاله
ثم حذر عن مخالفة أمر اللَّه تعالى كان ذلك تأكيدا لما هو المقصود من متابعة الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم. وعن الثاني: أن الهاء كناية عن واحد، فلا يجوز عوده إلى اللَّه تعالى وإلى الرسول معا، سلمنا عود الضمير إلى الرسول فلم قلت أن الإتيان بمثل فعله مخالفة لأمره. فإن قلت يدل عليه أمران: الأول: أن المخالفة ضد الموافقة، لكن موافقة الغير هو أن يفعل مثل فعله، فمخالفته هو أن لا يفعل مثل فعله. الثاني: وهو أن المعقول من المختلفين هما اللذان لا يقوم أحدهما مقام الآخر، والعدم والوجود لا يقوم أحدهما مقام الآخر بوجه أصلا، فكانا في غاية المخالفة، فثبت أن عدم الإتيان بمثل فعله مخالف للإتيان بمثل فعله من كل الوجوه. قلت: هب أنها في أصل الوضع كذلك، لكنها في عرف الشرع ليست كذلك، ولهذا لا يسمى إخلال الحائض بالصلاة مخالفة للمسلمين، بل هي عبارة عن عدم الإتيان بمثل فعله إذا كان الإتيان به واجبا، وعلى هذا لا يسمى ترك مثل فعل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مخالفة إلا إذا فعله على الوجوب، وإذا بينا ذلك بهذا لزم الدور وهو محال. والجواب عن الثاني: لم قلتم أن الإتيان بمثل فعل الغير مطلقا يكون تأسيا به، بل عندنا كما يشترط في التأسي المساواة في الصورة يشترط فيه المساواة في الكيفية، حتى لو صام واجبا فتطوعنا بالصوم لم نكن متأسيين به، وعلى هذا لا يكون مطلق فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم سببا للوجوب في حقنا لأن فعله قد لا يكون واجبا فيكون فعلنا إياه على سبيل الوجوب قادحا في التأسي به. فالجواب عن الثالث: أن قوله تعالى: فَاتَّبِعُوهُ، إما أن لا يفيد العموم أو يفيد، فإن كان الأول سقط التمسك به، وإن كان الثاني فبتقدير أن لا يكون ذلك الفعل واجبا عليه وعلينا، وجب أن نعتقد فيه أيضا هذا الاعتقاد، فالحكم بالوجوب يناقضه، فوجب أن لا يتحقق، وهذا هو الجواب عن التمسك بقوله تعالى:
فَاتَّبِعُونِي [ (1) ] . والجواب عن الخامس: لا نسلّم أن قوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [ (2) ] يتناول الفعل، ويدل عليه وجهان. الأول: أن قوله تعالى: وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (2) ] على أنه عني بقوله: ما آتاكُمُ ما أمركم. الثاني: أن الإتيان إنما يتأتى بالقول لأنا نحفظه، وامتثاله يصير كأننا أخذناه، فكأنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطاناه. والجواب عن السادس: أن الطاعة هي الإتيان بالمأمور به أو بالمراد على اختلاف المذهبين، فلم قلت: أن مجرد فعل الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم يدل على أنّا أمرنا بمثله أو أريد منا مثله؟ والجواب عن الإجماع من وجوه. الأول: أن هذه آحاد ولا تفيد العلم، ولهم أن يقولوا: هب أنها تفيد الظن، لكن ما حصل ظن كونه دليلا ترتب عليه ظن ثبوت الحكم، فيكون العمل به دافعا للضرر المظنون فيكون واجبا، إلا أن أكثر هذه الأخبار واردة في الصلاة والحج، فلعله صلى اللَّه عليه وسلّم كان قد بين لهم أن شرعه وشرعهم سواء في هذه الأمور، قال صلى اللَّه عليه وسلّم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وعليه خرج مسألة التقاء الختانين [ (3) ] ، وقال: «خذوا عني مناسككم» ، وعليه يقبل عمر رضي اللَّه عنه الحجر، وقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي» . وأما عن الوصال [ (4) ] : فإنّهم ظنوا لما أمرهم بالصوم واشتغل معهم به أنه قصد بفعله بيان الواجب، فرد عليهم ظنهم وأنكر عليهم الموافقة. وأما خلع النعل: فلا نعلم أنهم فعلوا ذلك واجبا، وأيضا لا يمتنع أن يكونوا
لما رأوه قد خلع نعله مع قوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ (1) ] ظنوا أن خلعها مأمور به غيرهم، لأنه لو كان مباحا ما ترك له المستنون في الصلاة على أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال لهم: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: لأنك خلعت نعلك، فقال: إن جبريل أخبرني أن فيهما أذى، فبين بهذا أنه ينبغي أن يعرفوا الّذي وقع عليه فعله صلى اللَّه عليه وسلّم ثم يتبعوه، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. ***
وأما اقتران اسم النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله تعالى
وأما اقتران اسم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم باسم اللَّه تعالى فإنه سبحانه قرن اسمه تعالى باسمه صلى اللَّه عليه وسلّم في كتابه العزيز عند ذكر طاعته ومعصيته، وفرائضه وأحكامه، ووعده ووعيده، قال اللَّه تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (1) ] ، وقال: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا [ (2) ] ، وقال: يُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [ (3) ] ، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (4) ] ، وقال: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [ (5) ] ، وقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (6) ] ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (7) ] ، وقال: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (8) ] ، وقال: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (9) ] ، وقال: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ [ (10) ] ، وقال: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (11) ] ، وقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (12) ] ، وقال: وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [ (13) ] ، [وقال] : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (6) ] ، وقال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (7) ] ، وقال: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (8) ] ، وقال: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (9) ] ، وقال: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ [ (10) ] ، وقال: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (11) ] ، وقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (12) ] ، وقال: وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [ (13) ] ، [وقال] : وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (14) ] ، وقال: قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [ (15) ] ، وقال: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [ (16) ] ، وقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ [ (17) ] ، وقال: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [ (18) ] ، وقال: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] ، وقال: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (2) ] ، وقال: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ [ (3) ] ، فقرن تعالى اسمه الكريم باسم رسوله محمد في جميع الأحكام والأصول، تعظيما لقدره وتشريفا له على غيره صلى اللَّه عليه وسلّم. ***
وأما تقدم نبوته صلى الله عليه وسلم قبل تمام خلق آدم عليه السلام
وأما تقدم نبوته صلى اللَّه عليه وسلّم قبل تمام خلق آدم عليه السلام فخرج الترمذي من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قالوا: يا رسول اللَّه! متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد [ (1) ] ، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه، هذا آخر كلام الترمذي. وقد رواه عباد بن جويرية عن الأوزاعي مرسلا، واختلف على الوليد بن مسلم فيه، فرواه بعضهم عنه مرسلا، ورواه بعضهم عنه فأسنده كما تقدم ذكره. ولأبي نعيم من حديث إبراهيم بن طهمان عن بديل عن ميسرة، عن عبد اللَّه بن شقيق عن ميسرة الفجر قال: متى كنت يا رسول اللَّه نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد [ (1) ] . وله من حديث حجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن عبد اللَّه بن شقيق عن رجل أنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. كذا رواه حماد ولم يسم ميسرة، وتابعه عليه عن خالد الحذاء وهب بن خالد [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث عمرو بن واقد، عن عروة بن رويم [ (2) ] ، عن الصنابجي قال عمر رضي اللَّه عنه: متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم منجدل في الطين. وله من حديث نصر بن مزاحم، حدثنا قيس بن الربيع عن جابر عن الشعبي،
عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قيل: يا رسول اللَّه! متى كنت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. تفرد به نصر بن مزاحم. وله من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن سعيد بن سويد، عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إني عبد اللَّه في أم الكتاب وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. وفي رواية: أنا عبد اللَّه خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. وفي رواية: إني عبد اللَّه مكتوب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته. وفي رواية: إني عبد اللَّه لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته [ (1) ] . وخرجه الحاكم من حديث عثمان بن سعيد الدارميّ قال: قلت لأبي اليمان: حدثك أبو بكر بن أبي مريم الغساني عن سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية السلمي قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إني عبد اللَّه في أول الكتاب بخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسآتيكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي بي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث سعيد عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث [ (3) ] . وفي الصحيحين [ (4) ] من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة» الحديث. وله طرق [ (1) ] ، قال أبو نعيم: وكان صلى اللَّه عليه وسلّم آخرهم في البعث، وبه ختمت النبوة، وهو
السابق يوم القيامة لأنه أول مكتوب في النبوة، ففي هذا الخبر الفضيلة العظيمة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، لما أوجب اللَّه تعالى له النبوة قبل تمام خلق آدم الّذي هو أبو البشر، ويحتمل أن يكون هذا الإيجاب هو ما أعلم اللَّه ملائكته ما سبق في علمه وقضائه من بعثته صلى اللَّه عليه وسلّم في آخر الزمان، فمن حاز هذه الفضيلة حق له الصبر على مواصلة الدعوة واحتمال الأذية ممن ردها، وإعظام من قبلها، واستفراغ الوسع في احتمال كل عارض وشدة وبلوى تعرض دون إقامتها، إذ الفضيلة سابقة على فضائل من تقدمه من الأنبياء في العهد والخلق الأول. وقال بعض العارفين باللَّه: لما خلق اللَّه الأرواح المدبرة للأجسام عند حركة الفلك أول ما خلق الزمان بحركته، كان أول ما خلق روح محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم صدرت الأرواح الفلكية عن الحركات الفلكية، فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة، وأعلمه اللَّه بنبوته، وآدم لم يكن إلا كما قال بين الماء والطين، فاقتضى قوله: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» أن يكون وجوده حقيقة، فإنه لا يكون العدم بين أمرين موجودين لانحصاره، والمعدوم لا يوصف بالحصر في شيء، ثم انتهى الزمان في حقه عليه السلام إلى وجود جسمه وارتباط الروح به، فظهر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم بكليته جسما وروحا، فكان له الحكم أولا باطنا في جميع ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل عليهم السلام، ثم صار له الحكم ظاهرا فنسخ كل شرع وإن كان المشرع واحدا، وهو صاحب الشرع، فإنه قال: «كنت نبيا» ..،
ما قال: كنت إنسانا، ولا كنت موجودا، وليست النبوة إلا بالشرع المقرر من عند اللَّه، فأخبر أنه صاحب النبوة قبل وجود الأنبياء في الدنيا كما تقرر فيما تقدم، فكانت استدارته إليها دورته بالاسم الباطن، وابتداء دورة أخرى بالاسم الظاهر، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللَّه السموات والأرض» [ (1) ] ،
يعني في نسبة الحكم لنا ظاهرا كما كان في الدورة الأولى منسوبا إلينا باطنا، وإن كان في الظاهر منسوبا لمن نسب إليه من الأنبياء، ولما كانت العرب تنسئ [ (1) ] في الشهور فترى المحرّم منها حلالا والحلال منها محرّما، جاء محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم برد الزمان إلى أصله الّذي حكم إليه به عند خالقه، فبين الحرم من الشهور على حد ما خلقها اللَّه
عليه، فلهذا قال: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السموات والأرض» ، كذلك استدار الزمان فأظهر محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم جسما وروحا، فنسخ [ (1) ] من شرعه المتقدم ما أراد أن ينسخ منه. وأبقى ما أراد اللَّه أن يبقى عليه، وذلك النّسخ في الأحكام لا في الأصول، ولما كان ظهوره صلى اللَّه عليه وسلّم [بالميزان] [ (2) ] وهو العدل في الكون وهو معتدل حار رطب كان زمان ملته متصلا بالآخرة، وكان العلم في أمته أكثر مما كان. في الأوائل، وأعطي صلى اللَّه عليه وسلّم علم الأولين وعلم الآخرين، فكان الكشف في هذه الأمة
أكثر مما كان في غيرها، لغلبة البرد واليبس على سائر الأمم قبلنا، وإن كانوا أذكياء وعلماء فآحاد مهم معينون بخلاف الأمة المحمدية، ألا ترى كيف ترجمت هذه الأمة جميع علوم الأمم، ولو لم يكن المترجم عالما بالمعنى الّذي دل عليه لفظ المتكلم به لما صح أن يكون مترجما، ولا كان ينطبق على ذلك اسم الترجمة، فقد علمت هذه الأمة علم من تقدم، واختصت بعلوم لم تكن للمتقدمين، ولهذا أشار صلى اللَّه عليه وسلّم بقوله: «فعلمت علم الأولين» ، وهم الذين تقدموه، ثم قال: «وعلم الآخرين» ، وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين، وهو ما تعلمته أمته من بعده إلى يوم القيامة، فقد أخبر عليه السلام أن عندنا علوما لم تكن قبل، فقد ثبت له صلى اللَّه عليه وسلّم السيادة في الدنيا في العلم، وثبت له أيضا السيادة في الحكم حيث قال: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» ، وتبين ذلك عند نزول عيسى عليه السلام، وحكمه فينا بالقرآن، فصحّت لنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى. ثم أثبت له السيادة على سائر الناس يوم القيامة بفتحه باب الشفاعة، ولا يكون ذلك [لنبي في [ (1) ] يوم القيامة] إلا له صلى اللَّه عليه وسلّم، فقد شفع صلى اللَّه عليه وسلّم في الرسل والأنبياء أن تشفع، نعم، وفي الملائكة، فأذن اللَّه تعالى عند شفاعته عليه السلام في ذلك لجميع من له شفاعة من ملك ورسول ونبي ومؤمن أن يشفع، فهو صلى اللَّه عليه وسلّم أول شافع بإذن اللَّه تعالى، وأرحم الراحمين، أخرج من النار من لم يعمل خيرا قط كما ورد في الحديث الصحيح، فأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم الراحمين، وآخر الدائرة متصل بأولها، ولا شرف أعظم من شرف محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، حيث كان ابتداء الأشياء، وبه كملت، وما أعظم شرف المؤمن حيث ثلث شفاعته بشفاعة أرحم الراحمين، فلا دائرة أوسع من دائرة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فإن له الإحاطة-[ولأمته بحكم التبعية فلها الاحاطة] [ (2) ]- بسائر الأمم، ولذلك كانوا شهداء على الناس [ (3) ] .
[وأعطى] [ (1) ] اللَّه محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم ما لم يعط غيره، فمن ذلك القرآن لم يبدل [ولم يحرف] [ (2) ] ، ولا نسخت شريعته بل ثبتت محفوظة، واستقرت بكل عين ملحوظة، يستشهد بها على كل طائفة، وخصّ صلى اللَّه عليه وسلّم بعلم الأولين والآخرين، وبالتؤدة والرّفق والرحمة وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [ (3) ] ، وما غلظ على من غلظ إلا بالأمر الإلهي حين قيل له جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [ (4) ] ، فصحت له السيادة على العالم بما تقرر، فإنه لم يحصل لغيره. قال تعالى: يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ [ (5) ] ، وقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (6) ] ، فلذلك ثبت القرآن ولم يحرف، وكذا علمه الإحاطي لم يكن لغيره ممن تقدمه. ومما خص به: السيف الّذي بعث به، وقتال الملائكة معه، فإن ذلك لم يكن لغيره، وهو من رتبة الكمال، وبعث من قوم ليس لهم همّ إلا في قرى الضيفان ونحر الجزور، والقتال الدائم الّذي لم يكن في غيرهم من الناس، وبهذا ولهذا كانوا يتمدحون كما هو معروف في أشعارهم، ولا خفاء عند كل أحد بفضل العرب على العجم بالكرم والشجاعة، وإن كان في العجم كرماء وشجعان كما في العرب بخلاء وجبناء لكن آحاد، والكلام يقع في الغالب لا في النادر، فهذا أمر لا ينكره أحد. ومما اختص به صلى اللَّه عليه وسلّم أنه حببت إليه النساء [ (7) ] ، فإن حبهن بكون اللَّه تعالى حببهن إليه، فكان يحبهن. ومن سنته النكاح لا التبتل، وجعل النكاح عبادة، وحبب إليه أيضا الطيب [ (7) ] .
واختص أيضا بإعجاز القرآن، وأعطي جوامع الكلم، ولم يعط ذلك نبي قبله، واعطي كما قال: ستا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبله: بعث إلى الناس كافة فعمت رسالته، ونصر بالرعب، وأحلت له ولأمته الغنائم، وجعلت له ولأمته الأرض مسجدا وتربتها طهورا، ومما خصّ به أن أعطاه اللَّه مفاتيح خزائن الأرض، وخصّه بصورة الكمال فكملت به الشرائع وكان خاتم الأنبياء، ولم يكن ذلك
لغيره [ (1) ] .
فبهذا وأمثاله انفرد بالسيادة الجامعة للسيادات كلها، والشرف المحيط الأعم صلى اللَّه عليه وسلّم. وكان من رتبة الكمال الّذي اختص به عليه السلام في جميع أموره: الكمال في [العبوديّة] [ (1) ] فكان عبدا صرفا لم تقم بذاته ربانية على أحد، وهي التي أوجبت له السيادة، وهي الدليل على شهوده على الدوام، وقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: «كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يذكر اللَّه على كل أحيانه» ، وهو أمر يختص بباطن الإنسان وقوله، وقد يظهر خلاف ذلك بأفعاله مع تحققه بالمقام، فيلتبس على من لا معرفة له بالأحوال. واللَّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ***
ذكر التنويه [1] بذكر رسول صلى الله عليه وسلم من زمن آدم عليه السلام
ذكر التنويه [ (1) ] بذكر رسول صلى اللَّه عليه وسلّم من زمن آدم عليه السلام فخرج الحاكم من حديث عمر بن أوس الأنصاري، حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: «أوحى اللَّه إلى عيسى: يا عيسى، آمن بحمد ومن أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلق آدم، ولولا محمد ما خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه لا إله إلا اللَّه فسكن [ (2) ] » قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد. وذكر إبراهيم بن طهمان [ (3) ] عن بديل بن ميسرة عن عبد اللَّه بن شقيق عن
ميسرة قال: قلت: يا رسول اللَّه، متى كنت نبيا؟ قال: لما خلق اللَّه الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وخلق العرش، كتب على ساق العرش: محمد رسول اللَّه، خاتم الأنبياء، وخلق اللَّه الجنة التي أسكنها آدم وحواء، وكتب على أبوابها اسمي، والأوراق والقباب والختام وآدم بين الروح والجسد، فلما أحياه اللَّه نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره اللَّه تعالى أنه سيد ولدك، فلما غرهما الشيطان تابا واستشفعا باسمي إليه. وخرج الطبراني من حديث عبد اللَّه بن مسلم، حدثنا إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «لما أصاب آدم الخطيئة رفع رأسه فقال: يا رب، بحق محمد صلى اللَّه عليه وسلّم إلا غفرت لي، فأوحى اللَّه إليه: وما محمد، ومن محمد؟ فقال: يا رب، إنك لما أتممت خلقي رفعت رأسي إلى عرشك فإذا عليه مكتوب: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك إذ قرنت اسمه مع اسمك، فقال: نعم، قد غفرت لك، وهو آخر الأنبياء من ذريتك، ولولاه ما خلقتك. قال البيهقي:
تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه عنه، وهو ضعيف [ (1) ] . قال كاتبه: هو أبو زيد عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، مولى عمر بن الخطاب، ضعّفه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال ابن عدي: له أحاديث حسان، وهو ممن احتمله وصدقه بعضهم، وهو ممن يكتب حديثه. وخرجه الحاكم من حديث عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن جده عن عمر بنحو أو قريب منه، ثم قال: حديث صحيح الإسناد. وروى أبو بكر بن أبي الدنيا من حديث سعيد بن جبير أنه قال: اختصم ولد آدم أي الخلق أكرم علي اللَّه تعالي؟ فقال بعضهم: آدم خلقه اللَّه بيده وأسجد له ملائكته، وقال آخرون: بل الملائكة الذين لم يعصوا اللَّه، فذكروا ذلك لآدم، فقال: لما نفخ في الروح لم يبلغ قدمي حتى استويت جالسا، فبرق لي العرش، فنظرت فيه: محمد رسول اللَّه، فذاك أكرم الخلق علي اللَّه. وروى الحسين بن [علي] بن أبي طالب مرفوعا: أهل الجنة ليست لهم كني إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد توقيرا وتعظيما. وقال محمد بن عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة: حدثني عبد الرحمن بن عبد المنعم عن أبيه عن وهب قال: أوحي اللَّه تعالي إلي آدم عليه السلام: أنا اللَّه، وبكة [ (2) ] أهلها خيرتي، وزوارها وفدي كنفي، أعمر [بيتي] [ (3) ] بأهل السماء وأهل الأرض، يأتونه أفواجا شعثا غبرا، يعجون بالتكبير عجيجا، ويرجون بالتلبية رجيجا، ويثجون بالبكاء ثجا، فمن اعتمره لا يريد غيره فقد زارني وضافني، ووفد إليّ، ونزل بي، وحق لي أتحفه بكرامتي، أجعل ذاك البيت وذكره وشرفه ومجده وسناه لنبي من ولدك يقال له إبراهيم، أرفع له قواعده، وأقضي علي يديه عمارته، وأبسط له سقايته، وأريه حله وحرمه،
وأعلمه مشاعره، ثم تعمره الأمم والقرون حتى ينتهي إلي بني من ولدك يقال له محمد، وهو خاتم النبيين، فأجعله من سكانه وولاته وحجابه وسقاته، ومن سألك عني يومئذ فأنا الشعث الغبر الموفين بنذورهم، المقبلين إلي ربهم. وقال سعيد بن عمرو الأنصاري عن أبيه عن كعب الأحبار قال: لما أراد اللَّه أن يخلق محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم أمر جبريل فأتاه بالقبضة التي هي موضع قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فعجنت بماء التسنيم، وثم غمست في أنهار الجنة وطيف بها في السموات والأرض، فعرفت الملائكة محمدا وفضله قبل أن تعرف آدم، ثم كان نور [محمد] [ (1) ] يرى في غرة جبهة آدم، وقيل له يا آدم، هذا سيد ولدك من المرسلين، فلما حملت [حواء] [ (2) ] بشيث انتقل النور من آدم إلي [حواء] [ (2) ] ، وكانت تلد في كل بطن ولدين إلّا شيثا فإنه ولدته وحده كرامة لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم لم [يزل] [ (3) ] ينتقل من طاهر إلي طاهر إلي أن ولد صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال ورقاء بن عمر عن ابن أبي الحجيج عن عطاء بن السائب ومجاهد عن مرة الهمزاني عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه، أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: كنت في صلبه، وأهبطت إلي الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب نوح، وقذفت في النار في صلب إبراهيم، لم يلتق لي أبوان قط علي سفاح، لم يزل ينقلني من الأصلاب الطاهرة إلي الأرحام النقية مهذبا، لا يتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما، فأخذ اللَّه لي بالنّبوّة ميثاقي، وفي التوراة بشّر بي، وفي الإنجيل شهر اسمي، تشرق الأرض لوجهي، والسماء لرؤيتي [ (4) ] .
قال جامعه قد أشار إلي هذا الحديث العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه في شعره المشهور عنه، خرج أبو بكر الشافعيّ قال: حدثني أبو الشيخ محمد بن الحسين الأصفهاني، وعبد اللَّه بن محمد بن ياسين قالا: حدثنا زكريا بن يحي بن عمر بن حصن بن حمير عن منهب بن حارث بن خريم بن أوس بن حارثة قال: قال: خريم بن أوس: هاجرت إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت فسمعت العباس رضي اللَّه عنه يقول: يا رسول اللَّه إني أريد أن أمتدحك، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فقل لا يفضض اللَّه فاك، فأنشأ العباس يقول:
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد ولا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق وردت نار الخليل فكنتما ... تجول فيها فليس تحترق نقلت من صالب إلي رحم ... إذا مضي عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من ... من خندف علياء تحتها النّطق وأنت لما ولدت أشرقت الأرض ... وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي ... النور وسبل الرشاد نخترق قوله: (في الظلال) ، يريد ظلال الجنة حيث كان كونه صلى اللَّه عليه وسلّم في صلب آدم عليه السلام. ويشير بقوله: (مستودع) ، إلي موضع آدم وحواء من الجنة، وقيل المستودع: النطفة في الرحم. ويشير بقوله: (يخصف الورق) إلي قوله تعالي حكاية عن آدم وحواء: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [ (1) ] . وفي رواية: (وأهلها الغرق) ، كأنه عني أهل الأرض أو البلاد لتقدم ذكرها، ويكون الضمير في قوله: (نسرا وأهله) ، عائد علي قوم نوح المغرقين، يريد: كنت يا محمد في صلب آدم وهو في الجنة، ثم لما هبط إلي الأرض هبطت في صلبه، وتنقلت من بعده في الأصلاب حتى ركبت مع نوح عليه السلام السفينة وأنت في صلبه، لما غرق قوم نوح بالطوفان من أجل كفرهم باللَّه عز وجل، وعباده الأصنام التي هي ودّا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، وعبّر عن السفينة بالسفين، وهو جمع سفينة، يقال: سفينة وسفين، وتجمع علي سفن والسفائن أيضا. وقوله: (وردت نار الخليل) ، يريد أنك كنت في صلب إبراهيم عليه السلام
لما ألقي في النار فلم تحرقه. وقوله: (تنقل) ، وفي رواية: نقلت من صالب إلي رحم، يريد من صلب ذكر إلي رحم امرأة، وفي الصلب ثلاث لغات: بضم الصاد وإسكان اللام، وصلب بضم الصاد واللام جميعا، وصلب بفتح الصاد واللام معا، حكي هذه الأخيرة في (مختصر العين) . وقد روى (تنقل من صلب) ، ورواية (صالب) أشهر، والصالب بمعني الصلب لغة قليلة. وقوله: (إذا مضي عالم بدا طبق) ، يريد بالطبق القرن لأنهم طبق الأرض، فينقرضون ويأتي طبق آخر. وقوله: (حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف) ، قيل: حتى احتوى بيتك المهيمن أي يا مهيمن من خندف علياء فأقام البيت مقامه صلى اللَّه عليه وسلّم لأن بيته إذا حل بهذا المكان فقد حل هو به، وهو كما يقال: بيته أعزّ بيت، وإنما يراد صاحبه، واعترض علي هذا بأنه إذا عبر بالبيت عنه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه كما قال زياد الأعجم. إن السماحة والمروءة والنّدى ... في قبة ضربت علي ابن الحشرج فإن هذا وإن كان ممكنا، لا ضرورة تدعو إليه، إذ بقاؤه علي ظاهره ممكن، وهو مدح أهل بيته صلى اللَّه عليه وسلّم وهو داخل فيهم، فإن مدح بيت الرجل قد يكون أبلغ في مدحه. فإن قيل: هذا مثل من العباس، أي جعلك اللَّه عاليا وجعل خندف كالنطاق لك، قيل: هذا لا يقتضيه اللفظ إلا بإكراه وتقديم وتأخير، بأن يكون تقديره: حتى احتويت واحتوى بيتك علياء تحتها النطق من خندف، وإنما الوجه أن يكون المعني: احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء كل النطق تحتها، أو يعلق من خندف بعلياء أي علياء من خندف كل نطاق دونها أو تحتها. والنّطق: هي أوساط الجبال العالية. والمهيمن: الشاهد، كأنه حتى احتوى شرف بيتك الشاهد منه الفرع الّذي
هو أنت علي طيب الأصل، ويمكن أن يكون قد عبّر بالنطق عن ذوات النطاق، والنطق: جمع نطاق، والنطاق: إزار له تكة تنتطق به المرأة، وكأنه لما قال: أنه احتوى علياء خنندف، والقبيلة إنما سميت بالمرأة، حسن أن يقال: أن هذه العلياء التي احتواها دونها علياء كل ذات نطاق، هي أم الشخص أو القبيلة، ويمكن أن يكون مأخوذا من نطاق البيت وهو ما يراد عليه من خشب يجمع أركانه، فكأنه لما وصف شرفه الليالي وكني عنه البيت، رشّحه إلي ذكر النطاق المستعمل للبيت، أي تحت علياء بيته نطاق كل بيت. وقيل معناه: حتى احتويت يا مهيمن من خندف علياء، يريد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأقام البيت مقامه، لأن البيت إذا حل بهذا المكان فقد حلّ به صاحبه، وأراد بيته شرفه، والمهيمن من نعته، كأنه قال: حتى احتوى شرفك الشاهد علي فضلك علياء الشرف من نسب ذوي خندف إلي تحتها النطق- وهي أوساط الجبال العالية- وخندف: هي امرأة إلياس بن مضر بن نزار، فنسب إليها ولد الناس [ (1) ] . وقيل: أراد بقوله: النطق، العفاف من لبس المرأة النطاق ليحصنها، فيكون النطق بمعني نطاق، أي تحتها نطاق العفاف، وقيل: النطق، جمع ناطق، وقيل: النطق: جمع نطاق، وهو الّذي يشده الإنسان علي وسطه، ومنه المنطق، وهذا من العباس رضي اللَّه تعالى عنه مثل، أي جعلك اللَّه عاليا، وجعل خندف كالنطاق لك. واللَّه أعلم. وقد روى أن جبير بن مطعم قال: لما بعث اللَّه تعالي نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم فظهر أمره بمكة خرجت إلي الشام، فلما كنت ببصرى أتاني جماعة من النصارى فقالوا لي: من أهل الحرم أنت؟ قلت: نعم، قالوا: فتعرف هذا الّذي تنبأ فيكم؟ قلت:
نعم، قال: فأخذوا بيدي فأدخلوني ديرا فيه تماثيل وصور فقالوا: انظر، هل ترى صورة هذا الّذي بعث؟ فنظرت، فلم أر صورته فقلت: لا أرى صورته، فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير، فإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير، فقالوا لي: انظر هل ترى صورته؟ فإذا أنا بصورة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وصفته، وإذا أنا بصفة أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه وصورته وهو آخذ بعقب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا لي: هل ترى صورته؟ فقلت: نعم، وقلت: لا أخبرهم حتى أعرف ما يقولون، قالوا: هو هذا؟ قلت: نعم، وأشاروا إلى جبهة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قلت: اللَّهمّ نعم، أشهد أنه هو، قالوا: هل تعرف هذا؟ قلت: نعم، قالوا لي: نشهد أن هذا صاحبكم وهذا الخليفة بعده [ (1) ] . وقال موسى بن عقبة: إن هشام بن العاص ونعيم بن عبد اللَّه ورجل آخر بعثوا إلى ملك الروم زمن أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه، قالوا: فدخلنا على جبلة بن الأهثم وهو بالغوطة، فإذا عليه ثياب سود، وإذا كل شيء حوله أسود، قالوا: يا هشام، كلمه، فكلمه ودعاه إلى اللَّه تعالى، فقال: ما هذه الثياب السود؟ قال: لبستها نذرا ولا أنزعها حتى أخرجكم من الشام كلها!! قال: قلنا اتئد- أو كلمة تشبهها- حتى تمنع مجلسك، فو اللَّه لنأخذنه منك وملك الملك الأعظم إن شاء اللَّه، أخبرنا بذلك نبينا، قال: فأنتم إذن السمراء، قلنا: السمراء؟ قال: لستم هم، قلنا: ومن هم؟ قال: هم الذين يصومون النهار ويقومون الليل، قلنا: نحن هم واللَّه، قال: فكيف صومكم؟ فوصفنا له صومنا، فقال: فكيف صلاتكم؟ فوصفنا له صلاتنا، فقال: فاللَّه يعلم لقد غشيه سواد حتى صار وجهه كأنه قطعة طابق وقال: قوموا، فأمر بنا إلى الملك، فانطلقنا، فلقينا الرسول بباب المدينة فقال: إن شئتم آتيتكم ببغال، وإن شئتم آتيتكم ببراذين، فقلنا: لا واللَّه لا ندخل
عليه إلا كما نحن، فأرسل إليهم أن يأتون، فأرسل: أن خلّ سبيلهم، فدخلنا معتمّين متقلدين السيوف على الرواحل، فلما كنا بباب الملك، إذا هو في غرفة له عالية، فنظر إلينا، قال: فرفعنا رءوسنا فقلنا: لا إله [إلا] اللَّه، فاللَّه يعلم لنقضت الغرفة كلها حتى كأنها غدق نفضته الريح، فأرسل: إن هذا ليس لكم أن تجهروا بدينكم عليّ، وأرسل إلينا: أن ادخلوا، فدخلنا، فإذا هو على فراش إلى السقف، وإذا عليه ثياب حمر، وإذا كل شيء عنده أحمر، وإذا عنده بطارقة الروم، وإذا هو يريد أن يكلمنا برسول، فقلنا: لا واللَّه ما نكلمه برسول، وإنما بعثنا إلى الملك، فإذا كنت تحب أن نكلمك فأذن لنا نكلمك، فلما دخلنا عليه ضحك، فإذا هو رجل فصيح بالعربية، فقلنا: لا إله إلا اللَّه، فاللَّه يعلم لقد نقض السقف حتى رفع رأسه هو وأصحابه فقال: ما أعظم كلامكم عندكم، فقلنا: هذه الكلمة؟ قال: التي قلتماها قبل؟ قلنا: نعم، قال: فإذا قلتموها في بلاد عدوكم نقضت سقوفهم؟ قلنا: لا، قال: فإذا قلتموها في بلادكم نقضت سقوفكم؟ قلنا لا، وما رأيناها فعلت هذا، وما هو إلا شيء عبرت به، فقال: ما أحسن الصدق! فما تقولون إذا فتحتم المدائن؟ قلنا: نقول: لا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر، قال: تقولون: لا إله إلا اللَّه ليس معه شيء، واللَّه أكبر من كل شيء؟ قلنا: نعم، قال: فما منعكم أن تحيوني بتحية نبيكم؟ قلنا: إن تحية نبينا لا تحل لكم، وتحيتك لا تحل لنا فنحييك بها، قال: وما تحيتكم؟ قلنا: تحية أهل الجنة، قال: وبها كنتم تحيون نبيكم؟ قلنا: نعم، قال: وبها كان يحييكم؟ قلنا نعم، قال: فمن كان يورث منكم؟ قلنا: من كان أقرب قرابة، قال: وكذلك ملوككم؟ قلنا: نعم، فأمر لنا بنزل كثير ومنزل حسن، فمكثنا ثلاثا ثم أرسل إلينا ليلا، فدخلنا عليه وليس عنده أحد، فاستعاد كلامنا فأعدنا عليه، فإذا عنده مثل الربعة العظيمة مذهبة، وإذا فيها أبواب صغار، ففتح منها بابا، واستخرج منه خرقة حرير سوداء، فيها صورة بيضاء، فإذا رجل طوّال أكثر الناس شعرا فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا آدم، ثم أعاد وفتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء فإذا رجل ضخم الرأس عظيم، له شعر كشعر القبط، أعظم الناس أليتين، أحمر العينين فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا نوح، ثم أعاده وفتح بابا آخر فاستخرج
حريرة سوداء فيها صورة بيضاء، فإذا رجل أبيض الرأس واللحية، كأنه يبتسم، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إبراهيم، ثم أعاده وفتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة بيضاء، وإذا واللَّه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، محمد رسول اللَّه، وبكينا، واللَّه يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: واللَّه إنه لهو؟ قلنا: نعم، إنه لهو كأننا ننظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر الأبواب ولكني عجلته لأنظر ما عندكم، ثم أعاده وفتح بابا آخر، واستخرج خرقة حرير سوداء فيها صورة بيضاء، فإذا رجل مقلص الشفتين غائر العينين، متراكم الأسنان كث اللحية عابس، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا موسى، وإذا جنبه رجل يشبهه غير أن في عينيه قيلا وفي رأسه استدارة، فقال: هذا هارون، ثم رفعهما، وفتح بابا آخر واستخرج منه خرقة سوداء فيها صورة حمراء أو بيضاء، فإذا رجل أحمر أحمش الساقين أخفش العينين، ضخم البطن مقلد سيفا، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا داود، ثم أعاده وفتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا رجل راكب على فرس، طويل الرجلين قصير الظهر، كل شيء منه جناح تحفه الريح، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمان، ثم أعاده ففتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة أو خرقة سوداء، فيها صورة بيضاء، فإذا صورة شاب تعلوه صفرة، صلت الجبين حسن اللحية، يشبهه كل شيء منه، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا عيسى ابن مريم، ثم أعاده وأمر بالربعة فرفعت، فقلنا: هذه صورة نبينا قد عرفناها، فإنا قد رأيناه، فهذه الصورة التي لم نرها كيف نعرفها أنى هي؟ قال: إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه صورة نبي نبي، فأخرج إليه صورهم في خرق الحرير من الجنة، فأصابها ذو القرنين في خزانة آدم في مغرب الشمس، فلما كان دانيال، صورها هذه الصّور، فهي بأعيانها، فو اللَّه لو تطيب نفسي في الخروج عن ملكي ما باليت أن أكون عبدا لأشدّكم ملكة، ولكن عسى أن تطيب نفسي، قال: فأحسن جائزتنا وأخرجنا [ (1) ] .
وقد رواه شرحبيل بن مسلم الخولانيّ عن أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن العاص، قال: بعثني أبو بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه ورجلا آخر من قريش إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة، فنزلنا على جبلة بن الأهتم الغساني، فذكروه ... وزاد بعد قوله في صورة نبينا عليه السلام وذكر موسى وهارون: ففتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان حسن الوجه، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا لوط، ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة أجنأ، خفيف العارضين حسن الوجه، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إسحاق، ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة تشبه صورة إسحاق، إلا أن بشفته السفلى خالا، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا يعقوب، ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة، يعلو وجهه النور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إسماعيل جد نبيكم، ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة كأنها صورة آدم، كأن وجهه الشمس، قال: هل تعرفون هذا؟ [قلنا: لا، قال:] [ (1) ] هذا يوسف. ثم ذكر قصة داود وسليمان وعيسى مثل حديث موسى ابن عقبة، وزاد: قال: فلما قدمنا على أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنه حدثناه بما رأيناه وما قال لنا وما أرانا، فبكى أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه وقال: مسكينا، لو أراد اللَّه به خيرا لفعل، ثم قال: أخبرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال تعالى: يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [ (2) ] .
وأما شرف أصله، وتكريم حسبه ونسبه، وطيب مولده
وأما شرف أصله، وتكريم حسبه ونسبه، وطيب مولده فخرج مسلم والترمذي من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد، أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن اللَّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. وقال الترمذي: واصطفى هاشما من قريش، وقال: هذا حديث حسن غريب [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . وقد خرج الفسوي من حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد ابن على أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن اللَّه اختار العرب، ثم اختار منهم كنانة أو النضر بن كنانة، ثم اختار منهم قريشا، ثم اختار منهم بني هاشم. وهو حديث مرسل. وله أيضا من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه ابن الحرث بن نوفل، عن العباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه إن قريشا إذا التقوا، لقي بعضهم بعضا بالبشاشة، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا
لا نعرفها!! فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك غضبا شديدا ثم قال: والّذي نفس محمد بيده، لا يدخل الجنة قلب رجل الإيمان حتى يحبكم للَّه ولرسوله، وقلت: يا رسول اللَّه، إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مثلك مثل نخلة في كناس الأرض، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه عز وجلّ يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين جعل القبائل جعلني في خير قبيلة، ثم جعلني حين جعل البيوت في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت: يا رسول اللَّه! إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم، فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كناسة الأرض، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم خير القبائل، فجعلني في خير القبيلة، ثم في خير البيوت، فجعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا. انفرد به الترمذي وقال: هذا حديث
حسن. وعبد اللَّه بن الحرث هو ابن نوفل [ (1) ] . ورواه أبو نعيم عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد، فزاد في إسناده: المطلب ابن أبي وداعة. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل، عن المطلب بن أبي وداعة قال: قال: قال العباس: بلغه صلى اللَّه عليه وسلّم بعض ما يقول الناس، قال: فصعد المنبر فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت رسول اللَّه، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، إن اللَّه خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقة، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا. وقد خرجه الترمذي من حديث أبي عوانة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث قال: حدثني المطلب بن ربيعة أن العباس دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مغضبا وأنا عنده فقال: ما أغضبك؟ فذكر نحوه وقال: هذا حديث حسن صحيح. قال: ورواه جرير عن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث عن المطلب بن ربيعة وهو الصواب. قال كاتبه: وهكذا رواه يزيد بن عطاء عن يزيد بن أبي زياد كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى. [وخرج] [ (2) ] أبو بكر بن أبي شيبة من حديث ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحارث، عن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال: بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن قوما نالوا منه وقالوا له: إنما مثل محمد كمثل نخلة تنبت في كناس، فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [و] [ (2) ] قال: إن اللَّه خلق خلقه فجعلهم فرقتين، فجعلني في خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلا، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني خيركم قبيلا وخيركم بيتا. قال البيهقي: كذا قال عن ربيعة بن الحرث، وقال غيره: عن المطلب بن ربيعة بن الحرث، وابن ربيعة إنما هو عبد المطلب بن ربيعة له صحبة، وقد قيل: عن المطلب بن أبي وداعة. ثم ذكر حديث أبي نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان عن يزيد ابن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل عن عبد المطلب بن أبي وداعة قال:
قال العباس: بلغه بعض ما يقول الناس، وفي رواية: عن عبد المطلب بن أبي وداعة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- وبلغه بعض ما يقول الناس- فصعد المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وقال: من أنا؟ قالوا: أنت رسول اللَّه، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه ابن عبد المطلب، إن اللَّه خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقة، وجعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد من حديث حسين بن محمد، حدثنا يزيد بن عطاء عن يزيد بن عبد اللَّه عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث قال: أتى ناس من الأنصار النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم: إنما محمد مثل نخلة تنبت في كنا، قال: حسين: الكنا، الكناسة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أيها الناس! من أنا؟ قالوا: أنت رسول اللَّه، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، قال: فما سمعناه ينتمي قبلها إلا أن اللَّه خلق خلقه فجعلني في خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني في خير الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا [ (1) ] . وخرجه الترمذي من حديث سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحرث، عن عبد المطلب بن أبي وداعة قال: جاء العباس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وكأنه سمع شيئا فقام النبي فقال: من أنا؟ فقالوا: أنت رسول اللَّه، قال: أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، إن اللَّه خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فريقين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا وخيرهم نفسا. انفرد به الترمذي وقال: هذا حديث حسن [صحيح غريب] [ (2) ] .
وللفسوي من حديث قيس عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه عز وجل خلق الخلق قسمين فجعلني في خيرهم قسما، وذلك قوله: لِأَصْحابِ الْيَمِينِ [ (1) ] ، أَصْحابُ الشِّمالِ [ (2) ] ، فأنا من أصحاب اليمين، وأنا خير أصحاب اليمين، ثم جعل القسمين [أثلاثا] [ (3) ] فجعلني في خيرهم ثلثا، فذلك قوله عزّ وجلّ: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ [ (4) ] ، وَالسَّابِقُونَ [ (5) ] ، فأنا من السابقين وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قول اللَّه عز وجل: وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ (6) ] ، فأنا [ (7) ] أتقى ولد آدم وأكرمهم على اللَّه ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرهم [ (8) ] ، بيتا، فذلك قوله عز وجل: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (9) ] ، فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب [ (10) ] . وخرج البيهقي من حديث محمد بن ذكوان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما: إنا لقعود بفناء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذ مرت [ (11) ] امرأة، فقال بعض
القوم: هذه [ابنة] [ (1) ] رسول اللَّه، فقال أبو سفيان: مثل محمد في نبي هاشم مثل الريحانة في وسط النتن، فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فجاء يعرف في وجهه الغضب فقال: ما بال أقوال تبلغني عن أقوام؟! إن اللَّه عز وجل خلق السموات سبعا، فاختار العلياء منها فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق واختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث عبد الواحد، أنبأنا كريم بن وائل، حدثتني ربيبة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- زينب بنت أبي سلمة- قالت: قلت لها: أرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أكان من مضر؟ قالت: فممّن كان إلا من مضر؟ من بني النضر بن كنانة [ (3) ] .
ولأبي داود الطيالسي من حديث حماد بن سلمة عن عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن هيضم عن الأشعث بن قيس قال: قلت: يا رسول اللَّه، إنا نزعم أنا منكم أو أنكم منا؟ فقال: نحن من بني النضر بن كنانة، لا ننتفي من أبينا ولا نقفوا أمنا، قال: فقال الأشعث: لا أوتي برجل نفي رجلا من قريش من النّضر بن كنانة، إلّا جلدته ...
الحد [ (1) ] . وقال أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة القدامي: حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس بن مالك وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام قال: بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن رجالا من كندة يزعمون [أنه] [ (2) ] منهم، فقال: «إنما كان يقول [ذاك] [ (3) ] العباس وأبو سفيان بن حرب إذا قدما المدينة ليأمنا بذلك، وإنا لن ننتفي من آبائنا، نحن [بنو] [ (4) ] النضر بن كنانة، قال: وخطب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنا محمد بن عبد اللَّه، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، ابن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤيّ، بن غالب، بن فهر، ابن مالك، بن النضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، ابن مضر، ابن نزار» ، وما افترق الناس فريقين إلا جعلني [اللَّه] [ (5) ] في خيرهما، فأخرجت [من] [ (5) ] بين أبوين فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية، خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتى [انتهيت] [ (6) ] ، إلى أبي وأمي، فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا. قال البيهقي: تفرد به أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة
القدامي، وله عن مالك وغيره أفراد لم تتابع عليها. قال كاتبه: قال ابن عدي: عن عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة بن قدامة بن مظعون أبو محمد المصيصي [ (1) ] ، عامة أحاديثه غير محفوظة، وهو ضعيف على ما تبين لي من رواياته واضطرابه، ولم أر للمتقدمين فيه كلاما. وخرج البخاري من حديث قتيبة بن سعيد، أنبأنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الّذي كنت فيه. ذكره في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وخرج البيهقي من حيث عمرو بن عبد اللَّه بن نوفل عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: [قال] لي جبريل عليه السلام: قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث شعبة، حدثني عبد الملك عن طاووس عن ابن عباس [في قوله تعالي] : إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، قال: فقال سعيد بن جبير:
قربي محمد، فقال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لم يكن بطن [ (1) ] من قريش إلا وله فيه قرابة، فنزلت [عليه] [ (2) ] فيه إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم. ذكره في باب قوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [ (3) ] . وخرجه في التفسير من حديث شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، سمعت طاووسا يقول: عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى فقال سعيد
ابن جبير: قربي آل محمد، فقال ابن عباس: [عجلت] [ (1) ] إن رسول اللَّه [ (2) ] صلى اللَّه عليه وسلّم لم يكن [بطن] [ (3) ] من قريش إلا كان له [فيهم] [ (4) ] قرابة: إلا أن تصلوا [ (5) ] ما بيني وبينكم من القرابة. وخرج أبو نعيم من حديث ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لم يلتق أبواي على سفاح، لم يزل اللَّه ينتقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، مصفى مهذبا، ولا يتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما [ (6) ] . وخرج البيهقي في سننه من حديث هشيم، حدثنا الملالي أو المليلي، أو كما قال عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية، ما ولدني إلا نكاح كنكاح أهل الإسلام [ (7) ] . قال أبو نعيم: ووجه الدلالة في هذه الفضيلة أن النّبوّة ملك وسياسة عامة، وذلك قوله تعالي: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [ (8) ] ، والملك في ذوي الأحساب والأخطار من الناس، وكلما كانت خصال فضله أوفر كانت الرعية بالانقياد له أسمع، وإلى طاعة مطيعة أسرع.
وإذا كان في الملك وتوابعه نقيصة، نقص عدد أتباع رعيته، ففي اختيار اللَّه له صلى اللَّه عليه وسلّم أن أمده بكل ما بالملوك إليه حاجة، ليدعو الناس إلى اتباعه، ولذلك قال قوم شعيب: ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ [ (1) ] الآية. وقال فرعون لموسى: أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ [ (2) ] ، فأزرى فرعون به ليثبط بذلك القوم عن اتباعه، حتى شكا موسي إلى اللَّه تعالي وسأله أن يحل العقدة عن لسانه ليفقهوا قوله، وقال: وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي [ (3) ] ، فدل ذلك على أن الملك لا يجعل إلا في أهل الكمال والمهابة، وهاتان الخصلتان لا توجدان في غير ذوي الأحساب. فجل اللَّه تعالي لنبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من الحظوظ أوفرها، ومن السهام أوفاها وأكثرها، ولذلك قال عليه السلام فأنا من خيار إلى خيار، وجعله أيضا من أفضل البقاع مولدا ومسكنا ومخرجا، وهي البقعة التي افترض اللَّه على جميع الموحدين من المستطيعين حجّها، فكان بهذا أيضا أفضلهم نفسا وحسبا ودارا صلى اللَّه عليه وسلّم، ولذلك سأل هرقل أبا سفيان بن حرب عن حسبه فقال: كيف حسبه فيكم؟ فقال: هو من أوسطنا حسبا، فقال له هرقل: كذلك الأنبياء. ***
وأما أن أسماءه خير الأسماء
وأما أنّ أسماءه خير الأسماء فقد تقدم أنه محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والفاتح والخاتم والمقفى ونبي التوبة، ونبي الملحمة، ونبي الرحمة [ (1) ] . قال أبو نعيم: وفيما تضمنه اسمه الماحي والحاشر ونبي الرحمة والملحمة من معان لطيفة، وفوائد جليلة، فإن الماحي إذا جرى على اللفظ المفسر في الخبر أن اللَّه يمحو به الكفر، كان ذلك دلالة وبشارة بكثرة الفتوح وانتشار ضياء الإسلام في الأرضيين وصفحتيها شرقا وغربا، وأن سلطان الإسلام يكون غالبا، وسلطان الكفر دارسا عافنا، وذلك يرجع إلى معنى قوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (2) ] ، وليس معنى المحو أن يحسم الكفر أصلا حتى لا يوجد في الأرض كافرا، بل معناه أن يكونوا مقهورين باعتلاء المسلمين عليهم، حتى تكون الأقضية والأحكام والحل والعقد للمسلمين دونهم، وأن الكفار مغمورون خاملون، خاملو الذكر ساقطو الصيت والكلام، أما الذمة عقدت عليهم بصغار الجزية، وإما لخوفهم من سيوف الإسلام فيهم غزوا وجهادا، وهذا سائغ بين أهل اللسان والبيان، أن معنى المحو مرجعه إلى الخمول والكتمان، ويريدون بالمحو سقوطه وخموله لظهور العالمين والقاهرين عليهم، ومعنى المحو إن أضيف إليه صلى اللَّه عليه وسلّم فلإجراء اللَّه ذلك على يديه، فأضيف إليه كما أن الهداية مضافة إليه صلى اللَّه عليه وسلّم والهادي هو اللَّه، فكذلك الماحي في
الحقيقة هو اللَّه تعالى القاهر، فأضاف ذلك إلى الرسول عليه السلام، إذ جرى ذلك على يده بتمكين اللَّه تعالى له، وتسليطه على من كذبه وجحده، وهذه بشارة قد تحقق صدقها فيه لظهور المسلمين وعلوهم على من خالفهم، فتحققت الدلالة وللَّه الحمد. ومعنى الحاشر على ما روى الخبر: أنه الّذي يحشر الناس على قدمه، أي لا نبوة بعده، وأن شريعته قائمة ثابتة إلى قيام الساعة، اهتدى بها من اهتدى، أو ضلّ عنها من ضلّ. ومعنى نبي الرحمة مثل قوله: إنما أنا رحمة مهداة، فبعثته من اللَّه رحمة، هدى بها من شاء رحمته وهداه، وسمى كالمطر المسمى رحمة، لأن اللَّه يرحم عباده بالمطر فيسوق إليهم بالمطر الخيرات، ويوسع عليهم بها النبات والأقوات، ولا يوجب هذا الاسم أن اللَّه رحم به كل المدعوين من عباده، وذلك إنما يجري اللَّه على لسانه من الدعاء والبيان، وإن كان رحمة فصورته كعطية من قبلها فاز بنفعها، ومن تركها وردّها حرم نفعها ووجب عليه العقاب. قال كاتبه ويؤيد هذا ما رواه البيهقي من حديث السعودي عن سعيد بن أبي سعيد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (1) ] ، قال: من آمن باللَّه ورسوله تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن باللَّه ورسوله عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف، فتلك الرحمة في الدنيا. قال أبو نعيم: ومعنى نبي الرحمة: فهو إعلام منه يكون بعده وفي زمانه من الحروب والجهاد، والقتل والسبي. ومعنى الرحمة في إرساله: أن اللَّه تعالى لم يعجل معجزته ودلائله كدلائل الماضين قبله من الأنبياء، وذلك أن الماضين من الأمم كانوا يقترحون على أنبيائهم ويتحكمون عليهم بالآيات على حسب شهوتهم واقتراحهم، فكان دأب اللَّه فيهم الاصطلام إذ لم يؤمنوا بها كقوله لما اقترحوا على عيسى المائدة:
قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ [ (1) ] ، واقتدي بهم المشركون فسألوا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الآيات اقتراحا وتحكما، كقولهم: اجعل الصفا لنا ذهبا، وأحيي لنا قصيا، وسيّر جبالنا لتتسع مزارعنا، وائتنا بالملائكة إن كنت من الصادقين، وأنزل علينا كتابا نقرؤه، فأنزل اللَّه تعالى ردا عليهم: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً [ (2) ] ، وقال: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ [ (3) ] فجعل اللَّه تعالى لرحمته بهم الآية الباقية مدة الدنيا له صلى اللَّه عليه وسلّم القرآن المعجز، وتحدى به أرباب اللغة واللسان أن يأتوا بمثله أو بسورة أو بآية مثله، فباءوا بالعجز عن معارضته مع تمكينهم من أصناف الكلام نظما ونثرا ورجزا وسجعا، وكان القرآن معجزة له صلى اللَّه عليه وسلّم كإبراء الأكمه وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام مع تقدم قومه بصناعة الطب، وكقلب العصا حيّة لموسى وفلق البحر مع تمكن قوم فرعون وحذقهم بالسّحر. فكان من رحمة اللَّه بهذه الأمة أن جعل أظهر دلائل نبوة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم القرآن الّذي يعلم صدقه بالاستدلال الّذي تعرض فيه الشبهة والشكوك، لكنه لا يستأصل القوم المنكرون له كما استؤصل قوم صالح لما كفروا بالناقة، وقوم موسى بانفلاق البحر، وتلقف العصا حبالهم وعصيهم. وإلى هذا المعنى يرجع قوله تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [ (4) ] ، المعنى: أن إرادتنا لاستبقاء المقترحين للإيمان منعا من إرسال الآيات التي اقترحوها بها، لعلمنا بأنا نخرج من أصلابهم من يؤمن، وإن من سبق له منا الرحمة بالإيمان فقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى [ (5) ] ، فدعاهم إلى التفكر والتذكر في القرآن الّذي هو من
جنس ما يعرفونه ويتعاطونه من الفصاحة والبيان. أبان بعد هذا وجه الرحمة في تسمية اللَّه رسوله نبي الرحمة، ونبي الملحمة، والحاشر، وإن الكتاب المعجز باق عندهم بقاء الدهر، كما قال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [ (1) ] ، فمن بلغ وقبل فاز ونجا، ومن رده وكذب به قوتل، ونصبت بينه القتال والملحمة حتى ينقاد لشريعته، أو يقتل لسوء اختياره، فتتم الرحمة بهذه المعاملة، ويعرف فضل هذه الأمة على غيرها بإزالة الاستئصال والاصطلام الواقعة بغيرها من الماضين من الأمم. وذكر من طريق عبد الجبار بن عمر الأيلي، عن عبيد اللَّه بن عطاء بن إبراهيم عن جدته: أم عطاء- مولاة الزبير بن العوام- قالت: سمعت الزبير بن العوام يقول: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (2) ] ، صاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على أبي قبيس: يا بني عبد مناف، إني نذير لكم، فجاءت قريش فحذرهم وأنذرهم، فقالوا: تزعم أنك نبي يوحى إليك، وأن سليمان سخر له الجبال والريح، وأن موسى سخر له البحر، وأن عيسى كان يحي الموتى، فادع اللَّه أن يسيّر عنا الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا، فنتخذها محارث فنزرع ونأكل، وإلا فادع اللَّه بأن يحي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا، وإلا فادع اللَّه أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهبا، فنبحث عنها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم، قال: فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سري عنه قال: والّذي نفسي بيده، لقد أعطاني ما سألتم، ولو شئت لكان، ولكن خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة فلا يؤمن منكم أحد، فاخترت باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وأخبرني أنه إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم أنه يعذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فنزلت: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ [ (3) ] ، فقرأ ثلاث آيات فنزلت: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى [ (4) ] .
وخرج الحاكم من حديث معمر عن قتادة أنه تلا هذه الآية: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [ (1) ] ، فقال: قال أنس: ذهب رسول اللَّه وبقيت النقمة، ولم يرى اللَّه نبيه في أمته شيئا يكرهه حتى مضى صلى اللَّه عليه وسلّم، ولم يكن نبي من الأنبياء عليهم السلام إلا قد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى اللَّه عليه وسلّم. قال الحاكم: صحيح الإسناد. ***
وأما قسم الله تعالى بحياته صلى الله عليه وسلم
وأما قسم اللَّه تعالى بحياته صلى اللَّه عليه وسلّم فقد قال تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (1) ] ، وإنما يقع القسم بالمعظم وبالمحبوب، قوله: لَعَمْرُكَ [ (2) ] ، أصله ضم العين من العمر ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال، ومعناه: وبقائك يا محمد، وقيل: وحياتك. قال القاضي أبو بكر محمد بن العربيّ [ (3) ] : قال المفسرون بأجمعهم: أقسم اللَّه تعالى
بحياة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم تشريفا له، أن قومه من قريش في سكرتهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون. وقال القاضي عياض [ (1) ] : اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من اللَّه تعالى بمدة حياة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، ومعناه: وبقائك يا محمد، وقيل: وعيشتك، وقيل: وحياتك، وهذه نهاية التعظيم، وغاية البر والتشريف. وخرج الحرث بن أبي أسامة من حديث عمرو بن مالك البكري، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: ما خلق اللَّه وما ذرأ نفسا أكرم على اللَّه من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، وما سمعت أن اللَّه أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (2) ] ، وفي رواية: ما حلف اللَّه بحياة أحد قط إلا بمحمد فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (2) ] ، وقال أبو الجوزاء: ما أقسم اللَّه بحياة أحد غير محمد لأنه أكرم البرية عنده، وقال ابن عقيل الحنبلي: وأعظم من قوله لموسى: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [ (3) ] ، وقوله لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [ (4) ] ، وقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [ (5) ] ، المعنى: أقسم لا بالبلد، فإن أقسمت بالبلد فلأنك فيه. قال ابن الجوزي: أقسم تعالى بتراب قدم محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [ (5) ] ، قال ابن عقيل: وقال تعالى: يا موسى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [ (6) ] ، أي ولا تجيء إلا ماشيا، ومحمد ركب البراق ولا يجيء إلا راكبا. وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: أقسم اللَّه بحياته ثم زاده شرفا فأقسم بغبار رجليه فقال تعالى: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً [ (7) ] ، الآية [ (8) ] ، وقال أبو نعيم:
والمعنى في هذا، أن المتعارف بين العقلاء: أن الإقسام لا يقع إلا على المعظمين والمبجلين، فتبين بهذا جلالة الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وتعظيم أمره وما شرع اللَّه تعالى على لسانه من الشرائع، وتنبيهه عباده على وحدانيته، ودعائه إلى الإيمان به، وعرفت جلالة نبوته ورسالته بالقسم الواقع على حياته، إذ هو أعز البرية وأكرم الخليقة صلى اللَّه عليه وسلّم. وعن ابن عباس في قوله تعالى: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (1) ] قال: هو قسم وهو من أسماء اللَّه. وعن كعب يس* [ (1) ] قسم أقسم اللَّه به قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام يا محمد إنك لمن المرسلين، ثم قال: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ (2) ] ، قال القاضي عياض: ومؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه، وإن كان بمعنى النداء، فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته والشهادة بهدايته، أقسم اللَّه تعالى باسمه، وكني به أنه من المرسلين بوحيه إلى عباده، وعلى صراط مستقيم من إيمانه، أي طريق لا اعوجاج فيه ولا عدول عن الحق. وقال النقاش: لم يقسم اللَّه تعالى لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له صلى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . ***
وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه
وأما تفرده بالسيادة يوم القيامة على جميع الأنبياء والرسل وأن آدم ومن دونه تحت لوائه قال تعالى: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (1) ] ، روي عن جعفر بن محمد أنه قال: أراد اللَّه (يا سيد) مخاطبة لنبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. فخرج مسلم من حديث الأوزاعي قال: حدثني أبو عمار قال: حدثني عبد اللَّه بن فروخ قال: حدثني أبو هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع. وخرج الترمذي من حديث سفيان عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ [من] ، آدم فمن تحته إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر. .. الحديث. قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس.. الحديث بطوله [ (2) ] . وله من حديث عبد السلام بن حرب عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس ابن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا خطيبهم إذا وفدوا، وأنا مبشرهم إذا يأسوا، لواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وخرج بقي بن مخلد من حديث سفيان عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: فضلت بخصال ست لا أقولهن فخرا، لم يعطهنّ أحد قبلي: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وأخرجت لي
خير الأمم، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأعطيت الكوثر، ونصرت بالرعب. والّذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث معمر بن راشد عن محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف، عن عبد اللَّه بن سلام قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، وأول شافع ومشفع، لواء الحمد بيدي يوم القيامة، تحتى آدم فمن دونه [ (1) ] . وله من حديث أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم القطيعي قال: أنبأنا عبد اللَّه ابن جعفر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا صاحب لواء الحمد بيدي ولا فخر، وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، آخذ بحلقة باب الجنة فيؤذن لي فيستقبلني وجه الجبار تعالى فأخرّ له ساجدا فيقول: يا محمد ارفع رأسك، واشفع تشفع، وسل تعط، فأقول: رب أمتي [ (2) ] .
وله من حديث ليث بن أبي سليم عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، يدعوني ربي فأقول: لبيك وسعديك [تباركت لبيك] [ (1) ] وحنانيك، [والمهدي] [ (2) ] من هديت وعبدك بين يديك، [لا ملجأ ولا منجأ] [ (3) ] منك إلا إليك، تباركت رب البيت [ (4) ] . [قال: وإن قذف المحصنة ليهدم عمل مائة سنة] [ (5) ] . ومن حديث خديج عن أبي إسحاق عن صلة، عن حذيفة قال: قال أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إبراهيم خليل اللَّه، وموسى كلمه اللَّه تكليما، وعيسى كلمة اللَّه وروحه، فما أعطيت يا رسول اللَّه؟ قال: ولد آدم كلهم تحت رايتي، فأنا أول من يفتح له باب الجنة. ومن حديث سلام بن سليم عن عبد اللَّه بن غالب عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد الناس يوم القيامة [ (6) ] . وفي رواية روح بن مسافر عن أبي إسحاق
أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر. وفي رواية زكريا بن عدي قال: حدثنا سلام عن أبي إسحاق عن عبد اللَّه عن حذيفة قال: محمد سيد الناس يوم القيامة. وله من حديث عبد الأعلى قال: حدثنا سعد عن قتادة عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، [وأنا] [ (1) ] أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، ولواء الحمد معى، تحته آدم ومن دونه ومن بعده من المؤمنين [ (2) ] . وفي رواية يعلى بن الفضل قال: حدثنا زياد بن ميمون عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة، فأخرج من قبري وحولي المهاجرون والأنصار، ينفضون التراب عن رءوسهم، وأنا أول شافع وأول مشفع، ولا تزال لي دعوة عند ربي مستجابة، وأنا لكم عند النفخة الثانية [ (3) ] . وفي رواية منصور بن أبي مزاحم قال: حدثنا أبو سعيد المؤدب عن زياد النميري عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وأنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة ولا فخر، ولواء الحمد بيدي ولا فخر [ (4) ] . وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن زياد النميري عن أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، ومعي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة ولا فخر، فأتي فآخذ بحلقة باب الجنة
فيقال: من هذا؟ فأقول: محمد، فيفتح، فيستقبلني الجبار تعالى، فأخر له ساجدا فيقول: يا محمد، قل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه [ (1) ] . وفي رواية منصور بن أبي الأسود عن ليث عن الربيع بن أنس عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أولهم خروجا إذا بعثوا، وقائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شافعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا يئسوا، لواء الكرامة ومفاتيح الجنة يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي، يطوف عليّ ألف خادم كأنهم بيض مكنون أو لؤلؤ منثور [ (2) ] . وفي رواية حبان بن علي عن ليث عن عبيد اللَّه بن زحر، عن الربيع بن أنس عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه القبور يوم القيامة ولا فخر، لواء الحمد بيدي ولا فخر، مفاتيح الجنة يومئذ بيدي ولا فخر، آدم ومن دونه من النبيين تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر، يطوف عليّ ألف خادم كأنهن بيض مكنون [ (2) ] . وفي رواية جرير والثوري وزائدة، عن [المختار] [ (3) ] بن فلفل عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا [ (4) ] . وفي رواية الحميدي وسفيان بن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيفتحها اللَّه [ (5) ] . وفي رواية خلف بن هشام قال: أخبرنا عيسى بن ميمون عن عسل
ابن سفيان عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا مبشرهم إذا [أبلسوا] [ (1) ] ، لواء [الكرامة] [ (1) ] يومئذ بيدي، يطوف علي ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون. وله من طريق أبي داود الطيالسي وسليمان بن حرب قالا: حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا علي بن زيد عن أبي نضرة قال: خطبنا عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما على منبر البصرة، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وقال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ألا إني سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه ولا فخر. ورواه هشيم عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع ولا فخر، وإن لواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر [ (2) ] . ورواه سفيان بن عيينة عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، بيدي لواء الحمد ولا فخر [ (2) ] . وله من حديث زمعة بن صالح عن سلمة بن وهران عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فيفتحها اللَّه لي، وأنا سيد الأولين والآخرين من النبيين ولا فخر. وله عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينظرون، فخرج حتى دنا منهم، فسمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم: عجبا! إن اللَّه اتخذ من خلقه خليلا، وقال آخر: ماذا بأعجب من كلامه موسى تكليما، وقال آخر: فعيسى كلمة اللَّه وروحه، وقال آخر: آدم اصطفاه اللَّه، فخرج عليهم
فسلّم وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم أن اللَّه اتخذ إبراهيم خليلا، وهو كذلك، وموسى نجيّ اللَّه، وهو كذلك، وعيسى كلمته وروحه، وهو كذلك، وآدم اصطفاه اللَّه، وهو كذلك، ألا وأنا حبيب اللَّه ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة وتحته آدم ومن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق [باب] [ (1) ] الجنة فيتفح اللَّه لي، فيدخلينها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، [و] [ (1) ] أنا أكرم الأولين والآخرين على اللَّه عز وجل ولا فخر. ورواه عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أرسلت إلى الجن والإنس، [وإلى] [ (2) ] كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم دون الأنبياء، وجعلت لي الأرض كلها طهورا ومسجدا، ونصرت بالرعب أمامي شهرا، وأعطيت خواتيم سورة البقرة [ (3) ] وكانت من كنوز العرش، وخصصت بها دون الأنبياء، وأعطيت المثاني [ (4) ] مكان التوراة، [والمئين] [ (5) ] مكان الإنجيل، والحواميم [ (6) ] مكان الزبور، وفضلت بالمفصّل، فأنا سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عني وعن أمتي ولا فخر، وبيدي لواء الحمد يوم القيامة، آدم وجميع الأنبياء من ولد آدم تحته ولا فخر، وإليّ مفاتيح الجنة يوم القيامة ولا فخر، وبي تفتح الشفاعة يوم القيامة ولا فخر، وأنا سابق [ (7) ] الخلق
إلى الجنة يوم القيامة ولا فخر، وأنا أمامهم وأمتى بالأثر [ (1) ] . وفي رواية مردان بن معاوية عن يحيى اللخمي عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لواء الحمد بيدي يوم القيامة، وأقرب الناس من لوائي العرب. وله من حديث ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن صالح بن عطاء، عن عطاء عن جابر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا قائد المسلمين ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا شافع ومشفع ولا فخر. وله من حديث شريج بن النعمان قال: حدثنا عبد اللَّه بن نافع عن عاصم ابن عمر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب، عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من تنشق الأرض عنه ثم أبو بكر ثم عمر، ثم يأتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة فأحشر بين الحرمين [ (2) ] .
وله من حديث حماد بن شعيب وزائدة وإسرائيل، كلهم عن عاصم عن زر ابن حبيش عن عبد اللَّه قال: إن اللَّه اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل اللَّه، وإن محمدا سيد ولد آدم يوم القيامة، ثم قرأ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] . ورواه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد اللَّه قال: إن اللَّه اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل اللَّه، وإن نبي اللَّه أكرم الخلائق على اللَّه يوم القيامة، ثم قرأ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (2) ] . وله من حديث كثير بن زيد عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه [ (3) ] . وفي رواية سعيد بن رافع عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا سيد الخلائق يوم القيامة في اثنى عشر نبيا، منهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب.
وفي رواية بديل بن المحبّر قال: حدثنا عبد السلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، وأنا بيدي لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأول شخص يدخل عليّ الجنة: فاطمة بنت محمد، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل [ (1) ] . ورواه يعقوب الحضرميّ عن عبد السلام عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأول من تنشق الأرض عن هامته ولا فخر، وأنا أول مشفع ولا فخر، لواء الحمد بيدي يوم القيامة، حرم اللَّه الجنة على كل آدمي يدخلها قبلي [ (2) ] . وله من حديث زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني أول من يرفع [رأسه] [ (3) ] بعد النفخة الأخيرة، فإذا موسى متعلق بالعرش فلا أدري أكذاك كان أو بعد النفخة [ (4) ] ؟. ومن حديث شعيب عن الزهري قال: حدثني أبو سلمة وسعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق.
وفي رواية محمد بن يوسف الفرياني قال: حدثنا سفيان عن عمر بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن الناس يصعقون [يوم القيامة] [ (1) ] فأكون أول من يفيق [ (2) ] .
وله من حديث يحيى الحماقي وحبان بن موسى قالا: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك، أنبأنا حبان [عن] يحيى بن سعيد التيمي قال: حدثني أبو زرعة عن أبي هريرة قال: أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة. رواه مسلم [ (1) ] . وفي رواية عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: وضعت بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قصعة من ثريد فتناول الذراع- وكانت أحب الشاة إليه- فنهس نهسة ثم قال: أنا سيد [الناس] [ (2) ] يوم القيامة [ (3) ] . ولأبي نعيم من حديث يحيى الحماني، حدثنا شريك عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي كعب عن أبيه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا كان يوم القيامة، كنت إمام الناس يوم القيامة وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ولا فخر [ (4) ] . وله من حديث عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد بيدي، وكنت إمام المرسلين وصاحب شفاعتهم [ (5) ] .
وله من حديث أبي عوانة عن أبي بشير، عن سعيد عن جابر عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كنت عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أنا سيد ولد آدم. وله من حديث أحمد بن أبي ظبية عن أبيه عن عبد اللَّه بن جابر عن عطاء عن أم كرز أنها قالت: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أنا سيد المؤمنين إذا بعثوا، وسابقهم [ (1) ] إذا وردوا، ومبشرهم إذا أبلسوا [ (2) ] ، وإمامهم إذا سجدوا، وأقربهم مجلسا من الرب تعالى إذا اجتمعوا، [أقوم] [ (3) ] ، فأتكلم فيصدّقني، وأشفع فيشفّعني، وأسأل فيعطيني [ (4) ] . وله من حديث الحرث بن أسامة قال: حدثنا عبد العزيز بن أبان، حدثنا إسرائيل عن آدم بن علي قال: سمعت ابن عمر رضي اللَّه عنه يقول: تصير الأمم يوم القيامة تجيء كل أمة نبيها فيرقاهم على كوم فيقول: يا فلان اشفع، فيردها بعضهم إلى بعض حتى ينتهي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فهو المقام المحمود الّذي قال اللَّه تعالى عنه: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (5) ] .
ورواه البخاري من حديث أبي الأحوص عن آدم، وله من حديث أبي نعيم قال: حدثنا داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: الشفاعة [ (1) ] . ورواه إدريس الأودي عن أبيه مثله، قال الحافظ أبو نعيم: أحمد. وفيه عن سعد بن أبي وقاص وعبد اللَّه بن مسعود وكعب بن مالك وجابر وأبي سعيد وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص في المقام المحمود [ (1) ] . ورواه الزهري عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن رجل من أهل العلم عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المقام المحمود [ (1) ] . واعلم أن كل من خبرك عن نفسه بأمر يحتاج إلى علمه لو إخباره ما عرفته، فليس يقبح ذكره وإن اتصل بمدحه، ولهذه العلة مدحت الأنبياء عليهم السلام أنفسها مع تواضعها. وخرج الحاكم من حديث إسحاق بن إبراهيم، أنبأنا يزيد بن أبي حكيم، حدثنا الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة يقول: قال ابن عباس [رضي اللَّه عنهما] [ (2) ] : إن اللَّه فضل محمدا على أهل السماء وفضله على أهل الأرض قالوا: [يا ابن عباس] [ (2) ] :
فبم [ (1) ] فضله على أهل السماء؟ قال: قال اللَّه تعالى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [ (2) ] ، وقال لمحمد: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (3) ] الآية، قالوا: فبم [ (1) ] فضله اللَّه على أهل الأرض؟ قال: إن اللَّه تعالى قال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [ (4) ] الآية، وقال لمحمد: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [ (5) ] ، فأرسله إلى الجن والإنس. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن الحكم بن أبان قد احتج به جماعة من أئمة الإسلام [أيضا] [ (6) ] [ولم يخرجه الشيخان] [ (7) ] . ***
فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات الله عليهما وسلامه [1]
فصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم الخليل صلوات اللَّه عليهما وسلامه [ (1) ] اعلم أنه لما ثبتت سيادة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأنه إمام الأنبياء والمرسلين وأفضلهم، قيل: فكيف طلب له من أمته من صلاة اللَّه تعالى عليه ما لإبراهيم عليه السلام حين قالوا في صلواتهم: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، مع أن المشبه به أصله أن يكون فوق المشبه؟ فاقتضى هذا أن يكون إبراهيم أفضل من محمد صلى اللَّه عليه وسلّم.
قيل: قد اختلفت طرق العلماء في الجواب عن ذلك، فقالت طائفة: هذه الصلاة علمها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يعرف أنه سيد ولد آدم، وردّ هذا بأن هذه هي الصلاة التي علمها أمته لما سألوه عن تفسير قول اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] ، وجعلها مشروعة في الصلاة إلى يوم القيامة، وهو لم يزل أفضل ولد آدم قبل أن يعلم بذلك وبعده، فلما علم بأنه سيد ولد آدم لم يغيّر نظم الصلاة عليه التي علمها أمته، ولا أبدلها بغيرها، ولا روي عن أحد خلافها، [فصلح] [ (2) ] هذا الجواب. وقالت طائفة: هذا السؤال والطلب شرع ليتخذه اللَّه خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وقد أجابه اللَّه تعالى إلى ذلك كما ثبت في الصحيح: «ألا وإن صاحبكم خليل الرحمن» [ (3) ] ، يعني نفسه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهذا القول من جنس ما قبله، فإن مضمونه أنه بعد أن اتخذ خليلا لا تشرع الصلاة عليه على هذا الوجه، وهذا من أبطل الباطل. وقالت طائفة أخرى: إنما هذا التشبيه راجع إلى المصلى فيما يصير له من ثواب الصلاة عليه، فطلب من ربه ثوابا وهو أن يصلي عليه كما صلى على إبراهيم، لا بالنسبة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فإن المطلوب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الصلاة وأعظم مما هو حاصل لغيره من العالمين، وردّ هذا: بأن التشبيه ليس فيما يحصل للمصلّي، بل فيما يحصل للمصلى عليه، وهو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وآله، فمن قال: أن المعنى اللَّهمّ أعطني ثواب صلاتي عليه كما صليت على إبراهيم و [على] [ (4) ] آل إبراهيم فقد حرف الكلام
وأبطل في كلامه. وقالت طائفة: التشبيه عائد إلى الآل فقط، وتم الكلام عند قوله: اللَّهمّ صل على محمد، ثم قال: وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، فالصلاة المطلوبة لآل محمد هي المشبهة بالصلاة الحاصلة لإبراهيم، وهذا الجواب نقله العمراني عن الشافعيّ، واستبعدت صحته عنه رحمه اللَّه، فإنه ورد في كثير من الأحاديث: «اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم» ، وأيضا فإنه لا يصح هذا الجواب من جهة العربية، فإن العامل إذا ذكر معموله وعطف عليه غيره، ثم قيد بظرف أو جار أو مجرور أو مصدر أو صفة مصدر، كان ذلك راجعا إلى المعمول وما عطف عليه، هذا الّذي لا تحتمل العربية غيره. فإذا قلت: جاءني زيد وعمرو يوم الجمعة، كان الظرف مقيدا بمجيئهما لا بمجيء أحدهما دون الآخر، وكذلك إذا قلت: ضربت زيدا وعمرا ضربا مؤلما، وأمام الأمير، أو قلت: سلّم علي زيد وعمرو يوم الجمعة.. ونحوه. فإن قيل: هذا متجه إذا لم تعد العامل، فأما إذا أعيد العامل حسن ذلك، تقول: سلّم علي زيد وعلى عمرو إذا لقيته لم يمنع أن تختص ذلك بعمرو دون زيد، وهنا قد أعيد العامل في قوله: وعلى آل محمد، قيل: ليس هذا المثال بمطابق لمسألة الصلاة، وإنما المطابق أن تقول: سلّم علي زيد وعلى عمرو كما تسلم على المؤمنين، ونحو ذلك، وحينئذ فادّعاء أن التشبيه بسلامه على عمرو وحده دون زيد دعوى باطلة. وقالت طائفة: لا يلزم أن يكون المشبه به أعلى من المشبه، بل يجوز أن يكونا متماثلين، وأن يكون المشبه أعلى من المشبه به، قال هؤلاء: والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من إبراهيم من جهات غير الصلاة عليه وإن كانا متساويين في الصلاة، والدليل على أن المشبه قد يكون أفضل من المشبه به قول الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد وعورض هذا القول بوجوه من الرد: أحدهما: أن هذا خلاف المعلوم من قاعدة تشبيه الشيء بالشيء، فإن العرب
لا تشبه الشيء إلا بما فوقه [ (1) ] . الثاني: أن الصلاة من اللَّه تعالى من أفضل المراتب وأجل وأتم من كل صلاة، تحصل لكل مخلوق فلا يكون غيره مساويا له فيها. الثالث: أن اللَّه تعالى أمر بها بعد أن أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، فأمر بالصلاة والسلام عليه، وأكده بالتسليم، وهذا الخبر والأمر لم يثبتهما لغيره في القرآن من المخلوقين. الرابع: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه وملائكته يصلون على معلم الناس الخير، وهذا لا بتعلمهم الخير، فلما هداهم إلى خير الدنيا والآخرة وتسبّبوا بذلك إلى سعادتهم وفلاحهم، وذلك سبب دخولهم في جملة المؤمنين المهديين الذين يصلى عليهم اللَّه وملائكته. ومن المعلوم أنه لا أحد من معلمي الخير أفضل ولا أكثر تعليما له من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، ولا أنصح لأمته ولا أصبر على تعليم الخير منه، ولهذا أنال أمته من تعليمه لهم ما لم تنله أمة من الأمم سواهم، وحصل للأمة من تعليمه من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما صارت به خير أمة أخرجت للعالمين، فكيف تكون الصلاة على هذا الرسول المعلم للخير مساوية في الصلاة على من لم يماثله في التعليم؟ وما بقول الشاعر على جواز كون المشبه به أفضل من المشبه، فلا يدل ذلك لأن قوله: بنونا بنو أبنائنا إما أن يكون المبتدأ فيه مؤخرا والخبر مقدما، ويكون قد شبه بنو أبنائه ببنيه، وكان تقديم الخبر لظهور المعنى وعدم وقوع اللبس، وعلى هذا جاز على أصل التشبيه، وإما أن يكون من باب عكس التشبيه كما يشبه القمر بالوجه الكامل في حسنه، ويشبه الأسد بالكامل في شجاعته، وعلى هذا فيكون الشاعر قد نزل
بني أبنائه منزلة بنيه وأنه لم يفرقهم عنده، ثم شبه بنيه بهم، وهذا قول طائفة من أهل المعاني. وظاهر البيت أن الشاعر لم يرد ذلك وإنما أراد التفريق بين بني بنيه وبين بني بناته، فأخبر أن بني بناته تتبع لآبائهم ليسوا بأبناء لنا، وإنما أبناؤنا بني أبنائنا لا بنو بناتنا ولم يرد تشبيه بني بنيه ببنيه ولا عكسه، وإنما أراد ما ذكرنا من المعنى، وهذا ظاهر. وقالت طائفة: النبي صلى اللَّه عليه وسلّم له من الصلاة الخاصة التي لا تساويها صلاة من لم يشركه فيها أحد، والمسئول له إنما هو صلاة زائدة على ما أعطيته مضافا إليه، [وتكون تلك] [ (1) ] الزائدة [مشبهة] [ (2) ] بالصلاة على إبراهيم، وليس بمستنكر أن يسأل للفاضل فضيلة أعطيها المفضول منضما إلى ما اختص به من هو من الفضل الّذي لم يحصل لغيره. قالوا: ومثال ذلك أن يعطي السلطان رجلا مالا عظيما، ويعطي غيره دون ذلك فيسأل السلطان أن يعطي صاحب المال الكثير مثل ما أعطي صاحب من هو دونه لينضم إلى ما أعطيه فيحصل له مثل مجموع العطاءين أكثر ما يحصل له من الكثير وحدة، وهذا جواب ضعيف، لأن اللَّه سبحانه وتعالى أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، ثم أمر بالصلاة عليه، ولا ريب أن المطلوب من اللَّه سبحانه وتعالى هو الصلاة المخبر بها لا ما هو دونها، وهو أكمل الصلاة عليه وأرجحها لا الصلاة المرجوحة المفضولة، وعلى قول هؤلاء إنما يكون الطلب لصلاة مرجوحة لا راجحة، وإنما تصير راجحة بانضمامها إلى صلاة لم تطلب، ولا ريب في فساد ذلك، فإن الصلاة التي تطلبها الأمة له صلى اللَّه عليه وسلّم من ربه تعالى هي أجلّ صلاة وأفضلها. وقالت طائفة: التشبيه المذكور إنما هو في أصل الصلاة لا في قدرها ولا كيفيتها، إنما هو راجع إلى الهبة لا إلى قدرها، وهذا كما تقول للرجل: أحسن إلى أبيك كما أحسنت إلى فلان، وأنت لا تريد بذلك قدر الإحسان وإنما تريد به أصل الإحسان.
وقد يحتج لذلك بقوله تعالى: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [ (1) ] ، ولا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما أحسن اللَّه إليه، وإنما أريد به أصل الإحسان لا قدره. ومنه قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [ (2) ] ، وهذا التشبيه إنما هو في أصل الوحي لا في قدره وفضيلة الموحي به، وقوله تعالى: فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ [ (3) ] ، إنما مرادهم جنس الآية لا نظيرها. وقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ [ (4) ] ، ومعلوم أن كيفية الاستخلاف مختلفة، وإنما لهذه الأمة أكمل ما لغيرها. وقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [ (5) ] ، والتشبيه إنما هو في أصل الصوم لا في عينه وقدره وكيفيّته. وقال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [ (6) ] ، ومعلوم تفاوت ما بين النشأة الأولى وهي المبتدأ، وبين الثانية وهي المعاد. وقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [ (7) ] ، ومعلوم أن الشبيه في أصل الإرسال لا يقتضي تماثل الرسولية. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «لو أنكم تتوكلون على اللَّه حق توكله لرزقنكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» ، فالتشبيه هنا في أصل الرزق لا في قدره، ولا في كيفيته، ونظائر ذلك [كثير] .
واعترض على هذا بوجوه: أحدها: ما ذكروه يجوز أن يستعمل في الأعلى والأدنى، فلو قلت: أحسن إلى ابنك وأهلك كما أحسنت إلى مركوبك وخادمك ونحوه، جاز ذلك. ومن المعلوم أنه لو كان التشبيه في أصل الصلاة لحسن أن تقول: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على آل أبي أوفى، أو كما صليت على آحاد المؤمنين ونحوه، أو كما صليت على آدم ونوح، وهود ولوط، فإن التشبيه عند هؤلاء إنما هو واقع في أصل الصلاة لا في قدرها ولا في صفتها، ولا فرق في ذلك بين كل من صلى عليه، وأيّ مزيّة في ذلك لإبراهيم وآله، وما الفائدة حينئذ. في ذكره وذكر آله، وكان الكافي في ذلك أن يقال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد فقط. الثاني: أن الأمثلة المذكور ليست بنظير الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنّها نوعان: خبر وطلب، فما كان منها خبرا فالمقصود بالتشبيه الاستدلال والتقريب إلى الفهم، وتقرير ذلك الخبر وأنه لا ينبغي لعاقل إنكاره كنظيره المشبه به، فكيف تنكرون الإعادة وقد وقع الاعتراف بالبداءة وهي نظيرها، وحكم النظير حكم نظيره. ولهذا يحتج سبحانه بالمبدإ على المعاد كثيرا، قال تعالى: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [ (1) ] ، وقال تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [ (2) ] ، وقال تعالى: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [ (3) ] ، وهذا كثير في القرآن. وكذلك قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا [ (4) ] ، أي كيف يقع الإنكار منكم وقد تقدم قبلكم رسل مني مبشرين ومنذرين، وقد علمتم حال من عصى رسلي كيف أخذتهم أخذا وبيلا.
وكذلك قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ [ (1) ] الآية، أي لست أول رسول طرق العالم، قد تقدمت قبلك رسل أوحيت إليهم كما أوحيت إليك كما قال تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [ (2) ] ، فهذا ردّ وإنكار على من أنكر رسالة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم مع مجيئه صلى اللَّه عليه وسلّم ولست من الأمور التي لم تطرق العالم، بل لم تخل الأرض من الرسل وآثارهم، فرسولكم جاء على منهاج من تقدمه من الرسل في الرسالة لم يكن بدعا. وكذلك قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ (3) ] ، إخبارا عن عادته سبحانه وتعالى في خلقه، وحكمته التي لا تبديل لها، من آمن وعمل صالحا مكّن له في الأرض واستخلفه فيها ولم يهلكه ويقطع دابره كما أهلك من كذب رسله وخالفهم، وأخبرهم سبحانه وتعالى عن معاملته من آمن برسله وصدقهم، وأنه لم يفعل بهم كما فعل بمن قبلهم من أتباع الرسل. وهكذا قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لو أنكم تتوكلون على اللَّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» ، إخبار بأنه سبحانه وتعالى يرزق المتوكلين عليه من حيث لا يحتسبون، وأنه لا يخليهم من رزق قط كما ترون ذلك في الطير فإنّها تغدو من أوكارها خماصا فيرزقها سبحانه وتعالى حتى ترجع بطانا من رزقه، فأنتم أكرم على اللَّه سبحانه وتعالى من الطير ومن سائر الحيوانات، فلو توكلتم عليه سبحانه وتعالى لرزقكم من حيث لا تحتسبون، ولم يمنع أحدا منكم رزقه، هذا ما كان من قبيل الإخبار. وأما في قسم الطلب والأمر، فالمقصود منه التنبيه على العلة وأن الجزاء من جنس العمل، فإذا قلت: علم كما علمك اللَّه، وأحسن كما أحسن اللَّه إليك، واعف كما عفا اللَّه عنك.. ونحوه، كان في ذلك تنبيها للمأمور على شكر النعمة التي أنعم اللَّه سبحانه وتعالى بها عليه، وأنه حقيق أن يقابلها بمثلها ويقيدها بشكرها، وأن جزاء تلك النعمة من جنسها، ومعلوم أنه يمتنع خطاب الرب سبحانه وتعالى بشيء
من ذلك، ولا يحسن في حقه، فيصير ذكر التشبيه لغوا لا فائدة فيه وهذا غير جائز. الثالث: أن قوله: كما صليت على آل إبراهيم صفة لمصدر محذوف تقديره: صلاة مثل صلاتك على آل إبراهيم، وهذا الكلام حقيقته أن تكون الصلاة مماثلة في الصلاة المشبهة بها، فلا تعدل عن حقيقة الكلام ووجهه. وقالت طائفة: إن هذا التشبيه حاصل بالنسبة إلى كل صلاة من صلوات المصلين، فكل مصل صلى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بهذه الصلاة فقد طلب من اللَّه تعالى أن يصلي على رسوله صلاة مثل الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم، ولا ريب أنه إذا حصل من كل من طلب من اللَّه مثل صلاته على آل إبراهيم حصل له من ذلك أضعافا مضاعفة من الصلاة لا تعدّ ولا تحصى، ولم يقاربه فيها صلى اللَّه عليه وسلّم أحد، فضلا عن أن يساويه أو يفضله صلى اللَّه عليه وسلّم. ونظير هذا: أن يعطى ملك لرجل ألف درهم فيسأله كل واحد منهم أن يعطيه ألفا، فيحصل له من الألوف بعدد كل واحد منهم، وأورد على هذا أن التشبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة المطلوبة وكل فرد من أفرادها، فالإشكال وارد كما هو، وتقديره أن العطية التي [يعطاها] الفاضل لا بد أن تكون أفضل من العطية التي يعطاها المفضول، فإذا سئل عطية دون ما يستحقه لم يكن لائقا بمنصبه. وأجيب بأن هذا الإشكال إنما يرد إذا لم يكن الأمر للتكرار، فأما إذا كان الأمر للتكرار فالمطلوب من الأمة أن يسألوا اللَّه سبحانه وتعالى له صلاة بعد صلاة، كل صلاة منها نظير ما حصل لإبراهيم، فيحصل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الصلوات ما لا يحصى مقداره بالنسبة إلى الصلاة الحاصلة لإبراهيم عليه السلام. وردّ هذا الجواب بأن التشبيه إنما هو واقع في صلاة اللَّه سبحانه وتعالى عليه، لا في صلاة المصلى عليه، ومعنى هذا الدعاء: اللَّهمّ أعطه نظير ما أعطيت إبراهيم، فالمسئول له صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم عليه السلام، وكلما تكرر هذا السؤال كان هذا معناه، فيكون كل مصل قد سأل اللَّه سبحانه وتعالى أن يصلي عليه صلاة دون التي يستحقها، وهذا السؤال والأمر به متكرر، فهل هذا إلا تقوية
لجانب الإشكال؟. ثم إن التشبيه واقع في أصل الصلاة وأفرادها ولا يعني جوابكم عنه بقضية التكرار شيئا، فإن التكرار لا يجعل جانب المشبه به أقوى من جانب المشبه كما هو مقتضى التشبيه، فلو كان التكرار يجعله كذلك لكان الاعتزار به نافعا، بل التكرار يقتضي زيادة تفضيل المشبه وقوته، فكيف يشبه حينئذ بما هو دونه، فظهر ضعف هذا الجواب. وقالت طائفة: آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليست في آل محمد مثلهم، فإذا طلب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولآله من الصلاة مثل ما لإبراهيم وآله وفيهم الأنبياء حصل لآل محمد من ذلك ما يليق بهم فإنّهم لا يبلغون مراتب الأنبياء صلوات اللَّه عليهم وسلامه، وتبقى الزيادة التي للأنبياء وفيهم إبراهيم عليه السلام لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم فتحصل له بذلك من المزية صلى اللَّه عليه وسلّم ما لم يحصل لغيره، وتقدير ذلك: أن تجعل الصلاة الحاصلة لإبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وآله. ولا ريب أنه لا يحصل لآله صلى اللَّه عليه وسلّم مثل ما حصل لآل إبراهيم عليه السلام وفيهم الأنبياء، بل يحصل لهم ما يليق بهم ويبقى سهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مع الزيادة المتوفرة التي لم يستحقها آله مختصة به صلى اللَّه عليه وسلّم، فيصير الحاصل له صلى اللَّه عليه وسلّم من مجموع ذلك أعظم وأفضل من الحاصل لإبراهيم عليه السلام، وهذا أحسن من كل ما تقدم. وأحسن منه أن يقال: محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من آل إبراهيم بل هو خير آل إبراهيم، كما روي عن أبي طلحة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ [ (1) ] ، قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: محمد صلى اللَّه عليه وسلّم من آل إبراهيم عليه السلام، فدخول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أولى فيكون قولنا: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم متناولا للصلاة عليه وعلى سائر الأنبياء الذين من ذرية إبراهيم، ثم قد أمرنا اللَّه سبحانه وتعالى أن نصلي عليه وعلى آله خصوصا بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموما وهو فيهم،
فيحصل لآله صلى اللَّه عليه وسلّم ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له صلى اللَّه عليه وسلّم. وتقدير ذلك: أنه يكون قد صلى عليه خصوصا، وطلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم عليه السلام ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له صلى اللَّه عليه وسلّم دونهم، فيطلب له صلى اللَّه عليه وسلّم هذا الأمر العظيم الّذي هو أفضل مما لإبراهيم قطعا. وحينئذ تظهر فائدة التشبيه وجريه على أصله، وأن المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به، وله أوفر نصيب منه، صار له صلى اللَّه عليه وسلّم من المشبه المطلوب أكثر مما لإبراهيم عليه السلام وغيره، وتضاف إلى ذلك ما له من المشبه به من الخصة التي لم تحصل لغيره، فظهر بهذا من فضله صلى اللَّه عليه وسلّم وشرفه على إبراهيم عليه السلام وعلى كل من آله- وفيهم النبيون- ما هو اللائق به، وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته. واعلم أن الأحاديث الواردة في الصلاة والواردة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كلها صريحة بذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وبذكر آله، وأما في حق إبراهيم عليه السلام- وهو المشبه به- فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم عليه السلام فقط دون ذكر إبراهيم، أو بذكره عليه السلام دون ذكر آله، ولم يجيء حديث صحيح فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم كما تظاهرت على لفظ محمد وآل محمد، وبيانه أن أشهر الأحاديث الواردة في الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ، رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، وهذا لفظهم إلا الترمذي فإنه قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم فقط، وكذا في ذكر البركة ولم يذكر الآل، وهي رواية لأبي داود، وفي رواية: كما صليت على آل إبراهيم بذكر الآل فقط، وكما باركت على إبراهيم (بذكره فقط) .
وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي: قالوا: يا رسول اللَّه، كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . هذا هو اللفظ المشهور، وقد روي فيه: «كما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم بدون لفظ الآل في الموضعين. وفي البخاري عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: قلنا: يا رسول اللَّه هذا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: «قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الأنصاري رضي اللَّه عنه قال: أتانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا اللَّه سبحانه وتعالى أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم» . وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر: بكما صليت على إبراهيم وكما باركت على إبراهيم (لم يذكر الآل فيهما) وفي رواية أخرى: كما صليت على إبراهيم وكما باركت على آل إبراهيم بذكر إبراهيم عليه السلام وحده في الأولى، والآل فقط في الثانية، هذه هي الألفاظ المشهورة في هذه الأحاديث المشهورة، أكثرها بلفظ آل إبراهيم في الموضعين، وفي بعضها بلفظ آل إبراهيم فيهما، وفي بعضها بلفظ إبراهيم في الأول والآل في الثاني، وفي بعضها عكسه. وأما الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم فرواه البيهقي في سننه من حديث حيي ابن السباق عن رجل من بني الحرث عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [أنه قال:] «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد كما صليت
وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . وهذا إسناد ضعيف. ورواه الدّارقطنيّ من حديث ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التميمي عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن عبد ربه عن أبي مسعود الأنصاري رضي اللَّه عنه فذكر الحديث وفيه: «اللَّهمّ صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ، ثم قال: هذا إسناد حسن متصل. وفي النسائي من حديث موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلنا: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» ، ولكن رواه هكذا ورواه مقتصرا فيه على ذكر إبراهيم في الموضعين. وقد روي ابن ماجة حديثا موقوفا آخر عن ابن مسعود فيه إبراهيم وآل إبراهيم، قال في السنن: حدثنا الحسين بن بيان، حدثنا زياد بن عبد اللَّه حدثنا المسعودي عن عون بن عبد اللَّه عن ابن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: إذا صليتم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض، قال: فقالوا له: فعلمنا، قال: قولوا: «اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة، اللَّهمّ ابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون، اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وهذا حديث موقوف، وابن أبي فاختة اسمه نوير، قال يونس بن أبي إسحاق: كان رافضيا، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف، وقال الدار الدّارقطنيّ: متروك. وعامة الأحاديث التي في الصحاح والسنن كما ذكرنا باقتصار على الآل وإبراهيم
في الموضعين، أو الآل في إحداهما وإبراهيم في [الأخرى] [ (1) ] فحيث جاء ذكر إبراهيم وحده في الموضعين فلأنه الأصل في الصلاة المخبر بها وآله تبعا له عليه السلام فيها، فذلك ذكر المتبوع على التابع، واندرج فيه وأغنى عن ذكره، وحيث جاء ذكر آله فقط فلأنه داخل في آله كما تقرر في موضعه، فيكون ذكر آل إبراهيم عليه السلام مغنيا عن ذكره وذكر آله بلفظين، وحيث جاء في أحدهما ذكره عليه السلام فقط وفي الآخر ذكر آله فقط، كان ذلك جمعا بين الأمرين فيكون ذكر المتبوع الّذي هو الأصل، وذكر أتباعه بلفظ يدخل هو فيهم. وأما ذكر محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وذكر آله فقد جاء بالاقتران دون الاقتصار على أحدهما في عامة الأحاديث، فلأن الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله ذكرت في مقام الطلب والدعاء بخلاف الصلاة على إبراهيم عليه السلام، فإنّها جاءت في مقام الخبر وذكر الواقع لأن قوله: «اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد» جملة طلبية، وقوله: «كما صليت على آل إبراهيم» جملة خبرية، والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال كان بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفها، ولهذا شرع تكرارها وإبداؤها وإعادتها فإنّها دعاء، واللَّه سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء، ولهذا تجد كثيرا من أدعية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيها من بسط الألفاظ وذكر كل معنى بصريح لفظه دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه، ما يشهد لذلك كقوله صلى اللَّه عليه وسلّم في حديث علي الّذي رواه مسلم في صحيحه: «اللَّهمّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخّر، لا إله إلا أنت» . ومعلوم أنه لو قيل: اغفر لي كل ما صنعت كان أوجز، ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع وإظهار العبوديّة والافتقار، واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلا أحسن أو بلغ من الإيجاز والاختصار. وكذلك قوله في الحديث الآخر: «اللَّهمّ اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، سره وعلانيته، أوله وآخره» . وفي حديث آخر: «اللَّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي
وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللَّهمّ اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي» . وهذا كثير في الأدعية المأثورة، فإن الدعاء عبودية للَّه سبحانه وتعالى وافتقار إليه، وتذلل بين يديه سبحانه وتعالى، فكلما كثّره العبد وطوله، وأعاده وأبدأه، ونوّع جملته، كان ذلك أبلغ في عبوديته، وإظهار فقره، وتذلله وحاجته، فكان ذلك أقرب له من ربه سبحانه وتعالى وأعظم لثوابه. وهذا بخلاف المخلوق، فإنك كلما كثرت سؤالك إياه وعددت له حوائجك أبرمته وثقلت عليه وهنت في نفسه عنده، وكلما تركت سؤاله كنت أعظم عنده وأحب إليه، واللَّه جل جلاله كلما سألته كنت أقرب إليه وأحب إليه، وكلما ألححت في الدعاء أحبك، ومن لم يسأل اللَّه سبحانه وتعالى يغضب عليه، فاللَّه سبحانه وتعالى يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب [ (1) ] ، فالمطلوب منه سبحانه وتعالى يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه. وأما الخبر، فهو خبر عن أمر قد وقع وانقضى لا يحتمل الزيادة والنقصان، فلم تكن في زيادة اللفظ فيه كبير فائدة، ولا سيما والمقام ليس مقام إيضاح وتفهيم المخاطب ليحسن معه البسط والإطناب، فكان الإيجاز والاختصار فيه أكمل وأحسن، فلهذا جاء فيه بلفظ إبراهيم تارة، وبلفظ آله تارة أخرى، لأن كلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر من الوجه الّذي تقدم ذكره، فكان المراد باللفظين واحدا مع الإيجاز والاختصار، بخلاف ما لو قيل: صل على محمد، لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على آله، إذ هو طلب ودعاء ينشأ بهذا اللفظ، ليس خبرا عن أمر قد وقع واستقر. ولو قيل: صلى على آل محمد لكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إنما يصلي عليه ضمنا في العموم، فقيل: على محمد وعلى آل محمد ليحصل له صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك الصلاة عليه بخصوصه،
والصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلّم بدخوله في آله. وهنا للناس طريقان في مثل هذا، هل يقال: داخل في آله مع اقترانه بذكره فيكون قد ذكر مرتين: مرة بخصوصه ومرة في اللفظ العام، وعلى هذا فيكون قد صلى عليه مرتين خصوصا وعموما، وهذا على أصل من يقول: أن العام إذا ذكر بعد الخاص كان متناولا له أيضا، ويكون الخاص قد ذكر مرتين، وكذلك في ذكر الخاص بعض العام كقوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ [ (1) ] ، وكذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ [ (2) ] الآية، والطريق [الّذي اختاره] [ (3) ] إلى ذكره بلفظ الخاص يدل على أنه غير داخل في اللفظ العام، فيكون ذكره بخصوصه مغنيا عن دخوله في العام، وعلى هذه الطريقة فيكون في ذلك فوائد: الأولى [ (4) ] : أنه لما كان صلى اللَّه عليه وسلّم من أشرف النوع العام أفرد صلى اللَّه عليه وسلّم بلفظه يخصه صلى اللَّه عليه وسلّم، فيكون في ذلك تنبيها على اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم ومزيته على النوع الداخل في اللفظ العام. الثانية: أنه يكون فيه تنبيه على أن الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلّم أصل، وأن الصلاة على آله تبع له، وأنهم إنما نالوا ذلك بتبعيتهم له صلى اللَّه عليه وسلّم. الثالثة: أن إفراده صلى اللَّه عليه وسلّم بالذكر يرفع عنه توهم التخصيص، وأنه لا يجوز أن يكون مخصوصا من اللفظ العام، بل هو مراد قطعا. واعلم أن قوله: «وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم» دعاء يتضمن إعطاء محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الخير ما أعطاه اللَّه سبحانه وتعالى لآل إبراهيم مع إدامة ذلك الخير وثبوته له صلى اللَّه عليه وسلّم ومضاعفته وزيادته، فإن هذا هو حقيقة البركة، وقد قال اللَّه تعالى عن إبراهيم عليه السلام: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ، وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ [ (5) ] ، وقال تعالى فيه وفي
أهل بيته: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [ (1) ] ، وتأمل كيف جاء في القرآن: وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ [ (2) ] ، ولم يذكر إسماعيل، وجاء في التوراة ذكر البركة على إسماعيل ولم يذكر إسحاق، فقال بعد أن ذكر إسماعيل: وأنه سيلد اثنى عشر عظيما ما حكايته سمعتك ها أنا باركته وأيمنته بمادماد أي بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فجاء في التوراة ذكر البركة في إسماعيل إيذانا بما حصل لبنيه من الخير والبركة، ولا سيما خاتم بركتهم، وأعظمهم وأجلهم محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فنبههم سبحانه وتعالى بذلك على ما يكون في بني إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام من البركة العظيمة الموافية على لسان المبرك صلى اللَّه عليه وسلّم. وذكر لنا في القرآن الكريم بركته سبحانه وتعالى، منها ما حصل في أولاده من نبوة موسى وغيره، وما أوتوه من الكتاب والعلم، مستدعيا سبحانه وتعالى من عباده الإيمان بذلك والتصديق به، وأن لا يهملوا معرفة حقوق بيت إبراهيم عليه السلام، إذا هو البيت المبارك، وأهله أهل النبوة والعلم والكتاب. ولا يقول القائل: هؤلاء أنبياء بني إسرائيل لا تعلق لنا بهم، فإنه يجب علينا معشر المسلمين احترامهم وتوقيرهم والإيمان بهم ومحبتهم، وموالاتهم والثناء عليهم، وصلوات اللَّه عليهم وسلامه. ولما كان هذا البيت المبارك المطهر أشرف بيوت العالم على الإطلاق، خص اللَّه سبحانه وتعالى أهله بخصائص منها: أن جعل فيهم النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم عليه السلام نبي إلا من أهل بيته. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعلهم أئمة يهدون بأمره تعالى إلى يوم القيامة، فكل من دخل الجنة أولياء اللَّه سبحانه وتعالى بعدهم فإنما دخل بدعوتهم من طريقهم. ومنها: أنه اتخذ منهم سبحانه وتعالى الخليلين إبراهيم عليه السلام ومحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فبدأ هذا البيت بإبراهيم عليه السلام، وختمه بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، أنه من ولد إبراهيم
عليه السلام، قال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [ (1) ] ، وثبت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «إن اللَّه اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا» ، ولم يكن لبيت من بيوت العالم مثل هذه الخصوصية. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل صاحب هذا البيت إماما للعالمين، قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [ (2) ] . ومنها: أنه سبحانه وتعالى أجرى على يديه بناء بيته الحرام الّذي جعله قبلة للناس وحجا لهم، فكان ظهور هذا البيت المحرم من أهل هذا البيت الأكرمين، ومن تبحر في أحوال العالم علم أنه كان في الدهر الغابر سبعة بيوت في الأرض يحج الناس إليها، لم يبلغ بيت منها عظمة هذا البيت ولا بركته، ما منها إلا ما أباده اللَّه وأبقى هذا البيت دونها، وزاده تشريفا وتكريما وتعظيما. قال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ [ (3) ] ، أي صير اللَّه الكعبة قواما للناس الذين لا قوام لهم من رئيس يحجز ضعيفهم عن قويهم، ومسيئهم عن محسنهم، وظالمهم عن مظلومهم، فحجز سبحانه وتعالى بكل واحد من ذلك بعضهم عن بعض إذ لم يكن لهم قيام غيره، وجعلها معالم لدينهم ومصالح أمورهم، فجعل سبحانه وتعالى الكعبة والشهر الحرام قواما لمن كان يحترم ذلك من العرب، ويعظمه بمنزلة الرئيس الّذي يقوّم أمر أتباعه. ومنها: أنه سبحانه وتعالى أخرج منهم الآيتين العظيمتين التي لم يخرج من أهل بيت غيرهم مثلهما، وهما أمة موسى عليه السلام وأمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، تمام سبعين أمة خيرها وأكرمها على اللَّه سبحانه وتعالى. ومنها: أن اللَّه سبحانه وتعالى أبقى عليهم لسان صدق وثناء حسنا في العالم، فلا يذكرون إلا بالثناء عليهم، والصلاة والسلام عليهم، قال تعالى: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [ (4) ] .
ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل أهل هذا البيت فرقانا بين الناس، فالسعداء أتباعهم ومحبوهم ومن تولاهم، والأشقياء من أبغضهم وأعرض عنهم وعاداهم، فالجنة لهم ولأتباعهم، والنار لأعدائهم ومخالفيهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل ذكرهم مقرونا بذكره تعالى، فيقال: إبراهيم خليل اللَّه ورسوله ونبيه، وموسى كليم اللَّه ورسوله، وعيسى روح اللَّه وكلمته، ومحمد رسول اللَّه، قال اللَّه تعالى لنبيه محمد صلى اللَّه عليه وسلّم: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (1) ] ، قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: إذا ذكرت ذكرت معي، فيقال: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه في كلمة الإسلام وفي الأذان وفي الخطب وفي التشهد وغير ذلك. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل خلاص خلقه من شقاء الدنيا والآخرة على يدي أهل هذا البيت، فلهم على الناس من النعم ما لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها، ولهم من المنن الجسام في رقاب الأولين والآخرين من أهل السعادة مع الأيادي العظام عندهم ما لا يمكن أن يجازيهم عليها إلا اللَّه سبحانه وتعالى. ومنها: أن كل خير ونفع وعمل صالح وطاعة للَّه سبحانه وتعالى حصلت وكانت في العالم فلهم من الأجر مثل أجور عاملها فضيلة خصهم اللَّه سبحانه وتعالى بها من بين أهل العالم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى سد جميع الطرق بينه وبين البشر وأغلق دونهم الأبواب فلم يفتح لأحد إلا من طريقهم وبابهم، قال الجنيد رحمه اللَّه: يقول اللَّه عز وجل لرسوله محمد صلى اللَّه عليه وسلّم: وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق واستفتحوا كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك. ومنها: أنه سبحانه وتعالى خصهم من العلم بما لم يخص به أهل بيت سواهم، فلم يطرق العالم أهل بيت أعلم باللَّه سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله، وثوابه وعقابه وشرعه، ومواقع رضاه وغضبه، وملائكته ومخلوقاته منهم،
فجمع سبحانه وتعالى لهم علم الأولين والآخرين. ومنها: أنه سبحانه وتعالى خصهم من توحيده ومحبته وقربه والاختصاص به بما لم يخص أهل بيت سواهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى مكن لهم الأرض واستخلفهم فيها، وأطاع أهل الأرض لهم، ما لم يحصل لغيرهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى أيدهم ونصرهم وأظفرهم بأعدائهم وأعدائه ما لم يؤيد به غيرهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى محابهم من آثار أهل الضلال والشرك، ومن الآثار التي يبغضها ويمقتها، ما لم يمحه بسواهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقيا ما دامت آثارهم باقية، فإذا ذهبت آثرهم من الأرض فذاك أوان خراب العالم، قال سبحانه وتعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: لو تركت الناس كلّهم الحج لوقعت السماء على الأرض، وقال: لو ترك الناس الحج كلهم لما مطروا. وأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن في آخر الزمان يرفع اللَّه بيته من الأرض وكلامه من المصاحف وصدور الرجال، فلا يبقى في الأرض بيت يحجّ ولا كلام يتلى، فحينئذ يقرب خراب العالم. وهكذا الناس اليوم، إنّما قيامهم بقيام آثار نبيهم وشرائعه بينهم، وقيام أمورهم وحصول مصالحهم واندفاع أنواع البلاء والشر عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها، وهلاكهم وحلول البلايا والشر بهم عند تعطلها والإعراض عنها والتحاكم إلى غيرها واتحاد سواها. ومن عرف حوادث الزمان فإنه يقف على أن البلاد التي سلّط اللَّه سبحانه وتعالى عليها من سلّطه حتى أخرب البلاد وأهلك العباد، إنما كان سببه تعطيلهم لدينه بينهم
وشرائعه، فكان ذلك انتقاما منهم بتسليط اللَّه سبحانه وتعالى عليهم، وأن البلاد التي لآثار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وسنته وشرائعه فيها ظهور دفع اللَّه سبحانه وتعالى عنهم بحسب ظهور ذلك بينهم. وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة اللَّه سبحانه وتعالى وبركاته على أهل هذا البيت الإبراهيمي، فلهذا أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن نطلب له من اللَّه سبحانه وتعالى أن يبارك عليه وعلى آله كما بارك على [آل] [ (1) ] هذا البيت المعظم. ومن بركاته: أنه سبحانه وتعالى أظهر على أيديهم من بركات الدنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم. ومنها: أنه سبحانه وتعالى أعطاهم من خصائصهم ما لم يعط غيرهم، فمنهم من اتخذه خليلا [ (2) ] ، ومنهم الذبيح [ (3) ] ، ومنهم من كلّمه تعالى تكليما [ (4) ] ، ومنهم من آتاه اللَّه سبحانه وتعالى شطر الحسن وجعله من أكرم الناس عليه [ (5) ] ، ومنهم من أتاه اللَّه سبحانه وتعالى ملكا لم يؤته أحدا غيره [ (6) ] . ولما ذكر اللَّه سبحانه وتعالى أهل هذا البيت وذرّيتهم أخبر أن كلهم فضّله على العالمين [ (7) ] . ومن خصائصهم: بركاتهم على أهل الأرض [أنه] [ (8) ] يرفع العذاب عن سكان البسيطة بهم ويبعثهم، فإن عادة اللَّه سبحانه وتعالى كانت في أمم الأنبياء الذين قبلهم أن يهلكهم إذا كذبوا أنبياءهم ورسله بعذاب يعمهم كلهم كما فعل بقوم نوح إذ أغرق الأرض كلها وأهلك من عليها بالطوفان إلا أصحاب السفينة [ (9) ] ، وكما
فعل تعالى بقوم هود إذ أهلك عادا بريح دمّرتهم كلهم [ (1) ] ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [ (2) ] ، وكما فعل سبحانه وتعالى بقوم صالح: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ [ (3) ] ، وكما فعل تعالى بقوم لوط جعل مدائنهم عالِيَها سافِلَها [ (4) ] ، فلما أنزل اللَّه سبحانه وتعالى التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، رفع بنزولها العذاب العام عن أهل الأرض، وأمر سبحانه وتعالى بجهاد من كذبها وخالفها، فكان ذلك نصرة لأهل دينه بأيديهم، وشفاء لصدورهم واتخاذ الشهداء منهم، وإهلاك عدوّ اللَّه بأيديهم لتحصل [نصرته] سبحانه وتعالى على أيديهم. وحق لأهل بيت هذا من بعض فضائلهم وخصائصهم أن لا تزال الألسنة رطبة بالصلاة عليهم والسلام، والثناء والتعظيم، ولا تزال القلوب ممتلئة من محبتهم وتوقيرهم وإجلالهم، وليعلم المصلي عليهم أنه لو صرف أنفاسه كلها في الصلاة عليهم لما وفى القليل من حقهم، فجزاهم اللَّه سبحانه وتعالى [عنا] [ (5) ] أفضل الجزاء، وزادهم في الملأ الأعلى تعظيما وتشريفا، ومهابة وتكريما، واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. ***
وأما اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالشفاعة [1] العظمى يوم الفزع [2] الأكبر
وأما اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم بالشفاعة [ (1) ] العظمى يوم الفزع [ (2) ] الأكبر قال اللَّه تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [ (3) ] ، قال قتادة والحسن وزيد بن أسلّم: قدم صدق هو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم يشفع لهم. وعن أبي سعيد الخدريّ: هي شفاعة نبيهم محمد، وهو شفيع صدق عند ربهم.
خرج البخاري وأبو داود من حديث مسدد قال: حدثنا يحيى عن الحسن بن ذكوان قال: حدثنا أيوب قال: حدثني عمران بن الحصين رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يخرج قوم فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميون. ذكره البخاري في الرقاق في باب صفة الجنة والنار، وذكره أبو داود في كتاب السنة في باب الشفاعة ولفظهما فيه سواء [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث همام عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميون [ (1) ] . ذكره في الرقاق في كتاب التوحيد في باب قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [ (2) ] . [و] من حديث هشام عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ليصيبن أقواما سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم يدخلهم اللَّه تعالى الجنة بفضل رحمته يقال لهم: الجهنميون [ (3) ] . وللترمذي من طريق عن الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه [ (4) ] . وله من حديث سعيد عن قتادة عن أبي المليح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أتاني آت من عند ربي فخيّرني بين أن يدخل نصف
أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك باللَّه شيئا [ (1) ] . وخرج أبو بشر بن محمد بن أحمد بن حماد الدولابي من حديث محمد بن عوف ابن سفيان الطائي قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثنا أنس بن مالك عن أم حبيبة رضي اللَّه عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أريت ما [يلقى] [ (2) ] أمتي بعدي وسفك بعضهم دماء بعض، [فأحزنني وشق ذلك عليّ] [ (3) ] ، وسبق ذلك من اللَّه [تعالى] [ (3) ] كما سبق في الأمم قبلهم، فسألته [أن يوليني الشفاعة فيهم يوم القيامة ففعل] [ (4) ] . وخرج مسلم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابرا رضي اللَّه عنه يقول: سمعه من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بأذنه يقول: إن اللَّه تبارك وتعالى يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة [ (5) ] . وخرج من حديث حماد بن زيد قال: قلت لعمرو بن دينار: أسمعت جابر ابن عبد اللَّه يحدث عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن اللَّه تعالى يخرج قوما من النار بالشفاعة؟
قال: نعم [ (1) ] . وخرجه البخاري من حديث حماد عن عمرو عن جابر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «يخرج من النار [قوم] [ (2) ] بالشفاعة كأنهم الثّعارير، قلنا: ما الثعارير؟ قال: الضغابيس» [وفي رواية] [ (2) ] : «إن اللَّه يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة» وفي أخرى: «إن اللَّه يخرج قوما من النار بالشفاعة» ] [ (3) ] . وخرج من حديث حماد، عن عمرو، عن جابر رضي اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: «يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير» . قلت: وما الثعارير؟ قال: الضغابيس. وكان قد سقط فمه، فقلت لعمرو [بن دينار] [ (3) ] : أبا محمد، سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: «يخرج بالشفاعة من النار» ؟ قال: نعم [ (4) ] . ذكره في كتاب الرقاق. ولمسلم من حديث أبي أحمد الزبيري، حدثنا قيس بن سليم العنبري، قال: حدثني يزيد الفقير، حدثنا جابر بن عبد اللَّه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أم قوما يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم حتى يدخلون الجنة» [ (5) ] .
وله من حديث ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يسأل عن الورود فقال: «نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟ فيقولون: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا، ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء اللَّه، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفا لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم، كأضواء نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا اللَّه، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها» [ (1) ] . [قال كاتبه: هكذا وقع في رواية هذا الحديث «عن كذا وكذا، انظر» . وقال الحفاظ: هو كلام فاسد غير مستقيم، وصوابه: «على كوم» ، وهو جمع كومة، وهو المكان المشرف، أي نحن فوق الناس، فلم يذكر المؤلف اللفظة أو المكنى عنه، فكنى عنها بكذا وكذا، وفسرها بقوله: «أي ذلك فوق الناس» ، وقوله: «انظر» أي تأمل هذا الموضع واستثبت فيه، فظنه الناسخ من الحديث
فألحقه بمتنه، ولا يخفى ما فيه من التخليط] [ (1) ] . [وقال الشيخ محيي الدين النووي: « ... هكذا في جميع الأصول من صحيح مسلم، واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف» ] [ (1) ] . [وقال الحافظ عبد الحق في كتابه (الجمع بين الصحيحين) : «هذا الّذي وقع في كتاب مسلم تخليط» ] [ (1) ] . [وقال القاضي عياض: «هذه صورة الحديث في جميع النّسخ، وفيه تغيير كثير وتصحيف» ] [ (1) ] . [وفي طريق ابن أبي خيثمة من حديث أنس بن مالك: «يحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتي على تل» ] [ (1) ] . [وفي رواية: «يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل» ، قال القاضي عياض: «.... فجمع النقلة الكلّ ونسّقوه على أنه من متن الحديث كما تراه.... وقد تابعه عليه جماعة من المتأخرين» ] [ (1) ] . وخرج من حديث محمد بن [بشر] [ (2) ] حدثنا أبو حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك [ (3) ] ؟ يجمع اللَّه يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي [ (4) ] ، وينفذهم البصر [ (4) ] ، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما قد بلغكم، ألا تنظرون، من يشفع لكم إلى ربكم، فيقول بعض الناس لبعض: ائتوا آدم، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك اللَّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة
فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟. فيقول آدم: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى الأرض، وسمّاك اللَّه عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربك، لا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها، على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم صلى اللَّه عليه وسلّم. فيأتون إبراهيم فيقولن: أنت نبي اللَّه وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وذكر كذباته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلى اللَّه عليه وسلّم فيقولون: يا موسى، أنت رسول اللَّه فضّلك اللَّه برسالاته وبتكليمه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلى اللَّه عليه وسلّم: إن ربي قد غضب اليوم غصبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى عيسى صلى اللَّه عليه وسلّم. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول اللَّه، وكلمت الناس في المهد، وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه، فاشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم صلى اللَّه عليه وسلّم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر له ذنبا، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. فيأتون فيقولون: يا محمد، أنت رسول اللَّه، وخاتم الأنبياء، وغفر لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشتفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي، ثم يفتح اللَّه على ويلهمني من محامده، وحسن الثناء عليه، شيئا لم يفتحه لأحد قبلي، ثم قال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفّع، فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال: يا محمد، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، والّذي نفس محمد بيده، إن ما بين المصراعين [ (1) ] من مصاريع الجنة، لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى [ (2) ] .
ولمسلم من حديث عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: وضعت بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قصعة من ثريد ولحم، فتناول الذراع، وكانت أحب الشاة إليه، فنهس نهسة فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، ثم نهس أخرى فقال: أنا سيد الناس يوم القيامة، فلما رأى أصحابه لا يسألونه قال: ألا تقولون كيفه؟ قالوا: كيفه يا رسول اللَّه؟ قال: يقوم الناس لرب العالمين، وساق الحديث بمعنى حديث أبي حيان عن أبي زرعة. وزاد في قصة إبراهيم فقال: وذكر قوله في الكوكب: هذا ربي، وقوله لآلهتهم: بل فعل كبيرهم هذا، وقوله: إني سقيم. قال: والّذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة إلى عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر، أو هجر ومكة، قال: لا أدري أي ذلك قال [ (1) ] . وله من حديث أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم، عن أبي هريرة، وأبو مالك عن ربعي [بن خراش] [ (2) ] ، عن حذيفة قالا: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يجمع اللَّه تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم، فيقولون، يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم، لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل اللَّه، قال: فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذاك، إنما كنت خليلا من وراء وراء [ (3) ] أعمدوا إلى موسى صلى اللَّه عليه وسلّم، الّذي كلّمه اللَّه تكليما، فيأتون موسى صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست بصاحب ذاك، اذهبوا إلى عيسى كلمة اللَّه وروحه، فيقول عيسى صلى اللَّه عليه وسلّم: لست بصاحب ذاك.
فيأتون محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم، فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم [ (1) ] ، فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر أوّلكم كالبرق، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمرّ البرق؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين، ثم كمرّ الريح، ثم كمرّ الطير، وشدّ الرجال تجري بهم أعمالهم، ونبيكم [قائم] [ (2) ] على الصراط، يقول: ربّ سلّم سلّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا. قال: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار، والّذي نفس أبي هريرة بيده، إن قعر جهنم لسبعون خريفا [ (3) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث مالك بن أنس، عن عمرو بن يحيى بن عمارة، قال: حدثني أبي، عن أبي سعيد الخدريّ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يدخل اللَّه أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار النار،
ثم يقول: انظروا من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حمما قد امتحشوا، فيلقون في نهر الحياة أو الحيا، فينبتون فيه كما تبنت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية؟ هذا لفظ مسلم، وعند البخاري: «فيخرجون منها قد اسودّوا، وقال: «من خردل من خير» [ (1) ] . وأخرجاه من حديث وهيب، حدثنا حجاج بن الشاعر، حدثنا عمرو ابن عون، أخبرنا خالد، كلاهما عن عمرو بن يحيى بهذا الإسناد [وقالا] [ (2) ] : فيلقون في نهر يقال له: الحياة، ولم يشكّا، وفي حديث خالد: كما تنبت الغثاءة في جانب السيل، وفي حديث وهيب: كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل [ (3) ] ، [ذكره البخاري في باب صفة الجنة والنار، وذكره مسلم في باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار] . وخرج مسلم من حدث بشر بن المفضل عن أبي مسلمة عن أبي نصرة عن أبي سعيد [الخدريّ] [ (4) ] قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أما أهل النار الذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم- أو قال: - بخطاياهم- فأماتهم [اللَّه] [ (4) ] إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة [ (5) ] فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل [ (6) ] : يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل، فقال رجل من القوم: كأنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد كان بالبادية [ (7) ] .
وخرج البخاري ومسلم من حديث حماد بن زيد، أخبرنا معبد بن هلال الغزي قال: انطلقنا إلى أنس بن مالك رضي اللَّه عنه وتشفعنا بثابت فانتهينا إليه وهو يصلي الضحى، فاستأذن لنا ثابت فدخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على سريره فقال له [ثابت] [ (1) ] : يا أبا حمزة، إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم [صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] فيقولون [ (2) ] : اشفع لذريتك فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم [عليه السلام] [ (3) ] فإنه خليل اللَّه، فيأتون إبراهيم صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست لها [بأهل] [ (4) ] ، ولكن عليكم بموسى [عليه السلام] [ (3) ] فإنه كليم اللَّه، فيؤتى موسى صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست لها، ولكن
عليكم بعيسى فإنه روح اللَّه وكلمته، فيؤتى عيسى صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فأوتي فأقول: أنا لها، فأنطلق فاستأذن على ربي عزّ وجلّ فيؤذن لي، فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه إلا أن [ (1) ] يلهمنيه اللَّه عزّ وجلّ، ثم أخرّ له [ (2) ] ساجدا فيقال [ (3) ] لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب [ (4) ] أمتي أمتي، فيقال: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها. قال البخاري: فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفّع، فأقول: رب [ (5) ] أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه [ (6) ] مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها. وقال البخاري: فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من خردل من إيمان فأنطلق فأفعل، ثم أعود إلى ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه ... ، وقال البخاري: فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل. هذا حديث أنس الّذي أنبأنا به، فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا: لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة، قال: فدخلنا عليه فسلمنا عليه، قلنا [ (7) ]
يا أبا سعيد، جئنا من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع بمثل حديث حدثناه في الشفاعة، [قال] [ (1) ] : هيه، قال: فحدثناه الحديث فقلنا هيه، قلنا: ما زادنا، قال: قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع، ولقد ترك شيئا ما أدري أنسى الشيخ أم كره [ (2) ] أن يحدثكم فتتكلوا، قلنا له، حدثنا، فضحك وقال: خلق الإنسان من عجل، ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه: ثم أرجع إلى ربي [عز وجل] [ (3) ] في الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن [قال] [ (4) ] : لا إله إلا اللَّه، قال: ليس [ (5) ] ذلك لك، أو قال: ليس ذلك [ (6) ] إليك، ولكن وعزتي وكبريائي، وعظمتي وجبريائي [ (7) ] لأخرجن من قال: لا إله إلا اللَّه. قال: فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك، أراه قال: قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع. اللفظ لمسلم [ (8) ] . وقال البخاري في أوله: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك، وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي [ (9) ] الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم.. الحديث وقال فيه: ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد، وقال فيه: خلق الإنسان عجولا، وقال في آخره: فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا اللَّه، فيقول: وعزتي وجلالي، وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا اللَّه. هذا آخر الحديث عنده، ذكره في كتاب التوحيد
في باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم [ (1) ] . وخرج في هذا الباب حديث أبي بكر بن عيّاش عن حميد قال: سمعت أنسا قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا كان يوم القيامة [شفعت] [ (2) ] فقلت: يا رب أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة فيدخلون، ثم أقول: أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء، فقال أنس: كأني انظر إلى أصابع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث أبي عوانة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يجمع اللَّه الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك [وقال ابن عبيد: فيلهمون من ذلك] [ (4) ] فيقولون: لو استشفعنا [على] [ (5) ] ربنا عزّ وجلّ حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك اللَّه بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا [ (6) ] فيقول: لست هناكم فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها [ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه اللَّه، فيأتون نوحا صلى اللَّه عليه وسلّم فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها] [ (7) ] ولكن ائتوا إبراهيم الّذي اتخذه اللَّه خليلا، فيأتون إبراهيم عليه السلام
فيقول: لست هناكم [ويذكر] [ (1) ] خطيئته التي أصحاب فيستحي ربه منها، ولكن ائتوا موسى الّذي كلمه اللَّه وأعطاه التوراة، قال: فيأتون موسى عليه السلام فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب فيستحي ربه منها، ولكن ائتوا عيسى روح اللَّه وكلمته، فيأتون عيسى روح اللَّه وكلمته عليه السلام فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا قد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فيأتوني فاستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه، فيقال: يا محمد، ارفع رأسك، قل تسمع، سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي، ثم أشفع [فيحد لي حدا] [ (2) ] فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني ثم يقال [لي] [ (3) ] : يا محمد، قل تسمع، وسل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع [فيحد لي حدا] [ (2) ] فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة. قال: [فلا] [ (4) ] أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب الخلود، واللفظ لمسلم [ (5) ] ولم يذكر البخاري فيه قوله: فيهتمون لذلك، ولا فيلهمون لذلك، ولا قوله: التي أصاب فيستحي ربه منها في المواضع الثلاثة. وقال في آخره: حتى ما بقي في النار إلا من حبسهم القرآن، فكان قتادة يقول عند هذا: إلا من وجب عليه الخلود. ذكره في كتاب الرقاق [ (6) ] . وخرج مسلم من حديث ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيهتمون بذلك أو يلهمون ذلك، بمثل حديث أبي عوانة، وقال في الحديث: ثم آتيه الرابعة فأقول: يا رب، ما بقي إلا من حبسه القرآن [ (7) ] . لم يذكر مسلم من الحديث غير هذا، وذكر بعده
حديث معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يجمع اللَّه المؤمنون يوم القيامة فيلهمون لذلك بمثل حديثهما، وذكر في الرابعة: فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود [ (1) ] . وأخرجه البخاري من هذه الطريق ولفظه: عن أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يجمع المؤمنون يوم القيامة لذلك فيقولون، لو استشفعنا إلى ربنا ... الحديث بنحو حديث أبي عوانة عن قتادة، وقال فيه في ذكر نوح وأنه أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض، وقال فيه: فأستأذن على ربي ويؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وهكذا في موضعين بعد هذا، ثم أرجع فإذا رأيت ربي كما قال في هذا، وقال في الرابع: ثم أرجع فأقول: رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود [ (2) ] . وخرج البخاري في تفسير سورة البقرة من طريق مسلم بن إبراهيم، أخبرنا هشام، [حدثنا] [ (3) ] قتادة عن أنس عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يجمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك اللَّه بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحى ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه اللَّه إلى أهل الأرض، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم، فيستحي ويقول: ائتوا خليل [ (4) ] الرحمن، فيأتون فيقول: لست هناكم، [ائتوا موسى، عبدا كلمه اللَّه وأعطاه التوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم] [ (5) ] فيستحي من ربه [فيقول] [ (6) ] : ائتوا عيسى عبد اللَّه ورسوله، وكلمة اللَّه وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمدا، عبدا غفر
اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق حتى [ (1) ] استأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء ثم يقال: ارفع رأسك [وسل] [ (2) ] تعطه، وقل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع [فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة] [ (2) ] ثم أعود الرابعة: فأقول: ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود. قال أبو عبد اللَّه [ (3) ] : إلا من حبسه القرآن يعني قول اللَّه تعالى: خالِدِينَ فِيها [ (4) ] . وخرج في كتاب التوحيد من حديث همام بن يحيى عن قتادة عن أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهمّوا بذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا [ (5) ] فيريحنا من مكاننا، فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الناس: خلقك اللَّه بيده، وأسكنك جنته [ (6) ] ، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، لتشفع [ (7) ] لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيقول لست هناكم، قال: ويذكر خطيئته التي أصاب- أكله من الشجرة وقد نهى عنها- ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه اللَّه إلى أهل الأرض، فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب- سؤاله ربه تعالى بغير علم- ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن، قال: فيأتون إبراهيم فيقول: [إني] [ (8) ] لست هناكم ويذكر ثلاث [كذبات] [ (9) ] كذبهن، ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه اللَّه التوراة وكلّمه وقرّبه نجيا، قال: فيأتون موسى فيقول: إني لست هناكم، ويذكر خطيئته، التي أصاب- قتله النفس- ولكن ائتوا عيسى عبد اللَّه ورسوله، وروح اللَّه وكلمته، قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم ولكن ائتوا محمدا عبدا غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
فيأتوني [ (1) ] فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعي، فيقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: وأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه [ (2) ] ، فيحدّ لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أيضا يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه [ (3) ] ، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحدّ لي حدا، فأخرج فأدخلهم الجنة، قال قتادة: وسمعته [ (4) ] يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء اللَّه أن يدعني ثم يقول: ارفع محمد، وقل يسمع، واشفع تشفع، وسل تعطه، قال: فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال: ثم أشفع فيحدّ لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة، قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما [ (5) ] يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود، ثم تلا هذه الآية: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قال: وهذا المقام المحمود الّذي وعده [ (6) ] نبيكم صلى اللَّه عليه وسلّم [ (7) ] . وخرج مسلم من حديث مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لكل نبي دعوة يدعوها [ (8) ] ،
فأريد [ (1) ] أن أختبئ [ (2) ] دعوتي شفاعة [ (3) ] لأمتي يوم القيامة [ (4) ] . ومن حديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لكل نبي دعوة، وأردت إن شاء اللَّه أختبئ [ (5) ] دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (6) ] . خرجه البخاري من حديث شعيب عن الزهري ولفظه: لكل نبي دعوة، وأريد إن شاء اللَّه أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة. ذكره في كتاب التوحيد في المشيئة والإرادة [ (7) ] . وخرج مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب أن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره أن أبا هريرة قال لكعب الأحبار: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لكل نبي دعوة يدعوها، فأنا أريد إن شاء اللَّه أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فقال كعب لأبي هريرة: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ قال أبو هريرة: نعم [ (8) ] . وخرج البخاري من حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لكل نبي دعوة [مستجابة] [ (9) ] يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة [ (10) ] . ذكره في أول كتاب الدعاء. وخرج مسلم من حديث أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لكل نبي دعوة مستجابة، [فتعجل كل نبي دعوته] [ (11) ] وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي [ (12) ] نائلة إن
شاء اللَّه من مات من أمتي لا يشرك باللَّه شيئا [ (1) ] . وأخرجه الترمذي من هذه الطريق، ولم يقل فيه: فتعجل كل نبي دعوته. وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له فيؤتاها، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (3) ] . وله من حديث شعبة عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له، وإني أريد إن شاء اللَّه أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (4) ] . [و] [ (5) ] وله من حديث ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول عن النبي للَّه: لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (6) ] . وله من حديث معاذ بن [ (7) ] هشام قال: أخبرنا [ (8) ] أبي عن قتادة، أخبرنا [ (8) ] أنس بن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لكل نبي دعوة دعاها [ (9) ] لأمته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة [ (10) ] . وذكر له طرقا أخر. وخرجه البخاري تعليقا
في كتاب الدعاء [ (1) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أحمد بن عبد اللَّه قال: أخبرنا زهير ابن معاوية، أخبرنا أبو خالد الأسدي، أخبرنا عون بن أبي جحيفة السواري عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عقيل قال: انطلقت في وفد فأتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأنخنا الباب وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما في الناس رجل أحب إلينا من رجل دخلنا عليه، فقال قائل منا: يا رسول اللَّه! ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان بن داود؟ فضحك ثم قال: لعل لصاحبكم عند اللَّه أفضل من ملك سليمان بن داود! إن اللَّه لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذا عصوه فأهلكوا بها، وإن اللَّه أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي
يوم القيامة [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد [المقبري] [ (2) ] عن سعيد عن أبي هريرة أنه قال: قيل [ (3) ] يا رسول اللَّه، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (4) ] لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا اللَّه خالصا من قلبه، أو نفسه [ (5) ] . ذكره في كتاب العلم وترجم عليه باب الحرص
على الحديث. وخرجه في كتاب الرقاق من حديث إسماعيل بن جعفر عن عمرو ... إلى آخره، وقال: خالصا من قبل نفسه [ (1) ] . وخرجه النسائي بنحوه [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن العاص أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تلى قول اللَّه عز وجل في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ... [ (3) ] الآية، وقال عيسى عليه السلام: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (4) ] ، فرفع يديه وقال: اللَّهمّ أمتي.. أمتي [ (5) ] ، وبكي، فقال اللَّه عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد وربك أعلم، فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بما قال
وهو أعلم، فقال اللَّه: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسؤك [ (1) ] . ***
ذكر المقام المحمود الذي وعد الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم
ذكر المقام المحمود الّذي وعد اللَّه تعالى به الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم قال اللَّه جل جلاله: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] . خرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث وكيع عن إدريس الأودي عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] قال: الشفاعة. وخرج الحاكم من حديث الزهري عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب ابن مالك عن أبيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء اللَّه أن أقول، فذلك المقام المحمود، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وله من حديث إسرائيل قال: أخبرنا أبو إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة ابن اليمان [سمعته يقول] [ (3) ] في قوله عز وجل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (4) ] قال: يجمع الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر حفاة عراة كما خلقوا، سكوتا لا تكلم نفس إلا بإذنه، قال: فينادي محمد صلى اللَّه عليه وسلّم
فيقول: «لبيك وسعديك والخير في يديك، والشر ليس إليك، المهدي من هديت، وعبدك بين يديك، ولك وإليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، سبحان رب البيت» ، فذلك المقام المحمود الّذي قال اللَّه: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما خرج مسلم حديث أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة، ليخرجن من النار فقط [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث سعيد بن زيد قال: حدثنا علي بن الحكم عن عثمان عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة، فقال رجل من الأنصار: وما المقام المحمود؟ قال: ذاك إذا جيء بكم عراة حفاة غرلا، فأقوم مقاما لا يقومه أحد غيري يغبطني به الأولون والآخرون [ (3) ] . وله من حديث وكيع قال: حدثنا داود بن عبد اللَّه الأودي الزعافري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: المقام المحمود الشفاعة [ (4) ] ، وخرجه الترمذيّ وقال: هذا حديث حسن [ (5) ] ، وداود الزعافري هو داود الأودي، وهو عم عبد اللَّه بن إدريس وفي الباب عن كعب بن مالك وأبي سعيد وابن عباس. وخرجه البغوي من حديث أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن عمر، حدثنا أبو أسامة عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً [ (1) ] قال: هو المقام الّذي أشفع فيه لأمتي.
ورواه سفيان بن وكيع عن جرير بن عبد الحميد عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: [قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] : يقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحدا قبلي ولن يقيمه أحدا بعدي. وروى حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال: إن لمحمد من ربه مقاما لا يقومه نبي مرسل ولا ملك مقرب، يبين اللَّه للخلائق فضله على جميع الأولين والآخرين. وقال أبو سفيان العمري عن معمر عن الزهري، عن علي بن الحسن أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مدّ الأديم حتى لا يكون للإنسان إلا موضع قدميه، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن فأقول: يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إليّ، فيقول تبارك وتعال: صدق، ثم أشفع فأقول: يا رب عبادك في أطراف الأرض، فهو المقام المحمود. قال أبو عمر بن عبد البر: على هذا أصل في تأويل قول اللَّه عز وجل: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً أنه الشفاعة. وقد روي عن مجاهد: أن المقام المحمود أن يقعده معه يوم القيامة على العرش، وهذا عندهم منكر في تفسير هذه الآية، والّذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين أن المقام المحمود هو المقام الّذي يشفع فيه لأمته. وقد روي عن مجاهد مثل ما عليه الجماعة من ذلك فصار إجماعا في تأويل الآية من أهل العلم بالكتاب والسنة. ذكر ابن أبي شيبة عن شبابة عن ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قال: شفاعة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. وذكر بقيّ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، أخبرنا قيس عن عاصم عن عبد اللَّه مثله، وذكر الغرباني عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن ابن مسعود مثله.
وذكر ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال: المقام المحمود الشفاعة. وروى سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن صله عن حذيفة قال: يجتمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي- زاد سفيان في حديثه-: حفاة عراة سكوتا، كما خلقوا قياما، لا تكلم نفس إلا بإذنه، ثم اجتمعوا، فينادي منادي: يا محمد، على رءوس الأولين والآخرين، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، زاد سفيان: والشر ليس إليك، ثم اجتمعا والمهدي من هديت تباركت وتعاليت، ومنك وإليك، لا ملجأ ولا منجى إلا إليك. قال حذيفة: فذلك المقام المحمود. وذكر له عن حذيفة عدة طرق، قال: وروى يزيد عن زريع عن سعيد عن قتادة في قوله: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً، قال: ذكر لنا أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خيّر بين أن يكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا فأومأ إليه جبريل أن تواضع، واختار نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يكون عبدا نبيا، وأعطى. بها اثنتين: أول من تنشق عنه الأرض وأول شافع. قال قتادة: وكان أهل العلم يرون أن المقام المحمود الّذي قال اللَّه عزّ وجلّ: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً شفاعته يوم القيامة، قال: وممن روى عنه أيضا: أن المقام المحمود الشفاعة: الحسن البصري وإبراهيم النّخعيّ وعلي ابن الحسين بن علي وابن شهاب وسعد بن أبي هلال وغيرهم. ***
تنبيه وإرشاد
تنبيه وإرشاد قال الحافظ أبو نعيم: وهذه الأخبار وما يجانسها في الشفاعة وإجابة آدم عليه السلام فمن دونه في الشفاعة عليه كلها داخلة في علو مرتبة نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وشرف منزلته ورفعته عند ربه تعالى، لأن النبوة لا يخص اللَّه بها إلا المنتخبين من خلفة في الأمم، وذوي الأخطار العظيمة، والمناقب الرفيعة، فإذا كان سائر الأنبياء يدفعون عن أنفسهم التشفيع والمسألة، ويجيئون بها على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم بأن فضله وعلو مرتبته على مراتبهم، وفي تعريف هذه المنزلة وإن لم تكن في نفسها معجزة، وأن اللَّه تعالى وضع نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم في أعلى المراتب وأشرف المناقب، لتكون القلوب مقبلة على قبوله، والنفوس مسرعة إلى طاعته صلى اللَّه عليه وسلّم، هذا له مع ما خصه اللَّه من الخصال التي لم تعط من تقدمه من النّبيين والمرسلين من المنافع البهية والمرافع السنية. انتهى. واعلم أن الشفاعة خمسة أقسام: الأولى: الشفاعة في إراحة المؤمنين من طول الوقوف وتعجيل الحساب كما تقدم ذكره. والثانية: الشفاعة في إدخال قوم من المؤمنين الجنة بغير حساب كم تقدم من حديث أنس، وفيه: فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن. والثالثة: الشفاعة لقوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم ومن يشاء اللَّه. والرابعة: الشفاعة فيمن دخل النار من المذنبين فيخرجهم اللَّه بشفاعة نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وبشفاعة الملائكة وإخوانهم المؤمنين، ثم يخرج اللَّه عز وجل من النار كل من قال لا إله إلا اللَّه ولا يبقى في النار إلا الكافرون. والخامسة: الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها. واتفقوا على شفاعة الحشر وعلى الشفاعة في زيادة درجات أهل الجنة، وخالفت الخوارج والمعتزلة في الأقسام الثلاثة الأخر. وقال ابن عبد البر: وقد قيل إن الشفاعة
منه صلى اللَّه عليه وسلّم تكون من مرتين: مرة في الموقف يشفع في قوم فينجون من النار ولا يدخلون الجنة، ومرة بعد دخول قوم من أمته النار فيخرجون منها بشفاعته. وقد رويت آثار بنحو هذا الوجه بنفي الوجه الأول، ثم ذكر من طريق ثور ابن يزيد عن هشام بن عروة عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه أن يجعلني ممن يشفع له يوم القيامة، فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إذن تخمشك النار فإن شفاعتي لكل هالك من أمتي تخمشه [ (1) ] النار. وذكر من طريق يحيى بن معين قال: حدثنا أبو اليمان عن شعيب عن أبي حمزة عن الزهري عن أنس بن مالك عن أم حبيب رضي اللَّه عنها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ذكر ما تلقى أمته بعده من سفك دم بعضها بعضا، وسبق ذلك من اللَّه كما سبق في الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم ففعل. وذكر من طريق أبي عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود، وأحلّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، ونصرت بالرعب شهرا فيرعب العدو مني مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وقيل سل تعط فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة وهي نائلة إن شاء اللَّه من لم يشرك باللَّه شيئا. وذكر شيبان بن فروخ قال: حدثنا حرب بن شريح، أخبرنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه أنه قال: ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وقال إني ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
وذكر من طريق أبي داود الطيالسي قال: أخبرنا محمد بن ثابت عن جعفر ابن محمد بن على عن أبيه جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، قال: فقال لي جابر: من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة. قال أبو عمرو: والآثار في هذا كثيرة متواترة، والجماعة وأهل السنة على التصديق بها، ولا ينكرها إلا أهل البدع. وذكر من طريق قاسم بن أصبغ قال: أخبرنا الحرث بن أبي أسامة، أخبرنا إسحاق بن عيسى، أخبرنا حماد بن زيد عن على بن زيد عن يوسف بن عوان عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا أيها الناس، إن الرجم حق ولا تخدعنّ عنه، وآية ذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد رجم، وأبا بكر [قد رجم] [ (1) ] ، ورجمنا بعدهما، وأنه سيكون أناس يكذبون بالرجم، ويكذبون باللعان، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها، ويكذبون بعذاب القبر، ويكذبون بالشفاعة، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا، قال أبو عمر: كل هذا يكذب به جميع طوائف أهل البدع والخوارج والمعتزلة والجهمية وسائر الفرق المبتدعة، وأما أهل السنة، أئمة الفقه والأمر في جميع الأمصار فيؤمنون بذلك كله ويصدقونه، وهم أهل الحق، واللَّه المستعان. ***
إيضاح وتبيان
إيضاح وتبيان قد استشكل ظاهر قوله: لكل نبي دعوة يدعو بها، إنما وقع لكثير من الأنبياء من الدعوات المجابة، ولا سيما نبينا صلى اللَّه عليه وسلم، فإنه ظاهره أن لكل نبي دعوة واحدة مجابة فقط، والجواب: أن المراد بالإجابة الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعوات فهو على رجاء الإجابة، وقيل: مضى قوله: لكل نبي دعوة أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخر، وقيل: لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته إما بإهلاكهم أو بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة فمنها ما يستجاب ومنها ما لا يستجاب: وقيل: لكل منهم دعوة تخصه لدنياه أو لنفسه، كقول نوح عليه السلام: لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [ (1) ] ، وقول زكريا عليه السلام: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [ (2) ] ، وقول سليمان عليه السلام: وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ (3) ] ، حكاه ابن التين. وقال بعض شراح (المصابيح) : اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة، والمراد بهذا الحديث أن لكل نبي دعاء على أمته بالإهلاك إلا أنا فلم أدع، فأعطيت الشفاعة عوضا عن ذلك للصبر على أذاهم، والمراد بالأمة: أمة الدعوة لا أمة الإجابة، وتعقبه الطيبي بأنه صلى اللَّه عليه وسلم دعا على أحياء من العرب، ودعا على الناس من قريش بأسمائهم، فدعا على رعل وذكوان وغيرهم. قال: والأولى أن يقال: أن اللَّه تعالى جعل لكل نبي دعوة تستجاب في حق أمته، فنالها كل منهم في الدنيا إلا نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [ (4) ] ، فبقي تلك الدعوة المستجابة مدّخرة للآخرة، وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم، وإنما أراد ردعهم ليتوبوا [ (5) ] .
وأما جزمه أولا بأن جميع أدعيتهم مستجابة ففيه غفلة عن الحديث الصحيح: سألت اللَّه ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. وقال ابن بطال: في هذا الحديث بيان فضيلة نبينا صلى اللَّه عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة، ولم يجعلها أيضا دعاءً عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم [ (1) ] . وقال ابن الجوزي: هذا من حسن تصرفه صلى اللَّه عليه وسلّم، لأنه جعل الدعوة بشيء ينبغي، ومن كثرة كرمه أنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره أنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين. وقال النووي: فيه كمال شفقته صلى اللَّه عليه وسلّم على أمته ورأفته بهم، واعتناؤه بالنظر في مصالحهم، فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم [ (2) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: وأما قوله: لكل نبي دعوة يدعو بها، فمعناه: أن كل نبي أعطى أمنية وسؤلا ودعوة يدعو بها ما شاء أجيب وأعطيه. ولا وجه لهذا الحديث غير ذلك، لأن لكل نبي دعوات مستجابات، ولغير الأنبياء أيضا، دعوات مستجابات، وما يكاد أحد من أهل الإيمان يخلو من أن تجاب دعوته ولو مرة في عمره، فإن اللَّه تعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ (3) ] ، وقال: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ [ (4) ] ، وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث: إما يستجاب له فيما دعا به، وإما أن يدخر له مثله، أو يكفر عنه [ (5) ] . وقال: دعوة المظلوم لا ترد ولو كانت من كافر، والدعاء عند حضرة النداء، والصف في سبيل اللَّه، وعند نزول الغيث، وفي ساعة يوم الجمعة لا يرد، فإذا كان هذا، هكذا لجميع المسلمين، فكيف يتوهم متوهم أن ليس للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم ولا لسائر الأنبياء إلا دعوة واحدة يجابون فيها، هذا ما لا يتوهمه ذو لب ولا إيمان، ولا من له أدنى فهم، وباللَّه التوفيق.
وأما حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الكوثر
وأما حوض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو الكوثر قال اللَّه جل جلاله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (1) ] ، واختلف في المراد به، فقيل إنه نهر في الجنة، وقيل: الكوثر: الخير الكثير الّذي أعطيه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقد بلغ التواتر عن جماعة من علماء الآثار، ورواه الجم الغفير عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وبان، وجابر، وأبو هريرة، وجابر بن سمرة، وعقبة بن عامر، وعبد اللَّه بن عمرو، وأبوه عمرو بن العاص، وحارثة بن وهب، والمستورد، وأبو برزة، وحذيفة، وأبو أمامة، وأبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وعبد اللَّه بن زيد، وسهل بن سعيد، وسويد بن عبلة، وبريدة وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وعتبة ابن عبد السلمي وجندب، والصنايجي، وأبو بكرة، وأبو ذر الغفاريّ، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت قيس، ذكرهم اللالكائي وغيره. قال القاضي عياض [ (2) ] : أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة، لا يتأول ولا يختلف فيه، وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة. قاله ابن عباس. وقيل: هو العلم والقرآن، قاله الحسن، وقيل: النبوة، قاله عكرمة، وقيل: إنه حوض النبي صلى اللَّه عليه وسلم يكثر عليه الناس. قاله عطاء، وقيل: إنه كثرة أتباعه وأمته، قاله أبو بكر بن عياش، وقال جعفر بن محمد الصادق: يعني بالكوثر نورا في قلبك يدلّك علي ويقطعك عمن سواي. وعنه أيضا أنه الشفاعة. وقال هلال بن يسار: هو قول لا إله إلا اللَّه، وقيل: هو الصلوات الخمس. وأصح هذه الأقوال: ما ثبت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، [فقد] [ (3) ] خرج البخاري في آخر كتاب الرقاق من حديث هدبة بن خالد، حدثنا همام، حدثنا
قتادة، حدثنا أنس بن مالك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: [بينما] [ (1) ] أنا أسير في الجنة، [إذا] [ (2) ] أنا بنهر [حافّتاه] [ (3) ] قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الّذي أعطاك ربك، فإذا طيبه أو طينه [مسك] [ (4) ] أذفر شكّ هدبة [ (5) ] . وخرج في التفسير من حديث شيبان، حدثنا قتادة عن أنس: لما عرج بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافاته قباب اللؤلؤ [مجوف] [ (6) ] فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر [ (7) ] . ومن حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي اللَّه عنها قال: سألتها عن قوله [تعالى] [ (8) ] : إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم شاطئاه [عليه] [ (9) ] در مجوف، آنيته كعدد النجوم [ (10) ] . [رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق] [ (8) ] . ومن حديث أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أنه قال في الكوثر: هو الخير الكثير الّذي أعطاه اللَّه إياه، قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الّذي في الجنة هو الخير الّذي أعطاه اللَّه إياه [ (11) ] .
وخرج مسلم من حديث على بن مسهر قال: أخبرنا المختار بن فلفل عن أنس ابن مالك رضي اللَّه عنه قال: بينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا إذ غفا إغفاءة ثم رجع، فرأيته مبتسما!! فقلنا: ما أضحكك يا رسول اللَّه؟ قال: نزلت على آنفا سورة، فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (1) ] إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (2) ] ، ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر في الجنة وعدنيه ربي عليه خير كثير، أو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك [ (3) ] . [زاد
ابن حجر في حديثه: «بين أظهرنا في المسجد» وقال: «ما أحدث بعدك» ] [ (1) ] . وفي رواية النسائي: «أحدثت بعدك» ، وهي رواية لمسلم أيضا، وقال النسائي في حديثه: «آنيته أكثر من عدد الكواكب» ، ذكره النسائي في كتاب الصلاة، وفي كتاب التفسير. [ ... ] [ (2) ] وخرج الترمذي من حديث محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب عن محارب ابن دثار عن عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ذكره في التفسير [ (3) ] . وخرج البخاري في الرقاق من حديث شعبة عن عبد الملك [بن عمير] [ (4) ] قال: سمعت جندبا يقول: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أنا فرطكم على الحوض [ (5) ] . وخرجه مسلم من حديث زائدة عن عبد الملك [ (6) ] ، وذكر له طرقا، وله من
حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا إني فرط لكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة، كأن الأباريق فيه النجوم [ (1) ] . وله من حديث حاتم بن إسماعيل، عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع: أخبرني بشيء سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكتب إليّ: أني سمعته يقول: أنا الفرط على الحوض [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث ابن أبي عدي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: حوضه ما بين صنعاء والمدينة، فقال له المستورد: ألم تسمعه قال الأواني؟ فقال: لا، فقال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكواكب [ (3) ] . وخرجه البخاري من حديث حرمي بن عمارة، حدثنا شعبة عن معبد بن خالد «عن حارثة سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وذكر الحوض فقال: كما بين المدينة وصنعاء» [ (4) ] [قال] [ (5) ] : وزاد ابن أبي عدي عن شعبة عن معبد بن خالد عن حارثة سمع
النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: حوضه ما بين صنعاء والمدينة، فقال له المستورد: ألم تسمعه قال الأواني؟ قال: لا، قال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكواكب [ (1) ] . وخرج مسلم وأحمد من حديث عبد العزيز بن عبد الصمد العمى، عن أبي عمران الجوني عن عبد اللَّه بن الصامت عن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه، ما آنية الحوض؟ قال: والّذي نفس محمد بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء، وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، ذكره في المناقب [ (2) ] . وله من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد عن عقبة بن عامر رضي اللَّه عنه قال: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على قتلى أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات فقال: إني فرطكم على الحوض، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة [ (3) ] ،
إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن [تنافسوا] [ (1) ] فيها فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم، قال عقبة: فكان آخر ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر [ (2) ] . وذكره البخاري بهذا السند ولفظه: قال: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: إني بين أيديكم فرط، وأنا شهيد عليكم، إن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها. قال: فكانت آخر نظرة نظرها إليّ رسول اللَّه [ (3) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وأني واللَّه لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني واللَّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها [ (3) ] . لفظهما متقارب جدا، ذكره البخاري في باب الصلاة على الشهيد، وفي كتاب الرقاق، وفي آخر غزوة أحد. وذكره في باب علامات النبوة في الإسلام وقال: مفاتيح خزائن الأرض (من غير شك) . وذكره أبو داود بهذا الإسناد [ (4) ] ، وانتهى من الحديث إلى قوله: ثم انصرف. وذكره النسائي [ (5) ] وانتهى إلى قوله: وأنا شهيد عليكم.
وخرج مسلم من حديث معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن سالم ابن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: إني لبعقر حوضي أذود الناس [عنه] [ (1) ] لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم، فسئل عن عرضه فقال: من مقامي إلى عمان، وسئل عن شرابه فقال: أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من الذهب والآخر من ورق [ (2) ] . وخرج أيضا من حديث الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل [ (3) ] . وخرج البخاري في كتاب الشرب من حديث شعبة عن محمد بن زياد سمعت أبا هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: والّذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض [ (4) ] . وخرج مسلم من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني عمرو- وهو ابن الحرث- أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي، عن عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة، عن م سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم سمع ذلك من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما كان [يوما] [ (5) ] من ذلك- والجارية تمشطني- فسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: [أيّها] [ (6) ] الناس، فقلت للجارية: استأخري عنها، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتينّ
أحدكم فيذبّ عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: [سحقا] [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد اللَّه بن عمرو، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدا. ذكره في الرقاق في باب الحوض [ (2) ] . وله فيه من حديث نافع بن عمر، حدثني ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها قالت: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: إني على الحوض حتى انظر من يرد عليّ منكم، [وسيؤخذ] [ (3) ] ناس دوني، فأقول: يا رب [مني] [ (4) ] ومن أمتي، فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ واللَّه ما برحوا يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي مليكة يقول: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. على أعقابهم ينكصون: يرجعون على العقب، ذكره في كتاب الفتن [ (5) ] . وخرج مسلم في المناقب من حديث نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة، قال: قال عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: حوضي مسيرة شهر، زواياه سواء وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، كيزانه كنجوم السماء، فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا. قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إني على الحوض [حتى] [ (6) ] انظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني فأقول: يا رب مني ومن أمتي، فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ واللَّه ما برحوا يرجعون على أعقابهم، قال: وكان ابن أبي مليكة
يقول: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا [ (1) ] . وله من حديث ابن خيثم عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مليكة، سمع عائشة رضي اللَّه عنها تقول: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول بين ظهراني أصحابه: إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم، فو اللَّه ليقتطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب، مني ومن أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم [ (2) ] . وخرج البخاري في الرقاق من حديث أبي عوانة عن سليمان عن شقيق عن عبد اللَّه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [أنه قال] : أنا فرطكم على الحوض، وليرفعنّ إليّ رجال منكم حتى إذا هويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي! يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك [ (3) ] . وخرجه مسلم من طرق [ (4) ] . وخرج البخاري من حديث عبد اللَّه قال: حدثني نافع عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لي: إنّ أمامكم حوضا ما بين جرباء وأذرح [ (5) ] . وخرجه مسلم من طرق في بعضها: حوضي، وفي بعضها: إن أمامكم حوضا ما بين ناحيتيه. وخرجه كذلك أبو داود وفي بعضها: إن أمامكم حوضا كما بين جرباء وأذرح، فيه أباريق كنجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا [ (6) ] .
وخرج البخاري من حديث ابن وهب عن يونس، قال ابن شهاب: حدثني أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة [ (1) ] . وخرجه مسلم من طرق، في بعضها: ما بين لابتي حوضي. وله من حديث خالد بن الحرب عن سعيد عن قتادة، قال أنس: قال نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ترى فيه: أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء [ (2) ] . وفي لفظ: أو أكثر من عدد نجوم السماء [ (3) ] . وذكر البخاري ومسلم أحاديث فيها ذكر الحوض من حديث سهل بن سعد بمعنى ما تقدم، وجاءت أحاديث أخر في ذكر الحوض، وفيما أوردته من الصحيحين والسنن ما يشبع ويكفي إن شاء اللَّه. وقال أبو عمر بن عبد البر: وكل من أحدث في الدين ما لا يرضاه اللَّه، ولم يأذن به اللَّه، فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، وأشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم، مثل الخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، هؤلاء كلهم مبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق، وقتل أهله وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والأهواء والبدع، كل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا عنوا بهذا الخبر، ولا يخلد في النار إلا كل فاجر جاحد، ليس في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. وقد قال أبو القاسم: قد يكون من غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء، وكان يقال: تمام الإخلاص تجنب المعاصي. (انتهى) .
والظاهر أن الشرب من الحوض يكون بعد الحساب والنجاة من النار، وقيل: يشرب منه إلا من قدر له السلامة من النار. واللَّه الرحيم الرحمن [ (1) ] . ***
وأما كثرة أتباعه صلى الله عليه وسلم
وأما كثرة أتباعه صلى اللَّه عليه وسلّم فخرج مسلم من حديث جرير عن المختار بن فلفل عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا [ (1) ] . وفي رواية سفيان عن مختار: أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة [ (2) ] . وفي رواية زائدة عن المختار: أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدّق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد [ (3) ] . وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] والنسائي من حديث الليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الّذي [أوتيته] وحيا أوحي إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم [تابعا] يوم القيامة. وخرج الترمذي من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أكثرهم واردة، وإني
لأرجو أن أكون أكثرهم واردة [ (1) ] . قال هذا حديث غريب، وقد روى الأشعث ابن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مرسلا، ولم يذكر عن سمرة، وهذا أصح. ***
وأما الخمس التي أعطيها صلى الله عليه وسلم
وأما الخمس التي أعطيها صلى اللَّه عليه وسلّم وقد روى ست، وروى ثلاث وأربع، وهي تنتهي إلى أزيد من سبع، قال: فهن لم يؤتهن أحد قبلي. فخرج البخاري من حديث هشيم، أخبرنا سيار، حدثنا يزيد الفقير، قال: أخبرنا جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. ذكره في باب التيمم [ (1) ] ، وخرجه في كتاب الصلاة [ (2) ] ولفظه: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي.. الحديث إلى آخره، وقال: وبعثت إلى كافة الناس. وخرجه مسلم [ (3) ] بهذا السند ولفظه: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة. وخرجه النسائي [ (4) ] ، ولفظه عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: جعلت لي الأرض مسجدا طهورا، فأينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلى. لم يذكر
منه غير هذا [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث محمد بن فضيل عن أبي مالك الأشجعي عن ربعيّ عن حذيفة رضي اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فضلنا على الأنبياء بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء، وذكر خصلة أخرى [ (2) ] . وخرجه أبو داود الطيالسي من حديث أبي عوانة عن أبي مالك بسنده ولفظه: فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدا وترابها طهورا، وأعطيت آخر سورة البقرة وهي كنز من العرش. وروى أبو داود السجستاني من حديث جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد ابن عمير عن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا [ (3) ] . وخرج ابن الجارود من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد- يعني ابن عمرو- عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: مثله سواء. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة بسنده ولفظه. وخرجه ابن الجارود أيضا من حديث حماد عن ثابت وحميد عن أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا.
وخرج أبو نعيم من حديث شعبة عن واصل عن مجاهد عن أبي ذر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أوتيت خمسا لم يؤتهن نبي قبلي: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب على مسيرة شهر، وبعثت إلى الأحمر والأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي كان قبلي، وأعطيت الشفاعة وهي نائلة من أمتي من مات منهم لا يشرك باللَّه شيئا. قال أبو نعيم: هكذا رواه شعبة عن واصل عن مجاهد عن أبي ذر، وتابعه عليه عمرو بن ذر [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد من حديث ابن إسحاق قال: حدثني سليمان الأعمش عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج عن عبيد بن عمير الليثي عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أوتيت خمسا لم يؤتهن نبي كان قبلي: نصرت بالرعب فيرعب مني العدو من مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي، وبعثت إلى الأحمر والأسود، وقيل لي: سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي، وهي نائلة منكم- إن شاء اللَّه- من لقي اللَّه عز وجل لا يشرك به شيئا، وكان مجاهد يرى أن الأحمر الإنس والأسود الجن [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر قال: طلبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليلا فوجدته قائما يصلي فأطال الصلاة ثم قال: أوتيت الليلة خمسا لم يؤتها نبي قبلي: أرسلت إلى الأحمر والأسود، ونصرت بالرعب فيرعب العدو وهو مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وقيل لي: سل تعطه فاختبأتها شفاعة لأمتي، وهي نائلة لمن لا يشرك باللَّه شيئا [ (1) ] . قال أبو نعيم: تابع جرير استدل ابن علي وأبو معاوية ومحمد بن إسحاق على عبيد بن عمير وقال مرة: متن هذا الحديث وخصائص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم راتب مشهور ومتفق عليه من حديث يزيد الفقير عن جابر بن عبد اللَّه وغيره، وحديث عبيد بن عمير عن أبي ذر مختلف في سنده، فمنهم من يرويه عن الأعمش عن مجاهد عن أبي ذر من دون عبيد، وتفرّد جرير بإدخال عبيد بين مجاهد وأبي ذر عن الأعمش.
وله من حديث سلمة عن مجاهد عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي: بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود وإنما كان النبي يبعث إلى قومه، ونصرت بالرعب يرعب مني عدوي شهرا، وأطعمت المغنم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا [ (1) ] . وله من حديث سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مثله، قال: وتابعه عليه الحكم بن عيينة، ورواه يزيد بن أبي زياد مثله عن مجاهد وفيه: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي، ولا أقول فخرا: بعثت إلى الأحمر والأسود، فذكر مثله سواء. وله من حديث ابن لهيعة عن الحرث بن يزيد عن على بن رباح عن رجل سمع عبادة بن الصامت قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن جبريل أتاني فبشرني أن اللَّه أمدني بالملائكة وأتاني النصر، وجعل بين يدي الرعب، وأتاني السلطان والملك، وطيب لي ولأمتي الغنائم، ولم يكن لأحد قبلنا. واللَّه يؤتي فضله من يشاء وبه يكتفى [ (1) ] . ***
وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزائن الأرض
وأما أنه بعث بجوامع الكلم وأوتي مفاتيح خزائن الأرض فخرج البخاري في الجهاد من حديث عقيل عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، فبينا أنا نائم أوتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي، قال أبو هريرة: وقد ذهب رسول اللَّه وأنتم تنتثلونها [ (1) ] . وخرجه في كتاب التعبير في باب المفاتيح في اليد ولفظه: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت مفاتيح خزائن الأرض وضعت [ (2) ] في يدي، قال محمد: وبلغني أن جوامع الكلم: أن اللَّه يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك [ (3) ] . وخرجه في كتاب الاعتصام من حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي، قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأنتم تلغثونها أو ترغثونها، أو كلمة تشبهها [ (4) ] . وخرجه مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب، ومن حديث الزبيدي عن الزهري، أخبرنا سعيد بن المسيب وأبو سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول:.. فذكره [ (1) ] ، وخرجه من حديث معمر عن الزهري [ (2) ] ، وخرجه النسائي أيضا من حديث معمر ويونس عن الزهري [ (3) ] ، وأخرجه أيضا من حديث الزبيدي عن الزهري عن سعيد [ (4) ] ، وأبي سلمة عن أبي هريرة [ (5) ] . وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول حين فتحت الأمصار في زمان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعده: افتحوا ما بدا لكم، فو الّذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا اللَّه قد أعطى محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم مفاتيحها قبل ذلك. وخرج البخاري من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب، وبينما أنا نائم البارحة إذا أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي، قال أبو هريرة: فذهب رسول اللَّه وأنتم تنتقلونها. ذكره في كتاب التعبير في باب رؤيا بالليل [ (6) ] . وخرج مسلم من حديث ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن أبي يونس مولى أبي هريرة أنه حدثه عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: نصرت بالرعب على العدو، وأوتيت جوامع الكلم، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي [ (7) ] . وله من حديث عبد الرزّاق، حدثنا معمر عن هشام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فذكر أحاديث منها: وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم، ذكره والّذي قبله في كتاب الصلاة [ (8) ] .
وخرج من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون [ (1) ] . وخرجه أبو نعيم من حديث أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: فضلت على النبيين بست: أوتيت جوامع الكلم، ونصت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، وأرسلت إلى الناس كافة، وأحلت لي الغنائم، وختم بي النبيون [ (2) ] . وله من حديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت فواتح الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم إذ أتيت بمفاتح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي [ (2) ] . وله من حديث الحسن بن سفيان قال: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا عيسى ابن ميمون، حدثنا محمد بن كعب قال: سمعت ابن عياش رضي اللَّه عنه يقول: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أوتيت خصالا لا أقولها فخرا، قيل: وما هن يا رسول اللَّه؟ قال: غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، وجعلت أمتي خير الأمم، وأوتيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأوتيت الكوثر آنيته عدد نجوم السماء. وله من طريق الغرياني جعفر بن محمد قال: حدثنا أبو جعفر النفيلي، حدثنا موسى بن أمين عن عطاء بن السائب عن أبي جعفر عنه أبيه عن جده عن أبي طالب عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي: أرسلت إلى الأبيض والأسود والأحمر، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي قبلي، وأعطيت جوامع الكلم، يعني القرآن [ (2) ] .
وخرج مسلم من حديث مالك بن مغول عن الزبير بن عديّ عن مرة الهمدانيّ عن عبد اللَّه قال: لما أسري برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم انتهى به إلى سدرة المنتهى، أعطي ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن كان من أمته لا يشرك باللَّه المقحمات [ (1) ] . وذكر قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أعطيت مكان التوراة السبع، ومكان الزبور المئين، ومكن الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل [ (2) ] . ***
وأما تأييده بقتال الملائكة معه
وأما تأييده بقتال الملائكة معه فخرج البخاري من حديث يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقيّ عن أبيه- وكان أبوه من أهل بدر- قال: جاء جبريل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة [ (1) ] . ومن حديث خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال يوم بدر: هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب [ (2) ] . ولمسلم قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط، فاخضرّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين [ (3) ] . ولعثمان بن سعيد الدارميّ من حديث معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله عزّ وجلّ: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ [ (4) ] ، قال: أقبلت عير مكة تريد الشام، فبلغ أهل مكة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يريدون العير، فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير إليها لكيلا يغلب عليها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وكان اللَّه عز وجل قد وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا أن يلقوا
العير أحب إليهم وأيسر شوكة، وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت سار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم والمسلمين بينهم وبين الماء رملة دعصة، فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم القنط يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء اللَّه وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا، فأمطر اللَّه عليهم مطرا شديدا، فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب اللَّه عنهم رجز الشيطان، وصار الرمل كذا، ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم، وأمدّ نبيّه والمؤمنين بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة، [وميكائيل في خمسمائة مجنبة] [ (1) ] ، وجاء إبليس في جند من الشياطين معه، رأيته في صورة رجال بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جشعم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ [ (2) ] ، فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللَّهمّ أولانا بالحق فانصره. ورفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يده فقال: يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا، فقال جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس- لعنه اللَّه- فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرا وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة!! لم تزعم أنك جار لنا؟ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (2) ] ، وذلك حين رأى الملائكة. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: وحدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللَّه ابن أبي بكر وغيرهم من علمائنا، فذكر الحديث في يوم بدر إلى أن قال: فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في العريش هو وأبو بكر رضي اللَّه عنه ما معهما غيرهما، وقد تداني القوم بعضهم من بعض، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يناشد ربه ما وعده من
نصره ويقول: اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، وأبو بكر رضي اللَّه عنه يقول: بعض منا شدتك يا رسول اللَّه فإن اللَّه موفيك ما وعدك من نصره. وخفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خفقة [ثم هب] [ (1) ] ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر اللَّه، هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع- يقول الغبار-، ثم خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فعبأ [ (2) ] أصحابه وهيأهم وقال: لا يعجلن رجل بقتال [ (3) ] حتى نؤذنه، فإذا أكثبوكم [ (4) ] القوم- يقول: اقتربوا منكم- فانضحوهم [عنكم] [ (5) ] بالنبل، ثم تزاحم الناس، فلما تداني بعضهم من بعض خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأخذ حفنة من حصباء [ (6) ] ثم استقبل بها قريشا فنفخ بها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه- يقول: قبحت الوجوه- ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: احملوا يا معشر المسلمين، فحمل المسلمون، وهزم اللَّه قريشا، وقتل من قتل من أشرافهم، وأسر من أسر منهم [ (7) ] . وقال يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق: قال عبد اللَّه بن أبي بكر: حدثني بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة- وكان شهد بدرا- قال بعد أن أذهب بصره: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري، لأريتكم الشّعب الّذي خرجت منه الملائكة [ (8) ] . وقال موسى بن عقبة: فمكث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعد قتل ابن الحضرميّ شهرين، ثم أقبل أبو سفيان بن حرب في عير لقريش من الشام، فذكر قصة بدر، إلى أن قال: وعجّ المسلمون إلى اللَّه تعالى يسألونه النصر حين رأوا القتال قد نشب، ورفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يديه إلى اللَّه تعالى يسأله ما وعده ويسأله النصر ويقول: اللَّهمّ إن ظهر على هذه العصابة ظهر الشرك ولم يقم لك دين، وأبو بكر رضي اللَّه عنه
يقول له: يا رسول اللَّه، والّذي نفسي بيده لينصرنك اللَّه عز وجل، وليبيض وجهك، فأنزل اللَّه عز وجل من الملائكة جندا في أكتاف العدو، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: قد أنزل اللَّه ونزلت الملائكة، أبشر يا أبا بكر فإنّي قد رأيت جبريل معتجرا يقود فرسا بين السماء والأرض، فلما هبط إلى الأرض جلس عليها فتغيب عني ساعة، ثم رأيت على شفته غبارا. وقال ابن إسحاق في رواية محمد بن عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد اللَّه البكائي: حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان، ننظر الوقعة على من تكون الدائرة، فننتهب مع من ينتهب، فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلا يقول: أقدم حيزوم، فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه مات مكانه، وأما أنا فكدت أن أهلك ثم تماسكت [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق عن يسار عن رجال من بني مازن ابن النجار عن أبي داود المازني- وكان شهد بدرا- فقال: إني لأتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع على رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري [ (2) ] . قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد اللَّه بن الحرث عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء وأرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمرا [ (3) ] . قال ابن هشام: وحدثني بعض أهل العلم أن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: العمائم تيجان العرب، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرخوها على ظهورهم، إلا جبريل فقد كانت عليه عمامة صفراء [ (4) ] .
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن مقسم [ (1) ] عن ابن عباس قال: ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون [ (2) ] . وقال الواقدي: فحدثني عمر بن عقبة عن شعبة مولى ابن عباس قال: سمعت ابن عباس يقول: لما تواقف الناس- يعني يوم بدر- أغمى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ساعة] [ (3) ] ، ثم كشف عنه، فبشر المؤمنين بجبريل في جند من الملائكة [في] [ (3) ] ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر [في] [ (3) ] ميسرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وإسرافيل في جند آخر بألف [ (4) ] ، قال: وكانت سيما الملائكة عمائم قد أرخوها بين أكتافهم، خضرا وصفرا [وحمرا] [ (3) ] من نور، والصوف في نواصي خيلهم [ (5) ] . وحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن الملائكة قد سوّمت فسوّموا، فأعلموا بالصوف في مغافرهم وقلانسهم. وحدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: كان أربعة من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعلمون في الزحوف: حمزة بن عبد المطلب معلم يوم بدر بريشة نعامة، وكان عليّ معلما بصوفة بيضاء، وكان الزبير معلما بعصابة صفراء، وكان الزبير يحدث: إن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر، وكان على الزبير يومئذ عصابة صفراء، وكان أبو دجانة يعلم بعصابة حمراء [ (6) ] . وقال الزبير بن بكار: حدثني علي بن صالح عن عامر بن صالح بن عبد اللَّه ابن عروة بن الزبير، عن هشام بن عروة عن عباد بن حمزة بن عبد اللَّه بن الزبير أنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر وهم طير بيض عليهم عمائم صفر، وكانت
على الزبير يومئذ عمامة صفراء من بين الناس، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: نزلت الملائكة اليوم على سيما أبي عبد اللَّه، وجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وعليه عمامة صفراء. حدثني أبو المكرم عقبة بن مكرم الضبي قال: حدثني مصعب بن سلام التميمي عن سعد بن طريف عن أبي جعفر محمد بن علي قال: كانت على الزبير بن العوام يوم بدر عمامة صفراء، فنزلت الملائكة وعليهم عمائم صفر. حدثني محمد بن حسن عن محمد بن يحيى عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: نزلت الملائكة يوم بدر على سيما الزبير، عليهم عمائم صفر، وقد أرخوها في ظهورهم، وكانت على الزبير عمامة صفراء، وفي ذلك يقول عامر بن صالح ابن عبد اللَّه بن عروة بن الزبير رضي اللَّه عنه: جدي بن عمة أحمد ووراء ... عند البلاء وفارس الشقراء وغداة بدر كان أول فارس ... شهد الوغى في لأمة الصفراء نزلت بسيماه الملائكة قصره ... بالحوض يوم بسالة الأعداء وقال الواقدي: وحدثني عبد اللَّه بن موسى بن أمية بن عبد اللَّه بن أبي أمية عن مصعب بن عبد اللَّه عن مولى لسهيل قال: سمعت بن عمرو يقول: لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين يقتلون ويأسرون [ (1) ] . وحدثني خارجة بن إبراهيم بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه قال: سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جبريل: من القائل يوم بدر من الملائكة: «أقدم حيزوم» ؟ فقال: يا محمد، ما كلّ أهل السماء أعرف [ (2) ] . وحدثني عبد الرحمن بن الحرث عن أبيه عن جده عبيد بن أبي [عبيد، عن أبي] [ (3) ] رهم الغفاريّ عن ابن عم له قال: بينما أنا وابن عم لي على ماء بدر، فلما رأينا قلة مع محمد وكثرة قريش قلنا: إذا التقت الفئتان عمدنا إلى عسكر محمد
وأصحابه فانطلقنا إلى المجنّبة اليسري من أصحاب محمد ونحن نقول: هؤلاء ربع قريش، فبينا نحن نمشي [في] [ (1) ] الميسرة إذ جاءت سحابة فغشيتنا، فرفعنا أبصارنا إليها فسمعنا أصوات الرجال والسلاح، وسمعنا رجلا يقول لفرسه: «أقدم حيزوم» ، وسمعناهم يقولون: رويدا تتامّ أخراكم» ، فنزلوا على ميمنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ثم جاءت أخرى مثل تلك، فكانت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فنظرنا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فإذا هم الضّعف على قريش، فمات ابن عمي وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وأسلم وحسن إسلامه [ (2) ] . قالوا: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة- وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز اللَّه عن الذنوب العظام- إلا ما رأى يوم بدر، قيل: وما رأى يوم بدر؟ قال: أما أنه قد رأى جبريل يزع الملائكة. قالوا: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يومئذ: هذا جبريل يسوق الريح كأنه دحية الكلبي، إني نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدّبور [ (3) ] . وحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن صالح ابن إبراهيم قال: كان عبد الرحمن بن عوف يقول: رأيت يوم بدر رجلين، عن يمين النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال، ثم ثلثهما ثالث من خلفه، ثم ربعهما رابع أمامه [ (4) ] . وحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه عن عبد الواحد بن أبي عون عن زياد مولى سعد، عن سعد قال: رأيت رجلين يوم بدر يقاتلان عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أحدهما عن يساره والآخر عن يمينه، وإني لأراه ينظر إلى ذا مرة، وإلى ذا مرة، سرورا بما ظفّره اللَّه تعالى [ (5) ] . حدثني إسحاق بن يحيى عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال: ما أدري كم يد مقطوعة، أو ضربة جائفة لم يدم كلمها يوم بدر، قد رأيتها [ (6) ] !!.
وحدثني محمد بن يحيى عن أبي عفير عن رافع بن خديج، عن أبي بردة بن نيار قال: جئت يوم بدر بثلاثة رءوس فوضعتهن بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه! أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث، فإنّي رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه فتدهدى أمامه، فأخذت رأسه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ذاك فلان من الملائكة. وكان ابن عباس يقول: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر [ (1) ] . وحدثني أبو حبيبة [ (2) ] عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس يثبتونهم فيقول: إني قد دنوت منهم فسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشيء، وذلك قول اللَّه تبارك وتعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [ (3) ] إلى آخر الآية. وحدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: كان السائب بن أبي حبيش الأسديّ يحدث في زمن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقول: واللَّه ما أسرني أحد من الناس، فيقال: فمن؟ فيقول: لما انهزمت قريش ما انهزمت معها، فيدركني رجل طويل أبيض على فرس أبلق بين السماء والأرض، فأوثقني رباطا، وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطا، وكان عبد الرحمن ينادي في العسكر [ (4) ] : من أسر هذا؟ فليس أحد يزعم أنه أسرني، حتى انتهيت [ (5) ] إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من أسرك؟ قلت: لا أعرفه [ (6) ] ، وكرهت أن أخبره بالذي رأيت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أسره ملك من الملائكة كريم، اذهب يا ابن عوف بأسيرك، فذهب بي عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنه، فقال السائب، فما زلت تلك الكلمة أحفظها، وتأخر إسلامي حتى [كان] [ (7) ] ما كان من إسلامي.
وحدثني عائذ بن يحيى عن ابن الحويرث عن عمارة بن أكيمة الليثي عن حكيم ابن حزام قال: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بوادي خلص بجاد من السماء قد سد الأفق، فإذا الوادي يسيل نملا، فوقع في نفسي أن هذا شيء من السماء أيّد به محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت إلا الهزيمة، وهي الملائكة [ (1) ] . حدثني موسى بن يعقوب عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم، عن رجل من بني أود قال: سمعت عليا رضي اللَّه عنه يقول وهو يخطب بالكوفة: بينا أنا [أسيح] [ (2) ] في قليب ببدر جاءت ريح لم أر مثلها قط شدة، ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى لم أر مثلها إلا التي كانت قبلها، ثم جاءت ريح أخرى لم أر مثلها إلا التي كانت قبلها، فكانت الأولى جبريل في ألف مع رسول اللَّه، والثانية ميكائيل في ألف عن ميمنة رسول اللَّه وأبي بكر، وكانت الثالثة إسرافيل في ألف نزل عن ميسرة رسول اللَّه، وأنا في الميسرة، فلما هزم اللَّه أعداءه حملني رسول اللَّه على فرس [] [ (3) ] فلما جرت خررت على عنقها، فدعوت ربي فأمسكني حتى استويت، وما لي والخيل، إنما كنت صاحب غنم، فلما استويت طعنت بيدي هذه حتى اختضبت مني ذا، يعني إبطه. وفي مغازي ابن عقبة: أن ابن مسعود وجد أبا جهل جالسا لا يتحرك ولا يتكلم، فسلبه درعه، فإذا في بدنه نكت سود، فحلّ سبغة البيضة وهو لا يتكلم، واخترط سيفه- يعني سيف أبي جهل- فضرب به عنقه ثم سأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين احتمل رأسه إليه عن تلك النكت السود التي رآها في بدنه، فأخبره عليه السلام أن الملائكة قتلته، وأن تلك آثار ضرب الملائكة له [ (4) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث إبراهيم بن سعد قال: حدثنا سعد عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه قال: لقد رأيت يوم أحد عن يمين
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وعن يساره رجلين عليها ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد [ (1) ] . وذكره البخاري في [المغازي] [ (2) ] ، وخرجاه من حديث مسعر عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال: رأيت عن يمين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بياض، ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني جبريل وميكائيل، لم يقل البخاري: يعني جبريل وميكائيل، ذكره البخاري في كتاب اللباس [ (3) ] . وقال ورقاء عن ابن أبي نجيح قال: قال مجاهد: لم تقاتل الملائكة يومئذ ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر، قال البيهقي: إنما أراد أنهم لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا الرسول ولم يصبروا على ما أمرهم به [ (4) ] . وحدث الواقدي عن شيوخه في قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [ (5) ] ، قال: فلم يصبروا فانكشفوا فلم يمدوا [ (6) ] . وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير قال: وكان اللَّه عزّ وجلّ وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم، وتركت الرماة عهد الرسول إليهم أن لا يبرحوا منازلهم، وأرادوا الدنيا رفع عنهم مدد الملائكة،
وأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ [ (1) ] ، فصدق اللَّه وعده وأراهم الفتح، فلما عصوا الرسول أعقبهم البلاء. وقال ابن هشام: مسوّمين: معلّمين، بلغنا عن الحسن بن أبي الحسن [البصري] [ (2) ] أنه قال: أعلموا أذناب خيلهم ونواصيها بصوف أبيض [ (3) ] . وذكر يونس بن بكير عن عبد اللَّه بن عون عن عمير بن إسحاق قال: لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وسعد يرمي بين يديه، وفتى ينبل له، كلما ذهبت نبله أتاه بها قال: ارم أبا إسحاق، فلما فرغوا نظروا من الشاب فلم يروه ولم يعرف. ورواه الواقدي عن عبيدة بنت نائل عن عائشة بنت سعد عن أبيها سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني أرمي بالسهم يومئذ فيرده عليّ رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه، حتى كان بعد فظننت أنه ملك [ (4) ] . وقال الواقدي: حدثني الزبير بن سعيد عن عبد اللَّه العضل قال: أعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مصعب بن عمير اللواء، فقيل: فأخذه ملك في صورة مصعب، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول لمصعب في آخر النهار: يا مصعب، فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه ملك أيّد به [ (5) ] . [وسمعت أبا معشر يقول مثل ذلك] [ (6) ] . وحدثني عبد الملك بن سليم عن قطن بن وهب عن عبيد بن عمير قال: لما رجعت قريش من أحد جعلوا يتحدثون في أنديتهم بما ظفروا ويقولون: لم نر الخيل البلق ولا الرجال البيض الذين كنا نراهم يوم بدر، قال عبيد بن عمير: ولم تقاتل الملائكة يوم أحد [ (7) ] .
وحدثني ابن أبي سبرة عن عبد الحميد بن سهيل، عن عمر بن الحكم قال: لم يمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد بملك واحد، وإنما كانوا يوم بدر [ (1) ] . وحدثني ابن خديج عن عمرو بن دينار عن عكرمة مثله [ (2) ] . وحدثني معمر بن راشد عن أبي لحيح عن مجاهد قال: حضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل [ (3) ] . وحدثني سفيان بن [ (4) ] سعيد عن عبد اللَّه بن عثمان عن مجاهد قال: لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر [ (5) ] . وحدثني ابن أبي سبرة عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث [ (6) ] عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قد وعدهم اللَّه أن يمدهم لو صبروا، فلما انكشفوا لم تقاتل الملائكة يومئذ [ (7) ] . وحدثني سعيد بن عبد اللَّه بن أبي الأبيض، عن جدته- وهي مولاة جويرية-[قالت] [ (8) ] : سمعت جويرية بنت الحارث تقول: أتانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونحن على المريسيع، فأسمع أبي يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت: فكنت أرى من [الخيل والناس] [ (9) ] [والسلاح] [ (10) ] ما لا أصف من الكثرة، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ورجعنا، جعلت انظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، [فعرفت] [ (11) ] أنه رعب من اللَّه يلقيه في قلوب المشركين، [فكان رجل منهم] [ (12) ] قد أسلم فحسن إسلامه يقول: لقد كنا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولا بعد [ (13) ] .
وقال ابن إسحاق: حدثني أمية بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان بن عفان أنه حدّث: أن مالك بن عوف بعث عيونا [من رجاله] [ (1) ] ، فأتوه وقد تقطعت أوصالهم، فقال: ويلكم! ما شأنكم؟ فقالوا: أتانا رجال بيض [ (2) ] على خيل بلق، فو اللَّه ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى، فما رده [ (3) ] ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد [ (4) ] يعني في يوم حنين. وخرج بقي بن مخلد من حديث النضر بن شميل قال: أخبرنا عوف عن عبد الرحمن مولى أم برثن صاحب السبقاية- سقاية المربد- قال: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وصحابة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يقوموا لنا حلب شاة [ (5) ] أن كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم في آثارهم فإذ صاحب البغلة البيضاء، قال: فتلقّانا عنده رجال بيض الوجوه وقالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا، قال: فانهزمنا من قولهم، وركبوا أجيادنا فكانت إياها [ (6) ] . وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار عن من حدثه عن جبير بن مطعم قال: إنا لمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين والناس يقتتلون، إذ نظرت إلى مثل البجاد [ (7) ] الأسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا
وبين القوم، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي، فلم يكن إلا هزيمة القوم، فما كنا نشك أنها الملائكة [ (1) ] . وقال الواقدي [ (2) ] : حدثني عبد اللَّه بن علي عن سعيد بن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه عن جده قال: لما تراءينا نحن والقوم، رأينا سوادا لم نر مثله قط كثرة، وإنما ذلك السواد نعم، فحملوا النساء عليه، قال: فأقبل مثله الظّلّة السوداء من السماء حتى أظلت علينا وعليهم وسترت الأفق، فنظرت فإذا وادي حنين يسيل بالنمل- نمل أسود مبثوث- لم أشك أنه نصر أيدنا اللَّه به فهزمهم اللَّه عزّ وجلّ. وحدثني ابن أبي سبرة، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن يحيى ابن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن شيوخ من قومه من الأنصار قال: رأينا يومئذ كالبجد [ (3) ] الأسود هوت من السماء ركاما [ (4) ] ، فنظرنا فإذا نمل مبثوث، فإن كنا لننفضه عن ثيابنا، فكان نصر أيدنا اللَّه به [ (5) ] . وكان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم، وكان الرعب الّذي قذف اللَّه في قلوب المشركين يوم حنين، فكان يزيد بن عامر السوائي يحدث وكان حضر يومئذ فسئل عن الرعب فكان يأخذ الحصاة يرمي بها في الطست فيطن، فقال: كنا نجد في أجوافنا مثل [ (6) ] هذا. وكان مالك بن أوس بن الحدثان يقول: حدثني عدّة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون: لقد رمى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بتلك الكف من الحصا، [ (7) ] فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينه، وقد كنا نجد في صدورنا خفقانا كوقع الحصا في
الطساس، ما يهدأ ذلك الخفقان عنا، ولقد رأينا يومئذ رجالا بيضا على خيل بلق، عليهم عمائم حمر، أرخوها بين أكتافهم بين السماء والأرض، كتائب كتائب، ما يلقون شيئا، وما نستطيع أن نتأملهم من الرعب [ (1) ] [منهم] . ***
وأما أنه خاتم الأنبياء
وأما أنه خاتم الأنبياء فقد قال اللَّه تعالى: وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] ، قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: خاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] : الّذي ختم النبوة فطبع عليها، فلا تفتح لأحد بعده إلى قيام الساعة، واختلفت القراء في قراءة قوله: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] ، فقرأ ذلك الأمصار سوى الحسن وعاصم بكسر التاء من خاتم النبيين، بمعنى أنه ختم النبيين، ذكر أن ذلك في قراءة عبد اللَّه، ولكنّ نبينا ختم النبيين، فذلك دليل على صحة قراءة من قرأه بكسر التاء، بمعنى أنه الّذي ختم الأنبياء صلى اللَّه عليه وسلّم. وقرأ ذلك فيما يذكر الحسن وعاصم وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ بفتح التاء، بمعنى أنه آخر النبيين، كما قرأ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ بمعنى آخره مسك، من قرأ ذلك كذلك [ (2) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن عبد اللَّه بن دينار عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا- وقال البخاري: بيتا- فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين، ولم يذكر البخاري قوله: من زواياه [ (3) ] . ولمسلم من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد [ (4) ] عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه
وأجمله، فجعل الناس يطيفون به ويقولون: ما رأينا بنيانا أحسن من هذا [ (1) ] ، إلا هذه اللبنة، فكنت أنا تلك اللبنة [ (2) ] . وله من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فذكر أحاديث منها، قال: وقال أبو القاسم صلى اللَّه عليه وسلّم: ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأحسنها [وأجملها] [ (3) ] وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس [يطوفون] [ (4) ] ويعجبهم البنيان فيقولون: ألا وضعت ها هنا لبنة فيتم [بنيانك] [ (5) ] ؟ فقال محمد صلى اللَّه عليه وسلّم: فكنت أنا اللبنة [ (6) ] . وخرج البخاري [ (7) ] ومسلم [ (8) ] من حديث سليم بن حيان قال: حدثنا سعيد ابن مينا عن جابر بن عبد اللَّه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأتمها وأكملها- وقال البخاري فأكملها وأحسنها- إلا موضع لبنة،
فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون: لولا موضع اللبنة، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء. انتهى حديث البخاري عند قوله: إلا موضع اللبنة. وترجم عليه وعلى حديث إسماعيل بن جعفر: باب خاتم الأنبياء. و [خرج] الإمام أحمد من حديث زهير بن محمد عن عبد اللَّه بن محمد ابن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: مثلي في النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة! فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة [ (1) ] . ولمسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ختم بي النبيون. وله من حديث حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي [ (2) ] . انفرد بإخراجه مسلم. وله من حديث محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعلي رضي اللَّه عنه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث شبعة عن الحكم عن مصعب بن سعد [ (4) ] عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج إلى تبوك واستخلف عليا رضي اللَّه عنه فقال:
أتخلفني في النساء والصبيان؟ قال: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي [ (1) ] ؟. وخرجه مسلم وأبو داود مثله سواء. وفي لفظ لمسلم: خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عليا بن أبي طالب في غزاة تبوك فقال: يا رسول اللَّه! أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي [ (2) ] ؟. وخرجه النسائي بإسناده ومتنه [ (3) ] . وفي لفظ لمسلم والترمذي [ (4) ] والنسائي: أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ ***
وأما أن أمته خير الأمم
وأما أن أمته خير الأمم قال اللَّه جل ذكره: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [ (1) ] . خرج الحاكم من حديث سفيان عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ (1) ] ، تجروهم بالسلاسل فتدخلونهم الإسلام. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وقال ابن عباس رضي اللَّه عنه: هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة [ (2) ] ، [وشهدوا بدرا والحديبيّة] [ (3) ] . وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: من فعل فعلهم كان مثلهم، وقيل: هم أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، يعني الصالحين منهم وأهل الفضل، وهم الشهداء على الناس يوم القيامة. وقال مجاهد [ (3) ] : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ (1) ] على الشرائط المذكورة في الآية، وقيل معناه: كنتم في اللوح المحفوظ، وقيل: كنتم مذ أنتم خير أمة، وقيل: جاء ذلك لتقدم البشارة بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، فالمعنى: كنتم عند من تقدمكم من أهل الكتب خير أمة. وقال الأخفش [ (3) ] : أي خير أهل دين، وقيل: خلقتهم ووجدتهم خير أمة، وقيل: أنتم خير أمة، وقيل: كنتم للناس خير أمة. وقيل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [ (1) ] إذا أنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر.
وقيل: إنما صارت أمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم خير أمة لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى، وقيل: هذا لأصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: خير الناس قرني: أي الذين بعث فيهم. وقال الحافظ أبو نعيم: ومن إكرام اللَّه تعالى [لنبيه] [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلّم، أن فضل أمته. على سائر الأمم، كما فضله على سائر الأنبياء، وكما أنه فاتح نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم بالعطية قبل المسألة، كذلك أعطى أمته أفضل العطية قبل المسألة إعظاما له وإكراما. وخرج الحاكم من طريق عبد الرزاق [عن] معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، قال: أنتم متمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . ومن حديث يزيد بن هارون [عن] سعيد بن إياس الجريريّ عن حكيم بن معاوية عن أمية قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أنتم توفون سبعين أمة، أنتم أكرمهم على اللَّه وأفضلهم [ (3) ] . وخرج أبو نعيم من حديث محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن عمرو بن عبسة قال: سألت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا [ (4) ] ، ما كان النداء [ (5) ] ؟ وما كانت
الرحمة [ (1) ] ؟ قال: كتاب كتبه اللَّه قبل أن يخلق خلقه بألفي عام، وستمائة عام على وزن عرشه، ثم نادى: يا أمة محمد، سبقت رحمتي غضبي، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، فمن لقيني منهم يشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبدي ورسولي أدخلته الجنة [ (2) ] . وله من حديث أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد الواقدي، قال: حدثنا سفيان ابن عيينة عن منصور عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: في قوله تعالى: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا [ (3) ] ، قال: نودوا يا أمة محمد، ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم، ولا سألتمونا إذ أعطيناكم [ (4) ] . ومن حديث حمزة الزيات عن الأعمش عن علي بن مدرك عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير عن أبي هريرة في قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا، قال: نودي يا أمة محمد، أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم
قبل أن تدعوني [ (1) ] . وله من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جبارة بن المغلّس، حدثنا الربيع بن النعمان عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن موسى عليه السلام لما نزلت عليه التوراة وقرأها، فوجد فيها ذكر هذه الأمة قال: يا ربي، إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون [ (2) ] فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة هم السابقون المشفوع لهم، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب، إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة أنا جيلهم في صدورهم يقرءونه [ (3) ] ظاهرا، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أمد، [قال يا رب إني أجد في الألواح أمة يأكلون الفيء فاجعلها أمتي، قال تلك أمة أحمد] [ (4) ] ، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة [واحدة] [ (4) ] ، وإن عملها كتبت له عشر حسنات، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال يا رب إني أجد في الألواح أمة إذا همّ أحدهم بسيئة ولم يعملها لم تكتب، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يؤتون العلم الأول والعلم الآخر فيقتلون [قرون الضلالة] [ (4) ] المسيح الدجال، فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد،
قال: يا رب فاجعلني من أمة أحمد، فأعطى عند ذلك خصلتين، فقال: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [ (1) ] ، قال: قد رضيت يا رب. قال أبو نعيم: وهذا الحديث من غرائب حديث سهيل، لا أعلم أحدا رواه مرفوعا إلا من هذا الوجه، تفرّد به الربيع بن نعمان، وبغيره من الأحاديث عن سهيل، وفيه لين [ (2) ] . [وخرّج البيهقي من حديث سلام بن مسكين، عن مقاتل بن حيّان قال: وذكر وهب بن منبه في قصة داود النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وما أوحي إليه في الزبور: يا داود، إنه سيأتي من بعدك نبي يسمى: أحمد ومحمدا، صادقا سيدا، لا أغضب عليه أبدا، ولا يغضبني أبدا، وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأمته مرحومة، أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء، وافترضت عليهم الفرائص التي افترضت على الأنبياء والرسل، حتى يأتون يوم القيامة نورهم مثل نور الأنبياء، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة، كما افترضت على الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم] [ (3) ] . [يا داود، فإنّي فضّلت محمدا وأمته على الأمم كلها: أعطيتهم ستة خصال لم أعطها غيرهم من الأمم: لا أؤاخذهم بالخطإ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته لهم، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة، ولهم في المدخور عندي أضعافا مضاعفة وأفضل من
ذلك، وأعطيتهم على المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ الصلاة والرحمة والهدى إلى جنات النعيم، فإن دعوني استجبت لهم، فإما أن يروه عاجلا، وإما أن أصرف عنهم سوءا، وإما أن أدّخره لهم في الآخرة] [ (1) ] . [يا داود، من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها فهو معي في جنتي وكرامتي. ومن لقيني وقد كذّب محمدا، وكذّب بما جاء به، واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره من قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار] [ (1) ] . وذكر من حديث شيبان عن قتادة قال: حدثنا رجال من أهل العلم أن موسى عليه السلام لما أخذ الألواح قال: يا رب، إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون يوم القيامة- الآخرون في الخلق، السابقون في دخول الجنة- فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد ... وذكره بطوله. وله من حديث سفيان بن الحرث بن مضر عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صفتي أحمد المتوكل، مولده مكة، ومهاجره طيبة، ليس بفظ ولا غليظ، يجزي بالحسنة الحسنة، ولا يكافئ بالسيئة، وأمته الحمادون، يأتزرون على أنصافهم، ويوضئون أطرافهم، أنا جيلهم في صدورهم، يصفّون للصلاة كما يصفّون للقتال، قربانهم الّذي يتقربون به إليّ دماؤهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار. وله من حديث شريك عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح عن كعب أنه قال: محمد صلى اللَّه عليه وسلّم في التوراة مكتوب: محمد المختار، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، أمته الحمادون، يوضئون أطرافهم، ويأتزرون على أوساطهم، يصلون الصلاة لوقتها
ولو على رأس كناسة، لهم دوي بالقرآن حول العرش كدوي النحل، مولده مكة، ومهاجره بالمدينة، وملكه بالشام. وذكر أبو نعيم حديث كعب من طرق باختلاف ألفاظ وزيادة ونقصان. وله من حديث موسى بن عقبة قال: أخبرني سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن كعب الأحبار أنه سمع رجلا يقول: رأيت في المنام كأن الناس جمعوا للحساب، فدعى الأنبياء فجاء مع كل نبي أمته، ورأى لكل نبي نورين، ولكل من اتبعه نورا يمشي به، فدعى محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا لكل شعرة في رأسه ووجهه نورا، ولكل من اتبعه نوران يمشي بهما، فقال كعب وهو لا يشعر أنها رؤيا: من حدثك هذا؟ فإنّي أنا واللَّه الّذي لا إله إلا هو رأيت هذا في المنام، فقال: باللَّه الّذي لا إله إلا هو رأيت هذا في منامك؟ قال: نعم، قال: والّذي نفس كعب بيده إنها لصفة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، وصفة الأنبياء وأممها في كتاب اللَّه، لكأنما قرأه من التوراة. وذكر الأوزاعي عن يحيى بن أبي عمرو الشيبانيّ قال: حدثني البكالي قال: كان عمرو البكالي إذا افتتح موعظة قال: ألا تحمدون ربكم الّذي حضر غيبتكم، وأخذ سهمكم، وجعل وفادة القوم لكم، وذلك أن موسى عليه السلام وفد ببني إسرائيل فقال اللَّه لهم: إني قد جعلت لكم الأرض مسجدا حيث ما صليتم منها تقبلت صلاتكم إلا في ثلاثة مواطن، من صلى فيهن لم أقبل صلاته: المقبرة، والحمام، والمرحاض، قالوا: لا إلا في كنيسة، قال: وجعلت لكم التراب طهورا إذا لم تجدوا الماء، قالوا: لا إلا بالماء، قال: وجعلت لكم حيث ما صلى الرجل مكان وجده تقبلت صلاته، قالوا: لا إلا في جماعة. ***
وأما ذكره في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته
وأما ذكره في كتب الأنبياء وصحفهم وإخبار العلماء بظهوره حتى كانت الأمم تنتظر بعثته فقد قال اللَّه جل ذكره: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (1) ] ، فقوله: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ، يخرج اليهود والنصارى من عموم قوله: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، ويخصها بأمة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. وقوله: الَّذِي يَجِدُونَهُ، أي يجدون نعته أو اسمه أو صفته، مكتوبا عندهم. وقوله: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، قال عطاء: يأمرهم بالمعروف بخلع الأنداد ومكارم الأخلاق وصلة الأرحام، وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، عبادة الأصنام وقطع الأرحام، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ، وهو ما كانت العرب تستطيبه، وقيل: هي الشحوم التي حرمت على بني إسرائيل، والبحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، وهو ما كانت العرب تستخبثه، وما كانوا يستحلون من الميتة والدم ولحم الخنزير، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ، الإصر الثقل، قاله قتادة ومجاهد وسعيد ابن جبير، والإصر: العهد، قاله ابن عباس والضحاك والحسن، فجمعت الآية المعنيين، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال، فوضع بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك العهد، وثقل تلك الأعمال من تحريم السبت والشحوم والعروق، والتشديد في البول، ومجانبة الحائض في كل حال، وتحريق الغنائم بالنار. وقال الزجاج: ذكر الأغلال تمثيل، فقد كان عليهم أن لا يقبل في القتل دية، ولا يعمل في يوم السبت عمل، وأن لا تقبل توبتهم إلا بقتل أنفسهم ... إلى غير ذلك.
وقد ذكر صلى اللَّه عليه وسلّم في عدة مواضع من التوراة باسمه وصفته على ما سيرد إن شاء اللَّه. وذكرت صفته في الإنجيل في فصل (الفارقليط) من إنجيل يوحنا [ (1) ] ، هذا مع ما لحق الكتابين من التحريف والتبديل، فبقي ذكره صلى اللَّه عليه وسلّم فيهما من قبيل المعجزة، لأن اجتهاد أمتين عظيمتين على إزالة ذكره من كتابين لطيفي الحجم ثم لا يستطيعون ذلك معجزة لا شك فيه، وتعجيز إلهي لا ريب فيه. حدّث سعيد بن بشير عن قتادة عن كعب قال: أوحى اللَّه تعالى إلى أشعياء [ (2) ] أن قم من قومك، أوح على لسانك، فقام أشعياء خطيبا، فلما قام أطلق اللَّه لسانه بالوحي، فحمد اللَّه وسبحه وقدسه وهلله، ثم قال: يا سماء اسمعي، ويا أرض أنصتي، ويا جبال أوبي، فإن اللَّه يريد أن [يفضّ] [ (3) ] شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته، واصطفاهم لنفسه، وخصهم بكرامته، فذكر معاتبة اللَّه إياهم، ثم قال: وزعموا أنهم [ (4) ] لو شاءوا أن يطلعوا على الغيب [بما] [ (5) ] توحي إليهم الشياطين والكهنة اطلعوا، وكلهم مستخف بالذي يقول ويسرّه، وهم يعلمون أني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما يبدون وما يكتمون، وأني قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض قضاء أثبته، وحتما حتمته على نفسي، وجعلت دونه أجلا مؤجلا، لا بدّ أنه واقع. فإن صدّقوا بما ينتحلون من علم الغيب [فليخبروك] [ (6) ] متى هذه [المدة] [ (7) ] ، وفي أي زمان تكون، [وإن] [ (8) ] كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاءون [فليأتوا] [ (9) ] بمثل هذه القدرة التي بها أمضيته، فإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون [فيؤلفوا] [ (9) ] مثل هذه الحكمة التي بها أدبّر مثل ذلك القضاء إن كانوا صادقين، وإني قضيت يوم خلقت السموات
والأرض أن أجعل النبوة في غيرهم، وأن أحول الملك عنهم، وأجعله في الرعاء، والعز في الأذلاء، والقوة في الضعفاء، والغنى في الفقراء، والكثرة في الأقلاء، والمدائن في الفلوات، والآجام [والمفاوز] [ (1) ] في الغيطان، والعلم في الجهلة، [والحكمة] [ (2) ] في الأميين، فسلهم متى هذا، ومن القائم بهذا [ (3) ] ، وعلى يدي من أثبته، ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون؟ [ (4) ] . وزاد وهب بن منبه في روايته [ (5) ] فإنّي [سأبعث] [ (6) ] لذلك نبيا أميا، أعمى من عميان، ضالا من ضالين، أفتح به آذانا صما، وقلوبا غلفا، وأعينا عميا، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام، عبدي المتوكل، المصطفى المرفوع، الحبيب المتحبب المختار. لا يجزي [بالسيئة] [ (7) ] السيئة، ولكن يعفو ويصفح ويغفر، بالمؤمنين رحيم [ (8) ] ، يبكي للبهيمة المثقلة، ويبكي لليتيم في حجر الأرملة، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، لا يتزيئ بالفحش، ولا قوال بالخنا [ (9) ] ، أسدده بكل جميل، وأهب له كل خلق كريم، أجعل السكينة لباسه، والبرّ شعاره، والتقوى زاد ضميره، والحكمة معقولة، والصدق والوفاء طبيعته،
والعفو والمغفرة والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدى به بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأسمّي به بعد النكرة، وأكثر به القلّة، وأغنى به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلّف به بين قلوب وأهواء متشتتة، وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، آمرا [ (1) ] بالمعروف وناهيا [ (2) ] عن المنكر، وتوحيدا بي [ (3) ] ، وإيمانا بي، وإخلاصا وتصديقا لما جاءت به رسلي، وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب والأرواح والوجوه [ (4) ] التي أخلصت إلي [ (5) ] الهمم، ألهمهم التسبيح والتكبير والتحميد والتوحيد في مساجدهم ومجالسهم، ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم. يصفون في مساجدهم كما تصف الملائكة حول عرشي، هم أوليائي وأنصاري، أنتقم بهم من أعدائي عبدة الأوثان، يصلون لي قياما وقعودا وركعا وسجدا [ (6) ] ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ألوفا، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، أختم بكتابهم الكتب، وبشريعتهم الشرائع، وبدينهم الأديان، فمن أدركهم فلم يؤمن بكتابهم، ويدخل في دينهم وشريعتهم فليس مني، وهو مني بريء، وأجعلهم أفضل الأمم، وأجعلهم أمة وسطا، [ليكونوا] [ (7) ] شهداء على الناس، إذا غضبوا هللوني، وإذا قبضوا كبروني، وإذا تنازعوا سبحوني، يطهرون الوجوه والأطراف، ويشدون الثياب إلى الأنصاف، ويكبرون ويهللون على التلال والأشراف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم في صدورهم، رهبانا بالليل ليوثا بالنهار، ينادي مناديهم في جو السماء، لهم دوي كدوي النحل، طوبى لمن كان منهم وعلى دينهم ومنهاجهم وشريعتهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم [ (8) ] .
وفي رواية: ولا صخاب في الأسواق، ولو يمر إلى جنب السراج لم يطفئه من سكينته، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه، أبعثه مبشرا ونذيرا، وأستنقذ به قياما من الناس عظماء من الهلكة، أجعل في أهل بيته وذريته السابقين والصديقين، والشهداء والصالحين، وأمته من بعده يهدون بالحق وبه يعدلون، أعزّ من نصرهم، وأؤيد من دعا إليهم، أجعل دائرة السوء على من خالفهم وبغى عليهم، وأراد أن ينزع شيئا مما في أيديهم، أجعلهم ورثة لنبيهم، والداعية إلى ربهم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويوفون بعهدهم، أختم بهم الخير الّذي بدأت به أوّلهم، ذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم. وقال عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: بلغني أن بني إسرائيل لما أصابهم ما أصابهم من ظهور بخت نصّر عليهم، وفرقتهم وذلتهم تفرقوا، وكانوا يجدون محمدا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في كتابهم، وأنه يظهر في بعض هذه القرى العربية، في قرية ذات نخل، ولما خرجوا من أرض الشام جعلوا يميزون كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن، يجدون نعتها نعت يثرب، فينزل بها طائفة منهم ويرجون أن يلقوا محمدا فيتبعونه، حتى نزل من بني هارون من حمل التوراة بيثرب منهم طائفة، فمات أولئك الآباء وهم يؤمنون بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم أنه [آت] [ (1) ] ، ويحثون أبناءهم على اتباعه إذا جاء، فأدركه من أدركه من أبنائهم وكفروا به وهم يعرفونه. وقال محمد بن إسحاق: حدثنا صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن محمود بن لبيد [ (2) ] عن سلمة بن سلامة [ (3) ] قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، فخرج علينا يوما من بيته [- وذلك قبل مبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم
بيسير-] [ (1) ] حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا، عليّ بردة لي مضطجعا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة، والحساب والميزان، والجنة والنار، قال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت، فقالوا: ويحك وتكون دارا فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم والّذي أحلف به، ولودّ أن حظه من تلك النار أعظم تنور في [هذه] [ (1) ] الدار، يحمونه ثم يدخلونه إياه [فيطبقونه] [ (2) ] عليه، [ثم] [ (3) ] ينجو من تلك النار غدا، [قالوا] [ (4) ] ويحك. وما آية ذلك؟ قال: نبي [يبعث] [ (5) ] من هذه البلاد- وأشار بيده نحو مكة واليمن- قالوا: [فمتى] [ (6) ] تراه؟ [فرمى بطرفه فرآني وأنا مضطجع بفناء باب أهلي] [ (7) ] وأنا أحدث القوم سنا فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فو اللَّه ما ذهب الليل والنهار حتى بعث اللَّه نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو حيّ بين أظهرنا فآمنا به، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا: [ويلك] [ (8) ] يا فلان، ألست الّذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى ولكن ليس به. وذكر الواقدي أن اليهودي اسمه يوشع [ (9) ] . وقال الخرائطي [ (10) ] : حدثنا عبد اللَّه بن أبي سعيد قال: حدثنا حازم بن عقال ابن حبيب بن المنذر بن أبي الحصن بن السموأل بن عاديا قال: حدثني جامع بن حيران ابن جميع بن عثمان بن سماك بن أبي الحصن بن السموأل بن عاديا قال: لما حضرت الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر الوفاة، اجتمع إليه قومه من غسان فقال: إنه حضر من أمر اللَّه ما ترى، وقد كنا نأمرك في شبابك أن تتزوج فتأبى، وهذا أخوك الخزرج له خمس بنين، وليس لك ولد غير مالك، فقال: لن يهلك هالك،
ترك مثل مالك، إن الّذي يخرج النار من [الورسة] [ (1) ] ، قادر [على] [ (2) ] أن يجعل لمالك نسلا، ورجالا بسلا، وكل إلى موت، ثم أقبل على مالك وقال: أي بني، المنيّة ولا الدنيّة، العقاب ولا العتاب، التجلد ولا التلدد، القبر خير من الفقر، ومن قلّ ذلّ، ومن كرم الكريم الدفع عن الحريم، الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصطبر، وكلاهما سينحسر، إنه ليس ينفلت منها ملك متوج، ولا لئيم معلج، سلّم ليومك، حياك ربك، ثم أنشأ يقول: شهدت السبايا يوم آل محرّق ... وأدرك عمري صيحة اللَّه في الحجر فلم أر ذا ملك من الناس واحدا ... ولا سوقه إلا إلى الموت والقبر فعلّ الّذي أردى ثمودا وجرهما ... سيعقب لي نسلا على آخر الدهر يقربهم من آل عمرو بن عامر ... عيون لدى الداعي إلى طلب الوتر فإن تكن الأيام أبلين جدّتي ... وشيّبن رأسي والمشيب مع العمر فإن لنا فاعلا فوق عرشه ... عليما بما نأتي من الخير والشرّ ألم يأت قومي أن للَّه دعوة ... يفوز بها أهل السعادة والبشر إذا بعث المبعوث من آل غالب [ (3) ] ... بمكة فيما بين زمزم [ (4) ] والحجر هنالك فابغوا نصرة ببلادكم ... بني عامر إن السعادة في النّصر ثم قضى من ساعته. وقال ابن إسحاق: حدثني صالح بن إبراهيم [بن عبد الرحمن بن عوف] [ (5) ] ، عن يحيى بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن [سعد] [ (6) ] بن زرارة قال: حدثني من [شئت] من رجال قومي عن حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه قال: واللَّه إني
[لغلام] [ (1) ] [يفعه] [ (2) ] ابن [سبع سنين أو ثمان] [ (3) ] ، أعقل [كل] [ (4) ] ما سمعت، إذا سمعت يهوديا يصرخ [بأعلى صوته] [ (4) ] على أطمة بيثرب: يا معشر يهود! فلما اجتمعوا إليه [ (5) ] وقالوا له: ويلك، مالك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الّذي ولد به. وفي رواية: طلع الليلة نجم أحمد نبي هذه الأمة الّذي ولد به [ (6) ] . وفي رواية الواقدي: هذا كوكب أحمد قد طلع، هذا كوكب لا يطلع إلا بالنّبوّة، ولم يبق من الأنبياء إلا أحمد. وفيه قصة. وفي رواية له: قال: لما صاح اليهودي من فوق الأطم: هذا كوكب أحمد قد طلع، وهو لا يطلع إلا بالنّبوّة، قال: وكان أبو قيس من بني عدي بن النجار قد ترهّب ولبس المسوح، فقالوا: يا أبا قيس! انظر ما يقول هذا اليهودي، قال: فانتظاري الّذي صنع بي هذا، فأنا أنتظره حتى أصدقه وأتبعه. وقال ابن إسحاق: عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، حدثنا محمد بن عمرو بن حزم قال: حدثت عن صفية بنت حيي أنها قالت: كنت أحبّ ولد أبي [ (7) ] إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع [ولد لهما] [ (8) ] إلا أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة [ونزل] [ (9) ] قباء في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب [مغلّين] [ (10) ] ، قالت: فلم يرجعا حتى [كانا] [ (11) ] مع غروب الشمس فأتيا
كالّين كسلانين [ساقطين] [ (1) ] ، يمشيان الهوينا، قالت: فمشيت إليهما كما كنت أصنع، فو اللَّه ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الهم [ (2) ] ، قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حييّ بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم واللَّه قال [ (3) ] : أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال [ (3) ] : فما في نفسك منه؟ قال: عداوته واللَّه ما بقيت [أبدا] [ (4) ] . قال ابن إسحاق: وكان من حديث مخيريق وكان حبرا عالما، وكان رجلا غنيا كثير الأموال من النخل، وكان يعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بصفته وما يجد في علمه [وغلب عليه إلف دينه] [ (5) ] ، فلم يزل على ذلك حتى إذا كان يوم أحد- وكان يوم أحد يوم السبت- قال: يا معشر يهود! واللَّه إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت [لكم] [ (5) ] ، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم [فأموالي] [ (6) ] لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم يصنع [فيها] [ (7) ] ما أراه اللَّه، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- فيما بلغني [ (8) ]- يقول: مخيريق خير يهود، وقبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمواله فعامة صدقات رسول [اللَّه] [ (9) ] صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة فيها. وقال يونس بن بكير عن أبي جعفر الرازيّ عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال في قوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [ (9) ] : ذكر قصة المعراج وما أعطي الأنبياء، فقال له ربّه: قد
اتخذتك خليلا فهو في التوراة مكتوب: محمد حبيب الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة، وجعلت أمتك هم الأولون وهم الآخرون، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك، وجعلتك فاتحا وخاتما، وشرحت صدرك، ورفعت ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك أمة وسطا، وأرسلتك رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا، وأنزلت عليك الفرقان فيه تبيان كل شيء، فقال إبراهيم عليه السلام للأنبياء: بهذا فضلكم محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال سموأل اليهودي لتبع- وهو يومئذ أضلهم-: أيها الملك، إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي مولده مكة، واسمه أحمد، وهذه دار هجرته. وقال عكرمة عن ابن عباس، قال: كانت يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر، يجدون صفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عندهم قبل أن يبعث، وأن دار هجرته المدينة، فلما ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قالت أحبار يهود: ولد أحمد الليلة، هذا الكوكب قد طلع، فلما تنبأ قالوا: قد تنبأ أحمد، كانوا يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه. وقال عاصم بن عمرو بن قتادة عن نملة بن أبي نملة عن أبيه أبي نملة قال: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في كتبهم، ويعلمون الولدان بصفته واسمه ومهاجره إلى المدينة، فلما ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حسدوا، وبغوا، وأنكروا. وقال عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ عن أبيه قال: سمعت أبي مالك بن سنان يقول: جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم- ونحن يومئذ في هدنة من الحرب- فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظلّ خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم، فقال له خليفة بن ثعلبة الأشهلي- كالمستهزئ به-: ما صفته؟ قال: رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، يلبس الشملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذا البلد مهاجره، قال: فرجعت إلى قومي بني خدرة. وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع، فأسمع رجلا منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده؟
كل يهود يثرب تقول هذا. قال أبي مالك بن سنان: فخرجت حتى جئت قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الّذي لم يطلع إلا لخروج نبي وظهوره، ولم يبق أحد إلا أحمد، وهذا مهاجره. قال أبو سعيد: فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة، أخبره أبي هذا الخبر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لو أسلم الزبير وذووه من رؤساء يهود لأسلّم كلهم، إنما هم له تبع. وقال عاصم بن عمرو بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن محمد بن مسلمة قال: لم يكن في بني عبد الأشهل إلا يهودي واحد يقال له يوشع فسمعته يقول: وإني لغلام في إزار قد أظلكم خروج نبي يبعث من نحو هذا البيت، ثم أشار بيده إلى بيت اللَّه، فمن أدركه فليصدقه، فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأسلمنا وهو بين أظهرنا، ولم يسلّم حسدا وبغيا. وعن عبد اللَّه بن سلام قال: ما تمت سبع حتى صدق بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم أحمد لما كان يهود يثرب يخبرونه، وأن تبع مات مسلما. وعن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه: كان أحبار يهود بني قريظة والنضير يذكرون صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما طلع الكوكب الأحمر أخبروا أنه نبّئ، وأنه لا نبي بعده، اسمه أحمد، مهاجره إلى يثرب، فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة ونزلها أنكروه وحسدوا وبغوا. وعن زياد بن لبيد أنه كان على أطم من آطام المدينة فسمع: يا أهل يثرب!! - ففزع عنا وفزع الناس-: قد ذهبت واللَّه نبوة بني إسرائيل، هذا نجم طلع بمولد أحمد، وهو نبي آخر الأنبياء، ومهاجره إلى يثرب. وقال داود بن الحصين، عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن عن الحرث بن خزمة قال: كان يهود المدينة ويهود خيبر ويهود فدك يخبرون بصفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وأنه خارج [من نحو هذا البيت] [ (1) ] ، وأن مهاجره إلى يثرب واسمه أحمد، وأنه يقتلهم قتل الذّر حتى يدخلهم في دينه، وأنه ينزل عليه كتاب اللَّه كما نزل على موسى التوراة، ويخبرون بصفته، فلما نزل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة أنكروه وحسدوه.
وقال مسلم بن يسار عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: ما كان في الأوس والخزرج رجل أوصف لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم منه- يعني من بني عامر- كان يألف اليهود ويسائلهم عن الدين، ويخبرونه بصفة رسول اللَّه، وأنّ هذه دار هجرته، ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك، ثم خرج إلى الشام فسأل النصارى، فأخبروه بصفة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وأن مهاجره يثرب. فرجع أبو عامر وهو يقول: أنا على دين الحنفية، فأقام مترهبا لبس المسوح، وزعم أنه على دين إبراهيم عليه السلام، وأنه ينتظر خروج النبي، فلما ظهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمكة لم يخرج إليه، وأقام على ما كان عليه. فلما قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة حسد وبغى ونافق، فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد! بم بعثت؟ فقال: بالحنفية، فقال: أنت تخلطها بغيرها، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أتيت بها بيضاء، أين ما كان يخبرك الأحبار من اليهود والنصارى من صفتي؟ فقال: لست بالذي وصفوا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، فقال: ما كذبت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الكاذب أمانة اللَّه وحيدا طريدا، قال: آمين، ثم رجع إلى مكة فكان مع قريش يتبع دينهم، وترك ما كان عليه [ (1) ] . وذكر محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن شيخ من بني قريظة قال: هل تدري علام كان إسلام ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية [ (2) ] ، وأسد بن
عبيد، نفر من بني [هدل] [ (1) ] ، [أو هذيل، أتوا بني قريظة، فكانوا معهم في جاهليتهم، ثم كانوا سادتهم في الإسلام، قال: قلت: لا، قال: فإن رجلا من يهود أهل الشام، يقال له: ابن الهيّبان] [ (2) ] ، قدم علينا قبيل الإسلام [بسنوات] [ (3) ] فحل بين أظهرنا [قال لي:] [ (4) ] واللَّه ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا، فكنا إذا أقحطنا [ (5) ] قلنا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستسق، فيقول: لا واللَّه حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة، فيقولون [ (6) ] : كم؟ فيقول: صاع [ (6) ] من تمر أو مدان [ (6) ] من شعير [عن كل إنسان حي] [ (7) ] ، قال: فنخرجها، فيخرج بنا إلى ظاهر حرّتنا فيستسقي لنا، فو اللَّه ما يبرح مجلسه حتى تمرّ [السحاب الشراج سائله] [ (8) ] ونسقي [به] [ (9) ] ، فعل [ (10) ] ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث [ (11) ] ، قال: ثم حضرته الوفاة [عندنا] [ (12) ] ، فلما عرف أنه ميت قال: أيا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض الجوع والبؤس؟ قال: قلنا: إنك [ (13) ] أعلم، قال: فأني قدمت هذا [ (14) ] البلد
أتوكف [ (1) ] خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلكم زمانه، فلا تسبقنّ [ (2) ] إليه يا معاشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعنكم ذلك منه. فلما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وحاصر بني قريظة، قال: هؤلاء الفتية- كانوا شبابا أحداثا-: يا بني قريظة، واللَّه إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا، فأحرزوا دماءهم وأموالهم [وأهليهم] [ (3) ] . وقال ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ منهم [ (4) ] ، قال: قالوا: فينا واللَّه وفيهم نزلت هذه القصة، كنا قد علوناهم ظهرا في الجاهلية- ونحن أهل شرك وهم أهل كتاب- فكانوا يقولون: إن نبيا يبعث الآن نتبعه قد أظلّ زمانه، نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث اللَّه رسوله من قريش واتّبعناه كفروا به، يقول اللَّه تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ، إلى قوله: عَذابٌ مُهِينٌ [ (5) ] . وعن عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس، أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللَّه قبل مبعثه، فلما بعثه اللَّه من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر يهود، اتقوا اللَّه وأسلموا، قد كنتم تستفتحون علينا بمحمد وإنا أهل شرك، وتخبروننا بأنه مبعوث، وتصفونه لنا بصفته، فقال سلام بن مشكم: ما هو بالذي كنا نذكر لكم، ما جاءنا بشيء نعرفه! فأنزل اللَّه تعالى في ذلك من قولهم ولما
جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ [ (1) ] . وقال عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: كانت يهود [بني] [ (2) ] قريظة و [بني] [ (2) ] النضير من قبل مبعث محمد صلى اللَّه عليه وسلّم يستفتحون- يدعون- على الذين كفروا يقولون: اللَّهمّ إنا نستنصرك بحق النبي الأمي ألا تنصرنا عليهم فينصرون، فلما جاءهم ما عرفوا- يريد محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم ولم يشكوا فيه- وكانوا يتمنونه ويقولون لجميع العرب: هذا محمد قد أظلنا، هذا أوان مجيئه، واللَّه لنقتلنكم معه قتل عاد وإرم، وكان الناس من لدن اليمن إلى الشام وجميع الدنيا قد عظموا شأن قريظة والنضير لخصال كثيرة: أنهم أهل كتاب وأحبار ورهبان وربانيون، لكثرة الأموال التي كانت لهم، ولأنهم كانوا من ولد هارون عليه السلام، وكان الناس يرغبون إليهم، ويسألونهم عن الدين، وكانوا إذا استنصروا على أحد من العرب استنصروا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، ويذكرونه بالجميل. عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان يهود أهل المدينة قبل قدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد وغطفان وجهينة وعذرة يستفتحون عليهم، يستنصرون يدعون عليهم باسم نبي اللَّه فيقولون: اللَّهمّ ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك، وبكتابك الّذي تنزل عليه، وعدتنا أنك باعثه في آخر الزمان، وكانوا يرجون أن يكون منهم، فكانوا إذا قالوا ذلك نصروا على عدوهم. وعن قتادة قال: كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب يقولون: اللَّهمّ ابعث النبي الّذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم، فلما بعث اللَّه نبيه محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم كفروا به حين رأوه بعث من غيرهم، حسدا للعرب وهم يعلمون أنه رسول اللَّه. وعن ابن أبي نجيح عن علي البارقيّ في قوله تعالى: وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، أن اليهود كانوا يقولون: اللَّهمّ ابعث هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس، يستفتحون ويستكثرون على الناس.
وقال قتادة عن كعب الأحبار: كان سبب استنقاذ بني إسرائيل من أرض بابل، رؤيا بخت نصّر، فإنه رأى رؤيا فزع منها، فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بما أصابه من الكرب في رؤياه، وسألهم أن يعبروها له، فقالوا: قصّها علينا، قال: قد نسيتها! فأخبروني بتأويلها، قالوا: فإنا لا نقدر حتى تقصها علينا، فغضب وقال: اخترتكم واصطفيتكم لمثل هذا، أذهبوا فقد أجلتكم ثلاثة أيام، فإن أتيتموني بتأويلها وإلا قتلتكم! وشاع ذلك في الناس، فبلغ دانيال وهو محبوس، فقال لصاحب السجن وهو إليه محسن: هل لك أن تذكرني للملك؟ فإن عندي [تأويل] [ (1) ] رؤياه، وإني أرجو أن تنال عنده بذلك منزلة، ويكون سبب عافيتي، قال له صاحب السجن: إني أخاف عليك سطوة الملك، لعل غم السجن حملك على أن تتروح بما ليس عندك فيه علم، مع أني أظن إن كان أحد عنده في هذه الرؤيا علم فأنت هو، قال دانيال: لا تخف عليّ فإن لي ربا يخبرني بما شئت من حاجتي، فانطلق صاحب السجن فأخبر بخت نصّر بذلك، فدعا دانيال فأدخل عليه- وكان لا يدخل عليه أحد إلا سجد- فوقف دانيال فلم يسجد، فقال الملك لمن في البيت: اخرجوا، فخرجوا، فقال بخت نصّر لدانيال: ما منعك أن تسجد لي؟ قال دانيال: إن لي ربا آتاني هذا العلم الّذي سمعت به على أن لا أسجد لغيره، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني هذا العلم، ثم أصير في يدك أميا لا ينتفع بي فتقتلني، فرأيت ترك سجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الّذي أنت فيه، فتركت السجود نظرا إلى ذلك، فقال بخت نصّر: لم يكن قط أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك، أعجب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم العهود، فهل عندك علم بهذه الرؤيا التي رأيت، قال نعم عندي علمها وتفسيرها، رأيت صنما عظيما رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، أعلاه من ذهب، ووسطه من فضة، وسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا أنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه وإحكام صنعته، قذفه اللَّه بحجر من
السماء فوقع في قبة رابية فدقه حتى طحنه، فاختلط ذهبه وفضته، ونحاسه وحديدة وفخاره، حتى تخيل إليك أنه لو اجتمع جميع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك، ولو هبت ريح لأذرته، ونظرت إلى الحجر الّذي قذف به يربو ويعظم وينتشر حتى ملأ الأرض كلها، فصرت لا ترى إلا السماء والحجر، قال له بخت نصّر: صدقت! هذه الرؤيا التي رأيت، فما تأويلها؟ قال دانيال: أما الصنم فأمم مختلفة في أوّل الزمان وفي أوسطه وفي آخره، وأما الذهب فهذا الزمان وهذه الأمة التي أنت فيها وأنت ملكها، وأما الفضة فابنك يملكها من بعدك، وأما النحاس فإنه الروم، وأما الحديد ففارس، وأما الفخار فأمتان يملكها من بعدك امرأتان: إحداهما في مشرق اليمن والأخرى في غربي الشام، وأما الحجر الّذي قذف به الصنم فدين يقذف اللَّه به هذه الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، فيبعث اللَّه نبيا أميا من العرب فيدوّخ اللَّه به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوّخ أصناف الصنم، ويظهره على الأديان والأمم، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى يملأها، فيمحص اللَّه به الحق ويزهق الباطل، ويهدي [به] [ (1) ] أهل الضلالة، يعلم به الأميين، ويقوي به الضعيف ويعزّ به الأذلاء، وينصر به المستضعفين. قال بخت نصّر: ما أعلم أحدا استعنت منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك، ولا أحد له عندي يدا أعظم من يدك، وأنا جازيك بإحسانك.. وذكر القصة. ورويت هذه القصة أيضا عن وهب بن منبه، وقال ابن إسحاق: كان فيما بلغني عما وضع عيسى ابن مريم عليه السلام فيما جاءه من اللَّه تعالى لأهل الإنجيل في الإنجيل من صفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] : اللَّهمّ [ (3) ] من أبغضني فقد أبغض الرب، ولولا أني صنعت بحضرتكم [ (4) ] صنائع ما كانت لكم [ (5) ] خطيئة، ولكن [من] [ (6) ] الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ولكن لا بدّ أن تتم الكلمة [ (7) ] التي في الناموس أنهم
أبغضوني [مجّانا] [ (1) ] ، أي باطلا، فلو قد جاء المنحمنّا [هذا] [ (2) ] الّذي أرسله اللَّه إليكم من عند الرب وروح القدس هذا الّذي من عند الرب خرج [ (3) ] ، فهو شهيد [ (4) ] عليّ وأنتم أيضا، لأنكم قديما كنتم معي [في] [ (2) ] هذا قلت لكم كي لا تشكوا. قالوا: والمنحمنّا بالسريانية محمد، وهو بالرومية البرقليطس [ (5) ] ، صلى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن إسحاق: وقد ذكر لي بعض أهل العلم، أنه وجد عند حبر من أحبار يهود عهدا من كتاب إبراهيم خليل الرحمن فيه: (مود مود) ، فقلت له: أنشدك باللَّه ما هذان الحرفان؟ قال: اللَّهمّ عمّر من ذكر محمد. وحدثني علي بن نافع الجرشيّ قال: قرأت في بيت مجرش كتابا كتبه الحبشة حين ظهروا على اليمن- وكانوا نصارى أهل كتاب-: مصلحا محمدا رشيدا أمما. وقال زياد: سيد الأمم. وقال الواقدي: حدثني محمد بن سعيد الثقفي، وعبد الرحمن بن عبد العزيز ابن عبد اللَّه بن عثمان بن سهل بن حنيف، وعبد الملك بن عيسى الثقفي، وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلي بن كعب الثقفي، ومحمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه وغيرهم، كل قد حدثني من هذا الحديث طائفة، قال: قال المغيرة بن شعبة في خروجه إلى المقوقس مع بني مالك أنهم لما دخلوا على المقوقس قال لهم: كيف خلصتم إليّ ومحمد وأصحابه بيني وبينكم؟ قالوا: لصقنا بالبحر وقد خضناه على ذلك، قال: فكيف صنعتم فيما دعاكم إليه؟ قالوا: ما تبعه منا رجل واحد، قال: ولم ذاك؟ قالوا: جاءنا بدين مجدد لا يدين به الآباء ولا يدين به الملك، ونحن على ما كان عليه آباؤنا، قال: فكيف صنع قومه؟ قالوا: تبعه أحداثهم وقد لاقاه من خالفه من قومه وغيرهم من العرب في مواطن: مرة تكون عليهم الدبرة، ومرة تكون له. قال: ألا تحدثونني وتصدقونني؟ إلى ماذا يدعو؟ قالوا: يدعو إلى أن يعبد اللَّه وحده لا شريك له، ونخلع ما كان يعبد الآباء، ويدعو إلى الصلاة والزكاة، قال: وما الصلاة والزكاة؟ ألهما وقت يعرف وعدد ينتهى إليه؟ قال: يصلون
في اليوم والليلة خمس صلوات كلها لمواقيت، وعدد قد سموه له، ويؤدون من كل ما بلغ عشرين مثقالا نصف دينار، وكل إبل بلغت خمسا شاة، قال: ثم أخبروه بصدقة الأموال كلها. قال: أفرأيتم إذا أخذها أين يضعها؟ قال: يردها على فقرائهم، ويأمر بصلة الرحم ووفاء العهد وتحريم الزّنا والرّبا والخمر، ولا يأكل ما ذبح لغير اللَّه. قال: هو نبي مرسل إلى الناس كافة، ولو أصاب القبط والروم تبعوه، وقد أمرهم بذلك عيسى ابن مريم، وهذا الّذي تصفون منه بعثت به الأنبياء من قبله، وستكون له العاقبة حتى لا ينازعه أحد فيظهر دينه إلى منتهى الخف والحافر ومقطع النحور، ويوشك قومه أن يدافعونه بالراح. قال: فقلنا لو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا، قال: فأخفض رأسه وقال: أنتم في اللعب!؟ قال: كيف نسبه في قومه؟ قلنا: هو أوسطهم نسبا، قال: كذلك والمسيح، الأنبياء تبعث في نسب قومها، قال: فكيف صدق حديثه؟ قال: قلنا: ما يسمى إلا الأمين من صدقه، قال: انظروا في أمركم، أترونه يصدق فيما بينكم وبينه ويكذب على اللَّه؟. قال: فمن اتبعه؟ قلنا: الأحداث، قال: هم والمسيح أتباع الأنبياء قبله، قال: فما فعلت يهود يثرب، فهم أهل التوراة؟ قلنا: خالفوه فأوقع بهم وسباهم وتفرقوا في كل وجه، قال: هم قوم حسّد حسدوه، أما إنهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف. قال المغيرة: فقمنا من عنده وقد سمعنا كلاما ذللنا لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم وخضعنا وقلنا: ملوك العجم يصدقونه ويخافونه في بعد أرحامهم منه، ونحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل معه وقد جاءنا داعيا إلى منازلنا؟. قال المغيرة: فرجعت إلى منزلنا فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها، وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم.
وكان أسقف من القبط هو رأس الكنيسة، أبى [يحسر] [ (1) ] كانوا يأتونه بمرضاهم فيدعو لهم، لم أر أحدا إلا يصلي الصلوات الخمس أشدّ اجتهادا منه، فقلت: أخبرني هل بقي أحد من الأنبياء؟ قال: نعم، وهو آخر الأنبياء ليس بينه وبين عيسى ابن مريم أحد، وهو نبي قد أمرنا عيسى باتباعه، وهو النبي الأمي العربيّ، اسمه أحمد. ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، ليس بالأبيض ولا بالآدم، يعفي شعره ويلبس ما غلظ من الثياب، ويجتزئ بما لقي من الطعام، سيفه على عاتقه، ولا يبالي بمن لاقى، يباشر القتال بنفسه، ومعه أصحابه يفدونه بأنفسهم، هم له أشد حبا من أولادهم وآبائهم، يخرج من أرض القرظ، ومن حرم يأتي وإلى حرم يهاجر إلى أرض سباخ ونخل، يدين بدين إبراهيم عليه السلام. قال المغيرة بن شعبة: زدني في صفته، قال: يأتزر على وسطه، يغسل أطرافه، ويحض بما لا يحض به الأنبياء قبله، كان النبي يبعث إلى قومه وبعث إلى الناس كافة، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا، أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى، ومن كان قبله مشدّدا عليهم، لا يصلون إلا في الكنائس والبيع، قال المغيرة: فوعيت ذلك كله من قوله وقول غيره وما سمعت من ذلك. فذكر الواقدي [ (2) ] حديثا طويلا في رجوعه من عند المقوقس ومجيئه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وقال: فأسلمت ثم أخبرته صلى اللَّه عليه وسلّم عن مخرجنا من الطائف وقدومنا الإسكندرية، وأخبرته بما قال الملك وما قال الأساقفة الّذي كنت أسائلهم وأسمع منهم ومن رؤساء القبط والروم فأعجب ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأحب أن يسمعه أصحابه، فكنت أحدثهم ذلك في اليومين والثلاثة. وخرج الحسن بن سفيان من حديث ملازم بن عمرو، حدثنا عبد اللَّه بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: خرجنا وفد إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه
ومضمض منه وصبّ لنا في إداوة ثم قال: اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعكم وانضحوا مكانها من هذا الماء، واتخذوا مكانها مسجدا، قلنا: إن البلد [بعيد] [ (1) ] والحر شديد والماء ينشف، قال: فأمدّوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا، قال: فخرجنا وتشاححنا على حمل الإداوة أينا يحملها؟ فجعلها نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بيننا نوبا، على كل رجل يوما وليلة، فخرجنا حتى قدمنا بلدنا، ففعلنا الّذي أمرنا به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم- وراهبنا يومئذ من طيِّئ- فأذّنا، فقال الراهب لما سمع الأذان: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا [ (2) ] ثم هرب فلم ير بعد [ (3) ] . وللطبراني من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي قال: أخبرني الفلتان بن عاصم قال: كنا قعودا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد فشخص بصره إلى رجل يمشي في المسجد فقال: أفلان، قال: لبيك يا رسول اللَّه- ولا ينادي الكلام إلا قال برسول اللَّه- فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أتشهد أني رسول اللَّه؟ قال: لا! قال: أتقرأ في التوراة؟ قال: نعم، قال: والإنجيل؟ قال: نعم، قال: والقرآن؟ قال: لا، قال: والّذي نفسي بيده لو تشاء لقرأته، قال: ثم ناشده: هل تجدني في التوراة والإنجيل؟ فقال: سأحدثك مثلك ومثل هيئتك ومخرجك، وكنا نرجو أن تكون منّا، فلما خرجت تخوفنا أن تكون هو أنت، فنظرنا فإذا ليس هو أنت! قال: فلم ذاك، قال: إن معه من أمته سبعين ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب، وإنما معك نفر يسير، قال: فو الّذي نفسي بيده لأنا هو، إنهم لأمتي، وإنهم لأكثر من سبعين ألفا، وقد بشر برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كعب بن لؤيّ بن غالب كما ستراه في أخباره. وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: بينما العباس في زمزم إذ جاء كعب الأحبار فقال له العباس: ما منعك أن تسلم في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر حتى أسلمت الآن في عهد عمر رضي اللَّه عنهم؟
فقال: إن أبي كتب لي كتابا من التوراة ودفعه إليّ وقال: اعمل بهذا واتبعه، وأخذ علي حق الوالد على الولد أن لا أفضّ هذا الخاتم، وختم على سائر كتبه، فلما رأيت الإسلام قد ظهر ولم أر إلا خيرا قالت لي نفسي: لعل أباك غيب عليك علما، ففضضت هذا الخاتم فإذا فيه صفة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، فجئت الآن وأسلمت. وقد تقدم في ذكر حلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وصفحه، حديث إسلام زيد بن سعنة، وفيه: قال زيد: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه محمد سوى آيتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما. وخرّج ابن حبان من حديث أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أسامة بن زيد [ (1) ] قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل: قال لي حبر من أحبار الشام: قد خرج نبي في بلدك أو هو خارج قد خرج نجمه، فارجع فصدّقه واتّبعه وآمن به. ولأبي نعيم من حديث سلمة بن كهيل عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، عن دحية الكلبي قال: بعثني النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى قيصر صاحب الروم بكتاب، فاستأذنت فقلت: استأذنوا لرسول رسول اللَّه، فأتى قيصر فقيل: إن على الباب رجلا يزعم أنه رسول رسول اللَّه، ففزعوا لذلك وقال: أدخلوه، فدخلت عليه وعنده بطارقته، فأعطيته الكتاب فقرئ عليه فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللَّه إلى قيصر صاحب الروم، فنخر ابن أخ له أحمر أزرق سبط الشعر فقال: لا يقرأ الكتاب اليوم، لأنه بدأ بنفسه، وكتب صاحب الروم ولم يكتب ملك الروم، قال: فقرئ الكتاب حتى فرغ منه، ثم أمرهم قيصر فخرجوا من عنده ثم بعث إليّ فدخلت إليه فسألني فأخبرته، فبعث إلى الأسقف فدخل عليه وكان صاحب أمرهم يصدرون عن قوله ورأيه، فلما قرأ الكتاب قال الأسقف: هو واللَّه الّذي بشرنا به عيسى وموسى الّذي كنا ننتظره، قال قيصر: فما تأمرني؟ قال الأسقف: أما أنا فإنّي مصدقه ومتبعه، فقال قيصر: إني أعرف أنه كذلك، ولكن
لا أستطيع أن أفعل، فإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم [ (1) ] . وله من حديث العلاء بن الفضل بن أبي سوية بن خليفة قال: حدثني أبي عن جده أبي سوية بن خليفة- وكان خليفة مسلما- قال: سألت محمد بن عدي ابن ربيعة بن سوادة بن حبتم بن سعد فقلت كيف سماك أبوك محمدا؟ فضحك ثم قال: أخبرني- أي عدي بن ربيعة- قال: خرجت أنا وسفيان بن مجاشع ويزيد ابن ربيعة وأسامة بن مسكة نريد ابن جفنة، فلما قربنا منه نزلنا إلى شجرات وغدير فقلنا: لو اغتسلنا وادهنا ولبسنا ثيابنا من قشف السفر، فجعلنا نتحدث فأشرف علينا ديراني [ (2) ] من قائم له فقال: إني أسمع بلغة قوم ليس بلغة أهل هذه البلاد، قلنا: نحن قوم من مضر، قال: من أي المضريين؟ قلنا: من خندف [ (3) ] ، قال: إنه سيبعث وشيكا نبي منكم فخذوا نصيبكم منه تسعدوا، قلنا: ما اسمه؟ قال: محمد. فأتينا ابن جفنة فقضينا حاجتنا ثم انصرفنا، فولد لكل رجل منا ابن فسماه محمدا يدور على ذلك الاسم [ (4) ] .
وسيأتي في التعريف لعبد المطلب ذكر اليهودي الّذي نظر في أنفه وقال له: أرى في إحدى يديك ملكا وفي أنفك نبوة، وذكر وفادته على سيف بن ذي يزن وإخباره إياه أنه يولد له ولد اسمه محمد، وبشّر بنبوته. قال أبو بكر بن عبد اللَّه بن الجهم عن أبيه عن جده قال: سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينما أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني ففزعت منها فزعا شديدا، فأتيت كاهنة قريش فقلت: إني رأيت الليلة وأنا نائم كأن شجرة نبتت من ظهري قد نال رأسها السماء، وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورا أزهر منها، أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا. ورأيت العرب والعجم ساجدين لها، وهي تزداد كل ساعة عظما ونورا وارتفاعا، ساعة تختفي وساعة تزهر. ورأيت رهطا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخّرهم شاب لم أر قط أحسن منه وجها ولا أطيب منه ريحا، فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول منها نصيبا، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها. فانتبهت مذعورا فزعا، فرأيت وجه الكاهنة قد تغير، ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب، يدين له الناس، فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث، والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد خرج، ويقول: كانت الشجرة أبا القاسم الأمين، فيقال له: ألا تؤمن به فيقول: السبّة والعار [ (1) ] !!. عن الحرث بن عبد اللَّه الأزدي قال: لما نزل أبو عبيدة اليرموك وضم إليه قواصيه وجاءتنا جموع الروم فذكر أن ماهان صاحب جيش الروم بعث رجلا من كبارهم وعظمائهم يقال له: جرجير إلى أبي عبيدة بن الجراح، فأتى أبا عبيدة فقال: إني رسول ماهان إليك، وهو عامل ملك الروم على الشام، وعلى هذه الحصون،
وهو يقول لك: أرسل إلى الرجل الّذي كان قبلك أميرا، قد ذكر لي أن ذلك الرجل له عقل وله فيكم حسب، وقد سمعنا أن ذوي الأحساب أفضل عقولا من غيرهم، فنخبره بما نريد، ونسأله عما تريدون، فإن وقع بيننا وبينكم أمر لنا فيه ولكم صلاح أخذنا الحظ من ذلك وحمدنا اللَّه عليه، وإن لم يتفق ذلك بيننا وبينكم فإن القتال من وراء ما هناك. فدعا أبو عبيدة خالدا فأخبره بالذي جاء فيه الروميّ وقال لخالد: ألقهم فادعهم إلى الإسلام، فإن قبلوا وإلا فافرض عليهم الجزية، فإن أبوا فأعلمهم أنا سنناجزهم حتى يحكم اللَّه بيننا وبينهم. قال: وجاءهم رسولهم الرومي عند غروب الشمس فلم يمكث إلا يسيرا حتى حضرت الصلاة فقام المسلمون يصلون، فلما قضوا صلاتهم قال خالد للرومي: قد غشينا الليل، ولكن إذا أصبحت غدوت إلى صاحبك إن شاء اللَّه، فارجع إليه فأعلمه. فجعل المسلمون ينتظرون الرومي أن يقوم إلى صاحبه فيرجع إليه ويخبره بما اتعدوا عليه، فأخذ الرومي لا يبرح وينظر إلى رجال من المسلمين وهم يصلون فيدعون اللَّه ويتضرعون إليه، ثم أقبل على أبي عبيدة فقال: أيها الرجل! متى دخلتم هذا الدين ومتى دعوتم الناس إليه؟ فقال: منذ بضع وعشرين سنة، فمنا من أسلم حين أتاه الرسول، ومنا من أسلم بعد ذلك. فقال: هل كان رسولكم أخبركم أنه يأتي من بعده رسول؟ قال: لا، ولكن أخبرنا أنه لا نبي بعده، وأخبرنا أن عيسى ابن مريم قد بشر به قومه، قال الرومي، وأنا على ذلك من الشاهدين، وأن عيسى قد بشرنا براكب الجمل، وما أظنه إلا صاحبكم، فأخبرني هل قال صاحبكم في عيسى شيئا؟ وما قولكم أنتم فيه؟. قال أبو عبيدة: قول صاحبنا هو قول اللَّه وهو أصدق القول وأبرّه: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ (1) ] ، وقال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [ (2) ] إلى قوله: لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ.
قال: ففسّر له الترجمان هذا بالرومية، فقال: أشهد أن هذا صفة عيسى نفسه، وأشهد أن نبيكم صادق، وأنه الّذي بشرنا به عيسى وأنكم قوم صدق، وقال لأبي عبيدة: أدع لي رجلين من أوائل أصحابك إسلاما هما فيما ترى أفضل. فدعا له معاذ بن جبل وسعيد بن جبير وزيد بن عمرو بن نفيل، فقيل له: هذا من أفضل المسلمين فضلا ومن أوائل المسلمين إسلاما، فقال لهم الرومي: أتضمنون لي الجنة إن أنا أسلمت وجاهدت معكم؟ قالوا: نعم، إن أنت أسلمت واستقمت ولم تغيّر حتى تموت وأنت على ذلك فإنك من أهل الجنة، قال: فإنّي أشهدكم أني من المسلمين، فأسلّم، ففرح المسلمون بإسلامه وصافحوه ودعوا له بخير. وخرج أبو نعيم من حديث أبي بشر محمد بن عبيد اللَّه قال: حدثني عطاء بن عجلان عن بهز بن حوشب عن كعب بن ماتع الحميري أن إسلامه كان [عند] مقدم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه الشام، وأخبرني كيف كان بدء أمره، قال: إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل اللَّه على موسى عليه السلام، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم. فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني! إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا مما كنت أعلم إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما نبي يبعث قد أظل زمانه، فكرهت أن أخبرك بذلك ولا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى، وطينت عليهما، لا تعرض لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا، فإنّ اللَّه إن يرد بك خيرا ويخرج ذلك الّذي تتبعه. قال: ثم إنه مات فدفناه، ولم يكن شيء أحب إلي من أن يكون المأتم قد انقضى حتى انظر ما في الورقتين، فلما انقضى المأتم فتحت الكوة، ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول اللَّه، خاتم النبيين لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجرة بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ويجزئ بالسيئة الحسنة، ويعفو ويصفح. أمته الحمادون الذين يحمدون اللَّه على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في
صدورهم، وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم. قال: فلما قرأت ذلك قلت في نفسي: وهل علمني أبي شيئا هو خير لي من هذا؟ فمكثت ما شاء اللَّه، ثم بلغني أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد خرج بمكة وهو يظهر مرة ويستخفي أخرى فقلت: هو ذا، فلم يزل كذلك حتى قيل لي: قد أتى المدينة، فقلت في نفسي إني لأرجو أن يكون إياه، وكانت تبلغني وقائعه: مرة له، ومرة عليه، ثم بلغني أنه توفى، فقلت في نفسي: لعله ليس بالذي كنت أظن حتى بلغني أن خليفته قد قام مقامه، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى جاءتنا جنوده، فقلت في نفسي: لا أدخل في هذا الدين حتى أعلم أنهم هم الذين أرجو وانظر سيرتهم وأعمالهم. فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدم علينا عمال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع اللَّه لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر، فحدثت نفسي بالدخول في دينهم، فو اللَّه إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول اللَّه عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [ (1) ] ، قال: فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي، فما كان شيء أحبّ إليّ من الصباح فغدوت على المسلمين. قال: وحدثني عطاء عن شهر بن حوشب عن كعب قال: قلت لعمر رضي اللَّه عنه بالشام عند انصرافه أنه مكتوب في الكتب: أن هذه البلاد التي كان بنو إسرائيل أهلها مفتوحة على رجل من الصالحين، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، وقوله لا يخالف فعله، والقريب والبعيد سواء في الحق عنده، أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار، متراحمون متواضعون متبارون، فقال عمر رضي اللَّه عنه: ثكلتك أمك! أهو ما تقول؟ فقال: إي والّذي يسمع ما أقول، فقال: الحمد للَّه الّذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم.
وله من حديث المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد عن أبيه، عن جده سعيد بن زيد، أن زيد بن عمرو وورقة ابن نوفل خرجا يلتمسان الدين، حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد بن عمرو: من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ قال: من بيت إبراهيم، قال: وما تلتمس؟ قال: ألتمس الدين، قال: ارجع فإنه يوشك أن يظهر الّذي تطلب في أرضك، فرجع وهو يقول: لبيك حقا حقا، تعبّدا ورقّا، البرّ أبغي لا الحال، وهو كمن قال: آمنت بما آمن به إبراهيم وهو يقول: أبقي لك فإنّي واهم، مهما تجشمني فإنّي جاشم، ثم يخر فيسجد. وله من حديث النضر بن مسلمة قال: حدثنا محمد بن موسى أبو غزية، عن علي بن عيسى بن جعفر عن أبيه عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه عامر ابن ربيعة العدوي قال: لقيت زيد بن عمرو بن نفيل وهو خارج من مكة يريد حراء يصلي فيها، وإذا هو قد كان بينه وبين قومه يوفي صدر النهار في ما أظهر من خلافهم، واعتزال آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم. فقال زيد بن عمرو: يا عمر إني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم خليل اللَّه وما كان يعبد وابنه إسماعيل من بعده، وما كانوا يصلون إلى هذه القبلة، وأنتظر نبيا من ولد إسماعيل من بني عبد المطلب اسمه أحمد، ولا أراني أدركه، فأنا يا عامر أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك يا عامر ما نعته حتى لا يخفى عليك، قلت: هلم. قال: هو رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليس يفارق عينيه حمره، وهو خاتم النبوة واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه فإنّي بلغت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم عليه السلام، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقول: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون: لم يبق نبي غيره. قال عامر: فوقع في نفسي الإسلام من يومئذ، فلما تنبأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كنت حليفا في قومي، وكان قومي أقل قريش عددا، فلم أقدر على اتباعه ظاهرا فأسلمت
سرا، وكنت أخبرت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بما أخبرني به زيد بن عمرو فترحم عليه وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيلا له أو ذيولا له [ (1) ] . وله من حديث أبي بكر الهذلي عن عكرمة بن عباس قال: قال العباس: خرجت في تجارة إلى اليمن في ركب منهم أبو سفيان بن حرب فقدمت اليمن، وكنت أصنع يوما طعاما وأنصرف بأبي سفيان والنفر، ويصنع أبو سفيان يوما ويفعل مثل ذلك، فقال لي في يومي الّذي كنت أصنع فيه: هل لك يا أبا الفضل أن تنصرف إلى بيتي وترسل إليّ غداك؟ قلت: نعم. فانصرفت أنا والنفر إلى بيته وأرسلت [إليه] [ (2) ] الغداء، فلما تغدى القوم قاموا واحتبسني فقال: هل علمت يا أبا الفضل أن ابن أخيك يزعم أنه رسول اللَّه؟ قلت أيّ بني أخي؟ قال: إياي تكتم؟ وأيّ بني أخيك ينبغي أن يقول هذا إلا رجل واحد، قلت: وأيهم؟ هو محمد بن عبد اللَّه؟. قلت: قد فعل؟ قال: قد فعل [ (3) ] ، وأخرج كتابا من ابنه حنظلة بن أبي سفيان: أخبرك أن محمدا أقام بالأبطح فقال: أنا رسول اللَّه أدعوكم إلى اللَّه، قال العباس: قلت: لعله يا أبا حنظلة صادق، فقال: مهلا يا أبا الفضل، فو اللَّه ما أحب أن تقول هذا، إني لأخشى أن تكون كنت على صبر من هذا الحديث، يا بني عبد المطلب إنه واللَّه ما برحت قريش تزعم أن لكم هنة وهنة كل واحد منهما قامته، نشدتك يا أبا الفضل هل سمعت ذلك؟. قلت: نعم قد سمعت، قال: فهذه واللَّه شؤمتكم، قلت: فلعلها يمنتنا، قال: فما كان يبعد ذلك إلا ليال حتى قدم عبد اللَّه بن خرافة بالخبر وهو مؤمن، ففشا ذلك في مجالس اليمن، وكان أبو سفيان يجلس مجلسا باليمن يتحدث وفيه حبر من أحبار اليهود، فقال له اليهودي: ما هذا الخبر؟! بلغني أن فيكم عم هذا الرجل الّذي قال ما قال.
قال أبو سفيان: صدقوا، وأنا عمه، قال اليهودي: أخو أبيه؟ قال نعم، قال: فحدثني عنه، قال: لا تسألني، ما كنت أحب أن يدعي هذا الأمر أبدا، وما أحب أن أعيبه وغيره خير منه، فرأى اليهودي أنه يغمص عليه ولا يحب أن يعيبه، فقال: ليس به بأس على اليهود وتوراة موسى. قال العباس: فنادى إلى الحبر فجئت وخرجت حتى جلست هذا المجلس من الغد، وفيه أبو سفيان والحبر، فقلت للحبر: بلغني أنك سألت ابن عمي عن رجل منا، زعم أنه رسول اللَّه فأخبرك أنه عمه وليس بعمه، ولكن ابن عمه، وأنا عمه وأخو أبيه، قال: أخو أبيه؟ قلت: أخو أبيه، فأقبل على أبي سفيان فقال: صدق، قال نعم صدق، فقلت: سلني، فإن كذبت فيرده عليّ. فقلت: نشدتك هل كانت لابن أخيك صبوة أو سفهة؟ قلت: لا، وإله عبد المطلب، ولا كذب ولا خان، وإن كان اسمه عند قريش الأمين، قال: هل كتب بيده؟ قال العباس: فظننت أنه خير له أن يكتب بيده، فأردت أن أقولها، ثم ذكرت مكان أبي سفيان أنه مكذّبي ورادّ عليّ، فقلت: لا يكتب، فوثب الحبر وترك رداءه وقال: ذبحت يهود وقتلت يهود. قال العباس: فلما رجعنا إلى منزلنا قال أبو سفيان: يا أبا الفضل إن اليهود تفزع من ابن أخيك، قلت: قد رأيت، فهل لك أيا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقا كنت قد سبقتك، وإن كان باطلا فمعك غيرك من أكفائك. قال: لا أؤمن به حتى أرى الخيل في كذا، قلت: ما تقول؟ قال: كلمة جاءت على فمي إلا أني أعلم أن اللَّه لا ينزل خيلا تطلع من كذا. قال العباس: فلما استفتح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مكة ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كذا، قلت: يا أبا سفيان! تذكر الكلمة؟ قال: إي واللَّه، إني أذكرها، والحمد للَّه الّذي هداني للإسلام. وله من حديث إسماعيل بن الطريح بن إسماعيل الثقفي قال: حدثني أبي عن عمران بن الحكم عن معاوية بن أبي سفيان عن أبيه قال: خرجت أنا وأمية بن معاوية
ابن أبي الصلت الثقفي تجارا إلى الشام، فكلما نزلنا منزلا أخذ أمية سفرا له يقرؤه علينا، وكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فجاءوه وأكرموه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيوتهم، ثم رجع في وسط النهار فطرح ثوبيه وأخذ ثوبين له أسودين فلبسهما وقال لي: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه يتناهى علم الكتاب نسأله؟ قلت: لا أرب لي فيه، واللَّه لئن حدثني بما أحب لا أثق به، ولئن حدثني بما أكره لأرحل منه. قال: فذهب وخالفه فتى من النصارى فدخل عليه فقال: ما يمنعك أن تذهب إلى هذا الشيخ؟ قلت: لست على دينه، قال: وإن، فإنك تسمع منه عجبا وتراه، ثم قال لي الثقفيّ: أنت قلت: لا، ولكني قريشيّ، قال: فما يمنعك من الشيخ؟ فو اللَّه إنه ليحبكم ويوصي بكم، قال: وخرج من عندنا ومكث أمية حتى جاءنا بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ثم انحذل إلى فراشه، فو اللَّه ما نام ولا قام حتى أصبح كئيبا حزينا ساقطا غبوقه على صبوحه [ (1) ] ، ما يكلمنا وما نكلمه. ثم قال: ألا ترحل؟ فرحلنا، فسرنا بذلك ليلتين من همه، ثم قال لي في الليلة الثالثة: ألا تحدث أبا سفيان؟ قلت: وهل بك من حديث؟ واللَّه ما رأيت مثل الّذي رجعت به من عند صاحبك، قال: أما إن ذلك شيء لست فيه، إنما ذلك شيء وجلت به من منقلبي، قال: قلت: هل أنت قابل أمانتي؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، فضحك ثم قال: بلى واللَّه يا أبا سفيان لنبعثن ولنحاسبن، وليدخلن فريق الجنة وفريق النار، قلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك في ولا في نفسه. قال: فكنا في ذلك ليلتين يعجب مني وأضحك منه، حتى قدمنا على غوطة دمشق فبعنا متاعنا فأقمنا شهرين وارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى، فلما رأوه جاءوه أهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، حتى جاء بعد ما انتصف النهار، فلبس ثوبيه وذهب إليهم حتى جاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه ورمى بنفسه على فراشه، فو اللَّه ما نام ولا قام، وأصبح كئيبا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه.
ثم قال: ألا نرحل؟ قلت: بلى إن شئت، فرحلنا لذلك [من بيته وحزبه] [ (1) ] ليالي ثم قال لي: يا أبا سفيان! هل لك في المسير فنقدم أصحابنا؟ فسرنا حتى برزنا من أصحابنا ساعة ثم قال: هيا صخر، قلت: ما تشاء، قال: حدثني عن عتبة بن ربيعة، أيجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: إي واللَّه، قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: أي واللَّه، قال: وكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم، قال: فهل تعرف في قريش من هو أفضل منه؟ قلت: لا واللَّه ما أعلمه، قال: أمحوج؟ قلت: لا، بل هو ذو مالك كثير، قال: وكم أتى له من السن؟ قلت: قد زاد على المائة، قال: فالشرف والسن والمال أزرين به، قلت: ولم ذلك يردى به؟ قال: لا واللَّه بل يزيده خيرا. قال: هو ذاك، هل لك في المبيت؟ قلت: لي فيه، فاضطجعنا حتى مرّ الثقل، فسرنا على ناقتين نحيلتين حتى إذا برزنا قال: هيا صخر [ (2) ] [عن] [ (1) ] عتبة ابن ربيعة، قلت: هيا فيه، [] [ (3) ] قال: وذو مال؟ قلت: وذو مال، قال: أتعلم في قريش أسود [ (4) ] ؟ قلت: لا واللَّه ما أعلمه، قال: كم أتى له من السن؟ قلت قد زاد على المائة، قال: فإن الشرف والمال أزرين به، قلت: كلا واللَّه، ما أرى ذلك به وأنت قائل شيئا فقلته، قال: لا تذكر حديثي حتى يأتي منه ما هو آت، ثم قال: فإن الّذي رأيت أصابني أني جئت هذا العالم فسألته عن أشياء ثم قلت: أخبرني من هذا النبي الّذي ينتظر. قال: هو رجل من العرب، قلت: قد علمت أنه من العرب، فمن أي العرب هو؟ قال: من أهل بيت تحجه العرب، قلت: وفينا بيت تحجه العرب؟ قال: هو في إخوانكم من قريش، قال: فأصابني واللَّه شيء ما أصابني مثله قط، وخرج من يدي فوز الدنيا والآخرة، وكنت أرجو أن أكون إياه. فقلت: فإذا كان فصفه لي، قال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بدء
أمره يجتنب المظالم والمحارم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة، أكثر جنده الملائكة. قلت: وما آية ذلك؟ قال: قد رجعت الشام منذ هلك عيسى ابن مريم ثلاثين رجعة كلها مصيبة، وبقيت رجعة عامة فيها مصائب، قال أبو سفيان: فقلت له: هذا واللَّه الباطل، لئن بعث اللَّه رسولا لا يأخذه إلا مسنا شريفا. قال أمية: والّذي أحلف به إن هذي لكذا يا أبا سفيان يقول: إن قول النصراني حق، هل لك في المبيت؟ قلت: لي فيه، فبتنا حتى جاءنا الثقل، ثم خرجنا حتى إذا كنا بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكب من خلفنا فسألناه، فإذا هو يقول: أصاب أهل الشام بعدكم رجفة دمّرت أهلها، وأصابهم فيها مصائب عظيمة. قال أبو سفيان: فأقبل على أمية فقال: كيف ترى قول النصراني يا أبا سفيان، قلت: أي واللَّه، وأظن أن ما حدّثك صاحبك حق، قال: وقدمنا مكة فقضيت ما كان معي، ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجرا فكنت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة، فبينا أنا في منزلي جاءني الناس يسلمون ويسألون عن بضائعهم. ***
[ثم جاءني محمد بن عبد اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] وهند عندي تلاعب صبيا لها، فسلم عليّ ورحب بي، وسألني عن سفري ومقامي، ولم يسألني عن بضاعته، ثم قام، فقلت لهند: واللَّه إن هذا ليعجبني، ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا وقد سألني عنها، وما سألني هذا عن بضاعته، فقالت: وما علمت شأنه؟ قلت: - وفزعت- ما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول اللَّه، فأيقظتني وذكرت قول النصراني ووجمت [ (2) ] حتى قالت هند: مالك؟ فانتبهت وقلت: إن هذا لهو الباطل، هو أعقل من أن يقول هذا، قالت: بلى، واللَّه إنه ليقول ذلك، فبوأنا عليه، وإن له لصاحبه على دينه، قلت: هذا الباطل، وخرجت، فبينا أنا أطوف بالبيت لقيته فقلت: إن بضاعتك قد بلغت كذا وكذا، وكان فيها خير، فأرسل فخذها، ولست بآخذ منك فيها ما آخذ من قومك، فأبى عليّ وقال: إذا لا آخذها، قلت: فأرسل وخذها وأنا آخذ منك ما آخذ من قومك، فأرسل إلي بضاعته فأخذها، وأخذت منه ما كنت آخذ من قومه غيره. ولم أنشب أن خرجت تاجرا إلى اليمن فقدمت الطائف، فنزلت على أمية بن أبي الصلت فقلت له: أبا عثمان! هل تذكر حديث النصراني؟ قال: أذكره، قلت: قد كان، قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد اللَّه، قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب، ثم قصصت عليه خبر هند، قال: فاللَّه يعلم يتصبب عرقا ثم قال: واللَّه يا أبا سفيان لعله، إنّ صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حيّ لأبلين اللَّه نصره عذرا. قال: ومضيت إلى اليمن فلم أنشب أن جاءني هنالك استهلاله، فأقبلت حتى نزلت إلى أمية بن أبي الصلت بالطائف فقلت: يا أبا عثمان! قد كان من أمر الرجل
ما قد بلغك وسمعت، قال: قد كان لعمري، قلت: فأين أنت يا أبا عثمان عنه؟ قال: واللَّه ما كنت لأؤمن لرسول من غير ثقيف أبدا، قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة، فو اللَّه ما أنا ببعيد حتى جئت مكة فوجدت أصحابه يضربون ويعزفون، فجعلت أقول: فأين جنده من الملائكة؟ قال: فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة [ (1) ] . وله من حديث الليث بن سعيد عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن معاوية ابن أبي سفيان، أن أمية بن أبي الصلت كان بعزة أو قال: بإيلياء، فلما قفلنا قال لي: يا أبا سفيان! هل لك أن تتقدم على الرفقة فنتحدث؟ قلت: نعم، ففعلنا، فقال لي: يا أبا سفيان، إيه عن عتبة بن ربيعة، قلت: إيه عن عتبة بن ربيعة، قال: كريم الطرفين، ويجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: نعم، قال: وشريف حسن، قال: السن والشرف أزريا به، فقلت له: كذبت، ما ازداد شيئا إلا ازداد شرفا، قال: يا أبا سفيان! إنها لكلمة ما سمعت أحدا يقولها لي منذ تنصرت، لا تعجل عليّ حتى أخبرك، قلت: هات. قال إني أجد في كتبي نبيا يبعث من حرتنا هذه، فكنت أظن بل كنت لا أشك أني هو! فلما دارست أهل العلم إذا هو من بني عبد مناف، فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة، فلما أخبرتني بسنه عرفت أنه ليس به حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه، قال أبو سفيان: فضرب الدهر من ضربه. [وأوحي إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] وخرجت في ركب من قريش أريد اليمن في تجارة، فمررت بأمية فقلت له كالمستهزئ به: يا أمية! قد خرج النبي الّذي كنت تنعته، قال: أما إنه حق فأتبعه، قلت: ما يمنعك من اتباعه؟ قال: ما يمنعني إلا الاستحياء من نسيات
ثقيف، كنت أحدثهن أني هو، ثم يرينني تابعا لغلام من بني عبد مناف، ثم قال ابن مية: فكأني بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدي، ثم يؤتى بك إليه فيحكم فيك بما يريد!. وله من حديث ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان يهودي سكن مكة يتّجر بها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال في مجلس: يا معشر قريش! هل ولد فيكم الليلة مولود؟ قال القوم: ما نعلمه، قال: اللَّه أكبر، أما إن أخطأكم فلا بأس، انظروا واحفظوا يا معشر قريش ما أقول لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الآخر، بين كتفيه علامة فيها شعيرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين، وذاك أن عفريتا من الجن أدخل إصبعه في فيه ومنعه من الرضاع، فتصدع القوم من مجلسهم وهم يعجبون من قوله وحديثه، فلما صاروا إلى منزلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا: ولد لعبد اللَّه بن عبد المطلب الليلة غلام وأسموه محمدا. فالتقى القوم فقالوا: هل سمعتم حديث اليهودي وقد بلغكم مولد هذا الغلام؟ فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي فأخبروه الخبر فقال: اذهبوا بي حتى انظر إليه، فخرجوا به حتى دخلوا على آمنة بنت وهب فقالوا: أخرجي إلينا ابنك فأخرجته آمنة، فكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع مغشيا عليه، فلما أفاق قالوا له: ويلك! ما لك؟ قال: ذهبت واللَّه النبوة من بني إسرائيل، أفرحتم به يا معشر قريش؟ أما واللَّه ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق إلى المغرب. وكان في النفر يومئذ هشام والوليد ابنا المغيرة، ومسافر بن أبي عمرو وعبيدة ابن الحرث بن عبد المطلب، وعتبة بن ربيعة في نفر من بني عبد مناف وغيرهم من قريش. وله من حديث محمد بن شريك عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان بمر الظهران راهب من الرهبان يدعى (عيصا) من أهل الشام، وكان متخفّرا [ (1) ] بالعاص بن وائل، وكان اللَّه قد أتاه علما كثيرا، وجعل فيه منافع كثيرة
لأهل مكة من طب ورفق وعلم، وكان يلزم صومعة له، ويدخل مكة في كل سنة فيلقي الناس ويقول: يوشك أن يولد فيكم مولود يا أهل مكة، يدين له العرب ويملك العجم، هذا زمانه فمن أدركه واتبعه أصاب حاجته، ومن أدركه وخالفه أخطأ حاجته، وتاللَّه ما تركت الحمر والحمير [والأميّ] [ (1) ] ، ولا حللت بأرض الجوع والبؤس والخوف إلا في طلبه. فكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول: ما جاء بعد، فيقال له: فصفه، فيقول: لا، ويكتم ذلك للذي قد علم أنه لا نبي من قومه مخافة على نفسه أن يكون ذلك داعية إلى أدنى ما يفضي إليه من الأذى يوما. ولما كان ظهور اليوم الّذي ولد فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج عبد اللَّه بن عبد المطلب حتى أتى (عصيا) فوقف في أصل صومعته ثم نادى: يا (عصيا) ، فناداه: من هذا؟ فقال: أنا عبد اللَّه، فأشرف عليه فقال: كن أباه، فقد ولد ذلك المولود الّذي كنت أحدثكم عليه يوم الإثنين، ويبعث يوم الإثنين، ويموت يوم الإثنين. قال: فإنه قد ولد لي مع الصبح مولود، قال: فما سميته؟ قال: محمدا، قال: واللَّه لقد كنت أشتهي أن يكون فيكم هذا المولود أهل البيت لثلاث خصال بها نعرفه، فقد أتى عليه منها أن نجمه طلع البارحة، وأنه ولد اليوم، وأن اسمه محمدا، انطلق إليه فإن الّذي كنت أحدثكم عنه ابنك. قال: فما يمنعك أن تأتيني؟ ولعله لن يولد يومنا هذا مولودون عدة، قال: قد وافق ابنك الاسم، ولم يكن اللَّه يشبّه علمه على العلماء لأنه حجة، وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي أياما ثلاثة، يظهر الوجع ثم يعافي، فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد حسده أحد قط، ولم يبغ على أحد كما يبغى عليه، وإن تعش حتى تبدو معالمه ثم يدعو يظهر لك من قومك ما لا يحتمله إلا على ذلّ، فاحفظ لسانك ودار عنه. قال: فما عمره؟ قال: إن طال عمره أو قصر لم يبلغ السبعين، يموت في وتردونها من السنين، في إحدى وستين أو ثلاث وستين، أعمار جلّ أمته، قال:
وحمل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في عاشوراء المحرم، وولد يوم الاثنين لثنتي عشر ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل. وله من حديث النضر بن سلمة قال: حدثنا يحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده أسلم أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية أن يسرح نضلة بن معاوية الأنصاري وهو من أصحابه في ثلاثمائة فارس إلى حلوان فيغير على قراها، لعل اللَّه يفيدهم إبلا ورقيقا، فلما انتهى كتاب عمر إلى سعد دعا سعد نضلة فعقد له [لواء] [ (1) ] وقال: اخرج، فسار نضلة حتى إذا شارف حلوان فرّق أصحابه في ثلاث رساتق منها، فأغاروا فأصابوا إبلا ورقيقا وشاءا كثيرا، فانصرفوا فتبعهم المشركون، فكرّ عليهم نضلة وأصحابه فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن اللَّه صرف وجوه المشركين وولوا، وسار نضلة في أصحابه معهم الغنائم، وأرهق القوم صلاة العصر، فنادى نضلة أصحابه فقال لهم: سوقوا الغنائم إلى سفح الجبل وعليكم بالصلاة. ثم نزل فأذّن فقال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، فأجابه كلام من الجبل: كبّرت كبيرا يا نضلة، فقال نضلة: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقال: أخلصت للَّه إخلاصا حرمت جسدك على النار، قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه، قال: نبي بعث خاتم النبيين، وصاحب شفاعة يوم القيامة، قال: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، قال: البقاء لأمة محمد وهو الفلاح، قال: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، قال: كبّرت كبيرا، قال: لا إله إلا اللَّه، قال أخلصت للَّه إخلاصا. قال: فتعجب نضلة وأصحابه، فقال نضلة: من أنت يرحمك اللَّه؟ أهاتف من الجن؟ أم عبد صالح جعل اللَّه لك في هذا الجبل رزقا؟ حدثنا ما حالك؟ أرنا وجهك، قال: فانشق الجبل عن رأس كأن هامته رحى، شديد بياض الرأس واللحية، عليه ثياب الصوف، فقال: أنا زريب بن يرثلمي وصيّ العبد الصالح عيسى ابن مريم، سألته فطلب إلى ربه حين رفع، فوهب لي عمرا إلى أن يهبط عليّ. فإن لي في هذا الجبل رزقا، فأقرئ عمر بن الخطاب السلام وقل: سدّد
وقارب وأبشر، حضر الأمر ونعم العبد أنت. ثم انسدّ الجبل فنادوا كثيرا فلا جواب، فأخبر نضلة سعدا فكتب بذلك سعد إلى عمر رضي اللَّه عنه فأجابه: يا سعد، ذاك رجل من أوصياء عيسى ابن مريم عليه السلام، أعطى فيها رزقا وعمرا فسل عنه، فركب سعد فأقام بفناء الجبل أربعين يوما فلم يجب بشيء، فكتب سعد بذلك إلى عمر رضي اللَّه عنه. ورواه الواقدي: حدثني عبد العزيز بن عمر، حدثنا جعونة بن نضلة قال: كنت في الجبل يوم فتح حلوان، فطلبنا المشركين في الشعب فأمعنّا فيه، فحضرت الصلاة فانتهيت إلى ماء فنزلت [عن فرسي] [ (1) ] فأخذت بعنانه، فتوضأت ثم صعدت صخرة فأذّنت، فلما قلت: اللَّه أكبر اللَّه أكبر.. فذكره. وقد روى من حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر تفرد [به] [ (2) ] عبد الرحمن الراسبي وفيه ضعف ولين. وله من حديث إسحاق بن أبي إسحاق الشيبانيّ عن أبيه عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام عن أبيه قال: إني أجد فيما أقرأ من الكتب أنه ترفع راية بمكة، اللَّه مع صاحبها، وصاحبها مع اللَّه، يظهره اللَّه على جميع القرى. وقال أبو محمد عبد اللَّه بن مسلم بن قتيبة: إعلام نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم الموجودة في كتب اللَّه المتقدمة، قول اللَّه عز وجل في السفر الأول من التوراة لإبراهيم عليه السلام: قد أجبت دعاءك في إسماعيل، وباركت عليه وكثّرته وعظّمته جدا جدا، وسيلد اثنى عشر عظيما، وأجعله لأمة عظيمة، ثم أخبر موسى عليه السلام مثل ذلك في السفر وزاد فقال: لما هربت من سارة تراءى لها ملك اللَّه وقال: يا هاجر أمة سارة! ارجعي إلى سيدتك واخضعي لها، فإنّي سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصوا كثرة، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا وتسميه إسماعيل، لأن اللَّه قد سمع خشوعك، وتكون يده فوق الجميع، ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع. [ (3) ]
قال ابن قتيبة: فتدبّر هذا القول فإن فيه دليلا بينا على أن المراد به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، لأن إسماعيل لم تكن يده فوق يد إسحاق، ولا كانت يد إسحاق مبسوطة إليه بالخضوع، وكيف يكون ذلك والنبوة والملك في ولد إسرائيل والعيص، وهما ابنا إسحاق؟ فلما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم انتقلت النبوة إلى ولد إسماعيل، فدانت له الملوك وخضعت له الأمم، ونسخ اللَّه به كل شرعة، وختم به النبيين، وجعل الخلافة والملك في أهل بيته إلى آخر الزمان، فصارت أيديهم فوق أيدي الجميع، وأيدي الجميع مبسوطة بالخضوع، قال: ***
ومن إعلامه في التوراة
ومن إعلامه في التوراة قال: جاء اللَّه من سيناء، وأشرق من ساعير [ (1) ] ، واستعلن من جبال فاران [ (2) ] ، وليس بهذا خفاء على من يدبّره ولا غموض، لأن مجيء اللَّه من سيناء: إنزاله التوراة على موسى عليه السلام بطور سيناء هو عند أهل الكتاب وعندنا، لذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير إنزاله على المسيح عليه السلام الإنجيل، وكان المسيح يسكن ساعير بأرض الجليل بقرية تدعى ناصرة وباسمها سمي من اتبعه نصارى، وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح، فكذلك يجب أن يكون استعلانه من جبال فاران بإنزال القرآن على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم في جبال فاران وهي جبال مكة، وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة، فإن ادعوا أنها غير مكة فليس ينكر من تحريفهم وإفكهم. قلنا: ليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران، وقلنا: دلونا على الموضع الّذي استعلن اللَّه منه واسمه فاران والنبي الّذي أنزل اللَّه عليه كتابا بعد المسيح، أوليس استعلن وعلن بمعنى واحد، وهما ظهر وانكشف؟ فهل تعلمون دينا ظهر ظهور الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فشوه؟
ومن إعلامه في التوراة أيضا
ومن إعلامه في التوراة أيضا قال اللَّه لموسى في السفر الخامس: إني أقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك، أجعل كلامي على فمه، فمن إخوة بني إسرائيل إلا بنو إسماعيل كما تقول بكر وتغلب أبناء وائل، ثم تقول: تغلب أخو بكر، وبنو تغلب إخوة بني بكر، ترجع في ذلك إلى إخوة الأبوين، فإن قالوا: إن هذا النبي الّذي وعد اللَّه نقيمه لهم هو أيضا من بني إسرائيل، لأن بني إسرائيل إخوة بني إسرائيل، كذبتهم التوراة وألد بهم النظر، لأن في التوراة أنه لم يقم في بني إسرائيل نبي مثل موسى، وأما النظر: فإنه لو أراد إني أقيم لهم نبيا من بني إسرائيل مثل موسى لقال: أقيم لهم من أنفسهم مثل موسى ولم يقل: من إخوتهم، كما أن رجلا لو قال لرسوله: ائتني برجل من إخوة بكر بن وائل لكان يجب أن يأتيه برجل من بني تغلب بن وائل، ولا يجب أن يأتيه برجل من بني بكر. قال: ومن قول حبقوق [ (1) ] المتنبي في زمن دانيال قال حبقوق: وجاء اللَّه من [اليتير] [ (2) ] ، والتقديس من جبال فاران، وامتلأت الأرض من تحميده وتقديسه، وملك الأرض بيمينه ورقاب الأمم. وقال أيضا: تضيء له الأرض، ومحمد خيله في البحر، قال: وزادني بعض أهل الكتاب أنه قيل في كلام حبقوق: وستنزع في قسيك إغراقا، وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء، وهذا إفصاح باسمه وصفاته، فإن ادعوا غير نبينا وليس ينكر ذلك من جحودهم وتحريفهم، فمن أحمد هذا الّذي امتلأت الأرض من تحميده، والّذي جاء من جبال فاران فملك الأرض ورقاب الأمم؟ قال: ***
ومن ذكر شعيا له
ومن ذكر شعيا له قال شعيا عن اللَّه تعالى: عبدي الّذي سرت به نفسي، وفي ترجمه أخرى قال: عبدي خيرتي رضى نفسي أفيض عليه روحي، وفي ترجمة أخرى قال: أنزل عليه وحيي فيظهر في الأرض [وفي] [ (1) ] الأمم عدله، ويوصي الأمم بالوصايا، لا يضحك ولا يسمع صوته في الأسواق، يفتح العيون العور، ويسمع الآذان الصم، ويحي القلوب الغلف، وما أعطيته لا أعطي غيره، أحمد يحمد اللَّه حمدا، حديثا يأتي من أقصى الأرض، يفرح البرية وسكانها، يهللون اللَّه على كل شرف، ويكبرونه على كل رابية. وزاد آخر في الترجمة: لا يضعف ولا يغلب ولا يميل إلى الهوى، ولا يسمع في الأسواق صوته، ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة، بل يقوى به الصديقين، وهو ركن المتواضعين، وهم نور اللَّه الّذي لا يطفأ ولا يخصم حتى يثبت في الأرض حجتي ويقطع به العذر، وإلى توراته تنقاد الجن، وهذا إيضاح باسمه وصفاته. فإن قالوا: أي توراة له؟ قلنا: أراد أنه يأتي بكتاب يقوم مقام التوراة لكم. ومنه قول كعب: شكا بيت المقدس إلى اللَّه عز وجل الخراب، فقيل له: لأبدلنّك توراة محدثة، وعمالا محدثين، يدفون بالليل دفيف النسور، ويتحنّنون عليك تحنّ الحمامة على بيضها، ويملئونك خدودا سجدا. قال ابن قتيبة: ***
ومن ذكر شعيا له
ومن ذكر شعيا له قال: أنا اللَّه عظمتك بالحق وأيدتك، وجعلتك نور الأمم وعهد الشعوب، لتفتح أعين العميان وتنقذ الأسرى من الظلمات إلى النور، وقال في الفصل الخامس من إليا: إن سلطانه على كتفه- يريد علامة نبوته- هذا في التفسير السرياني، وأما في العبراني فإنه يقول: إن على كتفه علامة النبوة. قال ابن قتيبة: ومن ذكر داود عليه السلام له في الزبور: سبحوا الرب تسبيحا حديثا، سبحوا الّذي هيكله الصالحون، ليفرح إسرائيل بخالقه، وبيوت صهيون من أجل أن اللَّه اصطفاه لكرامته، وأعطاه النصر، وسدد الصالحين منهم بالكرامة، يسبحون على مضاجعهم، ويكبرون اللَّه بأصوات مرتفعة، بأيديهم سيوف ذات شفرتين لينتقموا للَّه من الأمم الذين لا يعبدونه، يوثقون ملوكهم بالقيود وأشرافهم بالأغلال، قال: فمن هذه الأمة التي سيوفها ذات شفرتين غير العرب؟ ومن المنتقم بها من الأمم الذين لا يعبدون اللَّه؟ ومن المبعوث بالسيف من الأنبياء غير نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم؟ ومن خرت الأمم تحته غيره؟ ومن قرنت شرائعه بالهيبة، فإما القبول أو الجزية أو السيف ونحوه، فقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب. قال: وفي مزمور آخر: أن اللَّه أظهر من صهيون إكليلا محمودا، قال: ضرب الإكليل مثلا للرئاسة والأمانة، ومحمود هو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم. قال: وفي مزمور آخر: من صفته أنه يجوز من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، أنه تخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، ويلحس أعداؤه التراب، تأتيه الملوك بالقرابين وتسجد له، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد، وليخلص البائس المضطهد ممن هو أقوى منه، وينقذ الضعيف الّذي لا ناصر له، ويرأف بالضعفاء والمساكين، وأنه يعطي من ذهب من بلاد سبإ، ويصلي عليه ويبارك في كل يوم، ويدوم ذكره إلى الأبد. قال ابن قتيبة: فمن هذا الّذي ملك ما بين البحر والبحر، وما بين دجلة
والفرات إلى منقطع الأرض، ومن ذا الّذي يصلي عليه ويبارك في كل وقت من الأنبياء غيره صلى اللَّه عليه وسلّم؟. قال: وفي موضع آخر من الزبور قال داود: اللَّهمّ ابعث صاحب إنه بشر، وهذا إخبار عن المسيح وعن محمد صلى اللَّه عليهما قبلهما بأحقاب، يريد: ابعث محمدا حتى يعلّم الناس أن المسيح بشر لعلم داود أنهم سيدّعوا في المسيح ما ادّعوا. قال: وفي كتاب أشعيا قيل: قم فانظر ترى فخبّر به، قلت: أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل، يقول أحدهما للآخر: سقطت بابل وأصنامها المبخرة، قال: فصاحب الحمار عندنا وعند النصارى المسيح، فإذا كان صاحب الحمار المسيح فلم لا يكون محمد صلى اللَّه عليه وسلّم صاحب الجمل؟ أو ليس سقوط بابل والأصنام المبخرة به وعلى يديه لا بالمسيح؟ ولم يزل في إقليم بابل ملوك يعبدون الأوثان من لدن إبراهيم عليه السلام؟ أو ليس هو بركوب الجمل أشهر من المسيح بركوب الحمار؟. قال ابن قتيبة: فأما ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في الإنجيل: فقد قال المسيح للحواريين: أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط [ (1) ] روح الحق الّذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنما هو كما يقال له وهو يشهد عليّ وأنتم تشهدون، لأنكم مع من قتل الناس، فكل شيء أعده اللَّه لكم يخبركم به. قال: ***
وفي حكاية يوحنا عن المسيح
وفي حكاية يوحنا عن المسيح أنه قال: الفارقليط لا يجيئك ما لم أذهب، فإذا جاء سبح العالم من الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه، ولكنه مما يسمع به يكلمكم ويسوسكم بالحق ويخبركم بالحوادث والغيوب. وفي حكاية أخرى: أن الفارقليط [ (1) ] روح الحق الّذي يرسله أبي باسمي هو يعلمكم كل شيء، وقال: إني سائل أبي أن يبعث إليكم فارقليطا آخر يكون معكم إلى الأبد، وهو يعلمكم كل شيء. وفي حكاية أخرى: أن البشر ذاهب والفارقليط من بعده، يجيء لكم الأسرار ويقر لكم [كل] شيء، وهو يشهد لي كما شهدت له، فإنّي أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل. قال ابن قتيبة: وهذه الأشياء على اختلافها متقاربة، وإنما اختلفت لأن من نقل الإنجيل عن المسيح عليه السلام عدة، فمن هذا الّذي هو روح الحق سبحانه، الّذي لا يتكلم إلا بما يوحى إليه؟ ومن العاقب للمسيح والشاهد له بأنه قد بلّغ؟ ومن الّذي أخبر بالحوادث في الأزمنة مثل خروج الدجال، وظهور الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه هذا؟ وأخبر بالغيوب من أمر القيامة والحساب، والجنة والنار، وأشباه ذلك مما لم يذكر في التوراة والإنجيل غير نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم؟ وقال: ***
وفي إنجيل متى
وفي إنجيل متى أنه لما حبس يحيى بن زكريا ليقتل، وبعث تلاميذه إلى المسيح وقال لهم: قولوا له: أنت هو الآتي، أو يتوقع غيرك؟ فأجابه المسيح وقال: الحق أقول لكم، أنه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريا، وأن التوراة وكتب الأنبياء يتلو بعضها بعضا بالنّبوّة والوحي حتى جاء يحيى، فأما الآن فإن شئتم فأقبلوا أن الياهو مزمع أن يأتي، فمن كانت له أذنان سامعتان فليستمع. قال ابن قتيبة: وليس يخلو هذا الاسم من إحدى خلال: إما أن يكون قال: إن أحمد مزمع أن يأتي، فغيروا الاسم كما قال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [ (1) ] ، وجعلوه إلياهو، وإما أن يكون قال: إن إيل مزمع أن يأتي، وإيل هو اللَّه عز وجل، ومجيء اللَّه مجيء رسوله بكتابه، كما قال في التوراة: جاء اللَّه من سيناء، فمعناه: جاء موسى من سيناء بكتاب اللَّه، ولم يأت كتاب بعد المسيح إلا القرآن، وإما أن يكون أراد النبي المسمى بهذا الاسم، وهذا لا يجوز عندهم لأنهم مجمعون على أن لا نبي بعد المسيح. قال ابن قتيبة: وقد وقع ذكر مكة والبيت والحرم في الكتب المتقدمة فقال في كتاب شعيا: أنه ستمتلي البادية والمدن من قصور قيدار يسبحون، ومن رءوس الجبال ينادون، هم الذين يحصلون للَّه الكرامة، ويبثون تسبيحه في البر والبحر، وقال: ارفع علما بجميع الأمم من بعيد، فيصفر بهم من أقاصي الأرض، فإذا هم سراع يأتون. قال ابن قتيبة: وبنو قيدار هم العرب، لأن قيدار بن إسماعيل بإجماع الناس، والعلم الّذي يرفع هو النبوة، والصفير بهم: دعاؤهم من أقاصي الأرض للحج، فإذا هم سراع يأتون، وهو قول اللَّه تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [ (2) ] ، وقال في موضع آخر من كتاب
شعيا: سأبعث من الصبا قوما فيأتون من المشرق مجيبين بالتلبية أفواجا، كالصعيد كثرة، ومثل الطيان تدوس برجله الطين، والصبا تأتي من مطلع الشمس، يبعث عز وجل من هناك قوما من أهل خراسان وما صاقبها، وممن هو نازل بمهب الصبا فيأتون مجيبين بالتلبية أفواجا كالتراب كثرة ومثل الطيان يدوس برجله الطين، يريد أن منهم رجاله كالين، وقد يجوز أن يكون أراد الهرولة إذا طافوا بالبيت. قال ابن قتيبة: وقال في ذكر الحجر المسلم: قال شعيا: قال الرب السيد: ها أنا ذا مؤسس بصهيون، وهو بيت اللَّه حجرا في زاوية مكة، والحجر في زاوية البيت، والكرامة أن يستلم ويلثم. وقال شعيا في ذكر مكة: سرّى واهتزي أيتها العاقر التي لم تلد، وانطقي بالتسبيح وافرحي إن لم تحبلي، فإن أهلك يكونون أكثر من أهلي، يعني بأهله: أهل بيت المقدس من بني إسرائيل، [أو] أراد أن أهل مكة يكون ممن يأتيهم من الحجاج والعمار أكثر من أهل بيت المقدس، فأشبه مكة بامرأة عاقر لم تلد، لأنه لم يكن فيها قبل نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم إلا إسماعيل وحده، ولم ينزل بها كتاب، ولا يجوز أن يكون أراد بالعاقر بيت المقدس لأنه بيت الأنبياء ومهبط الوحي، ولا يشبه بالعاقر من النساء. وفي كتاب شعيا أيضا من ذكر مكة: قد أقسمت بنفسي كقسمي أيام نوح ألا أغرق الأرض بالطوفان كذلك أقسمت أن لا أسخط عليك ولا أرفضك، وأن الجبال تزول، والقلاع تنحط، ونعمتي عليك لا تزول، ثم قال: يا مسكينة يا مضطهدة، ها أنا ذا بان، بالحسن حجارتك ومزينك بالجوهر، ومكلل باللؤلؤ سقفك، وبالزبرجد أبوابك، وتبعدين من الظلم ولا تخافين، ومن الضعف لا تضعفي، وكل سلاح يصنع لا يعمل فيك، وكل لسان ولغة يقوم معك بالخصومة تفلحين معها. ثم قال: وسيسميك اللَّه اسما جديدا- يريد أنه سمى المسجد الحرام وكان قبل ذلك يسمى الكعبة- فقومي فأشرقي، فإنه قد دنا نورك ووقار اللَّه عليك، انظري بعينك حولك، فإنهم مجتمعون، يأتوك بنوك وبناتك عدوا، فحينئذ تسرين
ويخاف قدرك ويتبع قلبك، وكل غنم قيدار مجتمع إليك، وسادات نباوث يخدمونك (ونباوث هو ابن إسماعيل، وقيدار أبو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم هو أخو نباوث) . ثم قال: وتفتح أبوابك دائما الليل والنهار لا تغلق، وتتخذونك قبلة، وتدعون بعد ذلك مدينة الرب (أي بيت اللَّه تعالى) . وقال أيضا: ارفعي إلى ما حولك بصرك تبتهجين وتفرحين من أجل أنه تميل إليك ذخائر البحر، ويحج إليك عساكر الأمم حتى تعمرك قطر الإبل الموبلة، وتضيق أرضك عن القطرات التي تجتمع إليك، وتساق إليك كباش مدين، ويأتيك أهل سبإ، ويسير إليك بأغنام قاذار، ويخدمك رجالات نباوث (يعني سدنة البيت، أنهم من ولد نباوث بن إسماعيل) . قال ابن قتيبة: ***
وذكر شعيا طريق مكة فقال:
وذكر شعيا طريق مكة فقال: عن اللَّه عز وجل: أني أعطي البادية كرامة وبها الكرمان، ولبنان وكرمان الشام وبيت المقدس، يعني أريد الكرامة التي كانت هناك بالوحي وظهور الأنبياء للبادية بالحج وبالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، ويشق في البادية مياه وسواقي أرض الفلاة، ويكون الفيافي والأماكن العطاش ينابيع ومياها، ويصير هناك محجة فطريق الحريم لا يمر به أنجاس الأمم، والجاهل به لا يصل هناك، ولا يكون به سباع ولا أسد، ويكون هناك ممر المخلصين. وفي كتاب حزقيل أنه ذكر معاصي بني إسرائيل وشبههم بكرمة فقال: ما تلبث تلك الكرمة أن قلعت بالسخطة، ورمى بها على الأرض فأحرقت السمائم ثمارها، فعند ذلك عرشها في البدو، وفي الأرض المهملة العطش، فخرجت من أغصانها الفاضلة نار أكلت ثمار تلك حتى لم يوجد فيها عصى قوية ولا قضيب. قال ابن قتيبة: وذكر الحرم في كتاب شعيا فقال: إن الذئب والحمل فيه يرعيان معا، وكذلك جميع السباع لا تؤذي ولا تفسد في كل حرمي، ثم ترى بذلك الوحش إذا خرجت من الحرم عاودت الذعر وهربت من السباع، وكان السبع في الطلب والحرص في الصيد كما كان قبل دخوله الحرم. قال: وذكر أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وذكر يوم بدر فقال شعيا وذكر قصة العرب ويوم بدر: ويدوسون الأمم كدياس البيادر، وينزل البلاء بمشركي العرب ويهزمون، ثم قال: ينهزمون بين يدي سيوف مسلولة، وقسيّ موتورة، ومن شدة الملحمة. قال ابن قتيبة: فهذا ما في كتب اللَّه المتقدمة الباقية في أيدي أهل الكتاب، يتلونه ولا يجحدون ظاهره، ما خلا اسم نبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم، فإنّهم لا يسمحون بالإقرار به تصريحا، ولن يخفى ذلك عنهم، لأن اسم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالسريانية عندهم مشفح، ومشفح هو محمد بغير شك، واعتباره أنهم يقولون شفحا لإلاهيا إذا أرادوا أن يقولوا: الحمد للَّه.
فإذا كان الحمد شفحا فمشفح محمد، لأن الصفات التي أقروا أنها هي وفاق لأحواله وزمانه ومخرجه ومبعثه وشرعته فليدلونا على من له هذه الصفات، ومن خرت الأمم بين يديه وانقادت لطاعته، واستجابت لدعوته، ومن صاحب الجمل الّذي هلكت بابل وأصنامها به، وأن هذه الأمة من ولد قيدار بن إسماعيل الذين ينادون من رءوس الجبال بالتلبية والأذان، والذين نشروا تسبيحه في البر والبحر، هيهات أن يجدوا ذلك إلا في محمد وأمته. قال ابن قتيبة: ولو لم تكن هذه الأخبار في كتبهم بدليل قوله تعالى الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [ (1) ] ، وقوله: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ* يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ (2) ] ، وقوله: يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ [ (3) ] ، وقوله: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [ (4) ] ، وكيف جاز لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يحتج عليهم بما ليس عندهم ويقول: من علامة نبوتي أنكم تجدوني مكتوبا عندكم، ولا تجدونه وقد كان عيبا أن يدعوهم بما ينفرهم، ولما أيقن الحال عبد اللَّه بن سلام ومن أسلم أسلموا. وقد ذكر يوحنا الإلهي الّذي كتب الإنجيل في كتاب اسمه الأبو علمسيس نبينا محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم وسماه: ماما ديوس، ومعنى ماما بالعبرية ميم، ومعنى ديوس ح م د، وقال ابن الجوزي: وما زال أهل الكتاب يعرفون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بصفاته ويقرون به ويعدون بظهوره، ويوصون أهاليهم بالايمان به، فلما ظهر آمن عقلاؤهم، وحمل الحسد آخرين على العناد كحيي بن أخطب، وأبو عامر الراهب، وأمية بن أبي الصلت، وقد أسلم جماعة من علماء متأخري أهل الكتاب، وصنفوا كتبا يذكرون فيها صفاته التي في التوراة والإنجيل، فالعجب ممن يتيقن وجود الحق ثم يحمله الحسد على الرضا بالخلود في النار. ***
وأما سماع الأخبار بنبوته من الجن وأجواف الأصنام ومن الكهان
وأما سماع الأخبار بنبوّته من الجنّ وأجواف الأصنام ومن الكهّان فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث عبيد اللَّه بن عمرو بن محمد بن عقيل عن جابر رضي اللَّه عنه قال: أول خبر قدم المدينة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن امرأة من أهل المدينة كان لها تابع فجاء في صورة طائر فوقع على حائط [ (1) ] دارها فقالت: انزل بخبرنا وبخبرك، قال: إنه بعث بمكة نبي منع منا القرار وحرم علينا الزنا [ (2) ] . وخرج من حديث الزهري عن علي بن الحسين قال: إن أول خبر قدم المدينة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من امرأة تدعى فاطمة بنت النعمان النجارية كان لها تابع فجاءها ذات يوم فقام على الجدار، فقالت: انزل، قال: لا، قد بعث الرسول الّذي حرم الزنا. ومن حديث أشعث بن شعبة عن أرطاة بن المنذر قال: سمعت ضمرة يقول: كانت امرأة بالمدينة يغشاها جان، فكان يتكلم ويسمعون صوته، قال: فغاب [ (3) ] فلبث ما لبث فلم يأتها ولم يختلف إليها، فلما كان بعد إذ هو يطلع من كوة فنظرت إليه فقالت: يا ابن لوذان! ما كانت لك عادة تطلع من الكوة فما بالك؟ فقال: إنه خرج نبي بمكة وإني سمعت ما جاء به فإذا هو يحرم الزنا، فعليك السلام [ (4) ] .
ومن حديث الواقدي قال: حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: قال عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنه: خرجنا في عير إلي الشام قبل [ (1) ] مبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما كنا بأفواه الشام وبها كاهنة، فتعرضنا لها فقالت: أتاني صاحبي فوقف على بابي فقلت: ألا تدخل؟ فقال: لا سبيل إلى ذلك، خرج أحمد بمكة [ (2) ] يدعو إلى اللَّه [ (3) ] . قال الواقدي: وحدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري قال: كان الوحي يسمع، فلما كان الإسلام منعوا، وكانت امرأة من بني أسد يقال لها سعيدة، لها تابع من الجن، فلما رأى الوحي لا يستطاع أتاها فدخل في صدرها يصيح فذهب عقلها، فجعل يقول من صدرها: وضع العناق [ (4) ] ، ورفع الرفاق [ (5) ] ، وجاء أمر لا يطاق، أحمد حرم الزنا. قال الواقدي: وحدثنا أبو داود سليمان بن سالم عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي، أن رجلا مر على مجلس بالمدينة فيه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه فنظر إليه فقال: أكاهن أنت؟ قال: يا أمير المؤمنين! هدي بالإسلام كل جاهل، ودفع بالحق كل باطل، وأقيم بالقرآن كل مائل، وغني بمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم كل عائل، فقال عمر: متى عهدك بها؟ - يعني صاحبته- قال: قبيل الإسلام، أتتني فصرخت: يا سلام يا سلام، الحق المبين والخير الدائم، خير حلم النائم، اللَّه أكبر. فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين! أنا أحدثك مثل هذا، واللَّه إنا لنسير في «دويّة» [ (6) ] ملساء لا يسمع فيها إلا الصدى، إذ نظرنا فإذا راكب مقبل أسرع
من الفرس حتى كان منا على قدر ما يسمعنا صوته، قال: يا أحمد، يا أحمد، اللَّه أعلى وأمجد، أتاك ما وعدك من الخير يا أحمد، ثم ضرب راحلته حتى أتى من ورائنا، فقال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: الحمد للَّه الّذي هدانا بالإسلام وأكرمنا. فقال رجل من الأنصار: أنا أحدثك يا أمير المؤمنين مثل هذا وأعجب، قال عمر: حدّث، قال: انطلقت أنا وصاحبان لي نريد الشام حتى إذا كنا بقفرة من الأرض نزلنا بها، فبينا نحن كذلك لحقنا راكب وكنا أربعة قد أصابنا سغب [ (1) ] شديد فالتفت فإذا أنا بظبية عضباء [ (2) ] ترتع قريبا مني، فوثبت إليها، فقال الرجل الّذي لحقنا: خلّ سبيلها لا أبا لك، واللَّه لقد رأيتها ونحن نسلك هذه الطرق ونحن عشرة أو أكثر من ذلك فيختطف بعضنا فما هو إلا أن كانت هذه الظبية فما هاج بها أحد فأبيت وقلت: لا لعمر اللَّه لا أخلها، فارتحلنا وقد شددتها حتى إذا ذهب سدف [ (3) ] من الليل إذا هاتف يقول: يا أيها الركب السراع الأربعه ... خلوا سبيل النافر المفزعة خلوا عن العضباء في الوادي سعه ... لا تذبحن الظبية المروّعه فيها لأيتام صغار منفعة قال: فخليت سبيلها ثم انطلقنا حتى أتينا الشام، فقضينا حوائجنا ثم أقبلنا حتى إذا كنا بالمكان الّذي كنا فيه هتف هاتف من خلفنا: إياك لا تعجل وخذها من ثقه ... فإن شر السير سير الحقحقة [ (4) ] قد لاح نجم فأضاء مشرقه ... يخرج من ظلماء ضوق [ (5) ] موبقة [ (6) ] ذاك رسول مفلح من صدّقه ... اللَّه أعلا أمره وحققه
وله من حديث القسم بن محمد بن بكر عن عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: أنها كانت تحدث عن عمر بن الخطاب، ومن حديث محمد بن عمران بن موسى ابن طلحة، عن أبيه طلحة قال: كان عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه يحدث قال: كنت جالسا مع أبي جهل وشيبة بن ربيعة، فقام أبو جهل فقال: يا معشر قريش! إن محمدا قد شتم آلهتكم وسفه أحلامكم وزعم أنه من مضى من آبائكم يتهافتون في النار تهافت الحمير، ألا ومن قتل محمدا فله عليّ مائة ناقة حمراء وسوداء، وألف أوقية من فضة. قال عمر فقمت فقلت: يا أبا الحكم، الضمان صحيح؟ قال: نعم، عاجل غير آجل، قال عمر: فقلت: واللات والعزى؟ قال أبو جهل: نعم يا عمر فأخذ أبو جهل بيدي فأدخلني الكعبة، فأشهد عليّ هبل- وكان هبل عظيم أصنامهم- وكانوا إذا أرادوا سفرا أو حربا أو سلما أو نكاحا، لم يفعلوا حتى حتى يأتوا هبل فيستأمروا، فأشهد عليه هبل وتلك الأصنام. قال عمر: فخرجت متقلدا السيف متنكبا [ (1) ] كنانتي أريد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فمررت على عجل وهم يريدون قتله، فقمت انظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل: يا آل ذريح، أمر نجيح، رجل يصيح بلسان فصيح، يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه! فقلت إن هذا لشأن! ما يراد بهذا إلا لحالي، ثم مررت بغنم فإذا هاتف [يهتف وهو يقول] [ (2) ] : يا أيها الناس ذوو [ (3) ] الأجسام ... ما أنتم وطائش الأحلام ومسندو [ (4) ] الحكم إلى الأصنام ... فكلكم أراه كالنعام أما ترون ما أرى أمامي ... من ساطع يجلو لذي الظلام أكرمه الرحمن من إمام ... قد جاء بعد الكفر بالإسلام
وبالصلاة والزكاة والصيام ... والبر والصلوات للأرحام ويزع [ (1) ] الناس عن الآثام ... [مستعلن في البلد الحرام] [ (2) ] فقلت: واللَّه ما أراه إلا أن يرادني، ثم مررت بهاتف الضماد [ (3) ] وهو يهتف من جوفه فقال: ترك الضماد [ (3) ] وكان يعبد وحده ... بعد الصلاة مع النبي محمد إن الّذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتد سيقول من عبد الضماد ومثله ... ليت الضماد [ (3) ] ومثله لم يعبد فاصبر أبا حفص فإنك لا مردّ ... يأتيك عزّ غير عزّ بني عدي لا تعجلن فأنت ناصر دينه ... حقا يقينا باللسان وباليد وتظهر دين اللَّه إن كنت مسلما ... وتسطح بالسيف الصقيل المهنّد جماجم قوم لا يزال حلومها ... عكوفا على أصنامها بالمهنّد قال عمر: فو اللَّه لقد علمت أنه أرادني، فجئت حتى دخلت على أختي، وإذا خبّاب بن الأرتّ عندها، وزوجها سعيد بن زيد، فلما رأوني ومعي السيف
أنكروا، فقلت لهم: لا بأس عليكم، فدخلت، فقال خباب: يا عمر! ويحك أسلم، فدعوت بالماء فأسبغت الوضوء، وسألتهم عن محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: في دار أرقم بن الأرقم، فأتيتهم فضربت عليهم الباب، فخرج حمزة بن عبد المطلب، فلما رآني والسيف صاح بي- وكان رجلا عبوبا [ (1) ]- فصحت به، فخرج إليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما رآني ورأى ما في وجهي عرف فقال: استجيب لي فيك يا عمر! أسلم، [فقلت] : أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، فسر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون، وكنت رابع أربعين رجلا ممن أسلم، ونزلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] ، فقلت: يا نبي اللَّه! اخرج، فو اللَّه لا يغلبنا المشركون أبدا، فخرجنا وكبّرنا حتى طاف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ورجعت معه، فلم أزل أقاتل واحدا واحدا حتى أظهر اللَّه الدين. وله من حديث الواقدي عن ابن ذؤيب عن مسلم عن جندب عن النضر بن سفيان الهذلي عن أبيه قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام، فلما كنا بين الزرقاء ومعان عرّسنا من الليل، فإذا بفارس يقول وهو بين السماء والأرض: أيها [النيام] [ (3) ] هبّوا فليس هذا بحين رقاد، قد خرج أحمد وطردت الجنّ كل مطرد، ففزعنا ونحن رفقة حزاورة [ (4) ] كلهم قد سمع بهذا، فرجعنا إلى أهلنا فإذا هم يذكرون اختلافا بمكة بين قريش لنبي خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد [ (5) ] . وله من حديث خرّبوذ عن موسى بن عبد الملك بن عمير عن أبيه عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: هتف هاتف من الجن على أبي قبيس [ (6) ] بمكة فقال:
قبّح اللَّه رأي كعب بن فهر ... ما أرق العقول والأحلام دينها أنها يعنّف فيها ... دين آبائها الحماة الكرام حالف الجن حين يقضى [ (1) ] عليكم ... ورجال النخيل والآطام يوشك الخيل أن تراها [ (2) ] تهادى ... تقتل القوم في بلاد التهام [ (3) ] هل كريم منكم له نفس حرّ ... ما جد الوالدين والأعمام؟ ضارب ضربة تكون نكالا ... ورواحا من كربة واغتمام قال [ابن عباس] [ (4) ] : فأصبح هذا الحديث قد شاع بمكة وأصبح [ (5) ] المشركون يتناشدونه بينهم، وهمّوا بالمؤمنين، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هذا شيطان يكلم الناس في الأوثان يقال له: مسعر واللَّه يخزيه، قال: فمكثوا ثلاثة أيام فإذا هاتف على الجبل يقول: نحن قتلنا مسعرا ... لما طغى واستكبرا وسفه الحق وسنّ المنكرا ... قنّعته سيفا جروفا مبتّرا بشتمه نبيّنا المطهّرا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ذلكم عفريت من الجن يقال له سمحج سميته عبد اللَّه، آمن بي فأخبرني أنه في طلبه منذ أيام، فقال علي بن أبي طالب: جزاك اللَّه خيرا يا رسول اللَّه [ (6) ] . وروى من حديث ابن شهاب وعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف سمعا كلاهما حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف قال: لما ظهر
- أي رسول اللَّه- صلى اللَّه عليه وسلّم قام رجل من الجن على أبي قبيس يقال له مسعر فقال: قبّح اللَّه رأي كعب بن فهر ... ما أرقّ العقول والأحلاما حالف الجن حين [يقضي] عليكم ... ورجال النخيل والآطاما هل غلام منكم له نفس حرّ ... ما جد الوالدين والأعماما فأصبحت قريش يتناشدونه بينهم، [فإذا رجل من الجن يقال له سمحج يقول:] [ (1) ] نحن قتلنا مسعرا لما طغى واستكبرا ... بشتمه نبينا المطهرا أوردته سيفا جروفا مبترا ... إنا نذود من أراد البطرا فسماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه. ومن حديث ابن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال خزيم بن [ (2) ] فاتك لعمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه ألا أخبرك ببدء [ (3) ] إسلامي؟ بينا أنا في طلب نعم لي إذ جنّ الليل بأبرق العزاف [ (4) ] ، فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهائه، وإذا هاتف يهتف بي: عذ يا فتى باللَّه ذي الجلال ... والمجد والنّعماء والإفضال [واقرأ بآيات] [ (5) ] من الأنفال ... ووحد اللَّه ولا [تبال] [ (6) ] [قال:] [ (7) ] فرعت من ذلك روعا شديدا، فلما رجعت إلى نفسي قلت: يا أيها الهاتف ما تقول ... أرشد عندك أم تضليل بين لنا هديت ما السبيل [ (8) ]
قال: فقال: هذا رسول اللَّه ذو الخيرات ... يدعو إلى الخيرات والنجاة يأمر بالصوم والصلاة ... ويزع الناس عن الهنات قال فأتبعت راحلتي وقلت: أرشدني رشدا بها هديت ... لا جعت يا هذا ولا عريت ولا صبحت صاحبا مقيت ... لا يثوينّ الخير إن ثويت [ (1) ] قال: فأتبعني وهو يقول: صاحبك اللَّه وسلم نفسكا ... وبلغ الأهل [وسلّم] [ (2) ] رحلكا آمن به أفلح ربي حقكا ... وانصر نبيا عزّ ربي نصركا قال: فدخلت المدينة فاطلعت في المسجد، فخرج إليّ أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه فقال: ادخل رحمك اللَّه، قد بلغنا إسلامك، فقلت: لا أحسن الطهور فعلّمت ودخلت المسجد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر كأنه البدر وهو يقول: ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى صلاة يعقلها ويحفظها إلا دخل الجنة. فقال عمر رضي اللَّه تعالى عنه لتأتيني على هذا ببينة أو لأنكلنّ بك، قال: فشهد له شيوخ [ (3) ] قريش عثمان بن عفان رضي اللَّه تعالى عنه فأجاز شهادته [ (4) ] . ***
المجلد الرابع
[المجلد الرابع] [تتمة الفصل في ذكر المفاضلة بين المصطفى وبين إبراهيم] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم ومن حديث محمد بن كعب القرظيّ قال: بينا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه في المسجد إذ مرّ رجل في مؤخر المسجد فقال رجل: يا أمير المؤمنين، تعرف هذا المار؟ قال: لا، فمن هو؟ قال: هذا سواد بن قارب، وهو رجل من أهل اليمن له فيهم شرف وموضع، وهو الّذي أتاه رئيّه [ (1) ] بظهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال [عمر] [ (2) ] : عليّ به، فدعي، فقال [ (3) ] : أنت سواد بن قارب، قال: نعم، قال: فأنت [ (4) ] الّذي أتاك رئيّك بظهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟ فغضب غضبا شديدا وقال: يا أمير المؤمنين! ما استقبلني أحد [ (5) ] بهذا منذ أسلمت، فقال عمر رضي اللَّه عنه: يا سبحان اللَّه! واللَّه ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، أخبرني بإتيانك [ (6) ] رئيك بظهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: نعم. يا أمير المؤمنين، بينا أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان، إذ أتانى رئيّي فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب، فافهم [ (7) ] واعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول: عجبت للجن وتجساسها [ (8) ] ... وشدها العيس [ (9) ] بأحلاسها [ (10) ] تهوى إلى مكة تبغي الهدى ... ما خير الجن كأنجاسها [ (11) ]
فارحل [ (1) ] إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى رأسها قال: فلم أرفع بقوله رأسا وقلت: دعني أنام [ (2) ] ، فإنّي أمسيت ناعسا، فلما أن كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل إنه قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته، ثم أنشأ الجنّي وهو يقول: عجبت للجن وتطلابها ... وشدّها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما صادق الجن ككذّابها فارحل إلى الصفوة من هاشم ... ليس قداماها [ (3) ] كأذنابها قال: فلم أرفع بقوله رأسا، فلما كانت الليلة الثالثة أتاني وضربني برجله وقال: ألم أقل لك يا سواد بن قارب: افهم واعقل إن كنت تعقل أنه قد بعث رسول من لؤيّ بن غالب يدعو إلى اللَّه وإلى عبادته، ثم أنشد [ (4) ] الجني يقول: عجبت للجن وأخبارها ... وشدها العيس بأكوارها [ (5) ] تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنو [ (6) ] الجن ككفارها فادخل إلى الصفوة من هاشم ... بين روابيها [ (7) ] وأحجارها فوقع في نفسي حب الإسلام، ورغبت فيه، فلما أصبحت شددت على راحلتي فانطلقت متوجها إلى مكة، فلما كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة، فأتيت المدينة فسألت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقيل لي: في المسجد، فانتهيت إلى المسجد فعقلت ناقتي وإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والناس حوله، فقلت: اسمع مقالتي يا رسول اللَّه، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ادنه ادنه، فلم يزل بي حتى صرت بين يديه فقال: هات، فأخبرني بإتيانك رئيّك، فقلت:
أتاني نجيي بعد هدء ورقدة ... فلم أك [ (1) ] قد تلوت بكاذب ثلاث ليال قوله كلّ ليلة ... أتاك رسول [ (2) ] من لؤيّ بن غالب فشمّرت من ذيل الازار ووسّطت ... بي الذعلب الوجناء بين السباسب [ (3) ] فأشهد أن اللَّه لا ربّ غيره ... وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة ... إلى اللَّه يا ابن الأكرمين الأطايب فمرنا بما يأتيك يا خير من مشى ... وإن كان فيما جاء شيب الذوائب [ (4) ] وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب [ (5) ] قال: ففرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه بإسلامي فرحا شديدا حتى رئي في وجوههم. قال: فوثب إليه عمر رضي اللَّه عنه فالتزمه وقال: قد كنت أحبّ أن أسمع هذا منك [ (6) ] . وقد رواه عبيد اللَّه بن الوليد الوصافي عن أبي جعفر عن سواد بن قارب، ورواه الحسن ابن عمارة عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن سواد، ورواه أبو معمر عياد بن عبد الصمد
عن سعيد بن جبير عن سواد. وله من حديث علي بن حرب قال حدّثتا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن عبد اللَّه العماني [ (1) ] قال: كان منا رجل [ (2) ] يقال له: مازن بن الغضوبة [ (3) ] ، يسدن [ (4) ] صنما بقرية يقال لها: (سمايا) من عمان، وكانت تعظمه بنو الصامت وبنو خطامة ومهرة، وهم أخوان [ (5) ] مازن [لأمه زينب بنت عبد اللَّه ابن ربيعة بن حويص أحد بني نمران، قال مازن] [ (6) ] : فعترنا ذات يوم عند الصّنم عتيرة- وهي الذبيحة- فسمعت صوتا من الصنم يقول: يا مازن! اسمع تسرّ، فظهر خير وبطن شر، بعث نبي من بني مضر [ (7) ] ، بدين اللَّه الكبر [ (8) ] ، فدع نحيتا [ (9) ] من حجر، تسلم من حرّ سقر [ (10) ] . قال: ففزعت لذلك، ثم عترنا بعد أيام عتيرة أخرى فسمعت صوتا من الصنم يقول: أقبل إليّ أقبل، تسمع ما لا تجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل، فآمن به كي تعدل، عن حرّ نار تشعل، وقودها الجندل [ (11) ] . قال مازن: فقلت: إن هذا لعجب، وإنه لخير يراد بي. وقدم علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا: ما الخبر وراءك؟ قال: ظهر رجل يقال له: أحمد، يقول لمن أتاه: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ فقلت: هذا نبأ ما سمعت،
فَسِرْتُ [ (1) ] إلى الصنم فكسرته جذاذا [ (2) ] ، وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فشرح لي الإسلام فأسلمت وقلت: كسّرت باجر [ (3) ] أجذاذا وكان لنا ... ربا نطيف [ (4) ] به ضلا بتضلال بالهاشميّ هدانا من ضلالتنا ... ولم يكن دينه منّى على بال يا راكبا بلغنا عمرا، وإخوته [ (5) ] ... أني لمن قال: ربي باجر [ (6) ] ، قالي [ (7) ] يعني بعمرو: بني الصامت، وإخوته [ (5) ] : بني خطامة. فقلت: يا رسول اللَّه! إني امرؤ مولع بالطرب وبالهلوك [ (8) ] من النساء وبشرب الخمر، فأتت [ (9) ] علينا السنون فاذهبن بالأموال وأهزلن الذراري [والعيال] [ (10) ] . وليس لي ولد، فادع اللَّه أن يذهب عني ما أجد، ويأتينا بالحياء، ويهب لي ولدا. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ أبدله بالطرب قراءة القرآن، وبالحرام الحلال، وبالإثم وبالعهر عفّة، وآته بالحياء، وهب له ولدا، قال: فأذهب اللَّه عني ما أجد، وأخصبت عمان، وتزوجت أربع حرائر، [وحفظت شطر القرآن] [ (11) ] ، ووهب اللَّه لي حيّان بن مازن، وأنشأت أقول: إليك رسول اللَّه خبّت مطيتي ... تجوب الفيافي من عمان إلى العرج
لتشفع لي يا خير من وطئ الحصا ... فيغفر لي ربي وأرجع بالفلج إلى معشر خالفت في اللَّه دينهم ... فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي وكنت امرأ بالعهر [ (1) ] والخمر مولعا ... شبابي حتى آذن الجسم بالنهج [فبدلني بالخمر خوفا وخشية ... وبالعهر إحصانا فحصّن لي فرجي] [ (2) ] فأصبحت همّي في الجهاد ونيتي [ (3) ] ... فلله ما صومي وللَّه ما حجّي [ (4) ] [قال مازن] [ (5) ] فلما أتيت [ (6) ] قومي أنّبوني وشتموني، وأمروا شاعرا [ (7) ] لهم فهجاني، فقلت: إن رددت [ (8) ] عليه فإنما أهجو نفسي [ (9) ] ، فرحلت عنهم فأتتني منهم أرفلة عظيمة، وكنت القيّم بأمورهم، فقالوا: يا ابن عم! عتبنا عليك أمرا وكرهنا ذلك، فإن أبيت فارجع فقم بأمورنا، وشأنك وما تدين به، فرجعت معهم وقلت [ (10) ] :
لبغضكم عندنا مرّ مذاقته ... وبغضنا عندكم يا قومنا لئن لا يفطن الدهر أن يثبت معايبكم ... وكلكم حين بتنا عيبنا فطن شاعرنا مفحم عنكم وشاعركم ... في حربنا مبلغ في شتمنا لسن ما في القلوب عليكم فاعلموا وغر ... وفي قلوبكم البغضاء والإحن قال مازن: فهداهم اللَّه بعد إلى الإسلام فأسلموا جميعا. وله من حديث أبي محمد عبد اللَّه بن داود [وعن دلهاب] [ (1) ] بن إسماعيل بن عبد اللَّه بن مسرع بن ياسر بن سويد قال: حدثنا أبي عن أبيه [دلهاب] [ (1) ] عن أبيه إسماعيل، أن أباه عبد اللَّه حدثه عن أبيه مسرع، أن أباه ياسر بن سويد حدثه عن عمرو بن مرة الجهنيّ أنه كان يحدث قال: خرجت حاجا في جماعة من قومي في الجاهلية، فرأيت في المنام وأنا بمكة نورا ساطعا من الكعبة حتى أضاء إلى جبل يثرب وأشعر جهينة، فسمعت صوتا في النور وهو يقول:
انقشعت الظلماء ... وسطع الضياء وبعث خاتم الأنبياء ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن، فسمعت صوتا في النور وهو يقول: ظهر الإسلام ... وكسرت الأصنام ووصلت الأرحام فانتبهت فزعا فقلت لقومي: واللَّه ليحدثن في هذا الحي من قريش حدث، وأخبرتهم بما رأيت، فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا رجل فقال: إن رجلا يقال له: أحمد قد بعث فأتيته فأخبرته بما رأيت، فقال: يا عمرو بن مرة! إني المرسل إلى العباد كافة أدعوهم إلى الإسلام، وآمرهم بحقن الدماء وصلة الأرحام، وعبادة اللَّه ورفض الأصنام، وحج البيت وصيام شهر رمضان، شهر من اثني عشر شهرا، فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار، فآمن باللَّه يا عمرو بن مرة يؤمنك اللَّه من هول جهنم. فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه آمنت بكل ما جئت به من حلال وحرام، وأن أرغم ذلك كثيرا من الأقوام، ثم أنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به، وكان لنا صنم وكان أبي سادنا له، فقمت إليه فكسرته، ثم لحقت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا أقول: شهدت بأنّ اللَّه حقّ وإنني ... لآلهة الأحجار أول تارك وشمّرت [ (1) ] عن ساقي الإزار [ (2) ] مهاجرا ... إليك أجوب الوعث [ (3) ] بعد الدكادك [ (4) ] لأصحب خير الناس نفسا ووالدا ... رسول مليك الناس فوق الحبائك [ (5) ]
فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: من حبابك يا عمرو بن مرة! فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي ابعثني على قومي لعل اللَّه أن يمن بي عليهم كما من بك عليّ. فبعثني إليهم وقال: عليك بالرفق في القول السديد، ولا تكن فظا ولا متكبرا ولا حسودا، فأتيت قومي فقلت فقلت لهم: يا بني رفاعة ثم يا بني جهينة، إني رسول رسول اللَّه إليكم أدعوكم إلى الجنة وأحذركم النار، وآمركم بحق الدماء وصلة الأرحام، وعبادة اللَّه ورفض الأصنام، وحج البيت وصيام شهر رمضان، شهر من اثني عشر شهرا، فمن أجاب فله الجنة، ومن عصى فله النار، يا معشر جهينة! إن اللَّه- وله الحمد- جعلكم خيار من أنتم منه، وبغّض إليكم في جاهليتكم ما حبب إلى غيركم من الرفث، إنهم كانوا يجمعون بين الأختين، ويخلف الرجل منهم على امرأة أبيه التراث في الشهر الحرام، فأجيبوا هذا النبي المرسل من بني لؤيّ ابن غالب تنالوا شرف الدنيا وكبير الأجر في الآخرة، فسارعوا في ذلك تكن [ (1) ] لكم فضيلة عند اللَّه. فأجابوا إلا رجلا منهم قام فقال: يا عمرو بن مرة، أمرّ اللَّه عليك عيشك! أتأمرنا أن نرفض آلهتنا ونفارق جماعتنا، ونخالف ديننا إلى ما يدعو إليه هذا القرشيّ من أهل تهامة؟ لا، ولا حبا ولا كرامة، ثم أنشأ الخبيث يقول: إن ابن مرة قد أتى بمقالة ... ليست مقالة من يريد صلاحا إني لأحسب قوله وفعاله ... يوما وإن طال الزمان رياحا أتسفّه الأشياخ ممن قد مضى؟ ... من رام ذلك لا أصاب ولاحا فقال عمرو بن مرة: الكاذب مني ومنك أمرّ اللَّه عيشته، وأبكم لسانه وأكمه بصره، قال عمرو بن مرة: واللَّه ما مات حتى سقط فوه، وكان لا يجد طعم الطعام، وعمي وخرس، فخرج عمرو بن مرة ومن أسلم من قومه حتى أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرحب بهم وحياهم، وكتب لهم كتابا نسخته: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللَّه على لسان رسول اللَّه، بكتاب
صادق، وحق ناطق، مع عمرو بن مرة الجهنيّ لجهينة بن زيد: أن لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع الأودية وظهورها، تزرعون نباته، وتشربون صافيه، على أن تقروا بالخمس، وتصلوا الصلوات الخمس، وفي السعة والضرعة شاتان إن اجتمعتا، وإن تفرقتا فشاة، ليس على أهل [المثير] [ (1) ] صدقة، [ولا على الواردة لبقه] [ (2) ] ، وشهد من حضر من المسلمين [ (3) ] بكتاب قيس بن شمّاس. فذلك حيث يقول عمرو بن مرة: ألم تر أن اللَّه أظهر دينه ... وبيّن برهان القرآن لعامر كتاب من الرحمن نور لجمعنا ... وأحلافنا في كل باد وحاضر إلى خير من يمشي على الأرض كلها ... وأفضلها عند اعتكار الضرائر [ (4) ] أطعنا رسول اللَّه لما تقطعت ... بطون الأعادي بالظبا والخواطر فنحن قبيل قد بني المجد حولنا ... إذا اختليت في الحرب هام الأكابر بنو نغزيها بأيد طويلة ... وبيض زلالا في أكف المغاور ترى جولة الأنصار يحمي أميرهم ... بسمر العوالي والصفاح البواتر إذا الحرب دارت عند كل عظيمة ... ودارت رحاها بالليوث الهواجر يبلج منه اللون وازدان وجهه ... كمثل ضياء البدر بين الزواهر وله من حديث ابن خرّبوذ عن رجل من خثعم قال: كانت العرب لا تحرم حراما ولا تحل حلالا، وكانوا يعبدون الأوثان ويتحاكمون إليها، فبينا نحن ذات ليلة عند وثن لنا جلوس، وقد تقاضينا إليه في شيء وقع بيننا [كاد] يفرق بيننا، إذ هتف هاتف يقول: يا أيها الناس ذوو الأجسام ... ما أنتم وطائش الأحلام ومسندو الحكم إلى الأصنام ... هذا نبي سيد الأنام
أعدل ذي حكم من الحكام ... يصدع بالنور وبالإسلام ويمنع الناس عن الآثام ... مستعلن في البلد الحرام قال: ففزعنا وتفرقنا من عنده، وصار ذلك الشعر حديثا حتى بلغنا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قد خرج بمكة ثم قدم المدينة ثم جئت وأسلمت [ (1) ] . ومن حديث الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا جلوسا عند صنم ببوانة قبل أن يبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشهر وقد نحرنا جزرا، فإذا صائح يصيح من جوف واحدة منها يقول: * اسمعوا إلى العجب* ذهب استراق السمع وترمى الشّهب* لنبي بمكة اسمه أحمد ومهاجره إلى يثرب* قال: فأمسكنا وعجبنا، وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وله من حديث شهر بن حوشب، عن عبد اللَّه بن عباس، عن سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه، قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى حضر موت في حاجة قبل الهجرة، حتى إذا كنت في بعض الطريق عرست ساعة من الليل، فسمعت هاتفا يقول: أبا عمرو ناوبني [ (2) ] السهود ... وراح النوم وامتنع الهجود [ (3) ] لذكر عصابة سلفوا وبادوا ... وكل الخلق قصرهم يبيد تولوا واردين إلى المنايا ... حياضا ليس سهلها الورود مضت لسبيلهم وبقيت خلفا ... وحيدا ليس يستغني وحيد سدى لا أستطيع علاج أمر ... إذا ما عولج الطفل الوليد فلا يا ما بقيت إليّ أنا ... وقد ماتت بمهلكها ثمود وعاد والقرون بذي شعوب ... سواء كلهم إرم حصيد قال: ثم صاح به آخر: يا خرعب ذهب بك اللعب، إن أعجب العجب،
بين زهرة ويثرب، قال: وما ذاك يا شاحب؟ قال: نبي السلام، بعث بخير الكلام، إلى جميع الأنام، فاخرج [ (1) ] من البلد الحرام إلى نخيل وآطام. قال: ما هذا النبي المرسل، والكلام المنزل، والآي المفصّل؟ قال: هذا رجل من لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، قال: هيهات، فات عن هذا سني، وذهب عنه زمني، لقد رأيتني والنضر بن كنانة نرمي غرضا واحدا، ونشرب حلبا باردا، ولقد خرجت معه من دومة في غداة شيمة، وطلع مع الشمس وغرب معها، نروي ما نسمع ونثبت ما ينضر، فلئن كان هذا من ولده فلقد سلّ السيف وذهب الحيف، ودحض الزنا وهلك الربا. قال: فأخبرني ما تكون، قال: ذهبت الضراء والمجاعة، والشدة والشجاعة، إلا بقية من خزاعة، وذهبت الضراء والبؤس، والحلق المنفوس، إلا بقية في الخزرج والأوس، وذهبت الخيلاء والفقر والنميمة والغدر، إلا بقية في بني بكر، وذهب الفعال المندم، والعمل المؤثم، إلا بقية في خثعم. قال أخبرني ما يكون، قال: إذا غلت البرة، وكظمت الجرة، فاخرج من بلاد الهجرة، وإذا كف السلام وقطعت الأرحام، فاخرج من بلاد التهام. قال أخبرني ما يكون، قال: لولا أذن تسمع وعين تلمع، لأخبرتك بما تفزع، ثم صرصر وأضاء الفجر، فذهبت لأنظر، فإذا عصا وثعبان ميتان، قال: فما علمت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هاجر إلى المدينة إلا بهذا الحديث. وفي رواية عن سعد بن عبادة قال: لما بايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [بيعة] [ (2) ] العقبة، خرجت إلى حضر موت لبعض الحاجة، فقضيت حاجتي ثم أقبلت حتى إذا كنت ببعض الطريق نمت، ففزعت من الليل بصائح يقول: أبا عمرو ناوبني السهود، فذكر مثله بطوله. وله من حديث العطاف بن خالد الوابصي عن خالد بن سعيد عن أبيه
قال: سمعت تميم الداريّ يقول: كنت بالشام حين بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة، فلما أخذت مضجعي إذا أنا بمناد ينادي لا أراه: عذ باللَّه فإن الجن لا تجير أحدا على اللَّه. فقلت: أيم اللَّه يقول، فقال: قد خرج رسول الأميين رسول اللَّه وصلينا خلفه بالحجون، فأسلمنا واتبعناه وذهب كيد الجن، ورميت بالشهاب، فانطلق إلى محمد رسول رب العالمين فأسلم. قال: فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهبا وأخبرته الخبر فقال: قد صدقوك، يخرج من الحرم [ (1) ] ومهاجره الحرم [ (2) ] ، وهو خير الأنبياء، ولا تسبق إليه، قال: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلمت. ومن حديث سعد [ (3) ] بن عثمان بن سعيد الضمريّ عن أبيه قال: حدثني [أبي عن] [ (4) ] خويلد الضمريّ قال: كنا عند صنم جلوسا إذ سمعنا من جوفه صائحا يصيح: ذهب استراق [السمع] [ (5) ] بالشهب، لنبي بمكة اسمه أحمد، مهاجره إلى يثرب، يأمر بالصّلاة والصيام، والبر والصّلات للأرحام [ (6) ] ، فقمنا من عند الصنم فسألنا، فقالوا: خرج نبي بمكة اسمه أحمد [ (7) ] . ومن حديث الأصمعي قال: حدثني الوصافي عن منصور بن المعتمر عن قبيصة ابن عمرو بن إسحاق الخزاعي عن العباس بن مرداس السلمي قال: كان أول إسلامي أن مرداسا [أبي] [ (8) ] لما حضرته الوفاة أوصاني بصنم له يقال له: [ضمار] [ (8) ] ، فجعلته في بيت وجعلت آتيه كل يوم مرة، فلما ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [إذ] [ (8) ] سمعت
صوتا في جوف الليل راعني، فوثبت إلى [ضمار] [ (1) ] مستغيثا، فإذا بالصوت من جوفه وهو يقول: قل للقبيلة من سليم كلّها ... هلك الأنيس وعاش أهل المسجد أودي [ضمار] [ (1) ] وكان يعبد مدة ... قبل الكتاب إلى النبي محمد إن الّذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى فكتمته الناس، فلما رجع الناس من الأحزاب بينا أنا في إبلي بطرف العقيق من ذات عرق راقد، سمعت صوتا فإذا برجل على جناحي نعامة وهو يقول: النور الّذي وقع [ليلة الإثنين و] [ (2) ] ليلة الثلاثاء، مع صاحب الناقة العضباء، في ديار إخوان بني العنقاء. فأجابه هاتف عن شماله وهو يقول: بشر الجن وإبلاسها، إن وضعت المطيّ أحلاسها، وكلأت السماء أحراسها، [قال:] [ (2) ] فوثبت مذعورا وعلمت أن محمدا مرسل. فركبت فرسي وسرت حتى انتهيت إليه فبايعته، ثم انصرفت إلى [ضمار] [ (1) ] فأحرقته بالنار، ثم رجعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [فأنشدته شعرا أقول فيه] [ (3) ] :
ومن حديث الزهري عن عبد الرحمن بن أنيس السلمي، عن العباس بن مرداس قال: كان إسلام العباس بن مرداس أنه كان بغمرة في لقاح له نصف النهار، إذ طلعت عليه نعامة بيضاء مثل القطن، عليها راكب عليه ثياب بيض مثل القطن فقال: يا عباس بن مرداس! ألم تر أن السماء حفّت أحراسها، وأن الحرب جوعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الّذي جاء بالبر ولد يوم الاثنين في ليلة الثلاثاء، صاحب الناقة القصواء. فخرجت مرعوبا قد راعني ما رأيت وسمعت، حتى جئت وثنا لي يدعى الضماد، كنا نعبده ونكلّم من جوفه، فدخلت عليه وكنست ما حوله، ثم قمت فتمسّحت به وقبلته، فإذا صائح يصيح من جوفه: يا عباس بن مرداس! قل للقبائل [ (1) ] من سليم كلها ... هلك الضمار [ (2) ] وفاز أهل المسجد هلك الضمار [ (2) ] وكان يعبد مدة ... قبل الصلاة [ (3) ] على النبي محمد إن الّذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى قال: فخرجت مرعوبا حتى جئت قومي، فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر، فخرجت في ثلاثمائة راكب من قومي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدخلنا المسجد، فلما رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تبسم وقال: يا عباس بن مرداس! كيف كان إسلامك؟
فقصصت عليه القصة فقال: صدقت، وسرّ بذلك، فأسلمت أنا وقومي. ومن حديث سعيد بن عمرو بن سعيد الهذالي عن أبيه عمرو بن سعيد، وكان شيخا كبيرا قد أدرك الجاهلية الأولى والإسلام، قال: حضرت مع رجال من قومي صنما بسواع وقد سقنا إليه الذبائح، فكنت أول من قرّب إليه هدية سمينة، فذبحتها على الصنم، فسمعنا صوتا من جوفها: العجب كل العجب، خروج نبي من بني عبد المطلب، يحرم الزنا ويحرم الذبح للأصنام، وحرست السماء ورمينا بالشهب. فتفرقنا فقدمنا مكة، فلم نجد أحدا يخبرنا بخروج محمد صلّى اللَّه عليه وسلم حتى لقينا أبا بكر الصديق [و] [ (1) ] عبد اللَّه بن عثمان رضي اللَّه عنهما فقلنا: يا أبا بكر! خرج أحد بمكة يدعو إلى اللَّه يقال له أحمد؟ فقال: وما ذاك؟ فأخبرت أبا بكر الخبر فقال: نعم، خرج محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب، وهو رسول اللَّه، فدعانا أبو بكر إلى الإسلام، فقلنا: حتى ننظر ما يصنع قومنا، وياليت كنا أسلمنا يومئذ. وعن عبد اللَّه بن يزيد الهذلي، عن عبد اللَّه بن ساعدة الهذلي، عن أبيه قال: كنا عند صنمنا بسواع، وقد جلبنا إليه غنما لنا مائتي شاة قد كان أصابها الجرب، فأدنيتها منه أطلب بركته، فسمعت مناديا من جوف الصنم ينادي: قد ذهب كيد الجن ورمينا بالشهب لنبي اسمه أحمد، فصرفت وجه غنمي منحدرا إلى أهلي، فلقيت رجلا فخبرني بظهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وعن يحيى بن سليمان عن حكيم بن عطاء السلمي [ (2) ] من بني سليم من ولد راشد بن عبد ربه عن أبيه عن جده [ (3) ] راشد بن عبد ربه قال: كان الصنم الّذي يقال سواع بالمعلاة [ (4) ] من رهاط [ (5) ] تدين له هذيل وبنو ظفر من سليم، فأرسلت بنو ظفر راشد بن عبد ربه بهدية من سليم إلى سواع، قال راشد: فألفيت مع الفجر إلى صنم قبل صنم سواع، وإذا صارخ يصرخ من جوفه: العجب كل العجب [من خروج نبي من بني عبد المطلب، يحرم الزنا والربا، والذبح للأصنام، وحرست
السماء ورمينا بالشهب، العجب كل العجب] [ (1) ] ثم هتف صنم آخر من جوفه: [ترك الضمار وكان يعبد] [ (1) ] خرج أحمد، نبي يصلي الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام، والبر والصّلات للأرحام [ (2) ] ثم هتف من [ (3) ] جوف صنم آخر هاتف: إن الّذي ورث النبوة والهدى ... بعد ابن مريم من قريش مهتدى نبيّ يخبر الناس بما سبق ... وبما يكون في غد قال راشد: فألفيت سواعا مع الفجر، وثعلبان يلحسان ما حوله، ويأكلان ما يهدى إليه [ثم] [ (4) ] يعرجان عليه ببولهما، فعند ذلك يقول راشد بن عبد ربه: أربّ يبول الثعلبان [ (5) ] برأسه ... لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب وذلك عند مخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ومهاجره] [ (6) ] إلى المدينة وتسامع الناس به، فخرج راشد حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة [ (7) ] ومعه كلب له- واسم راشد يومئذ (ظالم) ، واسم كله (راشد) - فقال [له] [ (8) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما اسمك؟ قال: (ظالم) قال: فما اسم كلبك؟ قال: (راشد) ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اسمك راشد، واسم كلبك ظالم؟ وضحك النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وبايع النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وأقام معه، ثم طلب من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قطيعة برهاط، فأقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمعلاة من رهاط شأو الفرس [ (9) ] ورمية ثلاث مرات بحجر، وأعطاه أداوة [ (10) ] مملوءة من ماء، وتفل فيها [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (11) ] وقال له: فرغها أعلى القطيعة ولا تمنع الناس فضولها، ففعل، فجعل الماء معينا مجمّة [إلى اليوم] [ (11) ]
فغرس عليها النخل وصارت رهاطا كلها تشرب منه وسماها الناس ماء الرسول، وأهل رهاط يغتسلون منها ويستشفون بها، وغدا راشد على [ (1) ] سواع وكسّرة [ (2) ] . وله من حديث إسماعيل بن عيّاش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيبانيّ [ (3) ] عن عبد اللَّه بن الديلميّ قال: أتى رجل عبد اللَّه بن عبّاس [ (4) ] رضي اللَّه تعالى عنه فقال: بلغت أنك تذكر سطيحا [و] [ (5) ] تزعم أن اللَّه خلقه [و] [ (5) ] لم يخلق من ولد آدم شيئا يشبهه! قال: نعم، إن اللَّه خلق سطيحا الغسانيّ لحما على وضم- والوضم: شرائح النخل [ (6) ]- وكان يحمل على وضمه فيؤتي به حيث يشاء، ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة والكفان، وكان يطوى من رجليه إلى ترقوته كما يطوى الثوب، فلم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه. فلما أراد الخروج إلى مكة حمل على وضمه، فأتى به مكة، فخرج إليه أربعة من قريش: عبد شمس وهاشم ابنا عبد مناف بن قصيّ، والأحوص بن فهر، وعقيل ابن أبي وقاص، انتموا إلى غير نسبهم [فقالوا] [ (7) ] : نحن أناس من جمح، أتيناك [وقد] [ (8) ] بلغنا قدومك، فرأينا أن [إتياننا] [ (9) ] إياك حق لك، واجب علينا
وأهدى له عقيل صفيحة هندية [ (1) ] ، وصعدة [ (2) ] ، ردينية [ (3) ] فوضعت على باب البيت الحرام لينظروا هل يراها سطيح أم لا. فقال: يا عقيل، ناولني يدك، فناوله يده، فقال: يا عقيل! والعالم الخفيّة، والغافر الخطيّه، والذمّة الوفية، والكعبة المبنيّة، إنك للجائي [ (4) ] بالهديّة، الصفيحة الهنديّة، والصعدة الردينيّة. قالوا: صدقت يا سطيح، فقال: والآتي بالفرح، وقوس قزح، وسائر القرّح [ (5) ] ، واللطيم [ (6) ] المنبطح [ (7) ] ، والنخل والرطب والبلح، إن الغراب حيث مرّ سنح [ (8) ] ، فأخبر أن القوم ليسوا من جمح، وأن نسبهم في قريش ذي البطح، قالوا: صدقت يا سطيح، نحن أهل البيت الحرام، أتيناك لنزورك لما بلغنا من علمك، فأخبرنا عما يكون في زماننا هذا وما يكون بعده، لعلّ [ (9) ] أن يكون عندك في ذلك علم. قال: الآن صدقتم، خذوا مني إلهام اللَّه إياي: أنتم يا معشر العرب في زمان الهرم، سواء [ (10) ] بصائركم وبصيرة العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشأ من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم، فيكسرون الصنم، ويبلعون الردم [ (11) ] ، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم.
قالوا: يا سطيح! ممن يكون أولئك؟ قال [ (1) ] : والبيت ذي الأركان، والأمن والسكان، لينشؤن من عقبكم ولدان، يكسرون الأوثان، وينكرون عبادة الشيطان، ويوحدون الرحمن، وينشرون دين الدّيان، يشرفون البنيان، ويقتنون القيان. قالوا: يا سطيح! من نسل من يكون أولئك؟ قال: وأشرف الأشراف، والمفضي للإسراف، والمزعزع الأحقاف، والمضعف للأضعاف، لينشؤن الآلاف من بني عبد شمس وعبد مناف، نشوا يكون فيهم اختلاف. قالوا: يا سوأتاه يا سطيح مما تخبر من العلم بأمرهم؟ ومن أي بلد يكون أولئك؟ قال: والباقي الأبد، والبالغ الأمد، ليخرجن من ذا البلد، فتى يهدي إلى الرّشد، يرفض يغوث [ (2) ] والفند [ (3) ] ، يبرأ من عبادة الضدد [ (4) ] ، يعبد ربا انفرد، ثم يتوفاه [اللَّه] [ (5) ] محمودا، من الأرض مفقودا، في السماء مشهودا [ (6) ] ، وذكر باقية في القوم الذين يلون أمر الأمة المحمدية. ومن حديث ابن إسحاق قال: حدثني من أثق به من علمائنا، عن من حدثه من أهل اليمن [ (7) ] .
أن ملكا من لخم [ (1) ] من أهل الملك الأول القديم قبل حسّان ذي نواس، يقال له: ربيعة بن نصر، رأى رؤيا فظع بها حين رآها، وهالته وأنكرها، وبعث إلى الحزاق [ (2) ] من أهل الأرض، من كان في مملكته من الكهان والمنجمين والعرافين [ (3) ] ، فقال [ (4) ] لهم: قد رأيت رؤيا فظعت بها وهالتني، فأخبروني عنها. قالوا: أيها الملك اقصصها علينا نخبرك بتأويلها، قال: إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم [ (5) ] ، فقال رجل منهم إن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشقّ، فإنّهما يخبران عما أراد [الملك] [ (6) ] من ذلك، فهما أعلم من ترى [ (7) ] ، وكان سطيح رجلا من غسّان-[وهو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذؤيب بن عدي بن مازن] [ (8) ]- وكان شق [رجلا] [ (8) ] ، من بجيلة، وقال سلمة بن الفضل في حديثه عن [ابن إسحاق] [ (8) ] : يقال له: سطيح الذئبيّ لنسبته إلى الذئب بن عدي، وشقّ بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن نذير ابن قيس بن عبقر بن أنمار [ (9) ] . فلما قالوا له ذلك بعث إليهما، فقدم عليه سطيح قبل شق- ولم يك في زمانهما مثلهما من الكهان- فلما قدم سطيح عليه [ (10) ] قال له الملك: يا سطيح: إني قد
رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها حين رأيتها، وإنك إن تصفها [لي] [ (1) ] قبل أن أخبرك تصب تأويلها [ (2) ] . قال: أفعل، رأيت حممة خرجت من ظلمة، فوقعت بأرض تعمة فأكلت منها كلّ ذات جمجمة [ (3) ] . فقال الملك: واللَّه ما أخطأت من رؤياي [ (4) ] [وسمة] [ (5) ] ، فما عندك [من] [ (6) ] تأويلها يا سطيح؟. قال: أحلف بما بين الحرّبين من حنش، لينزلن أرضكم الحبش، وليملكن ما بين أبين إلى جرشّ [ (7) ] . قال له الملك: وأبيك يا سطيح، إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى [ (8) ] هو كائن يا سطيح؟ أفي زماننا هذا؟ أم بعده؟ قال [ (9) ] : بعده بحين، خمسين إلى ستين أو سبعين تمضين من السنين [ (10) ] . قال له الملك: أقيقيم ويدوم سلطانهم أم ينقطع [ (11) ] ؟. قال: ينقطع بسبع وسبعين من السنين [ (12) ] ، ثم يقتلون أجمعين، ويخرجون هاربين.
قال له الملك: ومن الّذي يقتلهم ويلي إخراجهم؟. قال: يليه إرم ذي يزن [ (1) ] ، يخرج عليهم من عدن، ولا يبقى منهم أحد باليمن [ (2) ] ، قال له الملك: أفيدوم ذلك من سلطانه أمن ينقطع؟ قال: بل ينقطع. قال: ومن يقطعه؟. قال: نبي زكيّ، يأتيه الوحي من قبل [ (3) ] اللَّه العلي. قال: وممن هذا النبي يا سطيح؟ قال: من [ (4) ] ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟. قال: نعم يوم يجمع اللَّه فيه الأولين والآخرين، يشقى فيه المسيئون، ويسعد فيه المحسنون، قال: أحقّ ما تقول؟ قال: نعم، والشفق والغسق، والفلق [إذا اتّسق] [ (5) ] ، إن ما أنبأتك لحق. فلما فرغ خرج من عنده. وقدم شق [ (6) ] فقال له الملك مثل ما قال لسطيح
لينظر: أيتفقان أم يختلفان؟ فقال شقّ: نعم أيها الملك، رأيت حممة [ (1) ] خرجت من ظلمة فوقعت بين روضة وأكمة، بأرض بهمة، فأكلت منها كل ذات نسمة صحيحة مسلمة. ثم قال: أحلف بما بين الحرتين من إنسان، لينزلن أرضكم السودان، وليغلبن على كل طفلة البنان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران، فقال الملك: يا شق! وأبيك إن هذا لنا لغائظ موجع، فمتى هو كائن؟ أفي زماني، [ (2) ] أم بعده؟. قال: بعده بزمان، يبيدهم عظيم ذو شان [ (3) ] ، فيذيقهم أشد الهوان. قال له الملك: ومن هذا [ (4) ] العظيم الشان؟. قال: غلام ليس بدنيّ ولا مدنّ، يخرج من بيت ذي يزن، قال: فهل يدوم سلطانهم أم ينقطع؟. قال: لا بل ينقطع برسول يأتي بحقّ وعدل، ومن أهل الدين والفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل، قال: وما يوم الفصل يا شقّ؟. قال: يوم تجزى فيه الولاة ويدعى فيه من السماء دعوات، فيسمع الأحياء والأموات، ويجتمع فيه الناس للميقات، يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات. قال له الملك: ما تقول يا شق؟ [قال:] [ (5) ] ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، إن ما أنبأتك لحق ما فيه أمض [ (6) ] ، فلما فرغ من مساءلتهما جهّز بنيه وأهل بيته إلى العراق، وكتب [لهما] [ (7) ] إلى ملك فارس [ (8) ] ، وهو
شابور [ (1) ] فأسكنهم الحيرة [ (2) ] . فمن بقية ولد ربيعة بن نضر: النعمان بن المنذر، فهو في نسب اليمن وعلمهم: النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر، [ذلك الملك] [ (3) ] . وحدّث أبو علي قال: كان جنافر بن التوائم الحميري كاهنا، وكان قد أوتي بسطه في الجسم وسعة في المال، وكان عاتيا، فلما وفدت وفود اليمن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وظهر الإسلام، أغار على إبل لمسواد فاكتسحها، وخرج بأهله ولحق بالشجر فخالف جودان بن يحي الفرصمي، وكان سيدا منيعا، وترك بواد من أودية الشجر مخصبا كثير الشجر من الأيك والعرين. قال جنافر: وكان رئيّ في الجاهلية لا يكاد يتغيب عليّ، فلما شاع الإسلام فقدته مدة طويلة وساءني ذلك، فبينا أنا ليلة بذلك الوادي إذ هوى هويّ العقاب، قال جنافر: فقلت: شصار! فقال: اسمع أقل، قلت: اسمع، فقال: عه تغنم، لكل مدة نهاية، وكل ذي أمد إلى غاية، فقلت: أجل، فقال: كل دولة إلى أجل، ثم يتاح لها حول، انتشحت النّحل ورجعت إلى حقائقها الملل، إنك بيحبر
موصول، والنصح لك مبذول، إني آنست بأرض الشام، نفرا من آل العذام، حكاما على الحكام، يتدبرون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف، فأصغيت فزجرت، وعاودت فلطفت، فقلت: بم يهيمنون، وإلام يعتزون؟ قالوا: خطاب كبار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تنج من أوار النار، فقلت: وما هذا الكلام؟ قالوا: فرقان بين الكفر والإيمان، رسول من مضر من أهل المدار، ابتعث فظهر. فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألّف بالآي الكبر، قلت: ومن هذا المبعوث من مضر، قالوا: أحمد خير البشر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا جنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل نجس كافر، وشايع كل مؤمن ظاهر، وإلا فهو الفراق على تلاق، قلت: من أين أبغي هذا الدين؟ قال: من ذات الآخرين، والنفر الميامين، أهل الماء والطين، قلت: أوضح، قال: الحق بيثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل، فهناك أهل الفضل، والطول والبذل، ثم أملس عني فبت مذعورا أراعي الصباح، فلما برق لي النور، امتطيت راحلتي وأذنت أعبدي، واحتملت بأهلي حتى وردت الجوف، فرددت الإبل على أربابها، بحولها وسقائها، وأقبلت أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل رضي اللَّه تعالى عنه أميرا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فبايعته على الإسلام، وعلمني سورا من القرآن، فمن اللَّه عليّ بالهدى بعد الضلالة، والعلم بعد الجهالة [ (1) ] ، وقلت في ذلك: ألم تر أن اللَّه عاد بفضله ... فأنقذ من لفح الرحيج جنافرا وكشفه لي جحمتي عما هما ... وأوضح لي نهجي وقد كان داثرا دعاني شصار للتي لو رفضتها ... لأصليت جمرا من لظى الهوف واهرا فأصبحت والإسلام حشو جوانحي ... وجانبت من أمسى عن الحق بائرا وكان مضلي من هديت برشده ... فلله مغو عاد بالرشد آمرا نجوت بحمد اللَّه من كل قحمة ... تورث هلكا يوم شايعت شاصرا
وقد أمنتني بعد ذاك بحائر ... بما كنت أغشى المندبات بحائرا فمن مبلغ فتيان قومي ألوكة ... بأني من أقاتل من كان كافرا عليكم سواء القصد لافلّ حدّكم ... فقد أصبح الإسلام للكفر قاهرا ويروى أن تيم اللات بن ثعلبة عمّر ستمائة سنة وأدرك عيسى عليه السلام، وآمن به وكان على دينه، وأنه صوّر محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم وكتب تحتها: منعت وجّ الحجاز وتهائم مكة وديار ربيعة إلا من دولة اليتيم، فطوبى لمن أدركه واتبعه، وتيم اللات هذا كان [محاربا] [ (1) ] في حرب البسوس، وكان قائدهم، وكان أجمل الناس. وقال الخرائطي في كتاب (الهواتف) : أخبرنا عبيد بن محمد البلوي، حدثنا عمادة بن زيد، حدثني عبيد اللَّه بن العلاء، عن هشام بن عروة عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تعالى عنها قالت: كان زيد بن عمرو بن نفيل وورقة ابن نوفل يذكران [أنهما أتيا] [ (2) ] النجاشي بعد رجوع أبرهة عن مكة. قالا: فلما دخلنا عليه قال لنا: أصدقاني أيها القرشيان، هل ولد فيكم مولود أراد أبوه ذبحه؟ قلنا: نعم. قال: فهل لكما علم بما فعل؟ قلنا: تزوج امرأة اسمها آمنة وتركها حاملا وخرج. قال: فهل تعلمان ولد له أم لا؟ قال ورقة: أخبرك أيها الملك أنه لما ولد له كنت عند صنم لنا نطيف به ونعبده، إذ سمعت من جوفه هاتفا يقول: ولد النبي فذلّت الأملاك ... ونأى الضلال وأدبر الإشراك ثم انتكس على رأسه، فقال زيد: عندي كخبره أيها الملك، قال: هات، قال: إني في هذه الليلة التي ذكر فيها حديثه، خرجت من عند أهلي وهم يذكرون حمل آمنة، حتى أتيت جبل أبي قبيس أريد الخلوة فيه لأمر رابني، إذ رأيت رجلا نزل من السماء له جناحان أخضران، فوقف عليه [ (3) ] ثم أشرف على مكة وقال:
ذل الشيطان، وبطلت الأوثان، وولد الأمين. قال النجاشي: إني أخبركما عما أصابني: إني لنائم في الليلة التي ذكرتما في قبتي وقت خلوتي، إذ خرج عليّ من الأرض عنق ورأس وهو يقول: حل الويل بأصحاب الفيل، رمتهم طير أبابيل، بحجارة من سجيل، هلك الأشرم، المعتدي المجرم، وولد النبي الأمي، الحرمي المكيّ، من أجابه سعد، ومن أتاه عند. وقال عبد اللَّه البلوي: حدثنا عمارة، حدثنا عبيد اللَّه بن العلاء، حدثنا محمد ابن عكير [ (1) ] عن سعيد بن جبير، أن رجلا من بني تميم يقال له: رافع بن عمير، كان أهدى [ (2) ] الناس بطريق، وأسراهم بليل، وأهجمهم على هول، فكانت العرب تسميه: دعموص [ (3) ] الرمل لهدايته وجرأته، فذكر عن بدء إسلامه قال: إني لأسير برمل عالج [ (4) ] ذات ليلة، إذ غلبني النوم، فنزلت عن راحلتي وأنختها وتوسدت ذراعها وقلت: أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن، من أن أوذي أو أهاج. فرأيت في النوم رجلا شابا يرصد ناقتي بحربة، يريد أن يضعها في نحرها، فانتبهت فزعا، فرأيت ناقتي تضطرب، وإذا برجل كالذي رأيت في منامي بيده حربة، وشيخ ممسك بيده بردة وهو يقول: يا مالك بن مهلهل بن أثار ... مهلا فدا لك مئزري وإزاري عن ناقة الإنس لا تعرض لها ... واختر بها ما شئت من أثواري
ولقد بدا لي منك ما لم أجب ... إلا دعيت قرابتي وذماري تسمو إليه بحربة مسمومة ... تبا لفعلك يا أبا العفاري لولا الحياء وأن أهلك جيرة ... لعلمت ما كشفت من أخباري قال رافع: فأجابه الشاب: أأردت أن تعلو وتخفض ذكرنا ... في غير مرزية أبا العيزار ما كان فيكم سيد فيما مضى ... إن الخيار همو بنو الأخيار فاقصد لقصدك ما معيكم إنما ... كان المجير مهلهل بن أثار قال: فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش، فقال الشيخ للفتى: قم يا ابن أخت فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الإنسي، فأخذ منها ثورا ثم انصرف، فالتفت إلى الشيخ فقال: يا هذا! إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله فقل: أعوذ برب محمد من هول هذا الوادي، ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها. قال: فقلت: ومن محمد؟ قال: نبي عربي لا شرقي ولا غربي، قلت: فأين مسكنه؟ قال: يثرب. قال: فركبت راحلتي حتى دخلت المدينة، فنزلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فحدثني بحديثي قبل أن أذكر له منه شيئا، ودعاني إلى الإسلام فأسلمت. قال سعيد بن جبير فكنا نرى أنه هو الّذي أنزل اللَّه فيه: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً [ (1) ] .
وذكر ابن سعد في طبقاته عن الواقدي: حدثنا علي بن عيسى الحكمي عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول: إنا ننتظر [ (1) ] نبيا من ولد إسماعيل، ثم من بني عبد المطلب، ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك، فقلت: هلم، قال: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، وليست تفارق عينه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذه البلدة [ (2) ] مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منها [ (3) ] ، ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب، فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإنّي طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسلم [ (4) ] من اليهود والنصارى والمجوس يقولون: هذا الدين وراءك، وينعتونه بمثل نعتي [ (5) ] لك ويقولون: لم يبق نبي غيره. قال عامر بن ربيعة: فلما أسلمت أخبرت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بقول [ (6) ] زيد وأقرأته منه السلام، فردّ عليه السلام ورحّم عليه وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا [ (7) ] . وقال أبو عمر بن عبد البر: روينا من حديث واثلة بن الأسقع قال: كان إسلام الحجاج بن علاط [السلمي ثم] [ (8) ] البهزي أنه خرج في ركب من قومه إلى مكة، فلما جنّ عليه الليل وهو في واد مخوف [ (9) ] قعد فقال له أصحابه: يا أبا كلاب! قم فخذ لنفسك ولأصحابك أمانا، فقام الحجاج بن علاط يطوف حولهم يكلؤهم ويقول:
أعيذ نفسي وأعيذ صحبي ... من كل جني بهذا النقب حتى أؤوب سالما وركبي فسمع قائلا يقول: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ [ (1) ] ، فلما قدموا مكة خبّر [ (2) ] بذلك في نادي قريش فقالوا له: صبأت [ (3) ] يا أبا كلاب، إن هذا [ (4) ] مما يزعم محمد أنه أنزل عليه، قال: واللَّه لقد سمعته وسمعه هؤلاء معي، ثم أسلم الحجاج فحسن إسلامه [ (5) ] .. الحديث [ (6) ] .
فصل في ذكر ما كان من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب [1] إلى أن بعثه الله برسالته
فصل في ذكر ما كان من أعلام نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب [ (1) ] إلى أن بعثه اللَّه برسالته اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أمارات النبوة آيات وأعلام يهتدى بها إلى ثبوت نبوته وصدق رسالته، قدمها اللَّه تعالى قبل بعثته برسالته ليكون دليلا واضحا وبرهانا صحيحا لائحا على نبوته وتحقيق رسالته. فمن ذلك: إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة، وأن عبد اللَّه بن عبد المطلب كان يرى بين عينيه نور النبوة، وأن أمة آمنة بنت وهب لما حملت به بشّرت بأنه خير البرية، ولما ضربها المخاض دنت منه نجوم السماء، وخرج منها لما وضعته نور أضاء له البيت، وانتشر حتى أضاءت له قصور الشام وغيرها، وطرحوا عليه بعد ولادته برمة فانفلقت، وولد مختونا مسرورا، وفتحت لولادته أبواب السماء، واستبشرت الملائكة، وتطاولت الجبال وارتفعت البحار، وقلّ الشيطان ومردته، وألبست الشمس نورا عظيما، ونكست الأصنام وحجبت الكهان، وارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، وغاضت بحيرة ساوي، ورأى المؤبذان
أن إبلا تقود خيلا وانتشرت في بلاد فارس. وردّ اللَّه ببركته أصحاب الفيل عن مكة، ومنعهم من تخريب البيت الحرام الّذي جعل اللَّه حجّه أحد أركان الإسلام، تحقيقا لشريعته، وتأييدا لدعوته، وما ظهر لظئره حليمة من البركة حين أرضعته من إقبال لبنها، وكثرته بعد قلته، وحلبها اللبن من شاتها التي لم يكن بها قطرة لبن، وسبق أتانها حمر رفاقها بعد تخلفها عنهم لضعفها، وسمن أغنامها دون أغنام قومها، وشق صدره المقدس عندها، ومعرفة اليهود له وهو طفل مع أمه بالمدينة، وتوسم جده عبد المطلب فيه السيادة، وقول بني مدلج: إن قدمه أشبه بقدم إبراهيم الخليل، ومعرفة أسقف نجران وهو غلام، وإخبار اليهودي أنه يخرج من صلب عبد المطلب نبي يقتل يهود، وما كان عمه أبو طالب يرى من البركة منذ كفله، وتظليل الغمام له، واعتراف بحيرا الراهب بنبوته، وإخبار نسطور بذلك.
وأما إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة
وأما إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة، وأن ذلك في بني زهرة فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث أبي عون [ (1) ] مولى المسور بن مخرمة، عن المسور عن عبد اللَّه بن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تعالى عنهما قال: قال عبد المطلب: قدمت اليمن في رحلة الشتاء فنزلت على حبر من أحبار اليهود، فقال لي رجل من أهل الزبور- يعني من أهل الكتاب-: ممن الرجل؟ قلت: من قريش، قال: من أيهم؟ قلت: [من بني هاشم] [ (2) ] ، قال: يا عبد المطلب! تأذن [ (3) ] لي أن انظر إلى بعضك؟ قلت: نعم، ما لم يكن عورة، قال: ففتح أحد منخريّ ثم فتح الآخر فقال: أشهد أن في إحدى يديك ملكا وفي الأخرى نبوّة، وإنا نجد ذلك في بني زهرة، فكيف ذلك؟ فقلت [ (4) ] لا أدري، قال: هل لك من شاعة؟ قلت: وما الشاعة؟ قال: الزوجة، قلت: أما اليوم فلا، قال: فإذا رجعت فتزوج منهم [ (5) ] ، فرجع عبد المطلب إلى مكة فتزوج بهالة [ (6) ] بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة، فولدت له حمزة وصفية، وتزوج
عبد اللَّه بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ووهب ووهيب أخوان، فقالت قريش حين تزوج عبد اللَّه: فلج عبد اللَّه على أبيه [ (1) ] . ورواه الزهري وعبد الرحمن بن حميد عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه، أن عبد المطلب ... فذكر نحوه.
وأما رؤية النور بين عيني عبد الله بن عبد المطلب
وأما رؤية النور بين عيني عبد اللَّه بن عبد المطلب فخرج أبو نعيم من حديث ابن شهاب [ (1) ] عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أم سلمة، وعامر بن سعد عن أبيه سعد، قال: أقبل عبد اللَّه بن عبد المطلب أبو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان في بناء له وعليه أثر الطين والغبار، فمرّ بامرأة من خثعم، وقال [ (2) ] عامر بن سعد [ (3) ] عن أبيه في حديثه فمرّ بليلى العدويّة، فلما رأته ورأت ما بين عينيه دعته إلى نفسها وقالت له: إن وقعت بي فلك مائة من الإبل، فقال لها [عبد اللَّه بن عبد المطلب] [ (4) ] : حتى أغسل عني هذا الطين الّذي عليّ وأرجع إليك، فدخل على آمنة بنت وهب فواقعها فحملت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطيب المبارك، ثم رجع إلى الخثعمية، وقال عامر في حديثه إلى ليلى العدويّة فقال لها: هل لك فيما قلت؟ فقالت: لا [يا عبد اللَّه] [ (5) ] ، قال: ولم؟ قالت: لأنك مررت بي وبين عينيك نور، ثم رجعت إليّ وقد انتزعته آمنة بنت [ (6) ] وهب منك. فولدت [ (7) ] آمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وله من حديث النضر بن سلمة [ (8) ] قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن أبيه محمد عن أبيه عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت سعد ابن أبي وقاص رضي اللَّه تعالى عنه يقول: نحن أعظم خلق اللَّه بركة، وأكثر خلق
اللَّه ولدا، خرج عبد اللَّه بن عبد المطلب ذات يوم متخصّرا [ (1) ] مترجلا حتى جلس في البطحاء، فنظرت إليه ليلى العدوية، فدعته إلى نفسها، فقال عبد اللَّه [بن عبد المطلب] [ (2) ] : أرجع إليك، ودخل [عبد اللَّه] [ (2) ] على آمنة [بنت وهب] [ (2) ] فقال لها اخرجي فواقعها وخرج، فلما رأته ليلى قالت: ما فعلت؟ فقال [عبد اللَّه] [ (2) ] : قد رجعت إليك، قالت [ليلى] [ (2) ] : لقد دخلت بنور ما خرجت به، ولئن كنت ألممت بآمنة بنت وهب لتلدن ملكا [ (3) ] . وله من حديث ابن جريج عن عطاء [ (4) ] عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لما خرج عبد المطلب بابنه ليزوجه مرّ به على كاهنة من أهل تبالة [ (5) ] متهوّدة [ (6) ] قد قرأت الكتب، يقال لها: فاطمة بنت مرّ الخثعمية، فرأت نور النبوة في وجه عبد اللَّه، فقالت له: يا فتى! هل لك أن تقع عليّ الآن وأعطيك مائة من الإبل فقال [عبد اللَّه] [ (7) ] : أما الحرام فالممات دونه ... والحلّ لا حلّ فأستبينه فكيف بالأمر الّذي تبغينه؟ ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فأقام عندها ثلاثا، ثم إن نفسه دعته إلى ما دعته [ (8) ] إليه الخثعمية فأتاها فقالت: يا فتى! ما صنعت بعدي؟ قال: زوجني أبي آمنة بنت وهب وأقمت عندها ثلاثا، قالت:
إي واللَّه ما أنا بصاحبة ريبة، ولكن رأيت في وجهك نورا وأردت أن يكون فيّ، وأبى اللَّه إلا أن يصيره حيث أحبّ، [ثم قالت فاطمة الخثعمية] [ (1) ] : وله من حديث داود بن أبي هند [ (2) ] عن عكرمة قال: كانت امرأة من خثعم تعرض نفسها في [موسم الحج] [ (3) ] ، وكانت ذات جمال، ومعها أدم تطوف به كأنها تبيعه، فأتت على عبد اللَّه بن عبد المطلب، فلما رأته أعجبها [ (4) ] فقالت: إني واللَّه ما أطوف لبيع [ (5) ] الأدم، وما بي إلى ثمنه من حاجه، ولكني إنما أتوسم الرجال [ (6) ] ، انظر هل أجد كفؤا، فإن كانت لك إليّ حاجة فقم، فقال لها: مكانك [حتى] [ (7) ] أرجع إليك، فانطلق إلى أهله [ (8) ] ، فبدا له [ (9) ] فواقع أهله، فحملت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رجع إليها قال: ألا أراك هاهنا؟ قالت: ومن أنت [ (10) ] ؟ قال: أنا الّذي وعدتك، قالت لا: ما أنت هو، ولئن كنت ذاك [ (11) ]
لقد رأيت بين عينيك نورا ما أراه الآن [ (1) ] . وله من حديث ابن وهب [ (2) ] قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري قال: كان عبد اللَّه بن عبد المطلب أحسن رجل رئي قط، فخرج [ (3) ] يوما على نساء قريش وهن مجتمعات، فقالت امرأة منهن: أيتكن تتزوج بهذا الفتى فتصطبّ النور الّذي أرى [ (4) ] بين عينيه؟ فإنّي أرى بين عينيه نورا، فتزوجته آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة [ (5) ] ، فحملت بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] . وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق [ (7) ] : ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد عبد اللَّه، فمرّ به- فيما يزعمون- على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي وهي عند الكعبة، فقالت له حين نظرت إلى وجهه: أين تذهب يا عبد اللَّه؟ فقال: مع أبي، قالت: لك عندي من الإبل مثل الّذي نحرت عنك وقع عليّ الآن، فقال لها: إن معي أبي [الآن] [ (8) ] ، لا أستطيع خلافه ولا فراقه، ولا أريد أن أعصيه شيئا.
فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة- ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا- فزوجه آمنة بنت وهب، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا [ (1) ] . قال: وذكروا أنه دخل عليها حين أملكها [ (2) ] مكانه، فوقع عليها فحملت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال: ثم خرج من عندها حتى أتى المرأة التي قالت له ما قالت- وهي أخت ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى- وهي في مجلسها، فجلس إليها وقال: مالك لا تعرضين عليّ اليوم مثل الّذي عرضت أمس؟. قالت [ (3) ] : فارقك [ (4) ] النور الّذي كان فيك، فليس لي بك اليوم حاجة، وكانت فيما زعموا تسمع من أخيها ورقة ابن نوفل- وكان قد تنصّر واتّبع الكتب- يقول: إنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل [ (5) ] ، فقالت في ذلك شعرا فذكره [ (6) ] ، واسمها أم قتّال بنت نوفل بن أسد.
قال ابن إسحاق [ (1) ] : حدثني والدي إسحاق بن يسار قال: حدثت أنه كان لعبد اللَّه بن عبد المطلب امرأة مع آمنة بنت وهب [بن عبد مناف] [ (2) ] ، فمر بامرأته [تلك] [ (3) ] وقد أصابه أثر من طين عمل به، فدعاها إلى نفسه فأبطأت عليه لما رأت من أثر الطين. فدخل فغسل عنه أثر الطين، ثم دخل عامدا إلى آمنة، ثم دعته صاحبته التي كانت أرادته إلى نفسها، فأبى [ (4) ] للذي صنعت به أول مرة، فدخل على آمنة فأصابها ثم خرج، فدعاها إلى نفسه فقالت: لا حاجة لي بك، مررت بي وبين عينيك غرّة فرجوت أن أصيبها، فدخلت على آمنة فذهبت بها منك. قال ابن إسحاق: فحدثت أن امرأته تلك كانت تقول: لمرّ بي وإن بين عينيه لنورا مثل الغرّة، ودعوته له رجاء أن يكون لي، فدخل على آمنة فأصابها فحملت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] .
وأما إخبار آمنة بأنها قد حملت بخير البرية وسيد الأمة
وأما إخبار آمنة بأنها قد حملت بخير البرية وسيّد الأمة فخرج أبو نعيم من حديث النضر بن سلمة، حدثنا أبو غزيّة محمد بن موسى [الأنصاري] [ (1) ] عن أبي عثمان سعيد بن زيد [الأنصاري] [ (1) ] عن ابن بريدة عن أبيه بريدة قال: رأت آمنة بنت وهب أم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في منامها، فقيل لها: إنك قد حملت بخير البرية وسيد العالمين، فإذا ولدته فسميه أحمد ومحمدا، وعلقي عليه هذه، قال: فانتبهت وعند رأسها صحيفة من ذهب مكتوب فيها [ (2) ] : أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، من كل خلق زائد، من قائم أو قاعد، عن السبيل حائد [ (3) ] ، على الفساد جاهد، من نافث أو عاقد، وكل جن [ (4) ] مارد، يأخذ بالمراصد، في طرق الموارد، أنهاهم عنه باللَّه الأعلى، وأحوطه [منهم] [ (5) ] باليد العليا، والكف الّذي لا يرى [ (6) ] ، يد اللَّه فوق أيديهم، وحجاب اللَّه دون عاديهم، لا تطردوه ولا تضروه [ (7) ] ، في مقعد ولا منام، ولا مسير ولا مقام، أول الليالي وآخر الأيام [أربع مرات بهذا] [ (8) ] . [قال سعيد بن زيد الأنصاري: فلقيت بريدة بن سفيان الأسلمي، فذكرت له هذا الحديث الّذي حدثنا ابن بريدة عن أبيه، فقال بريدة بن سفيان: حدثنيه بريدة بهذا، وحدثني محمد بن كعب عن ابن عباس بهذا] [ (9) ] .
وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: وكانت آمنة بنت وهب أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحدث أنها أتيت حين حملت بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، من كل بر عاهد، وكل عبد رائد، يذود عني ذائد، فإنه عند الحميد الماجد، حتى أراه قد أتى المشاهد. وقال: فإن آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمدا، فإن اسمه في التوراة والإنجيل أحمد، يحمده أهل السماء والأرض، واسمه في الفرقان محمد، فسمته بذلك. فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب جاريتها، وقد كان هلك أبوه عبد اللَّه وهي حبلى، ويقال: إن عبد اللَّه هلك والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابن ثمانية وعشرين شهرا [فاللَّه أعلم أي ذلك كان] [ (1) ] . فقالت: قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه، فلما جاءها خبرته خبره وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه. فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة، فقام عبد المطلب يدعو اللَّه ويتشكّر للَّه [عزّ وجلّ] [ (2) ] الّذي أعطاه إياه، فقال: الحمد للَّه الّذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان [ (3) ] قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه باللَّه [ (4) ] ذي الأركان
حتى يكون بلغة الفتيان ... حتى أراه بالغ البنيان أعيذه من كل ذي شنئان [ (1) ] ... من حاسد من مضطرب العنان ذي همدة ليس له عينان ... حتى أراه رافع اللسان أنت الّذي سميت في الفرقان ... في كتب ثابتة المثاني أحمد مكتوب على اللسان [ (2) ] [ويقال: إنه أتاها في منامها حين مرّ بها من حملها ثلاثة أشهر] . وخرج أبو نعيم من حديث أبي بكر بن أبي مريم عن سعيد بن عمرو الأنصاري عن أبيه عن كعب الأحبار في صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال ابن عباس: وكان من دلالات حمل محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن كل دابة كانت لقريش نطقت تلك الليلة وقالت: حمل برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ورب الكعبة، وهو أمان الدنيا وسراج أهلها. ولم يبق كاهنة في قريش ولا قبيلة من قبائل العرب إلا حجبت عن صاحبتها، وانتزع علم الكهانة منها، ولم يبق سرير ملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، والملك مخرسا لا ينطق يومه ذلك، ومرت وحش المشرق إلى وحش المغرب بالبشارات، وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا في كل شهر من شهوره نداء [ (3) ] في الأرض ونداء [ (3) ] في السماء أن أبشروا فقد آن لأبي القاسم أن يخرج إلى الأرض ميمونا مباركا. قال: وبقي في بطن أمة تسعة أشهر كملا لا تشكو وجعا ولا ريحا ولا مغصا ولا ما يعرض للنساء من أداء الحمل. وهلك أبوه عبد اللَّه وهو في بطن أمة فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا! بقي
نبيك هذا يتيما، فقال اللَّه للملائكة: أنا له وليّ وحافظ ونصير، وتباركوا بمولده، فمولده ميمون مبارك، وفتح اللَّه تعالى لمولده أبواب السماء وجنانه. فكانت آمنة تحدث عن نفسها وتقول: أتاني آت حين مرّ بي من حمله ستة أشهر، فوكزني برجله في المنام وقال لي: يا آمنة، إنك قد حملت بخير العالمين طرّا، فإذا ولدتيه فسميه محمدا، واكتمي شأنك. قال: فكانت تحدث عن نفاسها وتقول: لقد أخذني ما يأخذ النساء ولم يعلم بي أحد من القوم، ذكر ولا أنثى، وإني لوحيدة في المنزل- وعبد المطلب في طوافه- قالت: فسمعت رجّة شديدة وأمرا عظيما فهالني، وذلك يوم الاثنين فرأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي، فذهب عني كل رعب وكل فزع ووجع كنت أجد. ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا- وكنت عطشى- فتناولتها فشربتها، فأضاء مني نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل طولا [ (1) ] ، كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بي، فبينا أنا أعجب وأقول: وا غوثاه، من أين علمن بي هؤلاء، واشتد الأمر وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول، فإذا أنا بديباج قد مدّ بين السماء والأرض وإذا قائل يقول: خذوه عن أعين الناس. قالت: ورأيت رجالا قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة، وأنا أرشح عرقا كالجمان، أطيب ريحا من المسك الأذفر وأقول: يا ليت عبد المطلب قد دخل عليّ وعبد المطلب نائي. قالت: فرأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي، مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من اليواقيت، فكشف اللَّه لي عن بصري، فأبصرت ساعتي تلك مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات: علما في المشرق وعلما في المغرب وعلما على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض واشتد بي الأمر جدا، فكنت كأني مستندة إلى أركان النساء، وكثرن عليّ حتى لا أرى
معي في البيت أحدا وأنا لا أرى شيئا، فولدت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. فلما خرج من بطني نظرت إليه فإذا أنا به ساجدا قد رفع إصبعيه كالمتضرع المبتهل، ثم رأيت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء تنزل حتى غشيته، فغيب عن وجهي، فسمعت مناديا ينادي ويقول: طوفوا بمحمد شرق الأرض وغربها، وأدخلوه البحار كلها ليعرفوه باسمه ونعته وصورته، ويعلمون أنه سمي الماحي لا يبقى شيء من الشرك إلا محي به في زمنه. ثم تجلت عنه في أسرع وقت، فإذا به مدرج في ثوب صوف أبيض، أشد بياضا من اللبن، وتحته حبرة خضراء، قد قبض محمد صلّى اللَّه عليه وسلم على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب الأبيض، وإذا قائل يقول: قبض محمد على مفاتيح النصر ومفاتيح الريح ومفاتيح النبوة. ثم أقبلت سحابة أخرى أعظم من الأولى ونور، يسمع منها صهيل الخيل وخفقان الأجنحة من كل مكان، وكلام الرجال، حتى غشيته فغيب عني أطول وأكثر من المرة الأولى، فسمعت مناديا ينادي [و] يقول: طوفوا بمحمد الشرق والغرب على مواليد النبيين، واعرضوه على كل روحاني من الجن والإنس والطير والسباع، وأعطوه صفاء آدم، ورقة نوح، وخلة إبراهيم، ولسان إسماعيل، وصبر يعقوب، وجمال يوسف، وصوت داود، [وصبر أيوب] ، وزهد يحى، وكرم عيسى، واعمروه في أخلاق الأنبياء. ثم تجلت عنه في أسرع من طرف العين، فإذا به قد قبض على حريرة خضراء، مطوية طيا شديدا، ينبع من تلك الحريرة ماء معين، وإذا قائل يقول: بخ بخ، قبض محمد على الدنيا كلها، لم يبق خلق من أهلها إلا دخل في قبضته طائعا بإذن اللَّه تعالى، ولا قوة إلا باللَّه. قالت آمنة: فبينا أنا أتعجب وإذا بثلاثة نفر- ظننت بأن الشمس تطلع من خلال وجوههم- في يد أحدهم إبريق من فضة، وفي ذلك الإبريق ريح المسك، وفي يد الثاني طست من زمرد أخضر، عليها أربعة نواحي كل ناحية من نواحيها لؤلؤة بيضاء، وإذا قائل يقول: هذه الدنيا شرقها وغربها وبرها وبحرها، فاقبض
يا حبيب اللَّه على [أية] ناحية شئت. قالت: فدرت لأنظر أين قبض من الطست، فإذا هو قد قبض على وسطها، فسمعت القائل يقول: قبض على الكعبة ورب الكعبة، أما إن اللَّه قد جعلها له قبلة ومسكنا مباركا، ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية طيا شديدا فنشرها، فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه، ثم حمل ابني فناوله صاحب الطست وأنا انظر إليه، فغسله بذلك الإبريق سبع مرات، ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ختما واحدا ولفه في الحريرة، واستدار عليه خطا من المسك الأذفر، ثم حمله فأدخله بين أجنحته ساعة. قال ابن عباس: كان ذلك رضوان خازن الجنان، وقال في أذنه كلاما كثيرا لم أفهمه، وقبل بين عينيه وقال: أبشر يا محمد، فما بقي لنبي علم إلا أعطيته، فأنت أكثرهم علما وأشجعهم قلبا، معك مفاتيح النصر، وقد ألبست الخوف والرعب، ولا يسمع أحد بذكرك إلا وجل في فؤاده، وخاف قلبه، وإن لم يرك يا حبيب اللَّه. قالت: ثم رأيت رجلا قد أقبل نحوه حتى وضع فاه على فيه، فجعل يزقه كما تزق الحمامة فرخها، فكنت انظر إلى ابني يشير بإصبعه يقول: زدني زدني، فزقه ساعة ثم قال: أبشر يا حبيبي، فما بقي لنبي حلم إلا وقد أوتيته. ثم احتمله فغيبه عني، فجزع فؤادي وذهل قلبي، فقلت: ويح لقريش والويح لها! ماتت كلها، أنا في ليلتي وفي ولادتي، أرى ما أرى، ويصنع بي ما يصنع ولا يقربني أحد من قومي، إن هذا لهو أعجب العجب. قالت: فبينا أنا كذلك إذ أنا به قد ردّ عليّ كالبدر، وريحه يسطح كالمسك وهو يقول: خذيه، فقد طافوا به الشرق والغرب على مواليد الأنبياء أجمعين، والساعة كان عند أبيه آدم فضمه إليه، وقبله بين عينيه، وقال: أبشر حبيبي، فأنت سيد الأولين والآخرين، ومضى، وجعل يلتفت ويقول: أبشر يا عزّ الدنيا وشرف الآخرة، فقد استمسكت بالعروة الوثقى، فمن قال بمقالتك وشهد بشهادتك حشر غدا يوم القيامة تحت لوائك وفي زمرتك، وناولنيه ومضى، ولم
أره بعد تلك المرة. قال كاتبة: هكذا أورد الحافظ أبو نعيم هذا الحديث، وأن الوضع يلوح عليه [ (1) ] !
وأما دنو النجوم منها عند ولادته وخروج النور منها
وأما دنوّ النجوم منها عند ولادته وخروج النور منها فخرج الحافظ أبو نعيم [ (1) ] وأبو بكر البيهقي [ (2) ] من حديث يعقوب بن محمد الزهري قال: حدثني عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني عبد العزيز بن عمر ابن عبد الرحمن بن عوف قال: أخبرني عبد اللَّه بن عثمان بن أبي سليمان عن ابن أبي سويد الثقفي عن عثمان بن أبي العاص قال: أخبرتني أمي أنها حضرت آمنة أم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما ضربها المخاض، [قالت] [ (3) ] : فجعلت انظر إلى النجوم [تدلى] [ (3) ] حتى قلت: لتقعن عليّ، فلما وضعت خرج منها نور أضاء له البيت والدار، حتى جعلت لا أرى إلا [نورا] [ (3) ] . قال كاتبه: سند هذا الحديث واه جدا، فيعقوب [ (4) ] وإن كان حافظا فقد
ضعّفه أحمد وأبو زرعة وابن معين وعبد العزيز بن عمران [ (1) ] ، قال ابن معين: وتكلم فيه البخاري والنسائي. ولأبي نعيم من حديث ابن لهيعة قال: حدثني عمارة بن غزية عن سعد بن عبيد بن إبراهيم مولى الزبير، أنه حدثه عن عطاء بن عياد عن آمنة بنت وهب- أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- قالت: لقد رأيت ليلة وضعته نورا أضاء له قصور الشام حتى رأيتها. ورواه عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ عن عمارة بن غزية عن سعيد بن عبيد عن عطاء بن يسار عن أم سلمة عن آمنة بمثله سواء، فجوده الدراوَرْديّ عن عمارة [ (2) ] . ومن حديث أبي غزية محمد بن موسى عن أبي عثمان سعيد بن زيد الأنصاري عن ابن بريدة عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسترضعا في بني سعد بن بكر فقالت أمه آمنة لمرضعته: انظري ابني هذا! فسلي عنه، فإنّي رأيت كأنه خرج من فرجي شهاب أضاءت له الأرض كلها حتى رأيت قصور الشام، فسلي عنه [ (3) ] .
وله من حديث أبي اليمان الحكم بن نافع قال: حدثنا أبو بكر بن مريم عن سعيد بن سويد عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إني عبد اللَّه في أم الكتاب وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك: دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك أمهات النبيين يرين [ (1) ] . ورواه معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين، وأن أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [رأت] حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام [ (1) ] . ومن حديث الحرث بن أبي أسامة قال: حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا الفرج ابن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة رضي اللَّه تعالى عنه قال: قلت: يا نبي اللَّه! ما كان بدؤ أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه خرج عنها نور أضاءت منه قصور الشام [ (1) ] .
وأما انفلاق البرمة عنه
وأما انفلاق البرمة عنه فخرج البيهقي من حديث أبي صالح عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني معاوية ابن صالح عن أبي الحكم التنوخي قال: كان المولود إذا ولد من قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فيكفين عليه برمة، فلما ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دفعه عبد المطلب إلى نسوة يكفين عليه برمة، فلما أصبحن [أتين] [ (1) ] فوجدن [ (2) ] البرمة قد انفلقت فلقتين [ (3) ] ، ووجدنه [ (3) ] مفتوح العينين شاخصا ببصره إلى السماء، فأتاهن عبد المطلب فقلن له: ما رأينا مولودا مثله، وجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه مفتوحا عينيه [ (4) ] ، شاخصا ببصره إلى السماء فقال: احفظنه، فإنّي أرجو أن يصيب خيرا. فلما كان يوم السابع ذبح عنه، ودعا له قريشا، فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب! أرأيت ابنك هذا الّذي أكرمتنا على وجهه، ما سمّيته؟ قال: سميته محمدا، قالوا: فلم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده اللَّه في السماء وخلقه في الأرض [ (5) ] . وخرج أبو نعيم من حديث إسحاق بن عبد اللَّه بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: كان عهد الجاهلية إذا ولد لهم المولود من تحت الليل رموه تحت الإناء فلا ينظرون إليه حتى يصبحوا، فلما ولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طرحوه تحت البرمة، فلما أصبحوا اشتغلوا بأمه، فلما أتوا البرمة إذا هي قد انفلقت ثنتين، وعيناه إلى السماء، فعجبوا من ذلك، فأرسلوا إلى جده وهو حيّ فجاء فنظر
فعجب منه وقال: ادفعوا ابني هذا فإنه منّا، ودفع إلى امرأة من بني بكر ترضعه، فلما أرضعته دخل عليها الخير من كل جانب، وكان لها شويهات [عجاف] فبارك اللَّه فيها فنمت وزادت زيادة حسنه. ومن حديث الصلت بن محمد أبي همام قال: حدثنا مسلمة بن علقمة، حدثنا داود بن أبي هند قال: توفى أبو النبي عليه السلام وأمه حبلى به، فلما وضعته نارت الظراب [ (1) ] لوضعه، واتقى الأرض بكفيه حين وقع، وأصبح يتأمل السماء بعينيه، وكفئوا [ (2) ] عليه برمة ضخمة فانفلقت عنه فلقتين [ (3) ] .
وأما ولادته مختونا مسرورا
وأما ولادته مختونا مسرورا فخرج البيهقي من حديث الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تعالى عنه قال: ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مختونا مسروا، [قال] [ (1) ] فأعجب جده عبد المطلب، وحظي عنده وقال: ليكونن لا بني هذا شأن، فكان له شأن [ (2) ] . ولأبي نعيم من حديث الحسن بن عرفة قال: حدثنا هشيم [ (3) ] بن بشير عن يونس [ (4) ] بن عبيد عن الحسن [عن أنس بن مالك] [ (5) ] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: من كرامتي على ربي أني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي [ (6) ] . وله من حديث علي بن محمد المدائني قال: حدثنا سلمة [ (7) ] بن محارب [بن سلم] [ (8) ] بن زياد عن أبيه عن أبي بكرة، أن جبريل ختن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين طهّر قلبه [ (9) ] .
وأما استبشار الملائكة وتطاول الجبال وارتفاع البحار وتنكيس الأصنام وحجب الكهان ونحو ذلك
وأما استبشار الملائكة وتطاول الجبال وارتفاع البحار وتنكيس الأصنام وحجب الكهان ونحو ذلك فخرج أبو نعيم من حديث أبي أحمد الزبيري قال: حدثنا سعيد بن محمد المدني عن عمرو بن قتيبة قال: سمعت أبي وكان من أوعية العلم قال: لما حضرت الولادة آمنة قال اللَّه لملائكته: افتحوا أبواب السماء كلها، وأمر اللَّه الملائكة بالحضور، فنزلت تبشر بعضها بعضا، وتطاولت جبال الدنيا، وارتفعت البحار وتناثر أهلها، فلم يبق ملك إلا حضر.
وأخذ الشيطان فغلّ سبعين غلا، وألقي منكوسا في لجة البحر الخضراء، وغلّت الشياطين والمردة، وألبست الشمس يومئذ نورا عظيما، وأقمن على رأسها سبعون ألف حوراء في الهواء ينتظرن ولاده محمد صلّى اللَّه عليه وسلم. وكان قد أذن اللَّه ملك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لأحمد، وأن لا تبقي شجرة إلا حملت، ولا خوف إلا عاد أمنا. فلما ولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم امتلأت الدنيا كلها نورا، وتباشرت الملائكة وضرب في كل سماء عمود من زبرجد، وعمود من ياقوت، وقد استنار به، وهي معروفة في السماء، قد رآها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة أسرى به، قيل: ما ضرب استبشارا بولادتك. وقد أنبت اللَّه ليلة ولد على شاطئ الكوثر سبعين ألف شجرة من المسك الأذفر، وجعلت ثمارها بخور أهل الجنة، وكل أهل السموات يدعون اللَّه بالسلامة. ونكست الأصنام كلها، وأما اللات والعزى فإنّها أخرجا من خزانتهما وهما يقولان: ويح قريش، جاءهم الأمين، جاءهم الصديق، لا تعلم قريش ماذا أصابها. وأما البيت: فسمعوا أياما من جوفه صوتا وهو يقول: الآن يرد عليّ نوري ... الآن يجيئني زوّاري ... الآن أطهر من أنجاس الجاهلية.. أيتها العزى هلكت. قال: ولم تسكن زلزلة البيت ثلاثة أيام بلياليها، وهذه أول علامة رأت قريش من مولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال كاتبة: هكذا أورد الحافظ أبو نعيم هذا الحديث، وهو من تلفيق القصاص وتنميقهم، وحكى أبو الربيع بن سالم الكلاعي أن تقي بن مخلد ذكر في تفسيره أن إبليس رنّ أربع رنّات: رنّة حين لعن، ورنّة حين أهبط، ورنّة حين ولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ورنّة حين أنزلت فاتحة الكتاب.
وأما ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان
وأما ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان فخرج الحافظ أبو نعيم وأبو بكر البيهقي- والسياق للبيهقي- من حديث علي ابن حرب قال: حدثنا أبو أيوب يعلي بن عمران البجلي، حدثنا مخزوم بن هانئ المخزومي [ (1) ] عن أبيه وأتت عليه خمسون ومائة سنة قال: لما كانت الليلة [ (2) ] التي ولد فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى-[هو كسرى أنوشروان بن قباذ بن فيروز] [ (3) ]- وسقطت منه أربع عشرة شرفة [ (4) ] ، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى المؤبذان. إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها [ (5) ] ، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك [ (6) ] وتصبر عليه تشجعا، ثم رأى أن لا يدخر [ (7) ] ذاك عن وزرائه ومرازبته [حين عيل صبره، فجمعهم] [ (8) ] لبس تاجه، وقعد على سريره، ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيما بعثت لكم؟ قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك بذلك، فبينا هم كذلك إذ أتاه كتاب بخمود نار فارس، فازداد غما إلى غمه، ثم أخبرهم بما هاله، فقال الموبذان: وأنا- أصلح اللَّه الملك- قد رأيت في هذه الليلة، ثم قص عليه رؤياه في الإبل، قال: أي نبي [ (9) ] يكون هذا يا موبذان؟ وكان أعلمهم في أنفسهم، قال: يحدث من [ (10) ] ناحية العرب، فكتب كسرى عند ذلك:
«من ملك الملوك كسرى إلى النعمان بن المنذر، أما بعد فوجه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه» ، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني، فلما قدم عليه قال الملك: ألك علم أخبرته، وإلا دللته على من يعلمه، قال: فأخبره بما رأى. قال: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال: فاذهب إليه فاسأله وائتني بتأويل ما عنده، فنهض عبد المسيح حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه، فلم يجد جوابا، فأنشد عبد المسيح يقول: أصمّ أم يسمع غطريف اليمن ... أم فاد فازلمّ به شأو العنن يا فأصل الخطة أعيت من ومن ... وكاشف الكربة عن وجه غضن أتاك شيخ الحي من آل سنن ... وأمه من آل ذئب بن حجن أزرق بهم الناب صوّار الأذن ... أبيض فضفاض الرداء والبدن رسول قيل العجم يسرى بالرّسن ... لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن تجوب بي الأرض علنداة شزن ... ترفعني وجنا [ (1) ] وتهوي بي وجن حتى أتى عاري الجآجي والقطن ... تلفه في الريح بوعاء الدّمن كأنما حثحث من حضني ثكن [قال] [ (2) ] : ففتح عينيه ثم قال: عبد المسيح، على جمل مسيح، جاء إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، [يا] [ (2) ] عبد المسيح! إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وخمدت نار فارس وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، فنهض عبد المسيح إلى رحله وهو يقول:
شمّر فإنك ماضي الهم شمّير ... لا يفزعنك تفريق وتغيير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم ... فإن ذا الدهر أطوار دهارير [ (1) ] فربّما ربّما أضحوا بمنزلة ... يهاب صولهم [ (2) ] الأسد المهاصير منهم أخو الصرح بهرام وإخوته ... والهرمزان وسابور وسابور والناس أولاد علّات فمن علموا ... أن قد أقلّ فمحقور ومهجور وهم بنو الأم أما إن رأوا نشبا ... فذاك بالغيب محفوظ ومنصور والخير والشّرّ مقرونان في قرن ... فالخير متّبع والشّرّ محذور فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح فقال: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، والباقون إلى أن قتل عثمان رضي اللَّه عنه [ (3) ] .
وأما صرف أصحاب الفيل عن مكة المكرمة
وأما صرف أصحاب الفيل عن مكة المكرمة فقد قال اللَّه جل جلاله في كتابه لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلم- وقريش بأجمعها تسمعه، والعرب شاهدة له، والحرب بينهم راكدة، والتكذيب منهم ظاهر-: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [ (1) ] ، فلولا أن قصة الفيل كانت عندهم كالعيان، وكان العهد قريبا، والأمر مشهورا مستفيضا، لاحتجوا فيه بغاية الاحتجاج، والقوم في غاية العداوة والإرصاد، وفي غاية المباينة والتكذيب، وهم الذين عناهم اللَّه تعالى بقوله: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [ (2) ] ، وقال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [ (3) ] ، وقال: فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ [ (4) ] ، وقال: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ [ (5) ] . قوله: أَلَمْ تَرَ: قال الفراء: ألم تخبر، وقال ابن عباس: ألم تسمع، وهو استفهام معناه التقرير، والخطاب للرسول ولكنه عام، ومعناه: ألم تروا ما فعلت بأصحاب الفيل؟ وكيدهم: هو ما أرادوا من تخريب الكعبة، في تضليل: أي في ذهاب. والمعنى: أنّ كيدهم ضل عما قصدوا له، فلم يصلوا إلى مرادهم. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً: أي وأرسل الرب عليهم، وهذا عطف على معنى أَلَمْ يَجْعَلْ لا على لفظه.
وقال ابن مسعود: الأبابيل: المتفرقة من هاهنا وهاهنا، وتبعه عليه الأخفش. وقال ابن عباس ومجاهد ومقاتل: هي التي يتبع بعضها بعضا. وقال الحسن وطاووس: هي الكثيرة. وقال عطاء وأبو صالح وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج: إنها الجمع بعد الجمع، والأبابيل: جماعات في تفرقة. وقال زيد بن أسلم: هي المختلفة الألوان. وقوله: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، قيل: حجارة من طين، وقال عبد الرحمن بن أبزي [ (1) ] : من سجيل، من السماء، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط. وقيل: من الجحيم، وهي سجين. وقال الزجاج: من سجيل، أي مما يكتب عليهم أن يعذبوا به، وهو مشتق من السجل الّذي هو الكتاب، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ: أي فجعل اللَّه أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب، فرمت به من أسفل ويبس وتفرقت أجزاؤه. وقال عكرمة: فصاروا كالحب إذا أكله الدود فصار أجوف. وقال ابن عباس: المراد به قشر البر، يعني الغلاف الّذي يكون فوق حبة البر. ويروى أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما [في] جوفه، فيبقى كقشر الحنطة إذا خرجت منه الحبة. ثم قال تعالى لِإِيلافِ قُرَيْشٍ [ (2) ] ، أي فعل ذلك ليؤلف قريشا رحلتي
الشتاء والصيف اللتين بهما تعيّشهم ومقامهم بمكة، تقول: ألفت موضع كذا إذا لزمته وآلفنيه كما تقول: لزمت موضع كذا وألزمنيه اللَّه. وكرر لإيلاف كما تقول: أعطيتك المال لصيانة وجهك صيانته عن كل الناس، فيكرر الكلام للتوكيد. ثم أمرهم بالشكر فقال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ [ (1) ] في هذا الموضع الجدب من الجوع، وَآمَنَهُمْ فيه والناس يتخطفون حوله مِنْ خَوْفٍ وقال أبو نعيم: وقصة أصحاب الفيل من أشهر القصص، قد نطق القرآن بها [ (2) ] ، ورويت الأشعار فيها [ (3) ] ، ولم يختلف أحد فيها، لا مشرك ولا موحد، وصارت هذه القصة في جملة القصص التي لا يمكن إنكارها، وذلك في العام الّذي ولد فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فدل ظاهر الحال على أن صرف اللَّه تعالى أصحاب الفيل عن قصدهم في تخريب الكعبة دلالة على تقوية أمر الحج، وتأييد لمن [هو] قائم به، ويدعي أنه شريعة له، فصار أمر الفيل لهذا المعنى بشارة بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وتحقيقا لشريعته، وتأييدا لدعوته وللَّه الحمد.
وكان مولده صلى الله عليه وسلم عام الفيل
وكان مولده صلّى اللَّه عليه وسلم عام الفيل وكان مبعثه بعد الفيل بأربعين سنة، حتى أن قباث بن أشيم [ (1) ] وعائشة رضي اللَّه تعالى عنهم يذكرون من أمر الفيل وسائقه وقائده، فذكروا من أمر حديث محمد ابن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا زكريا بن يحيى الكنائي، حدثنا محمد بن فضيل عن عبد اللَّه بن سعيد بن أبي سعيد عن جده قال: دخل قباث بن أشيم أخو بني المليح على مروان بن الحكم- وقباث يومئذ أكبر العرب- فقال له مروان: أنت أكبر أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أكبر مني وأنا أقدم منه بعشرين سنة، قال: فما أبعد ذكرك؟ قال: أذكر حتى الفيل [ (2) ] . ومن حديث أبي الحويرث قال: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الليثي: يا قباث! أنت أكبر أم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: رسول اللَّه أكبر مني وأنا أسن منه، ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عام الفيل، وتنبأ على رأس أربعين من الفيل، ووقفت بي أمي على روث الفيل محيلا أعقله [ (2) ] . ومن طريق محمد بن إسحاق عن عبد المطلب بن عبد اللَّه بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: ولدت أنا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عام الفيل، وسأل عثمان بن عفان
رضي اللَّه عنه قباث بن أشيم أخا بني عمرو بن ليث: أنت أكبر أم رسول اللَّه؟ قال: رسول اللَّه أكبر مني وأنا أقدم منه في الميلاد، ورأيت خذق [ (1) ] الفيل أخضر محيلا [ (2) ] [بعده بعام، ورأيت أمية بن عبد شمس شيخا كبيرا يقوده- إما قال ابنه أو قال غلام له- فقال: يا قباث، أنت أعلم وما تقول] [ (3) ] . ومن حديث محمد بن عمر الواقدي قال: حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة عن يزيد بن الهاد عن أبي بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: رأيت قائد الفيل [وسائسه] [ (4) ] بمكة أعميين مقعدين يستطعمان [الناس] [ (5) ] . ومن حديث جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنه قال: أقبل أصحاب الفيل حتى لما أن دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا؟ ما عناك إلينا؟ ألا بعثت إلينا فنأتيك بكل ما أردت، فقال: أخبرت بهذا البيت الّذي لا يدخله أحد إلا أمن فجئت أخيف أهله، فقال: إنا نأتيك بكل شيء تريده فارجع، فأبى إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه. وتخلف عبد المطلب، وقام على جبل فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله، ثم قال: اللَّهمّ إن لكل إله حلالا فامنع حلالك، لا يغلبن غدا محالهم محالك، اللَّهمّ إن فعلت فأمر ما بدا لك. فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل، التي قال اللَّه تعالى: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال: فجعل الفيل يعج عجيجا فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ. ومن حديث عبد اللَّه بن وهب [ (6) ] قال: أخبرني ابن لهيعة عن عقيل بن خالد
عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس أنه قال: كان من حديث أصحاب الفيل أن أبرهة الأشرم الحبشي كان ملك اليمن، وأن ابن ابنته أكشوم بن الصباح الحميري خرج حاجا. فلما انصرف من مكة نزل بكنيسة بنجران فعدا [ (1) ] عليها ناس من أهل مكة، فأخذوا ما فيها من الحلي، وأخذوا متاع أكشوم، فانصرف إلى جده الحبشي مغضبا، فلما ذكر له ما لقي بمكة من أهلها تألّي [ (2) ] أن يهدم البيت، فبعث رجلا من أصحابه يقال له: شمر بن مصفود على عشرين ألفا من خولان ونفرا من الأشعريين، فساروا حتى نزلوا بأرض خثعم، فتنحت خثعم عن طريقهم، فكلمهم التّقتال [الخثعميّ] [ (3) ]- وكان يعرف كلام الحبشة- فقال: [هذان على شمران قوسي، على أكلت وسهمي، قحافة] [ (4) ] وأنا جار لك. فسار معهم وأحبه، فقال له تقتال: إني أعلم الناس بأرض العرب، وأهداه بطريقهم، فطفق في مسيرهم بجيشها الأرض ذات المهمة [ (5) ] حتى تقطعت أعناقهم عطشا، فلما دنا من الطائف خرج إليهم ناس من بني جشم ونصر وثقيف، فقالوا: ما حاجتك إلى طريقنا، وإنما هي قرية صغيرة، ولكنا ندلك على بيت بمكة يعبد، وهو حرز لمن لجأ إليه من ملكه، ثم له ملك العرب، فعليك به ودعنا عنك. فأتاه حتى إذا بلغ المغمّس [ (6) ] ، وجد إبلا لعبد المطلب بن هاشم، مائة ناقة مقلدة فأنهبها بين أصحابه، فلما بلغ ذلك عبد المطلب جاءه- وكان جميلا وكان
له صديق من أهل اليمن يقال له ذو عمير [ (1) ]- فسأله أن يرد إليه إبله، فقال: إني لا أطيق ذلك، ولكن إن شئت أدخلتك على الملك، فقال عبد المطلب: فافعل، فأدخله عليه فقال: إن لي إليك حاجة، قال: قضيت كل حاجة جئت تطلبها، قال: أنا في بلد حرام، وفي سبيل بين أرض العرب وبين أرض العجم، وكانت لي مائة ناقة مقلدة ترعى هذا الوادي بين مكة وتهامة، عليها نمير [ (2) ] أهلنا ونخرج إلى تجارتنا ونتحمل من عدونا، عدا عليها جيشك فأخذوها، وليس مثلك يظلم من جاوره، فالتفت الحبشيّ إلى ذي عمرو ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجبا، فقال: لو سألني كل شيء أحرزه أعطيته إياه أما إبلك فقد رددتها عليك، ومثلها، فما يمنعك أن تكلمني في بيتكم هذا وبلدكم هذا؟ فقال له عبد المطلب: أما بيتنا هذا وبلدنا هذا فإن لهما ربا إن شاء أن يمنعهما منعهما، ولكني [إنما] [ (3) ] أكلمك في مالي، فأمر عند ذلك بالرحيل، وتألّى ليهدمنّ الكعبة مكة [ (4) ] ، فانصرف عبد المطلب وقد سمع تأليّه في مكة وقد هرب أهلها، فليس بها إلا عبد المطلب وأهل بيته، فأخبرهم بذلك واندفع يرتجز وهو يطوف حول الكعبة: لاهم [ (5) ] إن المرء يمنع أهله فامنع حلالك [ (6) ] ... لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا [ (7) ] محالك [ (8) ] فإن فعلت فربما أولا فأمر ما بدا لك ... فإن فعلت فإنه أمر يتم به فعالك
غدوا بجموعهم والفيل كي يبتزوا عيالك ... فإن تركتهم وكعبتنا فوا حزنا هنالك فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك [ (1) ] وقال [عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ [ (2) ] : لاهمّ أخز الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة ذات التقليد [ (3) ] بين حراء وثبير فالبيد ... أخفر به رب وأنت المحمود [ (4) ] قد أجمعوا على أن لا يكون عيد ... ويهدموا البيت الحرام المعمود والمروتين والمشاعر السود ... فضحها إلى طماطم سود [ (5) ] فلما توجه شمر [ (6) ] وأصحابه بالفيل- وقد أجمعوا ما أجمعوا- طفق كلما وجهوه أناخ وبرك، وإذا صرفوه عنها من حيث أتى أسرع المسير، فلم يزل كذلك حتى غشيهم الليل. وخرجت عليهم طير من البحر لها خراطيم كأنها البلس [ (7) ] ، شبيهة بالوطاويط حمر وسود، فلما رأوها أشفقوا منها وسقط في أذرعهم، فقال شمر: ما يعجبكم من طير خمال جنبها الليل إلى مساكنها، فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق، تقع في [ (8) ] رأس الرجل فتخرج من جوفه.
وكان فيهم أخوان من كندة، أما أحدهما ففارق القوم قبل ذلك، وأما الآخر فلحق بأخيه حين رأى ما رأى، فبينا هو يحدثه عنها إذ رأى طيرا منها فقال: كان هذا منها، فدنا منه الطائر فقذفه بحجر فمات، فقال أخوه الناجي منها: إنك لو رأيت ولن ترانا ... لدى جنب المغمس ما لقينا خشيت اللَّه لمّا بثّ طيرا ... بظل سحابة مرت علينا وما تواكلهم يدعو بحق ... كأن قد كان للحبشان دينا فلما أصبحوا الغد أصبح عبد المطلب ومن معه على جبالهم فلم يروا أحدا غشيهم، فبعث ابنه عبد اللَّه على فرس له سريع ينظر ما لقوا، فإذا القوم مشدّخون [ (1) ] جميعا فرجع يرفع فرسه كاشفا عن فخذه، فلما رأى ذلك أبوه قال: إن ابني أفرس العرب، وما كشف عن فخذه إلا بشيرا ونذيرا. فلما دنا من ناديهم بحيث يسمعهم الصوت، قالوا: ما وراءك؟ قال: هلكوا جميعا، فخرج عبد المطلب وأصحابه فأخذوا أموالهم، فكانت أموال بني عبد المطلب من ذلك المال. وقال عبد المطلب: أأنت منعت الجيش والأفيالا ... وقد رعوا بمكة الأجبالا؟ وقد خشينا منهم القتالا ... وكلّ أمر لهم معضالا شكرا وحمدا لك ذا الجلالا وقال عكرمة بن عامر العبدري: اللَّه ربي وولي الأنفس ... أنت حبست الفيل بالمغمّس فانصرف شمر بن مفصود هاربا وحده، وكان أول منزل نزله سقطت يده اليمنى، ثم نزل منزلا آخر فسقطت رجله [ (2) ] اليسرى، فأتى منزله وقومه وهو حينئذ لا أعضاء له، فأخبرهم بالخبر وقصّ عليهم ما لقيت جيوشه، ثم فاضت نفسه وهم ينظرون.
قال أبو نعيم [ (1) ] : رويت قصة أصحاب الفيل من وجوه، وسياق عثمان بن المغيرة أتمها وأحسنها شرحا، وما ذكر أن عبد المطلب بعث بابنه عبد اللَّه فهو وهم من بعض النقلة، لأن الزهري ذكر أن عبد اللَّه بن عبد المطلب كان موته عام الفيل، وأن الحرث بن عبد المطلب كان أكبر ولد عبد المطلب، وكان هو الّذي بعثه على فرسه لينظر ما لقي القوم [ (2) ] . وخرج من حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: كان من شأن الفيل أن أبرهة الأشرم ملك الحبشة بعث مع أبي يكسوم [ (3) ] فبعث فيهم يريد أن يغزو الكعبة فيهدمها، وساكنها يومئذ قريش، وإن أبا يكسوم أقبل بالفيل ومن معه، حتى إذا أبصر الحرم ودنوا منه، حبس اللَّه الفيل بذي المغمّس [ (4) ] ، فكان إذا ضربوه ليدخل مكة أبي عليهم، وإذا تركوه وجّه راجعا إلى وجهه الّذي جاء منه، فرجعوا ذلك العام، حتى إذا كان [بعد ذلك بعامين خرج رجال من] العرب حتى قدموا على أبرهة فعجزوه في إرساله أول مرة، وأمروه أن يبعث الثانية، فبعث الأسود بن مفصود، وبعث معه بكتيبة عظيمة معها الفيل، حتى إذا دنوا من الحرم ونظروا إليه، بعث اللَّه عليهم بقدرته طيرا أبابيل خرجت من البحر. والأبابيل: من أفواج الطير، وزعموا- واللَّه أعلم- أن لها خراطيم أمثال البلس [ (5) ] ، فلما بلغ ذلك قريشا قام رجال منهم فاستقبلوا الكعبة يدعون اللَّه على الفيل ومن معه، فكان ممن قام في ذلك اليوم عبد المطلب بن هاشم، وعكرمة بن عامر العبدري، فقال عبد المطلب: لاهم فأخز الأسود بن مفصود ... ،
الأبيات [ (1) ] ، وقال أيضا: فلم أسمع بأرض من رجال ... أرادوا الغزو ينتهكوا حرامك لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك ... لا يغلبن صليبهم ومحالهم فيه محالك وإن تركتهم وكعبتنا فشأ ما بدا لك وقال عكرمة بن عامر حين أهلكوا: أنت منعت الحبش والأفيالا ... وقد رعوا بمكة الأجبالا وقد خشينا منهم القتالا ... كل كريم ماجد بطالا [ (2) ] يمشي يجر المجد والأذيالا ... ولا يبالي جنة المختالا ثم قلبتهم بشر حالا ... وقد لقوا أمرا له مفصالا وكان بين غزوة أصحاب الفيل الأخيرة وبين الفجار أربعون سنة، وإنما سمي الفجار لحرب كانت بين بني كنانة وقيس استحلوا فيها الحرمات وفجروا فيها، وكان بين الفجار وبين بنيان الكعبة خمس عشرة سنة [ (3) ] . وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد اللَّه بن كعب مولى آل عثمان قال في حديث ذكره: خرج أبرهة وهو يكسوم وهو الأشرم، فخرج بمن أراد الحبشة، وقوم من أهل اليمن كثير، وكان فيمن خرج من أهل اليمن ملك حمير ذو نفر، واستعمل على اليمن ابنه يكسوم، فجعل لا يمر بحيّ من العرب إلا استتبعهم فتبعوه، فأقبل في جمع كثير من الحبشة، وحمير، ومن كندة، حتى مرّ ببلاد خثعم، فخرج إليه نفيل بن حبيب الخثعميّ فقال: يميني على شهران وشمالي على ناهس (بطنين من خثعم) . قال الواقدي: فحدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرج أبرهة
حتى انتهى إلى بلاد خثعم، فخرج إليه نفيل بن حبيب الخثعميّ في شهران وناهس، ومن أفناء العرب، فاعترضوا ليقاتلوهم فهزمهم أبرهة، وقتل من قتل، وأخذ نفيل أسيرا فأمر أن يضرب عنقه، فقال نفيل: أيها الملك! لا تقتلني، فإنّي أدلّ العرب، وعلى شهران وناهس بالطاعة، فاستحياه، وخرج معه نفيل دليلا ومعه ذو نفر دليلا. فلما افترقت الطريقان، طريق إلى مكة وطريق إلى الطائف تآمر العربيان ومن معهما فقالوا: يذهبون إلى بيت اللَّه الّذي ليس له في الأرض بيت غيره لهدمه؟! ألفتوه واشغلوه بثقيف عسى أن يجد عندهم ما يكره، فمالا به إلى الطائف. قال الواقدي: فحدثني محمد بن أبي سعد الثقفي، عن يعلي عن عطاء عن وكيع بن عدس، عن عمير أبي رزين [ (1) ] قال: كنا نرعى غنما بين دجنا إلى الطائف، فأتى بالطائف مع الشمس ما شعرنا ولا شعر من بها إلا بالأشرم أبرهة قد جاءهم ضحى، معهم الفيلة والدّهم من الناس. فخرج إليه أبو مسعود في رجال من ثقيف فقالوا: أيها الملك! خرجت لأمر تريده، فامض الّذي تريد، أمامك ما عندك مكان يحج إليه، إنما البيت الّذي تحج إليه العرب بمكة، وإنما أتيت من الذين معك، فدعا ذا نفر ونفيلا فقال: قدمتما بي إلى هاهنا؟ فقالا: هؤلاء عدو وأولئك عدو، فقال: إني لم أرد هؤلاء، إنما أردت أن أهدم البيت الّذي يحج إليه العرب وأغيظهم مما صنعوا بكنيستي. قال: فحدثني زيد بن أسلم عن أبيه، قال: خرج إليه مسعود بن معتب. قال الواقدي: هذا أثبت من الّذي يقول: أبو مسعود، قال: ما أنت؟ قال: مسعود منك، ونحن ندلك على البيت الّذي تعبده العرب، فأرشده إلى مكة، وبعث أبا رغال يدله على طريق مكة، فأنزله أبو رغال بالمغمّس، فمات أبو رغال: بالمغمّس، فقبره هناك ترجمه العرب [ (2) ] . قال الواقدي: فحدثني عبد اللَّه بن عثمان عن أبي سليمان عن أبيه قال: خرج
أبرهة من اليمن بذي نفر ونفيل بن حبيب فعدلا به إلى الطائف وقالا: لو أتينا مكة هؤلاء وراء ظهورنا فخشينا أن نؤتي من خلفك، فأردنا أن تبدأ بهم حتى لا يكون من ورائك أحد، فصدقهما ثم انصرف عن الطائف. قال الواقدي: وأقبل أبرهة حتى إذا كان عن يسار عرفة، ودنا من الحرم عسكر هناك، وكان أبرهة قد بعث على مقدمته رجلا من الحبشة يقال له: الأسود [ (1) ] ، على خيل يحشر عليه أموال أهل مكة، فدخل الحرم فجمع سوائم ترعى في الحرم فضمها إليه، فأصاب لعبد المطلب مائتي بعير ثم انصرف إلى معسكره فأخبره الخبر، وأنه لم يصدّه أحد عن أخذها. فبعث أبرهة حناطة الحميريّ فقال: سل عن أشرف أهلها فأخبره بأني لم آت لقتال أحد، إنما جئت لهدم هذا البيت لما نذرت وأوحيت على نفسي لما صنعت العرب بكنيستي ثم أنصرف، فإن صددتمونا عنه قاتلناكم، وإن تركتمونا هدمناه وأنصرف عنكم. فقال عبد المطلب: ما عندنا له قتال، وما لنا به طاقة ولا يدان، وسنخلي بينه وبين ما يريد، فإن لهذا البيت ربا مانعه. قال له حناطة: انطلق معي إليه، فركب عبد المطلب على فرس وركب معه ابنه الحرث، فلما دخل عسكره جاء حناطة إلى أبرهة فأخبره بما قال عبد المطلب، وأنه دخل عسكره، فقال له أبرهة: أخبرني عن بيتهم، أي شيء بناؤه؟ قال: حجارة منضودة، فعجب أبرهة من ذلك. وكان عبد المطلب حين دخل العسكر سأل عن ذي نفر الحميري- وكان له صديقا- فدخل عليه فقال: هل عندك من غنى؟ قال: فيما ذا؟ قال: في إبلي التي أخذت، قال: وما عندي من الغنى وأنا أسير في يد رجل عجمي لا أدري
متى هو قاتلي، ولكن سأكلم لك أنيسا سائس الفيل محمود وإنه صديقي، قال عبد المطلب: فذلك. فقال: هذا سيد قريش الّذي يحمل على الجياد ويهب الأموال ويطعم في السهل، ما هبّت الريح والوحش والطير، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فأحب أن تكلمه حتى يردها عليه. قال: فذكر ذلك أنيس لأبرهة فقال له: قد أتاك سيد قريش الّذي يحمل على الجياد، وقد طلبه الملك قبل ذلك فأرسل إليه حناطة، فوافى عبد المطلب باب الملك وعنده حناطة وأنيس فقال أنيس: هذا صاحب عير مكة، وهو يطعم في السهل والجبل، [ما هبت الريح] والوحش والطير، وقال حناطة: هو سيد أهل مكة فأذن له، فدخل- وكان عبد المطلب من أوسم الناس وجها وأجلهم- فلما رآه أبرهة أجلّه واستبشر برؤيته، وأبرهة على سرير فنزل عنه، وكره أن يكون تحته، وكره أن يجلسه على السرير فيراه الحبشة جالسا معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة فجلس على بساط وأجلسه إلى جنبه ورحّب به وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أن تردّ عليّ مائتي بعير أصابوها إليّ، فلما قال ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد عجبت حين رأيتك لهيبتك مع ما ذكر لي من شرفك وفعالك وتقدمك على أهل بيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني في مائتي بعير قد غصبنا [منك] ، وتترك ما هو دينك ودين آبائك وعزك وشرفك، وقد جئت لأهدمه [و] لا تكلمني فيه. قال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وإن للبيت الّذي تريد ربّا سيمنعه. فقال أبرهة: ما كان سيمتنع مني. قال عبد المطلب: أنت وذاك. قال: ما أرى القوم يصدقون أنّا نصل إليه، وسيرون نصل إليه أم لا، فإنّي لا أرى أحدا همّ بشيء من هذا قبلي فيقولون قد حيل بينه وبين ذلك. قال أنت وذاك، قد خرجنا عنه وما دونه أحد يصدك عنه، فأمر بإبله فردت عليه.
قال: ولما نزل المغمّس جاء مكة أول من جاء بنزوله ابو قحافة ومعمر بن عثمان وعمير بن جدعان، كانوا في إبل عبد اللَّه بن جدعان هناك، فأخبروا الناس، فحف الناس ولحقوا برءوس الجبال وبالشعاب وبطون الأودية. قال الواقدي: وحدثني سيف بن سليمان قال: سمعت مجاهدا يقول: لما ولّى عبد المطلب من عند أبرهة منصرفا، أمر أبرهة أصحابه بالتهيؤ والتعبئة لإقحامهم الحرم، فعبئوا كتيبة القتال، وصفوا الصفوف، وقدّموا الفيلة كما كانوا يصنعون في الحروب، وقدم صاحب مقدمته الأسود بن مفصود، ووقف أبرهة كما كان يقوم في الحروب، معه وجوه أصحابه قد حفوا به من وجوه الحبشة والعرب ممن قد سار به، وقد أخذت صفوف أقطار الأرض بعضها خلف بعض. وكان الفيل إذا حملوا لم يسر ويحرن كحران الدابة ويكرّ كرّ الناس، حتى بلغ أبرهة ذلك، فجاء وهو في أصحابه حتى وقف على دابته فجعل يصيح بسائس الفيل فيضربه، فإذا ألح عليه ربض وصخّ [ (1) ] ، فينخس بالرمح ولا ينثني. قال: وحدثني عبد اللَّه بن عمرو بن زهير عن أبيه، عن عبد اللَّه بن خراش الكعبي عن أبيه قال: أقبل عبد المطلب يومئذ وأقبل أصحاب الفيل، فلما رأى عبد المطلب ما هموا به سار سريعا على فرسه حتى أوفى على حراء، ومعه عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم ومطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومسعود بن عمرو الثقفي، ينظرون كلما حمل الحبشة الفيل على الحرم ربض، فيقبل الحبشة بحرابهم ورماحهم وعصيهم يطعنونه بها فيقوم، فإذا حملوه على الحرم برك وصاح، وإذا وجهوه من حيث جاء ولّى وله وجيف [ (2) ] ، وأي وجه شاءوا طاوعهم ما لم يحملوه على الحرم. قالوا: فبينا عبد المطلب وأصحابه على حراء- وهم يحملون الفيل على الحرم-
ويأبى، إذ قال عمرو بن عائذ لعبد المطلب: انظر! هل ترى شيئا؟ قال: إني لأرى طيرا يأتي من قبل البحر قطعا قطعا، وهي أصغر من الحمام، سود الرءوس، حمر الأرجل والمناقير. قال عمرو: فأقبلت حتى حلقت على القوم، مع كل طائر ثلاثة أحجار: في منقاره حجر، وفي رجليه حجران، وقال عبد المطلب لمسعود: هل ترى شيئا؟ قال: نعم، أرى سوادا كثيرا من قبل البحر كثيفا، قال عبد المطلب: هو طائر، قال مسعود: صدقت، قد واللَّه عرفت حين حلوا بنا أن لو أرادوا الدية لقدروا عليها، فلم أزل أبعث الأشرم وأصرفه حتى ولى إلى ما هاهنا، وعرفت أنه لا يصل إلى البيت حتى لا يعذب، وهذا واللَّه عذابه. قال الواقدي: وحدثني قيس بن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد ابن عمير قال: لما أراد اللَّه أن يهلك أصحاب الفيل، أرسل عليهم طيرا أنشئت من البحر كأنها الخطاطيف، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار مجزعة [ (1) ] : حجر في منقارة وحجران في رجليه، فجاءت حتى صفّت على رءوسهم، فصاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما وقع [ (2) ] حجر على رجل منهم إلا خرج من الجانب الآخر، إذا وقع على رأسه خرج من دبره [ (3) ] [وإذا وقع على جسده خرج من الجانب الآخر، وبعث اللَّه ريحا شديدة فضربت الحجارة فزادت شدة فأهلكوا] .
وذكر عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) : عن أبي عاصم أخبرنا عمرو ابن سعيد قال: سمعت مشيختنا يقولون: حمام مكة من بقية طير أبابيل. قال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: الحجارة مثل البندق، وبها نضح حمرة مختمه، مع كل طائر ثلاثة أحجار، حجران في رجليه وحجر في منقاره، حلقت عليهم من السماء ثم أرسلت تلك الحجارة عليهم فلم تعد عسكرهم. وحدثني عمر بن طلحة عن جونة بن عبد عن أمية بن عبد الرحمن قال: سمعت نوفل بن معاوية الديليّ يقول: رأيت الحصا الّذي رمى به أصحاب الفيل، حصا مثل الحمص وأكبر من العدس، حمر مختمة، كأنها جزع ظفار [ (1) ] . وحدثني ابن أبي سبرة عن عمر بن عبد اللَّه العبسيّ قال: قال حكيم بن حزام: كان في المقدار بين الحمصة والعدسة، حصاته نضح أحمر، مختم كالجزع، فلولا أنه عذب به قوم [لأخذت] منه ما أتخذه في مسجدي، أسلمت وهو بمكة كثير في بيوتكم. وحدثنا سعيد بن حسان عن عطاء بن أبي رباح عن حبيب بن ميسرة، عن أم كرز الخزاعية قالت: رأيت الحجارة التي رمي بها أصحاب الفيل حمرا مختمة كأنها جزع ظفار، وحدثني ابن أبي سبرة عن عمر بن عبد اللَّه العيشي عن ابن كعب القرظي قال: جاءوا بفيلين، فأما محمود فربض، وأما الآخر فجثع فحصب. وحدثني رباح بن مسلم عن من سمع وهب بن منبه قال: كانت الفيلة معهم، فكان محمود- وهو فيل الملك- إذا تقدم يربض لتقتدي به الفيلة فجثع منها فيل فحصب فرجعت الفيلة. وحدثني سيف بن سليمان عن مجاهد قال: كان فيل حصب بالمغمّس. وحدثني عبد اللَّه بن عمرو بن زهير الكعبي عن أبي مالك الحميري عن عطاء
ابن يسار قال: حدثني من كلّم قائد الفيل وسائسه قال لهما: أخبراني خبر الفيل. قالا: أقبلنا وهو فيل الملك النجاشي الأكبر، لم يسر به قط إلى جمع إلا هزمهم، فاخترت أنا وصاحبي هذا لجلدنا وحرفتنا بسياسة الفيل، قال: فلما دنونا من الحرم جعلنا كلما وجهناه إلى الحرم يربض، فتارة نضربه فينهض، وتارة نضربه حين برك ثم نتركه، فلما أتينا إلى المغمّس ربض فلم يقم، وطلع العذاب. فقلت: نجا غيركما؟ قالا: نعم، ليس كلهم أصاب العذاب، وولى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده، كلما دخلوا أرضا وقع منه عضو، حتى انتهى إلى بلاد خثعم وليس عليه غير رأسه فمات. وحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: أفلت نفيل والحميري. قال الواقدي: وسمعت أنه لما ولى أبرهة مدبرا جعل نفيل يقول: أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب [ (1) ] وذكر ابن الكلبي في (الجمهرة) أن ضبّة وعمرا وحميسا أبناء أدّ بن طائحة ابن إلياس بن مضر شهدوا الفيل فهلكوا، وأفلت منهم ستون رجلا، إذا ولد مولود مات منهم رجل. قال الواقدي: وحدثني حزام بن هشام عن أبيه قال: لما رد اللَّه الحبشة عن البيت أعظمت قريشا وقالوا: هؤلاء أهل اللَّه لما كفاهم مؤنة عددهم، وجعلوا يقولون في ذلك الأشعار، وخرجت الحبشة يسقطون في كل طريق ويهلكون في كل منهل. وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أنملة أنملة، كلما سقطت أنملة اتبعتها مدة ودم وقيح، حتى قدموا صنعاء وهو مثل فرخ طير، فمات حين انصدع صدره عن قلبه فيما يقولون [ (2) ] .
وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث قال: دخلت مع أبي على فاطمة بنت المنذر فحدثتنا أحاديث، وكان فيما حدثت أن قالت أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها تقول: لما قدم أصحاب الفيل بالفيل وأصابهم ما أصابهم، دخل سائقه وقائده مكة، فلم يزالا بها حتى رأيتهما قبل أن ينبأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعميين مقعدين يستطعمان الناس، يكونان حيث يذبح المشركون ذبائحهم، فقال لها: أي أين كانوا يذبحون؟ قالت: على إساف ونائله [ (1) ] . وقد ذكر محمد بن إسحاق أن سبب غزو أبرهة البيت أنه بني القلّيس بصنعاء، فبني كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض، ثم كتب إلى النجاشي ملك الحبشة: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبق مثلها لمن كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حاج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة غضب رجل [من] [ (2) ] النّسأة (أحد بني فقيم بن علي بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن مالك ابن كنانة بن خزيمة) فخرج حتى أتى القليس فقعد فيها (يعني سلح) [ (3) ] ، ثم خرج فلحق بأرضه فأخبر أبرهة بذلك فقال: من صنع هذا؟ فقيل له: صنع هذا رجل من العرب أهل هذا البيت الّذي يحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك: «أصرف إليه حاج العرب» ، غضب فجاء فقعد فيها، أي لست لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه، وتجهزت ثم أمر الحبشة فتهيأت ثم ساروا، وخرج معه بالفيل، وسمعت بذلك العرب فأعظموه وفظعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم لما رأوا أنه يريد هدم الكعبة بيت اللَّه الحرام. فخرج إليه رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له: ذو نفر فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت اللَّه، فأجابه
من أجابه إلى ذلك، ثم عرض له فقاتله، فهزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ فأتي به أسيرا، فلما أراد قتله قال له: لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي خيرا لك. فتركه وحبسه عنده، ثم مضى حتى كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب في قتلى خثعم شهران وناهس [ (1) ] ومن تبعه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له أسيرا، فخلى سبيله وخرج معه يدله حتى [إذا] [ (2) ] مرّ بالطائف خرج ابنه مسعود بن معتب [ (3) ] فتجاوز عنهم، وبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة حتى أنزله المغمّس مات أبو رغال، وبعث أبرهة الأسود بن مسعود على خيل إلى مكة، فساق أموال أهل تهامة، وذكر القصة بمعنى ما تقدم. وخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لما أرسل اللَّه على أصحاب الفيل جعل لا يقع حجر على واحد منهم إلا تفطّر جسده، فذلك أول ما كان الجدري، فأرسل اللَّه سيلا فذهب بهم [ (4) ] فألقاهم في البحر. وعن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصّفاح [ (5) ] ، فأتاهم عبد المطلب جد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إن هذا بيت اللَّه لم يسلط عليه أحد، قالوا: لا نرجع حتى نهدمه، فكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر. فدعا اللَّه بالطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سودا عليها الطين، فلما حاذتهم صفّت عليهم ثم رمتهم، فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه. وقال قيس عن حصين بن عبد الرحمن في قوله: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً
أبابيل [ (1) ] قال: طير خرجت من قبل البحر، لها رءوس مثل رءوس السباع ترميهم، فمن أصابت جدر [ (2) ] ، وذلك أول ما كان الجدري، لم ير قبله. وقد روى عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين عليهم السلام: أن قدوم الفيل للنصف من المحرم، وبين الفيل وبين مولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمس وخمسون ليلة [ (3) ] .
وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم
وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلّى اللَّه عليه وسلم فقد روى محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي الجهم [ (1) ] ، عن عبد اللَّه بن جعفر [بن أبي طالب] [ (2) ] عن حليمة بنت الحرث السعدية [ (3) ] قالت: أصابتنا سنة شهباء [ (4) ] لم تبق لنا شيئا، فخرجت مع نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء [ (5) ] بمكة على أتان [ (6) ] لي قمراء [ (7) ] ، فلم تبق منا امرأة إلا عرض عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فتأباه، وعرض عليّ فأبيته، ذلك أن الظؤورة [ (8) ] إنما كانوا يرجون الخير من قبل الآباء ويقولون: لا أب له وما عسى أن تفعل أمه، فلم تبق منهن امرأة إلا أخذت رضيعا غيري، وحان انصرافهن إلى بلادهن. فقلت لزوجي: لو أخذت ذلك الغلام اليتيم كان أمثل من أن أرجع بغير رضيع، فأتيت أمه فأخذته ثم جئت بعد ذلك، إلى منزلي، فكان لي ابن صغير واللَّه لن ينام من الجوع، فلما ألقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ثدي أقبلا عليه بما شاء من
اللبن حتى روي وروي أخوه وناما، وقام زوجي إلى شارف [ (1) ] لنا واللَّه ما أن تبضّ [ (2) ] بقطرة، فلما وقعت يده على ضرعها فإذا هي حافل [ (3) ] ، فحلب ثم أتاني فقال: واللَّه يا ابنة أبي ذؤيب ما أظن هذه النسمة التي أخذتها إلا مباركة! وأخبرني بخبر الشارف وأخبرته بخبر ثديي وما رأيت منهما. ثم أصبحنا فغدونا، فكنت على أتان قمراء، واللَّه ما أن تلحق الحمر ضعفا، فلما أن وضعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليها جعلت تتقدم الركب فيقولون: واللَّه إن لأتانك هذه لشأنا. قالت: فقدمنا بلادنا- بلاد سعد بن بكر- لا نتعرف من اللَّه إلا البركة، حتى إن كان راعينا لينصرف بأغنامنا حفلا وتأتي أغنام قومنا ما أن تبضّ بقطرة، فيقولون لرعيانهم: ويحكم! ارعوا حيث يرعى راعي ابنة أبي ذؤيب، فلم يزل كذلك. فبينما هما يوما يلعبان في بهم لنا وراء بيوتنا، إذ جاء أخوه يسعى فقال: ذاك أخي القرشي قد قتل، فانطلقت وأبوه فاستقبلنا وهو منتقع اللون، فجعلت أضمه إليّ مرة وأبوه مرة ويقول: ما شأنك؟ فيقول: لا أدري، إلا أنه أتاني رجلان فشقّا بطني وساطها [ (4) ] ، فقال أبوه: ما أظن هذا الغلام إلا قد أصيب، فبادرى به أهله من قبل أن يتفاقم به الأمر. عند ذلك لم يكن له همة إلا أن أتيت مكة [فأتيت به أمه، فقلت: أنا ظئر ابني هذا، وقد فصلته، وخشيت أن تقع عليه العاهة فاقبليه، فقالت: مالك زاهدة فيه؟ وقد كنت قبل اليوم تسأليني أن أتركه عندك لعلك خفت على [ابني] [ (5) ] الشيطان- أو كلام هذا معناه- ألا أخبرك عني وعنه؟ إني رأيت حيث ولدته
أنه خرج مني نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام [ (1) ] . هذا لفظ زياد ابن عبد اللَّه البكائي عن ابن إسحاق. وفي رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن ابن إسحاق، قالت أمه: إن لابني هذا لشأنا! ألا أحدثك عنه؟ فما زالت بنا حتى أخبرتنا خبره، قالت: إني حملت به، فلم أحمل حملا قط كان أخف منه ولا أعظم بركة منه، إني لقد رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت له أعناق الإبل ببصرى، ثم وضعته، فما وقع كما يقع الصبيان، وقع واضعا يده بالأرض رافعا رأسه إلى السماء، وألحقا بشأنكما [ (2) ] .
وقال الواقدي: وقدم مكة عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضعاء، وخرجت حليمة بنت عبد اللَّه بن الحرث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة ابن فصية بن نصر بن بكر بن هوازن، واسم أبيه الّذي أرضعه: الحرث بن العزى ابن رفاعة بن ملان [بن ناصرة] [ (1) ] بن فصية بن سعد بن بكر بن هوازن، وإخوته عبد اللَّه بن الحرث، وحذافة بنت الحرث- وهي الشيماء- وكانت الشيماء هي تحضنه مع أمها وتوركه. وخرجوا في سنة حمراء [ (2) ] ، وخرجت بابنها عبد اللَّه ترضعه، وأتان قمراء تدعى سدرة، وشارف دلقاء لا سنّ لها، يقال لها السمراء، لقوح قد مات سقبها [ (3) ] بالأمس، ليس في ضرعها قطرة لبن قد يبس من العجف [ (4) ] ، وقالت أمه آمنة لظئره حليمة: يا ظئر! سلي عن ابنك فإنه يكون له شأن، فإنه لم يزل يذكر أنه يخرج من ضئضئ عبد المطلب نبي، ولقد حملت فما وجدت له ما تجد النساء من المشقة في الحمل، ولقد أتيت فقيل لي: قد حملت بسيد الأنام، ولقد قيل لي ثلاث ليال: استرضعي ابنك في بني سعد ثم في آل أبي ذؤيب. قالت حليمة: فإن أبا هذا الغلام الّذي في حجري أبو ذؤيب وهو زوجي، فطابت نفس حليمة وسرت بكل ما سمعت، ثم قالت: واللَّه إني لأرجو أن يكون مباركا، فخرجت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى منزلها، فتجد حمارها قد قطعت رسنها فهي
تجول في الدار، وتجد شارفها قائمة تقصع بجرّتها [ (1) ] ، فقالت لزوجها: إن هذا المولود لمبارك! فقال أبوه: قد رأينا بعض بركته. قال: ثم عمد إلى شاتها فحلبها قعبا فسقى حليمة، ثم حلبها قعبا آخر فشرب حتى روى، ولمس ضرعها فإذا هي بعد حافل، فحلب قعبا آخر فحقنه في سقاء [ (2) ] له ثم حدجوا [ (3) ] أتانها فركبتها حليمة، وركب الحرث شارفهم، وحملت حليمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين يديها على الأتان فطلعا على صواحبها بوادي السّرر مرتعات وهما يتواهقان في السير، فقلن: هي حليمة وزوجها، ثم قلن: هذا حمار أنجى من حمارتها، وهذا بعير أنجى من بعيرها، وما يقدران على أن يضبطا رءوسهما حتى نزلت معهن فقلن: يا حليمة! ماذا صنعت؟ قالت: أخذت واللَّه خير مولود رأيته قط وأعظمه بركة، فقالت النسوة: أهو ابن عبد المطلب؟ قالت: نعم، وأخبرتهن بما قالت آمنة في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما أمرتها أن تسأل عنه، وما رأت حليمة من إقبال درّها ودرّ لقوحها وما رأوا من نجاء الأتان واللقحة، فقالت حليمة: فما رحلنا من منزلنا حتى رأيت الحسد في بعض نسائنا [فيمرون بسنح [ (4) ] من هذيل على عراف كبير، فقالت النسوة: سلي هذا، فجاءت حليمة إليه برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخبرته خبره وما قالت فيه آمنة، فصاح الهذلي: يا آل هذيل! اقتلوه.. اقتلوه، وآلهته ليمكن في الأرض وإنه لينتظر من السماء أمرا، فرحن إلى بلادهن، وإنما اعتاف العائف في قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم التراب حين ولد] [ (5) ] . قالت: فقدمنا على عشرة أعنز ما يرمن البيت هزالا فإن كنا لتريح الإبل وإنها لحفل، فنحلب ونشرب، ونحلب شارفنا غبوقا وصبوحا [ (6) ] ، وإني لأنظر إلى الشارف قد نضبت في سنامها، وانظر إلى عجز الأتان فكأن فيها
الأفهار [ (1) ] وإن كان عجزها لدبراء [ (2) ] مما ننخسها، وجعل أهل الحاضر يقولون لرعيانهم: ابلغوا حيث تبلغ غنم حليمة، فيبلغون، فلا تأتي مواشيهم إلا كما كانت تأتي قبل ذلك، ولقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يمس ضرع شاة لهم يقال لها «أطلال» ، فما يطلب منها ساعة من الساعات إلا حلبت غبوقا وصبوحا، وما على الأرض شيء تأكله دابة [ (3) ] . فحدثني عبد الصمد بن محمد السعدي عن أبيه عن جده قال: حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة أنهم كانوا يرون غنمها ما ترفع رءوسها، ويرى الخضر في أفواهها وأبعارها، وما تزيد غنمنا على أن تربض [ (4) ] ، ما تجد عودا تأكله، فتروح الغنم أغرث [ (5) ] منها حين غدت، وتروح غنم حليمة يخاف عليها الحبط [ (6) ] . قالوا: فمكث سنتين صلّى اللَّه عليه وسلم حتى فطم، فكأنه ابن أربع سنين، فقدموا به على أمه زائرين لها، وهم أحرص شيء على رده مكانه، لما رأوا من عظيم بركته، فلما كانوا بوادي السّرر لقيت نفرا من الحبشة وهم خارجون منها، فرافقتهم، فسألوها، فنظروا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نظرا شديدا، ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، وإلى حمرة في عينيه، فقالوا: يشتكي أبدا عينيه للحمرة التي فيها؟ قالت: لا، ولكن هذه الحمرة لا تفارقه، فقالوا: هذا واللَّه نبي، فغالبوها عليه، فخافتهم أن يغلبوها، فمنعه اللَّه عزّ وجلّ، فدخلت به على أمه، وأخبرتها بخبره، وما رأوا من بركته، وخبر الحبشة، فقالت أمه: ارجعي بابني فإنّي أخاف عليه وباء مكة، فو اللَّه ليكونن له شأن، فرجعت به.
وقام سوق ذي المجاز فحضرت به وبها يومئذ عراف يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم من هوازن، فلما نظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وإلى الحمرة التي في عينيه وإلى خاتم النبوة صاح: يا معشر العرب! فاجتمع إليه أهل الموسم فقال: اقتلوا هذا الصبي ولا يرون شيئا قد انطلقت به أمه، فيقال له: ما هو؟ فيقول: رأيت غلاما وآلهته ليغلبن أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم. فطلب بذي المجاز [ (1) ] فلم يوجد، ورجعت به حليمة إلى منزلها، فكانت بعد هذا لا تعرضه لأحد من الناس، ولقد نزل بهم عراف، فأخرج إليه صبيان أهل الحاضر وأبت حليمة أن تخرجه إليه، إلى أن غفلت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج من المظلة فرآه العراف فدعاه، فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودخل الخيمة، فجهد بهم العراف أن يخرج إليه فأبت، فقال: هذا نبي [هذا نبي] [ (2) ] ، قالوا: فلما بلغ أربع سنين كان يغدو مع أخيه وأخته في البهم قريبا من الحي. فبينا هو يوما مع أخيه في البهم، إذ رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أخذته غمية، فجعل يكلم رسول اللَّه فلا يجيبه، فخرج الغلام يصيح بأمه: أدركي أخي القرشي! فخرجت أمه تعدو، ومعها أبوه فيجدان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قاعدا منتقع اللون، فسألت أمه أخاه: ما رأيت؟ قال: رأيت طائرين أبيضين وقعا [ (3) ] ، فقال أحدهما: أهو هو؟ فقال: نعم، فأخذاه فاستلقياه على ظهره فشقا بطنه فأخرجا ما كان في بطنه، ثم قال أحدهما: ائتني بماء ثلج، فجاء به فغسل بطنه، ثم قال: ائتني بماء برد [ (4) ] ، فجاء به فغسل بطنه ثم أعاده كما هو. قال: فلما رأى أبواه [ (5) ] ما أصابه شاورت أمه أباه وقالت: نرى أن نرده على [ (6) ] أمه، إنا نخاف أن يصيبه عندنا ما هو أشد من هذا فنرده إلى أمه فيعالج،
فإنّي أخاف أن يكون به لمم [ (1) ] ، [فقال أبوه: لا واللَّه ما به لمم] [ (2) ] إن هذا أعظم مولود رآه أحد بركة، واللَّه إن أصابه [ما أصابه] [ (2) ] إلا حسد من آل فلان، لما يرون من عظم بركته منذ كان بين أظهرنا [يا حليمة] [ (2) ] . قال أبوه: يا حليمة! أخذناه ولنا عشر أعنز عجاف فغنمنا اليوم ثلاثمائة، قالت: إني أخاف عليه، فنزلت به إلى أمه فذكرت من بركته وخيره، ولكنه قد كان من شأنه فأخبرتها [ (3) ] خبره. قال الواقدي: فحدثني معاذ بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قالت حليمة: إنا لا نرده إلا على جدع أنفنا، ما رأينا مولودا أعظم بركة منه، ولكنا كرهنا أن نحدث به عند ما حدث. قال ابن عباس: فرجعت فكان عندنا سنة أو نحوها، لا تدعه أن يذهب مكانا بعيدا، فغفلت عنه، فجاءتها أخته الشيماء في وقت الظهيرة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في البهم وقد ردت البهم، فخرجت أمه تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه! ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا الموضع، تقول أمها: أحقا يا بنية؟ قالت: إي واللَّه. قال: تقول حليمة: أعوذ باللَّه من شرّ ما نحذر على ابني، فكان ابن عباس يقول: رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين، وكان غيره يقول: ردّ على أمه وهو ابن أربع سنين، فكان معها إلى أن بلغ ست سنين. وخرّج أبو محمد بن حبان من حديث الصلت بن محمد أبي همام قال: حدثنا
سلمة بن علقمة، أخبرنا داود بن أبي هند قال: لما ولدت آمنة ذهب عبد المطلب يطلب ظئرا، فوافق امرأة من بني سعد بن بكر يقال لها حليمة بنت الحرث فجاء بها فدفعه إليها وشيعها وهو يقول: يا رب هذا الراكب المسافر ... محمد فاقلب بخير طائر وازجره عن طريقة الفواجر ... واخل عنه كل خلق فاجر أخنس ليس قلبه بطاهر ... وجنّة تصيد بالهواجر إني أراه مكرمي وناصري [ (1) ] فانطلقت به الظّئر، فذكر نحو حديث الجهم.
وأما معرفة اليهود له وهو غلام مع أمه بالمدينة، واعترافهم إذ ذاك بنبوته
وأما معرفة اليهود له وهو غلام مع أمه بالمدينة، واعترافهم إذ ذاك بنبوته فقد قال اللَّه جل جلاله: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ (1) ] ، أي يعرفون نبوته وصدق رسالته، والضمير عائد على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، قال مجاهد وقتادة وغيرهما: وخص الأبناء في المعرفة بالذكر دون الأنفس، وإن كانت ألصق، لأن الإنسان يمر عليه في زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه، وقد روى أن عمر رضي اللَّه عنه قال لعبد اللَّه بن سلام: أتعرف محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم كما تعرف ابنك؟ قال: نعم وأكثر، بعث اللَّه أمينه في السماء إلى أمينه في الأرض فعرفته، وابني لا أدري ما كان من أمه وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ: يعني اليهود الذين أوتوا الكتاب ليكتمون الحق يعني محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. قال مجاهد وقتادة وخصيف، وهم يعلمون ظاهر كفرهم عنادا. ومثله: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [ (2) ] ، وقوله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [ (3) ] . وقال الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحرث، وعبد اللَّه بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وأبو بكر بن عبد اللَّه بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم العامري، وربيعة بن عبد اللَّه بن الهدير التيمي، وموسى بن يعقوب الزمعي في عدة [ (4) ] ، كل قد حدثه من هذا الحديث بطائفة، قالوا: [وغير هؤلاء المسمين قد حدثوني أيضا أهل ثقة وقناعة] [ (5) ] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكون مع أمه، فلما بلغ ست سنين خرجت به أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار
بالمدينة تزور أخواله، ومعه أم أيمن [ (1) ] ، فنزلت به في دار النابغة- رجل من بني عدي بن النجار- فأقامت به شهرا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكر أمورا كانت في مقامه، ذلك لما نظر إلى أطم بني عدي بن النجار عرفها، قال صلّى اللَّه عليه وسلم: نظرت إلى رجل من يهود يختلف إليّ، ينظر إليّ ثم ينصرف عني، فلقيني يوما خاليا فقال: يا غلام، ما اسمك؟ قلت: محمد، ونظر إلى ظهري فأسمعه يقول: هذا نبي هذه الأمة، ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر، فأخبروا أمي فخافت عليّ وخرجنا من المدينة، وكانت أم أيمن تحدث تقول: أتاني رجلان من يهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا: أخرجي لنا أحمد. فأخرجته فنظر إليه وقلّباه مليا، حتى أنهما لينظران إلى سوأته، ثم قال أحدهما لصاحبه: هذا نبي هذه الأمة، وهذه دار هجرته، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم، قالت أم أيمن: فوعيت ذلك كله من كلامهما [ (2) ] .
وأما توسم جده فيه السيادة لما كان يشاهد منه في صباه من مخايل [1] الرباء [2]
وأما توسم جده فيه السيادة لما كان يشاهد منه في صباه من مخايل [ (1) ] الرّباء [ (2) ] فقال الواقدي: فرجعت به أمه إلى مكة، فلما كان بالأبواء توفيت آمنة، فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدما عليهما إلى مكة وكانت تحضنه. قالوا: فلما توفيت آمنة قبضه عبد المطلب وضمه إليه، فرق له [عبد المطلب] [ (3) ] رقة لم يرقها على ولد، وكان يقربه ويدنيه، وكان عبد المطلب إذا نام لا يدخل عليه أحد إعظاما له، وإذا خلا كذلك أيضا، وكان له مجلس لا يجلس عليه غيره، وكان يفرش له في ظل الكعبة فراش، ويأتي بنو عبد المطلب فيجلسون حول ذلك الفراش ينتظرون عبد المطلب [ (4) ] ، ويأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [حتى] [ (3) ] يرقى على الفراش فيجلس عليه، فيقول له أعمامه: مهلا يا محمد عن فراش أبيك، فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك: دعوا ابني، إنه ليؤنس ملكا. ويقال: إنه قال: إن ابني ليحدث نفسه بذلك [ (5) ] . وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني العباس بن عبد اللَّه بن سعيد ابن العباس بن عبد المطلب قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه يؤخرونه، فيقول عبد المطلب: دعوا ابني، ويمسح على ظهره ويقول: إن لابني هذا لشأنا، وإنه ليحس من نفسه بخير، فتوفى عبد المطلب ورسول اللَّه ابن ثماني سنين.
وروى الأزرقي أحمد بن محمد بن الوليد عن سعيد بن سالم القداح، حدثني ابن جريج قال: كنا جلوسا مع عطاء بن أبي رباح في المسجد الحرام فتذاكرنا ابن عباس وفضله. وقال عطاء: سمعت ابن عباس يقول: سمعت أبي يقول: كان عبد المطلب أطول الناس قامة، وأحسن الناس وجها، ما يراه أحد قط إلا أحبه، وكان له مفرش في الحجر لا يجلس عليه أحد غيره، ولا يجلس عليه معه أحد، وكان الندى من قريش حرم بن أمية فمن دونه يجلسون دون المفرش، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما وهو غلام فجلس على المفرش فجبذه رجل فبكى، فقال عبد المطلب: ما لابني قالوا له: أراد أن يجلس على المفرش فمنعوه، فقال: دعوا ابني أن يجلس عليه، فإنه يحس من نفسه بشيء، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه غيره قبله ولا بعده. قال: ومات عبد المطلب والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابن ثماني سنين، وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون. وروى النضر بن سلمة عن محمد بن موسى أبي غزية، عن أبي عثمان سعيد ابن زيد عن ابن بريدة عن أبيه، وعن بريدة بن سفيان الأسلمي قال: لما ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عقّ [ (1) ] عبد المطلب عنه يوم السابع بكبش وسماه محمدا، ولم يسمه بأسماء آبائه، وقال: أردت أن يحمده اللَّه في السماء ويحمده الناس في الأرض. وقد فعل اللَّه تعالى ذلك، واللَّه خير الحامدين.
وأما إلحاق القافة [1] قدمه بقدم إبراهيم عليه السلام وتحدث يهود بخروج نبي من ضئضئ [2] عبد المطلب
وأما إلحاق القافّة [ (1) ] قدمه بقدم إبراهيم عليه السلام وتحدّث يهود بخروج نبي من ضئضئ [ (2) ] عبد المطّلب فقال الواقدي: وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلعب مع الصبيان حتى بلغ الردم، فرآه قوم من بني مدلج، فدعوه فنظروا إلى قدميه وإلى أثره، ثم خرجوا في إثره فصادفوا عبد المطلب قد لقيه فاعتنقه، وقالوا لعبد المطلب: ما هذا منك؟ قال: ابني، قالوا: احتفظ به، فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم الّذي في المقام منه، فقال عبد المطلب لأبي طالب: اسمع ما يقول، فكان أبو طالب يحتفظ به [ (3) ] . وقالوا: بينا يوما عبد المطلب جالس في الحجر وعنده أسقف نجران- وكان صديقا له- وهو يحادثه ويقول: إنا نجد صفة نبي بقي من ولد إسماعيل هذا [البلد] [ (4) ] مولده، من صفته كذا وكذا، وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على بقية الحديث، فنظر إليه الأسقف وإلى عينيه وإلى ظهره وإلى قدميه فقال: هو هذا! ما هذا منك؟ قال: ابني، قال الأسقف: لا، ما نجد أباه حيا، قال عبد المطلب: هو ابن ابني، وقد مات أبوه وأمّه حبلى [به] [ (5) ] ، قال: صدقت، فقال عبد المطلب [لبنيه] [ (5) ] : تحفظوا بابن أخيكم، ألا تسمعون ما يقال فيه [ (6) ] ؟ قال: فحدثني موسى بن شيبة عن خارجة، بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك عن أبيه قال: حدثني شيوخ من قومي أنهم خرجوا عمارا وعبد المطلب يومئذ حي
بمكة، ومعهم رجل من يهود تيماء [ (1) ] صحبهم للتجارة يريد مكة أو اليمن، فنظر إلى عبد المطلب فقال: إنا نجد في كتابنا الّذي لم يبدّل أنه يخرج من ضئضئي هذا نبي يقتلنا وقومه قتل عاد [ (2) ] . ولأبي داود من حديث إسرائيل عن سماك بن [حرب] عن عكرمة عن ابن عباس قال: أتى نفر من قريش امرأة كاهنة فقالوا: أخبرينا بأقربنا شبها من صاحب هذا المقام، قالت إن جردتم على السّهلة عباءة ومشيتم عليها، أنبئكم بأقربكم شبها، فجردوا عليها عباءة ثم مشوا عليها، فرأت أثر قدم محمد صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: هذا واللَّه أقربكم شبها به. قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة، ثم بعث محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: ويؤيد هذا قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: ورأيت إبراهيم فإذا أقربكم شبها به أنا. وذكر هشام بن الكلبي أن الّذي نظر قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: هذه القدم من تلك القدم التي في المقام- يعني قدم إبراهيم عليه السلام- هو كرز بن علقمة ابن هلال [ (3) ] ، الّذي قفا أثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر حين خرجا إلى الغار.
وأما رؤية عمه أبي طالب منذ كفله ومعرفته بنبوته
وأما رؤية عمه أبي طالب منذ كفله ومعرفته بنبوته قال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة عن سليمان بن سحيم عن نافع بن جبير قال: سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: نعم وأنا ابن ثماني سنين [ (1) ] . قالوا: فلما توفي عبد المطلب ضم أبو طالب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه وهو يومئذ ابن ثماني سنين، وكان يكون معه، وكان أبو طالب لا مال له، وكان له قطيعة من إبل تكون بعرنة [ (2) ] فيبدو إليها، فيكون [ينشأ فيها] [ (3) ] ويؤتي بلبنها إذا كان حاضرا بمكة. وكان أبو طالب قد رق عليه وأحبه، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شبعوا، وكان إذا أراد أن يعشّيهم أو يغدّيهم يقول: كما أنتم حتى يحضر ابني، فيأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيأكل معهم، وكانوا يفضلون من طعامهم. وإن كان لبنا شرب رسول اللَّه أولهم، ثم يتناول العيال القعب فيشربون منه، فيروون عن آخرهم من القعب الواحد، وإن كان أحدهم ليشرب قعبا وحده، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك، وكان الصبيان يصبحون شعثا رمصا، ويصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دهينا كحيلا [ (4) ] .
قال: فحدثني على بن عمر بن [ (1) ] الحسين عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية، عن عقيل بن أبي طالب قال: سمعته يقول: كنا إذا أصبحنا وليس عندنا طعام لصبوحنا يقول أبو طالب: [أي بني] [ (2) ] ائتوا زمزم، [فنأتي زمزم] [ (2) ] فنشرب منها فنجتزئ به [ (3) ] . قال: فحدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد عن أهله عن أم أيمن قالت: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شكا جوعا قط ولا عطشا، وكان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة، فربما عرضنا عليه الغداء فيقول: لا أريد، أنا شبعان [ (4) ] . وخرج أبو نعيم من حديث الحسين بن سفيان قال: حدثنا زهير بن سلام قال: قال عمرو بن محمد: حدثنا طلحة بن عمرو بن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في حجر أبي طالب بعد جده عبد المطلب فيصبح ولد عبد المطلب غمصا [ (5) ] ويصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دهينا صقيلا [ (6) ] . قال أبو نعيم: ورواه محمد بن حميد عن سلمة بن الفضل عن طلحة مثله، وبسند الحسن بن سفيان المذكور عن ابن عباس أن أبا طالب كان يقرب للصبيان يصبحهم فيضعون أيديهم فينتهبون، ويكف محمد صلّى اللَّه عليه وسلم يده، فلما رأى ذلك عمه عزل له طعامه.
وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال يوما لعمه أبي طالب: إني أرى في المنام رجلا يأتيني معه رجلان فيقولان: هو هو، وإذا بلغ فشأنك به والرجل لا يتكلم، فوصف أبو طالب مقالته هذه لبعض أهل العلم، فلما نظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هذه الروح الطيبة، هذا واللَّه النبي المنتظر؟ فقال أبو طالب: فأكتم على ابن أخي لا تغري به قومه، فو اللَّه إن قلت ما قلت، لعلّي ما قلت، ولقد أنبأني عبد المطلب أنه النبي المبعوث، وأمرني أن أستر ذلك كيلا تغرى به الأعادي.
وأما تظليل الغمام له في صغره واعتراف بحيرى ونسطورا بنبوته
وأما تظليل الغمام له في صغره واعتراف بحيرى ونسطورا بنبوته فقد أوردت ذلك بطرقه في ذكر الأماكن التي حلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الحافظ أبو نعيم: وما تضمن هذا الفصل من أحواله صلّى اللَّه عليه وسلم حين تزوجت آمنة وحملها به، ووضعها له [ (1) ] ، واسترضاعه وحضانته [ (2) ] هي وحليمة ظئره إلى أن بلغ خمسا وعشرين سنة، المقرونة بالآيات دالة على نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم، لخروجها عن التعارف والمعتاد، مع توسّم أهل الكتاب وغيرهم الأمارات التي دوّنت في الكتب المتقدمة والأخبار السالفة بالبشارات به وترقبهم لمبعثه ومخرجه، علامات ودلائل لمن منّ اللَّه عليه بالإيمان، وصار به موقنا، ولنبوته محققا صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .
فصل في رعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم قبل النبوة
فصل في رعاية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الغنم قبل النبوة اعلم أن في رعي البهائم العجم التي لا تعقل ولا تعرب عن نفسها، رياضة لحمل أعباء النبوة، فإن راعيها يسوسها ويحوطها من المتالف المخوفة، كالجوع والعطش والسباع، ويكف عادية قويها عن ضعيفها في منعها الرعي في مراتعها، وشرب الماء من مواردها، وإن القيام بذلك لسياسة يصعب معاناتها، ويشق على النفوس ملازمتها. فإذا مرّن الإنسان عليها وتهذبت بها أخلاقه، وصارت سيرة العدل والإحسان ملكة له، تأهل لسياسة العقلاء من البشر بحسن التدبير لهم، وإرشادهم إلى مصالحهم والأخذ بحجزاتهم عما يؤذيهم، والصبر على أذاهم، واحتمال الأفعال عنهم. ولهذا- واللَّه أعلم- كانت الأنبياء صلوات اللَّه عليهم رعاة البهائم أولا، حكمة من اللَّه سبحانه لتتهذب أخلاقهم برعايتها، وتتهذب نفوسهم بسياستها، رياضة لقيامهم بأعباء النبوة، وصبرهم على ما يلقون فيها من مصاعب تكذيب المكذبين، ومشقات أذى المخالفين، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. خرج البخاري من حديث عمرو بن يحيى عن جده عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة، ترجم عليه باب رعي الغنم على قراريط [ (1) ] . وخرج النسائي من حديث خالد عن شعبة عن أبي إسحاق عن ابن حزن
وخرج النسائي من حديث خالد عن شعبة عن أبي إسحاق عن ابن حزن قال: افتخر أهل الإبل والشاء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بعث موسى وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلي بأجياد [ (1) ] . ذكره في [تفسير] سورة طه [ (2) ] . وخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق شعبة به مثله. وخرج أبو نعيم من حديث زمعة بن صالح عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر ابن عبد اللَّه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما من نبي إلا وقد رعاها [ (3) ] . ومن حديث موسى بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نجتني الكباث [ (4) ] فقال: عليكم بما اسود منه فإنه أطيبه، فقلنا: وكنت ترعى الغنم؟ قال: نعم، وهل من نبي إلا وقد رعاها [ (5) ] . قال ابن عبد البر: وهذا الحديث لا أعلمه يروى إلا من حديث أبي سلمة ابن عبد الرحمن، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة مرسلا، وبعضهم يجعله عن أبي سلمة عن أبيه، وبعضهم يجعله عن جابر. وخرج من حديث ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن قيس بن مخرمة عن الحسن
ابن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي رضي اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني اللَّه منها، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام لأهلها نرعاها: أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة كما يسمر الفتيان [ (1) ] . ومن حديث مسعر قال: حدثنا سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبيه قال: مرّ بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونحن نجتني ثمر الأراك فقال: عليكم بما اسود منه، فإنّي كنت أجتنيه وأنا أرعى الغنم، قالوا: يا رسول اللَّه! أو كنت ترعاها؟ قال: ما من نبي إلا وقد رعاها [ (2) ] . وروى مرسلا.
فصل في ذكر اشتهار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته بالرسالة من الله تعالى إلى العباد
فصل في ذكر اشتهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته بالرسالة من اللَّه تعالى إلى العباد خرج البخاري ومسلم في حديث بدء الوحي أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لما أتاه الوحي قال لخديجة: لقد خشيت على نفسي، وأخبرها الخبر فقالت له: كلا، أبشر! فو اللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، فو اللَّه إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. وفي رواية لغيرهما: إنك لتصدق الحديث، وتصل الرحم، وتؤدي الأمانة [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث ابن إسحاق عن وهب مولى الزبير، سمعت عبد اللَّه بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد كيف كان بدء ما ابتدأ اللَّه به رسوله من النبوة حين جاءه جبريل، فذكره وفيه: فرجع إلى خديجة فقالت: أين كنت؟ قال: قلت: إن الأبعد لشاعر أو مجنون، فقالت: أعيذك باللَّه من ذاك، ما كان اللَّه ليصنع ذلك بك مع صدق حديثك، وعظم أمانتك، وحسن خلقك، وصلتك رحمك [ (1) ] . وله من حديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق [ (2) ] عن محمد بن مسلم ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة
رضي اللَّه تعالى عنها قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا [بها] [ (1) ] خير جار: النجاشيّ، آمننا على [ (2) ] ديننا، وعبدنا اللَّه لا نؤذي ولا نسمع شيئا نكرهه. فأرسل إلى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فدعاهم، وكان الّذي كلمه جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه فقال له: أيها الملك! كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار ويأكل القويّ منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث اللَّه إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى اللَّه لنعبده ونوحده، ونخلع ما كان يعبده نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفحش وقول الزور، وأكل ما اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد اللَّه ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت: فعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من اللَّه، فعبدنا اللَّه وحده فلم نشرك به شيئا، فقال النجاشي: إن هذا والّذي جاء به موسى يخرج من مشكاة واحدة [ (3) ] . ولعظم مقدار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نفوس قومه كان هو الّذي وضع الحجر الأسود موضعه بيده لما اختلفت قريش في وضعه، فخرج غير واحد من الأئمة
حديث حماد بن سلمة وقيس وسلام كلهم عن سماك بن حرب، عن خالد عن عرعرة عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما بنت قريش البيت فبلغوا موضع الحجر اختلفوا في وضعه. فقالوا: إن أول من يطلع من الباب، قال: فطلع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: قد طلع الأمين، فبسط ثوبا ووضع الحجر وسطه، وأمر بطون قريش فأخذ كل بطن منهم طرفا من الثوب، ووضعه بيده صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وقد روى من طرق كثيرة عن ابن جريج ومجاهد و [معمر] [ (2) ] بن سليمان، ومحمد بن جبير بن مطعم، وقال: هبيرة بن أبي وهب المخزومي حين جعلت قريش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حكما: لما تشاجرت قريش الأحياء في فصل خطة ... جرت طيرهم بالنحس من سعد أسعد فلاقوا لها بالبغض بعد مودة ... وأوقدوا نارا بينهم شرّ موقد فلما رأينا الأمر قد جد جده ... ولم يبق شيء غير سل المهند رضينا وقلنا العدل أول طالع ... يجيء من البطحاء على غير موعد فلم يفجئنا إلا الأمين محمد ... فقلنا رضينا بالأمين محمد بخير قريش كلها أمسى شيمة ... وفي اليوم مع ما يحدث اللَّه في غد فجاء بأمر لم ير الناس مثله ... أعم وأرضى في العواقب والبدي أخذنا بأكناف الرداء وكلنا ... له حصة من رفعه قبضة اليد فقال ارفعوا حتى إذا ما علت به ... أكف إليه قرّ في خير مسند فكان رضانا ذاك عنه بعينه ... وأعظم به من رأى هاد ومهتد فتلك يد منه علينا عظيمة ... يروح بها ركب العراق ويغتدي
وخرج الأئمة أيضا من طريق عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (1) ] ، نادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قريش بطنا بطنا، فقال: أرأيتم لو قلت لكم إن خيلا تغير عليكم أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك من كذب قط، قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبا لك سائر اليوم، فأنزل اللَّه: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [ (2) ] . ولأبي نعيم وغيره من حديث إسرائيل [ (3) ] عن أبي إسحاق عن عمير وابن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: انطلق سعد بن معاذ معتمرا، فنزل على [أبي صوان] [ (4) ] أمية بن خلف- وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد- فقال أمية لسعد: انتظر حتى [إذا] [ (4) ] انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت. فبينا سعد يطوف بالكعبة آمنا، أتاه أبو جهل- خزاه اللَّه تعالى- فقال: من هذا الّذي يطوف بالبيت أمنا؟ فقال سعد: أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالبيت آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ فكان بينهما، حتى قال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي. فقال له سعد: واللَّه لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن عليك متجرك إلى الشام، فجعل أميه يقول لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، يسكنه، فغضب سعد وقال: دعني عنك، فإنّي سمعت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟ قال: نعم، قال: واللَّه ما يكذب محمد.
فلما خرجوا رجع إلى امرأته فقال: ما علمت ما قال لي أخي اليثربي؟ فأخبرها الخبر فقالت امرأة أمية: ما يدعنا محمد. فلما جاء الصريخ وخرجوا إلى بدر، قالت له امرأته: أما تذكر ما قال لك أخوك اليثربي؟ فأراد أن لا يخرج، فقال له أبو جهل: إنك من أشراف أهل الوادي فسر معنا يوما أو يومين، فسار معهم فقتله اللَّه [ببدر] [ (1) ] . ومن حديث الأعمش عن مجاهد قال: حدثني مولاي عبد اللَّه بن السائب قال: كنت شريك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الجاهلية، فلما قدمت المدينة قال: تعرفني؟ قلت: نعم، كنت شريكي، فنعم الشريك لا تداري ولا تماري [ (2) ] .
فصل في ذكر عصمة الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم من الجن والإنس والهوام
فصل في ذكر عصمة اللَّه تعالى للرسول صلّى اللَّه عليه وسلم من الجن والإنس والهوام [ (1) ] خرج مسلم من حديث جرير عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما منكم [ (2) ] من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟ قال: وإياي إلا أن اللَّه أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير [ (3) ] . ومن حديث سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة [ (4) ] الحديث. ومن حديث ابن وهب قال: أخبرني أبو صخر عن ابن قسيط، حدثه أن عروة حدثه أن عائشة رضي اللَّه عنها حدثته أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من عندها ليلا، [قالت] [ (5) ] : فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع فقال: مالك يا عائشة؟ أغرت؟ فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أقد جاءك شيطانك؟ قلت: يا رسول اللَّه! أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول اللَّه؟ قال: نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم [ (1) ] . وقال الترمذي: وسمعت علي بن خشرم يقول: قال سفيان بن عيينة في تفسير قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ولكن اللَّه أعانني عليه فأسلم، يعني أسلم أنا منه [ (2) ] . قال سفيان: الشيطان لا يسلم. وقال أبو نعيم: وقوله فأسلم، يعني استسلم وانقاد، فليس بأمر بشر، وقيل: أسلم: أي آمن، فيكون عليه السلام مختصا بإسلام قرينه وإيمانه [ (3) ] . وذكر [من] حديث إبراهيم بن صدقة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فضلت على آدم بخصلتين: كان شيطاني كافرا فأعانني اللَّه عليه حتى أسلم، وكن أزواجي عونا لي، وكان شيطان آدم كافرا وزوجته عونا له على خطيئته [ (4) ] . وله من حديث الصلت بن مسعود قال: حدثنا عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان ساجدا بمكة، فجاء إبليس فأراد أن يطأ [على] [ (5) ] عنقه، فنفخه جبريل عليه السلام نفخة بجناحيه، فما استقرت
قدماه على الأرض حتى بلغ الأردن [ (1) ] . قال: ورواه حجاج الصواف عن ثابت. وله من حديث الحسن بن سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا أبو التّيّاح [ (2) ] ، قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش [ (2) ] : كيف صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: تحدّرت عليه الشياطين من الجبال والأودية يريدونه [ (3) ] ، [قال:] [ (4) ] وفيهم شيطان بيده مشعلة من نار، يريد أن يحرق بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فزع منهم. فجاءه [ (5) ] جبريل فقال له: يا محمد، قل: أعوذ بكلمات اللَّه التامات التي لا يجاوزهن برّ ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شرّ فتنة الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا [ (6) ] يطرق بخير يا رحمان، فقالهن فطفئت نار الشيطان وهزمهم. قال: حدث به أحمد بن حنبل عن سيار بن حاتم عن جعفر مثله، وقال: ابن حبيش [ (7) ] . ولأبي نعيم من حديث الأوزاعي قال: حدثني إبراهيم بن طريف قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثني عبد اللَّه بن مسعود قال: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة صرف إليه نفر من الجن، فأتى رجل من الجن بشعلة من نار إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال جبريل: يا محمد، ألا أعلمك
كلمات إذا قلتهن طفئت [ (1) ] شعلته وانكب إلى منخره [ (2) ] ؟. قل: أعوذ بوجه اللَّه الكريم وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها، ومن شر فتن الليل ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمان [ (3) ] . وله من حديث عبد الأعلى بن حماد قال: حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ونائلة وإساف، لو قد رأينا محمدا لقمنا [ (4) ] إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله. فأقبلت ابنته فاطمة عليها السلام حتى دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قومك قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من ديتك [ (5) ] . قال: يا بنية، ائتني بوضوئي [ (6) ] ، فتوضأ ثم دخل المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم وعقروا [ (7) ] في مجالسهم، فلم [ (8) ] يرفعوا إليه أبصارهم [ (9) ] ، ولم يقم منهم إليه رجل، وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى قام على رءوسهم فأخذ كفا [ (10) ] من تراب فقال: شاهت الوجوه، ثم حصبهم [بها] [ (11) ] ، فما أصاب رجل منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر [كافرا] [ (11) ] .
وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الأعلى، وله من حديث يحيى ابن عبد الحميد قال: حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [ (1) ] جاءت امرأة أبي لهب [ (2) ] إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومعه أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه: لو تنحيت عنها لا تسمعك شيئا يؤذيك، فإنّها امرأة بذيئة، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : سيحال بيني وبينها، فلم تره. فقالت لأبي بكر: هجانا صاحبك، فقال [أبو بكر] [ (3) ] : واللَّه ما ينطق بالشعر ولا يقوله، قالت، إنك لمصدق، فاندفعت راجعة فقال أبو بكر: ما رأتك يا رسول اللَّه؟ قال: كان بيني وبينها ملك يسترني حتى ذهبت [ (4) ] . قال أبو نعيم: كذا رواه ابن فضيل مرسلا، ورواه عبد السلام بن حرب وغيره متصلا عن ابن عباس. وله من حديث سفيان بن عيينة قال: حدثنا الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنها قالت: لما نزلت: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة، وبيدها فهر وهي تقول: مذمما أبينا ... ودينه قلينا وأمره عصينا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلما رآها
أبو بكر قال يا رسول اللَّه قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنها لن تراني وقرأ قرآنا فاعتصم به، كما قال [تعالى] [ (1) ] : وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [ (2) ] . فأقبلت وقفت على أبي بكر ولم تر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر، إني خبّرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولّت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها [ (3) ] . قال: وعثرت أم جميل وهي تطوف بالبيت في مرطها [فقالت] : تعس مذمم، فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب: إني حصان فما أكلّم، وثقاف فما أعلم، وكلتانا من بني العم، ثم قريش بعد أعلم [ (4) ] . وله من حديث إبراهيم بن سعد وبريد بن أبي حبيب، وشعيب ومعاوية ويحيى وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وعبيد اللَّه بن زياد، كلهم عن محمد بن شهاب الزهري عن سنان بن أبي سنان الدّؤليّ عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة نجد، فأدركنا القائلة في واد كثير العضاة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها. قال: وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتا في يده، فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: اللَّه، قال: فشام السيف، ها هو ذا [جالس] [ (5) ] لم يعرض [له] [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
ورواه أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري، حدثني سنان [ (1) ] بن أبي سنان [الدؤلي] [ (2) ] وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري أخبرهما أنه غزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة قبل نجد، فلما قفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة يوما في واد كثير العضاة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت ظل [شجرة] فعلق بها سيفه فنمنا تحته كذا، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعونا فأجبناه، فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال: من يمنعك مني؟ فقلت: اللَّه، فشام السيف فجلس فسلم بعافية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد فعل ذلك [ (3) ] . قال أبو نعيم: ورواه الحسن عن جابر، ورواه معمر والنعمان بن راشد عن الزهري عن أبي سلمة دون سنان. ومن حديث شعبة عن أبي إسرائيل عن جعدة قال: شهدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأتى برجل فقيل: يا رسول اللَّه! هذا أراد أن يقتلك، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لم ترع لم ترع، لو أردت ذلك لم يسلطك اللَّه على قتلي [ (4) ] . وخرجه الإمام أحمد به نحوه. ولأبي نعيم من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة
قال: قال شيبة بن عثمان: لمّا غزا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حنينا تذكرت أبي وعمي قتلهما عليّ وحمزة رضي اللَّه عنهما، فقلت: اليوم أدرك ثأري في محمد، فجئته من خلفه فدنوت منه ودنوت، حتى لم يبق إلا أن أسوره بالسيف، رفع لي شواظ من نار [كأنه] البرق، فخفت أن يحبسني، فنكصت القهقرى فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: تعالى يا شيبة، قال: فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده على صدري فاستخرج اللَّه الشيطان من قلبي، فرفعت إليه بصري وهو أحب إليّ من سمعي وبصري ومن كذا [ (1) ] فذكر الحديث. ومن حديث ابن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن جابر أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحرث قال لقومه: أقتل لكم محمدا، قالوا: كيف تقتله؟ فقال: أفتك به، فأقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وهو جالس وسيفه في حجره- فقال: يا محمد! انظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم، [وكان محلى بالفضّة] [ (2) ] ، فأخذه فاستله وجعل يهزه ويهم فيكبته اللَّه، فقال: يا محمد! ألا تخافني؟ [ (3) ] قال: لا، وما أخاف منك، قال: أما تخافني وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني اللَّه منك، ثم غمد السيف ورده إلى رسول اللَّه [ (4) ] صلّى اللَّه عليه وسلم فأنزل اللَّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (5) ]
ومن حديث سعيد بن سلمة بن أبي الحسام قال: حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر رضي اللَّه عنه قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى سفر فجاء إلى شجرة فقال تحتها وعلق سيفه بها، فجاء أعرابي فسلّ السيف فقام به على رأسه فقال: يا محمد! من يمنعك مني؟ فاستيقظ فقال: اللَّه، فأخذه راجف فوضع السيف وانطلق [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عفان قال: حدثنا أبان بن يزيد، حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع، وكنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول اللَّه، فجاء رجل من المشركين وسيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ سيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاخترطه، فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه يمنعني منك، قال: فتهدده أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأغمد السيف وعلقه [ (2) ] . ولأبي نعيم من حديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا حبان بن علي، حدثنا سعد بن طريف الإسكاف عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد المشي، فانطلق ذات يوم لحاجته ثم توضأ ولبس أحد خفيه، فجاء طائر أخضر، فأخذ الخف الآخر فارتفع بها ثم ألقاه، فخرج منه أسود [ (3) ] سالخ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذه كرامة أكرمني اللَّه بها، ثم قال: اللَّهمّ إني أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه، وشر من يمشي على رجلين، وشر من يمشي على أربع [ (4) ] .
ومن حديث إسماعيل بن عباس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخفيه يلبسهما، فلبس أحدهما ثم جاء غراب فاحتمل الآخر فرمى به، فخرجت منه حية، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما [ (1) ] . ومن حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه، أن رجلا من بني مخزوم قام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وفي يده فهر ليرمي به رسول اللَّه، فلما أتاه وهو ساجد رفع يده وفيها الفهر ليدفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيبست يده على الحجر فلم يستطع إرسال الفهر من يده. فرجع إلى أصحابه فقالوا: أجبنت عن الرجل؟ قال: لم أفعل، ولكن هذا في يدي لا أستطيع إرساله، فعجبوا من ذلك، فوجدوا أصابعه قد يبست على الفهر، فعالجوا أصابعه حتى خلصوها، وقالوا: هذا شيء يراد [ (2) ] . ومن حديث علي بن عبيد عن النضر [بن عبد الرحمن أبي] [ (3) ] أبي عمرو الخزاز، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المسجد فيجهر بالقراءة حتى تأذّى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه، فإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا هم عمي لا يبصرون. فجاءوا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: ننشدك اللَّه والرّحم يا محمد، قال: ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم فيهم قرابة- فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [ (4) ] إلى قوله: وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [ (5) ] ، قال: فلم يؤمن من أولئك النفر أحد [ (6) ] . ومن حديث أبي شيبة الواسطي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي اللَّه عنه أن رجلا من آل المغيرة قال: لأقتلن محمدا فأوثب فرسه في الخندق، فوقع فاندقت رقبته وقالوا: يا محمد، ادفعه إلينا نواريه وندفع إليك ديته، فقال: ذروة، فإنه خبيث، خبيث الدية.
ومن حديث ابن إسحاق قال: وحدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس والحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما عرفت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد كانت له شيعة وأصحاب من غير بلدهم، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا أصابوا منهم منعة، فحذروا خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليهم وعرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا له في دار الندوة- وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا [إلا] فيها، يتشاورون ما يصنعون في أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين خافوه. فلما اجتمعوا لذلك في ذلك اليوم [ (1) ] الّذي اتعدوا له، وكان ذلك اليوم يسمى الزحمة، اعترض لهم إبليس في هيئة [رجل] [ (2) ] شيخ جليل عليه بت له، فوقف على باب الدار فلما رأوه واقفا على بابهم قالوا: من الشيخ؟ قال: شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم [له] [ (2) ] فحضر معكم ليسمع ما تقولون، وعسى أن لا يعدمكم منه رأي ونصح، قالوا: أجل، فادخل فدخل معهم. فذكر الحديث إلى [أن] قال: اجتمعوا له وفيهم أبو جهل، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخذ حفنة من تراب في يده، قال: وأخذ اللَّه على أبصارهم فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هذه الآيات: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (3) ] إلى قوله: فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (4) ] ، حتى فرغ من هؤلاء فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب. فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما ينتظر هؤلاء؟ قالوا: محمدا، قال: خيبكم اللَّه!! قد واللَّه خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وضع على رأسه ترابا وانطلق لحاجته، أفلا ترون ما بكم؟ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب [ (5) ] ، الحديث، وسيأتي مبسوطا في ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة وهجرته إلى المدينة ونزوله على الأنصار. وقال الواقدي: حدثني قدامة بن موسى عن عبد العزيز بن رمانة عن عروة
ابن الزبير قال: كان النضر بن الحرث يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويتعرض له، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما يريد حاجته نصف النهار وفي حر شديد، فبلغ أسفل ثنية الحجون [ (1) ] ، فرآه النضر بن الحرث فقال: لا أجده أبدا أخلا منه الساعة فأغتاله. قال: فدنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم انصرف راجعا مرعوبا إلى منزله، فلقى أبا جهل [ (2) ] فقال: من أين الآن؟ قال النضر: اتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو وحده ليس معه أحد، فإذا أساود [ (3) ] تضرب بأنيابها على رأسه، فاتحة أفواهها فهالتني، فذعرت منها ووليت راجعا، فقال أبو جهل: هذا بعض سحره [ (4) ] . وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه، أن عتبة وشيبة وأبا سفيان بن [حرب] ، والنضر بن الحرث، وأبا البختري والأسود بن عبد المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد اللَّه بن أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، اجتمعوا ومن اجتمع منهم بعد غروب الشمس على ظهر الكعبة فقال بعضهم [إلى بعض] [ (5) ] : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك، قال: فجاءهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سريعا وهو يظن أن قد بدا لقومه في أمره بداء، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، وذكر القصة. فلما قام عنهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال أبو جهل يا معشر قريش! إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد اللَّه لأجلسنّ له غدا بحجر ما أطيق حمله- أو كما قال- فإذا سجد [في صلاته] [ (5) ] رضخت به رأسه، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم.
قالوا: واللَّه لا نسلمك لشيء أبدا، فامض لما تريد، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف، وجلس لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما كان يغدو، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة وقبلته إلى الشام، فكان إذا صلّى صلّى بين الركنين اليماني والأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد قعدت قريش في أنديتها ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع منهزما منتقعا لونه، مرعوبا، قد يبست يداه على الحجر، فقذف الحجر من يده. وقامت إليه رجال قريش فقالوا: مالك يا أبا الحكم؟! قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض دونه فحل من الإبل! لا واللَّه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته [ (1) ] ولا أنيابه لفحل قط، فهم بأن يأكلني، فذكر لي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ذاك جبريل، لو دنا منه لأخذه. فلما قال لهم أبو جهل ذلك، قام النضر بن الحرث فقال: يا معشر قريش! إنه واللَّه لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله قط [ (2) ] . ولأبي نعيم من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: حدثنا بن عمران قال: حدثني عبد اللَّه وعبد الرحمن ابنا زيد بن أسلم عن أبيهما، عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، أن أربد بن قيس بن جزع بن جعفر بن خالد بن كلاب، وعامر بن الطفيل بن مالك قدما المدينة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فانتهيا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو جالس فجلسا بين يديه، فقال عامر بن الطفيل: يا محمد! ما تجعل لي إن أسلمت؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل، قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، اجعل لي الوبر ولك المدر [ (3) ] ، قال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] : لا، فلما قفا من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال [عامر] [ (4) ] : أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فقال
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمنعك اللَّه، فلما خرج أربد وعامر، قال عامر: إني أشغل عنك محمدا بالحديث فاضربه بالسيف، فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ويكرهوا الحرب، فسنعطيهم الدية، قال أربد: أفعل. فأقبلا راجعين إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال عامر: يا محمد! قم معي أكلمك، فقام معه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكلمه، وسلّ أربد السيف فلما وضع يده على سيفه يبست على قائم السيف فلم يستطع سلّه، وأبطأ أربد على عامر بالضرب، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع فانصرف عنهما. فلما خرج عامر وأربد من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كانا بالحرة- حرة وأقم [ (1) ]- نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا: اشخصا يا عدوي اللَّه، لعنكما اللَّه، فقال عامر: من هذا يا سعد؟ قال: هذا أسيد بن حضير الكتائب، [قال] [ (2) ] فخرجا حتى إذا كانا بالرقم [ (3) ] أرسل اللَّه على أربد صاعقة فقتلته. وخرج عامر حتى إذا كان بالخريب أرسل اللَّه عليه قرحة فأخذته، فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول يرغب أن يموت في بيتها ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعا، فأنزل اللَّه فيهما: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ [ (4) ] إلى قوله: وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ [ (5) ] ، قال: المعقبات من أمر اللَّه: يحفطون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ذكر أربد وما هم به فقال: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ [ (6) ] الآية إلى قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ [ (7) ] . قال الواقدي: حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: قدم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد توافقا على ما توافقا عليه من الغدر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما قدما قال عامر: خالني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يأبى اللَّه ذلك، وأينا قتله، فلما ولى عامر قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل.
فلما خرجا قال عامر لأربد: أين ما كنت أوصيتك ووعدتني؟ قال: واللَّه ما كان على الأرض أحد أخوف عندي [على نفسي] [ (1) ] منك، وأيم اللَّه لا أخافك بعد اليوم، قال أربد: لا أبا لك، لا تعجل فو اللَّه ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت [ (2) ] بيني وبينه، حتى لو ضربته بالسيف ما ضربت غيرك، فترى أني كنت ضاربك، لا أبا لك!. قال: فخرجا راجعين إلى بلادهما، حتى إذا كانا ببعض الطريق أصاب عامر الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من سلول، ثم خرج أربد ومن معه من أصحابه حين رأوا عامرا قد مات، فقدموا أرض بني عامر فقالت بنو عامر: يا أربد! ما وراءك؟ قال: لا شيء، واللَّه لقد دعاني إلى عبادة شيء ليته الآن عندي فأرميه بمثل هذه- وأشار إلى مكان قريب- حتى أقبله، فخرج أربد بعد ذلك بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه، فأرسل اللَّه صاعقة فاحترق هو وجمله، فبكاه لبيد فقال: أخشى على أربد الحتوف ولا.. القصيدة، وذكر القصة أيضا باختصار، وذكرها ابن إسحاق مطولة [ (3) ] . ومن حديث الليث بن سعد عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة، عن أبان ابن صالح عن علي بن عبد اللَّه بن عباس عن أبيه عن العباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه قال: كنت يوما في المسجد فأقبل أبو جهل فقال: للَّه عليّ إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته، فخرجت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته بقول أبي جهل، فخرج غضبان حتى جاء المسجد، وعجل أن يدخل من الباب، فاقتحم الحائط فقلت: هذا شر! فائتزرت ثم اتبعته.
فدخل يقرأ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ [ (1) ] ، فلما بلغ شأن أبي جهل: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [ (2) ] ، قال إنسان لأبي جهل: هذا محمد، فقال [أبو جهل] : ما ترون ما أرى! واللَّه لقد سدّ أفق السماء عليّ، فلما بلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم آخر السورة سجد [ (3) ] . ومن حديث محمد بن عثمان عن أبي شيبة قال: حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يذكر عن نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال أبو جهل: أيعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم، قال: واللَّه لئن رأيته يفعل لأطأن رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب. فأتاه وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما علم به إلا وهو ينكص على عقبيه ويرجع إلى خلفه ويتقي بيده، فقيل له: مالك؟ قال: رأيت بيني وبينه خندقا من نار وهولا، ورأيت ملائكة ذوي أجنحة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا، وأنزل اللَّه تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [ (4) ] ، إلى قوله: إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [ (5) ] يعني أبا جهل فَلْيَدْعُ نادِيَهُ [ (6) ] : قومه سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [ (7) ] : الملائكة [ (8) ] . وقد رويت من طرق عن ابن عباس [ (8) ] . وقال الزبير بن بكار: حدثنا أبو يحيى هارون وخرج الترمذي من حديث عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [ (7) ] ، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لو فعل لأخذته الملائكة عيانا [ (9) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وقال الزبير بن بكار: حدثنا أبو يحيى هارون بن عبد اللَّه الزبيري عن عبد اللَّه بن سلمة عن عبد اللَّه بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة بن الزبير قال: حدثني عمرو بن عثمان بن عفان عن أبيه عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه قال: أكثر ما نالت قريش من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أني رأيته يوما- قال عمرو: ورأيت عيني عثمان ذرفتا حين ذكر ذلك. قال عثمان: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر رضي اللَّه عنه، وفي الحجر ثلاثة جلوس: عتبة بن أبي معيط، وأبو جهل، وأمية بن خلف، فمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما حاذاهم أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدنوت منه حتى وسطته، فكان بيني وبين أبي بكر وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعا، فلما حاذاهم قالوا: واللَّه ما نصالحك ما بلّ بحر صوفة وأنت تنهانا أن نعبد ما كان يعبد آباؤنا. فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنا على ذلك، ثم مضى، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان في الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه فدفعته في صدره فوقع على استه، ودفع أبو بكر أمية بن خلف، ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عقبة بن أبي معيط ثم انفرجوا عن رسول اللَّه وهو واقف، ثم قال لهم: أما واللَّه لا تنتهون حتى يحلكم اللَّه عقابه عاجلا. قال عثمان رضي اللَّه عنه: فو اللَّه ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: بئس أنتم لنبيكم، ثم انصرف إلى بيته وتبعناه فقال: أبشروا فإن اللَّه مظهر دينه ومتم كلمته وناصر نبيه، إن هؤلاء الذين ترون ممن يذبح اللَّه بأيديكم عاجلا، ثم انصرفنا إلى بيوتنا، قال: فو اللَّه لقد رأيتهم ذبحهم اللَّه بأيدينا [ (1) ] . ومن حديث علي بن مسهر وعبد الأعلى بن عبد الأعلى قالا: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه قال: ما رأيت قريشا أرادوا قتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [إلا] [ (2) ] يوم [ (3) ] ائتمروا به وهم جلوس في ظل الكعبة،
ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي عند المقام، فقام إليه عقبة بن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبتيه ساقطا، وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول، فأقبل أبو بكر رضي اللَّه عنه يشتد حتى أخذ بضبعي [ (1) ] رسول اللَّه من ورائه وهو يقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربي اللَّه؟ ثم انصرفوا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقام فصلّى. فلما قضى صلاته مر بهم وهم جلوس في ظل الكعبة فقال: يا معشر قريش! أما والّذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح- وأشار بيده إلى حلقه- فقال أبو جهل: يا محمد، ما كنت جهولا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنت منهم. قال أبو نعيم: ورواه سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو ابن العاص نحوه، ورواه محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص نحوه وقال: يا معشر قريش! أما والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح. قال: فأخذت القوم كلهم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طير واقع، حتى إنّ أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفأه [ (2) ] بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف [يا] [ (3) ] أبا القاسم راشدا، فو اللَّه ما كنت جهولا [ (4) ] . ومن حديث داود بن أبي هند عن قيس بن حبتر قال: قالت ابنة الحكم: قلت لجدي الحكم: ما رأيت قوما أعجز منكم ولا أسوأ رأيا يا بني أمية في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا تلومينا يا بنية، إني لا أحدثك إلا ما رأيت بعيني هاتين، قلنا: واللَّه لا نزال نسمع قريشا تعلى أصواتها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في هذا المسجد، تواعدوا له حتى يأخذوه.
قال: فتواعدنا فجئنا إليه لنأخذه فسمعنا صوتا ما ظننا أنه بقي جبل بتهامة إلا تفتت. قال: فغشى علينا فما عقلنا حتى قضى صلاته ورجع إلى أهله، ثم تواعدنا له ليلة أخرى، فلما جاء نهضنا إليه فجاء الصفا والمروة حتى التقتا [إحداهما] بالأخرى فحالتا بيننا وبينه، فو اللَّه ما نفعنا ذلك حتى رزقنا اللَّه الإسلام وأذن لنا فيه. ومن حديث محمد بن إسحاق عن عبد اللَّه بن عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي- وكان راعية- قال: قدم رجل من إراش [ (1) ] بإبل له مكة، فابتاعها أبو جهل بن هشام فمطله بأثمانها، وأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس في ناحية المسجد- فقال: يا معشر قريش! من رجل يعينني على أبي الحكم بن هشام، فإنّي رجل غريب ابن سبيل، وقد غلبني على حقي، قال: فقال أهل المجلس: ترى ذلك الرجل؟ - لرسول اللَّه وهم يهزءون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فهو يعينك عليه. فأقبل الإراشيّ [ (2) ] حتى وقف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا عبد اللَّه، إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله، وأنا غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يعينني عليه يأخذ لي حقي منه، فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه رحمك اللَّه. قال: انطلق إليه، وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معه، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن كان معهم: اتبعه وانظر ماذا يصنع. قال: وخرج رسول اللَّه حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟ قال: محمد، فاخرج إليّ، فخرج إليه وما في وجهه رائحة كذا قد انتقع لونه، فقال
له: أعط هذا الرجل حقه، قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الّذي له، فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه، ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال للإراشيّ: ألحق بشأنك. فأقبل الإراشيّ حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه اللَّه خيرا، فقد واللَّه أخذ لي الّذي لي. قال: وجاء الرجل الّذي بعثوا معه فقالوا: ويحك! ماذا رأيت. قال: رأيت عجبا من العجب، واللَّه إن هو إلا أن ضرب عليه بابه فخرج إليه وما معه روحه فقال: أعط هذا حقه، قال نعم، لا تبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل، فخرج إليه بحقه فأعطاه إياه. قال: ثم لم يلبثوا أن جاءهم أبو جهل فقالوا له: ويلك! مالك؟ واللَّه ما رأينا مثل ما صنعت، فقال: ويحكم! إن هو إلا أن ضرب عليّ بابي وسمعت صوته فملئت منه رعبا ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل، ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، واللَّه لو أبيت لأكلني [ (1) ] . ورواه أبو يزيد المدني وأبو قزعة الباهلي، أن رجلا كان له على أبي جهل دين فلم يعطه [له] ، فقيل له: ألا ندلك على من يستخرج لك حقك؟ قال: بلى، قالوا: عليك بمحمد بن عبد اللَّه، فأتاه فجاء معه إلى أبي جهل فقال: أعط حقه، قال: نعم، فدخل البيت فأخرج دراهمه فأعطاه إياه، فقالوا لأبي جهل: فرقت من محمد كل هذا؟ قال: والّذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلألأ. وقال أبو قزعة في حديثه: حرابا تلمع، لو لم أعطه لخفت أن تنفخ بها بطني. ورواه ابن حبان عن الحسن بن محمد قال: قال أبو زرعة الرازيّ عن شيبان بن فروخ وقال: حدثنا سلام بن مسكين، حدثنا أبو يزيد المدني وأبو قزعة مثله وقد تقدم قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تعجبون كيف يصرف اللَّه عني شتم قريش ولعنهم؟ يشتمون
مذمما ويلعنون مذمما، وأنا محمدا [ (1) ] !
فصل في ذكر حراسة السماء من استراق الشياطين السمع [1] عند بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات الله تعالى لعباده
فصل في ذكر حراسة السماء من استراق الشياطين السمع [ (1) ] عند بعثة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم برسالات اللَّه تعالى لعباده خرج الائمة من حديث أبي عوانة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: ما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الجن وما رآهم، انطلق رسول اللَّه في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خير السماء، وأرسل عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما ذاك إلا من أمر حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا واللَّه الّذي خال بينكم وبين خبر السماء. الحديث خرجه البخاري. وسيأتي في إسلام الجن [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا تسعا، فأما الكلمة فتكون حقا، وأما ما زادوا فتكون باطلا، فلما بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم منعوا مقاعدهم، فذكر ذلك لإبليس- ولم يكن النجوم يرمى بها قبل ذلك- فقال لهم إبليس: هذا لأمر قد حدث في الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائما يصلي بين جبلين، فأتوه فأخبروه فقال: هذا الأمر الّذي قد حدث في الأرض [ (3) ] .
ومن حديث محمد بن فضيل عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: لم تكن قبيلة من الجن إلا ولهم مقعد [للسمع] [ (1) ] ، فإذا نزل الوحي سمعت الملائكة صوتا كصوت الحديدة ألقيتها على الصفا [ (2) ] ، قال: فإذا سمعت الملائكة خروا سجدا، فلم يرفعوا رءوسهم حتى ينزل، فإذا نزل قال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ فإن كان مما يكون في السماء قالوا: الحق وهو العلي الكبير، وإن كان مما يكون في الأرض من أمر الغيب أو موت أو شيء مما يكون في الأرض تكلموا به، قالوا: يكون كذا كذا، فتسمعه الشياطين فينزلونه على أوليائهم، فلما بعث محمد صلّى اللَّه عليه وسلم دحروا بالنجوم، فكان أول من علم بها ثقيف، فكان ذو الغنم منهم ينطلق إلى غنمه فيذبح كل يوم شاة، وذو الإبل ينحر كل يوم بعيرا، فأسرع الناس في أموالهم فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوا، فإن كان النجوم التي تهتدون بها [وإلا] [ (3) ] فإنه أمر حدث، فنظروا فإذا النجوم التي يهتدى بها كما هي لم يزل من منها شيء، فكفوا، وصرف اللَّه الجن فسمعوا القرآن، فلما حضروه [ (4) ] قالوا: أنصتوا، وانطلقت الشياطين إلى إبليس فأخبروه فقال: هذا حدث حدث في الأرض، فأتوني من كل أرض بتربة، فأتوه بتربة تهامة فقال: ها هنا الحدث [ (5) ] . ومن حديث الواقدي قال: فحدثني محمد بن صالح عن ابن أبي حكيم- يعني إسماعيل- عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: لما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
أصبح كل صنم منكسا، فأتت الشياطين إبليس فقالت له: ما على الأرض من صنم إلا وقد أصبح منكسا، قال: هذا نبي قد بعث، فالتمسوه في قرى الأرياف، فالتمسوه فقالوا: لم نجده، قال: أنا صاحبه، فخرج يلتمس فنودي: عليك بحبة القلب- يعني مكة- فالتمسه بها، فوجده عند قرن الثعالب [ (1) ] ، فخرج إلى الشياطين فقال: قد وجدته معه جبريل، فما عندكم؟ قالوا: نزين الشهوات في أعين أصحابه، ونحببها إليهم، قال: فلا [شيء] [ (2) ] إذا [ (3) ] . وحدثني طلحة بن عمرو عن ابن أبي مليكة عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنه قال: لما كان اليوم الّذي [تنبأ] [ (4) ] فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منعت الشياطين من السماء، ورموا بالشهب، فجاءوا إلى إبليس فذكروا له ذلك فقال: أمر قد حدث، هذا نبي قد خرج عليكم بالأرض المقدسة مخرج بني إسرائيل قال: فذهبوا إلى الشام ثم رجعوا إليه فقالوا: ليس بها أحد، فقال إبليس، أنا صاحبه، فخرج في طلبه بمكة فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بحراء منحدرا ومعه جبريل عليه السلام، فرجع إلى أصحابه فقال: قد بعث أحمد ومعه جبريل، فما عندكم؟ قالوا: الدنيا نحببها إلى الناس [ (5) ] ، قال: فذاك إذا [ (6) ] . وحدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن عمر بن عبد اللَّه العنسيّ عن ابن كعب قال: لم يرم بنجم منذ رفع عيسى ابن مريم عليه السلام حتى [تنبأ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما [تنبأ] رمي بها، فرأت قريش أمرا لم تكن تراه، جعلوا يسيبون أنعامهم ويعتقون أرقّاءهم، يظنون أنه الفناء، فبلغ ذلك من فعلهم أهل الطائف،
ففعلت ثقيف مثل ذلك، فبلغ عبد ياليل بن عمرو ما صنعت ثقيف فقال: ولم فعلتم ما أرى؟ قالوا: رمي بالنجوم فرأيناها تتهافت من السماء، قال: إن إفادة المال بعد ذهابه شديد، فلا تعجلوا، وانظروا: فإن تكن نجوما تعرف فهو عند فناء الناس، وإن كانت نجوما لا تعرف فهو عند أمر حدث، فنظروا، فإذا هن لا تعرف، فأخبروه فقال: الأمر فيه مهلة بعد، هذا عند ظهور نبي، فما مكثوا إلا يسيرا حتى قدم الطائف أبو سفيان بن حرب إلى أمواله، فجاء عبد ياليل فذاكره أمر النجوم، فقال أبو سفيان: ظهر محمد بن عبد اللَّه يدعى أنه نبي مرسل، قال عبد ياليل: فعند ذلك رمي بها. وحدثني طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كانت الشياطين يستمعون الوحي، فلما بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم منعوا، فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: لقد حدث أمر فرمى فوق أبي قبيس- وهو أول جبل وضع على الأرض- فرأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلّى خلف المقام، فقال: أذهب فأكسر عنقه، فجاء يخطر وجبريل عنده فركضه جبريل ركضة طرحه في كذا وكذا، فولى الشيطان هاربا [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث يعقوب الدورقي قال: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن حجاج بن أبي عثمان الصواف، عن ثابت [البناني] [ (2) ] عن أنس رضي اللَّه عنه قال: إن إبليس ما بين قدميه [ (3) ] إلى كعبيه [ (3) ] مسيرة كذا وكذا، وإن عرشه لعلى البحر، ولو ظهر للناس لعبد، قال: فلما بعث اللَّه محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أتاه وهو يجمع بكيده فانقض عليه جبريل فدفعه بمنكبه فألقاه بوادي الأردن [ (4) ] . [وقال الواقدي: فحدثني عمر بن إسحاق أخو محمد بن إسحاق قال: سمعت نافع بن جبير يقول: كانت الشياطين في الفترة تسمع ولا ترى، فلما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رميت بالشهب] [ (5) ] .
فصل في ذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر بعثة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن الناس قد اختلفوا في بعثة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأنكرها قوم وأقرّ بها قوم، ثم اختلف المعترفون بها فجوزها البراهمة وجعلوا العقل كافيا، وأنكر قوم كون الشرائع من عند اللَّه، وأنكر اليهود والنصارى والمجوس رسالة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم واعترف بعضهم برسالته إلى العرب فقط، ولكل فريق منهم شبهة زينها الشيطان لأوليائه من قدمائهم، وتبعهم مقلدوهم.
فأما شبهة منكري التكليف
فأمّا شبهة منكري التكليف فقالوا: التكليف باطل، فالبعثة باطلة، أما الأولى: فلأن أفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى، فلا تكون مقدورة لهم، فلا يكلفون بها. وأما الثانية: فلأنه لا فائدة في البعثة إلا توجيه التكاليف على الخلق، فإذا كان المقصود باطلا كان المتبع أولى بالبطلان. وأجيب: أولا: بأن أفعالهم لا تخلو عن قدرتهم واختيارهم كما يعدد في مسألة خلق الأفعال، ولذلك يقولون: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وإنما يلزم من عدم القدرة من جعل الخلق نفس المخلوق، وهم المعتزلة. وأجيب: ثانيا: بمنع انحصار فائدة البعثة في توحيد التكليف كما سيأتي عند ذكر جواز بعثة الرسل. وأما شبهة البراهمة فقالوا: كل ما كان حسنا فعلناه، وكل ما كان قبيحا تركناه، وما لا ندرك حسنه ولا قبحه فإن كنا مضطرين أو محتاجين إليه اكتفينا بالقدر الرافع للضرورة والحاجة، وإن لم يكن بنا حاجة إليه امتنعنا منه احترازا من الخطر. وأجيب: بعد تسليم أن العقل كاف في التعريف، لكن لم لا يجوز أن يكون فائدة البعثة تأكيد ذلك التعريف، ولهذا السبب أكثر اللَّه تعالى من الدلائل على التوحيد، مع أن الواحد منها كاف.
وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند الله
وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند اللَّه قالوا: نرى الشرائع من عند اللَّه مشتملة على أشياء لا فائدة فيها، فإن الصلاة والصوم والحج أفعال لا منفعة فيها للمعبود، وهي مصادر متاعب في حق العابد، فكان ذلك عبثا بل سفها، وذلك لا يليق بالحكيم، فوجب أن لا تكون هذه الشرائع من عند اللَّه تعالى، وإنما هي مكر من القدماء. وأجيب: بمنع أنها خالية عن الحكمة والمنفعة، ولا يلزم من عدم اطلاعكم على الحكمة عدمها. وأما شبهة اليهود فهي أن موسى عليه السلام لما بلّغ شرعه إلى أمته لا يخلو في تبليغه من أحد ثلاثة أمور: إما أن يكون قد بين أنه دائم، أو بين أنه مؤقت، أو لا هذا ولا هذا. والثاني باطل، لأنه لو بيّن أنه منقطع وشرح ذلك لأمته لكان معلوما عندهم على سبيل التواتر، ولو كان نقل متواترا كأصل دينه ولم يمكنهم إخفاؤه، لأن ما علم تواترا لا يمكن إنكاره، ومعلوم أن اليهود متفقون في مشارق الأرض ومغاربها على إنكاره. والثالث: باطل أيضا، لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يجب بمقتضى شرعة موسى من الأعمال إلا مرة واحدة، لأن مقتضى الأمر المطلق الفعل مرة واحدة لا التكرار. وبالإجماع هذا باطل، وإذا بين لأمته أن شرعه دائم وجب أن يكون دائما، وإلا لزم نسبته إلى الكذب وزوال البينة عن جميع الشرائع. وأجيب: بجواز أنه بيّن أنه منقطع محدود، وكان ذلك معلوما بالتواتر من دينه، إلا أن قومه هلكوا بالكلية في بخت نصّر، وصار الباقي أقل من عدد التواتر، ولا جرم انقطع هذا النقل، وسنقيم الأدلة بالحجج الواضحة على صحة دين الإسلام وصدق محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأما بعثة الرسل هل هي جائزة أو واجبة؟
وأما بعثة الرسل هل هي جائزة أو واجبة؟ فاعلم أن المؤمنين بالرسل اختلفوا: هل البعثة جائزة أو واجبة؟ فقال عامة المتكلمين بعثة الرسل جائزة، وعند المحققين أنها واجبة، ولا يعنون أنها تجب على اللَّه تعالى بإيجاب أحد ولا بإيجابه على نفسه، بل يعنون أنها متأكدة الوجود لأنها من مقتضيات الحكمة، فيكون عدمها من باب السفه، وهو محال على الحكيم، وهذا كما أن علم اللَّه وجوده يجب لكون عدمه يوجب الجهل، وهو محال على العليم. ودليل الجواز أن ورود التكليف بالإيجاب والحظر والإطلاق والمنع ممن له الملك في مماليكه ليس مما يأباه العقل أو ندفعه الدلائل، فله أن يتصرف في كل شخص من أشخاص بني آدم بأي شيء شاء من وجوه التصرف، منعا كان أو إطلاقا، حظرا كان أو إيجابا، ثم يعلمهم ذلك إما بتخليق العلم فيهم أو بتخصيص بعض عباده بالعلم من جنسهم أو من خلاف جنسهم، بإفهام صحيح أو بوحي صريح. ودليل الواجب أن في بعثة الأنبياء من الفوائد والحكم ما لا يفى: فمنها: تأكيد دليل العقل بدليل النقل، ومنها قطع عذر المكلف على ما قال اللَّه تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [ (1) ] ، وقال: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا [ (2) ] . ومنها: أن اللَّه عز وجل خلق الخلق محتاجين إلى الغذاء للبقاء، وإلى الدواء للسقام ولحفظ الصحة وإزالة العلل العارضة، وخلق السموم القاتلة، والعقل لا يقف عليها، والتجربة لا تفي بمعرفتها إلا بعد الأدواء، ومع ذلك فيها خطر، وفي بعثة الأنبياء معرفة طبائعها من غير خطر. ومنها: لو فوض كيفية العبادة إلى الخلق لجاز أن تأتي كل طائفة بوضع خاص، ثم أخذوا يتعصبون لها، فيقضي إلى الفتن. ومنها: أن ما يفعله الإنسان بمقتضى عقله يكون كالفعل المعتاد، والمعتاد لا يكون عبادة بخلاف ما يفعله امتثالا فإنه يكون محض العبادة، ولذلك ورد الأمر بالأفعال الغريبة كالحج، والمقادير التي لا تفعل في غير ذلك.
وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأحدهما: أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم ادعى النبوة وظهرت المعجزة على وفق دعواه، وكل من كان كذلك كان رسول اللَّه حقا، فمحمد رسول اللَّه حقا، أما دعواه النبوة فمتواترة أيضا لو لم يدّع النبوة لما كان لنزاع الخصم فائدة، وأما ظهور المعجزة فلأنه أتى بالقرآن وهذا متواتر أيضا. وأما أن القرآن معجزة فلأنه تحدى البلغاء، بل الجن والإنس بمعارضته على أبلغ الوجوه فقال: لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (1) ] ، ثم زاد في التحدي فقال: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (2) ] ، ثم بالغ فقال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] ، وعجزوا عن معارضته وإلا لم يقابلوه، لأنه المعارضة أسهل. وأما أن كل من أتى بالمعجزة كان صادقا فلا نعلم يقينا أن اللَّه تعالى سامع لدعواه، وأن ما ظهر على يده خارج عن مقدور البشر، فإذا ادّعى الرسالة ثم قال: إلهي، إن كنت صادقا في دعواي الرسالة فأفلق البحر وشق القمر أو غير ذلك مما لا يقدر عليه إلا اللَّه عز وجل ففعل ذلك عقيب سؤاله فعلمنا بالضرورة أنّه صدّقه في دعواه. كما أنّا نقطع بأن رجلا لو قال لقوم: أنا رسول فلان الملك إليكم، ودليل صدقي أنه يخرق على عادته الفلانية لأجلي، مثل أن يقوم عن سريره أو ينزل عن مركبه فيمشي لأجلي، أو ينزع تاجه فيجعله على رأسي، فوجد ذلك من الملك دلّ على صدق مدعي الرسالة. واعترض عليه بوجوه: أحدهما: لم لا يجوز إظهار المعجزة على يد المتنبئ؟ وأجيب: بأنه لا فائدة فيه إلا تكليف اللَّه الخلق بما يخبرهم الكاذب به، ولا شك أنه تعالى قادر على أن يكلفهم بذلك على يد صادق، فعدوله عن تكليف الخلق على يد رسول من عنده إلى تكليفهم على يد الكذاب خال عن الحكمة بالضرورة.
وأجاب بعضهم بأن في إظهار المعجزة على يد الكاذب إضلال [الخلق] وترك [مصلحتهم] ، ورد هذا بوجهين: أحدهما: أنه لو فرض جواز إظهار المعجزة على يد المتنبئ لم يكن فيه إضلال الخلق بل هدايتهم، لأن إظهار المعجزة والحالة هذه تكون أمرا لهم بما جاءهم به المتنبئ، وأمر اللَّه هداية لا إضلال. والثاني: أن إضلال الخلق وترك [مصلحتهم] إنما لا يجوز إذا لم يكن فيه حكمة، وعدم الحكمة غير معلوم. الاعتراض الثاني: أن المعجزة تشتبه بالسحر، فلا تدل على الصدق، ورد بالفرق بأن التعليم يدخل السحر دون المعجزة. وبأن المعجز هو الّذي لا يأتي أحد من المبارزين والمنازعين بمثله، [إما] لأنه ليس في قوته وإما بمنع اللَّه له عزّ وجلّ، والسحر ليس كذلك. وبأن السحر لا يكون إلا باقتراح المقترحين، بل بحسب ما يعرفه الساحر بخلاف معجزات الأنبياء. وبأن آثار المعجزات حقيقية، كشبع الجماعة من الطعام اليسير، وريهم بالماء القليل، والتزود منها للمستقبل من الزمان، بخلاف السحر فإنه تخييلات لا تروج إلا في أوقات مخصوصة وأمكنة مخصوصة، على أن أحدا من العقلاء لم يجوز انتهاء السحر إلى الموتى، وقلب العصا ثعبانا، وفلق البحر، وشق القمر، وإبراء الأكمه والأبرص ونحوها، ولهم اعتراضات كلها [افتراضات] [ (1) ] بنوها على نفي الفاعل المختار، فلذلك أعرضت عنها.
الحجة الثانية
الحجة الثانية محمد صلّى اللَّه عليه وسلم إما ملك ما حق أو نبي صادق، ولكنه ليس ملكا ماحقا، فهو نبي صادق، وإنما قلنا: إما ملك أو نبي لأنه لا قائل بقول ثالث، إذ الخصم وهو اليهود والنصارى- خزاهم اللَّه- يزعمون أن رب العالمين- تعالى عن قولهم- أرسل ملكا ظالما فادعى النبوة وكذب على اللَّه، ومكث زمنا طويلا يقول: أمرني بكذا ونهاني عن كذا، ويستبيح دماء أولياء اللَّه وأبنائه وأحبائه، والرب تعالى يظهره ويؤيده، ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه، ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه، ويقيم دولته على الظهور والزيادة، ويذل أعداؤه أكثر من ثماني مائة سنة، وهذا منهم غاية القدح في الرب- تعالى عن قولهم-. ونحن نقول: إن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم كان نبيا صادقا مؤيدا من اللَّه تعالى، فقام ناموسه بالتأييد الإلهي. وإنما قلنا: أنه ليس ملكا بل نبي صادق لأنا علمنا بالاستقراء التام والتواتر القاطع أن ملكا من ملوك الدنيا لم يبق ناموسه بعده بل سيفنى بموته، وإنما تبقى نواميس الأنبياء بعدهم، ثم رأينا ناموس محمد صلّى اللَّه عليه وسلم باقيا بعده زيادة عن ثماني مائة سنة، فعلمنا أنه من الأنبياء لا من الملوك.
الحجة الثالثة
الحجة الثالثة نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لازمة لنبوة من قبله من الأنبياء جميعهم، ثم قد وجد الملزوم الّذي هو نبوة الأنبياء قبله، فيجب أن يوجد اللازم وهو نبوته، وإنما قلنا: إن نبوته لازمة لنبوة من قبله لأنا أجمعنا وإياكم على أن المقتضى لنبوتهم إرادة اللَّه تعالى، والدليل عليها ظهور المعجز. لكن إرادة اللَّه تعالى خفية عن البشر، لا سبيل إلى معرفتها، فبقي الطريق إلى ثبوت النبوة منحصرا في ظهور المعجز، والعجز مشترك بينه وبينهم بما حققناه، وإنما قلنا: إن وجود الملزوم موجب لوجود اللازم للقطع بأن ملزوما لا لازم له محال الوجود.
الحجة الرابعة
الحجة الرابعة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أقرّ اليهود والنصارى في شريعته بالجزية مع علمه بأنهم يكذبونه ويقدحون في صدقه، وما كان ذلك منه إلا مراعاة لحرمة كتابهم وأنبيائهم، إنما علم أنهم وإن تصرّفوا فيها بالتبديل والتحريف، فإنّهم لم يحرفوا الجميع، وإنما حرفوا ما كان تحريفه مهما عندهم، فهم على بقايا من شرائعهم، فراعاهم لذلك وجعل عقوبة كفرهم إيقاع الجزية والصّغار عليهم. ومن المعلوم أنه لو كان ملكا محضا لا نبوة له لأخلى الأرض منهم على تكذيبهم له وعدم طاعتهم، لأن هذا من شأن الملوك لا يستبقون من خشوا عاقبته، خصوصا ولم يكن يخفى عليه أنه جنس الملتين يبقى بعده، ويتطرق منهما تشكيك أمته بالشبهات والترهات، وذلك مما يضعف الناموس الملوكي. فلما تركهم بالجزية دل ذلك على أنه مأمور فيهم من اللَّه تعالى بما لا تصبر عليه نفوس البشر، ولا يتجه على هذه الحجة إلا أن يقال: لعله تركهم ليستنبط له من تركهم هذه الشبهة وليحب الناس العدل وأخلاق النبوة. لكن الجواب: أنه لو كان قصده ذلك لكان ذلك يحصل له بأن يقف، عنهم في حياته فقط ولا كان يوصي بهم كما أوصى بأمته حتى قال: أنا بريء ممن وافاني يوم القيامة ولذمي عليه مظلمة، وقال: لهم ما لكم وعليهم ما عليكم، فلولا أنه مأمور فيهم من اللَّه تعالى لما أبقاهم، ولو كان ملكا محضا يحب الرئاسة وإقامة الناموس لكان استبقاهم حال حياته وسكت عن الوصية فيهم بعد موته، حتى كان المسلمون أخلوا منهم الأرض.
الحجة الخامسة
الحجة الخامسة أنه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم. الحديث [ (1) ] ، وإنما قال ذلك لأنه علم أنهم حرفوا بعض كتبهم لا كلها، فمنع تصديقهم خشية أن يكون ما قالوه مما حرّفوه. ومن تكذيبهم خشية أن يكون [ما قالوه] [ (2) ] مما لم يحرفوه، فالأول في غاية الحزم والثاني في غاية العدل، ولو لم يكن نبيا مأمورا فيهم بذلك كما في القرآن: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [ (3) ] ، لأغري الناس بتكذيب [كل ما] [ (4) ] عندهم، وكان ذلك أتم لناموسه، وأذل لأعدائه، لأنا علمنا بالاستقراء من ملوك الدنيا أجمعين أن أحدا منهم لم يترك من آثار من قبله من الملوك ما يحذر منه على ملكه إلا عجزا.
الحجة السادسة
الحجة السادسة تختص [بالنصارى] [ (1) ] وتقريرها أنكم زعمتم أن المسيح هو اللَّه أو ابن اللَّه، وأنه ظهر إلى العالم لينقذ أهل الإثم من إثمهم وخطاياهم وفداهم بنفسه، ثم بعد ذلك صعد إلى أبيه فهو جالس عن يمينه، فإن كان هذا حقا فقد كان يجب عليه وينبغي له أن يقول لأبيه حين ظهر محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بدعوته: أهلك هذا ولا تدعه يفتن الناس ويضلهم، حتى إذا احتاج أن أنزل إليهم واستنقذهم من فتنته، وأقتل وأصلب مرة ثانية، لأن عندكم أن المسيح كامل العلم والقدرة ولا يخفي عنه شيء في ملكه أو ملك أبيه. فبالضرورة أنه علم بظهور محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فسكوته عن الإنكار والتغيير بحضرة أبيه توجب إما التقصير والرضى بالضلال، والراضي بالضلال ضال، أو أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم على طريق الرّشد والكمال، وقد خيرناكم بين الأمرين، ولا واسطة بين القسمين، فاختاروا لآلهتكم ما شئتم.
الحجة السابعة
الحجة السابعة جرت عادة اللَّه تعالى في خلقه أن يتداركهم على كل فترة برسول يرشدهم إلى الهدى، ويصدهم عن الردى، ولا خلاف أن العرب في جاهليتها عند أوان ظهور محمد صلّى اللَّه عليه وسلم كانت أحوج الخلق إلى ذلك، لما كانت عليه من الظلم والبغي والغارات والبغي بغير حق، وسبي الحريم وظلم الغريم، فالعناية الإلهية يستحيل منها عادة إهمالهم على ذلك من غير معلم يرشدهم ويسددهم، وما رأينا [أحدا] ظهر بناموس قمع تلك الجاهلية وما كانت عليه من المنكرات إلا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فدل على أنه النبي المبعوث فيها، وإذا ثبتت نبوته بهذا الطريق إلى العرب فالنبي لا يكذب، وقد صح عنه بالتواتر أنه قال: بعثت إلى الناس كافة، وبعثت إلى الأحمر والأسود [ (1) ] ، وبهذا يظهر تغفيل من سلّم من اليهود أنه أرسل إلى العرب خاصة، لا إلى غيرهم.
الحجة الثامنة
الحجة الثامنة لا خلاف عند كل عاقل أن محمّدا صلّى اللَّه عليه وسلم كان من أعلى الناس همة، وأوفرهم حكمة، ولولا ذلك ما انتظم له أمر هذا الناموس [هكذا] [ (1) ] بعد مدة طويلة، مع أنه عند الخصم دعي لا حجة معه، ولا خلاف أن من كان بهذه المثابة من علو الهمة ووفور الحكمة، وهمته تعلو إلى تقدير منصب دائم ورئاسة باقية، فإنه يحتاط بنتاج فكره حتى لا يتوجه عليه ما يفسد حاله ويبخس مآله. ومن المعلوم عند كل حكيم فطن لبيب أن الكذب ينكشف ويستحيل رونقه، ويعود تدبيره تدميرا، خصوصا والمسيح إله النصارى- بزعمهم- يقول: ما من مكتوم إلا سيعلن، ولا خفي إلا سيظهر. فلو لم يكن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم على يقين من صدق نفسه لما أقدم على دعواه خشية أن ينكشف أمره في تضاعيف الأزمان، فيعود عليه سوء الذكر مدى الدهر. وكلامنا في عالي الهمة وافر الحكمة يخشى معرة المآل كما يخشى معرة الحال، ولا يرد علينا من يؤسس رئاسة في حياته بما أمكنه من كذبه وترهاته، ثم لا يبالي ما كان بعد مماته، فإنه ذلك في غاية الخساسة، ويحصل مقصوده برئاسة الملك دون دعوى هذه الرئاسة.
الحجة التاسعة
الحجة التاسعة لو لم يكن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم صادقا لكان المسيح كاذبا، لكن المسيح ليس بكاذب، فمحمد صادق، [و] [ (1) ] بيان الملازمة أن المسيح عليه السلام قال في الإنجيل: ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوما إلا سيعلن. وهذه نكتة في سياق النفي فتقتضي العموم، وإن كل خفي لا بد أن سيظهر بعد صدق محمد صلّى اللَّه عليه وسلم في دعواه، إما إن كان ظاهرا أو خفيا، فإن كان ظاهرا كان يجب أن لا يتابعه أحد، وإن تابعه لرهبة أو رغبة فبالظاهر دون الباطن، حتى إذا زالت رغبته أو رهبته بزوال رجع عنه، لأن عاقلا لا يختار الباطل على الحق، ولا الكذب على الصدق، فكيف بهذا الجمع الكثير والجم الغفير في أقطار الأرض يختارون ذلك؟ هذا محال. وإن كان خفيا وجب أن يظهر، لا سيما مع دهاء العرب وذكائهم وفطنتهم وصحة طبعهم وفصاحتهم، فقد كان فيهم الكهنة والمنجمون، والزيارج [ (2) ] والمتطيرون، وأكثرهم يصيبون ولا يخطئون، وأذكياؤهم كثير لا يحصرهم عدد، وقد كانوا يستخرجون بأذهانهم ما يشبه السحر كما هو معروف في أخبارهم، وكفاهم أن ابن المقفع فيلسوف الفرس شهد لهم بالفضيلة على الفرس والروم وسائر الأمم، فمن المحال عادة أن يخفى عليهم أمر محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لو كان باطلا. فدل على أنهم ما هرعوا إليه مع كونه أول الإسلام كان في نفر قليل مستضعف إلا وقد علموا صدقه، فصح قولنا: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح كاذبا، فبالاتفاق منا ومنكم، ولو تورعنا في صدقه لما وافقنا، لأنّا نحن أحق به منكم.
الحجة العاشرة
الحجة العاشرة من نظر في دين الإسلام فإنه يجده معظما لعيسى وموسى وغيرهما من الرسل، بحيث أن من سب أحدا منهم أو [انتقصه] [ (1) ] قتل، ونرى اليهود [ينتقصون] [ (1) ] من المسيح، وهم [والنصارى] ينتقصون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. [واعلم] [ (1) ] أن المسلمين أهل حق لا يشوبه تحامل، وأن اليهود والنصارى أهل عناد وتجاهل، فإن قالت اليهود: إنما غضضنا [ (2) ] من المسيح ومحمد لأنهما كاذبان، قلنا: فالذي يثبت به صدق موسى عليه السلام قد أتى المسيح بما هو أعظم منه، فمقتضى التصديق مشترك، فإما أن تصدقوا الاثنين أو تكذبوهما، أما الفرق فهوى وتحامل. وإن قالت [النصارى] [ (1) ] إنما انتقصنا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم لأنه ليس بصادق، قلنا: يلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما انتقصوا المسيح لأنه ليس بصادق، فإن قالوا: اليهود كفار عاندوا، قلنا: كذلك أنتم بالنسبة إلى [من] [ (1) ] ينتقص محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم. فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة بإظهار المعجز، ونحن لم يأتنا محمد بمعجز، قلنا: قد جاءكم بمعجزات سبق تقريرها، ولكن عاندتم أو جهلتم، ولهذا سمي اللَّه تعالى اليهود الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [ (3) ] والنصارى الضالين [ (3) ] ، لأن تكذيب اليهود عناد، وتكذيب النصارى يغلب عليه الجهل، ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم، فثبت بثبوت هذه الأدلة أن محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم المكيّ الهاشمي صلّى اللَّه عليه وسلم [رسول] [ (1) ] حق ونبي صدق.
وأما تقرير نسخ الملة المحمدية لسائر الملل
وأما تقرير نسخ الملة المحمدية لسائر الملل فإنا نقول: أكبر خصومنا في ذلك اليهود، فلنجعل كلامنا معهم فنقول: إن من أعظم تلاعب الشيطان باليهود إصرارهم على الكفر بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وحجرهم على اللَّه تعالى في نسخ الشرائع، فحجروا عليه سبحانه أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وجعلوا هذه الشبهة الشيطانية تراسا لهم في جحد نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم وقرروا ذلك أن النسخ يستلزم البداء [ (1) ] ، وذلك يقتضي الجهل بعواقب الأمور، وهو على اللَّه تعالى محال، وردّ بمنع لزوم البداء من النسخ، وإنما هو بحسب اختلاف مصالح الخلق متعلقا ذلك كله بالعلم الأزلي- كما يأتي تقريره-.
ولنا في جواز النسخ أنه إما بيان أنها مدة الحكم أو رفع الحكم الشرعي بطريق شرعي، وكلاهما لا يلزم منه محال فوجب القول بجوازه، ولأن الشرع للأديان كالطبيب للأبدان، فجاز أن ينهي اليوم عن ما أمر به أمس، كما يصف الطبيب اليوم للمريض ما نهاه عنه أمس، وذلك بحسب المصالح أو إرادة المكلّف- وهو الشارع- ولأنه قد وقع في التوراة في عدة صور، فالقول بجوازه لازم. هذا، وقد أكذبهم اللَّه تعالى في نص التوراة، كما أكذبهم القرآن بقوله: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (1) ] . فتضمنت هذه الآيات بيان كذبهم في إبطال النسخ، فإنه سبحانه أخبر أن الطعام كله كان حلالا قبل إنزال التوراة سوى ما حرم إسرائيل على نفسه منه، ومعلوم أن بني إسرائيل كانوا على شريعة أبيهم إسرائيل وملته، وأن الّذي كان حلالا لهم إنما هو بإحلال اللَّه لهم على لسان إسرائيل والأنبياء بعده إلى حين نزول التوراة، ثم جاءت التوراة بتحريم كثير من المآكل عليهم، وهي التي كانت حلالا لبني إسرائيل، وهذا محض النسخ.
قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ متعلق بقوله: كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ، أي كان حلالا لهم قبل نزول التوراة وهم يعلمون ذلك، ثم قال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، هل تجدون فيها أن إسرائيل حرم على نفسه ما حرمته التوراة؟ أم تجدون فيها تحريم ما خصه بالتحريم وهو لحوم الإبل وألبانها خاصة، وإذا كان إنما حرم هذا وحده وكان ما سواه حلالا له ولبنيه، وقد حرمت التوراة كثيرا من المحلل ظهر كذبكم وافتراؤكم في إنكار نسخ الشرائع والحجر على اللَّه تعالى نسخها، ثم يقال لهم: أتعرفون أنه كان قبل التوراة شريعة أم لا؟ وهم لا ينكرون أن قبل التوراة شريعة، فيقال لهم: فهل رفعت التوراة شيئا من أحكام تلك الشرائع المتقدمة؟ فقد جاهروا بالكذب. وإن قالوا: رفعت بعض الشرائع المتقدمة فقد أقروا بالنسخ، ويقال لهم: أليس اللَّه تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده ثم نهاه عنه؟ وهذا نسخ، أليس أن الأرض لما قسمت بين الأسباط كان غربيّ الشريعة لتسعة أسباط ونصف سبط، وشرقيّه لسبطين ونصف سبط؟ فذلك من قبل الجميع وقسم الجميع، وهذا نسخ، أو ما تزوج إبراهيم بأخته لأبيه فمنع التوراة منه، وتزوج عمران بعمته، وجمع يعقوب بين الأختين وقد منع التوراة منه، وهذا نسخ. ويقال لهم أيضا: هل أنتم اليوم على ما كان عليه موسى عليه السلام؟ فإن قالوا: نعم، قيل لهم: أليس في التوراة أن من مسّ عظم ميت أو وطئ قبرا أو حضر ميتا عند موته فإنه يصير من النجاسة بحال لا مخرج له منها إلا برماد البقرة التي كان الإمام الهاروني يحرقها؟ ولا يمكنهم إنكار ذلك! فيقال لهم: فهل أنتم اليوم على ذلك؟. فإن قالوا: لا نقدر عليه، قيل لهم: فلم جعلتم أن من مس العظم والقبر والميت طاهرا يصلح للصلاة، والّذي في كتابكم خلافه؟ فإن قالوا: لأنا عدمنا أسباب الطهارة- وهي رماد البقرة-، وعدمنا الإمام المستغفر، قيل لهم: فهل أغناكم عدمه عن فعله أو لم يغنكم؟.
فإن قالوا أغنانا عدمه عن فعله قيل لهم: قد تبدل الحكم الشرعي من الوجوب إلى إسقاطه لمصلحة التعذر، وكذلك يتبدل الحكم الشرعي من الوجوب إلى إسقاطه لمصلحة التعذر بنسخه لمصلحة النسخ، فإنكم إن بنيتم على اعتبار المصالح والمفاسد في الأحكام فلا ريب أن الشيء قد يكون مصلحة في وقت دون وقت، وفي شريعة دون أخرى، كما كان تزوج الأخ بالأخت مصلحة في شريعة آدم عليه السلام، ثم صار مفسدة في سائر الشرائع، وكذلك إباحة العمل يوم السبت، كان مصلحة في شريعة إبراهيم عليه السلام ومن قبله، ومفسدة في شريعة آدم عليه السلام، وأمثال ذلك ذلك كثيرة. وبالجملة فالتحليل والتحريم تبع لمجرد مشيئة اللَّه الّذي لا يسأل عما يفعل، فإن قالوا: لا نستغني في الطهارة عن الطهور الّذي كان عليه أسلافنا، فقد أقروا بأنهم الأنجاس أبدا، ولا سبيل لهم إلى حصول الطهارة، فإن أقروا بذلك قيل لهم: فما بالكم تعتزلون الحائض بعد انقطاع الحيض وارتفاعه سبعة أيام اعتزالا تخرجون فيه عن الحدّ بحيث أن أحدكم إذا لمس ثوبه ثوب المرأة تجنبتموه مع ثوبه؟. فإن قالوا: كل ذلك من أحكام التوراة، قيل لهم: أليس في التوراة أن ذلك يراد به الطهارة؟ فإذا كانت الطهارة قد تعذرت عندكم، والنجاسة التي أنتم عليها لا ترتفع بالغسل فهي إذا أشد من نجاسة الحيض، ثم إنكم ترون أن الحائض طاهرا إذا كانت من غير ملّتكم ولا تنجسون من لمسها ولا الثوب الّذي لمسته، فتخصيص هذا الأمر بطائفتكم ليس في التوراة منه شيء، وهذا الفصل ممّا يحتاج إليه. فافرض أن يهوديا رام مناظرتك أو رمت مناظرته فإنك لم تعلم حقيقة ما هو عليه وما تبطل به قوله من كتابه، وإلا تسلط عليك وتوجهت الملامة من اللَّه ورسوله إليك، فإن قال بعض اليهود: التوراة قد حظرت أمورا كانت مباحة من قبل ولم تأت بإباحة محظور، والنسخ الّذي ننكره ونمنع منه هو ما أوجب إباحة محظور، لأن تحريم الشيء إنما هو لأجل ما فيه من المفسدة، فإذا جاءت شريعة بتحريمة كان ذلك من مؤكداتها ومقرراتها، فإذا جاء من إباحة علمنا بإباحته المفسدة أنه غير نبي، بخلاف تحريم ما كان مباحا، فإنا نكون متعبدين بتحريمه وشريعتكم وردت بإباحة أشياء كثيرة مما حرمته التوراة، مع أنه إنما حرمه اللَّه لما فيه من المفسدة قيل له:
لا فرق في اقتضاء المصلحة بين تغيّر الإباحة بالتحريم أو التحريم بالإباحة، والشبهة التي عرضت في أحد الموضعين، هي بعينها في الموضع الآخر، فإن إباحة الشيء في الشريعة تابع لعدم مفسدته، إذ لو كانت هناك مفسدة راجحة لم تأت الشريعة بإباحته، فإذا حرمته الشريعة الأخرى وجبت قطعا أن يكون تحريمه فيها هو المصلحة، كما كان إباحته في الشريعة الأولى هي المصلحة، فإن تضمن إباحة المحرم في الشريعة الآخرة إباحة المفسدة- وحاش للَّه- تضمن تحريم المباح في الشريعة الأولى تحريم المصالح، وكلاهما باطل قطعا. فإذا جاز أن تأتي شريعة التوراة بتحريم ما كان إبراهيم تقدمه يستبيحه، فجائز أن تأتي شريعة أخرى بتحليل بعض ما كان في التوراة محظورا، وهذه الشبهة هي التي ردت بها اليهود نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، هي بعينها التي رد بها أسلافهم نبوة المسيح عليه السلام، لا تقر بنبوة من غير التوراة. فيقال لهم: فكيف أقررتم لموسى عليه السلام بالنّبوّة، وقد جاء بتغيير بعض الشرائع [التي] تقدمته، فإن قدح ذلك في المسيح ومحمد صلوات اللَّه عليهما قدح في موسى، فلا [تكون] في نبوتهما بقادح إلا ومثله في نبوة موسى سواء، كما أنكم لا تثبتون نبوة موسى ببرهان إلا وأضعافه شاهد على نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فمن أبين المحال أن يكون موسى رسولا صادقا ومحمد ليس برسول، أو يكون المسيح رسولا ومحمد ليس برسول. ويقال لليهود أيضا: لا تحلوا المحرم، إما أن يكون تحريمه لعينه وذاته بحيث لم يعهد في زمان من الأزمنة إباحته، وإما أن يكون تحريمه لما يتضمنه من المفسدة في زمان دون زمان، ومكان دون مكان، وحال دون حال، وإن كان الأول لزم أن يكون ما حرمته التوراة محرما على جميع الأنبياء في كل زمان ومكان، من عهد نوح إلى خاتم الأنبياء صلّى اللَّه عليه وسلم. وإن كان الثاني، ثبت أن التحريم والإباحة تابعان للمصلحة، وإنما يختلف باختلاف الزمان والمكان والحال، فيكون الشيء الواحد حراما من ملة دون ملة، ووقت دون وقت، وفي مكان دون مكان، وهذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل عليهم السلام، ولا يليق بحكمة أحكم الحاكمين غير ذلك.
ألا ترى أن تحريم السبت لو كان حراما على نوح وإبراهيم وسائر النبيين، وكذلك ما حرمته التوراة من المطاعم والمناكح وغيرها، لو كان حراما لعينه وذاته لوجب تحريمه على كل نبي وفي كل شريعة، وإذا كان اللَّه تعالى لا حجر عليه بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ويبتلى عباده بما شاء، ويحكم ولا يحكم عليه، فما الّذي يحمل عليه ويمنعه أن يأمر أمة بأمر من أوامر الشريعة ثم ينهي أمة أخرى عنه، أو يحرم على أمة شيئا ويبيحه لأمة أخرى، بل أي شيء يمنعه تعالى؟. ذلك بقوله: ما ننسخ من آية أو [ننساها] [ (1) ] نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (2) ] ، فأخبر سبحانه أن عموم قدرته وتصرفه في مملكته وخلقه لا يمنعه أن ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء، كما أنه يمحو من أحكامه القدرية الكونية ما يشاء ويثبت، فهكذا أحكامه الدينية الأمرية ينسخ منها ما يشاء ويثبت ما يشاء، فمن أكفر الكفر وأظلم الظلم أن يعارض الرسول الّذي جاء بالبينات والهدى، ويدفع نبوته ويجحد رسالته بكونه أتى بإباحة بعض ما كان محرما على من قبله، أو بتحريم بعض ما كان مباحا لهم، ومن العجب أن اليهود تحجر على اللَّه تعالى أن ينسخ ما يشاء من شرائعه، وفي توراتهم أن اللَّه- تعالى عن قولهم- يأسف على خلقه الإنسان لأفكارهم الخبيثة، فخلقه أن يبيدهم فأبادهم. ثم لما أرسل الطوفان أسف وندم وقال: ما عدت أهلك الخلق به مرة أخرى، فمن يندم ويتأسف كيف يمتنع عليه البداء على قولهم؟ وهم قد تركوا شريعة موسى عليه السلام في أكثر ما هم عليه، وتمسكوا بما شرعه لهم أحبارهم وعلماؤهم، فمن ذلك: أنهم يقولون في صلواتهم ما هذه ترجمته: اللَّهمّ اضرب ببوق عظيم لعتقنا واقبضنا جميعا من أربعة أقطار الأرض إلى قدسك، سبحانك يا جامع شتات قومة إسرائيل. ويقولون كل يوم ما ترجمته: أردد حكامنا كالأولين، وسيرتنا كالابتداء، وابن أورشليم قرية قدسك وعزنا ببناها، سبحانك يا باني يورشليم. فهذه أقوالهم في صلواتهم مع علمهم بأن موسى وهارون عليهما السلام لم يقولا شيئا من ذلك، ولكنها فصول لفقت بعد زوال دولتهم.
وكذلك صيامهم: كصوم احتراق بيت المقدس، وصوم كدليا وصوم صلب هامان، ليس شيء منها في التوراة، ولا صامها موسى ولا يوشع، وإنما وضعوها لأسباب اقتضت عندهم وضعها- كما بينته في موضعه من كتاب (المواعظ والاعتبار) [ (1) ] . وهذا مع أنه في التوراة ما ترجمته: لا [تزيدوا] على الأمر الّذي أنا موصيكم به شيئا ولا تنقصوا منه شيئا. وقد تضمنت التوراة أوامر كثيرة جدا، وهم مجمعون على تعطيلها وإلغائها، فإما أن تكون منسوخة بنصوص أخرى من التوراة، أو بنقل صحيح عن موسى عليه السلام، أو باجتهاد علمائهم وأحبارهم، وعلى التّقادير الثلاث فقد بطلت شبهتهم في إنكار النسخ. ثم من العجب أن أكثر تلك الأوامر التي هم مجمعون على عدم القول والعمل بها، إنما يستندون فيها إلى قول علمائهم وآرائهم، وقد اتفقوا على تعطيل رجم الزاني- وهو نص التوراة- ومن مذهبهم: أن الفقهاء إذا أحلوا لهم الشيء صار حلالا، وإذا حرموه صار حراما وإن كان نص التوراة بخلافه!!. وهذا تجويز منهم لنسخهم ما شاءوا من شريعة التوراة، فحجروا على الرب تعالى أن ينسخ ما يريد من شريعته، وجوزوا ذلك لأحبارهم وعلمائهم، فأشبهوا إبليس في أنه تكبر في أن يسجد لآدم، ورأى ذلك نقيصة له، ثم رضى أن يكون قوادا لكل عاص وفاسق من أولاد آدم. وأشبهوا أيضا [عبّاد] الأصنام في أنهم أنفوا أن يكون النبي المرسل من اللَّه تعالى إليهم بشرا ثم رضوا أن يكون إلههم ومعبودهم حجرا نحتوه بأيديهم، وأشبهوا أيضا النصارى فإنّهم نزهوا [بطارقتهم] عن الولد والصاحبة، ولم يتحاشوا من نسبة ذلك إلى اللَّه رب العالمين سبحانه وتعالى. ولم يبق لليهود إلا أن يقولوا: إن موسى عليه السلام نص على دوام شريعته وتأبدها ما دامت السموات والأرض، وهو يقتضي أن لا ناسخ لها، فأحد الأمرين لازم: إما كذب خبر موسى، أو بطلان شرع من بعده.
وأجيب عن هذا بجوابين: أحدهما: أن هذا من موضوعات ابن الراونديّ وضعه لليهود فتمسكوا به، وهذا جواب ضعيف، لأن النص [عنده] موجود في التوراة، ولا حاجة لهم إلى وضع ابن الراونديّ. الثاني: القدح في تواتر هذا الخبر بأن بخت نصّر لما فتح بيت المقدس حرق التوراة وقتل اليهود حتى أفناهم إلا يسيرا منهم لا تحصل التوراة بخبره، فصار هذا الخبر آحادا لا يقبل في العمليات. وهذا الجواب قريب غير أنه ليس بشاف لأنهم يدّعون أن تواتره تواتر التوراة جميعا ويمنعون ما ذكر من سبب انقطاع التواتر بأن بخت نصّر أسر نحو عشرة آلاف من بني إسرائيل منهم أربعة آلاف من أولاد الأنبياء مثل دانيال ونحوه، وكلهم يحفظ التوراة عن ظهر قلب، وهم منازعون في تصحيح هذه الدعوى، ولا معول لهم في تصحيحها إلا على أنقال [ (1) ] موجودة في كتب لا يقدرون من تصحيحها إلا على مجرد الدعوى. وهب أن ما ادعوه كما قالوا، فقد وقع بهم بعد ذلك عدة ملوك منهم ملك مصر، واستبعدهم سبع سنين ونصب الأوثان والأصنام في محاريبهم ببيت المقدس، فأمر غابيوس قيصر ملك الروم أن تنصب أصنامه هو في محاريب اليهود ومعابدهم، فنصبت، وأحاطت باليهود بلايا كثيرة ووقع فيهم الاختلاف حتى كان بعضهم يقتل بعضا في الأسواق. وفرّ ملكهم أعربماس بن أسربلوس من هردوس من القدس إلى رومية، وأخبر قيصر بما هم عليه من الشر، فبعث عسكرا كثيفا قتل منهم وأسر ملا يحصى كثرة، ونقل أكثرهم إلى أنطاكية ورومية وخربت القدس، ثم بعث قيصر قائدا على جيش كبير لتخريب القدس وقتل جميع اليهود وقد عمروا القدس فحصرهم سنة وخرّب معاملات اليهود وقتلهم ثم سار عنهم، وقدم طيطش فحصر القدس سنتين حتى مات أكثر أهلها جوعا، ووقع بينهم مع ذلك الاختلاف فاقتتلوا وهم محصورون حتى فنى أكثرهم، ثم أخذهم طيطش عنوة وقتل من اليهود ما يجل عن الوصف، حتى
أن عدد من مات منهم في الحصار ألف ألف ومائة ألف. وخرّب المدينة والهيكل وأحرق الجميع بالنار، وسار معه منهم نحو مائة ألف نفس، فأفنى الجميع بأنواع القتل، ولم يبق أحد منهم في بيت المقدس، واشتد الأمر على من بقي منهم برومية ونحوها، حتى لم يكن أحد منهم يظهر إلا قتل، وتراجع منهم أناس إلى بيت المقدس فبعث إليهم ملك الروم جيشا قتل معظمهم، ولم يبق منهم إلا من فرّ. ثم في سنة سبع وأربعين وأربع مائة للإسكندر أخرب ملك الروم ما بقي بالقدس من العمارة، وقتل عامة من به من يهود، و [بنى] عمودا على باب مدينة القدس ونقش عليه: هذه مدينة إلياء، ويعرف اليوم موضع هذا العمود بمحراب داود. ثم عمّر القدس فقدم إليها عدة من اليهود فبعث إليهم ملك الروم عسكرا حصرهم حتى مات أكثرهم جوعا، ثم أخذ المدينة وقتل معظم اليهود، وخرّبها حتى بقيت صحراء. وتبع اليهود فاستأصل شأفتهم وأنزل اليونان بالقدس وذلك بعد تخريب طيطش بثلاث وخمسين سنة. ثم جمع اليهود رجل منهم فبعث ملك الروم جيشا فقتلوا أكثرهم. وفي سنة خمس وعشرون وخمسمائة للإسكندر وقعت حروب بين اليهود والسّامرة قتل فيها من الفريقيين ما يجل عن الوصف، وفي قسطنطين الأكبر أمر أن لا يسكن يهودي الفرس وأدخل الجميع في دين النصرانية، ثم امتحنهم يوم [الفصح] بأكل الخنزير فلم يأكلوه فقتلهم عن آخرهم. وما برحت ملوك النصارى بقتلهم أبرح قتل إلى أن كانت أيام هرقل وقد ظهر دين الإسلام فأوقع باليهود في سائر مملكته ببلاد الشام وأرض مصر وإفريقية وقسطنطينية وأعمالها، وقتل جميعهم حتى لم يبق منهم إلا من اختفى أو فرّ. وقد أفردت في محن اليهود وما أنزل اللَّه بهم من البلاء الّذي تأذّن في كتابه العزيز أن يكون عليهم إلى يوم القيامة جزاء جمعته من كتبهم وكتب النصارى، ليكون أعظم حجة عليهم، فليت شعري، أي تواتر يبقى مع هذه الرزايا المجيحة، والدواهي المبيرة، والمحن التي لا تبقي ولا تذر، إلا أن القوم بهت، وأكثر أصحابنا من الفقهاء
والمحدثين، والنظار والمتكلمين، لا يلمون بأخبار اليهود، فينصبون الكلام معهم جدلا، وإلا فاليهود إذا نوظروا بما في كتبهم من محنهم تبين لمناظرهم أنه ليس معهم خبر يصح، فكيف يدعى فيه التواتر؟ ومع ذلك ففي توراتهم نصوص كثيرة وردت مؤبدة، ثم تبين أن المراد بها التوقيت بمدة مقدرة، كقوله: إذا خربت صور لا تعمر أبدا، ثم عمرت بعد خمسين عاما. ومنها إذا خدم العبد سبع سنين أعتق، فإن لم يقبل العتق استخدم أبدا، ثم أمر بعتقه بعد مدة معينة سبعين سنة، فإذا جاز في هذه النصوص المؤبدة أن يراد بها التوقيت فلم لا يجوز في نص موسى على تأييد شريعته بتقدير صحته؟ وإلا فما الفرق؟. فإن قيل: إذا جاز أن يكون نصّ موسى المؤبد مؤقتا حتى جاز نسخ شرعته، جاز أن يكون نص محمد صلّى اللَّه عليه وسلم على تأبيد شريعته مؤقتا فيجوز نسخها بعده بغيره، وأنتم أيها المسلمون تأبون ذلك؟. قلنا: لا يلزم ذلك، والفرق بين النّصّين أن كتاب موسى الّذي بيدكم الآن قد بينا أنه غير متواتر، بخلاف كتاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي هو القرآن، فتواتره عندنا وعندكم غير خاف على علمائكم. ونشترك معكم فنقول: قد ورد في توراتكم نصوص بلفظ التأبيد والمراد بها التوقيت كما بينا طرفا منها، بخلاف القرآن فإنه لم يرد بذلك، فلم يرد مثله في نصه- بحمد اللَّه- وها هو قد طبق الأرض، واجتهدتهم أنتم وغيركم في نقضه، فلم تطيقوا ذلك، فإن اللَّه قد حفظه من التحريف والتبديل والتغيير فيه بزيادة أو نقصان، بخلاف توراتكم، وها أنا أبين حقيقة توراتكم وأنها ليست بالتوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام واللَّه المعين الموفق.
وأما أن التوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام
وأمّا أنّ التّوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى عليه السلام فاعلم أن توراة اليهود: بيد اليهود نسخة، وبيد السامرية نسخة، وبيد النصارى نسخة، والنّسخ الثلاث مختلفة في كثير من الأمور غير متوافقة، وكل فرقة تحيل التحريف على غيرها، فالتغيير لازم، ويظهر عند التأمل أن التوراة التي بأيديهم الآن في مشارق الأرض ومغاربها قد زيد فيها وغيرت ألفاظ منها وبدلت، وليست هي التوراة التي أنزلت على موسى، لأن موسى عليه السلام صان التوراة عن بني إسرائيل خوفا من اختلافهم من بعده في تأويلها المؤدي إلى تفرقهم أحزابا وإنما سلمها إلى عشيرته أولاد لاوي. والدليل على ذلك قوله تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [ (1) ] ، قيل: حرفوه بالتبديل، وقيل: بالتأويل، والحق: أنهم حرفوه بالأمرين، ولعل اختلاف العبارتين في قوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ومِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ [ (2) ] إشارة إلى ذلك، ويشبه أن تحريفه من بعد مواضعه بالتبديل، وعن مواضعه بالتأويل، لأن التبديل أخص التحريفين، ومن بعد مواضعه أخص العبارتين، فيجعل الأخص للأخص عملا بموجب المناسبة. وقد قال في التوراة: وكتب موسى هذه التوراة ودفعها إلى الأئمة من بني لاوي وكان بنو هارون قضاة اليهود وحكامهم، لأن الإمامة وخدمة القرابين والبيت المقدس كانت موقوفة عليهم، ولم يبذل موسى عليه السلام من التوراة إلا نصف سورة، وهي التي قال فيها: وكتب موسى هذه السورة وعلمها بني إسرائيل- هذا نص التوراة عندهم. قال: وتكون لي هذه السورة شاهدة على بني إسرائيل، وفيها: قال اللَّه: لأن هذه السورة لا تنسى من أفواه أولادهم، وهذه السورة مشتملة على ذم طبائعهم، وأنهم سيخالفون شرائع التوراة، وأن السخط يأتيهم بعد ذلك، ويخرب ديارهم، ويشتتون في البلاد.
فهذه السورة تكون متداولة في أفواههم كالشاهد عليهم، الموقف لهم على صحة ما قيل لهم، فلما نصت التوراة على أن هذه السورة لا تنسي من أفواه أولادهم دلّ على أن غيرها من السور ليس [كذلك] . وأنه يجوز أن ينسي من أفواههم. وهذا يدل على أن موسى عليه السلام لم يعط بني إسرائيل من التوراة إلا هذه السورة، وأما التوراة نفسها فدفعها إلى أولاد هارون، وجعلها فيهم، وصانها عن سواهم. وهؤلاء الأئمة الهارونيون الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها قتلهم بخت نصّر يوم فتح بيت المقدس، وحرق التوراة والمزامير كما حرقها نردوش اليوناني لما استولى على القدس. ولم يكن حفظ التوراة فرضا عليهم ولا سنّة بل كان كل أحد من الهارونيين يحفظ فصلا من التوراة، فلما رأى عزرا أن القوم قد احترق هيكلهم، وزالت دولتهم، ورفع كتابهم، جمع من مخطوطاته ومن الفصول التي تحفظها الكهنة ما اجتمعت منه هذه التوراة التي بأيديهم، وذلك بعد حين من السنين، ولذلك بالغوا في تعظيم عزرا هذا غاية المبالغة، وزعموا أن النور الآن يظهر على قبره- وهو على بطائح العراق- لأنه جمع لهم ما يحفظ دينهم، وغلا بعضهم فيه حتى قالوا: هو ابن اللَّه، ولذلك نسب اللَّه تعالى ذلك إلى اليهود بقوله: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [ (1) ] نسبة إلى جنسهم لا إلى كل فرد منهم. فهذه التوراة التي بأيديهم في الحقيقة كتاب عزير، وفيها من التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى، وأول دليل على أنها ليست التوراة التي أنزلها اللَّه أنه قال في آخرها: وتوفي هناك موسى عبد اللَّه في أرض موآب بقول الرب، ودفنه في الوادي في عربات موآب [ (2) ] ، ولم يعرف إنسان موضع قبره إلى اليوم، وكان قد أتى على موسى يوم
توفى مائة وعشرون سنة، ولم يضعف بصره، ولم يتسخ وجهه، [وبكى] على موسى بنو إسرائيل ثلاثين يوما في عربة موآب [ (1) ] . فلما تمت أيام حزنهم على موسى امتلأ يوشع بن نون من روح الحكمة، لأن موسى كان قد وضع يده على رأسه في حياته، وكان بنو إسرائيل يطيعونه ويعملون بأمره، كما أمر الرب موسى. ولم يقم أيضا نبي في بني إسرائيل مثل موسى الّذي عرفه الرب وجها قبل وجهه، وعمل جميع الآيات التي أمره اللَّه أن يعملها بأرض مصر لفرعون، وجميع عبيده وكل أرضه، وأكمل كل البيداء العزيزة مع المنظر العظيم الّذي عاين بنو إسرائيل من فعال موسى. هذا نص التوراة! فتأملوا يا عقلاء بني آدم هذا الفصل، هل يجوز أن يكون منزلا من عند اللَّه على موسى؟ أو هو أخبار مخبر منهم عما جرى بعد وفاة موسى، تجدوه حكايتهم لما جرى، وقد أوردت هذا على حبر من أحبار يهود فانقطع ولم يجر جوابا. ثم إن هذه التوراة تداولتها أمة قد مزّقها اللَّه كل ممزّق، وشتت شملها، وقطّعها في الأرض أمما- أي فرقا متباينين في الأقطار جميعا- فقلّ أرض لا يكون فيها منهم شرذمة، وتأذّن ربك أن يبعث عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب، وهذا حالهم، وهم في كل مكان تحت الصّغار والذّل، سواء كان أهل الأرض مسلمين أو نصارى.
فلحقها ثلاثة أمور [1] :
فلحقها ثلاثة أمور [ (1) ] : أحدها: الزيادة والنقصان، والثاني: اختلاف الترجمة، والثالث: اختلاف التأويل والتفسير، ففيها: بالحبشة نهرا يقال له: جيحون محيط بجبالها، وليس بالحبشة نهر يقال له: جيحون أو جيحان، بل النهران أحدهما في أقصى بلاد العجم، والآخر ينزل من جبال الروم وينصب في بحر الروم، فالواقع والرواية متناقضان، والغلط في كتاب اللَّه ممتنع، فالتوراة مغيّرة. ومنها: أن نوحا أخبر أن حاما يكون عبدا لأخويه، ثم ذكروا أن نمروذ بن كنعان من أولاد حام كان ملكا جبارا، وهو أول ملك ضرب المثل بشدته وشجاعته، وأن مصر وقبطها من أولاده وأنهم استعبدوا بني إسرائيل مائتين من السنين، وهم من بني سام، وهذا تناقض. ومنها: أن إسحاق قال لولده عيص: قد صيرت يعقوب عليك سلطانا، وجعلت كل اخوته له عبيدا، ثم ذكر أن يعقوب لما انصرف من عند أخواله لقي عيص وسجد له سبع سجدات، وأسجد أهله له، وخاطبه يعقوب بالعبودية، وأهدى إليه، وهذا تناقض. ومنها: أن يعقوب قال عند وفاته: لا ينقطع من يهود القضيب ولا من نسله قائد، وقد انقطع القضيب والقائد من نسله مرة ست مرات وسنتين، ومرة سبعا وسبعين سنة، وهذه المرة الثالثة، وما اجتمع بعدها شملهم، ولا يجتمع لقوله تعالى: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [ (2) ] ، والمراد القدرة والسلطة. وعن لوط أنه خرج من المدينة وسكن كهف الجبل ومعه ابنتاه، فقالت الصغرى للكبرى: قد شاخ أبونا فارقدي بنا معه لنأخذ منه نسلا، فرقدت معه الكبرى ثم الصغرى- وهو سكران- ثم فعلتا ذلك في الليلة الثانية وحملتا منه
بولدين! فهل يستجير أحد من الناس [أن يصدق] أن يوقع نبيا كريما في مثل هذه الفاحشة العظيمة في آخر عمره ثم يذيعها عنه، ويجعل ذلك وحيا يتلى في المحاريب آلافا من السنين في أقطار الأرض؟ فهذا ما لا يجوّزه أحد له عقل.
ومنها أن الله تجلى لموسى في سيناء
ومنها أن اللَّه تجلى لموسى في سيناء وقال له بعض كلام كثير: أدخل يدك في [حجرتك] وأخرجها مبروصة كالثلج! وهذا من النمط الأول، واللَّه لم يتجل لموسى، وإنما أمره أن يدخل يده في جيبه، وأخبره أنها تخرج بيضاء من غير سوء، أي برص. ومنها: أن هارون هو الّذي صاغ لهم العجل حتى عبدوه، وهذا إن لم يكن من افترائهم فهو اسم للسامري لا أخو موسى. ومنها: أن اللَّه رأى كثرة فساد الآدميين في الأرض فندم على خلقهم وقال كلاما في آخره: وإني نادم على خلقهم جدا! تعالى اللَّه وتنزه عن ذلك. ومنها: أن اللَّه- سبحانه وتعالى علوا كبيرا- تصارع مع يعقوب فضرب به يعقوب الأرض، ومنها: أن يهوذا بن يعقوب زوج ابنه الأكبر من امرأة يقال لها: يا مارا، فكان يأتيها مستدبرا فغضب اللَّه من فعله فأماته، فزوج يهوذا ولده الآخر بها، فكان إذا دخل بها أمنى على الأرض، علما بأن [ولدها] كان أول أولاده مدعوا باسم أخيه ومنسوبا إلى أخيه، فكره اللَّه ذلك من فعله فأماته، فأمر بها يهوذا باللحاق ببيت أبيها إلى أن يكبر شيلا ولده ويتم عقله، ثم ماتت زوجة يهوذا وذهب إلى منزل له ليجز غنمه. فلما أخبرت يامارا ولبست زي الزواني وجلست له على طريقه، فلما مر بها خالها زانية فراودها عن نفسها فطالبته بالأجرة، فوعدها بجدي ورمى عندها عصاه وخاتمه، فدخل بها فعلقت منه، ومن ولده هذا داود النبي! فانظر كيف اشتمل هذا الافتراء القبيح على طامتين عظيمتين، إحداهما: أم يهوذا هذا أحد الأسباط الاثني عشر، وقد أثنى اللَّه تعالى عليهم، وذكرهم مع كرام الرسل، فقال اللَّه تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [ (1) ] ، وقوله تعالى:
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً [ (1) ] ، فكيف يجوز أن يخبر اللَّه تعالى عن من أمرنا أن نؤمن بما أنزل إليه وأخبر أنه أوحى إليه بأنه زنى ثم يفضحه أشد الفضيحة بأن يجعل الخبر عنه بزنائه وحيا يتلى آلافا من السنين؟ هذا ما لا يشك من له [أدنى] تأمل بأنه إفك مفترى. والثاني: أنهم جعلوا داود عليه السلام ابن زنا، كما جعلوا المسيح [ابن] مريم- رسول اللَّه وكلمته- ابن زنا! ثم كفاهم ذلك حتى نسبوه إلى التوراة، وليس هذا ببدع من شأنهم فقد نسبوا إلى اللَّه العلي الكبير عظائم منها: أنه استراح في اليوم السابع من خلق السموات والأرض! فأنزل اللَّه تكذيبهم على لسان رسوله محمد صلّى اللَّه عليه وسلم في قوله [تعالى] : وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ [ (2) ] . فقد تبين أن التوراة وقع فيها التحريف والتبديل، والزيادة والنقص في عدة مواضع.
وهذه نبذة من مقتضيات غضب الله تعالى عليهم
وهذه نبذة من مقتضيات غضب اللَّه تعالى عليهم واعلم أن مقتضيات غضب اللَّه على اليهود كثيرة: * منها أن اللَّه تعالى فلق البحر لأسلافهم، وأغرق فرعون عدوّهم، وأنجاهم، فما جفّت أقدامهم حتى قالوا لموسى عليه السلام: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ [ (1) ] . * ومنها أن موسى عليه السلام لما ذهب لميقات ربه، لم يمهلوه حتى عبدوا العجل المصنوع بحضورهم. * ومنها أنهم مع مشاهدتهم الآيات والعجائب، كانوا يهمون برجم موسى وهارون- عليهما السلام- في كثير من الأوقات، والوحي بين أظهرهم. * ومنها أن موسى لما ندبهم إلى الجهاد قالوا له: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (2) ] . * ومنها أنهم آذوا موسى بأنواع الأذى، حتى قالوا: أنه آدر [ (3) ] ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا [ (4) ] . * ومنها أن هارون لما مات قالوا لموسى: أنت الّذي قتلته وغيبته، فرفعت الملائكة تابوته بين السماء والأرض حتى عاينوه ميتا. * ومنها أنهم آثروا العودة إلى مصر ليشبعوا من أكل اللحم والبصل، والقثاء والعدس [ (5) ] ، هكذا عندهم، والّذي حكاه عنهم- وهو أصدق القائلين- أنهم آثروا ذلك على المن والسلوى.
* ومنها انهماكهم على الزنا وموسى بين أظهرهم، وعدوهم بإزائهم حتى ضعفوا عنهم، ولم يظفروا بهم كما هو معروف عندهم. * ومنها أن يوشع تزوج زانية مشهورة بالزنا، وأن داود زنا بالمرأة، أو زنا وابنه سليمان منها وأن أمنون بن داود افتضّ أخته من أبيه فقتله شقيقها، وأنه أخذ سراري أبيه داود وفسق بهن، وأن سليمان بن داود بنى لنسائه بيوت الأوثان وأباح لهن عبادتها. * ومنها عبادتهم الأصنام بعد عصر يوشع بن نون عليه السلام. * ومنها تحايلهم على صيد الحيتان يوم السبت، حتى مسخوا قردة خاسئين، واقتدى بهم إلى الآن خلفهم في الوفود ليلة السبت، وغير ذلك من الأعمال المحرمة عليهم في السبت. * ومنها قتلهم كل يوم سبعين نبيا ثم يقيمون سوقهم كأنهم جزور وأغنام. * ومنها قتلهم يحيى بن زكريا ونشرهم أباه زكريا بالمنشار. * ومنها اتفاقهم على تغيير كثير من أحكام التوراة. * ومنها رميهم لوطا عليه السلام بأنه زنا بابنتيه وهو سكران. * ومنها رميهم يوسف عليه السلام بأنه حل سراويله وجلس من امرأة العزيز مجلس القابلة من المرأة، فقام وهرب، وهذا لعمري لو رآه أفسق الناس وأفجرهم لقام عن المرأة ولم يقض وطرا. * ومنها طاعتهم للخارج على ولد سليمان بن [داود] [ (1) ] ، لما وضع لهم كبشين من ذهب فعكفت جماعتهم على عبادتها إلى أن جرت حروب بينهم وبين المؤمنين الذين كانوا مع ولد سليمان، قتل منهم في معركة واحدة ألوف مؤلفة- كما ذكر في كتاب (المواعظ والاعتبار) [ (2) ] ، وفي كتاب (عقد جواهر الأسفاط) [ (2) ] . ثم هم مع ذلك يزرون على أهل الإسلام ويقولون: أنها ترى أكثر الفواحش تقع في المسلمين، إلا ممن هو أعلم وأفقه في دينكم، كالزنا واللواط، والخيانة والحسد، والقتل والغدر، والتكبر والخيلاء، وقلة الورع، وقلة اليقين، وقلة الرحمة والمروءة والحمية، وكثرة الهلع، والتكالب على الدنيا، والكسل في الحسنات، وهذا الحال يكذب لسان المقال.
فيقال لهم: ألا تستحيون من يقين المسلمين الموحدين بذنوبهم؟ أو لا تستحي ذرية قتلة الأنبياء من يقين المجاهدين لأعداء اللَّه وذريتهم؟ فأين ذريته من سيوف آبائهم تقطر من دماء أنبياء اللَّه إلى ذرية من سيوفهم تقطر من دماء أعداء اللَّه الذين كفروا باللَّه وأشركوا به؟. أولا يستحي من يقول لربه في صلاته: انتبه! كم تنام! استيقظ من رقدتك أن يعير من يقول في صلاته: أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [ (1) ] فيا اللَّه، لو بلغت ذنوب المسلمين عدد الحصا والرمال، والتراب والأنفاس، ما بلغت قتل نبي واحد، ولا بلغت قول اليهود: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [ (2) ] ، وقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا [ (3) ] ، وقولهم: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [ (4) ] ، وقولهم: إن اللَّه بكى على الطوفان حتى رقد من البكاء وعادته الملائكة!، وقولهم: إنه تعالى عضّ على أنامله على ذلك، وقولهم: أنه ندم على خلق البشر، وشقّ عليه لما رأى من معاصيهم وظلمهم. وأعظم من هذا كله نسبة هذه العظائم إلى التوراة التي أنزلها اللَّه تعالى على كليمه، وفيها هدى ونور، فو الّذي تقوم السماء بأمره، لو بلغت ذنوب المسلمين ما بلغت، ما كانت في جنب ذلك إلا كقطرة في بحر، أو ذرة في قفر. واللَّه الموفق بمنه.
بحث تاريخي عن الأناجيل التي بين يدي النصارى
بحث تاريخي عن الأناجيل التي بين يدي النصارى إن النصارى كلهم: أريوسييهم، وملكانييهم، ونسطورييهم، ويعقوبييهم، ومارونييهم، ويونانييهم، لا يختلفون في أن الأناجيل أربعة، ألفها أربعة رجال في أزمان مختلفة. فأولها: ألّفه متّى [ (1) ] اليوناني تلميذ المسيح عليه السلام، بعد ثماني سنين من رفع المسيح، وكتبه بالسريانية في بلد يهوذا بالشام، وهو نحو ثمان وعشرين ورقة بخط متوسط.
والثاني: [ (1) ] ألفه مارقس الهاروني، ويقال له: مرقس [ (2) ] ، وهو من السبعين، وهو تلميذ شمعون بن يونا، بعد اثنتي عشرة سنة من رفع المسيح، وكتبه باليونانية في بلد إيطاليا من بلاد الروم، وهي أنطاكية، ويقال: كتبه بمدينة رومية، وزعموا أن شمعون هذا هو الّذي ألّفه، ثم محا اسمه من أوله، ونسبه إلى تلميذه مارقس، وهو نحو أربع عشرة ورقة بخط متوسط.
والثالث: ألفه لوقا [ (1) ]- الطبيب الأنطاكي، تلميذ شمعون المذكور- وكتبه باليونانية في بلد [] [ (2) ] وهي الاسكندرية بعد تأليف مارقس، وهو نحو إنجيل متى. والرابع: ألفه يوحنا ابن زبدي [ (3) ] تلميذ المسيح بعد رفعه بثلاثين سنة، وكتبه باليونانية في بلد آسية، وهو نحو أربع وعشرين ورقة، ويوحنا هذا هو الّذي ترجم إنجيل متى من العبرانية إلى اليونانية.
وعدة هذه الأناجيل الأربعة تسعة آلاف واثنان وستون آية، وليس أحد من النصارى يزعم أن هذه الأناجيل الأربعة منزلة من عند اللَّه على المسيح، ولا أن المسيح أتى بها، بل كلهم يرى فيها ما قلنا. ولا يستريب عالم في أن التبديل والتحريف تطرق إلى لفظها وإلى معناها، وهذه الأناجيل الأربعة يخالف بعضها بعضا ومتناقضة، كما ذكر فيها قصة صلب عيسى، وكيف تكون في الإنجيل الّذي أنزل اللَّه على المسيح قصة صلبه وما جرى له، وأنه أصابه كذا وكذا، وصلب يوم كذا وكذا، وقام من القبر، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى. والإنجيل على قولهم نزل على المسيح قبل صلبه بزعمهم، وغايته أن يكون من كلام الحواريين ثلاثة أناجيل، وسمّوا الجميع إنجيلا وفيها ذكر القول ونقيضه، فمنها أنه قال: إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق غير مقبولة، ولكن غيري يشهد لي. وقال في موضع آخر: إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق، لأني أعلم من أين جئت، وإلى أين أذهب. ومنها أنه لما استشعر بوثوب اليهود عليه قال: جزعت نفسي الآن فماذا أقول يا أبتاه، سلمني من هذا الموقف. ومنها أنه لما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال: يا إلهي! لم أسلمتني؟ فكيف تجمع هذا مع قولهم: إنه هو الّذي اختار نفسه إلى اليهود يصلبوه ويقتلوه، رحمة منه بعباده حتى فداهم بنفسه من الخطايا، وأخرج بذلك آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وجميع الأنبياء عليهم السلام، من جهنم بالحيلة التي دبرها على إبليس. وكيف يبتلى إله العالم بذلك، وكيف يسأل السلامة منه، وهو الّذي اختاره ورضيه، وكيف يشتد صياحه ويقول: يا إلهي! لم اسلمتني؟ وهو الّذي أسلم نفسه، وكيف لم يخلصه أبوه مع قدرته على تخليصه، وإنزال صاعقة على الصليب وأهله؟ أم كان ربا عاجزا مقهورا مع اليهود؟ جلّ اللَّه عن قولهم. ولو أتينا بما حرفوه في الإنجيل لأتينا به أو غالبة، غير أن اللَّه تعالى صرفهم عن بضع وثلاثين موضعا فيها بشارات بنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وإنما إليه ليكون حجة عليهم.
ولهم إنجيل خامس يسمى إنجيل الصبوة، فيه الأشياء التي صدرت من المسيح عليه السلام في حال طفولته، وهو يحكي عن بطرس عن مريم عليها السلام، وفيه زيادات ونقصان، وذكر فيه قدوم المسيح وأمه، ويوسف النجار إلى صعيد مصر ثم عودتهم إلى الناصرة. فقد تبين أن الإنجيل إنما نقله أربعة رجال، منهم اثنان [فقط] [ (1) ] من أصحاب المسيح بل من التابعين لهم، ولا جرم لما نقل هذا الكتاب بلفظ الآحاد وقع فيه الغلط. واللَّه الموفق للصواب وإليه المرجع [والمآب] [ (1) ] .
[المعجزة في رأي المتكلمين]
[المعجزة في رأي المتكلمين] وأما المعجزة، فإنّها على طريقة المتكلمين أمر يظهر بخلاف العادة في دار التكليف، لإظهار صدق [مدعي النبوة] ، مع نكول من يتحدى به عن معارضته بمثله، وقيد بدار التكليف، لأن ما كان في الآخرة من خلاف العادة لا يكون معجزة، وبإظهار صدق مدّعى النبوة احترازا عما يظهر على يد الولي والمتألّه، إذ في ظهور إخلاف العادة على يد المتأله جائز دون المتنبي، والفرق أن ظهوره على يد المتنبي يوجب انسداد باب معرفة النبي، وأما ظهوره على يد المتأله [لا يوجب] [ (1) ] انسداد باب معرفة الإله، لأن كل عاقل يعرف أن الآدمي لاشتماله على أمارات القصور، لا يكون إلها، ولو رئي منه [أيّ خارق] [ (1) ] للعادة. وقيد بإظهار صدقه لأنه لو ظهر لإظهار كذبه لا يكون معجزة، كما لو ادعى المتنبي أن معجزتي نطق هذه الشجرة فأنطقها اللَّه تعالى بتكذيبه لا تكون معجزة، وقيد بنكول من يتحدى به عن معارضته، لأنها تخرج عند المعارضة عن الدلالة، ووجه دلالة المعجزة ما سبق من العلم، فإن اللَّه سامع لدعواه، وأن ما ظهر على يده لا يقدر عليه إلا اللَّه ... إلى آخره. وقال بعضهم: المعجز هو الأمر الممكن الخارق للعادة المقرون بالتحدي الخالي عن المعارض، وقال آخر: المعجزة فعل يظهر على يد من يدعي النبوة بخلاف العادة في زمان التكليف موافقا لدعواه، وهو يدعو الخلق إلى معارضته ويتحداهم أن يأتوا بمثله فيعجزون عنه، فيتبين به صدق من ظهر على يده. وقال آخر: المعجزة أفعال تعجز البشر عن مثلها فسميت بذلك معجزة، وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتهم. وللناس في كيفية وقوعها ودلالتها على تصديق الأنبياء خلاف: فقال المتكلمون بناء على القول بالفاعل المختار: هي واقعة بقدرة اللَّه [تعالى] [ (1) ]
لا بفعل النبي، وإن كانت أفعال العباد عند المعتزلة صادرة عنهم، إلا أن المعجزة لا تكون من جنس أفعالهم، وليس للنّبيّ فيها عند الجميع إلا التحدي بها بإذن اللَّه، وهو أن يستدل بها النبي قبل وقوعها على صدقة في مدعاه، فتنزل منزلة القول الصريح من اللَّه بأنه صادق، وتكون دلالتها على الصدق قطعية، فالمعجزة الدالة مجموع الخارق والتحدي، ولذلك كان التحدي جزءا منها، والتحدي هو الفارق بينهما وبين الكرامة والسحر، إذ لا حاجة إلى التصديق، ولا وجود للتحدي، إلا أن وجد اتفاقا. وإن وقع التحدي في الكرامة عند من يجيزها وكانت لها دلالة، فإنما هي على الولاية، وهي غير النبوة، ومن هنا منع الأستاذ أبو إسحاق وغيره وقوع الخوارق كرامة فرارا من الالتباس بالنّبوّة عند التحدي بالولاية. ومنع المعتزلة أيضا من وقوع الكرامة، لأن الخوارق عندهم ليست من أفعال العباد، وأفعالهم لهم معادة، ولا خارق. وعند الحكماء: أن الخارق من فعل النبي، ولو كان في غير محل القدرة، وبنوا ذلك على مذهبهم في الإنجاب الذاتي، ووقوع الحوادث بعضها عن بعض متوقف على الشروط والأسباب الحادثة، مستندة أخيرا إلى الواجب بالذات [الفاعل] [ (1) ] لا بالاختيار، وأن النفس النبويّة عندهم لها خواص ذاتية، منها: صدور هذه الخوارق بقدرته وطاعة العناصر له في التكوين، والنبي عندهم مجبول على التصريف في الأكوان، متى توجه إليها واستجمع لها بما جعل اللَّه له من ذلك. والخارق عندهم يقع للنّبيّ، كان التحدي أو لم يكن، وهو شاهد بصدقة من حيث دلالته على تصرف النبي في الأكوان، الّذي هو من خواص النفس النبويّة عندهم، لا تنزل منزلة القول الصريح بالتصديق، فلذلك لا تكون دلالتها قطعية كما هي عند المتكلمين، ولا يكون التحدي جزءا من المعجزة، ولم يصبح فارقا لها عن السحر والكرامة. وفارقها عندهم عن السحر: أن النبي مجبول على أفعال الخير مصروف عن أفعال الشر، ولا يلم الشر بخوارقه.
والساحر أفعاله كلها شر، وفي مقاصد الشر، وفارقها عن الكرامة: أن خوارق النبي مخصوصة كصعود السماء، والنفوذ في الأجسام الكثيفة، وإحياء الموتى، وتكليم الملائكة، والطيران في الهواء. وخوارق الولي دون ذلك، كتكثير القليل والحديث عن بعض المستقبل، ونحو ذلك مما هو قاصر عن تصريف الأنبياء، ويأتي النبي بمثل خوارقه، ولا يقدر هو على مثل خوارق الأنبياء. وقد قرر ذلك المتصوفة، فيما كتبوه في طريقهم وفعلوه عن مواجدهم.
[الآية]
[الآية] وأما الآية: فإنّها العلامة، والمعجبة، والخارقة للعادة، فهي أعم من المعجزة، لأن من شرط المعجزة التحدي بها، بخلاف الآية، فقد لا يتحدى بها، بل تظهر خارقة للعادة على يد النبي، وإن لم يتحد بها في الحال، فعلى هذا يقال لما تقدم من ذلك البعثة النبويّة، بل وجوده عليه السلام آية، ولا تقال له: معجزة، إلا بنوع من المجاز بنا، على أن المعجزة بمعنى الخارقة في الجملة، ولذلك لما وقع من ذلك بعد وفاته عليه السلام آية، لأن الآية تشمل المعجزة وغيرها. وقد تغلغل بنا الكلام في هذه المهمات، وفيها فوائد تعود بخير لمن وفقه اللَّه إلى سواء السبيل، وهذا حين أشرع في إيراد ما أمكن من معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأقول: اعلم أن معجزات الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم كثيرة جدا، وقد ذكر بعض أهل العلم أن أعلام نبوته تبلغ ألفا [ (1) ] ، وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ [ (2) ] : والنبي إذا عظم قدره عظمت أسماؤه، وأما معجزاته فقد بينا في كتاب- (الأصول والإملاء لأنوار الفجر) [ (3) ] ألف معجزة جمعناها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، منها ما هو في القرآن قد تواتر، ومنها ما نقل آحادا، ومجموعها خرق للعادة على يديه صلّى اللَّه عليه وسلم. وكانت صورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهيئته وسمته وشمائله، تدل العقلاء على صدقه، ولهذا قال عبد اللَّه بن سلام: فلما رأيت وجهه عرفت أنه ليس بوجه كذاب، ولذا كان من سمع كلامه، ورأى آدابه، لم يدخله شك، وقد كان في صغر سنه وبدء [ (4) ] أمره، يعرف بالأمانة والصدق وجميل الأخلاق، كما تقدم ذكره.
وما أحسن فهم قيصر ملك الروم حيث يقول: ما كان ليترك الكذب على الخلق ويكذب على اللَّه. ومع ذلك فقد أيده اللَّه تعالى بالآيات المعجزات، وما يمتنع عن قدر المخلوقين من براهين النبوة وأعلامها، كسجود الإبل له، وتسليم الصخور عليه، وسعي الأشجار إليه، وكلام الذئاب إياه، وحنين الخشب الموات إلى قربه، وانشقاق القمر حتى رئي الجبل بين فلقتيه، وإخباره بالأمور قبل وقوعها، إلى غير ذلك مما سنورده إن شاء اللَّه من الأحاديث التي تولّاها أهل العدالة والصدق على روايتها، خلفا عن سلف، حتى ينتهي إلى من عاين المعجزات وشاهدها. فجرت عندنا لذلك معجزات رسول الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم مجرى ما شاهدناه ورأيناه، لتوفر دواعي الكافة ننقلها، وكان من أجل أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلم ما قصم به أعداءه في حياته، وأبقاه اللَّه حجة على معاندي الحق بعد وفاته، وهو القرآن الّذي تحدى العرب بأن يعارضوه في سورة أو سور فعجزوا. وذلك أن اللَّه تعالى لما بعث موسى عليه السلام إلى قوم جل علمهم السحر، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به: إلقاء العصا حتى تصير ثعبانا، وإخراجه يده من جيبه بيضاء من غير برص، فعارضوا ذلك بسحرهم فبطل عليهم، ولم يصلوا به إلى إقامة الحجة على موسى. ولما بعث بعيسى عليه السلام إلى قوم عظم عملهم الطب، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به: إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، فانقطعوا عن مقاومته. ولما بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم إلى العرب، كان جل علمهم الشعر والسجع والرجز والنثر، والافتنان في القول، أعطاه من جنس ما يدعون الحذق به، القرآن، وقال لهم صلّى اللَّه عليه وسلم بلسان الإشارة: أنتم أرباب الفصاحة والبيان، وأعلم الناس بأفانين المنطق، وأجناس القول: شعره وسجعه، ورجزه ونثره، فعارضوني بمثل سورة من القرآن الّذي نزل بألفاظكم، موفقا للسانكم، لا يخالف لغتكم، ولا يخرج عن معنى
من كلامكم، فرموه بحزوق شعرهم، ومؤلف سجعهم، وبديع نثرهم، فما أحاطوا به تشبيها، ولا قاربوه تأليفا، حتى إنهم جعلوا يستروحون إلى أن يقولوا لصغارهم وأغبيائهم: هذا القرآن شعر! وتقول طائفة أخرى: هو سحر! ليعذروا في تأخرهم عن الجواب والمعارضة. هذا وقد علموا بأنه مخالف للسحر، ومباين للشعر، كما سنورده إن شاء اللَّه بالأسانيد، فهم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يزل يقرعهم ويوبخهم بانقطاعهم وعجزهم، فيقرأ عليهم قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (1) ] ، وقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (2) ] ، وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ (3) ] ، وقوله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (4) ] . وهم يألمون لما يسمعون من التوبيخ، وقلقون لما يعلمون من وقوع الحجة بهم عند الاعتراف بالعجز، فلما أبوا إلا عناد الحق، دعاهم ذلك إلى القتال، ولو وصلوا إلى أن يعارضوا لخصموا الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وظهروا عليه، واستغنوا عن قتاله، فلما صبروا للحروب وبذل النفوس، والجلاء عن الديار، وذهاب الأموال والأولاد، كان في ذلك أعظم دليل وأوضح برهان على إعجاز القرآن للعالمين، وامتناعه عن قدر المخلوقين.
تنبيه وإرشاد لأهل التوفيق والرشاد
تنبيه وإرشاد لأهل التوفيق والرشاد اعلم أن اللَّه جلت قدرته، خص كل نبي من أنبيائه، ورسول من رسله، بما شاء من فضله، وأيدهم بمعجزات تدل على صدقهم فيما ادعوه من رسالة ربهم، وما من فضيلة كانت لنبي، أو معجزة أيد اللَّه تعالى بها رسولا من رسله، إلا وقد أعطى سبحانه نبيه ورسوله محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مثلها وشبهها، ونحوا منها وأفضل وأجلّ منها، يعرف ذلك من منحه اللَّه تعالى العلم، وورثه التوفيق في الفهم، فكان أول الأنبياء بعثه اللَّه تعالى إلى أهل الأرض، نوح عليه السلام، وكانت آيته التي أوتيها، شفاء غيظه، وإجابة دعوته، في تعجيل نقمة اللَّه تعالى لمن كذبه، حتى هلك من على وجه الأرض من صامت وناطق، إلا من آمن به وركب معه السفينة.
فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام]
فصل في [ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام] وقد أتى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، فإن قريشا لما كذبوه وبالغوا في أذاه وإهانته، دعا عليهم، فاستجاب ربه دعاءه فيهم وقبله، كما خرجه عبد الرزاق، أخبرنا إسرائيل عن إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي عند الكعبة وجمع قريش ينظرون، فقال قائل منهم: ألا ترون إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسلائها، حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانطلق أشقاهم فجاء به، حتى إذا سجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا، وضحكوا حتى مال بعضهم على بعض، فانطلق منطلق إلى فاطمة رضي اللَّه عنها- وهي جويرية- فأقبلت تسعى، وثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا حتى نحّت عنه، وأقبلت عليهم تسبّهم. فلما قضى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صلاته استقبل الكعبة فقال: اللَّهمّ عليك بقريش، ثم سماهم فقال: اللَّهمّ عليك بعمرو بن هشام، وشيبة، وعتبة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد، قال عبد اللَّه: والّذي توفّى نفسه، لقد رأيتهم صرعى يسحبون إلى القليب قليب بدر، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ أتبع أهل هذا القليب لعنة: وسيأتي هذا بطرقه. فانظر لمشابهة هذا الخبر ما أوتيه نوح من إجابة دعائه في هلاك قومه، وتأمل ما ميز اللَّه تعالى به محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك، فإن نوحا عليه السلام لما امتلأ غيظا من أذى المكذبين له، وعيل صبره، ابتهل إلى ربه تعالى يسأله أن ينصره، فقال: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [ (1) ] ، فهطلت السماء بماء منهمر، فكانت دعوته دعوة انتقام وانتصار.
ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم دعا ربه لما قحطت الأرض فهطلت السماء بدعائه بما منهمر، أغاث اللَّه به العباد والبلاد، فكانت دعوته رحمة وغوثا للأنام، كما كان صلّى اللَّه عليه وسلم رحمة للعالمين وسيأتي خبر استسقائه بطرقه. وقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم ليلا ونهارا، فلم يؤمن به إلا دون المائة، ما بين رجل وامرأة [ (1) ] ، وهم الذين ركبوا معه السفينة، ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم كانت مدة دعائه الناس عشرين سنة، فآمن به أمم لا يحصون، ودانت له جبابرة [الأرض] ، خافت ملوكها ككسرى ملك فارس، وقيصر ملك الروم، والنجاشيّ ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر، وإقبال اليمن وملوك البحرين، وحضر موت، وهجر، وعمان، وغيرهم. ودانت له بحمل الإتاوة والجزية: أهل نجران، وهجر، وأيلة، وأكيدر، ودومة، لما أيده اللَّه تعالى به من الرعب الّذي ينزله بقلوب أعدائه، حتى فتح الفتوح الجليلة، ودخل الناس في دين اللَّه أفواجا، فأتوا طائعين راغبين، مصدقين له، مؤمنين بما جاء به، فأي كرامة أعظم، وأي منزلة أرفع من هذا؟ وقد خصّ نوحا عليه السلام بأن نحلة اسما من أسمائه تعالى فقال: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [ (2) ] ، وخصّ محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم باسمين من أسمائه الحسنى، جمعهما له، ولم يشركه فيهما [ (3) ] أحد، قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (4) ] . هذا مع ما خصه به تعالى من مزيد التشريف والتكريم، حيث خاطبه بصفة من صفات الرفعة والشرف، تقوم مقام الكنية، إذا يقول تعالى مخاطبا له صلّى اللَّه عليه وسلم في كتابه العزيز: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ [ (5) ] ، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ [ (6) ] ، يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (7) ] ،
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (1) ] . ولم يخاطب سبحانه غيره من الرسل إلا باسمه، فقال تعالى: يا آدَمُ [ (2) ] ، يا نُوحُ [ (3) ] ، يا إِبْراهِيمُ [ (4) ] ، يا مُوسى [ (5) ] ، يا يَحْيى [ (6) ] ، يا داوُدُ [ (7) ] ، يا عِيسى [ (8) ] ، وكل ذي عقل سليم يرى أن الخطاب للرجل بكنية أجل وأعظم من دعائه وخطابه به [من] [ (9) ] ندائه باسمه. ولما رماه صلّى اللَّه عليه وسلم المشركون بما رموا به من قبله من رسل اللَّه تعالى منذ عهد نوح فقالوا: مجنون، وساحر، وشاعر، ونحو ذلك من افترائهم الّذي نزه اللَّه عنه رسله عليهم السلام، احتمل صلّى اللَّه عليه وسلم أذاهم، وصبر على تكذيبهم له، ثقة منه بأن اللَّه تعالى تولى نصرته، وأنه وليه وظهيره، ولم يسلك مسلك من تقدمه من الرسل، في انتصارهم لأنفسهم، كقول نوح لما قال له قومه: إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (10) ] ، فقال مجيبا عن نفسه: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ [ (11) ] ، وكقول هود لما قال له قومه: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ [ (12) ] فقال دفعا عن نفسه: يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ [ (13) ] ، [و] [ (14) ] كما قال [فرعون] [ (15) ] لموسى: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً [ (16) ] ، فنصر نفسه بنفسه فقال: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [ (17) ] ، ولما قال المشركون لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم: أَإِنَّا لَتارِكُوا [ (18) ] آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ [ (19) ] ، وقالوا: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [ (20) ] ، سكت صلّى اللَّه عليه وسلم صابرا محتسبا. فتولى اللَّه تعالى نصرته بوحي يتلى على مر الأيام إذا يقول: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ
وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] ، وإذ يقول اللَّه تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [ (2) ] ، وكذلك لما قالت قريش: إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [ (3) ] ، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ [ (4) ] ، أعرض عنهم امتثالا لأمر ربه تعالى، إذ قال: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا [ (5) ] ، فأنزل اللَّه تعالى براءته من ذلك، ودافع عنه ونصره، إذ يقول سبحانه: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (6) ] ، وإذ يقول: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [ (7) ] ، في آيات أخر، ولهذا المعنى مزيد بيان فيما يأتي.
وأما إبراهيم عليه السلام
وأما إبراهيم عليه السلام فإن اللَّه تعالى اختصه بمقام الخلّة، فقال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [ (1) ] ، وكسّر عليه السلام أصنام قومه التي كانت آلهتم التي يعبدونها من دون اللَّه غضبا لربه تعالى، وحجبه من نمروذ بحجب ثلاثة، وقصم عليه السلام نمروذ ببرهان نبوته فبهته، وبنى عليه السلام البيت. وقد آتى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك كله بمزيد شرف وأجل تكريم، فالخلة مقامه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيها أكمل مقام، ثبت من طرق عديدة عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل اللَّه. وقد ثبت في صحيح مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة، ومن طريق أبي مالك عن ربعي بن خراش، عن حذيفة قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يجمع اللَّه الناس فيقوم المؤمنون حتى يزلف لهم الجنة، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: يا أبانا، استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى أبيكم إبراهيم خليل اللَّه، قال: فيقول إبراهيم عليه السلام: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الّذي كلمه اللَّه تكليما، فيأتون موسى عليه السلام، فيقول: لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة اللَّه وروحه، فيقول عيسى عليه السلام: لست [بصاحب] [ (2) ] ذلك، فيأتون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم فيقوم، فيؤذن له [ (3) ] ... وهذا يدل على أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أعطى [أعلى من] مقام الخلة، لأنه رفع له الحجاب، وكشف له الغطاء، ولو كان خليلا من وراء وراء، لاعتذر كما اعتذر إبراهيم عليه السلام، فإذا منصب المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم هو [الأعلى] ، من مفهوم قول إبراهيم عليه السلام: إنما كنت خليلا من وراء وراء ولم يشفع، فدلّ [على] أنه إنما يشفع من كان خليلا لا من وراء وراء، مع الكشف والعيان، وقرب المكانة من حضرة القدس لا المكان، وذلك مقام المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم.
وقد تقدم في بعض طرق الإسراء، أنه صلّى اللَّه عليه وسلم لما بلغ سدرة المنتهى قيل له: اسأل، فقال: إنك اتخذت إبراهيم خليلا، إلى أن قال له ربه عز وجلّ: قد اتخذتك حبيبا، ولذلك كسّر الأصنام، فإن الّذي أعطاه اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك، أفضل مما أعطاه إبراهيم عليه السلام، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلم رمى هبل من [أعلى] الكعبة، وأشار يوم فتح مكة إلى ثلاثمائة وستين صنما فوقعت وكسرت بأسرها بمحضر أهل نصرها، وذلك بإشارته صلّى اللَّه عليه وسلم بقضيب ليس مما يكسر مثله عادة، وكان كسر إبراهيم عليه السلام للأصنام بمعول يكسر مثله عادة. وكان كسره عليه السلام لتلك الأصنام التي كسرها بمعوله عند غيبة قومه عن أصنامهم، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم إنما كسرها وقريش الحماة الأبطال، تراها وهي تتساقط على وجوهها، وقد كانوا أمس يرونها آلهة تجلب لهم النفع وتردّ عنهم الضّرّ، فما انتطح في كسرها عنزان، ولا نطق بنصرها ذو لسان. قال عبد اللَّه بن عمر العمري، عن نافع [عن ابن] عمر رضي اللَّه [عنهما] قال: وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما قد ألزمها الشيطان بالرصاص والنحاس، فكان كلما دنا منها مخصرته، تهوى من غير أن يمسها ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (1) ] فتساقط لوجوهها، ثم أمر بهن فأخرجن إلى المسبل. وقد حجب اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم عمن أرادوا قتله بخمسة حجب: ثلاثة منها في قوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (2) ] ، وواحد في قوله تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً [ (3) ] ، والخامس في قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ [ (4) ] ، ويتبين لك معنى كون هذه الحجب إذا نظرت في الهجرة النبويّة، ومكر الذين كفروا به صلّى اللَّه عليه وسلم وخروجه من منزله وهم قيام يريدونه فلم يروه.
وقد قصم صلّى اللَّه عليه وسلم ببرهان نبوته الّذي أتاه مكذبا بالبعث بعد الموت- وهو أبي ابن خلف- وقد حمل عظاما باليا، وفركه ثم قال: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ فأنزل اللَّه تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [ (1) ] ، فانصرف عدو اللَّه مبهورا. كما بهت الّذي كفر- وهو نمروذ- إذ يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [ (2) ] . وقد اختلف في هذا القائل، فقال مجاهد وقتادة: هو أبي بن خلف، وقال سعيد بن جبير [عن ابن] [ (3) ] عباس: هو العاص بن وائل، وصححه الحاكم، وروى [عن أبيه] عباس: أنه عبد اللَّه بن أبي [ابن] [ (4) ] سلول. وإبراهيم عليه السلام، وإن كان له في بناية البيت الحرام شرفا يميز به على من عداه، فإن أعظم ما في البيت: الحجر الأسود، وقد أعطى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، فإن قريشا لما بنت البيت في جاهليتها، اختلفت فيمن يضع الحجر، حتى أشير عليهم بتحكيم أول من يطلع عليهم، فطلع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحكموه، فوضع الحجر في رداء، وأمر كل قبيلة أن ترفع منه شيئا، ثم وضعه صلّى اللَّه عليه وسلم بيده، كما تقدم ذلك بطرقه. ثم انظر قوله تعالى: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [ (5) ] ، يظهر لك أن الخليل عليه السلام كان وصوله بواسطة، وأين ذلك من قوله تعالى في حق محمد صلّى اللَّه عليه وسلم: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى [ (6) ] . وانظر قوله تعالى عن الخليل [عليه السلام] : وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [ (7) ] ، تجد بينه وبين قوله تعالى لنبينا محمد [صلّى اللَّه عليه وسلم] :
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [ (1) ] بونا كبيرا: ذلك طمع في المغفرة، وهذا غفر له بيقين. وكذا قوله [تعالى عن الخليل عليه السلام] [ (2) ] : وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [ (3) ] ، مع قوله [تعالى عن نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] : يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [ (4) ] ، تجده ابتدأ محمدا [صلّى اللَّه عليه وسلم] بالبشارة قبل السؤال. وكذا قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [ (5) ] والخليل قال: حَسْبِيَ اللَّهُ [ (6) ] ، تجد بين المقامين بونا كبيرا. وكذلك قول الخليل: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [ (7) ] ، مع قوله تعالى لمحمد [صلّى اللَّه عليه وسلم] : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (8) ] ، يظهر لك شرف مقامه، لأنه أعطي بلا سؤال. [وكذا] [ (9) ] قول الخليل: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [ (10) ] ، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم قيل له: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (11) ] وفي ذلك تنبيه على علوّ مقام المصطفى ورفيع مكانته صلّى اللَّه عليه وسلم. وأما الذبيح: فإن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم حصل له من شق صدره المقدس ما هو من جنس ما أوتيه الذبيح، فإن الذبيح إسماعيل عليه السلام، صبر على مقدمات الذبح: شد وثاقه، وتله للجبين، وإهواء أبيه بالمدية إلى منحره، [فوفى] [ (12) ] بما وعد به من قوله: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [ (13) ] . وكان لنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك أوفى مقام من الصبر وأجلّ، لأن الّذي حصل من الذبيح إنما هو الصبر على مقدمات الذبح فقط، والمصطفى [صلّى اللَّه عليه وسلم صبر] [ (14) ] على شق صدره، واستخراج قلبه، ثم شقه، ثم استخراج العلقة، ثم غسله، ثم إطباقه، ثم وضعه، ثم إحاطة صدره.
وأين الصبر على مقدمات جز المنحر بالمدية، من الصبر على شق الصدر وإخراج القلب وشقه، فإن صبر الذبيح إنما كان على ما أصابه من صورة القتل لا على فعله، وصبر المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم إنما كان على مقاتل عدوه، ولكن انخرقت العادة ببقاء الحياة، وأدل دليل على مقاساته صلّى اللَّه عليه وسلم الألم في شق صدره قوله: فأقبل وهو ممتقع اللون أو منتقع اللون، ومعناه أنه صار كلون النقع، وهو الغبار، وهو شبيه بلون الأموات، هذا يدل على غاية المشقة، فكان ابتلاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم بشق الصدر وما معه أعظم من ابتلاء الذبيح بما ذكر عنه باعتبارين: أحدهما: أنه ابتلي بذلك فصبر عليه وهو طفل صغير منفرد عن أمه ويتيم من أبيه. والآخر: مقاساة حقيقة الشق للصدر والقلب، وغاية ما ابتلى به الذبيح التعريض بذبحه وبين المقامين في الصبر بون بعيد فتأمله. وأمر آخر: وهو أن الذبيح توطنت نفسه على ما انتابه بقوله أبيه: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [ (1) ] ، والرسول صلّى اللَّه عليه وسلم فجئه ذلك البلاء العظيم على غفلة، فإنه أختطف من الأطفال وفعل به ما فعل، وأين حال من هو مع أبيه وقد أنذره بما يفعل به، ممن يختطفه من لا يعرفه، وينزل به ذلك البلاء العظيم، فإن البغتة أشد على النفس، والفجاءة أقوى رعبا.
وأما هود عليه السلام
وأما هود عليه السلام فإن اللَّه تعالى نصره على قومه الذين عادوه إذ كذبوه بالريح العقيم، وقد أعطى اللَّه سبحانه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم أفضل من ذلك، فانتصر من أعدائه بالريح يوم الخندق، قال تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (1) ] ، فكانت ريح هود ريح سخط وانتقام: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [ (2) ] ، وريح محمد صلّى اللَّه عليه وسلم ريح رحمة، قال تعالى: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (3) ] ، وقال حفص بن غياث، عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه [عنهما] [ (4) ] ، قال: لما كان يوم الأحزاب، انطلقت الجنوب إلى الشمال، فقالت: انطلقي بنا ننصر محمدا رسول اللَّه، فقالت الشمال للجنوب: إن الحرة لا تسري بليل، فأرسل اللَّه عليهم الصّبا، فذلك قوله تعالى: [فَأَرْسَلْنا] [ (4) ] عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (5) ] .
وأما صالح عليه السلام
وأما صالح عليه السلام فإن اللَّه تعالى أخرج له ناقة لتكون حجة له على قومه، وآية لنبوته، لها شرب ولقومه شرب يوم معلوم، وقد أعطى اللَّه سبحانه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك ما لم يؤت صالحا، وذلك أن ناقة صالح عليه السلام لم تكلمه ولا شهدت له بالنّبوّة، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم أتاه البعير الناد شاكيا إليه ما همّ به صاحبه من نحره. خرج أبو بكر بن أبي شيبة من طريق إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبيري عن جابر رضي اللَّه عنه قال: سرنا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أظهرنا كأن على رءوسنا الطير، فأتاه جمل ناد، حتى إذا كان بين السماطين خرّ ساجدا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: من صاحب هذا الجمل؟ فإذا فتية من الأنصار قالوا: هو لنا يا رسول اللَّه، قال فما شأنه؟ قالوا: سقينا عليه منذ عشرين سنة وكانت به مشيخة، فأردنا أن ننحره فنقسمه بين علمائنا فانفلت منا، قال: تبيعونه؟ قالوا: لا، بل هو لك يا رسول اللَّه، قال: أما فأحسنوا إليه حتى يأتي أجله. وسيأتي هذا الحديث بطرقه إن شاء اللَّه تعالى.
وأما إدريس عليه السلام
وأما إدريس عليه السلام فإن اللَّه تعالى قال في حقه: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا، والعلوّ من الأمور النسبية، فتارة يكون علوّ مكان، وتارة وتارة يكون علوّ مكانة، فعلوّ المكان: مقام إدريس عليه السلام، وهو على ما روى الفلك الرابع، رفعه اللَّه إليه. وأما علو المكانة: فهو الّذي خص اللَّه تعالى به المقام المحمدي، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [ (1) ] ، فهو سبحانه وتعالى [منّزه] عن المكان لا عن المكانة، وعلو المكانة أجلّ من علو [المكان] [ (2) ] ، وقد خصّ اللَّه سبحانه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من علو المكانة بما لم ينله أحد غيره، قال تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (3) ] ، فرفع اللَّه تعالى ذكره صلّى اللَّه عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا صاحب صلاة إلا ينادي: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقرن تعالى اسمه الكريم باسمه صلّى اللَّه عليه وسلم في توحيده والشهادة بربوبيته، في مشارق الأرض ومغاربها، وجعل ذلك مفتاحا للصلوات المفروضات. روى [عن] [ (4) ] ابن لهيعة، عن دراج عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (5) ] قال: قال لي جبريل عليه السلام: قال اللَّه: إذا ذكرت ذكرت معي. وقال عثمان بن عطاء الزهري، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما فرغت مما أمرني اللَّه به من أمر السموات والأرض قلت: يا رب، إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد كرّمته، جعلت إبراهيم خليلا، وموسى كليما، وسخرت لداود الجبال، ولسليمان الريح والشياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال: أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله؟ أن لا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرءون ظاهرا، ولم أعطها أمة، وأنزلت عليك كلمة من كنوز عرشي (لا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم) .
وأما يعقوب عليه السلام
وأما يعقوب عليه السلام فإن اللَّه تعالى قال: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ [ (1) ] ، فكانت الأسباط من سلالة يعقوب ومريم ابنة عمران من ذريته، والهداة منه كانوا، فعظم من الخير نصيبه، حتى قال تعالى في أولاده: وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ* وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ [ (2) ] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ* وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ [ (3) ] . وقد أعطى اللَّه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من الخير أوفر الحظّ وأرفع الذكر، وأجزل النصيب، فجعل ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين، وجعل من ذريته الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، روي عن محمد بن حجادة عن عمران بن كثير عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: حسبك من نساء العالمين أربع: فاطمة بنت محمد، وخديجة بنت خويلد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم. وجاء من عدة طرق عن ابن عباس وأبي سعيد الخدريّ مرفوعا: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وعن الشعبي عن أبي جحيفة عن علي رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة قيل: يا أهل الجنة غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد، فتمر وعليها ريطتان خضراوان. وقال حفص بن غياث عن العرزميّ عن عطاء عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة [نادى] [ (4) ] مناد من وراء الحجب: يا أيها الناس غضوا أبصاركم ونكسوا، فإن فاطمة بنت محمد تجوز الصراط إلى الجنة [ (5) ] .
وقال بشر بن إبراهيم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إنما سميت فاطمة لأن اللَّه فطم من أحبها من النار. وقال علي بن عمر بن علي: إن اللَّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك- وقال عمر ابن غياث عن عاصم عن عبد اللَّه يرفعه: أن فاطمة أحصنت فرجها، فحرمها اللَّه وذريتها على النار.
وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل
وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل فإن اللَّه تعالى سخط عليهم بسوء أعمالهم، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، وأنزل فيهم الكتاب، وجعل منهم القردة والخنازير، وقطعهم في الأرض أمما، وجعل الذين اتبعوا الحق فوقهم إلى يوم القيامة، فبان بهذا أن الّذي آتاه اللَّه تعالى من الخير لنبيا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أجل وأعظم مما أوتيه يعقوب عليه السلام، وكذلك تميز نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم على يعقوب في محنته، وذلك أن كلا منهما ابتلى بفقد ولده. فأما يعقوب فإنه حزن على فقد يوسف حتى كاد يكون حرضا من الحزن، فإن حزنه كان حزن إيلاف ومضض واشتياق ووجد، بدليل قوله: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [ (1) ] ، فأصابه بفقد ولد واحد من جملة اثنى عشر ولدا هذا الأسف، ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم فجع بوحيده من الدنيا، وقرّة عينه في حياته، فلم يجزع بل صبر واحتسب، ووفى بصدق الاختيار، مسلّما إلى ما سبقت به الأقدار، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون. فكان سلوكه صلّى اللَّه عليه وسلم في ذلك وفي جميع أحواله منهج الرضا عن اللَّه تعالى، والاستسلام له فيما يقضي ويحكم، ولم يتأسف، بل رضى واستسلم، ففاق صبره صلّى اللَّه عليه وسلم على صبر يعقوب عليه السلام، لفضل قوته وعلو مقداره ومكانته صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأما يوسف عليه السلام
وأما يوسف عليه السلام فإنه فاق في الحسن على جميع الخلق، وقد بلغ نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك ما لا غاية فوقه، وذلك أن يوسف عليه السلام قد ثبت أنه أوتي شطر الحسن، فزعم زاعم أنه عليه السلام اختص بالشطر من الحسن، واشترك الناس جميعا في [الشطر] الآخر، وليس كذلك، بل إنما أوتي شطر الحسن الّذي أوتيه المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بلغ الغاية، وهو عليه السلام بلغ شطر الغاية، بدليل ما خرجه الترمذي من طريق قتادة، عن أنس رضي اللَّه عنه قال: ما بعث اللَّه نبيا إلا حسن الوجه وحسن الصّوت، وكان نبيكم أحسنهم وجها وأحسنهم صوتا. ويؤيد ذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلم وصف بأنه كالشمس الطالعة، وكالقمر ليلة البدر، وأحسن من القمر، ووجهه كأن مذهبة يستنير كاستنارة القمر، وكان عرقه صلّى اللَّه عليه وسلم له رائحة كرائحة المسك الإذخر، وقد تقدم ذلك بطرقه. وقد قاسي يوسف عليه السلام مرارة الغربة، وامتحن بمفارقة أبويه، والخروج عن وطنه، وكان الّذي قاسي نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك أعظم، فإنه اغترب وفارق أهله وولده، وعشيرته وأحبته، كما هاجر من حرم اللَّه وأمنه، حيث مسقط رأسه مضطرا لا مختارا، فاستقبل البيت مستعبرا متلهفا حزينا، وقال: إني أعلم أنك أحب البلاد إلى اللَّه، ولولا أني أخرجت منك ما [خرجت] [ (1) ] ، وخرج ليتأوّلها، فلما بلغ الجحفة أنزل اللَّه عليه: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [ (2) ] وأراه اللَّه تعالى رؤيا أزال بها الحزن عنه، كما أري يوسف عليه السلام رؤيا صدق تأويلها. قال تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ [ (3) ] ، فدخل صلّى اللَّه عليه وسلم مكة آمنا، وصدق وعد اللَّه له، كما جاء تعالى بأبوي يوسف تأويلا لرؤياه من قبل. وقد ابتلى يوسف عليه السلام بالسجن توقيا للمعصية، إذ قال: رب
السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [ (1) ] ، وكذلك ابتلى نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بالسجن في الشّعب وضيق عليه فيه أشد الضيق مدة ثلاث سنين، حتى صنع اللَّه بكيد أضعف خلقه وتسليطها على صحيفة مكر قريش التي عقدوها في قطيعته صلّى اللَّه عليه وسلم، فكان لنبينا من ذلك ما لم يكن ليوسف عليه السلام، لأن يوسف كانت محنته بالسجن من أجل أن امرأة العزيز دعته إلى نفسها فاستعصم، وكانت محنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالإلجاء إلى الشّعب قطيعة من ذوي رحمه، لأنه دعاهم إلى توحيد اللَّه تعالى، وترك عبادتهم الأصنام، وشتان بين هذين المقامين من البون. وعلّم اللَّه يوسف من تأويل الأحاديث- يعني عبارة الرؤيا- ولم يقص تعالى عنه سوى تعبير ثلاث منامات، ونقل عن نبينا من ذلك شيء كثير جدا، مما رآه ومما عبّره لغيره فجاء كفلق الصبح. ومكن تعالى ليوسف في الأرض- يعني أرض مصر خاصة- ونبينا مكّن اللَّه له ولأمته في الأرض كلها، وملك يوسف أهل مصر في زمن الغلاء، وقد ملك نبينا [صلّى اللَّه عليه وسلم] يوم الفتح جلة العرب وصناديد الحجاز وسمّاهم الطلقاء، فأحرز صلّى اللَّه عليه وسلم خصائص يوسف عليه السلام وزاد عليها، ولهذا ترقى عليه ليلة الإسراء ما شاء اللَّه.
وأما موسى عليه السلام
وأما موسى عليه السلام فإن اللَّه تعالى أيده بالعصا، واليد البيضاء، وتفجير الماء من الحجر، وقال تعالى: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا [ (1) ] ، ومقام المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم في المناجاة أرفع، فإن موسى عليه السلام، إنما سمع الكلام والمناجاة على الطور، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم سمع الكلام وقد أسرى به، والملأ الأعلى فضله على الأرض. فأما العصي الخشب الموات فإنّها تصير بإذن اللَّه تعالى ثعبانا تتلقف إفك سحرة فرعون، ثم تعود إلى معناها، وخاصتها من مآرب موسى عليه السلام، وقد أتى اللَّه تعالى نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم أعجب من ذلك، فإنه أشار بقضيب في يده يوم الفتح إلى الأصنام المشدودة بالرصاص شدا محكما إلى الكعبة فيما حولها، وعدتها ثلاثمائة وستون صنما، فكان إذا أشار إليها بالقضيب وقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [ (2) ] سقط الصنم وتكسر جذاذا، فكانت عصا موسى مسلطة على آلة آل فرعون، وقضيب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم سلّط على ما اتخذته قريش آلهة، وأين التسليط على الآلة، من التسلط على الآلهة؟ وأيضا فإن اللَّه تعالى قال عن موسى عليه السلام: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [ (3) ] فسلط عصاه على ذلك التخيل، وقضيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسلط على أمر حقيقي، وأين الخيال من الحقيقة؟ وقد حنّ لنبينا [محمد] [ (4) ] صلّى اللَّه عليه وسلم الجذع اليابس، وخار، وهذا أعجب من حالات عصا موسى عليه السلام، فإن موسى إنما جعل النّبات حيوانا غير ناطق، ونبينا [محمد] [ (4) ] صلّى اللَّه عليه وسلم جعل النبات حيوانا ناطقا، فشارك موسى في قلب الأعيان على وجه أتم، لأن الناطق أتم من غير الناطق، وأبلغ في الأعجوبة إجابة الأشجار واجتماعها لدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما دعاها، ورجوعها إلى أمكنتها بعد أن أمرها. وكان من معجزات موسى عليه السلام، أن يضرب بعصاه الحجر فينفجر منها اثنتا عشرة عينا بعدد الأسباط الاثنا عشر، وقد أيد اللَّه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك
بأعجب وأبدع وأغرب، فإنه بعث سهما ليوضع في عين كانت تبض بماء قليل، فلما وضع السهم فيها استخرج الماء بإذن اللَّه تعالى من تخوم الأرض، وصارت معينا غرس عليها جنان، واشتق منها أنهار. ونبع الماء من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهذا أعجب من العجب، فإن نبع الماء من الحجر لم يزل معهودا مشهورا في العالم، بخلاف نبع الماء من بين أنامل ركبت من عظم ولحم ودم، فإن هذا لم يعط قط مثله إلا لنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فإنه كان يفرج بين أصابعه في مخضب فينبع من بين أصابعه الماء، فيشرب منها الناس ويستقون، وهم يعاينون ماء عذبا جاريا، يروي الأعداد الكثيرة من النّاس والخيل والإبل، ويملئون منه قربهم وأدواتهم، كما سيرد بطرقه إن شاء اللَّه.
وأما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وجازه بأصحابه
وأما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق وجازه بأصحابه فقد ورد أن بين السماء والأرض بحرا مكفوفا، تكون بحار الأرض بالنسبة إليه كالقطرة بالنسبة إلى البحر المحيط، فعلى هذا يكون ذلك البحر قد انفلق لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جاوزه ليلة الإسراء، وذلك أعظم وأفخم من انفلاق بحر القلزم لموسى عليه السلام. وقد أوتي نظير ما أوتى موسى من ذلك: أن العلاء بن الحضرميّ رضي اللَّه عنه، لما كان بالبحرين واضطر إلى عبور البحر، فعبر هو ومن معه من المسلمين، ولم يبتل لهم ثوب ببركة اتباعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه بطرقه. وأما بياض يد موسى عليه السلام من غير سوء- وهو النور- فنظيره لنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أنه نور ينقل في الأصلاب، كما مرّ أنه كان نورا في جبهة أبيه عبد اللَّه ابن عبد المطلب. ولما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطفيل بن عمرو الدوسيّ يدعو قومه إلى الإسلام، دعي له فسطع نور بين عينيه فقال: يا رسول اللَّه! أخاف أن يقولوا مثله؟ فتحول النور إلى رأس سوطه، وكان كأنه شمعة [مضيئة] [ (1) ] آية للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، فكانت كاليد البيضاء، وصارت كعصا موسى التي ذكر في الأخبار أنها كانت تضيء. وأما تفجير الماء من يده صلّى اللَّه عليه وسلم فهو بياض معنوي، فأيّ يد بيضاء أغنى غناء وأبيض ماء من يد كان البحر في الإحسان دونها، والسحب تضاهي معينها؟ وقد ذكر أيضا أن عصا موسى عليه السلام هزم بها الألوف من قوم فرعون، وقد أتى اللَّه تعالى نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أعجب من ذلك، إذ تناول يوم حنين كفا من تراب أو حصى، ورمى به في وجوه هوازن، وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق أحد منهم إلا أصاب عينه شيء من ذلك، وولوا منهزمين. وكان من كرامة موسى المناجاة، ولكنها عن ميعاد واستعداد، وكرامة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم بالمناجاة كانت على سبيل المفاجأة، بدليل قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: (بينا أنا) [ (2) ] . وأما
قوله: فرج سقف بيتي، ولا أبلغ في المناجاة من ذلك، فقد حمل عنه صلّى اللَّه عليه وسلم ألم الانتظار كما حمل عنه ألم الاعتذار في قول موسى عليه السلام: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [ (1) ] . ولا شك أن في منحه هاتين الكرامتين مزيد اختصاص وأجل كرامة. وقد أتى موسى إلى فرعون بالعذاب الأليم، من الجراد والقمل والضفادع والدم، فقد أرسل اللَّه سبحانه على قريش بتكذيبهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الدخان، فكان آية بينة، ونعمة بالغة، قال تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ [ (2) ] . ودعا رسول اللَّه على قريش فابتلوا بالسنين، وسيأتي ذلك إن شاء اللَّه بطرقه. وقد أنزل اللَّه تعالى على موسى وقومه المن والسلوى، وظلل عليهم الغمام، وقد أتى اللَّه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أعظم من ذلك، فإن المن والسلوى رزق رزقهم اللَّه كفاهم به السعي والاكتساب له، وقد أحل اللَّه لنبينا وأمته الغنائم التي [كانت] [ (3) ] محرمة على من قبلهم، وجعلها منة باقية لهم إلى يوم القيامة، وأي قدر للمنّ والسلوى في جنب غنائم كسرى وقيصر، والجلالقة والقوط والقبط وغيرهم ممن غنم المسلمون أموالهم وديارهم، وسبوا نساءهم وذراريهم، ومع هذا كله فإن اللَّه تعالى أعطى أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من جنس ما أعطى موسى وقومه من ذلك، فقذف لهم البحر لما كانوا مع أبي عبيدة في سرية- وقد أصابتهم المجاعة- حوتا يقال له: العنبر، أكلوا منه، وائتدموه نصف شهر بلا سعي ولا طلب. وكان صلّى اللَّه عليه وسلم يشبع النّفر الكثير من الطعام القليل واللبن اليسير، حتى يصيرون شباعا رواء. وكان موسى عليه السلام تنقلب له عصاه ثعبانا تتلقف ما صنعت السحرة، حتى استغاث فرعون بموسى وأخيه رهبة منه وفرقا. وقد أعطى نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أخت هذه الآية بعينها، [وهي] [ (4) ] أن جعل أبا جهل فرعون هذه الأمة احتمل حجرا، وأقبل يريد أن يرضخ به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة، وقد عدت قريش ينتظرون ما يصنع، فلما سجد صلّى اللَّه عليه وسلم، احتمل أبو جهل الحجر وأقبل نحوه،
حتى إذا دنا منه رجع مبهوتا منتقعا لونه من [هول] ما قد يبست يداه على حجره، فلما سأله قومه ما له قال: لما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل. لا واللَّه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط، فهم أن يأكلني. وقد اختار موسى عليه السلام سبعين رجلا من قومه لينفذوا معه إلى ربه تعالى، فلما صاروا في البرية غلب عليه- عليه السلام- روح القرب، فأسرع إلى ربه وترك قومه، فقال له تعالى: وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى * قالَ هُمْ [أُولاءِ] [ (1) ] عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [ (2) ] ، فعبّر عليه السلام عن قصده في العجلة بطلب رضى اللَّه تعالى. ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، أعظم اللَّه شأنه في آيتين، أعلمه فيهما رضاه عنه، وأعطاه سؤله ومناه من غير سؤال منه في ذلك ولا رغبة تقدمت منه، فقال تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [ (3) ] ، وقال تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [ (4) ] ، فمنحه اللَّه رضاه، وأعطاه مناه، في جميع ما يهواه ويتمناه، وغيره من الأنبياء سألوا وطلبوا رضا مولاهم، ومع ذلك فقد خصه اللَّه تعالى مع الرضا بالرحمة والرأفة، فقال تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [ (5) ] ، وكان رقيق القلب صلّى اللَّه عليه وسلم فأمر اللَّه تعالى موسى بالملاينة لفرعون لما كان عليه من الغلظة، فقال: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً [ (6) ] ، فذكر تعالى الملاينة، وأمر محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بضدّ ذلك فقال تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [ (7) ] ، لما خصّه به من الرحمة والرأفة واللين، كما قال تعالى: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (8) ] . وقد أكرم اللَّه تعالى موسى بأن قال له: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [ (9) ] ، قال بعضهم: أحببت إليك عبادتي. وقال آخر: جعل اللَّه بين عينيه نورا لا ينظر إليه أحد إلا أحبه. وقيل: أسكنت بين عينيك ملاحة تسبى بها من رأيته. وقد أوتي نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من نظائر هذه الكرامة أشياء منها: أن اللَّه تعالى أقسم بالضحى والليل إذا سجى، أنه ما ودعه وما قلاه.
ومنها أنه تعالى افترض على خلقه اعتقاد محبته صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جعل ذلك منهاجا إلى طاعته تعالى، ومفتاحا للقربة إليه، وسبيلا إلى الفوز بغفرانه ورحمته. قال تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ (1) ] ، وقال تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [ (2) ] ، وكيف لا يكون معظما مفضلا على جميع أنبياء اللَّه ورسله، وقد أقسم تعالى بحياته فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [ (3) ] . قال أبو نعيم: حدثنا سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن جندب قال: «اشتكى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتته امرأة فقالت: يا محمد! ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل اللَّه تعالى: وَالضُّحى * وَاللَّيْلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى [ (4) ] ، أي لم أتركك ولم أبغضك، وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [ (5) ] . وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثني هارون قال: حدثنا جعفر، حدثنا ثابت قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: موسى صفيّ اللَّه وأنا حبيب اللَّه.
وأما هارون عليه السلام
وأما هارون عليه السلام فإن اللَّه تعالى وصفه بفصاحة اللسان فقال: هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً [ (1) ] ، وقد علم أن لغة العرب أفصح اللغات، ولنبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم من الفصاحة ما يعرف من مارس كلامه، أنه أوتي فيها [أعلى] مقام، لم يصل إليه أحد من قبله وقد شارك هارون مع ذلك فيما ناله من بني إسرائيل، فإنه لما خلف موسى عليه السلام فيهم عند ما توجه لميقات ربه، افترقوا وتحزّبوا ونقضوا العهد، واستضعفوه وهمّوا بقتله، وعبدوا العجل فلم يقبل توبتهم حتى قتلوا بعضهم بعضا، كما قصّ اللَّه تعالى ذلك في كتابه العزيز [ (2) ] ، فلقى نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم نظير ذلك من بني قريظة والنضير وقينقاع، فإنّهم نقضوا العهد وحزّبوا الأحزاب، وجمعوا وحشدوا، وأظهروا له العداوة بعد ما هموا بإلقاء الرحى عليه، لما أتاهم يستعين بهم في دية بعض أصحابه، فقام صلّى اللَّه عليه وسلم بحربهم، وقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم، وقسم أموالهم، فكان نظير استضعافهم لهارون استضعافهم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الأحزاب، حتى لقد قال قائلهم: محمد يخندق على نفسه وأصحابه، ولا يستطيع أحدهم الخروج إلى الغائط، وهو يعدهم بملك كسرى وقيصر، فكان المسلمون كما قال تعالى: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [ (3) ] ، حتى أيده اللَّه بجنوده، وجعل العاقبة له على اليهود والأحزاب، كما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب [ (4) ] .
وأما داود عليه السلام
وأما داود عليه السلام فخصه اللَّه تعالى بتسبيح الجبال معه، قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ [ (1) ] ، وقال تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ* إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ* وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ [ (2) ] ، فسخر اللَّه تعالى الجبال والطير له بالتسبيح، وقد أعطى اللَّه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك من جنسه وزيادة، فسبّح الحصا في كفه، وفي يد من صدّقه واتبعه رفعة لشأنه وشأن مصدقيه، وقد سخرت الطير والبهائم العظيمة كالإبل والسباع العادية الضارية لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم، كسجود البعير الشارد له، والذئب الّذي نطق بنبوته، وقد همهم الأسد لسفينة مولاه لما مرّ به ودله على الطريق، وأخذ الطائر خفه صلّى اللَّه عليه وسلم وارتفع به ثم ألقاه، فخرج منه أسود سالخ!! وقد أوردت ذلك كله بطرقه. وألين لداود عليه السلام الحديد، حتى سرد منه الدروع السوابغ، وقد لانت الحجارة وصمّ الصخور للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، فعادت له غارا استتر به من المشركين يوم أحد [و] [ (3) ] ، مال برأسه إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم، فليّن اللَّه تعالى له الجبل حتى أدخل [رأسه] [ (3) ] ، وهذا أعجب، لأن الحديد تلينه النار، ولم نر النار تلين الحجر. قال أبو نعيم: وذلك بعد ظاهر باق يراه الناس، وكذلك في بعض شعاب مكة حجر أصم استروح صلّى اللَّه عليه وسلم في صلاته إليه، فلان له الحجر حتى أثّر فيه بذراعيه وساعديه، قال أبو نعيم: وذلك مشهور يقصده الحجاج ويرونه، ولانت الصخرة ببيت المقدس ليله أسري به كهيئة العجين، فربط [بها] [ (3) ] دابته البراق، ويلمسونه الناس إلى يومنا هذا باق. قاله أبو نعيم. وكان داود عليه السلام حسن الصوت، بحيث بات عدة ممن سمعه وهو يقرأ الزبور على ذكر، وقد شبه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري رضي اللَّه تعالى
عنه بمزامير داود، فقال: لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود، هذا، وما بلغ أبو موسى الحد، فإنه قال: لو علمت أنك تسمع لحبرته تحبيرا، فدل على أنه كان يقدر أن يتلو بنجي من ذلك. وأما الموت من موعظة داود عليه السلام، فإن القوة في الأمة المحمدية أعظم منها في بني إسرائيل، فلهذا تفاوت حالها عند سماع الموعظة وعند تركها، ولذلك لم يمت داود لأنه كان قويا وهو الواعظ. وقد قال بعض الأمة المحمدية: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا [أعلى] [ (1) ] ما بقوة مقامه. وأمر آخر، وهو أن خلقا من هذه الأمة ماتوا في مجالس الوعظ كما هو معروف في كتب الأخبار، وقد تقرر أن كل كرامة لولي في علم أو عمل، فهي بالنسبة إليه كرامة، وإلى الرسول معجزة، وقد جاء في الحديث: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل.
وأما سليمان عليه السلام
وأما سليمان عليه السلام فإن اللَّه تعالى وهب له ملكا لا ينبغي لأحد من [بعده] [ (1) ] ، وقد أعطى اللَّه نبيّنا صلّى اللَّه عليه وسلم خزائن الأرض، فأباها وردّها اختيارا للنقل من الدنيا، واستصغارا لها بحذافيرها، وآثر مرتبته ورفعته عند ربه تعالى على ما يغني، ورضي بالقوت اليسير، فكان له من ذلك أعظم ما لسليمان لعلوّ مقامه. وقد سخر اللَّه تعالى لسليمان الريح، فسارت به في بلاد اللَّه، وكان غدوّها شهرا ورواحها شهرا، فأعطى اللَّه سبحانه نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم أعظم من ذلك فأكثر، لأنه سار في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس مسيرة شهر، وخرج به في ملكوت السموات مسيرة خمسين ألف سنة في أقل من ثلث ليلة، فدخل السموات سماء سماء، ورأى عجائبها ووقف على الجنة والنار، وعرض عليه أعمال أمته صلّى اللَّه عليه وسلم، وصلّى بالأنبياء وبملائكة السموات، وخرق الحجب، ودلى له الرفرف الأخضر، وأوحى إليه ربه تعالى ما أوحى، وأعطاه خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش، وعهد إليه أن يظهر دينه على الأديان، حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها إلا دينه، أو يؤدون إليه وإلى أهل دينه الجزية عن صغار، وفرض عليه الصلوات الخمس. ولقي موسى عليه السلام وما له [من] [ (1) ] مراجعة ربه في التخفيف عن أمته، وهذا كله في ليلة واحدة، فأيما أعجب وأكثر من هذا، أو الريح غدوها شهر ورواحها شهر، ومع ذلك فإن الصّبا سخّرت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وكانت من جملة أجناده، ولهذا قال: نصرت بالصّبا، ومع ذلك فإن سليمان سأل ذلك فقال: رَبِّ [اغْفِرْ لِي وَ] [ (2) ] هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ (3) ] ، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم حباه اللَّه تعالى بذلك من غير تعرض منه له، وأين مقام من [يعطي] [ (1) ] حسب سؤاله، من مقام من تأتيه المنح الإلهية مخطوبا لها ومسئولا بها؟
وقد خص اللَّه المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم بأن جعل الرعب يسير بين يديه مسيرة شهر، وأين غدو الريح بسليمان شهرا من تقدم الرعب بين يدي المصطفى شهرا، وقد سخر اللَّه تعالى لسليمان الجن، لكنها كانت تعتاص عليه حتى يصفدها ويعذبها بالأعمال الشاقة وغيرها، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أتته الجن راغبة فيه، طائعة له، معظّمة لشأنه، مصدقة بما جاءه من ربه، مؤمنة به، متبعة له، ضارعة خاضعة، مستمدة مستمنحة منه زادها ومأكلها، فجعل لها كل روثة تصيبها تعود علفا لدوابها، وكل عظم يعود طعاما لها. وسخرت له صلّى اللَّه عليه وسلم عظماء الجن وأشرافها التسعة، الذين قال تعالى فيهم: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ [ (1) ] ، وقال: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً [ (2) ] ، وأقبلت إليه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة الجن الألوف منها مبايعين له على الصوم والصلاة والنصح للمسلمين، واعتذروا بأنهم قالوا على اللَّه شططا. فشملت بعثته ورسالته الإنس والجن، وهم لا يحصون عددا، وأين ما أعطيه سليمان من هذا، وما قدر ملكه في جنب هذا الأمر العظيم، وأين تصفيد سليمان الجن من أسر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العفريت من الجن لما تفلّت عليه، وأين المقام السليماني من المقام المحمدي، فإن سليمان كانت تخدمه الجن، ونبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم كانت الملائكة المقربون أعوانه، يقاتلون أعداءه بين يديه، ويدفعون عنه من يريده بسوء، وقد قبض أبو أسيد على الغول لما خالفته إلى سيره بسوق نمرة، حتى علمته آية الكرسي، وقبض أيضا أبو أيوب الأنصاري على الغول، وأسر معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه جنّيّا من جن نصيبين، وصارع عمار بن ياسر رضي اللَّه عنه الجن لما التقيا على الماء، ومع هذا فقد ضرب جبريل عليه السلام بجناحه لما توفي النجاشي بالحبشة الجبال، حتى قام المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم هو وأصحابه فصلّى عليه وهو صلّى اللَّه عليه وسلم ينظر إليه من المدينة. وكذلك لما توفي معاوية بن معاوية، ضرب جبريل بجناحه، ورفع له صلّى اللَّه عليه وسلم
جنازة معاوية حتى نظر إليه وصلّى عليه، وأين تسخير سليمان عليه السلام الجن يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [ (1) ] ، من تسخير اللَّه سبحانه جبريل الروح الأمين، الرسول الكريم، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [ (2) ] ، لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم حين نزل على قريش يقاتل يوم بدر، فكان عمل الجن المردة والقردة الكفرة الفسقة لسليمان في أمور الدنيا، وعمل الملائكة المقربين الكرام البررة لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم من غير استقصاء، قال تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [ (3) ] ، وقال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (4) ] ، ولم يؤيد اللَّه تعالى نبيا قبل محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بالملائكة تقاتل معه كما قاتلت يوم بدر كفاحا كقتال الناس. قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ [ (5) ] ، فلما نزلت الملائكة يوم بدر للقتال، قال صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي بكر رضي اللَّه عنه وهو معه في العريش: أبشر يا أبا بكر، أتاك اللَّه بالنصر، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه ... إلى غير ذلك مما قد أوردته بطرقه في أبوابه. وقد كان سليمان عليه السلام يفهم كلام الطير كما في قصة الهدهد، ويفهم كلام النملة، قال تعالى: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ [ (6) ] ، وقال تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ [ (7) ] ، وقال: يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [ (8) ] ، وقد أعطى نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك بزيادات، فكلمته البهائم والسباع، وحنّ له الجذع، ورغا له البعير، وكلمته الشجر، وسبّح الحصا في كفه، وسلم عليه الحجر والشجر، وأقر الذئب بنبوته، [ونطقت] [ (9) ] له ذراع الشاة المسمومة، وسخر الطير لطاعته، وشكت إليه الظبية، وكلمه الضّب، وقد أوردت ذلك كله بطرقه.
وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام
وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام فإنه أوتي الحكم صبيا، وكان يبكي من غير ذنب، ويواصل الصيام، وقد أعطى اللَّه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم أفضل من هذا، فإن يحيى لم يكن في قوم يعبدون الأوثان والأصنام من دون اللَّه، ولا كان في عصر الجاهلية، بل كان في بني إسرائيل أهل الكتاب، وبيت النبوة، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم كان في عصر الجاهلية، ما جاءهم قبله من نذير، يعبدون الأوثان والأصنام والطواغيت، فأوتي من بينهم الفهم والحكم صبيا بين حزب الشيطان وعبدة الأوثان، فلم يرغب لهم في صنم قط، ولا شهد معهم عيدا، ولم يسمع منه كذب قط، وكانوا يعدونه صدوقا أمينا حليما رءوفا، وكان يواصل الأسبوع صوما ويقول: إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني، وكان يبكي حتى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل، وقد أثنى اللَّه تعالى على يحيى فقال: وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [ (1) ] ، والحصور الّذي لا يأتي النساء، وذلك أن يحيى كان نبيا ولم يكن مبعوثا إلى قومه، وكان منفردا [بمراعاة] [ (2) ] ، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم كان رسولا إلى كافة الناس ليقودهم [ويقربهم] [ (3) ] إلى اللَّه تعالى، قولا وفعلا، [فأقام] [ (4) ] اللَّه تعالى به الأحوال المختلفة، والمقامات الغالبة المتفاوتة في تصرفاته، ليقتدي الخلق كلهم بأفعاله وأوصافه. فاقتدى به الصديقون في حالاتهم، والشهداء في مراتبهم، والصالحون في اختلاف أحوالهم، ليأخذ العالي والداني والمتوسط من أفعاله قسطا وحظا، إذ النكاح من أعظم حظوظ النفس وأبلغ الشهوات، فأمر به صلّى اللَّه عليه وسلم وحث عليه لما جبل اللَّه تعالى عليه النفوس البشرية من توقان النفس وهيج الشهوة المطبوع عليها النفس. وأباح ذلك ليتحصّنوا به من السفاح، فشاركوه صلّى اللَّه عليه وسلم في ظاهره، وشملهم الاسم معه، وانفرد صلّى اللَّه عليه وسلم عن مساواته معهم، فقال: تزوجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم، فإذا غلب عليه وعلى قلبه ما أفرده ألحق به من قوله: وجعلت قرة عيني
في الصلاة، [و] [ (1) ] تلطف صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضاتهن فقال لعائشة: ائذني لي أتعبد في هذه الليلة، فقالت: إني لأحب قربك، وهواك أحب إليّ. فقام إلى مصلاه إلى الصباح راكعا وساجدا باكيا، وربما خرج إلى البقيع فتعبد فيه وزار أهله، وربما قام ليلة ثانية إلى الصباح يرددها، فكانت نسبته عن أحكام البشرية ودواعي النفس ممحوة عند انشقاق صدره، لما حشوه بالإيمان والحكمة الّذي وزن أمته فرجحهم، هذا مع ما أنزل اللَّه تعالى من السكينة عليه وعلى قلبه المقدس صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأما عيسى عليه السلام
وأما عيسى عليه السلام فإن اللَّه تعالى خصه بإرسال الروح الأمين إلى أمه فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا [ (1) ] ، ليهب لها غلاما زكيا، فحملت به، وأنه نطق في المهد، وقد أعطى اللَّه نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم ضروبا من هذه الآيات، فبشرت به أمه آمنة وهي حامل به، وظهرت لها الآيات عند وضعها كما تقدم ذكره، وقد قال تعالى عن عيسى: وَرَحْمَةً مِنَّا [ (2) ] . ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم وصفه اللَّه بأعم الرحمة وأكملها، فقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (3) ] ، فمن صدقه وآمن به فاز برحمته في الدارين، ومن لم يصدقه أمن في حياته مما عوقب به المكذبون للرسل من الأمم من الخسف والمسخ والقذف، [وأنقذ] [ (4) ] اللَّه ببعثته من آمن من الضلال، وانتعشوا بالإيمان من الدمار، وأمنوا به من البوار، قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ [ (5) ] ، وقال: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً [ (6) ] ، فكان صلّى اللَّه عليه وسلم رحمة مهداة. وقال تعالى عن عيسى. وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ [ (7) ] وقد أوتي نبينا ما يجانس ذلك وأكثر منه وأفضل. قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [ (8) ] ، وقال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ [ (9) ] ، وقال: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [ (10) ] يعني القرآن شرف لك ولهم، وقال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [ (11) ] ، ويقول تعالى للأنبياء: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [ (12) ] ، إلى غير ذلك من الآيات، وكان عيسى يخلق من الطين كهيئة الطير
فيكون طيرا بإذن اللَّه، وكان لنبينا [صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] نظير ذلك. فإن عكاشة انقطع سيفه يوم بدر، فدفع له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قضيبا من حطب، قال: قاتل بهذا، فعادل سيفا في يده شديد المتن أبيض الحديدة طويل القامة فقاتل به، حتى فتح اللَّه على المسلمين، ثم لم يزل يشهد به المشاهد إلى أيام الردّة. فالمعنى الّذي أمكن به نبينا أن تصير الخشبة حديدا يبقى على الأيام، هو المعنى الّذي خلق به عيسى من الطين كهيئة الطير، بل ذلك أعظم وأبدع، فإنه لم يعهد قط أن الحديد يخرج من الخشب، وقد عهد أن الحيوان يتكون من الطين. وأيضا فإن هذا الحديد القاطع الّذي تولد من الخشب بقي أعواما كثيرة، ولم ينقل أن الطير الّذي خلقه عيسى من الطين بقي لذلك، ومع هذا فقد سمع التسبيح من الحجارة الصم في يد نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم، وشهدت الأشجار والأحجار له بالنّبوّة، واجتمعت الأشجار والتزمت ثم افترقت عن أمره لها، وكل هذا يجانس إحياء الموتى، وطيران الطيور من الطين كهيئة الطير. وقد كان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص، ولنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، فقد ردّ عين قتادة بعد ما ندرت وسالت على خده، ونفث في عيني رجل قد ابيضتا فأبصر، وبصق في عين رفاعة بن رافع وقد فقئت عينه بسهم فلم يؤده منها شيء، وتفل في عين على رضي اللَّه عنه وهو أرمد فبرئ من ساعته وما اشتكى عينيه بعد، ومسح صلّى اللَّه عليه وسلم بيده على عدة من المصابين والمرضى فبرءوا. وقد كان عيسى يحي الموتى بإذن اللَّه، ولنبينا من هذا المعنى ما هو أعجب وأغرب، فقد أحيا شاة جابر، وأحيا اللَّه تعالى لامرأة ولدها ببركته، [وكلمته] [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلم ذراع الشاة [المسمومة] [ (2) ] ، وتكليم الذراع أغرب، لأن حياة العضو المبان وتكليمه أعجب من حياة الذات الكاملة، لأن الحياة عهدت منها، وقد تكلم جماعة بعد الموت بخلاف العضو من الحيوان، لا سيما بعد طبخه بالنار.
وقد كان عيسى يخبر بالغيوب، وينبئ قومه بما يأكلون في بيوتهم ويدخرونه، ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلم له في هذا المقام الّذي لا فوقه: فإن عيسى إنما كان يخبر بما كان من وراء جدار، ونبينا كان يخبر بما كان منه بمسيرة شهر وأكثر، كإخباره بموت النجاشي، وبقتل زيد وجعفر وابن رواحة في مؤتة، وكان يأتيه السائل ليسأله عن شيء فيقول له: إن شئت أخبرتك بما جئت تسأل عنه أو تسأل فأخبرك؟ فيقول: لا، بل أخبرني فيخبره بما في نفسه. وأخبر عمير بن وهب الجمحي بما تواطأ عليه هو وصفوان بن أمية لما قعدا بمكة في الحجر في الفتك به صلّى اللَّه عليه وسلم بعد مصاب أهل بدر. وأخبر عمه العباس لما أسر ببدر وأراد أن يفاديه فقال: ليس لي مال، فقال: أين مالك الّذي أودعته أم الفضل لما أردت الخروج وعهدت إليها فيه؟ وبعث عليا والزبير إلى سارة، وقد حملت كتاب حاطب إلى أهل مكة فأخرجاه منها، وقال لعبد اللَّه بن أنيس لما بعثه إلى الهذلي بوادي عرفة: إذا رأيته هبته، وأطلعه اللَّه في منصرفه من تبوك على موضع ناقته وقد ضلت. وأخبر بموت كسرى في وقت قتله، وأخبر صلّى اللَّه عليه وسلم بأشياء قبل كونها فوقعت كما قال، وبشّر بما يجري على أمته بعد موته، فكان مثل ما وعد به، فمما أخبر بكونه: قول اللَّه تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [ (1) ] ، فكفاه اللَّه ووفاه ما وعده من نصره، وأباد المستهزءين. وقوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ [ (2) ] ، فكان كما وعده اللَّه، غلبوا وقتلوا، ويحشرون إلى النار. وقوله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [ (3) ] ، فكان كما وعده.
وقوله تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ [ (1) ] ، فهزم اللَّه المشركين يوم بدر. وقوله تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [ (2) ] ، وقواه بلا مال ولا عشيرة، حتى ملكت أمته المشرق والمغرب. وقوله تعالى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ [ (3) ] ، فدخلوا مكة آمنين. وقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [ (4) ] ، فكان كذلك. وقوله تعالى: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ [ (5) ] فلعلمه بكونه ووقوعه، حدّد الوقت فقال: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (6) ] ، وأكده بقوله: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [ (7) ] . وقوله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (8) ] ، يعني فتح مكة، يبشر بفتح مكة لعظم قدرها مثل كونه، وبدخول الناس في دينه أفواجا، فكان [كذلك] [ (9) ] . وقدمت وفود العرب بإسلام قومهم وانقيادهم لدينه، فلم يمت صلّى اللَّه عليه وسلم حتى طبق الإسلام اليمن إلى شجر العمان وأقصى نجد العراق، بعد تمكنه بالحجاز، وبسط رواقه بالغور مجرى حكم الرسول على أهل مكة والطائف وعمان والبحرين واليمن واليمامة. وقوله تعالى: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها [ (10) ] ، يعني: العجم وفارس، لقوله: وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها [ (11) ] ، يعني فارس والروم، وكان كذلك ملكها اللَّه أمته صلّى اللَّه عليه وسلم. وقوله تعالى: سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [ (12) ] ،
هم أهل فارس والروم، وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة فقاتلهم أبو بكر ثم عمر رضي اللَّه عنهما. ولم يختلف أحد من أهل القبلة في أن المخلفين من الأعراب لم يدعوا إلى شيء من الحروب بعد توليهم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى دعوا في زمن أبي بكر إلى قتال أصحاب مسيلمة، ووعد صلّى اللَّه عليه وسلم بفتح بيضاء المدائن وأخذ كنوز كسرى، وقال لعديّ بن حاتم: لا يمنعنك ما ترى بأصحابي من الخصاصة، فليوشكن أن تخرج الظعينة من الحيرة بغير جوار، فأبصر ذلك عدي بعينه. وتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأم حبيبة، وأسلم أبوها أبو سفيان، فزالت العداوة وآلت إلى مودة وصلة، وأطلعه اللَّه تعالى على ما أكنه في الصدور، وأضمر به القلوب، فقال تعالى: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [ (1) ] . وقال: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [ (2) ] ، يعني من بعث محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ [ (3) ] ، فأعلم اللَّه نبيه بذلك، وقال: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ [ (4) ] . وقال تعالى: وَيُحِبُّونَ [أَنْ يُحْمَدُوا] [ (5) ] بِما لَمْ يَفْعَلُوا [ (6) ] ، وذلك أن اليهود كتموا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما سألهم عنه، وأخبروه بغير الحق، وأوهموه صدقهم ليستحمدوه بذلك، فأعلمه اللَّه بخبرهم. وقال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا [ (7) ] ، وذلك أن اليهود قالوا: لإخوانهم المنافقين في السير يوم الخندق: على ما تقتلون أنفسكم؟ [هلم] [ (8) ] إلينا، ما ترجون من محمد؟ واللَّه ما تجدون عنده خيرا.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ [ (1) ] ذلك بأنهم قالوا لبني قريظة والنضير: سنطيعكم في بعض الأمر، فأخرج اللَّه أسرارهم لنبيه. ونظائر ذلك مما أطلع اللَّه عليه نبيه مما أسرّه اليهود والمنافقون في القرآن كثير. وهذا مما لا يجوز أن يكون وقوعه بطريق الاتفاق، ولا هو مما لا تصل قدر البشر إلى معرفته، فلم يبق إلا أن يكون أطلع اللَّه نبيه عليه، مما أسره اليهود والمنافقون وأعلمه به، وأين إعلام المسيح أصحابه بما يأكلون، وإخباره لهم بما [يدخرون] [ (2) ] ، من إعلام الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الحوادث العظيمة، والغيوب البديعة قبل كونها؟ قال الحافظ أبو نعيم: ووجه الدلالة في إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالغيوب على صدق نبوته، وثبوت رسالته، أن مولده ومنشأه في قوم أميين، لم يتعاظموا علما بالنجوم، ولا حكما بالطوالع والكواكب، حسب ما يستنبطه المنجمون، ولا عرف هو بطلب شيء من ذلك في بلده ولا في أسفاره، وكانت الكهانة بطلت بمبعثه، ولم يكن له علم بالغيوب، إلا بوحي يأتيه به جبريل عن اللَّه تعالى. ولو كان في قومه وبلده المنجمون والمستنبطون وهو لم يخالطهم، ولا عرف بالأخذ عنهم، وأخبر ما أخبر به من الغيوب لكان ذلك دلالة على نبوته ومعجزة له إذا أخفى ذلك على عشيرته وخلطائه لمفارقة تلك العادات، وليس بجائز أن يكون إخباره مأخوذا عن الشياطين مع ما جاء به من سبّهم ولعنهم، فثبت بهذا أن الإخبار فيما أخبر به من الغيوب عن اللَّه تعالى. وأما ما اعترض به بعض الملاحدة والكفرة بأنه لم يأت بآية قاطعة محتجا بقوله تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ [ (3) ] ، وما أشبهه من الآي، فكيف وقد ورد القرآن بقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
[ (1) ] ، وقوله: أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [ (2) ] ، وقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا [ (4) ] الآية، وقال لليهود فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً [ (5) ] . وقال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [ (6) ] الآية، وقال: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [ (7) ] ، وقال: أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ [ (8) ] ، وقال: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى [ (9) ] ، وقال: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (10) ] ، وما في معناه من الآي. وإنما منعوا الآيات التي كانوا يقترحونها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بأن تأتهم الملائكة عيانا فيقولون: لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [ (11) ] ، فأنزل اللَّه تعالى: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ [ (12) ] ، وقولهم: لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذير* أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها [ (13) ] ، وما في معناه. وأنزل اللَّه تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ (14) ] ، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعرفهم إنما الآيات عند اللَّه، ولا يرسلها إلا بما يعلم فيه الصلاح، وأن شهوات الكفار والجهال لا نهاية لها، وفيما أنزله من الكتاب المبني على الغيوب كفاية مع ما كان اللَّه تعالى يظهره عليه من الآيات سفرا وحضرا.
واستفاضت الأخبار به بنقل الأمناء العدول من جهات كثيرة مختلفة، يستحيل فيها على مضي السنين وتطاول المدة، واختلاف همم النقلة ودواعيهم [التواطؤ] [ (1) ] عليها، فحصلت بحمد اللَّه الدلائل خاصا وعاما. والقرآن هو الحجة الباقية بقاء الدهر، التي عجزت العرب مع خصاصتهم وبلاغتهم عن معارضته، مع ما يرجعون إليه من العقول الراجحة، [والافهام] [ (2) ] الكاملة، فليس يخلو تركهم معارضته من أحد أمرين: إما عجزا عنها أو قدرة عليها، فإن كان عجزا فهو ما يقوله، وإن كانوا قادرين على معارضته فلم يعارضوا لصرفة، صرفهم اللَّه عنها، فهي أيضا معجزة، كما لو أن مدعيا ادّعى النبوّة فقال: [آيتي] [ (3) ] أنكم لو أردتم الكلام يومكم هذا لم يمكنكم، فلم يمكنهم الكلام، كان ذلك معجزة له، وآية للصرف التي صرفهم اللَّه عن النطق والكلام، وقد كان أمره صلّى اللَّه عليه وسلم في الانتفاء عن علم الغيب، و [براءته] [ (4) ] من ادعائه ظاهرا منتشرا، وأنه لا يعلم منه إلا ما علمه اللَّه وأنبأه. وذكر من حديث مسدد قال: أخبرنا بشر بن المفضل، أخبرنا خالد بن ذكوان، حدّثتنا الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدخل عليّ صبيحة بني بي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلن جويرات لنا يضربن بالدف من أمامي يوم بدر، إلى أن قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في الغد؟ فقال: دعي هذه وقولي [الّذي] [ (5) ] كنت تقولين. ومن حديث إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أبي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرّ بناس من الأنصار في عرس لهن يتغنين: وأهدى لها [كبشا] [ (6) ] تبجح في المربد ... وزوجك في النادي يعلم ما في غد فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يعلم ما في غد إلا اللَّه عزّ وجلّ، فكانوا أنصاره وأعوانه،
فمدحهم اللَّه بذلك في كتابه، فقد كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عدة حواريين، منهم الزبير. وقال: لكل نبي حواري، وحواري الزبير، على أن حواري عيسى كان مبلغهم في طاعته أن قالوا: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [ (1) ] ؟ وكان لحواري رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في خلوص الطاعة وصحة النية وحسن المؤازرة، ومجاهدة النفوس في نصر نبيهم، وتبجيلهم وتعظيمهم له، ومعرفتهم بجلالته ما تقدم ذكره، وسيأتي إن شاء اللَّه، لأن اللَّه تعالى امتحن قلوبهم للتقوى، فكانوا لا يحدّون النظر إليه إعظاما له، ولا يرفعون أصواتهم عليه إجلالا له، ولا يتنخم نخامة إلا ابتدروها يتمسحون بها، ولا سقطت شعرة إلا تنافسوا فيها، حتى إن معاوية أوصى أن يدفن معه شعر من شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وشرب عبد اللَّه بن الزبير محجمة من دمه، وكان إذا حضر من [جفاة] الأعراب من لا يوقره استأذنوه في قتله، وقد ذكرت ذلك كله بطرقه. وقد كان عيسى عليه السلام كثير السياحة، جوابا للقفار والبراري فقد كان لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك ما هو أعظم وأفخم، فإنه ساح في الأرض بأصحابه مجاهدا أعداء اللَّه، فاستنقذ في عشر سنين ما لا يعدّ من حاضر وباد، وافتتح القبائل الكثيرة، فأين سياحة عيسى ليخلو بعبادة ربه، من سياحة محمد المبعوث بالسيف المصلت على أعداء اللَّه لإقامة دين اللَّه؟ فكان لا يداري لغيره بالكلام، ويجاهد في اللَّه ولا ينام إلا على دم، ولا يستقر إلا متجهزا لقتال الأعداء، أو باعثا إليهم سرية في إقامة الدين وإعلاء الدعوة وإبلاغ الرسالة صلّى اللَّه عليه وسلم. وقد كان عيسى زاهدا يتقنّع من دنياه باليسير، ويرضيه منها القليل، فخرج من الدنيا كفافا لا له ولا عليه، وقد كان لنبينا من مقام الزهد ما لا فوقه، فإنه كانت له ثلاث عشرة زوجة سوى سراريه، فما رفعت مائدته قط وعليها طعام، ولا شبع من خبزين ثلاث ليال متتابعة، وكان يربط الحجر على بطنه.
وكان لباسه الصوف، وفراشه إهاب شاة، ووسادته من أدم، حشوها ليف، فيأتي عليه الشهران والثلاثة فلا توقد في بيته نار لمصباح، وتوفي ودرعه مرهونة، ولم يترك صفراء ولا بيضاء، هذا وقد عرضت عليه مفاتيح خزائن الأرض، ووطئت له البلاد، ومنح الغنائم الكثيرة، فقسمها حتى أنه فرّق في يوم واحد ثلاثمائة ألف، وأعطى جماعة كل رجل مائتين من الإبل، وأعطى ما بين جبلين من الغنم، وكان يأتيه السائل فيقول: والّذي بعثني بالحق ما أمس في آل محمد صاع من شعير ولا من تمر، وكان يقول: أجوع يوما وأشبع يوما، فإذا جعت تضرعت، وإذا شبعت حمدت. وقد كان عيسى يتقلب في حياطة اللَّه له، ومدافعته عنه المكر والغوائل بحيث كان يمسي ويصبح آمنا ساكن النفس، قال تعالى: وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ [ (1) ] الآية. وكذلك نبينا عصمه اللَّه، فقال: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (2) ] ، فكان يبرز وحده في سواد الليل وبالأسحار إلى البقيع والأودية، ومعه اليهود أعداؤه المجاهرون بعداوته في بلد واحد، فلم يصلوا منه إلى أي شيء، وهو يقتلهم ويسبي ذراريهم ونساءهم. ودفع اللَّه تعالى عنه كيد قريش وهو بمكة، وأنبت على الغار له شجرة وأقام الحمام فعشش عليه، والعنكبوت فنسج على بابه، وقد رفع اللَّه عيسى إلى السماء، ولنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك [أعلى] [ (3) ] مقام فإنه عرض عليه عند وفاته البقاء فاختار ما عند اللَّه وقربه تعالى على البقاء في الدنيا، فقبضه اللَّه تعالى ورفع روحه، ولو اختار البقاء، لكان كعيسى والخضر وإلياس عند اللَّه في سماواته، وفي عالمه في أرضه، لأن عيسى عليه السلام مقيم في السماء والخضر وإلياس يتجولان في السموات والأرض على ما قيل. ومع هذا فإن جماعة من أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم رفعوا كما رفع المسيح، وذلك أعجب،
فرفع اللَّه عامر بن فهيرة والناس ينظرون، ودفن العلاء بن الحضرميّ لما مات في خلافة أبي بكر رضي اللَّه عنه بأرض اليمن في أرض العدو، فخافوا أن ينبش قبره ويستخرج، فذهبوا يطلبونه لينقل من أرض العدو في يومهم الّذي دفنوه فيه، فلم يقدروا عليه ولا دروا أين ذهب به. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أخبرنا جعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن الزهري قال: أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش، قال: فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوف العين، فرقيت فيها فحللت خبيبا، فوقع إلى الأرض فانتبذت غير بعيد، ثم التفت فلم أر خبيبا، كأنما ابتلعته الأرض، فما رئي خبيب إلى الساعة، قال أبو بكر بن أبي شيبة: وقد كان جعفر بن عون قال: عن جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه عن جدة.
أما القرآن الكريم
أمّا القرآن الكريم فقال ابن الأنباري: سمي قرآنا لأنه جمع السور وضمّها من قوله: فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [ (1) ] ، أي إذا [ألّفنا] منه شيئا فاعمل به. وقيل: سمي قرآنا لأن القارئ يلقنه من فيه من قولهم: ما قرأت هذه الناقة علي قط، أي ما رمت. وقال أبو زيد: قرئت القرآن فهو مقريء. وقال اللحياني: قرأت القرآن قرءا مثل قرعا، وقراءة وقرآنا وهو الاسم. وقال ابن دريد: من قال قران (بلا همز) جعله من قريت الشيء بعضه إلى بعض، فالقرآن والكتاب اسمان علمان على المنزل على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم ووصفان له لأنه يقرأ ويكتب، فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم، وحيث جاء بوصف النكرة فهو الوصف، وإن شئت قلت: هما يجريان مجرى واحد كالعباس وابن العباس، فهو في الحالين اسم العلم. فالقرآن الكريم حجة على الملحدين، وبيان للموحدين، قائم بالحلال المنزل، والحرام المفصل، وفصل بين الحق والباطل، يرجع إليه العالم والجاهل، وإمام تقام به الفروض والنوافل، وسراج لا يخبو ضياؤه، ومصباح لا يخمد ذكاؤه، وشهاب لا يطفأ نوره، وبحر لا يدرك غوره، ومعجز لا يزال يظفر رموزه، ومعقل يمنع من الهلكة والبوار، ومرشد يدل على طريق الجنة والنار، وهاد يدل على المكارم، وزاجر يصد عن المحارم. ظاهره أنيق، وباطنه عميق، وهو حبل اللَّه الممدود، وعهده المعهود، وصراطه المستقيم، وحجته الكبرى، ومحجته الوسطى، وهو الواضح سبيله، الراشد دليله، الّذي من استضاء بصباحه أبصر ونجا، ومن أعرض عنه زلّ وهوى. وفضائل القرآن لا تستقصي في ألف قرآن، حجة اللَّه ووعده ووعيده، به
يعلم الجاهل، ويعمل به العامل، وينتبه الساهي، ويتذكر اللاهي، بشير الثواب ونذير العقاب، وشفاء الصدور وجلاء الأمور، ومن فضائله أنه يقرأ دائما ويكتب، ويمل ولا يمل، يتجدد على الابتذال، ويزكو على الإنفاق. والقرآن حجة اللَّه على خلقه لما اشتمل عليه من حجج التوحيد والنبوات، وغير ذلك، وهو برهان لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلم، على رسالته، إذ القرآن معجز، فهو برهان على صدق من جاء به، وهو محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فالقرآن من حيث هو حجة، حجة للَّه ولرسوله، يسمى برهانا، ومن حيث هو مرشد الخلق إلى مصالح معاشهم ومعادهم، كاشف عنهم العمى، قائد لهم إلى الهدى يسمى نورا. والقرآن أعظم معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأشرفها وأوضحها دلالة، لأن المعجزات تقع في الغالب مغايرة للوحي [المدعي] [ (1) ] ، وهو الخارق المعجز، فدلالته في عينه، ولا يفتقر إلى دليل أجنبي عنه كسائر الخوارق مع الوحي، فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه. واعلم أن المعجزات على قسمين. أحدهما: ما اشتهر نقله وانقرض عصره بموت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. والثاني: ما تواردت الأخبار بصحته وحصوله، واستفاضت بثبوته ووجوده، ووقع لسامعها العلم بذلك ضرورة، ومن شرطه أن يكون الناقلون له خلقا [كثيرا] وجما غفيرا، وأن يكونوا عالمين بما نقلوه علما ضروريا، وأن يستوي في النقل أولهم وآخرهم ووسطهم في كثرة العدد، حتى يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب، وهذه صفة نقل القرآن، ونقل وجود رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن الأمة لم تزل تنقل القرآن خلفا عن سلف، والسلف عن سلفه، إلى أن يتصل ذلك برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والمعلوم وجوده بالضرورة، وصدقه بالأدلة والمعجزات. والرسول صلّى اللَّه عليه وسلم أخذه عن جبريل عليه السلام، عن رب العزة جلّت قدرته،
فنقل القرآن الكريم في الأصل رسولان كريمان معصومان من الزيادة والنقصان، ونقله إلينا بعدهما أهل التواتر، الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد، فلذلك وقع لنا العلم الضروريّ بصدقهم فيما نقلوه من وجود محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ومن وجود ظهور القرآن على يديه، وتحديه به، ونظير ذلك من علم الدنيا علم الإنسان بما نقل إليه من وجود البلدان التي لم يرها، كالبصرة والعراق وخراسان والهند، ونحو ذلك من الأخبار الكثيرة المتواترة. ولنورد هنا وجه إعجاز القرآن، وكيفية نزوله، والمدة التي أنزل فيها، وجمعه، والأحرف التي أنزل عليها، فالقرآن معجزة نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلم الباقية بعده إلى يوم القيامة، ومعجزة كل نبي انقرضت بانقراضه، أو دخلها التبديل والتغيير، كالتوراة والإنجيل.
أما إعجاز القرآن الكريم
أمّا إعجاز القرآن الكريم فقد اختلف فيه، هل هو من جهة البلاغة أو الصرفة؟ ثم اختلف القائلون بأنه من جهة البلاغة، فقال قوم: الإعجاز باعتبار أسلوب البلاغة، وقال آخرون: بل بشرف البلاغة. والفرق بين الأسلوب والشرف، أن الأسلوب هو النمط الخارج عن الأنماط المألوفة عندهم، كالخطابة، والمناظرة، والقصيد، والرجز، والخصومة، والرقي، والعوذ. وشرف البلاغة يدخل منه المعنى الّذي هو سبق الكلام له، ومن ذهب إلى هذا جعل وجوه الإعجاز عشرة: أحدها: النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيرها، لأن نظمه ليس من نظم الشعر في شيء، ولذلك قال اللَّه تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] . وفي صحيح مسلم: أن أنيسا أخا أبا ذر رضي اللَّه عنه قال لأبي ذر: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن اللَّه أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون شاعر [و] كاهن [و] ساحر، - وكان أنيس أحد الشعراء- قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على [إقراض] الشعر فلم يلتئم على [قول] [ (2) ] أحد بعدي أنه شعر، واللَّه إنه لصادق، وإنهم لكاذبون. [وكذلك] [ (2) ] أخبر عتبة بن ربيعة أنه ليس بسحر ولا شعر، لما قرأ عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: حم [ (3) ] فصّلت، فإذا اعترف عتبة على موضعه من اللسان والفصاحة والبلاغة بأنه ما سمع مثل القرآن قط، كان في هذا القول مقرا بإعجاز
القرآن له ولغرمانة من المتحققين بالفصاحة، والقدرة على التكلم بجميع أجناس القول وأنواعه. ثانيها: غرابة الأسلوب العجيب، والاتّساق الغريب، الخارج عن أعارض النظم، وقوانين النثر، وأسجاع الخطب، وأنماط الأراجيز. ثالثها: حسن التركيب، وبديع ترتيب الألفاظ، وعذوبة مساقها وجزالتها، وفخامتها وفصل خطابها. وهذه الوجوه الثلاثة من النظم والأسلوب والجزالة، لازمة بكل سورة، بكل آية، وبهذه الثلاثة يتميز مسموع كل آية وكل سورة عن سائر كلام البشر، وبها وقع التحدي والتعجيز، فكل سورة تنفرد بهذه الثلاث من غير أن يضاف إليها أمر إلا من الوجوه العشرة، فهذه سورة الكوثر، بثلاث آيات قصار، وهي أقصر سورة في القرآن، قد تضمنت الإخبار عن معنيين: أحدهما: الإخبار عن الكوثر، وهذا يدلك على أن المصدقين به أكثر من أتباع الرسل. والثاني: الإخبار عن الوليد بن المغيرة، وقد كان عند نزول الآية ذا مال وولد، فأهلك اللَّه ماله وولده وانقطع نسله. رابعها: التصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربي، حتى يقع منهم الاتفاق بل جميعهم على إصابته في وضع كل كلمة وحرف في موضعه. خامسها: الإخبار عن الأمور التي تقدمت من أول الدنيا إلى وقت نزوله، من أمّيّ ما كان يتلو من قبله من كتاب ولا يخطه بيمينه [ (1) ] ، فأخبرنا بما كان من قصص الأنبياء مع أممها، والقرون الحالية في دهرها، وذكر ما سأله أهل الكتاب عنه، وتحدوه به من قصة أهل الكهف، وشأن موسى والخضر [ (2) ] ، وحال ذي
القرنين، فجاءهم وهو أمّيّ من أمّة أميّة، ليس لها بذلك علم بما عرفوا من الكتب السالفة صحته، فتحققوا صدقه. وهذا دليل على صحة نبوته، وتقريره أن محمدا قد أخبر بغيب لم يحضره، ولم يخبره به مخبر سوى اللَّه تعالى، وكل من أخبر بغيب [كذلك] [ (1) ] فهو نبي صادق، فمحمد نبيّ صادق. أما الأول فلأنه أخبرهم بما كان ولم يحضره قطعا، ولم يخبره به سوى اللَّه، إذ لم يكن كاتبا ولا مؤرخا، ولا خالط أحدا ممن هو كذلك حتى يخبره. وأما [الثاني] [ (2) ] فلأن من كان [كذلك] [ (3) ] يعلم قطعا أنه علم ذلك الغيب بوحي، وكل من أوحي إليه الوحي الحقيقي فهو نبي. قال القاضي أبو الطيب: ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه إلا عن تعلم، وإذا كان معروفا أنه لم يكن ملابسا لأهل الآثار وحملة الأخبار، ولا مترددا إلى التعلم منهم، ولا كان ممن يقرأ، فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه علم، إنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي. سادسها: الوفاء بالوعد المدرك بالحس في العيان، في كل ما وعد اللَّه تعالى، وهي تنقسم إلى أخباره المطلقة، كوعده بنصر رسوله، وإخراج الذين أخرجوه من وطنه، وإلى وعد مقيد بشرط لقوله وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ (4) ] ، ووَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [ (5) ] ووَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [ (6) ] وإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [ (7) ] ، وشبه ذلك. سابعها: الإخبار عن المغيبات في المستقبل، التي لا يطلع عليها إلا بوحي، فمن ذلك: ما وعد اللَّه نبيه أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (8) ] ، ففعل ذلك، فكان
أبو بكر ثم عمر رضي اللَّه عنهما إذا [غزا] [ (1) ] واحد منهما بجيوشه عرّفهم ما وعد اللَّه من إظهار دينه ليثقوا بالنصر، وليستيقنوا بالنجح، فلم يزل الفتح يتوالى شرقا وغربا، وبرا وبحرا. وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [ (2) ] ، وقال: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [ (3) ] ، وقال: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ [ (4) ] ، وقال: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ (5) ] ، فهذه كلها أخبار عن الغيوب التي لا يقف عليها إلا ربّ العالمين، أو من أوقفه اللَّه رب العالمين عليها، فدل على أن اللَّه تعالى قد أوقف عليها رسوله، ليكون دلالة على صدقه. ثامنها: ما تضمنه القرآن من العلم الّذي هو قوام جميع الأنام، في الحلال والحرام، وسائر الأحكام. تاسعها: الحكم البالغة التي لم تجر العادة بأن تصدر في كثرتها وشرفها من أمّيّ. عاشرها: التناسب في جميع ما تضمنه ظاهرا وباطنا من غير اختلاف، قال اللَّه تعالى: وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [ (6) ] ، وذلك أن الكفار لما طعنوا في القرآن وقالوا: ليس هو من عند اللَّه، وإنما هو من كلام محمد أو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها [ (7) ] [ولما] [ (8) ] لم يكن لهم على ذلك برهان أكثر من التهمة المجردة، بيّن اللَّه بطلان دعواهم بهذه الملازمة المذكورة وتقديرها: لو كان القرآن من عند غير اللَّه لوقع الاختلاف فيه، لكن لم يقع الاختلاف فيه فليس من عند غير اللَّه، فوقوع الاختلاف فيه لازم لكونه من عند غير اللَّه،
وقد [انتفى] [ (1) ] فيبقى ملزومه. وقد اعترض الملاحدة على هذا بوجهين. أحدهما: منع الملازمة، قالوا: لا نسلّم أنه لو كان من عند غير اللَّه لاختلف [فيه] [ (1) ] ، لأن كثيرا من الناس تكلموا فلم يختلف كلامهم لتحرزهم عن المتناقض فيما يقولونه، فجاز أن يكون محمد [كذلك] [ (1) ] أنشأ القرآن وتحرز من اختلافه، ولا جرم [جاء متسقا] [ (1) ] غير مختلف. الثاني: منع انتفاء اللازم، قالوا: لا نسلم أن الاختلاف لم يقع فيه، بل فيه اختلاف كثير قد قرره الطاعنون. والجواب عن الأول: أن مراد الكفار يعني اللَّه في قولهم: القرآن من عند غير اللَّه هو محمد، ومن أملى عليه القرآن كرحمان اليمامة ونحوه فيما زعموا، وهذان الرجلان كانا أميين، لا أنسة لهما بالكتب، ولا بدراسة الحكمة، وخلوّ كلام مثلهما عن الاختلاف. وإن لم يكن محالا لذاته فهو محال في العادة أن أميا يأتي بمثل هذه المعاني المفحمة، في مثل هذه الألفاظ الجزلة، والجمل الكثيرة، ولا يقع الاختلاف في كلامه، وقلّ في العالم متكلم لم يستند إلى تأييد إلهي تكلم فلم يختلف كلامه، فلما رأينا هذا الكلام على قرب تناوله، وبعد مغزاة، وكثرته في نفسه غير مختلف، استدللنا بحكم العادة على أنه ليس من عند غير اللَّه. والجواب عن الثاني: أن ما ظنه الطاعنون اختلافا في القرآن ليس اختلافا في نفس الأمر، لأن شرط الاختلاف والتناقض بين كل قضيتين، أن يتفقا في الزمان، والمكان، والموضوع، والشرط، والجزاء، والكل، والقوة، والفعل، ونحو ذلك من شروط التقابل إن وجد، وليس في القرآن قضيتان تقابلتا [كذلك] [ (1) ] ، بل لا بدّ من اختلافهما بزمان أو مكان أو غيره من الشروط.
نعم، فيه العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، ولا تناقض في شيء من ذلك، ولكن الطاعنون في القرآن أخطأ ظنهم لجهلهم، وقد ذكر مطاعنهم والجواب عنها جماعة من علماء الأمة، كالإمام أحمد ابن حنبل في كتاب مفرد، وأبي عبد اللَّه محمد بن [مسلم] [ (1) ] بن قتيبة في أول [كتاب] [ (1) ] (مشكل القرآن) ، وغيرهما. وذهب النظّام وبعض القدرية وطائفة أخرى، إلى أن وجه الإعجاز هو المنع عن معارضته، والصرفة عند التحدي بمثله، وأن المنع والصرفة هو المعجزة دون ذات القرآن، وذلك أن اللَّه تعالى [صرف] [ (2) ] هممهم عن معارضته مع تحديهم أن يأتوا بسورة مثله بأن سلبوا العلوم التي كانوا بها يتمكنون من المعارضة في وقت مرامهم ذلك. وردّ هذا المذهب بإجماع الأمة قبل حدوث هذا القول، على أن القرآن هو المعجز، فلو قلنا أن المنع والصرفة هو المعجز، لخرج القرآن عن أن يكون معجزا، لأن فصاحته وبلاغته أمر خارق للعادة، إذ لم يوجد قط كلام على هذا الوجه، فلما لم يكن ذلك الكلام مألوفا معتادا منهم، دلّ ذلك على أن مجرد المنع والصرفة لم يكن معجزا، واختلف [في] [ (2) ] من قال بالصرفة على قولين. أحدهما: أنهم صرفوا عن القدرة عليه ولو تعرضوا له لعجزوا عنه. الثاني: أنهم صرفوا عن التعرض له مع كونه في مقدورهم، ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه. وأنت إذا تأملت قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] وجدت فيها إثبات نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بتقرير معجزة وهو القرآن، وتقرير الدليل أن محمدا لو لم يكن صادقا في دعوى النبوة لأمكنكم أن تعارضوا معجزة وهو القرآن، ولو بسورة مثله، لكن لا يمكنكم معارضته، فيلزم أنه ليس بكاذب، فهو إذا صادق.
وقوله بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أي من مثل محمد صلّى اللَّه عليه وسلم تنبيه على وجه صدقه، وهو أن صدور مثل هذا الكلام المعجز للخلق عن أمّي لا يقرأ ولا يكتب، يدل على صدقه قطعا، كما أن قلب العصا حيّة، وإحياء الموتى ممن لم يشتغل بعلم السحر ولا الطب يدل على صدقه. وقوله: وَلَنْ تَفْعَلُوا [ (1) ] : معجز معترض في هذا الاستدلال، لأنه إخبار عن غيب، فإنّهم لا يعارضون القرآن، وكان كما قال. ولقد كان هذا مما يقوي دواعيهم في تعاطيهم المعارضة، فلو قدروا عليها لفعلوها ثم يكذبوه في خبره، وقالوا: زعمت أنّا لن نفعل، وها نحن قد فعلنا، فلما لم يعارضوه مع توفر الدواعي على المعارضة، دلّ ذلك على العجز والإعجاز، فقد تبين أن الإعجاز في القرآن بذاته، ويكون أهل البلاغة من العرب صرفوا عن معارضته. وقد ذهب إلى هذا بعض المتأخرين فقال: الإعجاز بالأمرين، إذ لا مناقضة في الجميع، ألا ترى أن القائل بالصرف يقول: صرف اللَّه دواعي الفصحاء عن الفكر في المعارضة لا مع أفكارها؟ وقال ابن عطية: وجه الإعجاز في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه، وتوالى فصاحة ألفاظه، ووجه إعجازه أن اللَّه قد أحاط بكل شيء علما، فأحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته [أية] [ (2) ] لفظة تصلح أن تلي الأولى، ويتبين المعنى بعد المعنى، عم [ذلك] [ (2) ] من أول القرآن إلى آخره. والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن قط محيطا، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، وبهذا النظر يبطل قول من قال: إن العرب كان في قدرتها أن تأتي بمثل القرآن، فلما جاء محمد صلّى اللَّه عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه. والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين،
ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة، يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا، ثم [يعطي] [ (1) ] لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامة فيبذل فيها جهده، وينقح، ثم لا يزال [كذلك] [ (1) ] وفيها مواضع للنظر والبدل، وكتاب اللَّه تعالى لو نزعت منه لفظه ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد (انتهى) . فلما عجزت قريش عن الإتيان بمثله وقالت: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تقوّله، أنزل اللَّه تعالى: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [ (2) ] ، ثم أنزل تعجيزا لهم أبلغ من ذلك فقال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (3) ] ، فلما عجزوا حطهم عن هذا المقدار فقال: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (4) ] ، فأفحموا عن الجواب، وعدلوا إلى المحاربة [ (5) ] ، حتى أظهر اللَّه دينه. ولو قدروا على المعارضة لكان أهون وأبلغ في الحجة، هذا مع كونهم أرباب البلاغة والفصاحة [والبيان] [ (6) ] ، فبلاغة القرآن في [أعلى] [ (1) ] طبقات الإحسان، وأرفع درجات الإعجاز والبيان، وبها قامت الحجة على العرب، وقامت الحجة على العالم، فالعرب إذا كانوا أرباب الفصاحة [وأقاموا] [ (6) ] المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة عيسى عليه السلام على الأطباء، ومعجزة موسى عليه السلام على السحرة، فإن اللَّه تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء عليهم السلام بالوجه الشهير أبرع ما يكون في زمان النبي الّذي أراد إظهاره، وكان السحر في زمن موسى قد انتهى إلى غايته، [وكذلك] [ (7) ] الطب في زمن عيسى، والفصاحة في زمن محمد صلّى اللَّه عليه وسلم.
وقال القاضي عياض: ومعجزات نبينا أظهر من معجزات الرسل بوجهين: أحدهما: [كثرتها] [ (1) ] ، وأنه لم يؤت نبي معجزة إلا وعند نبينا مثلها أو ما هو أبلغ منها، أما كونها كثيرة فهذا القرآن وكله معجز، وأقل ما يقع الإعجاز فيه عند بعض أئمة المحققين سورة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (2) ] ، أو آية في قدرها، لقوله تعالى: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (3) ] فهو أقل ما تحداهم به، وإذا كان هذا ففي القرآن من الكلمات نحو من سبعة وسبعين ألف كلمة ونيف، وعدد كلمات إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (2) ] عشر كلمات، فتجزأ القرآن على نسبة إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (2) ] أزيد من سبعة آلاف جزء، وكل واحد منها معجز في نفسه. ثم إعجازه بوجهين: طريق بلاغته، وطريق نظمه، فصار في كل جزء من هذا العدد معجزتان، فتضاعف العدد من هذا الوجه، ثم فيه وجوه إعجاز أخر من الإخبار بعلوم الغيب، فقد يكون في السورة الواحدة من هذه التجزئة، الجزء عن أشياء من الغيب، كل جزء منها بنفسه معجز، فتضاعف العدد كرة أخرى. ثم وجوه الإعجاز الأخرى توجب التضعيف، هذا في حق القرآن، ولا يكاد يأخذ العدد معجزاته، ولا يحوي الحصر ماهيته. ثم الأحاديث الواردة، والأخبار الصادرة عنه صلّى اللَّه عليه وسلم في هذه الأبواب، وعما دلّ على أمره بتبليغ [نحو] [ (1) ] من هذا. الوجه الثاني: في وضوح معجزاته صلّى اللَّه عليه وسلم، فإن معجزات الرسل كانت بقدر همم أهل زمانهم، وبحسب الفن الّذي سما فيه قرنه، ثم بين ذلك بمعنى ما تقدم ذكره، من غلبة السحر في زمان موسى، والطب في أيام عيسى، والبلاغة في العرب الذين بعث اللَّه فيهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وأما كيفية نزوله والمدة التي أنزل فيها
وأما كيفية نزوله والمدة التي أنزل فيها فإن اللَّه تعالى أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا، ثم فرّقه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في عشرين سنة، وكانت السورة تنزل في أمر يحدث، والآية تنزل جوابا لمستخبر يسأل، [ويوقف] [ (1) ] جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على موضع السورة والآية، فاتسقت سور القرآن كما اتسقت آياته وحروفه عن محمد صلّى اللَّه عليه وسلم عن اللَّه رب العالمين، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ ترتيب القرآن عن جبريل عليه السلام، يقف على مكان الآيات. خرج النسائي [ (2) ] من حديث جرير عن منصور عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه، قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [ (3) ] ، قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، ثم كان اللَّه تبارك وتعالى ينزل على رسوله بعضه في إثر بعض، قال: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً [كَذلِكَ] [ (4) ] لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وخرجه الحاكم [ (5) ] وقال: صحيح على شرطهما. وللحاكم من حديث عبد [الأعلى] بن عبد [الأعلى] قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وكان اللَّه إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، أو يحدث في الأرض منه شيئا أحدثه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (6) ] .
وله من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك بعشرين سنة: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [ (1) ] ووَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [ (2) ] ، قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . وله من حديث سفيان عن الأعمش، عن حسان بن حريث، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويرتله ترتيلا. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (4) ] . وله من حديث عبد الوهاب بن عطاء قال، حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وقال عز وجل: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [ (5) ] ، وقال: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [ (6) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (7) ] . وله من حديث هيثم عن حصين عن [حكيم] [ (8) ] بن حزام، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تنزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين، قال: [وتلا] [ (9) ] هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [ (10) ] . قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (11) ] .
وأما جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات
وأمّا جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات الأولى: عند ما أنزله اللَّه تعالى على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم فكان يمليه في كتّابه فيكتبون في العظام وغيرها، حتى اجتمعت سور القرآن وآياته. والجمع الثاني: في خلافة أبي بكر رضي اللَّه عنه، جمعه من العظام وغيرها في صحف، قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن سفيان عن السدي، عن ابن عبد خير، قال: قال علي رضي اللَّه عنه يرحم اللَّه أبا بكر، هو أول من جمع من اللوحين. حدثنا قبيصة، حدثنا ابن عيينة، عن مجالد، عن الشعبيّ، عن صعصعة قال: أول من جمع من اللوحين وورّث الكلالة [ (1) ] أبو بكر رضي اللَّه عنه. والجمع الثالث: في خلافة عثمان رضي اللَّه عنه، نسخ الصحف المذكورة وما أجمع عليه الصحابة في مصحف، وجعله خمس نسخ: أقر مصحفا بالمدينة، وبعث مصحفا إلى مكة، ومصحفا إلى الكوفة، ومصحفا إلى البصرة، ومصحفا إلى الشام، وحرّق ما عدا ذلك. فأجمع الصحابة رضي اللَّه عنهم على أن ما في مصحف عثمان رضي اللَّه عنه هو كلام اللَّه الّذي نزل به جبريل عليه السلام من رب العالمين على محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وصار كل ما يخالف المصحف العثماني لا يعتد به. قال ابن عائذ في كتاب (المغازي) : حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد اللَّه بن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير قال: لما أصيب المسلمون من المهاجرين
والأنصار باليمامة، وقتل عامة المسلمين وفقهاؤهم، فزع أبو بكر رضي اللَّه عنه إلى القرآن فدعا به الناس، وخاف أن يهلك منه، وإنما هو في العسب والرقاع، وكان رجال قد قرءوه كله، منهم أبي بن كعب، وسالم مولى حذيفة، وكان أول من جمع القرآن في مصحف خلف [] [ (1) ] حتى يكتبه أجمع في مصحف وأشفقوا منه أن يزاد فيه أو ينقص منه، فجمعوه على رجل أبي بكر رضي اللَّه عنه وبأمره. فلما أخرجوه للناس ولا يسمونه يومئذ المصحف، قال أبو بكر رضي اللَّه عنه: التمسوا له اسما، فقال بعضهم. إنجيلا، فكرهوا ذلك لما ذكر اللَّه تعالى في الإنجيل، وقال بعضهم: سموه سفرا، فقالوا: اسما يدعوه اليهود كتابهم الأسفار، فقال عتبة ابن مسعود- وهو أخو عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، وكان في مهاجرة الحبشة-: إني سمعت الحبشة يدعون المصحف، فرضوا به. فكان أبو بكر رضي اللَّه عنه أول من جمع القرآن في مصحف، وسماها المصاحف، وذكر هشام عن أبيه محمد بن السائب في كتاب. (الجامع لأنساب العرب) ومنه نقلت أن نافع بن ظريب بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف بن قصي هو الّذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، وكذا ذكر الزبير بن بكار في كتاب: (نسب قريش) فقال: حدثني أبو الحسن الأثرم عن هشام بن محمد بن السائب، قال نافع بن ظريب الّذي كتب المصاحف لعمر بن الخطاب، وهو نافع بن ظريب بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف. وخرج النّسائي والترمذي من حديث يحيى بن سعيد، قال في رواية النسائي: حدثنا يزيد الفارسيّ قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان، وقال الترمذي حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عذي، وسهل ابن يوسف، حدثنا عوف بن أبي جميلة، حدثنا يزيد الفارسيّ، حدثنا ابن عباس قال: قلت لعثمان رضي اللَّه عنهما: ما حملكم أن عهدتم إلى الأنفال وهي من المثاني،
وإلى بَراءَةٌ [ (1) ] ، وهي من المئين [فقرنتم] بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (2) ] ، ووضعتموهما في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان رضي اللَّه عنه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة، وكانت بَراءَةٌ [ (3) ] من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ (4) ] ، فوضعتها في السبع الطّول. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسيّ [ (5) ] . وخرّجه الحاكم [ (6) ] وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وللحاكم من حديث يحيى بن أيوب قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه عن زيد بن ثابت رضي اللَّه عنه قال: كنا حول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نؤلف القرآن إذ قال: طوبى للشام، فقيل له: ولم؟ قال: إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليهم [ (7) ] . وفي رواية: كنا عند رسول اللَّه نؤلّف القرآن وفي رواية: كنا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع [ (8) ] . قال: هذا
حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وخرجه الإمام أحمد بهذا السّند، ولفظه: بينما نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع [ (1) ] . الحديث. قال الحاكم: وفيه البيان الواضح أن جمع القرآن لم يكن مرة واحدة، فقد جمع بعضه بحضرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم جمع بحضرة أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه، والجمع الثالث هو ترتيب السور، كان في خلافة أمير المؤمنين عثمان رضي اللَّه عنه [ (2) ] . وقال الشعبي: أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه أول من جمع المصحف، وقال مجالد الشعبي عن صعصعة بن صوحان قال: أبو بكر أول من جمع المصحف، وقال سفيان عن [من حدثه] [ (3) ] ، عن عبد خير عن علي رضي اللَّه عنه أنه قال: رحم اللَّه أبا بكر، أول من جمع المصحف. وفي رواية: أول من جمع من اللوحين. وخرج الحاكم من حديث شريك، عن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي ذر رضي اللَّه عنه أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة- والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب- فجلست قريبا من أبي بن كعب، فقرأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سورة بَراءَةٌ [ (4) ] ، فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟ قال: فتجهمني ولم يكلمني. [قال وذكر] [ (5) ] الحديث [ (6) ] . وله من حديث إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن [ابن] عباس رضي اللَّه عنه قال: أي القراءتين ترون كان آخر القراءة؟ قالوا: قراءة زيد، قال: لا، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يعرض القراءة كل سنة على جبريل عليه السلام،
فلما كانت السنة التي قبض فيها عرضه عرضتين، فكانت قراءة ابن مسعود آخرهن [ (1) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وفائدة الحديث ذكر عبد اللَّه بن مسعود. وله من حديث حجاج بن المنهال [ (2) ] قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة عن الحسن، عن سمرة قال: عرض القرآن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عرضات، فيقولون: إن قراءتنا هذه هي العرضة الآخرة [ (3) ] . قال: هذا حديث صحيح، على شرط البخاري بعضه، وبعضه على شرط مسلم ولم يخرجاه. وخرج البخاري من حديث إبراهيم بن سعد قال: حدثنا ابن شهاب عن عبيد ابن السبّاق، أن زيد بن ثابت قال، أرسل إليّ أبو بكر رضي اللَّه عنه مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحّرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى إن استحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر، كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال عمر: هذا واللَّه خير، فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللَّه صدري لذلك، ورأيت في ذلك الّذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر رضي اللَّه عنه: إنك رجل شابّ عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فتتبّع القرآن فأجمعه، فو اللَّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن! قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هو واللَّه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح اللَّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر [رضي اللَّه عنهما] [ (4) ] .
فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره، لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ] [ (1) ] حتى خاتمة بَراءَةٌ [ (2) ] ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه اللَّه تعالى، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر [رضي اللَّه عنه] [ (1) ] . ذكره في كتاب فضائل القرآن، وترجم عليه جمع القرآن [ (3) ] ، وفي كتاب الأحكام [ (4) ] ، وفي كتاب التفسير [ (5) ] ، وخرجه الترمذي في التفسير [ (6) ] . وللبخاريّ من حديث هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم قال: وأخبرني يوسف بن ماهك قال: إني عند عائشة [أم المؤمنين] [ (7) ] رضي اللَّه عنها، إذ جاءها عراقي فقال: أي الكفن خير؟ قالت ويحك! وما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك، قالت: لم؟ قال: [لعلي] [ (7) ] أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيّه قرأت، قيل: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصّل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا، لقد نزل بمكة على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم وإني لجارية ألعب: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [ (8) ] ، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له الصحف وأملت عليه-
أي السور [ (1) ] . وله من حديث شعبة عن أبي إسحاق، سمعت عبد الرحمن بن يزيد، سمعت ابن مسعود رضي اللَّه عنه يقول في بني إسرائيل [ (2) ] ، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، أنهن من العتاق [ (3) ] الأول، وهي من تلادي [ (4) ] . وذكره في تفسير سورة بني إسرائيل [ (2) ] ، ولم يذكر فيه طه والأنبياء [ (5) ] . وذكر في تفسير سورة الأنبياء من حديث غندر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، سمعت عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه قال: بني إسرائيل [ (2) ] ، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، هن من العتاق الأول، وهن من تلادي [ (6) ] . وذكر في باب تأليف القرآن من حديث الوليد قال: حدثنا شعبة، أنبأنا أبو إسحاق، سمع البراء قال: تعلمت سورة سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الْأَعْلَى] قبل أن يقدم النبي [ (7) ] . وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: ولقد قرأت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضعا وسبعين سورة [ (8) ] وفي رواية: واللَّه لقد قرأت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضعا وسبعين سورة [ (9) ] وصح أنه جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن سفيان عن السدي، عن عبد خير قال: سمعت عليا رضي اللَّه عنه يقول: [رحمة] اللَّه على أبي بكر، كان أول من جمع ما بين اللوحين. وحدثنا ابن مهدي عن سفيان به فذكره. وللبخاريّ من حديث إبراهيم، حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان رضي اللَّه عنه- وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق- فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث ابن هشام، فنسخوها في المصاحف. وقال عثمان رضي اللَّه عنه للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصّحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق مصحفا مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق [ (1) ] . قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت قال: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة [بن ثابت] [ (2) ] الأنصاري: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [ (3) ] ، فألحقناها في سورتها من المصحف [ (4) ] .
وأخرجه الترمذي في التفسير بنحوه وقال: قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه [ (1) ] ، فقال: التابوت، وقال زيد: التابوه، فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوه التابوت، فإنه نزل بلسان قريش، قال الزهري: فأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، أن عبد اللَّه بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف وقال: يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ كتابة المصاحف ويتولاها رجل، واللَّه لقد أسلمت وإنه [ (2) ] لفي صلب رجل كافر، يريد زيد بن ثابت. [ولذلك] [ (3) ] قال عبد اللَّه بن مسعود: يا أهل العراق، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها، فإن اللَّه يقول: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ [ (4) ] ، فالقوا [ (5) ] اللَّه بالمصاحف. قال الزهريّ: فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة [ابن] [ (6) ] مسعود رجال من أفاضل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث إبراهيم ابن سعد عن الزهري، لا نعرفه إلا من حديثه [ (7) ] . وأخذ خالد بن عرفطة مصاحف ابن مسعود، فأغلى الزيت وطرحها فيه، وكان عثمان بن عفان قد [بعثه] [ (8) ] إلى الكوفة، وكانت له صحبه، وقاتل مع معاوية، فلما كانت أيام المختار بن أبي عبيد، أخذه فأغلى له زيتا وطرحه فيه. وقال البخاري في باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: وأخبرني أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: فأمر عثمان زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد اللَّه بن الزبير، وعبد الرحمن بن
الحرث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم، ففعلوا. هكذا ذكره مختصرا [ (1) ] . وذكر ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب، عن سالم وخارجة، أن أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك، فأبى عليه حتى استعان عليه بعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ففعل، وكانت تلك الكتب عند أبي بكر، ثم كانت عند عمر حتى توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأرسل إليها عثمان رضي اللَّه عنه فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردها إليه، فبعثت بها إليه فنسخها ثم ردّها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها. وقيل: لما تولى مروان المدينة أرسل إلى حفصة في الصحف ليمزقها فمنعته، فلما ماتت [أعطاها] [ (2) ] عبد اللَّه أخوها فمزقها. وقال مسعد بن سعد: أدركت الناس وقت جمع عثمان المصحف، فما رأيت المهاجرين والأنصار اختلفوا في تصويبه. وقد روى من طريق حسن الجعني، عن زائدة، عن حجاج، عن عمير بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الّذي فعل عثمان. ومن طريق عفان قال: حدثنا محمد بن أبان، حدثنا علقمة عن سويد [ (3) ] بن علقمة قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه يقول: واللَّه لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الّذي فعل. وفيه قصة.
وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم
وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن الكريم فقد صح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف [ (1) ] ، من رواية أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب وأبي بن كعب. وفي الباب عن عبد اللَّه بن عباس وأبي هريرة، وعبد اللَّه بن مسعود، وأبي جهيم الأنصاري، وأبي بكرة، وسمرة، وغيره. فأما حديث عمر رضي اللَّه عنه فرواه مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عبد الرحمن عن عبد الأعلى، ورواه معمر ويونس عن عقيل وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد بن عبد اللَّه بن مسلم- وهو ابن أخي محمد بن شهاب الزهري-، عن عروة بن الزبير، عن المسور وعبد الرحمن بن عبد القاري، جميعا عن عمر رضي اللَّه عنه [ (2) ] . وخرج حديث مالك هذا، البخاري [ (3) ] ...
ومسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والنسائي [ (3) ] وغيرهم من الحفاظ، فخرجه البخاري في كتاب الخصومات عن عبد اللَّه بن يوسف، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، وأخرجه أبو داود عن القعنبي، وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة، والحرث بن مسكين عن أبي القثم عن مالك، وقد رواه مالك في الموطأ [ (4) ] عن محمد بن شهاب عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه، ثم جئت به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أرسله. ثم قال: اقرأ يا هشام، فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ، فقرأتها، فقال: هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه. وخرج البخاري ومسلم والنسائي حديث المسور، وعبد الرحمن بن عبد القاري فقال البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، في باب ما جاء في المنافقين [ (5) ] . وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير، أن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد القاري، أخبراه أنهما سمعا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [كذلك] ، فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، فلما سلم لببته بردائه أو بردائي، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت له: كذبت، فو اللَّه إن رسول اللَّه أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرأها، فانطلقت أقوده إلى رسول اللَّه، فقلت: يا رسول اللَّه! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها، قال رسول اللَّه: هكذا أنزلت، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اقرأ يا عمر، فقرأت، فقال: هكذا أنزلت، ثم قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه. وخرجه أيضا في آخر كتاب التوحيد في باب فاقرءوا ما تيسر من القرآن [ (1) ] . وخرجه في فضائل القرآن [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن المسوّر بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبد أخبراه أنهما سمعا عمر يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان، فذكره. وخرجه أيضا من حديث إسحاق بن إبراهيم، وعبد الرحمن بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، كرواية يونس بإسناده. وخرجه النسائي من حديث يونس عن ابن شهاب بإسناد الليث. قال الحافظ أبو عمر عبد اللَّه بن عبد البر: في رواية معمر تفسير لرواية مالك في قوله: يقرأ سورة الفرقان، لأن ظاهر السورة كلها أو جملتها، فبان في رواية معمر أن ذلك في حروف منها بقوله: على حروف كثيرة. وقوله: يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئنيها، وهذا مجمع عليه أن القرآن [وآياته كلها] [ (2) ] لا يجوز في حروفه وكلماته أن يقرأ على سبعة أحرف ولا شيء
منها، ولا يمكن ذلك فيها، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن يقرأ على سبعة أحرف إلا قليلا، مثل: وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ [ (1) ] وتَشابَهَ عَلَيْنا [ (2) ] وبِعَذابٍ بَئِيسٍ [ (3) ] ونحو ذلك، وذلك يسير جدا، وهذا بين واضح يغني عن الإكثار منه. وأما حديث أبي بن كعب رضي اللَّه عنه فخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنّسائي، وقاسم بن أصبغ، وعدة من الحفاظ. فلمسلم من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده عن أبيّ ابن كعب قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا [جميعا] [ (4) ] على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقرءا، فحسّن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية. فلما رأى رسول اللَّه ما قد غشيني، ضرب في صدري ففضت عرقا، وكأنما انظر إلى اللَّه عز وجل فرقا، فقال لي: يا أبي! أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فردّ إليّ الثانية أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فردّ إليّ الثالثة أن اقرأه سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها، فقلت: اللَّهمّ اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم ترغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم [ (5) ] . وله من حديث شعبة، عن الحكم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أبيّ بن كعب، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان عند أضاة [ (6) ] بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه
السلام فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، قال: أسأل اللَّه عز وجل معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثانية فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل اللَّه معافاته ومغفرته، فإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: أسأل اللَّه معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة فقال: إن اللَّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا [ (1) ] . وخرج أبو داود [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث شعبة بنحو ذلك، وقال النسائي بعد إيراده هذا الحديث: منصور خالف الحكم في هذا الحديث، رواه عن مجاهد عن عبيد بن عمير مرسلا. وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث أبي معمر عن عبد الوارث عن محمد بن جحاده، عن الحكم بن عيينة إلى آخره بمعناه. وخرجه النسائي أيضا من حديث يحيى عن حميد عن أنس عن أبيّ قال: ما حاك في صدري منذ أسلمت أني قرأت آية وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال الآخر: أقرأنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا نبيّ اللَّه، أقرأتني آية كذا وكذا، قال: نعم وقال الآخر: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: نعم، إن جبريل وميكائيل أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرف، قال ميكائيل: استزده، حتى بلغ
سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث شيبان عن عاصم عن زرّ بن حبيش، عن أبيّ ابن كعب قال: لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبريل، فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمّيين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الّذي لم يقرأ كتابا قط، قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف [ (2) ] . قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وحذيفة بن اليمان، وأم أيوب- وهي امرأة أبي أيوب، وسمرة، وابن عباس، وأبي جهيم بن الحرث بن الصمة، وعمرو بن العاص وأبي بكرة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، قد روى من غير وجه عن أبيّ بن كعب. وقال ابن عبد البر: وأما حديث عاصم عن زرّ عن أبيّ، فاختلف على عاصم فيه، وقد جاء بيان الرجل الّذي رآه أبيّ يقرأ في رواية همام بن يحيى عن قتادة، عن يحيى بن يعمر، عن سليمان بن صرد، عن أبيّ بن كعب قال: قرأ أبيّ آية، وقرأ ابن مسعود خلافها، وقرأ رجل آخر خلافها، فأتينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: ألم تقرأ آية كذا وكذا، وكذا وكذا؟ وقال ابن مسعود: ألم تقرأ آية كذا وكذا؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كلكم محسن مجمل، قال: ما كلنا أحسن ولا أجمل! قال: فضرب صدري وقال: يا أبي، إني أقرئت القرآن فقلت: على حرف أو حرفين؟ فقال لي الملك الّذي عندي: على حرفين، فقلت: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الّذي [عندي] [ (3) ] : على ثلاثة، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، قلت: غفورا رحيما، أو قلت: سميعا حكيما، أو قلت: عليما حكيما، أو عزيزا حكيما، أي ذلك قلت فإنه [كذلك] [ما لم تختم آية عذاب
برحمة، أو آية رحمة بعذاب] [ (1) ] . وزاد بعضهم في هذا الحديث: ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب. قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وإذا ثبتت هذه الرواية، حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء اللَّه تعالى في موضع بغيره، مما يوافق معناه أو يخالف. وقال ابن عبد البر: أما قوله في هذا الحديث: قلت سميعا عليما أو غفورا رحيما، أو عليما حكيما، فإنما أراد به ضرب المثل للحروف التي يقرأ القرآن عليها، أنها معان متفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا تكون في شيء معنى وضده، ولا وجه وخلاف معناه، خلاف بنفسه ومضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده، والسورة التي أنكر فيها- أي القراءة- سورة النحل. وذكر ذلك الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن عبيد اللَّه بن عمر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعب قال ... ، الحديث. وأما حديث عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه، فخرجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن ابن عباس حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيد فيزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الّذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام [ (2) ] . وأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه فخرجه أبو داود وقاسم بن أصبغ من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
أنزل القرآن على سبعة أحرف، غفورا رحيما، عزيزا حكيما، عليما حكيما [ (1) ] ، وربما قال: سميعا بصيرا. وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث ابن أبي أويس قال: حدثني أخي سليمان ابن بلال عن محمد بن عجلان عن [ابن جرير] [ (2) ] ، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة [ (3) ] . وأما حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، فروى جرير بن عبد الحميد عن مغيرة، عن واصل ابن حبان عن عبد اللَّه بن أبي الهذيل عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل آية منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد ومطلع [ (4) ] . وأما حديث أبي جهيم، فخرج ابن وهب من حديث سليمان بن بلال بن يزيد بن عبد اللَّه بن حضيعة، عن بشر بن سعيد أن أبا جهيم الأنصاري رضي اللَّه عنه أخبره بأن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال: هذا تلقيتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال الآخر: لقّنتها من رسول اللَّه، فسئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عنها فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولا تماروا في القرآن، فإن المراء [ (5) ] فيه كفر [ (6) ] . وأما حديث أبي بكرة، فخرجه الطحاوي من حديث حماد قال: أخبرني علي ابن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة رضي اللَّه عنه قال:
[أتي] [ (1) ] جبريل عليه السلام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، قال: فقال ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأه فكل شاف كاف إلا أن يخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو: هلم، ويقال: وأقبل واذهب وأسرع وعجّل [ (2) ] . وأما حديث سمرة، فخرج الحاكم من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا قتادة عن الحسن، عن سمرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنزل القرآن على ثلاثة أحرف [ (3) ] ، قال الحاكم [ (4) ] : وهذا حديث صحيح وليس له علة. وقد اختلف الناس في معنى ذلك اختلافا كثيرا، فقال بعضهم: هي سبعة أحرف أودعها اللَّه تعالى في كتابه، قام بها إعجازه، وقال قوم: هي زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. وقيل: هي حلال، وحرام، وأمر، ونهي، وزجر، وخبر ما كان قبل، وخبر ما هو كائن بعد، وأمثال. وقيل: هي وعد، ووعيد، وحلال، وحرام، ومواعظ، وأمثال، واحتجاج. وقيل: هي أمر، ونهي، وبشير، ونذير، وإخبار، وأمثال. وقيل: هي محكم، ومتشابه، وناسخ، ومنسوخ، وخصوص، وعموم، وقصص.
وقيل: هي أمر، ونهي، وحد، وعلم، وسر، وظهر، وبطن. وقيل: ناسخ، ومنسوخ، ووعد، ووعيد، ورجم، وتأديب، وإنذار. وقيل: حلال، وحرام، وافتتاح، وإضمار، وفضائل، وعقوبات. وقيل: أوامر، وزواجر، وأمثال، وأنباء، وعتب، ووعظ، وقصص. وقيل: الحلال، والحرام، والمنصوص، والقصص، والإباحات. وقيل: الظهر، والبطن، والفرض، والندب، والخصوص، والعموم، والأمثال. وقيل: الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والإباحة، والإرشاد، والاعتبار. وقيل: هي مقدم، ومؤخر، وفرائض، وحدود، ومواعظ، ومتشابه، وأمثال. وقيل: هي تفسير، ومجمل، ومقتضى، وندب، وحتم، وأمثال. وقيل: هي أمر حتم، وأمر ندب، ونهي حتم، ونهي ندب، وأخبار، وإباحات. وقيل: الفرض، والنهي الحتم، والأمر الندب، والنهي المرشد، والوعد، والوعيد، والقصص. وقيل: هي سبع جهات لا يتعداها الكلام، إذ العرب تسمي الحرف جهة. وقيل: هي لفظ خاص أريد به العام، ولفظ يغني تنزيله عن تأويله، ولفظ لا يعلم فقهه إلا العلماء، ولفظ لا يعلم معناه إلا الراسخون في العلم. وقيل: هي سبع لغات متفرقة لجميع العرب، فكل حرف منها لقبيلة مشهورة، وبعض الأحياء أسعد من بعض، مثل قريش، لأن القرآن أنزل بلغتها. وقيل: هي سبع لغات: أربع منها لعجز هوازن، وثلاثة لقريش، وعجز هوازن: سعد بن بكر، وجثم بن بكر، ومضر بن معاوية. وقيل: قال [ابن] عباس: نزل القرآن بلغة الكعبيين: كعب قريش وكعب
خزاعة، قيل له: وكيف ذلك؟ قال: كانت دارهم واحدة، قال أبو عبيدة: يعني أن خزاعة جيران قريش. وقال صالح بن نضر بن مالك الخزاعي: مرّ بي شعبة بن الحجاج فقال لي: يا خزاعيّ، ألا أحدثك حديثا في قومك؟ حدثنا قتادة عن أبي الأسود الدّؤليّ قال: نزل القرآن بلسان الكعبين: كعب بن عمرو، وكعب بن لؤيّ. وقال قتادة عن [ابن] عباس: نزل القرآن بلسان قريش ولسان خزاعة، وذلك أن الدار واحدة، هي سبع لغات: لقريش لغة، ولليمن لغة، ولجرهم لغة، ولهوازن لغة، ولقضاعة لغة، ولتميم لغة، ولطىّ لغة. وقيل: هي لغة الكعبين: كعب بن عمرو، وكعب بن لؤيّ ولها سبع لغات. وقيل: هي اللغات المختلفة لأحياء العرب في معنى الواحد، مثل قولك: هلم، هات، تعال، أقبل، هاهنا، عندي، اعطف عليّ. وقيل: هي قراءات سبعة من الصحابة هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عباس، وأبي بن كعب رضي اللَّه عنهم. وقيل: هي ما في اللغة مثل: الهمز، والفتح، والكسر، والإمالة، والتفخيم، والمد، والقصر. وقيل: هي تصريف، ومصادر، وعروض غريب، وسجع، ولغات مختلفة في شيء واحد، كلها لغة العرب. وقيل: هي كلمة واحدة تعرب بسبعة أوجه حتى يكون المعنى واحدا وإن اختلف اللفظ فيها. وقيل: هي أمهات الهجاء: الألف، والباء، والجيم، والدال، والراء، والسين، والعين، لأن عليها يدور جميع كلام العرب. وقيل: هي أسماء الرب تعالى مثل: الغفور، الرحيم، السميع، البصير، العليم، الحكيم.
وقيل: هي آية في الذات، وآية تفسيرها في آية أخرى، وآية بيانها في السنة الصحيحة، وآية في وصف الأنبياء والرسل، وآية في خلق اللَّه تعالى الأشياء، وآية في وصف الجنة، وآية في وصف النار. وقيل: هي آية في وصف الصانع سبحانه، وآية في إثبات الوحدانية للصانع تعالى، وآية في إثبات صفاته، وآية في إثبات رسله، وآية في إثبات كتبه، وآية في إثبات الإسلام، وآية في إثبات الكفر. وقيل: هي سبع جهات من صفات الذات للَّه تعالى التي لا يقع عليها التكييف. وقيل: هي إثبات الإيمان باللَّه ومباينة الشرك، وإثبات الأوامر ومجانبة الزواجر والثبات على الإيمان، وتحريم ما حرّم اللَّه، وطاعة رسوله. وقيل: هي إظهار الربوبية وإثبات الوحدانية، وتعظيم الألوهية، والتعبد للَّه تعالى، ومجانبة الشرك بغير اللَّه، والترغيب في الثواب، والترهيب من العقاب. وقد ذكر هذه الأقوال كلها- ما عدا القول الأول- أبو حاتم محمد بن حبان البستي، ثم قال: هذه آخر خمسة وثلاثين قولا لأهل العلم واللغة في معنى قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» ، وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا وهي كلها محتملة وتحتمل غيرها. قال: والّذي عندي أن لقوله: أنزل القرآن على سبعة أحرف معنيين: أحدهما: علم القراءات للقرآن، والآخر: علم تأويله بصحة البيان، فأما المعنى الّذي هو وجه [القراءات] [ (1) ] للقرآن: فإنه يؤدي إلى سبعة أحرف على ما قاله المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم: أولها: التأنيث والتذكير: مثل قوله: لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ [ (2) ] ، ولا تقبل منها، ولا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ [ (3) ] ، ولا تحل لك. وثانيها: الجمع والوحدان: كقوله: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها
وكتبه [ (1) ] ، وو كتابه، وكقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ [ (2) ] ، وشهادتهم [ (3) ] ، وما أشبه ذلك. وثالثها: الخفض والرفع: مثل قوله تعالى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ (4) ] ، محفوظ، وهَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [ (5) ] ، وغير اللَّه، وما أشبه ذلك. ورابعها: الأدوات والآلات، مثل النون إذا شددتها، والألف إذا كسرتها أو فتحتها ونصبت ما بعدها، مثل قوله تعالى: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى [ (6) ] ، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (7) ] ، وما أشبه ذلك. وخامسها: الإعراب والتصريف: كقوله: يَعْرِشُونَ [ (8) ] ، ويَعْرِشُونَ، ويَعْكُفُونَ [ (9) ] ، ويَعْكُفُونَ، وما أشبه ذلك. وسادسها: تغيير اللفظ واللفظ: كقوله تعالى: نُنْشِزُها [ (10) ] ، ونُنْشِزُها (بالراي والزاي) ، وما أشبه ذلك. وسابعها: ما يدخل في اللفظ وحورته اللغة، مثل القصر والمد، والتفخيم والإمالة، والكسر والفتح، لأن هذه الأشياء عليها يدور جوامع كلام العرب، وهذا المعنى الّذي ذكرناه هو وجه القراءات للقرآن، أعني قوله صلّى اللَّه عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف. وقال أبو عبد اللَّه محمد بن أبي الفضل عبد اللَّه المرسي، في كتاب (ري الظمآن) : وهذه الوجوه أكثرها متداخلة، ولا أدري مسندها ولا عمّن نقلت، ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر، مع أن كلها موجود في القرآن، ولا أدري معنى التخصيص، وفيها أشياء لا أفهم معناها على
الحقيقة، وأكثرها يعارضها حديث عمر رضي اللَّه عنه، فذكره ثم قال: وهذا يقتضي أن الحروف السبعة ليس كما ذكروا: زاجر، وآمر، وحلال وحرام، ومحكم، ومتشابه، [وكذلك] [ (1) ] أكثر الوجوه التي ذكروها في معنى: أنزل القرآن على سبعة أحرف. وهذا لا يقتضي أن يخالف بعضهم بعضا فيه، لأن الخلاف لا يتصوّر فيه، فإنّهم يقرءون ما في القرآن من هذه الوجوه وهي لا [تختلف] [ (1) ] ، فكيف يخالف بعضهم بعضا؟ هذا لا أدري معناه. وقال أبو عمر بن عبد البر: وقد اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا كثيرا، فقال الخليل بن أحمد: معنى قوله: سبعة أحرف: سبع قراءات، والحرف هاهنا القراءة. وقال غيره: هي سبعة، إنما كل نحو منها جزء، ومن أجزاء القرآن خلاف [كثير في] [ (2) ] غيرها، وقد ذهبوا إلى أن كل حرف منها هو صنف من الأصناف، نحو قول اللَّه عز وجل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [ (3) ] ، وكان معنى الحرف الّذي يعبد اللَّه عليه هو صنف من الأصناف، ونوع من الأنواع التي يعبد اللَّه عليها، فمنها ما هو محمود عنده تبارك وتعالى، ومنها ما هو خلاف ذلك، فذهب هؤلاء في قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، إلى أنها سبعة أنحاء وأصناف منها: زاجر، وآمر، ومنها حلال، ومنها حرام، ومنها محكم، ومنها متشابه، ومنها أمثال. واحتجوا بحديث يرويه سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه، عن ابن مسعود، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على وجه واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أوجه: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا
حرامه، واعتبروا بأمثاله، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [ (1) ] . وهذا حديث لا يثبت لأنه يرويه حيوة بن شريح، عن عقيل بن خالد عن سلمة هكذا، ويرويه الليث عن عقيل، عن ابن شهاب عن سلمة بن أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مرسلا، وأبو سلمة لم يلق ابن مسعود، وابنه سلمة ليس ممن يحتج به، وهذا الحديث [مجمع] [ (2) ] على ضعفه من جهة إسناده، وقد رده قوم من أهل النظر، منهم: أحمد بن أبي عمران قال: من قال في تأويل السبعة الأحرف هذا القول فتأويله فاسد، لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه، أو يكون حلالا لا ما سواه، لأنه يجوز أن تكون القراءة تقرأ على أنه حلال كله، أو حرام كله، أو أمثال كله. ذكره الطحاوي عن أحمد بن أبي عمران، سمعه منه، وهو كما قال ابن أبي عمران. قال: واحتج ابن أبي عمران بحديث أبيّ بن كعب، أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف فاستزاده حتى بلغ سبعة أحرف، الحديث. وقال قوم: هي سبع لغات في القرآن مفرقات على لغات العرب كلها، يمنها وبرارها، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يجهل شيئا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم، وإلى هذا ذهب أبو عبيد في تأويل هذا الحديث. قال: ليس معناه أن يقرأ الحرف على سبعة أوجه، هذا معنى غير موجود، ولكنه عندنا أنه نزل على سبع لغات مفرقة في جميع القرآن من لغات العرب، فيكون الحرف منها بلغة قبيلة أخرى سوى الأولى، والثالثة سواهما، كذلك إلى السبعة. قال: وبعض الأحياء أسعد بها، وأكثر حظا فيها من بعض، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن عثمان رضي اللَّه عنه قال لهم حين أمرهم أن يكتبوا المصاحف: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم. وذكر
حديث ابن عباس رضي اللَّه عنه أنه قال: نزل القرآن بلغة الكعبين: كعب قريش وكعب خزاعة جيران قريش فأخذوا بلغتهم، وذكر أخبارا قد ذكرنا أكثرها في هذا الباب. وقال آخرون: هذه اللغات كلها السبعة، إنما تكون لمضر، واحتجوا بقوله: نزل القرآن بلسان مضر، وقالوا: جائز أن يكون منها لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لطيّئ، ومنها لقيس، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب. وقد روى عن ابن مسعود أنه كان يحب الذين يكتبون المصاحف من مضر، وأنكر آخرون أن تكون كلها في مضر، وقالوا: مضر شواذ لا يجوز أن يقرأ القرآن عليها، مثل كشكشة قيس، وعنعنة تميم، فأما كشكشة قيس: فإنّهم يجعلون كاف المؤنث شيئا، فيقولون في [قوله تعالى] [ (1) ] : قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [ (2) ] ، قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وأما عنعنة تميم: فيقولون في أن: عن، فيقرءون في قوله تعالى: [فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ] [ (3) ] ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ، وبعضهم يبدل السين تاءا، فيقول في الناس: النات، وفي أكياس: أكيات، وهذه لغات يرغب بالقرآن عنها، ولا يحفظ عن السلف شيء منها. وقال آخرون: أما بدل الهمزة عينا، وبدل حروف الحلق [ (4) ] بعضها من بعض، فمشهور عن الفصحاء، وقد فسروا به [العنعنة] [ (5) ] ، واحتجوا بقراءة ابن مسعود: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [ (6) ] ، وبقول ذي الرمة: فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... ولونك إلا عنّها غير طائل يريد «إلا أنها» .
وذكر من طريق أبي داود حديث هيثم عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن كعب الأنصاري، عن أبيه عن جده: أنه كان عند عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فقرأ رجل بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، فقال عمر: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها ابن مسعود، فقال له عمر. حتى حين، وكتب إلى ابن مسعود: أما بعد، فإن اللَّه أنزل القرآن بلسان قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل. والسلام. قال ابن عبد البر: ويحتمل أن يكون هذا من عمر رضي اللَّه عنه على سبيل الاختيار، لأن ما قرأ به ابن مسعود لا يجوز أن يمنع منه، وإذا أبيح لنا قراءته على كل ما أنزل فجائز الاختيار فيما أنزل. واللَّه أعلم. وقد روي عن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه مثل قول عمر هذا، أن القرآن نزل بلغة قريش بخلاف الرواية الأولى، وهذا أثبت عنه لأنه من رواية ثقات المدينة، وذكر حديث ابن شهاب عن أنس، أن حذيفة قدم على عثمان، وقول عثمان رضي اللَّه عنه: فإن اختلفتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم. وقال القاضي أبو بكر بن الطيب: معنى قول عثمان: فإنه نزل بلغة قريش، يريد معظمة وأكثره، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره نزل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات وحروف بخلاف لغة قريش، وقد قال تعالى: جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [ (1) ] ، ولم يقل قرشيا، وهذا يدل على أنه منزل بجميع لسان العرب، وليس لأحد أن يقول: أنه أراد قريشا من العرب دون غيرها، كما أنه ليس له أن يقول: أراد لغة عدنان دون قحطان، أو ربيعة دون مضر، لأن اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا. وقال ابن عبد البر: قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش، معناه عندي الأغلب، واللَّه أعلم، لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القرآن من تحقيق
الهمزات ونحوها، وقريش لا تهمز. وقد روى الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، صار في عجز هوازن منها خمسة، قال أبو حاتم: عجز هوازن: ثقيف، وبنو سعد بن بكر، وبنو جثم، وبنو نضر بن معاوية. قال أبو حاتم: خصّ هؤلاء دون ربيعة وسائر العرب لقرب جوارهم من مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومنزل الوحي، وإنما مضر وربيعة أخوان. قال: وأحب الألفاظ واللغات إلينا أن نقرأ بها لغات قريش، أدناهم من بطون مضر. قال ابن عبد البر: هو حديث لا يثبت من جهة النقل، وقد روى عن سعيد بن المسيب أنه قال: أنزل القرآن على لغة هذا الحي من ولد هوازن وثقيف. وإسناد حديث سعيد هذا غير صحيح. وقال الكلبي في قوله: أنزل القرآن على سبعة أحرف قال: خمسة منها لهوازن، وحرفان لسائر الناس، وأنكر أهل العلم [معنى] [ (1) ] حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف: سبع لغات، وقالوا: هذا لا [معنى] [ (1) ] له، لأنه لو كان [كذلك] [ (1) ] لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض، لأنه من كانت لغته شيئا قد جبل عليه وفطر لم ينكر عليه. وفي حديث مالك عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب، ردّ قول من قال: سبع لغات، لأن عمر رضي اللَّه عنه قرشي عدوي، وهشام بن حكيم بن حزام قرشيّ أسديّ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، كما محال أن [يقرئ] [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واحدا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا. وقال قوم: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل، وتعال، وهلم. وعلى هذا أكثر أهل العلم، وذكر حديث أبي جهيم وحديث ابن مسعود، وحديث أبيّ بن كعب ثم قال: وهذا
كله يعضد قول من قال: إن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه، المختلف لفظه، نحو: هلم، وتعال، وعجل، وأسرع، وانظر، واجر، ونحو ذلك. وسنورد من الآثار وأقوال علماء الأمصار في هذا الباب ما يبين لك به أن ما اخترناه هو الصواب فيه إن شاء اللَّه، وأنه أصح من قول من قال: سبع لغات متفرقات، كما قدمنا ذكره، وكما هو موجود في القرآن بإجماع من كثرة اللغات المختلفات المتفرقات فيه، حتى لو تقصيت لكثير عددها. وللعلماء في لغات القرآن مؤلفات تشهد لما قلنا، وذكر من طريق أبي داود حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف: غفورا رحيما، عزيزا حكيما، عليما حكيما. ومن طريق النسائي: حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن شقير العبديّ [ (1) ] ، عن سليمان بن صرد، عن أبي بن كعب قال: سمعت رجلا يقرأ فقلت: من أقرأك فقال: رسول اللَّه، فقال: انطلق إليه، فانطلقنا إليه فقلت: أستقرئه يا رسول اللَّه، قال: اقرأ، فقرأ، فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أحسنت، فقلت: أو لم تقرئني كذا وكذا؟ قال: بلى، وأنت قد أحسنت، فقلت: [تقول] [ (2) ] : قد أحسنت قد أحسنت؟ قال: فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيده في صدري ثم قال: اللَّهمّ أذهب عن أبيّ الشك، قال: نقضت عرقا، وامتلأ جوفي فرقا، قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبي: إن ملكين أتياني فقال أحدهما: اقرأ على حرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال: اقرأ على حرفين، قال الآخر: زده، قلت زدني، قال: اقرأ على ثلاثة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال اقرأ على أربعة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال: اقرأه على خمسة أحرف، قال الآخر: زده، قلت: زدني، قال اقرأه على ستة أحرف، قال الآخر: زده، قلت زدني، قال اقرأه على سبعة أحرف، فالقرآن أنزل على سبعة أحرف. وذكر طرقا [ (3) ] .
ثم قال: وهذه الآثار كلها تدل على أنه لم يقرئه على سبع لغات على ما تقدم ذكرنا له، وإنما هي أوجه تتفق معانيها، وتتسع ضروب الألفاظ فيها، إلا أنه ليس منها ما يخالف معنى إلى ضده، كالرحمة بالعذاب، وشبهه. وذكر يعقوب بن شيبة قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية، عن عاصم بن أبي النجود، عن زرّ، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: أتيت المسجد فجلست إلى ناس وجلسوا إليّ، فاستقرأت رجلا منهم سورة ما هي إلا ثلاثون آية [ (1) ] وهي حم [ (2) ] ، الأحقاف، فإذا هو يقرأ حروفا لا أقرأها، فقلت من أقرأك؟ قال: أقرأني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: وأنا الّذي أقرأني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وما أنا بمفارقكما حتى أذهب بكما إلى رسول اللَّه، فانطلقت بهما حتى أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعنده علي رضي اللَّه عنه فقلت: يا رسول اللَّه! إنا اختلفنا في قراءتنا، قال: فتغير وجهه حين ذكرت الاختلاف وقال: إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف، وقال عليّ: إن رسول اللَّه يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علّم، ولا أدري أسرّ إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما لم يسمع، أو علم الّذي كان في نفسه فتكلم به. وكذلك رواه الأعمش وأبو بكر بن عياش وإسرائيل وحماد بن سلمة وأبان العطار، عن عاصم بإسناده ومعناه، ولم يذكر [الأعمش] [ (3) ] حماد وأبان وعليا، وقالا: رجل. وقال الأعمش في حديثه: ثم أسرّ إلي عليّ في حديثه فقال عليّ: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمركم أن تقرءوا كما علمتم. وقال أبو جعفر الطحاوي في حديث عمر وهشام بن حكيم المذكور في هذا الباب: قد علمنا أن كل واحد منهما إنما أنكر على صاحبه ألفاظا قرأها الآخر، ليس في ذلك حلال ولا حرام، ولا زجر ولا أمر، وعلمنا بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هكذا أنزلت، أن السبعة الأحرف التي نزل القرآن بها لا تختلف في أمر ولا نهي،
ولا حلال ولا حرام، وإنما هي كمثل قول الرجل للرجل: أقبل، وتعال، وادن، وهلم، ونحو هذا. وأكثر أحاديث هذا الباب حجة لهذا المذهب، وذكر حديث أبي بكرة الّذي تقدم ذكره. ومن طريق عبد الرزاق، أخبرنا معمر، قال: قال الزهري: إنما هذه الأحرف السبعة هي في الأمر الواحد الّذي لا اختلاف فيه. وروي الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: إني سمعت القراءة فرأيتهم متقاربين، فاقرءوا كما علّمتم، وإياكم والتنطع والاختلاف، فإنما هو كقول أحدكم: هلم، وتعال. وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أنه كان يقرأ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا [ (1) ] . للذين آمنوا أمهلونا، للذين آمنوا أخرونا، للذين آمنوا ارقبونا. وبهذا الإسناد عن أبيّ أنه كان يقرأ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [ (2) ] مروا فيه، سعوا فيه، كل هذه الحروف كان يقرأها أبيّ بن كعب، فهذا معنى الحروف المراد بها الحديث. واللَّه أعلم، إلا أن مصحف عثمان الّذي هو بأيدي الناس اليوم، هو منها حرف واحد، وعلى هذا أهل العلم، فاعلم. وذكر ابن وهب في كتاب (الترغيب والترهيب) قال: قيل لمالك رحمه اللَّه: [أترى] أن تقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: ذلك جائز، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرءوا منه ما تيسر، ومثل تعلمون، ويعلمون، وقال: مالك: لا أرى باختلافهم في مثل هذا الباب بأسا. قال: وقد كان الناس ولهم مصاحف، والستة الذين أوصى إليهم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه كانت لهم مصاحف، قال ابن وهب: وسألت مالكا رحمه اللَّه عن مصحف عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، قال: وأخبرني مالك بن أنس قال: أقرأ عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه رجلا: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ
طَعامُ الْأَثِيمِ [ (1) ] ، فجعل الرجل يقول: طعام اليتيم، فقال له عبد اللَّه بن مسعود: طعام الفاجر، فقلت لمالك: أترى أن تقرأ كذلك؟ قال: نعم أرى ذلك واسعا. قال ابن عبد البر: معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة، وإنما ذكرنا ذلك عن مالك تفسيرا لمعنى الحديث، وإنما لم تجز القراءة في الصلاة لأن ما عدا مصحف عثمان رضي اللَّه عنه لا يقطع عليه، وإنما يجري مجرى السنن التي نقلها الآحاد، لا يقدم أحد على القطع في رده. وقد روى عيسى عن ابن القاسم في المصحف بقراءة ابن مسعود قال: أرى أن يمنع الإمام من تبعه، ويضرب من قرأ به، ويمنع من ذلك. وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود وغيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصلّ وراءه، وعلماء المسلمين مجمعون على ذلك، إلا قوما شذوا لا [يتابع] [ (2) ] عليهم، منهم: الأعمش سليمان بن بهزان. وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها إلا حرف زيد ابن ثابت الّذي جمع عليه عثمان المصاحف. وذكر من حديث محمد بن عبد اللَّه الأصبهاني المقرئ، حدثنا أبو علي الحسن ابن صافي الصفّار، أن عبد اللَّه بن سليمان قال: حدثنا أبو الظاهر قال: سألت سفيان بن عيينة عن الاختلاف في قراءة المدنيين والعراقيين، هل تدخل في السبعة الأحرف فقال: لا، وإنما السبعة الأحرف: كقولهم: أقبل، تعال، أي ذلك قلت أجزأك، قال أبو الطاهر: وقاله ابن وهب. قال أبو بكر بن عبد اللَّه الأصبهاني المقرئ: ومعنى سفيان هذا: إن اختلاف العراقيين والمدنيين راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة، وبه قال محمد بن جرير الطبري. وقال أبو جعفر الطحاوي: كانت هذه السبعة للناس في الحروف لعجزهم عن أخذ القراءة على غيرها، لأنهم كانوا أميين لا يكتبون إلا القليل منهم،
فكان يشق على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو دام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسّع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك حتى كبر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقرءوا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرءوا بخلافها. وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد. واحتج بحديث أبي بن كعب المذكور في هذا الباب من رواية ابن أبي ليلى عنه، قوله فيه: إن أمتي لا تطيق ذلك في الحرف والحرفين والثلاثة، حتى بلغ السبعة، واحتج بحديث عمر مع هشام بن حكيم، واحتج بجمع أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه للقرآن في جماعة الصحابة، ثم كتاب عثمان رضي اللَّه عنه لذلك، وكلاهما عول فيه على زيد بن ثابت. فأما أبو بكر رضي اللَّه عنه فأمر زيدا بالنظر فيما جمع منه، وأما عثمان رضي اللَّه عنه فأمره بإملائه من تلك الصحف التي كتبها أبو بكر، وكانت عند حفصة رضي اللَّه عنها. وقال بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة، منها ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل: أَطْهَرُ لَكُمْ [ (1) ] ، وأطهر لكم، ووَ يَضِيقُ صَدْرِي [ (2) ] ، وو يضيق صدري، ونحو هذا. ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا يتغير صورته، مثل قوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [ (3) ] ، وربنا باعد بين أسفارنا. ومنها ما يتغير معناه بالحروف واختلافها بالإعراب ولا يتغير صورته، مثل قوله: إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها [ (4) ] ، وننشرها.
ومنها ما يتغير صورته ولا يتغير معناه، كقوله: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [ (1) ] ، وكالصوف المنقوش. ومنها ما يتغير صورته ومعناه، مثل قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [ (2) ] ، وو طلع منضود. ومنها بالتقديم والتأخير، مثل: وجاءت سكرة الحق بالموت [ (3) ] ، ووَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ. ومنها بالزيادة والنقصان، مثل: [لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً] [ (4) ] ، وتسع وتسعون نعجة أنثى. قال ابن عبد البر: وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث، وفي كل وجه منها حروف كثيرة لا تحصى عددا، فمثل قوله: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [ (1) ] ، والصوف المنفوش، قراءة عمر رضي اللَّه عنه، فامضوا إلى ذكر اللَّه [ (5) ] وهو كثير. ومثل قوله: نعجة أنثى [ (6) ] ، قراءة ابن مسعود وغيره، فلا جناح عليه ألا يطوف بهما [ (7) ] ، وقراءة أبي بن كعب: فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها [ (8) ] ، وهذا كثير أيضا. وهذا يدلك على قول العلماء أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها إلا حرف واحد، وهو صورة مصحف عثمان، وما دخل فيه بما يوافق صورته من الحركات واختلاف اللفظ من سائر الحروف. ثم ذكر أبو [عمرو] [ (9) ] عدة قراءات من الشواذ بأسانيدها وقال: وقد أجاز
مالك القراءة بهذا ومثله، وذلك محمول عند أهل العلم اليوم على القراءة في غير الصلاة على وجه التعليم، والوقوف على ما روى في ذلك من علم الخاصة. وأما حرف زيد: فهو الّذي عليه الناس في مصاحفهم اليوم، وقراءتهم من بين سائر الحروف، لأن عثمان رضي اللَّه عنه جمع المصاحف بمحضر جمهور الصحابة. قال: وقد تقدم عن الطحاوي أن أبا بكر وعثمان رضي اللَّه عنهما عوّلا على زيد بن ثابت في ذلك، وأن الأمر عاد فيما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد، وهو الّذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه، وتجوز الصلاة به. وقال القاضي أبو محمد عبد الحق بن أبي بكر بن عطية: اختلف الناس في معنى هذا الحديث اختلافا شديدا، فذهب فريق من العلماء إلى أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونه، كتعال، وأقبل، وإليّ، ونحوي، وقصدي، أقرب، وجيء، وكاللغات التي في أب، والحروف التي هي في كتاب اللَّه فيها قراءات كثيرة، وهذا قول ضعيف. قال ابن شهاب في كتاب (مسلم) : بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الّذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام، وهذا كلام محتمل. قال فريق من العلماء: أن المراد بالسبعة الأحرف: معاني كتاب اللَّه، وهي أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، وعبادات، وأمثال. وهذا أيضا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا، وأيضا [فالإجماع] [ (1) ] أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة. وحكى صاحب (الدلائل) عن بعض العلماء، وقد حكى نحوه القاضي أبو بكر الطيب قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة، فذكر ما تقدم، قال: وذكر القاضي أبو بكر الطيب في معنى هذه السبعة الأحرف: حدثنا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: نهي، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلّوا حلاله وحرموا
حرامه. الحديث. قال القاضي: فهذا تفسير منه صلّى اللَّه عليه وسلم للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها، وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة، ومنه قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [ (1) ] ، أي على وجه وطريقة، هي شك وريب، فكذلك يعني هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك. وذكر القاضي أيضا أن أبيّا رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: إني قرأت القرآن على حرف أو حرفين، ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: غفور رحيم، سميع عليم، أو عليم حكيم. وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب. وقد أسند ثابت بن قاسم نحو هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وذكر من كلام ابن مسعود نحو قول القاضي ابن الطيب: وهذه سبعة غير السبعة التي هي قراءات، ووسع فيها، وإنما هي سبعة أوجه أسماء اللَّه تعالى، وإذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، ولا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء اللَّه تعالى في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه. قال القاضي: وزعم قوم أن كل كلمة تختلف القراءة بها فإنّها على سبعة أوجه، وإلا بطل معنى الحديث. قالوا: ونعرف بعض الوجوه لمجيء [الخبر به] [ (2) ] ، ولا يعرف بعضها إذ لم يأت به خبر. قال: وقال قوم: ظاهر الحديث يوجب تواجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرءان على سبعة أوجه، فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث. قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وقد زعم قوم أن معنى هذا الحديث أنه أنزل على سبع لغات مختلفات، وهذا باطل إلا أن يريد الوجوه المختلفة التي تستعمل في القصة الواحدة، والدليل على ذلك أن لغة عمر بن الخطاب، وأبي بن كعب،
وهشام بن حكيم وابن مسعود واحدة، وقراءتهم مختلفة، وخرجوا فيها إلى المناكرة. فأما الأحرف التي صوّب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم القراءة بجميعها، وهي التي راجع فيها قراءته، وسهل عليه بعلمه تعالى بما هم عليه من اختلافهم في اللغات، فإنّها سبعة أوجه وسبع قراءات مختلفات بطرائق يقرأ بها على اختلافها في جميع القرآن، ومعظمه حسب ما تقتضيه القراءة. [و] [ (1) ] العبارة في قوله: أنزل القرآن: فإنما أريد به الجميع أو المعظم، فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها، ويدل على ذلك قول الناس: حرف أبي، وحرف [ابن] [ (1) ] مسعود، ويقول في الجملة: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف من اللغات والإعراب، وتغيير الأسماء والصور، وأن ذلك متفرق في كتاب اللَّه تعالى ليس موجودا في حرف واحد وسورة واحدة يقطع على اجتماع ذلك فيها. قال ابن عطية: انتهى ما جمعت من كلام القاضي أبي بكر، وإطلاقه البطلان على القول الّذي حكاه فيه نظر، لأن المذهب الصحيح الّذي قرره أجزاء من قوله، ونقول في الجملة: إنما فتح وترتب من جهة الاختلاف ليس بشديد التباين، حتى يجهل بعضهم ما عند بعض في الأكثر، وإنما هو أن قريشا استعملت في عبارتها شيئا، واستعملت هذيل في ذلك المعنى شيئا غيره، وسعد بن بكر غيره، والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم. واستدلال القاضي بأن لغة عمرو، وأبي، وهشام، وابن مسعود واحدة، فيه نظر، لأن ما استعملته قريش في عبارتها، ومنه عمر وهشام، وما استعملته الأنصار ومنهم أبي، وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود قد تختلف، ومن ذلك النحو من الاختلاف هو الاختلاف في كتاب اللَّه تعالى، فليست لغتهم واحدة في كل شيء. وأيضا فلو كانت لغتهم واحدة، بأن نفرضهم جميعا من قبيلة واحدة، لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات، لأن مناكرتهم
لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس فيه لغته فأنكره، وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعساه قرأ قراءة ما ليس من لغته واستعمال قبيلته. فقال القاضي رحمه اللَّه: إنما أبطل أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قصد في قوله: على سبعة أحرف بعدد اللغات التي تختلف بجملتها، وأن تكون سبعا متباينة لسبع قبائل، تقرأ كل قبيلة القرآن كله بحرفها، ولا تدخل عليها لغة غيرها، بل قصد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عنده عدّ الوجوه والطرائق المختلفة في كتاب اللَّه، مرة من جهة لغة، ومرة من جهة إعراب، وغير ذلك. ولا مرية أن هذه الوجوه إنما اختلفت لاختلاف في العبارات بين الجملة التي نزل القرآن بلسانها، وذلك يقال فيه اختلاف لغات. وصحيح أن يقصد عليه السلام عدّ الأنحاء والوجوه التي اختلفت في القرآن بسبب اختلاف عبارات اللغات، وصحيح أن يقصد عدّ الجماهير والرءوس من الجملة التي نزل القرآن بلسانها، وهي قبائل مضر، فجعلها سبعة، وهذا القول أكثر توسعة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم لأن الأنحاء تبقى غير محصورة، فعسى أن الملك قد أقرأه بأكثر من سبعة طرائق ووجوه. قال القاضي أبو بكر في كلامه المتقدم: فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها. قال ابن عطية: والشرط الّذي يصح به هذا القول: هو أن يروى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال كثير من أهل العلم، كأبي عبيد وغيره: إن معنى الحديث أنه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل، أتيت فيها كل لغة منها. وهذا القول المتقرر من كلام القاضي أبي بكر. وقد ذكر بعضهم قبائل من العرب روما منهم أن يعينوا السبع التي يحسن أن تكون مراده عليه السلام، نظروا في ذلك بحسب القطر ومن جاور منشأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. واختلفوا في التسمية، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قرشيّ واسترضع في بني سعد، ونشأ فيهم ثم ترعرع، [] [ (1) ] وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا،
وخزاعة وأسدا وضبّة وألفافها لقربهم من مكة، وتكرارهم عليها، ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط الجزيرة. فلما بعثه اللَّه تعالى ويسّر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة، وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف، وهي اختلافات في العبارات حسب ما تقدم. قال ثابت بن قيس: لو قلنا من هذه الأحرف لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبة وألفافها، ومنها لقيس، لكان قد أتى على قبائل مضر في سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن، وهذا نحو ما ذكرناه. وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة، وسلمت لغاتها من الدّخل، ويسّرها اللَّه لذلك، لتظهر آيات نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه، وسبب سلامتها: أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز، ونجد، وتهامة، لم تطرقها الأمم، فأما اليمن وهو جنوب الجزيرة، فأفسدت كلام عربه خلطه الحبشة والهنود، على أن أبا عبيد القاسم بن سلام، وأبا العباس المبرد قد ذكرا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلسانها. قال ابن عطية: وذلك عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن، كالعرم والفتاح، فأما ما انفرد به كالرجيح، والغلوب ونحوه، فليس في كتاب اللَّه منه شيء، وأما ما [والى] [ (1) ] العراق من جزيرة العرب، وهي بلاد ربيعة وشرقيّ الجزيرة، فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنّبط، ونصارى الحيرة وغير ذلك، وأما الّذي يلي الشام وهو شمال الجزيرة وغيرهم فأفسدها مخالطة الروم، وكثير من بني إسرائيل، وأما غربي الجزيرة، فهو جبال سكن بعضها هذيل وغيرهم، وأكثرها غير معمور، فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات، لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم. ويقوي هذا النوع أنه لما اتسع نطاق الإسلام، وداخلت الأمم العرب وتجرد
أهل المصرين: البصرة والكوفة لحفظ لسان العرب وكتب لغتها، لم يأخذوا إلا عن هذه القبائل الوسيطة المذكورة ومن كان معها، وتجنبوا اليمن والعراق والشام، فلم يكتب عنهم حرف واحد، ولذلك تجنبوا حواضر الحجاز: مكة والمدينة والطائف، لأن السبي والتجار من الأمم كثروا فيها وأفسدوا اللغة، وكانت هذه الحواضر في مدة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سليمة لقلة المخالطة. فمعنى قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف، أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها، فنزل القرآن فيعبّر عن المعنى فيه بعبارة قريش [مرة] ، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة، ألا ترى أن «فطر» معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله، فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس رضي اللَّه عنه حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قوله تعالى: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [ (1) ] ، وقال أيضا: ما كنت أدري معنى قوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا [ (2) ] حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك، أي أحاكمك [ (3) ] . وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [ (4) ] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي، فقال عمر: اللَّه أكبر، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ، أي على تنقص [ (5) ] لهم. وكذلك اتفق لقطبة بن مالك، إذ سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في الصلاة:
وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ (1) ] ، ذكره مسلم [ (2) ] في باب: القراءة في صلاة الفجر. إلى غير ذلك من الأمثلة. خرج مسلم [ (2) ] من حديث أبي عوانة، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك قال: صليت وصلّى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقرأ ق* وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ (3) ] ، حتى قرأ: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ (1) ] ، قال: فجعلت أرددها ولا أدري ما قال. فأباح اللَّه تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة، وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الّذي فيه الإعجاز وجودة الوصف، ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: فاقرءوا بما تيسر منه بأن يكون كل أحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات، جعلها من تلقاء نفسه، ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن، وكان معرضا أن يبدّل هذا وهذا، حتى يكون غير الّذي نزل من عند اللَّه، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم ليوسّع بها على أمّته، فقرأ مرة لأبيّ بما عارضة به جبريل، ومرة لابن مسعود بما عارضة به أيضا. وفي صحيح البخاري عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى بي إلى سبعة أحرف. وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه لسورة الفرقان، وقراءة هشام بن حكيم لها، وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في كل قراءة منها وقد اختلفتا: هكذا أقرأني جبريل، هل ذلك إلا أنه أقرأه بهذه مرة وبهذه مرة. وعلى هذا يحمل قول أنس بن مالك حين قرأ: إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا [ (4) ] ، فقيل له: إنما تقرأ: وَأَقْوَمُ قِيلًا [ (4) ] ، فقال: أصوب وأقوم واحد، فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وإلا فلو كان
هذا لأحد من الناس أن يضعه، لبطل معنى قول اللَّه تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (1) ] ، ثم إن هذه الرواية الكثيرة لما انتشرت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وافترق الصحابة في البلدان، وجاء الخلف، وقراء القرآن كثير من غير العرب، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنه. وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما روى لها، فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به، فأشفق حذيفة بما رأى منهم. فلما قدم حذيفة المدينة- فيما ذكر البخاري وغيره- دخل إلى عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك، قال: [في ماذا] ؟ قال: في كتاب اللَّه، إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الحجاز، ومن الشام، فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى، قال عثمان: أفعل، فتجرد الأمر واستناب الكفاءة من العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن، ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأفصح اللغات، وقال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش. فمعنى هذا: إذا اختلفتم فيما روي وإلّا فمحال أن يحملهم على اختلافهم من قبلهم، فكتبوا في القرآن من كل اللغات السبع، مرة من هذه، ومرة من هذه، وذلك مقيد بأن الجميع مما روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقرئ عليه، واستمر الصحابة رضي اللَّه عنهم على هذا المصحف المتخيّر، وترك ما سواه ممّا كان كتب تفسيرا ونحوه، سدا للذريعة، وتغليبا لمصلحة الألفة، وهي المصاحف التي أمر عثمان رضي اللَّه عنه أن تحرق أن تمزق. ألا ترى أن ابن مسعود رضي اللَّه عنه أبى أن يزال مصحفه؟ فترك، ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة، ولأنه روي أنه كتب فيه [سورة] [ (2) ] النساء على
جهة التفسير، فظنها قوم من التلاوة، فاختلط الأمر فيه، ولم يسقط مما ترك معنى من معاني القرآن، لأن المعنى جزء من الشريعة، وإنما تركت ألفاظ معانيها موجودة في الّذي أثبت. ثم إن القراء في الأمصار تتبّعوا ما روي لهم من اختلاف لا يخالف خط المصحف المتميز، فقرءوا بذلك حسب اجتهاداتهم، فلذلك ترتب أمر القراء السبعة وغيرهم، ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة، وبها يصلي لأنها ثبتت بالإجماع. وأما شاذ القراءات فلا يصلي به، وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه، فأما المروي منه عن الصحابة وعن علماء التابعين، فلا نعتقد منهم إلا أنهم رووه، وأما ما يؤثر عن [غيرهم] [ (1) ] فلا يوثق به. وقال أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: قال كثير من علمائنا: هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست إلا هي حرف السبعة التي اتسعت القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، وهو الّذي جمع عليه عثمان رضي اللَّه عنه المصحف. وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء، وذلك أن كل واحد منهم اختار مما روي وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى، فالتزمه طريقة ورواه، وأقرأ به فاشتهر عنه وعرف به ونسب إليه، فقيل: حرف نافع، وحرف ابن كثير ... ، ولم يمنع واحدا منهم اختيار الآخر ولا أنكره، بل سوّغه، وجوّزه، وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر، وكل صحيح. وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورواه من القرآن، وكتبوا ذلك في مصنفات، فاستمر الإجماع على الصواب، وحصل ما وعد اللَّه تعالى به من حفظ الكتاب، وعلى هذه الأئمة المتقدمون والقضاة، والمحققون، كالقاضي أبي بكر بن الطيب، والطبري وغيرهما.
[الناسخ والمنسوخ]
[الناسخ والمنسوخ] وأما النسخ فإنه إذا أطلق يراد به شيئان: أحدهما: بمعنى التحويل والنقل، ومنه نسخ الكتاب، وهو أن يحول من كتاب إلى كتاب، فعلى هذا الوجه جميع القرآن منسوخ، لأنه نسخ من اللوح المحفوظ، وأنزل إلى بيت العزة في سماء الدنيا، وهذا لا مدخل له في قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ [نُنْسِها] [ (1) ] الآية، ومنه قوله تعالى: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [ (2) ] ، أي نأمر بنسخة وإثباته. والثاني: يكون بمعنى الرفع والإزالة، وهو على ضربين: أحدهما: رفع الشيء وزواله، ومنه قولهم: نسخت الشمس الظل، وانتسخته: أي أزالته وذهبت به وأبطلته، [و] [ (3) ] [نسخت الريح آثار الدار، ومن هذا المعنى قوله تعالى:] [ (3) ] فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ [ (4) ] ، أي يزيله بلا شيء، ولا يثبت في المصحف بدله، وزعم أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني كان ينزل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم السورة فترفع ولا تتلى ولا تكتب، فعلى القسم الأول يكون بعض القرآن ناسخا، وبعضه منسوخا، وهو المراد من قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ [نُنْسِها] [ (3) ] نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [ (1) ] . وقد اختلف في القرآن، هل نسخ منه ما ليس في مصحفنا اليوم أو لا؟ فمن قال نسخ منه شيء جعل النسخ على ثلاثة أوجه: أحدها: ما نسخ خطه وحكمه وحفظه، فنسي: يعنى رفع خطه من المصحف وليس حفظه على وجه التلاوة، ولا يقطع بصحته على اللَّه تعالى، ولا يحكم به اليوم أحد، وذلك نحو ما روي أنه كان يقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم. ومنها قوله: لو أن لابن آدم واديا من ذهب [لا بتغى] [ (5) ] إليه ثانيا ولو أن له ثانيا [لا بتغى] [ (5) ] إليه ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم
إلا التراب ويتوب اللَّه على من تاب [ (1) ] ، ويقال: إن هذا كان في سورة ص [ (2) ] . ومنها قوله: بلّغوا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا. وهذا من حديث مالك عن إسحاق عن أنس أنه قال: أنزل اللَّه في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا ثم نسخ بعد: بلغوا قومنا ... ، وذكره. ومنها قول عائشة رضي اللَّه عنها: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهن مما يقرأ، إلى أشياء في مصحف أبي بن كعب، وعبد اللَّه بن مسعود، وحفصة أم المؤمنين، وغيرهم مما يطول- ذكره. ومن هذا الباب قول من قال: أن سورة الأحزاب كانت نحو سورة البقرة أو الأعراف. روى سفيان وحماد عن عاصم، عن زر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب كانت تقرأ سورة الأحزاب أو كانت نعدها قلت: ثلاثة وسبعين آية، قال: قط؟ لقد رأيتها وإنها لتعدل البقرة. ولقد كان فيما قرأنا: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللَّه واللَّه عزيز حكيم. وقال مسلم بن خالد، عن عمرو بن دينار قال: كانت سورة الأحزاب تقارب سورة البقرة. وروي أبو نعيم من حديث الفضل بن دكين قال: حدثنا سيف (هو ابن أبي سليمان، أو ابن سليمان) عن مجاهد قال: كانت الأحزاب مثل سورة البقرة وأطول، ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآنا. حدثنا عبد اللَّه بن الأجلح عن أبيه عن عدي بن عدي بن عميرة بن بردة عن أبيه عن جده عميرة بن بردة، أن عمر ابن الخطاب رضي اللَّه عنه قال لأبيّ بن كعب- وهو إلى جنبه-: أو ليس كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللَّه: الولد للفراش وللعاهر الحجر فيما فقدنا من كتاب اللَّه؟ فقال أبي: بلى [ (3) ] .
الوجه الثاني: أن ينسخ خطه [ويبقى] [ (1) ] حكمه، وذلك نحو قول عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: لولا أن يقول قوم: زاد عمر في كتاب اللَّه لكتبتها بيدي، الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما بما قضيا من اللذة نكالا من اللَّه واللَّه عزيز حكيم [ (2) ] ، لقد قرأناها على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فهذا مما نسخ ورفع خطه من المصحف، وحكمه باق في الثيب من الزنا إلى يوم القيامة إن شاء اللَّه تعالى عند أهل السنة. ومن هذا ما رواه مالك في الموطأ، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: أمرتني عائشة رضي اللَّه عنها أن أكتب لها مصحفا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذنّي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى [وصلاة العصر] وقوموا للَّه قانتين [ (3) ] ثم قالت: سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقد تأول قوم في قول عمر رضي اللَّه عنه: قرأنا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أي تلوناها، والحكمة تتلى، بدليل قول اللَّه تعالى: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [ (4) ] ، وبين أهل العلم في هذا تنازع يطول ذكره.
والوجه الثالث: أن ينسخ حكمه ويبقى خطه يتلى في المصحف، وهذا كثير نحو قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ [ (1) ] الآية، نسختها: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [ (2) ] الآية، وهذا من الناسخ والمنسوخ [المجمع] عليه، ومن هذا الباب: آية الوصية للأقارب، وآية التخفيف في القتال، وهو نسخ الثبات لعشرة بالثبات لاثنين، وهو نسخ الأثقل إلى الأخف، وعكسه: نسخ الأخف إلى الأثقل، كنسخ صوم يوم عاشوراء بصوم رمضان، وقد ينسخ الشيء لا إلى بدل، كصدقة النجوى [ (3) ] ، والصلاة إلى بيت المقدس لم تكن في القرآن، وإنما كانت في السنة. ومنه أيضا: آية الممتحنة، وهي قوله تعالى: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [ (4) ] ، فإن رجوعهن إنما كان بصلح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لقريش، وقد أبت طائفة أن يكون شيء من القرآن إلا ما بين الوحي مصحف عثمان رضي اللَّه عنه، واحتجوا بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (5) ] ، وأجمع العلماء أن ما في مصحف عثمان بن عفان، وهو الّذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا، هو القرآن المحفوظ الّذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه، ولا تحل الصلاة لمسلم إلا بما فيه. قالوا: قوله في حديث عائشة: والصلاة الوسطى وصلاة العصر، ليس في شيء من معنى الناسخ والمنسوخ [ (6) ] ، وإنما هو من معنى السبعة الأحرف التي أنزل اللَّه القرآن عليها، نحو قراءة عمر، وابن مسعود: فامضوا إلى ذكر اللَّه، وقراءة ابن مسعود: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، وقراءة أبي وابن عباس: وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين [ (7) ] ، وقراءة ابن مسعود وابن عباس:
فلما خرّ تبينت الإنس أن لو كانت الجن يعلمون الغيب [ (1) ] ، ونحو ذلك من القراءات المضافة إلى الأحرف السبعة. قالوا: فكل ما روي من القراءات في الآثار عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أو عن أحد من الصحابة مما يخالف مصحف عثمان لا يقطع بشيء من ذلك على اللَّه، ولكن ذلك في الأحكام يجري في العمل مجرى خبر الواحد، وإنما حلّ مصحف عثمان هذا المحل لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه، ولم يجمعوا على ما سواه، وبيان ذلك أن من أنكر شيئا مما في مصحف عثمان كفر، ومن أنكر أن يكون التسليم من الصلاة، أو قراءة أم القرآن، أو تكبيرة الإحرام فرضا لم يكفر [] [ (2) ] ، فإن بان له في الحجة وإلا عذر إذا قام له دليله، وإن لم يقم له على ما [ادعى] [ (3) ] ، دليل محتمل هجر ويدع، وكذلك ما جاء من الآيات المضافات إلى القرآن في الآثار. فقف على هذا الأصل فإنه أصل عظيم في معناه، واللَّه الموفق لا رب سواه. وصلى اللَّه على سيدنا محمد وسلم.
[القراءات التي يقرأ بها القرآن]
[القراءات التي يقرأ بها القرآن] وأما القراءات التي يقرأ بها القرآن، فإن الّذي استقر عليه العمل، أنها ثلاثة أقسام: متواترة، ومشهورة، وشاذة، فالقراءات المتواترة: هي القراءات السبع وما يفرع منها، وهي التي نقلت عن الأئمة القراء السبعة. والقراءات المشهورة: هي قراءة يعقوب ويزيد القاري وابن محيصن. والقراءات الشاذة: ما نقلت بطريق الآحاد، وفيها للناس مقالات سنورد منها ما تيسر إن شاء اللَّه تعالى، وقد عني جماعة من الصحابة رضي اللَّه عنهم بجمع القرآن وحفظه كله، حتى عرفوا به، فجمع القرآن منهم مع كثرتهم اثنا عشر رجلا، وهم: أمير المؤمنين أبو عمرو، وأبو عبد اللَّه عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقرأ عليه المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، ويقال: قرأ عليه ابن عامر، وليس بشيء، إنما قرأ علي المغيرة عنه. وأمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، رضي اللَّه عنه، جمع القرآن بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال الشعبي: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان. وقال أبو بكر بن عياش عن عاصم قال: ما أقرأني أحد حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي، وكان قد قرأ على عليّ رضي اللَّه عنه، فكنت أرجع من عنده، فأعرض على زرّ وكان زرّ قد قرأ على عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه، وهذا يرد على الشعبي قوله، إلا أن يريد: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان، أي في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإنه صحيح. وقال علي بن رباح: جمع القرآن في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة: علي، وعثمان، وأبي بن كعب، وعبد اللَّه بن مسعود. وقال حماد بن زيد: أخبرنا أيوب عن [ابن] سيرين قال: مات أبو بكر رضي اللَّه عنه ولم يختم القرآن. وقال ابن علية، عن منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي: قبض أبو بكر وعمر وعلي، رضي اللَّه عنهم ولم يجمعوا القرآن.
وقال يحيى بن آدم: قلت لأبي بكر بن عياش: إن عليا لم يقرأ القرآن؟ قال: أبطل من قال هذا. وروي عن عاصم بن أبي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحدا كان أقرأ من علي رضي اللَّه عنه، وقال ابن سرين: يزعمون أن عليا كتب القرآن على تنزيله، فلو أصيب ذلك الكتاب لكان فيه علم كثير. وأبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن أبي النجار أبو المنذر الأنصاري رضي اللَّه عنه أقرأ الأمة، عرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القرآن، وأخذ عنه القراءة عبد اللَّه بن عباس، وأبو هريرة، وعبد اللَّه بن السائب، وعبد اللَّه بن عياش بن أبي ربيعة، وأبو عبد الرحمن السلميّ. وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأقرأه، وكان يقول: حفظت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبعين سورة، قرأ عليه علقمة، ومسروق، والأسود، وزرّ بن حبيش، وأبو عبد الرحمن السّلمي. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأ قراءة ابن أم عبد، قال: استقرءوا القرآن من أربعة: عبد اللَّه بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب. وقال عبد اللَّه بن مسعود: ولقد [كان] أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقرأهم لكتاب اللَّه، وقال ابن الأنباري: الشائع الذائع المتعالم عند أهل الرواية والنقل: أن عبد اللَّه بن مسعود تعلم بقية القرآن بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال بعض الأئمة: مات قبل أن يختم القرآن كله. قال يحيى بن آدم عن أبي بكر، عن أبي إسحاق قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: قرأت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثنتين وسبعين سورة، أو ثلاثا وسبعين سورة، وقرأت عليه من البقرة إلى: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [ (1) ] . قال أبو إسحاق: وتعلم عبد اللَّه بقية القرآن من مجمع بن جارية الأنصاري، وقال زكريا عن أبي إسحاق عن معديكرب قال: أتيت عبد اللَّه ليعلمني: طسم [ (2) ] المبين، فقال: لست أقرأها، وأمرني أن آتي [] [ (3) ] .
وقال زهير عن أبي إسحاق قال: سألت الأسود ما كان عبد اللَّه يصنع في سورة الأعراف فقال: ما كان يعلمها حتى قدم الكوفة. وقال أبو عثمان سعيد بن عيسى صاحب الجيش: سمعت يزيد بن هارون يقول: المعوذتان بمنزلة البقرة وآل عمران، من زعم أنهما ليستا من القرآن فهو كافر باللَّه العظيم، فقيل له: يقول عبد اللَّه بن مسعود فيهما، فقال: لا خلاف بين المسلمين في أن عبد اللَّه بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله. وزيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري، جمع القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وجمعه في مصحف لأبي بكر رضي اللَّه عنه، ثم تولى كتابة مصحف عثمان رضي اللَّه عنه، الّذي بعث به عثمان نسخا إلى الأمصار، وقرأ عليه أبو هريرة، وعبد اللَّه بن عباس في قول. وقال سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: افتخر الحيان- الأوس والخزرج- فقالت الأوس: منا عسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنا من حمت له الدبر، ومنا من اهتز لموته عرش الرحمن- سعد بن معاذ-، ومنّا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين- خزيمة بن ثابت، فقال الخزرج: منا الأربعة الذين جمعوا القرآن- لم يجمعه غيرهم- زيد، وأبو زيد، ومعاذ، وأبي، رضي اللَّه عنهم. وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر- يعني الواقدي- حدثني الضحاك ابن عثمان عن الزهري قال: قال ثعلبة بن أبي مالك: سمعت عثمان رضي اللَّه عنه يقول: من يعذرني من ابن مسعود؟ أغضب إذ لم أوّله نسخ القرآن، فهلا غضب علي أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما وهما عزلاه عن ذلك ووليا زيدا فاتبعت أمرهما؟ وقال الشعبي: غلب زيد الناس على القرآن والفرائض. وقال داود بن أبي هند عن الشعبي: لم يجمع القرآن في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير ستة، كلهم من الأنصار: زيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، ونسي السادس، فرواه إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، فسمى السادس، سعد بن عبيد، وزاد آخر، وهو مجمع بن جارية، فقال: قرأ أيضا القرآن إلا سورة أو سورتين أو ثلاثا.
وقال أبو عمر البزار حفص بن سليمان بن المغيرة، عن عاصم بن أبي النجود، وعطاء بن السائب، ومحمد بن أيوب الثقفي، وابن أبي ليلى، عن عبد الرحمن السلمي أنه قال: كانت قراءة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، والمهاجرين، والأنصار رضي اللَّه عنهم جميعا واحدة. وأبو موسى الأشعري رضي اللَّه عنه حفظ القرآن والعلم، قرأ عليه أبو رجاء العطاردي، وحطان الرقاش. قال مسلم بن إبراهيم: حدثنا قرة عن أبي رجاء قال: كان أبو موسى يطوف علينا في هذا المسجد- مسجد البصرة- فيقعدنا خلفا فيقرئنا القرآن، فكأني انظر إليه بين ثوبين له أبيضين، وعنه أخذت هذه السورة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (1) ] ، وكانت أول سورة أنزلها اللَّه عزّ وجلّ على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم. وأبو الدرداء رضي اللَّه عنه قرأ القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقال أن عبد اللَّه بن عامر قرأ عليه. قال سويد بن عبد العزيز: كان أبو الدرداء إذا صلّى الغداة في جامع دمشق، اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفا، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء فيسأله عن ذلك، وكان ابن عامر عريفا على عشرة، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر. وعن مسلم بن مشكم قال: قال لي أبو الدرداء: أعدد من يقرأ عندي القرآن، فعددتهم ألفا وستمائة ونيفا، وكان لكل عشرة منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما، وإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء، فهؤلاء الذين روى الحفاظ أنهم حفظوا القرآن في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخذ عنهم القرآن عرضا، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة. وقد جمع القرآن من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير من سمينا، وهم: معاذ بن جبل، وأبو زيد، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد اللَّه بن عمر، وعقبة بن عامر، ولكن لم يتصل بنا قراءتهم. وقال ابن الكلبي: وقيس بن سكن بن قيس بن زيد بن حزام، [يكنى] أبا زيد، وقتل يوم [جسر أبي عبيد] [ (2) ] ، وهو أحد القراء الذين جمعوا القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
وبعد هؤلاء طبقة ثانية عرضوا القرآن على بعض المذكورين، وهم: أبو هريرة، وعبد اللَّه بن عباس، وقرأ على أبي بن كعب، وقرأ عليه مجاهد، وسعيد ابن جبير، والأعرج، وعكرمة بن خالد، وسليمان بن منية شيخ عاصم الجحدري، وأبو جعفر وغيرهم. قال ابن عباس: جمعت المفصل على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعبد اللَّه بن السائب بن أبي السائب، صيفي بن عائذ بن عمر بن مخزوم المخزومي، قارئ أهل مكة، له صحبة، قرأ على أبي بن كعب، وعرض عليه القرآن مجاهد، وعبد اللَّه بن كثير فيما قيل، والمغيرة بن شهاب المخزومي قرأ على أمير المؤمنين عثمان رضي اللَّه عنه، وقرأ عليه عبد اللَّه بن عامر، وكان يقرئ أهل الشام في أيام معاوية، ولا يكاد يعرف إلا من قراءة ابن عامر عليه. وحطان بن عبد العزيز بن المغيرة بن ربيعة بن عمر بن مخزوم الرقاشيّ- ويقال السدوس البصري- قرأ على أبي موسى الأشعري، وقرأ عليه الحسن البصري وعلقمة ابن قيس بن عبد اللَّه النّخعيّ، أبو شبل، قرأ على ابن مسعود، قرأ عليه يحيى ابن وثاب، وعبيد بن نضلة، وأبو إسحاق، وطائفة. وأبو عبد الرحمن السلمي واسمه: عبد اللَّه بن حبيب، عرض على عثمان، وعليّ وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب. وأخد القراءة عنه عرضا: عاصم بن أبي النجود، ويحيى بن وثاب، وعطاء ابن السائب، وعبد اللَّه بن عيس بن أبي ليلى، ومحمد بن أيوب أبو عون الثقفي، وعامر الشعبي، وإسماعيل بن أبي خالد، وعرض عليه الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهم، وأقرأ الناس بالمسجد الأعظم بالكوفة أربعين سنة. وعبد اللَّه بن عياش بن ربيعة المخزومي أبو الحرث، قرأ على أبي بن كعب، وقرأ عليه مولاه أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ويزيد بن رومان، وشيبة بن نصاح، ومسلم بن جندب وغيرهم، وكان أقرأ أهل المدينة في زمانه. وأبو رجاء العطاردي، واسمه: عمران بن تيم البصري، أخذ القراءة عرضا عن عبد اللَّه بن عباس، وتلقن القرآن من أبي موسى الأشعري، وقرأ عليه أبو الأشهب العطاردي.
وأبو الأسود الدؤلي، واسمه: ظالم بن عمر، وقرأ على عليّ بن أبي طالب، وأبو العالية رفيع بن مهران الرباحيّ، قرأ على أبيّ بن كعب، أخذ القراءة عليه عرضا، وعرض على زيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن عباس، ويقال قرأه على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي اللَّه عنهم أجمعين. قرأ عليه شعيب بن الحبحاب، والربيع بن أنس، وسليمان بن مهران الأعمش، ويقال: قرأ عليه أبو عمر، فهؤلاء الذين دارت عليهم أسانيد القراءات العشرة، ممن أدرك حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ثم بعد هؤلاء طبقة ثالثة من التابعين، ثم بعدهم [تابعو] التابعين، ثم من بعدهم قرنا بعد قرن، وكانت المدن التي سكنها هؤلاء القراء الذين أخذ عنهم القراءات: المدينة النبويّة، ومكة، والبصرة، ودمشق، والشام، والكوفة.
[التابعون بالمدينة المنورة من القراء]
[التابعون بالمدينة المنوّرة من القراء] فأما التابعون بالمدينة الذين كثرت عنايتهم بقراءة القرآن والعلم بقراءاته: فسعيد ابن المسيب [ (1) ] ، وأبان بن عثمان [ (2) ] ، وعروة بن الزبير [ (3) ] ، وسالم بن عبد اللَّه بن عمر [ (4) ] ، وسليمان بن يسار [ (5) ] ، ومحمد بن كعب القرظي [ (6) ] .
ودونهم في الرتبة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع [ (1) ] ، وشيبة بن نصاح [ (2) ] ، وعمر بن عبد العزيز [ (3) ] ، ومعاذ بن الحرث القاري [ (4) ] ، وعبد اللَّه بن عياش [ (5) ] ،
ومسلم بن جندب [ (1) ] ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج [ (2) ] ، ومحمد بن شهاب الزهري [ (3) ] ، وزيد بن أسلم [ (4) ] ، وأبو الزناد [ (5) ] .
وأخذ هؤلاء عن نافع أبو عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم، مولى جعونة ابن شعوب الليثي، أبو رويم، على الأشهر، إمام أهل المدينة في القراءات، وأحد الأئمة قراء السبعة، قرأ على سبعين من تابعي أهل المدينة، فيهم من سمينا، وأقرأ الناس [سنة عشرين ومائة] [ (1) ] فقرأ عليه الإمام مالك بن أنس وقال: قراءة نافع سنّة، وقرأ عليه إسماعيل بن جعفر، وعيسى بن وردان الحذاء، وقالون، وورش [وإسحاق بن محمد المسيبي] وقال: تركت من قراءة أبي جعفر سبعين حرفا، وفي رواية: قرأت على هؤلاء فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة. وتوفي سنة تسع وستين ومائة على الأشهر [قبل مالك بعشر سنين] [ (1) ] ، وعلى قراءته تعول أهل المدينة [ (2) ] .
[التابعون بمكة المشرفة من القراء]
[التابعون بمكة المشرّفة من القراء] أما التابعون بمكة الذين اعتنوا بعلم القراءات حتى فاقوا أقرانهم، فعطاء بن أبي رباح [ (1) ] ، ومجاهد بن جبير [ (2) ] ، وسعيد بن جبير [ (3) ] ، وعكرمة [ (4) ] ، ...
وعبيد بن عمير [ (1) ] ، وعبد الرحمن بن [أبزي] [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن أبي مليكة [ (3) ] . وأخذ عن هؤلاء القراءات بمكة: عبد اللَّه بن كثير [ (4) ] ، وحميد بن قيس [ (5) ]
ومحمد بن عبد الرحمن بن محيصن [ (1) ] ، وشبل بن عباد [ (2) ] ، وأخذ عن هؤلاء إسماعيل ابن عبد اللَّه بن قسطنطين، وعليه قرأ الإمام الشافعيّ-[رحمة] اللَّه عليه- القرآن، فصار مرجع [قراءة] أهل مكة إلى عبد اللَّه بن كثير بن المطلب، إلى معبد مولى عمرو بن علقمة الكناني، الداريّ المكيّ، إمام أهل مكة في القراءات، وأحد الأئمة السبعة، قرأ عليه عبد اللَّه بن السائب المخزومي، وعلي مجاهد ودرباس، مولى عبد اللَّه بن عباس، وتصدر للإفتاء، وصار إمام أهل مكة في ضبط القرآن، قرأ عليه أبو عمرو بن العلاء، وشبل بن عباد، ومعروف بن مشكان، وإسماعيل ابن قسطنطين، وطائفة. وتوفي سنة عشرين ومائة، وقيل: سنة اثنتين وعشرين.
[التابعون بالبصرة من القراء]
[التابعون بالبصرة من القراء] وأما التابعون بالبصرة الذين اعتنوا بالقراءات، واجتهدوا في تعلم الأحرف، فهم: أبو رجاء العطاردي [ (1) ] ، والحسن بن أبي الحسن [ (2) ] ، وأبو العالية [ (3) ] ، وغيرهم.
وأخذ عنهم جماعة مثل: قتادة [ (1) ] ، وجابر بن زيد [ (2) ] ، [وهو] أبو الشعثاء [ (3) ] في آخرين. وأخذ عن هذه الطبقة: أبو عمرو بن العلاء [ (4) ] ، وأيوب السّختياني [ (5) ] ،
وعمرو بن عبيد [ (1) ] ، ورجع أهل البصرة إلى حاتم سهل بن محمد السجستاني [ (2) ] ، غير أن الاعتماد في القراءة على أبي عمرو بن العلاء المازني المقرئ النحويّ البصري، واسمه على الأصح: زبان بن العلاء بن عمار، وأخذ القراءة عن أهل الحجاز وأهل البصرة، فعرض بمكة على مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة بن خالد وابن كثير، وقيل: أنه قرأ على أبي العالية ولم يصح، وقيل: أنه عرض بالمدينة على أبي جعفر يزيد بن القعقاع، وعلى يزيد بن رومان، وشيبة بن نصاح، وعرض بالبصرة على يحيى بن يعمر، ونصر ابن عاصم، والحسن البصري وغيرهم. قرأ عليه خلق كثير منهم: يحيى بن المبارك اليزيدي، وعبد الوارث بن سعيد السوري، وعبد اللَّه بن المبارك، وجماعات. وإليه انتهت الإمامة في القراءة بالبصرة، وكان قد عرف القراءات، فقرأ من كل قراءة مما استحسنه وتختار العرب، وما بلغة من لغة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وجاء تصديقه في كتاب اللَّه تعالى. قال يونس: لو كان ينبغي لأحد أن يؤخذ قوله كله، لكان ينبغي أن يؤخذ قول أبي عمرو، ولكن ليس من أحد إلا وأنت تأخذ من قوله وتترك. وأخافه الحجاج، فاستتر لأن عمه كان عاملا له فهرب، فطلب الحجاج أبا عمرو فاختفى وقال: ما رأيت أعلم مني. مات سنة أربع وخمسين ومائة.
[التابعون بالشام من القراء]
[التابعون بالشام من القراء] وأما التابعون بالشام الذين عنوا بالقراءات ومعرفة اللغات، فمنهم: المغيرة بن أبي شهاب [ (1) ] ، ويعلي بن شداد بن أوس [ (2) ] ، وميمون بن مهران [ (3) ] ، وشهر بن حوشب [ (4) ] ، وأخذ عنهم القراءات عبد اللَّه بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة، أبي عمران على الأصح، أدرك [صحبة] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقرأ على معاذ بن جبل، وأبي الدرداء، ومعاوية بن أبي سفيان، ووائلة بن الأصبغ، وقرأ على المغيرة بن أبي شهاب
صاحب أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، وقيل: عرض على عثمان، وقرأ على فضالة بن عبيد، وروى عنه القراءة عرضا يحيى بن الحرث الذّماريّ. مات سنة ثمان وعشر ومائة [ (1) ] .
[التابعون بالكوفة من القراء]
[التابعون بالكوفة من القراء] وأما التابعون بالكوفة، الذين اجتهدوا في علم القراءات، فجماعة منهم: علقمة بن قيس [ (1) ] ، والربيع بن خثيم [ (2) ] ، ومسروق بن الأجدع [ (3) ] ، والأسود بن يزيد [ (4) ] ، ...
وأبو وائل شقيق بن سلمة [ (1) ] ، وعامر بن شراحبيل الشعبي [ (2) ] ، وأبو عبد الرحمن السّلمي [ (3) ] ،
وزر بن حبيش [ (1) ] ، وأخذ عنهم طبقة دونهم: كإبراهيم النخعي [ (2) ] ، وسماك بن حرب [ (3) ] ،
وطلحة بن مصرف [ (1) ] ، وأبي إسحاق السبيعي [ (2) ] في آخرين. وعنهم أخذ عاصم بن أبي النجود [ (3) ] ، ويحيى بن وثاب [ (4) ] ، وأبان بن تغلب [ (5) ]
ومنصور بن المعتمر [ (1) ] ، وسليمان بن مهران الأعمش [ (2) ] ، وعنهم أخذ القراءات بالكوفة: حمزة، والكسائي، فصار مرجع علم القراءات بالكوفة إلى ثلاثة منهم هم: عاصم، وحمزة، والكسائي. فأما عاصم بن أبي النجود [ (3) ]- واسمه بهدلة على الصحيح- فإنه أسديّ بالولاء، مولى بني جذيمة بن مالك بن نضر بن معين بن أسد، [يكنى] أبا بكر، قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وزر بن حبيش، وتصدر للإقراء، فقرأ عليه خلق كثير، منهم الأعمش، والمفضل بن محمد الضبي، وحماد بن شعيب، وأبو بكر بن عياش، وحفص بن سليمان، ونعيم بن ميسرة، وانتهت إليه الإمامة في القراءة بالكوفة، بعد شيخه أبي عبد الرحمن السلمي، وذلك لما مات أبو عبد
الرحمن، جلس عاصم يقرئ الناس، قال أبو عمرو حفص بن سليمان الدوري: قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها، فهي القراءة التي [أقرئت] [ (1) ] بها على أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، وما كان من القراءة التي أقرأت بها أبا بكر بن عياش، فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه. وقال أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال: قال شهر بن عطية: في مسجدنا رجلان، أحدهما أقرأ الناس بقراءة عبد اللَّه بن مسعود، والآخر أقرأ الناس بقراءة زيد بن ثابت، فالذي أقرأ الناس بقراءة ابن مسعود: الأعمش، والّذي هو أقرأ الناس بقراءة زيد: هو عاصم بن أبي النجود. وقال أبو عمر البزار حفص بن سليمان، عن عاصم بن أبي النجود، وعطاء ابن السائب، وشهر بن أيوب الثقفي، وابن أبي ليلى، عن أبي عبد الرحمن السلميّ: أنه قرأ عامة القرآن على عثمان بن عفان، وكان عثمان والي أمر الأمة، فقال: إنك تشغلني عن النظر في أمور الناس، فامض إلى زيد بن ثابت فإنه فارغ لهذا الأمر، يجلس فيه للناس فاقرأ عليه، فإن قراءتي وقراءته واحدة، ليس بيني وبينه فيها خلاف، فمضيت إلى زيد فقرأت عليه. وكنت ألقى عليّ بن أبي طالب فأسأله فيخبرني ويقول لي: عليك بزيد بن ثابت، فأقمت على زيد ثلاث عشرة سنة أقرأ عليه فيها القرآن. قال أبو عمر البزار: وكان عطاء بن السائب، ومحمد بن أيوب الثقفي، وابن أبي ليلى يذكرون لعاصم في القراءة، ويعترفون بتقدمه عليهم، وإذا غيّر شيئا قبلوه وأخذوه عنه. توفي عاصم آخر سنة سبع، وقيل أول سنة ثمان وعشرين ومائة. وأما حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل، أبو عمارة الكوفي الزيات [ (2) ] ، مولى آل عكرمة بن زنجي التميمي، كوفي، فإنه قرأ القرآن عرضا على الأعمش، وحمران ابن أعين، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومنصور، وأبي إسحاق وغيرهم.
وقرأ أيضا على طلحة بن مطرف، وجعفر بن محمد الصادق، وتصدّر للإقراء مدة، وقرأ عليه عدد كثير منهم: الكسائي، وسليم بن عيسى، وهما أجل الصحابة، وقرأ عليه عبد الرحمن بن أبي حماد، وعائذ بن أبي عائذ، والحسن بن عطية في آخرين. وكان إماما حجة قيما بكتاب اللَّه، له عدة فضائل، وصار [أعظم] [ (1) ] أهل الكوفة إلى قراءته. وقال: ما قرأت حرفا إلا بأثر، وقال عبد اللَّه بن موسى: قرأ حمزة على الأعمش، وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب، وقرأ يحيى بن وثاب على علقمة بن قيس، وقرأ علقمة على عبد اللَّه بن مسعود، وقرأ عبد اللَّه بن مسعود على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال خلف بن هشام عن سليم: قرأ حمزة على الأعمش وابن أبي ليلى، فما كان من قراءة الأعمش فهي عن ابن مسعود، وما كان عن ابن أبي ليلى فهي عن علي بن أبي طالب. وقال هارون بن حاتم: حدثنا الكسائي قال: قلت لحمزة: على من قرأت؟ قال: على ابن أبي ليلى وحمران بن أعين، قلت: فحمران على من قرأ؟ قال: [قرأ على] [ (1) ] عبيد بن نضلة، وقرأ عبيد على علقمة عن ابن مسعود، وقرأ ابن أبي ليلى على المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب. وقال عبد اللَّه بن موسى والحسن بن عطية وغيرهما: قرأنا على حمزة، وقرأ حمزة على حمران بن أعين، وعلي بن أبي ليلى، والأعمش، وأبي إسحاق، فأما حمران فقرأ على يحيى بن وثاب، وأما الأعمش فقرأ على زر وزيد بن وهب، والمنهال ابن عمرو، وقرأ زر على عبد اللَّه بن مسعود. وقال الأعمش: قرأ يحيى بن وثاب على علقمة، والأسود وعبيد بن فضيلة، ومسروق وعبيدة، وكان الأعمش يقول: يحيى أقرأ الناس، قالوا: قرأ الأعمش على إبراهيم النخعي، فأما أبو إسحاق، فقرأ على أصحاب علي وابن مسعود، وأما ابن أبي ليلى فقرأ على الشعبي، وجاءت أخبار تؤذن بقراءته على الأعمش أيضا، ثم جاءت أخبار بخلاف ذلك، قال محمد بن يحيى الأزدي: قلت لداود: قرأ حمزة على الأعمش؟ قال: من أين قرأ عليه؟ إنما سأله عن حروف.
وقال أحمد بن جبير: حدثنا حجاج بن محمد، قلت لحمزة، قرأت على الأعمش؟ قال: لا، ولكني سألته عن هذه الحروف حرفا حرفا. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثني عدة من أهل العلم، عن حمزة أنه قرأ على حمران، وكانت هذه الحروف التي يرويها حمزة عن الأعمش، إنما أخذها [من] [ (1) ] الأعمش أخذا، ولم يبلغنا أنه قرأ عليه القرآن من أول النهار إلى آخره. وقال يوسف بن موسى: قلت لجرير بن عبد الحميد: كيف أخذتم هذه الحروف عن الأعمش؟ قال: كان إذا جاء شهر رمضان، جاء أبو حيان التميمي، وحمزة الزيات، مع كل واحد منهما مصحف، فيمسكان على الأعمش، ويقرأ فيسمعون قراءته، فأخذنا الحروف من قراءته. توفي حمزة آخر سنة ست وخمسين ومائة على الصحيح، فرأى أعرابي كثرة الناس على جنازته فقال: ما رأيت أرفع لخسيس من عمل صالح. وأما علي بن حمزة بن عبد اللَّه بن مهران بن فيروز الكسائي [ (2) ] ، أبو الحسن الأسدي مولاهم، أحد الأعلام، فإنه قرأ القرآن وجوّده على حمزة الزيات، وعيسى ابن عمر الهمذاني، وقرأ على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختار لنفسه قراءة، ورحل إلى البصرة، وأخذ العربية عن الخليل بن أحمد، وأخذ الحروف أيضا عن أبي بكر بن عياش وغيره، وقرأ عليه أبو عمرو الدوري، وأبو الحرث الليثي، ونصير ابن يوسف الرازيّ، وقتيبة بن مهران الأصبهاني، وأبو عبيدة القاسم بن سلام، وخلائق، وانتهت إليه الإمامة في القراءة والعربية، وكان يتخير القراءات، وأخذ من قراءة حمزة وترك. ومات في سنة تسع وثمانين ومائة. فهؤلاء الأئمة القراء السبعة [ (3) ] ، هم الذين اشتهرت بالآفاق قراءتهم، واعتمد
عليها الناس في صلاتهم وتلاوتهم، وردّوا ما عداها من القرآن، وكفّروا من زاد فيها حرفا أو أسقط منها حرفا متعمدا لذلك، لأنها تواترت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلم كل أحد أنها صحت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال حسين بن علي الجعفي: حدثنا ابن عيينة عن علي بن زيد، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: قراءتنا التي جمع عثمان رضي اللَّه عنه الناس عليها، هي على العرضة الآخرة. وقال إسماعيل بن عياش، عن شعيب بن دينار، وعن محمد ابن المنكدر قال: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول. وقال أبو الزناد عن خارجة ابن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت قال: القراءة سنّة من السنن فاقرءوا القرآن كما أقرأتموه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [ (1) ] فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (2) ] . وقال ابن وهب عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن عروة بن الزبير، قال: القراءة سنة يأخذها آخر عن أول. وقال سفيان عن حصين، قال: سمعت أبا عبد اللَّه السلمي يقول: كنت أقرئ الحسن والحسين فمر بي أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأنا أقرئهما: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (3) ] ، فقال لي: يا عبد اللَّه بن حبيب، قلت: لبيك، قال: أقرئهما: وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (3) ] بفتح التاء، واللَّه الموفق للصواب.
[القراءات المشهورة]
[القراءات المشهورة] وأما القراءات المشهورة، فإنّها أربع قراءات غير هذه القراءات السبعة، منسوبة لثلاثة من الأئمة وهم: أبو جعفر، وابن محيصن، ويعقوب، وخلف. وقد اختلف في قراءة أبي جعفر وابن محيصن ويعقوب وخلف وشبههم، هل هي من الشواذ أم من المتواتر أم قسم ثالث؟ فذهب أبو عمر بن أبي بكر بن يونس بن الحاجب، والشيخ محيي الدين أبو زكريا يحيي بن شرف بن مري النووي، وأبو عمرو عثمان ابن عبد الرحمن بن عثمان بن الصلاح، وغيرهم إلى تحريم القراءة بالشواذ، وهي عندهم ما عدا القراءات السبع. وهذه مسألة تكلم فيها أهل الكلام والفقهاء، فتكلم أهل الكلام فيها من جهة كونها قرآنا، وأن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وتكلم فيها الفقهاء من جهة أنه إن كان قرآنا صحت به الصلاة وتعليق الإيمان وغير ذلك، وإلا فلا. ولقائل أن يقول: لا ريب أن أبا جعفر يزيد بن القعقاع أحد العشرة، وشيخ نافع، كان من سادات التابعين، وأخذ قراءته عن ابن عباس وأبي هريرة، وصلّى بعبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنه، ولم يكن من هو بهذه المثابة ليقرأ كتاب اللَّه تعالى بشيء محرم قراءته، وكيف وقد تلقن القرآن بمدينة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم غضا رطبا، قبل أن تطول الأسانيد، ويدخل فيها النقلة غير الضابطين، هذا، وهم عرب آمنون من اللحن. ولم تزل قراءة الأئمة متداولة في أمصار الإسلام، حتى اختار أبو بكر بن مجاهد هؤلاء السبعة وسمّاهم، فغلب الكسل، وقصرت الهمم على بعض الناس، وأراد اللَّه تعالى نقص العلم، فاقتصروا على السبعة، ثم اقتصروا من السبعة في هذه البلاد على السبعة المعينة، ثم اقتصروا من السبعة المعينة على الطريقة المشهورة اليوم التي ذكرناها. وقد كان شيخ شيوخنا العلامة [جمال] [ (1) ] الدين أبو حيان رحمه اللَّه يقول: دخلت هذا البلد- يعني مصر- وغالب من فيها يظن أن السبعة ما في الشاطبية [ (2) ] فقط، حتى أخبرته بما صنف الناس في السبعة، وأن في كتبهم أشياء تخالف ما في الشاطبية فرجع عن ذلك.
وأما ابن محيصن فلم تشتهر الرواة عنه اشتهارهم عن يعقوب، لأن يعقوب اشتهر عنه تسعة رجال، رويس، وروح، والوليد بن حسان، وأبو الوليد بن حسان، وأبو أيوب الذهبي، ومحمد بن عبد الخالق، وأبو حاتم السجستاني، وفضل بن أحمد، وأبو المهلب عامر بن عبد [الأعلى] [ (1) ] الدلالة. وأبو علي يزيد بن أحمد ابن إسحاق الحضرميّ هو ابن أخي يعقوب. وهكذا اشتهر عن كل واحد من هؤلاء الرواة عن يعقوب جماعة، فقراءته أقرب للسبعة. وأما قتيبة بن مهران الأذاذاني الأصبهاني- صاحب الإمالة- فإن له إمالات عجيبة، من أجلها عرف بالممال، فإنه انتهت إليه رئاسة الإقراء بأصبهان، وكان رفيق الدوري، وأبي الحرث، وقرأ على الكسائي، ونقل عنه، وربما قال: حدثنا فلان عنه، فحكمه حكم محيصن وأضرابه، وإنما جرى في هؤلاء السبعة نوع مما جرى في الفقهاء الأربعة أرباب المذاهب، فقد غلب على أكثر الناس اعتقاد أن لا مذهب إلا لهؤلاء الأربعة فقط، وقياس قول هؤلاء أن يكون ما قرأه على بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن مسعود، ومن بعدهم مثل الحسن البصري، والأعمش، وغيرهم، ممن يطول تعداده، ليس بقرآن، والشأن إنما هو فيما صح الاستناد به، وتواتر سليما من معرة اللحن والخطأ والتصحيف ونحو ذلك. وليس لنا فتح باب نطعن به على سادات السلف من الصحابة والتابعين، وإن كنا نقول: أنه يحرم القراءة بالشواذ التي هي ليست من متن القرآن، ولا تواترت تواتره، وإنما يوجد في كتب القراءات والتفاسير أن فلانا قرأ بها بتلك الأسانيد المفصلة، التي لا نظم لها ولا أزمّة [ (2) ] ، وهذه بواطيل وتحرم القراءة بها، وليست من قبيل ما كنا فيه، أولا، كما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى. والبلية كلها غلبة الجهل، وتقليد الآباء والمشيخة، والاكتفاء بما حضر وعرف عند أهل البلد فقط، ولذلك ظن غالب الناس أن لا سبعة إلا هذه التي في الشاطبية ونحوها، كما هو ظن الغالب أن الفقهاء الأربعة ما عدا مذهبهم باطل، ويلزم القول بذلك: إبطال ديانة سفيان [الثوري] ، والأوزاعي، وعبد اللَّه بن المبارك،
وإسحاق بن راهويه، ومن كان بالشام والأندلس على مذهب الأوزاعي، حتى اشتهر مذهب مالك وغيره، وإبطال ديانة من كان ببلاد المشرق على مذهب سفيان وغيره من الأئمة، ومن كان على مذهب أهل الحديث الذين لا يتعدونه، كأتباع داود ابن علي، ومن خالف أتباع داود في بعض المسائل، وبناء مذهبهم على وجوب الاجتهاد على من تأهّل لوجه استخراج الحكم الشرعي من كتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، وأوتي أهلية النظر في الأسانيد، بمراجعته لكتب النقل وتواريخ الرواة، والنظر في التعديل والتجريح، وإن كلا عليه الاجتهاد بحسب ما بلغ من ذلك. وأما الذين حرموا القراءة بما بالسبعة التي في المختصرات، فإنّهم كانوا في قرن السبع مائة، وما زال المسلمون يقرءون بما عدا ذلك شرقا وغربا، ينقلها خلف الأمة عن سلفها، إلى أن ضاعت من المتأخرين، وصنفت في ذلك كتب، وعللت في كتب، علم ذلك من له اطلاع على هذا الفن علم اليقين، وقد كان المسلمون يصلون خلف أصحاب هذه القراءات كالحسن البصري، ويعقوب، وطلحة بن مصرف، وابن محيصن، والأعمش، وأضرابهم، فلم ينكر ذلك أحد من فقهاء الأمصار وأئمة الإسلام من أهل الفتوى، حتى كان زمن أحمد بن محمد بن شنبوذ، فإنه في منقولاته أشياء تخالف رسم مصحف أمير المؤمنين عثمان رضي اللَّه عنه مخالفة كثيرة، وكان بينه وبين أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد شيخنا [عداوة] [ (1) ] يعرفها جهابذة أهل النقل، وكانت لابن مجاهد رئاسة وتمكن في الدولة العباسية ببغداد، وله مع ذلك شهرة عند الكافة، [فألّب] [ (2) ] على ابن شنبوذ فيمن ألب عليه، حتى جرى من ضربه وهو حاضر مجلس الوزير أبي علي بن مقلة ما جرى، وذلك بضع وعشرين وثلاثمائة، كما ذكرت في كتاب التاريخ الكبير: (المقفى) [ (3) ] وابن مجاهد، هذا الّذي قصر الناس على السبعة وصنف فيها، وإليه كانت رحلة الناس في القراءات فاشتهرت السبعة بالتمييز عن غيرها من عهده، إلى أن صارت عند الناس هي القرآن.
[تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة]
[تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة] وأما تحريم الصلاة بالشاذ [من القراءات] [ (1) ] ، فهو المعروف في كتب المتقدمين [من أن علم هذه المسألة] [ (1) ] عند الفقهاء الفروعية أجدر بها، لأنها تحتاج إلى مواد: من حديث، وفقه قديم، واطلاع على عمل السلف، وتحقيق قول أئمة التفسير، ومعرفة بما صحت أسانيده من القراءات وما اختلف من ذلك، ولا ريب أن فقهاء زماننا عن هذا بمعزل إلا القليل منهم. وأما الشواذ، فإنّها مأخوذة من: شذّ الشيء، ويشذّ شذا وشذوذا، أي ندر عن جمهوره، فسميت [القراءة] [ (1) ] شاذة لأنها فارقت ما عليه القراءات وانفردت عن ذلك، وهي على قسمين: أحدهما: ما روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة رضي اللَّه عنهم بإسناد صحيح. والثاني: ما لم يصح سنده، وللناس في هذه الشواذ مذهبان: أحدهما: أنه يقرأ في غير الصلاة. والثاني: أنه لا يجوز أن يقال له قرآن. فأما من جوّز تلاوته، فقد تقدم ما نقله عن ابن وهب، عن الإمام مالك رحمه اللَّه أنه قيل له: أترى أن تقرأ بمثل ما قرأ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: «فامضوا إلى ذكر اللَّه» [ (2) ] ؟ فقال: ذلك جائز، وأنه قال: لا أرى باختلافهم في مثل هذا بأسا، قد كان الناس ولهم مصاحف، والستة الذين أوصى إليهم عمر رضي اللَّه عنهم كانت لهم مصاحف، وأنه قال في قراءة ابن مسعود: «طعام الفاجر» [ (2) ] ، فقلت لمالك: أترى أن تقرأ كذلك؟ قال: نعم أرى ذلك واسعا، وأن ابن عبد البر قال: معناه عندي: أن تقرأ به في غير الصلاة، لأن ما عدا مصحف عثمان رضي اللَّه عنه [لا] [ (1) ] يقطع عليه بالصحة، وإنما يجري مجرى
السنة التي نقلها بطريق الآحاد، لكنه لا يقدم أحد على القطع في ردّه، وأن ابن القثم قال في مصحف ابن مسعود: أرى أن الإمام يمنع من تبعه، ويصرف من قرأ به، ويمنع من ذلك. وقد قال مالك: إن من قرأ في صلاته بقراءة ابن مسعود أو غيره من الصحابة ممن خالف المصحف [ (1) ] لم يصلّ وراءه. قال ابن عبد البر: وعلماء [المسلمين] [ (2) ] مجمعون على ذلك، إلا قوما شذوا، لا [يعول] [ (2) ] عليهم، منهم الأعمش سليمان بن مهران، وأما من منع أن يكون الشواذ قرآنا فإنّهم قالوا: لا ينطلق اسم القرآن إلا على ما بين دافتي مصحف عثمان رضي اللَّه عنه. وأما آحاد القراءات فإنّها غير متواترة، ولهذا قيل لها شاذة لخروجها عما عليه الجمهور. وقال ابن مهدي: لا يكون إماما في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، وقال خلاد بن يزيد الباهلي: قلت ليحيى بن عبد اللَّه بن أبي مليكة بن عبد اللَّه: إن نافعا حدثني عن أبيك عن عائشة رضي اللَّه عنها، أنها كانت تقرأ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [ (3) ] وتقول: إنما هو من ولق الكذب، فقال يحيى: ما يضرك أن لا تكون سمعته عائشة؟ نافع ثقة عن أبي، وأبي ثقة عن عائشة، وما [يضرني] [ (2) ] أن قرأتها هكذا، ولو كذا وكذا، قلت: ولم أنت تزعم أنها قد قالت؟ قال: لأنه غير قراءة الناس، ونحن لو وجدنا رجلا يقرأ بما ليس بين اللوحين، ما كان بيننا وبينه إلا التوبة أو نضرب عنقه، نجيء به عن الأئمة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عن جبريل عن اللَّه، وتقولون أنتم: حدثنا فلان عن فلان الأعمش؟ ما أدري ماذا أن ابن مسعود قرأ غير ما بين اللوحين؟ إنما هو واللَّه ضرب العنق والتوبة. وقال هارون بن موسى: ذكرت ذلك لأبي عمرو- يعني القراءة عن عائشة رضي اللَّه عنها- فقال: سمعت هذا قبل أن تولد ولكنا لا نأخذ به. وقال محمد ابن صالح: سمعت رجلا يقول لأبي عمرو: وكيف تقرأ: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [ (4) ] ؟ قال: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ [ (4) ] ، فقال له الرجل: كيف وقد جاء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ [ (4) ] ؟ فقال
له أبو عمرو: لقد سمعت الرجل الّذي قال سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وما أخذته عنه، وتدري لم ذلك؟ لأني أتهم الواحد بالشاذ، وإذا كان على خلاف ما جاءت به العامة. قال كاتبه: هذا الحديث خرجه الحاكم من حديث علي بن الحسن [ (1) ] بن شقيق قال: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عمن أقرأه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ، وقال [الحاكم] [ (2) ] : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والصحابي الّذي لم يسمه قد سماه غيره، وهو مالك بن الحويرث، وهذه القراءة إنما أنكرها أبو عمر، لأنها لم تبلغه على وجه التواتر، وإن كانت تثبت عند غيره. وقال أبو حاتم السجستاني: أول من تتبع بالبصرة من وجوه القرآن [وألّفها] [ (2) ] ، وتتبع الشاذ منها، فبحث عن إسناد: هارون بن موسى الأعور، وكان من العتيك مولى، وكان من القراء، فكره الناس ذلك وقالوا: قد أساء حين ألّفها، وذلك أن القراءة إنما يأخذها قرن وأمة عن أفواه أمة، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء وراء. وقال الأصمعي عن هارون هذا: كان ثقة مأمونا، قال: وكنت أشتهي أن يضرب لمكان تأليفه الحروف، وكان الأصمعي لا يذكر أحدا بسوء إلا من عرف ببدعة. وقال الأصمعي: سمعت نافعا يقرأ: يَقُصُّ الْحَقَّ [ (3) ] ، فقلت له: إن أبا عمر يقرأ يقضي الحق، وقال: القضاء مع الفضل، فقال نافع: وي [ (4) ] يا أهل العراق! [تعبثون] [ (2) ] في القرآن؟. قال يزيد بن هاشم: إياكم أن تأخذوا القراءة [ (5) ] على قياس العربية، إنما أخذناها بالرواية. وقال بعض أصحاب سليم: قلت لسليم في حرف من القرآن: من أي وجه كان كذا وكذا؟ فرفع كمه وضربني به، وغضب وقال: اتّق اللَّه، لا تأخذون في شيء من هذا، إنما يقرأ القرآن على الثقات من الرجال الذين قرءوه على الثقات.
وقال الكسائي: لو قرأت على قياس العربية لقرأت كبره [ (1) ] برفع الكاف، لأنه أراد عظمه، لكنني قرأت على الأثر. وقال يحيى بن آدم: أخبرنا أبو بكر بن عياش بحروف عاصم في القراءات وقال: سألته عنها حرفا حرفا، فحدثني بها ثم قال: أقرأنيها عاصم كما حدثتك بها حرفا حرفا، فتعلمتها منه بعد أن اختلفت إليه نحوا من ثلاث سنين، كل غداة في البرد والأمطار، حتى إني لأستحيي من أهل مسجد بني كاهل في الصيف والشتاء، وأعملت نفسي [فيه] [ (2) ] سنة بعد سنة، فلما قرأت عليه قال لي: احمد اللَّه فإنك قد جئت وما تحسن شيئا، فتعلمت القرآن من عاصم كما يتعلم الغلام في الكتّاب ما أحسن غير قراءته. وقال أبو عبيد بن القاسم بن سلام: ما يروى من الحروف التي تخالف المصحف الّذي عليه الإجماع من الحروف التي تعرف أسانيدها الخاصة دون العامة، مما نقلوا فيه عن أبيّ بن كعب: «وما كان ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، وعن ابن عباس: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج» . ومما يحكون عن عمر رضي اللَّه عنه: أنه قرأ: «غير المغضوب عليهم وضرّ الضالين» ، مع نظائر لهذه الحروف كثيرة لم ينقلها أهل العلم، على أن الصلاة بها تحل، ولا على أنها معارض بها مصحف عثمان رضي اللَّه عنه، لأنها حروف، لو جحد جاحد ألفا من القرآن لم يكن كافرا. والقرآن الّذي جمعه عثمان بموافقة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم له، لو أنكر بعضه منكر كان كافرا، حكمه حكم المرتد، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه. وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري- وقد ذكر ما ينقل عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنه قرأ: «والعصر* ونوائب الدهر* إن الإنسان لفي خسر» -: قول أبي بكر بن عياش، قال لي عاصم بن أبي النجود: ما أقرأني أحد من الناس حرفا إلا أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو عبد الرحمن قرأ على عليّ رضي اللَّه عنه، وكنت أرجع من عند أبي عبد الرحمن فأعرض على زرّ بن حبيش، وزرّ بن حبيش قرأ على عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه.
قال ابن الأنباري: وإذا روى أبو عبد الرحمن السلمي عن علي رضي اللَّه عنه: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [ (1) ] ، كما يقرأ المسلمون جميعا بشهادة عاصم على أبي عبد الرحمن، فرواية أبي عبد الرحمن تنسخ كل رواية في القراءة عن علي، لموضع أبي عبد الرحمن بن علي، وضبطه عنه، وأنه كان يقرئ الحسن والحسين رضي اللَّه عنهما، فهذه جهة تبطل رواية من روى عن علي رضي اللَّه عنه: «والعصر* ونوائب الدهر» . الجهة الثانية: أن عليا لما أفضت الخلافة إليه بعد عثمان رضي اللَّه عنه، وكان إمام المسلمين وقدوتهم، لو علم أن «والعصر» في مصحف عثمان الّذي أجمع عليه المسلمون تنقص «ونوائب الدهر» ، لم يستحل ترك خلل في المصحف، ونقص ألفاظ تنقص بها من ثواب القارئ حسنات، ويزول من جهتها معنى أراده اللَّه وقصد له، فترك عليّ وَالْعَصْرِ [ (2) ] في مصاحف المسلمين على ما لا يعرف غيره، هو الدليل على أن من روى: «والعصر* ونوائب الدهر» كذب أو نسي. والجهة الثالثة: أن المسلمين أجمعوا على أن هذا هو القرآن الّذي أنزله رب العالمين على نبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، لا زيادة فيه ولا نقصان، فمن ادعى زيادة أو نقصانا منه فقد أبطل الإجماع، وبهّت الناس وردّ ما قد صح عن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان كمن قال: الصلوات المفروضات خمسون صلاة، وتزوّج تسع من النساء؟ حلال، وفرض اللَّه أياما فصام مع شهر رمضان، فإذا ردّ جميع هذا الإجماع، كان الإجماع على القرآن أثبت وأوكد، والبناء عليه أولى. وعليّ رضي اللَّه عنه داخل في الإجماع غير خارج منه. وأيضا فقد كان علي يصلي بالمسلمين صلاة المغرب، وصلاة العشاء الآخرة، وصلاة الصبح، فيقرأ والناس وراءه يستمعون قراءته. فلو خالف عثمان وأبا بكر وعمر في حرف واحد أو أكثر، لسارع الناس إلى سؤاله عنه، وقبوله منه، وتغييره من المصاحف بمحضر منه، فلما سمعوا قراءته طول خلافته، فلم ينكروا حرفا ولم يغيروا مما سمعوا منه شيئا من المصحف، كان هذا هو الدليل على أن قراءة عليّ هي قراءة أبي بكر وعمر وعثمان، والحجة واضحة برواية أبي عبد الرحمن السلمي، عنه ما يوافق قراءتنا ولا يخالفها
فالقرآن الّذي حصّله عنه أبو عبد الرحمن، هو الّذي كان يؤم الناس به في صلاته، فيجدونه موافقا قرآن أبي بكر وعمر وعثمان وسائر المسلمين، ولو وقفوا فيه على زيادة كلمة أو نقصان لفظة، لوافقوا [عليا] [ (1) ] عليها وأثبتوها في المصاحف على قوله، وما يأمر به من رسمه لعلو درجته وارتفاع منزلته، فقد حصّلوا في كلامه المنثور ضمة في حرف وياء في كلمة، فتابعوا حكايتهما عنه، ونسبتهما إليه، فأحد الحرفين الدّهقان [ (2) ] بضم الدال، والآخر نيرز من النيروز. قال عياش بن القدح الرياشي: حدثنا أبو عاصم عن معاذ بن العلاء- أخي أبي عمرو بن العلاء- عن أبيه عن جده قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة، أهداها إليّ الدّهقان بضم الدال، ثم أتى بيت المال فقال: خذ خذ، وأنشأ يقول: [أفلح] [ (3) ] من كانت له قوصرّة [ (4) ] ... يأكل منها كل يوم مرة وقال سليمان بن حرب: حدثني حماد بن مسلمة بن زيد عن التميمي قال: أهدى إلى عليّ فالوذج [ (5) ] في جام [ (6) ] يوم النيروز، فقال: ما هذا؟ قال: هذا يوم النيروز، فقال: نيرز، وأكل. يوم بالياء، قال: فمن ضبط من لفظ عليّ وحصّل من كلامه ضمة نادرة، وياء نادرة، فهو صفيق بأن لا يغفل من قراءته كلمة تنبت، ولفظة تسقط، وحركة تغير، فمن ادعى أن ألفاظه في منثور كلامه ضبطت، وكلماته في قراءته القرآن أضيعت، فقد أخبر بمحال لا يقبله عليم، ولا يشهد بصحته حكيم. وذكر ابن الأنباري ما ينقل عن أبي بن كعب رضي اللَّه عنه، أنه قرأ كأن
لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [ (1) ] ، «وما كان اللَّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، ثم إن الحسن ابن الحيان حدثنا قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد القاسم بن نافع ابن أبي برة قال: قرأت القرآن على عكرمة بن سليمان أنه قرأ على شبل بن عباد، وإسماعيل بن عبد اللَّه بن قسطنطين، وأنهما أخبراه أنهما قرءا على عبد اللَّه بن كثير، وأن عبد اللَّه بن كثير أخبره أنه قرأ على مجاهد [وأن مجاهد] [ (2) ] أخبره أنه قرأ على عبد اللَّه بن عياش، وأن ابن عياش قرأ القرآن على أبيّ بن كعب، فقرأه ابن كثير بهذا الإسناد عن أبي بن كعب: حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [ (1) ] ، كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ [ (3) ] ، فهذا الإسناد يبطل الإسناد الضعيف الّذي نقل به عن أبيّ. وحدثنا حسن بن الحباب، حدثنا محمد بن عبد الحكم، حدثنا الشافعيّ قال: قرأت على ابن قسطنطين، وأخبرني ابن قسطنطين أنه قرأ على ابن شبل بن عباد، وأخبر شبل بن عباد أنه قرأ على عبد اللَّه بن كثير، وأخبر ابن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عياش، وأخبر ابن عياش أنه قرأ على أبيّ بن كعب، وقرأ أبيّ بن كعب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فهذا السند الّذي نقلته أهل العدالة والصيانة، ما يثبت ما عليه الجماعة في البناء على مصحف عثمان، ويوجب على من خالفه خلاف الرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن هذا السند متصل بالرسول، ولذا صح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر لم يؤخذ بحديث يخالفه. وحدثنا الحسن بن الحباب، حدثنا الطيب بن إسماعيل المقرئ، حدثنا يحيى ابن المبارك اليزيدي قال: قرأت القرآن على أبي عمرو بن العلاء، وقرأ أبو عمرو على مجاهد، وقرأ مجاهد على ابن عياش، وقرأ ابن عياش على أبيّ بن كعب، وقرأ أبيّ على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فتصحيح هذا الخبر قراءة العامة كتصحيح الخبر الّذي قبله، وكلاهما يوجب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يقرأ: «وما كان اللَّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، فمن جحد أن هذه الزيادة أنزلها اللَّه تعالى على نبيه فليس بكافر ولا آثم.
وذكر ما نقل عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه أنه قرأ: «وليس له شراب إلا من غسلين من عين تجري من تحت الجحيم» ، وأنه قرأ: «في جيدها حبل من ليف» ، ثم قال: وما نعلم أن سندا يتصل بعبد اللَّه بن مسعود في أنه قرأ ذلك، ولا يصح من هذا في مصحف مكتوب، إذا لم يصحّحه إجماع أو أسانيد معروفة الأهل، مشهورون بصحة النقل، فلو أن حديثا للرسول صلّى اللَّه عليه وسلم أورده مورد في مصحف بسند لا يعرف، لم يحكم على الرسول به، ولم يقبله عليه، فكيف يقبل على اللَّه رب العالمين أنه قال في القرآن: «من عين تجري من تحت الجحيم» ، والصحابة متفقون على إبطال ذلك، وروايتهم عن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم ما يخالفه، وفيهم من أتقن القرآن من أوله إلى آخره، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيّ، فلو أسقط عثمان حرفا لعارضه الحفاظ الذين حفظوا جميع القرآن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما وافقوه كان في هذا أوضح برهان على أن جميع ما يخالف ما مع المسلمين من القرآن، من كلام الشياطين ووضع إبليس. وما لعبد اللَّه بن مسعود مما دخل فيه على بن أبي طالب، فذكر من طريق الحسن ابن عرفة قال: حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الحسن بن سعد عن قيس بن عبد، قال: قرأت عند عليّ أو قرئت عند على شك مجالد: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ [ (1) ] ، فقال علي رضي اللَّه عنه: ما قال الطلح، أما يقرأ وطلع؟ ثم قال: وطلع نضيد، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتحكها من المصحف؟ فقال: لا، لا يهاج القرآن اليوم. قال: ومعنى هذا: أنه رجع إلى ما في المصحف، وعلم أنه هو الصواب، وأبطل الّذي كان فرط من قوله، فما يلحق عبد اللَّه بن مسعود نقص برجوعه عما كان يقرأ به إلى قراءة عثمان كما رجع إليها عليّ، وعثمان مشهود له بحفظ جميع القرآن وإتقانه. قالت نائلة بنت العرائض: لما دخل المضريون على عثمان [قالوا] [ (2) ] إن شئتم فاقتلوه وإن شئتم فاتركوه، فقد كان يقرأ القرآن من أوله إلى آخره في ركعة. وقال يحيى بن زكريا الأنصاري، عن يعلي عن عمر بن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: ما رأيت قرشيا كان أقرأ لكتاب اللَّه عزّ وجل منك يا ابن أبي طالب.
وقال يحيى بن آدم عن ما نقل عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: ما رأيت أحدا أقرأ لكتاب اللَّه عزّ وجلّ من علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، ولا يجوز أن يحكم على عبد اللَّه بن مسعود بكتاب في رق، يدعي مدعي أنه مصحف عبد اللَّه، لأن الخط ليس بشاهد عدل، ما رأينا نقلة الأنساب وأصحاب الأخبار صححوا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما يرى مكتوبا في صحيفة، حتى يشهد على الصحيفة عدول، فما [ينفي] [ (1) ] عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضعف مذهب، فنفيه عن رب العالمين أولى، إذ الإجماع من أهل الإسلام كافة على صحة ما بأيدينا من مصحف عثمان، وكل ما يرد أنه في مصحف ابن مسعود مما يخالف ما عليه الكافة، ليس معه إجماع ولا له شهود ورواة فهو مردود، ولإبطال إجماع الأمة له، وإن حمزة وعاصما يرويان عن عبد اللَّه بن مسعود، ما عليه جماعة من المسلمين، وإلينا على سندين [موافقين] [ (1) ] الإجماع أولى من الأخذ بواحد يخالفه إجماع الأمة. فإن قيل: إن عبد اللَّه بن مسعود طالبه عثمان لما جمع المصحف بدفع مصحفه إليه فامتنع، ولم يكن امتناعه إلا لخلاف بين المصحفين، فكره عبد اللَّه أن يحمل مصحفه على مصحف عثمان، [فأبى] [ (1) ] إلا احتجابه والإقامة عليه وأن لا يخرجه، وقد قال خلاد القارئ، عن قيس بن الربيع عن الأعمش قال: ليس بين مصحف عبد اللَّه وبين ثابت خلاف في حلال وحرام إلا في حرفين: في سورة الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [من] المهاجرين في سبيل اللَّه [ (2) ] ، وفي سورة الحشر: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [والمهاجرين في سبيل اللَّه] [ (3) ] . وقد قال أبو عبيد: حدثنا معاذ عن ابن عون عن عمر بن قيس، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال: جاءني جاء وأنا أصلي فقال: ثكلتك أمك! أتصلي وقد أمر بكتاب اللَّه أن يمزق؟ فتحورت في صلاتي وأتيت الدار وزقت وكنت لا
أحبس، فرأيت أبا موسى الأشعري، وعبد اللَّه بن مسعود، وحذيفة [يتقاولون] [ (1) ] ، وحذيفة يقول لعبد اللَّه بن مسعود: أعطهم، وعبد اللَّه يقول: واللَّه لا أدفعه إليهم، قرأت من في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضعا وسبعين سورة وأدفعه إليهم؟ واللَّه لا أدفعه إليهم. فالامتناع الّذي كان منه للحذر الّذي حاذره من أن يحمل مصحفه على مصحف عثمان، أجيب عن هذا بأن عثمان جمع المصاحف وطالب عبد اللَّه بمصحفه بعد حصول مصحف المسلمين الّذي اجتمعت على صحته الصحابة كلهم، بعد تصحيح أبي بكر وعمر إشفاقا من أن يكون في بعضها منسوخ لم يقف صاحب المصحف [عليه] [ (1) ] لوقوفه هو وسائر المسلمين على ما يلحقه ويدخل عليه. وكان امتناع عبد اللَّه من دفع مصحفه إشفاقا على تغيير يدخله، يخالف ما [قد] [ (1) ] رواه وأتقنه، وكان هذا الّذي حاذره زائلا ساقطا مأمونا منه، فبعد ذلك حين وقف على إتقان المصحفين، واجتماع الروايتين، قرأ وأقرأ بمثل قراءة المسلمين، على أنه قد كان [آخر] [ (1) ] من تولى زيد بن ثابت جمع المصحف وقال: أنا أحق بهذه المنزلة لتقدمي في القراءة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخذي عنه، وزيد في صلب أبيه. ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان، على عبد اللَّه بن مسعود في جمع القرآن، وعبد اللَّه بن مسعود أفضل من زيد، وأقدم في الإسلام، وأكثر سوابق، وأعظم فضائل، إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد اللَّه، إذ وعاه كله، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيّ، والّذي حفظه منه عبد اللَّه في حياة رسول اللَّه نيف وسبعون سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيّ، أولى بجمع المصحف، وأحق بالإيثار والاختيار، ولا ينبغي أن يظن بأن هذا طعنا على عبد اللَّه بن مسعود، لأن زيدا إذا كان أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا تقدمته عليه، لأن أبا بكر وعمر كان زيد أحفظ [منهما] [ (1) ] للقرآن، وليس هو خير [منهما] [ (1) ] ، ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب، فحسن اختيار أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن أسندوا إليه جمع القرآن واضح، والّذي لحق عبد اللَّه ابن مسعود من الغضب، وما أبداه من الإنكار غير معول عليه، ولا مأخوذ
به، لأنهم كانوا يرجعون عنه إذا رضوا، وقد قال زيد بن ثابت: كنا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع، فإذا تقدم زيد في هذا ورسول اللَّه حيّ، كان أحق الناس بالجمع بعد وفاته، وما اختلف أهل العلم في أن زيدا ضم القرآن وحفظه في حياة رسول اللَّه، وأن عبد اللَّه بن مسعود قبض رسول اللَّه وهو غير حافظ لجميع القرآن، وقراءة عبد اللَّه هي قراءة زيد، لا نعلم بينهما خلافا أخل بمعنى ولا [يفسده] [ (1) ] وما يروى مما يخالف ذلك لا [يخلو] [ (1) ] من أن يكون موضوعا على جهة العناد لعثمان وبقية الصحابة، وللتشكيك [فيما] [ (1) ] قد صح من كتاب اللَّه الّذي قد [جمعه صحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] ، ولم يحصل ما روى، أو أن يكون الحديث المتضمن له واهي السند منقطعة، لا يقوم بمثله حجة. وذكر ما نقل عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه أنه قرأ: وجاءت سكرة الحق بالموت [ (3) ] ، ثم قال: رويت عنه روايتان: إحداهما موافقة للمصحف، فعليها العمل، والأخرى مرفوضة، تجري مجرى النسيان منه إن كان قالها، أو الغلط من بعض من نقل الحديث عنه، وأورد حديث جرير عن منصور، عن أبي وائل عن مسروق قال: لما حضر أبو بكر رضي اللَّه عنه أرسل إلى عائشة رضي اللَّه عنها، فلما دخلت عليه قالت: هذا كما قال الشاعر: إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر فقال لها أبو بكر رضي اللَّه عنه: ألا قلت كما قال اللَّه تعالى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ الحديث. وذكر ما نقل عن عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنهما، أنهما قرءا: فامضوا إلى ذكر اللَّه، ثم قال: إن الأمة اجتمعت على: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [ (4) ] ، برواية ذلك عن رب العالمين ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأما عبد اللَّه ابن مسعود، فما صح عنه: «فامضوا» ، لأن السند غير متصل، إذ إبراهيم النخعي
لم يسمع من عبد اللَّه، إنما ورد: «فامضوا [إلى ذكر اللَّه [ (1) ]] » عن عمر رضي اللَّه عنه وحده، فإذا انفرد واحد بما يخالف الأمة والجماعة كان ذلك نسيانا منه، ويدل على ذلك أن الصحف التي كتبها أبو بكر رضي اللَّه عنه ونسخ منها مصحف عثمان كانت عند عمر مكتوبا فيها فَاسْعَوْا، وهي أمامه، وهو أرضى الناس بما فيها لنفسه وللمسلمين، فلو علم وقت قوله: «فامضوا» ، أن المصحف فيها: فَاسْعَوْا ما استجار الخلاف لها، ولرجع إلى ما فيها، لكنه غلب عليه نسيان البشر، وطبع الآدميين، وإنما كتب القرآن في المصاحف ليحفظ على الناس، ويرجع إليه الناسي، ويوقف بما فيه على غلط الغالط وتغيير المغيّر، وليس من آدمي يسلم من النسيان والغفلة. وذكر ما نقل من قراءة عبد اللَّه بن عياش رضي اللَّه عنه: «والشمس تجري لا مستقر لها» ، ثم قال: هذا باطل مردود على من نقله، لأن أبا عمرو روى عن مجاهد عن ابن عياش، وابن كثير روى عن مجاهد عن ابن عياش: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [ (2) ] فهذان السندان عن ابن عياش اللذان [يشهد] [ (1) ] بصحتهما الإجماع ببطلان ما ورد بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة وما اتفقت عليه الأمة. وذكر ما نقل عن ابن عباس أنه قرأ: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج» ، ثم قال أبو عمرو وابن كثير: سنديهما المنضم إليهما الإجماع عن ابن عباس لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ [ (3) ] ، فأبطل هذان الإسنادان غيرهما، وحمل الحديث الآخر على أن ابن عباس قال: «في مواسم الحج» مفسّرا لمعنى القرآن، فحمل التفسير بعض الناقلين على أنه من القرآن فأدخله فيه غالطا أو غافلا. وهذا بمنزلة حديث سفيان عن عمرو عن ابن عباس أنه قرأ: «يا حسرة للعباد» ، وبمنزلة حديث سفيان عن عمرو عن ابن عباس، أنه قرأ، «وإن عزموا السراح» ، قال: فالسراح تفسير الطلاق، غلط فيه بعض الناقلين. ومثله حديث مالك عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه عنه، أنه قرأ: «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل عدتهن» ، قال: فما يحمل ذا إلا على أن ابن عمر
ذكر «لقبل» تفسيرا لمعنى القرآن، فتوهم بعض من نقل الحديث أنه من القرآن فأدخله فيه، وإجماع الأمة يدل على صحة هذا التأويل. قال: وكل ما يحتج به مما يحكى عن الأئمة من خلاف المصحف المجمع عليه لا تقوم به حجة، ولا يجوز أن يستعمل شيء منه في صلاة ولا غيرها، لأنه لا [يخلو] من أن يكون الحرف المخالف تفسيرا لمعنى القرآن، فأدخله بعض الناقلين في القرآن، بقصور علمه، أو يكون بعض الرواة لم يضبط ما نقل، ولم يصحح ما آثر، أو يكون المنقول عنه غلط كما يغلط البشر، فقرأ بحرف يقدّر أنه مثبت في المصحف فلم يصح تقديره. وذكر ما نقل عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ «أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء اللَّه [لهدى] الناس جميعا» [ (1) ] ، ثم قال هذا باطل عن ابن عباس، لأن مجاهد وسعيد ابن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس على ما في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس، يرفعه إلى أبيّ، ويبلغ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال الحسن بن عيسى المقرئ: حدثنا هارون الكوفي، حدثنا أبو العباس حسن الليثي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: على من قرأت؟ فقال: على مجاهد وسعيد ابن جبير، والقراءة عندهم سنّة، يأخذها آخر عن أول، قال: فكل واحد من الأئمة- أئمة الأمصار- قراءته روايته، ونقل الإسناد الّذي يذكره ويفصح به. وذكر ما نقل عن عطاء عن ابن عباس أنه قرأ: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما» [ (2) ] ، ثم قال: هو باطل، من قرأه عامدا في صلاته فقد أفسدها، وحكى عن اللَّه تعالى ما لم ينقل بإجماع المسلمين على خلافه، واحتجاج عائشة رضي اللَّه عنها خاصة، على ما قرأته، وإبطالها مذهبه. وذكر حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قلت لعائشة وأنا حديث السن: أرأيت قول اللَّه تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [ (2) ] ، فقد تطوف الناس بهما، وما أرى على أحد شيئا أن لا يطّوف بهما، فقالت: كلا يا بني، لو كانت كما تقول
لكانت: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما» ، وإنما هذه الآية في الأنصار، وكانوا يهلون لمناة [ (1) ] ، وكانت مناة على قديد [ (2) ] ، وكانوا يتحرجون من الطواف بالصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن ذلك، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [ (3) ] .
[ترتيب نزول القرآن بمكة]
[ترتيب نزول القرآن بمكة] أول ما نزل من القرآن خمس آيات من سورة العلق بلا خلاف، كما قاله القشيريّ في أول تفسيره، قال: ثم نزل بعد ذلك ن وَالْقَلَمِ، ثم يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، ثم يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ثم تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ، ثم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، ثم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الْأَعْلَى] ، ثم وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى، ثم وَالْفَجْرِ، ثم وَالضُّحى، ثم أَلَمْ نَشْرَحْ، ثم وَالْعَصْرِ، ثم وَالْعادِياتِ، ثم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثم وَالنَّجْمِ إلى قوله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى [ (1) ] ، ثم عَبَسَ، ثم إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثم وَالشَّمْسِ وَضُحاها، ثم وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ، ثم وَالتِّينِ، ثم لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، ثم الْقارِعَةُ، ثم لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ، ثم الهمزة، ثم وَالْمُرْسَلاتِ، ثم ق، ثم لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ، ثم الطارق، ثم اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، ثم ص، ثم الأعراف، ثم الجن، ثم يس، ثم الفرقان، ثم الملائكة، ثم مريم، ثم طه، ثم الْواقِعَةُ، ثم الشعراء، ثم النمل، ثم القصص إلى قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ الآية [ (2) ] ، فإنّها نزلت بالجحفة، ثم بني إسرائيل غير قوله: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ [ (3) ] ، وقوله: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [ (4) ] ، ثم يونس، ثم الحجر، ثم الأنعام إلا قوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ (5) ] ، ثم وَالصَّافَّاتِ، ثم لقمان، ثم سبأ، ثم الزمر غير قوله: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ ... [ (6) ] الآية، ثم حم المؤمن [ (7) ] ، ثم حم فصّلت، ثم حم عسق [ (8) ] ، ثم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف إلا قوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ
[آخر ما نزل بمكة]
[ (1) ] ، ثم وَالذَّارِياتِ، ثم الغاشية، ثم الكهف غير قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ [ (2) ] ، ثم النحل غير قوله: وَإِنْ عاقَبْتُمْ [ (3) ] ، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم الأنبياء، ثم المؤمنون، ثم الم تَنْزِيلُ [ (4) ] ، ثم الطور، ثم تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، ثم الْحَاقَّةُ، ثم سَأَلَ سائِلٌ [ (5) ] ، ثم عَمَّ يَتَساءَلُونَ [ (6) ] ، ثم إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ، ثم إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ، ثم الرُّومُ، فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة. [آخر ما نزل بمكة] وقال ابن عباس رضي اللَّه عنه: آخر ما نزل بمكة العنكبوت، وقال الضحاك وعطاء: المؤمنون، وقال مجاهد: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. وقيل فيما ذكر البغوي: إن سورة المطففين، وسورة القدر، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أنزلت بالمدينة، وقال الزمخشريّ: المعوذتان مكيتان [ (7) ] ، وقال البغوي: مدنيتان.
[ترتيب نزول القرآن بالمدينة]
[ترتيب نزول القرآن بالمدينة] قال أبو القاسم القشيري: أول ما نزل بالمدينة «البقرة» ، ثم «الأنفال» إلا قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ [ (1) ] ، ثم «آل عمران» ، ثم «الأحزاب» ، ثم «الممتحنة» ، ثم «النساء» ، ثم إِذا زُلْزِلَتِ، ثم «الحديد» ، ثم «سورة محمد» ، ثم «الرعد» ، ثم الرَّحْمنُ، ثم هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ، ثم «الطلاق» ، ثم لم يكن، ثم «الحشر» ، ثم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، ثم «النور» ، ثم «الحج» ، غير قوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلى قوله: عقيم، ثم «المنافقون» غير قوله: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ، ثم «المجادلة» ، ثم «الحجرات» ، ثم لِمَ تُحَرِّمُ [ (2) ] ، ثم «الصف» ، ثم «الجمعة» ، ثم «التغابن» ، ثم «الفتح» ، ثم «المائدة» ، ومنهم من يقدم المائدة على التوبة، وقرأها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في خطبته يوم حجة الوداع وقال: يا أيها الناس، إن آخر القرآن نزولا سورة المائدة، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها، واختلف في وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، فعن ابن عباس، هي مدنية، وقال الباقون: مكية. فهذه تسع وعشرون سورة [نزلت بالمدينة] [ (3) ] ، وأكثرهم على أن الفاتحة مكية، وقال مجاهد وغيره: نزلت بالمدينة. وخرج الحاكم من حديث يحيى بن معين، حدثنا وكيع عن أبيه عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: ما كان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نزل بالمدينة، وما كان يا أَيُّهَا النَّاسُ فبمكة. ومن حديث وكيع، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه قال: قرأنا المفصل حينا وحججا، ليس فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. قال الحاكم: صحيح على شرح الشيخين [ (4) ] . ومن حديث معتمر بن سليمان، عن مثنى بن
الصباح، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا نزل جبريل فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ علم أنها سورة [ (1) ] . قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
[تتمة مفيدة]
[تتمّة مفيدة] اختلف السلف في أي سورة من القرآن أنزلت أولا، فقيل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (1) ] ، وقيل: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (2) ] ، خرج البخاري في كتاب التفسير، من حديث وكيع عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما أنزل من القرآن قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (1) ] ، قلت: يقولون: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [ (2) ] ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللَّه عن ذلك، وقلت له مثل الّذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت: دثريني وصبّوا عليّ ماء باردا، فنزلت: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [ (1) ] . وذكر من حديث عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: جاورت بحراء ... [ (3) ] ، فذكره. ومن حديث عبد الصمد، حدثنا حرب، حدثنا يحيى، سألت أبا سلمة: أي القرآن نزل أول؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فقلت: أنبئت أنه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد اللَّه: أي القرآن أنزل أول؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فقلت: أنبئت أنه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، فقال: لا أخبرك إلا بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: جاورت في حراء، فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض فأتيت خديجة فقلت: دثروني وصبوا عليّ ماء باردا، وأنزل عليّ: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ.
وخرج مسلم في كتاب الإيمان، من حديث الأوزاعي قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة: أيّ القرآن أنزل؟ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، فقلت: أو اقْرَأْ؟ قال جابر: أحدثك ما حدثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فلم أر أحدا، ثم نوديت، فرفعت رأسي، فإذا هو علي العرش في الهواء- يعني جبريل عليه السلام- فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة فقلت: دثروني، فدثروني، فصبّوا عليّ ماء، فأنزل اللَّه عز وجل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ [ (1) ] . وخرجه من حديث علي بن المبارك عن يحيى بهذا الإسناد، قال: فإذا هو جالس على العرش بين السماء والأرض. وثبت في الصحيحين وغيرها، من حديث يونس بن يزيد قال: أخبرني ابن شهاب أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان [يخلو] بغار حراء فيتحنث فيه، قال: والتحنث: التعبد الليالي ذوات العدد. وقال مسلم: أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقْرَأْ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يرجف فؤاده، حتى دخل على خديجة. الحديث بطوله [ (2) ] . وخرجاه من حديث ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أخبرني [ (3) ] جابر بن عبد اللَّه، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ثم فتر الوحي عني فترة، فبينا أنا أمشي سمعت صوتا بين السماء والأرض، فرفعت رأسي، فإذا الملك
الّذي بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فخبئت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروه- وقال مسلم: فدثروني- فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، الحديث. وقال سفيان بن عيينة: عن ابن إسحاق، إن أول شيء نزل من القرآن اقْرَأْ. وقال سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: أول ما نزل من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، [ن] وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ [ (1) ] ، وقال وكيع، عن مرة بن خالد، عن أبي رجاء قال: أول سورة أنزلت على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، وقال محمد بن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني معمر بن راشد عن الزهري، عن محمد بن عباد عن جعفر قال: سمعت بعض علمائنا يقول: كان أول ما أنزل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ، فهذا صدرها الّذي أنزل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حراء، ثم نزل آخرها بعد ذلك بما شاء اللَّه. قال النووي: قوله: إن أول ما نزل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ضعيف، بل باطل، والصواب: إن أول ما نزل على الإطلاق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، كما صرح به في حديث عائشة رضي اللَّه عنها، وأما يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فكان نزولها بعد فترة الوحي، كما صرح به في رواية الزهري عن أبي سلمة عن جابر، والدلالة صريحة فيه في قوله: فإذا الملك الّذي جاءني بحراء، ثم قال: وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، ومنها قوله: ثم تتابع يعني بعد فترته، والصواب: أن أول ما نزل [على الإطلاق] [ (2) ] : اقْرَأْ، وأول ما نزل بعد فترة الوحي: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، وأما قول من قال: أول ما نزل الفاتحة، فبطلانه أظهر من أن يذكر. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن مجاهد عن أبي هريرة قال: أنزلت فاتحة الكتاب بالمدينة. حدثنا أبو أسامة عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد عن أبي هريرة قال: أنزلت فاتحة الكتاب بالمدينة. حدثنا أبو أسامة عن زائدة، عن منصور عن مجاهد قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أنزلت بالمدينة.
حدثنا أبو معاوية عن هشام، عن أبيه قال: ما كان من حج أو فريضة فإنه نزل بالمدينة، وما كان من ذكر الأمم والقرون والعذاب فإنه نزل بمكة. حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك: [ما كان] [ (1) ] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [نزل] [ (1) ] في المدينة. حدثنا وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة قال: كل شيء في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنزل في المدينة، وكل شيء في القرآن يا أَيُّهَا النَّاسُ نزل بمكة. حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللَّه- يعني ابن مسعود- رضي اللَّه عنه قال: قرأنا المفصّل حججا ونحن بمكة ليس فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب، عن عكرمة قال: كل سورة فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهي مدنية. حدثنا أبو أحمد عن مسعر عن النضر بن قيس، عن عروة قال: ما كان يا أَيُّهَا النَّاسُ [نزل] [ (1) ] بمكة وما كان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [نزل] [ (1) ] بالمدينة. حدثنا وكيع عن ابن عون قال: ذكروا عند الشعبي قوله تعالى: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ [ (2) ] ، فقيل: عبد اللَّه بن سلام، فقال: كيف يكون ابن سلام وهذه السورة مكية. حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: إني لا أعلم ما نزل من القرآن بمكة وما نزل بالمدينة، فأما ما نزل بمكة فضرب الأمثال وذكر القرون، وأمّا ما نزل بالمدينة فالفرائض والحدود والجهاد. حدثنا وكيع عن سفيان، عن ابن نجيح عن مجاهد قال: أول سورة نزلت اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، ثم ن. حدثنا وكيع عن شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: أول ما نزل من القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، ثم ن. حدثنا وكيع عن قرة عن أبي رجاء قال: أخذت عن أبي موسى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، وهي أول سورة أنزلت على محمد صلّى اللَّه عليه وسلم.
حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البراء قال: آخر سورة نزلت كاملة: بَراءَةٌ [ (1) ] ، وآخر آية نزلت من القرآن: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [ (2) ] ، حدثنا ابن نمير، حدثنا ابن شيبة، حدثنا مالك عن أبي السّفر عن البراء قال: آخر آية نزلت يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [ (2) ] ، حدثنا وكيع عن إسماعيل عن أبي خالد عن السّديّ قال: آخر آية نزلت: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [ (3) ] ، حدثنا ابن نمير، حدثنا مالك بن معون عن عطية العوفيّ قال: آخر آية نزلت: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [ (3) ] ، واللَّه يفعل ما يريد.
[فصل في ذكر أخذ القرآن ورؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاتهم له]
[فصل في ذكر أخذ القرآن ورؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاتهم له] خرج أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا منجاب ابن الحرث، أخبرنا علي بن مسهر، عن الأجلح عن الذّيال بن حرملة، عن جابر ابن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الّذي قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه فلينظر ماذا يرد عليه، فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فقالوا: أنت يا أبا الوليد، فأتاه عتبة فقال: يا محمد! أنت خير أم عبد اللَّه؟ فسكت، ثم قال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم قال: أنت خير أم هاشم؟ فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] فقال: وإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الآلهة التي عبتها. وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا، وشتّت أمرنا، وفضحتنا في العرب، حتى طار في العرب أن في قريش ساحرا، وأن في قريش كاهنا، واللَّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى، أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى [نتفانى] [ (2) ] ، أيها الرجل! إن كان إنما بك الباءة [ (3) ] فاختر أي نساء قريش فلنزوجك عشرا، وإن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فرغت؟ قال، نعم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً [ (4) ] ، حتى قرأ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، فقال عتبة: حسبك حسبك، ما عندك غير هذا؟ قال: لا، فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ فقال: ما تركت شيئا أرى
أنكم تكلمونه إلا وقد كلمته، قالوا: فهل أجابك؟ قال نعم، قال: لا والّذي نصبها بنية [ (1) ] ، ما فهمت شيئا مما قال، غير أنه قال: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، قالوا: ويلك! يكلمك رجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال: لا واللَّه ما فهمت شيئا مما قال، غير ذكر الصاعقة [ (2) ] . وخرجه البيهقي من حديث محمد بن فضيل قال: حدثنا الأجلح عن الذّيال ابن حرملة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالسحر والكهانة والشعر، فكلمه ثم أتانا من أمره، فقال عتبة: لقد سمعت بقول السحرة والكهّان والشعراء، وعلمت من ذلك علما، وما يخفى عليّ إن كان كذلك، فأتاه. فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد! أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد اللَّه؟ فلم يجبه، قال: فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا لك، فكنت رأسا ما بقيت، وإن كان الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني بها أنت وعقبك من بعدك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساكت لا يتكلم. فلما فرغ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فقرأ حتى بلغ: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، واللَّه ما نرى عتبة إلا وقد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته انطلقوا بنا إليه، فأتوه فقال أبو جهل: واللَّه يا عتبة ما حسبنا إلا
أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم باللَّه لا يكلم محمدا أبدا، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا، ولكني أتيته، فقص عليهم القصة، فأجابني بشيء واللَّه ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ حتى بلغ: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب [ (1) ] . وخرجه من حديث ابن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني يزيد بن زيادة مولى بني هاشم، عن محمد بن كعب قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة [ (2) ]- وكان سيدا حكيما- قال: ذات يوم وهو جالس في نادي قريش، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس في المسجد وحده، يا معشر قريش، ألا أقوم إلى هذا فأكلمه، فأعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضها، ويكف عنا؟ قالوا: بلى يا أبا الوليد، فقام عتبة ابن ربيعة حتى جلس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكر الحديث فيما قال له عتبة، وفيما عرض عليه من المال والملك وغير ذلك، حتى إذا فرغ [عتبة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أفرأيت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع منّي، قال: أفعل] [ (3) ] قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا، فمضى رسول اللَّه يقرأها عليه، فلما سمعها عتبة أنصت لها، وألقى بيديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه، حتى انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى السجدة [ (4) ] فسجد فيها، ثم قال: سمعت يا أبا الوليد؟ قال: سمعت، قال: فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف باللَّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الّذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال:
ورائي أني واللَّه سمعت قولا ما سمعت بمثله قط، واللَّه ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش! أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فو اللَّه ليكونن لقوله الّذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك واللَّه يا أبا الوليد بلسانه، فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما بدا لكم، ثم ذكر شعرا يمدح به عتبة فيما قال [ (1) ] . وله من حديث المثنى بن زرعة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع عن ابن عمر قال: لما قرأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عتبة بن ربيعة: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أتى أصحابه فقال لهم: يا قوم، أطيعوني في هذا اليوم واعصوني فيما بعده، فو اللَّه لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذناي قط كلاما مثله، وما دريت ما أردّ عليه [ (2) ] . وله من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري قال: حدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع فيه وكلا لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق، فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية فإذا كل رجل منهم في مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا. فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود، وتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج
حتى [أتى] [ (1) ] أبا سفيان في بيته قال: أخبرني يا أبا حنظلة، أخبرني عن رأيك فيما سمعت من محمد، فقال: يا أبا ثعلبة، واللَّه لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، فقال الأخنس: وأنا والّذي حلفت به. ثم خرج من عنده حتى [أتى] [ (1) ] أبا جهل، فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيت فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن [وبنو] عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى تدرك هذه؟ واللَّه لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه، فقام عنه الأخنس [بن شريق] [ (1) ] . وله من حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت رسول اللَّه، أني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقّة مكة، إذ لقينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال لأبي جهل: يا أبا الحكم، هلمّ إلى اللَّه وإلى رسوله أدعوك إلى اللَّه، قال: يا محمد! هل أنت منته عن سب آلهتنا؟ هل تريد أن نشهد إلا أن قد بلّغت، فنحن نشهد أن قد بلغت، فو اللَّه لو أني أعلم أن ما تقول حقا ما اتبعتك، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأقبل عليّ فقال: واللَّه إني لأعلم أن ما يقول حق، ولكن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم، فقالوا: فينا الندوة، فقلنا: نعم، قالوا: فينا اللواء، فقلنا: نعم، قالوا: فينا السقاية، فقلنا نعم، ثم أطعمنا، حتى إذا تحاكّت الركب قالوا: منا نبيّ، واللَّه لا أفعل [ (2) ] . ولأبي نعيم من حديث سعيد، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش، وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم، فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا
بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قولكم بعضه [بعضا] [ (1) ] ، قالوا: فأنت يا عبد شمس، قم وأقم لنا رأيا نقل به، فقال: بل أنتم تقولوا وأسمع، قالوا: نقول: إنه كاهن، قال: فما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولا سجعهم، قالوا: فنقول: إنه مجنون، قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا بتخالجه ولا وسوسته، قالوا: فنقول إنه شاعر، قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه وهزجه، وقريضه، ومقبوضة ومبسوطه، فما هو بالشاعر، قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا [السحرة] [ (1) ] وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، فقالوا: فما نقول يا عبد شمس؟ قال: واللَّه إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لمغدق، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن يقولوا: هو ساحر يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، [وبين المرء] [ (2) ] وزوجه، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك [ (3) ] .
وله من حديث سفيان بن عمرو عن عكرمة، أن الوليد بن المغيرة قال: قد سمعت الشعر رجزه وقريضه ومخمّسه، فما سمعت مثل هذا الكلام يعني القرآن- ما هو بشعر، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن له لنورا، وإن له لفرعا، وإنه يعلو ولا [يعلى] [ (1) ] . وللبيهقي من حديث عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب السجستاني، عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا، قال: لم؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا تبلغ قومك أنك منكر له أو كاره له، قال: وماذا أقول؟ فو اللَّه ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن مني، واللَّه ما يشبه الّذي يقول شيئا من هذا، واللَّه إن لقوله الّذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما [يعلى] ، وإنه ليحطم ما تحته. فقال: واللَّه لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، أي يأثره عن غيره، فنزلت فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [ (2) ] . قال البيهقي: هكذا حدثنا موصولا. وفي حديث حماد بن زيد عن أيوب، عن عكرمة قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: اقرأ عليّ، فقرأ عليه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ (3) ] ، قال: أعد، فأعاد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: [أي الوليد] :
واللَّه إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر. قال: وكذلك رواه معمر عن عباد بن منصور، عن عكرمة مرسلا، ورواه أيضا معتمر بن سليمان عن أبيه، فذكره أتم من ذلك مرسلا، وكل ذلك يؤكد بعضه بعضا. وله من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق [قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن ابن عباس] [ (1) ] ، أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش- وكان ذا سنّ فيهم- وقد حضر الموسم فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قول بعضكم بعضا. فقالوا: أنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأيا نقوم به، فقال: بل أنتم، فقولوا أسمع، فقالوا: نقول كاهن، فقال ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسحره، فقالوا: نقول مجنون، فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا مخالجته ولا وسوسته، قال: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه، ومقبوضة ومبسوطه، فما هو بالشعر، قال: فنقول ساحر، فما هو بساحر، قد رأينا السّحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، قالوا: ما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: واللَّه إن لقوله حلاوة، إن أصله لمغدق، وإن فرعه لجني، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا: ساحر، فيقولوا: ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وبين أخيه، وبين المرء وبين [زوجه] ، وبين المرء وبين عشيرته، فيتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم من أمره، فأنزل اللَّه تعالى في الوليد ابن المغيرة [من] قوله: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً إلى قوله: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، وأنزل اللَّه في النفر الذين كانوا معه ويطيعون له القول في رسول اللَّه فيما جاء به من هدي اللَّه: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، أي أصنافا، فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن أتوا من
الناس قال: وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها [ (1) ] . وله من حديث يونس عن ابن إسحاق، عن شيخ من أهل مصر، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قام النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصيّ فقال: يا معشر قريش، واللَّه لقد نزل بكم أمر ما ابتليتم بمثله، لقد كان فيكم محمد غلاما حدثا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا واللَّه ما هو بساحر، قد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: شاعر، لا واللَّه ما هو بشاعر، لقد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها، هزجه ورجزه وقريضه، وقلتم: مجنون، ولا واللَّه ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه، يا معشر قريش! انظروا في شأنكم، فإنه واللَّه لقد نزل بكم أمر عظيم، وكان النضر من شياطين قريش وممن كان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وينصب له العداوة [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث عبد [الأعلى] [وهو أبو همام [ (3) ]] قال: حدثنا داود عن عمرو بن سعيد عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه: أن ضمادا قدم مكة، وكان من أزد شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل اللَّه يشفيه على يدي، قال: فلقيه فقال: يا محمد، إني أرقي من هذه الريح، وإن اللَّه يشفي علي يدي من شاء، فهل لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الحمد للَّه، نحمده ونستعينه، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد، قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث مرات، قال: فقال: [لقد] [ (3) ] سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن ناعوس البحر، فقال: هات يدك
أبايعك على الإسلام، قال: فبايعه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: وعلى قومك؟ قال: وعلى قومي، قال فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سريّة فمروا بقومه، فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت مطهرة، فقال: ردوها، فإن هؤلاء قوم ضماد [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثنا محمد بن سليط عن أبيه عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن العدوي قال: قال ضماد: قدمت مكة معتمرا، فجلست مجلسا فيه أبو جهل، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، فقال أبو جهل: هذا الرجل الّذي فرق جماعتنا، وسفّه أحلامنا، وضلل من مات منا، وعاب آلهتنا، فقال أمية: الرجل مجنون غير شك، قال ضماد: فوقعت في نفسي كلمته وقلت: إني رجل أعالج من هذه الريح، فقمت من ذلك المجلس وأطلب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم أصادفه ذلك اليوم، حتى كان الغد فجئته فوجدته جالسا خلف المقام يصلي، فجلست حتى فرغ، ثم جلست إليه فقلت: يا ابن عبد المطلب! فأقبل عليّ فقال: ما تشاء؟ فقلت: إني أعالج من الريح، فإن أحببت عالجتك، ولا يكثرن ما بك، فقد عالجت من كان به أشدّ مما بك فبرأ، وسمعت قومك يذكرون فيك خصالا سيئة، من تسفيه أحلامهم، وتفريق جماعتهم، وتضليل من مات منهم، وعبت آلهتهم، فقلت: ما فعل هذا إلا رجل به جنه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه أحمده، وأستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال ضماد: فسمعت كلاما لم أسمع كلاما قط أحسن منه، فأستعيده الكلام فأعاد عليّ، فقلت: إلى ما تدعو؟ قال: إلى أن تؤمن باللَّه وحده لا شريك له، وتخلع الأوثان من رقبتك، وتشهد أني رسول اللَّه، فقلت: فماذا إليّ إن فعلت؟ قال: لك الجنة، قلت: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأخلع الأوثان من رقبتي، وأبرأ منها، وأشهد أنك عبد اللَّه ورسوله، فأقمت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علمت سورا كثيرة من القرآن، ثم رجعت إلى قومي، قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن
العدوي: فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه في سرية، فأصابوا عشرين بعيرا بموضع كذا، واستاقوها، وبلغ علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنهم قوم ضماد، فقال: ردوها إليهم، فردّت. وخرج البخاري ومسلم من حديث مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير ابن مطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب [ (1) ]- وقال البخاري: قرأ في المغرب بالطور- ترجم عليه: باب الجهر في المغرب. وخرجه مسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، قالا: حدثنا سفيان. ومن حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس. ومن حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، كلهم عن الزهري بهذا الإسناد مثله. وخرجه البخاري في كتاب التفسير [ (2) ] من حديث الحميدي، حدثنا سفيان، حدثوني عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ* أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [ (3) ] ، كاد قلبي أن يطير، قال سفيان: فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، لم أسمعه الّذي قالوا لي. وخرج في كتاب المغازي في غزوة بدر، من حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري، عن محمد بن جبير عن أبيه قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وذكره في كتاب الجهاد في باب فكاك الأسير، من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، عن محمد بن جبير عن أبيه- وكان جاء في أسارى بدر- قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور [ (4) ] .
قال أبو عمر بن عبد البر- وقد ذكر حديث مالك-: وفي هذا الحديث شيء سقط من رواية ابن شهاب، وهو شيء حسن من الفقه، وذلك أن جبير ابن مطعم سمع هذا الحديث من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو كافر، وحدث به وهو مسلم. قال: وقد روى هذه القصة فيه عن مالك عن علي بن الربيع بن الركين، وإبراهيم بن علي التميمي المقرئ، جميعا عن مالك عن الزهري، عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في فداء أسارى بدر، فسمعته يقرأ في المغرب بالطور، ولم أسلم يومئذ، فكأنما صدع قلبي، وقال لو كان مطعم حيا وكلمني في أسارى بدر لتركتهم له، ولم نتابع هذان على سياقه هذا الحديث بهذا اللفظ عن مالك. وقد رواه كذلك عن ابن شهاب، أسامة بن زيد الليثي وغيره، روى ابن وهيب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب أسامة بن زيد الليثي وغيره: روى ابن وهب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أنه جاء في فداء أسرى بدر قال: فوافقت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بالطور وكتاب مسطور، فأخذني من قراءته كالكرب، فكان ذلك أول ما سمعت من أمر الإسلام. وذكر من طريق قاسم بن أصبغ حديث سفيان بن عيينة قال: سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، قال سفيان: قال سمعته يقول: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ قال: فكاد يطير قلبي. قال: ورواه يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب، فجعل موضع المغرب العتمة، إلا أنه من رواية ابن لهيعة، فذكر حديث أسد بن موسى قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، أن ابن شهاب كتب إليه قال: حدثني محمد ابن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قدمت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في فداء أسارى بدر، فسمعته يقرأ في العتمة بالطور. ورواه سفيان بن حسين- على الشك- في العتمة أو المغرب، فذكر حديث أبي عبيد قال: حدثنا هيثم، أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري، قال هيثم: ولا
أظني إلا وقد سمعته من الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر، فوافقته وهو يصلي بأصحابه المغرب، أو العشاء، فسمعته وهو يقول أو يقرأ- وقد خرج صوته من المسجد- إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ* ما لَهُ مِنْ دافِعٍ [ (1) ] ، قال: فكأنما صدع قلبي، فلما فرغ من صلاته كلمته في أسارى بدر فقال: شيخك أو الشيخ لو كان أتانا فيهم شفعناه، يعني أباه المطعم بن عدي. قال أبو عبيد: قال هيثم وغيره: كانت له عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدا، قال ابن عبد البر: كانت يد المطعم بن عدي عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في شأن الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم، وهو أيضا أجار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين قدم من الطائف من دعاء ثقيف، أجاره هو ومن كان معه يومئذ. وخرج أبو نعيم من حديث أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما: لما أمر اللَّه نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج إلى [منى] وأنا معه وأبو بكر رجلا نسّابة [ (2) ] ، فوقف على منازلهم، فسلم عليهم فردوا السلام، وكان في القوم مفروق بن عمرو، وهاني بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان أقرب القوم إلى أبي بكر مفروق، وكان مفروق قد غلب عليهم بيانا ولسانا، فالتفت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: إلى ما تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجلس، وقام أبو بكر رضي اللَّه عنه يظله بثوبه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأني رسول اللَّه، وأن تؤووني وتمنعوني وتنصروني، حتى أؤدي عن اللَّه الّذي أمرني به، فإن قريشا قد تظاهرت على أمر اللَّه، فكذبت رسوله، واستغنت بالباطل عن الحق، واللَّه هو الغني الحميد، قال له: وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فتلا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلى قوله: وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ (3) ] ،
فقال له مفروق: وإلى ما تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو اللَّه ما هذا من كلام أهل الأرض، ولو كان من كلامهم لعرفناه، فتلا عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [ (1) ] الآية، فقال له مفروق: دعوت واللَّه يا قريشيّ إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك، وقال هانئ بن قبيصة: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش، وصدقت قولك، وقال المثنى ابن حارثة: قد سمعت مقالتك واستحسنت قولك، وأعجبني ما تكلمت به. ثم قال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أرأيتم أن تلبثوا إلا يسيرا حتى يمنحكم اللَّه تعالى بلادهم وأموالهم- يعني أرض فارس وأنهار كسرى- ويفرشكم بناتهم، أتسبحون اللَّه وتقدسونه؟ قال له النعمان بن شريك: وأي ذلك لك يا أخا قريش؟ فتلا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [ (2) ] ، الآية. ثم نهض قابضا على يد أبي بكر رضي اللَّه عنه، ولما سمع أكثم بن صيفي قول اللَّه سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [ (3) ] ، استجاب للإسلام أول ما قرئ عليه القرآن، وقال: إنه يأمر بمكارم الأخلاق [ (4) ] . وخرج الحرث بن أبي أسامة من حديث داود بن المحبّر، حدثنا أبو الأشهب عن الحسن عن قيس بن عاصم المنقري، أنه قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآه قال: هذا سيد ذي وبر، قال: فسلمت عليه فقلت: يا رسول اللَّه، المال الّذي لا ينفقه [علي منه في ضيف أضافه] [ (5) ] أو عيال وإن كثروا؟ قال: نعم، المال الأربعون، فإن كثر فستون، ويل لأصحاب المئين، ويل لأصحاب المئين، إلا من أدى حق اللَّه في رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها وأفقر ظهرها، وحمل على ظهرها ومنح
عزيزها، ونحر سمينها، وأطعم القانع والمعتر، فقلت: يا رسول اللَّه! ما أكرم هذه الأخلاق وأحسنها، ثم قال: يا قيس، أما لك أحب إليك أم مولاك؟ قال: قلت: بل مالي، قال: فإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وما بقي فلوارثك، قلت: واللَّه يا نبي اللَّه، لئن بقيت لأدعن عددها قليلا. قال الحسن: ففعل رحمه اللَّه. قال أبو نعيم: رواه زناد الجصاص عن الحسن مثله. وخرج أبو نعيم من حديث السّدي، عن أبي مالك عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قدم [ (1) ] ملوك حضرموت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، بنو وليعة حمد ومخوس ومشرح وأبضعة، وأختهم العمردة، وفيهم الأشعث بن قيس- وهو أصغرهم- فقالوا: أبيت اللعن [ (2) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لست ملكا، أنا محمد بن عبد اللَّه، قالوا: لا نسميك باسمك، قال: لكن اللَّه سماني، وأنا أبو [القاسم] [ (3) ] ، قالوا: يا أبا القاسم، إنا قد خبأنا لك خبئا [ (4) ] فما هو؟ وكانوا قد خبئوا [لرسول اللَّه] [ (5) ] عين جرادة في حميت [ (6) ] سمن- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سبحان اللَّه! إنما يفعل ذلك بالكاهن [ (7) ] ، وإن الكاهن والكهانة والتكهن في النار، فقالوا: كيف نعلم أنك رسول اللَّه؟ فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كفا من حصباء فقال: هذا يشهد أني رسول اللَّه، فسبح الحصباء في يده وقالوا: نشهد أنك رسول اللَّه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه بعثني بالحق، وأنزل علي كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أثقل في الميزان من الجبل العظيم، وفي الليلة الظلماء في مثل نور الشهاب.
قالوا: فأسمعنا منه، فتلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [ (1) ] حتى بلغ وَرَبُّ الْمَشارِقِ [ (1) ] ، ثم سكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وسكن روعه، فما يتحرك منه شيء، ودموعه تجري على لحيته، فقالوا: إنا نراك تبكي! أفمن مخافة من أرسلك تبكي؟ قال: إن خشيتي منه أبكتني، بعثني على صراط مستقيم في مثل حد السيف، إن زغت عنه هلكت، ثم تلا: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [ (2) ] إلى آخر الآية [ (3) ] . واللَّه يؤتي فضله من يشاء.
إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي
إسلام الطفيل بن عمرو الدوسيّ [ (1) ] وروى إبراهيم بن سعيد عن محمد بن إسحاق، وروى الواقدي أيضا من حديث عبد اللَّه بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسيّ- وله حلف في قريش- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة [مما] [ (2) ] هم فيه، وجعلت قريش حين منعه اللَّه منهم يحذرونه الناس، ومن قدم عليهم من العرب. وكان الطفيل بن عمرو الدوسيّ يحدث أنه قدم مكة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بها، ومشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا، فقالوا له: يا طفيل! إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الّذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرق جماعتنا، وإنما قوله كالسّحرة، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمع منه، قالوا: فو اللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حشوت أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا [ (3) ] ، فرقا أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه. قال: فغدوت المسجد، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت قريبا منه، فأبى إلا أن يسمعني بعض قوله، قال: فسمعت كلاما حسنا قال: فقلت في نفسي: وا ثكل أمي، واللَّه إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الّذي يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، قال: فمكثت حتى انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بيته، فأتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد! إن قومك قالوا لي: كذا وكذا، فو اللَّه ما برحوا يخوفوننى أمرك حتى سددت أذني
بكرسف لأن لا أسمع قولك، ثم أبي اللَّه أن يسمعنيه، فسمعت قولا حسنا فاعرض عليّ أمرك، قال: فعرض عليّ الإسلام، وتلا علي القرآن، قال: فو اللَّه ما سمعت قولا قط أحسن ولا أمرا أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي اللَّه، إني امرؤ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم داعيهم إلى الإسلام، فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكن لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللَّهمّ اجعل له آية، فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر، وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللَّهمّ في غير وجهي، فإنّي أخشى أن يظنوا أنها مثله وقعت في وجهي لفراقي دينهم. قال: فتحول، فوقع في رأس سوطي، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أنهبط إليهم من الثنية، حتى جئتهم وأصبحت فيهم، فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا فقلت: إليك عني [يا أبت] [ (1) ] ، فلست منك ولست مني، قال: ولم أي بني؟ قال: قلت أسلمت وتابعت دين محمد، قال: فديني دينك، واغتسل وطهر ثيابه، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم. قال: ثم أتتني صاحبتي فقلت لها: إليك عني، فلست منك ولست مني [قالت] [ (2) ] لم؟ بأبي أنت وأمي، قال: قلت: فرق بين وبينك الإسلام، أسلمت وتابعت دين محمد، قالت: فديني دينك، فأسلمت، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطئوا عليّ، ثم جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة فقلت: يا نبي اللَّه! إنه قد غلبني على دوس الزنا [ (3) ] ، فادع اللَّه عليهم، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم وأرفق بهم، فرجعت فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة، وقضى بدرا وأحدا والخندق، ثم قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمن أسلم من قومي، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس [ (4) ] .
وقال هشام بن محمد، عن أبيه محمد بن السائب الكلبي: وطفيل بن ذي النون بن طريف بن العاص، وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: نبي اللَّه! إن دوسا قد غلب عليها الزنا فادع اللَّه عليهم، فقال: اللَّهمّ اهد دوسا، فقال: يا رسول اللَّه، ابعثني إليهم ففعل، فقال: اجعل لي آية يهدون بها، فقال: اللَّهمّ نوّر له، فسطع نور بين عينيه، فقال: يا رب، أخاف أن يقولوا: مثله، [فحوّله] [ (1) ] إلى طرف سوطه، وكان يضيء في الليلة الظلماء، فقال يا رسول اللَّه، اجعلنا ميمنتك، واجعل شعارنا مبرور بفعله، فشعار الأزد اليوم كلها مبرور. ثم قتل يوم اليمامة، وقتل ابنه عمرو بن الطفيل يوم اليرموك [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد الحميد ابن صالح، حدثنا محمد بن أبان، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أبان بن صالح، عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: سألت عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان بن فلان بن فلان المخزومي، فقلت له: أرغبت عن دين آبائك واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقا مني، قلت: من هو؟ قال: أختك وختنك [ (3) ] ، قال: فانطلقت فوجدت الباب مغلقا وسمعت همهمة، قال: ففتح لي الباب، فدخلت فقلت: ما هذا أسمع عندكم؟ قالوا: ما سمعت شيئا، فما زال الكلام بيني وبينهم حتى أخذت برأس ختني، فضربته ضربة وأدميته، فقامت إليّ أختي فأخذت برأسي فقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك، فاستحييت [ (4) ] حين رأيت الدم، فجلست وقلت: أروني هذا الكتاب، فقالت أختي: إنه لا يمسه إلا المطهرون، فإن كنت صادقا فقم فاغتسل، قال: فقمت واغتسلت وجئت فجلست، فأخرجوا إلي صحيفة فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [قلت: أسماء طاهرة طيبة [ (5) ]] ، طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ
[الْقُرْآنَ] لِتَشْقى [ (1) ] إلى قوله: الْأَسْماءُ الْحُسْنى [ (1) ] ، فتعظمت في صدري وقلت: من هذا أفرّت قريش؟ ثم شرح اللَّه صدري إلى الإسلام فقلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى، قال: فما في الأرض نسمة أحب إليّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قلت: أين رسول اللَّه؟ قالت: عليك عهد اللَّه وميثاقه أن لا تجبهه بشيء يكره؟ قلت: نعم، قالت: فإنه في دار أرقم بن أبي الأرقم، في دار عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في البيت، فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: افتحوا له، فإن قبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، قال: فسمع ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: فخرج رسول اللَّه فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة فما تمالك أن يقع على ركبتيه في الأرض، فقال: ما أنت [بمنته يا عمر! قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فكبّر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. قلت: يا رسول اللَّه، ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا؟ قال: بلى- والّذي نفسي بيده- إنكم لعلى الحق إن متّم وإن حييتم، قال: فقلت: فيم الاختفاء؟! والّذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين [ (2) ] حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الفاروق، أفرق بين الحق والباطل] [ (3) ] . [قال ابن إسحاق: حدثني عبد اللَّه بن أبي نجيح المكيّ عن أصحابه: عطاء، ومجاهد أو عمن روى ذلك، أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه، أنه كان يقول: كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية، أحبها وأسرّ بها] [ (4) ] ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة، عند دور آل عمر بن عبد
ابن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، قال: فجئتهم، فلم أجد فيه منهم أحدا، فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار، وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها، قال: فخرجت، فجئته فلم أجده. قال: فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين، قال: فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلي، وكان إذا صلّى استقبل الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني. قال: فقلت حين أتيته: واللَّه لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنّه، فجئت من قبل الحجر، فدخلت تحت ثيابها، فجعلت أمشي رويدا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن، حتى قمت في قبلته مستقبله، ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة. قال: فلما سمعت القرآن رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام، فلم أزل قائما في مكاني ذلك، حتى قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلاته ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين، وكان طريقه حتى يجزع [ (1) ] المسعى، ثم يسلك بين دار عباس بن عبد المطلب، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري، ثم على دار الأخنس بن شريق، حتى يدخل بيته، وكان مسكنه صلّى اللَّه عليه وسلم في الدار الرقطاء [ (2) ] التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان. قال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني [ (3) ] ثم قال: ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة؟ قال: قلت: لأؤمن باللَّه وبرسوله، وبما جاء به من عند اللَّه. قال: فحمد اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم قال: قد هداك اللَّه يا عمر، ثم مسح صدري، ودعا لي بالثبات. ثم انصرفت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيته [ (4) ] .
واعلم أن من أمهات شرائعه وقبولها وانقياده له عليه السلام، من أوضح الدلائل، وتتضمن هذه القصة أيضا إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، رضي اللَّه عنهما.
[الهجرة الأولى إلى الحبشة]
[الهجرة الأولى إلى الحبشة] وخرج البيهقي من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام [المخزوميّ] [ (1) ] ، عن أم سلمة [بنت أبي أمية بن المغيرة] [ (1) ] ، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنها قالت: لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه. فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل اللَّه لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه، فخرجنا إليه أرسالا، حتى اجتمعنا بها، فنزلنا خير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا ولم نخش منه ظلما. فلما رأت قريش أنا قد أصبنا دارا وأمنا، اجتمعوا على أن يبعثوا إليه فينا فيخرجونا من بلاده، وليردونا عليهم، فبعثوا عمرو بن العاص، وعبد اللَّه بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يدعوا منهم رجلا إلا هيئوا له هدية على حدة، وقالوا لهم: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثم ادفعوا إليه هداياه، وإن استطعتما أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا. فقدما عليه، فلم يبق بطريق من بطارقته إلا قدّموا إليه هديته وكلموه، فقالوا له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم، فلم يدخلوا في دينكم، فبعثنا قومهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل. ثم قدّموا إلى النجاشيّ هداياه، وكانت من أحب ما يهدى إليه من مكة الأذفر [ (2) ] ، فلما أدخلوا عليه هداياه قالوا: أيها الملك، إن فئة منا سفهاء فارقوا
دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجئوا إلى بلادك، فبعثنا إليك فيهم عشائرهم وآباؤهم وأعمامهم وقومهم، لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم عينا [ (1) ] وأعلم بما عابوه عليهم. فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم عينا [ (1) ] ، وأعلم بما عابوه عليهم، فإنّهم لم يدخلوا في دينك فتمنعهم بذلك، فغضب ثم قال لعمرو: واللَّه لا أردهم إليهم حتى أدعوهم فأكلمهم وانظر ما أمرهم، قوم لجئوا لبلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، لم أخل ما بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عينا. فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم، ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعبد اللَّه بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقال: ماذا تقولون؟ قالوا: وماذا نقول؟ نقول: واللَّه ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاءنا به نبينا كائن في ذلك ما كان. فلما دخلوا عليه كان الّذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، فقال له النجاشيّ: ما هذا الدين الّذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية، فما هذا الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك، كنا قوما على الشرك، نعبد الأوثان ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، ولا نحل شيئا ولا نحرمه، فبعث اللَّه إلينا نبيا من أنفسنا، نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد اللَّه وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي للَّه ونصوم له، ولا نعبد غيره. قال: فقال: هل معك شيء مما جاء به؟ - وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله- فقال له جعفر: نعم فقال: هلم فاتل عليّ ما جاء به، فقرأ
عليه صدرا من كهيعص [ (1) ] ، فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكوا أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى عليه السلام، انطلقوا راشدين، لا واللَّه لا أردّهم عليكم ولا أنعمكم عينا. فخرجنا من عنده وكان أبقى الرجلين فينا: عبد اللَّه بن أبي ربيعة، فقال عمرو ابن العاص: واللَّه لآتيه غدا بما أستأصل به خضراءهم، ولأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الّذي يعبد- عيسى ابن مريم- عبد، فقال له عبد اللَّه بن أبي ربيعة: لا تفعل، فإنّهم وإن كانوا خالفونا، فإن لهم رحما ولهم حق، فقال: واللَّه لأفعلن. فلما كان الغد، دخل عليه فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عنه، فبعث إليهم ولم ينزل بنا مثلها، فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟ فقال: نقول واللَّه الّذي قاله فيه، والّذي أمرنا به نبينا أن نقول فيه، فدخلوا عليه وعنده بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى [ابن] [ (2) ] مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد اللَّه ورسوله، وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عويدا بين إصبعيه فقال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العويد [ (3) ] ، فتناخرت [ (4) ] بطارقته فقال: وإن تناخرتم [ (4) ] واللَّه، اذهبوا فأنتم سيوم- والسّيوم الآمنون- من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم (ثلاثا) ، ما أحب أن لي دبرا، أو أني آذيت رجلا منكم- والدّبر بلسانهم: الذهب- فو اللَّه ما أخذ اللَّه مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه؟ ردّدوا عليهما هداياهما ولا حاجة لي بها واخرجا من بلادي.
فرجعا مردودين مقبوحين، مردودا عليهما ما جاءا به، وأقمنا مع خير جار في خير دار، فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فو اللَّه ما علمنا حربا قط كان أشد منه فرقا من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعوا اللَّه ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائرا، فقال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعضهم لبعض: من رجل يخرج [فيحضر] [ (1) ] الوقعة ينظر على ما تكون؟ فقال الزبير- وكان من أحدثهم سنا-: أنا، فنفخوا له قربة جعلها في صدره، ثم خرج فسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة، فهزم اللَّه ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه. فجاءنا الزبير فجعل يليح إلينا بردائه ويقول: ألا أبشروا، فقد أظهر اللَّه النجاشي، فو اللَّه ما علمنا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشيّ، ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعا إلى مكة، وأقام من أقام. وقد رويت قصة الهجرة إلى الحبشة وإسلام النجاشيّ من طرق عديدة، مطولة ومختصره [ (2) ] . وقال محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن راشد مولى حبيب ابن أوس، عن حبيب قال: حدثني عمرو بن العاص، حدثه من فيه إلى أذني قال: لما انصرفنا من الخندق جمعت رجالا من قريش يسمعون مني فقلت لهم: أترون رأيي وتسمعون مني؟ قالوا: نعم، قلت: إني أرى أمر محمد يعلو الأمور كلها علوا شديدا، وإني قد رأيت [رأيا] [ (3) ] ما ترون فيه؟ قالوا: ما هو؟ قلت: أرى أن ألحق في النجاشي، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فنكون تحت يديه أحب إلينا [من] [ (3) ] أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا على محمد، فهم من قد [عرفتموهم] [ (3) ] ولا رأينا منهم إلا خيرا، فقالوا: إن هذا للرأي، فقلت: فأجمعوا هدايا نهدها له- وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم.
قال: فجمعنا أدما كثيرا، وخرجنا حتى قدمنا عليه، فو اللَّه إنا لعنده حتى جاء عمرو بن أمية الضمريّ- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد بعثه في شأن جعفر وأصحابه- قال: فدخلوا عليه ثم خرجوا من عنده، فقلت لهم: - يعني أصحابه- هذا عمرو بن أمية الضمريّ، فلو قد دخلت عليه، فقدمنا إليه هداياه فسألته إياه لأعطانيه نقتله، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت حين قتلت رسول محمد. قال: فدخلت عليه فسجدت له كما كنا نصنع به، فقال: مرحبا بك، هل أهديت لي من بلادك شيئا؟ قلت: نعم، أهديت لك أيها الملك أدما كثيرا، قال: فقربته إليه فاشتهاه وأعجبه، فقلت: أيها الملك، إني رأيت رجلا خرج من عندك الآن، هو رسول رجل هو عدو لنا فأعطنيه فأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا، فغضب الملك ومد يده فضرب الأنف ضربة، ظننت أنه كاسره. قال فلو انشقت الأرض عند ذلك لدخلت فيها، فقلت: أيها الملك، واللَّه لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، قال: أتسألني أن أعطيك رجلا لتقتله، رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الّذي يأتي موسى، فقلت: أو كذلك هو؟ قال: نعم، ثم قال: أطعني واتبعه، فو اللَّه إنه لعلى الحق، وليظهر على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده، فقلت له: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال نعم، فبسط يده فبايعته على الإسلام. ثم خرجت من عنده وقد مال رأيي إلى غيره، فلقيت خالد بن الوليد فقلت: أين يا أبا سليمان؟ قال: واللَّه لقد استقام الميسم، إن الرجل لعلى الحق وأنا أذهب فأسلم، قلت: وأنا أيضا، قال: فقدمنا المدينة فأتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فتقدم خالد فأسلم وبايع، وتقدمت أنا فقلت: وأنا أبايع، وذكرت ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما أستأخر، فقال: بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها، فبايعته. ولأبي نعيم من طريق إسحاق بن راهويه قال: حدثنا النضر بن شميل، حدثنا ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: استأذن جعفر بن أبي طالب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
فقال ائذن لي أرضا أعبد اللَّه فيها لا أخاف أحدا، فأذن له فأتى النجاشيّ، قال عمير: فحدثني عمرو بن العاص قال: لما رأيت مكانه حسدته فقلت: لأستقبلن لهذا وأصحابه، فأتيت النجاشي فقلت: إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا، وإنه يزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك إن لم تصله وأصحابه لم أقطع إليك هذه النطفة أنا ولا أحد من أصحابي أبدا، قال: أدعه، قلت إنه لا يجيء فأرسل معي رسولا، فانتهينا إلى الباب فنادينا، فقلت: اندب لعمرو بن العاص، ونادى هو خلفي، ائذن لحرب اللَّه، فسمع صوته فأذن له من قبل، فدخل هو وأصحابه، ثم أذن لي فجلست، فذكر أين كان مقعده من السرير، قال: فذهبت حتى قعدت بين يديه وجعلته خلفي، وجعلت بين كل رجلين من أصحابه رجلا من أصحابي، فقال النجاشي: بحروا، قال عمير: أي تكلموا. فقلت: إن بأرضك رجلا ابن عمه بأرضنا، ويزعم أنه ليس للناس إلا إله واحد، وإنك إن لم تقتله وأصحابه لم يقطع إليك هذه النطفة، أنا ولا أحد من أصحابي أبدا، فقال جعفر: صدق، هو ابن عمي وأنا على دينه، فصاح وقال: أوه! حتى قلت: ما لابن الحبشة لا يتكلم؟ وقال: أناموس مثل ناموس موسى؟ فقال: ما تقول في عيسى ابن مريم؟ قال: نقول: هو روح اللَّه وكلمته، فتناول شيئا من الأرض وقال: ما أخطأ في أمره مثل هذا، واللَّه أولى بملكي لأتبعنكم، وقال: ما أبالي أن لا تأتيني أنت ولا أحد من أصحابك أبدا، أنت آمن في أرضي، فمن ضربك قتلته، ومن سبّك غرّمته، ثم قال لآذنه: متى استأذنك هذا فأذن له إلا أن أكون عند أهلي فأخبره أني عند أهلي، فإن أبي فأذن له. قال: فتفرقنا، ولم يكن أحد ألقاه خاليا أحب إليّ من جعفر، فاستقبلني في طريق مرة، فنظرت خلفه فلم أر أحدا، ونظرت خلفي فلم أر أحدا، فدنوت منه فقلت له: أتعلم أني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؟ قال قد هداك اللَّه فاثبت، وتركني وذهب، وأتيت أصحابي فكأنما شهدوه معي، فأخذوا قطيفة أو ثوبا فجعلوه عليّ حتى غموني فيها، فجعلت أخرج رأسي من
هذه الناحية مرة، ومن هذه الناحية مرة، حتى أفلتّ وما علي قشره، قال: فمررت بحبشيّة فأخذت متاعها فجعلته على عورتي، فقالت: كذا وكذا، فقلت: كذا وكذا، قال: فأتيت جعفر فقال ما لك؟ فقلت: أخذ مني كل شيء حتى ما ترك عليّ قشرة، فأتيت حبشية فأخذت متاعها فجعلته على عورتي، قال: فانطلق، فانطلقت معه حتى انتهينا إلى باب الملك، فقال جعفر لآذنه: استأذن لي، فقال: إنه عند أهله، قال: استأذن لي، فأذن له، فقال: إن عمرا تابعني على ديني، فقال: كلا، فقال بلى، فقال لإنسان: اذهب معه، فإن فعل فلا يقولن شيئا إلا كتبته، قال: فجاء فقال: نعم، قال: فجعلت أقول ويكتب كل شيء حتى القدح، قال: ولو شئت أن آخذ من أموالهم إلى أموالي لفعلت [ (1) ] .
[إسلام أبي ذر]
[إسلام أبي ذر] وأما إسلام أبي ذر رضي اللَّه عنه، فخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لما بلغ أبا ذرّ مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي هذا الرجل الّذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، فاسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الآخر حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني فيما أردت، فتزوّد وحمل شنة [ (1) ] له فيها ماء حتى قدم مكة. فأتى المسجد فالتمس النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه- يعني الليل- فاضجع فرآه عليّ رضي اللَّه عنه فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به عليّ فقال: ما آن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعل مثل ذلك، فأقامه عليّ معه ثم قال له: أما تحدثني ما الّذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت، ففعل. فأخبره فقال: فإنه حق وهو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإنّي إن رأيت شيئا أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والّذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، فأتى العباس، فأكب عليهم وقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجاركم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد بمثلها وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه. هذا لفظ مسلم [ (1) ] . ولفظ البخاري قريب منه، قال فيه: الّذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، وقال: فأطلق الأخ. وقال: أما نال للرجل أن يعلم منزله؟ ترجم عليه. إسلام أبي ذر [ (2) ] . وذكره مسلم في المناقب. وخرج البخاري في صدر كتاب المناقب [ (3) ] ، من حديث أبي قتيبة مسلم بن قتيبة قال: حدثني المثنى بن سعيد القصير قال: حدثني أبو جمرة قال: قال لنا ابن عباس رضي اللَّه عنه: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قال: قلنا: بلى، قال: قال أبو ذر: كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلمه وأتني بخبره، فانطلق فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ فقال واللَّه لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر، فقلت له: لم تشفني من الخبر، فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. قال: فمر بي عليّ رضي اللَّه عنه فقال: كأنّ الرجل غريب؟ قال: نعم، قال فانطلق إلى المنزل، قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره، فلما أصبح غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء. قال: فمر بي عليّ فقال: أما نال للرجل يعرف منزله بعد؟ قلت: لا، قال:
انطلق معي، قال: فقال: ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت عليّ أخبرتك، قال: فإنّي أفعل، قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه، فقال: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه فاتبعني، أدخل حيث أدخل، فإنّي إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض أنت، فمضى ومضيت معه، حتى دخل ودخلت معه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت له: اعرض عليّ الإسلام، فعرضه عليّ فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل، فقلت: والّذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال: يا معشر قريش! إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابيء، فقاموا فضربت لأموت، فأدركني العباس فأكبّ علي ثم أقبل عليهم، فقال: ويلكم! تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت فقلت مثلما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابيء، فصنع بي مثل ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبّ عليّ وقال مثل مقالته بالأمس، فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه اللَّه. وخرج مسلم في كتاب المناقب من حديث سليمان بن المغيرة، قال: حدثنا حميد بن هلال عن عبد اللَّه بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، فجاء خالنا فنثا [ (1) ] علينا الّذي قيل له، فقلت له: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك في ما بعد، فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فناخر أنيس عن صرمتنا [ (2) ] وعن مثلها، فأتينا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا
أنيس بصرمتنا [ (1) ] ومثلها معها. قال: وقد صلّيت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بثلاث سنين فقلت: لمن؟ قال: للَّه تعالى، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء [ (2) ] حتى تعلوني الشمس، فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني، فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث [ (3) ] عليّ ثم جاء فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن اللَّه أرسله! قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر- وكان أنيس أحد الشعراء- قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو قولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، واللَّه إنه لصادق وإنهم لكاذبون، قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكة فتضعّفت [ (4) ] رجلا منهم فقلت: أين هذا الّذي تدعونه الصابيء؟ فأشار إلى فقال: الصابيء!! فمال عليّ أهل الوادي بكل مدرة وعظمه حتى خررت مغشيا عليّ، قال: فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب [ (5) ] أحمر، قال: فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها، ولقد لبثت بابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، وما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسّرت عكن [ (6) ] بطني، وما وجدت على كبدي سخفة [ (7) ] جوع، قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء [ (8) ]
إضحيان [ (1) ] ، إذ ضرب على أسمختهم [ (2) ] ، فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتان منهم تدعوان إسافا ونائلة [قال: فأتتا عليّ في طوافهما فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى، قال: فما تناهتا [ (3) ] عن قولهما، قال: فأتتا عليّ فقلت: هن مثل الخشبة [ (4) ] غير أني لا أكني] [ (5) ] فانطلقنا تولولان وتقولان: لو كان هنا أحد من أنفارنا، قال: فاستقبلهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر رضي اللَّه عنه وهما هابطان عن الخيل، قالا: ما لكم؟ قالتا: الصابيء بين الكعبة وأستارها، قالا: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم، قال: فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلّى فلما قضى صلاته قال أبو ذرّ: وكنت أنا أول من حيّاه بتحية الإسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه، فقال: وعليك ورحمة اللَّه، ثم قال: من أنت؟ قال: قلت: أنا من غفار، قال: فأهوى بيده فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده فقد عني صاحبه- وكان أعلم به مني- ثم رفع رأسه فقال: متى كنت هاهنا؟ قال: [قلت] : كنت هاهنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم، قال: فمن كان يطعمك؟ قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جوع، قال: إنها مباركة، إنها طعام طعم، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ائذن لي في طعامه الليلة، فانطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر، فانطلقت معهما، ففتح أبو بكر بابا فجعل يفيض لنا من زبيب الطائف، وكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: إنه قد وجّهت إلي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك؟ عسى اللَّه أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم، فأتيت أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت
أني قد أسلمت وصدقت، قال: ما بي رغبة عن دينك فإنّي قد أسلمت وصدقت، فأتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإنّي أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارا، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاريّ وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول اللَّه المدينة أسلمنا، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المدينة فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول اللَّه: إخوتنا نسلم على ما أسلموا عليه فأسلموا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه [ (1) ] . وخرجه أيضا [من حديث] حميد بن هلال بهذا الإسناد، وزاد بعد قوله: فاكفني حتى أذهب فأنظر قال نعم، وكن على حذر من أهل مكة فإنّهم قد شنفوا له وتجهموا [ (2) ] . وله أيضا من حديث سليمان بن المغيرة قال: حدثنا حميد عن عبد اللَّه بن الصامت قال: قال أبو زناد: يا ابن أخي صليت سنين قبل مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: قلت: فأين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني اللَّه، واقتصّ الحديث بنحو حديث سليمان بن المغيرة، وقال في الحديث: فتنافرا إلى رجل من الكهان. قال: فلم يزل أخي أنيس يمدحه ويثني عليه حتى غلبه، قال: فأخذنا صرمته فضممناها إلى صرمتنا. وقال أيضا في حديثه: قال: فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام، قال: فأتيته فإنّي لأول الناس حيّاه بتحية الإسلام، قال: قلت: السلام عليك يا رسول اللَّه، قال: وعليك السلام من أنت؟ وفي حديثه أيضا فقال: منذ كم أنت هاهنا قال: قلت: منذ خمس عشرة. وفيه: فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ألحقني بضيافته الليلة [ (3) ] .
وخرج البيهقي من حديث يحيى بن يحيى [ (1) ] قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سألوه عن الروح، فنزلت: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ (2) ] ، قالوا: نحن لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة فيها حكم اللَّه، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا، قال: فنزلت قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [ (3) ] . وله من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل مكة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن مشركي قريش بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهم: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنّهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألا أحبار اليهود عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ووصفا لهم أمره ببعض قوله، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؟ فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها وما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش! قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، وأخبروهم بها، فجاءوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: يا محمد! أخبرنا، فسألوه عن
ما أمروهم به، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غدا، ولم يستثن [ (1) ] ، فانصرفوا عنه، فمكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث اللَّه إليه في ذلك وحيا، ولم يأته جبريل [عليه السلام] حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة يوما، قد أصبحنا فيها لا يخبرنا فيها بشيء مما سألناه عنه، حتى أحزن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة. ثم جاءه جبريل من اللَّه عز وجل بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، كذا يقول تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [ (2) ] . قال ابن إسحاق: فبلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم افتتح السورة فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [ (3) ] ، يعني محمدا، إنك لرسول اللَّه نبي تحقيقا لما سألوه من نبوته، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً [ (3) ] أي معتدلا لا اختلاف فيه، لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ [ (4) ] قال: عاجل عقوبة في الدنيا وعذاب في الآخرة، أي من عند ربك الّذي بعثك رسولا [ (5) ] . قال البيهقي: كذا في هذه الرواية أنهم سألوا عن الروح أيضا، وحديث ابن مسعود يدل على أن سؤال اليهود عن الروح ونزول الآية فيه كان بالمدينة [ (6) ] .
[ذكر إسلام عمرو بن عبسة السلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلى الله عليه وسلم]
[ذكر إسلام عمرو بن عبسة السّلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] وخرج أبو نعيم من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن عمرو السّيباني، عن أبي سلام الدمشقيّ، وعمرو بن عبد اللَّه الشيبانيّ، أنهما سمعا أبا أمامة الباهليّ يحدّث عمرو بن عبسه السّلمي قال: رغبت عن [عبادة] [ (1) ] آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها الباطل، يعبدون الحجارة [ (2) ] والحجارة لا تضر ولا تنفع، قال: فلقيت رجلا من أهل الكتاب فسألته عن أفضل الدين فقال: يخرج رجل من مكة فيرغب عن آلهة قومه [ويدعوهم] [ (3) ] إلى غيرها، وهو يأتي بأفضل الدين، فإذا سمعت به فاتبعه، فلم يكن لي همّ إلا مكة آتيها فأسأل: هل حدث فيها أمر؟ فيقولون: لا، فأنصرف إلى أهلي- وأهلي من الطريق غير بعيد- فأعترض الركبان خارجين من مكة فأسألهم: هل حدث فيها خبر أو أمر؟ فيقولون: لا، فإنّي لقاعد على الطريق [إذ] مرّ بي ركب فقلت: من أين جئت؟ قال: من مكة، قلت: هل حدث فيها خبر؟ قال: نعم، رجل رغب عن آلهة قومه ودعا إلى غيرها، قلت: صاحبي الّذي أريد. فشددت راحلتي فجئت منزلي الّذي كنت أنزل فيه، فسألت عنه فوجدته مستخفيا بشأنه، ووجدت قريشا عليه جرآء [ (4) ] ، فتلطفت له حتى دخلت عليه فسلمت عليه وقلت له: ما أنت؟ قال: نبي اللَّه، قلت: وما نبي اللَّه؟ قال: رسول اللَّه، قلت: ومن أرسلك؟ قال: اللَّه تعالى، قلت: وبماذا أرسلك؟
قال: أن توصل الأرحام، وتحقن الدماء، وتأمن السبيل، وتكسّر الأوثان، وتعبد اللَّه لا تشرك به شيئا، قال: قلت: نعم ما أرسلك به، أشهدك أني قد آمنت بك وصدقت، أفأمكث معك، أم ماذا ترى؟ قال: قد ترى كراهة الناس لما جئت به، فامكث في أهلك، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا فاتبعني. فلما سمعت به خرج إلى المدينة سرت حتى قدمت عليه ثم قلت: يا نبي اللَّه! أتعرفني؟ قال: نعم، أنت السّلميّ الّذي جئتني بمكة، فقلت لي: كذا وكذا، وقلت لك: كذا وكذا، فقمت من ذلك المجلس فعرفت أنه لا يكون الدهر أفرغ منه في ذلك المجلس فقلت: يا نبي اللَّه! أي الساعات أسمع للدعاء؟ قال: جوف الليل الآخر والصلاة مشهودة متقبلة [ (1) ] [حتى تخرج الشمس] [ (2) ] . وله من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد اللَّه بن العلاء قال: حدثني أبو سلام الأسود، عن عمرو بن عبسة قال: ألقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل، وأن الناس في جاهلية، فقال لي قائل: إن رجلا بمكة يقول نحوا مما تقول، يقول: إنه رسول اللَّه. قال: فقدمت مكة فسألت عن رسول اللَّه فقيل لي: لا تلقاه إلا ليلا عند الكعبة، فمكثت له بين الكعبة وأستارها، إذ سمعت حسّه وتهليله فخرجت إليه فقلت ما أنت؟ قال: رسول اللَّه، قلت: اللَّه أرسلك؟ قال: نعم، قلت: بماذا؟ قال: بأن يعبد اللَّه ولا يشرك به شيئا، وتكسر الأوثان وتحقن الدماء وتوصل الأرحام، قلت: أبايعك عليه؟ قال: نعم، فبسط يده فبايعته، فلقد رأيتني وأنا في تلك الحال وأنا ريع الإسلام فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حرّ وعبد، قلت: أقيم معك؟ قال: بل ألحق بقومك، فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجا
فاقدم عليّ. قال: فرجعت إلى قومي فمكثت فيهم حتى إذا سمعت بمهاجره إلى المدينة قدمت عليه، فسلمت فردّ عليّ، فقلت: أتعرفني يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، أنت السلمي القادم عليّ بمكة.
تنبيه مفيد
تنبيه مفيد كتب أبو بكر بن فهد الهاشمي سوى القرآن معجزات شهيرات، وآيات على صدق نبوّته بينات، وجدت منه صلّى اللَّه عليه وسلم في مواطن مختلفة، وأحوال متغايرة، بلغ مجموعها التواتر الّذي يورث علما ضروريا، كشجاعة عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، وجود حاتم الطائي، ومع ذلك فهذا القرآن الكريم بأيدينا، نتلوه بألسنتنا، ونحفظه في صدورنا، لا نرتاب فيه، معجزة قائمة أبدا، ينادي على منار التحدي: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ (1) ] ، ثم إذعان الملوك للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم مع ضعف حاله وعدم ماله، وإقرار أهل الكتاب بصفته، واجتماع العرب [بأسرها] [ (2) ] على نصرته وموالاته، بعد تنافرها وتقاطعها، وتدابرها في ذات نفسها، وشدة محاربتها له، ومبالغتها في عداوته، من أكبر الدلالة على صدقة صلّى اللَّه عليه وسلم، ومن أراد أن يعلم كيفية نقل الكافة الّذي لا يجوز فيه الغلط، ولا يمكن فيه الكذب، ولا يدخله الخلل ولا الخطأ بوجه من الوجوه البتة. فينظر كيف نقل القرآن الكريم، وكيف نقلت أحوال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعلامه التي ذكرت في القرآن، من الرمية التي رماها، وإنذاره بالغيوب، ودعائه اليهود إلى تمني الموت، ودعائه النصارى إلى المباهلة، ودعائه جميع مشركي العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وتوبيخهم بالعجز، وتوبيخ اليهود بأنهم لا يتمنوا الموت، علما منه صلّى اللَّه عليه وسلم بأنهم عاجزون عن ذلك، ممنوعون عن النطق به. وقصة رمي أصحاب الفيل بالطير الأبابيل، فإن هذا نقله اليماني، وهو عدوّ مضر الذين هم رهط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأهله، ونقله المضري واليماني، وهم كلهم أعداء متضادون متنافرون.
ومع ذلك فإن كل من في الأرض ما بين أقصى السند إلى أقاصي خراسان، إلى ثغور الديلم والجزيرة والشام، إلى منتهى بلاد الأندلس، إلى سواحل البربر إلى بلاد السودان، وما بين ذلك من الأمم، كلهم ينقلون القرآن كما هو، ولم يكن ممنوعا ولا مكتوما عن أحد. وكل من ذكرناه كانوا أعداء متباينين، وأحزابا متجانبين، وقوما لقاحا لا ملك عليهم لأحد عليهم، فانقادوا لظهور الحق، وآمنوا برسوله صلّى اللَّه عليه وسلم وهم لا يخافون منه، كباذان الملك بصنعاء اليمن، وحيفر وعياذ ابني الجلندي، والملكين بعمان، والنجاشي ملك الحبشة، وصاروا إخوة كبني أب وأم، وانحل كل من أمكنه منهم عن ملكه، وأرسله إلى ولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، طوعا، كذي الكلاع وذي ظليم، وذي روذ، وذي مران وغيرهم من ملوك اليمن، وملك عمان والبحرين، وشهر بن باذام، إلا من لا يمكنه ذلك خوف قومه كالنجاشي، وهذا أمر مشهور منقول بنقل الكواف، وأذعن سائر من ذكرنا بغلبة سيوف الحق، دون مال أعطاه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا ملك منّى به من نصره، بل حضّهم بأجمعهم على الصبر، وأنذر بالأثرة عليهم أنصاره. ولم يكن إسلام الأنصار الذين هم الأوس والخزرج، وإسلام أكثر أهل مكة، وأهل البحرين، إلا لما بهرهم من المعجزات، وهو صلّى اللَّه عليه وسلم حينئذ مطرد مشرد، لا ملك له، ولا عوان، لا يقرأ ولا يكتب، قد نشأ في بلاد الجهل، بينما لا مال له، بل كان يرعى غنم قومه على قراريط يتقوت بها، فعلمه اللَّه تعالى الحكمة دون توسط معلم، ولا تدرج يتعلم، وعصمه من كل ما أراد على كثرة أعدائه، دون حرس ولا ستور ولا أعوان، وحماة الدنيا وزينتها، واختار تعالى له أرفع الدرجات من الدعاء إلى ربه وإلى دينه فقط. فهذه هي الحقائق المشهورة، لا ما تدعيه النصارى فيما بأيديهم من الإنجيل أنه منقول بنقل الكواف، وأن الملوك دخلت في دينهم اختيارا فإن الأمر بخلاف ذلك، وبيانه أن الإنجيل ما هو إلا كتاب كتبه أربعة: اثنان من الحواريين
بزعمهم، وهما متى ويوحنا، واثنان من التلامذة، وهما [لوقا] [ (1) ] الطبيب تلميذ شمعون الصفا، والآخر مارقس تلميذ شمعون أيضا، وزعموا أن أناجيلهم الأربعة منقولة عن هؤلاء الأربعة بنقل الكواف. وزعموا أيضا أن كتابها عندهم معصومون، وأنهم أجلّ من الأنبياء، وفي صدر إنجيل متى نسب المسيح عليه السلام، وقد ساقه رجلا رجلا، حتى وقف على يوسف النجار، فذكر نيفا وخمسين اسما، فأخرج نسبه إلى الملوك من ولد صيعام ابن سليمان بن داود عليهما السلام، وبعد صدر من إنجيل لوقا هذا النسب بعينه بأسماء غير تلك الأسماء، وذكر نحو أربعين اسما فقط، وأخرج نسبه إلى ماثان بن داود عليهما السلام. ومثل هذا من التناقض الفاحش لا يقع من قوم معصومين، وإنما يقع من الآحاد الذين يجوز عليهم الغلط والنسيان وتعمد الكذب، وما كان منقولا كهذا فلا يتدين به عاقل في توحيده، ولا فيما يوجب يقين العلم، وإنما يؤخذ بمثل هذا فيما جرى مجرى الشهادات التي تعيد العلم دون العمل. وأول ملك تنصر قسطنطين بعد أزيد من مائتي عام وستين عاما شمسية من رفع المسيح عليه السلام، فأي آية رأى وشاهد بعد هذه المدة الطويلة، وقد علم كل ذي بصر بالأخبار سبب [تنصره] [ (1) ] ، وهو أن أمه كانت نصرانية بنت نصراني، تزوجها أبوه فولدت له قسطنطين وربته على دينها، وقد علم كل ذي عقل قوة تأثير النشأة فيمن نشأ على دين من الأديان، وما استطاع إظهار النصرانية حتى دخل على رومة مسيرة شهر ونصف، وبني [برنطية] [ (2) ] فغرقت بالقسطنطينية، ثم أكره الناس على النصرانية بالسيف [والعصا] [ (1) ] ، وكان من عهوده المحفوظة ألا يولي أحدا من الناس ولاية من الولايات إلا من تنصّر، والناس سراع إلى الدنيا، نافرين عما يؤذيهم. ولكن هذا من دعوى النصارى مناف إلى ما يدّعونه من أنهم بعد هذه المدة
الطويلة، وبعد خراب بيت المقدس مرة بعد مرة، وبقائه خرابا لا ساكن فيه أزيد من مائتي عام وسبعين عاما، وجدوا الشوك الّذي وضع على رأس المسيح عليه السلام، ووجدوا المسامير التي ضربت في يده، والدم الّذي طار من جسده، والخشبة التي صلب عليها بزعمهم. فلا يدري العاقل ممن العجب؟ أممن اخترع مثل هذه الكذبة، وتجاسر على الحديث بها؟ أم ممن قبلها وصدق بها ودان باعتقادها؟ فيا ليت شعري، كيف بقي ذلك الشوك وذلك الدم وتلك المسامير والخشبة طول تلك المدة؟ وأهل ذلك مطرودون مقتولون بالسيف والرجم بالحجارة والإحراق بالنار لقتل من تستّر بالزندقة في زماننا. ومع ذلك فإن تلك المدينة خراب منذ عشرات الأعوام لم يسكنها أحد إلا السباع والوحش، وقد شوهد ملوك جلة لهم أعوان وأتباع وأولاد، وشيع وأقارب صلبوا، فما مضت إلا مدة يسيرة حتى لم يبق لأخشابهم التي صلبوا عليها أثر، فكيف بأمر لا طالب له، وبدول قد انقطعت، وبلاد قد أقفرت وخلت، ونسيت أخبارها. وأما ديانة اليهود: فإنه لم تصف نيّات بني إسرائيل- وموسى عليه السلام حيّ بن أظهرهم- وما زالوا مائلين إلى عبادة الأوثان، وتكذيب شريعتهم كلهم بعد وفاته عليه السلام، إلى انقطاع دولتهم، فكيف أن [يذعن] [ (1) ] لهم غيرهم؟ ولا خلاف بين اليهود والنصارى وسائر الملل كلها في أن بني إسرائيل كانوا في مصر في أشد عذاب يمكن أن يكون من قبل أولادهم، وتسخيرهم في عمل الطوب، والضرب العظيم، والذل الّذي لا يصبر عليه كلب مطلق، فأتاهم موسى عليه السلام يدعوهم إلى فراق هذا الأسر الّذي قتل النفوس أخف منه، وإلى الحرية والملك والغلبة والأمن، ومن المعلوم أن من كان في أقل من تلك الحال فإنه
يسارع إلى كل من طمع على يديه بفرح، وأن يستجيب إلى كل ما دعي إليه، وإن أكثر من في هذا البلاء يستجيز عبادة من أخرجه منه إلى العز والحرمة، ومع هذا فقد كان بنو إسرائيل أهل عسكر مجتمع، يمكن منهم التواطؤ. وأما عيسى عليه السلام فما اتبعه إلا نحو اثني عشر رجلا معروفين ونساء قليل، وعدد لا يبلغ المائة، وكانوا مع هذه القلة مشردين غير ظاهرين، ولا يقوم بمثل هذا ضرورة يقين العلم. وأما محمد صلّى اللَّه عليه وسلم فلا يختلف أحد من أهل شرق الأرض وغربها، في أنه أتى إلى قوم لئام، لا يقرون ملك، ولا يطيعون لأحد، ولا ينقادون لرئيس، نشأ على هذا أجدادهم وأسلافهم، منذ ألوف من الأعوام، وقد سرى الفخر والنخوة، والكبر والظلم، والأنفة في طباعهم، وهم أعداد عظيمة، قد [ملكوا] [ (1) ] جزيرة العرب، وهي نحو مسيرة شهرين في شهرين، فدعاهم بلا مال ولا أتباع، بل قد خذله قومه إلى أن ينحطوا من ذلك العز إلى غرم الزكاة، ومن الحرية إلى جري الأحكام عليهم، ومن طول الأيدي بقتل من أحبوا، أو أخذ ماله إلى القصاص من النفس [والأعضاء] [ (1) ] ، واللطمة من أجلّ من فيهم لأقل علج [ (2) ] دخل فيهم، وإلى إسقاط الأنفة والفخر، وإلى ضرب الظهور بالسياط أو بالنّعال إن شربوا خمرا، أو إن قذفوا إنسانا، وإلى الرجم بالحجارة حتى يموتوا إن زنوا. وانقاد أكثرهم طوعا، ما منهم أحد أخذ بغلبة إلا مكة فقط، فتبدلت به صلّى اللَّه عليه وسلم طبائعهم من الظلم إلى العدل، ومن الجهل إلى العلم، ومن العسف والقسوة إلى الرأفة والرحمة، وسيرة العدل العظيم الّذي لا يبلغه أكابر الفلاسفة. فقد رأى الناس كيف كانت سيرة أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما، وكيف كانت طاعة العرب لهما، كل ذلك بلا رزق جار، ولا عطاء [دائر] [ (1) ] ، ولا غلبة ملوكية، إلا بغلبة من اللَّه تعالى على نفوسهم، وكسر لطبائعهم، كما قال تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ
بينهم [ (1) ] ، ثم بقي صلّى اللَّه عليه وسلم كذلك بين أظهرهم بلا حرس ولا ديوان جند ولا بيت مال، معصوما محروسا. وهكذا نقلت أعلامه ومعجزاته بخلاف معجزات سائر الأنبياء، فإنّها لم تصح إلا ما نقله هو صلّى اللَّه عليه وسلم، لصحة الطريق إليه، وارتفاع دواعي الكذب والعصبية جملة عن أتباعه فيه، فلقد كان جمهورهم غريبا من غير قومه، ولا يمنيهم بدنيا، ولا وعدهم بملك، وهذا ما لا ينكره أحد من الناس. وأيضا فإن ابتداء أمره صلّى اللَّه عليه وسلم أنه وقف على الصفا ونادى: يا صباحاه ... يا صبحاه، فجاءوا يهرعون، فقالوا: ما دهمك؟ ما طرقك؟ قال: ما تعرفونني؟ قالوا: محمد الأمين، قال: أرأيتم إن قلت لكم [إن خيلا تغير عليكم خلف هذا الوادي] [ (2) ] ، وإن عسكرا قد غشيكم من الصبح، أكنتم تصدقوني؟ قالوا: اللَّهمّ نعم، ما جربنا عليك كذبا قط، قال: [فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد من اللَّه، قولوا: لا إله إلا اللَّه، واشهدوا أني رسول اللَّه، واتبعوني يحببكم اللَّه، فإنه تعالى ناصري] [ (2) ] ، وقال لي: استخرجهم كما استخرجوك، وابعث جيشا أبعث خمسة أمثاله، وضمن لي أنه ينصرني بقوم منكم، وقال لي: قاتل بمن أطاعك من عصاك، وضمن لي أن يغلب سلطاني سلطان كسرى وقيصر. وقالت له قريش مرة: أتابعك من هؤلاء الموالي، كبلال وعمار وصهيب خير من قصي بن كلاب وعبد مناف وهاشم بن عبد شمس؟ فقال: نعم واللَّه، لئن كانوا قليلا ليكثرن، ولئن كانوا وضعاء ليشرفن حتى يصيروا نجوما يهتدى بهم ويقتدى، فيقال: هذا قول فلان وذكر فلان، فلا تفاخروني بآبائكم الذين موتوا في الجاهلية، فما يذهب الجعل بمنخره خير من آبائكم الذين موتوا فيها، فاتبعوني أجعل لكم أنسابا، والّذي نفسي بيده، لتقسمن كنوز كسرى وقيصر، فقال له عمه أبو طالب: أبق عليّ وعلى نفسك، وظن صلّى اللَّه عليه وسلم أنه خاذله، فقال: يا عم!
واللَّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره اللَّه أو أهلك فيه ما تركته، ثم استعبر باكيا ثم قام، فلما ولى ناداه: أقبل يا ابن أخي، فقال: اذهب وقل ما شئت، فو اللَّه لا أسلمتك لسوء أبدا. هذا، وقد كان صلّى اللَّه عليه وسلم يذكر ما لقي من قومه من الجهد والشدة، فقال لقد مكثت أياما وهذا صاحبي- يشير إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه- بضع عشر ليلة، ما لنا طعام إلا الثريد في شعيب الجبال. وكان عتبة بن غزوان يقول إذا ذكر البلاء والشدة التي كانوا عليها بمكة: لقد مكثنا أياما ما لنا طعام إلا ورق البشام [ (1) ] ، أكلناه حتى تقرحت أشداقنا، ولقد وجدت يوما تمرتين فجعلتهما بيني وبين سعد، وما فينا اليوم أحد إلا وهو أمين على كورته، وكانوا يقولون فيمن وجد تمرة فقسمها بينه وبين صاحبه: إن أسعد الرجلين من حصلت له النواة في قسميها يلوكها يومه وليلته، وعدم القوت. وكذا قال صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد رعيت غنيمات أهل مكة لهم بالقراريط، وجاء صلّى اللَّه عليه وسلم يوما ليدخل الكعبة، فدفعه عثمان بن طلحة العبدولي، فقال: لا تفعل يا عثمان! فكأنك بمفتاحها بيدي أضعه حيث شئت، فقال له: [ذلت] [ (2) ] يومئذ قريش وقلّت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: بل كثرت وعزّت. ثم غزا صلّى اللَّه عليه وسلم تبوك في ثلاثين ألفا، فهذا من قبل اللَّه عزّ وجلّ، الّذي يجعل من لا شيء كل شيء، ويجعل كل شيء مالا شيء، يجمد المائعات، ويميع الجامدات، يجمد البحر، ثم يفجر الصخر، وما مثله صلّى اللَّه عليه وسلم في ذلك إلا كمثل من قال: هذه الزجاجة الرقيقة السخيفة، أصك بها هذه الجبال الصلدة الصلبة المتينة، فقرضها ونقضها، وهذه النملة الضعيفة اللطيفة، تهزم العساكر الكثيرة المعدة [ (3) ] . وكذا حقيقة أمره صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى قال عروة بن مسعود الثقفي لقريش- وكان
رسولهم إليه صلّى اللَّه عليه وسلم بالحديبية-: لقد وردت على النجاشي وقيصر وكسرى، ورأيت حديثهم وأتباعهم، [فما] [ (1) ] رأيت أطوع ولا أوقر ولا أهيب من أصحاب محمد لمحمد، [هم] [ (1) ] حوله وكأن الطير على رءوسهم، فإن أشار بأمر بادروا إليه، وإن توضأ اقتسموا وضوءه، وإن تنخم دلكوا بالنخامة وجوههم وجلودهم، وكانوا له صلّى اللَّه عليه وسلم بعد موته أطوع منهم في حياته، حتى لقد قال بعض أصحابه: لا تسبوا أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، فإنّهم قوم أسلموا من خوف اللَّه، وأسلم الناس من خوف أسيافهم. فتأمل- رحمك اللَّه- كيف استفتح صلّى اللَّه عليه وسلم دعوته وهو ضعيف وحده بأن قال: هذا سيكون فكان كما قال، بحيث رآه العدوّ والوليّ، وما كان مثله في ذلك إلا مثل من قال: هذه الهباءة تعظم وتصير جبلا يغطي الأرض كلها، ثم أنذر الناس بها في حال ضعفها، فكان كما أنذر، فعلم أن ذلك من فعل اللَّه الّذي لا يقدر عليه سواه، ولا يفعله إلا إياه جلّت قدرته. فإن سيرة محمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن تدبرها تقتضي تصديقه ضرورة، وتشهد أنه رسول اللَّه، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته لكفى، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلم نشأ في بلاد الجهل، لا يقرأ ولا يكتب، ولا خرج عن تلك البلاد إلا مرتين: إحداهما وهو صبي مع عمه إلى أول الشام، والأخرى أيضا إلى أول الشام، ولم يطل بها المقام، ولا فارق قومه، ثم أوطأه اللَّه تعالى رقاب العرب فلم تتغير نفسه، ولا مالت به. ومات صلّى اللَّه عليه وسلم ودرعه- ذات الفضول- مرهونة في أصواع [ (2) ] من شعير، [و] [ (3) ] لم يتسبب صلّى اللَّه عليه وسلم إلى شيء من أذى اليهود- وهم أعداؤه- ولا يعرض لذم أحد منهم وإلى ماله، بل ودا [ (4) ] الأنصاري من عند نفسه مائة ناقة، وهو صلّى اللَّه عليه وسلم يحتاج إلى بعير واحد يتقوى به، وهذا أمر لا تسمح به نفس ملك من ملوك الأرض وأهل الدنيا بوجه من الوجوه.
ولا يقتضي أيضا هذا ظاهر السيرة في السياسة، فصح يقينا أنه صلّى اللَّه عليه وسلم متبع لما أمره به ربه تعالى، وسواء كان ذلك الأمر مضرا به في ظاهر الأمر غاية الإضرار أو غير مضر به، وهذا أحب الناس إليه، وابن عم أبيه من أخص الناس به، وهو مع ذلك زوج ابنته التي لا ولد له غيرها، وله منها ابنان ذكران، وكل من عمه وابن عمه اللذين هما أقرب الناس إليه، له من الفضل والسياسة والعقل وخلال الخير ما يستحق به سياسة العالم كله، فلم يحابهما وهما من أحب الناس إليه وأشدهم [غنى] [ (1) ] عنه، إذ كان غيرهما متقدما عليهما في الفضل، وإن كان بعيد النسب عنه، بل فوض الأمر إليه قاصدا إلى أمر الحق، واتباع ما أمر به، ولم يورث صلّى اللَّه عليه وسلم ورثته فلسا فما فوقه، وهم أحب الناس إليه، وأطوعهم له، وهذه أمور لمن تدبرها كافية مغنية. قال الأعمش عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: ذكروا عند عبد الرحمن- يعني ابن مسعود رضي اللَّه عنه- أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلم وإيمانهم، فقال عبد اللَّه: إن أمر محمد كان بينا لمن رآه، والّذي لا إله غيره، ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب، [ثم قرأ] [ (1) ] : الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ [ (2) ] إلى قوله: يُؤْمِنُونَ [بِالْغَيْبِ] [ (3) ] . قال الحاكم: فقد صح ما ذكرنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وشريعته التي أتى بها، هي التي وضحت براهينها، واضطرت دلائلها إلى تصديقها، والقطع على أنها الحق الّذي لا حق سواه، وأنها من اللَّه تعالى الّذي لا دين له في العالم غيره، والحمد للَّه الّذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
[فصل جامع في معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم على على سبيل الإجمال]
[فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على على سبيل الإجمال] [ (1) ] وكان له صلّى اللَّه عليه وسلم مع هذه الفضائل الباهرة من المعجزات البينات: إبطال الكهانة وانشقاق القمر، وردّ الشمس بعد غروبها، وانقياد الشجر، وانقلاب العود والقضيب سيفا جيدا، وتسليم الأشجار والأحجار عليه، وتحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره، [وحثا] [ (2) ] يوم حنين وجوه المشركين كفّا من تراب فملأ أعينهم، وإشارته إلى الأصنام وسقوطها، وإلانة الصخر له، وتسبيح الحصا في كفه، وتأمين اسكفة الباب وحوائط البيت على دعائه. ونبع الماء من بين أصابعه، وظهور بركته في تكثير الماء القليل الّذي كان في الميضأة، فشرب منه أهل العسكر كلهم وهم عطاش وتوضئوا، كل ذلك من قدح صغير ضاق عن أن يبسط فيه يده المكرمة، وفي مزادتي المرأة، وفي الماء بالحديبية، وفي العين التي بتبوك، وقد أهرق عليه وضوءه فيهما، ولا ماء فيهما، فجاشتا بالماء، فشرب من عين تبوك أهل الجيش وهم ألوف، حتى رووا كلّهم وفاضت بعد ذلك، وشرب من بئر الحديبيّة ألف وأربعمائة حتى رووا، ولم يكن فيها قبل ذلك ماء. وأمطرت بطريق تبوك عند دعائه وقد اشتد عطش الناس، واستسقى وقد قحط المطر فسقوا بدعائه، وظهرت بركته في ركي قليل الماء حتى صارت نهرا تجري، وفي بئر بقباء، وفي بئر قليلة الماء بعث إليها بحصباء فألقيت فيها فغزر ماؤها. وأفاق جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه وقد أغمى عليه لما صبّ من وضوئه عليه، ونشط بعير قد أعيا ببركة وضوئه لمّا رشّه عليه وسقاه منه، وعذب الماء
بريقه، وحبس الدمع بما نضحه في وجه امرأة، وذهب حزن امرأة ببركة ما شربته بعد ما غمس فيه يده، ومضمض ودعا في بقية الزاد مرجعه من الحديبيّة، ومرجعه من تبوك، فنما وزاد بعد قلته، حتى أشبع قياما من الناس. وكثر طعام جابر يوم الخندق ببركة يده، وكثر طعام أكل منه قصعة، وأكل مائة وثلاثون رجلا من صاع واحد، وأخذ كل منهم جزأه من سواد بطن شاة، وظهرت البركة في طعام بدار أبي بكر رضي اللَّه عنه، ورزق اللَّه تعالى أهل بيت من الأنصار ذوي حاجة من حيث لم يحتسبوا ببركته، وأكل سبعون أو ثمانون رجلا في بيت أبي طلحة رضي اللَّه عنه من قليل أقراص خبز شعير مأدوم بسمن حتى شبعوا، وبقيت كما هي ببركته، وأكل أهل الصفة من كسر يسيرة حتى شبعوا وفضل عنهم فضله، وأكل بضع وسبعون رجلا من حيس عملت من نحو مدّ تمر وفضل عنهم قدر ما كان قبل أكلهم. وأكل أربعون رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينقص منه شيء- ومن عادة الواحد منهم أن يأكل الجذعة ويشرب الفرق- وأخذ أربعمائة رجل ما أحبوا من تمر قليل، فلم ينقص من أخذهم شيئا، وأكل مائة وثلاثون رجلا من الأنصار حتى صدروا بعد ما جاعوا، من طعام صنعه أبو أيوب الأنصاري رضي اللَّه عنه. وأكل طائفة في بيت عائشة رضي اللَّه عنها حيسا يسيرا وشربوا لبنا حتى شبعوا ورووا، وغرس صلّى اللَّه عليه وسلم نخلا لسلمان الفارسيّ رضي اللَّه عنه فأطعم من سنته، ودعا لأبي هريرة رضي اللَّه عنه في تمرات يسيرة فنمت حتى كمل منها عدة أو ساق سوى ما أكل وأطعم. وترك عند عائشة رضي اللَّه عنها شطر شعير فأكلت منه حتى طال عليها ثم كالته، وأطعم رجلا شطر وسق من شعير، فما زال يأكل منه وامرأته حتى كالاه، ودفع لنوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثين صاعا من شعير فطعم منه وأهله نصف سنة، ثم كاله فوجده بحاله.
وأطعم أعرابيا كسرة كانت [عنده] [ (1) ] فشبع بما أكل منها وأفضل، وأمر قوما كانوا لا يشبعون بالاجتماع على طعامهم، فأكلوا وشبعوا، ودفع إلى أم شريك ثلاثين صاعا من شعير وعكة سمن قد فرغ ما فيها فوجدتها ملآنة سمنا، وأكلت من الشعير دهرا ثم كالته فلم ينقص منه شيئا. وبعث أبا أمامة رضي اللَّه عنه إلى أهله فإذا هم يأكلون الدم فتنزه عنه ونام، فأتي في منامه بشربة لبن فشربها فشبع وروي بعد انتباهه، ونزل به صلّى اللَّه عليه وسلم ضيف ولا شيء عنده، فدعا اللَّه فأعانه بشاة مصلية، وقعد على تمر خلفه عبد اللَّه بن عمرو بن حزام، وأمر أن يكال منه لغرمائه، فكالوا حقهم وبقي التمر كما هو. وسمع أصحابه تسبيح الطعام وهو يؤكل، ومسح ضرع شاة أم معبد فدرّت باللبن بعد جهدها، ومسح ضرع عناق ودعا اللَّه تعالى فأنزلت لبنا، وحلب لبنا من شاة لم [ينز] [ (2) ] عليها فحل قط، واحتاج ليلة إلى الغذاء فلم يجد شيئا، فقام المقداد ليذبح له عنزا، فإذا هي وأخواتها حفل، فحلب له وسقاه حتى روى، ومسح [ظهر] [ (2) ] عناق لم تنتج فتدلى ضرعها وحلب منها لبنا كثيرا، [وسقى] [ (2) ] أهل الصفة من لبن في قدح حتى رووا، وأروت الجند وقد عطشوا في سفر فشربوا من حلب عنز أتى اللَّه بها ثم لم تر بعد ذلك. وأهدت إليه أم سليم عكة سمن فأفرغها ثم ردّها إليها فوجدتها مملوءة سمنا، فأتدمت به شهرا أو شهرين بعد ما فرقت منها، وأهدت له أم مالك البهزية عكة سمن فأفرغها وردها، فما زالت تجد فيها السمن حتى عصرتها، وبعثت عمرة ابنة رواحة إلى زوجها وأخيها بجفنة تمر- وهم يحفرون الخندق- فأمر بها فصبت في كفه فما ملأته، فدحاها على ثوب ودعا أهل الخندق [بأسرهم] [ (2) ] فأكلوا منه حتى صدروا، وإنه ليسقط من أطراف الثوب. وشهد له الذئب بالرسالة، وأتاه الذئب ليفرض له في شياه أصحابه، فلم
يفرضوا له شيئا فأمره أن يخالسهم فذهب، وكلمته ظبية في إرضاع حشفها وقد [شدها] [ (1) ] أعرابي في وثاق فأطلقها حتى مضت ثم عادت، وشهد له الضب بالرسالة، وسجدت له الغنم، وربض له الوحش لما أحسّ به، وسجد له البعير، وشكى إليه ما به، وازدلفت البدن إليه ليبدأ بنحرها، وخاطبه الحمار. ونسج العنكبوت على الغار الّذي اختفى فيه، ووقف الحمام به، وقامت شجرة على بابه ليستتر عن أعين المشركين وقد أتوا ليأخذوه، ووقفت له حية وسلمت عليه، وشكت إليه حمرة ما فجعت به من أخذ فرخها، وسخر اللَّه تعالى الأسد لمولاه سفينة تكرمه له، وسخر له صلّى اللَّه عليه وسلم طيرا من السماء، وكثر اللَّه تعالى غنم هند بنت [عتبة] [ (1) ] بدعائه لها بالبركة، وأحيا له شاة جابر بن عبد اللَّه بعد ما ذبحها وطبخها وأكل لحمها، وأحيا [اللَّه] [ (1) ] تعالى حمار رجل أقبل من اليمن ليجاهد في سبيل اللَّه بعد ما مات تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلم، [و] [ (1) ] أحيا ولد [امرأة] [ (1) ] أتت مهاجرة بعد موته، وسقى العلاء بن الحضرميّ ومن معه من المسلمين وقد عطشوا، [وفرق] [ (1) ] لهم البحر حتى مروا فوقهما لقتال المشركين، ومشى أبو مسلم الخولانيّ على الماء بدجلة وهي ترمي الخشب من فوقها، كل ذلك كرامة له صلّى اللَّه عليه وسلم. وشهد له ميت بعد موته بالرسالة، وشهد له الرضيع والأبكم بالرسالة، وكان حيث سلك توجد رائحة الطيب، ويسجد له ما يمر به من حجر أو شجر، ومجّ بعد ما تمضمض في دلو مسكا أو أطيب من المسك. وكان إذا قعد لحاجته ابتلعت الأرض ما يخرج منه، وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ويرى في الظلمة كما يرى في النور، وأضاءت عصا أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر لما خرجا من عنده في ليلة مظلمة حتى مشيا في ضوئها، كرامة له صلّى اللَّه عليه وسلم. وسهر ومعه عمر بن الخطاب عند أبي بكر ثم خرجا في ليلة مظلمة، وخرج معه أبو بكر فأضاءت عصا أحدهما حتى بلغوا المنزل، وأضاءت عصا أبو عيسى
الأنصاري وقد رجع بعد ما صلّى معه صلّى اللَّه عليه وسلم، فنور له حتى دخل دار أبي حارثة، وأعطى قتادة بن النعمان عرجونا فأضاء له من بين يديه ومن خلفه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج الحسن بن علي من عنده ليلا إلى أمه، فجاءت برقة من السماء فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه، وأضاءت إصبع حمزة بن عمرو الأسلمي حتى جمع ما سقط من متاع رحله صلّى اللَّه عليه وسلم. وتفرق من إبل أصحابه في ليلة مكر فيها المنافقون بالرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بطريق تبوك، وأرى أنس بن مالك وقد خرج معه ليلا إلى المسجد نورا بأيدي قوم يدعون اللَّه بدعائه له أن يريه اللَّه ذلك، [وكانت] [ (1) ] الملائكة تسلم على عمران بن حصين، ونزلت السكينة والملائكة عند قراءة البراء القرآن، كان ذلك تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلم. وانقلبت بضعة لحم حجرا في بيت أم سلمة، وذهبت صورة مصورة بوضع يده عليها، وكان اللَّه تعالى يعطيه ما سأل ما لم تجر به العادة، ويلهمه جواب ما يسأله عنه السائلون وهو في مقامه، وأمر أبا هريرة أن يبسط بردة كانت عليه، ثم قبضها فلم ينس بعد ذلك شيئا سمعه منه صلّى اللَّه عليه وسلم. وضرب في صدر أبي عثمان بن أبي العاص فما نسي شيئا بعد أن حفظه، ودعا اللَّه أن يهدي أم أبي هريرة فأسلمت بعد إبائها، ومسح وجهه بمنديل فلم تعمل فيه النار بعد ذلك إذا وضع فيها، وأعيا بعير جابر بن عبد اللَّه وهو في سفر حتى أراد أن يسيبه، فتحسسه أو ضربه صلّى اللَّه عليه وسلم فسار عنه سيرا لم يسر مثله، وركب فرس أبي طلحة- وكان ثبطا قطوفا- فكان بعد ذلك لا يجاري، وضرب فرس جعيل بمخفقة وكانت ضعيفة عجفاء وقال: اللَّهمّ بارك له فيها، فصارت تتقدم الركب، وباع من نتاجها باثني عشر ألفا، وضرب برجله ناقة لا تكاد تسير فصارت سابقة، ودعا لرجل أن يحمله بعيره فمكث عنده عشرين سنة. وذهب الجوع عن فاطمة الزهراء بدعائه، وكفى على بن أبي طالب الحر والبرد بدعائه، ووعك عليّ مرة فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] : اللَّهمّ عافه: فما اشتكى وجعه ذاك
بعد، وبصق في عين عليّ وقد رمد في خيبر فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، وضرب في صدره وقد بعثه قاضيا باليمن وقال: اللَّهمّ اهد قلبه وسدد لسانه، فما شك في قضاء بعد. وصرف اللَّه ألوفا عن المدينة ونقل حمّاها إلى الجحفة بدعائه، ومرض سعد ابن أبي وقاص فوضع يده على جبهته ومسح وجهه وقال: اللَّهمّ اشف سعدا وأتمم هجوته، فما زال يجد برده على كبده، وأصاب أسماء ورم في رأسها ووجهها، فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب وسمى اللَّه ودعا، فذهب الورم، وجاءته امرأة بابن لها فدعا له فشفي وعمّر حتى جاهد في سبيل اللَّه. وأتته امرأة بابن لها وبه جنون فمسح رأسه ودعا له، فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى، وكانت أم زفر تتكشّف فاصرعت، فدعا لها فلم تتكشّف، وشكى عبد اللَّه بن رواحة وجع ضرسه، فوضع يده على خده ودعا له فشفاه اللَّه قبل أن يبرح، ومسح بطن رافع أو رفاعة بن رافع وقد اشتكى بطنه فلم يشتك بطنه بعد ذلك. وعاد عمه أبا طالب وقد مرض، فدعا له فقام كأنما نشط من عقال، ومسح ساق علي بن الحكم السلمي وقد تقنطر عن فرسه فدق جدار الخندق ساقه، فما نزل عنها حتى بريء، وأتته امرأة من خثعم بصبي لها به بلاء لا يتكلم، فشفاه ماء غسل فيه يده [ومضمض] [ (1) ] فاه فبرأ وعقل عقلا ليس كعقول الناس، ونفث في فم غلام يأخذه الجنون كل يوم مرارا فذهب عنه، وأتاه الوازع بابن له مجنون فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد يفضل عليه. وشكى إليه عثمان بن أبي العاص سوء حفظه فتفل في فيه ووضع يده على صدره وقال: يا شيطان اخرج من صدر عثمان، فما سمع شيئا بعد ذلك إلا حفظه، وكان الشيطان يلبس عليه صلاته فتفل في فمه وضرب في صدره وقال: اخرج عدوّ اللَّه، فلم يعرض له بعد ذلك، وردّ اللَّه على الأعمى بصره بدعاء علّمه إياه، وردّ بصر
من كانت عيناه مبيضتين بنفثه فيهما. ورد عين قتادة بعد ما سالت على خده، ونفث في يد محمد بن حاطب وقد احترقت فبرأ في الحال، ووضع يده على شامة في كف شرحبيل الجعفي وقد نفث فيها، فما رفع يده حتى لم يبق لها أثر، وضرب حبيب بن إساف يوم بدر فمال شقه فتفل عليه ورده فانطبق، وضرب بقدح سلعة في كف أبي سبرة ومسحها فذهبت، ومسح وجه أبيض بن جمال وقد التمعت وجهه قوبا فما أمسى وله أثر، وأصابت يد حبيب بن إساف ضربة فتفل عليها فبرأت، ودعا لعمرو بن أخطب أن يحمله اللَّه فأناف عن التسعين ولم يشب رأسه ولا لحيته. وقال لعمرو بن الحمق: اللَّهمّ متعه بشبابه، فبلغ الثمانين ولم تر شعرة بيضاء، وأخذ له يهودي من لحيته فقال: اللَّهمّ جمله، فاسودت لحية اليهودي بعد ما كانت بيضاء، ودعا للسائب بن مزيد وهو شاك فأناف على التسعين وهو جلد معتدل ممتع بحواسه، ومسح بيده على رأسه وقال: اللَّهمّ بارك فيك فلم يشب. ومسح رأس محمد بن أنس فلم يشب موضع يده، ومسح رأس حنظلة بن حديم وقال له: بورك فيك، فكان حنظلة إذا تفل في يده ووضعها على ورم ذهب، ومسح رأس أبي سفيان بدلوك فلم يبيض شعر ما مسه بيده صلّى اللَّه عليه وسلم. ودعا لعبد اللَّه بن عتبة ولولده بالبركة فلم يهرم منهم أحد، ومسح وجه عمرو ابن ثعلبة الجهنيّ فمات عمرو وقد أتت عليه مائة سنة وما شابت منه شعرة، ووضع يده على رأس مالك بن عمير ووجهه فلم يشب، ومسح على ظهر عتبة بن فرقد بيده فصار أطيب أهله ريحا، ومسح وجه قتادة بن ملحان، فصار كأن على وجهه دهان من وضاءته. وقال للنابغة: لا يفضض اللَّه فاك فنيف على المائة وما ذهب له سن، وأصيب ساق سلمة بن الأكوع بضونة في خيبر فنفث فيها فما اشتكاها بعد، وأعيت قرحة برجل رجل فوضع إصبعه عليها وسمى ورقاها فبرأت، وتفل في فم عبد اللَّه بن عامر فكان لا يعالج أيضا إلا ظهر له الماء، وكان يتفل في أفواه الرضعاء فيقوم مقام الغذاء لهم.
وبزق في فم محمد بن ثابت بن قيس وحنّكه فلم يحتج إلى إرضاع يومين والثالث، وأخذ بجلدة ما بين عيني فراء بن عمرو، وقد أصابه صداع شديد، فذهب ولم يصدع بعد، ودعا لأهل المسجد أن يذهب عنهم البرد فأذهبه اللَّه عنهم، ودعا لحذيفة بن اليمان في ليلة شديدة البرد وقد بعثه ليأتيه بخبر الأحزاب، فمشى كأنه في حمام. واستأذنت عليه الحمى فبعث بها إلى أهل قباء لتكون كفارة لهم فلقوا منها شدة، وذهبت الحمى عن عائشة بدعاء علمها إياه، وأمر امرأتين وقد اغتابتا أن يتقيئا، فتقيأتا لحما وقيحا ودما، وكان صلّى اللَّه عليه وسلم يسمع أصوات أهل القبور، ويسمع أطيط السماء، وجعل خالد بن الوليد في قلنسوته ناصية الرسول لما حلق، فلم يشهد قتالا وهي معه إلا نصر، واقتمح السم فلم يضره. وقال لابن عباس: اللَّهمّ فقّهه في الدين، فصار حبر الأمة، وقال لأنس بن مالك: اللَّهمّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته، فكثر ماله، وصار له نحو المائة من الولد، وكان بستانه يحمل الفاكهة في السنة مرتين، ودعا لامرأة في لسانها فضل فظهرت بركة دعائه، ودعا لرجل بخيل جبان كثير النوم، فاشتد بأسه في الحرب، وسخت نفسه، وقلّ نومه، وقال لأبي طلحة وقد جامع امرأته- بارك اللَّه لكما في سائر ليلتكما، فحملت وولدت غلاما. وضرب في صدر أبي بن كعب ودعا له فزال عنه الشك، وقال لسعد بن أبي وقاص: اللَّهمّ استجب له إذا دعاك، فما دعا إلا أجيبت دعوته، وعلم أبا بكر رضي اللَّه عنه دعاء [فوفىّ] [ (1) ] اللَّه عنه دينا كان عليه لما دعا به، وقال لعبد الرحمن بن عوف: بارك اللَّه لك فكثرت أمواله، ودعا لعروة البارقي بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب لربح فيه، وقال لعبد اللَّه بن جعفر: اللَّهمّ بارك له في تجارته، فما باع شيئا ولا اشترى إلا بورك فيه، ودعا لعبد اللَّه بن هشام بالبركة فكثر ربحه.
وقال لأبي أمامة- وقد بعثة في غزاة-: اللَّهمّ سلّمهم وغنّمهم [فسلموا وغنموا] [ (1) ] ، ومسح ضروع شويهات كان يرعاهن أبو قرصافة، ودعا فيهن بالبركة فامتلأت شحما ولبنا، وقال له جوير بن عبد اللَّه: إني لا أثبت على الخيل، فصك في صدره وقال: اللَّهمّ ثبته، فما سقط عن فرس بعد، وأتاه المقداد بن عمرو بسبعة عشر دينار قد ظفر بها فقال: بارك اللَّه لك فيها فصار عنده منها غرائر ورق، ولقي صلّى اللَّه عليه وسلم العدو فقال: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة، وأمسك لسان شاب عن الشهادة وقد احتضر لغضب أمه عليه، فلما استرضاها فرضيت نطق بالشهادتين. وقال ليهودي- لما عطس وشمته-: هداك اللَّه، فأسلم، وكثر مال صخر الماردي لامتثاله أمره في بعثة غلمانه بالتجارة بكرة، وتحاب امرأة وزوجها بعد البغضاء بدعائه، وأقبل اللَّه بأهل اليمن وأهل الشام وأهل العراق بدعائه، ودعا على مضر لما عتوا حتى قحطوا، ثم دعا لهم حتى سقوا، ودعا لأهل جرش برفع قتل صرد بن عبد اللَّه وأصحابه فنجوا بدعائه، ومكن اللَّه تعالى لقريش العز والشرف بدعائه، وأيد اللَّه من كان معه وأجاب دعاءه حتى صرع ركانة بن عبد يزيد، ولم يكن أحد يصرعه لشدته. وقال لمسعود الضحاك: أنت مطاع في قومك، فكان يأخذ الراية إذا وقع بين القبائل شر فيصلح بينهم، وأراد عامر بن الطفيل وأربد بن قيس أن يغدرا به وهو يقول: لأملأنها عليك خيلا عامر، فحيل بينهما وبين ذلك، وخرج وهو يقول: لأملأنها عليك خيلا عامر ورجالا، فقال: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل، فقتله اللَّه، ونزلت صاعقة على أربد فقتلته، وأمر رجلا قد أكل بشماله أن يأكل بيمينه فقال [الرجل] [ (1) ] : لا أستطيع، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] : لا قد استطعت، فما رفعها إلى فيه. وقال للحكم بن أبي العاص وقد اختلج كأنه يحاكيه: كن كذلك، فلم يزل
يختلج حتى مات، ودعا على رءوس قريش وقد تظافروا عليه بمكة فقتلهم اللَّه بسيوفه يوم بدر، ومرّ بين يديه في صلاته رجل فقال: قطع اللَّه أثره فأقعد، ومر كليب بين أيديهم وهم يصلون مع الرسول صلاة العصر، فدعا عليه رجل منهم، فما بلغت رجله الأرض حتى مات، وقال لرجل: لا أقرته الأرض، فما استقر بعدها بأرض، وقال لمعاوية بن أبي سفيان: لا أشبع اللَّه بطنه، فما شبع بطنه أبدا. وقال لرجل: ضرب اللَّه [عنقك] [ (1) ] ، فقال: في سبيل اللَّه يا رسول اللَّه؟ فقال: في سبيل اللَّه، فضربت عنقه في سبيل اللَّه، وقال: من احتكر طعاما ضربه اللَّه بالجذام، فلم يعبأ رجل بذلك فجزم، وقال لأبي ثروان: اللَّهمّ أطل شقاءه وبقاءه، فشاخ حتى تمنى الموت، وقال لعتبة بن أبي لهب: اللَّهمّ سلط عليه كلبك، فافترسه الأسد، وقصده سراقة بن مالك لما خرج مهاجرا، فساخت يدا فرسه إلى الركبتين وخرّ عنها. ولما مزّق كسرى ملك فارس كتابه الّذي كتب إليه، دعا عليهم أن يمزقوا كل ممزق، فلم تبق لهم باقية، وهزم اللَّه المشركين يوم بدر وقتلهم بدعائه عليهم في العريش، وقال هذا مصرع فلان غدا، ووضع يده على الأرض وهو يسميهم واحدا واحدا، فما جاوز أحد منهم موضع يده. وأخبر بمكة أنه يقتل أبا جهل فقتله اللَّه بسيوفه يوم بدر، وقتل أمية بن خلف ببدر أيضا بدعائه عليه، وألقاه ومعه صناديد قريش بالقليب، فأنجز اللَّه وعده، وقال عن عقبة بن أبي معيط: اللَّهمّ كبه لمنخره واصرعه، فجمح به فرسه يوم بدر فأخذ وضربت عنقه، وقال: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، فأسر يوم بدر وقتله علي بن أبي طالب. وقال للعباس بن عبد المطلب لما أسر ببدر أين مالك الّذي وضعت بمكة عند أم الفضل وليس معكما أحد؟ فقال: والّذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغير عمير بن وهب وصفوان بن أمية وهما خاليان في الحجر أن همّوا بقتل الرسول،
وقدم إلى المدينة ليقتله، فلما دخل به عليه حدّثه بما جرى بينه وبين صفوان فأسلم عند ذلك. وانهزم قباث بن أشيم يوم بدر فيمن انهزم، وحدث نفسه بشيء ثم قدم المدينة بعد مرة، وأتى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بعرفة، فقال له: يا قباث بن أشيم! أنت القائل يوم بدر كذا؟ فأسلم عند ذلك، ولما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر قال عمر: يا رسول اللَّه! انزع ثنيته، فقال: لعله يقوم مقاما لا تكرهه، فقام حين جاءه وفاة الرسول بخطبة أبي بكر رضي اللَّه عنه، ولما خرج إلى بدر ودعا لأصحابه أن يحملهم اللَّه ويكسبهم ويشبعهم ويغنيهم، فما رجع أحد منهم إلا كذلك. ولما اشتد [أذى] [ (1) ] كعب بن الأشرف له قال: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت، فقتله اللَّه، وقام دعثور بن الحرث على رأسه- وقد نام- ليقتله بالسيف، فدفع جبريل في صدر دعثور، فوقع السيف وأخذه الرسول، فأسلم دعثور، وخرج إلى بني النضير وجلس في ناديهم مستندا إلى بعض بيوتهم فهموا بقتله وأن يطرح عليه عمرو بن جحاش صخرة من فوق البيت، فأتاه خبر السماء بذلك، فقام وترك أصحابه ودخل المدينة. وقال لأبي بن خلف وهو بمكة: أنا أقتلك إن شاء اللَّه، فلما كان يوم أحد، قدم فخدشه صلّى اللَّه عليه وسلم في عنقه خدشة لطيفة هلك منها، وقال عن عتبة بن أبي وقاص: اللَّهمّ لا تحل عليه الحول، فمات دون ذلك كافرا، وقال عن ابن قميئة ومن وافقه: اللَّهمّ لا [تحل] [ (1) ] الحول على أحد منهم فهلكوا دون الحول، وغسلت الملائكة حنظلة بن أبي عامر لما قتل بأحد شهيدا ورئي رأسه يقطر ماء فإنه خرج جنبا. وغشي النعاس المؤمنين يوم أحد مع قرب العدو منهم وقال إن قزمان من أهل النار فقتل نفسه بجراحة المنية، وصنعت امرأة سعد بن الربيع طعاما يكفي رجلا أو رجلين، فأطعم منه صلّى اللَّه عليه وسلم زيادة على عشرين رجلا حتى شبعوا ولم ينقص، وقتل المشركون عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وأرادوا أخذ شيء من جسده، فبعث
اللَّه عليه مثل الظلة من الدّبر- وهي الزنابير- فحمته فلم يقدر على قطع شيء من لحمه، ثم جاء السيل فحمله فلم نعرف له مكان، وذلك أنه كان نذر أنه لا يمسّ مشركا ولا يمسه، فوفّى اللَّه نذره تكرمة لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلم. وبعث أبو سفيان بن حرب أعرابيا لقتال الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رآه الرسول قال: هذا الرجل يريد غدرا، واللَّه حائل بينه وبين ما يريد، وأخذ فظهر أمره، وأخبر بما جاء به، فخلى عنه وأسلم. ولما قتل عامر بن فهيرة ببئر معونة رفع إلى السماء بعد قتله، وأعلم اللَّه نبيه بما همّ به المشركون من الميل عليهم وهم في الصلاة، فصلّى بأصحابه صلاة الخوف، ونزلت [] تحت شجرة وعلق بها سيفه ونام، فقام غورث على رأسه والسيف في يده وقال: من يمنعك مني؟ فقال: اللَّه! ولم يعاقبه، ولما حفر الخندق ضرب عدة ضربات وقال في كل ضربه: هذه الضربة يفتح اللَّه بها كذا، فما [سمى] شيئا إلا فتحه اللَّه على أمته. وقال يوم الأحزاب عن المشركين: نغزوهم ولا يغزونا، فما غزوة بعدها، ولما نزل على بني قريظة قذف اللَّه الرعب في قلوبهم حتى أخذهم، وخرج سعد ابن معاذ يوم الأحزاب فقال: اللَّهمّ لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستمسك حتى حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيهم وقد نزلوا على حكمه، فحكم بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم. وتبين لثعلبة وأسيد ابني سعية وأسد بن عبيد بما عندهم من العلم صدق الرسول فآمنوا به، وامتنع عمرو بن سعدي القرظي من الدخول مع بني قريظة في غدرهم وخرج عنهم، وقتل اللَّه أبا رافع بن أبي الحقيق بتحريضه على الرسول، وأخبر عبد اللَّه بن أنيس وقد بعثه لقتل سفيان بن نبيح وكان لا يعرفه بأنه إذا رآه فرق منه، فكان كذلك، وقتله اللَّه على يد ابن أنيس، وقد جمع لحرب الرسول. وهبت ريح شديدة مرجعه من المريسيع، فقال: مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة، فلذلك عصفت الريح، فكان ذلك زيد بن رفاعة بن التابوت، وضلت ناقته فتكلم زيد بن اللصيت كلام منافق مع أصحابه، فجاء الوحي بكلامه إلى
الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه، وأخبر بمكان ناقته فأتوا بها من ذلك المكان. وشجّ عبد اللَّه بن أنيس في قتله أسيد بن رزام، فنفث في شجته فلم تقح، وأمر في مسيره إلى الحديبيّة باصطناع الطعام، و [أوقدت] [ (1) ] أكثر من خمسمائة نار، فخاف الصحابة أن يرى المشركون نيرانهم فقال: إنهم لن يروكم، إن اللَّه سيغيبكم عنهم، فكان كذلك ولم يروهم، وأخبر بقدوم أهل اليمن فقدموا، وأخبر بأن اللَّه غفر للركب جميعا إلا رويكبا على جمل أحمر، فطلب فوجد ولم يؤمن وهلك، ولما نزل بخيبر شكى إليه الجهد، فدعا اللَّه أن يفتح عليهم أعظم حصن [و] [ (1) ] أكثره طعاما وودكا ففتح اللَّه من الغد حصن الصعب بن معاذ أكبر حصون خيبر، وأكثرها طعاما وودكا منه. وقال عن أبي اليسر: اللَّهمّ متعنا به، فعمّر عمرا طويلا، ورمى حصن البزار [وقد] [ (1) ] استعصى بكف من حصا فرجف الحصن بمن فيه ثم ساخ في الأرض، فأخذوا أهله أخذا، ولما نزل عيينة بن حصن بخيبر مددا ليهود صاح به وبقومه صائح فلحقوا بأهاليهم وتركوا يهود، ورأى عيينة مناما فأخبره الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بما رأى، وكان معه رجل بخيبر يقاتل قتالا شديدا وهو يخبر عنه أنه من أهل النار، فخرج ولم يصبر فقتل نفسه. وغلّ بعض من شهد خيبر من الغنيمة شيئا فأخبره بما غلّ منها، وأهدت إليه يهودية شاة قد سمتها فأخبره عضو من أعضاء الشاة أنها مسمومة، وقتل رجل رجلا أسلم بحرمات فلم تقله الأرض لما دفن وأصبح على وجه الأرض، وقد صدقت رؤياه صلّى اللَّه عليه وسلم في دخوله المسجد الحرام فدخله عام القضية وعام الفتح وفي حجة الوداع، وقالت قريش لما قدم لعمرة القضاة: قد وهنتهم حمى شرب فأطلعه اللَّه على ذلك، فأمر أصحابه بالرمل في طوافهم ليظهر لقريش قوتهم. وكان تعيينه في غزاة مؤتة زيد بن حارثة أميرا، فإن قتل فجعفر، فإن قتل
فعبد اللَّه بن رواحة، إشارة إلى أنهم يقتلوا في غزاتهم، فلما قتلوا نعاهم في اليوم الّذي قتلوا فيه، وبينه وبينهم مسيرة ليالي وأيام. ونحر عوف بن مالك الأشجعي جزورا لقوم في غزاة ذات السلاسل، وأخذ منها جزءا عن أجرته، فأنكر عليه سادات الصحابة أن أخذ على المعروف أجرا، فلما قدم كان الرسول أخبره خبر الجزور. وبعث أبا عبيدة بن الجراح على سرية، فلما اشتد بهم الجوع قذف لهم البحر حوتا أكلوا منه حتى شبعوا وادخروا، ونعى النجاشيّ ملك الحبشة في اليوم الّذي مات فيه، وأخبر بنصر بني كعب على بني بكر فكان كذلك، وسأل اللَّه تعالى أن يعمي على قريش خبره حتى يبعثهم لما توجه لفتح مكة فلم يعلموا به حتى قدم بطن مر. وأطلعه اللَّه على كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش بمسيره إليهم، وأطلعه على مقالة الأنصار يوم الفتح، وأخبر أن مكة لا تغزى بعد فتحه لها، فحق اللَّه ذلك، وأرى اللَّه عثمان بن طلحة صدق رسول اللَّه في أخذه مفتاح الكعبة منه ووضعه حيث يشاء، وأخبره اللَّه تعالى عقالات قريش عند أذان بلال، وعفا عن سهيل ابن عمرو مع سوء أثره يوم الحديبيّة، وأخبر بإسلام ابن الزبعري حيث نظر إليه مقبلا. وألقى اللَّه محبته في قلب هند بنت عتبة بعد العداوة الشديدة، وأخبر أبا سفيان ابن حرب بما حدّث به نفسه في يوم الفتح من عوده إلى المحاربة، وبما قال لهند. وأخبر بمجيء عكرمة بن أبي جهل مسلما قبل قدومه، وحقق اللَّه تعالى لصفوان ابن أمية صدق رسالة المصطفى، وأنجز له تعالى وعده بدخول الناس أفواجا في الدين بعد الفتح. وصدق رسوله بأن العزّى لا تعبد بأرض العرب، وكفاه أمر الّذي أراد قتله بالقرب من أوطاس، وكفاه كيد شيبة في يوم حنين، وهداه بعد كفره إلى الإيمان وأخبر عيينة بن حصن بما قاله لأهل حصن الطائف، وسمع الناس تسبيح سارية كانت في مصلاه، وأجيبت دعوته في رجل بحصن الطائف، وهدي اللَّه ثقيفا وأتي
بهم إليه بدعائه. وصدقت مقالته عن ذي الخويصرة وأصحابه بأنهم يمرقون من الدين فكانت منهم الخوارج، وظهر صدقه في إخباره عروة بن مسعود أن قومه يقتلونه، واستجيبت دعوته على حارثة بن عمرو، وأخبر عمار بن ياسر بما قاله المنافقون وهم سائرون إلى تبوك. وصدق قوله لأبي ذر بأنه يموت وحده، وبخرص حديقة المرأة، وبأن ريحا ستهب، وصلّى بتبوك على معاوية بن معاوية وقد مات بالمدينة، وصدق قوله لخالد ابن الوليد عن أكيدر دومة بأن يجده يصيد البقر. وأطعم بتبوك طائفة من سبع تمرات حتى أشبعهم غير مرة ولم تنقص، وأجيبت دعوته لذي البجاد أن يحرم اللَّه دمه على الكفار، وأخبر بقدوم وفد عبد القيس قبل مجيئهم، وصدق اللَّه لعدي بن حاتم ما أخبره به. وصدق في إخباره بقدوم أهل اليمن، واستجيب دعاؤه في قدوم معاوية بن جيدة، وشهدت أساقفة نجران بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه، واستمع من دعاه منهم إلى ما [دعا إليه] [ (1) ] خوفا من الهلاك، وتيقن عبد اللَّه بن سلام صدق رسالته صلّى اللَّه عليه وسلم، وعرف الخبر من يهود صؤاب ما أجابه به وصدقه في نبوته. وأقر عصابة من يهود بأنه أصاب في قوله، وعلم [يهوديان] [ (1) ] بأنه صادق في نبوته، واعترف يهود بنبوته لما أتوه يسألونه عن حد الزاني، وشهد ابن صوريا على يهود بمعرفته، واعترفت اليهود بأن صفته عندهم في التوراة. وأظهر اللَّه تعالى معجزته الباهرة لليهود لما دعاهم إلى تمني الموت، وأخبرهم لما دعاهم إلى ذلك أنهم لا يتمنونه أبدا فما أحد منهم تمناه، تحقيقا لصدق مقالته، واعترف قوم من اليهود بأن سورة يوسف موافقة لما في التوراة، وصدقته يهود في إخباره بأسماء النجوم التي رآها يوسف عليه السلام في منامه، وأهلك اللَّه تعالى
رجلا خالف أمره. وأهلك مشركا لما سأل عن كيفية اللَّه تعالى، وأهلك رجلا كذب على رسوله، وصدقت مقالته لرجل بما حدثته به نفسه وبما يؤول أمره إليه، وأخبر امرأة قد صامت بما كان منها في صومها، وأغنى اللَّه تعالى أبا سعيد الخدريّ ببركة دعائه في التعفف مقالة الرسول، وأخبر وابصة بما جاء يسأله عنه. وأخبر رجلين أتياه ليسألاه بما يريدان أن يسألاه عنه، وأخبر رجالا من أهل الكتاب أتوه ليسألوه عن ذي القرنين بما أرادوا أن يسألوه عنه، كل ذلك قبل أن يسأل، وأخبر بما هو مدفون مع أبي رعان، وأخبر عن أمر السفينة، وأخبر بإسلام أبي الدرداء قبل أن يسلم. وأخبر بحال الرجل الّذي نحر نفسه، وأشار إلى ما صار إليه أمر ماعز من الرجم، وأخبر رجلا عما قال في نفسه من الشعر، وأخبر أبا شهم بما كان منه، وأخبر عن شاة دعي لأكلها بأنها أخذت بغير إذن أهلها. وأخبر عن سحابة أمطرت باليمن، وأخبر بوقعة ذي قار في يوم الوقعة، وأخبر بغدر الحطيم، وأخبر بالفتن التي وقعت بعد وفاته، وأخبر بأن اللَّه تعالى يتم أمره ويظهر دينه على الدين كله. وأخبر بما فتح اللَّه من بعده لأمته من ممالك الأرض، وأخبر بأن القبط يكون، وأن ملك أمته يبلغ ما روى له فيها، فكان ذلك، وبلغ ملكهم لأول المشرق من بلاد السند والترك، إلى آخر بلاد العرب من سواحل البحر المحيط بالأندلس وبلاد البربر، ولم يتسعوا في الجنوب والشمال كل الاتساع كما أخبر سواء. وأخبر بقيام الخلفاء من بعده، وأخبر بقيام ملوك بعد الخلفاء، وأخبر عن مدة الخلافة ثم يكون ملكا، وأخبر باختيار اللَّه خلافة أبي بكر، وأراه اللَّه في منامه مدة خلافة أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهما وأشار إلى الفتن الواقعة في زمن عثمان وعلي- رضي اللَّه عنهما- والاختلاف عليهما. وأخبر عن جماعة من أصحابه أنهم شهداء، وأخبر عن ثابت بن قيس بأنه
شهيد، وأنذر بما كان من الردة بعده، وبسوء عاقبة الرجال، وأجيبت دعوته في مجيء ثمامة بن أثال، وأدركت لعنته الأربعة وأختهم، وأنذر بقتال أصحابه بعضهم بعضا. وأخبر فاطمة الزهراء رضي اللَّه عنها أنها أول أهل بيته لحوقا به، وأن اللَّه تعالى يبر قسم البراء بن مالك، وأن عمر بن الخطاب من المحدثين، وأن أول نسائه لحوقا به أطولهن يدا، وأخبر عن أويس بن القرني، وعن صلة بن أشيم، وأخبر على بن أبي طالب بولادة غلام له يسميه محمدا. وأخبر أم ورقة بأنها تدرك الشهادة، وأنذر بالطاعون الّذي وقع بعده، وأنذر بفتنة تموج موج البحر، وأنذر عثمان بما أصابه من البلاء، وأنذر بأن أقواما يؤخرون الصلاة عن وقتها، وصدق اللَّه مقالته أن [أدخل] [ (1) ] عقبة بن أبي معيط النار، وأنذر بما وقع من الفتن من بعده، وأن بعض نسائه تنبحها كلاب الحوأب، وأن الزبير بن العوام يقاتل على بن أبي طالب. وأخبر زيد بن صوحان أنه يموت شهيدا، وأنذر بوقعة صفين، وأن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، وأنذر بالحكمين الذين حكما بين على ومعاوية، وأخبر عن الخوارج وقتال على لهم، وأخبر أن علي بن أبي طالب يقتل، وأنه يمحى اسمه، وأن الحسن بن علي سيد، وأن اللَّه يصلح به بين فئتين عظيمتين. وأخبر بتملك معاوية بن أبي سفيان، وأن ميمونة تموت بغير مكة، وأن أم حرام بنت ملحان تركب البحر للغزاة في سبيل اللَّه، وأخبر أن رجلا يتكلم بعد موته، وأن نفرا من المسلمين يقتلون بعذراء من أرض الشام. وأخبر عمرو بن الحمق بمن يقتله، وأخبر كيف يموت سمرة بن جندب، وأن عبد اللَّه بن سلام يموت على الإسلام ولا يستشهد، وأن رافع بن جريج يستشهد، وأن هلاك أمته على يد أغيلمة من قريش، وأن قيس بن خرشة لا يضره بشر، وأن الحسين بن علي رضي اللَّه عنه يقتل، وأنذر بقتل أهل الحرة، وبتحريق
الكعبة، وذهاب بصر عبد اللَّه بن سلام، وعمى زيد بن أرقم. وأخبر بالكذابين من بعده، وربما يلقي عبد اللَّه بن الزبير وما يصيب الناس منه، وبخروج الحجاج بن يوسف- وهو المبيرة- وأن معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين، وأن الشر يقع بعد الخير الّذي جاء به. وأخبر بما يكون من أحداث يزيد بن معاوية، وبتملك بني أمية، وبسوء سيرة الوليد، وأشار إلى خلافة عمر بن عبد العزيز، وأخبر بوهب بن منبه، وبغيلان القدري، ومحمد بن كعب القرظي، وبانخرام القرن الّذي كان هو فيه على رأس مائة سنة، وصدق اللَّه قوله في تعيين عمر إنسان وهلاك آخر. وأخبر بتملك بني العباس على الناس وبما نزل بأهل بيته من البلاء، وبقيام اثنى عشر خليفة، وبظهور الجور والمنكرات، وأن قريشا يسلط عليهم من ينزع الملك منهم بذنوبهم. وأخبر باتساع الدنيا على أمته، وتنافسهم فيها، وتقاتلهم عليها، وبوقوع ما بين أمته بينهم، وأن السيف إذا وقع فيهم لا يرتفع عنهم، وبظهور المعاون، وأخبر بمجيء قوم بأيديهم سياط يضربون بها الناس، وبنساء كاسيات عاريات، وأشار إلى أن بغداد تبني مدينة، وأخبر عن البصرة. وأخبر بما يكون من الفجور وتناول الحرام، والتسرع إلى القتل، وعن قوم يؤمنون به ولم يروه، وأن أقصى أماني أمته من بعده أن تراه، وبتبليغ الصحابة ما سمعوا منه من يأتيهم بعده، وتفقههم في الدين، وأنذر بظهور الاختلاف في أمته، وأنها تتبع طرائق الأمم من قبلها، وأن العلم يذهب ويظهر الجهل، وأن أهل الزيغ يتبعون ما تشابه من القرآن وتظهر الروافض والقدرية، وأن يكذب عليه، وأن الناس يتغيرون بعد اتباع القرون، وأن طائفة من الأمة لا تزال متمسكة بالدين، وأن الأنصار يرون بعده أثره. وأخبر بخروج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى، وأن أحجار الزيت بالمدينة تغرق من الدم، وأخبر بما يكون بعده من الخسف، وأن الأمر
يوسد إلى غير أهله، وأن الإسلام يعود غريبا كما بدأ، وأن التّرك تتغلب على أهل الإسلام. فما أخبر بشيء من ذلك إلا وقع كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم، وهذه أشياء لا تعرف البتة بشيء ووجوه تقدمة المعرفة، لا بنجوم، ولا بكيف، ولا بخط، ولا بزجر تم بحمد اللَّه تعالى وحسن توفيقه الجزء الرابع من إمتاع الأسماع للمقريزي ويليه بمشيئة اللَّه الجزء الخامس وأوله: [فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على سبيل التفصيل]
المجلد الخامس
[المجلد الخامس] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل جامع في معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على سبيل التفصيل [ (1) ] أولا: إبطال الكهانة [ (1) ]] فأما إبطال اللَّه تعالى الكهانة بمبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى انقطعت بعد ما كانت ظاهرة موجودة، قال ابن سيده: كهن له يكهن، وكهن كهانة، وتكهن تكهينا وتكهّنا: قضى له بالغيب، ورجل كاهن من قوم كهنة وكهان، وحرفته الكهانة. واعلم أن الكهانة من خواص النفس الإنسانية، وذلك أن للنفس الإنسانية استعداد للانسلاخ عن البشرية إلى الروحانية التي فوقها، وأعلا هذا الانسلاخ صنف الأنبياء، فإنّهم فطروا على ذلك، فيحصل لهم من غير اكتساب ولا استعانة بشيء من المدارك، ولا من التصورات، ولا من الأفعال البدنية، ولا بأمر من الأمور، إنما هو انسلاخ من البشرية إلى [الملائكية] [ (2) ] بالفطرة الإلهية في لحظة أقرب من لمح البصر، فاقتضت القسمة العقلية حركتها الفكرية بالإرادة، عند ما يتبعها النزوع لذلك، وهي ناقصة عن إدراك الأنبياء بالجبلة، وعند ما يعوقها العجز عن ذلك، فإنّها تتشبث بأمور جزئية محسوسة أو متخيلة تنظر فيها، كالأجسام الشفافة، وعظام الحيوان، وتتكلم بالسجع، أو ترى ما ينسلخ من طير أو حيوان، فلا تزال تستعين بذلك في الانسلاخ الّذي تقصده، فيكون كالمشيع له..، وهذه القوة التي في هذا الصنف مبدأ لذلك الإرادي، هي الكهانة. ولما كانت هذه النفوس مفطورة على النقص والقصور عن الكمال، كان إدراكها في الجزئيات أكثر من الكليات، وصارت متشبثة بها، غافلة عن الكليات، ولذلك تكون القوة المتخيلة فيهم في غاية القوة، لأنها آلة الجزئيات فتنفذ فيها نفوذا
تاما، إما في النوم أو في اليقظة، وتكون عندها أبدا حاضرة تحضرها المتخيلة حضورا يكون لها كالمرآة ينظر فيها دائما، ولا يقوى الكاهن على الكمال في إدراك المعقولات، لأن ما يوحى إليه من الشياطين. وأرفع أحوال الكهان من يستعين بالكلام المسجوع الموزون، ليشتغل به عن الحواس، ويقوى على ذلك الاتصال الناقص، فيهجس في قلبه عن تلك الحركة، والّذي يشيعها من ذلك الأجنبي ما يقذفه على لسانه، فربما صدق ووافق الحق، وربما كذب، لأنه يتمم نقصه بأمر أجنبي عن ذاته المدركة، ومباين لها غير ملائم، فيعرض له الصدق والكذب جميعا، ويكون غير موثوق به جميعا، وربما فزع إلى الظنون والتخمينات، حرصا منه على الظفر بالإدراك، وتمويها على السائلين له. وأصحاب السجع أخف من سائر المعينات من المرئيات والمسموعات، فإن خفة المعين تدل على قرب ذلك الاتصال والإدراك، كما أن البعد فيه عجز ما، وإذا تقرر ذلك فنقول: قال اللَّه جل جلاله: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً* وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً* وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً* وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً* وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً* وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً* وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [ (1) ] . [ومعنى] هذه الآيات: قل يا محمد لأمتك: أوحى اللَّه إليّ على لسان جبريل، أنه استمع إليّ نفر من الجن- والنفر: الرهط كالحليل ما بين ثلاثة إلى عشرة- فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، أي في فصاحته، وقيل عجبا في بلاغة مواعظه، وقيل: عجبا في عظيم بركته، وقيل: قرآنا عزيزا لا يوجد مثله، يهدي
إلى الرشد، أي إلى مراشد الأمور، وقيل: إلى معرفة اللَّه، فآمنا به أي فاهتدينا به، وصدقنا أنه الّذي من عند اللَّه، ولن نشرك بربنا أحدا، أي لا نرجع إلى إبليس ولا نطيعه، لأنه الّذي كان بعثهم ليأتوه بالخبر [لما] [ (1) ] رمى الجن بالشهب. وقيل: لا نتخذ مع اللَّه إلها آخر لأنه المنفرد بالربوبية، وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا، أي عظمته وجلاله. قاله عكرمة ومجاهد وقتادة، وعن مجاهد أيضا ذكره. وقال أنس بن مالك والحسن وعكرمة أيضا عنهم. وقال أبو عبيد: أي ذي الغناء منك الغنى. وقال ابن عباس: قدرته. وقال الضحاك: فعله. وقال القرطبي والضحاك أيضا: آلاؤه ونعمه على خلقه. وقال أبو عبيد والأخفش: ملكه وسلطانه. وقال السّدي: أمره. وقال سعيد بن جبير: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا أي تعالى ربنا. وقيل غير ذلك. ومعنى الآية: وأنه تعالى جلال ربنا أن يتخذ صاحبة أو ولدا للاستئناس بهما أو الحاجة إليهما، فإن الرب يتعالى عن ذلك، كما يتعالى عن الأنداد والنظراء وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا أي إبليس. قاله مجاهد وابن جريج وقتادة. ورواه أبو بردة ابن أبي موسى عن [أبيه] [ (1) ] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: سفيهنا: المشركون من الجن، والشّطط والاشتطاط: الغلو في الكفر. وقيل: الجور. وقيل: هو الكذب وَأَنَّا ظَنَنَّا أي حسبنا أن لن تقول الإنس والجن على اللَّه كذبا، فلذلك صدقناهم أن للَّه صاحبة وولدا، حتى سمعنا القرآن وتبينا به الحق، وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ أي أن [الرجل] [ (1) ] كان إذا نزل بواد قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في جواره حتى يصبح، وكان أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن، ثم من بني حنيفة، ثم فشا ذلك في العرب، فلما جاء اللَّه بالإسلام تعوذوا باللَّه وتركوهم، فَزادُوهُمْ رَهَقاً أي إثما، وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً أي ظنت الجن كما ظنت الإنس أن لن يبعث اللَّه رسولا إلى خلقه، يقيم به الحجة عليهم، وكان هذا هو توكيد الحجة على قريش، أي إذا آمن هؤلاء الجن بمحمد فأنتم أحق بذلك، وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ أي طلبنا خبرها كما جرت عادتنا، فوجدناها قد ملئت حرسا
شديدا أي حفظة، يعني الملائكة، وشهبا جمع شهاب، وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم عند استراق السمع، وشديدا: من نعت الحرس، أي ملئت ملائكة شدادا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ أي من السماء، مقاعد أي مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء، يعني أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة، فحرسها اللَّه حين بعث رسوله محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بالشهب المحرقة، فقالت الجن حينئذ: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً، يعني بالشهاب: الكوكب المحرق. وقيل لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو آية من آياته، وأنه كان من مبعثه أن رأت قريش النجوم يرمى بها في السماع عشرين يوما، وقد اختلف السلف: هل كانت الشياطين تقذف قبل المبعث؟ أو كان ذلك أمرا حدث لمبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ وقيل: كان ذلك قبل المبعث، وإنما زادت بمبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنذارا بحاله، وهو معنى قوله تعالى: [مُلِئَتْ] [ (1) ] أي زيد في حرسها، وهو قول الأكثرين، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أي هذا الحرس الّذي حرست به لشر أريد بأهل الأرض أم أراد بهذا ربهم بهم رشدا؟ أي خيرا. أخرج البخاري في التفسير من حديث سفيان، حدثنا عمرو قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه عنه قال: إن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا قضى اللَّه الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قال للذي قال: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه [ (2) ] فوق بعض، ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدّد بين أصابعه، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال يوم كذا وكذا وكذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة
التي سمع [ (1) ] من السماء [ (2) ] . وقال تعالى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ* وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ* لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ* دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ* إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [ (3) ] وقال: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [ (4) ] ، وقال: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ* وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ* إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ [ (5) ] . وخرج عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن يحيى بن عروة بن الزبير عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه! إن الكهان قد كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده [ (6) ] حقا، قال: تلك الكلمة الحق [ (7) ] يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد [ (8) ] فيها أكثر من مائة كذبة. خرجه مسلم [ (9) ] عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق، وخرجه البخاري [ (10) ] من وجه آخر عن معمر. وقال الأوزاعي: حدثني ابن شهاب عن علي بن حسين، عن عباس رضي اللَّه عنه قال: حدثني رجال من الأنصار أنهم بيناهم جلوس مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما كنتم تقولون في الجاهلية إذ
رمي بمثل هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات الليلة رجل عظيم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فإنّها [ (1) ] لا يرمي بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا عز وجل [ (2) ] إذا قضى أمرا سبحت [ (3) ] حملة العرش، ثم سبحت [ (3) ] أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، ثم يقول الذين يلون حملة العرش [لحملة العرش:] [ (4) ] ماذا قال ربكم، [فيخبرونهم ماذا قال] [ (4) ] فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضا حتى يبلغ الخبر أهل السماء الدنيا، فيخطف الجن السمع فيلقونه إلى أوليائهم ويرمون به، فما جاءوا به على وجهه فهو الحق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون. وفي رواية يونس بن يزيد عن الزهري: ولكنهم يرقون فيه ويزيدون. أخرجه مسلم من حديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعي [ (5) ] . ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري عن علي بن الحسين عن علي، عن عبد اللَّه بن عباس عن نفر من الأنصار، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لهم: ما كنتم تقولون في هذا النجم الّذي يرمي به؟ قالوا: يا رسول اللَّه كنا نقول حين رأيناها يرمى بها: مات ملك ملّك ملك، ولد مولود مات مولود، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليس ذلك لذلك، ولكن اللَّه تبارك وتعالى، كان إذا قضى في خلقه أمرا سمعه حملة العرش فسبحوا، فسبح من تحتهم لتسبيحهم، فسبح من تحت ذلك، ولا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيسبحوا. ثم يقول بعضهم لبعض: مم سبحتهم؟ فيقولون: سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم، فيقولون: ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا؟ فيقولون مثل ذلك حتى
ينتهوا إلى حملة العرش، فيقولون لهم: مم سبحتم؟ فيقولون: قضى اللَّه في خلقه كذا وكذا- للأمر الّذي كان- فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء، حتى ينتهي إلى السماء الدنيا فيتحدثوا به فيسترقه الشياطين بالسمع على توهم واختلاف، ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم فيخطئوا ويصيبوا، فيتحدث به الكهان فيصيبوا بعضا ويخطئوا بعضا، ثم إن اللَّه حجب الشياطين بهذه النجوم التي يقذفون بها، فانقطعت الكهانة اليوم ولا كهانة [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وحدثني عمرو بن أبي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن ابن لبينة، عن علي بن الحسين، بمثل حديث شهاب عنه، وقد روى هذا الحديث [عبد] الرزاق عن معمر عن الزهري وقال في آخره: قال: فقلت للزهري: أو كان يرمى به في الجاهلية؟ فقال: نعم، قلت: يقول اللَّه تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً، قال: غلّظت واشتد أمرها حين بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. قال البيهقي: وهذا يوافق ظاهر الكتاب لأنه قال خبرا عن الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً، فأخبرت الجن أنه زيد في حراس السماء وشهبها، حتى امتلأت منها، وفي ذلك دليل على أنه كان قبل ذلك فيها حراس وشهب معدة معهم، والشهاب في (لسان العرب) [ (2) ] النار المتوقدة. ثم ذكر الحديث البخاري ومسلم والترمذي، من طريق أبي عوانة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الجن ولا رآهم [ (3) ] ، انطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق
عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، فقال: ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا من [شيء] [ (1) ] حدث، فاضربوا مشارق الأرض، ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الّذي حال بينهم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بنخلة، عامدا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الصبح، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللَّه الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، قال: فهنا لك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً، فأنزل اللَّه على نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [ (2) ] ، [وإنما أوحي إليه قول الجن] [ (3) ] . هذه سياقة الترمذي، وقال: حسن صحيح. قال البيهقي: فقد ذكرنا أن ذلك في أول ما علموا به. وأما قولهم حيل بيننا وبين خبر السماء، فإنما أرادوا بما زيد في الحرّاس والشهب، واستدل لذلك بحديث يونس بن بكير، عن يونس بن عمرو عن أبيه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنّ الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء فيستمعون الكلمة من الوحي فيهبطون بها إلى الأرض، فيزيدون معها تسعا، فيجد أهل الأرض تلك الكلمة حقا والتسع باطلا، فلم يزالوا بذلك حتى بعث اللَّه
محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، فمنعوا تلك المقاعد، فذكروا ذلك لإبليس فقال: لقد حدث في الأرض حدث، فبعثهم فوجدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتلو القرآن بين جبلي نخل، قالوا: هذا واللَّه الحدث، وإنهم ليرمون، فإذا توارى النجم عنكم فقد أدركه لا يخطئ أبدا ولكنه لا يقتله، يحرق وجهه، جنبه، يده [ (1) ] . وخرجه الترمذي من حديث إسرائيل، حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فذكره بمعناه ثم قال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . واستدل البيهقي أيضا بحديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ [ (3) ] ، قال: كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون منه الوحي، وكان إذا نزل الوحي سمع له صوت كإمرار السلسلة عل الصفوان، فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير، ثم يقول: يكون العام كذا، ويكون [كذا] [ (4) ] ، فتسمعه الجن فيخبرون الكهنة به، والكهنة [يقولون للناس] [ (5) ] : يكون كذا [و] [ (4) ] كذا فيجدونه كذلك، فلما بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم دحروا، فقالت العرب حين لم تخبرهم الجن بذلك: هلك من في السماء، فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرا، وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة، وصاحب الغنم شاة، حتى أسرعوا في أمواله، فقالت ثقيف- وكانت أعقل العرب-: أيها الناس، أمسكوا على أموالكم، فإنه لم يمت من في السماء، وإن هذا ليس بانتثار ألستم ترون معالمكم من النجوم كما هي؟ والشمس والقمر والليل والنهار، قال: فقال إبليس: لقد حدث اليوم في الأرض حدث، فأتوني من تربة كل أرض،
فأتوه بها، فجعل يشمها، فلما شم تربة مكة قال: من هاهنا جاء الحدث، فنصتوا فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد بعث [ (1) ] . وقال محمد بن إسحاق: وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع، إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا تلقي العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه اللَّه، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها، فلما تقارب أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها، فرموا بالنجوم، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر اللَّه في العباد، يقول اللَّه تعالى لنبيه- حين بعثه وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع فعرفوا ما عرفوا وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ ... فذكر الآيات، فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها منعت من السمع قبل ذلك، لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم من اللَّه فيه لوقوع الحجة وقطع التهمة، فآمنوا وصدقوا، ثم ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا: يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ [ (2) ] الآية. قال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدّث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها هذا الحي من ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له: عمرو بن أمية- أحد بني علاج- قال: وكان أدهى العرب وأمكرها رأيا، فقالوا له: يا عمرو! ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا، فإن كانت معالم النجوم التي [يهتدى] [ (3) ] بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها، فهو واللَّه طيّ الدنيا وهلاكها، وهلاك هذا الخلق الّذي فيها،
وإن كانت نجوما غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا لأمر أراد اللَّه به الخلق [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا خالد عن حصين عن عامر الشعبي قال: كانت النجوم لا ترمى حتى بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، فرمي بها فسيبوا أنعامهم، وأعتقوا رقيقهم، فقال عبد يا ليل: انظروا، فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس، وإن كانت لا تعرف فهو من أمر حدث، فنظروا فإذا هي لا تعرف، قال: فأمسكوا ولم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاءهم خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وخرّج من حديث عطية بن سعد العوفيّ، عن ابن عباس قال: لم تكن سماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد، وكانوا يقعدون منها مقاعد للسمع، فلما بعث اللَّه محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم حرست السماء حرسا شديدا، ورجمت الشياطين فأنكروا ذلك وقالوا: لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [ (3) ] . فقال إبليس لقد حدث في الأرض حدث [ (4) ] ، واجتمعت إليه الجن فقال: تفرقوا في الأرض فأخبروني ما هذا الخبر الّذي حدث في السماء؟. وكان أول بعث بعث ركب أهل نصيبين، وهم أشراف الجن وسادتهم، فبعثهم إلى تهامة، واندفعوا حتى بلغوا الوادي- وادي نخلة- فوجدوا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي صلاة الغداة ببطن نخلة، فاستمعوا، فلما سمعوه يتلو القرآن قالوا: أنصتوا- ولم يكن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علم أنهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن- فلما قضى، يقول: فلما فرغ من الصلاة ولّوا إلى قومهم منذرين، يقول: مؤمنين [ (4) ] . وقال عكرمة رحمه اللَّه: والسورة التي كان يقرأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ... ، قال البيهقي: فهذا يوافق الحديث الثابت عن أبي اليسر عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس، إلا أن فيه زيادة ينفرد بها عطية العوفيّ، وهي قوله: لم تكن سماء الدنيا تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد. وروى ذلك عن غير ابن عباس، ويحتمل أن يكون المراد بذلك أنها لم تكن تحرس الحراسة الشديدة حتى بعث نبينا صلّى اللَّه عليه وسلم، فملئت حرسا شديدا وشهبا [ (1) ] . وقال ابن قتيبة: إن الرجم كان قبل مبعثه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولكنه لم يكن مثله في شدة الحراسة بعد مبعثه، وكانت تسترق في بعض الأحوال، فلما بعث صلّى اللَّه عليه وسلم منعت من ذلك أصلا، وعلى هذا وجدنا الشعر القديم قاله بشر بن أبي حازم- وهو جاهلي-: والعير يرهقها الغبار وحجبها ... ينقضّ خلفهما كانقضاض الكوكب وقال أويس بن حجر- وهو جاهلي-: فانقض كالدرى يتبعه ... نقع بنور يخالطه طيبا وقال عوف بن الجزع- وهو جاهلي-: يرد علينا العير من دون الغدا ... والنور كالدري يتبعه الدم وفي أيدي الناس كتب من كتب الأعاجم وسيرهم تنبئ عن انقضاض النجوم في كل عصر وكل زمان. وقال السهيليّ: وإن وجد اليوم كاهن ولا يدفع ذلك بما أخبره اللَّه تعالى من طرد الشياطين عن استراق السمع، فإن التغليظ والتشديد كان في زمن النبوة، ثم بقيت منه- أعني استراق السمع- بقايا يسيرة، بدليل وجودهم على الندور في بعض الأزمنة وفي بعض البلاد. وقد سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الكهان فقال: ليسوا بشيء، فقيل: إنهم يتكلمون بالكلمة فيكون كما قالوا: فقال: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة- بالدال- والزجاجة بالزاي أولى لما ثبت في الصحيح: فيقرها في أذن وليه
كما تقر القارورة، ومعنى يقرها، يصيبها ويفرغها. قال الراجز: لا تقرعن في أذني بعدها ... ما يستقر فأريك فقدها وفي تفسير ابن سلام عن ابن عباس قال: إذا رأى الشهاب الجنّيّ لم يخطئه ويحرق ما أصاب ولا يقتله. وعن الحسن: يقتله في أسرع من طرفة العين. قال: والّذي انقطع اليوم وإلى يوم القيامة: أن تدرك الشياطين ما كانت تدركه في الجاهلية الجهلاء، وعند تمكنها من سماع أخبار السماء، وما يوجد اليوم من كلام الجن على ألسنة المجانين، إنما هو خبر منهم عما يرونه في الأرض مما لا نراه نحن، كسرقة سارق أو خبيئة في مكان خفي أو نحو ذلك، وإن أخبر أنما سيكون، كان [تخرصا] [ (1) ] وتظنينا، فيصيبون قليلا ويخطئون كثيرا. وذلك القليل الّذي يصيبون فيه هو مما تتكلم به الملائكة في العنان، كما في حديث البخاري، فيطردون بالنجوم، فيضيفون إلى الكلمة الواحدة أكثر من مائة كذبة، - كما قال صلّى اللَّه عليه وسلم في الحديث-. فإن قيل: قد كان صاف بن صياد، وكان يتكهن ويدعي النبوة، وخبأ له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خبيئا فعلمه، وهو الدخان، فقال: الدّخ، فأين انقطاع الكهانة في ذلك الزمان؟ قلنا: عن هذا جوابان. أحدهما: ذكره الخطابي في أعلام الحديث، قال: الدخ نبات يكون بين النخل، وخبّأ له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ [ (2) ] ، فعلى هذا لم يصب ما خبّأ له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. الثاني: أن شيطانه كان يأتيه بخبر السماء لمكان القذف والرجم، فإن كان أراد بالدخ الدخان، فليس هذا من أخبار السماء، إذ يمكن أن يكون قرب من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين ذكر الآية سرا، فسمع منها ذكر الدخان بقوة جعلت في أسماعهم
ليست لنا، فألقى الكلمة على لسان صاف وحدها، إذ لم يمكن للجني سماع سائر الآية، ولذلك قال له صلّى اللَّه عليه وسلم: اخسأ فلن تعدو قدرك، أي لن تعدو منزلتك من العجز عن علم الغيب، وإنما الّذي يمكن في حقه هذا القدر دون مزيد عليه. على هذا فسره الخطابي.
ثانيا: انشقاق القمر]
ثانيا: انشقاق القمر] وأما انشقاق القمر، فإنه أول آيات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو غيظ لأهل الإلحاد، قال اللَّه تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [ (1) ] . خرج عبد الرزاق من حديث ابن عيينة ومحمد بن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: رأيت القمر منشقا شقتين مرتين بمكة قبل مخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، شقة على أبي قيس وشقة على السويداء، فقالوا سحر القمر، فنزلت: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، يقول: كما رأيتم القمر منشقا فإن الّذي أخبركم عن اقتراب الساعة حق. وقال وهب بن جرير عن شعبة عن الأعمش، عن مجاهد عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما في قوله عزّ وجل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قال: قد كان ذلك على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، انشق فلقتين: فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اشهد. وقال هشيم: أخبرنا حصين عن جبير بن محمود بن جبير بن مطعم، عن أبيه عن جده في قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قال: انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وحديث انشقاق القمر رواه جماعة من الصحابة [منهم] : عبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، وحذيفة رضي اللَّه عنهم، وعلى هذا جميع أئمة التفسير إلا ما روى عثمان بن عطية عن أبيه أنه قال: معناه: سينشق القمر، وهو قول الحسن، وأهل العلم بالحديث والتفسير جميعهم على
خلافه. وحكى النقاش عن بعضهم أنه قال: انشقاقه: كسوفه على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهذا خلاف لما في التنزيل، ولما جاءت به الأحاديث الصحيحة، ولو كان كسوفا لما قالت قريش: هذا سحر. والأحاديث الصحيحة الثابتة بنقل الثقات ناطقة بأن هذه الآية قد مضت، ويؤيد ذلك قوله تعالى. وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، فأتى بلفظ ماض، وحمل الماضي على المستقبل يحتاج إلى قرينة ودليل، فإنه لا يعدل عن ظاهر النص إلا بدليل. وفي قوله تعالى: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [ (1) ] دليل على أن انشقاق القمر وقع في هذه الدار، لأن انشقاقه في الآخرة لا يكون آية ومعجزة للعباد، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ولو كان قوله: انْشَقَّ، بمعنى سينشق، لكان معنى اقتربت: ستقترب، وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر، لأن انشقاقه من علامات نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، ونبوته وزمانه من علامات اقتراب الساعة، ولا مدفع بعد ظاهر القرآن وثبوت الأحاديث بكونه وحصوله. فإن قيل: لو انشق القمر لتواتر الخبر به، قلنا: هذه آية لتسليه، ولم تكن في مجلس غاص بأهله، بل جرى مع طائفة في جنح ليل ومعظم الناس نيام، والّذي شاهده من مشركي قريش عدد يمكن تواطؤهم مع كتمانه، أو أنهم اعتقدوا أنه تخييل، ومعظم الخلق في ذلك الوقت كانوا نياما، والقمر قد يعارضه غيم في بعض البلدان ولا يرى وهو في تلك الحالة، يرى في موضع آخر، كما يكون السحاب المطبق والمطر الوابل في بلد في يوم واحد، وفي ساعة واحدة، ولا يكون في بلد آخر. قيل: هذا مما لا يلزم فيه نقل التواتر، ولا تقضي العادة والعرف فيه بوجوب التواتر، فهو كغيره من المعجزات ما عدا القرآن، ثم رب شيء ينتقل تواتره مدة ثم يندرس، ومع ذلك فقد روى هذه الآية من الصحابة الأعلام جماعة تقدم ذكرهم، ورواه عن كل واحد منهم عدد كثير.
وقد جاء القرآن الكريم بأن عيسى عليه السلام تكلم في المهد، والنصارى تنكر ذلك، فإذا قيل لنا: لو كان هذا حقا لتواتر الخبر به، قلنا: عدم التواتر في انشقاق القمر مثل ذلك، ومعنى اقتربت: دنت، والساعة: القيامة. قال الفراء: فيه تقديم وتأخير تقديره: انشق القمر واقتربت الساعة. وقرأ بعضهم: اقتربت الساعة وقد انشق القمر، وهذا يؤيد قول الجمهور. خرج البخاري في التفسير من حديث سعيد وسفيان عن الأعمش، عن إبراهيم عن أبي معمر، عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل وفرقة دونه، فقال رسول اللَّه: اشهدوا [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث شعبة عن الأعمش بهذا السند ولفظه: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلقتين فستر الجبل فلقة، [وكانت] [ (2) ] [فلقة] [ (3) ] فوق الجبل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اشهد [ (4) ] . وخرجه من طرق، وفي بعضها فقال: [اشهد] [ (3) ] واشهدوا، وفي بعضها عن عبد اللَّه بن مسعود قال: بينما نحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فكانت فلقة وراء الجبل وفلقة دونه، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اشهدوا [ (5) ] . وخرجه البخاري ولفظه: عن عبد اللَّه قال انشق القمر ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمنى، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اشهدوا. وخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد اللَّه قال: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشقتين، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اشهدوا. ذكره
البخاري في المناقب [ (1) ] ، وذكره في التفسير أيضا، ولفظه: عن عبد اللَّه، انشق القمر ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصار فرقتين فقال لنا اشهدوا [ (2) ] . وخرج الحاكم هذا الحديث من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا ابن عيينة، ومحمد ابن مسلم، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: رأيت القمر منشقا بشقين مرتين في مكة قبل مخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، شقة على أبي قبيس، وشقة على السويداء فقالوا: سحر القمر فنزلت: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، يقول: كما رأيتم القمر منشقا فإن الّذي أخبرتكم عن اقتراب الساعة حق. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما اتفقا على حديث أبي معمر عن عبد اللَّه مختصرا [ (3) ] . وخرج أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى عن مسروق، عن عبد اللَّه قال: انشق القمر على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، قال: انتظروا ما يأتيكم به السّفار، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، قال: فجاء السّفار فقالوا كذلك. ورواه هشيم عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد اللَّه قال: انشق القمر ونحن بمكة فقالت كفار قريش: سحر سحركم ابن أبي كبشة، فانظروا إلى السّفار يأتوكم، فإن أخبروكم أنهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق، قال: فما قدم عليهم أحد من وجه من الوجوه إلا أخبروهم أنهم رأوا مثل ما رأوا. ورواه عمرو بن أبي قبيس عن مغيرة مثله، وخرجه الحسن بن علي بن الوليد.
الفسوي فقال: حدثنا سعيد بن سليم، [حدثنا] هشيم عن مغيرة، عن الشعبي عن مسروق، عن عبد اللَّه قال: انشق القمر فرقتين ونحن بمكة، فقال كفار قريش: هذا سحر سحركم ابن أبي كبشة، انظروا إلى السفّار، فإن كانوا قد رأوا ما رأيتم وإلا فإنه سحر سحركم، قال: فسئل السفار- وقدموا من غير وجه- فقالوا: قد رأينا ما رأيتم. وقال محمد بن إسحاق الثقفي: حدثنا قتيبة، أخبرنا جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: خمس قد مضين: الدخان، واللزام [ (1) ] ، والروم، والبطشة الكبرى، وانشقاق القمر. وعن مسلم بن صبيح قال: سمعت مسروقا يقول: سمعت عبد اللَّه يقول: خمس قد مضين: القمر، والبطشة، والروم، والدخان واللزام [ (2) ] . وقال أسباط بن نصر عن سماك، عن إبراهيم عن الأسود، عن عبد اللَّه قال: رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق القمر. وقال محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب، عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد النخعي، عن عبد اللَّه قال: انشق القمر فأبصرت الجبل بين فرجتي القمر [ (3) ] . وخرجه الحاكم بهذا السند، ولفظه: عبد اللَّه في قوله عزّ وجلّ: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قال: رأيت القمر وقد انشق، فأبصرت الجبل من بين فرجتي القمر [ (3) ] ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [بهذه السياقة و] [ (4) ] بهذا اللفظ.
وقال المنصور بن المعتمر، عن يزيد بن وهب، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: رأيت القمر واللَّه منشقا فلقتين بينهما حراء. وقال الليث بن سعد: حدثنا هشام بن سعيد، عن عتبة بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن مسعود قال: انشق القمر ونحن بمكة، فلقد رأيت أحد شقيه على الجبل الّذي [بمنى] ونحن بمكة [ (1) ] . وخرج البخاري في التفسير من حديث يونس بن محمد قال: حدثنا شيبان عن قتادة، عن أنس رضي اللَّه عنه: سأل أهل مكة أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر [ (2) ] . وخرجه مسلم بهذا السند، ولفظه: عن أنس أن أهل مكة سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر [ (3) ] . وخرجه في البعث، وخرجه في التفسير من حديث شعبة عن قتادة، عن أنس ابن مالك قال: انشق القمر فرقتين [ (4) ] . وخرجه مسلم عن شعبة بمثله، وفي حديث أبي داود: انشق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] . وخرج البخاري في المناقب [ (6) ] وفي التفسير [ (7) ] ، من حديث بكر بن مضر
قال: حدثنا جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عبيد اللَّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: إن القمر انشق في زمان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرجه مسلم بهذا السند وقال: على زمان رسول اللَّه [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث موسى بن عبد الرحمن، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس، وعن مقاتل عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قال ابن عباس: اجتمع المشركون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والعاصي بن وائل، والعاصي بن هشام، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وزمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث، ونظراؤهم كثير، فقالوا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: إن كنت صادقا فشقّ القمر فرقتين: نصفا على أبي قبيس [ (2) ] ، ونصفا على قعيقعان [ (3) ] ، فقال لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن فعلت تؤمنوا؟ قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر، فسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّه عز وجل أن يعطيه ما سألوا، فأمسى القمر قد مثل نصفا على أبي قبيس، ونصفا على قعيقعان، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ينادي: يا أبا سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، اشهدوا [ (4) ] !!. وله من حديث إسماعيل بن أبي زياد، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس قال: انتهى أهل مكة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: هل من آية نعرف بها أنك رسول اللَّه؟ فهبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! قل لأهل مكة أن يحتفلوا هذه الليلة، فسيروا آية إن انتفعوا بها، فأخبرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمقالة جبريل عليه السلام، فخرجوا ليلة أربعة عشر، فانشق القمر نصفين، نصفا على الصفا ونصفا على المروة، فنظروا ثم قالوا بأبصارهم فمسحوها، ثم أعادوا النظر، ثم مسحوا
أعينهم، ثم نظروا، فقالوا: يا محمد! ما هذا إلا سحر ذاهب، فأنزل اللَّه تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وله من حديث الزبير بن عدي، عن الضحاك عن ابن عباس قال: جاءت أحبار اليهود إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: أرنا آية حتى نؤمن، فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل أن يريهم آية، فأراهم القمر قد انشق فصار قمرين، أحدهما على الصفا والآخر على المروة، قدر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليهما، ثم غاب القمر فقالوا: هذا سحر مستمر [ (1) ] . وعن داود بن أبي هند عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ قال: قد مضى كان قبل الهجرة انشق حتى رآه الناس شقين [ (2) ] . وخرج الترمذي من حديث شعبة عن الأعمش، عن مجاهد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: انفلق القمر على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اشهدوا. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وذكره في كتاب الفتن، وذكره أيضا في التفسير بهذا اللفظ وهذا الإسناد وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (3) ] . وذكر بعده من حديث سليمان بن كثير عن حصين، عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه قال: انشق القمر على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقال بعضهم: لئن كان سحرنا ما كان يستطيع أن يسحر الناس كلهم، قال أبو عيسى: وقد روى بعضهم
هذا الحديث عن جبير بن مطعم نحوه [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، وعبد الحميد ابن الحسن الهلالي، وخالد بن عبد اللَّه، وهمام بن يحيى، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي قالوا- كلهم عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال-: خطبنا حذيفة بن اليمان رضي اللَّه عنه بالمدائن، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد أدنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق، فلما كانت الجمعة الثانية، انطلقت مع أبي إلى الجمعة، فحمد اللَّه وقال مثله وزاد: إلا وإن السابق من سبق إلى الجنة. ورواه حماد بن زيد عن عطاء مثله. وله من حديث وهب عن جرير قال: حدثنا شعبة، أخبرنا الأعمش عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو في قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، قال: كان ذلك على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلقتين، فلقة دون الجبل، وفلقة وراء الجبل، وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اشهدوا [ (2) ] .
[ثالثا: رد الشمس بعد غروبها]
[ثالثا: رد الشمس بعد غروبها] وأما رد الشمس بعد غروبها بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقد روى من حديث أبي هريرة، وأسماء بنت عميس، وجابر بن عبد اللَّه، وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهم [ (1) ] .
فأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه: فمن طريق يحيى بن يزيد بن عبد الملك، عن أبيه عن داود بن فراهيج عن أبي هريرة، وعن عمارة بن فيروز، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنزل عليه حين انصرف من العصر- وعلي بن أبي طالب قريب منه، ولم يكن علي أدرك الصلاة- فاقترب عليّ إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلم يسرّ عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى غابت الشمس، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: من هذا؟ فقال: عليّ يا رسول اللَّه، أنا لم أصل العصر وقد غابت الشمس! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اردد الشمس على عليّ، فرجعت الشمس لموضعها الّذي كانت فيه حتى صلى علي رضي اللَّه عنه، وبعض أصحابه يمينا وشمالا يقولون: صل يا عليّ، فإنّ رحمك وقرابتك من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لن تغني عنك من اللَّه شيئا، فأخبر عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بين ظهرانيّ الناس فقال: من آذى ذوي رحم الرجل وقرابته فقد آذاه- مرارا يقولها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- ومن آذاني فقد آذى اللَّه عز وجل. وأما حديث أسماء بنت عميس رضي اللَّه عنها فله طرق: أحدها: من طريق أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي، حدثنا محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك قال: حدثني محمد بن موسى عن عون بن محمد، عن أمه أم جعفر، عن جدتها أسماء ابنة عميس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء ثم أنفذ عليا في حاجة، فرجع وقد صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العصر، فوضع رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إن عبدك عليا احتسب بنفسه على نبيه، فردّ عليه شرقها، قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، فقام على فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس، وذلك في الصهباء في غزوة خيبر.
[وثانيها] : من طريق أحمد بن صالح قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أخبرني محمد بن موسى، عن عون بن محمد، عن أمه أمّ جعفر، عن أسماء ابنة عميس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء، ثم أرسل عليا في حاجة، فرجع وقد صلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم العصر، فوضع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إن عبدك عليا احتسب بنفسه على نبيه، فردّ عليه شرقها، قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض فقام علي وتوضأ، فصلى العصر ثم غابت، وذلك بالصهباء في غزوة خيبر، قال أحمد بن صالح: هذه دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلا تستكثر، وهي فضيلة لعلي رضي اللَّه عنه. [و] ثالثها: من طريق عبد الرحمن بن شريك، حدثنا أبي حدثنا عروة بن عبد اللَّه بن قشيرة قال: دخلت على فاطمة ابنة علي الأكبر- وهي عجوز كبيرة- فرأيت في عنقها خرزات، وفي يدها مسكين غليظين، فقلت: ما هذا؟ فقالت: إنا معشر النساء نكره أن نتشبه بالرجال، وقالت: حدثتني أسماء ابنة عميس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أوحي إليه فستره عليّ بثوبه حتى غابت الشمس، فلما سرّي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يا علي! صليت العصر؟ قال: لا، قال: اللَّهمّ رد الشمس على عليّ، قالت: فرجعت الشمس حتى رأيتها في نصف الحجرة. أو قالت: نصف حجرتي. [و] رابعها: من طريق فضيل بن مرزوي عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة ابنة الحسن، عن أسماء ابنة عميس قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم [يصل] العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعليّ: صليت؟ قال: لا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إنه في طاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، قالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت. وقال فضيل، عن إبراهيم ابن الحسن عن فاطمة عن أسماء: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يكاد [يغشى] عليه، فأنزل عليه يوما ورأسه في حجر علي حتى غابت الشمس، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه وهو في حجر علي فقال
له: صليت العصر يا عليّ؟ قال: لا يا رسول اللَّه، فدعى اللَّه فردّ عليه الشمس حتى صلى العصر، قالت: فرأيت الشمس بعد ما غربت حين ردّت حتى صلى العصر. [و] خامسها: من طريق صبّاح [ (1) ] المري، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن الحسن عن أمه فاطمة ابنة حسين، عن أسماء ابنة عميس قالت: اشتغل عليّ مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قسمة الغنائم يوم خيبر حتى غابت الشمس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا عليّ! هل صليت العصر؟ قال: لا يا رسول اللَّه، قال: فتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وجلس في المسجد، فتكلم بكلمتين أو ثلاثة كأنها من كلام الحبش، فارتجعت الشمس كهيئتها في العصر، فقام عليّ فتوضأ وصلى العصر، ثم تكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمثل ما تكلم به قبل ذلك، فرجعت إلى مغربها، فسمعت لها صريرا كالمنشار في الخشبة، وطلعت الكواكب. وقال صبّاح أيضا: عن عبد اللَّه بن الحسن بن جعفر، عن حسين المبتول عن فاطمة بنت على، عن أم الحسن بنت علي، عن أسماء بنت عميس قالت: لما كان يوم خيبر شغل عليّ بما كان من قسمة الغنائم حتى غابت الشمس أو كادت، فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عليا: هل صليت العصر؟ قال: لا، فدعا اللَّه عزّ وجل فارتفعت حتى توسطت المسجد فصلى عليّ، فلما صلى غابت. قالت: فسمعت لها صريرا كصرير المنشار في الخشب. وقال صبّاح [ (1) ] : عن أبي سلمة مولى آل عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، عن محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ، عن أمه أم جعفر بنت محمد، عن جدتها أسماء بنت عميس، قالت: كانوا أقبلوا من ضيعة لهم حتى نزلوا إلى جبل، فقامت أسماء تصلي، فلما فرغت من صلاتها قالت: يا باي يا باي، قلت: يا جدة! لم تقولي يا باي وليس عندك أحد؟ قالت يا بنية ذكرت عليا، قلت: يا جدة، ما ذكرت من عليّ؟ مرتين أهلك فوجدت في نفسي إن ذكرت عليا وتركت أبي، قالت: شيء
كان من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو في هذا المكان ومعه علي، إذ أغمي عليه فوضع رأسه في حجر عليّ، فلم يزل كذلك حتى غابت الشمس، ثم إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أفاق، فقعد فقال: يا علي! هل صليت؟ قال: لا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، قالت: فخرجت من تحت هذا الجبل كأنما خرجت من تحت سحابة، فقام علي فصلى، فلما فرغ آبت مكانها. قال: فخرجت فلقيت أبا جعفر فذكرت ذلك له فقال: أنت سمعت هذا من أم جعفر؟ قلت نعم، فأخذ بيدي حتى استأذن عليها فقال: حدثيني الحديث الّذي حدثت هذا، فحدثته فخرج وهو مستبشر. وأما حديث جابر: فمن طريق الوليد بن عبد الواحد، حدثنا معقل بن عبيد اللَّه عن أبي الزبير عن جابر بن عبد اللَّه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمر الشمس أن تتأخر ساعة من النهار فتأخرت ساعة من النهار. وأما حديث علي: فمن طريق يحيى بن عبد اللَّه بن حسين بن حسن بن عليّ ابن أبي طالب قال: لما كنا بخيبر شهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قتال المشركين، فلما كان من الغد وكان مع صلاة العصر حمية، ولم أصل صلاة العصر، فوضع رأسه في حجري فنام فاستثقل، قال: فلم ينتبه حتى غربت الشمس، فلما استيقظ مع غروب الشمس قلت: يا رسول اللَّه! ما صليت صلاة العصر كراهية أن أوقظك من نومك، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده إلى اللَّه عزّ وجل ثم قال: اللَّهمّ إن عبدك تصدق بنفسه على نبيك، فاردد عليه شروقها، قال: فرأيتها على الحال في وقت العصر بيضاء نقية، حتى قمت ثم توضأت ثم صليت ثم غابت. وقال إسحاق بن إبراهيم التيمي: حدثنا محل الضّبي عن إبراهيم النخعي، عن علقمة عن أبي ذر رضي اللَّه عنه قال: قال عليّ رضي اللَّه عنه يوم الشورى: أنشدتكم اللَّه هل فيكم من رفعت الشمس عندي حين نام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وجعل رأسه في حجري حتى غابت الشمس، فانتبه فقال: يا عليّ! صليت العصر؟ قلت: اللَّهمّ لا، فقال: اللَّهمّ ارددها عليه، فإنه كان في طاعتك وطاعة رسولك. وأما ردها حين تبين لمكذبيه صدقه، فخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير،
عن أسباط بن نصر الهمدانيّ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال: لما أسري برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير قالوا: فمتى تجيء؟ قال: يوم الأربعاء، فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار ولم تجيء، فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة وحبست عليه الشمس. فلم تردّ على أحد إلا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [يومئذ] [ (1) ] وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة، فلما أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم، ويدخل السبت، ولا يحل له قتالهم فيه، فدعا اللَّه فردّ عليه الشمس حتى فرغ من قتالهم [ (2) ] . قال الحاكم أبو عبد اللَّه الحافظ النيسابورىّ في كتاب (الجامع لذكر أئمة الأمصار المزكين لرواة الأخبار) : قرأت على قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي، حدثنا عبد اللَّه بن الحسين بن موسى، حدثنا عبد اللَّه بن علي المديني
قال: سمعت أبي يقول: خمسة أحاديث يروونها ولا أصل لها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حديث: لو صدق السائل ما أفلح من ردّه [ (1) ] ، وحديث: لا وجع إلا وجع العين ولا غم إلا غم الدّين [ (2) ] ، وحديث: إن الشمس طلعت على عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه [ (3) ] ، وحديث: أنه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنا أكرم على اللَّه من أن يدعني تحت الأرض مائتي عام [ (4) ] ، وحديث: أفطر الحاجم والمحجوم [ (5) ] ...
[إنهما كانا يغتابان] [ (1) ] .
[رابعا: انقياد الشجر]
[رابعا: انقياد الشجر] وأما انقياد الشجر، فخرج مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب ابن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، فذكر الحديث [ (1) ] إلى أن قال: عن جابر بن عبد اللَّه، وسرنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقضي حاجته، فاتبعته بأداوة من ماء، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان [ (2) ] بشاطئ الوادي، فانطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى إحداهما [ (3) ] ، فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي عليّ بإذن اللَّه، فانقادت معه [كالبعير المخشوش الّذي يصانع قائدة، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي عليّ بإذن اللَّه فانقادت معه كذلك] [ (4) ] حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما، لأم بينهما- يعني جمعهما- فقال: التئما عليّ بإذن اللَّه فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحسّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقربي فيبتعد، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفته، فإذا أنا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقبلا
وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقف وقفة فقال برأسه هكذا- وأشار أبو إسماعيل برأسه يمينا وشمالا- ثم أقبل، فلما انتهى إليّ قال: يا جابر، هل رأيت مقامي؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال فانطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن يسارك، قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحسرته فانذلق لي، فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت فقلت: قد فعلت يا رسول اللَّه نعم ذاك، قال: إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفّه عنهما ما دام الغصنان رطبين [ (1) ] . وذكر الحديث. وخرج البيهقي وغيره من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان بالحجون وهو كئيب [حزين] [ (2) ] لما آذاه المشركون، فقال: اللَّهمّ أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها، قال: فأمر فنادى شجرة من قبل عقبه أهل المدينة، فأقبلت تخد الأرض حتى انتهت إليه [فسلمت عليه] [ (3) ] ، قال: ثم أمرها فرجعت إلى موضعها، فقال: ما أبالي من كذبني بعد هذا من قومي [ (4) ] . وفي رواية: فنادى شجرة من جانب الوادي فأقبلت تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه [ (5) ] .
ومن حديث أبي معاوية عن الأعمش، عن أبي سفيان عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- وهو خارج من مكة قد خضبه أهل مكة بالدماء- فقال: مالك؟ قال: خضبني هؤلاء بالدماء، وفعلوا وفعلوا، قال: تريد أن أريك آية؟ قال: نعم، قال: ادع تلك الشجرة، فدعاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجاءت تخط الأرض حتى قامت بين يديه، قال: مرها فلترجع، قال: فارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: حسبي [ (1) ] . ومن حديث يونس بن بكير عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى شعاب مكة- وقد دخله من الغم ما شاء اللَّه من تكذيب قومه إياه- فقال: رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغم، فأوحى اللَّه إليه: أدع أي أغصان هذه الشجرة شئت، فدعى غصنا فانتزع من مكانه، ثم خدّ في الأرض حتى جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ارجع إلى مكانك، فرجع الغصن فخدّ في الأرض حتى استوى كما كان، فحمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وطابت نفسه ورجع، وقد كان قال المشركون: أتضلل [ (2) ] آباءك وأجدادك يا محمد؟ فأنزل اللَّه عزّ وجل: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ، إلى قوله. وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [ (3) ] . قال البيهقي: وهذا المرسل لما تقدم من الموصول شاهد، وقد سخر اللَّه تعالى الشجرة لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلم حتى جعلها آية لنبوته لمن طلب منه آية، وشهدت له الشجرة بالنّبوّة في بعض الرواية. فذكر من طريق محمد بن فضيل عن أبي حبان عن عطاء، عن ابن عمر رضي اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فأقبل أعرابي فلما دنا منه
قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أين تريد؟ قال: إلى أهلي، قال: هل لك إلى خير؟ قال: ما هو؟ قال: تشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، قال: هل من شاهد على ما تقول؟ قال: هذه الشجرة، فدعاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهي على شاطئ الوادي، فأقبلت تخدّ الأرض خدّا، فقامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت له كما قال ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إن يتبعوني آتيك بهم، وإلا رجعت إليك فكنت معك [ (1) ] . وخرجه أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارميّ، عن محمد بن طريف قال: حدثنا محمد بن فضيل بنحو ما أخرجه البيهقي. وخرج البيهقي من حديث شريك عن سماك عن أبي ظبيان، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: بم أعرف أنك رسول اللَّه؟ قال أرأيت لو دعوت هذه العذق من هذه النخلة، فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض، ثم جعل ينقر حتى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قال له: ارجع، فرجع حتى عاد إلى مكانه، فقال: أشهد أنك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وآمن [ (2) ] . [و] رواه البخاري في (التاريخ) عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال: أخبرني شريك فذكره. وخرج البيهقي من حديث أبي معاوية عن الأعمش، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم رجل من بني عامر فقال: إني من أطب الناس، فإن كان بك جنون داويتك! فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم، قال: فادع ذاك العذق، فدعاه، فجاء ينقر على ذنبه حتى قام بين يديه، ثم قال: ارجع، فرجع، فقال: يا بني عامر! ما رأيت أسحر من هذا [ (3) ] . وله من حديث الأعمش، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: جاء رجل من
بني عامر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن عندي طبا وعلما فما تشتكي؟ هل يريبك من نفسك شيء؟ إلى من تدعو؟ قال: أدعو إلى اللَّه عزّ وجل والإسلام، قال: إنك لتقول قولا، فهل لك من آية؟ قال: نعم إن شئت أريتك آية- وبين يديه شجرة- فقال لغصن منها: تعال يا غصن، فانقطع الغصن من الشجرة ثم أقبل ينقر حتى قام بين يديه، فقال: ارجع إلى مكانك فرجع، قال العامري: يا آل عامر بن صعصعة، لا [ألومك] [ (1) ] على شيء قلته أبدا [ (2) ] . ومن طريق الأعمش عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا الّذي يقول أصحابك؟ قال: - وحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعذاق- قال: فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل لك أن أريك آية؟ قال: فدعا عذاقا منها فأقبل يخد الأرض ويسجد، ويرفع رأسه حتى وقف بين يديه، ثم أمره فرجع، قال: فخرج العامري وهو يقول: يا آل عامر بن صعصعة! واللَّه لا أكذبه بشيء يقوله أبدا [ (3) ] . قال البيهقي: كذا قال سالم بن أبي الجعد، وذكر في هذه الرواية تصديق الرجل إياه، كما هو في رواية سماك، ويحتمل أنه توهمه سحرا ثم علم أنه ليس بساحر، فآمن وصدّق، وروى في ذلك عن بريدة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . وخرج البيهقي من حديث يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير، عن جابر قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه [أحد] [ (1) ] فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر، فقال لي: يا جابر خذ الإداوة وانطلق بنا، فملأت الإداوة ماء فمشينا حتى لا نكاد نرى. فإذا شجرتان بينهما أذرع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا جابر، انطلق فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما،
ففعلت، فرجعت حتى لحقت بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته. ثم رجعنا [ (1) ] [فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما علينا الطير يظلّنا، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ومعها صبي تحمله، فقالت يا رسول اللَّه! إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتناوله، فجعله بينه وبين مقدمة الرحل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اخسأ عدوّ اللَّه! أنا رسول اللَّه، قال: فأعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك ثلاث مرات، ثم ناولها إياه، فلما رجعنا فكنا بذلك الماء، عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما والصبي تحمله، فقالت: يا رسول اللَّه، اقبل مني هديتي، فو الّذي بعثك بالحق إن عاد إليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذوا أحدهما وردوا الآخر] [ (2) ] وخرجه أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارميّ [ (3) ] . وخرج البيهقي من حديث زمعة بن صالح [عن زياد] [ (4) ] ، عن أبي الزبير، أنه سمع يونس بن خبّاب الكوفي يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه كان في سفر إلى مكة، فذهب إلى الغائط فكان يبعد حتى لا يراه أحد، قال: فلم يجد شيئا يتوارى به، فبصر بشجرتين، فذكر قصة الشجرتين وقصة الجمل بنحو من حديث جابر، وحديث جابر أصح، قال البيهقي: وهذه الرواية ينفرد به زمعة بن صالح عن زياد، أظنه ابن سعد عن أبي الزبير [ (5) ] . وله من حديث يونس بن بكير، عن الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن يعلي ابن مرة عن أبيه قال: سافرت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سفرا، فرأيت أشياء عجبا، نزلنا منزلا فقال: انطلق إلى هاتين الأشاءتين فقل: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول لكما
أن تجتمعا، فانطلقت فقلت لهما ذلك، وانتزعت كل واحدة منهما من أصلها، فنزلت كل واحدة إلى صاحبتها فالتقتا جميعا، فقضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حاجته من ورائها ثم قال: انطلق فقل لهما: فلتعد كل واحدة إلى مكانها، فأتيتهما فقلت لهما ذلك، فنزلت كل واحدة حتى عادت إلى مكانها. وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أدنيه، فأدنته منه، فتفل في فيه وقال: اخرج عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، ثم قال لها: إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع، فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم استقبلته [ (1) ] ومعها كبشان وأقط وسمن فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذ هذا الكبش فأخذ منه ما أراد، فقالت: والّذي أكرمك، ما رأينا به شيئا منذ فارقتنا. ثم أتاه بعير فقام بين يديه فرأى عينيه تدمعان، فبعث إلى أصحابه فقال: ما لبعيركم هذا يشكوكم؟ فقالوا: كنا نعمل عليه فلما كبر وذهب عمله تواعدنا لننحره غدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فلا تنحروه واجعلوه في الإبل يكون فيها [ (2) ] . وخرج من حديث وكيع عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن [يعلي] ابن مرة عن أبيه قال: رأيت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أشياء: فذكر الحديث بمعنى رواية يونس، إلا أنه زاد: خذ أحد الكبشين ورد الآخر، وخذ السمن والأقط. مرة بن يعلي هو مرة بن أبي مرة الثقفي، وقيل: فيه عن يعلي نفسه أنه قال: رأيت ... فذكر من طريق وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن يعلي بن مرة قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عجبا: خرجت معه في سفر فنزلنا منزلا، فأتته امرأة بصبي لها به لمم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اخرج عدو اللَّه أنا رسول اللَّه، قال: [فبرأ] [ (3) ] ، فلما رجعنا جاءت أم الغلام بكبشين وشيء من أقط وسمن، فقال
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا يعلي، خذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر، وخذ السمن والأقط، قال: ففعلت [ (1) ] . هذا أصح، والأول وهم. قاله البخاري، يعني روايته عن أبيه وهم، إنما هو عن يعلي نفسه، وهم في وكيع مرة، ورواه على الصحة مرة. قال البيهقي: وقد وافقه فيما زعم البخاري أنه وهم يونس بن بكير، فيحتمل أن يكون الوهم من الأعمش واللَّه أعلم. وخرج من حديث شريك عن عمر بن عبد اللَّه بن يعلي بن مرة عن أبيه، عن جده قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي: كنت معه في طريق مكة ... الحديث. قال: ورواه عطاء بن السائب عن عبد اللَّه بن حفص، عن يعلي بن مرة الثقفي قال: ثلاثة أشياء رأيتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينا نحن نسير معه ... ، فذكر قصة البعير وقال: ثم سرنا حتى نزلنا منزلا، فنام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له فقال: هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول اللَّه فأذن لها [ (2) ] ، ثم ذكر قصة المرأة. وخرج الإمام أحمد هذا الحديث من طريق عبد الرزّاق قال: أخبرنا معمر عن عطاء.. فذكره [ (1) ] . قال البيهقي: الرواية الأولى عن يعلي بن مرة في أمر الشجرتين أصح لموافقتها رواية جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، إلا أن يكون أمر الشجرة في هذه. الرواية حكاية عن واقعة أخرى [ (3) ] . وخرج من حديث معاوية بن يحيى الصدفي قال: أخبرني الزهري عن خارجة ابن زيد، قال: قال أسامة بن زيد: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الحجة التي حجها، حتى إذا كنا ببطن الروحاء ... ، فذكر قصة المرأة بزيادة ثم قال: يا أسيم،
انظر هل ترى من خمر لمخرج رسول اللَّه؟ فقلت: يا رسول اللَّه، قد دحس الناس الوادي فما فيه موضع، فقال: انظر هل ترى من نخل أو حجارة؟ فقلت: يا رسول اللَّه قد رأيت نخلات متفرقات ورجما من حجارة، قال: انطلق إلى النخلات فقل لهن: إن رسول اللَّه يأمر كن أن تدانين لمخرج رسول اللَّه، وقل للحجارة مثل ذلك، قال: فأتيتهن فقلت ذاك لهن، فو الّذي بعثه [ (1) ] بالحق نبيا، لقد جعلت انظر الى النخلات يخددن الأرض خدا حتى اجتمعن، وانظر إلى الحجارة يتقافزن حتى صرن رجما خلف النخلات، فأتيته فقلت ذاك له، قال: خذ الإداوة وانطلق، فلما قضى حاجته وانصرف قال: يا أسيم، عد إلى النخلات والحجارة فقل لهن: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأمركن أن ترجعن إلى مواضعكن [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث حيان بن علي، عن صالح بن حيّان عن ابن بريدة عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! قد أسلمت فأرني شيئا أزدد به يقينا، قال: ما الّذي تريد؟ قال: ادع تلك الشجرة فلتأتك، قال: اذهب فادعها، فأتاها الأعرابي فقال: أجيبي رسول اللَّه قال فمالت على جانب من جوانبها فقطعت عروقها، ثم مالت على الجانب الآخر فقطعت عروقها، ثم أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: السلام عليك يا رسول اللَّه، فقال الأعرابي: حسبي حسبي، فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ارجعي فرجعت فجلست على عروقها [وفروعها] [ (3) ] .
وروى يحيى بن أبي عمرو [السيباني] [ (1) ] قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن مسعر عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه قال: قال لي مسروق: أخبرني أبوك أن شجرة أنذرت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالجن [ (2) ] .
[خامسا: انقلاب العود والقضيب سيفا جيدا]
[خامسا: انقلاب العود والقضيب سيفا جيدا] وأما انقلاب العود والقضيب سيفا جيدا: قال الواقدي: فحدثني عمر بن عثمان الحجني عن أبيه عن عمته قالت: [قال] عكّاشة بن محصن: انقطع سيفي في يوم بدر، فأعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عودا فإذا هو سيف أبيض طويل، فقاتلت به حتى هزم اللَّه المشركين، فلم يزل عنده حتى هلك [ (1) ] . وقال يونس عن ابن إسحاق في تسمية من شهد بدرا، قال: وعكاشة بن محصن وهو الّذي قاتل بسيفه يوم بدر حتى انقطع في يده، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعطاه جذلا [ (2) ] من حطب فقال: قاتل بهذا يا عكّاشة، فلما أخذه من يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هزّه فعاد سيفا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح اللَّه على رسوله، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى قتل- يعني في قتال أهل الردة- وهو عنده، فكان ذلك، السيف يسمى العون [ (3) ] . قال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد، عن داود بن الحصين، عن رجال من بني الأشهل عدة، قالوا: انكسر سيف سلمة بن سالم بن حربش يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب [ (4) ] ، فقال: اضرب به، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد [ (5) ] .
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي قال: أخبرنا أشياخنا أن عبد اللَّه بن جحش [ (1) ] جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم أحد وقد ذهب سيفه، فأعطاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عسيبا من نخل، فرجع في يده سيفا [ (2) ] .
[سادسا: حنين الجذع]
[سادسا: حنين الجذع] وأما حنين الجذع: فإنه من الآيات المشهورة، والأعلام الثابتة، التي نقلها خلف الأمة عن سلفها، خرج البخاري من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنه، أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول اللَّه! ألا تجعل لك شيئا تقعد عليه؟ فإن لي غلاما نجارا، قال: إن شئت، قال: فعملت له المنبر، فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على المنبر الّذي صنع، فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أخذها، فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الّذي يسكّت حتى استقرت، قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر. ذكره في كتاب البيوع في باب النجار [ (1) ] . وخرج في باب علامات النبوة من حديث يحيى بن سعيد قال: أخبرني حفص ابن عبيد اللَّه بن أنس بن مالك أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل، فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر فكان عليه، سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع يده عليها فسكت. وذكره في الجمعة في باب الخطبة على المنبر [ (2) ] . قال البيهقي: ولهذا الحديث طرق، عن جابر بن عبد اللَّه، فذكر من طريق الشافعيّ رحمه اللَّه، قال: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج قال:
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد، فلما صنع المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة، حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واعتنقها فسكنت [ (1) ] . وله من حديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق الهمذاني عن سعد بن أبي كرب، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب أسند ظهره إلى خشبة، فلما صنع له المنبر فقدته الخشبة فحنت حنين الناقة الخلوج إلى ولدها، فأتاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت [ (2) ] . ومن طريق الأعمش عن أبي صالح، عن جابر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما جعل له المنبر خطب عليه حنت الخشبة حنين الناقة الخلوج [ (3) ] ، فاحتضنها فسكنت [ (4) ] . ومن طريق أبي عوانة عن الأعمش، عن أبي صالح عن جابر عن أبي إسحاق عن ابن أبي كرب عن جابر قال: كانت خشبة في المسجد فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب عليها فقلنا له: لو جعلنا لك مثل العريش فقمت عليه، ففعل، فحنت الخشبة كما تحن الناقة، فأتاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاحتضنها ووضع يده عليها [ (5) ] . ومن حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن جابر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقوم إلى جذع نخلة فيخطب قبل أن يوضع المنبر، فلما وضع المنبر صعد
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [عليه] فحنّ ذلك الجذع حتى سمعنا حنينه، قال: فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع يده عليه فسكن [ (1) ] . ومن حديث يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن جابر مثله، غير أنه قال: فحنّ حنين العشار [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث يحيى بن كثير أبي غسان، حدثنا أبو حفص عمر ابن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء، قال: سمعت نافعا عن ابن عمر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه [ (2) ] . وقال عبد الحميد: أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا، ورواه أبو عاصم أيمن بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث حماد بن أبي سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع حتى أتاه فاحتضنه فسكن. قال: لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة [ (3) ] . وخرج البيهقي من حديث سليمان بن بلال، عن سعد بن سعيد بن قيس، عن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إذا خطب إلى خشبة ذات فرضتين، أراها من دوم كانت في مصلاه فكان يتكىء إليها، فقال له أصحابه: يا رسول اللَّه! إن الناس قد كثروا فلو اتخذت شيئا تقوم عليه إذا خطبت يراك الناس، فقال: ما شئتم، قال سهل: ولم يكن بالمدينة إلا
نجار واحد، قال: فذهبت أنا وذلك النجار إلى الغابة فقطعنا هذا المنبر من أثلة، قال: فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحنت الخشبة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تعجبون من هذه الخشبة؟ فأقبل الناس عليها فرقّوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأتاها فوضع يده عليها فسكنت، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بها فدفنت تحت منبره أو جعلت في السقف [ (1) ] . ومن حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقوم مسندا ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يوم الجمعة، فخطب الناس فجاءه روميّ فقال: يا رسول اللَّه! ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم؟ فصنع له منبرا درجتين ويقعد على الثالثة، فلما قعد على المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد بخوراه، فنزل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فالتزمه فسكن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: والّذي نفسي بيده، لو لم ألتزمه لما زال كذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم أمر به فدفن [ (2) ] . ومن حديث ابن المبارك قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدثني الحسن عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة ويسند ظهره إلى خشبة، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبرا، فسوي له منبرا إنما كانت له عتبتين، فتحول من الخشبة إلى المنبر، قال: فحنت واللَّه الخشبة حنين الواله [ (2) ] ، قال أنيس: وأنا في المسجد أسمع ذلك، قال: فو اللَّه ما زالت تحن حتى نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المنبر فمشى إليها فاحتضنها فسكنت، فبكى الحسن وقال: يا معشر المسلمين! الخشبة تحن إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شوقا إليه! أفليس الرجال الذين يرجون لقاءه أحق أن يشتاقوا إليه [ (3) ] ؟
ومن حديث إسحاق الأزرق، عن شريك بن عبد اللَّه، عن عمار الدهني، [ (1) ] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: كان لرسول صلّى اللَّه عليه وسلم خشبة يستند إليها إذا خطب، فصنع له كرسي أو منبر، فلما فقدته خارت كما يخور الثور حتى سمعها أهل المسجد، فأتاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاحتضنها فسكنت [ (2) ] . وخرج أبو محمد الدارميّ قال: حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن محمد عن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يصلي [ (3) ] ، إلى جذع [ويخطب عليه إذا كان المسجد عريشا] [ (4) ] ، فقال [له] رجل [ (4) ] من أصحابه [ (5) ] : ألا نجعل لك عريشا [ (6) ] تقوم
عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمع من خطبتك؟ قال: نعم، قال: فصنع له ثلاث درجات [هن اللواتي على المنبر] [ (1) ] ، فلما صنع المنبر ووضع في موضعه، وأراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يقوم على المنبر [مرّ عليه فلما جاوزه] [ (2) ] ، خار [ (3) ] حتى تصدع وانشق، فنزل [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان [ (5) ] عنده في داره حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا [ (6) ] . ومن حديث صالح بن حيان قال: حدثني ابن بريدة عن أبيه قال: قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب قام فأطال القيام، فكان يشق عليه قيامه، فأتي بجذع نخلة فحفر له وأقيم إلى جنبه [قائما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (7) ] ، فكان إذا خطب فطال القيام عليه استند إليه فاتكأ عليه، فبصر به رجل كان ورد المدينة [فرآه قائما إلى جنب ذلك الجذع] [ (7) ] فقال لمن يليه من الناس: لو أعلم أن محمدا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه، فإن شاء جلس ما شاء، وإن شاء قام. فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ائتوني به، فأتوه به فأمره أن يصنع له هذه المراقي [الثلاث أو الأربع هي الآن في منبر المدينة] [ (7) ] ، فوجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في ذلك راحة، فلما فارق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنعت له [ (8) ] ، جزع الجذع فحن كما تحن الناقة حين فارقه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فزعم ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين سمع حنين الجذع رجع إليه فوضع يده عليه وقال: اختر أن أغرسك في المكان الّذي كنت فيه فتكون كما كنت، وإن شئت [أن] [ (7) ] أغرسك في
الجنة فتشرب من أنهارها وعيونها فيحسن نبتك وتثمر فيأكل كل أولياء اللَّه من ثمرك فعلت، فزعم أنه سمع من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يقول له: نعم قد فعلت مرتين، فسئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اختار أن أغرسه في الجنة [ (1) ] . وقال البغوي وعبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: حدثنا عيسى بن سالم أبو سعيد الشاشي، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر- يعني الرقي عن وهب عن عبد اللَّه بن محمد ابن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي إلى جذع [وكان المسجد عريشا] [ (2) ] ، فقال رجال من أصحابه: ألا نجعل شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمع خطبتك؟ فقال: نعم، فصنع له ثلاث درجات فقام عليها كما كان يقوم، فصغى [ (3) ] إليه الجذع فقال له: اسكن، ثم [ (4) ] قال لأصحابه: [هذا الجذع حنّ إليّ، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اسكن] [ (5) ] إن تشأ غرستك [ (6) ] في الجنة فيأكل منك الصالحون، وإن تشأ أعيدك [ (7) ] رطبا كما كنت، فاختار الآخرة على الدنيا، فلما قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دفع إلى أبيّ فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة [ (8) ] . قال البيهقي رحمه اللَّه: هذه الأحاديث التي ذكرناها في أمر الحنانة كلها صحيحة، وأمر الحنانة من الأمور الظاهرة، والأعلام النيرة التي أخذها الخلف عن السلف، ورواية الأحاديث فيه كالتكليف، والحمد للَّه على الإسلام والسنة، وبه العياذ والعصمة [ (9) ] .
وقال أبو [] [ (1) ] ابن عقيل: لا ينبغي أن يتعجب من حنين الجذع ومجيء الأشجار إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فإن من جعل في المغناطيس خاصية تجذب الحديد إليه، يجوز أن يجعل في الرسول خاصية تجذب ذلك إليه. وقال عمرو بن سواد: قال لي الشافعيّ رحمه اللَّه: ما أعطى اللَّه عزّ وجلّ نبيا ما أعطى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت: أعطى عيسى عليه السلام إحياء الموتى، فقال: أعطى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم الجذع الّذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذاك [ (2) ] .
[سابعا: تسليم الأحجار والأشجار عليه صلى الله عليه وسلم]
[سابعا: تسليم الأحجار والأشجار عليه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما تسليم الأحجار والأشجار عليه: فخرج مسلم من حديث سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إني لأعرف [حجرا بمكة] كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن [ (1) ] . وفي لفظ: إن بمكة لحجرا كان يسلم علي ليالي بعثت، إني لأعرفه إذا مررت عليه [ (2) ] وخرج الحاكم من حديث الوليد بن أبي ثور عن السّدي، عن عباد بن عبد اللَّه، عن علي رضي اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . وقال يونس بن بكير: عن إسحاق حدثني عبد الملك بن عبد الملك بن عبد اللَّه بن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة الثقفي- وكان واعية عن بعض أهل العلم-
أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أراد اللَّه كرامته، وابتدأه بالنّبوّة، كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، فيلتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلفه وعن يمينه وعن شماله، فلا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة، وهي تحييه بتحية النبوة: السلام عليك يا رسول اللَّه وخرج الطبراني من حديث إبراهيم بن طهمان، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لما كانت ليالي بعثت، ما مررت بشجر ولا حجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثنا علي بن محمد بن عبيد اللَّه بن عمر بن الخطاب، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية بنت شيبة، عن برة بنت أبي بحراة قالت: لما ابتدأ اللَّه تعالى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بالنّبوّة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى شيئا، وأفضى إلى الشعاب والأودية، ولا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول اللَّه، فكان يلتفت عن يمينه وعن شماله، وخلفه فلا يرى أحدا [ (1) ] . وتقدم عن قريب حديث ابن بريدة عن أبيه قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول اللَّه، قد أسلمت فأرني شيئا أزدد به يقينا، قال: ما الّذي تريد؟ قال: ادع تلك الشجرة فلتأتك، قال: اذهب فادعها، فأتاها فقال: أجيبي رسول اللَّه، فمالت على جانب من جوانبها، فقطعت عروقها، ثم مالت على الجانب الآخر فقطعت عروقها، حتى أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: السلام عليك يا رسول اللَّه. وحديث يعلي ابن مرة أنه قال: سرنا حتى نزلنا منزلا، فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له، فقال، هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأذن لها [ (2) ] .
[ثامنا: تحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره]
[ثامنا: تحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره] وأما تحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره، فخرج البخاري في مناقب أبي بكر رضي اللَّه عنه من حديث سعيد عن قتادة، أن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه حدثهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان [ (1) ] . وذكر الترمذي هذا الحديث بهذا الإسناد، ونحو هذا اللفظ وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرجه البخاري في مناقب عمر رضي اللَّه عنه ولفظه: عن أنس قال: صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا [ (3) ] ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف [بهم فضربه برجله] ، وقال: اثبت فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد [ (4) ] . وخرجه في مناقب عثمان رضي اللَّه عنه ولفظه: إن أنسا حدثهم قال: صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف، فقال: أسكن أحد- أظنه ضربه برجله- فليس عليك [إلا نبي] وصديق وشهيدان [ (5) ] .
وخرج مسلم [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان، وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اهدأ [ (3) ] ، إنما عليك وقال مسلم: فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] . وخرج مسلم عن يحيى بن سعيد، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان على جبل حراء فتحرك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسكن حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، وعليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنهم [ (5) ] . قال أبو عبد اللَّه محمد بن نصر الحميدي: كذا عند مسلم في ما رأينا من نسخ كتابه. وفي رواية سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، لم يذكر عليا
رضي اللَّه عنه وزاد سعدا، وهكذا أخرجه أبو بكر البرقاني في كتابه من حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، كما أخرجه مسلم، وأخرجه البرقاني أيضا من رواية معاوية بن صالح، عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان على حراء، ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فتحرك الجبل فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اسكن حراء، فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، فسكن الجبل. قال الحميدي: في هذا الحديث زيادة فوائد حسنة، وإسناده على شرط مسلم. وخرج النسائي [ (1) ] من حديث جرير عن حصين عن هلال، عن عبد اللَّه بن ظالم قال: دخلت على سعيد بن زيد فقلت: ألا تعجب من هذا الظالم؟ أقام خطباء يشتمون عليا، فقال: أوقد فعلوها؟ أشهد على التسعة إنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لصدقت، كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على حراء فتحرك، فقال: اثبت فما عليك إلا نبي أو صدّيق أو شهيد، قلت: ومن كان على حراء؟ قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، قلنا: فمن العاشر؟ قال: أخبرنا هلال بن يساف لم يسمعه من عبد اللَّه ابن ظالم. وذكره النسائي [ (1) ] من حديث ابن إدريس عن حصين بهذا الإسناد مثله، وذكره [أيضا من حديث سفيان] عن منصور عن هلال بن يساف عن ابن حبان عن عبد اللَّه بن ظالم، عن سعيد بن زيد قال: تحرك حراء فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ... ، فذكر مثله. وخرجه الترمذي من حديث هشيم قال: أخبرنا حصين عن هلال بن يساف [عن عبد اللَّه بن ظالم] [ (2) ] المازني، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، قيل: وكيف ذاك؟
قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ... ، الحديث. وقال: هذا حديث حسن [صحيح] [ (1) ] . قال القاضي عياض: وتحرك الجبل وكلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم له، وقوله: اهدأ فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد، كله من آيات نبوته وإخباره بالغيوب، وانخراق العادات له، فكل من كان عليه بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والصديق ماتوا شهداء، وفيه كرامة عظيمة لهؤلاء الذين كانوا عليه وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وفيه أن من قتل ظلما في غير معترك شهيد، له اسم الشهيد وأجره، وإن لم يكن حكمه في الصلاة والغسل حكمه [ (2) ] .
[تاسعا: رقم اسمه صلى الله عليه وسلم على صفحات المخلوقات]
[تاسعا: رقم اسمه صلّى اللَّه عليه وسلم على صفحات المخلوقات] وأما رقم اسمه صلّى اللَّه عليه وسلم على صفحات المخلوقات: فقال الفقيه الأديب أبو عبد اللَّه محمد بن عمر بن محمد بن أسيد في رحلته: حدثنا شيخنا الفقيه أبو عبد اللَّه محمد المصري قال: ولد عندنا [بتوزر] [ (1) ] ليلة غرة رجب الفرد من عام أربعة وسبعين وستمائة، جدّي أسود غرته بيضاء على شكل الدائرة، وفيها مكتوب: محمد، بخط في غاية الحسن والبيان، فأفلت في ذلك تأليفا سميته: (الغرة اللائحة والمسكة الفائحة في الحظوظ الصمدية والمفاخر المحمدية) ، ونظمت في ذلك قصائد، منها قولي: جدي غدا كالجدي أشرف جنسه ... فمحله فوق السماك الأعزل رقمت به الأقدار صفحة وجهه ... رقما بديعا باسم لأكرم مرسل فتلألأت أنواره الشريف موحد ... إلا وقبّل منه خير مقبّل رويت به [الأنباء] كأنما ... وردت به الأفواه عذب منهل عجب [أتى] رجب به فتأكدت ... بركاته في قلب كل مؤمّل فكأن من قد قال: عش رجبا ترى ... عجبا عناه بالزمان المجمل يا غرة كالصبح نمنم حسنها ... خط من الليل البهيم الأليل أشهى وأحلى في النفوس من الكرى ... وألذ من عذب الدلال التعلل طرز به ازدان الزمان بأسره ... في الحال والماضي وفي المستقبل يا توزر الغراء فزت بغرّة ... غراء في زمن أغر محجّل
جرى ذيول العز من مرح بها ... جرّ الفتاة ذيول برد مسبل أعطيت ما لم يعط مثلك مثله ... شكرا لمولاك العلي المفضل شرف خصصت به وفضل باهر ... يبقى على مر الزمان الأطول هذا طراز الحسن لا ما قاله ... حسّان في حسن الطراز الأول قال جامعه- رحمه اللَّه تعالى-: أخبرني القاضي الأديب يعقوب بن يوسف ابن علي المكناسي قال: شاهدت بمدينة بجابة من بلاد إفريقية رجلا ببياض عينه اليمنى من أسفل [مكتوب بعرق أحمر] كتابة مليحة: محمد رسول اللَّه، وهذه الكتابة لا تظهر حتى يجبذ جفن عينه الأسفل، وأما ما دامت عينه على حالها فلا تظهر الكتابة فإن الجفن يسترها. وقال الحافظ أبو القاسم يحيى بن علي بن محمد بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن هارون، المعروف بابن الصواف وبابن الطحان الحضرميّ المصري في كتاب (أخبار علماء مصر) ، وتوفي سنة ست عشرة وأربعمائة: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد ابن علي قال: سمعت أبا عمران موسى بن إبراهيم الوراق بالرملة يقول: سمعت أحمد ابن أحمد الطبري بطرسوس يقول: ظهر عندنا بطبرستان قوم يقولون: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، فأما محمد فلا نقرّ بنبوّته، واتفقنا طائفة أهل العلم على خلافهم، وكثروا وكثر الغوغاء منهم، وعمل جماعة منا على الرحيل من طبرستان خوفا منا على أنفسنا، وكان الرجل يهجر أباه، وأخاه، وولده، فنحن كذلك في يوم شديد الحر، إذ أظلتنا سحابة بيضاء شديدة البياض، فلم يزل ينشأ حتى أخذت ما بين الخافقتين، وأحالت بين السماء وبين البلد، فلما كان وقت الزوال ظهر في السحابة بخط [مونق] [ (1) ] : لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، فلم يزل كذلك إلى وقت العصر، فتاب كل من كان افتتن، وأسلم أكثر من كان عندنا من اليهود والنصارى [ (2) ] .
وذكر أن في سنة أربع وخمسين وأربعمائة عصفت ريح شديدة بخراسان كريح عاد، انقلعت فيها الجبال وفرت الوحوش، فظن الناس أن القيامة قد قامت، وخافوا وهلعوا هلعا شديدا، وابتهلوا إلى اللَّه تعالى بالدعاء، ونظروا، فإذا نور عظيم قد نزل من السماء على جبل من تلك الجبال، ثم تأملوا الوحوش فإذا هي منصرفة إلى ذلك الجبل الّذي سقط فيه ذلك النور، فصاروا معها إليه، فوجدوا صخرة طولها ذراع في عرض ثلاث أصابع، وفيها ثلاثة أسطر: سطر فيه: لا إله إلا أنا فاعبدون، وسطر فيه: محمد رسول اللَّه القرشي، وسطر ثالث فيه: احذروا وقعة المغرب فإنّها تكون من سبعة أو تسعة، والقيامة قد أزفت. ذكر ذلك في كتاب (عجائب الحكايات وغرائب الماجريات) . وذكر أيضا عن الحافظ السلفي قال: سمعت أبا الحسن الحمامي يقول: رأيت ببلاد سيلان شجرة لها أوراق خضر، وعلى كل ورقة مكتوب بخط أشد خضرة من لون الورق: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، وكان مقدمهم من الأكابر، وكانوا عبدة أوثان فكانوا يقطعونها ويعقون [ (1) ] آثارها، فترجع إلى ما كانت عليه في أقرب وقت، فأذابوا الرصاص وأقلبوه في أصلها، فخرج من حول الرصاص أربع فروع، على كل فرع: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، فصاروا يتبركون بها ويستشفون من المرض إذا اشتد، [ويخلّقونها] [ (2) ] بالزعفران وأجلّ الطيب.
[عاشرا: تظليل الغمام له]
[عاشرا: تظليل الغمام له] وأما تظليل الغمام له، فقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر- يعني الواقدي- قال: حدثني معاذ بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: خرجت حليمة تطلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقد بدت إليهم تقيل، فوجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أماه، ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه إذا وقف، وإذا سار سارت معه حتى انتهى إلى هذا الموضع [ (1) ] . أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن صالح بن عبد اللَّه بن جعفر قال: وحدثنا ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين قالوا: لما خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في المرة الأولى وهو ابن ثنتي عشرة سنة، فلما نزل بصرى من الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا- وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم- حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته، قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مرّوا، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم، وإنما حمله [على دعائهم] أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بين القوم، حتى نزلوا تحت شجرة ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت على تلك الشجرة، ثم أظلت أغصان الشجرة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام، فأتى به، وأرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم، ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا
يا بحيرا! ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: إني أحببت أن أكرمكم ولكم حق، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنّه- ليس في القوم أصغر منه- في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرى إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف، ولا يجد لها عنده، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها مختلفة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال بحيرى: يا معشر قريش! لا يتخلفن منكم أحد عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنّا في رحالهم، فقال: أدعوه فليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع أني أراه من أنفسكم، فقال القوم: هو واللَّه أوسطنا نسبا، وهو ابن أخي هذا الرجل- يعنون أبا طالب- وهو من ولد عبد المطلب، فقال: الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف: واللَّه إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه، وجعل بحيرى يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده، قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم، قام إليه الراهب فقال: يا غلام! أسألك باللات والعزى ألا أخبرتني عما أسألك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تسلني باللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا بغضهما، قال فباللَّه إلا أخبرتني عما أسألك عنه، قال: سلني عما [بدا لك، فجعل] [ (1) ] يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده، تم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضع الصفة التي عنده، قال: فقبّل موضع الخاتم، وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا.. وذكر الحديث [ (2) ] .
أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا موسى بن شيبة عن عميرة بنت عبد اللَّه بن كعب ابن مالك، عن أم سعد بنت سعد عن نفيسة بنت منية أخت يعلي بن منية قالت: لما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمسا وعشرين سنة- فذكر الحديث في خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في تجارة لخديجة بنت خويلد، ومعه غلامها ميسرة، إلى أن قال-: وكان ميسرة يرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره، وكان اللَّه قد ألقى على رسوله المحبة في ميسرة، فكان كأنه عبدا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رجعوا وكانوا بمر الظهران قال: يا محمد! انطلق إلى خديجة فاسبقني فأخبرها بما صنع اللَّه لها على وجهك، فإنّها تعرف ذلك لك، فتقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين دخل وهو راكب على بعيره وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك، ودخل عليها فخبرها بما ربحوا في وجههم، فسرت بذلك، فلما دخل ميسرة عليها أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام..، الحديث [ (1) ] .
[حادي عشر: رميه صلى الله عليه وسلم وجوه المشركين كفا من تراب فملأ أعينهم]
[حادي عشر: رميه صلّى اللَّه عليه وسلم وجوه المشركين كفا من تراب فملأ أعينهم] وأما رميه صلّى اللَّه عليه وسلم وجوه المشركين كفا من تراب فملأ أعينهم، قال موسى بن عقبة في غزوة حنين: ولما غشي رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] القتال قام في الركابين وهو على البغلة ويقولون: نزل فرفع يديه إلى اللَّه يدعوه يقول: اللَّهمّ إني أنشدك ما وعدتني، اللَّهمّ لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا، ونادى على أصحابه فذمّرهم [ (1) ] : يا أصحاب البيعة يوم الحديبيّة، يا أصحاب سورة البقرة، يا أنصار اللَّه وأنصار رسوله، يا بني الخزرج. وقبض قبضة من الحصى فحصب بها وجوه المشركين ونواصيهم كلها وقال: شاهت الوجوه، فأقبل إليه أصحابه سراعا يبتدرونه، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الآن حمي الوطيس، فهزم اللَّه أعداءه في كل ناحية حصبهم فيها رسول اللَّه، وأتبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنمهم اللَّه نساءهم [وذراريهم] [ (2) ] وشاءهم وإبلهم [ (3) ] . وخرج مسلم والنسائي من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب. قال: حدثني كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس رضي اللَّه
عنه: شهدت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار. وقال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اللَّه أكفها إرادة أن لا يسرع، وأبو سفيان أخذ بركاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أي عباس! ناد أصحاب الشجرة، فقال عباس- وكان رجلا صيتا-: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فو اللَّه لكان عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا [هم] [ (1) ] والكفار، والداعين [ (2) ] في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار.. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج [فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج] [ (3) ] فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم وقال: هذا حين حمي والوطيس. قال: ثم أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: انهزموا ورب محمد، قال: فذهبت انظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فو اللَّه ما هو إلا أن رماهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بحصياته [ (4) ] فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا [ (5) ] . زاد النسائي بعد هذا: حتى يعني هزمهم اللَّه. لفظهما فيه متقارب. ذكره النسائي في الجهاد وترجم عليه: رمي الحصا في وجوه الكفار [ (6) ] .
وخرج مسلم من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري بهذا الإسناد نحوه غير أنه قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال: انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة، وزاد في الحديث: حتى هزمهم اللَّه، قال: وكأني انظر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته [ (1) ] . وذكره أيضا من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري قال: أخبرني كثير بن العباس عن أبيه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين.. وساق الحديث، غير أن حديث يونس وحديث معمر أكبر منه وأتم [ (2) ] . وله من حديث عكرمة بن عماد قال: حدثني إياس بن سلمة قال: حدثني أبي قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو تقدّمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو فأرميته بسهم، فتوارى عني فما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا مع [ (3) ] أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فولى أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأرجع منهزما وعليّ بردتان متزرا بإحداهما، مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منهزما وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقد رأى ابن الأكوع فزعا، فلما غشوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال: شاهت الوجوه، فما خلق اللَّه منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من [ (4) ] تلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم اللَّه، وقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين [ (5) ] . وخرج البيهقي من حديث حماد بن سلمة، عن يعلي بن عطاء، عن عبد اللَّه ابن يسار- ويكنى أبا همام- عن أبي عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول
صلّى اللَّه عليه وسلم في حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، قد حان الرواح يا رسول اللَّه، قال: أجل، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا بلال، فثار من تحت سمرة كأن ظله ظل طير فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، قال: أسرج لي فرسي فأتاه برفّتين من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر. قال: فركب فرسه ثم سرنا يومنا، فلقينا العدو وتشامّت الخيلان، فقاتلناهم فولى المسلمون مدبرين، كما قال اللَّه عزّ وجلّ، قال: فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يا عباد اللَّه! أنا عبد اللَّه ورسوله، يا أيها الناس! إني أنا عبد اللَّه ورسوله، واقتحم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن فرسه. وحدّث من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنة من تراب فحثى بها في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه، قال يعلي [ (1) ] بن عطاء: فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم [ (2) ] أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمرّ الحديد على الطست الحديد، فهزمهم اللَّه عزّ وجلّ [ (3) ] . ولأحمد، من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الحارث بن حصين، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال ابن مسعود: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما، ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل اللَّه عليهم السكينة، قال: ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على بغلته يمضي قدما، فحادت بغلته فمال عن السرج فقلت: ارتفع رفعك اللَّه، فقال: ناولني كفا من تراب، فناولته، فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا، ثم قال: أين المهاجرون
والأنصار؟ قلت: هم هنا [ (1) ] ، قال: اهتف بهم، فهتفت بهم، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنهم الشهب، وولى المشركون أدبارهم [ (2) ] . وله من حديث أبي قلابة قال: حدثنا أبو عاصم، حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي قال: أخبرني عبد اللَّه بن عياض بن الحارث الأنصاري عن أبيه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أتى هوازن في اثنى عشر ألفا. فقتل من أهل الطائف يوم حنين مثل من قتل يوم بدر، قال: فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كفّا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا. قال البيهقي: رواه البخاري في التاريخ عن أبي عاصم ولم ينسب عياضا [ (3) ] . وله من حديث البصري عن رجل من قومه شهد ذاك يوم حنين، وعمرو ابن سفيان الثقفي قالا: انهزم المسلمون يوم حنين ولم يبق مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلا عباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن الحارث، قال: فقبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبضة من الحصباء فرمى بها في وجوههم، قال: فانهزمنا فما خيّل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا، قال الثقفي: فأعجرت على فرسي حتى دخلت الطائف [ (4) ] . وله من حديث السائب بن يسار عن يزيد بن عامر الشوائي أنه قال: عند انكشافه انكشف المسلمون يوم حنين فتبعهم الكفار، أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبضة من الأرض ثم أقبل على المشركين فرمى بها وجوههم وقال: حم لا ينصرون، فانهزم القوم وما رميناهم بسهم ولا طعناهم برمح، وفي رواية: فما خلق اللَّه منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا. وخرج الحاكم من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن عثمان بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد عن أبيها سعد بن أبي وقاص قال: لما جال
الناس عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تلك الجولة يوم أحد، تنحيت فقلت: أذود عن نفسي فإما أن أستشهد وإما أن أنجو حتى ألقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فبينا أنا كذلك إذا برجل مخمر الوجه لا أدري [ (1) ] من هو، فأقبل المشركون حتى قلت قد ركبوه، ملأ يده من الحصباء ثم رمى به في وجوههم فتنكبوا على أعقابهم القهقرى حتى يأتوا الجبل، ففعل ذلك مرارا ولا أدري من هو، وبيني وبينه المقداد بن الأسود، فبينا أنا أريد أن أسأل المقداد عنه إذ قال المقداد: يا سعد! هذا رسول اللَّه يدعوك، فقلت: وأين هو؟ [فأشار المقداد] [ (2) ] إليه، فقمت وكأني لم يصبني شيء من أذى، فقال: أين كنت اليوم يا سعد؟ فقلت: حيث رأيت يا رسول اللَّه، فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول: اللَّهمّ سهمك فارم به عدوك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: اللَّهمّ استجب لسعد، اللَّهمّ سدد رميته، [إيها سعد] [ (2) ] فداك أبي وأمي، فما من سهم أرمي به إلا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ سدد رميته وأجب دعوته إيها سعد، حتى فرغت من كنانتي، نثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما في كنانته، فنبلني سهما نضيا، قال: وهو الّذي قد ريش، وكان أشد من غيره. قال الزهري: إن السهام التي رمى بها سعد يومئذ كانت ألف سهم [ (3) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وللبزار من حديث يونس بن أرقم، حدثنا الأعمش عن سماك بن حرب، عن ابن عباس أن عليا ناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم التراب فرمى به في وجوه المشركين يوم حنين.
[ثاني عشر: إشارته صلى الله عليه وسلم إلى الأصنام وسقوطها]
[ثاني عشر: إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الأصنام وسقوطها] وأما إشارته إلى الأصنام وسقوطها، فخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر عن عبد اللَّه قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً] [ (1) ] جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ ذكره البخاري في باب: أين ركز النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الراية يوم الفتح. وذكره في التفسير. وذكره مسلم من طرق في بعضها: بدل نصب صنما، وذكر بعضها مطولا، وفيه: ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قوس- وهو آخذ بسية القوس- فلما أتى على الصنم جعل يطعن في عينه ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [ (2) ] . وقال ابن إسحاق: حدثنا عبد اللَّه بن أبي بكر، عن علي بن عبد اللَّه بن عباس، عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى الكعبة ثلاثمائة صنم، قال: فأخذ قضيبه فجعل يهوي به إلى صنم صنم، وهو يهوي حتى مر عليها كلها [ (3) ] .
وذكر أبو الربيع بن سالم عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول الكعبة أصنام مشددة بالرصاص، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يشير بقضيب في يده وهو يقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع، فقال تميم بن أوس الخزاعي: وفي الأصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا [ (1) ] وخرج البيهقي من طريق سويد، قال القاسم بن عبد اللَّه عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنما، فأشار إلى كل صنم بعصا وقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، فكان لا يشير إلى صنم إلا سقط من غير أن يمسه بعصا. قال البيهقي: هذا الإسناد وإن كان ضعيفا فالذي قبله يؤكده [ (2) ] . وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن إسحاق المسيبي، حدثنا عبد اللَّه بن نافع، حدثنا عاصم بن عمر، عن ابن دينار عن ابن عمر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما دخل مكة وجد بها ثلاثمائة وستين صنما، فأشار بعصاه إلى كل صنم منها وقال: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، فسقط الصنم ولا يمسه [ (2) ] . وقال الواقدي- رحمة اللَّه عليه، وقد ذكر فتح مكة بأسانيده-: ثم طاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبيت على راحلته آخذ بزمامها محمد بن مسلمة، وحول الكعبة ثلاثمائة صنم وستون صنما، مرصصة بالرصاص وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، ويساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، فجعل رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كلما مر بصنم منها يشير بقضيب في يده [ويقول] [ (1) ] جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (2) ] ، فيقع الصنم لوجهه [ (3) ] . قال [الواقدي] [ (1) ] : حدثني ابن أبي سبرة عن حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما يزيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أن يشير بالقضيب إلى الصنم، فيقع لوجهه [ (3) ] . وخرج أبو نعيم من حديث عبد اللَّه بن عمر العمري، عن نافع عن ابن عمر قال: وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما قد ألزقها الشياطين بالنحاس والرصاص، فكان كلما دنا منها بمخصرته تهوي من غير أن يمسها ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً، فتساقط على وجوهها [ (4) ] ، ثم أمر بهن فأخرجن إلى المسيل [ (5) ] . وقال ابن عائذ: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن بشير عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير قال: لما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة كان أول شيء صنعه أي البيت، وكان حوله أصنام اتخذ كل بطن من قريش صنما وكان إساف ونائلة لخزاعة، وكان بين الركن الأسود واليماني، فصرعهما وهو يقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ [ (2) ] ، ثم طاف بالبيت.
[ثالث عشر: إلانة الصخر له صلى الله عليه وسلم]
[ثالث عشر: إلانة الصّخر له صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما إلانة الصخر له، فخرج البخاري في غزوة الخندق، عن عبد الواحد ابن أيمن عن أبيه قال: أتيت جابرا فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كيدة شديدة، فجاءوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: هذه كيدة عرضت في الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم المعلول، فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل أو أهيم [ (1) ] . الحديث. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: وكان في الخندق أحاديث في تصديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وتحقيق نبوته، وعاين ذلك المسلمون منه، وكان مما بلغني: أن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما كان يحدث أنه اشتد عليهم في بعض الخندق كدية [ (2) ] فشكوها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء اللَّه أن يدعو به، ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية [ (2) ] ، فقال من حضرها: فو الّذي بعثه بالحق نبيا لا نهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأسا ولا مسحاة [ (3) ] . وللبيهقي من حديث يونس بن بكير، عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال: حدثني أيمن المخزومي قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: كنا يوم الخندق نحفر الخندق فعرضت فيه كدانة- وهي الجبل- فقلنا: يا رسول اللَّه! إن كدانة قد عرضت فيه، فقال: رشّوا عليها، ثم قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأتاها وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فأخذ المعول أو المسحاة فسمّى ثلاثا ثم ضرب، فعادت كثيبا
أهيل. الحديث [ (1) ] . وله من حديث يونس عن ابن إسحاق قال: حدّثت عن سلمان قال: ضربت في ناحية من الخندق، فعطف عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو قريب مني، فلما رآني أضرب ورأي شدة المكان عليّ نزل وأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب ضربة أخرى فلمعت تحته برقة أخرى، ثم ضرب به الثالثة فلمعت تحته برقة أخرى، فقلت: يا رسول اللَّه! بأبي وأمي، ما هذا الّذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب به؟ فقال: هل رأيت ذلك يا سلمان؟ قلت: نعم، فقال: أما الأولى فإنّ اللَّه عزّ وجلّ فتح عليّ [بها] [ (2) ] اليمن، وأما الثانية فإنّ اللَّه عزّ وجلّ فتح عليّ بها الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن اللَّه فتح عليّ بها المشرق [ (3) ] . قال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم، عن أبي هريرة أنه كان يقول: في زمن عمر وزمن عثمان وما بعده: افتتحوا ما بدا لكم، فو الّذي نفس أبي هريرة بيده، ما افتتحتم من مدينة ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا اللَّه عزّ وجل قد أعطى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم مفاتحها. قال البيهقي: وهذا الّذي ذكره محمد بن إسحاق بن يسار من قصة سلمان قد ذكرنا معناه منقولا عن معاذ بن أبي الأسود، عن عروة، ومغازي موسى ابن عقبة [ (4) ] . قال جامعه رحمه اللَّه: وسيأتي لهذا الحديث طرق إن شاء اللَّه. وقال أبو نعيم الأصفهاني رحمه اللَّه: لما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الغار مال برأسه إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم، فلين اللَّه الجبل حتى أدخل فيه رأسه، واستروح إلى الجبل من حجر أطم فلان له حتى أثّر فيه بذراعيه وساعده، وذلك مشهور يقصده [الحجاج] يزورونه. وعادت صخرة بيت المقدس كهيئة العجين، فربط دابته، والناس يلتمسون ذلك الموضع إلى اليوم.
وقال محمد بن حزم- وقد ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الغار-: فلما فقدته قريش اتبعته بقائف معروف [فقفا] الأثر حتى وقف عند الغار، فقال: هنا انقطع الأثر، فنظروا فإذا العنكبوت قد نسج على فم الغار من وقته، فأيقنوا أن لا أحد فيه فرجعوا، وفتح اللَّه تعالى في الوقت في جانب الغار بابا واسعا خرجا منه في صخرة صلبة صماء، لا تؤثر فيها المعاول، فأما لها اللَّه عزّ وجل إلى اليوم ظاهرة، لا يشك من رآها أنها لو ردّت لسدت المكان، ولا يختلف أحد أن ذلك الباب لو كان هنالك حينئذ لرأته قريش جهارا.
[رابع عشر: تسبيح الحصا في كفه صلى الله عليه وسلم]
[رابع عشر: تسبيح الحصا في كفه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما تسبيح الحصا في كفه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البيهقي وغيره، من قريش بن أنس قال: حدثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري، عن رجل يقال له سويد بن يزيد قال: سمعت أبا ذر رضي اللَّه عنه يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير، تقدمني رأيته كنت أتتبع خلوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فرأيته يوما جالسا وحده فاغتنمت خلوته، فجئت حتى جلست إليه، فجاء أبو بكر رضي اللَّه عنه فسلم ثم جلس عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم جاء عمر رضي اللَّه عنه فسلم ثم جلس عن يمين أبي بكر رضي اللَّه عنه، ثم جاء عثمان رضي اللَّه عنه فسلم وجلس عن يمين عمر رضي اللَّه عنه، وبين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع حصيات- أو قال: تسع حصيات- فأخذهن فوضعهن في كفه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم أخذهن فوضعهن في يد أبي بكر رضي اللَّه عنه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر رضي اللَّه عنه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان رضي اللَّه عنه فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل، ثم وضعهن فخرسن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذه خرفة نبوة. قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن بشار عن قريش بن أنس عن صالح بن أبي الأخضر، وصالح لم يكن حافظا، والمحفوظ رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن، كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة، ذكر له فذكر هذا الحديث عن أبي [ (1) ] ذر رضي اللَّه عنه.
وخرج أبو نعيم من حديث أبي اليمان قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري، قال الوليد- وفي رواية: ذكر الوليد بن سويد- أن رجلا من سليم كبير السن ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر أنه بينما هو قاعد يوما في مجلس وأبو ذر في ذلك المجلس، إذ ذكر عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه، قال السّلمي: وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان عرض له بعض أهل المجلس بذلك، وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة، فلما ذكر قال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيرا، فإنّي أحبه، لقد رأيت منه منظرا، وشهدت منه مشهدا لا أنساه حتى الموت: كنت رجلا ألتمس خلوات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لأسمع منه ولآخذ، فهجرت يوما من الأيام فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد خرج من بيته، فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت، فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس، وكان حينئذ أرى أنه في وحي، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام وقال لي: ما جاء بك، فقلت: جاء بي اللَّه ورسوله، فأمرني أن أجلس فجلست إلى جنبه لا أسأله عن شيء ولا يذكره لي، فمكثت غير كثير ثم جاء أبو بكر رضي اللَّه عنه مسرعا فسلم، فرد السلام ثم قال: ما جاء بك؟ قال: جاء بي اللَّه ورسوله، فأشار إليه بيده أن أجلس إلى ربوة مقابل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطريق بينه وبينها، حتى إذا استوى أبو بكر جالسا أشار بيده فجلس إلى جنبي عن يميني، ثم جاء عمر رضي اللَّه عنه ففعل مثل ذلك، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة، ثم جاء عثمان رضي اللَّه عنه فسلم فرد عليه السلام، فقال: ما جاء بك؟ قال: جاء بي اللَّه ورسوله، فأشار إليه بيده فقعد إلى الربوة، ثم أشار إليه فجلس إلى جنب عمر رضي اللَّه عنه فتكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بكلمة لم أفقه غير أنه قال: قليل ما تبقين، ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل في كف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم ناولهن أبا بكر رضي اللَّه عنه فسبحن في كفه. كما سبحن في كف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم أخذهن منه، فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر رضي اللَّه عنه فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر رضي اللَّه عنه، ثم أخذهن منه فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان رضي اللَّه عنه فسبحن في كفه
كما سبحن في كف عمر رضي اللَّه عنه، ثم أخذهن فوضعهن في الأرض فخرسن. وقد روى هذا الحديث من وجه آخر عن أبي ذر [ (1) ] . وخرج الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر من حديث عمرو بن حماد الفراهيدي قال: حدثنا محرز الغيّاث عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ سبع حصيات في يده فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد أبو بكر، فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عمر رضي اللَّه عنه فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعنا التسبيح، ثم صيرهن في أيدينا رجلا رجلا فما سبحت حصاه منهن. وذكر من طريق يوسف بن الصباح قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد،
حدثنا سعيد عن الحسن عن أنس قال: تناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من الأرض سبع حصيات فسبحن في يده، ثم ناولهن أبا بكر رضي اللَّه عنه فسبحن في يده كما سبحن في يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم ناولهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمر رضي اللَّه عنه فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر، ثم ناولهن عثمان رضي اللَّه عنه فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر وعمر رضي اللَّه عنهم أجمعين.
[خامس عشر: تأمين أسكفة [1] الباب وحوائط البيت على دعائه صلى الله عليه وسلم]
[خامس عشر: تأمين أسكفّة [ (1) ] الباب وحوائط البيت على دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما تأمين أسكفّة الباب وحوائط البيت على دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البيهقي من حديث محمد بن يونس الكديمي [ (2) ] قال: حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن إسحاق بن سعيد بن أبي وقاص الوقاصيّ، حدثنا جدي أبو موسى مالك بن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري، عن أبي أسيد الأنصاري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه: يا أبا الفضل، لا ترم منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فإن لي فيكم حاجة، فانتظروا حتى جاء [بعد ما أضحى فدخل عليهم] [ (3) ] فقال: السلام عليكم، قالوا: وعليك السلام ورحمة اللَّه وبركاته، قال: كيف أصبحتم؟ قالوا: أصبحنا بخير نحمد اللَّه، فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول اللَّه؟ قال: أصبحت بخير، أحمد اللَّه، فقال تقاربوا تقاربوا ليزحف بعضكم إلى بعض ثلاثا، حتى إذا أمكنوه اشتمل عليهم بملاءته وقال: يا رب، هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه، قال: فأمّنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين ... آمين ... آمين [ (4) ] . قال البيهقي: تفرد به عبد اللَّه بن عثمان الوقاصي هذا، وهو ممن سأل عنه عثمان الدارميّ يحيى بن معين فقال: لا أعرفه.
قال المؤلف رحمه اللَّه: هذا الحديث خرجه ابن ماجة، وعبد اللَّه هذا يروي عن جده لأمه مالك بن حمزة، وصباح الرومي، ويروي عنه إبراهيم بن عبد اللَّه الهروي، وأحمد بن أخي ابن وهب، والكديمي وجملة. قال أبو حاتم: شيخ يروي أحاديث مشتبهة. وقد خرجه ابن ماجة رحمه اللَّه تعالى في الأدب، عن إسحاق ابن إبراهيم بن عبد اللَّه بن حاتم الهروي، عن عبد اللَّه الوقاصي.
[سادس عشر: نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم]
[سادس عشر: نبع الماء من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما نبع الماء من بين أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث حماد بن زيد عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا بماء- وقال البخاري: بإناء من ماء- فأتى بقدح رحراح فيه شيء من ماء فوضع أصابعه فيه، قال أنس رضي اللَّه عنه فجعلت انظر إلى الماء ينبع من بين أصابعه. قال أنس: فحزرت من توضأ ما بين السبعين إلى الثمانين، وقال مسلم: فأتى بقدح رحراح فجعل القوم يتوضءون فحزرتهم ما بين السبعين إلى الثمانين. ذكره البخاري في كتاب الطهارة في باب الوضوء من التور، وذكره مسلم في أول المناقب. وللبخاريّ من حديث يزيد قال: أخبرنا حميد عن أنس قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار إلى أهله [ (3) ] ، وبقي قوم، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء، [فوضع كفه] [ (4) ] فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه، [فضم أصابعه فوضعها في المخضب] [ (5) ] فتوضأ القوم كلهم [جميعا] [ (5) ] ، قلت: كم
كانوا [ (1) ] ؟ قال: ثمانون رجلا [ (1) ] . ذكره في باب علامات النبوة في الإسلام، وذكره [في كتاب] الطهارة في باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، من حديث عبد اللَّه بن بكر قال: حدثنا حميد عن أنس ... الحديث، وقال: فقام من كان قريب الدار من أهله، وقال في آخره: قلنا: كم كنتم؟ قال: ثمانين وزيادة [ (2) ] . وله من حديث عبد الرحمن بن المبارك قال: حدثنا حزم قال: سمعت الحسن [يقول:] حدثنا أنس قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض مخارجه ومعه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة ولم يجدوا ماء يتوضءون، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فتوضأ ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم قال: قوموا فتوضئوا، فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء، وكانوا سبعين أو نحوه. ذكره في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحانت [ (4) ] صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بوضوء فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده في ذلك الإناء [ (5) ] ، وأمر الناس أن يتوضئوا منه، قال: فرأيت الماء
ينبع من تحت أصابعه صلّى اللَّه عليه وسلم، [فتوضأ الناس] [ (1) ] حتى توضئوا من عند آخرهم. ذكره البخاري في المناقب [ (2) ] ، وفي الطهارة في باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة [ (3) ] . وخرجه الترمذي في المناقب وقال: حديث حسن صحيح [ (4) ] . وخرج البخاري [ (5) ] ومسلم [ (6) ] من حديث ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة، عن أنس قال: أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة. وخرج مسلم من حديث معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه بالزوراء قال: والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد فيها، ثم دعا بقدح فيه ماء فوضع كفه فيه فجعل ينبع بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة [ (6) ] . وخرج من حديث [سعيد] عن قتادة عن أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان بالزوراء، فأتى بإناء ماء لا يغمر أصابعه أو قدر ما يواري أصابعه، ثم ذكر نحو حديث هشام [ (7) ] .
وخرج البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثنا أخي عن سليمان- وهو ابن بلال- عن عبيد اللَّه بن عمر عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قباء فأتى من بعض بيوتهم بقدح صغير، قال: فأدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يده فلم يسعه القدح، فأدخل أصابعه الأربع ولم يستطع أن يدخل إبهامه ثم قال للقوم: [هلموا] إلى الشراب، قال أنس: بصر عينيّ نبع الماء من بين أصابعه، فلم يزل القوم يردون القدح حتى رووا منه جميعا [ (1) ] . قال البيهقي: هذه الروايات عن أنس تشبه أن يكون كلها خبرا عن واقعة [واحده، وذلك حين خرج إلى قباء، ورواية قتادة عن أنس تشبه أن تكون خبرا عن واقعة أخرى، واللَّه أعلم] [ (2) ] . وخرج عن الرزاق من حديث معمر عن ثابت وقتادة، عن أنس قال: نظر بعض أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وضوءا فلم يجدوا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم هاهنا ماء، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وضع يده في الإناء الّذي فيه الماء، ثم قال: توضئوا باسم اللَّه، قال: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه والقوم يتوضئون حتى توضئوا من آخرهم، قال ثابت: قلت لأنس: كم تراهم كانوا؟ قال: نحوا من سبعين [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث حصين عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: عطش الناس يوم الحديبيّة والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم بين يديه ركوة، فجهش الناس نحوه، قال: ما لكم؟ قالوا ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم قال: لو كنا مائة ألف لكفانا،
كنا خمس عشرة مائة. ذكره في باب علامات النبوة [ (1) ] ، وذكره في عمرة الحديبيّة [ (2) ] أيضا، وقال: عن جابر عطش الناس ... الحديث إلى آخره بنحوه، وقال فيه: فجعل الماء يفور، وفيه: كم كنتم يومئذ ... الحديث مثله. وخرج في كتاب الأشربة من حديث الأعمش قال: حدثني سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد اللَّه هذا الحديث قال: قد رأيتني مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقد حضرت العصر وليس معنا ماء غير فضلة، فجعل في إناء فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم به، فأدخل يده فيه وفرج أصابعه ثم قال: حي على أهل الوضوء والبركة من اللَّه، فلقد رأيت الماء ينفجر من بين أصابعه، فتوضأ الناس وشربوا، فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه، فعلمت أنه بركة. قلت لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألف وأربعمائة. تابعه عمرو بن دينار عن جابر، وقال حصين عن جابر. ترجم عليه: باب شرب البركة والماء المبارك [ (3) ] . وخرج البيهقي من حديث أبي عوانة، عن الأسود عن قيس عن نبيح [ (4) ] العنزي قال: قال جابر بن عبد اللَّه: غزونا أو سافرنا [ونحن] [ (5) ] مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونحن يومئذ بضع عشرة مائة، فحضرت الصلاة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل في القوم من طهور؟ فجاء رجل يسعى باداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره، وصب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح، قال: فركب الناس ذلك القدح وقال: تسمحوا تمسحوا، فقال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك، قال: فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كفه في الماء والقدح وقال: سبحان اللَّه! ثم قال: أسبغوا الوضوء. فو الّذي ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون: عيون الماء تخرج من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم يرفعها حتى توضئوا أجمعون [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد، عن عباد ابن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم [ (2) ] ، فذكر الحديث إلى أن قال: فأتينا العسكر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يا جابر ناد بوضوء، فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: قلت: يا رسول اللَّه ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، قال: فقال لي: انطلق إلى فلان بن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسه. فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه لشربه يابسة، فقال: اذهب فأتني به، فأتيته به فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيده، ثم أعطانيه فقال: يا جابر، ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الركب، فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيده الجفنة هكذا فبسطها وفرق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: خذ يا جابر فصب عليّ وقل: باسم اللَّه، فصببت عليه وقلت: باسم اللَّه، فرأيت الماء يتفوّر من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم فأرت الجفنة ودارت حتى أمتلأت، ثم قال: يا جابر، ناد من كان له حاجة بماء، قال: فأتى الناس فاستقوا
حتى رووا، قال: فقلت: هل بقي أحد له حاجة؟ فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى [ (1) ] . وذكر الحديث. وخرج البيهقي- رحمه اللَّه- من حديث عبد اللَّه بن يزيد المقري قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن نعيم الحضرميّ قال: [ (2) ] سمعت زياد بن الحرث الصّدائي [صاحب رسول اللَّه] [ (3) ] ، يحدث قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فبايعته على الإسلام فذكر الحديث [إلى أن قال] [ (3) ] ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعتشى من أول الليل- أي سار من أول الليل- فلزمته وكنت قويا، وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون، حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أذان صلاة الصبح أمرني فأذّنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول اللَّه؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفجر فيقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرّز ثم انصرف إليّ وقد تلاحق أصحابه فقال: هل من ماء يا أخا صداء؟ فقلت: لا، إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اجعله في إناء ائتني به، ففعلت، فوضع كفه في الماء، قال الصدائي: فرأيت بين إصبعين من أصابعه عينا تفور!! فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لولا أني استحيي من ربي لسقينا واستقينا، ناد في أصحابي من كان له حاجة في الماء، فناديت فيهم، فأخذ من أراد منهم. فذكر الحديث [ (4) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث أبي كدينة عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء، فقال رجل: يا رسول اللَّه ليس في العسكر ماء، قال: هل عندك شيء؟ قال: نعم، فأتى بإناء فيه شيء من ماء، قال: فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أصابعه في فم الإناء، وفتح أصابعه، قال: فلقد رأيت العيون تنبع من بين أصابعه، قال: فأمر بلالا ينادي في الناس: الوضوء المبارك [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه بن مسعود قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فقلّ الماء فقال: اطلبوا فضله من ماء، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من اللَّه، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل. ذكره في باب علامات النبوة [ (2) ] . قال الحفاظ أبو عمر بن عبد اللَّه بن عبد البر: الّذي أوتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من هذه الآية المعجزة، أوضح في آيات الأنبياء وأعلامهم مما أعطي موسى عليه السلام إذ ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا، وذلك أن الحجارة مما يشاهد انفجار الماء منها، ولم يشاهد قط أحد من الآدميين يخرج من بين أصابعه الماء إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد برع بنحو ما قلت المزني وغيره. قال الإمام الحافظ أبو نعيم: وهذه الآية من أعجب الآيات أعجوبة، وأجلها معجزة، وأبلغها دلالة، شاكلت دلالة موسى عليه السلام في تفجر الماء من الحجر حين ضرب بعصاه، لا بل هذا أبلغ من الأعجوبة، لأن نبع الماء من بين اللحم والعظم أعظم من خروجه من الحجر، لأن الحجر سنخ [ (3) ] من أسناخ الماء، مشهور في المعلوم، مذكور في المتعارف، وما رئي وما سمع بماء قط في ماضي
الدهور نبع وانفجر من أجساد بني آدم، حتى صدر عنه الجم الغفير من الناس والحيوان رواء، وانفجار الماء من الأحجار ليس بمنكر ولا بديع، وخروجه وتفجره من بين الأصابع معجز بديع [ (1) ] . قال المؤلف رحمه اللَّه: وحديث تفجر الماء من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يرتاب في صحته إلا فاسد العقيدة مدخول في دينه، فقد روي من طرق كثيرة عن عشرة من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنهم شاهدوا ذلك، هم: عبد اللَّه بن مسعود، وجابر بن عبد اللَّه، وأبو قتادة، وأنس بن مالك، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو ليلى، والبراء بن عازب، وأبو رافع، وعبد اللَّه بن أبي أوفى، وسلمة بن الأكوع، رضي اللَّه عنهم. قال القاضي عياض- رحمه اللَّه- ومثل هذا في هذه المواطن الحفلة، والجموع الكثيرة، لا تتطرق التهمة إلى المتحدث بها، لأنهم كانوا أسرع شيء إلى تكذيبه لما جبلت عليه النفوس من ذلك، لأنهم كانوا ممن لا يسكت على باطل، فهؤلاء قد رأوا هذا وأشاعوه، ونسبوا حضور الجماعة الغفير له، ولم ينكر أحد من الناس عليهم ما حدثوا به عنهم أنهم فعلوه، فصار كتصديق جميعهم له [ (2) ] .
[سابع عشر: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في تكثير الماء القليل]
[سابع عشر: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في تكثير الماء القليل] وأما ظهور بركته في تكثير الماء القليل الّذي كان في الميضأة، فخرج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي قتادة قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، وتأتون الماء إن شاء اللَّه غدا، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، قال أبو قتادة: فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسير حتى ابهارّ [ (1) ] الليل وأنا إلى جنبه. قال: فنعس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمال عن راحلته، فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى تهوّر [ (2) ] الليل مال عن راحلته، قال: فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الأوليين حتى كاد ينجفل، فأتيته فدعمته، فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة، قال: متى كان هذا مسيرك مني؟ قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال: حفظك اللَّه بما حفظت به نبيه، ثم قال: هل ترانا نخفي على الناس؟ ثم قال: هل ترى من أحد؟ قلت: هذا راكب آخر [ثم قلت هذا راكب آخر] [ (3) ] حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب. قال: فمال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الطريق [فوضع رأسه] [ (3) ] ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والشمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين، ثم قال: اركبوا، فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس، ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء، قال: فتوضأ منها وضوءا دون وضوء، قال:
وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال لأبي قتادة: احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ، ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة، فصنع كما يصنع كل يوم، قال: وركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وركبنا معه. قال: وجعل بعضنا يهمس إلى بعض: ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثم قال: ما لكم فيّ أسوة؟ ثم قال: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال: ما ترون الناس صنعوا؟. قال: ثم قال: أصبح الناس فقدوا نبيهم، فقال أبو بكر وعمر رضي اللَّه عنهما: يا رسول اللَّه، بعدكم لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أيديكم، فإن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا، قال: فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمى كل شيء وهم يقولون: يا رسول اللَّه! هلكنا عطشا، فقال: لا هلك عليكم، ثم قال: أطلقوا إلي غمري. قال: ودعا بالميضأة، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة، تكابوا عليها، فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أحسنوا الملأ، كلكم سيروى، قال: ففعلوا، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: ثم صب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لي: اشرب، فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول اللَّه، فقال: ساقي القوم آخرهم. قال: فشربت وشرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: وأتى الناس الماء جامين [ (1) ] . رواء، قال: فقال عبد اللَّه بن رباح: إني لأحدث هذا الحديث في المسجد الجامع، إذ قال عمران بن حصين: انظر أيها الفتى كيف تحدث، فإنّي أحد الركب تلك الليلة، قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث، فقال من أنت؟ قلت: من الأنصار، قال: حدّث فأنت أعلم بحديثكم، قال: فحدثنا القوم، فقال عمران: لقد
شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته [ (1) ] . وخرجه البيهقي من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر فقال: أن لا تدركوا الماء تعطشوا؟ فانطلق سرعان الناس يريد الماء، ولزمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة، فمالت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم راحلته، فنعس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمال فدعمته فادّعم، ومال فدعمته فادّعم، ثم مال [فدعمته] فادّعم ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال: من الرجل؟ فقلت: أبو قتادة، فقال: حفظك اللَّه بما حفظت به رسول اللَّه، ثم قال: لو عرسنا، فمال إلى شجرة فنزل فقال: انظر هل ترى أحدا؟ فقلت: هذا راكب، هذا راكبان، حتى بلغ سبعة، فقال: احفظوا علينا صلاتنا. قال: فنمنا فما أيقظنا إلا حرّ الشمس، فانتبهنا فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وسار وسرنا هنيهة ثم نزل فقال: أمعكم ماء؟ فقلت: نعم ميضأة فيها شيء من ماء، قال: فأتني بها فأتيته بها فقال: صبوا منها، فتوضأ القوم وبقي في الميضأة جرعة فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة، فإنه سيكون لها شأن. ثم أذن بلال فصلى الركعتين قبل الفجر، ثم ركب وركبنا، فقال بعضنا لبعض: فرطنا في صلاتنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإليّ، قلنا: يا رسول اللَّه! فرطنا في صلاتنا، قال لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها من الغد لوقتها، ثم قال: ظنوا بالقوم فقلنا: إنك قلت بالأمس: أن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا، فأتى الناس الماء، فقال: أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم. فقال بعض القوم: إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا، فأتى الناس الماء وفي القوم أبو بكر وعمر قالا: أيها الناس، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى
الماء ويخلّفكم، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا- قالها ثلاثا- فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه! هلكنا عطشا، انقطعت الأعناق، قال: لا هلاك عليكم اليوم، ثم قال: يا أبا قتادة، ائتني بالميضأة، فأتيته بها، فقال: حل لي عن غمري- يعني قدحه- فحللته فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فقال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أحسنوا الملأ فكلكم سيصدر عن ري، فشرب القوم حتى لم يبق غيري ورسول اللَّه، فصب لي فقال: اشرب يا أبا قتادة، قلت: اشرب أنت يا رسول اللَّه، فقال: إن ساقي القوم آخرهم، فشربت ثم شرب بعدي، وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها، وهم يومئذ ثلاثمائة ... الحديث. قال حماد: وحدثنا حميد عن بكر بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي قتادة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مثله وزاد فيه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه، فإذا عرس قرب الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده [ (1) ] . وخرجه أيضا من طريق الحافظ أبي أحمد عبد اللَّه بن عدي قال: أخبرنا أبو يعلي، حدثنا شيبان بن سعيد بن سليمان- يعني الضّبعيّ- حدثنا أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جهز جيشا إلى المشركين فيهم أبو بكر رضي اللَّه عنه، فقال لهم: اغذوا السير، فإن بينكم وبين المشركين ماء، إن سبق المشركون إلى ذلك الماء شق على الناس وعطشتم عطشا شديدا أنتم ودوابكم، قال: وذكر الحديث [ (2) ] . قال البيهقي: وتمام الحديث فيما ذكر شيخنا أبو عبد اللَّه الحافظ، عن أبي محمد المزني، عن أبي يعلى بهذا الإسناد، وقال تخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في ثمانية أنا تاسعهم، قال لأصحابه: هل لكم أن نعرّس قليلا ثم نلحق بالناس؟ قالوا: نعم
يا رسول اللَّه، فعرسوا فما أيقظهم إلا حرّ الشمس، فاستيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، واستيقظ أصحابه فقال لهم: تقدموا واقضوا حاجتكم، ففعلوا ورجعوا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال لهم: هل مع أحد منكم ماء؟ قال رجل منهم: يا رسول اللَّه. معي ميضأة فيها شيء من ماء، قال: جيء بها، فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمسحها بكفه ودعا بالبركة فيها، فقال لأصحابه: تعالوا فتوضئوا، فجاءوا فجعل يصبّ عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى توضئوا، وأذن رجل منهم وأقام، فصلى بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال لصاحب الميضأة: ازدهر بميضأتك فسيكون لها نبأ. وركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل الناس وقال لأصحابه: ما ترون الناس فعلوا؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم، فقال لهم: فيهم أبو بكر وعمر وسيرشد الناس، وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء فشق على الناس وعطشوا عطشا شديدا، ركائبهم ودوابهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أين صاحب الميضأة؟ قال: هو ذا يا رسول اللَّه، قال جئني بميضأتك، فجاء بها وفيها شيء من ماء، فقال لهم: تعالوا فاشربوا، فجعل يصب لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى شرب الناس كلهم، وسقوا دوابهم وركائبهم، وملئوا كل إداوة وقربة ومزادة، ثم نهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين، فبعث اللَّه ريحا، فهرب وجوه المشركين، وأنزل اللَّه نصره وأمكن من أدبارهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا أسارى واستاقوا غنائم كثيرة، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والناس وافرين صالحين [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثني [عبد اللَّه بن عبد] [ (2) ] العزيز أخو عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن أبي صعصعة المازني، عن خلاد بن سويد عن أبي قتادة قال: بينا نحن نسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الجيش ليلا وهو قافل من تبوك وأنا معه، إذ خفق خفقة وهو على راحلته، فمال على شقة فدنوت منه فدعمته، فانتبه فقال: من هذا؟ قلت: أبو قتادة يا رسول اللَّه، خفت أن تسقط فدعمتك، فقال: حفظك اللَّه كما حفظت رسوله، ثم سار غير كثير ففعل مثلها فدعمته فانتبه فقال:
يا أبا قتادة، هل لك في التعريس؟ فقلت: ما شئت يا رسول اللَّه، فقال: انظر من خلفك، فنظرت فإذا رجلان أو ثلاثة، فقال: ادعهم، فقلت: أجيبوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجاءوا فعرّسنا ونحن خمسة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وبقي إداوة فيها ماء وركوة لي أشرب فيها، فما انتبهنا إلا بحر الشمس، فقلت: إنا للَّه! فاتنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لنغيظن الشيطان كما غاظنا، فتوضأ من الإداوة ففضل فضلة فقال: يا أبا قتادة، احتفظ بما في الإداوة والركوة فإن لها شأنا، ثم صلى بنا الفجر بعد طلوع الشمس، فقرأ بالمائدة، فلما انصرف من الصلاة قال: أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا، وذلك أن أبا بكر وعمر رضي اللَّه عنهما أرادا أن ينزلا بالجيش على الماء فأبوا عليهما، فنزلوا بفلاة من الأرض على غير ماء بفلاة من الأرض، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلحق الجيش عند زوال الشمس ونحن معه، وقد كادت تقطع أعناق الرجال والدواب عطشا، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالركوة فأفرغ ما في الإداوة فيها، فوضع أصابعه عليها، فنبع الماء من بين أصابعه، وأقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا هم ورواحلهم [ (1) ] ، وكان في العسكر اثنى عشر ألف بعير، ويقال: خمسة عشر ألف بعير، والناس ثلاثون ألفا، والخيل عشرة آلاف. وذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي قتادة: احتفظ بالركوة والإداوة [ (2) ] .
[ثامن عشر: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في مزادتي [1] المرأة]
[ثامن عشر: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في مزادتي [ (1) ] المرأة] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في مزادتي المرأة، فخرج البخاري ومسلم من حديث سلم بن زرير العطاردي قال: سمعت أبا رجاء العطاري عن عمران بن حصين قال: كنت مع نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مسيرته، فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان في وجه الصبح عرّسنا، فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس- وقال البخاري حتى ارتفعت الشمس- قال: فكان أول من استيقظ منا أبو بكر رضي اللَّه عنه، وكنا لا نوقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من منامه إذا نام حتى يستيقظ، ثم استيقظ عمر رضي اللَّه عنه فقام عند نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قال: ارتحلوا، فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم ولم يصل معنا، فلما انصرف قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا فلان! ما منعك أن تصلي معنا؟ فقال: يا نبي اللَّه أصابتني جنابة، فأمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتيمم بالصعيد فصلى، ثم عجلني في ركب بين يديه، نطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا، فبينما نحن نسير، إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين [ (1) ] ، فقلنا لها: أين الماء؟ قلت: أيهاه أيهاه [ (2) ] ، لا ماء لكم، قلنا: فكم بين أهلك وبين الماء؟ قالت مسيرة يوم وليلة، قلنا: انطلقي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: وما رسول اللَّه؟ فلم نملكها من أمرها شيئا حتى انطلقنا بها، فاستقبلنا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فسألها فأخبرته مثل الّذي أخبرتنا به، وأخبرته أنها مؤتمة لها
صبيان أيتام، فأمر بروايتيها فأنيخت، فمجّ في العزلاوين العلياوين [ (1) ] ، ثم بعث براويتها فشربنا ونحن أربعون رجلا عطاش حتى روينا وملأنا كل قربة معنا وإداوة، وغسّلنا صاحبنا [ (2) ] ، غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تنضرج [ (3) ] من الماء- يعني المزادتين- ثم قال: هاتوا ما كان عندكم، فجمعنا لها من كسر وتم، وصرّ لها صرّة فقال لها: اذهبي فأطعمي هذا عيالك، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك، فلما أتت أهلها قالت: لقد لقيت أسحر البشر أو أنه نبي كما زعم، كان من أمره ذيت وذيت، فهدى اللَّه ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا [ (4) ] . اللفظ لمسلم، ذكره في كتاب الطهارة [ (5) ] ، وهو أتم من لفظ البخاري وأكثر. وقال البخاري في حديثه: فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فنزل وصلى بنا الغداة، فاعتزل رجل. وقال فيه: فقلنا لها: أين الماء؟ فقالت: إنه لا ماء، ولم يقل: أيهاه أيهاه، ولم يقل فيه: غسلنا صاحبنا، وقال فيه: وهي تكاد من الماء. ذكره في باب علامات النبوة [ (6) ] . وأخرجاه من حديث عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن الحصين قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فسرنا ليلة حتى إذا كنا من آخر الليل قبيل الصبح، وقعنا تلك الوقعة التي لا وقعة عند المسافر أحلى منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس. وساق الحديث بنحو حديث سلم بن زرير،
وزاد ونقص، وقال في الحديث: فلما استيقظ عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه رأى ما أصاب الناس- وكان أجوف جليدا- فكبر ورفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لشدة صوته بالتكبير، فلما استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شكوا إليه الّذي أصابهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا ضير، ارتحلوا، واقتصّ الحديث. لم يزد مسلم على هذا [ (1) ] . وخرجه البخاري من حديث عوف قال، حدثنا أبو رجاء عن عمران قال: كنا في سفر مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة، ولا وقعة عند المسافر أحلى منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس، فكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان يسميهم أبو رجاء، فنسي عوف ثم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه الرابع، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو المستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس- وكان رجلا جليدا فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما استيقظ صلّى اللَّه عليه وسلم شكوا إليه الّذي أصابهم فقال: لا ضير أو لا يضير، ارتحلوا فارتحل، فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصلّ مع القوم، فقال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم سار رسول اللَّه فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلانا، - كان يسميه أبو رجاء، نسيه عوف- ودعا عليا رضي اللَّه عنه فقال: اذهبا فابتغيا الماء، فانطلقا فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا خلوفا، قالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت إلى الّذي يقال له الصابيء؟ قالا: هو الّذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.. وحدثنا الحديث. قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم
بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكأ أفواههما، وأطلق العزالي ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء وأعطى، وكان آخر ذاك أن أعطى الّذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: اذهب فأفرغه عليك، وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وأيم اللَّه لقد أقلع عنها، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أجمعوا لها، فجمعوا لها ما بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوها في ثوب وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: تعلمين ما رزئنا من مائك شيئا ولكن اللَّه هو الّذي أسقانا، فأتت أهلها- وقد احتبست عنهم- قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب! لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الرجل الّذي يقال له الصابيء، ففعل كذا وكذا، واللَّه إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه، وقالت بإصبعيها الوسطى، والسبابة، فرفعتهما إلى السماء تعنى السماء والأرض، أو إنه لرسول اللَّه حقا، فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون الصّرم الّذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أدري أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام [ (1) ] . وخرج عبد الرزاق من حديث معمر، عن عوف عن أبي رجاء، عن عمران قال: سرى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر هو وأصحابه، قال: فأصابهم عطش شديد، فأقبل رجلان من أصحابه- قال: أحسبه عليا والزبير رضي اللَّه عنهما أو غيرهما- قال: إنكما ستجدان امرأة بمكان كذا وكذا، معها بعير عليه مزادتان فأتيا بها، قال: فأتيا المرأة فوجداها قد ركبت بين مزادتين على البعير، فقالا لها: أجيبي رسول اللَّه، قالت: ومن رسول اللَّه؟ أهذا الصابيء؟ قالا: هو الّذي تعنين وهو رسول اللَّه حقا، فجاءا بها، فأم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجعل في إناء من مزادتيها ثم قال فيه ما شاء اللَّه أن يقول، ثم أعاد الماء في المزادتين ثم أمر بعزلاء المزادتين ففتحتا، ثم أمر الناس فملئوا آنيتهم وأسقيتهم، فلم يدعوا يومئذ إناء ولا سقاء إلا ملئوه، قال عمران:
فكان يخيل إليّ أنها لم تزدد إلا امتلاء. قال: فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بثوبها فبسط، ثم أمر أصحابه فجاءوا من زادهم حتى ملئوا لها ثوبها، ثم قال لها: اذهبي فإنا لم نأخذ من مائك شيئا، ولكن اللَّه عزّ وجلّ سقانا، قال فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت: جئت من عند أسحر الناس أو أنه لرسول اللَّه حقا، قال: فجاء أهل ذلك الصّرم [ (1) ] حتى أسلموا كلهم. وخرج البيهقي رحمه اللَّه من حديث يونس بن بكير، عن عباد بن منصور الناجي قال: حدثني أبو رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج في سبعين راكبا فسار بأصحابه، وأنهم عرّسوا قبل الصبح، فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه حتى طلعت الشمس، فاستيقظ أبو بكر رضي اللَّه عنه فرأى الشمس قد طلعت فسبّح وكبّر، كأنه كره أن يوقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى استيقظ عمر رضي اللَّه عنه، فاستيقظ رجل جهير الصوت، فسبح وكبر ورفع صوته جدا، حتى استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول اللَّه! فاتتنا الصلاة، قال: لم تفتكم، ثم أمرهم فركبوا وساروا هنيهة، ثم نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ونزلوا معه، وكأنه كره أن يصلي في المكان الّذي نام فيه عن الصلاة، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ائتوني بماء، فأتوه بجريعة من ماء في مطهرة، فصبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في إناء ثم وضع يده في الماء ثم قال لأصحابه: توضئوا، فتوضأ قريب من سبعين رجلا، ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن ينادى بالصلاة، فنودي بها، ثم قام فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما انصرف إذا رجل من أصحابه قائم، فلما رآه قال له: ما منعك أن تصلي؟ قال: يا رسول اللَّه أصابتني جنابة، قال: فتيمم بالصعيد، فإذا فرغت فصل، وإذا أدركت الماء فاغتسل.
وأصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه لا يدرون أين الماء منهم، فبعث عليا رضي اللَّه عنه معه نفر من أصحابه يطلبون له الماء، فانطلق في نفر فسار يومه وليلته، ثم لقي امرأة على راحلة بين مزادتين، فقال لها علي رضي اللَّه عنه: من أين أقبلت؟ فقالت: [إني استقيت] [ (1) ] لأيتام، فلما قالت له وأخبرته أن بينه وبين الماء مسيرة ليلة وزيادة على ذلك، قال عليّ واللَّه لئن انطلقنا لا نبلغ حتى تهلك دوابّنا ويهلك من هلك منا، ثم قال: ننطلق بهاتين المزادتين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى ينظر في ذلك، فلما جاء عليّ وأصحابه، وجاءوا بالمرأة على بعيرها بين مزادتين، قال عليّ: يا رسول اللَّه، بأبي وأمي، إنا وجدنا هذه بمكان كذا وكذا، فسألتها عن الماء فزعمت أن بينها وبين الماء مسيرة ليلة وزيادة، فظننا أن لم نبلغه حتى يهلك منا من هلك. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنيخوا لها بعيرها، فأناخوا لها بعيرها، فأقبلت عليهم فقالت: استقيت لأيتام وقد احتبست عنهم جدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ائتوني بإناء، فقال: افتحوا عزلاء هذه المزادة فخذوا منها ماء يسيرا، ثم افتحوا عزلاء هذه فخذوا منها ماء يسيرا أيضا ففعلوا، ثم إن رسول اللَّه دعا فيه وغمس يده فيه وقال: افتحوا لي أفواه المزادتين ففتحوا، فحثا في هذه قليلا وفي هذه قليلا ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لأصحابه: اشربوا، فشربوا حتى رووا، ثم قال: اسقوا ظهرهم، فسقوا الظهر حتى روى، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هاتوا ما كان لكم من قربة أو مطهرة فاملئوها، فجاءوا بقربهم ومطاهرهم فملئوها، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شدوا عزلاء هذه وعزلاء هذه ثم قال: ابعثوا البعير فبعثوها، فنهضت وإن المزادتين لتكادان تقطران من ملئهما. ثم أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كساء المرأة ثم قال لأصحابه: هاتوا ما كان عندكم من شيء، فجعلوا يجيئون بالكسرة، من الخبز والشيء من التمر حتى جمع لها، ثم أخذ كساءها ذلك فشده ثم دفعه إليها ثم قال: خذي هذه لأيتامك، وهذا ماؤك وافرا.
فجعلت تعجب مما رأت، ثم انطلقت حتى أتت أهلها فقالوا: [قد] [ (1) ] احتبست علينا! فما حبسك؟ قالت: حبسني أني رأيت عجبا من العجب، أرأيتم مزادتي هاتين؟ فو اللَّه لقد شرب منها قريب من سبعين نفرا، وأخذوا من القرب والمزاد والمطاهر ما لا أحصي، ثم لهما الآن أوفر منهما يومئذ، فلبثت شهرا أو نحوا من ذلك عند أهلها، ثم أقبلت في ثلاثين راكبا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلمت وأسلموا [ (2) ] . قال المؤلف- عفى اللَّه عنه-: وقد اختلف في نوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن صلاة الصبح في سفره، فروى مالك في (الموطأ) عن زيد بن أسلم أنه قال: عرّس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليلة بطريق مكة، ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة ... ، الحديث [ (3) ] . قال ابن عبد البر: وأظنها قصة واحدة لم يعرض إلا مرة واحدة فيما تدل عليه الآثار، واللَّه أعلم أن بعضها فيه مرجعه من حنين، وبعضها فيه مرجعه من خيبر، لذلك قال ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب في حديثه هذا هو أقوى ما يروى في ذلك، وهو الصحيح إن شاء اللَّه. وفي حديث ابن مسعود: من يوقظنا؟ فقلت: أنا أوقظكم، وليس في ذلك دليل على أنها غير قصة بلال، لأنه لم يقل له أيقظنا، ويحتمل أن لا يجيبه إلى ذلك ويأمر بلالا. وقال ابن مسعود في هذا الحديث زمن الحديبيّة، وهو زمن واحد في عام واحد، لأنه منصرفه من الحديبيّة مضى إلى خيبر في عامه ذلك ففتحها اللَّه عليه، وفي الحديبيّة نزلت: وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً [ (4) ] يعني خيبر، وكذلك فتحها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أهل الحديبيّة.
وروى خالد بن شمير [ (1) ] عن عبد اللَّه بن رباح عن أبي قتادة في هذا الحديث أنه كان في جيش الأمراء، وهذا وهم عند الجميع، لأن جيش الأمراء كان في غزاة مؤتة، وكانت سرية لم يشهدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان الأمير عليها زيد بن حارثة، ثم جعفر بن أبي طالب، ثم عبد اللَّه بن رواحة، وفيها قتلوا- رضي اللَّه عنهم- وقد روى هذا الحديث ثابت البناني وسليمان التيمي عن عبد اللَّه بن رباح على غير ما رواه خالد بن شمير [ (1) ] ، وما قالوه فهو عند العلماء الصواب دون ما قاله خالد ابن شمير، وقد قال عطاء بن يسار أنها كانت في غزوة تبوك وهذا لا يصح، والآثار الصحاح على خلاف قوله مسندة ثابتة وقوله مرسل. ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني سعيد بن إبراهيم، عن عطاء ابن يسار أنها غزوة تبوك، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر بلالا فأذن في [العسكر] [ (2) ] ، ثم مشوا قليلا ثم أقام فصلوا الصبح. وقال البيهقي: وقد روينا عن يونس بن بكير عن المسعودي هذه القصة، بعد ذكر نزول سورة الفتح مرجعهم من الحديبيّة، فيشبه أن يكون التاريخ لنزول السورة دون هذه القصة، فإن كان التاريخ لهما جميعا فيشبهه، واللَّه أعلم أن يكون نومهم عن الصلاة وقع مرجعهم من الحديبيّة ثم وقع مرجعهم من خيبر، وقد روى عمران ابن حصين وأبو قتادة الأنصاري نومهم عن الصلاة وذكرا في تلك القصة حديث الميضأة، فلا أدري أكان ذلك مرجعهم من الحديبيّة أو مرجعهم من خيبر أو وقتا آخر [ (3) ] . قال: وقد زعم الواقدي في قصة أبي قتادة أنها كانت مرجعهم من غزوة تبوك، وروى زافر بن سليمان عن شعبة عن جامع بن شداد في قصة ابن مسعود أن
ذلك كان في غزوة تبوك. واللَّه تعالى أعلم [ (1) ] . وقال الواقدي رحمة اللَّه عليه: وكان في تبوك أربعة أشياء، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسير منحدرا إلى المدينة وهو في قيظ شديد، عطش العسكر بعد المرتين الأوليين عطشا شديدا حتى لا يوجد للشّفة ماء قليل ولا كثير، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأرسل أسيد بن الحضير في يوم صائف وهو متلثم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: عسي أن تجد لنا ماء، فخرج أسيد وهو بين الحجر وتبوك فجعل يضرب في كل وجه، فيجد راوية من ماء امرأة من بلى، فكلمها أسيد فخبرها خبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد وصفت لهم الماء، وبينهم وبين الطريق هنية، فلما جاء أسيد بالماء دعا فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، بالبركة ثم قال: هلموا أسقيتكم، فلم يبق معهم شيئا إلا ملئوه، ثم دعا بركابهم وخيولهم فسقوها حتى نهلت [ (2) ] . ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر بما جاء به أسيد فصبه في قعب عظيم من عساس [ (3) ] أهل البادية، فأدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه يديه، وغسل وجهه ويديه ورجليه، ثم صلى [ركعتين] [ (4) ] ، ثم رفع يديه مدا ثم انصرف، وإن القعب ليفور، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للناس: زوّدوا، فاتسع الماء وانبسط حتى يصف عليه المائة والمائتان فأرووا وإن القعب ليجيش بالرّواء، ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [مبردا] [ (4) ] متروّيا من الماء. قال الواقدي: وحدثني أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبي [سهل] [ (5) ] عن عكرمة قال: خرجت الخيل في كل وجه يطلبون الماء، فكان أول من طلع به وبخبره صاحب فرس أشقر، ثم الثاني أشقر، ثم الثالث أشقر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ بارك في الشّقر [ (6) ] .
[تاسع عشر: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في الماء بالحديبية]
[تاسع عشر: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في الماء بالحديبية] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في الماء بالحديبية، فخرج البخاري من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البراء رضي اللَّه عنه [ (1) ] قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة [ (2) ] ، وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبيّة، كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أربع عشر مائة، والحديبيّة بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ، ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا [ (3) ] ، وفي رواية قال: نزلنا يوم الحديبيّة وهي بئر فوجدنا الناس قد نزحوها فلم يدعوا فيها قطرة، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فدعا بدلو فنزع منها ثم أخذ منه بفيه فمجه، ودعا اللَّه فكثر ماؤها حتى صدرنا وركائبنا ونحن أربع عشرة مائة [ (4) ] . وخرج مسلم من حديث عكرمة بن عمار العجليّ عن سلمة بن الأكوع قال: أخبرني أبي قال: قدمنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الحديبيّة ونحن أربع عشرة مائة وعليها خمسون شاة لا ترويها، قال: فقعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على جبا الركية، فإمّا دعا وإمّا بصق فيها فجاش، فسقينا واستقينا [ (5) ] . وللبخاريّ من حديث معمر قال: أخبرني الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة، وهارون يصدق كل منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زمن الحديبيّة فذكر الحديث إلى أن قال: فعدل عنهم حتى نزل
لهم فيه، قال: فو اللَّه ما زال يجيش بالري حتى صدروا عنه [ (1) ] . وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثنا الزهري عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، ولمسور بن مخرمة أنهما حدثاه جميعا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج يريد زيارة البيت لا يريد حربا، فذكر الحديث وقال فيه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أيها الناس انزلوا، فقالوا: يا رسول اللَّه ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس، فأخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فقال له: انزل في بعض هذه القلب [ (2) ] فاغرزه في حرفه، ففعل، فجاش بالماء والرواء حتى ضرب الناس [عنه] [ (3) ] بعطن [ (4) ] . وخرج البيهقي من حديث ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود قال: قال عروة: فذكر خروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: وخرجت قريش من مكة فسبقوه إلى بلدح وإلى الماء فنزلوا عليه، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قد سبق نزل على الحديبيّة وذلك في حر شديد وليس بها إلا بئر واحدة، فأشفق القوم من الظمأ، والقوم كثير، فنزل فيها رجال يميجونها، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بدلو من ماء فتوضأ في الدلو ومضمض فاه ثم مج فيها وأمر أن يصب في البئر، ونزع سهما من كنانته فألقاه في البئر، ودعا اللَّه ففارت بالماء، حتى جعلوا يغترفون بأيديهم وهم جلوس على شفتيها [ (5) ] .
وقال ابن إسحاق رحمه اللَّه: حدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم، أن الّذي نزل البئر بسهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ناجية بن جندب الأسلمي صاحب بدن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد زعم بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول: أنا الّذي نزلت بسهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: وأنشدت أسلم أبيات شعر قالها ناجية، فزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها- وناجية في القليب يميح [ (1) ] [علي] [ (2) ] الناس: فقالت: يا أيها المائح دلوي دونكا ... إني رأيت الناس يحمدونكا [يثنون خيرا ويمجدونكا] [ (2) ] فقال ناجية وهو في القليب يميح على الناس: قد علمت جارية يمانية ... أنى أنا المائح واسمي ناجية وطعنة [ (3) ] ذات رشاش واهيه ... طعنتها تحت صدور العادية وذكر موسى بن عقبة أن الّذي نزل في البئر خلّاد بن عبّاد الغفّاري، ودلّاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعمامته [فماح في البئر] [ (2) ] فكثر الماء حتى روى الناس، ويقال: بل المائح في البئر ناجية بن جندب الأسلمي [ (4) ] . وقال الواقدي رحمه اللَّه: حدثني معمر وعبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري عن المسور بن مخرمة قال: وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما دنا من الحديبيّة، فذكر الحديث إلى أن قال: حتى نزل بالناس على ثمد من ثماد الحديبيّة، ظنون [ (5) ] قليل الماء، يتبرض ماؤه تبرضا [ (6) ] ، فاشتكى الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلة الماء، فانتزع سهما من كنانته فأمر به فغرز في الثمد، فجاشت لهم بالرواء حتى صدروا
عنه بعطن، قال: وإنهم ليغترفون بآنيتهم جلوسا على شفير البئر. ثم ذكر في الّذي نزل بالسهم مثل ما تقدم عن ابن إسحاق، ثم قال: وحدثني الهيثم بن واقد، عن عطاء بن أبي مروان، عن أمه قال: حدثني أربعة عشر [ (1) ] رجلا من أسلم من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أن ناجية بن الأعجم، وكان ناجية بن الأعجم يحدث- يقول: دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين شكي إليه قلة الماء، فأخرج سهما من كنانته ودفعه إليّ، ودعا بدلو من ماء البئر، فجئته به فتوضأ، فقال: مضمض فاه ثم مجّ في الدلو، والناس في حرّ شديد، وإنما هي بئر واحدة- وقد سبق المشركون على بلدح فغلبوا على مياهه- فقال: انزل بالماء فصبه وأثر [ (2) ] ماءها بالسهم. ففعلت، فو الّذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى كاد يغمرني، وفأرت كما يفور القدر حتى طمّت واستوت بشفيرها، يغترفون من جانبها حتى نهلوا من آخرهم. قال: وعلى الماء يومئذ نفر من المنافقين: الجدّ بن قيس، وأوس، وعبد اللَّه ابن أبيّ، وهم جلوس ينظرون إلى الماء، والبئر تجيش بالرواء وهم جلوس على شفيرها، فقال أوس بن خولى: ويحك يا أبا الحباب! أما آن لك أن تبصر ما أنت عليه أبعد هذا شيء؟ وردنا بئرا يتبرض ماؤها تبرضا، يخرج في القعب جرعة ماء، فتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الدلو ومضمض فاه في الدلو ثم أفرغ الدلو فيها ونزل بالسهم فحثحثها فجاشت بالرواء. قال: يقول ابن أبي قد رأيت مثل هذا، [ (3) ] فقال أوس: قبّحك اللَّه وقبّح رأيك فيقبل ابن أبي يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أي أبا الحباب أرأيت مثل ما رأيت اليوم؟ فقال: ما رأيت مثله قط، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فلم قلت ما قلت؟ قال ابن أبي: استغفر اللَّه، قال ابنه: يا رسول اللَّه استغفر له، فاستغفر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
[عشرون: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في العين التي بتبوك]
[عشرون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في العين التي بتبوك] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في العين التي بتبوك، [فخرج مسلم] من حديث مالك، عن أبي الزبير المكيّ، أن أبا الطفيل عامر بن وائلة أخبره أن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه. أخبره قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة فصلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوما أخّر الصلاة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب والعشاء جميعا. ثم قال: إنكم ستأتون غدا إن شاء اللَّه [عينا] بتبوك [ (1) ] ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها [شيئا] حتى آتي. فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبضّ بشيء من ماء، قال: فسألها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم، فسبهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال لهما ما شاء اللَّه أن يقول، قال: فغرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، قال: وغسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء منهمر- أو قال: غزير- قال: فاستقى الناس ثم قال: يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد مليء جنانا [ (2) ] . قال البيهقي: وروينا زيادة ماء تلك العين بمضمضته فيها، عن عروة بن الزبير، وقال: فهي كذلك حتى الساعة. وروى ابن عبد البر عن أبي وضاح أنه قال: أنا رأيت ذلك الموضع كله [حول] تلك العين جنانا خضرة نضرة. وخرج أبو نعيم من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير
في قصة تبوك قال: وخرج حين خرج وهو يريد الروم، فكان أقصى أثره منزله من تبوك، وكان ذلك في زمان قل ماؤه، فاغترف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غرفة بيده فمضمض بها فاه، وبصق فيها ففارت عينه حتى امتلأت، وهي كذلك حتى الساعة [ (1) ] . وخرج من حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها، ثم انصرف قافلا إلى المدينة، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل، ما يروى الراكب والراكبين والثلاث، بواد يقال له: واد المشقّق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقينّ منه شيئا حتى نأتيه. فسبقه إليه نفر من المنافقين، فاستقوا ما فيه، فلما أتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم ير فيه شيئا قال: من سبقنا إلى هذا الماء؟ قيل: فلان وفلان [ (2) ] ، قال: أو لم ننهاهم أن يستقوا منه شيئا حتى نأتيه؟ ثم لعنهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودعا اللَّه عليهم. ثم نزل، فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء اللَّه أن يصب، ثم نضحه به ومسحه بيده، ودعا اللَّه بما شاء اللَّه أن [يدعو] به، فانخرق الماء كما يقول من سمعه: إن له حسا كحس الصواعق، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لئن بقيتم- أو من بقي منكم- ليسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه [ (3) ] ، [وذلك الماء فوارة تبوك إلى اليوم] [ (4) ] . وقال الواقدي في غزوة تبوك: وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قافلا حتى إذا كان بين تبوك وواد يقال له: وادي الناقة، وكان فيه وشل [ (5) ] يخرج منه في أسفله قدر ما يروى الراكبين والثلاثة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه شيئا حتى نأتي.
فسبق إليه أربعة من المنافقين: معتب بن قشير، والحرث بن يزيد الطائي حليف بني عمرو بن عوف، ووديعة بن ثابت، ويزيد بن اللصيت، فاستقوا ما فيه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألم أنهكم؟ ولعنهم ودعا عليهم، ثم نزل ووضع يده في الوشل، ثم مسحه بإصبعه حتى اجتمع في كفه منه ماء قليل، ثم نضحه به، ثم مسحه بيده، ثم دعا بما شاء اللَّه أن يدعو به، فانخرق [ (1) ] الماء. قال معاذ بن جبل: والّذي نفسي بيده، لقد سمعت له من شدة انخراقه مثل الصواعق، فشرب الناس ما شاءوا، وسقوا ما شاءوا، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لئن بقيتم- أو من يبقى منكم- ليسمعن بهذا الوادي، وهو أخصب ما بين يديه ومما خلفه، قال: واستقى الناس وشربوا، قال سلامة [ (2) ] بن وقش: قلت لوديعة ابن ثابت: ويلك أبعد ما ترى شيء؟ أما تعتبر؟ فقال: قد كان يفعل مثل هذا قبل هذا. [ (3) ] .
[حادي وعشرون: نزول المطر بطريق تبوك عند دعائه صلى الله عليه وسلم، وإخباره بموضع ناقته لما ضلت، وبما قال أحد المنافقين]
[حادي وعشرون: نزول المطر بطريق تبوك عند دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم، وإخباره بموضع ناقته لما ضلت، وبما قال أحد المنافقين] وأما [نزول] المطر بطريق تبوك عند دعائه وقد اشتد عطش الناس، وإخباره بموضع ناقته لما ضلت، وبما قال المنافق، فخرج البيهقي من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه، قيل لعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: حدثنا من شأن ساعة العسرة. فقال عمر رضي اللَّه عنه: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى إن كان الرجل يذهب يلتمس الرجل فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، حتى إن كان الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل ما يبقى على كبده، فقال أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، إن اللَّه عزّ وجلّ قد عودك في الدعاء خيرا، فادع اللَّه لنا، قال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلت، ثم سكبت، فملئوا ما معهم، ثم ذهبنا ننظر، فلم نجدها قد جاوزت العسكر [ (1) ] . وخرجه ابن حبان [ (2) ]- رحمه اللَّه- من حديث سعيد بن أبي هلال، عن نافع ابن جبير، فسقط بين سعيد وبين نافع رجل، وهو عتبة بن أبي عتبة، كما رواه البزار في مسندة، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك [ (3) ] ، قال الطبراني:
لم يروه عن نافع بن جبير إلا عتبة لعروبة بن سعيد، وسئل عند الدار الدّارقطنيّ في (العلل) فذكر الاختلاف في زيادة عتبة فيه وسقوطه وقال: القول قول من ذكر عتبة بن أبي عتبة، وهو عتبة بن مسلم. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وخرج البيهقي من حديث يونس عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: أصبح الناس [ولا ماء معهم] ، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدعا اللَّه تعالى فأرسل سحابة فأمطرت، حتى [ارتوى] الناس واحتملوا حاجتهم من الماء. قال عاصم: وأخبرني رجال من قومي أن رجلا من المنافقين كان معروفا نفاقه، كان يسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيث سار، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان، ودعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين دعا، فأرسل اللَّه تعالى سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، فأقبلنا عليه فقلنا: ويحك! هل بعد هذا من شيء؟ قال: سحابة مارة [ (1) ] . وقال الواقدي- عفا اللَّه عنه ورحمه-: وارتحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما أصبح ولا ماء معهم، فشكوا ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على غير ماء، قال عبد اللَّه بن أبي حدره: فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم استقبل القبلة فدعا، ولا واللَّه ما أرى في السماء سحابا، فما برح يدعو حتى لأني انظر إلى السماء تأتلف من كل ناحية، فما رام مقامه حتى سحت علينا السماء بالرواء، فكأني أسمع تكبير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في المطر، ثم كشفت السماء عنّا من ساعتها، وإن الأرض لغدر تناخس [ (2) ] ، فسقى الناس وارتووا من آخرهم، وأسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أشهد أني رسول اللَّه. فقلت لرجل من المنافقين: ويحك! بعد هذا شيء؟ فقال سحابة مارة، وهو أوس بن قيظي، ويقال زيد بن اللّصيت. قال: ثم ارتحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم موجّها لماء تبوك فأصبح في منزل، فضلت
ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [القصواء] ، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عمارة ابن حزم [عقبى بدريّ قتل يوم اليمامة شهيدا] [ (1) ] ، وكان في رحله زيد بن أبي اللصيت أحد بني قينقاع، كان يهوديا فأسلم ونافق، وكان فيه خبث اليهود وغشّهم- وكان مظاهرا لأهل النفاق- فقال زيد وهو في رحل عمارة، وعمارة عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء؟ وهو لا يدري أين ناقته!!. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن منافقا يقول: إن محمدا يزعم أنه نبي وهو يخبركم بأمر السماء؟ ولا يدري أين ناقته!! وإني واللَّه لا أعلم إلا ما علمني اللَّه، وقد دلني عليها، وهي في الوادي في شعب كذا وكذا- أشار لهم إليه- حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوا بها، فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله فقال: العجب من شيء حدثناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم آنفا عن مقاله قائل أخبره اللَّه عنه، قال: كذا وكذا للذي قال زيد، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائل هذه المقالة زيد قبل أن يطلع علينا، قال: فأقبل عمارة على زيد بن اللصيت يجأه [ (2) ] في عنقه ويقول: واللَّه إن في رحلي لداهية، وما أدري، أخرج يا عدو اللَّه من رحلي. وكان الّذي أخبر عمارة بمقالة زيد أخوه عمرو بن حزم، وكان في الرحل مع رهط من أصحابه، والّذي ذهب فجاء بالناقة من الشعب الحارث بن خزمة الأشهلي، وجدها وزمامها قد تعلق في شجرة، فقال زيد بن اللصيت: لكأنّي لم أسلم إلا اليوم، قد كنت شاكا في محمد، وقد أصبحت وأنا فيه ذو بصيرة، فأشهد أنه رسول اللَّه، فزعم الناس أنه تاب، وكان خارجة بن زيد بن ثابت ينكر توبته ويقول: لم يزل فسلا [ (3) ] حتى مات [ (4) ] .
[ثاني وعشرون: استقاؤه صلى الله عليه وسلم وقد قحط المطر، فسقاهم الله تعالى ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم]
[ثاني وعشرون: استقاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد قحط المطر، فسقاهم اللَّه تعالى ببركة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما استسقاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد قحط المطر فسقاهم اللَّه ببركة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج أبو داود من حديث يونس عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: شكا الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة رضي اللَّه عنها: فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد اللَّه تعالى ثم قال: إنكم شكوت جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم اللَّه جل وعز أن تدعوه، وقد وعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد للَّه رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا اللَّه يفعل ما يريد، اللَّهمّ أنت اللَّه لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت إلينا قوة وبلاغا إلى حين. ثم رفع يديه فلم ينزل الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلّب أو حوّل رداءه وهو رافع يده، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ اللَّه عزّ وجل سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن اللَّه فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن اللَّه على كل شيء قدير وأني عبد اللَّه ورسوله [ (1) ] . وذكر ابن عساكر أنه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من بقيع الغرقد متعمما بعمامة سوداء، قد أرخى طرفها بين يديه، والآخر بين كتفيه، ممسكا قوسا عربية، فاستقبل القبلة فكبر، وصلى بأصحابه ركعتين جهر بالقراءة [فيهما] ، قرأ في الأولى إذا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ (1) ] ، والثانية وَالضُّحى [ (2) ] ، ثم قلب رداءه، ثم حمد اللَّه وأثنى عليه، ثم رفع يديه فقال ... ، الحديث. ذكره من حديث أحمد بن [] [ (3) ] ، حدثنا سعيد بن مسلم حدثني سلامة بن سليم- يقال: ابن سلمة- عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قحط الناس على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد ... وخرج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس رضي اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء [ (4) ] ، وخرجه أبو داود أيضا ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يستسقي هكذا- يعني ومد يديه وجعل بطونها مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه [ (5) ] . [وللإمام أحمد من حديث هارون بن معروف قال: قال ابن وهب: أخبرنا حيوة، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التميمي، عن عمير مولى أبي اللحم، أنه رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت [ (6) ] قريبا من الزوراء قائما يدعو، يستسقي رافعا كفيه لا يجاوز بهما رأسه، مقبل بباطن كفّيه إلى وجهه] [ (7) ] . وخرجه الترمذي من حديث قتيبة قال: حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد اللَّه، عن عمير مولى آبى اللحم، عن آبى اللحم، أنه رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند أحجار الزيت [ (6) ] يستسقي، وهو مقنع بكفيه [ (8) ] يدعو [ (9) ] .
قال أبو عيسى: هكذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبي اللحم، ولا نعرف له عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد، وعمير مولى آبي اللحم قد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحاديث وله صحبة [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر، عن شريك بن أبي نمر، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أنّ رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائما يخطب، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائما ثم قال: يا رسول اللَّه! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع اللَّه يغيثنا، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه ثم قال: اللَّهمّ أغثنا ... اللَّهمّ أغثنا ... اللَّهمّ أغثنا.... قال أنس: ولا واللَّه ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا واللَّه ما رأينا الشمس ستّا، قال: دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما فقال: يا رسول اللَّه! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع اللَّه يمسكها عنا. قال: فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، قال: فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ فقال: ما أدري [ (2) ] . ترجم عليه البخاري باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة، وقال فيه مسلم: اللَّهمّ حولنا ولا علينا.
وخرجه البخاري من حديث أنس بن عياض قال: حدثنا شريك بن عبد اللَّه ابن أبي نمرّ، سمع أنس بن مالك يذكر أن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائما فقال: يا رسول اللَّه ... ، الحديث إلى آخره بنحو حديث إبراهيم بن جعفر غير أنه قال: اللَّهمّ اسقنا.. اللَّهمّ اسقنا.. اللَّهمّ اسقنا، وقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، اللَّهمّ على الآكام والجبال، والظراب والأودية ومنابت الشجر، [فانقطعت] [ (1) ] ... ، الحديث. وخرج البخاري [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث مالك، عن شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع اللَّه، فدعا فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة، فجاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! تهدمت البيوت وتقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ على ظهور الجبال والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب. ترجم عليه البخاري باب إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم. وخرج في باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء، وقال فيه: فقال: تهدمت البيوت وتقطعت السبل، وهلكت المواشي، فقال: اللَّهمّ على الآكام والظراب والأودية [ (4) ] ... ، الحديث. وخرجه في باب الدعاء إذا انقطعت السبل من كثرة المطر، وقال فيه: فدعا
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمطروا من جمعة إلى جمعة، فجاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه ... ، الحديث، غير أن فيه: ورءوس الجبال [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: أصاب الناس سنة على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فبينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، قام أعرابي- وقال مسلم: فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة إذا قال [أعرابي يا رسول اللَّه] ! هلك المال وضاع العيال فادع اللَّه لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة ماء، فو الّذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال. ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد ومن بعد الغد، والّذي يليه حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي- أو قام غيره- فقال يا رسول اللَّه! تهدم البناء وغرق المال، فادع اللَّه لنا، فرفع يديه [وقال] : اللَّهمّ حوالينا لا علينا، فما يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجونة، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود. ترجم عليه البخاري باب: الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة. وقال فيه مسلم: فما يشير إلى ناحية إلا تفرجت حتى رأيت المدينة في مثل الجونة، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجيء أحد من ناحية إلا أخبر بجود. وخرجه البخاري أيضا في الاستسقاء في باب من تمطّر في المطر حتى يتحادر على لحيته، [بنحوه] أو قريب منه [ (2) ] . وخرج البخاري ومسلم والنسائي رضي اللَّه عنهم من حديث ثابت عن أنس
ابن مالك قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام الناس فصاحوا فقالوا: يا رسول اللَّه! قحط المطر واحمرّت الشجر وهلكت البهائم، فادع اللَّه لنا أن يسقينا، فقال: اللَّهمّ اسقنا مرتين، وأيم اللَّه ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب، صاحوا إليه: تهدمت البيوت وانقطعت السبل، فادع اللَّه يحبسها عنا. فتبسّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي شكل الإكليل. ترجم عليه البخاري باب الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا [ (1) ] . وخرجه مسلم بنحوه وزاد: وألف اللَّه بين السحاب ومكثنا، حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله [ (2) ] ، وخرجه من حديث أسامة أن حفص ابن عبد اللَّه بن أنس حدثه أنه سمع أنس بن مالك يقول: جاء أعرابي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الجمعة وهو على المنبر ... ، واقتصّ الحديث وزاد: فرأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى [ (3) ] . وخرج البخاري [ (4) ] ، وأبو داود [ (5) ] وقاسم بن أصبغ من حديث حماد عن عبد
العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فبينما هو يخطب بهم جمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول اللَّه، هلك الكراع وهلك الشاء، فادع اللَّه لنا أن يسقينا، فمد يديه فدعا، قال أنس: وإن السماء كمثل الزجاجة، فهاجت ريح أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عز اليها. فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم نزل نمطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل فقال: يا رسول اللَّه! تهدمت البيوت فادع اللَّه أن يحبسه، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب تصدع حول المدينة كأنه إكليل. ولفظهم فيه متقارب جدا، وانتهى قاسم إلى قوله: إلى الجمعة الأخرى، ثم أحاله على حديث مالك المتقدم. وخرج البخاري من حديث أبي عوانة، عن قتادة عن أنس، ومن حديث سعيد عن قتادة عن أنس، أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يخطب بالمدينة فقال: قحط المطر فاستسق ربك، فنظر إلى السماء وما نرى من سحاب، فاستسقي فنشأ السحاب بعضه إلى بعض ثم مطروا حتى سالت مثاعب المدينة، فما زالت إلى الجمة المقبلة ما تقلع. ثم قام ذلك الرجل أو غيره والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخطب، فقال: غرقنا، فادع ربك يحبسها عنا، فضحك ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا- مرتين أو ثلاثا- فجعل السحاب يتصدع عن المدينة يمينا وشمالا، يمطر ما حوالينا ولا يمطر منها على شيء، يريهم اللَّه كرامة نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم وإجابة دعوته. ذكره في كتاب الأدب في باب التبسم والضحك [ (1) ] ، وذكره في [كتاب] الدعاء في باب الدعاء غير مستقبل القبلة من حديث أبي عوانه [ (2) ] .
وخرج قاسم بن أصبغ من حديث سهل بن يوسف، عن حميد قال: سئل أنس: هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء؟ فقال: نعم، شكى الناس إليه ذات جمعة فقالوا يا رسول اللَّه! قحط المطر وأجدبت الأرض وهلك المال، قال: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه، وما في السماء قزعة سحابة، فما صلينا حتى أن الشاب القوي القريب المنزل ليهمنه الرجوع إلى منزله، قال: فدامت علينا جمعة، قال: فقالوا: يا رسول اللَّه؟ تهدمت الدور واحتبس الركبان، قال: فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من سرعة ملالة ابن آدم فقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فأصحت السماء. وذكر البخاري- غفر اللَّه ذنوبه- في باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء، من حديث سليمان بن بلال قال: قال يحيى بن سعيد: سمعت أنس ابن مالك [يقول:] أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم الجمعة فقال: يا رسول اللَّه! هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه يدعو، ورفعوا أيديهم معه يدعون، قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فأتى الرجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، يشق المسافر ومنع الطريق [ (1) ] . وذكر أبو عمر بن عبد البر- رحمة اللَّه عليه- عن موسى بن عقبة، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقد أجدبت عليهم السنة، فقال: يا رسول اللَّه! إنه مرت بنا سنون كسنى يوسف، فادع اللَّه لنا، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المنبر يجر رداءه وحوّله عن كتفه ثم قال: اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا هزجا نجحا، فما استتم الدعاء حتى استقلت سحابة تمطر سحا، فلم يزل كذلك حتى قدم أهل الأسافل يصيحون: الغرق، فضحك عليه السلام حتى بدت نواجذه ثم قال: للَّه درّ أبو طالب! لو كان حاضرا لقرت عيناه، أما منكم أحد ينشدني شعره؟ فقام علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه
فقال: لعلك تريد [يا] رسول اللَّه قوله: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمة للأرامل فقال الأعرابي- وكان من مزينة-: للَّه الحمد والحمد ممن شكر ... سقينا بوجه النبي المطر دعا ربه المصطفى دعوة ... فأسلم معها إليه البصر فلم يك إلا أن ألقى أفردا ... وأسرع حتى لقينا الدرر ولم ترجع الكف عند الدعا ... إلى النحر حتى أفاض الغدر سحاب وما في أديم السما ... سحاب يراه الحديد النظر فكان كما قال عمه ... وأبيض يسقي به ذو غدر به ينزل اللَّه غيث السما ... فهذا العيان لذاك الخبر فمن يشكر اللَّه يلقى المزيد ... ومن يكفر اللَّه [يلق] الغبر قال موس بن عقبة: فأمر له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم راحلتين وكساه صلّى اللَّه عليه وسلم ثوبا. قال أبو عمر- رضي اللَّه عنه-: وقد روي هذا الخبر عن مسلم الملائي، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه بغير هذه الألفاظ، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! أتيناك وما لنا صبي يصطبح، ولا بعير يئط [ (1) ] ، وأنشد: أتيناك والعذراء يدمي لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل وألقى بكفيه وخرّ استكانة ... من الجوع هرما ما يمر وما يحلى ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العافي والغلمة الفشل وليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل؟ فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر، فرفع يديه ثم قال: اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريا مريعا طبقا واسعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير رائث، تملأ به الضرع وتنبت به الزرع، وتحيي به الأرض بعد موتها، وكذلك تخرجون.
قال: فما ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه حتى التفت السماء بأزواجها، وجاء أهل البطاح يضجون: الغرق ... الغرق، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل، فضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: للَّه در أبي طالب، لو كان حيا لقرت عيناه، من ينشدني قوله: فقال علي رضي اللَّه عنه: أنا يا رسول اللَّه، لعلك تريد قوله: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل يطيف به الهلّال من آل هاشم ... فهم عنده في نعمة وفواضل كذبتم وبيت اللَّه يبزي محمدا ... ولما نقاتل حوله ونناضل ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أجل، فقام رجل من كنانة فقال: لك الحمد والحمد ممن شكر ... [سقينا بوجه النبي المطر] فذكر الأبيات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بك شاعرا حسن، فقد أحسنت. وخرج البخاري- رضي اللَّه عنه ورحمه- من حديث عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، عن أبيه، سمعت أن عمر يتمثل بشعر أبي طالب يقول: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل [ (1) ] وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه، ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يستسقى، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل وهو قول أبي طالب [ (2) ] .
هكذا أورد البخاري- رحمه اللَّه تعالى- هذا الحديث تعليقا، وقد أسنده تقي ابن مخلد فقال: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا أبو النصر، حدثنا أبو عقيل عبد اللَّه بن عقيل، حدثنا علي بن حمزة، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تعالى عنهما- حدثنا سالم عن أبيه- رحمة اللَّه تعالى عليه- قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المنبر يستسقى، فما ينزل- عليه الصلاة والسلام- حتى يجيش كل ميزاب، فأذكر قول الشاعر حيث يقول- وهو قول أبي طالب-: وأبيض [ (1) ] يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال [ (2) ] اليتامى عصمة [ (3) ] للأرامل [ (4) ]
وخرج أبو محمد بن حبان من حديث مروان بن أبي معاوية قال: حدثنا محمد ابن أبي ذؤيب المدني، عن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن حاطب الجمحيّ، عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السلمي [ (1) ] قال: لما قفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من غزوة تبوك، أتاه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلا، فيهم: خارجة بن حصن، والجدّ [ (2) ] ابن قيس- وهو أصغرهم، ابن أخي عيينة بن حصن- فنزلوا في دار رملة بنت الحارث من الأنصار، وقدموا على إبل ضعاف عجاف وهم مسنتون، فأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقرين بالإسلام فسألهم عن بلادهم فقالوا: يا رسول اللَّه أسنتت بلادنا، وأجدب جنابنا، وعريت عيالنا، وهلكت مواشينا، فادع ربك أن يغيثنا وتشفّع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبحان اللَّه!! ويلك، أنا شفعت إلى ربي، فمن ذا الّذي يشفع ربنا إليه، لا إله إلا العظيم، وسع كرسيه السموات والأرض، وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرّحل الجديد [ (3) ] .
ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن اللَّه ليضحك من شعثكم وأذاكم وقرب غياثكم، فقال الأعرابي: أو يضحك ربنا يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، فقال الأعرابي: لن نعدم يا رسول اللَّه من رب يضحك خيرا، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قوله، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصعد المنبر، وتكلم بكلمات ورفع يديه- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء- فرفع يديه صلّى اللَّه عليه وسلم رئي بياض إبطيه، وكان مما حفظ من دعائه: اللَّهمّ اسق بلدك وبهيمتك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا، مريا مريعا، طبقا واسعا، عاجلا غير آجل، نافعا غير ضار، اللَّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم ولا غرق ولا محق، اللَّهمّ اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء. فقام أبو لبابة بن عبد المنذر فقال: يا رسول اللَّه! إن التمر في المرابد فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا فقال أبو لبابة: يا رسول اللَّه إن التمر في المرابد [ثلاث مرات] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره. قال: فلا واللَّه ما في السماء من قزعة سحاب، وما بين المسجد وسلع [ (1) ] من بناء ولا دار، فطلعت من وراء سلع [ (1) ] سحابة مثل التّرس، فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت، فو اللَّه ما رأوا الشمس ستّا، فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره لئلا [يخرج] [ (2) ] التمر منه. فقال الرجل- يعني الّذي سأله أن يستسقى لهم-: [يا رسول اللَّه] [ (2) ] هلكت الأموال وانقطعت السبل، فصعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المنبر، فدعا ورفع يديه مدا حتى رئي بياض إبطيه ثم قال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا، على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانجابت السحابة عن المدينة انجياب الثوب [ (3) ] .
ولأبي عبد الرحمن بن أبي حاتم، من حديث عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي لبابة: عن عبد اللَّه بن المنذر الأنصاري [ (1) ] ، قال: استسقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يوم الجمعة فقال: اللَّهمّ اسقنا، [اللَّهمّ اسقنا] [ (2) ] ، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول اللَّه، إن التمر في المرابد وما في السماء سحاب نراه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول اللَّه، إن التمر في المرابد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة يسد ثعلب مربده بإزاره، فأزبدت السماء وأمطرت، وصلى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم طاف الأنصار بأبي لبابة يقولون له: يا أبا لبابة، إن السماء واللَّه لن تقلع حتى تقوم عريانا تسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده [ (3) ] بإزاره، فأقلعت السماء [ (4) ] . وخرج البيهقي من حديث يحيى بن أيوب قال: حدثنا ابن زحر، عن علي ابن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما ضحى في المسجد، فكبر ثلاث تكبيرات ثم قال: اللَّهمّ اسقنا- ثلاثا- اللَّهمّ ارزقنا سمنا، ولبنا، وشحما، وما نرى في السماء سحابا، فثارت ريح وغبرة، ثم اجتمع سحاب فغمت السماء، فصاح أهل الأسواق، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وانصرفت أمشي بمشيه وهو يقول: هذا أحدثكم عهدا بربه [ (5) ] . وخرج من حديث شبابة قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة: عن سالم ابن أبي الجعد، بن السبط قال لكعب بن مرة- أو مرة بن كعب- البهري، حدّثنا بحديث سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للَّه أبوك، واحذر، قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر، فأتاه أبو سفيان فقال: يا رسول اللَّه! إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه لهم، قال شعبة: وزاد حبيب بن أبي ثابت فيه بهذا الإسناد، أن أبا سفيان قال
للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: إني أتيتك من عند قوم لم يخطم لهم فحل ولم يتزود له راع، ثم رجع إلى حديث عمرو، فقال [النبي] صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا غيثا، مغيثا، غدقا طبقا مريعا نافعا، غير ضار، عاجلا غير رائث، قال شعبة: وزاد حبيب بن أبي ثابت قال: فما لبثنا غير جمعة حتى مطرنا [ (1) ] . وخرج أبو نعيم من حديث جرير [بن حازم] قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قال: بينا نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض أسفاره إذ احتاج الناس إلى وضوء، فالتمسوا في الركب ماء فلم يجدوا، فجاءني عمي معوذ بن عفراء فقال لي: يا بنية هل في إداوتك ماء يتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقلت: لا، والّذي بعثه بالحق ما فيها شيء، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: ما في الركب ماء، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأمطرت حتى استقى الناس وسقوا.
[ثالث وعشرون: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في ركي قليل الماء حتى صارت نهرا يجري]
[ثالث وعشرون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في ركي قليل الماء حتى صارت نهرا يجري] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في ركي قليل الماء حتى صارت نهرا يجري، فخرج الإمام أحمد من حديث حميد، عن يونس عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مسير، فأتينا على ركي ذمة- يعني قليلة الماء- فنزل فيها ستة أنا سادسهم ماحة، قال: فأدليت إلينا دلو، قال: ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على شفة الركى، فجعلنا فيها نصفها أو قراب ثلثيها، فرفعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [قال البراء: فكدت بإنائي هل أجد شيئا أجعله في حلقي؟ فما وجدت. فرفعت الدلو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] فمس يده فيها فقال ما شاء اللَّه أن يقول، فأعيدت إلينا الدلو بما فيها، قال: فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق، قال: ثم ساحت، يعني جرت نهرا [ (2) ] .
[رابع وعشرون: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في البئر بقباء]
[رابع وعشرون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في البئر بقباء] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في البئر بقباء، فخرج البيهقي من حديث ابن هيثم بن طهمان، عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أتاهم بقباء فسألهم عن بئر هناك، قال: فدللته عليها فقال: لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فينزح [ (1) ] ، فيستخرجها له، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأمر بذنوب [ (2) ] فسقى، فإما أن يكون توضأ منه أو تفل فيه، ثم أمر به فأعيد في البئر، قال: فما نزحت [ (3) ] بعد، قال: فرأيته بال ثم جاء فتوضأ ومسح على خفيه ثم صلى [ (4) ] .
[خامس وعشرون: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في بئر قليلة الماء، بعث إليها بحصيات ألقيت فيها فغزر ماؤها]
[خامس وعشرون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في بئر قليلة الماء، بعث إليها بحصيات ألقيت فيها فغزر ماؤها] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في بئر قليلة الماء، بعث إليها بحصيات ألقيت [فيها] فغزر ماؤها، فخرج أبو نعيم من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن [أنعم] عن زياد بن نعيم الحضرميّ، عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فبايعته على الإسلام، ثم أتى وفد من قومي بإسلامهم، ثم قالوا: يا رسول اللَّه! إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها فاجتمعنا إليه، فإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، وإنا لا نستطيع أن نتفرق اليوم [ولنا عدو] ، فادع اللَّه لنا أن يسقينا ماؤها، فدعى بسبع حصيات فعركهن بيده ودعا، ثم قال: إذا أتيتموها فألقوها واحدة واحدة واذكروا اسم اللَّه عليها، قال: فما استطاعوا أن ينظروا إلى قعرها بعدها [ (1) ] وسيأتي حديث ابن زياد هذا بطوله. وقال الواقدي في غزوة تبوك: قالوا: وقدم نفر من بني سعد هذيم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا: يا رسول اللَّه! إنا قدمنا عليك وتركنا أهلنا على بئر لنا قليل ماؤها، وهذا القيظ ونحن نخاف إن تفرقنا أن تقطع، لأن الإسلام لم يفش حولنا بعد، فادع اللَّه لنا في ماء بئرنا، وإن روينا به فلا قوم أعزّ منا، لا يعير بنا أحد مخالف لديننا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أبلغوني حصيات! فتناولت ثلاث حصيات فدفعتهن إليه، فعركهن بيده ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم، فاطرحوها واحدة واحدة وسمّوا اللَّه. قال: فانصرفوا من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ففعلوا ذلك، فجاشت بئرهم بالرواء، ونفوا من قاربهم من المشركين ووطئوهم، فما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة حتى أوطئوا من حولهم غلبة ودانوا بالإسلام [ (2) ] .
قال المؤلف- عفى اللَّه عنه ورحمه: في حديث زياد بن الحرث الصدائي أنها بئر قومه، فإما أن يريد قبيلته من صداء، فهم بطن من مدحج، وصداء حلفاء بني الحرث بن كعب بن عمرو بن علة، وإما أن يريد بقومه اليمن، فإن صداء حي من اليمن، وأما الّذي خبّر الواقدي رحمه اللَّه: فإن البئر لسعد هذيم، وسعد هذيم من قضاعة، وقضاعة من اليمن، فإنّهم بنو سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وهذيم عبد حبشيّ حضن سعدا ورباه فغلب عليه فقيل: سعد هذيم، ومن بني سعد هذيم بنو عذرة، فاحتمل أن يكون ما في حديث زياد بن الحارث وما في خبر الواقدي قصة واحدة، واحتمل أن يكون ذلك كان مرتين في بئرين، واللَّه أعلم أيّ ذلك كان.
[سادس وعشرون: إفاقة جابر بن عبد الله]
[سادس وعشرون: إفاقة جابر بن عبد اللَّه] وأما إفاقة جابر بن عبد اللَّه- وقد أغمي عليه- لما صب عليه من وضوئه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، سمع جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: مرضت فأتاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشيين، فأغمي عليّ فتوضأ ثم صب عليّ من وضوئه فأفقت فقلت: يا رسول اللَّه! كيف أقضي في مالي؟ فلم يردّ عليّ شيئا حتى نزلت آية الميراث: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [ (1) ] . وفي لفظ البخاري: عن محمد بن المنكدر، سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: مرضت فعادني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وهما ماشيان، فأتاني وقد أغمي عليّ، فتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصبّ عليّ وضوءه فأفقت فقلت: يا رسول اللَّه! كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني [النبي] صلّى اللَّه عليه وسلم حتى نزلت آية الميراث. وذكره في أول كتاب الفرائض [ (2) ] ، وذكره في كتاب المرضى [ (3) ] في باب عيادة المغمى عليه بنحو منه.
وخرج البخاري ومسلم والنسائي، من حديث هشام بن أبي جريج، أخبرهم قال: أخبرني ابن المنكدر عن جابر قال: عادني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش عليّ فأفقت فقلت: يا رسول اللَّه! ما تأمرني أن أصنع في [مالي؟ فنزلت] : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الآية [ (1) ] . وخرجه مسلم والنسائي من حديث حجاج بن محمد قال: حدثنا محمد بن جريج، فذكراه بنحو أو قريب منه [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث شعبة قال: أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ فصبوا عليّ من وضوئه [فعقلت، فقلت] : يا رسول اللَّه! إنما ترثني كلالة، فنزلت آية الميراث فقلت لمحمد بن المنكدر: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ قال: هكذا أنزلت. ذكره البخاري في مواضع، من كتاب الفرائض وغيره [ (3) ] .
[سابع وعشرون: نشاط البعير الذي قد أعيا ببركة وضوئه صلى الله عليه وسلم]
[سابع وعشرون: نشاط البعير الّذي قد أعيا ببركة وضوئه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما نشاط البعير الّذي قد أعيا ببركة وضوئه صلّى اللَّه عليه وسلم لما رشّه عليه وسقاه من وضوئه، فقال الواقدي في (كتاب المغازي) : حدثني عبيد بن يحيى عن معاذ بن رفاعة، عن أبيه قال: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بدر، وكان كل ثلاثة يتعاقبون بعيرا، فكنت أنا وأخي خلاد بن رافع على بكر لنا، ومعنا عبيد بن يزيد بن عامر، فكنا نتعاقب، فسرنا حتى إذا كنا بالروحاء [ (1) ] أذم بنا بكرنا فبرك علينا وأعيا، فقال أخي: اللَّهمّ إن لك عليّ نذرا لئن رددتنا المدينة لأنحرنّه. قال: فمر بنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ونحن على تلك الحال، فقلنا يا رسول اللَّه برك علينا بكرنا، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بماء، فمضمض وتوضأ في إناء، قال: افتحا فاه، ففعلنا ثم صبّه في فيه، ثم على رأسه، ثم على عنقه، ثم على حاركه [ (2) ] ، ثم على سنامه، ثم على عجزه، ثم على ذنبه، ثم قال: اركبا، ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلحقناه أسفل المنصرف [ (3) ] ، وإن بكرنا لينفر بنا حتى إذا كنا بالمصلى [ (4) ] راجعين من بدر برك علينا، فنحره أخي فقسم لحمه وتصدق به [ (5) ] .
[ثامن وعشرون: عذوبة الماء بريقه المبارك]
[ثامن وعشرون: عذوبة الماء بريقه المبارك] فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عبد اللَّه الأنصاري قال: حدثني أبي عن ثمامة، عن أنس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي فيطيل القيام، وإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بزق في بئر داره، قال: فلم يكن في المدينة بئر أعذب منها، قال: وكانوا إذا حضروا استعذب لهم منها، وكانت تسمى في الجاهلية البرود [ (1) ] .
[تاسع وعشرون: حبس الدمع بما نضحه صلى الله عليه وسلم في وجه امرأة]
[تاسع وعشرون: حبس الدمع بما نضحه صلّى اللَّه عليه وسلم في وجه امرأة] وأما حبس الدمع بما نضحه صلّى اللَّه عليه وسلم في وجه امرأة، فخرج أبو نعيم من حديث بشار بن عبد الملك قال حدثتني جدتي أم حكيم قالت: سمعت أم إسحاق تقول: هاجرت مع أخي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، فلما كنت في بعض الطريق قال لي أخي: اقعدي يا أم إسحاق [ (1) ] ، فإنّي نسيت نفقتي بمكة، فقلت: إني أخشى عليك الفاسق زوجي، قال: كلا إن شاء اللَّه، قالت: فأقمت أياما فمرّ بي رجل قد عرفته ولا أسميه، فقال: يا أم إسحاق! ما يجلسك هاهنا؟ قلت: انتظر إسحاق، قال: لا إسحاق لك، قد قتله زوجك، فتحملت حتى قدمت المدينة، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يتوضأ، فقمت بين يديه فقلت: يا رسول اللَّه! قتل إسحاق، وجعلت كلما انظر إليه نكّس [في الوضوء] [ (2) ] ثم أخذ كفا من ماء فنضحه في وجهي. قال: قالت جدتي: فقد كانت تصيبها المصيبة فنرى الدموع في عينيها فلا تسيل على خديها [ (3) ] . [قال ابن عبد البر: أم إسحاق الغنوية هاجرت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يروي عنها أهل البصرة] [ (4) ] ، [حديثها فيمن أكل ناسيا غريب الإسناد] [ (5) ] .
[ثلاثون: ذهاب الحزن وسرور النفس ببركة ما غمس فيه يده الكريمة صلى الله عليه وسلم]
[ثلاثون: ذهاب الحزن وسرور النفس ببركة ما غمس فيه يده الكريمة صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما ذهاب الحزن وسرور النفس ببركة ما غمس فيه يده الكريمة صلّى اللَّه عليه وسلم، ومضمض فاه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال الواقدي- رحمه اللَّه- في غزوة بدر: بينا حارثة بن سراقة كارعا [ (1) ] في الحوض، إذ أتاه سهم غرب، فوقع في نحره، فلقد شرب القوم آخر النهار من دمه، فبلغ أمه وأخته- وهم بالمدينة- مقتله، فقالت أمه: واللَّه لا أبكي عليه حتى يقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسأله، فإن كان ابني في الجنة لم أبك عليه، وإن كان ابني في النار بكيته [لعمر اللَّه] [ (2) ] فأعولته. فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بدر، جاءت أمه فقالت: يا رسول اللَّه، قد عرفت موقع حارثة من قلبي [فأردت أن] [ (2) ] ، أبكي عليه، ثم قلت لا أفعل حتى أسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإن كان في الجنة لم أبك عليه وإن كان في النار بكيته فأعولته، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أهبلت!؟ جنة واحدة، إنها جنان كثيرة، والّذي نفسي بيده إنه لفي الفردوس الأعلى، قالت: فلا أبكي عليه أبدا، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بإناء من ماء، فغمس يده فيه ومضمض فاه، ثم ناول أم حارثة فشربت، ثم ناولت ابنتها فشربت، ثم أمرهما فنضحتا في جيوبهما ففعلتا، فرجعتا من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وما بالمدينة امرأتان أقر عينا منهما ولا أسرّ. هكذا أورد محمد بن عمر الواقدي هذا الحديث في (كتاب المغازي) بغير إسناد [ (3) ] . وقد خرج الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري في (كتاب الجامع الصحيح) ، في كتاب الرقاق، في باب صفة الجنة والنار، من حديث إسحاق عن
حميد قال: سمعت أنسا يقول: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه! قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يك بالجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع؟ فقال: ويحك! أهبلت؟ أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس [ (1) ] ومن حديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد عن أنس، أن أم حارثة أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد هلك حارثة يوم بدر- أصابه سهم غرب- فقالت: يا رسول اللَّه! قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان في الجنة لم أبك عليه، وإلا سوف ترى ما أصنع، فقال لها: أجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في الفردوس الأعلى [ (2) ] . وحارثة هذا هو حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأمه أم حارثة عمه أنس بن مالك. قتله حبان ابن العرقة يوم بدر بسهم وهو يشرب من الحوض- وكان خرج نظّارا- رماه فأصاب حنجرته فقتله.
[حادي وثلاثون: عذوبة الماء ببركته عليه السلام]
[حادي وثلاثون: عذوبة الماء ببركته عليه السلام] وأما عذوبة الماء ببركته صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال الزبير بن بكار: حدثني إبراهيم بن حمزة عن إبراهيم بن قسطاس، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي قال: مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة ذي قرد على ماء يقال له بيسان [ (1) ] ، فسأل عنه فقيل: اسمه يا رسول اللَّه بيسان [ (1) ] ، وهو مالح، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا بل هو نعمان وهو طيب، فغيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اسمه، وغيّر اللَّه تبارك وتعالى الماء ببركته صلّى اللَّه عليه وسلم، فاشتراه طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه [ثم تصدق به] [ (2) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! ما أنت يا طلحة إلا فيّاض، فبذلك سمى رضي اللَّه عنه: طلحة الفياض. وضبطه البكري- رحمة اللَّه تعالى عليه- بفتح أوله وبالسين المهملة [ (3) ] .
[ثاني وثلاثون: زيادة بقية أزواد القوم ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم]
[ثاني وثلاثون: زيادة بقية أزواد القوم ببركة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما زيادة بقية أزواد القوم ببركة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم عند مرجعه من الحديبيّة ومرجعه من تبوك، فخرج البخاري ومسلم من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: خفّت أزواد الناس وأملقوا، فأتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نحر إبلهم فأذن لهم، فلقيهم عمر رضي اللَّه عنه، فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: [ناد] الناس فيأتون بفضل أزوادهم، فبسط لذلك [نطعا] فجعلوه فوق النطع، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فدعا وبرّك، ثم دعاهم بأوعيتهم، فاجتنى الناس حتى فرغوا، ثم قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه [ (1) ] . وخرج مسلم والنسائي من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم قال: حدثنا عبيد اللَّه الأشجعي، عن مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في مسير، قال: فنفدت أزواد القوم، قال: حتى هموا بنحر بعض حمائلهم، قال: فقال عمر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت اللَّه عليها؟ قال: ففعل، قال: فجاءه ذو البر ببرّه، وذو التمر بتمره، قال: وقال مجاهد: وذو النواة بنواه، قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: يمصونه ويشربون عليه الماء، قال: فدعا عليها، قال: حتى ملأ القوم أزودتهم، قال: فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد غير شاك إلا دخل الجنة [ (2) ] .
وخرجه النسائي من حديث أبي أسامة عن مالك- وهو ابن مغول- عن طارق أبي صالح قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مسير إذ نفذت أزواد القوم ... ، وساق الحديث مرسلا. ذكره في الجهاد [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة- أو عن أبي سعيد، شك الأعمش- قال: لما كان غزوة تبوك، أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول اللَّه! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلناها وادّهنّا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: افعلوا، قال: فجاء عمر فقال: يا رسول اللَّه! إن فعلت قال الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع اللَّه عليها بالبركة، لعل اللَّه أن يجعل في ذلك. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: نعم، قال: فدعا بنطع فبسطه، ثم دعي بفضل أزوادهم، قال: جعل الرجل يجيء بكف ذره، قال: ويجيء الآخر بكف تمر، قال: ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبركة وقال: خذوا في أوعيتكم، قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة [ (2) ] . وخرج أيضا في آخر كتاب اللقطة [ (3) ] من حديث النّضر بن محمد اليمامي قال: حدثني عكرمة- وهو ابن عمار- قال: حدثنا إياس بن سلمة عن أبيه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجمعنا أزوادنا، فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع، فتطاولت لأحرزه كم هو؟ فحزرته كربضة العنز، ونحن أربع عشرة مائة
قال: فأكلنا حتى شبعنا، ثم حشونا جربنا، فقال نبيّ اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فهل من وضوء؟ قال: فجاء رجل بإداوة فيها نطفة ماء فأفرغها في قدح، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشر مائة، قال: ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا: هل من طهور؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فرغ الوضوء [ (1) ] . وقال البيهقي- رحمة اللَّه عليه-: ورواه عاصم بن عبيد اللَّه، عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه، وقال في غزوة تبوك، وروى عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة الأنصاري عن أبيه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، وروى عن أبي حبيش الغفاريّ قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تهامة حتى كنا بعسفان، فذكر القصة وزاد: ثم أذن بالرحيل فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا، فنزل ونزلوا، وشربوا من ماء السماء. والأحاديث كلها متفقة في دعائه في بقية الأزواد، وإجابة اللَّه تعالى دعاءه بظهور البركة فيها حتى ملئوا أوعيتهم وفضلت فضلة [ (2) ] . وخرج مسلم من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قال ابن عباس رضي اللَّه عنه: لما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الحديبيّة، كلمه بعض أصحابه فقالوا: جهدنا وفي الناس ظهر فانحره لنا فنأكل من لحومه، ولندهن من شحومه، ولنحتذي من جلوده، فقال عمر بن الخطاب: لا تفعل يا رسول اللَّه، فإن الناس إن يكن
معهم بقية ظهر أمثل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أبسطوا أنطاعكم وعباءكم، ففعلوا، ثم قال: من كان عنده بقية من زاد وطعام فلينتره، ودعا لهم ثم قال: قربوا أوعيتكم فأخذوا ما شاء اللَّه [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن أبي الطفيل، عن عبد اللَّه بن عباس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما نزل مرّ في صلح قريش، قال أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه، لو انتحرنا من ظهورنا فأكلنا من لحومها وشحومها وحسونا من المرق وأصبحنا غدا إذا غدونا عليهم وبنا جمام، قال: لا، [ولكن ائتوني] [ (2) ] بما فضل من أزوادكم، فبسطوا أنطاعا ثم صبوا عليها فضول ما فضل من أزوادهم، فدعا عليهم [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبركة، فأكلوا حتى تضلعوا، [شبعا] [ (2) ] ثم لفّفوا ما فضل من أزوادهم في جربهم [ (4) ] . وقال الواقدي في مغازيه: قام [ (5) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالحديبية بضعة عشرة يوما- ويقال: عشرين ليلة- فلما انصرف من الحديبيّة نزل بمر الظهران، ثم نزل عسفان فأرملوا [ (6) ] من الزاد، فشكى الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنهم قد بلغوا [ (7) ] الجهد من الجوع، [وفي الناس ظهر وقالوا:] [ (8) ] ، ننحر يا رسول اللَّه وندّهن من شحومه، ونتخذ من جلوده حذاء، فأذن لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبر بذلك عمر ابن الخطاب، فجاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يكن في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن ادعهم بأزوادهم، ثم ادع اللَّه فيها، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالأنطاع فبسطت، ثم نادى مناديه: من كان عنده بقية من زاد
فلينثره على الأنطاع، قال أبو شريح الكعبيّ: فلقد رأيت من يأتي بالتمرة الواحدة، وأكثرهم لا يأتي بشيء، ويؤتي بالكف من الدقيق والكف من السويق، وذلك كله قليل، فلما اجتمعت أزوادهم، وانقطعت موادّهم، مشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليها، فدعا فيها بالبركة، ثم قال: قربوا أوعيتكم فجاءوا بأوعيتهم. قال أبو شريح: فأنا حاضر، فيأتي الرجل فيأخذ ما شاء من الزاد، حتى أن الرجل ليأخذ ما لا يجد له محملا، ثم أذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا وهم صائفون، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونزلوا معه، فشربوا من ماء السماء [ (1) ] ، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخطبهم، فجاء ثلاثة نفر، فجلس اثنان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وذهب واحد معرضا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا أخبركم خبر الثلاثة؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: أما الأول فاستحيا، فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فتاب فتاب اللَّه عليه، أما الثالث فأعرض فأعرض اللَّه عنه [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد- رحمه اللَّه- من حديث الأوزاعي قال: حدثني أبي قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، فأصاب الناس مخمصة فاستأذن الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نحر بعض ظهرهم وقالوا: يبلغنا اللَّه به، فلما رأى عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد همّ أن يأذن لهم في نحر ظهرهم. قال: يا رسول اللَّه! كيف بنا إذا لقينا العدو غدا جياعا رجالا، ولكن إن رأيت يا رسول اللَّه، أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم، فتجمعها ثم تدعو اللَّه فيها بالبركة، فإن اللَّه تبارك وتعالى سيبلغنا بدعوتك- أو قال: سيبارك لنا في دعوتك- فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس ببقايا أزوادهم. فجعل الناس يجيئون بالحفنة- وقال بعضهم: بالحثية- من الطعام وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قام فدعا ما شاء اللَّه أن يدعو، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، وأمرهم أن يجيشوا [ (3) ] ، فما
بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه وبقي مثله، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يلقى اللَّه بهما عبد مؤمن بهما إلا حجبته عن النار [ (1) ] . وخرج البيهقي- رحمه اللَّه تعالى- من حديث سعيد بن سلمة قال: حدثني أبو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن [عبد اللَّه بن] [ (2) ] أبي ربيعة، أنه سمع أبا خنيس الغفاريّ يقول: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تهامة، حتى إذا كنا بعسفان جاء أصحابه فقالوا: يا رسول اللَّه! جهدنا الجوع فأذن لنا في الظّهر أن نأكله، قال: نعم، فأخبر بذلك عمر رضي اللَّه عنه فقال: يا نبي اللَّه! ما صنعت؟ أمرت الناس أن يأكلوا الظهر، فعلام يركبون؟ قال: فما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: أن تأمرهم- وأنت أفضل رأيا- فيجمعوا فضل [ (3) ] أزوادهم في ثوب، ثم تدعو اللَّه لهم، فإنّ اللَّه يستجيب لك. فأمرهم فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب، ثم دعا اللَّه لهم ثم قال: ائتوا بأوعيتكم، فملأ كل إنسان وعاءه، ثم أذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالرحيل، فلما ارتحلوا مطروا ما شاءوا، ونزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ونزلوا معه، وشربوا من ماء السماء وهم بالكراع، ثم خطبهم به، فجاء ثلاثة، فجلس اثنان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهب آخر معرضا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما واحد فاستحيا من اللَّه فاستحيا اللَّه منه، وأما الآخر فأقبل تائبا إلى اللَّه فتاب اللَّه عليه، وأما الآخر فأعرض فأعرض اللَّه عنه [ (4) ] .
وقال الواقدي في مغازيه: فلما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسير من تبوك أرمل الناس إرمالا شديدا فشخص على ذلك الحال حتى جاء الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستأذنونه أن ينحروا ركابهم فيأكلوها، فأذن لهم، فلقيهم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في خيمة له فقال: أذنت للناس في نحر [حمولتهم يأكلونها] [ (1) ] ؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شكوا إلى ما بلغ منهم من الجوع، فأذنت لهم ينحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهرهم وهم قافلون إلى أهليهم، قال: يا رسول اللَّه! لا تفعل، فإن يك في الناس فضل من ظهر يكون خيرا، فالظهر اليوم رقاق [ (2) ] ، ولكن ادع بفضل أزوادهم ثم اجمعها، فادع فيها بالبركة، كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرملنا، فإن اللَّه سبحانه وتعالى مستجيب لك. فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من كان عنده فضل زاد فليأت به، وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتي بالمد الدقيق والسويق أو التمر، أو القبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر، فيوضع كل صنف من ذلك على حدة، وكل ذلك قليل، فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق والتمر ثلاثة أفراق [ (3) ] حرزا [ (4) ] ، ثم قام فتوضأ وصلى ركعتين، ثم دعا اللَّه تعالى أن يبارك فيه. فكان أربعة من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحدثون جميعا حديثا واحدا، حضروا ذلك وعاينوه: أبو هريرة، وأبو حميدي الساعدي، وأبو زرعة الجهنيّ معبد بن خالد، وسهل بن سعد الساعدي، قالوا: ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنادى مناديه [هلموا] [ (1) ] إلى الطعام خذوا منه حاجتكم. فأقبل الناس فجعل كل من جاء بوعاء ملأه، فقال بعضهم: لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز، وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت أحدهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا ما كفاني إلى المدينة،
فجعل الناس يتزودون الزاد حتى نهلوا عن آخرهم، حتى كان آخرهم ذلك أن أخذت الأنطاع ونثرنا [ (1) ] ما عليها، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول- وهو واقف-: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني عبده ورسوله، وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه اللَّه حر النار [ (2) ] . وقد رويت هذه القصة من طرق: فرواها [أبو نعيم] من طريق عاصم بن عبيد اللَّه ابن عاصم بن عمر عن أبيه، عن جده عمر قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كنا بعين الروم- التي يقال لها غزوة تبوك- يقول: أصحابنا جوع شديد فقلت: يا رسول اللَّه! نلقى العدو غدا وهم شباع ونحن جياع، فخطب الناس ثم قال: من كان عنده فضل طعام فليأتنا به، وبسط نطعا فأتى بتسع وعشرين صاعا فجلس ودعا بالبركة، ثم دعا الناس وقال: خذوا، فأخذوا حتى جعل الرجل يربط كم قميصه ثم يأخذ فيه، ففضل فضلة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، لا يقولها رجل فيدخل النار [ (3) ] . وفي رواية ابن إسحاق رضي اللَّه عنه، عن يزيد مولى نوفل بن الحارث، عن عاصم بن عبيد اللَّه، عن عاصم بن عمر، عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك، فقلت: يا رسول اللَّه! يخرج إلينا الروم وهم شباع ونحن جياع، وأرادت الأنصار أن ينحروا نواضحهم. فإذا منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ينادي في الناس: من كان عنده فضل من زاد فليأتنا به، فحرزنا جميع ما جاءوا به فوجدناه سبعا وعشرين صاعا، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى جنبه فدعا فيه ثم قال: أيها الناس، خذوا ولا تنتبهوا، قال: فأخذوا في الجرب والغرائر، حتى جعل الرجل يعقد قميصه فيأخذ فيه حتى صدروا، وإنه نحو مما كانوا أخذوه.
قال القاضي عياض- رحمه اللَّه- وقد أجمع على معنى حديث هذا الفصل بضعة عشر من الصحابة، رواه عنهم أضعافهم من التابعين، ثم من لا يعد من بعدهم، وأكثرها في قصص مشهورة، ومجامع مشهودة، لا يمكن التحدث عنها إلا بالحق، ولا يسكت المحاضر لها على ما أنكر و [منها] [ (1) ] ، واللَّه تعالى أعلم [ (2) ] .
[ثالث وثلاثون: تكثير طعام صنعه جابر بن عبد الله بالخندق]
[ثالث وثلاثون: تكثير طعام صنعه جابر بن عبد اللَّه بالخندق] وأما تكثير طعام صنعه جابر بن عبد اللَّه بالخندق، فخرج البخاري في غزوة الخندق، من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: أتيت جابرا فقال: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كيدة شديدة، فجاءوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالوا، هذه كيدة عرضت الخندق، فقال: أنا نازل، ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولنا ثلاثة أيام لا نذوق ذوقا، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل- أو أهيم- فقلت: يا رسول اللَّه؟ ائذن لي إلى البيت، فقلت لامرأتي: رأيت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا ما في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البرمة، ثم جئت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول اللَّه ورجل أو رجلان، قال: كم هو؟ فذكرت له، فقال: كثير طيب، قال: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي، قال: قوموا، فقام المهاجرون. فلما دخل على امرأته قال لها: ويحك! جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم، قال: ادخلوا ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم، ويخمّر البرمة والتنور إذا أخذ منه، ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع، فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية، فقال: كلي هذا وأهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة [ (1) ] . وخرج البخاري في غزوة الخندق، ومسلم في الأشربة [ (2) ] من حديث أبي قاصم، أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، أخبرنا سعيد بن مينا، سمعت جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: لما حفر الخندق رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خميصا، فانكفأت إلى امرأتي فقلت: هل عندك شيء؟ فإنّي رأيت رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمصا شديدا فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن، فذبحتها وطحنت الشعير، وفرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول [ (1) ] اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبمن معه. قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول اللَّه! ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت [ونفر] [ (2) ] معك، فصاح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع سورا [فحي هلا] [ (2) ] بكم، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء. قال: فجئت وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الّذي قلت لي، فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ثم قال: ادع خابزة فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم باللَّه لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجينا ليخبز [كما هو] [ (1) ] لفظهما فيه متقارب [ (3) ] .
وقال الواقدي رحمه اللَّه: فحدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة، عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث، عن جابر بن عبد اللَّه قال: أصاب الناس كدية يوم الخندق فضربوا فيها جميعا بمعاولهم حتى انكسرت، فدعوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لها فدعا بماء فصبه عليها فعادت كثيبا. قال جابر: فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يحفر ورأيته خميصا، ورأيت بين كعنه الغبار، فأتيت امرأتي فأخبرتها بما رأيت من خمص بطن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: واللَّه ما عندنا شيء إلا هذه الشاة، ومدّ من شعير، قال جابر: فاطحني وأصلحي، فطبخنا، وشوينا بعضها وخبزنا الشعير ثم أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمكثت حتى رأيت أن الطعام قد بلغ، فقلت يا رسول اللَّه! قد صنعت لك طعاما فأت أنت ومن أحببت من أصحابك، فشبك أصابعه في أصابعي ثم قال: أجيبوا جابرا يدعوكم. قال: فأقبلوا معه فقلت: واللَّه إنها الفضيحة! فأتيت المرأة فأخبرتها فقالت: أنت دعوتهم أو هو دعاهم؟ فقلت: بل هو دعاهم، قالت: دعهم فهو أعلم. قال: فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأمر أصحابه فكانوا فرقا عشرة عشرة، ثم قال لنا، اغرفوا وغطوا البرمة، وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه، ففعلنا، فجعلنا نغرف ونغطي البرمة، ثم نفتحها فما نراها نقصت شيئا، ونخرج الخبز من التنور ثم نغطيه فما نراه ينقص شيئا، فأكلوا حتى شبعوا، وأكلنا وأهدينا،
فعمل الناس يومئذ كلهم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم معهم، وجعلت الأنصار ترجز وتقول: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة [ (1) ] وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، من حديث عبد الرحمن بن محمد البخاري، عن عبد الرحمن بن أيمن عن أبيه، عن جابر بمعناه، ثم قال: أخبرني جابر أنهم كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة- شك أيمن.
[رابع وثلاثون: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في الأكل من القصعة]
[رابع وثلاثون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في الأكل من القصعة] وأما ظهور بركته في الأكل من القصعة، فخرج الترمذي من حديث يزيد ابن هارون، قال: حدثنا سليمان التيمي عن أبي العلاء، عن سمرة بن جندب قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نتداول في قصعة من غدوة حتى الليل، يقوم [ (1) ] عشرة ويقعد [ (1) ] عشرة، [قلنا فما كانت] [ (2) ] تمد؟ قال: من أي شيء تعجب ما كانت تمد إلا من هاهنا- وأشار بيده إلى السماء- قال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو العلاء اسمه يزيد بن عبد اللَّه بن الشّخّير [ (3) ] . وخرجه النسائي [ (4) ] بهذا الإسناد في الأطعمة، وخرجه البيهقي [ (5) ] والحاكم [ (6) ] وصححه من حديث عبد الأعلى بن حماد النّرسيّ قال: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه، عن أبي العلاء عن سمرة بن جندب، أن قصعة كانت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فجعل الناس يأكلون منها. قال: فكلما شبع قوم قاموا وجلس مكانهم أناس آخرون، كذلك إلى صلاة الأولى، فقال رجل: أما كانت تمد بشيء؟ فقال سمرة فمم تعجب؟ لو كانت تمد بشيء لم تتعجب، ما كانت تمد إلا من هاهنا- فأومأ إلى السماء- أو كما قال.
وخرج أبو بكر بن شيبة من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا سليمان التيمي عن أبي العلاء، عن سمرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أتى بقصعة من ثريد فوضعت بين يدي القوم، فتعاقبوها إلى الظهر من غدوة، يقوم قوم ويجلس آخرون، فقال رجل لسمرة: أكانت تمد؟ فقال سمرة: من أي شيء تعجب؟ ما كانت تمد إلا من هاهنا- وأشار بيده إلى السماء.
[خامس وثلاثون: أكل مائة وثمانون رجلا من صاع طعام]
[خامس وثلاثون: أكل مائة وثمانون رجلا من صاع طعام] وأما أكل مائة وثمانين رجلا من صاع طعام وأخذ كل منهم حزّة من سواد بطن شاه، فخرج البخاري ومسلم من حديث المعتمر بن سليمان قال: حدثنا أبي عن أبي عثمان، حدث أيضا عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: [ (1) ] كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي: هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أبيع أم عطية- أو قال: أم هبة- قال: لا بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسواد البطن أن يشوي. قال: وأيم اللَّه ما في الثلاثين ومائة إلا حزّ له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حزّة من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاه إياه، وإن كان غائبا خبأه له، قال: وجعل منها قصعتين فأكلنا منها أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فحملته على البعير، أو كما قال. ذكره البخاري في كتاب الأطعمة في باب من أكل حتى شبع، وذكره في كتاب الهبة في باب قبول الهدية من المشركين، قال بعقبه في رواية المستملي: مشقان طويل جدا فوق الطول. واللَّه تعالى أعلم.
[سادس وثلاثون: ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في طعام أبي بكر]
[سادس وثلاثون: ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في طعام أبي بكر] وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلم في الطعام الّذي كان في دار أبي بكر رضي اللَّه عنه، فخرج البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام، وخرج مسلم في كتاب الأشربة [ (1) ] ، من حديث المعتمر بن سليمان قال أبي: حدثنا أبو عثمان أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس، أو كما قال، وأن أبا بكر رضي اللَّه عنه جاء بثلاثة، وانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعشرة، وأبو بكر بثلاثة، قال: فهو أنا وأبي وأمي، فلا أدري هل قال وامرأتي وخادم بين بيتنا وبيت أبي بكر. قال: وإن أبا بكر رضي اللَّه عنه تعشى عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء اللَّه. قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ - أو قالت: ضيفك- قال: وما عشيّتيهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء، قد عرضوا عليهم فغلبوهم، قال: فذهبت أنا فاختبأت فقال: يا غنثر، فجدّع وسبّ وقال له: كلوا لا هنيئا، فقال: واللَّه لا أطعمه أبدا، قال وأيم اللَّه ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، قال: [يعني حتى شبعوا] [ (2) ] ، فصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر رضي اللَّه عنه فإذا هي كما هي أو أكثر، قال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟ قالت: لا وقرة عيني لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر رضي اللَّه عنه وقال: إنما كان ذلك من الشيطان- يعني يمينه- ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأصبحت عنده، قال: وكان بيننا وبينهم عهد فمضى الأجل ففرقنا اثنا عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس اللَّه أعلم كم مع كل
رجل، غير أنه بعث معهم، قال فأكلوا منها أجمعون أو كما قال [ (1) ] . وخرجه البخاري في كتاب الصلاة في باب السمر مع الأهل والضيف، وقال فيه: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربع فخامس أو سادس، وأن أبا بكر رضي اللَّه عنه جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعشرة، قال: فهو أنا وأبي وأمي، فلا أدري هل قال: وامرأتي وخادم. الحديث، وقال فيه [ثم حملها] إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين قوم عقد] [ (2) ] .
[سابع وثلاثون: رزق الله تعالى أهل بيت من الأنصار ذوي حاجة ببركته صلى الله عليه وسلم]
[سابع وثلاثون: رزق اللَّه تعالى أهل بيت من الأنصار ذوي حاجة ببركته صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما رزق اللَّه تعالى أهل بيت من الأنصار ذوي حاجة من حيث لا يحتسبوا ببركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البيهقي من حديث أبي بكر بن عياش، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة، فخرج إلى البرية فقالت امرأته: اللَّهمّ ارزقنا ما نعجن ونختبز، قال: فإذا الجفنة ملأى خميرا، والرحى تطحن، والتنور ملأى خبزا وشواء، فجاء زوجها فقال: هل عندكم [ (1) ] شيء؟ قالت: نعم، رزق اللَّه [ (2) ] ، فرفع الرحى فكنس ما حوله، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لو تركها لدارت إلى يوم القيامة [ (3) ] . ومن حديث أبي صالح عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد رضي اللَّه عنه ورحمه، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رجلا من الأنصار كان ذا [ (4) ] حاجة، فخرج يوما وليس عنده أهله شيء،
فقالت امرأته: لو أني حركت رحاي وجعلت في تنوري سعفات، فسمع جيراني صوت الرحى ورأوا الدخان فظنوا أن عندنا طعاما وليس بنا [ (1) ] خصاصة، فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت [ (2) ] تحرك الرحى، فأقبل زوجها وسمع الرحى، فقامت إليه لتفتح له الباب، فقال: ما كنت تطحنين؟ فأخبرته فدخل، وإن رحاهما لتدور وتصب دقيقا، فلم يبق في البيت وعاء إلا مليء، ثم خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءا خبزا، فأقبل زوجها فذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فما فعلت الرحى؟ قال: رفعتها ونفضتها، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: لو تركتموها ما زالت كما هي لكم حياتكم [ (3) ] .
[ثامن وثلاثون: أكل سبعين رجلا من قليل أقراص خبز شعير]
[ثامن وثلاثون: أكل سبعين رجلا من قليل أقراص خبز شعير] وأما أكل سبعين أو ثمانين رجلا في بيت أبي طلحة الأنصاري من قليل أقراص خبز شعير قد فتّ وأدم بيسير من أدام حتى شبعوا، وبقيت كما هي ببركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البخاري ومسلم من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك رضي اللَّه عنه يقول: قال أبو طلحة لأم سليم رضي اللَّه عنها، لقد سمعت صوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير، ثم أخذت خمارا لها فلفّت الخبز ببعضه ثم دسّته تحت ثوبي، وردّتني [ (1) ] ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فذهبت به فوجدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم، فقال: بطعام؟. وقال البخاري: قالت: بطعام؟ - فقلت: نعم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن معه: قوموا، قال: فانطلق وانطلقت بين يديه حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: اللَّه ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معه، حتى دخلا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هلمّي ما عندك يا أم سليم فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ففتّ وعصرت عليه أم سليم عكّة لها فأدمته، ثم قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما شاء اللَّه أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم أذن لعشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلا أو ثمانون. وقال البخاري: والقوم ثمانون رجلا [ (2) ] .
وخرجه البخاري أيضا في المناقب، في باب علامات النبوة في الإسلام، بهذا الإسناد وقال فيه: ثم دسّته تحت يدي ولاثتنى ببعضه، وقال: قال بطعام؟ قلت: نعم، وفي آخره: والقوم سبعون أو ثمانون رجلا [ (1) ] . وخرجه في كتاب الأيمان والنذور، في باب إذا حلف أن لا يأدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون منه الأدم بنحو ذلك وقال: والقوم سبعون أو ثمانون رجلا [ (1) ] . وخرجه أبو عيسى الترمذي من حديث معن قال: عرضت على مالك بن أنس عن إسحاق إلى آخره، وقال: والقوم سبعون رجلا. وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرجه البخاري في الصلاة، في باب من دعي لطعام في المسجد، من حديث مالك، وقال فيه: وجدت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في المسجد ومعه ناس فقمت،
فقال لي: أرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم، فقال: لطعام؟ قلت: نعم، قال لمن معه: قوموا، فانطلق وانطلقت بين أيديهم [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث ابن نمير قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن سعيد قال: حدثني أنس بن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [لأدعوه] [ (2) ] ، وقد جعل طعاما، قال: فأقبلت ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مع الناس، فنظر إليّ فاستحييت، فقلت: أجب أبا طلحة، فقال للناس: قوموا، فقال أبو طلحة: يا رسول اللَّه! إنما صنعت لك شيئا. فمسّها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودعا فيها بالبركة ثم قال: أدخل [نفرا] [ (2) ] من أصحابي عشرة وقال: كلوا، وأخرج لهم شيئا من بين أصابعه، فأكلوا حتى شبعوا فخرجوا، فقال: أدخل عشرة، فأكلوا حتى شبعوا [ (3) ] ، فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع، ثم هيأها فإذا هي مثلها حين أكلوا منها [ (4) ] . وخرجه أيضا من حديث سعيد بن يحيى الأموي قال: حدثنا أبي قال: حدثني سعيد بن سعيد قال: سمعت أنس بن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وساق الحديث بنحو حديث ابن نمير، غير أنه قال في آخره: ثم أخذ ما بقي فجمعه، ثم دعا فيه بالبركة، قال: فعاد كما كان، ثم قال: دونكم هذا [ (5) ] . وأخرجه أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ويحيى بن عمارة، وعبد اللَّه بن أبي عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، وفي حديث بعضهم: ثم
أكل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأكل أهل البيت، وأفضلوا ما بلّغ [ (1) ] جيرانهم [ (2) ] . وخرج من حديث حجاج بن الشاعر، عن موسى بن محمد المؤدب قال: حدثنا حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس قال: قالت أم سليم: اذهب إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن رأيت أن تغدى عندنا فافعل، فقال: ومن عندي؟ فقلت: نعم، قال: فجئت فدخلت على أم سليم وأنا مدهش لمن أقبل مع نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت أم سليم: ما صنعت يا أنس؟ فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أثر ذلك، فذكرت له الّذي أرسلتني إليك، وهذا غداؤك، قال: هل عندك سمن؟ قالت: نعم، قد كان عندي منه عكة، وفيها شيء من سمن. قال: فأتها، قال: فجئته بها، ففتح رباطها فقال: بسم اللَّه، اللَّهمّ أعظم فيه البركة، فقال: أقلبيها، فأقلبتها، فعصرها نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يسمي، فأخذت [منها] [ (3) ] ، قدر، فأكل منها بضع وثمانون رجلا وفضل منها، فدفعها إلى أم سليم فقال: كلي وأطعمي جيرانك [ (4) ] .
قال المؤلف- رحمه اللَّه- هذا الحديث من الأحاديث التي اشتهرت عند أهل العلم، فرواه عن أنس بن مالك سوى من ذكرنا: يعقوب بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، ومحمد بن كعب، وعمرو بن يحيى بن عمارة المازني عن أبيه، وبكر بن عبد اللَّه، وثابت البناني، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومحمد بن سيرين، والجعد أبو عثمان، وسنان أبو ربيعة، كلهم عن أنس، يزيد بعضهم وينقص.
[تاسع وثلاثون: أكل أصحاب الصفة من كسر يسيرة حتى شبعوا]
[تاسع وثلاثون: أكل أصحاب الصفة من كسر يسيرة حتى شبعوا] وأما أكل أهل الصفة من كسر يسيرة حتى شبعوا، فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث هشام بن علي قال: حدثنا أبو حفص عمر بن الدرفس قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي قسيمة عن واثلة بن الأسقع الليثي رضي اللَّه عنه، أنه حدثه قال: كنا في محرس يقال له الصفة- وهم عشرون رجلا- فأصابنا جوع، وكنت من أحدث أصحابي سنا، فبعثوا بي إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أشكو جوعهم. فالتفت في بيته فقال: هل من شيء؟ فقالوا: نعم، هاهنا كسرة أو كسر، أو شيء من لبن، فأتى به ففت فتا رقيقا، ثم صب عليه اللبن، ثم جبنه بيده حتى جعله [كالثريد] [ (1) ] ، ثم قال: يا واثلة، أدع لي عشرة من أصحابك وخلّف عشرة، [ففعلت] [ (1) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اجلسوا [بسم اللَّه] [ (1) ] ، فجلسوا، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم برأس الثريد فقال: كلوا بسم اللَّه من حواليها وأعفوا رأسها. فإن البركة تأتيها من فوقها وإنها تمدّ، قال: فرأيتهم يأكلون ويتخللون أصابعهم [ (2) ] حتى تملئوا شبعا. فلما انتهوا قال لهم: انصرفوا إلى مكانكم وابعثوا أصحابكم، فانصرفوا، فقمت متعجبا لما رأيت، فأقبل علي العشرة، فأمرهم بمثل الّذي أمر به أصحابهم وقال لهم مثل الّذي قال لهم، فأكلوا منها حتى [ (3) ] تملئوا شبعا وحتى انتهوا، وإن فيها فضلة [ (4) ] . وخرج من حديث إسماعيل بن عياش قال: حدثنا سليمان بن حبان العذري قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: كنت من أصحاب الصفة، فشكى أصحابي
الجوع فقالوا: يا واثلة، اذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاستطعم لنا، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، إن أصحابي يشكون الجوع، فقال: يا عائشة، هل عندك من شيء؟ فقالت: يا رسول اللَّه، ما عندي إلا فتات خبز، قال: هاته. فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بصحفة فأفرغ الخبز في [الصحفة] [ (1) ] ، ثم جعل يصلح الثريد بيده وهو يربو، حتى امتلأت [الصحفة] [ (1) ] ، فقال: يا واثلة، أذهب فجيء بعشرة من أصحابك وأنت عاشرهم، فذهبت فجئت بعشرة من أصحابي أنا عاشرهم، فقال: اجلسوا، خذوا بسم اللَّه، خذوا من حواليها ولا تأخذوا [من أعلاها] ، فإن البركة تنحدر من أعلاها. فأكلو حتى شبعوا، ثم قاموا وفي الصحفة مثل ما كان فيها، ثم جعل يصلحها بيده وهي تربو حتى امتلأت، فقال: يا [واثلة] [ (1) ] ، اذهب فجئ بعشرة من أصحابك، فذهبت فجئت بعشرة فقال: اجلسوا، فجلسوا، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا، فقال: اذهب فجئ بعشرة من أصحابك، فذهبت فجئت بعشرة، ففعلوا مثل ذلك، فقال: هل بقي أحد؟ قلت: نعم، عشرة، قال: اذهب فجيء بهم، فذهبت فجئت بهم، فقال: اجلسوا، فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا، وبقي في [الصحفة] [ (1) ] مثل ما كان، ثم قال: يا واثلة، اذهب بها إلى عائشة رضي اللَّه عنها. وخرج الحاكم من طريق واثلة هذا، من طريق محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا عبد اللَّه بن يوسف التنيسي، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه أنه حدثه عن واثلة بن الأسقع، فذكره بمعناه وسياقة غير هذه السياقة، ثم قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (2) ] . وخرج من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن أنيس بن أبي يحيى، عن إسحاق بن سالم، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: خرج
على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فقال لي: ادع أصحابك من أصحاب الصفة، فجعلت أتتبعهم رجلا رجلا حتى جمعتهم، فجئنا باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاستأذنا، فأذن لنا. قال أبو هريرة: ووضعت بين أيدينا صحفة إن فيها قدر مدّ من شعير، قال: فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده فقال: خذوا باسم اللَّه، فأكلنا ما شئنا ثم رفعنا أيدينا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين وضعت [الصحفة] : والّذي نفس رسول اللَّه بيده، ما أمسى في آل محمد طعام ليس ترونه، قيل لأبي هريرة: قدركم كانت حين فرغتم؟ قال: مثلها حين وضعت، إلا أن فيها أثر الأصابع.
[أربعون: أكل بضع وسبعين رجلا من حيس فيه قدر مد تمر]
[أربعون: أكل بضع وسبعين رجلا من حيس فيه قدر مدّ تمر] وأما أكل بضع وسبعين رجلا من حيس فيه قدر مد تمر وفضل عنهم [كما كان] قبل أكلهم، فخرج الطبراني من حديث شيبان بن فروخ، حدثنا محمد بن عيسى العندلي، حدثنا ثابت البناني قال: قلت لأنس بن مالك رضي اللَّه عنه أخبرني بأعجب شيء رأيته، قال: نعم يا ثابت. خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشر سنين فلم يعيّر عليّ في شيء أسأت فيه، قال: فأعجب شيء رأيته منه ما هو؟. قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش رضي اللَّه عنها قالت لي أمي: يا أنس، إن نبي اللَّه أصبح عروسا ولا أرى أصبح له غذاء، فهلمّ تلك العكة وتمرا قدر مدّ، فجعلت له حيسا [ (1) ] فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وامرأته، فلما أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس، قال: ضعفه في ناحية البيت، واذهب فادع أبا بكر وعمر وعثمان وعليا، ونفرا من أصحابه، ثم ادع لي أهل المسجد ومن رأيت في الطريق، فجعلت أتعجب من قلة الطعام وكثرة من يأمرني أن يدعو من الناس، وكرهت أن أعصيه، فدعوتهم حتى امتلأ البيت والحجرة، فقال: يا أنيس، هل ترى من أحد؟ فقلت: لا يا نبي اللَّه، فقال: هلمّ ذلك، فجئت بذلك التّور إليه، فجعلته قدامه، فغمس ثلاثة أصابعه في التّور، فجعل التّور يربو ويرتفع، فجعلوا يتغدون ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون بقي في ذلك التّور نحو ما جئت به. [ (2) ] قال: ضعه قدام زينب، فخرجت، فأصفقت الباب عليها بابا من جريد، قال ثابت: فقلت: يا أبا حمزة! كم ترى كانوا الذين يأكلون من ذلك التّور؟ قال: أحسبه قال: واحد وسبعين أو اثنان وسبعون.
[حادي وأربعون: أكل أربعين رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينتقص منه شيء]
[حادي وأربعون: أكل أربعين رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينتقص منه شيء] وأما أكل أربعين رجلا من صاع طعام ورجل شاة حتى شبعوا ولم ينتقص منه شيء، وإن منهم لمن يأكل الجذعة [ (1) ] ويشرب الفرق [ (2) ] : فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث المنهال بن عمرو، عن عبد اللَّه بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، عن عبد اللَّه بن عباس، عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (3) ] ، دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا علي، إن اللَّه تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت لذلك ذراعا، وعلمت أني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فضقت عليها حتى جاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا علي، فاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجمع لنا عسّا [ (4) ] من لبن، واجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له- وهم يومئذ أربعون رجلا أو ينقصون- منهم أعمامه: أبو طالب وحمزة وأبو لهب، فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الّذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعته تناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [حذية] [ (5) ] من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة وقال: خذوا [باسم اللَّه] ، فأكل القوم حتى ما [بقي] [ (5) ] لهم بشيء من حاجة، وما أرى إلا مواضع
أيديهم، ثم قال: اسقهم، فجئت بذلك العسّ فشربوا حتى رووا منه جميعا، وأيم اللَّه الّذي نفسي بيده، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يكلمهم، بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: يا قوم! لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال الغد: يا علي، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت [من القول] [ (1) ] ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعد لنا من الطعام مثل ما صنعت، ثم اجمعهم لي، قال: ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعا بالطعام فقربته لهم كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما [بقي] [ (1) ] لهم منه حاجة، ثم قال: اسقهم، فجئت بذلك العسّ فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة، عن شريك، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبد اللَّه الأسدي، وعبد اللَّه بن عباد الأسدي عن علي رضي اللَّه عنه قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (3) ] ، قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يا علي، اصنع رجل شاه بصاع من طعام، وأعد قعبا من لبن، ففعلت، قال: اجمع بني عبد المطلب، فجمعتهم وهم يومئذ أربعون رجلا- يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا-. قال: فوضعت بينهم الطعام فأكلوا حتى شبعوا وإن منهم لمن يأكل الجذعة ويشرب العس- ثم جئت بالقعب فشربوا حتى رووا عنه، فقال بعضهم: ما رأينا كالسحر اليوم- ترون أنه أبو لهب- ثم قال: يا علي، اصنع لنا غداء مثل ما صنعت، فأكلوا مثل ما أكلوا في المرة الأولى، وشربوا [مثل] ما شربوا، ثم عرض عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عرض. وخرجه من حديث أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي اللَّه عنه قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [ (1) ] جمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون، منهم العشرة يأكلون المسنّة [ (2) ] ويشربون العس، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عليا برجل شاة فصنعها لهم، ثم قربها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذ منها بضعة، فأكل منها ثم تتبع بها جوانب القصعة ثم قال: ادنوا، فدنا القوم عشرة عشرة. فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعا فناولهم فقال: اشربوا باسم اللَّه، فشربوا حتى رووا عن آخرهم، فقطع أبو لهب كلامهم فقال لهم: ما سحركم مثل هذا الرجل، فأسكت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ فلم يتكلم، ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام والشراب، ثم بدرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالكلام [ (3) ] . وخرجه من حديث أبي عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق عن ربيعة ابن ناجذ، عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، جمع بني عبد المطلب، وأمرني فصنعت مدا من طعام- ومنهم نفر يأكل كل واحد منهم الجذعة ويشرب الفرق- فأكلوا وكأن
لم ينقص منه شيء، وأتوا بالغمر- وهو زي الراكب- فشربوا وكأن لم ينقص منه شيء، ثم قال: يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي؟ قال علي رضي اللَّه عنه: فقلت: أنا، فقال: اجلس، فلما كان آخر ذلك ضرب يده على يدي [ (1) ] .
[ثاني وأربعون: أخذ أربعمائة رجل ما أحبوا من تمر قليل ولم ينقض]
[ثاني وأربعون: أخذ أربعمائة رجل ما أحبوا من تمر قليل ولم ينقض] وأما أخذ أربعمائة رجل ما أحبوا من تمر قليل ولم ينقص، فخرج أبو نعيم من حديث الحميدي ويحيى بن عبد الحميد قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا إسماعيل قال: سمعت قيسا يقول: حدثني دكين بن سعيد قال: أتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أربعمائة راكب نسأله الطعام فقال: يا عمر، اذهب فأطعمهم، فقال: يا رسول اللَّه! ما عندي إلا آصع [ (1) ] تمر مما يقتات عيالي، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: اسمع وأطع، فقال عمر رضي اللَّه عنه: سمعا وطاعة. فانطلق حتى أتى عليّة، فأخرج مفتاحا من حزّته [ (2) ] فقال للقوم: ادخلوا، فدخلوا- وكنت آخر القوم دخولا- فقال: خذوا، فأخذ كل رجل منهم ما أحب، ثم التفتّ إليه وإني لمن آخر القوم، وكأنا لم نرزأ تمرة قال أبو نعيم: رواه عيسى بن يونس، وعبد اللَّه بن نمير، ووكيع، ويعلي، ومحمد أبناء عبيد، والمعتمر في آخرين عن إسماعيل مثله [ (3) ] .
[ثالث وأربعون: أكل مائة وثمانين رجلا من الأنصار حتى صدروا من طعام صنعه أبو أيوب الأنصاري]
[ثالث وأربعون: أكل مائة وثمانين رجلا من الأنصار حتى صدروا من طعام صنعه أبو أيوب الأنصاري] أما أكل مائة وثمانون رجلا من الأنصار حتى صدروا من طعام صنعه أبو أيوب الأنصاري لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولأبي بكر رضي اللَّه عنه قدر ما يكفيهما، فخرج الحافظان أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد الأصبهاني، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي من حديث عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد الجريريّ، عن أبي الورد، عن أبي محمد الحضرميّ، عن أبي أيوب الأنصاري قال: صنعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولأبي بكر طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اذهب فادع لي بثلاثين من أشراف الأنصار، فشق ذلك عليّ وقلت: ما عندي شيء أزيده، فكأني تثاقلت، فقال: اذهب فادع لي بثلاثين من أشراف الأنصار، فدعوتهم فجاءوا، فقال: أطعموا، فأكلوا [حتى صدروا] [ (1) ] ثم شهدوا أنه رسول اللَّه، ثم بايعوه قبل أن يخرجوا. ثم قال: اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار، فدعوتهم، فو اللَّه لأنا بالستين أخوف مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ترفعوا، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول اللَّه، فبايعوه قبل أن يخرجوا. ثم قال: اذهب فادع لي تسعين من الأنصار، فلأنا أخوف بالتسعين والستين من الثلاثين، قال: فدعوتهم، فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول اللَّه، وبايعوه قبل أن يخرجوا، قال: فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار [ (2) ] .
[رابع وأربعون: أكل نفر حتى شبعوا من طعام يسير صنعه صهيب]
[رابع وأربعون: أكل نفر حتى شبعوا من طعام يسير صنعه صهيب] وأما أكل نفر حتى شبعوا من طعام يسير صنعه صهيب، فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن المثنى قال: حدثنا سالم بن نوح عن الجريريّ، عن أبي السليل، عن صهيب رضي اللَّه عنه قال: صنعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طعاما فأتيته به وهو في نفر من أصحابه جالس، فقمت حياء له، فلما نظر إليّ أو مات إليه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: وهؤلاء؟ فقلت: لا، فسكت وقمت مكاني، فلما نظر إليّ أومأت إليه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: وهؤلاء- مرتين أو ثلاثا- قال: فقلت: نعم، وإنما كان شيئا يسيرا صنعته لك- صلى اللَّه وسلم عليك- فأكلوا، قال: فأحسبه وفضل منهم [ (1) ] .
[خامس وأربعون: أكل طائفة في بيت عائشة من حيس يسير وشربهم لبنا حتى شبعوا ورووا]
[خامس وأربعون: أكل طائفة في بيت عائشة من حيس يسير وشربهم لبنا حتى شبعوا ورووا] وأما أكل طائفة في بيت عائشة رضي اللَّه عنها من حيس يسير وشربهم لبنا حتى شبعوا ورووا، فخرج أبو نعيم من حديث يونس بن حبيب قال: حدثنا أبو داود، حدثنا ابن أبي ذؤيب، عن الحرث بن عبد الرحمن قال: بينما أنا مع [أبي] [ (1) ] سلمة بن عبد الرحمن، إذ طلع رجل من بني غفار ابن لعبد اللَّه بن طهفة، فقال أبو سلمة: حدثنا حديثك عن أبيك. فقال: حدثني عبد اللَّه بن طهفة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا اجتمع الضيفان قال: لينقلب كل رجل بضيفه حتى إذا كان في ليلة اجتمع في المسجد ضيفان كثيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لينقلب كل رجل مع جليسه، قال: فكنت أنا ممن انقلب مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما دخل قال: يا عائشة، هل من شيء؟ قالت نعم، حويسة [ (2) ] كنت أعددتها لإفطارك، قال: فأتيني بها، فأتت بها في قعيبة لهم. فأكل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم منها شيئا ثم قدمها إلينا ثم قال: باسم اللَّه كلوا، فأكلنا منها حتى واللَّه ما ننظر إليها، ثم قال: هل عندك من شراب؟ قالت: لبينة أعددتها لإفطارك، قال: هاتيها [ (3) ] ، فجاءت بها، فشرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم منها شيئا ثم قال: باسم اللَّه اشربوا، فشربنا حتى واللَّه ما ننظر إليها، ثم خرجنا إلى الصلاة- وكان صلّى اللَّه عليه وسلم يوقظنا [ (4) ] إذا خرج- فقال: الصلاة الصلاة، فرأى رجلا متكئا على وجهه فقال: من هذا؟ قلت: أنا عبد اللَّه، قال: إنها ضجعة يكرهها اللَّه عزّ وجلّ [ (5) ] .
وخرج من حديث هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي سلمة، عن يعيش بن طخفة [بن قيس الغفاريّ] [ (1) ] قال: كان أبي من أهل الصفة، قال: فأمرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجعل الرجل يذهب برجل، والرجل يذهب بالرجلين، حتى بقيت خامس خمسة، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: انطلقوا. فانطلقنا معه إلى منزل عائشة رضي اللَّه عنها، فقال: يا عائشة أطعمينا، فجاءت بحشيشة فأكلنا، ثم جاءت بحيسة مثل القطاة فأكلنا، ثم قال: يا عائشة: اسقينا، فجاءت بعسّ فشربنا، ثم قال: يا عائشة اسقينا، فجاءت بقدح صغير من لبن فشربنا، ثم قال: إن شئتم بتمّ وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد، فقلنا: لا، بل ننطلق إلى المسجد [ (2) ] ، قال أبو نعيم: رواه ابن علية، وعبد الوهاب، وعبد الصمد، عن هشام مثله ورواه الأوزاعي وشيبان ومعمر ومحمد بن جابر عن يحيى بن أبي كثير على اختلاف بينهم فيه.
[سادس وأربعون: غرسه لسلمان الفارسي نخلا أطعم من سنته]
[سادس وأربعون: غرسه لسلمان الفارسيّ نخلا أطعم من سنته] وأما غرسه صلّى اللَّه عليه وسلم لسلمان الفارسيّ رضي اللَّه عنه نخلا أطعم من سنته، فخرج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن أبي شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن الحسين ابن واقد قال: حدثني عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه، أن سلمان رضي اللَّه عنه لما قدموا إلى المدينة أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بهدية على طبق، فوضعها بين يديه فقال: ما هذا يا سلمان؟ قال: صدقة عليك وعلى أصحابك، قال: إني لا آكل الصدقة. فرفعها ثم جاءه من الغد بمثلها فوضعها بين يديه فقال: ما هذا؟ قال: هدية لك، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: كلوا، قالوا: لمن أنت؟ قال: لقوم، قال: فاطلب إليهم أن يكاتبوك، قال: فكاتبوني على كذا وكذا نخلة أغرسها لهم، ويقوم عليها سلمان حتى تطعم، فجاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فغرس النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر رضي اللَّه عنه، فأطعم نخله [ (1) ] من سنته إلا تلك النخلة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: من غرسها؟ قالوا: عمر، فغرسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بيده فحملت من عامها. قال البيهقي: وروينا عن أبي عثمان عن سلمان أنه قال: فجعل يغرس إلا واحدة غرستها بيدي، فعلقن جميعا إلا واحدة [ (2) ] . قال المؤلف رحمه اللَّه: قد خرج الحاكم [ (3) ] من حديث أبي عثمان أن هذا من طريق عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن سليمان وعلي بن يزيد
عن أبي عثمان النّهدي، عن سلمان قال: كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمسمائة فسيلة، فإذا علقت فأنا حرّ، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: اغرس واشترط لهم، فإذا أردت الغرس فأذني، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجعل يغرس إلا واحدة غرستها بيدي، فعلقت جميعا إلا الواحدة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح من [حديث عاصم] [ (1) ] بن سليمان الأحول، على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد خرجه الإمام أحمد [ (2) ] من حديث عفان به نحوه.
[سابع وأربعون: ظهور البركة في تمرات يسيرة بمزود [1] أبي هريرة]
[سابع وأربعون: ظهور البركة في تمرات يسيرة بمزود [ (1) ] أبي هريرة] وأما ظهور البركة في تمرات يسيرة بمزود أبي هريرة حتى حمل منها عدة أوساق فخرج البيهقي من حديث علي بن المديني قال: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا المهاجر- مولى آل أبي بكرة- عن أبي العالية، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بتمرات فقلت: ادع لي فيهن بالبركة. قال فقبضهن ثم دعا فيهن بالبركة ثم قال: خذهن فاجعلهن في مزود، أو قال في مودك، فإذا أردت أن تأخذ منهن فأدخل يدك فخذ ولا تنثرهن نثرا، قال: فحملت من ذلك التمر كذا وكذا وسقا، في سبيل اللَّه، وكنا نأكل ونطعم، وكان المزود معلقا بحقوي [ (2) ] ، لا يفارق حقويّ، فلما قتل عثمان رضي اللَّه عنه انقطع [ (3) ] . وخرج من حديث أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة، فأصابهم عوز من الطعام، فقال: يا أبا هريرة، عندك شيء؟ قال: قلت: شيء من تمر في مزود لي، قال: جيء به، قال: فجئت بالمزودة، قال: هات نطعا، فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده الشريفة فقبض على التمر، فإذا هو إحدى [ (4) ] وعشرين تمرة. ثم قال: باسم اللَّه، فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى أتى على التمر فقال: به هكذا فجمعه، وقال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم
قال: به هكذا فجمعه، وقال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا وشبعوا وخرجوا، وفضل تمر فقال لي: اقعد، فقعدت، فأكل وأكلت، قال: وفضل تمر فأخذه فأدخله في المزودة فقال لي: يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل يدك فخذ، ولا تكفأ فيكفأ عليك، قال: فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل اللَّه، وكان معلقا خلف رجلي، فوقع في زمن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه [فذهب] [ (1) ] . وخرجه من حديث سهل بن أسلم العذريّ، عن زيد بن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أصبت بثلاث مصائب في الإسلام لم أصب بمثلهن: بموت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود، قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر، فقال: يا أبا هريرة أمعك شيء؟ قال: قلت: تمر في مزود، قال: جيء به، فأخرجت منه تمرا فأتيته به، قال: فمسّه فدعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي تمر المزود، قال: يا أبا هريرة، إذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبّه [ (2) ] . قال: فأكلت منه حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأكلت منه حياة أبي بكر رضي اللَّه عنه كلها، وأكلت منه حياة عمر رضي اللَّه عنه كلها، وأكلت منه حياة عثمان رضي اللَّه عنه كلها، فلما قتل عثمان انتهب ما في بيتي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق [ (3) ] [لفظ حديث المقرئ] [ (4) ] .
[ثامن وأربعون: امتلاء النحي [1] الذي أهريق ما فيه]
[ثامن وأربعون: امتلاء النّحي [ (1) ] الّذي أهريق ما فيه] [وأما امتلاء النحى الّذي أهريق ما فيه] فخرج البيهقي من حديث سفيان ابن حمزة، عن كثير بن يزيد، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه قال: كان طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدور على أصحابه، على هذا ليلة، وعلى هذا ليلة، فدار عليّ فعلمت طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم ذهبت به فتحرك النحي فأهريق ما فيه، فقلت: على يدي أهريق طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اجلس، فقلت: لا أستطيع يا رسول اللَّه، فرجعت فإذا النحي يقول: قب قب، فقلت: فضلة فضلت فيه، فاجتبذته فإذا هو قد مليء إلى يديه فأوكيته، ثم جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: أما إنك لو تركته لملئ إلى فيه فأوكه [ (2) ] .
[تاسع وأربعون: البركة التي ظهرت في الشعير الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في بيت عائشة رضي الله عنها]
[تاسع وأربعون: البركة التي ظهرت في الشعير الّذي خلّفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته في بيت عائشة رضي اللَّه عنها] وأما البركة التي ظهرت في الشعير الّذي خلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته في بيت عائشة رضي اللَّه عنها، فخرج البخاري في باب فضل الفقر من كتاب الرقاق، وخرج مسلم من حديث أبي أمامة، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: لقد توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وقال مسلم-: توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما في رفّي شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفّ لي، فأكلت منه حتى طال عليّ فكلته ففني. لفظهما فيه سواء [ (1) ] . وذكره البخاري أيضا بهذا الإسناد في كتاب فرض الخمس في باب نفقة نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته [ (2) ] ، وقال: توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: وما في بيتي من شيء ... ، والحكمة من ذلك أن كثيره مضاد للتوكل، فعوقب فاعله بزواله.
[خمسون: البركة التي حلت في شطر وسق شعير دفعه النبي صلى الله عليه وسلم لرجل استطعمه]
[خمسون: البركة التي حلت في شطر وسق شعير دفعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لرجل استطعمه] وأما البركة التي حلت في شطر وسق شعير دفعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لرجل استطعمه، فخرج مسلم من حديث سلمة بن شبيب قال: حدثنا الحسن بن محمد بن أعين، حدثنا معقل عن أبي الزبير عن جابر رضي اللَّه عنه، أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم [ (1) ] . ذكره في المناقب.
[حادي وخمسون: أكل نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعياله من شعير دفعه له النبي صلى الله عليه وسلم نصف سنة لم ينقص لما كاله]
[حادي وخمسون: أكل نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعياله من شعير دفعه له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نصف سنة لم ينقص لما كاله] وأما أكل نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعياله من شعير دفعه له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نصف سنة ولم ينقص لما كاله، فخرج البيهقي من حديث ابن لهيعة قال: حدثنا يونس بن يزيد، حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن الحرث بن عكرمة عن جده نوفل ابن الحرث بن عبد المطلب، أنه استعان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في التزويج، فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب رضي اللَّه عنهما بدرعه فرهناه عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه، قال: فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه، فوجدناه كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلت منه ما عشت [ (1) ] .
[ثاني وخمسون: شبع أعرابي بشيء من كسرة قد يبست]
[ثاني وخمسون: شبع أعرابي بشيء من كسرة قد يبست] وأما شبع أعرابي بشيء من كسرة قد يبست، فخرج البيهقي من حديث حفص ابن غياث، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: ضاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [أعرابي] [ (1) ] ، قال: فطلب له شيئا فلم يجد إلا كسرة في كوة، قال: فجزّأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أجزاء ودعا عليها وقال: كل، فأكل وأفضل، قال: فقال: يا محمد، إنك لرجل صالح، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أسلم، قال: إنك لرجل صالح [ (2) ] . وفي رواية، قال: أتى أعرابي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فسأله، فدخل فلم يجد إلا كسرة قد يبست في جحر، فأخرجها ففتها أجزاء، ثم وضع يده عليها، ثم دعا، ثم قال: كل يا أعرابي، فجعل الأعرابي يأكل حتى شبع وفضل منه فضلة، فجعل الأعرابي يرفع رأسه ينظر إليه ويقول: إنك لرجل صالح، وجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، ويقول: إنك لرجل صالح [ (2) ] .
[ثالث وخمسون: أمره قوما كانوا لا يشبعون بأن اجتمعوا]
[ثالث وخمسون: أمره قوما كانوا لا يشبعون بأن اجتمعوا] وأما أمره قوما كانوا لا يشبعون بأن اجتمعوا إذا أكلوا، ففعلوا فشبعوا بامتثالهم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج أبو داود من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا وحشي ابن حرب، عن ابنه عن جده، أن أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالوا: يا رسول اللَّه! إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم، قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم اللَّه عليه، يبارك لكم فيه [ (1) ] .
[رابع وخمسون: ظهور البركة في شعير أم شريك]
[رابع وخمسون: ظهور البركة في شعير أم شريك] وأما ظهور البركة في شعير أم شريك وعكتها، وريها من عند اللَّه ببركة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البيهقي من حديث يونس بن بكير، عن عبد الأعلى، عن أبي المساور القرشي، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كانت امرأة من دوس يقال لها: أم شريك، أسلمت في رمضان، فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيت رجلا من اليهود فقال: ما لك يا أم شريك؟ قالت: أطلب رجلا يصحبني إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فتعالي فأنا أصحبك، قالت: فانتظرني حتى أملأ سقائي ماء، قال: معي ماء، لا تريدين ماء. قال: فانطلقت معهم فساروا يومهم حتى أمسوا، فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشّى وقال: يا أم شريك، تعالي إلى العشاء، فقالت: اسقني من الماء فإنّي [عطشى] [ (1) ] ، ولا أستطيع أن آكل حتى أشرب، فقال: لا أسقيك حتى تهودي، فقالت: لا جزاك اللَّه عني خيرا، غررتني [ (2) ] ومنعتني أن أحمل ماء، فقال: لا واللَّه لا أسقيك منه قطرة حتى تهودين، فقالت: لا واللَّه لا أتهود أبدا بعد أن هداني اللَّه إلى الإسلام، وأقبلت إلى بعيرها فعقلته، ووضعت رأسها على ركبته فنامت، قالت: فما أيقظني إلا [برد] [ (3) ] دلو قد وقع على جبيني. فرفعت رأسي فنظرت إلى ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، فشربت حتى رويت، ثم نضحت على سقائي حتى ابتل، ثم ملأته، ثم رفع بين يدي وأنا انظر حتى توارى مني في السماء، فلما أصبحت جاء اليهودي فقال: يا أم شريك، قلت: واللَّه قد سقاني اللَّه، فقال: من أين؟ أنزل عليك من السماء؟ قلت: نعم، واللَّه لقد أنزل اللَّه عزّ وجلّ عليّ من السماء، ثم رفع بين يدي حتى توارى عني في السماء. ثم أقبلت حتى دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقصت عليه القصة، فخطب إليها نفسها، فقالت: يا رسول اللَّه، لست أرضى نفسي لك، ولكن بضعي لك،
فزوجني من شئت، فزوجها زيدا، وأمر لها بثلاثين صاعا وقال: كلوا ولا تكيلوا، وكان معها عكة سمن هدية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت لجارية لها: بلغي هذه العكة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قولي: أم شريك تقرئك السلام، وقولي: هذه عكة سمن هديتها لك، فانطلقت بها فأخذوها ففرغوها، وقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علقوها ولا توكوها [ (1) ] ، فعلقوها في مكانها. فدخلت أم شريك فنظرت إليها مملوءة سمنا، فقالت: يا فلانة! أليس أمرتك أن تنطلقي بهذه العكة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: قد واللَّه انطلقت بها كما قلت، ثم أقبلت بها أصوبها ما يقطر منها شيء، ولكنه قال: علقوها ولا توكوها، فعلقتها في مكانها، وقد أوكتها أم شريك حين رأتها مملوءة، فأكلوا منها حتى فنيت، ثم كالوا الشعير، فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شيء [ (2) ] . [قلت: وقد روى ذلك من وجه آخر، ولحديثه في العكة شاهد صحيح عن جابر بن عبد اللَّه في أم مالك.] [ (3) ] .
[خامس وخمسون: إشباع أبي أمامة تكرمة له صلى الله عليه وسلم]
[خامس وخمسون: إشباع أبي أمامة تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلم] وأما إشباع اللَّه تعالى أبي أمامة رضي اللَّه عنه تكرمة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البيهقي من حديث علي بن الحسن بن شقيق بن دينار- أبي عبد اللَّه المزوي- قال: أنبأنا الحسين ابن واقد قال: حدثني أبو غالب عن أبي أمامة قال: أرسلني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- أظنه قال: إلى أهله- وهم على طعام- يعني الدم في خوان- فقالوا لي: كل، قال: قلت: إني لأنهاكم عن هذا الطعام، وأنا رسول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليكم، وكذبوني وزبروني، قال: فانطلقت [عن ذا] [ (1) ] وأنا جائع ظمآن، وقد نزل بي جهد فنمت، فأتيت في منامي بشربة من لبن فشبعت ورويت وعظم بطني، فقال القوم: أتاكم رجل من خياركم وأشرافكم فرددتموه؟ اذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي، فأتوني بطعام، قال: قلت: لا حاجة لي في طعامكم، فإن اللَّه عزّ وجلّ قد أطعمني وسقاني، فانظروا إلى حالتي التي أنا عليها، فآمنوا بي وبما جئتهم من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرجه من حديث صدقة بن هرمز، عن أبي غالب، عن أبي أمامة رضي اللَّه عنه قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قومي، فانتهيت إليهم وأنا طاو، وهم يأكلون الدم، فقالوا: هلم، فقلت: إنما جئتكم لأنهاكم عن هذا، قال: فاستهزءوا بي، وكنت [مجهدا] [ (2) ] ، فسمعتهم يقول بعضهم لبعض: أتاكم رجل من سراة قومكم فما لكم بد من أن تسقوه [ (3) ] ولو مذقة، قال: فوضعت رأسي فنمت، فأتاني آت في منامي فناولني إناء فأخذته فشربته فاستقيت وقد كظّني بطني، فناولوني إناء قالوا: خذ، قلت: لا حاجة لي فيه، قالوا: قد رأيناك بجهد، قلت: إن اللَّه عزّ وجلّ أطعمني وسقاني، فأريتهم بطني، فأسلموا عن آخرهم [ (4) ] .
[سادس وخمسون: إغاثة الله له صلى الله عليه وسلم عند ما نزل به ضيف]
[سادس وخمسون: إغاثة اللَّه له صلّى اللَّه عليه وسلم عند ما نزل به ضيف] وأما إغاثة اللَّه عز وجل نبيه الكريم صلّى اللَّه عليه وسلم عند ما نزل به ضيفه وليس عنده ما يقربه، فخرج البيهقي من حديث عبيد اللَّه بن موسى، عن مسعر عن زبيد عن مرة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: أضاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضيفا، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما، فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فقال: اللَّهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت، قال: فأهديت إليه شاة مصلية [ (1) ] فقال: هذه من فضل اللَّه عزّ وجل، ونحن ننتظر الرحمة. قال البيهقي: والصحيح عن زبيد قال: أضاف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. مرسلا من قول زبيد [ (2) ] . وخرج من حديث الوليد بن سليمان بن أبي السائب، حدثنا واثلة بن الخطاب عن أبيه عن جده واثلة بن الأسقع رضي اللَّه عنه قال: حضر رمضان، ونحن في أهل الصفة، فصمنا فكنا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجلا من أهل الصفة فأخذه فانطلق به فعشّاه، فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد [ (3) ] ، فانطلقنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها: هل عندك شيء؟ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم: ما أمسى في [بيتها] [ (4) ] ما يأكل ذو كبد، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: [اجتمعوا،] فاجتمعوا، فدعا وقال: اللَّهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنّهما بيدك لا يملكهما أحد غيرك، فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن، وإذا بشاة مصلّية ورغف، فأمر بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنا سألنا اللَّه من فضله ورحمته فهذا فضله، وقد ذخر لنا عنده رحمته [ (2) ] .
[سابع وخمسون: ظهور البركة في التمر الذي خلفه عبد الله بن عمرو بن حرام]
[سابع وخمسون: ظهور البركة في التمر الّذي خلفه عبد اللَّه بن عمرو بن حرام] وأما ظهور البركة في التمر الّذي خلفه عبد اللَّه بن عمرو بن حرام رضي اللَّه عنه، حتى قضى دينه ولم يكد ينقص، فخرج البخاري من حديث أبي عوانه، عن مغيرة عن عامر، عن جابر رضي اللَّه عنه قال: أصيب عبد اللَّه وترك عيالا ودينا، فطلبت إلى أصحاب الدين أن يضعوا بعضا من دينه، فأبوا، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فاستشفعت به عليهم فأبوا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: صنف تمرك كل شيء منه على حدته، عذق ابن زيد على حدة، واللين على حدة، والعجوة على حدة، ثم أحضرهم حتى آتيك، ففعلت، ثم جاء صلّى اللَّه عليه وسلم فقعد عليه وكال لكل رجل حتى [استوفى] [ (1) ] وبقي التمر كما هو كأنه لم يمس [ (2) ] . وغزوت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على ناضح لنا فأزحف الجمل فتخلف عليّ، فوكزه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من خلفه، قال: بعنيه ولك ظهره إلى المدينة، فلما دنونا استأذنت قلت: يا رسول اللَّه! إني حديث عهد بعرس، قال: فما تزوجت؟ بكرا أم ثيبا؟ قلت: ثيبا، قلت: أصيب عبد اللَّه وترك جواري صغار، فتزوجت ثيبا تعلّمهنّ وتؤدبهن، ثم قال: ائت أهلك، فقدمت فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني، فأخبرته بإعياء الجمل وبالذي كان من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ووكزه إياه، فلما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم غدوت إليه بالجمل فأعطاني ثمن الجمل، والجمل، وسهمي مع القوم. ترجم عليه باب: الشفاعة في وضع الدين [ (3) ] . وخرج البخاري في كتاب البيوع، في باب الكيل على البائع والمعطى، وفخرج النسائي في كتاب الوصايا، كلاهما من حديث جرير عن مغيرة عن الشعبي، عن
جابر رضي اللَّه عنه قال: توفى عبد اللَّه بن حرام وعليه دين، فاستعنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على غرمائه أن يضعوا من دينه، فطلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إليهم فلم يقبلوا، فقال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اذهب فصنف تمرك أصنافا: العجوة على حدة، وعذق ابن زيد [ (1) ] على حدة، ثم أرسل إليّ، ففعلت، ثم أرسلت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فجاء فجلس إلى أعلاه- أو في وسطه- ثم قال: كل للقوم، فكلتهم حتى أوفيتهم الّذي لهم وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء [ (2) ] . وقال النسائي: فاستشفعت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على غرمائي أن يضعوا من دينه شيئا، فطلب إليهم وأبوا [ (3) ] . وخرجه البخاري في غزوة أحد من حديث عبيد اللَّه بن موسى، حدثنا شيبان أبو معاوية [ (4) ] عن فراس عن الشعبي فذكره [ (5) ] . وخرجه في آخر كتاب الوصايا، من حديث شيبان عن فراس قال: قال الشعبي: حدثني جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنه أن أباه استشهد يوم أحد وترك ستّ بنات وترك عليه دينا، فلما حضره جذاذ النخل أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه! قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا، وإني أحب أن يراك الغرماء، قال: اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففعلت، ثم دعوته، فلما نظروا إليه كأنما أغروا بي تلك الساعة، فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه، ثم قال: ادع أصحابك، فما زال يكيل لهم حتى أدى اللَّه أمانة والدي، وأنا واللَّه راض أن يؤدي اللَّه أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلم واللَّه البيادر كلها حتى انظر إلى البيدر الّذي كان عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
كأنه لم ينقص تمرة واحدة [ (1) ] . قال أبو عبد اللَّه: أغروا بي: يعني هيجوا بي. فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ ترجم عليه في الوصايا باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة وذكره في غزوة أحد [ (2) ] : حتى أدى اللَّه عن والدي أمانته، وأنا أرضى أن يؤدي اللَّه أمانة والدي، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلم اللَّه البيادر كلها.. حتى [آخر] الحديث. وقال في باب علامات النبوة في الإسلام: حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا قال: حدثني عامر، قال: حدثني جابر أن أباه توفي وعليه دين، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: إن أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكي لا يفحش عليّ الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التمر فدعا، ثم أخّر ثم جلس عليه فقال: انزعوه، فأوفاهم الّذي لهم، وبقي مثل ما أعطاهم [ (3) ] . وخرج في كتاب الأطعمة، من حديث أبي حازم، عن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن أبي ربيعة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان بالمدينة يهودي وكان يسلفني في [تمري] إلى الجذاذ، وكان لجابر الأرض التي بطريق رومة، فجلست فخلا عاما، فجاءني اليهودي عند الجذاذ ولم أجد منها شيئا، فجعلت استنظره إلى قابل فيأبى، فأخبر بذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لأصحابه: امشوا نستنظر لجابر من اليهودي، فجاءوني في نخلي، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يكلم اليهودي، فيقول يا أبا القاسم لا أنظره، فلما رأى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم قام فطاف في النخل، ثم جاءه فكلمه فأبى، فقمت فجئت بقليل من رطب، فوضعته بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأكل ثم قال: أين عريشك يا جابر؟ فأخبرته فقال: افرش لي فيه، ففرشته فدخل فرقد ثم استيقظ، فجئته بقبضة أخرى، فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي فأبى عليه، فقام في الرّطاب في النخل
الثانية ثم قال: يا جابر، خذ واقض، فوقف في الجذاذ، فجذذت منها ما قضيته وفضل منه، فخرجت حتى جئت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فبشرته فقال: أشهد أني رسول اللَّه [ (1) ] . قال أبو عبد اللَّه: عرش وعريش: بناء، وقال ابن عباس: معروشات ما يعرش من الكروم وغير ذلك، ويقال: عروشها: أبنيتها، وقال أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف: [قد وقع] [ (2) ] في هذا الحديث إشكال في لفظه ومعناه، أما المعنى: فلأن جابر لم يداين أولئك اليهود، وإنما كان أبوه مات وترك الدين عليه، وهي قضية مشهورة. وخرج البيهقي من حديث محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكيم قال: أخبرنا عروة عن وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد اللَّه أنه أخبره أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ليشفع إليه، فجاءه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له فأبى، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمشى فيها ثم قال: يا جابر، جذّ له فأوفه الّذي له، فجذّ بعد ما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشرة وسقا. فجاء جابر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليخبره بالذي فعل، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي العصر، فلما انصرف [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] جاءه فأخبره أنه قد وفّاه، وأخبره بالفضل الّذي فضل له، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أخبر ذلك ابن الخطاب، فذهب جابر إلى عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فأخبره، فقال عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليباركن اللَّه عزّ وجلّ فيها [ (3) ] . قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح عن إبراهيم بن المنذر، عن أنس بن
عياض، وهذا لا يخالف الأول، فإن الأول في سائر الغرماء الذين حضروا وحضر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أوفاهم ديونهم، وهذا في اليهودي الّذي أتاه بعدهم، وطالب بدينه، فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جابراً بجذ ما بقي على النخلات وإيفائه حقه، واللَّه أعلم [ (1) ] . وقال الواقدي- وقد ذكر غزوة ذات الرقاع-: وحدثني إسماعيل بن عطية ابن عبد اللَّه بن أنيس [عن أبيه] عن جابر بن عبد اللَّه قال: لما انصرفنا راجعين فكنا بالشّقرة، قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا جابر، ما فعل دين أبيك؟ فقلت: عليه انتظرت يا رسول اللَّه أن يجذّ له نخله، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا جذذت فأحضرني، قال: قلت: نعم، ثم قال: من صاحب دين أبيك؟ فقلت: أبو الشحم اليهودي، له على أبي سقة [ (2) ] من تمر، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فمتى تجذّها؟ قال: قلت: غدا، قال: يا جابر، إذا جذذتها فاعزل العجوة على حدتها، وألوان التمر على حدتها. قال: ففعلت، فجعلت الصّيحانيّ على حدة، وأمهات الجرادين على حدة، والعجوة على حدة، ثم عمدت إلى جمّاع من التمر مثل نخبة وقرن وشقحة وغيرها من الأنواع- وهو أقل التمر- فجعلته حبلا [ (3) ] واحدا، ثم جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته فانطلق ومعه عليه أصحابه، فدخلوا الحائط، وحضر أبو الشحم. قال: فلما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى التمر مصنفا قال: اللَّهمّ بارك له، ثم انتهى إلى العجوة فمسها بيده، وأصناف التمر، ثم جلس وسطها، ثم قال: ادع غريمك. فجاء أبو الشحم، فقال: اكتل، فاكتال حقه كله من حبل واحد وهو العجوة، وبقية التمر كما هو، فقال: يا جابر، هل بقي على أبيك شيء؟ قال: قلت:
لا، قال: وبقي سائر التمر فأكلنا منه دهرا وبعنا منه حتى أدركت الثمرة من قابل، ولقد كنت أقول: لو بعت أصلها ما بلغت ما على أبي من دين، فقضى اللَّه ما كان على أبي من الدين، فلقد رأيتني والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ليقول لي: ما فعل دين أبيك؟ فقلت: قد قضاه اللَّه، قال: اللَّهمّ اغفر لجابر، فاستغفر لي في ليلة خمسا وعشرين مرة [ (1) ] .
[ثامن وخمسون: سماع الصحابة تسبيح الطعام وهم يأكلونه]
[ثامن وخمسون: سماع الصحابة تسبيح الطعام وهم يأكلونه] وأما سماع الصحابة رضي اللَّه عنهم تسبيح الطعام وهم يأكلونه مع المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام، من حديث إسرائيل عن منصور، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: كنا نعد الآيات بركة وكنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر فقل الماء، فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: حيّ على الطهور المبارك والبركة من اللَّه، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيع الطعام وهو يؤكل [ (1) ] .
[تاسع وخمسون: مسحه ضرع شاة أم معبد فدرت باللبن]
[تاسع وخمسون: مسحه ضرع شاة أم معبد فدرّت باللبن] وأما مسحه صلّى اللَّه عليه وسلم ضرع شاة أم معبد فدرت باللبن، بعد ما كانت في جهد لا تبض بقطرة، فخرجه الأئمة الحفاظ: خرجه الحرث بن أبي أسامة، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، من حديث أبي أحمد بشر بن محمد السكري المزوي قال: حدثنا عبد الملك بن وهب المذحجي، حدثنا الحرّ بن الصباح، عن أبي معبد الخزاعي [ (1) ] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج ليلة هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر رضي اللَّه عنه وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، ودليلهم عبد اللَّه بن أريقط الليثي، فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية [ (1) ]- وكانت أم معبد امرأة برزة جلدة، تحتبي [ (2) ] وتجلس بفناء الخيمة، فتطعم وتسقى- فسألوها: هل معها لحم أو لبن يشتروا منها؟ فلم يجدوا عندها شيئا من ذلك، فقالت: لو كان عندنا شيئا ما أعوزكم القرى، وإذا القوم مرملون مسنتون. فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإذا شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ فقالت شاة خلفها الجهد عن الغنم، قال: فهل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذاك، قال: تأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: إن كان بها حلب فاحلبها، قال: فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالشاة فمسحها، وذكر اسم اللَّه ومسح ضرعها، وذكر اسم اللَّه ودعا بإناء لها يربض الرهط فتفاجت [ (3) ] ودرّت واجترت، فحلب فيه
ثجا حتى علاه البهاء، فسقاها وسقى أصحابه فشربوا جميعا حتى أراضوا، وشرب صلّى اللَّه عليه وسلم آخرهم وقال: ساقي القوم آخرهم، ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغادره عندها ثم ارتحلوا، قال: فقل ما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيلا عجافا يتساوكن هزلا [ (1) ] ، فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين هذا اللبن يا أم معبد ولا حلوبة في البيت والشاة عازب؟ فقالت: لا واللَّه، إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت وكيت. قال: صفيه لي يا أم معبد، فو اللَّه إني أراه صاحب قريش الّذي يطلب، فقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة حسن الخلق، مبلج الوجه، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، قسيم وسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره عطف، وفي صوته صهل، أحور أكحل، أزجّ أقرن، في عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سماه وعلاه البهاء، حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هزر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدّرن، أبهى الناس وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، ربعة، لا تشنأه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أجمل الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفنّد. قال: هذا واللَّه صاحب قريش الّذي تطلب، ولو صادفني لالتمست أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. قال: وأصبح صوت بمكة عاليا بين السماء والأرض، يسمعونه ولا يدرون من يقوله وهو ينشد ويقول: جزى اللَّه ربّ الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالبرّ وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد فيال قصي ما روى اللَّه عنكم ... به من فعال لا تجاري وسؤدد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
فغادرها رهنا لديها لحالب ... يردّدها في مصدر ثم مورد قال: فأصبح الناس وقد فقدوا نبيهم، فأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: وأجابه حسان بن ثابت يقول: لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى إليهم ويغتدى ترحّل عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدّد هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسكعوا ... عمى، وهداة يقتدون بمهتدى لقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب اللَّه في كل مشهد وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في صحوة اليوم أو غد ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد اللَّه يسعد ويهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمسلمين بمرصد [ (1) ]
وخرج قاسم بن أصبغ من حديث أبي هاشم محمد بن سليمان بن الحكم، عن جده أيوب بن الحكم عن حرام بن هشام عن أبيه هشام، عند جده حبيش ابن خالد صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكره بمعناه.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة، لم يعلم أهل مكة أين وجّه، حتى سمعوا مغردا بين أخشبي [ (1) ] مكة يقول: جزى اللَّه خيرا والجزاء بكفه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالهدى واهتديا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهنئ بني كعب مكان فنائهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد [ (2) ] قال ابن إسحاق: فعرف أهل مكة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم توجه قبل المدينة. وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام عن أبيه عن أم معبد- واسمها عاتكة بنت خالد بن حبيب- قالت: لما طلعوا الأربعة على راحلتين، نزلوا بنا، فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشاة أريد أن أذبحها، فإذا هي ذات در، فأدنيتها منه فلمس ضرعها فقال: لا نذبحها، فأرسلتها وجئت بأخرى فذبحتها فطبخت لهم، فأكل هو وأصحابه، قلت: ومن معه؟ قالت: ابن أبي قحافة ومولى ابن أبي قحافة وابن أريقط- وهو على شركه بعد- قالت: فتغدى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، منها وأصحابه، وسفرتهم منها، ما وسعته سفرتهم، وأبقى عندنا لحمها أو أكثره. فبقيت الشاة التي لمس ضرعها عندنا حتى كان زمان الرمادة، زمان عمر بن
الخطاب رضي اللَّه عنه، وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة، كنا نحلبها صبوحا وغبوقا، وما في الأرض قليل ولا كثير. قال حزام: وكانت أم معبد يومئذ مسلمة. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: هكذا أورد أبو نعيم هذا الخبر من حديث أم معبد- رضي اللَّه عنها- عن الواقدي، وفيه ما يخالف ما تقدم، على أن فيه علما من أعلام النبوة. وخرج أبو نعيم من حديث إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق قال: حدّثت عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه عنه أنها قالت: لما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر، أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر رضي اللَّه عنه فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قلت: لا أدري واللَّه أين أبي، قالت: فرفع أبو جهل يده- وكان فاحشا خبيثا- فلطم خدي لطمة خرم قرطي. قالت: ثم انصرفوا، فمضى ثلاث ليال ما ندري أين توجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، يغني بأبيات شعر غنى بها العرب، وأن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج بأعلى مكة: جزى اللَّه رب الناس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أم معبد هما نزلا بالهدى واهتديا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد ليهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمة من محمد وأكسي لبرد الحال قبل ابتذاله ... وأغطى برأس السانح المتجرد قالت: فلما سمعنا قوله عرفنا حيث توجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر وعامر ابن فهيرة، وعبد اللَّه بن أريقط دليلهما [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت عبد الرحمن بن
أبي ليلى يحدث عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة فأتينا إلى حيّ من أحياء العرب، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بيت منتحيا فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة فقالت: يا عبدي اللَّه، إنما أنا امرأة وليس عندي أحد، فعليكما بعظيم الحي إن أردتم القرى، قال: فلم يجبها- وذلك عند المساء- فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها فقالت له: انطلق يا بني بهذه العنز والشاة إلى هذين الرجلين فقل لهما: تقول لكما أمي: اذبحا هذه وكلا وأطعمانا. فلما جاء، قال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: انطلق بالشفرة وجئني بالقدح، قال: إنها عزبت وليس لها لبن، قال: انطلق، فانطلق فجاء بقدح، فمسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضرعها ثم حلب حتى ملأ القدح ثم قال: انطلق به إلى أمك، فشربت حتى رويت، ثم جاء به فقال: انطلق بهذه وجئني بأخرى، ففعل بها كذلك، ثم جاء بأخرى فسقا أبا بكر، ثم جاء بأخرى ففعل بها كذلك، ثم شرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فبتنا ليلتنا ثم انطلقنا، فكانت تسمية المبارك. وكثرت غنمها حتى جلبت جلبا إلى المدينة، فمر أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أماه، إن هذا الرجل الّذي كان مع المبارك، فقامت إليه فقالت: يا عبد اللَّه، من الرجل الّذي كان معك؟ قال: وما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال: هو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قالت فأدخلني عليه، قال: فأدخلها عليه فأطعمها وأعطاها [ (1) ] . وفي رواية: قالت: دلني عليه، فانطلقت معي وأهدت له شيئا من أقط ومتاع الأعراب، قال: فكساها وأعطاها، قال: ولا أعلم إلا قال: أسلمت [ (2) ] . قال البيهقي- رحمة اللَّه عليه-: هذه القصة وإن كانت تنقص عما روينا في قصة أم معبد وتزيد في بعضها فهي قريب منها، وتشبه أن تكونا واحدة، وقد ذكر
محمد بن إسحاق بن يسار من قصة أم معبد شيئا يدل على أنها وهذه القصة قصة واحدة سواء بها [ (1) ] . وذكر من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: لما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخيمتي أم معبد- وهي التي غرد بها الجن بأعلى مكة- واسمها عاتكة بنت حنيف بن منقذ بن ربيعة بن أصرم، فأرادوا القرى، قالت: واللَّه ما عندنا طعام ولا منحة ولا لنا شاة إلا حائل، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ببعض غنمها، فمسح ضرعها بيده، ودعا اللَّه، وحلب في العس حتى رغى وقال: اشربي يا أم معبد، فقالت: اشرب فأنت أحق به، فردّه عليها فشربت. ثم دعا بحائل أخرى، ففعل بها مثل ذلك فشرب، ثم دعا بحائل أخرى، ففعل بها مثل ذلك فسقى دليله، ثم دعا بحائل أخرى، ففعل بها مثل ذلك فسقى عامرا، ثم يروح. وطلبت قريش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى بلغوا أم معبد فسألوها عنه، فقالوا: رأيت محمدا وحليته كذا؟ فوصفوه لها فقالت: ما أدري ما تقولون، قد ضافني حالب الحائل، قالت قريش: فذاك الّذي نريد] . [قال البيهقي: فيحتمل أن يكون أولا، أي التي في كسر الخيمة، كما روينا في حديث أم معبد، ثم رجع ابنها بأعنز، كما روينا في حديث ابن أبي ليلى، ثم لما أتى زوجها وصفته له، واللَّه تعالى أعلم] [ (2) ] . وخرج الحاكم قصة أم معبد من طريق [أبي سعيد، أحمد بن محمد بن عمرو الأخمسيّ بالكوفة، حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع الخزار، حدثنا سليمان بن الحكم
ابن أيوب بن سليمان بن ثابت بن بشار الخزاعي، حدثنا أخي أيوب بن الحكم، وسالم بن محمد الخزاعي، جميعا، عن حزام بن هشام، عن أبيه حزام بن حبيش ابن خويلد صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة، وأبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه، ومولى أبي بكر: عامر بن فهيرة، ودليلهما: الليثي عبد اللَّه بن أريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية- وكانت امرأة برزة جلدة، تحتبي بفناء الخيمة، ثم تسقي وتطعم- فسألوها لحما وتمرا ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين. فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الشاة في كسر الخيمة فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم، قال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلبا فاحلبها، فدعا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى اللَّه تعالى، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه ودرّت فاجترّت. فدعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجا، حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم حتى أراضوا، ثم حلب فيه الثانية على هدة حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها. فقلّ ما لبث حتى جاء زوجها أبو معبد ليسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا، مخّهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن أعجبه، قال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاء عازب حائل، ولا حلوب في البيت؟ قالت: لا واللَّه إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد، قالت: - رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزريه صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق،] [ (1) ]
فصلا لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة، لا تشنأه من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال سمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند. قال أبو معبد: هذا واللَّه صاحب قريش الّذي ذكر لنا من أمره ما ذكر، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى اللَّه ربّ الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلا بالهدى واهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيال قصي ما زوى اللَّه عنكم ... به من فعال لا تجازي وسؤدد ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد اللَّه يسعد وليهن بني كعب مقام فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريحا ضرة الشاة مزبد فغادره رهنا لديها لحالب ... يرددها في مصدر بعد مورد] [فلما سمع حسان الهاتف بذلك شبب يجاوب الهاتف فقال رضي اللَّه تعالى عنه: لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدّس من يسري إليهم ويغتدى ترحل عن قوم فضلت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدّد هداهم به بعد الضلالة ربهم ... فأرشدهم من يتبع الحق يرشد وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا ... عمى، وهداة يهتدون بمهتدي وقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب اللَّه في كل مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد [ (1) ] قال ابن هشام: وأم معبد هي: أم معبد بنت كعب، امرأة من بني كعب، من خزاعة] [ (2) ] .
[ستون: حلبة صلى الله عليه وسلم عناقا [1] لا لبن فيها مع عبد يرعى غنما]
[ستون: حلبة صلّى اللَّه عليه وسلّم عناقا [ (1) ] لا لبن فيها مع عبد يرعى غنما] وأما حلبة صلّى اللَّه عليه وسلّم عناقا لا لبن فيها مع عبد يرعى غنما، فخرج البيهقي من حديث محمد بن غالب، حدثنا أبو الوليد: حدثنا عبيد اللَّه بن إياد بن لقيط، عن قيس ابن النعمان قال: لما انطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر رضي اللَّه عنه مستخفين، مروا بعبد يرعى غنما، فاستسقياه اللبن فقال: ما عندي شاة تحلب، غير أن هاهنا عناقا حملت أول الشتاء وقد أخدجت [ (2) ] وما بقي لها لبن، فقال: ادع بها، فاعتقلها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسح ضرعها، ودعا اللَّه حتى أنزلت. قال: وجاء أبو بكر رضي اللَّه عنه بمجن فحلب صلّى اللَّه عليه وسلّم فسقى أبا بكر، ثم حلب فسقى الراعي، ثم حلب فشرب، فقال الراعي: باللَّه من أنت؟ فو اللَّه ما رأيت مثلك قط! قال: أو تراك تكتم عليّ حتى أخبرك؟ قال: نعم، قال: فإنّي محمد رسول اللَّه. قال: أنت الّذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: إنهم ليقولون ذلك، قال: فأشهد أنك نبي، وأشهد أن ما جئت به حق، وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي، وأنا متبعك. قال: إنك لن تستطيع ذلك يومك، فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا [ (3) ] . وخرجه أبو داود الطيالسي من حديث عبد اللَّه بن إياد بن لقيط، فذكره وقال في آخره: فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما ظهر بالمدينة. وخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد [ (4) ] .
[حادي وستون: حلبة صلى الله عليه وسلم اللبن من شاة لم ينز عليها الفحل]
[حادي وستون: حلبة صلّى اللَّه عليه وسلّم اللبن من شاة لم ينز عليها الفحل] وأما حلبة صلّى اللَّه عليه وسلّم اللبن من شاة لم ينز عليها الفحل، فخرج أبو نعيم من حديث أبي داود قال: حدثنا حماد [بن سلمة] [ (1) ] عن عاصم، عن زرّ عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعتبة بن أبي معيط بمكة، فأتى عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه- وقد فرا من المشركين- فقال: يا غلام، عندك لبن تسقينا؟ فقال: إني مؤتمن، [ولست بساقيكما، قالا: هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد؟ قلت: نعم، فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الضرع فمسحه، ودعا، فحفل الضرع، وأتى أبو بكر بصخرة منقعرة، فحلب فيها، ثم شرب هو وأبو بكر، ثم سقياني، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص، فلما كان الغد، أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: علّمني هذا القول الطيب- يعني القرآن- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك غلام معلّم، فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد] [ (2) ] .
[ثاني وستون: ظهور الآية في اللبن للمقداد رضي الله عنه]
[ثاني وستون: ظهور الآية في اللبن للمقداد رضي اللَّه عنه] وأما ظهور الآية في اللبن للمقداد- رضي اللَّه عنه- فخرج مسلم من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد قال: أقبلت أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فليس أحد منهم يصلنا، فأتينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: احتلبوا هذا اللبن بيننا، فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم نصيبه. قال فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يوقظ نائما، [ويسمع اليقظان، قال: ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه، فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي، فقال: محمد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل. قال: ندّمني الشيطان، فقال: ويحك ما صنعت! أشربت شراب محمد، فيجيء فلا يجده، فيدعو عليك فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك؟ وعليّ شملة، إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت، قال: فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم كما كان يسلّم، ثم أتى المسجد فصلى، ثم أتى شرابه، فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا، فرفع رأسه إلى السماء، فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك، فقال: اللَّهمّ أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني. قال: فعمدت إلى الشملة فشددتها عليّ وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا هي حافلة، وإذا هنّ حفّل كلهن، فعمدت إلى إناء لآل محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما كانوا يطعمون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتى علته رغوة، فجئت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أشربتم شرابكم الليلة؟.
قال: قلت: يا رسول اللَّه اشرب، فشرب، ثم ناولني، فقلت: يا رسول اللَّه اشرب، فشرب ثم ناولني، فلما عرفت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد روى، وأصبت دعوته، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض، قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إحدى سوءاتك يا مقداد، فقلت: يا رسول اللَّه! كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هذه إلا رحمة من اللَّه، أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها، قال: فقلت: والّذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس] [ (1) ] .
[ثالث وستون: سرعة سير الإبل بعد جهدها بدعائه صلى الله عليه وسلم]
[ثالث وستون: سرعة سير الإبل بعد جهدها بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما سرعة سير الإبل بعد جهدها بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج أبو نعيم من حديث المعتمر قال: سمعت أبي يقول: حدثنا أبو نضرة عن جابر، وحدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو كامل [الجحدريّ] ، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا الجريريّ عن أبي نضرة، عن جابر رضي اللَّه عنه، وحدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي، قال: حدثنا جميل بن الحسن قال: حدثنا غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن جابر رضي اللَّه عنه قال:] [كنا في مسير مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: وأنا على ناضح لي، إنما هو في أخريات الناس، قال: فضربه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو نخسة، أراه قال: بشيء كان معه، قال: فجعل بعد ذلك يتقدم الناس ينازعني حتى أني لأكفّه [ (1) ] .] . [وخرّج من حديث أحمد بن محمد بن الحسن الماسرجسي، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا جرير عن مغيرة، عن الشعبي، عن جابر رضي اللَّه عنه، قال:] [غزوت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلاحق بي وتحتي ناضح لي قد أعيا، ولا يكاد يسير، قال: فقال لي: ما لبعيرك؟ قلت: عليل، قال: فتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزجره ودعا له، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، قال: فكيف ترى بعيرك؟ قال: قلت: بخير قد أصابته بركتك [ (2) ] .] . وخرّج من حديث سليمان بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن داود المكيّ قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا الصعق بن حزن، وأبو هلال الراسبي، قالا: حدثنا سيار أبو الحكم عن الشعبي، عن جابر قال:]
[كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة، وأنا على بعير لي قطوف [ (1) ] ، فمر بي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فغمز بعيري بعصا في يده، فإذا هو في أول الركاب [ (2) ] . وخرج من حديث يوسف القاضي قال: حدثنا أبو الربيع، حدثنا حماد، حدثنا أيوب عن أبي الزبير، عن جابر قال:] . [أتى عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أعيى بعيري، قال: فنخسه فوثب، قال: فكنت أحبس بعد ذلك خطامه فما أقدر عليه [ (3) ] .] . [ومن حديث جرير بن حازم، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تعالى عنه قال: فزع الناس، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة بطيئا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: لن تراعوا وإنه لبحر، قال: فو اللَّه ما سبق بعد ذلك اليوم [ (4) ]] . [وخرج البيهقي من حديث أبي نعيم، حدثنا زكريا، قال: سمعت عامرا يقول: حدثني جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه: أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيّبه فقال: فلحقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فضربه ودعا له، فسار سيرا لم يسر مثله. ثم قال: بعنيه بأوقية، قلت: لا، قال: بعنيه بأوقيتين، فبعته واشترطت حملانه إلى أهلي، فلما قدمنا أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم انصرفت، فأرسل على أثري وقال: أترى أني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك، ودراهمك، فهو لك [ (5) ]] . [وخرج من حديث حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر
رضي اللَّه عنه قال: أتى عليّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أعيا بعيري، فنخسه فوثب، فكنت بعد ذلك أحبس خطامه فما أقدر عليه، فلحقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: بعنيه، فبعته منه بخمس أواق، قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولك ظهره إلى المدينة، فلما قدمت المدينة، أتيت فزادني أوقية، ثم وهبه لي. [ (1) ]] . [وله من حديث عبد اللَّه بن أبي الجعد الأشجعي، عن جعيل الأشجعي، قال: غزوت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض غزواته وأنا على فرس لي جعفاء ضعيفة، قال: فكنت في أخريات الناس، فلحقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول اللَّه! جعفاء ضعيفة، قال: فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مخفقة معه، فضربها بها، وقال اللَّهمّ بارك له فيها، قال: فلقد رأيتني ما أمسك رأسه إن تقدم الناس، قال فلقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا] [ (2) ] . وله من حديث أبي سهل بن زياد القطان، حدثنا محمد بن شاذان الجوهري، حدثنا زكريا بن علي، حدثنا مروان بن معاوية، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال:] . جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أو قال: فتى- فقال: إني تزوجت امرأة فقال: هل نظرت إليها؟ فإن في أعين الأنصار شيئا، قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ فذكر شيئا، قال: فكأنكم تنحتون الذهب والفضة من عرض هذه الجبال، ما عندنا اليوم شيء نعطيكه، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه، فبعث بعثا إلى بني عبس، وبعث الرجل فيهم فأتاه فقال: يا رسول اللَّه، أعيتني ناقتي أن تنبعث، قال: فناوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كالمعتمد عليه للقيام، فأتاها، فضربها برجله، قال أبو هريرة: والّذي نفسي بيده، لقد رأيتها تسبق القائد [ (3) ]] .
[وله من حديث جعفر بن عوف، قال: أنبأنا الأعمش، عن مجاهد، أنّ رجلا اشترى بعيرا، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني اشتريت بعيرا، فادع اللَّه أن يبارك لي فيه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ بارك له فيه، فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق، ثم اشترى بعيرا آخر، فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه! إني اشتريت بعيرين، فدعوت اللَّه أن يبارك لي فيهما، فادع اللَّه أن يحملني عليه، قال: فقال: اللَّهمّ احمله عليه، قال فمكث عنده عشرين سنة] [ (1) ] . [قال البيهقي: هذا مرسل، ودعاؤه صار إلى أمر الآخرة في المرتين الأوليين، ثم سأله صاحب البعير الدعاء بأن يحمله عليه، وقعت الإجابة إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل زكاة، وأطيبها، وأنماها] [ (1) ] .
[رابع وستون: شرب أهل الصفة من قدح لبن حتى رووا]
[رابع وستون: شرب أهل الصفة من قدح لبن حتى رووا] [وأما شرب أهل الصفة من قدح لبن حتى رووا، فخرج البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد اللَّه إسحاق بن محمد بن يوسف السوسيّ قراءة عليه من أصله، حدثنا أبو جعفر: محمد بن محمد بن عبد اللَّه البغدادي، أنبأنا عل بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا عمرو بن ذر، حدثنا مجاهد أن أبا هريرة كان يقول:] [ (1) ] . [واللَّه الّذي لا إله إلا هو، إن كنت لاعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون فيه، فمرّ بي أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب اللَّه، ما سألته إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب اللَّه، ما سألته إلا ليستتبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلّى اللَّه عليه وسلّم فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي. ثم قال: يا أبا هر! قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: ألحق، ومضى فاتبعته، فدخل واستأذنت، فأذن لي، فدخلت، فوجد لبنا في قدح، فقال: من أين هذا اللبن؟ قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة. قال: أبا هر! قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: ألحق بأهل الصفة فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل ولا مال، إذا أتته صدقة يبعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتتهم هدية أرسل إليهم، فأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك. قلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، وإني لرسول، فإذا جاءوا أمرني أن أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله بد، فأتيتهم فدعوتهم، فأقبلوا حتى استأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم
من البيت، فقال: يا أبا هر! قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل، فيشرب حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح، فأعطيه للآخر فيشرب حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح، حتى انتهيت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد روى القوم كلهم. فأخذ القدح فوضعه على يده، ونظر إليّ وتبسّم وقال: يا أبا هر! قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: بقيت أنا وأنت، قلت: صدقت يا رسول اللَّه! قال: اقعد فاشرب، فقعدت وشربت فقال: اشرب، فشربت، فقال: اشرب، فشربت، فما زال يقول اشرب، فأشرب، حتى قلت: لا والّذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا، قال: فأرني فأعطيته القدح فحمد اللَّه وسمّى، وشرب الفضلة] [ (1) ] .
[خامس وستون: وجود عنز في مكان لم تعهد فيه]
[خامس وستون: وجود عنز في مكان لم تعهد فيه] [وأما وجود عنز في مكان لم تعهد فيه، فخرج البيهقي من حديث محمد بن الفرج الأزرق، حدثنا عصمة بن سليمان الخزاز، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم الرماني، عن نافع، وكانت له صحبة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال:] . [كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر لنا كنا أربعمائة رجل، فنزلنا في موضع ليس فيه ماء، فشقّ ذلك على أصحابه فقالوا: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعلم، قال: فجاءت شويهة [ (1) ] لها قرنان، فقامت بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحلبها، فشرب حتى روى، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم قال: يا نافع! أملكها الليلة، وما أراك تملكها، قال: فأخذتها فوتدت لها وتدا، ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة، ورأيت الحبل مطروحا، فجئت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته من قبل أن يسألني، فقال يا نافع! ذهب بها الّذي جاء بها] [ (2) ] . وفي كتاب محمد بن سعد: أنبأنا خلف بن الوليد أبو الوليد الأزدي، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبان بن بشير، عن شيخ من أهل البصرة، عن نافع فذكره] . [ (3) ] [وخرّج البيهقي أيضا من حديث العباس بن محمد بن العباس، حدثنا أحمد ابن سعيد بن أبي مريم، حدثنا أبو حفص الرماحيّ، حدثنا عامر بن أبي عامر الخزار، عن أبيه، عن الحسن بن سعد- يعني مولى أبي بكر- قال:
[قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احلب لي العنز، قال: وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه، قال فأتيت بعنز حافل، قال: فاحتلبتها وأوصيت بها، قال: فاشتغلت بالرحلة ففقدت العنز، فقلت: يا رسول اللَّه! فقدت العنز، قال: فقال إن لها ربا] [ (1) ] .
[سادس وستون: ظهور البركة في السمن الذي كان لأم سليم [1]]
[سادس وستون: ظهور البركة في السمن الّذي كان لأم سليم [ (1) ]] [قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن سليمان إملاء، حدثنا يحيى بن محمد الحنائي قال: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا محمد بن زياد البرجمي، قال: حدثنا أبو ظلال، عن أنس بن مالك، عن أمه أم سليم قالت: كانت لي شاة فجمعت سمنها في عكّة، فبعثت بها مع زينب، فقلت: يا زينب، أبلغي هذه العكّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتدم بها، فجاءت زينب بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه، هذه عكّة سمن قد بعثت بها إليك أمّ سليم. قال: فرغوا لها عكتها، ففرّغت العكة، ودفعت إليها، فجاءت- وأم سليم ليست في البيت- فعلقت في وتد، فجاءت أم سليم، فرأت العكة ممتلئة تقطر سمنا، وقالت:
يا زينب! أليس أمرتك أن تبلّغي هذه العكّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتدم بها؟ قالت: قد فعلت، فإن لم تصدقيني فتعالي معى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فذهبت أمّ سليم وزينب معها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللَّه! إني قد بعثت إليك بعكة فيها سمن. فقال: قد جاءت بها، فقالت: والّذي بعثك بالهدى ودين الحق، إنها ممتلئة سمنا تقطر، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتعجبين يا أم سليم؟ إن اللَّه أطعمك كما أطعمت نبيّه] . قال أبو نعيم: زاد البغوي عن شيبان: كلي وأطعمي، قالت: فجئت إلى بيتي، فقسمتها في قعب [ (1) ] لنا كذا وكذا، وتركت فيها ما ائتدمنا به شهرا أو شهرين] [ (2) ] .
[سابع وستون: امتلاء عكة أم مالك الأنصارية سمنا]
[سابع وستون: امتلاء عكّة أم مالك الأنصارية سمنا] [قال أبو نعيم: حدثنا أحمد بن إسحاق: وعبد اللَّه بن محمد، قالا: حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن يحيى بن جعدة، عن جدته قالت:] . [جاءت أم مالك الأنصارية [ (1) ] بعكّة سمن إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا فعصرها، ثم دفعها إليها، فرجعت، فإذا هي مملوءة، فأتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: نزلت فيّ شيء يا رسول اللَّه؟ قال: وما ذاك يا أم مالك؟ قالت: رددت عليّ هديتي، قال: فدعا بلالا فسأله عن ذلك، فقال: والّذي بعثك بالحق لقد عصرتها حتى استحييت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هنيئا لك يا أمّ مالك، هذه بركة عجّل اللَّه لك ثوابها [ (2) ] ، [ثم علمها تقول في دبر كل صلاة: سبحان اللَّه عشرا، والحمد للَّه عشرا، واللَّه أكبر عشرا] [ (3) ] .
[ثامن وستون: امتلاء عكة أم أوس البهزية]
[ثامن وستون: امتلاء عكّة أم أوس البهزية] [قال البيهقي: أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا علي بن نجيح القطان، حدثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشم الرماني، عن يوسف بن خالد، عن أوس بن خالد، عن أم أوس البهزية [ (1) ] ، قالت:] . [سليت سمنا لي، فجعلته في عكّة، وأهديته للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقبله وترك في العكة قليلا، ونفخ فيه ودعا بالبركة ثم قال: ردّوا عليها عكتها، فردوها عليها وهي مملوءة سمنا، فظننت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقبلها، فجاءت ولها صراخ، قالت: يا رسول اللَّه! إنما سليته لك لتأكله، فعلم صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قد استجيب له. فقال: اذهبوا فقولوا لها: فتأكل سمنها، وتدعو بالبركة، فأكلت بقية عمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وولاية أبي بكر- رضي اللَّه تعالى عنه- وولاية عمر- رضي اللَّه تعالى عنه- وولاية عثمان- رضي اللَّه تعالى عنه، حتى كان من أمر علي- رضي اللَّه تعالى عنه- ومعاوية ما كان] [ (2) ] .
[تاسع وستون: أكل أهل الخندق من حفنة تمر]
[تاسع وستون: أكل أهل الخندق من حفنة تمر] [قال الواقدي: حدثني عمر بن عبد اللَّه بن رياح الأنصاري، عن القاسم ابن عبد الرحمن بن رافع- من بني عديّ بن النجار- قال: كان المسلمون قد أصابتهم مجاعة شديدة، فكان أهلوهم يبعثون إليهم بما قدورا عليه، فأرسلت عمرة بنت رواحة ابنتها بجفنة تمر عجوة في ثوبها، فقالت: يا بنية اذهبي إلى أبيك بشير ابن سعد، وخالك عبد اللَّه بن رواحة بغدائهما. فانطلقت الجارية حتى تأتي الخندق، فتجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا في أصحابه وهي تلتمسهما، فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك؟ قالت: بعثتني أمي إلى أبي وخالي بغدائهما. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هاتيه! قالت: فأعطيته، فأخذه في كفيه، ثم أمر بثوب فبسط له، وجاء بالتمر فنشره عليه فوق الثوب، فقال لجعال ابن سراقة: ناد بأهل الخندق أن هلمّ إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه يأكلون منه، حتى صدر أهل الخندق، وإنه ليفيض من أطراف الثوب] [ (1) ] . [وحدثني شعيب، عن عبد اللَّه بن معتب، قال: أرسلت أمّ عامر الأشهلية بقعبة فيها حيس [ (2) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو في قبته وهو عند أم سلمة، فأكلت أمّ سلمة حاجتها، ثم خرج بالبقية، فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عشائه، فأكل أهل الخندق حتى نهلوا، وهي كما هي] [ (3) ] . [قال أبو نعيم: حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أحمد ابن محمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني سعيد بن ميناء، أنه حدّث أن ابنة لبشير بن سعد، أخت النعمان بن بشير قالت:]
[دعتني عمرة بنت رواحة [زوج بشير بن سعد] ، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي، ثم قالت: يا بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك عبد اللَّه بن رواحة بغدائهما، قالت: فأخذتها فانطلقت بها، فمررت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأنا ألتمس أبي وخالي، فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك؟ فقلت: يا رسول اللَّه، هذا تمر، بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد، وخالي عبد اللَّه بن رواحة يتغديان به. قال: هاتيه، فصببته في كفّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما ملأهما، ثم أمر بثوب فبسط، ثم دحا التمر عليه، فتبدد فوق الثوب، ثم قال لإنسان عنده: اصرخ في أهل الخندق هلمّ إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه، وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب [ (1) ] . [قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس عن ابن إسحاق، قال: حدثنا سعيد بن مينا، عن ابنة بشير بن سعد، قالت: بعثتني أمي بتمر في طرف ثوبي إلى أبي وخالي وهم يحفرون الخندق، فمررت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فناداني فأتيته، فأخذ التمر مني في كفيه، وبسط ثوبا فنثره عليه، فتساقط في جوانبه، ثم أمر بأهل الخندق، فاجتمعوا، وأكلوا منه حتى صدروا عنه] [ (2) ] .
[سبعون: شهادة الذئب له صلى الله عليه وسلم بالرسالة]
[سبعون: شهادة الذئب له صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة] [قال أبو نعيم: حدثنا فاروق الخطابي، قال: حدثنا عباس، قال: حدثنا هشام بن علي السيرافي، قال: حدثنا هريم بن عثمان، وأبو عمر الحوضيّ، وهدب ابن خالد، وحدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا عباس الأسفاطي، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قالوا: حدثنا القاسم بن الفضل الحداني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال] : بينما راع يرعى بالحرّة، إذ انتهز الذئب شاة فتبعه الراعي، فحال بينه وبينها، فأقبل الذئب على الراعي فقال: يا راعي، ألا تتقي اللَّه؟ تحول بيني وبين رزق ساقه اللَّه إليّ؟ فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يكلمني بكلام الإنس! فقال الذئب: ألا أخبرك بما هو أعجب من هذا؟ هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الحرّتين يدعو الناس إلى أنباء ما قد سبق، فساق الراعي شاءه حتى أتى إلى المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره بما قال الذئب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صدق الراعي، ألا إنه من أشراط الساعة كلام السباع الإنس، والّذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس، وحتى يكلم الرجل شراك نعله، ويحدثه سوطه، ويخبره بما أحدث أهله بعده] [ (1) ] . [وقال: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الأشعث بن عبد اللَّه، عن شهر بن حوشب، عن
أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال:] [جاء ذئب إلى غنم فأخذ منها شاة، فطلبها الراعي حتى انتزعها من فيه، فصعد الذئب على تلّ فأقعى، ثم قال: عمدت إلى رزق رزقنيه اللَّه فأخذته مني، فقال الرجل: واللَّه ما رأيت مثل اليوم قط، ذئب يتكلم! فقال [الذئب] : أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبر بما مضى، وبما هو كائن بعدكم، فأتى الرجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره وأسلم، فصدقه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إنها أمارة من أمارات ما بين يدي الساعة، قد يوشك أن يخرج الرجل فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده] [ (1) ] .
[حادي وسبعون: مجيء الذئب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]
[حادي وسبعون: مجيء الذئب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما مجيء الذئب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أبو نعيم والبيهقي من حديث محمد بن إسحاق عن الزهري، عن محمد بن خالد الأنصاري، عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جنازة رجل من الأنصار إلى البقيع، فإذا الذئب مفترش ذراعيه على الطريق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا أويس يستفرض فأفرضوا له، قالوا: رأيك يا رسول اللَّه، قال: من كل سائمة شاة في كل عام، قالوا: كثير، فأشار إليه أن خالسهم، فانطلق الذئب [ (1) ] . ولأبي نعيم من حديث محمد بن كثير قال: حدثنا سفيان، أخبرنا الأعمش عن شمر بن عطية، عن رجل من مزينة أو جهينة قال: أتت وفود الذئاب قريبا من مائة ذئب حين صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الفجر فأقعين فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه وفود الذئاب جئنكم يسألنكم لتفرضوا لهن من قوت طعامكم وتأمنوا على ما سوى ذلك، فشكوا إليه الحاجة، قال: فأدبروهم، قال: فخرجن ولهن عواء [ (2) ] . وله من طريق الواقدي، عن رجل سماه، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس بالمدينة في أصحابه، إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوي بين يديه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا وافد السباع إليكم، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه [واحترزتم] منه، فما أخذ فهو رزقه، فقالوا: يا رسول اللَّه، ما تطيب أنفسنا له بشيء، [فأومأ] إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصابعه الثلاث، أن خالسهم، فولّى وله عسلان [ (3) ] .
قال الواقدي: وحدثني داود بن خالد، عن يعقوب بن عنبة، عن سليمان ابن يسار قال: أشرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الحرة، فإذا الذئب واقف بين يديه، فقال: هذا أويس يسأل من كل سائمة شاة، قالوا: يا رسول اللَّه! ما تطيب له أنفسنا بشيء، [فأومأ] إليه بأصابعه فولى [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة عن عبد الملك ابن عمير عن الحارثي، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: إني لست أنا أصلى في نعلي، ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى في نعليه، إني لست أنا الّذي أنهي [عن صيام] يوم الجمعة ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهى، قال: وجاء ذئب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا غير بعيد، ثم جعل كأنه يطلب شيئا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا ليريد شيئا، فقال رجل: لا نجعل له يا رسول اللَّه نصيبا في أموالنا، فأخذ حجرا فرماه به، فانطلق الذئب يسعى وهو يعوى، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الذئب وما الذئب [ (2) ] . قال البيهقي: الحارثي هذا هو أبو الأدبر، اسمه زياد. وخرجه أيضا من حديث عبد الملك بن عمير، عن أبي الأدبر الحارثي، عن أبي هريرة قال: أتاه رجل فقال: يا أبا هريرة! أنت الّذي نهيت الناس ... فذكر الحديث. قال: وجاء الذئب ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس، فأقعى بين يديه، ثم جعل يبصبص بذنبه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا، قالوا: لا واللَّه لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجرا فرماه به، فأدبر الذئب وله عواء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الذئب وما الذئب [ (3) ] . قال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل من بني الحرث بن كعب يقال له: أبو الأدبر، قال: كنت قاعدا عند أبي هريرة ... ، فذكر قصة ثم أنشأ يحدث قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما جالسا،
وجاء ونحن عنده إذا جاءه الذئب حتى أقعى بين يديه، ثم بصبص بذنبه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا الذئب وهذا وافد الذئاب، فما ترون؟ أتجعلون له في أموالكم شيئا؟ فقال الراعي: لا واللَّه يا رسول اللَّه، لا نجعل له من أموالنا شيئا، فقام إليه رجل من الناس فرماه بحجر، فأدبر وله عواء، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الذئب وما الذئب ثلاث مرات [ (1) ] .
[ثاني وسبعون: كلام الظبية لرسول الله صلى الله عليه وسلم]
[ثاني وسبعون: كلام الظبية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما كلام الظبية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج أبو نعيم من حديث زكريا بن خلاد قال: أخبرنا حبان بن أغلب بن تميم السعدي قال: حدثني أبي عن هشام بن حبان، عن الحسين عن ضبة بن المحصن، عن أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صحراء، إذا هاتف يهتف به: يا رسول اللَّه! فاتبعت الصوت فهجمت عليّ ظبية مشدودة في وثاق، وإذا أعرابي منجدل في شملة نائم في الشمس، فقالت الظبية لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا الأعرابي صادني قبيل، ولي خشفان في هذا الجبل، فإن رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ثم أعود إلى وثاقي! قال: وتفعلين؟ قالت: عذبني اللَّه عذاب العشّار إن لم أفعل. فأطلقها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمضت وأرضعت الحشفين، قال: فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوثقها إذ انتبه الأعرابي فقال: يأبى أنت وأمي، إني أصبتها قبيلا فلك فيها حاجة؟ قلت: نعم، قال: هي لك، وأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء فرحا وهي تضرب برجلها الأرض وهي تقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه. قال أبو نعيم: رواه آدم بن أبي إياس، عن نوح بن الهيثم- ختنه- قال: حدثني ختني الصدوق نوح بن الهيثم، عن حبان بن أغلب، عن أبيه، ولم يجاوز به هشاما [ (1) ] . وخرج أبو نعيم والبيهقي من حديث أبي حفص عمرو بن على الفلاس قال: أخبرنا [ (2) ] يعلى بن إبراهيم الغزال، أخبرنا [ (2) ] الهيثم بن حماد، عن أبي كثير، عن زيد ابن أرقم رضي اللَّه عنه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض سكك المدينة،
فمررنا بخباء أعرابي فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء فقالت: يا رسول اللَّه! إن هذا الأعرابي صادني ولي خشفان [ (1) ] في البرية، وقد انعقد هذا اللبن في أخلافي [ (2) ] ، فلا هو يذبحني فأستريح ولا يدعني فأرجع إلى خشفيّ [ (1) ] في البرية، فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن تركتك ترجعين؟ قالت: نعم، وإلا عذبني اللَّه بعذاب العشّار. فأطلقها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلم يلبث أن جاءت تلمّظ [ (3) ] ، فشدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الخباء، فأقبل الأعرابي ومعه قربة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتبيعنيها؟ قال: هي لك يا رسول اللَّه، فأطلقها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال زيد بن أرقم: فأنا واللَّه رأيتها تسبح في الأرض وهي تقول: [أشهد أن] [ (4) ] لا إله إلا اللَّه [وأن] [ (4) ] محمدا رسول اللَّه [ (5) ] . ولأبي نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا إبراهيم بن محمد [محمود] [ (1) ] بن ميمون، أخبرنا [ (6) ] عبد الكريم بن هلال الجعفي، عن صالح المري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
على قوم قد اصطادوا ظبية، فشدوها على عمود فسطاط، فقالت: يا رسول اللَّه! إني أخذت ولي خشفان، فاستأذن لي أرضعهما وأعود، فقال: أين صاحب هذه؟ قال القوم: نحن يا رسول اللَّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: خلوا عنها حتى [تأتي] [ (1) ] خشفيها ترضعهما وترجع إليكم، قالوا: ومن لنا بذلك [يا رسول اللَّه] [ (1) ] ؟ قال: أنا، فأطلقوها، فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها، فمر بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين صاحب هذه؟ قالوا: هو ذا يا رسول اللَّه، قال تبيعونها؟ قالوا: يا رسول اللَّه هي لك، قال خلوا عنها، فأطلقوها فذهبت [ (2) ] . وللبيهقي من حديث أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاريّ قال: حدثنا على ابن قادم، حدثنا أبو العلاء خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظبية مربوطة إلى خباء، فقالت يا رسول اللَّه! حلّني حتى أذهب فأرضع خشفيّ، ثم أرجع فتربطني، فقال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صيد قوم وربيطة قوم، قال: فأخذ عليها فحلفت له، فحلها. فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها، فربطها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها منهم فوهبوها له، فحلها، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا أبدا [ (1) ] . [وروى من وجه آخر ضعيف] [ (2) ] . وروى ابن شاهين من حديث يحيى بن حبيب بن عديّ قال: حدثنا حماد بن زيد عن منصور بن طاووس عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: مرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم في بعض شأنه، فإذا هو بظبية في رحال قوم، فنادته: يا رسول اللَّه! فوقف وقال: ما شأنك؟ قالت: يا رسول اللَّه إن لي خشفين وهما جياع فأطلقني لأنطلق فأرويهما وأرجع فتشدني، فقال: رحال قوم وربيطة قوم، وأراد أن يولى فنادته ثانيا: يا رسول اللَّه! لي خشفان وهما جياع فحلني أنطلق فأرويهما وارجع إليك فتشدني ثانيا، فقال: أتفعلين؟ قالت: نعم وإلا يعذبني اللَّه عذاب العشار. فحلها وجلس مكانه، فما لبثت أن رجعت وضرعها فارغ من اللبن، فرق لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستوهبها من الرجل فوهبها له، فأطلقها [ (3) ] .
وقد روى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقي في سفره قانصا قد صاد ظبية، فقال: ما اسمك؟ قال: عبد هبل، فغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال الأعرابي: أنت الّذي جئت بالسّحر؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أرأيت إن آمنت جيداؤك هذه أتؤمن؟ قال: نعم، وإلا فلا. فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده المباركة عليها وقال: أيتها الجيداء الغيداء! من أنا؟ قالت: أنت رسول اللَّه وأنا ظبية ذات غيداء، أفزعني هذا الأعرابي فقصدت عسكرك عائذة بك، فأدركني فمره يطلقني أحدث بخشفيّ عهدا، وله عليّ أن أرجع إليه، فقال الأعرابي: أتكلمك ظبية وأعاندك؟ فأسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هبّ يستحكم إيمانك فيما شيئا، ومضت الظبية فلاذ بها خشفان، وأخبرتهما بما كان، فبكى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [وقال] : لولا أن أحرم ما أحل اللَّه لحرمت قنص ظباء هذا الموضع [ (1) ] .
[ثالث وسبعون: شهادة الضب برسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم]
[ثالث وسبعون: شهادة الضّبّ برسالة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما شهادة الضّبّ برسالة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أبو نعيم من حديث أبي بكر بن أبي عاصم قال: أخبرنا يحيى بن خلف، أخبرنا معمر قال: سمعت كهمس يحدث عن داود بن أبي هند، عن عامر قال: صحبت ابن عمر سنتين فما سمعته يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا حديث الضّبّ، وكان إذا حدثنا يحدثنا عن عمر، ولم يكن يحدث إلا عن فقه، قال أبو نعيم: كذا رواه يحيى بن خلف عن معتمر مختصرا، وطوله محمد بن عبد الأعلى. وخرج من حديث محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا معتمر بن سليمان، حدثنا كهمس بن الحسن، أخبرنا داود بن أبي هند، قال: حدثنا عامر الشعبي قال: حدثنا عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بحديث الضب، قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان في محفل من أصحابه، إذ جاء أعرابي من بني سليم قد أصاب ضبا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيأكله، فقال على من هذه الجماعة؟ قالوا: على هذا الّذي يزعم أنه نبيّ، فشقّ الناس ثم أقبل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد، ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك ولا أبغض إليّ منك، ولولا أن تسميني عجولا لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك الناس جميعا! فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، دعني أقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمر لو علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا. ثم أقبل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: واللات والعزى لا آمنت بك، قال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولم يا أعرابي؟ ما حملك على الّذي قلت ما قلت؟ وقلت غير الحق ولم تكرم مجلسي؟ فقال: وتكلمني أيضا- استخفافا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم-، واللات والعزى لا آمنت بك إلا أن يؤمن بك هذا الضّبّ- فأخرج الضب من كمه فطرحه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن آمن بك هذا الضّبّ آمنت.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ضب، فتكلم الضب بلسان عربي مبين يفهمه القوم جميعا: لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين! فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ومن تعبد يا ضبّ؟ قال: اللَّه الّذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عذابه. قال: فمن أنا يا ضبّ؟ قال: أنت رسول رب العالمين، وخاتم المرسلين، قد أفلح من صدقك وقد خاب من كذبك، فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه حقا، واللَّه لقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد هو أبغض إليّ منك، [و] واللَّه لأنت الساعة أحب إليّ من نفسي ومن ولدي، وقد آمنت بشعري وبشري، وداخلي وخارجي، وسرّي وعلانيتي. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحمد للَّه الّذي هداك إلى هذا الدين، الّذي يعلو ولا يعلى، لا يقبله اللَّه إلا بالصلاة، ولا تقبل الصلاة إلا بالقرآن، فعلمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحمد، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فقال: يا رسول اللَّه! ما سمعت في البسيط ولا في الرّجز أحسن من هذا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا كلام رب العالمين وليس بشعر، فإذا قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فكأنما قرأت ثلث القرآن، وإذا قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مرتين، فكأنما قرأت ثلثي القرآن، وإذا قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرات فكأنما قرأت القرآن كله. فقال الأعرابي: نعم الإله إلهنا، يقبل اليسير ويعطي الجزيل، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعطوا الأعرابي، فأعطوه حتى أبطروه. فقام عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول اللَّه، إني أريد أن أعطيه ناقة أتقرب بها إلى اللَّه عز وجل، دون البختي [ (1) ] وفوق العربيّ، وهي عشراء تلحق ولا تلحق أهديت لي. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد وصفت ما تعطي، أفأصف لك ما يعطيك اللَّه عزّ وجل جزاء؟ قال: نعم، فقال: لك ناقة من درة جوفاء، قوائمها من الزبرجد
الأخضر، عليها الهودج من السندس والإستبرق، وتمرّ بك على الصراط كالبرق الخاطف. فخرج الأعرابي من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلقيه ألف أعرابي على ألف دابة، بألف رمح وألف سيف، فقال لهم: أين تريدون، فقالوا: نقاتل هذا الّذي يكذب ويزعم أنه نبيّ، فقال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقالوا: صبوت؟ قال: ما صبوت، وحدثهم الحديث، فقالوا بأجمعهم: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلقاهم، فنزلوا عن ركبهم يقبلون ما ولوا منه [ (1) ] وهم يقولون: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، قالوا: مرنا بأمر تحب يا رسول اللَّه، قال: تكونون تحت راية خالد بن الوليد، قال: فليس أحد من العرب آمن منهم ألف رجل إلا من بني سليم [ (2) ] . قال كاتبه: إن الوضع بين على هذا الحديث. قال البيهقي: وروى ذلك في حديث عائشة وأبي هريرة، وما ذكرناه هو أمثل الإسناد فيه [ (3) ] .
وروى عثمان بن أبي شيبة، من حديث ابن نمير عن مجالد عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: خرج أعرابي من بني سليم يبتدأ في البرية، فإذا هو بضب فاصطاده، ثم جعله في كمه، وجاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فناداه: يا محمد! أنت الساحر؟ لولا أني أخاف أن قومي يسموني العجول لضربتك بسيفي هذا، فوثب إليه عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه ليبطش به، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلس يا أبا حفص، فقد كاد الحليم أن يكون نبيا، ثم التفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الأعرابي وقال له: أسلّم تسلّم من النار، فقال: واللات والعزى لا أؤمن بك حتى يؤمن بك هذا الضب، ثم رمى الضب عن كمه، فولى الضب هاربا، فناداه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيها الضب! أقبل، فأقبل، فقال له: من أنا؟ قال: أنت محمد بن عبد اللَّه، ثم أنشأ الضب يقول: ألا يا رسول اللَّه إنك صادق ... فبوركت مهديا وبوركت هاديا شرعت لنا دين الحنيفة بعد ما ... عبدنا كأمثال الحمير الطواغيا فيا خير مدعو ويا خير مرسل ... إلى الجن ثم الإنس لبيك داعيا أتيت ببرهان من اللَّه واضح ... فأصبحت فينا صادق القول واعيا فبوركت في الأحوال حيا وميتا ... وبوركت مولودا وبوركت ناشيا ثم سكت الضب، فقال الأعرابي: وا عجبا! ضبا اصطدته من البرّ، ثم أتيت [به في] كمي، يكلم محمدا هذا الكلام، ويشهد له بهذه الشهادة، أنا لا أطلب أثرا بعد عين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فأسلّم وحسن إسلامه، ثم التفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أصحابه فقال: ألا علّموا الأعرابي سورا من القرآن [ (1) ] .
[رابع وسبعون: سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم]
[رابع وسبعون: سجود الغنم له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما سجود الغنم له، فخرج أبو نعيم من حديث جعفر بن محمد [الفريابي] [ (1) ] قال: أخبرنا [ (2) ] إبراهيم بن العلاء الزبيدي، حدثنا عباد بن يوسف الكندي، أخبرنا [ (2) ] أبو جعفر الرازيّ عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حائطا للأنصار، ومعه أبو بكر وعمر- رضي اللَّه عنهما- في رجال من الأنصار، وفي الحائط غنم فسجدن له، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه [يا رسول اللَّه كنا] [ (1) ] نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم، فقال: إنه لا ينبغي من أمتي أن يسجد أحد لأحد، لو كان ينبغي أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [ (3) ] .
[خامس وسبعون: سكون الوحش إجلالا له صلى الله عليه وسلم]
[خامس وسبعون: سكون الوحش إجلالا له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما الوحش الّذي أحسّ بالمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أبو نعيم من حديث الحسن ابن سفيان، أخبرنا [ (1) ] هشام بن عمارة، حدثنا عيسى بن يونس عن أبيه، أنه حدثه عن مجاهد عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان لآل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحش، فإذا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قفز ولعب، فإذا أحسّ برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربض [ (2) ] . وخرجه البيهقي من حديث أبي نعيم قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان لأهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحش، فإذا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقبل وأدبر، وإذا أحس برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربض فلم يترمرم [ (3) ] . ومن حديث محمد بن فضيل عن يونس، عن مجاهد عن عائشة قالت: كان لآل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحش، فإذا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعب وذهب وجاء، فإذا جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربض فلم يترمرم ما دام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في البيت [ (3) ] . قال أبو نعيم: رواه ابن فضيل وعمر بن الهيثم في آخرين، عن يونس عن مجاهد، وذكره أيضا من حديث المعافي بن عمران، وأبي أحمد الزبير عن يونس عن مجاهد.
[سادس وسبعون: سجود البعير وشكواه للمصطفى صلى الله عليه وسلم]
[سادس وسبعون: سجود البعير وشكواه للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما سجود البعير وشكواه ما به للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أحمد من حديث عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان في نفر من المهاجرين والأنصار، فجاء بعير فسجد له، فقال أصحابه: يا رسول اللَّه! تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال: اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أمرها أن تنتقل من جبل أصفر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي لها أن تفعله [ (1) ] . وعن ابن ماجة بعضه بغير هذا السياق [ (2) ] . وخرج مسلم في المناقب من حديث مهدي بن ميمون قال: حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب، عن الحسن ابن سعد- مولى الحسن بن علي- عن عبد اللَّه بن جعفر رضي اللَّه عنهما قال: أردفني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم خلفه، فاسرّ إليّ حديثا لا أحدّث به أحدا من الناس، هكذا ذكره مسلم في المناقب، وذكره في الطهارة [ (3) ] .
وخرجه أبو داود وزاد فيه: وكان أحب ما استتر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجته هدف أو حايش نخل، بعد هذا قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، قال: فأتاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسح سراته إلى سنامه وذفراه فسكن، فقال: من ربّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول اللَّه، قال: أفلا تتقي اللَّه في هذه البهيمة التي ملكك اللَّه إياها؟ فإنه قد شكى إليّ أنك تجيعه وتدئبه. ذكره أبو داود في باب: ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم [ (1) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة، من حديث أبي نمير قال: حدثنا الأجلح عن [الدربال] بن حرمة، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما قال: أقبلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سفر، حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار، إذا جمل قطم- يعني هائجا- لا يدخل الحائط أحد عليه. قال: فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتى الحائط فدعى البعير فجاء واضعا مشفره في الأرض حتى برك بين يديه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هاتوا خطاما فخطمه، ودفعه إلى أصحابه، ثم التفت إلى الناس، وقال: إنه ليس بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول اللَّه غير عاصي الجن والإنس. وخرجه الإمام أحمد من حديث مصعب بن سلام قال: حدثنا الأجلح.. فذكره. وخرجه أحمد بن عمرو بن أحمد بن عبد الخالق البزار قال: حدثنا محمد بن المستنير الكندي، أخبرنا الوليد بن القثم، أخبرنا الأجلح عن أبي الزبير، عن جابر [ (2) ] . قال أبو نعيم: ورواه شريك [بن عبد اللَّه] [ (3) ] بن أبي نمر عن جابر قال: خرجنا في غزوة ذات الرقاع ثم أقبلنا حتى إذا كنا بمهبط من الحرة أقبل جمل يرقل [ (4) ] حتى برك بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومد جرانه [ (5) ] .. فذكره [ (6) ] .
وخرجه أبو نعيم من حديث أبي بكر بن عياش عن الأجلح عن الذّيال بن حرملة. عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: جاء قوم إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: إن بعيرا لنا قطن في حائط لنا قد غلبنا، فجاء إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: تعالى، فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأعطاه أصحابه، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! كأنه علم أنك نبي، فقال ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبي، إلا كفرة الجن والإنس [ (1) ] . قال: كذا في كتاب (الذيال) عن ابن عباس، والحديث مشهور بالذيال عن جابر [ (2) ] . وخرج من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد اللَّه بن موسى، أخبرنا [ (3) ] إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، ثم سرنا ورسول اللَّه بيننا كأنما على رءوسنا الطير تظلنا، فإذا جمل نادّ [ (4) ] ، حتى إذا كان بين السماطين [ (5) ] خرّ ساجدا فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه ثم قال [على الناس] [ (6) ] : من صاحب هذا الجمل؟ فإذا فتية من الأنصار فقالوا: هو لنا يا رسول اللَّه، قال: فما شأنه؟ قالوا: أسنينا [ (7) ] عليه منذ عشرين سنة فكانت به شحيمة [ (8) ] ، فأردنا أن ننحره فيقسم [ (9) ] بين غلماننا فانفلت عنا، قال: تبيعونيه؟ قالوا: لا، بل هو لك يا رسول اللَّه، قال: أما لا، فأحسنوا
إليه حتى يأتيه أجله [ (1) ] . ومن حديث الحسن بن بشر، حدثنا أبي عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سرية، ورسول اللَّه فينا وكأنما على رءوسنا الطير، فأقبلنا حتى إذا ساوينا المدينة فإذا بعير مقبل فجاء يضرب بنفسه الأرض بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [أيكم صاحب] هذا البعير؟ فقام فتية من الأنصار فقالوا: نحن يا رسول اللَّه، قال: إن بعيركم هذا يشكوكم، يزعم أنكم استعملتموه شابا حتى إذا كبر أردتم نحره. فقالوا: يا رسول اللَّه! إن فيه شحيمة فأردنا أن نقسمها [بين رعائنا] ، قال: فتبيعونيه؟ قالوا: لا، بل هو لك يا رسول اللَّه، فقلنا: هذا البعير يا رسول اللَّه سجد لك، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال: لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو أمرت بذلك لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [ (2) ] . وخرج من حديث يحيى بن بكير قال: حدثني الليث بن سعد، عن [ابن] [ (3) ] الهاد عن ثعلبة بن أبي مالك [ (4) ] قال: اشترى إنسان من بني سلمة جملا
ينضح عليه، فأدخله في مربد [ (1) ] فجرد كيما يحمل عليه، فلم يقدر أحد أن يدخل عليه إلا يخبطه، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر ذلك له، فقال: افتحوا عنه، فقالوا: إنا نخشى عليك يا رسول اللَّه [منه] [ (2) ] ، فقال: افتحوا عنه، ففتحوا، فلما رآه الجمل خرّ ساجدا فسبح [ (3) ] القوم وقالوا: يا رسول اللَّه! نحن كنا أحق بالسجود من هذه البهيمة، قال: لو ينبغي لشيء من الخلق أن يسجد لشيء دون اللَّه، لا نبغى [ (4) ] للمرأة أن تسجد لزوجها [ (5) ] . وخرج من طريق [ابن] أبي شيبة، وأحمد بن حنبل قالا: حدثنا عبد اللَّه ابن نمير، حدثنا عثمان بن حكيم قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلي ابن مرة قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثا ما رآهن أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي، قال: كنت معه ذات يوم حتى جاء جمل فضرب بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال: انظر [] لمن هذا الجمل إن له لشأنا، قال: فخرجت فالتمست صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار، فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ قال: وما شأنه؟ قال: لا أدري ما شأنه؟ قال: عملنا عليه ونضحنا حتى عجز عن السقاية، فأتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه، قال: فلا تفعل، هبه لي أو بعنيه، قال: بل هو لك يا رسول اللَّه، فوسمه سمة الصدقة، ثم بعث به [ (6) ] . ومن حديث أحمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن عطاء بن السائب، عن عبد اللَّه بن حفص، عن يعلي بن مرة الثقفي قال: ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسن [ (7) ] عليه، فلما رآه البعير جرجر [ (8) ] ووضع جرانه، فوقف عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين صاحب هذا البعير؟ فجاء، فقال: بعنيه، فقال: لا بل أهبه، فقال: لا، بل بعنيه، قال: لا بل أهبه لك،
وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره، قال: أما [إذ] [ (1) ] ذكرت هذا من أمره، فإنه شكا كثرة العمل وقلّة العلف، فأحسنوا إليه [ (2) ] . وخرجه من حديث حجاج بن منهال وهدبة بن خالد قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء عن يعلي قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا لم يره أحد إلا من كان معي: كنا في سفر حتى إذا كنا بمكان كذا وكذا، جاء بعير فجرجر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل تدرون ما يقول؟ قلنا: وما قال؟ قال: شكا أهله، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهله فقال: أتبيعونيه؟ قالوا: نهبه لك، ثم قال: أتبيعونيه؟ قالوا: بل نهبه لك- مرتين أو ثلاثا- قلنا: ما لنا غيره، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فافعلوا به معروفا- أو قال: خيرا. وخرجه من حديث شريك، عن عمر بن عبد اللَّه بن يعلي بن مرة، عن أبيه عن جده قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي: كنت معه في طريق مكة: فمر عليه بعير ماد جرانه، فقال: عليّ بصاحب هذا، فجيء به فقال: هذا يقول: نتجت عندهم فاستعملوني، حتى إذا كبرت عندهم أرادوا أن ينحروني، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من شيء إلا يعلم أني رسول اللَّه، إلا كفرة أو فسقة الجن والإنس [ (3) ] .
وخرجه من حديث الأعمش، عن المنهال بن عمرو قال: حدثني ابن يعلي عن مرة عن أبيه. ومن حديث وكيع قال: حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلي بن مرة. وقال وكيع: مرة عن أبيه. ومن حديث يحيى بن سليم عن عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن يونس بن حراب، عن يعلي بن مرة، فذكره وقال: رواه الثوري والعرزميّ [عن أبي الزبير] نحوه [ (1) ] . وحدث مطلب بن زيادة قال: حدثنا عمر بن عبيد اللَّه بن يعلي بن مرة حكاية، كذا عن يعلي بن [مرة قال] : خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فجاء بعير يرغو حتى سجد له، فقال المسلمون: نحن أحق أن نسجد للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير اللَّه لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، أتدرون ما يقول هذا؟ زعم أنه خدم مواليه أربعين سنة، حتى إذا كبر أنقصوا من علفه وزادوا في عمله، حتى إذا كان لهم عرس أخذوا الشّفار لينحروه، فأرسل إلى مواليه فقصّ عليهم، فقالوا: صدق يا رسول اللَّه، قال إني أحب أن تدعوه لي فتركوه [ (2) ] . وخرجه من حديث علياء بن أحمر، عن علي عن عبد اللَّه بن بريدة، أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا رسول اللَّه، إن لنا جملا [شارد] في الدار وليس أحد منا يستطيع أن يقربه أو يدير أنفه، فقام معه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقمنا معه، فأتى ذلك الباب ففتحه، فلما رآه الجمل جاء إليه فسجد له، ووضع جرانه فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برأسه فمسحه، ثم دعا بالخطام فخطمه، ثم دفعه إلى أصحابه، فقال له أبو بكر رضي اللَّه عنه: قد عرفك يا رسول اللَّه أنك نبي، واللَّه إنك رسول اللَّه، فقال: إنه ليس من شيء إلا يعرف أني رسول اللَّه غير كفرة الجن والإنس [ (3) ] .
ومن حديث معلّى [ (1) ] بن منصور قال: حدثني شبيب بن شبيبة قال: حدثني بشر بن عاصم، عن غيلان بن سلمة الثقفي قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره فرأينا عجبا، من ذلك: أنا مضينا فنزلنا منزلا فجاء رجل فقال: يا نبي اللَّه! إنه كان لي حائط فيه عيشي وعيش عيالي، ولي فيه ناضحان فاغتلما عليّ [ (2) ] ، فمنعاني أنفسهما وحائطي وما فيه، فلا يقدر أحد أن يدنو منهما، فنهض نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه حتى أتى الحائط، فقال لصاحبه: افتح، فقال: يا نبي اللَّه! أمرهما أعظم من ذلك، قال افتح، فلما حرك الباب أقبلا لهما جلبة كحفيف الريح، فلما انفرج الباب، ونظرا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بركا ثم سجدا. فأخذ نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برءوسهما، ثم دفعهما إلى صاحبهما، فقال: [استعملهما] [ (3) ] وأحسن علفهما، فقال القوم: يا نبي اللَّه! تسجد لك البهائم؟ فبلاء اللَّه عندنا بك أحسن حين هدانا من الضلالة، واستنقذنا بك من الهلكة [ (4) ] ، أفلا تأذن [لنا] [ (3) ] في السجود لك؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن السجود ليس إلا للحي الّذي لا يموت، ولو كنت آمرا أحدا من هذه الأمة بالسجود لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها [ (5) ] . ومن حديث النضر بن شميل، حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل حائطا من حوائط الأنصار، فإذا
فيه جملان يصرمان ويواعدان، فاقترب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهما فوضعا جرانيهما بالأرض، فقال من معه: نسجد له؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ينبغي لأحد [أن] يسجد لأحد، ولو كان أحد ينبغي أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، لما عظّم اللَّه تعالى عليها من حقه [ (1) ] . ومن حديث خلف بن خليفة، عن حفص بن أخي أنس- وهو حفص بن عمر بن عبد اللَّه بن أبي طلحة- عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، قال: كان أهل بيت من الأنصار، وإنه كان لهم جمل يسنون عليه، وإن الجمل استصعب عليهم ومنعهم ظهره، فجاءت الأنصار إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه! إنه كان لنا جمل نسنى عليه، وإنه قد استصعب علينا، ومنعنا ظهره، وقد يبس النخل والزرع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه: قوموا. فقاموا معه، فجاء إلى الحائط، والجمل قائم في ناحية، فجاء يمشي نحوه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنه صار مثل الكلب [الكلب] [ (2) ] ، وإنا نخاف عليك صولته، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس عليّ منه بأس، فجاء الجمل يمشي حتى خرّ ساجدا بين يديه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال أصحابه: هذه بهيمة لا تعقل، ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقّه عليها [ (3) ] ، [والّذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته، ما أدت حقّه] [ (4) ] . وخرجه من حديث سلام بن أبي الصهباء، عن أبي الضلال قال: حدثني أنس ابن مالك أن رجلا من الأنصار كان له بعير قد شرد عليه، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال:
يا رسول اللَّه، إن لي بعيرا قد شرد عليّ وهو في أقصى أرضي، وأنا لا أستطيع أن أدنو منه خشية أن يتناولني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: انطلقوا بنا إليه. فلما مشى الأنصاريّ هنيهة، استرجع ثم قال: ما صنعت يا رسول اللَّه؟ أخاف عليك البعير. قال: فبينما هم يمشون إذ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا يا فلان، إن لو قد رآني رأيت منه، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأرض ودخلوا، مشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ نظر البعير إليه، فأقبل يحمحم، فألقى بجرانه حتى برك عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وجعلت عيناه تسيلان، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم، يا فلان! بعيرك يشكوك فأحسن إليه، فجاء بحبل فألقاه في رايته ثم قال: ها دونك أحسن إليه [ (1) ] . وخرجه من حديث مكي، حدثنا فائد أبو الورقاء عن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: بينما نحن قعود مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ أتاه آت فقال: يا رسول اللَّه! ناضح [آل فلان] [ (2) ] قد أتى عليهم، فنهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونهضنا معه فقلنا: يا رسول اللَّه! لا تقربه فإنا نخافه عليك، فدنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من البعير، فلما رآه البعير سجد له، ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع يده على رأس البعير فقال: هات الشفار، فجيء بالشفار فوضعه في رأسه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادعوا [إليّ صاحب البعير] [ (2) ] فدعي، فقال له أصحابه: يا رسول اللَّه! بهيمة من البهائم تسجد لتعظيم حقك؟ فنحن أحق أن نسجد لك، قال: لا، لو كنت آمرا أحدا من أمتي أن يسجد بعضهم لبعض، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن [ (3) ] . ومن حديث العرمري وسفيان الثوري- كلاهما عن أبي الزبير عن جابر- قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نسير، إذا أقبل بعير فسجد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم
ذلك جرانه بالأرض وأرخى عينيه وبكى وجرجر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قلنا: اللَّه ورسوله أعلم، قال يزعم أنه كان لبني سلمة بكرا صغيرا يحتطبون عليه وينتضحون عليه، فلما كبرت سنه ورقّ عظمه، أرادوا أن ينحروه على عروس لهم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابغوني بعض بني سلمة، فإذا رجل منهم قد أقبل، فقال: لمن هذا البعير؟ فقال الرجل: لي يا رسول اللَّه، قال: ومتى كان لك؟ قال: كان لي بكرا صغيرا، قال: فما كنت تعمل عليه؟ قال: كنا نحتطب وننتضح عليه، قال: فما أردتم به؟ قال: أردنا أن ننحره على عروس لنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعنيه، فقال: لا، بل هو لك يا رسول اللَّه، فردّد عليه: بعنيه، فقال: هو لك يا رسول اللَّه، قال: فإنّي قد قبلته على أن تعمل عليه ما كنت تعمل عليه أولا فيما خلا، قال: نعم. فأخذ برأسه وولى، فقلنا: يا رسول اللَّه! هذه بهيمة تسجد لك، فنحن أحق بالسجود، فقال: لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، ولو كان ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون اللَّه لسجدت المرأة لزوجها لما له عليها من الفضل [ (1) ] . وخرج البيهقي من حديث عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة قال: سمعت شيخا من قيس يحدث عن أبيه أنه قال: جاءنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعندنا بكرة صعبة لا يقدر عليها، قال: فدنا منها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح ضرعها، فحفل فاحتلب فشرب [ (2) ] . ومن حديث يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي [الزبير] [ (3) ] عن جابر قال: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، وكان رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد، فنزلنا منزلا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر، فقال لي: يا جابر، خذ الإداوة وانطلق بنا، فملأت الإداوة ماء [فانطلقنا] [ (1) ] فمشينا حتى لا نكاد نرى، فإذا شجرتان بينهما أذرع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يا جابر، انطلق فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول اللَّه: ألحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما، [ففعلت فرجعت] [ (1) ] حتى لحقت بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته. ثم رجعنا فركبنا رواحلنا، فسرنا كأنما علينا الطير تظلنا، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، معها صبي تحمله فقالت: يا رسول اللَّه! إنّ ابني هذا يأخذه الشيطان ثلاث مرات كل يوم لا يدعه، فوقف [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرّحل، فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] : اخسأ عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، وأعاد ذلك ثلاث مرات ثم ناولها إياه. فلما رجعنا فكنا بذلك الماء، عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما، والصبي تحمله، فقالت: يا رسول اللَّه! [اقبل من هديتي] [ (1) ] ، فو الّذي بعثك بالحق إن عاد إليه بعد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذوا أحدهما منها وردّوا الآخر. ثم سرنا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، بيننا، فجاء جمل نادّ، فلما كان بين السماطين خرّ ساجدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيها الناس، من صاحب هذا الجمل؟ فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول اللَّه، قال: فما شأنه؟ قالوا: سنونا عليه منذ عشرين سنة، فلما كبرت سنّه وكانت عليه شحيمة [و] [ (2) ] أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تبيعونيه؟ فقالوا: يا رسول اللَّه، هو لك، قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله- قالوا: يا رسول اللَّه: نحن أحق أن نسجد لك من البهائم، فقال: لا ينبغي لأحد [ (3) ] أن يسجد لأحد [ (3) ] ، ولو كان ذلك لكان النساء لأزواجهن [ (4) ] .
وخرج من حديث زمعة بن صالح، عن زياد عن أبي الزبير، أنه سمع يونس ابن خبّاب الكوفي يحدث: أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنه كان في سفر إلى مكة، فذهب إلى الغائط- وكان يبعد حتى لا يراه أحد- قال: فلم يجد شيئا يتوارى به، فبصر بشجرتين ... ، فذكر قصة الشجرتين وقصة الجمل بنحو من حديث جابر. قال البيهقي: وحديث جابر أصحّ، وهذه الرواية ينفرد بها زمعة بن صالح عن زياد، أظنه ابن سعد عن أبي الزبير [ (1) ] .
وخرج من حديث يونس بن بكير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن يعلي بن مرة عن أبيه قال: سافرت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفرا فرأينا منه أشياء عجبا: نزلنا منزلا فقال: انطلق إلى هاتين الأشاءتين فقل: إن رسول اللَّه يقول لكما: أن تجتمعا، فانطلقت فقلت لهما ذلك، فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها، فنزلت كل واحدة إلى صاحبتها فالتفتا جميعا، فقضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاجته من ورائهما ثم قال: انطلق فقل لهما: [فلتعد] كل واحدة إلى مكانها، فأتيتهما فقلت لهما ذلك، فنزلت كل واحدة حتى عادت إلى مكانها. وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين، يأخذه في كل يوم مرتين، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أدنيه، فأدنته منه، فتفل في فيه وقال: أخرج عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، ثم قال لها صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع. فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استقبلته ومعه كبشان وأقط وسمن، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذ هذا الكبش، فأخذ منه ما أراد، فقالت: والّذي أكرمك ما رأيناه به شيئا منذ فارقتنا. ثم أتاه بعير فقام بين يديه فرأى عينيه تدمعان، فبعث إلى أصحابه فقال: ما لبعيركم، هذا يشكوكم؟ فقالوا: كنا نعمل عليه فلما كبر وذهب عمله تواعدنا لننحره غدا، فقال: لا تنحروه واجعلوه في الإبل يكون فيها [ (1) ] . وخرجه من حديث وكيع عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلي بن مرة عن أبيه قال: رأيت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة أشياء ... ، فذكر الحديث،
يعنى رواية يونس، إلا أنه زاد: خذ أحد الكبشين ورد الآخر، وخذ السمن والأقط [ (1) ] . قال البيهقي: مرة أبو يعلى هو مرة بن أبى مرة الثقفي، وقيل فيه عن يعلى نفسه أنه قال: رأيت ... ، فذكر من طريق وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة قال: رأيت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عجبا: خرجت معه في سفر، فنزلنا منزلا فأتته امرأة بصبي لها به لمم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخرج عدوّ اللَّه، أنا رسول اللَّه، قال: فبرأ، فلما رجعنا جاءت أم الغلام بكبشين وشيء من أقط وسمن، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا يعلى، خذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر، وخذ السمن والأقط، قال: ففعلت [ (2) ] . قال البيهقي: هذا الأصح، والأول وهم. قاله البخاري: يعنى روايته عن أبيه وهمّ، إنما هو عن يعلى نفسه، وهم فيه وكيع مرّة، ورواه على الصحة مرّة. قال البيهقي: وقد وافقه فيما زعم البخاري أنه وهم يونس بن بكير، فيحتمل أن يكون الوهم عن الأعمش. واللَّه أعلم [ (2) ] . وذكر البيهقي من طرق ثم قال: ولما روينا من حديث يعلى بن مرة في أمر البعير الّذي شكى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حاله بإسناد صحيح، وكأنه غير البعير الّذي أرادوا نحره، واللَّه أعلم [ (3) ] .
[سابع وسبعون: مخاطبة الناقة له صلى الله عليه وسلم]
[سابع وسبعون: مخاطبة الناقة له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما مخاطبة الناقة له صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج الحاكم من حديث يحى بن عبد اللَّه المصري، حدثنا عبد الرزاق عن معمر [عن] [ (1) ] الزهري، عن سالم عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما، قال: كنا جلوسا حول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ دخل عليه أعرابى جهوريّ [الصوت] [ (2) ] بدويّ يمانيّ على ناقة حمراء، فأناخ بباب المسجد، فدخل فسلّم [على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] ثم قعد ثم قضى نحبه، قالوا: يا رسول اللَّه إن الناقة التي تحت الأعرابي سرقه، قال: أثمّ بيّنة؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه، قال: يا على، خذ حق اللَّه من الأعرابي إن قامت عليه البينة، وإن لم تقم فردّه إليّ. قال فأطرق الأعرابي ساعة، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: قم يا أعرابي لأمر اللَّه وإلا فأدل بحجتك، فقالت الناقة من خلف الباب: والّذي بعثك بالكرامة يا رسول اللَّه! إنّ هذا ما سرقني وما يملكني أحد سواه، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أعرابى! بالذي أنطقها بعذرك ما الّذي قلت؟ قال: قلت: اللَّهمّ إنك لست برب استحدثناك، ولا معك إله أعانك على خلقنا، ولا معك رب فنشكّ في ربوبيتك، أنت ربنا كما تقول، وفوق ما يقول القائلون، أسألك أن تصلى على محمد وأن تريني براءتي [ (3) ] ، فقال له النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم والّذي بعثني بالكرامة يا أعرابى، لقد رأيت الملائكة يبتدرون أفواه الأزقة يكتبون مقالتك، فأكثر الصلاة عليّ [ (4) ] . قال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات، ويحى بين عبد اللَّه المصري هذا، لست أعرفه
أعرفه بعدالة ولا جرح.
[ثامن وسبعون: ازدلاف البدن إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ليبدأ بنحرهن]
[ثامن وسبعون: ازدلاف البدن إلى المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم ليبدأ بنحرهنّ] وأما ازدلاف البدن إلى المصطفى ليبدأ بنحرهن، فخرج أبو نعيم من حديث أبي عاصم النبيل، ويحى بن سعيد القطان، عن نور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن عبد اللَّه بن يحى، عن عبد اللَّه بن قرط قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أفضل الأيام عند اللَّه يوم النحر، ثم يوم القر [يستقر فيه الناس- وهو الّذي يلي يوم النحر] وقدم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه بدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ بها فلما وجبت جنوبها قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمة خفيفة لم أفهمها، فقلت للذي إلى جنبي، ما قال؟ قال: من شاء اقتطع [ (1) ] . وخرجه الحاكم من حديث مسدد، حدثنا يحى عن ثور به نحوه، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . قال أبو نعيم: فما تضمنت هذه الأخبار من الآيات والدلائل الواضحة من سجود الإبل وشكايتهن وازدلافهن وما في معناه، لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أعطى علما [بمنطق] هذه البهائم وشكايتهن كما أعطى سليمان عليه السلام علما بمنطق الطير، فذلك له آية كما كان يظهرها لسليمان آية، أو علم ذلك بالوحي، وأي ذلك كان، ففيه أعجوبة [وآية] ومعجزة. فإن اعترض بعض الطاعنين فزعم أن فيه قسما ثالثا وهو أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم استدل بالحال على سوء إمساكهم، قيل: هذا يحتمل، ولكن الاستدلال لا يعلم به أن صاحب البهيمة رجل من بنى فلان، وأنه استعملها [كذا] سنة، وأنه مريد لنحرها، فإن ذلك لا يتوصل إليه بالاستدلال، فهذا القسم باطل، وأحد الأولين ثابت صحيح، واللَّه أعلم، حسبنا اللَّه تعالى ونعم الوكيل، والحمد للَّه [ (3) ] .
[تاسع وسبعون: مخاطبة الحمار له صلى الله عليه وسلم]
[تاسع وسبعون: مخاطبة الحمار له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما مخاطبة الحمار له، فخرج أبو نعيم من حديث إبراهيم بن سويد الجدوعى قال: حدثني عبد اللَّه بن أذينة الطائي، عن تور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل رضي اللَّه عنه قال: أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه فقال: من أنت؟ قال: أنا عمرو بن فلان، كنا سبعة إخوة. كلّنا ركبنا الأنبياء عليهم السلام، وأنا أصغرهم وكنت لك، فملكنى رجل من اليهود، فكنت إذا ذكرتك كبوت به فيوجعنى ضربا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأنت يعفور [ (1) ] .
[ثمانون: نسج العنكبوت على الغار]
[ثمانون: نسج العنكبوت على الغار] وأما نسج العنكبوت على الغار، فخرج أبو نعيم من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: أخبرنى عثمان الجزرىّ، أن مقسما مولى ابن الحارث [ (1) ] أخبره عن ابن عباس رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ... [ (2) ] الآية. قال: فتشاورت قريش بمكة فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق- يريدون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع اللَّه نبيه على ذلك، فبات عليّ رضي اللَّه عنه على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك الليلة، وخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا- يحسبون أنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوه عليا ردّ اللَّه مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدرى، فاقتفوا [ (1) ] أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم الأمر، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه [ (1) ] ثلاثا [ (2) ] . وخرج من طريق الواقدي قال: فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: لما فقدت قريش النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، طلبوه بمكة في أعلاها وأسفلها، وبعثوا إلى قائفين [ (3) ] يتبعان أثره: أحدهما كرز بن علقمة، والآخر رجل من خزاعة، فذهب الخزاعي قبل حراء أو ثور.، وذهب كرز بن علقمة فأصاب أثره قبل ثور، فلم يزل عليه يتبعه، فلما انتهوا إلى ثور انقطع أثره ومعه جماعة. قال: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين دخل الغار، ضرب العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض، فلما انتهوا إلى الغار قال قائل منهم: أدخل الغار، فقال أمية بن خلف: وما أربكم إلى الغار؟ إن عليه لعنكبوت كان قبل ميلاد [محمد] ، ثم قام فبال في صدع الغار حتى سال بوله بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر رضي اللَّه عنه، فنهى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قتل العنكبوت وقال: إنها جند من جنود اللَّه. وقال أبو جهل: أما واللَّه إني لأحسبه قريبا يرانا، ولكن بعض سحره قد أخذ على أبصارنا، فانصرفوا، ورجع اليهم الخزاعي بين ثور وحراء [ (4) ] .
[حادي وثمانون: وقوف الحمام بفم الغار، وقيام شجرة على باب الغار]
[حادي وثمانون: وقوف الحمام بفم الغار، وقيام شجرة على باب الغار] وأما وقوف الحمام بفم الغار، وقيام شجرة على باب الغار، فخرج الأئمة: أبو نعيم والبيهقي وغيرهما من حديث مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا عون بن عمر القيسي قال: سمعت أبا مصعب المكيّ يقول: أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة رضي اللَّه عنهم، فسمعتهم يحدثون أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الغار، أمر اللَّه سبحانه وتعالى شجرة فنبتت في وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسترته، وأمر اللَّه سبحانه العنكبوت فنسجت في وجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسترته، وأمر اللَّه حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار. وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل، بعصيّهم وهراواتهم وسيوفهم، حتى إذا كانوا من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قدر أربعين ذراعا، فعجل بعضهم لينظر في الغار، فرأى حمامتين بفم الغار، فعرفت أنه ليس فيه أحد، فسمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قال، فعلم أن اللَّه عزّ وجلّ درأهم عنه بهما، فدعا لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وسمّت عليهنّ وفرض جزاءهن، وانحدرن إلى الحرم، وأفرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم [ (1) ] . يشعر قوله: وأفرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم، أن حمام الحرم كله من هذا الزوج، وفيه نظر، فإنه روى في قصة نوح عليه السلام: أنه بعث الحمامة من السفينة لتأتيه بخبر الأرض، فوقعت بوادي الحرة، فإذا الماء قد نضب من موضع الكعبة، وكانت طينتها حمراء فأخضبت رجليها ثم جاءته، فمسح عنقها [وطوقها]
ووهب لها الحمرة في رجليها وأسكنها الحرم، ودعا لها بالبركة. وفي شعر الحارث ابن فنحاص الّذي أوله: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر ويبكى لبيت ليس يؤذى حمامه ... تظل به أمنا وفيه العصافر ففي هذا أن الحمام كانت في الحرم من عهد جرهم. وقال ابن عائذ: أخبرنى الوليد قال: أخبرنى طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبى رباح قال: خرجت عليهم من البحر فوجا فوجا، قال: فسألت طلحة: أي طير هو؟ قال: سمعت أشياخنا يقولون: حمام الحرم بقية منه، يعنى بقية من الطير الأبابيل التي أرسلها اللَّه على أصحاب الفيل. وخرج أبو نعيم من حديث الحكم بن عيينة، عن مقسم عن [ابن عباس] رضي اللَّه عنه قال: لما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليل فلحق بغار ثور، قال: وتبعه أبو بكر رضي اللَّه عنه، فلما سمع رسول اللَّه حسّه خلفه، خاف أن يكون الطلب، فلما رأى أبو بكر رضي اللَّه عنه تنحنح، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عرفه، فقام له حتى تبعه، فأتيا الغار فأصبحت قريش في طلبه، فبعثوا إلى رجل قافة من بني مدلج فتبع الأثر حتى انتهى إلى الغار وعلى بابه شجرة، فبال في أصلها القائف ثم قال: ما جاز صاحبكم الّذي تطلبون هذا المكان. قال: فعند ذلك حزن أبو بكر رضي اللَّه عنه، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا، قال: فمكث هو وأبو بكر في الغار يختلف إليهما بالطعام عامر بن فهيرة، وعليّ رضي اللَّه عنه يجهزهم [ (1) ] . ومن طريق الواقدي قال: فحدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: لما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغار، دعا شجرة كانت أمام الغار، فقال: ائتيني، فأقبلت حتى وقفت على باب الغار، فقامت على باب الغار وهم يطوفون بالجبل، فأقبل بعضهم فبال [مستقبل باب] الغار، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: ما نراه يرانا، فقال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو رآنا ما استقبلنا بفرجه [ (1) ] ، [سيعيننا اللَّه عليهم] . قال: فكان الّذي بال عقبة بن أبى معيط، قال: فلم يلق أحد من الجزع بخروج رسول اللَّه ما لقي الخبيث أبو جهل، وبعث مناديا ينادى أسفل مكة وأعلاها: من جاء بمحمد فله مائة بعير أو دل عليه، أو جاء بابن أبى قحافة أو دلّ عليه فله مائة بعير.
[ثانى وثمانون: وقوف الحية له وسلامها عليه صلى الله عليه وسلم]
[ثانى وثمانون: وقوف الحية له وسلامها عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما وقوف الحية له وسلامها عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال الواقدي في كتاب المغازي- وقد ذكر غزوة تبوك-: قالوا: وعارض الناس في مسيرهم حية ذكر من عظمها وخلقها وانصاع الناس عنها، فأقبلت حتى واقفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون إليها، ثم التوت حتى اعتزلت الطريق، فقامت قائمة. فأقبل الناس حتى لحقوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال لهم: هل تدرون من هذا؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم! قال: فإن هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا يستمعون القرآن [ (1) ] ، فرأى عليه من الحق حين ألمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببلده أن يسلم عليه، وها هو [ذا] [ (2) ] يقرئكم السلام فسلّموا عليه، فقال الناس جميعا. وعليه السلام ورحمة اللَّه، يقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجيبوا [ (3) ] عباد اللَّه من كانوا [ (4) ] .
[ثالث وثمانون: شكوى الحمرة حالها للمصطفى صلى الله عليه وسلم لما فجعت بفرخيها]
[ثالث وثمانون: شكوى الحمّرة حالها للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم لما فجعت بفرخيها] وأما شكوى الحمرة [ (1) ] حالها للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم لما فجعت بفرخيها، فخرج أبو داود من حديث الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن عبد اللَّه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فدخل رجل غيضه [ (2) ] فأخرج بيضة حمرة، فجاءت الحمرة ترفرف على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فقال: أيكم فجع هذه؟ فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضتها، فقال: [ردّه رحمة] [ (3) ] لها [ (4) ] . وخرجه البخاري في الأدب المفرد ولفظه: عن عبد اللَّه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل منزلا، فأخذ رجل بيض حمرة فجاءت ترفرف على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أيكم فجع هذه ببيضتها؟ فقال رجل: أنا يا رسول اللَّه أخذت بيضتها، فقال النبي: اردده رحمة لها [ (4) ] . وخرجه البيهقي من حديث أبى معاوية، عن أبى إسحاق الشيباني، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فمررنا بشجرة فيها فرخا حمرة، فأخذناهما، فجاءت الحمرة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي تعرض، فقال: من فجع هذه بفرخيها؟ قال: فقلنا: نحن، قال ردوهما، قال: فرددناهما
إلى مواضعهما. قال البيهقي: كذا في كتابي: تعرض، وقال غيره: تفرش، يعنى تقرب إلى الأرض وترفرف بجناحيها [ (1) ] . وخرجه الحاكم من حديث عثمان بن أبى شيبة، حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو إسحاق الشيباني، حدثنا الحسين بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن أبيه فذكره قريبا منه ثم قال: حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وقال الواقدي- وقد ذكر غزوة ذات الرقاع-: فكان جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه يقول: إنا لمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر إليه، فأقبل أبواه أو أحدهما حتى طرح نفسه بين يدي الّذي أخذ فرخه، فرأيت الناس عجبوا من ذلك! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه، واللَّه لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه [ (3) ] .
[رابع وثمانون: تسخير الأسد لسفينة (أحد الموالي) كرامة للمصطفى صلى الله عليه وسلم]
[رابع وثمانون: تسخير الأسد لسفينة (أحد الموالي) كرامة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما تسخير الأسد لسفينة [ (1) ]- أحد الموالي- كرامة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البيهقي وغيره من حديث أسامة بن زيد، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن المنكدر، عن سفينة- مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- قال: ركبت سفينة في البحر فانكسرت، فركبت لوحا منها فأخرجنى إلى أجمة [ (2) ] فيها أسد، إذ أقبل الأسد فلما رأيته قلت: يا أبا الحارث [ (3) ] ! أنا سفينة مولى رسول اللَّه، فأقبل نحوي حتى ضربني بمنكبه، ثم مشى معى حتى أقامنى على الطريق، ثم همهم [ (4) ] ساعة وضربني بذنبه، فرأيت أنه يودعنى [ (5) ] .
ومن طريق عبد اللَّه بن وهب، عن أسامة بن زيد أن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو ابن عثمان حدثه عن محمد بن المنكدر، أن سفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ركبت البحر فانكسرت بى سفينتي التي كنت فيها، فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح إلى أجمة فيها الأسد، فدخلت فخرج إليّ الأسد فأقبل إليّ، فقلت: يا أبا الحارث: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فطأطأ رأسه وأقبل إليّ يدفعني بمنكبيه، فأخرجنى من الأجمة، ووقفني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودعنى، فكان هذا آخر عهدي به [ (1) ] . وخرجه الحاكم به نحوه وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (2) ] . ومن طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الحجبي، عن ابن المنكدر، أن سفينة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر بأرض الروم، فانطلق هاربا يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد! قال له: يا أبا الحارث، إني مولى رسول اللَّه، كان من أمرى كيت وكيت، فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتا أهوى إليه ثم أقبل يمشى إلى جنبه، فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع الأسد [ (3) ] .
[خامس وثمانون: احتمال سفينة ما ثقل من متاع القوم ببركته صلى الله عليه وسلم]
[خامس وثمانون: احتمال سفينة ما ثقل من متاع القوم ببركته صلّى اللَّه عليه وسلّم] وظهرت في سفينة معجزة أخرى خرجها النسائي والحاكم [وصحح روايتها] من حديث سعيد بن [جمهان قال] : قلت لسفينة: ما اسمك؟ قال: ما أنا بمخبركم، ثم قال: سماني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سفينة، قلت: ولم سمّاك سفينة؟ قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ابسط كساءك، فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم فحملوه عليّ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم احمل فإنما أنت سفينة، فلو حملت من يومئذ. وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة، أو ستة، أو سبعة، ما ثقل عليّ [ (1) ] . [إلا أن يخفوا] [ (2) ] .
[سادس وثمانون: إحياء شاة جابر بعد ما طبخت وأكلت]
[سادس وثمانون: إحياء شاة جابر بعد ما طبخت وأكلت] وأما إحياء شاة جابر بعد ما طبخت وأكلت، فقال الحافظ أبو نعيم: فان قلت إن عيسى عليه السلام كان يحى [الموتى بإذن] [ (1) ] اللَّه، فأعجب منه ما رفع اللَّه تعالى به شأن محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وجعله [ (2) ] آية بينة شهدها الجماعة الكثيرة على [ (3) ] إحياء شاة جابر بن عبد اللَّه، وما أحيا اللَّه لامرأة من الأنصار ابنها على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم آية عجيبة لنبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] . ثم ذكر من حديث أبى برّة [ (5) ] محمد بن أبى هاشم مولى بنى هاشم [بمكة] [ (1) ] قال: حدثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصاري، عن أبيه سهل بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك قال: أتى جابر بن عبد اللَّه النّبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم عليه فرد عليه السلام، قال: جابر فرأيت وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متغيرا، وما أحسب وجه رسول اللَّه تغير إلا من الجوع [ (6) ] ، فأتيت منزلي فقلت للمرأة: ويحك! لقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلمت عليه فردّ عليّ السلام، فرأيت [ (7) ] وجهه متغيرا، وما أحسب وجه رسول اللَّه متغيرا إلا من الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: واللَّه ما لنا إلا هذا الداجن وفضلة من زاد نعلّل بها الصبيان. قال: فقلت لها هل لك أن نذبح هذا الداجن وتصنعين ما كان عندك ثم نحمله إلى رسول اللَّه؟ قالت: أفعل من ذلك ما أحببت، فذبحت الداجن وصنعت ما
كان عندها، وطحنت وخبزت، ثم ردنا في جفنة لنا، فوضعت الداجن ثم حملتها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوضعناها بين يديه، فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: يا رسول اللَّه! أتيتك فسلمت عليك فرأيت وجهك متغيرا، فظننت أن وجهك لم يتغير إلا من الجوع، فذبحت داجنا كانت لنا، ثم حملتها إليك. قال: يا جابر، اذهب فاجمع لي قومك، قال: فأتيت أحياء العرب فلم أزل أجمعهم فأتيته بهم، ثم دخلت إليه فقلت: يا رسول اللَّه، هذه الأنصار قد اجتمعت، فقال: أدخلهم عليّ أرسالا، فأدخلتهم عليه أرسالا فكانوا يأكلون منها، فإذا شبع قوم خرجوا ودخل آخرون، حتى أكلوا جميعا، وفضل في الجفنة شبيه ما كان فيها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لهم: كلوا ولا تكسروا عظما. ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جمع العظام في وسط الجفنة، ووضع يده عليها، ثم تكلم بكلام لم أسمعه إلا أنى أرى شفتيه تتحركان، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها، فقال لي: خذ شاتك يا جابر، بارك اللَّه لك فيها. فأخذتها ومضيت، وإنها لتنازعنى أذنها حتى أتيت بها البيت، فقالت لي المرآة: ما هذا يا جابر؟ قلت: واللَّه هذه شاتنا التي ذبحناها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، دعا اللَّه فأحياها لنا، قالت: أنا أشهد أنه رسول اللَّه، أنا أشهد أنه رسول اللَّه، أنا أشهد أنه رسول اللَّه، صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
[سابع وثمانون: تسخير الطائر له صلى الله عليه وسلم]
[سابع وثمانون: تسخير الطائر له صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما تسخير الطائر له، فخرج البيهقي من حديث حبان قال: حدثنا أبو سعيد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد الحاجة أبعد، قال: فذهب يوما فبعد تحت سمرة فنزع خفيه ولبس أحدهما، فجاء طائر فأخذ الخف الآخر فحلّق به في السماء، فانسلت منه أسود سالخ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه كرامة أكرمنى اللَّه بها، اللَّهمّ إني أعوذ بك من شر ما يمشى على رجلين، ومن شر ما يمشى على أربع، ومن شر ما يمشى على بطنه [ (1) ] .
[ثامن وثمانون: كثرة غنم هند [بنت عتبة] [1] بدعائه صلى الله عليه وسلم]
[ثامن وثمانون: كثرة غنم هند [بنت عتبة] [ (1) ] بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما كثرة غنم هند بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال أبو الوليد الواقدي: حدثني عبد اللَّه ابن يزيد عن أبى حصين الهذليّ قال: لما أسلمت هند بنت عتبة، أرسلت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهدية وهو بالأبطح مع مولاة [ (2) ] لها، بجديين مرضوفين [ (3) ] وقد [ (4) ] ، فانتهت الجارية إلى خيمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فسلّمت واستأذنت فأذن لها، فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بين نسائه: أم سلمة [زوجته] [ (5) ] وميمونة، ونساء من نساء بنى عبد المطلب، فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك بهذه الهدية، وهي معتذرة إليك وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بارك اللَّه لكم في غنمكم، وأكثر والدتها. فرجعت المولاة إلى هند فأخبرتها بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسرت بذلك، فكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتنا ما لم نكن نرى قبل ولا
قريبا، فتقول هند: هذا دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبركته، فالحمد للَّه الّذي هدانا للإسلام، ثم تقول: لقد كنت أرى في النوم أنى في الشمس أبدا قائمة والظلّ منىّ قريب لا أقدر عليه، فلما دنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منا رأيت كأنى دخلت الظل [ (1) ] .
[تاسع وثمانون: إحياء الحمار الذي نفق]
[تاسع وثمانون: إحياء الحمار الّذي نفق] وأما الّذي أحيا اللَّه تعالى له حماره، فخرج البيهقي من حديث الحسن بن عرفة، حدثنا عبد اللَّه بن إدريس، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن أبى سبرة النخعي قال: أقبل رجل من أهل اليمن، فلما كان في بعض الطريق نفق حماره فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال: اللَّهمّ إني خرجت من الدثينة [ (1) ] مجاهدا في سبيلك [و] ابتغاء مرضاتك، وأشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد عليّ اليوم منّة، أطلب إليك أن تبعث لي حماري، فقام الحمار ينفض أذنيه [ (2) ] . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة، حيث يكون في أمته مثل هذا. وقد رواه محمد بن يحى الذهلي، وغيره، عن محمد ابن عبيد عن إسماعيل، عن الشعبي [ (2) ] . [وكأنه سمعه منهما] [ (3) ] . وخرجه من طريق أبى بكر بن أبى الدنيا قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل، وأحمد بن بجير وغيرهما، قالوا: حدثنا [ (4) ] محمد بن عبيد عن إسماعيل بن أبى خالد، عن الشعبي، أن قوما أقبلوا من اليمن متطوعين في سبيل اللَّه، فنفق حمار رجل منهم، فأرادوه أن ينطلق معهم [فأبى] [ (3) ] ، قال: فقام فتوضأ وصلى وقال: اللَّهمّ إني جئت من الدثينة- أو قال- الدفينة- مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك، وإني أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد عليّ منّة، وإني أطلب إليك أن تبعث لي حماري، ثم قام إلى الحمار فضربه، فقام الحمار ينفض أذنيه، فأسرجه ثم ألجمه ثم ركبه، [فأجراه فلحق] [ (5) ] بأصحابه، فقالوا: ما شأنك؟
قال: شأنى [ (1) ] أن اللَّه بعث لي حماري [ (2) ] . قال الشعبي: فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع بالكناسة [ (3) ] ، قال ابن أبى الدنيا: أخبرنى العباس بن هشام عن أبيه عن جده، عن مسلم [ (4) ] بن عبد اللَّه بن شريك النخعي، أن صاحب الحمار رجل من النخع يقال له: نباته بن يزيد، خرج في زمن عمر رضي اللَّه عنه غازيا، حتى إذا كان بسرّ [ (5) ] عميرة نفق حماره، فذكر القصة غير أنه قال: فباعه [بعد] [ (6) ] بالكناسة، فقيل له: تبيع حمارا أحياه اللَّه لك؟ قال: فكيف أصنع؟ فقال رجل من رهطه ثلاثة أبيات فحفظت هذا البيت: ومنّا الّذي أحيا الإله حماره ... وقد مات منه كل عضو ومفصل [ (7) ] وفي كتاب (الجمهرة لابن الكلبي) : وولد عامر بن سعد بن مالك بن النخع عوفا ومالكا والحارث وحزنا، منهم نباته بن يزيد الّذي أحيا اللَّه حماره في زمن عمر بن الخطاب وقد نفق بسنّ سميرة فأحياه اللَّه حتى غزا قزوين ثم رجع فباعه بعد بالكوفة [ (8) ] وذكر البكري أن سنّ سميرة بالقرب من عانات [ (9) ] .
[تسعون: إحياء الله ولد المهاجرة بعد موته، وإجابة دعاء العلاء بن الحضرمي [1]]
[تسعون: إحياء اللَّه ولد المهاجرة بعد موته، وإجابة دعاء العلاء بن الحضرميّ [ (1) ]] وأما إحياء اللَّه ولد المهاجرة بعد موته، وإجابة دعاء العلاء بن الحضرميّ حتى سقى اللَّه المسلمين وقد عطشوا، وحتى جاز بهم البحر للقاء عدوهم، ومشي مسلم الخولانيّ على الماء تكرمة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البيهقي من طريق أبى أحمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا محمد بن طاهر بن أبى الدميك، حدثنا عبيد اللَّه بن عائشة، حدثنا صالح المري، حدثنا ثابت عن أنس قال: عدنا شابا من الأنصار وعنده أم له عجوز عمياء، قال فما برحنا أن فاض- يعنى مات- ومددنا على وجهه الثوب وقلنا لأمه: يا هذه، احتسبي مصابك عند اللَّه، قالت: أمات ابني؟ قلنا نعم. قالت: اللَّهمّ إن كنت تعلم أنى هاجرت إليك وإلى نبيك رجاء أن تعينني عند كل شديدة، فلا تحمل على هذه المصيبة اليوم. قال أنس، فو اللَّه ما برحت حتى
كشف الثوب عن وجهه وطعم وطعمنا معه [ (1) ] . ومن طريق ابن أبى الدنيا قال: حدثنا خالد بن خداش بن عجلان المهلبي، وإسماعيل بن إبراهيم بن بسام قالا: حدثنا صالح المري عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك قال: عدت شابا من الأنصار فما كان أسرع من أن مات فأغمضناه ومددنا عليه الثوب فقال بعضنا لأمه: احتسبيه، قالت: وقد مات؟ قلنا: نعم، قالت: أحق ما تقولون؟ قلنا نعم. فمدت يدها إلى السماء وقالت: اللَّهمّ إني آمنت بك وهاجرت إلى رسولك، فإذا نزلت بى شديدة دعوتك ففرجتها، فأسألك اللَّهمّ لا تحمل عليّ هذه المصيبة اليوم، قال: فكشف الثوب عن وجهه، فما برحنا حتى أكلنا، وأكل معنا [ (2) ] . قال البيهقي: صالح بن بشير المري من صالحي أهل البصرة وقصاصهم، تفرد بأحاديث مناكير عن ثابت وغيره [ (3) ] ، وقد روى هذا من وجه آخر مرسلا بين ابن عون وأنس بن مالك، فذكر حديث أبى حمزة إدريس بن يونس قال: حدثنا محمد ابن يزيد بن مسلمة، حدثنا عيس بن يونس، عن عبد اللَّه بن عون عن أنس قال: أدركت في هذه الأمة ثلاثا لو كان [ (4) ] مثلها في بنى إسرائيل [لما تقاسمتها الأمم] [ (4) ] ولكان عجبا، قلنا [ (5) ] ما هن يا أبا حمزة؟
قال: كنا في الصفة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلى النساء وأضاف ابنها إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة، فمرض أياما ثم قبض، فغمّضه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسّله قال: يا أنس، ائت أمّه فأعلمها، قال: فأعلمتها، فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم قالت اللَّهمّ إني أسلمت لك طوعا، وخلعت الأوثان زهدا، وهاجرت إليك رغبة، اللَّهمّ لا تشمت بى عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها. قال: فو اللَّه [ما انقضى] [ (1) ] كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه، وعاش حتى قبض اللَّه رسوله وحتى هلكت أمه، ثم [قال:] [ (2) ] جهز عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يعنى جيشا- واستعمل عليه العلاء بن الحضرميّ. قال: وكنت في غزاته فأتينا مفازة [ (3) ] فوجدنا القوم قد نذروا بنا فعفوا آثار الماء، قال: والحرّ شديد فجهدنا [العطش] [ (2) ] ودوابّنا، وذلك يوم الجمعة [قال:] [ (2) ] [فلما مالت] [ (2) ] الشمس لقرنها [ (4) ] صلى بنا ركعتين ثم مد يده وما نرى في السماء شيئا، قال: فو اللَّه ما حط يده حتى بعث اللَّه ريحا وأنشأ سحابا. فأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا، وسقينا واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا عليّ يا عظيم [يا حليم] [ (2) ] يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم اللَّه. قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فأصبنا العدوّ غيلة، فقتلنا، وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا. فلم يلبث إلا يسيرا حتى رئي في دفنه، فحفرنا له وغسّلناه ودفنّاه. فجاء رجل يعدو [بعد] فراغنا من دفنه فقال: من هذا؟ فقلنا: هذا خير البشر.
هذا ابن الحضرميّ، فقال: إن هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى، فقلنا: ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله؟ قال: فاجتمعنا على نبشه، فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه. وإذا اللحد مدّ البصر نورا [ (1) ] يتلألأ، فأعدنا التراب إلى القبر ثم ارتحلنا. قال البيهقي: وقد روى عن أبى هريرة في قصة العلاء بن الحضرميّ واستسقائه ومشيهم على الماء، دون قصة الموت بنحو من هذا، وقال في الدعاء: يا عليم يا حليم يا عظيم يا على، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، فاسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ، وإذا تركناه فلا تجعل لأحد فيه نصيبا غيرنا. وقال في البحر: فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك. وقال في الموت: أخف جثتي ولا تطلع على عورتي أحد فلم يقدر عليه [ (2) ] . وخرج أيضا من حديث ابن نمير عن الأعمش، عن بعض أصحابه قال: انتهينا إلى دجلة، وهي مادّة والأعاجم خلفها، فقال رجل من المسلمين: بسم اللَّه، ثم اقتحم فرسه فاندفع على الماء، فقال الناس: بسم اللَّه، ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء، فلما ظهر إليهم الأعاجم قالوا: ديوان ديوان، ثم ذهبوا على وجوههم، فما فقدوا إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج، فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها، فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء بيضاء؟ [ (3) ] .
وقال سيف بن عمر عن الصعب بن عطية بن بلال، عن سهم بن منجاب، عن منجاب بن راشد، قال: بعث أبو بكر رضي اللَّه عنه العلاء بن الحضرميّ على قتال أهل الردة بالبحرين، فذكره إلى أن قال: وخرج مع العلاء سعد والرباب مثل عسكره، وسلك بنا الدّهناء حتى إذا كنا في بحبوحتها [والحنّانات والعزافات] [ (1) ] ، أرادا اللَّه عزّ وجل أن يرينا آية [ (2) ] ، نزل وأمر الناس بالنزول فنفرت الإبل في جوف الليل، فما بقي عندنا بعير ولا ناد ولا مزاد، ولا بناء إلا ذهب عليها في عرض الرمل، وذلك حين نزول الناس وقبل أن يحطوا، فما علمت جمعا هجم عليهم من الهم والغم ما هجم علينا، وأوصى بعضنا إلى بعض، ونادى منادى العلاء: اجتمعوا، فاجتمعنا إليه فقال: ما هذا الّذي قد ظهر فيكم وغلب عليكم؟ فقال الناس [وكيف] [ (1) ] نلام ونحن غدا لم تحم شمسه [ (3) ] حتى نصير حديثا؟ فقال: أيها الناس! لا تراعوا، ألستم [ (4) ] مسلمين؟ ألستم في سبيل اللَّه؟ ألستم أنصار اللَّه قالوا: [بلى] ، قال: فأبشروا، فو اللَّه لا يخذل اللَّه من كان [في] [ (1) ]
مثل حالكم ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلع الفجر، [فصلى] [ (1) ] بنا- ومنا المتيممون [ (2) ] ومنا من لم يزل على طهوره- فلما قضى صلاته جثا لركبتيه وجثا الناس، فنصب في الدعاء [ (3) ] ، ونصبوا معه، فلمع [لهم] [ (1) ] سراب [مع] [ (4) ] الشمس، فالتفت إلى الصف فقال: رائد ينظر ما هذا؟ ففعل ثم رجع [فقال سراب] [ (5) ] ، فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر فكذلك، ثم لمع لهم آخر، فقال: ماء، فقام وقام الناس، فمشينا إليه حتى نزلنا عليه، فشربنا واغتسلنا، فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تكرد [ (6) ] من كل وجه، فأناخت إلينا، فقام رجل إلى ظهره [فأخذه] [ (7) ] ، فما فقدنا سلكا [ (8) ] فأرويناها وأسقيناها العلل بعد النّهل، وتروينا ثم تروحنا. وكان أبو هريرة رضي اللَّه عنه رفيقي، فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا من أهدى العرب بهذه البلاد، قال: فكرّ معى حتى يقيمنى عليه، قال فكررت به، فأتيت [به] [ (7) ] على ذلك المكان [بعينه، فإذا هو لا غدير به، ولا أثر للماء، فقلت له] [ (9) ] : واللَّه لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان، وما رأيت بهذا المكان ماء ناقعا قبل اليوم، وإذا إداوة مملوءة، فقال: يا أبا سهم! هذا واللَّه [ذلك] [ (10) ] المكان، ولهذا رجعت ورجعت بك، ملأت إداوتي ثم وضعتها على شفيره، فقلت: إن كان منا من المنّ وكانت آية عرفتها، وإن كان غياثا عرفته، فإذا من من المنّ فحمد اللَّه ثم سرنا حتى ننزل هجر، فذكر سيف الخبر إلى أن قال: وندب الناس إلى
دارين. ثم جمعهم فخطبهم وقال: إن اللَّه عزّ وجلّ قد جمع لكم أحزاب الشياطين وشرّد الحرب في هذا البحر، وقد أراكم من آياته في البر لتعتبروا بها في البحر، فانهضوا إلى عدوكم، ثم استعرضوا البحر اليهم، فإن اللَّه عز وجلّ قد جمعهم فقالوا: نفعل ولا نهاب واللَّه بعد الدّهناء هؤلاء ما بقينا، فارتحل وارتحلوا حتى إذا أتى ساحل البحر اقتحموه على الصاهل [ (1) ] والجامل [ (2) ] ، والشاحج [ (3) ] والناهق، والراكب والراجل، ودعا ودعوا، وكان دعاؤه ودعاؤهم: يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم، يا أحد يا [صمد] [ (4) ] يا حىّ يا محيي الموتى، يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت يا ربّنا، [فأجازوا ذلك] [ (4) ] الخليج بإذن اللَّه جميعا، يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء [يغمر] [ (4) ] أخفاف الإبل، وإنما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن [ (5) ] البحر في بعض الحالات، فالتقوا بها فاقتتلوا [قتالا شديدا] [ (4) ] فما تركوا بها مخبرا [ (6) ] وسبوا الذراري واستاقوا الأموال، فبلغ نفل الفارس ستة آلاف، والراجل، ألفين قطعوا ليلهم [ (7) ] ، وساروا يومهم، فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم حتى عبروا، وقال في ذلك [ (8) ] عفيف بن المنذر: ألم تر أن اللَّه ذلّل بحرة ... وأنزل بالكفّار إحدى الجلائل دعونا الّذي شقّ البحار فجاءنا ... بأعجب من فلق البحار الأوائل قال: وكان مع المسلمين راهب في هجر فأسلّم يومئذ [ (9) ] ، فقيل [له] [ (10) ] :
ما دعاك إلى الإسلام؟ قال: ثلاثة أشياء، خشيت أن يمسخنى اللَّه بعدها إن أنا لم أفعل: فيض في الرمال، وتمهيد أثياج البحار، ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السّحر، قالوا وما هو؟ قال: اللَّهمّ أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، والحىّ الّذي لا يموت، خالق ما يرى وما لا يرى، وكل يوم أنت في شأن، وعلمت اللَّهمّ كلّ شيء بغير تعليم، فعلمت أن القوم لم يغاثوا [ (1) ] بالملائكة إلا وهم على أمر اللَّه، فلقد كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمعون من ذلك الهجريّ بعد. وكتب العلاء إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه: أما بعد، فإن اللَّه عز وجل فجّر لنا الدّهناء فيضا لا ترى غواربه، وأرانا آية وعبرة بعد غمّ وكرب، لنحمد اللَّه ونحمده، فادع اللَّه واستنصره لجنوده وأعوان دينه، فحمد [أبو بكر] [ (2) ] اللَّه ودعاه وقال: ما زالت العرب [فيما] [ (2) ] تحدث عن بلدانها، يقولون: إن لقمان حين سئل عن الدّهناء: أيحتفرونها أو يدعونها؟ نهاهم وقال: لا تبلغها الأرشية، ولم تقر العيون، وقال: إن شأن هذا الفيض من عظيم الآيات، وما سمعنا به في أمة قبلنا، اللَّهمّ اخلف محمدا فينا [ (3) ] ، فلما عبر العلاء البحر إلى دارين [ (4) ] كتب إليه:
أما بعد، فإن اللَّه عزّ وجلّ حفظ محمدا فيمن لزم عهده، وقام على أمره، وكفاهم فقده، وأحسن عليهم الخلافة من بعده، فكنا فيمن حفظ منه، ومنا كمن كان معه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيمن قبلنا، وانتهينا إلى البحر فتوكلنا على اللَّه فركبناه، فمهّد لنا أثباجه، وأرانا آياته، فعبرنا إلى عدونا بدارين، فلم ندع مقاتلا إلا قتلناه، وسبينا الذراري والنساء، وقسمنا ذلك على المسلمين، فبلغ سهم الفارس ستة آلاف والراجل ألفين، سوى ما نفلت من الأخماس أهل البلاد، وبعث إليه بالخمس. قال كاتبه: تأمل كتاب العلاء بن الحضرميّ إلى أبى بكر رضي اللَّه عنهما تجده قد عدّ عبورهم إلى البحر معجزة، وعلما من أعلام نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتصديقه ما وعده من إظهاره وإظهار شريعيه [ (1) ] . وخرج من حديث أبى العباس السراج، حدثنا الفضل بن سهل وهارون بن عبد اللَّه قالا: حدثنا أبو النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة أن أبا مسلم الخولانيّ رحمه اللَّه، جاء إلى الدجلة وهي ترمى الخشب من مدها، فمش على الماء والتفت إلى أصحابه وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعوا اللَّه؟ قال البيهقي: هذا إسناد صحيح [ (1) ] .
[حادي وتسعون: شهادة الميت للمصطفى صلى الله عليه وسلم بالرسالة]
[حادي وتسعون: شهادة الميّت للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة] وأما شهادة الميت للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة، فخرج البيهقيّ وغيره من حديث القعنبيّ، قال: حدثنا سليمان بن بلال عن يحى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن خارجة الأنصاري، من بنى الحارث بن الخزرج، توفى زمن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه فسجى في ثوبه [ (1) ] ، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوى في أمر اللَّه في الكتاب الأول، صدق صدق عمر بن الخطاب القول الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم، مضت أربع وبقيت اثنتان، أتت الفتن، وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة وسيأتيكم من جيشكم خبر بئر أريس [ (2) ] ، وما بئر أريس [ (3) ] .
قال يحى: قال سعيد: ثم هلك رجل من بنى خطمة فسجّى بثوبه، فسمع جلجله في صدره ثم تكلم فقال: إن أخا بنى الحارث بن الخزرج صدق صدق [ (1) ] . قال البيهقي: وهذا صحيح وله شواهد، فذكر من طريق أبى بكر بن أبى الدنيا قال: حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا عبد اللَّه بن إدريس، عن إسماعيل بن أبى خالد قال: جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن [بكتاب أبيه] [ (2) ] النعمان بن بشير: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من النعمان بن بشير إلى أم عبد اللَّه بنت أبى هاشم، سلام عليك فإنّي أحمد إليك اللَّه الّذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلى لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة، وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصحّ أهل المدينة، فتوفى بين صلاة الأولى وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره وغشّيناه بردين وكساء، فأتانى آت في مقامي وأنا أسبّح بعد العصر فقال: إن زيدا تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسروعا وقد حضره قوم من الأنصار وهو يقول- أو يقال على لسانه-: الأوسط أجلد القوم الّذي كان لا يبالي في اللَّه عز وجل لومة لائم، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد اللَّه أمير المؤمنين صدق صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، قال: ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافى الناس من ذنوب كثيرة، خلت ليلتان وبقي [ (3) ] أربع، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا فلا نظام، وأبيحت الأحماء ثم ارعوى المؤمنون وقالوا: كتاب اللَّه وقدرة الناس، أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا، فمن تولى فلا يعهدنّ [ذما] [ (4) ] ، وكان أمر اللَّه
قدرا مقدورا، اللَّه أكبر، هذه الجنة وهذه النار، وهؤلاء النبيون والصديقون، سلام عليكم يا عبد اللَّه ابن رواحة، هل احتسبت [ (1) ] لي خارجة لأبيه؟ وسعدا للذين قتلا يوم أحد، كَلَّا إِنَّها لَظى * نَزَّاعَةً لِلشَّوى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى* وَجَمَعَ فَأَوْعى. ثم خفض صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا، فنظر بعضنا إلى بعض فإذا الصوت من تحت الثياب، فكشفنا عن وجهه فقال: هذا أحمد رسول اللَّه، سلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصدّيق الأمين خليفة رسول اللَّه، كان ضعيفا في جسمه، قويا في أمر اللَّه، صدق صدق، وكان في الكتاب الأول [ (2) ] . وذكر من حديث المعافى بن سليمان قال: حدثنا زهير بن معاوية قال: أخبرنا [ (3) ] إسماعيل بن أبى خالد ... ، فذكره بإسناده ومعناه، وزاد في وسط الحديث: وكان ذلك على تمام سنتين خلتا من إمارة عثمان، وقال في آخره: فأما قوله: خلت ليلتان وبقي أربع، فالسنتان: اللتان خلتا من إمارة عثمان، قال: فلم أزل أحفظ العدة للأربع البواقي وأتوقع ما هو كائن فيهن، فكان فيهن انتزاء أهل العراق وخلافهم، وإرجاف المرجفين وطعنهم على أميرهم الوليد بن عقبة، والسلام ورحمة اللَّه [ (4) ] . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وروى أيضا عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، وذكر فيه بئر أريس، كما ذكر في رواية ابن المسيب، قال: والأمر فيها أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما وكان في يده، ثم كان في يد أبى بكر رضي اللَّه عنه من بعده، ثم كان في يد عمر رضي اللَّه عنه، ثم كان في يد عثمان رضي اللَّه عنه حتى وقع في بئر أريس بعد ما مضى من خلافته ست سنين، فعند ذلك تغيرت
عماله، وظهرت الفتن كما قيل على لسان زيد بن خارجة [ (1) ] . قال البخاري في كتاب التاريخ: زيد بن خارجة الخزرجي الأنصاري، شهد بدرا، توفى في زمن عثمان، هو الّذي تكلم بعد الموت [ (2) ] . قال البيهقي: وقد روى في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة، فذكر من طريق ابن أبى الدنيا قال: حدثنا خلف بن هشام البزار، حدثنا خالد الطحان، عن حصين عن عبد اللَّه بن عبيد الأنصاري، أن رجلا من قتلى مسيلمة تكلم فقال: محمد رسول اللَّه، أبو بكر الصديق، عثمان الأمين الرحيم، لا أدرى أيش قال لعمر [ (3) ] . ومن حديث على بن عاصم قال: أخبرنا حصين [بن عبد الرحمن] [ (4) ] بن عبد اللَّه بن عبيد الأنصاري قال: بينما هم يصورون القتلى يوم صفين أو يوم الجمل، تكلم رجل من الأنصار من القتلى فقال: محمد رسول اللَّه، أبو بكر الصديق، عمر الشهيد، عثمان الرحيم، ثم سكت [ (5) ] . قال البيهقي: خالد الطحان أحفظ من على بن عاصم وأوثق. واللَّه أعلم [ (5) ] . قال كاتبه: وقد صنّف أبو بكر بن أبى الدنيا كتابا فيمن عاش بعد الموت.
[ثانى وتسعون: شهادة الرضيع والأبكم برسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم]
[ثانى وتسعون: شهادة الرضيع والأبكم برسالة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما شهادة الرضيع والأبكم برسالة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البيهقي من حديث محمد بن يونس الكديمي [ (1) ] قال: حدثنا شاصونة بن عبيد أبو محمد اليماني، وانصرفنا من عدن بقرية يقال لها الحردة، قال: حدثني معرّض بن عبد اللَّه بن معرّض بن معيقيب اليماني، عن أبيه عن جده قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ووجهه مثل دارة القمر، وسمعت منه عجبا: جاءه رجل بغلام يوم ولد، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا غلام! من أنا؟ قال: رسول اللَّه، قال: صدقت بارك اللَّه فيك، قال: ثم إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شبّ، قال: قال أبي: فكنا نسميه مبارك اليمامة، قال شاصونة بن عبيد: وكنت قد أمرّ على معمر فلا أسمع منه [ (2) ] . ومن حديث أبى الحسين محمد بن أحمد بن جميع الغساني [بثغر صيدا] [ (3) ] قال: حدثنا العباس بن محبوب بن عثمان بن عبيد أبو الفضل، حدثنا أبى حدثنا جدي شاصونة بن عبيد قال: حدثني معرّض بن عبد اللَّه بن معيقيب عن أبيه عن جده قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارا بمكة، فرأيت فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
وجهه كدارة القمر، فسمعت منه عجبا: أتاه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد وقد لفّه في خرقة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا غلام! من أنا؟ فقال: أنت رسول اللَّه، فقال له: بارك اللَّه فيك، ثم إن الغلام لم يتكلم بعدها [ (1) ] . قال البيهقي: ورواه أبو الفضل أحمد بن خلف بن محمد المقرئ القزويني، عن أبى الفضل العباس بن محبوب بن شاصونة، قال: ولهذا الحديث أصل من حديث الكوفيين بإسناد مرسل بخلافه في وقت الكلام، فذكر من حديث إبراهيم بن عبد اللَّه العبسيّ قال: أخبرنا [ (2) ] وكيع بن الجراح عن الأعمش عن شمر بن عطية، عن بعض أشياخه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى بصبىّ قد شبّ لم يتكلم قط، فقال: من أنا؟ قال: أنت رسول اللَّه [ (3) ] . ومن حديث يونس بن بكير عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن بعض أشياخه قال: جاءت امرأة بابن لها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد تحرك، فقالت: يا رسول اللَّه! إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادنيه، فأدنته منه، فقال: من أنا؟ فقال: أنت رسول اللَّه [ (4) ] .
[ثالث وتسعون: وجود رائحة الطيب حيث سلك]
[ثالث وتسعون: وجود رائحة الطيب حيث سلك] وأما وجود رائحة الطيب حيث سلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طريقا، وسجود ما يمرّ به من حجر أو شجر له، ومجّه أطيب من المسك في الدلو، فخرج البيهقي من حديث إسحاق بن الفضل الهاشمي قال: أخبرنى المغيرة بن عطية عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خصال: لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه أو ريح عرقه- الشك من إسحاق- ولم يكن مرّ بحجر ولا شجر إلا سجد له [ (1) ] . ومن حديث أبى أسامة عن مسعر، عن عبد الجبار بن وائل الحضرميّ عن أبيه قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يمضمض في دلو مجّ فيه مسكا أو أطيب من المسك، قال: أبو أسامة: يقول في ذلك الماء استنثر خارجا منه [ (2) ] . وقد تقدم شيء من ذلك.
[رابع وتسعون: ابتلاع الأرض ما يخرج منه إذا ذهب لحاجته صلى الله عليه وسلم]
[رابع وتسعون: ابتلاع الأرض ما يخرج منه إذا ذهب لحاجته صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما ابتلاع الأرض ما يخرج منه إذا ذهب لحاجته، فخرج الدار قطنى من حديث عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قلت يا رسول اللَّه، إني أراك تدخل الخلاء ثم يجيء الّذي يدخل بعدك فلا يرى لما يخرج منك أثرا، فقال: يا عائشة! أما علمت أن اللَّه أمر الأرض أن تبتلع ما خرج من الأنبياء؟ [ (1) ] . وخرجه أبو نعيم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن أبان، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن ابن محمد بن زاذان، عن أم سعد عن عائشة قالت: قلت: يا رسول اللَّه! تأنى الخلاء فلا نرى شيئا من الأذى؟ قال: يا عائشة! أما علمت أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء فلا يرى منه شيء؟ وقال ابن السائب عن أبى صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: لم يحدث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موضع قط إلا ابتلعته الأرض. وخرج البيهقي من حديث الحسين بن علوان قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل الغائط دخلت في إثره فلا أرى شيئا إلا أنى كنت أشم رائحة الطيب، فذكرت ذلك له فقال: يا عائشة! أما علمت أن أجسادنا نبتت على أرواح أهل الجنة، وما خرج منها من شيء ابتلعته
الأرض؟ [ (1) ] . قال البيهقي: فهذا من موضوعات الحسين بن علوان، لا ينبغي ذكره، ففي الأحاديث الصحيحة والمشهورة في معجزاته كفاية عن كذب ابن علوان [ (2) ] . قال كاتبه: هو الحسين بن علوان أبو على الكوفي الكلبي، قال ابن معين: كذاب، وقال النّسائى متروك الحديث، وقال ابن عدي: وللحسين هذا أحاديث كثيرة، وعامتها موضوعة، وهو في عدد من يضع الحديث [ (3) ] . وخرج أبو نعيم من حديث شهاب بن معمر العوفيّ، حدثنا عبد الكريم الخزار، حدثنا أبو عبد اللَّه المديني، عن ليلى- حاجبة عائشة وخادمتها ومولاتها- قالت: قلت: يا رسول اللَّه! إنك تدخل الخلاء، فإذا خرجت دخلت إثرك فما أرى شيئا إلا أنى أجد رائحة المسك، قال: إنا معشر الأنبياء بنيت أجسادنا على أرواح الجنة، فما خرج منا شيء إلا ابتلعته الأرض [ (4) ] . وذكر ابن سبع في (كتاب الشفا) عن بعض الصحابة أنه قال: صحبته صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فلما أراد قضاء حاجته عاينته وقد وجد مكانا فقضى حاجته، فدخلت في الموضع الّذي خرج منه فلم أر له أثر غائط ولا بول، ورأيت في ذلك
الموضع ثلاثة أحجار، فأخذتهن في كفى فتعلقت رائحتهن رائحة طيب عطرة [ (1) ] .
[خامس وتسعون: رؤيته صلى الله عليه وسلم من خلفه كما يرى من أمامه]
[خامس وتسعون: رؤيته صلّى اللَّه عليه وسلّم من خلفه كما يرى من أمامه] وأما أنه يرى من خلفه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما يرى من أمامه، فخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الوارث قال: حدثنا عبد العزيز- وهو ابن صهيب- عن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتموا الصفوف فإنّي أراكم خلف ظهري. وقال البخاري: أقيموا الصفوف. ذكره في باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث زهير، عن حميد عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أقيموا صفوفكم، فإنّي أراكم من وراء ظهري، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه. ترجم عليه باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف [ (2) ] قال: النعمان بن بشير رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه [ (3) ] . وخرج في باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف من حديث زائدة ابن قدامة، حدثنا حميد الطويل، حدثنا أنس بن مالك قال: أقيمت الصلاة
فأقبل علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم وتراصّوا فإنّي أراكم من وراء ظهري [ (1) ] . ومن حديث إسماعيل عن حميد عن أنس قال: أقبل علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بوجهه حين قام إلى الصلاة يريد أن يكبر، فقال مثله سواء [ (2) ] . وخرج مسلّم من حديث أبى أمامة عن الوليد- يعنى ابن كثير- قال: حدثني سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن أبيه عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه قال: صلى [رسول اللَّه] صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما ثم انصرف فقال: يا فلان! ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلى إذا صلى كيف يصلى؟ فإنما يصلى لنفسه، إني واللَّه لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي [ (3) ] . وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث مالك بن أنس عن أبى الزناد عن الأعرج، عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: هل ترون قبلتي هاهنا؟
فو اللَّه ما يخفي عليّ ركوعكم ولا خشوعكم- ولم يذكر السجود-. وأخرجا معا من حديث شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أقيموا الركوع والسجود، فو اللَّه إني أراكم من بعدي- وربما قال: من بعد ظهري- إذا ركعتم أو سجدتم. ذكره البخاري في باب الخشوع في الصلاة [ (1) ] . وخرج مسلم بعد حديث شعبة، من حديث معاذ- يعنى ابن هشام- ومن حديث ابن أبى عدي عن سعيد، كلاهما عن قتادة عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتموا الركوع والسجود، فو اللَّه إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم. وفي حديث سعيد: إذا ركعتم أو سجدتم [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أتموا الركوع والسجود، فو الّذي نفسي بيده إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم. ذكره في كتاب الأيمان [والنذور] في آخر باب كيف كانت يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . وخرج في باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، من حديث فليح بن سليمان، عن هلال بن على عن أنس بن مالك قال: صلى لنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة ثم رقى المنبر فقال: في الصلاة وفي الركوع، إني أراكم من ورائي كما أراكم. وقال سيف بن عمرو، عن عمرو بن محمد عن الشعبي، عن مسروق قال: سألت عائشة عن [إطباق عبد اللَّه بن مسعود] بيديه بين ركبتيه إذا ركع، فقال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، زيادة من اللَّه عزّ وجل، زادها إياه في حجته، فرأى أناسا يصنعون كما يصنع البرهان فحولهم من ذلك إلى
ما عليه الناس اليوم من إطباق الركب بالأكفّ، وتفريج الأصابع. قال الشافعيّ- رحمة اللَّه عليه-: في رواية حرملة قوله: إني لأراكم من وراء ظهري، كرامة من اللَّه أبانه بها من خلفه. وقال الأثرم: قلت لأبى عبد اللَّه- يعنى أحمد بن حنبل رحمه اللَّه-: قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لأراكم من وراء ظهري فقال: كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، قلت له: إن إنسانا قال لي: هو في ذلك مثل غيره، وإنما كان يراهم كما ينظر الإمام من عن يمينه، فأنكر ذلك إنكارا شديدا. وقال أبو عمر يوسف بن عبد البر هذا كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا سبيل إلى كيفية ذلك، وهو علم من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم وخرج من طريق قاسم بن أصبغ عن سفيان عن داود وحميد وابن أبى نجيح، عن مجاهد، [في] قوله عزّ وجل: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [ (1) ] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه. وخرج البيهقي من حديث فضيل عن عبد الملك بن أبى سليمان، عن قيس عن مجاهد، في قوله تعالى: الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [ (1) ] ، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى من خلفه من الصفوف كما يرى من بين يديه [ (2) ] وقال الحبر أبو زكريا النووي- رحمه اللَّه-: قال العلماء: معناه أن اللَّه تعالى خلق له صلّى اللَّه عليه وسلّم إدراكا في قفاه يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له صلّى اللَّه عليه وسلّم بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به [ (3) ] .
قال القاضي- يعنى أبا الفضل عياض [بن موسى اليحصبى] قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء: هذه الرؤية بالعين حقيقة [ (1) ] ، فخرج الحافظ أبو أحمد بن عدي من حديث زهير بن عباد قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة، عن المعلى بن علاء، عن هشام بن عروة عن عبد اللَّه عن عائشة رضي اللَّه عنها. قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء [ (2) ] . وأورده البيهقي من طريق ابن عدي ثم قال: وهذا إسناد فيه ضعف [ (3) ] . قال كاتبه: محمد بن المغيرة أبو الحسن، قال ابن عدي: وسائر أحاديثه مما لا يتابع عليه، ومع ضعفه يكتب حديثه. قال البيهقي: وروى في ذلك من وجه آخر ليس بالقوى، فذكر من حديث مغيرة بن مسلم عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى بالليل في الظلمة كما يرى في النهار في الضوء [ (4) ] . وخرج الحافظ أبو بكر بن ثابت البغدادي، من حديث زهير بن عباد الروائى، عن عبد اللَّه بن المغيرة، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه
عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء. رواه عن زهير عن حسين بن صالح بن أبى الدواهي، وعنه محمد بن عبد اللَّه بن سليمان الحضرميّ وقال: لم أكتب عنه غير هذا الحديث. مات سنة إحدى ومائتين. أهـ وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن عن القسم بن عبد اللَّه، عن حسين بن عبد اللَّه عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خطب أم سلمة فقال: كيف يا رسول اللَّه ورجالي بمكة؟ قال: يزوجك ابنك ويشهد لك رجال من أصحاب رسول [اللَّه] ، ثم دخل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الظلمة، فوطئ على ابنتها زينب فصاحت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هذا؟ قالوا: زينب، ثم دخل عليها في ليلة أخرى في ظلمة فقال: انظروا، زنى بكم بهذه، لا أضاء عليها؟؟ قال السهيليّ: وفي هذا الحديث توهين لرواية من روى أنه كان يرى بالليل كما يرى بالنهار.
[سادس وتسعون: إضاءة طرف سوط الطفيل بن عمرو الدوسي]
[سادس وتسعون: إضاءة طرف سوط الطفيل بن عمرو الدوسيّ] وأما إضاءة طرف سوط الطفيل بن عمرو الدوسيّ، فخرج ابن الكلبي في نسب دوس بن عدنان بن عبد اللَّه بن زهران بن كعب بن الحرث بن كعب بن عبد اللَّه ابن مالك بن نضر بن الأزد: وطفيل بن ذي النون واسمه عمرو بن طريف بن العاص ابن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس. وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن دوسا قد غلب عليها الزنا، فادع اللَّه عليهم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اهد دوسا، فقال: يا رسول اللَّه، ابعثني إليهم، ففعل، فقال: اجعل لي آية يهدون بها، فقال: اللَّهمّ نور له، فسطع نور بين عينيه، فقال: يا رب! أخاف أن يقولوا مثله، فتحول إلى طرف سوطه، فكان يضيء في الليلة الظلماء، فقال: يا رسول اللَّه! اجعلنا يمنتك واجعل شعارنا مبرور، ففعل، فشعار الأزد اليوم كلها مبرور، ثم قتل يوم اليمامة، وقتل ابنه عمرو بن الطفيل يوم اليرموك. [ (1) ] وقد خرج أبو عمر بن عبد البر هذا الحديث في ترجمة الطفيل من طريق هشام ابن الكلبي [ (2) ] كما أوردته، على ما نقلته في كتاب (الجامع) ، ثم قال أبو عمر: للطفيل بن عمرو الدوسيّ في معنى ما ذكر ابن الكلبي خبر عجيب، ذكره الأموي في مغازيه عن الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس عن الطفيل بن عمرو. وذكره ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث، عن صالح بن كيسان، عن
ابن عمرو، قال: كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي، قال: فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا: يا طفيل، إنك امرؤ شاعر مطاع في قومك، وإنا قد خشينا أن يراك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك كما دخل علينا وعلى قومنا، فإنه يفرق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وابنه، فو اللَّه ما زالوا يحدثون في شأنه وينهوني أن أسمع منه شيئا حتى قلت: واللَّه لا أدخل المسجد إلا وأنا سادّ أذنى، قال: فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفا [ (1) ] ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائما في المسجد. قال: فقمت منه قريبا، وأبى اللَّه أن لا يسمعني، فقال: فقلت في نفسي: واللَّه إن هذا لمعجزة، واللَّه إني امرؤ [ثبتت] [ (2) ] عليّ الأمور، وما يخفى حسنها ولا قبيحها، واللَّه لأسمعن منه، فإن كان أمره رشدا أخذت منه، وإن كان غير ذلك اجتنبته. قال: فقلت بالكرسفة [ (3) ] فنزعتها من أذنى فألقيتها ثم استمعت له، فلم أسمع كلاما قط أحسن من كلام يتكلم به، قال: فقلت في نفسي: - يا سبحان اللَّه! ما سمعت كاليوم لفظا أحسن منه ولا أجمل، قال: ثم انتظرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انصرف، فاتبعته فدخلت معه بيته فقلت له: يا محمد! إن قومك جاءوني فقالوا لي: كذا وكذا- فأخبرته بالذي قالوا- وقد أبى اللَّه إلا أن يسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حق، فأعرض عليّ دينك وما تقول. وما تأمر به، وما تنهى عنه. قال: فعرض عليّ الإسلام فأسلمت ثم قلت: [يا رسول اللَّه] [ (3) ] ، إني راجع إلى دوس وأنا فيهم مطاع. وأنا داعهم إلى الإسلام، لعل اللَّه أن يهديهم، فادع اللَّه أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللَّهمّ اجعل
له آية تعينه على ما ينوى من الخير. قال: فخرجت حتى أشرفت [على ثنية أهلي] [ (1) ] ، التي تهبط بى على حاضرة دوس، قال: وأبى هناك شيخ كبير وامرأتي وولدى، قال: فلما علوت الثنية، وضع اللَّه بين [عيني] [ (1) ] نورا [كالشهاب] [ (2) ] يتراءاه [ (3) ] الحاضر في ظلمة الليل وأنا منهبط [من الثنية] [ (1) ] ، فقلت: اللَّهمّ في غير وجهي، فإنّي أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم، فتحول فوقع في رأس سوطي، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه حتى قدمت عليهم، قال: فأتانى أبى فقلت: إليك عنى فلست منك ولست منى. قال: وما ذاك أي بنىّ؟ قلت أسلمت واتبعت دين محمد، قال: أي بنى، فإن ديني دينك، قال: فحسن إسلامه، ثم أتتني صاحبتي فقلت: إليك عنى، فلست منك ولست منى، قالت: وما ذاك؟ بأبي أنت وأمى، فقلت: أسلمت واتبعت دين محمد، فلست تحلين لي ولا أحل لك، قالت: فديني دينك، قال: فقلت اعهدى إلى هذه المياه فاغتسلي منها وتطهرى وتعالى، ففعلت ثم جاءت فأسلمت وحسن إسلامها، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام، فأبت عليّ وتعاصت. قال: ثم قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة، فقلت: يا رسول اللَّه، غلب على دوس الزنا والربا، فادع اللَّه عليهم فقال: اللَّهمّ اهد دوسا. قال: ثم رجعت إليهم، وهاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة فأقمت [بين ظهرانيهم] [ (1) ] أدعوهم إلى الإسلام حتى استجاب لي منهم من استجاب، وسبقتني بدر، وأحد، والخندق، مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس إلى المدينة، فكنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى فتح [اللَّه] [ (1) ] مكة، فقلت: يا رسول اللَّه! ابعثني إلى [ذي الكفين] [ (1) ] صنم
عمرو بن حممة حتى أحرقه، قال: أجل، فاخرج إليه فحرّقه، قال: فخرجت حتى قدمت عليه فجعلت أوقد عليه النار- واسمه ذو الكفين- قال: وأنا أقول: [ (1) ] . يا ذا الكفين لست من [عبادكا] ... ميلادنا أكبر من [ميلادكا] [ (2) ] إني حشوت النار في [فؤادكا] [ (2) ] ثم [قدمت على] رسول اللَّه فأقمت معه حتى قبض. قال: فلما بعث أبو بكر رضي اللَّه عنه بعثه إلى مسيلمة الكذاب، خرجت مع المسلمين ومعى ابني عمرو بن الطفيل، حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا، فقلت لأصحابنا: إني قد رأيت رؤيا، عبّروها، قالوا: وما رأيت؟ قلت: رأيت رأسي حلق، وأنه خرج من فمي طائر، وأن امرأة لقيتني وأدخلتنى في فرجها، وكأن ابني يطلبني طلبا حثيثا فحيل بيني وبينه، قالوا: خيرا أما واللَّه فقد أولتها: أما حلق رأسي [فقطعه] [ (3) ] وأما الطائر فروحى، وأما المرأة التي أدخلتنى في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها، فقد رجوت أن أقتل شهيدا [وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة، ولا أراه يلحق بى في سفرنا هذا، فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة، وجرح ابنه، ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا] [ (4) ] .
وقد روى هذا الحديث من طريق أبى نعيم [ (1) ] ، إلا أن هذه السياقة أتمّ وأكثر فائدة، واللَّه أعلم.
[سابع وتسعون: إضاءة عصا أسيد بن حضير [1] وعباد بن بشر [2]]
[سابع وتسعون: إضاءة عصا أسيد بن حضير [ (1) ] وعباد بن بشر [ (2) ]] وأما إضاءة عصا أسيد بن حضير وعباد بن بشر لما خرجا من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
في ليلة مظلمة حتى مشيا في ضوئهما كرامة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البخاري في كتاب الصلاة [ (1) ] ، وفي كتاب المناقب [ (2) ] من حديث معاذ [ (3) ] قال: حدثني أبي عن قتادة، حدثنا أنس رضي اللَّه عنه أن رجلين من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرجا من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد، حتى أتى أهله. وخرج أيضا في مناقب أسيد بن حضير من حديث حبان قال: حدثنا همام قال: أخبرنا قتادة عن أنس، أن رجلين خرجا من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة مظلمة، فإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا فتفرق النور معهما [ (4) ] . وقال معمر: عن ثابت عن أنس، أن أسيد بن حضير ورجلا من الأنصار، وقال حماد: أخبرنا ثابت عن أنس، كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] .
[ثامن وتسعون: إضاءة العصا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه]
[ثامن وتسعون: إضاءة العصا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه] وأما إضاءة العصا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه، فخرج أبو نعيم من حديث شبابة عن [نضر بن طريف] ، عن ثابت عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمر رضي اللَّه عنه سهرا عند أبي بكر رضي اللَّه عنه يتحدثان عنده حتى ذهب ثلث الليل ثم خرجا، وخرج أبو بكر معهما في ليلة مظلمة ومع أحدهما عصا، فجعلت تضيء لهما وعليها نور حتى بلغوا المنزل [ (1) ] .
[تاسع وتسعون: إضاءة عصا أبي عبس الأنصاري]
[تاسع وتسعون: إضاءة عصا أبي عبس الأنصاري] وأما إضاءة عصا أبي عبس الأنصاري، فخرج أبو نعيم والبيهقي والحاكم، كلهم من حديث زيد بن الحباب قال: حدثني عبد المجيد بن أبي عبس [بن جبر] [ (1) ] الأنصاري قال: أخبرني ميمون بن زيد بن أبي عبس قال: أخبرني أبي أن أبا عبس كان يصلي مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلوات ثم يرجع إلى بني حارثة، فخرج في ليلة [مظلمة مطرية] [ (1) ] فنورت له عصاه حتى دخل دار بني حارثة [ (2) ] . قال كاتبه: أبو عبس هذا هو ابن جبر اسمه عبد الرحمن بن جبر، ويقال: ابن جابر بن عمرو بن زيد بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الحارثي، شهد بدرا وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وشهد المشاهد كلها، وهو معدود من كبار الصحابة من الأنصار، مات سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة بالمدينة، وصلى عليه عثمان رضي اللَّه عنه، روى عنه غيابة بن رافع بن خديج، وكان أبو عبس يكتب بالعربية قبل الإسلام، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف [ (3) ] .
[تمام المائة: إضاءة العرجون الذي أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم لقتادة]
[تمام المائة: إضاءة العرجون الّذي أعطاه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم لقتادة] وأما إضاءة العرجون الّذي أعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقتادة بن النعمان الأنصاري، فخرج أبو نعيم من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه عنه قال: كانت ليلة مطيرة، فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لصلاة العشاء برقت برقة، فرأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتادة ابن النعمان، فقال: يا قتادة، إذا صليت فاثبت حتى آمرك، فلما انصرف [من صلاته] [ (1) ] أعطاه العرجون فقال: خذ هذا يضيء لك أمامك عشرا وخلفك عشرا. [ (2) ] [فأضاء له] [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد من حديث يونس وسريج قالا: حدثنا فليح عن سعيد [ابن الحارث] [ (3) ] عن أبي سلمة قال: كان أبو هريرة يحدثنا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إن في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو في صلاة يسأل اللَّه خيرا إلا أتاه إياه، قال: وقللها أبو هريرة بيده. قال: فلما توفي أبو هريرة قلت: واللَّه لو جئت أبا سعيد فسألته عن هذه الساعة أن يكون عنده منها علم، فأتيته فأجده [ (4) ] ، [يقوّم عراجين] [ (5) ] فقلت: يا أبا سعيد! ما هذه العراجين التي أراك تقوّم؟ قال: هذه عراجين جعل اللَّه لنا فيها بركة، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحبها ويتخصّر بها، فكنا نقومها ونأتيه بها، فرأى بصاقا في قبلة المسجد وفي يده عرجون من تلك العراجين، فحكه وقال: إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصقن أمامه فإن ربه أمامه، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه، قال: ثم قال سريج: فإن لم يجد مبصقا ففي ثوبه أو نعله، [قال:] [ (6) ] ثم هاجت
السماء من تلك الليلة، فلما خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لصلاة العشاء الآخرة برقت برقة، فرأى قتادة بن النعمان فقال: ما السّرى يا قتادة [ (1) ] ؟ قال: علمت يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن شاهد الصلاة قليل، فأحببت أن أشهدها، قال: فإذا صليت يا رسول اللَّه فاثبت حتى أمرّ بك، فلما انصرف أعطاني العرجون، قال: خذ هذا فسيضيء لك أمامك عشرا وخلفك عشرا، فإذا دخلت البيت وتراءيت [ (2) ] سوادا في زاوية البيت فاضربه قبل أن تتكلم [ (3) ] فإنه شيطان [ (4) ] ، قال: ففعل، فنحن نحب هذه العراجين لذلك. قلت: يا أبا سعيد، إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة، فهل عندك منها علم؟ فقال: سألت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنها فقال: إني كنت أعلمها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر. أ. هـ، وحديث أبي هريرة في الساعة التي في الجمعة وقع في الصحيح، وحديث أبي سعيد في البصاق وقع فيه أيضا [ (5) ] .
[الأول بعد المائة: البرقة التي أضاءت للحسنين رضي الله عنهما]
[الأول بعد المائة: البرقة التي أضاءت للحسنين رضي اللَّه عنهما] وأما البرقة التي أضاءت للحسنين حتى مشيا لأمهما كرامة لجدهما صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج أبو نعيم من حديث موسى بن عثمان عن الأعمش [ (1) ] ، عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان الحسن عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة ظلماء، وكان يحبه حبا شديدا، فقال: أذهب إلى أمي، فقلت: أذهب معه يا رسول اللَّه؟ قال: لا، فجاءت برقة من السماء فمشى في ضوئها حتى بلغ أمه [ (2) ] . وخرج أبو نعيم من حديث كامل بن العلاء، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: بينما نحن نصلي مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العشاء، فكان يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين [رضي اللَّه عنهما] [ (3) ] على ظهره، فإذا أراد أن يرفع أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا، فإذا عاد عادا حتى قضى صلاته فانصرف ووضعهما على فخذيه، قال أبو هريرة: فقمت إليه فقلت: يا رسول اللَّه! أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: لا، فبرقت برقة فقال: الحقا بأمكما [فما زالا يمشيان في] [ (4) ] ضوئها حتى دخلا [ (5) ] . وخرجه الحاكم من حديث كامل بن العلاء وقال: هذا حديث حسن صحيح الإسناد.
[الثاني بعد المائة: إضاءة أصابع حمزة بن عمرو الأسلمي]
[الثاني بعد المائة: إضاءة أصابع حمزة بن عمرو الأسلمي] وأما إضاءة أصابع حمزة بن عمرو الأسلمي، وهو بطريق مكة حتى جمع ما سقط من متاع رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما تفرق من إبل أصحابه في الليلة التي مكر المنافقون برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البيهقي من حديث سفيان بن حمزة عن كثير ابن زيد، عن محمد بن حمزة الأسلمي، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر فتفرقنا في ليلة ظلماء دحمسة [ (1) ] ، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم، وإن أصابعي [ (2) ] لتنير [ (3) ] . وفي رواية قال: نفرت دوابنا في سفر ونحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ليلة ظلماء دحمسة، فأضاءت إصبعي حتى جمعوا عليها ظهورهم، وإن إصبعي لتنير [ (3) ] وخرجه أبو نعيم أيضا [ (4) ] . وقال الواقدي في مغازيه- وقد ذكر غزوة تبوك وعود النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قافلا منها-: قالوا: لما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببعض الطريق مكر به أناس من المنافقين، وأتمروا أن يطرحوه في عقبة في الطريق، فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي، وسلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه. فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسري بالعقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشّوه، فغضب وأمر حذيفة أن يردّهم، فرجع حذيفة إليهم- وقد رأوا غضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظن القوم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فساق به.
فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من العقبة نزل الناس فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حذيفة، هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين [فلم] [ (1) ] أبصرهم من أجل ظلمة الليل، وكانوا قد أنفروا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فسقط بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي رضي اللَّه عنه يقول: فنوّر لي في أصابعي الخمس فأضاءت، حتى كنا نجمع ما سقط: السوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه، وكان لحق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في العقبة [ (2) ] . واللَّه أعلم.
[الثالث بعد المائة: رؤية أنس بن مالك النور بأيدي قوم في الدعاء]
[الثالث بعد المائة: رؤية أنس بن مالك النور بأيدي قوم في الدعاء] فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عمران بن زيد التغلبي، عن خطاب بن عمير [ (1) ] ، عن الحسن [ (2) ] ، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من البيت إلى المسجد، وقوم في المسجد رافعي أيديهم يدعون اللَّه عزّ وجل [ (3) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أنس! هل ترى ما بأيدي القوم [ (4) ] ؟ قلت: ما ترى بأيديهم نورا [ (5) ] ؟ قلت: ادع اللَّه أن يرينه، قال: فدعا اللَّه فرأيته، فقال: يا أنس [ (6) ] [استعجل بنا حتّى نشرك القوم، فأسرعت مع نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرفعنا أيدينا] [ (7) ] . وخرجه البيهقي من طريق البخاري، قال: حدثنا يوسف بن راشد، حدثنا أحمد ابن عبد اللَّه، حدثنا عمران بن زيد بسنده ومتنه، ثم قال البخاري: لا يتابع عليه [ (7) ] .
[الرابع بعد المائة: تسليم الملائكة على عمران بن حصين تكرمة للرسول صلى الله عليه وسلم]
[الرابع بعد المائة: تسليم الملائكة على عمران بن حصين تكرمة للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأما تسليم الملائكة على عمران بن حصين تكرمة للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج الإمام أحمد من حديث وهب بن جرير قال: حدثنا أبي قال: سمعت حميد بن هلال يحدث عن مطرف، عن عبد اللَّه قال: قال لي عمران بن حصين: أنه كان يسلّم عليّ، فلما اكتويت انقطع التسليم، [فقلت له: أمن قبل رأسك كان يأتيك التسليم] أو من قبل رجلك؟ قال: بل من قبل رأسي، فقلت: لا أرى أن تموت حتى يعود ذلك، فلما كان بعد قال [لي] : أشعرت أن التسليم عاد لي؟ ثم لم يلبث يسيرا حتى مات رضي اللَّه عنه [ (1) ] . قال أبو نعيم: وقد رواه شعبة عن قتادة، وحميد بن هلال عن مطرف نحوه، وروى غندر ويحيى بن سعيد عنه. ومن حديث مسدد قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: ما قدم علينا البصرة رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل فضلا من عمران بن حصين، أتت
عليه ثلاثون سنة تسلم عليه الملائكة من حوانيت بيته. قال أبو نعيم: عني يحيى ابن سعيد المستوطنين من الصحابة لا المجتازين [ (1) ] .
[الخامس بعد المائة: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن]
[الخامس بعد المائة: نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن] وأما نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن في زمن المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج البخاري ومسلم من حديث أبي خيثمة زهير عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط بشطنين، فغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر له ذلك، فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن. قال البخاري: وإلى جانبه فرس مربوط بشظيين، وقال: فجعلت تدنو وتدنو، وقال: نزلت بالقرآن. ترجم عليه باب فضل [سورة] الكهف [ (1) ] .
وأخرجاه أيضا من حديث شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، ذكره البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام، ولفظهما: قال: سمعت البراء يقول: قرأ رجل سورة الكهف وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته. قال: فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اقرأ فلان، فإنّها السكينة تنزلت عند القرآن، أو تنزلت للقرآن، وقال البخاري: فسلم فإذا ضبابة أو سحابة، وقال في آخره: فإنّها السكينة نزلت أو تنزلت للقرآن [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث الليث قال: حدثني يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت [الفرس] [ (2) ] ، فسكت وسكت [الفرس] [ (2) ] ، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجترّه رفع رأسه [ (3) ] إلى السماء حتى يراها. فلما أصبح حدّث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير، قال: فأشفقت [يا رسول اللَّه] [ (3) ] أن تطأ يحيى- وكان منها قريبا- فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلمة [ (4) ] فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: وتدري ما ذاك؟ [قال: لا] [ (2) ] ، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم [ (5) ] . قال ابن الهاد: وحدثني هذا الحديث عبد اللَّه بن خبّاب، عن أبي سعيد الخدريّ، عن أسيد بن حضير هكذا [ (5) ] . [ذكره غير متصل الإسناد] ، وترجم
عليه باب نزول السكينة والملائكة عند القراءة [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبي حدثنا يزيد بن الهاد، أن عبد اللَّه بن خبّاب حدثه أن أبا سعيد الخدريّ حدثه أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده، إذ جالت فرسه، فقرأ، ثم جالت أخرى [ثم جالت أيضا] [ (2) ] ، قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى، فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السّرج عرجت في الجوّ حتى ما أراها. قال: فغدوت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه! بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي إذ جالت فرسي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت ثم جالت أيضا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفت- وكان يحيى قريبا منها خشيت أن تطأه- فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السّرج، عرجت في الجوّ حتى ما أراها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تلك الملائكة
كانت تسمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم [ (1) ] . وخرجه أبو نعيم من حديث يحيى بن بكير قال: حدثني الليث بن سعد عن يزيد بن عبد اللَّه، عن أسامة عن عبد اللَّه بن خبّاب، عن أبي سعيد الخدريّ، عن أسيد بن حضير أنه كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، قال: وقرأت ليلة سورة البقرة ... فذكره [ (2) ] . وخرجه من حديث يحيى بن أيوب عن ابن الهاد ... ، الحديث وزاد: اقرأ يا أسيد فقد أوتيت من مزامير آل داود [ (3) ] . وخرجه من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن يحيى عن أبي سلمة قال: بينا أسيد بن حضير الأنصاري يصلي بالليل، قال: إذ غشيتني مثل السحابة فيها أمثال المصابيح، والمرأة نائمة إلى جانبي، والفرس مربوط في الدار، فخشيت أن ينفر الفرس فتفزع المرأة فتلقى ولدها، فانصرفت من صلاتي، فذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حين أصبحت، فقال: اقرأ يا أسيد، فإن ذلك ملك استمع القرآن. وفي رواية تسمّع القرآن. وخرجه أيضا من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن زيد بن أسلم، عن أسيد ابن حضير قال: كنت أصلي في ليلة قمرة وقد أوثقت فرسي، فجالت جولة ففزعت، ثم جالت أخرى فرفعت رأسي، وإذا ظلة قد غشيتني، وإذا هي قد حالت بيني وبين القمر، ففزعت، فدخلت البيت. فلما أصبحت ذكرت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: تلك الملائكة جاءت تسمع قراءتك من آخر الليل [سورة] البقرة، وكان أسيد بن حضير حسن الصوت. وذكره أيضا من عدة طرق بزيادات ونقص، والمعنى متقارب.
[السادس بعد المائة: انقلاب بضعة لحم فهرا [1]]
[السادس بعد المائة: انقلاب بضعة لحم فهرا [ (1) ]] وأما انقلاب بضعة لحم فهرا، فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الربيع بن بدر، عن الجريريّ عن بعض أشياخه قال: أهدي لأم سلمة رضي اللَّه عنها بضعة من لحم مشوية، فقالت: ارفعيها [حتى] يأتينا اليوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوافق مسكين بابنا، فقال: بورك فيه ولم تطعمه، فجاء صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: خبيئة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاءت بها فإذا هي فهر، فقلت: إنا للَّه! واللَّه إنها لبضعة أهدت لنا أم فلان، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلعلك وافقك سائل؟ فقالت: أجل، قال: فإنما وعظتم بذا، قال: فما زال حجرا في ناحيته بيتها تدق به حتى ماتت رضي اللَّه عنها [ (2) ] . قال أبو نعيم: رواه عاصم بن علي، وخارجة بن مصعب، عن الجريريّ- مولى لعثمان- عن أم سلمة. واللَّه أعلم [ (3) ] .
فصل في ذكر أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر أبناء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة بنين: القاسم، وعبد اللَّه، وإبراهيم، وفي رواية مدارها على داود بن المحبر- صاحب كتاب (العقل) - أن عائشة رضي اللَّه عنها جاءت بسقط فسماه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عبد اللَّه، وكناها به، وفيه نظر. فالقاسم أمه خديجة بنت خويلد، وهو أكبر ولده، وبه يكنّى، وقد مشى وهو ابن سنتين، وعبد اللَّه أيضا أمّه خديجة، ويقال له الطيب والطاهر، ولد بعد النبوّة، ومات صغيرا بمكة، فقال العاص بن وائل: محمد أبتر لا يعيش له ذكر، فأنزل اللَّه تعالى فيه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (1) ] . وروى جعفر بن محمد الصادق عن أبيه قال: توفي القاسم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة فمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو آت من جنازته على العاص بن وائل وابنه عمرو ابن العاص، فقال عمرو حين رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأشنؤه، فقال العاص: لا جرم لقد أصبح [أبترا] ، وأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (1) ] .
ويقال: إن عبد اللَّه غير الطيب وغير الطاهر، وروى معمر عن ابن هشام أنه قال: زعم بعض العلماء أنها ولدت- يعني خديجة- ولدا يسمى الطاهر، وقال ابن إسحاق: ولدت له خديجة: زينب ورقية، وأم كلثوم وفاطمة، والقاسم- وبه كان يكنى- والطاهر والطيب، فأما القاسم والطاهر والطيب فهلكوا في الجاهلية، وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام وأسلمن وهاجرن معه، وقد قيل: بل عبد اللَّه هو الطيب وهو الطاهر. قال قتادة: ولدت له خديجة غلامين وأربع بنات، القاسم- وبه كان يكنى- وعاش حتى مشى، وعبد اللَّه مات صغيرا، ومن النساء: فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم. وقال الزبير بن بكار: ولد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القاسم- وهو أكبر ولده- ثم زينب، ثم عبد اللَّه، وكان يقال له الطيب ويقال الطاهر، ولد بعد النبوة، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، هكذا الأول ثم الأول، ثم مات القاسم بمكة، وهو أول ميت، ولد بعد الوحي، وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة، أمهم كلهم خديجة، فهذا قول مصعب والزبير. وأكثر أهل النسب [على] أن عبد اللَّه هو الطيب والطاهر بثلاثة أسماء، وقال الكلبي [ (1) ] : زينب ثم القاسم ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد اللَّه، وكان يقال له: الطيب والطاهر، قال: وهذا هو الصحيح، وغيره تخليط.
وقال ابن حزم [ (1) ] : وروينا من طريق هشام بن عروة عن أبيه، أنه كان له عليه السلام [ولد] اسمه عبد العزى قبل النبوة، قال: وهذا بعيد، والخبر مرسل. ولا حجة في مرسل. وإبراهيم أمه مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة بالعالية بالموضع الّذي يقال له: مشربة أم إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، امرأة أبي رافع، فبشّر أبو رافع [به] [ (2) ] النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوهب له عبدا، فلما كان يوم سابعه عقّ عنه بكبشين، وحلق رأسه، حلقه أبو هند البياضي من الأنصار، قال الزبير بن بكار: وسماه يومئذ، وتصدق بوزن شعره ورقا على المساكين، وأخذوا شعره فجعلوه في الأرض مدفونا [ (3) ] .
وقد صحّ من حديث ثابت [البناني] [ (1) ] عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم [أبي] [ (1) ] إبراهيم، وتنافست نساء الأنصار في إبراهيم من ترضعه منهن، وأحبوا أن يفرغوا ماريّة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لما يعلمون من ميله إليها، فجاءت أم بردة كبشة بنت المنذر بن زيد بن أسيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، امرأة البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار [ (2) ] [الأنصاري] [ (3) ] فكلمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ترضعه، فأعطاها إياه، فكانت ترضعه بلبن ابنها، فكان إبراهيم في بني مازن بن النجار، إلا أن أمه تؤتي به ثم يعاد إلى منزل ظئرة أم بردة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتي أم بردة فيقيل عندها، ويخرج إليه إبراهيم فيحمله ويقبله. وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قطعة من غنم ضأن ترعى بالقف، ولقائح بذي الجدر تروح على مارية، وكان يؤتي بلبنها كل ليلة فتشرب منه وتسقي ابنها إبراهيم، فكان جسمها وجسم ابنها حسنا، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما بإبراهيم وهو عند عائشة رضي اللَّه عنها، فقال: انظري إلى شبهه بي! فقالت: ما أرى شبها، قال: ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟ فقالت: من قصرت عليه اللقاح، وسقي ألبان الضأن، سمن وابيضّ. وكانت عائشة رضي اللَّه عنها تقول: ما غرت على امرأة غيرتي على مارية، وذلك لأنها كانت جميلة جعدة الشعر، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معجبا بها، ورزق منها الولد وحرمناه، وأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أم بردة قطعة من نخل [ (4) ] .
وروى عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنه أنه قال: لما ولد إبراهيم ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعتق أمّ إبراهيم ولدها [ (1) ] ، وقال: استوصوا بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما [ (2) ] وكانت هاجر أم إسماعيل عليه السلام منهم،
وقال: لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي [ (1) ] ، ولما ولد إبراهيم أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل عليه السلام فقال له: يا أبا إبراهيم. وتوفي إبراهيم في بني مازن عند أم بردة، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في ذي الحجة سنة ثمان، وقيل: بل ولد في ذي الحجة سنة ثمان وتوفي في سنة عشر، وقيل: توفي وهو ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام [ (2) ] ، وقيل: توفي وهو ابن سنة وعشرة أشهر وستة أيام، وقيل: مات وهو له إحدى وسبعون ليلة، والأول أثبت، وذلك سنة عشر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن له لمرضعة تتم رضاعه في الجنة [ (3) ] . وغسلته أم بردة، وقيل غسله الفضل بن العباس- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والعباس رضي اللَّه عنه جالسان على سرير- ثم حمل على سرير صغير، وصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبقيع [ (4) ] ، فقيل له: يا رسول اللَّه- أين ندفنه؟ قال عند فرطنا عثمان ابن مظعون [ (5) ] ، وكان عثمان أول من دفن بالبقيع. وروى ابن إسحاق عن عمر، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دفن ابنه إبراهيم ولم يصل عليه [ (6) ] والأول أصح، وقيل: معنى لم يصل عليه، يعني في جماعة، أو أمر أصحابه فصلوا عليه ولم يحضرهم [ (7) ] ، لأنه شغل عن الصلاة عليه بأمر كسوف الشمس وصلاته وخطبته. وثبت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكى على ابنه إبراهيم دون رفع الصوت وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون [ (8) ] ،
وجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والعباس على شفير قبر إبراهيم، ونزل فيه الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وذلك يوم ثلاثاء في آخر شهر ربيع الأول، وقيل: يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة في اللبن فأمر أن تسد، وقال: إنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه يقرّ بعين الحي، وإن العبد إذا عمل عملا أحب اللَّه أن يتقنه [ (1) ] . ويروي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يمشي أمام سرير إبراهيم ثم جلس على قبره، فلما دلى في قبره ووضع دمعت عيناه، فبكى الصحابة حتى ارتفعت أصواتهم، فقال أبو بكر رضي اللَّه عنه: يا رسول اللَّه! أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ فقال: تدمع العين، وتوجّع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، ثم دفن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أحد يأتينا بماء نطهر به قبر إبراهيم؟ فأتى بماء فأمر به فرش به على قبر إبراهيم، وكان أول من رش عليه وختم عليه بيده، وقال عند رأسه: السلام عليك. وفي رواية: أنه وضع يده اليمنى على قبره من عند رأسه وقال: ختمت عليك باللَّه من الشيطان الرجيم، وفي رواية: طبعت عليك باللَّه، وأمر بحجر فوضع عند رأسه [ (1) ] . ووافق موت إبراهيم عليه السلام كسوف الشمس على ثنتي عشرة ساعة من النهار، فقال قوم: إن الشمس انكسفت لموته، [ف] خطبهم صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته [ (2) ] . ويروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال حين حضر قبض إبراهيم وهو مستقبل الجبل: يا جبل! لو بك ما فيّ لهدّك، ولكنا نقول كما أمرنا: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، والحمد للَّه رب العالمين. وخرج ابن عساكر من حديث محمد بن الحسن الأسدي، حدثنا أبو شيبة عن أنس بن مالك قال: لما مات إبراهيم ابن النبي، قال لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تدرجوه في أكفانه حتى انظر إليه، فجاء فأكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه.
ويقال: إن السرّ في موت ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حياته، أنه لو عاش [لكان نبيا، ولم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء] [ (1) ] . وقد أشار حسان بن ثابت إلى هذا في قوله لما مات إبراهيم: مضى ابنك محمود العواقب لم يشن ... بعيب ولم يأثم بقول أو فعل رأى أنه لو عاش ساواك في العلا ... فآثر أن تبقى فريدا بلا مثل [ (2) ] وقد جاء في حديث أن إبراهيم لو عاش لكان نبيا، وليس بقوي. وفي صحيح البخاري عن السدي قال: سألت أنس بن مالك كم كان بلغ إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: قد كان بلا مهلة، ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء. وقد روى عيسى بن يونس عن أبي خالد قال: قلت: لا تراني أوفى، أرأيت إبراهيم ابن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: مات وهو صغير، ولو قرأت يكون بعد محمد نبي لعاش، ولكنه لا نبي بعد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] .
[فصل في ذكر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم]
[فصل في ذكر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] اعلم أن إجماع من يعتد به انعقد على أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع بنات كلهن من خديجة، وهنّ زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة عليهنّ السلام.
فزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت أكبر بناته، ولدت سنة ثلاثين من مولده، ولا خلاف أنها أسن بناته، إلا ما لا يصح ولا يلتفت إليه، وإنما الخلاف بين القاسم وزينب أيهما ولد أولا، فقالت طائفة من أهل العلم بالنسب: أول ولد ولد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القاسم ثم زينب، وقال ابن الكلبي: زينب ثم القاسم.
[زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم]
[زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] وكانت زينب عليها السلام عند أبي العاص بن [الربيع] بن عبد العزى بن عبد شمس، وأمه هالة ابنة خويلد، فهو ابن أخت خديجة لأبيها وأمها، وابن خالة زينب، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محبا في زينب، أسلمت وهاجرت حين أتى زوجها أبو العاص أن يسلم، وقد ولدت منه عليا وأمامة، وتوفيت سنة ثمان من الهجرة، وغسلتها سودة بنت زمعة، وأم سلمة رضي اللَّه عنهما. وسبب موتها أنها خرجت من مكة مهاجرة، عهد إليها هبار بن الأسود بن عبد المطلب بن عبد العزى بن قصيّ، ومعه نافع بن عبد قيس- وقيل نافع بن لقيط، وقيل: هو خالد بن عبد قيس، ونافع بن قيس أصحّ، وهو نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحرث بن فهد- فدفعها أحدهما على صخرة فأسقطت وأهراقت الدماء، فلم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت. وكان زوجها محبا لها ومن شعره فيها- وقد خرج إلى الشام تاجرا-: ذكرت زينب لما جاورت أرما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الحرما بنت الأمين جزاها اللَّه صالحة ... وكل بعل سينبى بالذي علما [ (2) ]
[رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم]
[رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] ورقية اختلف فيها، فقيل: كانت أصغر بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: بل ولدت بعد زينب، ولرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة وثلاثون سنة، وكانت عند عتبة بن أبي لهب [ففارقها قبل الدخول] [ (1) ] لما أنزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ بأمر أبويه، فتزوجها عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه بمكة، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له عبد اللَّه، وبه كان يكنى، وقدمت معه المدينة، وجاءت تعتب على عثمان فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أحب المرأة تكثر شكاية بعلها، انصرفي إلى بيتك، ومرضت بالحصباء، فتخلف عثمان عن بدر لمرضها، فتوفيت يوم وقعة بدر، ودفنت يوم جاء [زيد بن حارثة] بشيرا بالفتح. وقال قتادة: تزوج عثمان رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتوفيت عنده ولم تلد منه، وهذا وهم من قتادة لم يقله غيره، وكأنه أراد أم كلثوم، فإن عثمان تزوجها بعد رقية فتوفيت عنده ولم تلد منه، هذا قول جمهور أهل النسب. [وفي رواية] عن سعيد بن المسيب قال: أيم عثمان من رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأيمت حفصة من زوجها، فمر عمر وعثمان رضي اللَّه عنهما فقال: هل لك في حفصة؟ - وكان عثمان قد سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يذكرها- فلم يجبه، فذكر ذلك عمر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: هل لك في خير من ذلك؟ أتزوج أنا حفصة، وأزوج عثمان خيرا منها، أم كلثوم. وقد روى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: لما ماتت رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [قال] : لا يدخل القبر رجل قارف [أهله الليلة] [ (2) ] ، فلم يدخل عثمان، وهذا من أوهام حماد، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يشهد دفن رقية، ولا كان
ذلك القول منه فيها، وإنما كان ذلك القول منه في أم كلثوم [ (1) ] . وفي البخاري من حديث هلال بن علي، عن أنس قال: شهدنا بنت النبي عليه السلام، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس على القبر، فرأيت عينيه [تدمعان] [ (2) ] ، [قال] [ (2) ] : فقال: هل فيكم [ (3) ] أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، فقال: انزل في قبرها [ (4) ] . وهذا هو الصحيح في حديث أنس لا قول من ذكر فيه رقية.
وقال مروان بن محمد الأسدي، عن غزال بن خالد بن يزيد بن عثمان بن عطاء، عن أبيه عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما عزّي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رقية امرأة عثمان قال: الحمد للَّه دفن البنات من المكرمات [ (1) ] ولا خلاف بين أهل السير أن عثمان إنما تخلف عن بدر على امرأته رقية بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وضرب له سهمه وأجره. وذكر عمر بن شيبة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث زيد بن حارثة إلى زينب بنته ليقدم بها عليه المدينة، فخرج بها حتى إذا كانت بسنح أدركها هبار بن الأسود في نفر من قريش، فنخس بها حتى صرعت، فانفكت رجلها، فبلغ عدي بن الربيع- حموها- أخا زوجها أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، فعرض له فرماه بسهم، فخرج السهم في سوأته وأثواه. وقال: عجبت لهبار وأوباش قومه ... يريدون إخفاري ببنت محمد ولست أبالي ما بقيت صحيحها ... إذا استجمعت يوما [ (2) ] يدي بالمهند إذا أنا لم أمنع ظلامة كنتي ... فلا عشت إلا كالخليع المطرّد ألم تر هبارا غداة تبايعت ... به النفس في رأي من الرأي مفنّد مصارعي عن زينب حين رامهت ... على ذي سبب مدمج الحلق أجرد نصبت له مني بقطع مقدم ... على أصفر جبان أسمر محضد فسالت ثمود في دم ... على الخد أحيانا وصفح المقلد قال: ولما نخس هبار بزينب جاء سفيان بن حرب، فأسند ظهره إلى الكعبة ثم قال: أبنت محمد؟.
[أفي] [ (1) ] السلم أعيار [ (2) ] جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء الحوائض ثم مضى، فأتت هند بنت عتبة بعده- ولا تعلم بموقفه- فأسندت ظهرها إلى الكعبة ثم قالت: أبنت محمد؟. [أفي] السلم أعيار جفاء وغلظة ... وفي الحرب أمثال النساء العوارك [ (3) ] وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي إسحاق الدوسيّ، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا لقيتم هبار بن الأسود ونافع ابن عبد قيس فحرقوهما بالنار، ثم إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال بعد ذلك: لا يعذب بها إلا اللَّه، ولكن إن لقيتموهما فاقتلوهما [ (4) ] .
وقال الزبير بن بكار: وهبار بن الأسود هو الّذي نخس بزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شقها، من كفار قريش، وكانت حاملا فأسقطت، فذكروا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث سرية وقال: إن لقيتم هبارا فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أحرقوه بالنار، ثم قال: لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا اللَّه، إن وجدتموه فاقتلوه. ثم قدم هبار بعد ذلك مسلما مهاجرا، فاكتنفه ناس من المسلمين يسبونه، فقيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لك في هبار يسبّ ولا يسبّ؟ وكان هبار في الجاهلية مسباقا، فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا هبار سبّ من يسبّك، فأقبل هبار عليهم فتفرقوا عنه، قال: وقتل زمعة بن الأسود وأخوه عقيل بن الأسود يوم بدر كافرين، وكان هبار بن الأسود مع زمعة ذلك اليوم وابنه الحارث بن زمعة معه أيضا، فجعل زمعة يقول: جار إذا فزعني هبار [ (1) ] . قال الزبير [بن بكار] : وكنانة بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى، بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، الّذي خرج بزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى المدينة، وكانت بدر في رمضان سنة ثنتين من الهجرة كما تقدم، وكان في شأنه علم من أعلام النبوة. قال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم: إن فتية من الحبشة كانوا قد رأوا رقية وهي هناك مع زوجها عثمان بن عفان، ورأيت فيما يقال: من أحسن البشر كانوا يختلفون إليها ينظرون إليها، ويدرقلون [ (2) ] إذا رأوها بخباء منها، حتى آذاها ذلك في أمرها وهم يبقون أن يؤذوا أحدا منهم لقربه ولما رأوا
من حسن جواره، فلما سار النجاشي إلى عدوه ذلك ساروا معه، فقتلهم اللَّه في المعركة لم يفلت منهم رجل واحد [ (1) ] .
[أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم]
[أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وأم كلثوم- ويقال: اسمها آمنة- ولدت قبل فاطمة عليها السلام، وتزوجها معتب بن أبي لهب، فلم يبن بها حتى بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما بعث فارقها بأمر أبويه، ثم تزوجها عثمان رضي اللَّه عنه بعد موت أختها رقية في ربيع الأول، وبنى عليها في [جمادى الآخرة] من السنة الثالثة، وتوفيت عنده في شعبان سنة تسع، فغسلتها أسماء بنت عميس، وصفية بنت عبد المطلب، وشهدت أم عطية غسلها، وقيل: بل أم عطية هي التي غسّلتها وغسّلت أختها زينب عليهم السلام، وقيل: بل شهدت أم عطية غسل زينب، وحكت قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أغسلها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك ... الحديث. وصلى عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونزل في حفرتها عليّ بن أبي طالب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد رضي اللَّه عنهم. وقد روى أن أبا طلحة الأنصاري استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينزل معهم في قبرها فأذن له [ (1) ] ، وبكى عثمان رضي اللَّه عنه فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما يبكيك؟ قال: انقطاع صهرتي منك يا رسول اللَّه، فقال: كلا، إنه لا يقطع الصهر الموت، إنما يقطعه الطّلاق، ولو كانت عندنا ثالثة لزوجناك، ولم تلد أم كلثوم لعثمان [ (2) ] .
[فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم]
[فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وقيل لها: الزهراء، كما قيل لزهرة بنت عمرو بن حنتر بن رويبة بن هلال أم خويلد بن أسد الزهراء، وزهرة هذه هي جدة خديجة أم فاطمة عليها وعلى أمها السلام، وسميت البتول أيضا لأنها منقطعة القرين، والبتل القطع، وتكنى أم أبيها، وذكر المطور عن ابن عباس أنها سميت [فاطمة لأن] اللَّه تعالى فطم محبّيها عن النار. وكانت فاطمة وأم كلثوم أصغر بنات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفاطمة أصغرهما، ولدت سنة [إحدى وأربعين من] مولد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقيل: ولدت وقريش تبني الكعبة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن خمس وثلاثين، وقيل: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، والأول أشبه بالصواب [ (1) ] ، وخطبها أبو بكر رضي اللَّه عنه فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أنتظر بها القضاء، ثم خطبها عمر رضي اللَّه عنه فقال له مثل ذلك، فقيل لعلي رضي اللَّه عنه لو خطبت فاطمة، فقال: منعها أبو بكر وعمر، ولا أريد أن يمنعنيها، فحمل على خطبتها فخطبها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبنى بها، وقيل: تزوجها في صفر، وقيل: في رجب [ (2) ] وفي (الطبقات) لابن سعد: أنه تزوجها بعد مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة بخمسة أشهر وبني بها مرجعه من بدر، وهي يوم بنى بها عليّ بنت ثمان عشرة سنة، فباع بعيرا له ومتاعا، فبلغ ثمن ذلك أربعمائة وثمانين درهما، ويقال: أربعمائة درهم، فأمره أن يجعل ثلثها في الطيب وثلثها في المتاع ففعل [ (3) ] .
وقيل: أصدقها عليّ درعا من حديد وجرد برد- والجرد: الثوب الخلق- وقيل: تزوجها على إهاب شاة وسحق خبزه، وكان علي رضي اللَّه عنه يقول: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية منه، وتعجن فاطمة على ناحية، وإني لقد تزوجت فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وما لي فراش] غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها. وعن عكرمة، استحل على فاطمة ببدن من حديد، وعن علي رضي اللَّه عنه قال: أردت أن أخطب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنته، فقلت: واللَّه ما لي شيء، ثم ذكرت صلته وعائدته فخطبتها إليه فقال: هل عندك من شيء؟ قلت: لا، قال: فأين درعك [الحطيمة] [ (1) ] التي أعطيتك يوم كذا [وكذا] [ (1) ] ؟ فقلت: هي عندي، قال: [فأعطها] [ (1) ] إياه [ (2) ] ، وكان نكاحها بعد وقعة أحد، وقيل: إنه تزوجها بعد أن بنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعائشة رضي اللَّه عنها بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا، وسنّ عليّ يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر. وجهّزها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخميل وقربة ووسادة من أدم محشوة بإذخر، فقال عليّ لأمه فاطمة بنت أسد: اكفي بنت رسول اللَّه الخدمة خارجا: سقاية الماء والحاج، وتكفيك العمل في البيت: العجن والطحن [ (3) ] . خرج الحاكم من حديث زائدة، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عليّ رضي اللَّه عنه قال: جهز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة عليها السلام في خميل وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (4) ] . ويقال: أن سعدا عمل وليمة [فاطمة بكبش] ، وآصع من ذرة أربعة أو خمسة، وولدت لعلي الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.
واختلف في وفاتها، فقيل: بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بستة أشهر، وقيل بثلاثة أشهر، وقيل بثمانية أشهر، وقيل: بسبعين يوما، وقيل: بخمس وسبعين ليلة، وقيل: بستة أشهر إلا ليلتين، وذلك يوم الثلاثاء [لليلات] خلت من رمضان سنة إحدى عشرة [ (1) ] . ولما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت، ثم دعت بثياب أكفانها، فأتيت بثياب غلاظ خشنة فلبستها ومسّت من الحنوط، ثم أمرت عليا ألا يكشف عنها إذا قبضت، وأن تدفن كما هي في ثيابها ففعل. وغسلتها أسماء بنت [عميس] وعليّ معا، وصلى عليها عليّ، وقيل: بل صلى عليها العباس رضي اللَّه عنه، وكبّر أربعا، ونزل هو وعلى في قبرها، ودفنت ليلا في دارها التي أدخلها عمر بن عبد العزيز في المسجد، ولم يعلم بها كثير من الناس [ (2) ] .
وقد ذكر عمر بن شيبة عدة أقوال في قبرها، ولم يتحصل منها معرفة موضعه [ (1) ] ، وكان لها يوم توفيت تسع وعشرون سنة، ويقال إحدى وثلاثون سنة وأشهر، و [كانت] أشبه الناس كلاما وحديثا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت إذا دخلت عليه قام لها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به [ (2) ] ، وفضائل فاطمة عليها السلام كثيرة.
[فصل في ذكر أبناء بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم]
[فصل في ذكر أبناء بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] اعلم أن أبناء بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعة: واحد من زينب، وواحد من رقية، واثنان من فاطمة، عليهنّ السلام جميعا. فأما ابن زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإنه علي بن أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، كان مسترضعا في بني غاضرة، فافتصله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبوه يومئذ مشرك، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: من شاركني في شيء فأنا أحق به منه، وأردفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الفتح على راحلته، وقد توفي وقد ناهز الاحتلام [ (1) ] . وأما الّذي من رقية، فعبد اللَّه بن عثمان بن عفان، به كان يكنى عثمان رضي اللَّه عنه، بعد ما كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، وتوفي وقد ناهز الاحتلام وهو ابن ست سنين، ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبره، وذلك سنة أربع من الهجرة [ (2) ] ، ويقال: نقره ديك فمرض من ذلك ومات، ويروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضعه في حجره ودمعت عينه وقال: إنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء، وصلى عليه، ونزل عثمان في حفرته [ (3) ] .
وأما ابنا فاطمة فحسن وحسين عليهما السلام وعلى أمهما وأبيهما، [ف] الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد، سيد شباب أهل الجنة، ولدته فاطمة عليها السلام في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة على الصحيح [ (1) ] ، وعقّ عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكبش، وأذّن صلّى اللَّه عليه وسلّم في أذنه. خرج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن أبي رافع، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة [ (2) ] ، رواه أبو داود [ (3) ] والترمذي وقال: حديث صحيح [ (4) ] .
وروى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقّ عن الحسن والحسين كبشا، ذكره أبو داود، وذكر جرير بن حازم عن قتادة عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقّ عن الحسن والحسين كبشين [ (1) ] . وذكر يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قال: عقّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الحسن والحسين يوم السابع، وحلق رأسه، وأمر أن يتصدّق بزنته فضة، فوزن شعر أحد الحسنين فوجده ثلثي درهم، وكان قد سماه علي رضي اللَّه عنه حربا، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسنا [ (2) ] . قال ابن الأعرابي، عن المفضل الضبي، أن اللَّه حجب اسم الحسن والحسين حتى سمي بهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ابنيه الحسن والحسين، قال ابن الأعرابي: فقلت له: فالذين باليمن؟ قال: [] [ (3) ] حسن وحسين، ولا يعرف قبلهما إلا اسم [] [ (3) ] بلاد بني عندها قبل بسطام بن قيس الشيبانيّ، قال ابن غنم:
غداة أضر بالحسن السبيل قال كاتبه: حسن: بفتح الحاء المهملة وسكون السين، وحسين: بفتح الحاء وكسر السين، هما ابنا عمر بن الغوث بن طيِّئ وفي (طبقات ابن سعد) ، عن عمران بن سليمان قال: الحسن والحسين [اسمان] من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية، ولما قتل أبوه عليّ سنة أربعين، بايعه أكثر من أربعين ألفا كلهم قد بايع عليا قبل موته على الموت ليشتدّ بهم إلى حرب معاوية، وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم في أبيه، فبلغ الحسن مسير معاوية إليه في أهل الشام، فتجهز هو وذلك الجيش وسار عن الكوفة إلى لقائه، وجعل قيس بن سعد ابن عبادة الأنصاري على مقدمته في اثنى عشر ألفا [ (1) ] . فلما نزل المدائن نادى مناد في العسكر، ألا إن قيس بن سعد قتل فانفروا، فثاروا ونهبوا سرادق الحسن حتى نازعوه بساطا تحته، فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا، وكتب إلى معاوية أنه يصير الأمر إليه على أن يشترط ألا يطلب أحدا من أهل الحجاز والمدينة والعراق بشيء كان في أيام أبيه، وكاد معاوية يطير فرحا، وبعث إليه برق أبيض وقال: اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه، فاصطلحا على ذلك، واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر بعده وأن يعطيه ما في بيت مال الكوفة- وهو خمسة آلاف ألف-
وخراج دارابجرد [ (1) ] من فارس، وألا يشتم عليّ وهو يسمع، فالتزم شروطه كلها [ (2) ] ، وحقق اللَّه بذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحسن: إن ابني هذا سيد، وعسى اللَّه أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين [ (3) ] ، ثم قام الحسن في أهل العراق فقال: يا أهل العراق! إنه سخّى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي [ (4) ] . وتسلم معاوية الأمر لخمس بقين من ربيع الأول، وقيل من ربيع الآخر، وقيل من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، وكانت خلافة الحسن خمسة أشهر ونصف، وقيل: ستة أشهر، ودخل معاوية الكوفة فقال له عمرو بن العاص: لتأمر الحسن أن يقوم فيخطب الناس ليظهر لهم عيه، فخطب معاوية الناس، ثم أمر الحسن أن يخطبهم، فقام فحمد اللَّه بديهة ثم قال:
أيها الناس، إن اللَّه هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن لهذا الأمر مدة، وإن الدنيا دول، وإن اللَّه عز وجل قال لنبيه: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [ (1) ] ، وأشار إلى معاوية، فقال له معاوية: اجلس وحقدها علي عمرو وقال: هذا من رأيك [ (2) ] . ولحق الحسن بالمدينة وأهل بيته، وحثهم فجعل الناس يبكون عند سيرهم، وقيل للحسن: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: كرهت الدنيا ورأيت أهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد [أبدا] [ (3) ] إلا غلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى، مختلفين لا نية لهم في خير ولا شر، لقد لقي أبي منهم أمورا [عظاما] [ (3) ] ، فليت شعري، لمن يصلحون [بعدي] [ (3) ] وهي أسرع البلاد خرابا. وعرض له رجل في مسيره عن الكوفة فقال له: يا مسعود وجوه المؤمنين، فقال: لا تعد لي، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرى بنو أمية ينزون على منبره رجلا رجلا، فساءه ذلك، فأنزل اللَّه تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (4) ] ، وهو نهر في الجنة، وإِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ] خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [ (5) ] تملكها بعدك بنو أمية [ (6) ] ، ولم يف معاوية للحسن بشيء ما شرط. [وقالت] [ (7) ] طائفة للحسن [ (8) ] : يا عار المؤمنين، فقال: العار خير من النار [ (9) ] ، وقال له أبو عامر سفيان بن ليلى: السلام عليك يا مذل المؤمنين! فقال له: لا تقل يا أبا عامر، فإنّي لم أذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك [ (10) ] .
ومات الحسن بالمدينة في ربيع الأول سنة خمس، وقيل: في سنة تسع وأربعين، وقيل سنة إحدى وخمسين [ (1) ] ، ودفن بالبقيع، واتهمت زوجته جعدة بنت الأحنف ابن قيس الكندي أنها سمته بتدسيس معاوية [ (2) ] ، حتى بايع لابنه يزيد، وكان سنة يوم مات ستا وأربعين سنة، وقيل: سبعا وأربعين سنة. وكان أشبههم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأحبهم إليه، وكان رحيما ورعا فاضلا، دعي ورعه وفضله إلى ترك ملك الدنيا رغبة فيما عند اللَّه، ورأى ذلك خيرا من إراقة الدماء في طلبها، وإن كان عند نفسه أحق بها من معاوية [ (3) ] ، وقال: واللَّه ما أحببت منذ علمت ما ينفعني ويضرني أنا إلى أمر أمة محمد، على أن يهراق في ذلك محجمة [ (4) ] دم. وحفظ الحسن عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث ورواها عنه [ (5) ] ، ولم يتكلم بفحش قط، وحج خمس عشرة حجة ماشيا، وخرج من ماله مرتين، وقاسم اللَّه ماله ثلاث مرات، حتى إن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا، ويعطي خفّا ويمسك خفّا، وفضائله كثيرة، وكان له من الولد: الحسن بن الحسن، وفيه العدد والبيت [ (6) ] ، وزيد، وله عقب كثير [ (7) ] ، وعمرو، والحسين، والقاسم، وأبو بكر، وطلحة [ (8) ] ، وعبد الرحمن، وعبد اللَّه، ومحمد، وجعفر، وحمزة، لا
عقب لواحد من هؤلاء [ (1) ] .
[الحسين بن علي رضي الله عنهما]
[الحسين بن علي رضي اللَّه عنهما] والحسين بن علي أبو عبد اللَّه سيد شباب أهل الجنة، ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع، وقيل: علقت به فاطمة عليها السلام بعد مولد الحسن رضي اللَّه عنه بخمسين ليلة [ (1) ] ، وقيل: لم يكن بينهما إلا طهر واحد [ (2) ] ، وقيل: ولد بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر لخمس سنين وستة أشهر من التاريخ، وعقّ عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما عق عن أخيه [ (3) ] ، وسماه حسينا، وكان علي سماه حربا كما سمى أخاه، ويروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو يرقص الحسين: خبقه خبقة ترون عين بقّه، خبقة بخاء معجمة، ويروى بحاء مهملة، وقال ابن دريد: هو بالخاء والحاء، إذا صغر إلى نفسه، وقال ابن قتيبة: شبهه في صغره بعين بقة [ (4) ] . فلما مات معاوية بن أبي سفيان وقام بالخلافة بعده ابنه يزيد بن معاوية وكان معاوية قد أراد الحسين على بيعة يزيد فأبى ذلك، وأخذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل معاوية على المدينة الحسين بالبيعة ليزيد بعد موت معاوية، فسار عنها إلى مكة هو وعبد اللَّه بن الزبير في جماعة. فبلغ ذلك أهل الكوفة، فكتبوا إلى الحسين يستدعونه نحوا من مائة وخمسين كتابا، فبعث إليهم بكتابه مع مسلمة بن عقيل بن أبي طالب فدخلوا الكوفة واجتمع إليه الشيعة، فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فولى عبد اللَّه بن زياد بن أبيه الكوفة، وجمع له معها البصرة، وأمره بطلب مسلمة بن عقيل وقتله أو نفيه. وكان الحسين قد كتب إلى أهل البصرة يدعوهم، فضرب عبيد اللَّه بن زياد عنق رسوله، ثم ركب من البصرة ودخل الكوفة وقد بايع مسلم بن عقيل ثمانية
عشر ألفا، فركب بهم وحاصر عبيد اللَّه فلم يثبتوا وتفرقوا عنه حتى فرّ، فأخذ بعد خطوب وحروب وقتل. وكان قد كتب إلى الحسين بمن بايعه، فخرج من مكة يريد الكوفة يوم الرّوية، فأتاه الخبر بقتل مسلم، فعلم أن أهل الكوفة قد خذلوه، فقام فيمن معه وأعلمهم ذلك فتفرقوا عنه، وبقي معه أهله، وسار فلقيه الحرّ بن يزيد التميمي في ألف فارس، قد بعث به عبيد اللَّه بن زياد، فواقفوه حتى يأخذوه ويأتوا به الكوفة على حكم عبيد اللَّه بن زياد، فامتنع من ذلك، وأراد أن يرجع من حيث أتى فمنعوه ثم ساروا به حتى أنزلوه على غير ماء بموضع من أرض الكوفة يقال له كربلاء- قرب الطف- في يوم الخميس ثاني محرم سنة إحدى وستين. فقدم من الغد عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف، وحال بين الحسين وبين الماء ثلاثة أيام، وأصحابه يقاتلون مع الحسين ليصدونهم عن الماء، ثم قدم شموس ذو الجوش على عمر بن سعد بمناجزة الحسين، فنهض شموس في عشية الخميس لتسع مضين من المحرم، وركب عمر بن سعد ليأخذوا الحسين ويأتوا به عبيد اللَّه ابن زياد، فامتنع، وأصبحوا يوم السبت- وقيل: يوم عاشوراء [ (1) ] ومع الحسين اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا. فقاتلوا حتى قتل عليه السلام، وقد اشتد به العطش، وحزت رأسه، وانتهب متاعه، فوجد به ثلاثة وثلاثون طعنة، وأربع وثلاثون ضربة [ (2) ] ، ثم طرحت جثته ووطئها الفرسان بخيولها حتى رضوا ظهره وصدره، وقيل معه اثنان وسبعون رجلا، منهم سبعة عشر من ولد فاطمة عليها السلام، وقتل ثلاثة وعشرون. وحملت رأسه إلى عبيد اللَّه بن زياد، وكان قتله إحدى مصائب الإسلام، وكان فاضلا دينا كثير الصوم والصلاة والحج، حج خمسا وعشرين حجة ماشيا [ (3) ] ،
وقتل وسنه سبع وخمسون سنة، وقيل ثمان وخمسون سنة، وقيل: أربع وخمسون سنة وستة أشهر [ (1) ] ، وله من الولد على الأكبر، وقتل بالطف [ (2) ] ولا عقب له. وعلي الأصغر وجعفر لا عقب له، وعبد اللَّه قتل صغيرا بالطف [ (2) ] ولا عقب له، فجميع من ينسب إلى الحسين عليه السلام إنما هم من ولد علي بن الحسين، ولا عقب له من أحد سواه [ (3) ] ، وكان [للحسنين] من أمهما فاطمة أخ يقال له: محسّن، مات وهو صغير [ (4) ] .
[فصل في ذكر بنات بنات النبي صلى الله عليه وسلم]
[فصل في ذكر بنات بنات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] اعلم أن بنات بنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث: واحدة من زينب، واثنتان من فاطمة، فأما التي من زينب فإنّها أمامة بنت أبي العاص لقيط بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، ولدت على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يحبها ويحملها على عاتقه وهو في الصلاة، ويضعها إذا سجد [ (1) ] . روى ابن جريج عن ابن أبي عتاب، عن عمرو بن سليم، كانت تلك الصلاة صلاة الصبح، وروى ابن إسحاق عن المقبري عن عمرو بن سليم فقال فيه: في إحدى صلاتي العشي- الظهر أو العصر- وأهدى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلادة من جزع متمغة بالذهب ونساؤه مجتمعات في بيت كلهن، وأمامة هذه جارية تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال لنسائه: كيف ترون هذه؟ فأخذن القلادة فنظرن إليها وقلن: يا رسول اللَّه! ما رأينا أحسن من هذه قط ولا أعجب، فقال: ارددنها إليّ، فلما أخذها قال: واللَّه لأضعنها في رقبة أحب أهل البيت إليّ، قالت عائشة: فأظلمت الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا أراهن إلا وقد أصابهن ما أصابني، [ووجمن] جميعا سكونا، فأقبل بها حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص، فسرى عني [ (2) ] . وأوصى أبو العاص بابنته أمامة إلى الزبير بن العوام وبتركته، فزوجها الزبير
على بن أبي طالب بعد فاطمة رضي اللَّه عنهم، وأوصته بذلك فاطمة، فولدت له محمدا الأوسط. وقال الزبير بن بكار: لم تلد له، وقتل علي وأمامة عنده، فقالت أم الهيثم النخعية [ (1) ] : أشاب ذؤابتي وأذلّ ركني ... أمامة يوم فارقت القرينا تطيف به [ (2) ] لحاجتها إليه [ (2) ] ... فلما استيأست رفعت رنينا وكان علي رضي اللَّه عنه قال لها: تزوجي، فإن أردت التزويج فلا تخرجي من رأي المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، فحملها عمها عبد الرحمن ابن محرز بن حارثة بن ربيعة من الكوفة إلى المدينة، فكتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره أن يخطبها عليه، ففعل فجاءت إلى المغيرة بن نوفل تستأمره، فقال: أنا خير لك منه، فاجعلي أمرك إليّ، وأشهد عليها برضاها بكل ما صنع. فلما استوثق دعا رجلا وقال: تزوجتها وأصدقتها أربعمائة دينار، فكتب مروان بذلك إلى معاوية، وكتب إليه: هي أملك بنفسها فدعها وما اختارت، وأسرها للمغيرة في نفسه، ثم بعثه إلى الصفراء [ (3) ] فمات بها. وقد ولدت له أمامة يحيى بن المغيرة، وبه كان يكنى، وماتت أمامة، وقال الزبير: ولم تلد له، فليس لزينب عقب [ (4) ] ، وأما اللتان من فاطمة رضي اللَّه عنها
فأم كلثوم وزينب.
[أم كلثوم بنت علي]
[أم كلثوم بنت علي] فأم كلثوم: ابنة علي بن أبي طالب، ولدت قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخطبها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه إلى عليّ، فقال: إنها صغيرة، فقال له: زوجنيها يا أبا الحسن، فإنّي أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، فقال له علي رضي اللَّه عنه: أنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها، فبعثها إليه بردّ وقال لها: قولي له: هذا الرّدّ الّذي قلت لك، فقالت: ذلك لعمر، فقال: قولي له: رضيت، رضي اللَّه عنك، ووضع يده على ساقها وكشفها، فقالت: أتفعل هذا؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك- وفي رواية: [للطمت] [ (1) ] عينيك. ثم خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت: تبعثني إلى شيخ سوء؟ فقال: يا بنية فإنه زوجك، فجاء عمر رضي اللَّه عنه إلى مجلس المهاجرين في الروضة، وكان يجلس فيها المهاجرون الأولون، فجلس إليهم فقال: رفئوني [ (2) ] ! فقالوا: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب. سمعت الرفّاء بالمد: الالتئام والاتفاق، ويقال للمتزوج: بالرفاء والبنين، وقد رفأت المملك ترفية وترفياء إذا قلت له ذلك [ (3) ] .
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: كل نسب وسبب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري، فكان لي به النسب والسبب فأردت أن أجمع إليه الصهر فرفّئوه. وأمهرها عمر رضي اللَّه عنها أربعين ألف درهم، فولدت له زيدا ورقية، تزوج رقية بنت عمر إبراهيم بن نعيم النجار فماتت عنده ولم تترك ولدا، وقتل زيد بن عمر خطأ، قتله خالد بن أسلم مولى عمرو، ولم يترك ولدا، فلا بقية لعمر رضي اللَّه عنه في أم كلثوم بنت علي رضي اللَّه عنها. وقد روى أن زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم مرضا جميعا ونقلا ونزل بهما، وأن رجالا مشوا بينهما لينظروا أيهما يقبض أولا فيورّث منه الآخر، وأنهما قبضا في ساعة واحدة، فلم يدر أيهما قبض قبل صاحبه، فكانت في زيد وأمه سنّتان، ماتا في ساعة واحدة، لم يعرف أيهما مات قبل الآخر، فلم يورث واحد منهما من صاحبه، ووضعا معا في موضع الجنائز، وأخرت أمه وقدم زيد مما يلي الإمام [ (1) ] ، فجرت السّنّة في الرجل والمرأة بذلك بعد. وصلى عليهما عبد اللَّه بن عمر [ (2) ] ، ولما قتل عمر رضي اللَّه عنه عن أم كلثوم، تزوجها محمد بن جعفر بن أبي طالب فمات عنها، فتزوجها عون بن جعفر ابن أبي طالب فماتت عنده [ (3) ] ، رحمها اللَّه.
[زينب بنت علي]
[زينب بنت عليّ] وزينب بنت علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه [ (1) ] زوجها أبوها علي رضي اللَّه عنه بعبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له عليا، وفيه البقية من ولده وأم كلثوم وتزوجت ولها عقب، ورقية ماتت قبل أن تبلغ الحلم، واللَّه أعلم.
فصل في ذكر آل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر آل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: وآل الرجل أهله، فإما أن تكون الألف منقلبة عن واو، وإما أن تكون بدلا من الهاء، وتصغيره أويل وأهيل، وقد يكون ذلك لما لا يعقل. وأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه، والجمع أهلون وأهلات [ (1) ] ، قال: وأهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- ويقال لهم آل البيت- قيل: نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقيل: الرجال الذين هم آله، وآل الرجل أهله، وآل اللَّه وآل رسوله أولياؤه، أصلها أهل، ثم أبدلت الهاء بهمزة، فصارت في التقدير آل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا. قال: فلما كانوا بالآل الأشرف الأخص دون الشائع الأعم، حتى لا يقال إلا في نحو قولهم: آل اللَّه، واللَّهمّ [صل] [ (2) ] على محمد وعلى آل محمد، وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [ (3) ] ، قال ولا يقال: آل الخياط، كما يقال أهل الخياط ولا آل الإسكاف [ (4) ] . وقال صاحب الصحاح: وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضا: أتباعه، وقيل: آل الرجل مشتق من يئول إذا رجع، فآل الرجل هم الذين يرجعون إليه ويضافون له، ويليهم أي يسوسهم، فيكون مآلهم إليه ومنه الإيالة وهي السياسة، فآل الرجل هم الذين يسوسهم. ويقال [آل] الرجل له نفسه، وآله لمن يتبعه [ (5) ] ، ويقال: أهل الرجل
لأهله وأقاربه، فمن الأول: قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- لما جاءه أبو أوفى بصدقة-: اللَّهمّ [صل] [ (1) ] على آل أبي أوفى [ (2) ] ، وقوله تعالى: سلام على آل ياسين [ (3) ] ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم [ (4) ] ، فآل إبراهيم هو إبراهيم، لأن الصلاة المطلوبة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم هي الصلاة على إبراهيم نفسه، وآله تبع له فيها. وقيل لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب، وزعموا أن الأدلة المذكورة المراد بها الأقارب، وأن قوله: كما صليت على آل إبراهيم: آل إبراهيم الأنبياء، والمطلوب من اللَّه تعالى أن يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كما صلى على جميع الأنبياء والمرسلين من ذرية إبراهيم، لا إبراهيم وحده، كما هو مصرح به في بعض الألفاظ من قوله: على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وكذا في إِلْ ياسِينَ، فإنه قرئ: آل ياسين [ (5) ] ، والمراد أتباعه. والصواب من هذا كله: أن الآل إذا انفرد، دخل فيها المضاف، كقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (6) ] ، ولا ريب في دخوله في آله هنا، وقوله وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ [ (7) ] ، ونظائره، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ
[صل] [ (1) ] على آل أبى أوفى، ولا ريب في دخول أبى أوفى نفسه في ذلك، وقوله: اللَّهمّ صلى على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم - هنا أكثر روايات البخاري- وإبراهيم هنا داخل في آله. وأما إذا ذكر الرجل ثم ذكر آله، لم يدخل فيهم، ففرق بين اللفظين المجرد والمقرون، فإذا قلت: أعط هذا الزيد وآل زيد، لم يكن زيد هنا داخلا في آله، وإذا قلت: أعطه لآل زيد تناول زيدا وآله، فعلم أن اللفظ واحد تختلف دلالته بالتجريد والاقتران، كالفقير والمسكين: هما صنفان، إذا قرن بينهما، وصنف واحد إذا أفرد كل منهما، ولهذا كانا في الزكاة صنفين [ (2) ] ، وفي الكفارة صنفا واحدا، وكالإيمان والإسلام، والبر والتقوى، والفحشاء والمنكر، والفسوق والعصيان، ونظائر ذلك في القرآن كثيرة. وقد اختلف في آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أربعة أقوال، أحدها: أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال: أحدها، أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعيّ وأحمد في رواية عنه، والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبى حنيفة، وأحد أقوال أحمد، واختيار ابن القاسم من أصحاب مالك، والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب، فيدخل فيهم بنو المطلب، وبنو أميه، وبنو نوفل ومن فوقهم من بطون قريش، وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك، على ما حكاه صاحب (الجواهر) عنه.
وحكاه اللخمي في (التبصرة) عن أصبغ لا عن أشهب، وهذا القول في الأول، أعنى أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة، هو منصوص عن الشافعيّ وأحمد، والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحابهما، والدليل عليه ما خرجه البخاري من حديث إبراهيم ابن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يؤتى بالتمر عند صرام النخل، فيجيء هذا بتمره وهذا من تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة؟ ترجم عليه باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل، وهل يترك الصبى فيمسّ تمر الصدقة [ (1) ] ؟ وخرجه مسلم من حديث وكيع عن شعبة، عن محمد- وهو ابن زياد- سمع أبا هريرة يقول: أخذ الحسن بن على رضي اللَّه عنه تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كخ كخ! ارم بها، أما علمت أنّا لا تحل لنا الصدقة؟ [ (2) ] ؟ وخرج مسلم من حديث إبراهيم بن علية قال: حدثنا أبو حبّان قال: حدثني يزيد بن حبّان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلم إلى زيد
ابن أرقم رضي اللَّه عنه، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت [ (1) ] يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: يا ابن أخي، واللَّه لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فما حدثتكم فاقبلوا، وما [ (2) ] لا فلا تكلفونيه [ (3) ] . ثم قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما [ (4) ] خطيبا بماء يدعى خمّا [ (5) ] بين مكة والمدينة، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتى رسول ربى [ (6) ] فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب اللَّه تعالى، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللَّه واستمسكوا به، فحث على كتاب اللَّه ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكّركم اللَّه في أهل بيتي، أذكركم اللَّه [في أهل بيتي، أذكركم اللَّه في أهل بيتي] [ (7) ]- ثلاثا [ (8) ] - ثم قال له حصين: ومن أهل بيته
يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل على، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة [ (1) ] ؟ قال نعم [ (2) ] . وخرجه من حديث جرير عن أبى حيان به، وزاد فيه: كتاب اللَّه فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأ ضل [ (3) ] . وخرجه من حديث حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق، وعن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيرا، لقد صاحبت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصليت خلفه، وساق الحديث بنحو حديث أبى حيان، غير أنه قال: ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب اللَّه عز وجل، وهو حبل اللَّه، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة، وفيه: فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وأيم اللَّه، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده [ (4) ] . وخرجه الترمذي من حديث محمد بن فضل. حدثنا الأعمش عن عطية بن سعد، والأعمش عن حبيب بن أبى ثابت، عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. قال: هذا حديث [حسن] غريب [ (5) ] .
وخرجه الحاكم من حديث جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبد اللَّه النخعي، عن مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه وأهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. قال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وقد روى: إني تارك فيكم الثقلين، كتاب اللَّه وعترتي، كتاب اللَّه حبلا ممدودا من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، قال أبو البقاء: أما كتاب اللَّه وعترتي الأولين فبدلان من الثقلين. وأما كتابا الثاني فهو بدل من كتاب الأول، وجوّد ذلك وحسّنه ما اتصل به من زيادة المعنى، وهو قوله: حبلا ممدودا، وكذلك عترتي أهل بيتي، ونصب حبلا ممدودا على أنه حال أو مفعول ثانى لتارك، ولو روى كتاب اللَّه حبلا ممدودا جاز على أنه مستأنف. وقد ثبت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الصدقة لا تحل لآل محمد [ (2) ] ، وخرج البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه عنها أن فاطمة والعباس رضي اللَّه عنهما أتيا أبا بكر رضي اللَّه عنه يلتمسان ميراثهما من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر، فقال لهما أبو بكر رضي اللَّه عنه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورّث، ما تركناه صدقه، إنما يأكل آل محمد من [هذا المال] . قال أبو بكر رضي اللَّه عنه واللَّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يصنعه] فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة رضي اللَّه عنها فلم تكلمه حتى ماتت. اللفظ للبخاريّ، خرجه في الفرائض [ (3) ] وخرجه في المغازي [ (4) ] في حديث بنى النضر
وقال في آخره: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، واللَّه لقرابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليّ أن أصل من قرابتي، وذكره في كتاب الفيء، أطول من هذا وأشبع من حديث عقيل وصالح بن كيسان ومعمر، وهي كلها مما اتفقا عليه، وقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، يعنى مال اللَّه، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لهم خواصّ: منها حرمان الصدقة، ومنها أنهم لا يرثونه، ومنها استحقاقهم خمس الخمس، ومنها اختصاصهم بالصلاة عليه. وقد ثبت أن تحريم الصدقة، واستحقاق خمس الخمس، وعدم توريثهم، يختص ببعض أقاربه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكذلك الصلاة على آله خاصة ببعضهم غير عامة لهم. وخرج مسلم من حديث مالك عن الزهري، أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا: واللَّه لو بعثنا هذين الغلامين- قال لي وللفضل بن عباس- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدى الناس وأصابا ما تصيبه الناس. قال: فبينما هما في ذلك جاء على بن أبى طالب رضي اللَّه عنه فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال عليّ: لا تفعلا [فو اللَّه] [ (1) ] ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: واللَّه ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فو اللَّه لقد نلت صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما نفسناه عليك، قال عليّ: أرسلوهما، فانطلقا واضطجع عليّ، قال: فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال: أخرجا ما تصررانه، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول اللَّه، أنت أبّر الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدى إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون.
قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب رضى اللَّه عنها تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه. قال: ثم قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، أدعوا لي محمية- وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب. قال: فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن العباس، فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك لي، فأنكحنى، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا. قال الزهري: ولم يسمه لي، [ (1) ] وخرجه أيضا من حديث يونس [بن يزيد] [ (2) ] عن ابن شهاب، عن عبد اللَّه
ابن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث [بن عبد المطلب] [ (1) ] وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس: ائتيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ... وساق الحديث بنحو حديث مالك وقال فيه: فألقى عليّ رضي اللَّه عنه رداءه ثم اضطجع وقال: أنا أبو حسن القرم، واللَّه لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال في الحديث: ثم قال لنا: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد. وقال أيضا ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادعوا إليّ محمية بن جزء- وهو رجل من بنى أسد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمله على الأخماس. قال كاتبه: هكذا وقع، وهو رجل من بنى أسد، وإنما هو من بنى زبيلة. وخرج مسلم وأبو داود من حديث حيوة، أخبرنى أبو صخر عن يزيد بن قسيط عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتى به ليضحّى به فقال: يا عائشة هلمي المدية، ثم قال: اشحذيها بحجر [- وقال أبو داود: أشحثيها بحجر-] [ (2) ] ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: باسم اللَّه، اللَّهمّ تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به [ (3) ] . فانظر كيف غاير بين آله وأمته، فإن حقيقة العطف المغايرة، وأمته صلّى اللَّه عليه وسلّم
أعمّ من آله، وتفسير الآل بكلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أولى من تفسيره بكلام غيره، وهذا القول من أن آل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم هم الذين تحرم عليهم الصدقة، هو أصح الأقوال الأربعة. وأرجح ما في هذا القول من الأقوال الثلاثة مذهب الشافعيّ رحمة اللَّه، لما خرج البخاري من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي اللَّه عنه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول اللَّه! أعطيت بنى المطلب وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد [ (1) ] . وقال الليث: حدثني يونس، وزاد قال جبير: ولم يقسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل [شيئا] [ (2) ] . قال ابن إسحاق: وعبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم- وهي عاتكة بنت مرة- وكان نوفل أخوهم لأبيهم، ذكره البخاري في كتاب فرض الخمس، وفي مناقب قريش في غزوة خيبر. فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكم هاشم وبنى المطلب في شيء أصلا، لأنهم شيء واحد بنصّ كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو عبد شمس وبنو نوفل ابني عبد مناف وسائر قريش عن هذين البطنين وباللَّه التوفيق. واعترض الحنفيون بأن قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، إنما أراد أنهم لم يفترقوا في الجاهلية لأنهم دخلوا مع بنى هاشم الشعب، إذ [كان] [ (3) ] بنو عبد شمس حينئذ حزبا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، [وأهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هم بنو هاشم] [ (4) ] فقط الذين هم بنو العباس، وبنو طالب، وبنو الحارث، وبنو أبى طالب، وبنو أبى لهب. فإنه لا خلاف أن عقب هاشم انحصر في عبد المطلب
فصار بنوه آل محمد بيقين. واعترض الشيعة العلوية على الحنفية وغيرهم بأنه ليس أهل البيت إلا من ذكرهم اللَّه تعالى بقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (1) ] ، وقد فسرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين سئل: من أهل بيتك؟ فقال: على وفاطمة، والحسن والحسين. خرج الترمذي من طريق يحى بن عبيد، عن عطاء بن أبى رباح، عن عمر بن أبى سلمة [ربيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، وزينب بنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نزلت هذه الآية على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (1) ] في بيت أم سلمة رضي اللَّه عنها فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة وحسنا وحسينا رضي اللَّه عنهم فجلّلهم بكساء، وعلى رضي اللَّه عنه خلف ظهره [فجلله بكساء] ثم قال: اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللَّه؟ قال: أنت على مكانك وأنت إلى خير [ (2) ] . قال: وهذا حديث غريب من هذا الوجه. ذكره في مناقب آل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكره أيضا بهذا الإسناد في كتاب التفسير وقال: هذا حديث غريب من حديث عطاء عن عمر بن أبى سلمة [ (3) ] . وخرج مسلم من حديث زكريا بن أبى زائدة، عن مصعب بن أبى شيبة، عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة رضي اللَّه عنها: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
[غداة] [ (1) ] وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن على فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله ثم قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (2) ] . وخرج أبو بكر بن أبى شيبة من حديث محمد بن مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن شداد أبى عمار قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم فذكروا عليا رضي اللَّه عنه فشتموه، فشتمته معهم، فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: بلى، قال: أتيت على فاطمة أسألها عن عليّ رضي اللَّه عنه عنهما فقالت: توجه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلست فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه على وحسن وحسين، أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل، فدخل علينا وفاطمة، فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبا أو قال: كساء، ثم تلا هذه الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق. وأخرجه الحاكم من حديث بشر بن بكر، حدثنا الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني واثلة بن الأسقع قال: أتيت عليا فلم أجده، فقالت لي فاطمة: انطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعوه، فجاء مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخلا ودخلت معهما، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحسن والحسين فأقعد كل واحد منهما على فخذيه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها، ثم لفّ عليهم ثوبا وقال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي، اللَّهمّ [أهل
بيتي] [ (1) ] . قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (2) ] قال البخاري في تاريخه: محمد ابن مصعب القرقساني أبو عبد اللَّه [لم] يسمع الأوزاعي، وكان يحى بن معين يسيء الرأى فيه [ (3) ] . وأخرج الحاكم من طريق عبد الرحمن [بن عبد اللَّه] [ (4) ] بن دينار، عن شريك ابن أبى نمر، عن عطاء بن يسار، عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت: في بيتي نزلت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ، قالت: فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين رضي اللَّه عنهم فقال: هؤلاء أهل بيتي. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري [ (5) ] . وخرج أيضا من طريق الحسن بن عرفه قال: حدثني على بن ثابت الجزري، حدثنا بكير بن مسمار- مولى عامر بن سعد- قال: سمعت عامر بن سعد يقول: قال سعد: نزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوحي، فأدخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال: [اللَّهمّ] [ (6) ] هؤلاء أهلي وأهل بيتي [ (7) ] . وخرج من طريق أبى بكر بن أبى شيبة [الحزامي] [ (1) ] قال: حدثنا محمد
ابن إسماعيل بن أبى فديك، حدثني عبد الرحمن بن أبى بكر المليكي عن إسماعيل ابن عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب، عن أبيه قال: لما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الرحمة هابطة قال: ادعوا لي ادعوا لي، فقالت صفية: من يا رسول اللَّه؟ قال: أهل بيتي: عليا وفاطمة والحسن والحسين، فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كساءه، ثم رفع يديه ثم قال: اللَّهمّ [هؤلاء] [ (1) ] آلى فصلّ على محمد وعلى آل محمد، وأنزل اللَّه عزّ وجل إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد صحت الرواية على شرط الشيخين أنه علمهم الصلاة على أهل بيته كما علمهم الصلاة على آله [ (2) ] وذكر من طريق البخاري حديث كعب بن عجرة ثم قال: وإنما خرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعا هم [ (3) ] . وخرج الحاكم من طريق موسى بن هارون، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية: نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [ (4) ] ، دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [عليا] [ (1) ] وفاطمة، وحسنا وحسينا فقال: اللَّهمّ [هؤلاء] [ (1) ] أهلي. قال الحاكم: هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . وخرجه ثانيا ثم قال: اتفق الشيخان على صحة هذا الإسناد واحتجّا به ولم يخرجاه وإنما خرجا بهذا الإسناد قصة أبي تراب. وخرج من طريق عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنى حميد وعلى بن زيد، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يمرّ بباب فاطمة رضي اللَّه عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. [ولم يخرجاه] [ (2) ] . واعترض على الشيعة بأن قيل: لا نسلم أن أهل البيت في الآية من ذكرتم، بل هم نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل سياقها، وانتظام ما استدللتم به معه، فإن اللَّه تعالى قال: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ، إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ] [ (3) ] ، ثم استطردها إلى أن قال: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (4) ] وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [ (5) ] الآية، فخطاب نساء النبي مكتنفا لذكر أهل البيت قبله وبعده منتظما له، فاقتضى أنهن المراد به، وحينئذ لا يكون لكم في الآية متعلق أصلا، ويسقط الاستدلال بها بالكلية، وما أكدتم به قولكم من السنة فأخبار آحاد لا تقولون بها مع أن دلالتها ضعيفة. فأجاب الشيعة بأن قالوا: الدليل على أن أهل البيت في الآية من ذكرنا، النص والإجماع. أما النص فما ثبت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه بقي بعد نزول الآية ستة أشهر
يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة عليها السلام فينادي: الصلاة يا أهل البيت: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً: رواه الترمذي وغيره وهو تفسير منه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأهل البيت بفاطمة ومن في بيتها، وهو نصّ، وأنصّ منه حديث أم سلمة أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل خلف فاطمة وعليّ وولديهما، فجاءوا فأدخلهم تحت الكساء، ثم جعل يقول: اللَّهمّ إليك لا أبالى النار أنا وأهل بيتي، اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، وفي رواية: حامتي، اللَّهمّ أذهب عنهم الرجس [وطهرهم] تطهيرا، قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول اللَّه، ألست من أهل بيتك؟ قال: أنت إلى خير، أنت منهم. وأما الإجماع: فلأن الأمة اتفقت على أن لفظ أهل البيت إذا أطلق إنما ينصرف إلى من ذكرناه دون النساء، ولو لم يكن إلا شهرته فيهم كفى، وإذا ثبت بما ذكرناه من النص والإجماع أن أهل البيت عليّ وزوجته وولداه، فما استدللتم به من سياق الآية ونظمه على خلافه لا يعارضه، لأنه مجمل يحتمل الأمرين، وقصارها أنه ظاهر فيما ادعيتم لا يعارضه النص والإجماع، ثم إن الكلام العربيّ يدخله الاستطراد [والاعتراض، والتخلل] الجملة الأجنبية بين الكلام المنتظم المتناسب كقوله تعالى: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ* وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [ (1) ] ، فقوله: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ جملة معترضة من جهة اللَّه تعالى بين كلام بلقيس، وقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [ (2) ] ، أي لا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقرآن، وما بينهما اعتراض، وهو كثير في القرآن وغيره من الكلام العربيّ، فلم لا يجوز أن يكون قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ جملة معترضة متخللة لخطاب نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على هذا النهج، وحينئذ يضعف اعتراضكم. وأما ما ذكرناه من اختيار الآحاد، فإنما أكدنا به دليل الكتاب، ثم هي لازمة لكم، فنحن أوردناها إلزاما لا استدلالا.
القول الثاني: أن آل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هم ذريته وأزواجه خاصة، قال ابن عبد البر- وقد ذكر حديث مالك عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن عمرو بن سليم، قال-: أرى أبو حميد قد كره استدلال قوم بهذا الحديث، على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة، لقوله في حديث مالك، عن نعيم المجمّر وفي غير ما حديث: اللَّهمّ [صل] على محمد وعلى آل محمد. وفي هذا الحديث: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته فقالوا: هذا يفسّر هذا الحديث، ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته. قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد وذريته: صلى اللَّه عليك إذا واجهه، وصلى اللَّه عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم. قالوا: والآل والأهل سواء، وأهل الرجل وآله سواء، وهم الأزواج والذرية، بدليل هذا [الحديث. وقد] احتج أصحاب هذا القول بما في الصحيحين من حديث أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا [ (1) ]
ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة، ولم [يقل:] كل بنى هاشم ولا بنى المطلب، لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة، وأما ذريته صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه وكان رزقهم قوتا، وما حصل من الأموال لأزواجه من بعده كن يتصدقن به، ويجعلن رزقهن قوتا، فقد جاء عائشة مال عظيم فقسمته كله في الحال وهي جالسة، فقالت لها الجارية لو تركت لنا منه درهما نشتري به لحما؟ فقالت: لو ذكّرتينى فعلت ومما في الصحيحين عن عائشة قالت: ما شبع آل محمد من خبز برّ مأدوم ثلاثة أيام حتى قبض [ (1) ] . ثانيه: قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبنى المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها، قالوا: إنما دخلت الأزواج في الآل وخصوصا أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تشبيها بالنسب، لأن اتصاله بهن صلّى اللَّه عليه وسلّم غير مرتفع، فإنّهنّ محرمات على غيره من بعده، وهن زوجاته في الآخرة.
فالنسب الّذي لهن بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم مقام النسب، وقد نصّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصلاة عليهنّ، وقد قال تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [ (1) ] إلى قوله: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [ (2) ] إلى قوله: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً* وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [ (3) ] فدخلن في أهل البيت، لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه. وزعم بعضهم أن الأهل يختص بالزوجات، ويدخل فيه الأولاد، لقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ثم قال بعد [ذلك] : وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ، وهذا بخلاف الأول، فإن الأولاد يدخل فيه. واعترض بأن تنصيصه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأزواج والذرية لا يدل على الاختصاص، بل هو حجة على عدم الاختصاص بهم، لما خرج أبو داود من حديث نعيم المجمر، عن أبى هريرة رضي اللَّه عنه في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم [إنك حميد مجيد] [ (4) ] فجمع بين الأزواج والذرية والأهل، وإنما نص عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقيون بالدخول في الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحق من دخل
فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام تنبيها على شرفه وتخصيصا له بالذكر من بين النوع، لأنه أحق أنواع النوع بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان، أحدهما: أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد بالعام ما عداه، والطريق الأخرى: أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له، تنبيها على مزيد شرفه، وهذا لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [ (1) ] وقوله: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ [ (2) ] . القول الثالث: أن آله صلّى اللَّه عليه وسلّم أتباعه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم، وأقدم من روى عنه هذا القول جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه، ذكره البيهقي عنه، ورواه عن سفيان الثوري، واختاره بعض أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقه، ورجحه الشيخ أبو زكريا النووي في شرح مسلم، واختاره الأزهري، والحجة لهذا القول أن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه، وأمره قريبهم وبعيدهم، وأن اشتقاق هذه اللفظة تدل عليه، فإنه من آل يؤول إذا رجع، ومرجع الأتباع إلى متبوعهم، لأنه إمامهم [ومولاهم] ، ولهذا
كان قوله تعالى: إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ [ (1) ] المراد به أتباعه المؤمنون به من أقاربه وغيرهم، وقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (2) ] المراد به أتباعه وشيعته. وقد خرج البيهقي [ (3) ] من حديث واثلة بن الأسقع، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا حسنا وحسينا، فأجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة في حجره وزوجها، ثم لف عليهم ثوبه ثم قال: اللَّهمّ هؤلاء أهلي، قال واثلة: فقلت: يا رسول اللَّه! وأنا من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي [قال: فإنّها لمن أرجى ما أرجو] [ (4) ] ، قالوا: ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بنى ليث بن بكر بن عبد مناف، وإنما هو من أتباع النبي [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم.
واعترض على هذا القول بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد رفع الشبهة وأزالها بقوله: إن الصدقة لا تحل لآل محمد، وبقوله: إنما يأكل آل محمد من هذا المال، وبقوله: اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا، وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة قطعا، فأولى ما حمل عليه الآل في الصلاة الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك. وأيضا فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب على وعلى آله عند الشافعيّ وغيره كما تقدم ذكره، وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجب الصلاة عليه فإنه بلا شك يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها ولا يستحبها لسائر المؤمنين، ولا يجوزها لغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآله، فمن قال: إن آله في الصلاة هم كل الأمة فقد أبعد غاية البعد، بدليل أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شرع في التشهد السلام والصلاة، فشرع في الصلاة تسليم المصلى على رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أولا، وبعده سلام المصلى على نفسه ثانيا، وعلى سائر عباد اللَّه الصالحين ثالثا، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد اللَّه صالح في الأرض والسماء [ (1) ] .
وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه، وهذا بين يؤيده أن اللَّه تعالى أمر عباده المؤمنين بالصلاة على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذكر حقوقه، وما خصه تعالى به دون أمته: من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده، ومن سائر ما ذكر من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله، ثم قال: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [ (1) ] ، ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهم إياهن وأبناؤهن، ومن ذكر دخولهن عليهنّ، ثم عقب ذلك بما حق من حقوقه الأكيدة على الأمة وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم، مستفتحا ذلك الأمر بإخباره تعالى [بأنه] وملائكته يصلون عليه، فسأل الصحابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بأي [صيغة] يؤدون هذا الحق؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ [صل] على محمد وعلى آل محمد [ (2) ] ، فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها،
لأن ذلك [مما يرفع اللَّه به قدره] [ (1) ] ، ويزيده اللَّه به شرفا وعلوا صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد الأتباع بما تقدم من النصوص، واللَّه أعلم. القول الرابع: أن آله صلّى اللَّه عليه وسلّم هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة، واحتج لهذا القول بما خرجه الطبراني من طريق نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبى مريم، عن يحى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من آل محمد؟ فقال: كل تقى [ (2) ] وتلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [ (3) ] ، قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا نوح، تفرد به نعيم. وقد رواه البيهقي من حديث أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز عن أنس فذكره، ونوح هذا ونافع بن هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، قال ابن معين: نوح بن أبى مريم ليس بشيء ولا يكتب حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال السعدي: سقط حديثه، وقال ابن عدي: وعامة حديثه لا يتابع، ونافع أبو هرمز السلمي بصرى، قال ابن معين: ليس بشيء، ومرة قال: يروى عن أنس، ليس بثقة. كذاب، وقال أحمد: ضعيف الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه غير محفوظ، والضعف على رواياته بيّن. واحتجوا بأن اللَّه تعالى قال لنوح عليه السلام عن ابنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ [ (4) ] ، فأخرجه بشركه أن يكون من أهله، فعلم أن آل
الرسول هم أتباعه، وأجاب الشافعيّ- رحمه اللَّه- عن هذا بأن المراد إنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم ووعدناك نجاتهم، لأن اللَّه تعالى قال له قبل ذلك: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ، فليس ابنه من أهله الذين ضمن له نجاتهم، ويزيد صحة هذا الجواب أن سياق الآية يدل على أن المؤمنين قسم غير أهله الذين هم أهله، لأنه تعالى قال: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ
[ (1) ] ، فمن آمن معطوف على المفعول بالحمل وهم أهل، والاثنان من كل زوجين، واحتجوا بحديث واثلة المتقدم، وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل واثلة في حكم الأهل تشبيها بمن يستحق هذا الاسم. والصواب: أن الأتقياء من أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم هم أولياؤه، فمن كان منهم من أقاربه فهو من أوليائه لا من آله، فقد يكون الرجل من آله وأوليائه كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه ولا يكون لا من آله ولا من أوليائه كمن لم يؤمن به، وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله، كخلفائه في أمته، الداعين إلى سنته، الذابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه. وقد ثبت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن آل- أبى فلان- ليسوا لي بأولياء، إنّ أوليائي المتقون كانوا ومن كانوا [ (2) ] ، فالمتقون هم أولياء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأولياؤه
أحب إليه، قال تعالى: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [ (1) ] ، وسئل صلّى اللَّه عليه وسلّم: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قيل: من الرجال؟ قال: أبوها. متفق عليه [ (2) ] وذلك أن المتقين هم أولياء اللَّه تعالى، كما قال عزّ من قائل: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ [ (3) ] ، فأولياء اللَّه تعالى أولياء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم. تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الخامس ويليه الجزء السادس وأوله: «فصل في ذكر ذرية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم» .
المجلد السادس
[المجلد السادس] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل في ذكر ذرية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن اشتقاق لفظ الذرية [على] ثلاثة أقوال، أحدها: أنها مشتقة من ذرأ، قال الكسائي: وذرية الرجل: النشؤ الذين خرجوا منه، وهو من ذروت وذريت، وليس بمهموز، قال أبو عبيدة: أصله مهموز ولكن العرب تركت الهمز فيه وفي آخر وغيره، وهو في مذهب أبي عبيدة من ذرأ اللَّه الخلق، كما قال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [ (1) ] أي أنشأهم وخلقهم، قال تعالى: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [ (2) ] أي يخلقكم، فكأن ذرية الرجل من خلق اللَّه منه ومن نسله، ومن أنشأ من صلبه، وقال ابن فارس في (مقاييسه) : قولهم ذرأنا الأرض بذرناها [ذرءا] ذرىء على فعيل، ومن هذا الباب: ذرأ اللَّه الخلق يذرؤهم ذرءا، خلقهم، وفي التنزيل: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [ (3) ] ، وقال ثعلب: معناه يكثركم فيه، أي في الخلق والذرية، وكان ينبغي أن تكون مهموزة فكثرت فأسقط الهمز. ثانيها: أنها من الذر الّذي هو النمل الصغار، وهذا قول ضعيف. ثالثها: أنها من ذرأ يذرأ إذا فرق، والقول الأول أصحها، لأن الاشتقاق والمعنى يشهد ان له، قال تعالى: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [ (3) ] ، وفي الحديث، أعوذ بكلمات اللَّه التامات
[اللاتي] لا يجاوزهن برّ ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ [ (1) ] ، [قال
تعالى:] وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [ (1) ] وقال تعالى: وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ [ (2) ] ، فالذرية منه بمعنى مفعولة، أي مذرورة، ثم أبدلوها همزها ياء فقالوا: ذرية. ولا خلاف أن الذرية تقال على الأولاد الصغار والكبار، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: الذريات عندنا إذا كانت بالألف: الأعقاب والنسل، فأما الذين في حجورهم خاصة فإنّهم الذرية، انتهى. وقد قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [ (3) ] ، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ [ (4) ] ، وقال تعالى: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [ (5) ] وقال تعالى: وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [ (6) ] . وهل يقال الذرية على الآباء؟ فيه قولان ليس هذا موضع بسط القول فيهما، فإذا ثبت هذا فالذرية الأولاد وأولادهم، وهل يدخل فيها أولاد البنات؟ فيه قولان، أحدهما: يدخلون، وهو مذهب الشافعيّ وأحد قولي
أحمد، ودليله إجماع المسلمين على دخول أولاد فاطمة رضى اللَّه عنها في ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، المطلوب لهم من اللَّه تعالى الصلاة عليهم، لأن أحدا من بناته لم يعقب عقباً باقيا غيرها، فمن انتسب إليه صلّى اللَّه عليه وسلم من أولاد بيته فإنما هو من جهة فاطمة رضى اللَّه عنها خاصة. وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلم في الحسن ابن بنته، إن [ابني] هذا سيد [ (1) ] ، فسماه ابنه، ولما نزلت آية المباهلة [وهي قوله تعالى:] [ (2) ] فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ [ (3) ]
الآية، دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا للمباهلة. وخرج الحاكم من طريق أحمد الإمام ابن عفان، حدثنا وهيب حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن أبي راشد، عن يعلى بن منية الثقفي قال: جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضمهما إليه ثم قال: إن الولد مبخلة مجبنة محزنة [ (1) ] . قال صحيح على شرط مسلم.
وفي حديث شريك عن عبد الملك بن عمير قال: دخل يحى بن يعمر على الحجاج، ومن حديث صالح من موسى، حدثنا عاصم بن بهدلة قال: اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن على، فقال الحجاج: لم يكن من ذرية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعنده يحى بن يعمر فقال له: كذبت أيها الأمير، فقال: لتأتينى على ما قلت بينة ومصداق من كتاب اللَّه تعالى أو لأقتلنّك، فقال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى [ (1) ] إلى قوله تعالى: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى [ (1) ] فأقرّ اللَّه تعالى أن عيسى من ذرية إبراهيم بأمه، والحسن بن على من ذرية محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بأمه، قال: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسى؟ قال: ما أخذ اللَّه على الأنبياء ليبيّننّه للناس ولا يكتمونه، قال اللَّه تعالى: فَنَبَذُوهُ وَراءَ [ظُهُورِهِمْ] وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا [ (2) ] ، قال: فنفاه إلى خراسان [ (3) ] .
وخرج من طريق عبيد اللَّه بن موسى، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن عليّ رضى اللَّه عنه قال: لما ولدت فاطمة الحسن رضى اللَّه عنهما، جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قال: قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسن، فلما ولدت الحسين رضى اللَّه عنه جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو حسين، ثم لما ولدت الثالث جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، [فقال] : أرونى ابني، ما سميتموه؟ قلت: سميته حربا، قال: بل هو محسن، قال: إنما أسميتهم باسم ولد هارون عليه السّلام: شبر، وشبير، ومشبر [ (1) ] . ومن طريق محمد بن إسماعيل بن أبى فديك، حدثنا محمد بن موسى المخزومي، حدثنا عون بن محمد عن أبيه، عن أم جعفر أمه، عن جدتها أسماء، عن فاطمة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أتاها يوما فقال: أين ابناي؟ فقالت ذهب بهما عليّ، فتوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة وبين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا عليّ! ألا تقلب ابنىّ قبل
الحر؟ .. وذكر باقي الحديث. قال: محمد بن موسى هذا هو ابن مشمول مدينى ثقة، وعون هذا هو ابن محمد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع، هو وأبوه ثقتان، وأم جعفر هي ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وجدّتها أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهم، وكلهم أشراف ثقات [ (1) ] . وخرج أيضا من طريق وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب، عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، عن أبيه قال: خرج [علينا] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر] وهو حامل [أحد] ابنيه الحسن أو الحسين، فتقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الصلاة فوضعه عند قدمه اليمنى، فسجد رسول اللَّه سجدة أطالها، قال أبى: فرفعت رأسي من بين الناس، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد، وإذا الغلام راكب على ظهره، فعدت فسجدت، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال الناس: يا رسول اللَّه! لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها، أفشيء أمرت به أو كان يوحى إليك؟ قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته. قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . ومن طريق ابن نعيم الفضل بن دكين، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم عن أبى ظبيان.
عن سلمان قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: الحسن والحسين ابناي، من أحبهما أحبنى، ومن أحبنى أحبه [اللَّه] ، ومن أحبه اللَّه أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضنى، ومن أبغضنى أبغضه اللَّه، ومن أبغضه اللَّه أدخله النار، قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . ومن طريق عثمان بن سعيد الدارميّ، حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا عطاء بن عجلان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس عن أم الفضل قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا أرضع الحسين بن على بلبن ابن كان يقال له قثم، قلت: فتناوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فناولته إياه، [فبال] عليه، قالت: فأوهيت بيدي إليه [فقال] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تزرمى ابني، قالت فرشّه بالماء [ (2) ] . وقد ذكر اللَّه تعالى عسى بن مريم عليه السّلام فيمن ذكر من ذرية إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى
قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (1) ] . وفي ذكر عيسى هنا دليل على أن البنت داخلة في الذرية، وذلك أنه تعالى شك عيسى وسائر الأنبياء المذكورين معه في كونهم من ذرية إبراهيم، مع أن عيسى إنما ينتمى إليه من جهة أمه، فدلّ على ما قلناه. واللَّه أعلم. والقول الثاني: أنهم لا يدخلون، وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي أحمد، وحجتهم أن ولد البنات إنما ينسبون إلى آبائهم حقيقة، فإن الهذلي والتيمي والعدوىّ إذا أولد هاشمية لم يكن ولده هاشميا، لأن الولد في النسب يتبع أباه، بخلاف الرّقّ والحرية والدين فإنه يتبع أمه، وقد قيل: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد ولو وصى أو وقف على قبيلة لم يدخل فيها أولاد بناتها من غيرها، وأما دخول أولاد فاطمة رضى اللَّه عنها في ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلشرف هذا الأصل العظيم، والوالد الكريم، الّذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفد إلى أولاد البنات لقوته وجلالته وعظم قدره. وأما دخول عيسى في ذرية إبراهيم عليه السّلام، فإن المسيح لا أب له حتى يرجع إليه، فقامت أمه مقام أبيه، فنسبه اللَّه تعالى إليها، وهكذا كل من انقطع نسبه من جهة أبيه- إما بلعان أو غيره- قامت أمه في النسب مقام أبيه، وكذا في العصبة والولاء، كما هو مذكور في موضعه من كتب الفقه، واللَّه أعلم.
فصل في ذكر عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر عترة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عترة الرجل أسرته وفصيلته، من قول اللَّه تعالى: وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ [ (1) ] . وقيل: عترته- رهطه الأدنون، والعترة: أصل شجرة تبقى بعد القطع، فتنبت من أصولها وعروقها، وقيل: العترة: صخرة عظيمة يتخذ الضب عندها حجرا يأوى إليها ليهتدى، وذلك لقلة هدايته، فكأن عترة الرجل هم أسرته وقومه الذين يأوى إليهم ويعتمد عليهم، ومنه قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي، ويروى: كتاب اللَّه وأهل بيتي، وبادلوا في العترة هنا أهل بيته، قالوا: لأنهم أسرته وفصيلته التي تؤويه، ورهطه الأدنون [ (2) ] .
خرج الترمذي من حديث زيد بن الحسن- هو الأنماطي- عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حجته يوم عرفه وهو على ناقته [القصواء] يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم [به] لن تضلوا، كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي. قال: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم [ (1) ] . وخطّأ ابن قتيبة من يقتصر بالعترة على الذرية فقط، ومن يجعل عترة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولد فاطمة خاصة، ثم قال: وعترة الرجل ذريته وعشيرته الأدنون من مضى منهم ومن غبر، ويدلك على ذلك قول أبى
بكر رضى اللَّه عنه: نحن عترة رسول اللَّه التي خرج منها وبيضته التي تفتات عنه، وإنما جيبت العرب منا كما جيبت الرحا عن قطبها، وما كان أبو بكر ليدعى بحضرة القوم جميعاً إلا يعرفونه. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في ذكر سلالة النبي صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر سلالة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال ابن سيده: والسلالة والسليل: الولد، والأنثى سليلة، وقال غيره: السلالة: الصفوة من كل شيء، قال ابن فارس في (المقاييس) : السليل: الولد، كأنه سلّ من أمه سلّا، قالت امرأة في ابنها: سل من قلبي ومن كبدي ... قمر أين دونه قمر وقيل للحسن والحسين رضى اللَّه عنهما: سلالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أي هما الصفوة من ولده، وقيل: السليل: المنتوج، كأنه النقاح الخالص الصافي [ (1) ] . واللَّه أعلم.
فصل في ذكر سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر سبط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الأسباط: ولد يعقوب- وهو إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام- وكانوا اثنى عشر رجلا، وفي الحديث المرفوع: الحسن والحسين سبطاي من هذه الأمة، والقبائل في العرب كالأسباط في بنى إسرائيل، فكان الأسباط قبائل الأنبياء، فلذلك سمى الحسن والحسين: السبطان، لأن أولادهما قبيلتا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أجل أنهما ولد فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال ابن سيده: والسبط ولد الابن والابنة، ومنه الحسن والحسين سبطا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والسبط من اليهود كالقبيلة من العرب، وهم الذين يرجعون إلى أب واحد سمى سبطا ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق عليهما السلام، وجمعه أسباط [ (1) ] . خرج أبو بكر بن أبى شيبة وأحمد بن حنبل من حديث عفان قال: حدثنا وهيب، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن أبى راشد، عن يعلى العامري، أنه خرج مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى طعام دعوا له، فإذا حسين مع غلام يلعب في طريق، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمام القوم، [وحسين مع الغلمان يلعب فأراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يأخذه [ (2) ]] . فطفق الصبى يفرّها هنا مرة، وهاهنا مرة، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يضاحكه حتى
أخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على فيه يقبله وقال: حسين منى وأنا من حسين، أحب اللَّه من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط [ (1) ]
نبدة
نبدة اعلم أن أهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأحبته في الجملة قسمان: قسم اخترم فأجراه اللَّه تعالى فيهم، كعمه حمزة بن عبد المطلب، وابن عمه جعفر بن أبى طالب، وإبراهيم ابنه ومن أصيب به من خديجة أم المؤمنين، وسائر أصحابه رضى اللَّه عنهم. وقسم أقرّ اللَّه بهم عينه صلّى اللَّه عليه وسلم، كعائشة أم المؤمنين، وزينب أم المؤمنين، وأم سلمة، وجويرية، وسائر أمهات المؤمنين رضى اللَّه عنهنّ، وكفاطمة الزهراء والحسن والحسين، وعلى بن أبى طالب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل، وعبد اللَّه والقثم ابنا العباس، وأبى سفيان بن الحرث، وسائر أصحابه رضى اللَّه عنهم، ومنهم له الأحبة. وكل من القسمين يجب محبته وموالاته، وقبول رواياته، وتعظيم حقه، والترضى عنه، لأنه قد رضى اللَّه عنهم، [ووعدهم بالحسنى] . خرج الحاكم من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش، عن أبي سبرة النخعي، عن محمد بن كب [القرظي] ، عن العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه قال: كنا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم، فذكرنا ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهلي قطعوا حديثهم، واللَّه لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم للَّه ولقرابتي [ (1) ] .
وخرجه من حديث محمد بن إسحاق الصنعاني، حدثنا يعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن يزيد بن أبى زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن العباس قال: قلت لرسول اللَّه: إذا لقي قريش بعضها بعضا لقوا بالبشارة، وإذا لقيناهم لقونا بوجوه لا نعرفها، قال: فغضبت غضبا شديدا، ثم قال: والّذي بعثني [بالحق] لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم للَّه ولرسوله [ (1) ] .
فصل [في العقب والعاقب]
فصل [في العقب والعاقب] قال ابن سيده: والعقب والعقب والعاقبة: ولد الرجل وولد ولده الباقون بعده، وقول العرب: لا عقب له، أي لم يبق له ولد ذكر. وقوله تعالى: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ [ (1) ] ، أراد عقب إبراهيم عليه السّلام، يعنى لا يزال من ولده من يوحد اللَّه تعالى، والجمع: أعقاب، وأعقب الرجل إذا ترك عقبا، يقال: كان له ثلاثة أولاد فأعقب منهم رجلان، أي تركا عقبا ودرج واحد. قال: وعقب مكان أبيه يعقب عقبا وعقب إذا خلّف، وكذلك عقبه يعقبه عقبا، الأول لازم والثاني متعدّ، وكل ما خلف شيئا فقد عقبه، وعقبه وعقّبوا من خلفنا وعقبونا: أتوا [ (2) ] .
وقال أبو عمر بن عبد البر: وليس ولد البنات من العقب ولا من الولد، إذ ليسوا من العصبات. قال ابن سيده: والعصبة الذين يرثون الرجل عن كلاله [ (1) ] . من غير والد ولا ولد، فأما في الفرائض فكل من لم تكن له فريضة مسماة فهو عصبة، إن يبقى شيء بعد الفرض أخذ.
فصل في ذكر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطب ثلاثين امرأة، منهن واحدة وهبت نفسها، وإحدى عشرة امرأة دخل بهن، وسبع عقد عليهنّ ولم يدخل بهن، ومات من نسائه في حياته اثنتان، وتوفي عن تسع، ولم يتزوج بكرا غير واحدة. [أم المؤمنين خديجة بنت خويلد] [ (1) ]
فأول نسائه خديجة سعيد بن بهم، وأمها: عاتكة ابنة عبد العزى بن قصي، وأمها: الحظيّا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة [بن كعب بن لؤيّ بن غالب] [ (1) ] ، وأمها نائلة ابنة حذافة بن جمح. وكانت خديجة عند عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، فولدت له جارية يقال لها: أم محمد هند، تزوجها ابن عمة لها يقال له صيفي بن أبى أمية بن عائذ بن عبد اللَّه، وهلك عتيق عن خديجة، فتزوجها أبو هالة هند بن النباش بن زرارة [بن وقدان بن حبيب بن سلامة ابن غوىّ بن جروة] [ (2) ] بن أسيد بن عمرو بن تميم بن مرّ. وطابخة بن إلياس [أمه] [ (2) ] خندف [وهي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة] [ (2) ] . وقيل: أبو هالة مالك بن إلياس بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي- بضم العين وقيل بفتحها- ابن أسد- بضم الهمزة- ابن عمرو بن تميم بن مرّ بن أسيد، فهو أسيدى بالتخفيف، فإذا نسب إليه قيل: اسيّدىّ بالتشديد على ما قاله سيبويه. وذكر الحافظ أبو محمد بن حزم [ (3) ] أن خديجة كانت عند عتيق فولدت له عبد اللَّه، ثم خلف عليها أبو هالة فولدت له ذكرين هما هند والحرث،
وابنة اسمها زينب، وأن هندا شهد أحدا، والحرث قتله أحد الكفار عند الركن اليماني. قال العسكري: هو أول قتيل قتل في الإسلام، ثم تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ثنتى عشرة أوقية، وهي أول امرأة تزوجها [ (1) ] . وروى أنه أصدقها عشرين بكرة، زوجه إياها عمرو بن أسد بن عبد العزى، وعمرها أربعون، وقيل ست وأربعون، وقيل ثمان وأربعون، وقيل خمسون، [وقيل] أربعون، وقيل ثلاثون، وقيل ثمان وعشرون سنة، فأقامت معه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعا وعشرين سنة، منها قبل الوحي خمس عشرة سنة، وكان عمره صلّى اللَّه عليه وسلم إذ تزوجها إحدى وعشرين، وقيل: كان ابن خمس وعشرين سنة وشهران وعشرة أيام، وهو الأكثر، وقيل ابن ثلاثين. فولدت له أربع بنات [هن:] زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم، وولدت له القاسم وعبد اللَّه، ولم يتزوج عليها حتى ماتت، وهي أول من آمن باللَّه ورسوله على الصحيح، وقيل أبو بكر رضى اللَّه عنه، وكانت وزير صدق له، آزرته على أمره، وثبتته وخففت عنه وهوّنت عليه ما كان يلقى من قومه، وتوفيت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربع سنين، وقيل بثلاث سنين، وهو الأصح، ويقال: توفيت لعشر خلون من رمضان، وهي ابنة خمس وستون سنة، فدفنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالحجون [ونزل في قبرها ولم يتزوج] [ (2) ] في حياتها بسواها لجلالتها وعظم محلها عنده. وقد اختلف أيهما أفضل، هي أو عائشة؟ فرجح فضل خديجة جماعة من العلماء، وماتت ولرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر، وتركت من الأولاد هند بن أبى هالة، وبنات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الأربع،
وفضائلها كثيرة رضى اللَّه عنها. قال الواقدي: حدثني موسى بن شيبة، عن عميرة بنت عبد اللَّه بن كعب عن أم سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت منية، قالت: لما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الشام دخل مكة، وخديجة رضى اللَّه عنها في عليه لها فرأت ملكين يظلانه، وكانت جلدة حازمة، وهي أوسط قريش نسبا وأوسطهم مالا، وكل قومها حريص على نكاحها لو قدروا على ذلك، قد طلبوا وبذلوا لها الأموال، فأرسلتنى دسيسا إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلم بعد أن رجع من الشام، فقلت: يا محمد، ما منعك أن تتزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كنت كذلك ودعيت إلى الجمال، والمال، والشرف، والكفاءة، ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة، قال: وكيف لي بذلك؟ قلت عليّ فأنا أفعل، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن ائت الساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها، ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في عمومته، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة. وذكر أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا أن أبا طالب خطب يومئذ، فقال: الحمد للَّه الّذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضيء معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حصنة بيته، وسوّاس حزبه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخى هذا محمد بن عبد اللَّه لا يوزن به رجل إلى رجح به، فإن كان في الكمال قل، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو واللَّه بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل.
وقال المطرز: ألقى أبو طالب على ولىّ خديجة حلّة فقبلها، وكان قبول الحلّة تمام التزويج، قال أبو طالب: فجاءنا البشار من زوايا الدار وأعلى الجدر، ولا أدرى ديارا ولا ناثرا. وكانت التي غسّلت خديجة أم أيمن وأم الفضل زوجة العباس، وذلك قبل أن تفرض الصلاة، ولم تكن يومئذ سنّة الجنازة والصلاة عليها، ودفنت بالحجون بمكة، ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حفرتها، واشترى معاوية منزل خديجة فجعله مسجدا.
[أم المؤمنين سودة بنت زمعة] [1]
[أم المؤمنين سودة بنت زمعة] [ (1) ] وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ بن نضر بن مالك
ابن حسل بن عدي بن النجار تزوجها السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ- هو أخو سهيل بن عمرو- وهاجرت معه إلى الحبشة ومات، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد موت خديجة رضى اللَّه عنها، ولى تزويجها أباه أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس- ويقال أبوها- وهو يومئذ شيخ، وأصدقها أربعمائة درهم، وتزوج بعائشة رضى اللَّه عنها، وقيل: تزوج بعائشة قبلها، وكان تزويجه بسودة [وبناؤه] بها في شهر رمضان سنة عشر من النبوة. وكانت سودة قد رأت في النوم كأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وطئ على عنقها، فأخبرت السكران بذلك، فقال: لئن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: حجرا وسترا! ثم رأت ليلة أخرى كأن قمرا انقضّ عليها من السماء، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وذلك أن خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية- امرأة عثمان بن مظعون- قالت: يا رسول اللَّه! إني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة فقال: أجل، أمّ العيال وربة البيت، قال: ألا أخطب عليك؟ قال: بلى، إنك معشر النساء أرفق بذلك، فخطبت عليه سودة بنت زمعة، وخطبت عليه عائشة بنت أبى بكر- وعائشة يومئذ ابنة ست سنين حتى بنى بها حين قدم المدينة-. وكانت امرأة ثقيلة ثبطة، وكان في أذنها ثقل، وأسنّت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فهمّ بطلاقها، ويقال طلقها في سنة ثمان من الهجرة تطليقة، فجمعت ثيابها وجلست له على الطريق التي كان يسلكها إذا خرج إلى الصلاة، فلما دنا منها بكت وقالت: يا رسول اللَّه! أهل أعتددت عليّ في الإسلام بشيء؟ فقال: اللَّهمّ لا، فقالت: أسألك باللَّه لما راجعتني، فراجعها، وجعلت يومها لعائشة رضى اللَّه عنها، وقالت: واللَّه ما غايتي إلا أن أرى وجهك وأحشر مع أزواجك، وإني لا أريد ما تريد النساء.
فأمسكها حتى توفى عنها مع سائر من توفى عنهن من أزواجه، وفيها نزلت: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ [يُصْلِحا] بَيْنَهُما صُلْحاً [ (1) ] ، وتوفيت سنة ثلاث وعشرين، وصلّى عليها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وقيل: إنها توفيت في خلافه عثمان رضى اللَّه عنه، ولها نحو من ثمانين سنة، وكانت قد لزمت بيتها فلم تحج حتى توفيت، وهي أول امرأة وطئها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة.
[أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر]
[أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر] [ (1) ] وعائشة بنت أبى بكر عبد اللَّه بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو
ابن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب، الصديقة بنت [الصديق] حبيبة رسول اللَّه المبرأة من السماء، أم المؤمنين، أم عبد اللَّه رضي عنها، أمها أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أرنبة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، والخلاف في أبيها إلى كنانة كثير جدا، وأجمعوا أنها من بنى غنم بن مالك بن كنانة، من المهاجرات ذات الفضائل. ولدت في السنة الرابعة من النبوة في أولها، تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة بعد سودة بشهر، على اثنى عشرة أوقية ونش، وقيل: أربعمائة درهم، وقيل: قبل الهجرة بسنتين، وقيل بثلاث وهي بنت ست سنين، وقيل: بنت تسع سنين، وقيل تزوجها في شوال سنة عشر من النبوة، قبل الهجرة بثلاث سنين، وأعرس بها بالمدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره. وقال الواقدي: بنى بها في الأولى، وصححه الدمياطيّ، وتوفى عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة، كان مكثها معه تسع سنين وخمسة أشهر، ولم ينكح بكرا غيرها، ولم يأته الوحي في لحاف واحدة من نسائه سواها، ولم يحب أحدا من النساء مثلها، وقد كانت لها مآثر وخصائص ذكرت في
القرآن والنسب، وكانت لها ليلتان، ولكل امرأة سواها ليلة، لأن سودة وهبتها ليلتها. وخرجت بعد قتل عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه إلى الكوفة تدعو الناس لأخذ ثأره من قتلته، وكانت وقعة الجمل، ثم عادت إلى المدينة وبها توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشر خلون من رمضان سنة ثمان وخمسين، وقيل: سبع وخمسين، ودفنت ليلا بعد الوتر بالبقيع، وصلّى عليها أبو هريرة، ونزل في قبرها خمسة: عبد اللَّه [وعروة والقاسم بن محمد وعبد اللَّه بن محمد بن أبى بكر، وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبى بكر] . وكان عمرها يوم ماتت ستا وستين سنة، وكانت أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة: تعرف من الطب والشعر شيئا كثيرا، ولا نعلم امرأة في هذه الأمة بلغت من العلم مبلغها. وروى عنها ألفا حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث مرفوعة، اتفقا منها على مائة وأربعة وسبعين حديثا، انفرد منها البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم بستة وستين وفضائلها وأخبارها كثيرة جدا.
غزية
غزيّة [ (1) ] وغزّية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وهي أم شريك التي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: هي غزية بنت عوف بن جابر بن صبابه بن حجير بن عبد بن معيص، كانت عند أبى العكر مسلم بن الحارث الأزدي،. فولدت له شريكا فكنيت به، قيل: [بنى بها] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، وقيل: لم يدخل بها، وأنها هي أم شريك الأنصارية لأنه كره غيرة نساء الأنصار، وقيل: هي التي وهبت نفسها فلم يتزوجها ولم يردها، وقيل: رأى بغزية كبرة فطلقها،
فأوثقها أهلها. وحملوها من مكة إلى البدو، وكانت تدخل على النساء بمكة فتدعوهن إلى الإسلام، وكانت على ذلك بعد طلاقها تدعو إلى الإسلام. ويقال: أم شريك العامرية، ويقال: الأنصارية، ويقال: الدوسية، ويقال بل اسمها عزيلة، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عنها جابر بن عبد اللَّه، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وشهر بن حوشب، ولها أحاديث في البخاري ومسلم، والترمذي والنسائي، وقال ابن عبد البر: وقد ذكرها بعضهم في أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا يصح من ذلك شيء لكثرة الاضطراب فيه.
[أم المؤمنين حفصة بنت عمر]
[أم المؤمنين حفصة بنت عمر] [ (1) ] وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب، أمها وأم عبد اللَّه بن عمر زينب بنت مظعون بن حبيب بن حذافة بن جمح، فمن فضلها: أن [أباها عمر] . وعمها زيد، وأخوالها عثمان وحذافة وعبد اللَّه بنى مظعون، وابن خالها السائب بن عثمان، شهدوا جميعاً بدرا، وولدت قبل المبعث بخمس سنين وقريش تبنى البيت، ثم تزوج بها خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي. فلما تأيمت ذكرها عمر لأبى بكر رضى اللَّه عنهما فلم يرجع عليه أبو بكر، كلمة فغضب، ثم عرضها على عثمان رضى اللَّه عنه- وقد ماتت رقية عليها السلام- فقال: ما أريد أن أتزوج اليوم، فانطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وشكا إليه ذلك، فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في شعبان قبل أحد بشهرين من سنة ثلاث، وقيل: في سنة اثنتين، زوجة أبوها وأصدقها صلّى اللَّه عليه وسلم أربعمائة درهم. قال الدار قطنى في (العلل) : هذا صحيح من حديث الزهري عن سالم عن أبيه، عن عمر رضى اللَّه عنه، تأيمت حفصة من خنيس بن حذافة
السهمي، رواه عنه جماعة من الثقات الحفاظ، واتفقوا على إسناده، منهم: شعيب بن أبى حمزة، وصالح بن كيسان، ويونس، وعقيل، ومحمد بن أخى الزهراء، وسفيان بن حسين، والوليد بن محمد الموقرى، وعبيد اللَّه بن أبى زياد الرصافيّ، وغيرهم، واتفقوا على لفظ واحد في قول أبى بكر لعمر رضى اللَّه عنهما: لم يمنعني أن أرجع إليك شيئا إلا أنى قد كنت علمت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذكر حفصة. ورواه معمر بن راشد عن الزهري بهذا الإسناد فجوّده وأسنده وقال فيه: لم يمنعني أنى أرجع إليك شيئا إلا أنى كنت سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشى سرّ رسول اللَّه، وهو حديث صحيح عن الزهري، أخرجه البخاري في الصحيح من حديث معمر، ومن حديث صالح بن كيسان وشعيب عن الزهري، إلا أن معمرا قال فيما حكى عنه هشام بن يوسف: قال فيه خنيس بن حذافة أو حذيفة، والصحيح أنه خنيس بن حذافة بن
قيس، أخو عبد اللَّه بن حذافة الّذي استعمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الّذي كان ينادى في أيام منى عن أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أنها أيام أكل وشرب، وهو الّذي قال: من أبى يا رسول اللَّه؟ قال: أبوك حذافة. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: تأيمت حفصة من رجل من قريش يقال له خنيس بن حذيفة أو حذافة، [شهد مع] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بدرا، مات بالمدينة، فلقى عثمان رضى اللَّه عنه فقال: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، قال: انظر في ذلك. فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: ما أريد النكاح يومى هذا، فوجدت في نفسي، ثم لقيت أبا بكر رضى اللَّه عنه فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فلم يرجع إليّ شيئا، وكان وجدي عليه أشد من وجدي على عثمان، فلبثت ليالي، فخطبها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فزوجها إياه، فلقيني أبو بكر رضى اللَّه عنه فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا؟ قال: قلت: نعم، قال: فإنّي كنت سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يذكرها، ولم أكن لأفشى سرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولو تركها تزوجتها. ورواه ابن وهب فقال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب، أن سالم بن عبد اللَّه كان يحدث أن عمر رضى اللَّه عنه حين تأيمته حفصة ... ، ثم ذكر نحو حديث معمر، ورواه سويد بن سعيد فقال: حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري، عن سالم، أنه سمع أباه يحدث أن عمر قال: إن حفصة كان طلّقها أبو حذافة، قال عمر: فلقيت عثمان ... ، ثم ذكر الحديث، ولم يذكر ابن عمر. ورواه صالح عن ابن شهاب، أخبرنى سالم بن عبد اللَّه أنه سمع عبد اللَّه ابن عمر يحدث أن عمر بن الخطاب حين تأيمته حفصة بنت عمر من
خنيس بن حذافة السهمي- وكان من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتوفي بالمدينة- فقال عمر: أتيت عثمان بن عفان ... ، الحديث. ورواه يزيد بن هارون، أخبرنا سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: لما [تأيمت] حفصة لقي عمر عثمان فعرضها عليه، فقال عثمان: ما لي في النساء من حاجة، فلقيت أبا بكر فعرضتها عليه فسكت، فغضب على أبى بكر، فإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد خطبها فتزوجها، فلقى عمر أبا بكر فقال: إني عرضت على عثمان ابنتي فردّ لي، وعرضت عليك فسكت، فأنا كنت عليك أشد غضبا حين سكت عثمان، وقد روى فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه [إن رسول اللَّه] صلّى اللَّه عليه وسلم قد ذكر معنا شيئا وكان سرا وكرهت أن أفشى السر. وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى جاريته مارية، وقد خرجت حفصة من بيتها فجاءته، فدخلت حفصة وهي معه، فقالت: يا رسول اللَّه! أفي بيتي وعلى فراشي؟ فقال: اسكتي، فلك اللَّه ألا أقربها أبدا ولا تذكري هذا لأحد، فأخبرت به عائشة- وكانت لا تكتمها شيئا، إنما كان أمرهما واحدا - فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [ (1) ] ، الآيات، فكفر عن يمينه، فقوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [ (2) ] ، وقوله: وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ [ (3) ] ، يعنى عائشة وحفصة رضى اللَّه عنهما، فطلق حفصة تطليقة ثم راجعها [ (4) ] . خرج الحاكم من حديث عمرو بن عون، حدثنا هشيم، وأخبرنا حميد عن أنس قال: لما طلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حفصة أمر أن يراجعها فراجعها، قال
الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . أيضا من حديث يحيى بن زكريا بن أبى زائدة، عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن عمر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وله من حديث سليمان بن المغيرة، عم ثابت عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كانت له أمة، فلم تزل به حفصة حتى جعلها على نفسه حراما، فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [ (2) ] . الآية قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (1) ] . وخرج الطبراني من حديث ابن وهب، حدثني عمرو بن صالح الحضرميّ، عن موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طلق حفصة، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه وقال: ما يعبأ اللَّه بابن الخطاب بعد هذا، فنزل جبريل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إن اللَّه يأمرك أن تراجع حفصة [ (1) ] . وقيل في سبب نزول الآيات غير ذلك، وقيل هم بطلاقها ولم يطلقها، وتوفيت في جمادى سنة إحدى وأربعين، وقيل خمس وأربعين، وقيل سبع وعشرين، وأثبتها سنة خمسة وأربعين، وصلّى عليها مروان بن الحكم، ونزل في قبرها عبد اللَّه بن عمر، وعاصم بن عمر، وحمزة بن عبد اللَّه بن عمر، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر، ودفنت بالبقيع، وحمل مروان- وهو أمير المؤمنين يومئذ- سريرها، ثم حمله أبو هريرة [ (3) ] .
[أم المؤمنين زينب بنت خزيمة]
[أم المؤمنين زينب بنت خزيمة] [ (1) ] وزينب أم المساكين، بنت خزيمة بن الحارث بن عبد اللَّه بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة العامرية، أخت ميمونة بنت الحارث بن حرث، لأنها تزوجها الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد منافس بن قصي، أخو عبيدة بن الحارث، ثم طلقها، فخلف عليها أخوه فأصيب يوم بدر، ومات بالصفراء، فتزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في شهر رمضان سنة ثلاث، زوجه أبوها قبيصة بن عمر الهلالي، وأصدقها أربعمائة درهم، وقيل كانت تحت عبد اللَّه بن جحش فلما قتل يوم أحد تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأقامت عنده ثمانية أشهر، وقيل شهرين أو ثلاثة، وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر، فدفنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالبقيع بعد ما صلّى عليها.
[أم المؤمنين أم سلمة]
[أم المؤمنين أم سلمة] [ (1) ] وأم سلمة هند- وقيل: رملة، وليس بشيء- بنت أبى أمية، حذيفة ابن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له سلمة وعمر وزينب ودرة، ثم مات عنها في جمادى الآخرة سنة أربع، فلما انقضت عدتها تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعرس بها في شوال منها، ويقال: إنه خطبها إلى نفسها فجعلت أمرها إليه. ويقال: إنه قال لها: مري ابنك سلمة بن أبى سلمة يزوجك، فزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو غلام. ويقال: إن الّذي زوجه إياها عمر بن أبى سلمة، كما رواه [النسائي وأحمد] . وقيل: إن عمر هذا هو عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، لأنه كان هو الخاطب لها. والثابت أن سلمة زوّجه إياها. قال أبو الحسن المدائني، عن إبراهيم بن أبى يحيى، عن حسين بن عبد اللَّه ضمرة- مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم- عن جده، عن على رضى اللَّه عنه قال: خطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم سلمة فقالت: من يزوجني ورجالي غيّب؟ قال: ابنك، ويشهد أصحاب النبي، فزوجها ابنها وهو غلام.
وعن الأجلح عن الشعبي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أزوج بنت حمزة سلمة بن أبى سلمة مكافأة له، حيث زوجني أمه. ذكره في كتاب (من زوّج أمه) .
ويقال: كان السفير بن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبين أم سلمة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، ويقال: حاطب بن أبى بلتعه، فقالت: إني مسنّة، فقال: وأنا أسنّ منك، قالت: فإنّي مصبية، قال: هم في عيال اللَّه ورسوله، قالت: فإنّي غيور، قال: أنا أدعوا اللَّه أن يذهب عنك الغيرة، فدعا لها، ثم إنه تزوجها وأصدقها صلّى اللَّه عليه وسلم فراشا حشوه ليف، وقدما، وصحفة، ومجشة، وابنتي لها في بيت أم المساكين، فوجد فيه جرة فيها شيء من شعير، وإذا رحاء وبرمة، وفيها قعب من إهالة، فكان ذلك طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأهله ليلة عرسه، وقال لها في صبحيتها: إنه ليس بك على أهلك هوان، فإن شئت ثلّث لك أو خمّس أو سبّع، فإنّي لم أسبّع لامرأة من نسائي قط، فقالت: اصنع ما شئت، فإنما أنا امرأة من نسائك. ويقال: إنه قال لها: لك عندنا قطيفة تلبسينها في الشتاء وتفرشينها في الصيف، ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيان تطحنين بهما، وجرتان في إحداهما ماء وفي الأخرى دقيق، وجفنة تعجنين وتثردين فيها، فقالت: رضيت، فكان ذلك مهرها، ونزلت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمنزلة لطيفة. وتوفيت في شوال سنة تسع وخمسين، ودفنت بالبقيع، ونزل في قبرها ابناها سلمة وعمر، وابن أخيها عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى أمية، وقيل: توفيت في شهر رمضان منها، وقيل: توفيت يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وصلّى عليها أبو هريرة، وقيل: سعيد بن زيد، وهي آخر أمهات المؤمنين [موتا] ، وقال عطاء: آخرهن موتا صفية، وهي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة، وقيل: بل ليلى بنت أبى خيثمة، زوج عامر بن ربيعة العنزي، خليفة الخطاب بن نفيل.
[أم المؤمنين زينب بنت جحش]
[أم المؤمنين زينب بنت جحش] [ (1) ] وزينب بنت جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم
ابن دودان بن أسد بن خزيمة، أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، تزوجها زيد بن حارثة- حبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وشكاها
إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال: إنها سيئة الخلق، واستأمره في طلاقها، فقال له: أمسك عليك زوجك يا زيد، ورآها صلّى اللَّه عليه وسلم فأعجبته، ثم إن زيدا ضاق ذرعا بما رأى من سوء خلقها، فطلقها [ (1) ] ، فزوجها اللَّه بنبيه حين انقضت عدتها، بغير مهر، ولا تولى أمرها أحد كسائر أزواجه. وذكر ابن إسحاق أن [أخاها أحمد] بن جحش زوّجها، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلم أصدقها أربعمائة درهم، وأولم عليها بشاة واحدة، ودعا الناس في صبيحة عرسها فطعموا، ثم جلسوا يتحدثون ولم يقوموا، فآذوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأنزل اللَّه تعالى آية الحجاب، وأنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [ (2) ] ، أي بلوغه ... الآية،
وقالت زينب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم لست كسائر نسائك، إني أدلّ بثلاث ما من نسائك من يدلّ بهن: جدك وجدي واحد، ونكحتك من السماء، وكان جبريل السفير في أمرى. وقالت عائشة: رضى اللَّه عنها: يرحم اللَّه زينب، لقد نالت الشرف الّذي لا يبلغه شرف في الدنيا: أن اللَّه زوجها نبيّه، ونطق بذلك كتابه، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ونحن حوله: أسرعكن لحوقا بى أطولكن يدا- أو قال: باعا- فبشرها بسرعة لحاقها به، وأنها زوجته في الجنة، وكانت زينب تقول لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: زوجكن أولياؤكن بمهور، وزوجني اللَّه. وكان تزويج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إياها في سنة خمس، وقيل في سنة ثلاث، ولما بشّرت بتزويج اللَّه نبيه إياها، ونزول الآية في ذلك، جعلت على نفسها صوم شهرين شكرا للَّه، وأعطيت من بشّرها حليا [كانت] عليها. ولا خلاف أنها كانت قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت زيد بن حارثة، وأنها التي ذكر اللَّه تعالى في قوله: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها [ (1) ] ، ولما دخلت عليه قال: ما اسمك؟ قالت: برّة، فسماها زينب، ولم يكن أحد من نسائه يشارك عائشة رضي اللَّه عنها في حسن المنزلة غير زينب بنت جحش، وغضب عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقولها في صفية بنت حيّى: حتى تلك اليهودية، وهجرها لذلك ذا الحجة والمحرم وبعض صفر، ثم أتاها بعد وعاد إلى ما كان عليه معها. وذكر الحاكم أنه رضى عنها في شهر ربيع الأول الّذي قبض فيه، فلما دخل عليها قالت: ما أدرى ما أجزئك، فوهبت له جارية اسمها نفيسة [ (2) ] . وخرج من حديث عبد العزيز الأريش، حدثنا عبد الرحمن بن أبى
الرجال عن أبيه، عن عمرو عن عائشة قالت: أهدى لي لحم، فأمرنى رسول اللَّه أن أهدى منه لزينب، فأهديت لها فردته، فقال: زيديها، فزدتها، فردته، فقال: أقسمت عليك إلا زدتيها، فزدته، فدخلتني غيره، فقلت: لقد أهانيك، [فقال] : أنت وهي أهون على اللَّه من أن يهينني منكن أحد، أقسمت لا أدخل عليكن شهرا. فغاب عنا تسعا وعشرين، ثم دخل علينا مساء الثلاثين فقلت: كنت [حلفت] أن لا تدخل شهرا، فقال: شهر هكذا وشهر هكذا، وفرق بين كفيه وأمسك في الثالث الإبهام. قال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وفيه البيان أن أقسمت على كذا يمين وقسم. وتوفيت سنة عشرين، وقيل: إحدى وعشرين، وصلّى عليها عمر رضى اللَّه عنه، ودفنت بالبقيع، ونزل في قبرها محمد بن عمر بن جحش، وعبد اللَّه بن أحمد بن جحش، وأسامة بن زيد، وضرب عمر على قبرها فسطاطا من شدة الحر، فكانت أول أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفاة بعده.
[أم المؤمنين أم حبيبة]
[أم المؤمنين أم حبيبة] [ (1) ] وأم حبيبة رملة، وقيل: هند- ورملة أثبت- ابنة أبى سفيان صخر بن
حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمها صفيّا بنت أبى العاص، عمة عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، تزوجها عبيد اللَّه بن جحش، فولدت له جارية سميت حبيبة، فكنيت بها، وهاجر بها إلى الحبشة، فتنصّر، وثبتت أم حبيبة على الإسلام، فلما هلك عبيد اللَّه رأت في منامها أباها يقول لها: يا أم المؤمنين. وكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سنة سبع- وهو الثابت- كتابين إلى النجاشي يدعوه في أحدهما إلى الإسلام، ويأمره في الثاني أن يخطب عليه أم حبيبة، وأن يبعث من قبله من المسلمين مع عمرو بن أمية الضمريّ، وهو كان رسوله بالكتابين. وقال الحافظ أبو نعيم: فأما بعثة عمرو بن أمية الضمريّ من قبل رسول اللَّه إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان وإجابته إلى ذلك، فلا أعلم خلافا أنه كان بعد مرجعه صلّى اللَّه عليه وسلم من خيبر، وذلك بعد خمس سنين
وأشهر مضت من هجرته إلى المدينة، وأن النجاشي أصدقها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعمائة دينار، دفعها من ماله إليها [ (1) ] . وفي صحيح ابن حبان عن ابن شهاب عن عروة، عن عائشة قالت: هاجر عبد اللَّه بن جحش بأم حبيبة بنت أبى سفيان- وهي امرأته- إلى أرض الحبشة، فلما قدم أرض الحبشة مرض، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى رسول اللَّه، فتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة، وبعث بها النجاشي مع شرحبيل بن حسنة [ (2) ] . فأسلم النجاشي، ووجه إلى أم حبيبة جارية له يقال لها: أبرهة لتعلمها بذلك وتبشرها بذلك وتبشرها به، فوهبت لها أم حبيبة [حلة] كانت عليها وكستها. ثم وكلت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية- وهو ابن عمها- بتزويجها، فخطبها عمرو بن أمية إليه، فزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ومهرها عنه النجاشىّ أربعمائة دينار- وقيل: مائتي دينار، وقيل أربعة آلاف درهم- وبعث بها إليها مع أبرهة، فوهبتها منها خمسين مثقالا فلم تقبلها، وردت ما كانت أعطتها أولاد، وذلك أن النجاشي أمرها برده. وهيأ النجاشي طعاما أطعمه من حضره من المسلمين، وأهدى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كسوة جامعة، وأمر نساءه أن يبعثن إلى أم حبيبة فبعثن لها بعود وروس وعنبر وزيادة كثير، قدمت به على رسول اللَّه، وكان يراه عندها وعليها فلا ينكره.
فلما قدم عمرو بن أمية بأم حبيبة المدينة، ابنتي بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والثابت أنها قدمت مع عمرو في إحدى السفينتين أيام خيبر، وقيل: بل بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبا عامر الأشعري حين بلغه خطبة عمرو أم حبيبة وتزويج خالد إياها، فحملها إليه قبل قدوم أهل السفينتين وهيأ النجاشي طعاما أطعمه من حضره من المسلمين، وأهدى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كسوة جامعة، وأمر نساءه أن يبعثن إلى أم حبيبة فبعثن لها بعود وروس وعنبر وزياد كثير، قدمت به على رسول اللَّه، وكان يراه عندها وعليها فلا ينكره. وأن أبا سفيان قال: أنا أبوها أم أبو عامر؟ وقيل: بل بعث إليها شرحبيل بن حسنة فجاءه بها. قال ابن المبارك: أخبرنا معمر عن الزهري، عن عروة، أن أم حبيبة بعث بها النجاشي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة، ولما بلغ أبو سفيان تزوّج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة قال: ذلك الفحل لا [يقدع] أنفه [ (1) ] . وقال ابن عباس رضى اللَّه عنه في قول اللَّه تعالى: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [ (2) ] ، نزلت حين تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان بن [حرب] [ (3) ] وقيل قدم عمرو بن أمية بأم
حبيبة مع أصحاب السفينتين فخطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه، فزوجه إياها، والأول أثبت، وتوفيت رضى اللَّه عنها سنة أربع وأربعين، وقيل سنة اثنتين وأربعين، وصلّى عليها مروان. وقد وقع في صحيح مسلم من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال: حدثني ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يا نبي اللَّه! ثلاثة أعطينهنّ، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبى سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمّرنى حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم. قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: نعم [ (1) ] . قال أبو عبد اللَّه محمد بن أبى نصر الحميدي رحمه اللَّه: قال لنا بعض الحفاظ: هذا الحديث وهم فيه بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين اثنين من أهل المعرفة بالأخبار، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج أم حبيبة رضى اللَّه عنها قبل الفتح بدهر وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر يومئذ [ (2) ] .
قال كاتبه: وقد استغرب من مسلم رحمه اللَّه كيف لم ينتبه لهذا الحديث؟ فإنه لا يخفى عليه أن أبا سفيان إنما أسلم ليلة فتح مكة، وقد كان بعد تزويج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة بأكثر من سنة بلا خلاف، وقد أشكل هذا الحديث على الناس واختلفوا فيه، ووجه إشكاله أن أم حبيبة تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل إسلام أبى سفيان كما تقدم، زوّجها إياه النجاشي، ثم قدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن يسلم أبوها، فكيف يقول بعد الفتح: أزوجك أمّ حبيبة؟ فقالت طائفة من أهل الحديث: هذا الحديث كذب لا أصل له. قال أبو محمد على بن سعيد بن حزم: كذبه عكرمة بن عمار وحمل عليه، واستعظم ذلك آخرون وقالوا: إني يكون في صحيح مسلم حديث مرفوع؟ وإنما وجه الحديث أنه طلب من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يجدد له العقد على
ابنته ليتقى له بذلك وجهه بين المسلمين. واعترض على هذا القول بأن في الحديث: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعده وهو الصادق الوعد، ولم ينقل أحد قط أنه صلّى اللَّه عليه وسلم جدد العقد على أم حبيبة، ومثل هذا لو كان لنقل، فحيث لم ينقله أحد قط علم أنه لم يقع. ولم يردّ القاضي [عياض] على استشكال الحديث فقال: والّذي وقع في مسلم من هذا غريب جدا عند أهل الخبر، وخبرها مع أبى سفيان عند وروده المدينة بسبب تجديد الصلح ودخوله عليها مشهور. وقالت طائفة: ليس الحديث بباطل، وإنما سأل أبو سفيان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أن يزوجه ابنته الأخرى على أختها أم حبيبة، قالوا: ولا يبعد أن يخفى هذا على أبى سفيان لحداثة عهده بالإسلام، كما خفي على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يتزوجها، فقال: إنها لا تحل لي، فأراد أبو سفيان أن يتزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته الأخرى، والتبعة على الراويّ. وذهب وهمه إلى أنها أم حبيبة وهذه التسمية من غلط بعض الرواة لا من قول أبى سفيان. قال شيخنا العماد عمر بن كثير- رحمه اللَّه-: والصحيح في هذا أن أبا سفيان لما رأى صهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [رفع من قدره] [ (1) ] أحب أن يزوجه ابنته الأخرى- وهي عزة- واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة، كما أخرجاه في الصحيحين عن أم حبيبة أنها قالت: يا رسول اللَّه! أنكح أختى بنت أبى سفيان، فقال: وتحبين ذلك؟ قلت: نعم.. الحديث [ (2) ] .
وعلى هذا فيصح الحديث الأول، ويكون قد وقع الوهم من بعض الرواة في قوله: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة، وإنما قال: عزة، فشبه على الراويّ، أو أنه قال- يعنى الشيخ-: ابنته، فتوهم السامع أنها أم حبيبة، إذا لم يعرف سواها، ولهذا النوع من الغلط شواهد كثيرة، قلما قررت سرد ذلك في خبر مفرد لهذا الحديث، وللَّه الحمد، وهذا القول جيد، لكن سرده أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: نعم، فأجابه إلى ما سأل، ولو كان المسئول أن يزوجه أخت أم حبيبة لقال: إنها لا تحل لي كما قال ذلك لأم حبيبة، ولولا هذا لكان هذا التأويل في الحديث من أحسن التأويل. وقال ابن طاهر المقدسي في (مسألة الانتصار) : والشبهة التي حملته- يعنى ابن حزم- على الكلام في عكرمة بن عمار بغير حجة، هي أن النجاشي زوّج أم حبيبة من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهي بأرض الحبشة، ثم بعث بها إلى المدينة قبل إسلام أبى سفيان. والجواب عن هذه الشبهة: أن أبا سفيان لما أسلم أراد بهذا القول تجديد النكاح، لأنه إذا ذاك كان مشركا، فلما أسلم ظن أن النكاح [يجدد] بإسلام الولي، وخفي ذلك عليه، وقد خفي على أمير المؤمنين على بن أبى طالب الحكم في الّذي [] [ (1) ] مع قدم إسلامه وصحبته وعلمه وفقهه، حتى أرسل المقداد فسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن ذلك، وخفي على عبد اللَّه بن عمر الحكم في طلاق الحائض، حتى سأل عمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأمره بالسنة
في ذلك. ولهذا نظائر غير خافية بين أهل النقل، [والرجوع] إلى هذا التأويل أولى من التخطي إلى الكلام في رجل ثقة، وإبطال حديث ورد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، متصل الإسناد، معتمد الرواة. وأما قول أبى زميل: حدثنا ابن الوليد، فهو مقصور عليه، لم ينسبه إلى من فوقه، فتكلم عليه. قال جامعة: وقد تبع ابن طاهر على هذا الجواب أبو عمر بن الصلاح إلى الشيخ أبى زكريا النووي في (شرح مسلم) ، وهذا تأويل بعيد جدا، لأنه لو كان كذلك لم يقل: عندي أحسن العرب وأجمله، إذ قد رآها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ سنة فأكثر، وتوهّم فسخ نكاحها بإسلامه بعيد جدا. وقالت طائفة لم يتفق أهل النقل على أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج أم حبيبة بأرض الحبشة، حكاه أبو محمد المنذرىّ، وهذا من أضعف الأجوبة لوجوه. أحدها: أن هذا القول لا يعرف به أثر صحيح ولا حسن، ولا حكاه أحد ممن يعتمد على نقله. الثاني: أن قصة تزوج أم حبيبة وهي بأرض الحبشة قد جرت مجرى التواتر، كتزويجه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة بمكة، وعائشة بمكة، وبنائه بعائشة بالمدينة، وتزويجه حفصة بالمدينة، وصفية عام خيبر، وميمونة في عمرة [القضية] [ (1) ] ، ومثل هذه الوقائع شهرتها عند أهل العلم موجبة بقطعهم بها، فلو جاء سند ظاهره الصحة يخالفها، عدوّه غلطا، ولم يلتفتوا إليه ولا يمكنهم مكابرة نفوسهم في ذلك. الثالث: أنه من [المعلوم] [ (1) ] عند أهل العلم بسيرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأحواله، أنه لم يتأخر نكاحه أم حبيبة إلى بعد فتح مكة، ولا يقع ذلك في وهم
أحد منهم أصلا. الرابع: أن أبا سفيان لما قدم المدينة دخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية! ما أدرى أرغبت بى عن هذا الفراش؟ أم رغبت به عنى؟ قالت: بل هو فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: واللَّه لقد أصابك يا بنية بعدي شرّ، وهذا الخبر مشهور عند أهل المغازي والسّير، ذكره ابن إسحاق وغيره في قصة قدوم أبى سفيان المدينة لتجديد الصلح. الخامس: أن أم حبيبة [كانت] [ (1) ] من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبد اللَّه بن جحش، ثم تنصر زوجها وهلك بأرض الحبشة، ثم قدمت حتى جاءت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعد ما زوجه النجاشي إياها، فكانت عندك صلّى اللَّه عليه وسلم ولم تكن عند أبيها، وهذا مما لا يشك فيه أحد من أهل النقل، [ومن المعلوم أن أبا سفيان] [ (1) ] لم يسلم إلا عام الفتح، فكيف يقول: عندي أجمل العرب أزواجك إياها؟ وهل كانت عنده بعد هجرتها وإسلامها قط؟ فإن كان قال ذلك القول قبل إسلامه فهو محال، فإنّها لم تكن عنده، ولم يكن له عليها ولاية أصلا، وإن كان قاله بعد إسلامه فمحال أيضا، لأن نكاحها لم يتأخر إلى بعد الفتح، فإن قيل: بل بيقين أن يكون نكاحها بعد الفتح لأن الحديث الّذي رواه مسلم صحيح، ورجال إسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها بأرض الحبشة من رواية محمد بن إسحاق مرسلا، والناس مختلفون بمسانيد ابن إسحاق، فكيف بمراسيله؟ فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة؟ وهذه طريقته في تصحيح حديث ابن عباس هذا، والجواب من وجوه: أحدها: أن ما ذكره هذا القائل إنما يمكن عند تساوى النّقلين، فيترجح ما
ذكره، وأما مع تحقق بطلان أحد النقلين فلا يلتفت إليه فإن لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي، وأحوال رسول اللَّه في ذلك قط، ولو قاله قائل لعلموا بطلان قوله ولم يشكوا فيه. الثاني: أن الاعتماد في هذا [الحديث] [ (1) ] على رواية ابن إسحاق وحده لا متصلة ولا مرسلة، بل النقل المتواتر عند أهل المغازي والسير، أن أم حبيبة هاجرت مع زوجها، وأنه هلك نصرانيا بأرض الحبشة، وأن النجاشي زوجها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأمهرها من عنده، وقصتها في كتب المغازي والسير. وقد ذكرها أيضا أئمة العلم، واحتجوا بها على جواز الوكالة في النكاح، قال الشافعيّ رحمه اللَّه في رواية الربيع في حديث عقبة بن عامر رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا نكح الوليان فالأول أحق، فيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة، مع توكيل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمرو بن أمية الضمريّ فزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان. وقال في (الأم) أيضا: ولا يكون الكافر وليا لمسلمة، ولو كانت بنته، [و] [ (1) ] قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان، وأبو سفيان حي، لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم، ولا أعلم مسلما أقرب لها منه، ولم يكن لأبى سفيان [فيها] [ (2) ] ولاية، لأن اللَّه تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين في المواريث [والعقل] [ (3) ] وغير ذلك [ (4) ] . وابن سعيد هذا هو خالد بن سعيد بن العاص، ذكره ابن إسحاق وغيره، وذكر عروة والزهري أن عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه هو الّذي ولى
نكاحها، وكلاهما ابن عم أبيها، لأن عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية، وخالد بن سعيد بن أبى العاص بن أمية، وأبو سفيان هو صخر بن حرب بن أمية. والمقصود أن أئمة الفقه والسير، ذكروا أن نكاحها كان بأرض الحبشة، وهذا يبطل وهم من توهم أنه تأخر إلى بعد الفتح، احترازا منه بحديث عكرمة بن عمار. الثالث: أن عكرمة بن عمار- راوي حديث ابن عباس هذا- قد ضعفه كثير من أئمة الحديث. قال على بن المديني: سألت يحى بن سعيد عن أحاديث عكرمة بن عمار عن يحى بن أبى كثير فضعفها وقال: ليست بصحاح، وقال الإمام أحمد: ضعاف ليست بصحاح، قال عبد اللَّه: قلت له: من عكرمة أو من يحى؟ قال: لا، إلا من عكرمة، وقال البخاري: عكرمة بن عمار يضطرب في حديث يحى بن أبى كثير، ولم يكن عنده كتاب، ومرة قال: منكر الحديث [ (1) ] .
وقال أبو حاتم: عكرمة هذا صدوق، وربما وهم، وربما دلّس، وإذا كان هذا حال عكرمة، فلعله دلّس هذا الحديث عن غير حافظ، أو غير ثقة، أو وهم هو فيه، فإنه كان أميا لا يكتب. ومسلم- رحمه اللَّه- قد رواه عن عباس بن عبد العظيم، عن النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن أبى زميل، عن ابن عباس هكذا معنعنا، لكن رواه الطبراني فقال: حدثنا محمد بن محمد الجدوعى، حدثنا العباس بن عبد العظيم، حدثنا النضر ابن محمد بن عكرمة بن عمار، حدثنا زميل قال: حدثني ابن عباس.. فذكره. وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: في هذا الحديث وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا فيه ابن عمار راوي الحديث، قال: وإنما قلنا: إن هذا وهم لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبد اللَّه بن جحش، وولدت له، وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر، وثبتت أم حبيبة على دينها، فبعث إلى النجاشي يخطبها عليه فزوجه إياها، وأصدقها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل بيتها، [فطوت عنه فراش] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان، ولا يعرف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [] أبا سفيان. وقال أبو محمد بن حزم: هذا حديث موضوع لا شك فيه، والأنة فيه من عكرمة بن عمار، ولا يختلف اثنان من أهل المعرفة بالأخبار في أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لم يتزوج أم حبيبة رضى اللَّه عنها إلا قبل الفتح بدهر وهي بأرض
الحبشة، ومثل هذا لا يكون خطأ أصلا، ولا يكون إلا قصدا، نعود باللَّه من البلاء. [و] قال محمد بن طاهر المقدسي [في كتاب] (الانتصار لإمامى الأمصار) : هذا كلامه بعينه ورمته، وهو كلام رجل مجازف، هتك فيه حرمة كتاب مسلم، و [صار] إلى الغفلة عما اطلع هو عليه، وصرح أن عكرمة بن عمار وضعه، وهذا ارتكاب بطرق لم تسلكها أئمة النقل [أو علماء] الحديث، فإنا لا نعلم أحدا منهم نسب عكرمة إلى الوضع البتة، وهم أهل مائة الذين عاصروه وعرفوا أمره، وحملوا عنه واحتجوا بأحاديثه، وأخرجوها في الدواوين الصحيحة. واعتمد عليه مسلم في غير حديث من كتابه الصحيح، [وروى] عنه الأئمة، مثل عبد الرحمن بن مهدي، وعبد اللَّه بن المبارك، وأبو عامر العقدي، وزيد بن الحباب، ففي مسلم- وهو [من] الأئمة المقتدى بهم في تزكية الرواة الذين عاهدوهم وأخذوا عنهم- ثم ذكر بسنده: قال وكيع عن عكرمة- وكان ثقة- وعن يحى بن معين: عكرمة بن عمار صدوق وليس به بأس، وفي روايته كان أمينا وكان حافظا، وعن الدار قطنى أنه قال: عكرمة بن عمار يماني ثقة، ثم قال: فكان الرجوع إلى قول الأئمة الحفاظ في تعديله أولى من قوله وحده في تجريحه. فإن قيل: لم ينفرد عكرمة بهذا الحديث بل توبع عليه، فقال الطبراني: حدثنا على بن سعيد الرازيّ، حدثنا عمر بن خليف بن إسحاق بن مرسال الحنفي قال: حدثني عمى إسماعيل بن مرسال عن أبى زميل الحنفي قال: حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يفاتحونه، فقال: يا رسول اللَّه، ثلاث أعطينهن ... ، الحديث. فهذا إسماعيل ابن مرسال قد رواه عن أبى زميل، كما رواه عكرمة بن عمار، يبرئ
عكرمة من عهدة التفرد به. قيل: هذه المتابعة لا تفيد قوة، فإن هؤلاء مجاهيل لا يعرفون بنقل العلم، ولا هم ممن يحتج به، فضلا [عن] أن تقدم روايتهم على النقد المستفيض المعلوم خاصة عند أهل العلم وعامتهم، فهذه المتابعة إن لم تزده وهنا لم تزده قوة. وقالت طائفة، منهم البيهقي والمنذري- رحمهما اللَّه-: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر، حين كان سمع نفى زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمعهما الراويّ. وعورض هذا بأن أبا سفيان إنما قدم آمنا بعد الهجرة في زمن [الهدنة] [ (1) ] قبيل الفتح، وكانت أم حبيبة إذ ذاك من نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلا مع الأحزاب عام الخندق، ولولا الهدنة والصلح الّذي كان بينهم وبين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لم يقدم المدينة، فمتى [قد تزوج] [ (1) ] النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أم حبيبة، وهذا وهم بيّن، ومع ذلك فإنه لا يصح أن يكون تزويجه إياها في حال كفره، إذ لا ولاية له عليها، ولا تأخّر تزوجه إياها بعد إسلامه لما تقدم. فعلى التقريرين لا يصحّ قوله: أزوجك أم حبيبة، هذا، وظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاثة وقعت منه في وقت واحد، فإنه قال: ثلاث أعطينهن ... ، الحديث. ومعلوم أن سؤاله [تزويجها] [ (1) ] واتخاذ معاوية كاتبا، إنما يتصور بعد إسلامه، فكيف يقال: سأل بعض ذلك حال كفره، وبعضه وهو مسلم، وسياق الحديث يرده.
وقالت طائفة: بل يمكن حمل الحديث على محمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعا، إذ القول بأنه في صحيح مسلم حديث موضوع مما يسهل. قال: ووجهه أن تكون معنى [أزوّجك] [ (1) ] بها: أرضى بزواجك بها، فإنه كان على زمن منى وبدون اختياري، وإن كان نكاحك صحيحا، لكن هذا أجمل وأحسن وأكمل، لما فيه من تأليف القلوب. قال: وتكون إجابة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنعم له، كانت تأنيسا له، ثم أخبره بعد بصحة العقد، وأنه لا يشترط رضاك، ولا ولاية لك عليها، لاختلاف دينكما حالة العقد. قال: وهذا مما لا يمكن دفع احتماله. وردّ هذا بأن ما ذكرتم لا يفهم من لفظ الحديث، فإن قوله: عندي أجمل العرب أزوجكها، لا يفهم منه أحد أن زوجتك التي هي في عصمة نكاحك أرضى زواجك بها، ولا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: نعم، فإنه إنما سأل من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أمرا تكون الإجابة إليه من جهته صلّى اللَّه عليه وسلم، وأما رضاه بزواجه بها فأمر قائم بقلبه هو، فكيف يطلب من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم؟ ولو قيل: طلب منه أن يقره على نكاحه إياها- وسمى إقراره نكاحا- لكان مع فساده أقرب إلى اللفظ، وكل هذه تأويلات لا يخفى شدة بعدها، وأنها مستنكرة [و] [ (1) ] في غاية المنافرة للفظ ولمقصود الكلام. وقالت طائفة: كان أبو سفيان يخرج إلى المدينة كثيرا، [فجاءها وهو كافر] [ (1) ] وبعد إسلامه حين كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم آلى من نسائه شهرا واعتزلهن، فتوهم أن ذلك الإيلاء طلاق، كما توهمه عمر رضى اللَّه عنه، فظن وقوع الفرقة به، فقال هذا القول للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، متعطفا ومتعرضا لعله يراجعها، فأجابه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على تقدير إن امتد الإيلاء أوقع طلاق، فلم يقع شيء من
ذلك. وردّ هذا بأن قوله: عندي أجمل العرب وأحسنه أزوجك إياها، لا يفهم منه ما ذكر من شأن الإيلاء ووقوع الفرقة به، ولا يصح أن يجاب بنعم، ولا كان أبو سفيان حاضرا وقت الإيلاء، فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اعتزل في مشربة [و] [ (1) ] حلف أن لا يدخل على نسائه شهرا، وجاء عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه فاستأذن في الدخول عليه مرارا، فأذن له في الثالثة، فقال: طلقت نساءك؟ قال: لا، قال عمر: اللَّه أكبر، واشتهر عند الناس أنه لم يطلق نساءه، وأين كان أبو سفيان حينئذ؟ وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك كله قبل إسلامه بمدة تتقدم على تاريخ النكاح، كالمشترط ذلك في إسلامه، ويكون التقدير: ثلاث إن أسلمت تعطيهن: أم حبيبة أزوجكها، ومعاوية يسلم فيكون كاتبا بين يديك، وتؤمرنى بعد إسلامي فأقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، [حيث قد كان الناس] [ (1) ] لا ينظرون إلى أبى سفيان ولا يقاعدونه، فقال: يا نبي اللَّه! ثلاث أعطينهنّ ... ، لا يليق أن يصدر منه وهو بمكة قبل الهجرة أو بعد الهجرة وهو يجمع الأحزاب لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أو وقت قدومه المدينة، وأم حبيبة عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لا عنده، فما هذا إلا تكلف وتعسف، فكيف يقول- وهو كافر-: حتى أقاتل المشركين كما كنت أقاتل المسلمين؟ وكيف ينكر جفوة المسلمين له وهو جاهد مجد في قتالهم وحربهم وإطفاء نور اللَّه؟ وهذه قصة إسلام أبى سفيان معروفة، لا اشتراط فيها ولا تعرض لشيء من هذا، ومن أنصف علم أن هذه التأويلات كلها بعيدة، وأن الصواب في الحديث أنه غير محفوظ، بل وقع فيه تخبيط، واللَّه أعلم.
أم المؤمنين جويرية بنت الحارث
أم المؤمنين جويرية بنت الحارث [ (1) ] جويرية، واسمها برة بنت الحارث بن أبى ضرار بن حبيب بن الحارث بن
عائذ بن مالك بن جذيمة، وهو المصطلق بن سعيد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو مزيقاء بن عامر بن حارثة بن امرؤ القيس بن ثعلبة بن مازن ابن الأزد. كانت أولا في الجاهلية عند مسافع بن صفوان بن ذي الشفر الخزاعي،
فقتل يوم المريسيع كافرا، فصارت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وابن عم له، فكاتباها على تسع أواقي ذهب. وكانت جارية حلوة، لا يكاد يراها أحد إلا ذهبت بنفسه، فبينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على الماء، إذا دخلت عليه تسأله في كتابتها، فقالت: يا رسول اللَّه، إني امرأة مسلمة، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه، وأنا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار، بنت سيد قومه، أصابنا من الأمر ما قد علمت، ووقعت في سهم ثابت بن قيس ابن شماس وابن عم له، فخلصني من ابن عمه بنخلات بالمدينة، وكاتبني على ما لا طاقة لي به ولا يدان، وما أكرهنى على ذلك إلا أنى رجوتك- صلّى اللَّه عليك- فأعنى في مكاتبتي، فقال: أوخير لك من ذلك؟ قالت: فما هو يا رسول اللَّه؟ قال: أؤدّي عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول اللَّه قد فعلت، فأرسل إلى ثابت فطلبها منه، فقال: هي لك يا رسول اللَّه، بأبي وأمى، فأدى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما كان عليها من كتابتها وأعتقها وتزوجها، وخرج الخبر إلى الناس، ورجال بنى المصطلق قد اقتسموا وملكوا ووطئ ونساؤهم، فقال المسلمون: أصهار النبي صلّى اللَّه عليه وسلم! فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي، وهم مائة أهل بيت، فكانت جويرية أعظم امرأة بركة على قومها. وقالت جويرية: رأيت قبل قدوم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بثلاث ليال كأنّ القمر يسير من يثرب حتى وقع في حجري، فكرهت أن أخبرها أحدا من الناس، حتى قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ويقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جعل صداقها عتق كل أسبية من بنى المصطلق، ويقال: جعل صداقها عتق أربعين من قومها، وقيل: افتدى جويرية، أبوها من ثابت بن قيس، ثم خطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أبيها، فأنكحها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان اسمها برة، فسماها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من بيت برة.
وأثبت الأقوال: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قضى عنها كتابتها وأعتقها وتزوجها، وضرب عليها الحجاب، وقسم لها كما يقسم لنسائه، وفرض لها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ستة آلاف [ (1) ] ، ويقال: فرض لها اثنى عشر ألفا. وتوفيت في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين، وصلّى عليها مروان.
أم المؤمنين صفية بنت حيي
أم المؤمنين صفية بنت حيي [ (1) ] وصفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن
الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن ينحوم الإسرائيلي، من سبط هارون بن عمران عليه السّلام، أمها مرة بنت سموأل، كانت عند سلام بن
مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبى الحقيق اليهودي، فقتل يوم خيبر، وكانت صفىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مغانم خيبر، ويقال: بل وقعت في سهمه يومئذ هي وأختها، فتزوجها ووهب أختها لدحية بن خليفة، ويقال بل اشتراها بسبعة أرؤس. وقيل: لما جمع سبى خيبر جاء دحية فقال: يا رسول اللَّه! أعطنى جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فقيل: يا رسول اللَّه! إنها سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك، فقال لدحية: خذ جارية غيرها من السبي. والثابت أنها صارت في سهمه، فأعتقها وجعل عتقها صداقها، وحجبها وأولم عليها بتمر وسويق وقسم لها، فكانت إحدى أمهات المؤمنين، وكانت حليمة عاقلة فاضلة، توفيت في رمضان سنة خمس. وقال محمد بن عائد. - في (كتاب المغازي) -: حدثنا الوليد عن ابن لهيعة، عن أبى الأسود عن عروة قال: وقد كان قال قبل وفاته: مروا جويرية ابنة الحارث بالحجاب وصفية بنت حيي، وردوا وفود العرب وجهزوهم. وخرج الطبراني من حديث إسماعيل بن عياش، عن الحجاح بن أرضأة، عن الزهري، عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة.
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث [ (1) ] وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن
هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قبيس بن غيلان بن مضر، أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة، من حمير، وقيل: من كنانة، وهي أخت أم الفضل لبابة الكبرى، امرأة العباس، ولبابة الصغرى امرأة الوليد بن المغيرة المخزومي أم خالد بن الوليد، وأخت عصماء امرأة أبىّ بن خلف، وعزة امرأة زياد بن عبد اللَّه الهلالي، وأخت أسماء بنت عميس، وسلمى بنت عميس، وسلامة بنت عميس، وزينب بنت خزيمة. وكانت عند أبى سبرة بن أبى رهم، وقيل: بل كانت عند أبى رهم عبد العزى بن قيس بن عبد ودّ بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن
لؤيّ، وقيل: عند حويطب بن عبد العزى، وقيل: عند أبى رهم بن عبد العزى، وقيل: عند فروة بن عبد العزى بن أسد بن غنم بن دودان، وهو خطأ. وقيل: هي التي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وفيها نزلت: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ [ (1) ] الآية، والثابت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [أرسل] [ (2) ] أبا رافع مولاه، ورجلا من الأنصار يقال له: أوس بن خولى إلى مكة فخطباها عليه، فلما قدم مكة في عمرة القضاء تزوج بها، زوّجه إياها العباس على عشر أواقي ونشّ، وقيل: أربعمائة درهم، ويقال: تزوجها على ما تركت زينب بنت خزيمة، وخرج من مكة، وخلّف أبا رافع ليحملها، فوافاه بها بسرف، فبنى بها. وقيل: بل بعث إليها بجعفر بن أبى طالب فخطبها، فجعلت أمرها إلى العباس فزوّجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة، وقيل: بل لقي العباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية فقال له: يا رسول اللَّه، إن ميمونة بنت الحارث تأيمت، هل لك أن تتزوجها؟ فتزوجها وهو محرم، كما خرجاه في الصحيحين من حديث ابن عباس، وقيل: بل كان حلالّا، كما رواه مسلم عن ميمونة، والترمذي عن أبى رافع وكان اسمها برة، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ميمونة، وبنى بها بسرف بعد ما خرج من مكة، وتوفيت بسرف في الموضع الّذي ابنتي بها فيه رسول اللَّه، وذلك سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ست وستين، وقيل: سنة ثلاث وستين، وصلّى عليها عبد اللَّه بن عباس، ودخل قبرها هو ويزيد بن الأصم، وعبد اللَّه بن شداد بن الهادي، وهم بنو أخواتها، وعبيد اللَّه الخولانيّ وكان يتيما في حجرها، وهي آخر من تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: ماتت بمكة فحملت إلى سرف [ (3) ] فدفنت هناك.
فصل [جامع لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم]
فصل [جامع لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] فهؤلاء اثنتي عشرة امرأة، واحدة وهبت نفسها، وماتت اثنتان في حياته صلّى اللَّه عليه وسلم، وتوفى عن تسع هن: سودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وصفية، وميمونة، رضى اللَّه عنهن. وقد جاء في رواية في الصحيح أنه مات عن إحدى عشرة، والأول أصح، وقال قتادة بن دعامة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة، ومات عن تسع [ (1) ] . وفي رواية: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خمس عشرة امرأة، ست منهن من قريش وواحدة من حلفاء قريش، وسبعة من نساء العرب، وواحدة من بنى إسرائيل، ولم يتزوج في الجاهلية غير واحدة [ (2) ] . وعن الزهري وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل قالا: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثنتى عشرة امرأة عربيّة محصنات، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وقد ثبت عندنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج ثماني عشرة امرأة، سبع [منهن من] قريش، وواحدة من حلفاء قريش، وتسع من سائر قبائل العرب، وواحدة من بنى إسرائيل. فأول من تزوج خديجة، ثم سودة بمكة، ثم عائشة قبل الهجرة بسنتين، ثم تزوج بالمدينة بعد بدر أم سلمة، ثم حفصة، فهؤلاء الخمسة من قريش، ثم تزوج في سنة ثلاث زينب بنت جحش، ثم في سنة
خمس جويرية، ثم تزوج في سنة ست أم حبيبة بنت أبى سفيان، ثم في سنة سبع صفية بنت حيي، ثم تزوج ميمونة، ثم فاطمة بنت شريح، ثم زينب بنت خزيمة، ثم هند بنت يزيد، ثم أسماء بنت النعمان، ثم أخت الأشعث بن قيس، ثم أسماء السّلمية [ (1) ] . وقال الماوردي: تزوج ثلاثا وعشرين، ستّ متن قبله، وتسع مات قبلهن، وثمان فارقهن، فاللاتى متن قبله: خديجة، [وزينب أم المساكين] ، وسناء بنت الصلت، وشراف، وخولة بنت الهذيل، وخولة بنت حكيم السلمية ماتت قبل أن يدخل بها، وقيل: هي التي وهبت نفسها. وروى الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي بنحو قول قتادة عن أنس في كتابه (المختار) : وأرجأ من نسائه: سودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وميمونة، والإرجاء أن يرجئ من يشاء منهن متى شاء، ويتركها إذا شاء، وكان ذلك من أمر اللَّه تعالى ورضاه. وأوى من نسائه: عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة. والإيواء: أن يقسم لهن ويسوى بينهن. وعن الشعبي في قول اللَّه تعالى: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ، قال: هنّ نساء وهبن أنفسهن للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم لم يدخل بهن، ولم يتزوجهن أحد بعده [ (2) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث عمار، عن ثابت عن أنس، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية فقال: شمّى عوارضها وانظري إلى عرقوبها [ (1) ] ، وأما النساء اللاتي لم يدخل بهن فهن: الكلبية، تزوجها
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما دنا [منها] قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: «عذت بعظيم، الحقي بأهلك» [ (1) ] . وقيل: دخل بها، ولكنه لمّا خير نساءه اختارت قومها ففارقها، فكانت بعد ذلك تلقط البعر، وتدخل على أمهات المؤمنين فيتصدقن عليها وتقول: أن الشقية. وماتت عند أهلها سنة ستين، وكان تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بها في سنة ثمان منصرفه من الجعرانة، وقيل: إنها ابنة الضحاك بن سفيان الكلابي، واسمها فاطمة، وقيل إن الضحاك الكلابي عرض ابنته على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال من صفتها كذا وكفاك من صحة بدنها أنها لم تمرض قط ولم تصدع، فقال: لا حاجة لنا فيها، هذه تأتينا بخطاياها [ (2) ] . وقال الكلبي: التي قال أبوها أنها لم تصدع قط وعرضها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: لا حاجة لنا بها: سلميّة، وأما الكلبية فاختارت قومها، فذهلت وذهب عقلها، فكانت تقول: أنا الشقية، خدعت [ (3) ] .
[أم شريك]
وقال الواقدي: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم امرأة من بنى عامر، فكان إذا خرج اطلعت إلى أهل المسجد، فأخبرته أزواجه بذلك، فقال إنكن تبغين عليها، فقلن: نحن تركنها وهي تطلع، فلما رآها فارقها. [أم شريك] وأم شريك الأنصارية، قال ابن إسحاق: حدثنا أبو الأشعث، حدثنا زهير بن العلاء، حدثنا سعيد بن أبى عروة، عن قتادة قال: وتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم شريك الأنصارية من بنى النجار، قال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرتهن فلم يدخل بها. ذكره الحاكم [ (1) ] . [العالية] والعالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن عبد بن أبى بكر بن كلاب، تزوج بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فمكثت عنده ما شاء اللَّه ثم طلقها، فقيل: بسبب التطلع، فتزوجها ابن عم لها ودخل بها، وذلك قبل أن يحرم نكاحهن على الناس، وولدت له [ (2) ] . وذكر الحاكم أنها التي بكشحها بياض، وأنها غير أسماء بنت النعمان ابن يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب، تزوج بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فبلغه أن
[الكلابية]
بها بياضا، أو رأى بكشحها بياضا [ (1) ] ، فطلقها، قال ابن الكلبي: وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هند بنت يزيد [] القرطاء، من ولد أبى بكر بن كلاب، وبعث إليها أبا أيوب الأنصاري فلما اهتداها رأى بها بياضا فطلقها. [الكلابية] وقال الحاكم: والكلابية قد اختلف في اسمها، فقال بعضهم: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي، وقال بعضهم: هي عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب بن عامر، وقال بعضهم: هي عالية بنت كيسان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبيد بن كلاب، وقال بعضهم: هي سبا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن عبيد بن أبى بكر بن كلاب [ (2) ] . وقال بعضهم: لم يكن إلا كلابية واحدة، وإنما اختلف في اسمها، وقال بعضهم: بل كن جمعا [ولكن] [ (3) ] لكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها. وذكر [سعيد] [ (4) ] أن [أسماء بنت النعمان] [ (3) ] لما أدخلت عليه لم تكن باليسيرة لما أدخلت، فانتظر بها اليسر، ومات إبراهيم ابن رسول اللَّه على بقية ذلك، فقالت: لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه
[أسماء بنت عمرو]
وأعز عليه، فطلقها وأوجب لها المهر، وحرمت على الأزواج [ (1) ] . [أسماء بنت عمرو] وأسماء بنت عمرو بن النعمان بن الحارث بن شراحبيل، كذا قال هشام ابن محمد الكلبي في كتاب (الجامع) ، وعند ابن عبد البر أنها أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحبيل بن النعمان [بن كندة] ، ولم يصححه، بل ذكره بصيغة التمريض، وهي من كندة، ثم من معاوية وهو الجون بن آكل المرار، تزوج بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت من أجمل النساء، ومهرها اثنتي عشرة أوقية ونشا، فقال لها بعض نسائه: أنت بنت ملك، وإن استعذت باللَّه منه حظيت عنده. فلما دخلت عليه دنا منها فقالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: عذت بمعاذ عذت، وقال: ارجعي إلى أهلك، فقيل: يا رسول اللَّه، إنها خدعت وهي حدثه، فلم يراجعها، فتزوجها المهاجر بن أمية المخزومي، ثم قيس بن هبيرة المرادي، فأراد عمر رضى اللَّه عنه معاقبتهما فقيل له: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يدخل بها، ولم يضرب عليها الحجاب، ولم تسمّ في أمهات المؤمنين، فأمسك [ (2) ] . [قتيلة بنت قيس] قال الكلبي: وقال الشوقى بن القطامي: دعاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: بل ائتني أنت، فطلقها، وذكره الحاكم عن قتادة، وقال الكلبي: لما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بهذه الكندية ما فعل، كان الأشعث بن قيس الكندي حاضرا، فقال: يا رسول اللَّه، ألا أزوجك قتيلة بنت قيس أختى؟ قال:
[الجونية]
نعم، فتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل أن يخرج من اليمن، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل [ (1) ] وذكر الحاكم عن أبى عبيدة معمر بن المثنى أنه عليه السّلام تزوجها حين قدم عليه وفد كندة، وتوفى ولم يقدم عليه. وزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهر، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، وزعم آخرون أنه أوصى أن تخير فاختارت النكاح، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل، وزعم بعضهم أنها ارتدت [ (2) ] . [الجونيّة] وقال الواقدي: قدم النعمان الكندي وكان منزله، بنجد فأسلم، وقال: يا رسول اللَّه! ألا أزوجك أجمل أيم في العرب؟ فتزوجها على اثنتي عشرة أوقية ونشّ- وذلك خمسمائة درهم- ووجه أبا أسيد الساعدي فقدم بها، وأنزلها في أطعم بنى ساعدة، وكانت جميلة فائقة الجمال. فاندسّت إليها امرأة من نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: أنت كنت تريدين الحظوة عنده فاستعيذى منه، فإن ذلك يعجبه، فلما جاءها أقعى، ثم أهوى إليها ليقبلها- وكذلك كان يصنع- فقالت: أعوذ باللَّه منك،
[مليكة بنت كعب]
فانحرف عنها وقال: عذت بمعاذ، وخرج فأمر بردها. فردها أبو أسيد إلى قومها فقالوا: إنك لغير مباركة، جعلتينا في العرب شهرة، فأقامت في بيتها لا يطمع في بيتها طامع، ولا يراها إلا ذو محرم حتى توفيت في خلافة عثمان عند أهلها بنجد، قال: وكان تزويجه هذه الجونية في ربيع الأول سنة تسع، ويقال: إن عائشة وحفصة رضى اللَّه عنهما توليا مشطها وإصلاح أمرها، فأمراها أن تستعيذ منه إذا دنا منها [ (1) ] . وعن الزهري: لم يتزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كندية إلا أخت الجون، ثم فارقها، وعن عروة بن الزبير: أنه ما تزوج أخت الأشعث قط، ولا تزوج كندية إلا أخت بنى الجون. وقال محمد بن حبيب: الجونية امرأة من كندة، وليست بأسماء ابنة النعمان، كان أبو أسيد قدم بها عليه، [فتولت] عائشة وحفصة مشطها وإصلاح أمرها، فقالت إحداهما لها: إن رسول اللَّه يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ باللَّه منك، فلما دخل عليها وأرخى الستر، ثم مد يده، قالت: أعوذ باللَّه منك، فوضع كمه على وجهه وقال: عذت بمعاذ ثلاث مرات، ثم خرج فأمر أبا أسيد أن يلحقها بأهلها، ويمتعها برازقتين ثياب كتان، فذكروا أنها ماتت كمدا [ (2) ] . [مليكة بنت كعب] ومليكة بنت كعب الليثي من كنانة، تزوجها في رمضان سنة ثمان، فقالت لها عائشة رضى اللَّه عنها: أما تستحين أن تنكحى قاتل
[أم هانئ]
أبيك [ (1) ] ؟ فقالت: كيف أصنع؟ قالت: استعيذى باللَّه منه، فاستعاذت فطلقها، وقتل أبوها [ (1) ] يوم فتح مكة، وقيل: هذه الكندية هي عمرة، وقيل: دخل بمليكة الكنانية فماتت عنده، وأنكر الزهري وغيره أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تزوج كنانية قط [ (2) ] . [أم هانئ] وذكر ابن الكلبي: وخطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أم هانئ بنت أبى طالب فقالت: ولقد كنت أحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام؟ ولكنى امرأة ذات أولاد صغار وأنا أخاف أن يؤذوك، فأمسك عنها وقال: خير نساء ركبن المطايا نساء قريش: أحناهن على ولد في صغر، وأرعاهن على زوج في ذات يد [ (3) ] .
[صفية بنت بشامة]
وخرج الحاكم من حديث عبيد اللَّه بن موسى، حدثنا إسرائيل عن السدي، عن أبى صالح عن أم هاني قالت: خطبنى النبي عليه السّلام فاعتذرت إليه فعذرني، وأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ [ (1) ] إلى قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ [ (1) ] قالت: فلم أكن [زوجا له] [ (2) ] ولم أهاجر معه، وكنت من الطلقاء. [قال: [ (2) ]] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . [صفية بنت بشامة] وصفية بنت بشامة الغيري، أخت الأعور بن بشامة، أخذت سبيّة فعرض عليها أن يتزوجها أو ترد إلى أهلها فاختارت أن ترد فردت [ (4) ] .
[ليلى بنت الخطيم]
[ليلى بنت الخطيم] وليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، أتته وهو غافل عنها [فضربت] [ (1) ] على منكبه فقال من هذا أكلة [الأسد] [ (2) ] ، فقالت: ابنة الخطيم، وبنت مطعم الطير، ومسارى الريح، وقد جئتك أعرض عليك نفسي، فقال: قد قبلتك. فأتت نساءها فقلن: بئس ما صنعت، أنت امرأة غيور، ورسول اللَّه كثير الضرائر، ونخاف أن تغارى، فيدعو عليك فتهلكى فاستقيليه، فأتت فاستقالته فأقالها، فدخلت بعض حيطان المدينة [تغتسل، إذ وثب عليها ذئب فأكل بعضها، فأدركت فماتت] [ (3) ] .
[خولة بنت الهذيل]
[خولة بنت الهذيل] [و] [ (1) ] خولة بنت الهذيل بن هبيرة، خطبها فهلكت قبل دخولها عليه [ (2) ] . [شراف بنت قطام] وشراف بنت قطام أخت دحية الكلبي، هلكت قبل دخولها عليه [ (3) ] .
[ضباعة بنت عامر]
[ضباعة بنت عامر] وضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، مات عنها هشام بن المغيرة، وكانت جميلة، فخطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم بلغه عنها كبرة وتغيّرا فأمسك عنها، وضباعة هذه هي التي طافت حول الكعبة عريانة، ولم تجد ثوب حرمىّ تستعيره ولا تكتريه، فقالت: اليوم يبدو بعضه أو كلّه ... فما بدا منه فلا أحلّه [ (1) ] .
[الكلبية]
[الكلبية] وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطب امرأة من كلب، فبعث عائشة رضى اللَّه عنها لتنظر إليها، فذهبت ثم رجعت، فقال لها: ما رأيت؟
[أمامة بنت الحارث]
قالت: لم أر طائلا، فقال: لقد رأيت خالا بخدّها اقشعرت له كل شعرة منك؟ فقالت: يا رسول اللَّه! ما دونك ستر. وعن مجاهد: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خطب فردّ لم يعد، فخطب امرأة فقالت: أستأمر أبى، فاستأمرته فأذن لها، ثم أتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لها: قد التحفنا لحافا غيرك [ (1) ] . [أمامة بنت الحارث] وخطب أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، وكان أبوها أعرابيا جافيا سيد قومه فقال: إن بها بياضا- وكانت العرب تكنى بذلك عن البرص- فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: ليكن كذلك، فبرصت من وقتها، فتزوجها يزيد بن حمزة بن عوف بن أبى حارثة، فولدت له الشاعر شبيب بن يزيد المعروف بابن البرصاء [ (2) ] . [جمرة بنت الحارث] وخطب جمرة بنت الحارث بن عوف، فقال أبوها: إن بها برصا، وهو كاذب- فبرصت، وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر، قال أبو عبيدة معمر ابن المثنى: وذكر المدائني أن أم شبيب بن البرصاء اسمها القرصافة بنت الحارث بن عوف بن أبى حارثة [ (3) ] .
[درة بنت أبى سلمة]
وقال الكلبي: كانت أم شبيب أدماء فسميت برصاء على القلب ولم يكن بها برص. [درة بنت أبى سلمة] وعرضت عليه صلّى اللَّه عليه وسلم درة بنت أبى سلمة فقال: لو لم تكن أمها عندي لما حلت لي، قد أرضعتنى وأباها ثويبة [ (1) ] ... الحديث. [أمامة بنت حمزة] وعرضت عليه أمامة بنت حمزة رضى اللَّه عنه فقال: أما علمتم أن أخى حمزة من الرضاعة، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [ (2) ] ؟
[أم حبيب]
[أم حبيب] وعرضت عليه بنت العباس رضى اللَّه عنه، فقال: العباس أخى من الرضاع، ويروى أنه قال إن كبرت أم حبيب وأنا حىّ تزوجتها، وفي رواية: أنه رأى أم حبيب وهي فوق الفطيم فقال: لئن بلغت بنية العباس هذه وأنا حىّ لأتزوجنها [ (1) ] . قال ابن عباس: في هذا تأكيد لقول عائشة رضى اللَّه عنها أنه أحل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم كثيرا من النساء، وأنه لم يحبس على تسع. [سناء بنت أسماء بنت الصلت] وعرضت عليه أسماء- وقيل: سناء- بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حزام بن سماك بن عوف السلمية، وحملت إليه فماتت قبل وصولها إليه [ (2) ] .
وقيل له: يا رسول اللَّه، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ فقال: إن فيهن غيرة شديدة وأنا صاحب ضرائر، وأكره أن أسوأ قومهن فيهن.
وذكر الحاكم عن قتادة: أنه- عليه السّلام- تزوج أم شريك الأنصارية من بنى النجار، وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرتهن، فلم يدخل بها [ (1) ] . وقال الزهري: كان صداق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الّذي زوج به بناته وتزوج به: عشر أواقي ونشا، قال عبد الرزاق: وذلك خمس مائة درهم [ (2) ] . وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا خطب المرأة قال للذي يخطبها عليه: اذكر لها جفنة سعد بن عبادة الّذي كان يبعث بها، يعنى أنها مرة
بلحم ومرة بسمن ومرة بلبن [ (1) ] . وقال الواقدي: بلغنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد [ (2) ] ، [ويروى] أنه طاف عليهنّ يغتسل من كل امرأة ...
غسلا [ (1) ] ، وأنه قال: أعطيت في الجماع قوة أربعين رجلا [ (2) ] .
وقد اختلف في الحجاب، فذكر أبو الحسن المدائني في كتاب (النساء اللاتي لم يكن مستترات) : حدثنا ابن مجاهد عن ابن إسحاق قال: كنّ نساء الجاهلية لا يستترن، فقالت هند بنت عتبة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بأبي أنت وأمى، ما أكرم هذا الدين لولا خصال فيه، قال: ما هي؟ قالت: منهن هذا القناع، فلا نعرف ذعرا من [فزع] ، قال: لا بدّ من التستر. وكان في الإسلام يقصد الرجل امرأته فيدخل عليها الداخل فلا تقف المرأة ويقعد الرجل امرأته للرجل (انتهى) . وعن مجاهد عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: أكل عمر رضى اللَّه عنه مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأصابت يده بعض نسائه فأمر بالحجاب. قال الواقدي: ونزل الحجاب في ذي القعدة سنة خمس، وقوم يقولون نزل بمكة في حجة الوداع [ (1) ] .
وللإمام أحمد من حديث سفيان عن عمر عن عطاء عن عائشة قالت: ما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أحل له النساء [ (1) ] ، وفي رواية عن عطاء عن عائشة رضى اللَّه عنها، ما قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أحل اللَّه له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات زوج، لقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عاصم عن معاذة عن عائشة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يستأذن إذا كان يوم المرأة منا، بعد أن نزلت هذه الآية تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ قالت: فقلت لها: ما كنت تقولين له؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذلك إليّ فإنّي لا أريد يا رسول اللَّه أن أؤثر عليك أحدا [ (3) ] . وعن أبى أمامة بن سهل بن حنيف في قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، قال: حبس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن نسائه فلم يتزوج بعدهن [ (4) ] . وعن أبى زرين قال: همّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يطلّق نساءه، فلما رأين ذلك
جعلته في حل من أنفسهن يؤثر من يشاء، فأنزل اللَّه وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ، يقول: تعزل من تشاء فكان ممن عزل: سودة، وأم حبيبة، وصفية، وجويرية، وميمونة، وجعل يأتى عائشة وحفصة، وزينب، وأم سلمة. وقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ، يقول: من تشاء في غير طلاق، ثم قال تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، يقول: من المسلمات [ (1) ] . وكان يستتر في الجماع، فجاء من طرق عن عائشة، ما نظرت إلى فرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قط، وفي رواية: ما رأيت عورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قط، وعنها أنها قالت: ما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا من نسائه إلا مقنعا يرخى الثوب على رأسه، وما رأيته من رسول اللَّه ولا رآه منّى» [ (2) ] . وخرج الخطيب أبو بكر الحافظ، من طريق منصور بن عمار قال: حدثني معروف أبو الخطاب قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أم سلمة تقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه وقنع رأسه [زاد الخلال] ، وقال للتي تكون تحته: عليك بالسكينة والوقار [ (3) ] . وأدّب أزواجه بالهجر، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا
جعفر بن سليمان، عن ثابت قال: حدّثتنى شميسة- أو سمية-[قال عبد الرزاق: هو في كتابي سمينة] [ (1) ] عن صفية بنت حىّ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حج بنسائه، حتى إذا كان في بعض الطريق، نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كذاك سوقك بالقوارير- يعنى النساء-. فبينما هم يسيرون، برك بصفية بنت حيي جملها- وكانت من أحسنهن ظهرا- فبكت، وجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، فلما أكثرت زبرها وانتهرها، وأمر الناس بالنزول، ولم يكن يريد أن ينزل، قالت: فنزلوا، وكان يومى، فلما نزلوا ضرب خباء رسول اللَّه ودخل فيه، قالت: فلم أدر علام أهجم من رسول اللَّه، وخشيت أن يكون في نفسه شيء [منى] [ (1) ] . فانطلقت إلى عائشة فقلت لها: تعلمين أنى لم أكن لأبيع يومى من رسول اللَّه بشيء أبدا، وإني قد وهبت يومى لك على أن ترضى رسول اللَّه [عنى؟] [ (1) ] قالت: نعم، فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران فرشته بالماء ليذكى ريحه، ثم لبست ثيابها، ثم انطلقت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فرفعت طرف الخباء فقال لها: ما لك يا عائشة! إن هذا ليس بيومك، قالت: ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء. فقال [ (2) ] مع أهله، فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: [يا زينب] [ (1) ] أفقرى صفية جملا- وكانت من أكثرهن ظهرا- فقالت: أنا أفقر يهوديتك؟ فغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين سمع ذلك منها، فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر، فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه.
فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فرأت ظله فقالت: إن هذا لظل رجل، وما يدخل عليّ النبي! فمن هذا؟ فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما رأته قالت: يا رسول اللَّه! ما أدرى ما أصنع حين دخلت عليّ. قالت: وكانت لها جارية، وكانت تخبؤها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: فلانة لك، فمشى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى سرير زينب- وكان قد رفع- فوضعه بيده ثم أصاب أهله ورضى عنهم [ (1) ] . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الى من نسائه شهرا [ (2) ] واعتزلهن لشيء صدر منهن، فقيل: لأنهن سألنه من النفقة ما
ليس عنده، وقيل: بسبب مارية أم إبراهيم عليه السّلام [ (1) ] ، وقيل: لرد زينب نصيبها من الهدية. وكان ينفق على نسائه كل سنة [ثمانين] وسقا من شعير، وثمانين وسقا من تمر، وقيل: لم يصح أن هذا العدد لكل واحدة منهن في العام [ (2) ] ، فاللَّه
أعلم. فقد كان لكل واحدة منهن الإماء والعبيد [الموالي] ، في حياته صلّى اللَّه عليه وسلم.
[فصل في] ذكر قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجماع
[فصل في] ذكر قوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الجماع قال ابن قتيبة في (غريبه) في حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال له رجل: يا رسول اللَّه هل أنزل عليك طعام من السماء؟ قال: نعم، أنزل عليّ طعام بمسخنة. يرويه أرطاة ابن المنذر، عن ضمرة بن حبيب، عن سلمة بن نفيل السكونيّ، قال: المسخنة: قدر كأنها ثور. وفي حديث آخر: أتانى جبريل بقدر يقال له الكفيت، فأكلت منها أكلة، فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع. قال: وأحسب الكفيت والكفت شيئا واحدا، وهي قدر لطيفة [ (1) ] . وقال ابن سعد في (طبقاته) : أخبرنا عبيد اللَّه بن موسى، عن أسامة بن زيد، عن صفوان بن سليم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتانى جبريل عليه السلام بقدر فأكلت منها، فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع [ (2) ] . أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان، حدثنا إسرائيل عن ليث عن مجاهد قال: أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بضع أربعين رجلا، وأعطى كل رجل من أهل الجنة بضع ثمانين [ (3) ] . أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي وقبيصة بن عقبة قالا: حدثنا سفيان عن معمر عن ابن طاووس قال: أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قوة أربعين رجلا في الجماع.
وخرج البخاري من حديث معاذ بن هشام، حدثني أبى عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن أحد عشرة، قلت لأنس، أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين. قال أبو عبيد اللَّه: وقال سعيد عن قتادة: أن أنسأ حدثهم: تسع نسوة. ذكره في باب: إذا جامع ثم عاود، ومن دار على نسائه في غسل واحد [ (1) ] . وقال الحافظ أبو نعيم: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد- يعنى الطبراني- حدثنا محمد بن هارون ومحمد بن بكار، حدثنا العباس بن الوليد الخلال، حدثنا مروان بن محمد الظاهري، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضّلت على الناس بأربع: بالسماحة والشجاعة، وكثرة الجماع، وشدة البطش [ (2) ] ، وقال مقاتل بن
حبان: أعطى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بضع سبعين شابا فحسدته اليهود، فنزل: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] .
فصل [في ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم]
فصل [في ذكر سراري رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سريتان [ (1) ] : مارية، وريحانة. [مارية] [ (2) ] [ (3) ] فأما مارية بنت شمعون القبطية، فبعث بها المقوقس صاحب
الإسكندرية مدينة بأرض مصر- في سنة سبع مع حاطب بن أبى بلتعه لما أتاه بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وبعث معها بأختها سيرين. وفي رواية: أنه بعث ثلاث جوار: أم إبراهيم، وواحدة وهبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأبى جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت، وألف مثقال من الذهب، وعشرين ثوبا، وبغلة، وحمارا، وخصيا، كل ذلك هدية، فلما خرج [حاطب] بمارية عرض عليها الإسلام فأسلمت وأختها، وأقام الخصىّ على دينه حتى أسلم بالمدينة، فأعجب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمارية- وكانت بيضاء جميلة جعدة الشعر، وكانت أمها رومية- فأنزلها في المال الّذي يعرف بمشربة أم إبراهيم [ (1) ] ، وصار يختلف إليها هناك، وضرب عليها الحجاب، واتخذها لفراشه فحملت بإبراهيم، وولد في ذي الحجة سنة ثمان، فقبلتها سلمى مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وحضنته أم بردة كبشة بنت المنذر بن زيد بن لبيد، وقال صلّى اللَّه عليه وسلم- لما ولد إبراهيم-: أعتق أمّ إبراهيم ولدها [ (2) ] . ومات إبراهيم وهو يرضع، فلما توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان أبو بكر رضى اللَّه عنه ينفق على مارية حتى توفاه اللَّه، ثم كان عمر رضى اللَّه عنه ينفق عليها حتى ماتت في رمضان لسنتين من خلافته، وقيل: ماتت في المحرم سنة ست عشرة.
[ريحانة]
[ريحانة] [ (1) ] وريحانة بنت شمعون بن زيد- ويقال: زيد بن خنافة- من بنى
قريظة، ويقال: من بنى النضير، والأكثر أنها من بنى قريظة، ويقال: اسمها ربيحة، كانت متزوجة في بنى قريظة بابن عم لها يقال له: الحكم أو عبد الحكم، فلما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قريظة وغنم أموالهم، أخذ ريحانة صفيا- وكانت جميلة- فعرض عليها أن تسلم، فأبت إلا اليهودية، فعزلها ووجد في نفسه. فأرسل إلى ابن سعية، فذكر له ذلك فقال: فداك أبى وأمى، هي تسلم، وخرج حتى جاءها، فجعل يقول لها: لا تتبعى قومك، فقد رأيت ما حل [على آل] حيي بن أخطب، وأسلمى يصطفيك رسول اللَّه لنفسه. فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أصحابه، إذ سمع وقع نعل فقال: إن هاتين لنعلا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال: يا رسول اللَّه، قد أسلمت ريحانة، فسرّ بذلك، وأرسل بها إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر فكانت عندها حتى حاضت حيضة، ثم طهرت من حيضتها. فجاءها في منزل أم المنذر، فقال لها: إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي وأطؤك بالملك فعلت، فقال:
يا رسول اللَّه، إني أخفّ عليك، وعليّ أن أكون في ملكك، فكانت في ملكه يطؤها حتى ماتت، وكان قد جعلها في محل له يدعى الصدقة، وكان ربما قال عندها وعندها وعك، فأتى منزل ميمونة، ثم تحول إلى بيت عائشة رضى اللَّه عنها. وعن الزهري: كانت ريحانة بنت شمعون قريظية، وكانت من ملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأعتقها وتزوجها، وجعل [صداقها عتقها] ، ثم إنه طلقها، فكانت في أهلها تقول: لا يراني أحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وعن محمد بن كعب القرظي: كانت ريحانة من قريظة صفى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ، فأعتقها وتزوجها، فغارت عليه غيرة شديدة، فطلقها تطليقة ثم راجعها، فكانت عنده حتى ماتت قبل أن يتوفاه اللَّه. وكانت ريحانة تقول: تزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومهرنى مثل مهر نسائه، وكان يقسم لي، وضرب عليّ الحجاب، وكان تزويجه إياي في المحرم سنة ست من الهجرة. وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم سريتان: [مارية] [ (1) ] القبطية، وريحانة بنت شمعون، وصحح الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعتقها وتزوج بها، والّذي ذهب إليه أبو عمر بن عبد البر: أن ريحانة ماتت قبل وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سنة عشر، مرجعه من حجة الوداع. وعن ابن سيرين: أن رجلا لقي ريحانة بالموسم فقال: إن اللَّه لم يرضك للمؤمنين أمّا، قالت وأنت فلم يرضك اللَّه لي ابنا.
فصل في ذكر أسلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر أسلاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم السّلفان والسّلفان: متزوجان الأختين، والجمع أسلاف، وقال ابن الأعرابي: ليس في النساء سلفة، إنما السلفان في الرجال. وقال كراع: السلفان: المرأتان تحت الأخوين [ (1) ] وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الأسلاف سبعة وأربعون رجلا، ستة من قبل خديجة، وثلاثة من قبل عائشة، وأربعة من قبل حفصة، وسبعة من قبل أم سلمة، وأحد عشر من قبل أم حبيبة، واثنان من سودة، وعشرة من قبل ميمونة، وثلاثة من قبل زينب بنت جحش، وواحد من قبل مارية. [أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة] فأما أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة فإنّهم: الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس ابن عبد مناف [ (2) ] أمة وأم أخيه ربيعة [ (3) ] : أم المطاع ابنة أسد ابن
عبد العزى بن قصي، وهما اللذان غضبا لأم حبيبة بنت عبد شمس لما خرجت إلى الطائف، وقد أكثرت من رحل من بنى عقيل، فلقيها بعض بنى بكر وقتلوا العقيلي، فرجعت إلى مكة، وجاءت حرب بن أمية بن عبد شمس وطلبت منه أن يأخذ لها بثأر العقيلي فقال: لا سبيل إلى ما قبل بنى بكر، فأتت الربيع والربيعة ابني عبد العزى بن عبد شمس، فشكت إليهما ما لقيته وما قال لها حرب، وتحفرت بالعقيلى فقاما معها وغضبا لها حتى أخذا لها الدية، فبعث بها إلى أهل العقيلي، فمدحهما الخليع شاعر بنى عقيل، وتزوج الربيع هذا بهالة بنت خويلد أخت خديجة لأبيها وأمها، فاطمة ابنة زائدة بنت جندب بن هدم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، فولدت له أبا العاصي بن الربيع زوج زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن خالتها، ومات الربيع عن هالة، فخلف عليها أخوه ربيعة بن عبد العزى، وقد انقرض ولد الربيع بن عبد العزى بن هاله، ولربيعة عقب، ومات وبيعة عن هاله فخلف عليها قطن بن وهب بن عمرو بن حبيب بن سعد بن عائذ بن مالك المصطلقيّ من خزاعة، فولدت له عبد العزى بن قطن الّذي شبهه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقمر بنى لحي [ (1) ] وعلاج بن أبى سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، كانت تحته خالدة بنت خويلد أخت خديجة. [ (2) ] وعبد بن بجاد [بن عبد اللَّه] [ (3) ] بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد
[سلفاه صلى الله عليه وسلم من قبل سودة]
ابن تيم بن مرة بن كعب، كانت تحته رقيقة [ (1) ] بنت خويلد أخت خديجة لأبيها، فولدت له أميمة بنت بجاد، وهي التي يقال لها بنت رقيقة [ (2) ] وهي من المبايعات، حدث عنها محمد بن المنكدر [ (3) ] . [سلفاه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة] وأما سلفاه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة رضى اللَّه عنهما، فهما: حويطب ابن عبد العزّى بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن خسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشيّ العامري، أبو محمد، وقيل: أبو الأصبغ، أمه وأم أخيه رهم بن عبد العزّى: زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحرث بن منقذ بن عمرو بن معيص، أسلم يوم الفتح، وهو من المؤلفة [قلوبهم] [ (4) ] ، وأعطى يوم حنين مائة بعير، [وهو] [ (4) ] أحد النفر الذين أمرهم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه بتجديد [أنصاب] [ (4) ] الحرم، ومات
بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن مائة وعشرين سنة أدرك منها في الجاهلية ستين سنة، وكانت تحته أم كلثوم ابنة زمعة أخت سودة لأبيها وأمها، فولدت له عبد الرحمن بن حويطب. وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، القرشي الزهري [أبو محمد] ، كان اسمه في الجاهلية: عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن [أمه] : الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث بن زهرة، ولد بعد الفيل بعشر سنين، وأسلم قبل دخول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، وشهد بدرا وما بعدها، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وكان له حظ في التجارة، وكسب مالا كثيرا، خلف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس، وصولحت امرأته عن ربع الثمن بثلاثة وثمانين ألفا، ومات بالمدينة سنة إحدى وثلاثين، وقيل: ثنتين وثلاثين، عن خمس وأربعين سنة، وقيل عن اثنتين وسبعين سنة،
وتزوج أم حبيبة بنت جحش أخت زينب [ (1) ] بنت جحش [ (2) ] . وذكر مالك في الموطأ: عن هشام بن عروة، عن أبيه عن زينب بنت أبى سلمة أنها رأت زينب ابنة جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلى [ (3) ] .
قال ابن عبد البر: هكذا رواه [] عن مالك في الموطأ وهو وهم، لانه
لم تكن قط زينب بنت جحش تحت عبد الرحمن بن عوف، وإنما كانت تحت زيد بن حارثة، ثم كانت تحت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وإنما كانت تحت عبد الرحمن ابن عوف أمّ حبيبة بنت جحش، وكنّ ثلاث أخوات كما ذكرنا، وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة بنت جحش تحت طلحة بن عبد اللَّه، وقد قيل: إن بنات جحش ما استحض، وقيل: لم يستحض منهن إلا أم حيبة وحمنة، واللَّه أعلم.
أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة
أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة وأما أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة رضى اللَّه عنها إنهم: الزبير بن العوام، كانت تحته أسماء ذات النطاقين، وابنة أبى بكر الصديق، من قبيلة تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معدّ بن عدنان] [ (1) ] ، وهي أخت عائشة رضى اللَّه عنها لأبيها، فولدت له عبد اللَّه [وعروة والمنذر وعاصما وخديجة الكبرى] [ (2) ] ، وأم الحسن وعائشة بنى الزبير، وقد تقدم من التعريف به ما أغنى عن إعادته [ (3) ] . وطلحة بن عبيد اللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيّ [بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، القرشيّ، التيمي، المكيّ] [ (4) ] أبو محمد، وأمه الحضرمية، اسمها الصعبة بنت عبد اللَّه بن عماد بن مالك بن ربيعة بن أكبر بن مالك بن عويف بن مالك بن الخزرج بن إياه بن الصدف بن حضر موت بن كندة، يعرف أبوها عبد اللَّه بالحضرمي، ويقال لها: بنت الحضرميّ، يكنى طلحة أبو محمد، ويعرف بطلحة الفياض.
وهو أحد المهاجرين الأولين، آخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين كعب بن مالك، ولم يشهد [بدرا] ، فضرب له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسهمه، فلما قدم قال: يا رسول اللَّه! وأجرى؟ قال: وأجرك، وشهد أحدا [وما بعدها] وكان له بلاء حسن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقاه يومئذ بنفسه، واتقى عنه النبل بيده حتى شلت [إصبعه] ، وضرب في رأسه، وحمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على رأسه، ظهره حتى استقل على الصخرة، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اليوم أوجب طلحة [ (1) ] ، ثم شهد المشاهد كلها، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد أصحاب الشورى الستة، ثم شهد وقعة الجمل محاربا لعلى رضى اللَّه عنهما، فذكّره أشياء فرجع عن قتال عليّ، واعتزل في بعض الصفوف، فرماه مروان بن الحكم بسهم، فلم يزل ينزف دمه حتى مات في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين عن ستين- وقيل: بضع وستين- سنة، كانت تحته أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق [ (2) ] . أخت عائشة من حبيبة بنت خارجة بن رهم الأنصاري، فهي أخت عائشة لأبيها، فولدت لطلحة زكريا [ويوسف] [ (3) ] وعائشة، وكانت تحته أيضا حمنة بنت جحش بعد موت
مصعب بن عمير عنها، وهي أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش، فولدت حمنة لطلحة محمد السّجاد، وهو الّذي قتل يوم الجمل، وعمران [بن طلحة] [ (1) ] . وخرج الحاكم من حديث أبى صالح الحراني: حدثنا سليمان [ (2) ] بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن محمد بن طلحة، عن أبيه [ (3) ] عن جده قال: كان طلحة سلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في أربع: كانت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عائشة بنت أبى بكر، وكانت أختها أم كلثوم بنت أبى بكر عند طلحة، فولدت له زكريا ويوسف وعائشة، وكانت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم زينب بنت جحش، وكانت حمنة بنت جحش تحت طلحة [بن عبيد اللَّه] [ (4) ] ، فولدت له محمدا، وقتل يوم الجمل [مع أبيه] [ (5) ] ، وكانت أم حبيبة بنت أبى سفيان تحت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكانت أختها رفاعة [ (6) ] بنت أبى سفيان تحت طلحة وكانت أم سلمة بنت أبى أمية تحت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت أختها قريبة بنت أبى أمية تحت طلحة، فولدت له مريم بنت طلحة [ (7) ] .
وعبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو ابن مخزوم [] [ (1) ] القرشي المخزومي، وقال له: الأحول، أحد وجوه قريش [ (2) ] ، أمه ليلى بنت عطارد بن حاجب بن زرارة [ (3) ] ، خلف على أم
كلثوم بنت أبى بكر بعد طلحة بن عبد اللَّه، فولدت له: عثمان، وموسى، وإبراهيم، [وزكريا] ، وله من غير أم كلثوم: محمد، وأبو بكر، أمهما فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وفيه يقول معاوية بن أبى سفيان: غلبنا عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة على أيام قريش، وقال عبد الملك بن مروان: ثلاثة أعطوا اللَّه عهدا ألا يعطوا طاعة أبدا، فأما واحد فعاجلته منيته، وهو عبد اللَّه بن صفوان الجمحيّ، وأما الآخر: فوفى حتى مات، وهو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبى ربيعة، وأما [الثالث] فحام وهو عبد الرحمن بن عثمان السهمي، وتوفى عبد الرحمن بن أبى ربيعة.
[أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة]
[أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل حفصة] وأما أسلافه من قبل حفصة رضى اللَّه عنها فإنّهم: عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب [بن لؤيّ بن غالب بن فهر] [ (1) ] القرشي العدوي، أمه لبابة بنت أبى لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، وعمه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، ولد وهو ألطف من ولد، فأخذه جده أبو أمه أبو لبابة في ليفة، فجاء به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا معك يا أبا لبابة؟ قال: ابن ابني يا رسول اللَّه، ما رأيت مولودا قط أصغر خلقه منه، فحمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومسح على رأسه، ودعا فيه بالبركة، فما [رئي عبد] [ (1) ] الرحمن بن زيد مع قوم في صف إلا فرعهم طولا، وكان من أطول الرجال وأتمهم، وكان شبيها بأبيه زيد بن الخطاب، وزوّجه عمه عمر بن الخطاب ابنته فاطمة من أم كلثوم، بنت على بن أبى طالب من فاطمة عليها السلام، فولدت له عبد اللَّه وابنة، وولد له من غير فاطمة بنت عمر عدة أولاد، وولى عبد الرحمن بن زيد مكة [ (2) ] .
وإبراهيم بن نعيم النحام بن عبد اللَّه بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشيّ العدوي، أمه زينب بنت حنظلة بن قسامة بن قيس بن عبيد بن طريف بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رويان، من طيِّئ [ (1) ] تزوجها نعيم لما طلقها زيد بن حارثة، فولدت له إبراهيم، وتزوج إبراهيم رقية بنت عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] من أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، فهي أخت حفصة لأمها [ (2) ] وعبد اللَّه بن عبد اللَّه بن سراقة بن المعتمر بن أنس بن أذاة بن رياح بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب [ (3) ] ، شهد أبوه وعمه [عمر] [ (4) ] بدرا، وأمه أميمة بنت الحارث بن عمرو بن المؤمل، تزوج زينب بنت عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] من فكيهة أم ولد [ (5) ] . وذكر البلاذري أن أم زينب هذه هي أم عاصم بن عمر، وهي جميلة بنت عاصم بن ثابت بن أبى الأفلح، فهي أخت حفصة لأبيها [ (6) ] ، وولدت زينب لعبد اللَّه: عثمان بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه، روى عنه الحديث، وهو الّذي أصلح بين بنى جعفر بن كلاب والضباب، وقد وقعت بينهم حرب قتل فيها بينهم سبعة وثلاثون قتيلا، فأرسل إليهم عثمان هذا، وما زال بهم حتى اصطلحوا، وله في ذلك قصة.
وعبد الرحمن بن معمر بن عبد اللَّه بن أبى ابن سلول، كانت عنده زينب ابنة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، أخت حفصة، خلف عليها بعد عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن سراقة في قول البلاذري. [ (1) ] وقال الزبير بن بكار: وأما زينب ابنة عمر فكانت عند عبد الرحمن بن معمر بن عبد اللَّه بن أبى ابن سلول، ثم خلف عليها عبد اللَّه بن سراقة بن المعتمر بن أنس، أذاة بن رباح بن عبد اللَّه بن قرظ بن عدي بن كعب، فولدت له عثمانا، وحميدا وعشيمة بنى عبد اللَّه بن عبد اللَّه. [ (2) ] حدثنا الزبير قال: حدثني عثمان بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن عبد العزيز بن عمر السراقي قال: مات جدي وعمى ابنا سراقة، فأوصيا إلى عمر ابن الخطاب رضى اللَّه عنه ابن عبد اللَّه بن سراقة، فجعله عمر عند بنته زينب بنت عمر، فلما بلغ الحلم قال له [عمر: يا حبيبي] [ (3) ] ، من تحب أن أزوجك من بناتي؟ قال: أمى زينب- وكان. يدعوها أمه- فقال عمر: يا بنى إنها ليست أمك ولكنها ابنة عمك، وقد زوجتك إياها، فولدت له ابنه [ (4) ] عثمان بن سراقة، فهي أم كل سراقى على وجه الأرض [ (5) ] .
[سلفه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب أم المساكين]
[سلفه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب أم المساكين] وأما سلفه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب أم المساكين، فإنه العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه، لأن روحية أم العباس، ولبابة بنت الحارث أخت زينب أم المساكين لأمها هند بنت عوف بن زهير، وقد تقدم التعريف بالعباس. [أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة] وأما أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة رضى اللَّه عنها فهو زمعة بن الأسود ابن المطلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، كان أبوه أبو زمعة بن الأسود أحد المستهزءين الذين قال اللَّه فيهم: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [ (1) ] ، رمى جبريل عليه السّلام في وجهه بورقة فعمى، وكان من كبراء قريش وأشرافها، وكان زمعة أبو حكيمة، من أشرف قريش أيضا، وهو أحد المطعمين أيام خرج المشركون إلى بدر وهو أحد أزواد الركب، وأمه أروى بنت خذيفة بن مسعر بن سعيد بن سهم، وكان أحد خطباء قريش في الجاهلية، وتزوج ثويبة الكبرى بنت أبى أمية أخت أم سلمة [رضى اللَّه عنها] لأبيها من عاتكة بنت عبد المطلب، فولدت له عبد اللَّه، ووهبا، ويزيدا، وقتل زمعة يوم بدر كافرا.
وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللَّه، قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشيّ العدوي، أمير المؤمنين أبو حفص، أمه حنتمة بنت هاشم، وقيل هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وأم حنتمة الشفاء بنت عبد قيس بن عدي بن سعد بن سهم، وأمها بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، وأمها برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب [بن لؤيّ بن غالب] [ (1) ] ، وكانت برة بنت عوف جدة آمنة بنت وهب أم أمها، فعمر بن الخطاب أحد أخوال رسول اللَّه من قبل أمهاته، ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وقيل ولد قبل الفجار الأعظم بأربع سنين، وكان من أشراف قريش، إليه كانت السفارة في الجاهلية- وهي إذا وقعت الحرب بعثوه سفيرا- وإن نافرهم مفاخر أو فاخرهم وفاخر، بعثوه منافرا ومفاخرا، ورضوا به. وأسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة فأعز اللَّه بإسلامه المسلمين، وأظهر به الدين، وهاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، وتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو عنه راض، وولى الخلافة يوم مات أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه باستخلافه له في [يوم الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الاخرة [ (2) ]] سنة ثلاث عشرة، فسار أحسن سيرة،
وأنزل نفسه من مال اللَّه بمنزله رجل من الناس على سوابقهم، وكان لا يخاف في اللَّه لومة لائم، وهو الّذي زين شهر رمضان بصلاة التراويح، وأرخ التاريخ من الهجرة، وهو أول من سمى بأمير المؤمنين، وهو أول من اتخذ الدّرّة. وقتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، لثلاث بقين- وقيل، بل قتل يوم الأربعاء لأربع بقين- من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وكانت خلافته عشر سنين ونصف، وكان عمره ثلاثا وستين سنة، وقيل: أقل من ذلك، وكانت تحته قريبة الصغرى، أخت أم سلمة، ففرّق بينهما الإسلام، ورجعت إلى الكفار ثم أسلمت، وفضائل عمر كثيرة جدا [ (1) ] . ومعاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن، القرشيّ، الأموي، أمه هند بنت عتبة بن زمعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أسلم يوم الفتح، وعد من المؤلفة [قلوبهم] ، وهو أحد من كتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وولاه عمر رضى اللَّه عنه على الشام بعد موت أخيه يزيد بن أبى سفيان في سنة تسع عشرة، ورزقه ألف دينار في كل شهر، وأقام أربع سنين، ومات عمر فأقره عثمان رضى اللَّه عنه عليها اثنى عشرة إلى أن مات، فحارب عليّ رضى اللَّه عنه أربع سنين، وبايعه أهل الشام خاصة بالخلافة سنة ثمان أو تسع وثلاثين، واجتمع الناس عليه بعد بيعة الحسن بن على له في سنة إحدى وأربعين، فأقام أميرا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة، وتوفى
للنصف من رجب سنة ستين بدمشق عن ثمان وسبعين سنة، وقيل: [سبعا وسبعين] وأخباره كثيرة، وكانت تحته قريبة الصغرى بنت أبى أمية أخت أم سلمة، تزوجها بعد ما فرق الإسلام بينها وبين عمر رضى اللَّه عنه، وبعد ما أسلمت قال له أبوه أبو سفيان بن حرب: أتتزوج ظعينة أمير المؤمنين؟ فطلقها. [ (1) ] وعبد الرحمن بن أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه أبو محمد، أمه وأم أخته عائشة رضى اللَّه عنها: أم رومان بنت الحارث بن غنم الكنانية، شهد بدرا وهو كافر، ثم أسلم في هدنة الحديبيّة، وكان اسمه: عبد الكعبة- ويقال: عبد العزى- فسماه رسول اللَّه: عبد الرحمن، وكان من أشجع قريش وأرماهم بسهم، وحضر اليمامة مع خالد بن الوليد، وقتل سبعة من كبارهم، وكان أش من ولد أبيه، وكان صالحا وفيه دعابة، وشهد الجمل مع عائشة، وتوفى سنة ثلاث- وقيل خمس- وخمسين، وكان تحته قرينة الصغرى ابنة أبى أمية، أخت أم سلمة لأبيها من عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، خلف عليها بعد معاوية فولدت له عبيد اللَّه بن عبد الرحمن، وأم حكيم. [ (2) ]
ومنبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، أمه وأم أخيه نبيه أروى ابنة عميلة بن السباق بن عبد الدار، وكان لهما شرف، ومدحها الأعشى بن نباش بن زرارة التميمي ثم الأسدي. وكانا ممن يؤذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويطعن عليه [ (1) ] ، وكانا يلقيانه فيقولان: أما وجد اللَّه من يبعثه غيرك؟ أن هاهنا من هو أسنّ منك وأيسر، فإن كنت صادقا فأتنا بملك يشهد لك ويكون معك!! وإذا ذكر لهما قالوا: معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتى به، وكان رسول اللَّه يدعو عليهما، فأما منبه فقتله عليّ رضى اللَّه عنه يوم بدر [ (2) ] ، وقيل: قتله عليّ أبو اليسر الأنصاري. ويقال: أبو أسيد الساعدي، وقتل نبيه أيضا ببدر، قتله عليّ، وكانا من المطعمين يوم بدر [ (3) ] ، ولمنبه ابن من بنت العاصي بن وائل بن هشام السهمي اسمه العاصي بن منبه، قتل أيضا يوم بدر، وهو صاحب ذي الفقار، وقيل: كان سيف أبيه منبه، وقيل: [كان] سيف عمه نبيه [ (4) ] ، وكان تحت منبه هذا أبى أمية أخت أم سلمة، وولدت له رجلين. وعبد اللَّه بن سعد بن جابر عمير بن بشير بن بشير بن عويمر بن الحارث ابن كبير بن السبيل بن حدقة بن سفيان، وهو مظة بن سلهم بن الحكم بن سعد العشيرة، كانت تحته آمنة ابنة عفان أخت أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه لأبيه وأمه، فولدت له محمد بن عبد اللَّه بن سعد [ (5) ] ، وكان ولده بالمدينة، والبصرة وكان تحته أيضا ابنة لأبى بن مالك بن عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن أسلم بن
وأس مناة بن النمر بن قاسط النمري، المعروف بصهيب الرومي أبو يحى، [أمه] سلمى بنت قعيد بن مهيض بن خزاعيّ بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، كان أبوه سنان عاملا لكسرى على الأبلّة، من قبل النعمان بن المنذر، وكانت منازلهم بأرض الموصل، ويقال: كانوا في قرية على شاطئ الفرات مما يلي الجزيرة، فأغارت الروم على ناصيتهم فسبت صهيبا وهو غلام صغير فنشأ بالروم فصار [ألكنا] ، فابتاعه رجل من كلب فقدم به مكة، فاشتراه أبو زهير عبد اللَّه بن جدعان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب، ثم أعتقه فأقام عنده إلى أن هلك قبل المبعث ببضع عشرة سنة، ولم يزل مع آل جدعان إلى أن جاء اللَّه بالإسلام، ويقال: لم يشتره أحد من الذين سبوه، ولكنه لما ترعرع وعقل هرب من الروم فسقط إلى مكة وحالف ابن جدعان، [فأقام] معه إلى أن هلك، وإن صهيب كان أحمر شديد الحمرة فسمى روميا بذلك، ولأنه سقط إلى الروم، ويقال سبته العرب فوقع إلى مكة ولم يدخل الروم قط، وإنما سمى روميا لحمرته، وأسلم هو وعمار في يوم واحد بعد ما أسلم بضعة وعشرون رجلا، وكان من المستضعفين الذين يعذبون في اللَّه، وهاجر وترك ماله لأهل مكة، وشهد بدرا وما بعدها، وتوفى أمية أخت أم سلمة، ويقال بل هي ابنة أبى ربيعة بن المغيرة بن بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين، عن سبعين سنة، وكانت عنده [] بنت أبى أمية، أخت أم سلمة، ويقال: بل هي ابنة أبى ربيعة بن المغيرة عم أبى سلمة وفضائل صهيب كثيرة [ (1) ]
[أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش]
[أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش] وأما أسلافه من قبل زينب بنت جحش: مصعب بن عمير، كانت عنده حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش، لم تلد له، وذكر ابن عبد البر أن زينب بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف كما تقدم. ومصعب الخير بن عمر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرش العبدري، أبو عبد اللَّه المرثوىّ، أمه خناس بنت مالك بن المضرب بن وهب بن عمرو بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وكان في مكة شابا وجمالا، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعطر أهل مكة، وأسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفا من أبيه وقومه، وصار تختلف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فبصر به عثمان بن طلحة يصلّى فأخبر به قومه وأمه، فأخذوه وحبسوه حتى خرج منها مهاجرا إلى أرض الحبشة، وبعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الأنصار يقرئهم القرآن بالمدينة قبل الهجرة، فأسلم على يديه خلق كثير، ولذلك قيل له: المقرئ والقارئ، وشهد بدرا، وقتل يوم أحد شهيدا، قتله ابن قميئة، وهو ابن أربعين سنة، وهو من جلة الصحابة، وكانت عنده حمنة بنت جحش، أخت زينب بنت جحش لأبيها وأمها، تزوجها بعد عبد الرحمن بن عوف، فولدت له زينب، تزوجها عبد اللَّه بن عبد اللَّه ابن أبى أمية، ولا عقب لمصعب إلا منها، وخلف على حمنة بعد مصعب [ (1) ] .
طلحة بن عبيد اللَّه، فولدت له محمد السجاد وعمران، وقد تقدم التعريف بعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد اللَّه [ (1) ] ، وكانت ممن تكلم في عائشة رضى اللَّه عنها فحدّث، قاله البلاذري [ (2) ] .
[أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة]
[أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم حبيبة] وأما أسلافه من قبل أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى اللَّه عنها فهم: الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أسلم وهو رجل عند إسلام أبيه نوفل بن الحارث، وولى مكة، ومات في آخر خلافة عثمان رضى اللَّه عنه بالبصرة، [ (1) ] وكانت عنده هند بنت أبى سفيان- أخت أم حبيبة لأبيها- فولدت له عبد اللَّه ابن الحارث الّذي بقال له ببة، [ (2) ] ومحمد بن الحارث الأكبر، وربيعة، وعبد الرحمن، ورملة، وأم الزبير، وظريبة وامرأة أخرى. ومحمد بن أبى حذيفة العبشمي-[وقيل هشيم، وقيل: هاشم] [ (3) ] ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو القاسم القرشيّ
العبشمي، أمة سهلة بنت سهيل بن عمرو العامري، ولد بأرض الحبشة وأبوه مهاجربها، وولاه على رضى اللَّه عنه، مصر، وكان من أشدهم انحرافا عن عثمان رضى اللَّه عنه، وأكثرهم تأليبا عليه، وقتل في ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وكانت تحته زميلة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة [ (1) ] وسعيد بن عثمان بن عفان، أمه وأم أخيه سعيد، وأخته أم عثمان، فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، ولاه معاوية خراسان، وفتح سمرقند، وكانت [عامة] [ (2) ] المدينة عبيدهم ونساؤهم يقولون: واللَّه لا ينالها يزيد ... حتى ينال هامة الحديد إن الأمير بعده سعيد يعنون: لا ينال الخلافة يزيد بن معاوية، لأن الأمير بعد معاوية سعيد بن عثمان، فقدم سعيد على معاوية فقال: يا ابن أخى؟ ما شيء يقوله أهل المدينة؟ فقال: ما يقولون؟ قال: قولهم، وذكره، قال: ما شيء من ذلك، يا معاوية، واللَّه إن أبي لخير من أبى يزيد، ولأمى خير من أم يزيد، ولأنا لخير من يزيد، ولقد استعملناك فما عزلناك، ووصلناك فما قطعناك، ثم صار في يديك ما قد ترى، [وبنا
نلت ما نلت] [ (1) ] فقال معاوية: يا بنى! أما قولك: إن أبى خير من أبى يزيد فقد صدقت، عثمان خير من معاوية، أما قولك: أمى خير من أم يزيد فقد صدقت، امرأة من قريش خير من امرأة من كلب، وبحسب امرأة أن تكون [في بيت قومها وأن يرضاها بعلها وينجب ولدها] ، وأما قولك: أنى خير من يزيد فو اللَّه ما يسرني أن حبلا بيني وبين العراق تم نظم لي [به، ثم قال له] : ألحق بعمك زياد بن أبى سفيان، فإنّي قد أمرته أن يوليك خراسان، وكتب إلى زياد [أن وليه] [ (2) ] خراسان وابعث على الخراج رجلا جلدا حازما، فقد عليه فولاه وتوجه سعيد بن عثمان إلى خراسان على أمرها، وبعث زياد بن أسلم ابن زرعة الكلابي معه على الخراج، وقدم المدينة فقتله غلمان جاء بهم من [] ، وكانت تحته رملة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، خلف عليها بعد محمد بن أبى حذيفة، فلم تلد له [ (3) ] . والسائب بن أبى حبيش [أهيب] [ (3) ] بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ابن قصي، [القرشي الأسدي] [ (4) ] ، كانت عنده [] بنت أبى
سفيان، أخت أم حبيبة، فلم تلد له. وعبد الرحمن بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس بن عبد مناف [ (1) ] ، أمه من ثقيف، وخلف على [] بنت أبى سفيان فلم تلد له. وصفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر القرشي الجمحيّ، أبو وهب- وقيل: أبو أمية- أمه صفية بنت معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وقتل أبوه يوم بدر كافرا، وقتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخاه أبى بن خلف بأحد كافرا، وهرب صفوان يوم الفتح ثم رجع وشهد حنينا وهو مشرك، ثم أسلم ومات بمكة سنة اثنتين وأربعين، وكان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وإليه كانت فيهم الأيسار- وهي الأزلام- وكان أحد المطعمين، وكان يقال له: سداد البطحاء، وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم، وكان من أفصح قريش لسانا، وكانت تحته أميمة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة لأبيها وأمها، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان [ (2) ] . وحويطب بن عبد العزى بن أبى قيس القرشي العامري، كانت تحته اميمة قبل صفوان، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان، أبا سفيان بن
حويطب [ (1) ] . وعياض بن غنم بن زهير بن أبى شداد بن أبى ربيعة بن هلال بن مالك، ابن ضبة بن الإرث بن فهر القرشي الفهري، أسلم قبل الحديبيّة وشهدها، وافتتح عامة بلاد الجزيرة والرقة، وهو أول من جاز الدرب إلى الروم، وكان شريفا في قومه، مات بالشام سنة عشرين، وهو ابن ستين سنة، كانت عنده أم الحكم بنت أبى سفيان، أخت أم حبيبة لأبيها، من هند بنت عتبة، أم معاوية بن أبى سفيان، ففرق الإسلام بينهما [ (2) ] . وعبد اللَّه بن عثمان بن عبد اللَّه بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن الحارث بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسىّ- وهو ثقيف- وكان عثمان بن عبد اللَّه هو صاحب لواء المشركين يوم حنين، وتزوج عبد اللَّه بن عثمان بأم الحكم ابنة أبى سفيان أخت أمّ حبيبة لأبيها، من هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، خلف عليها بعد عياض، فولدت له عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عثمان، وهو الّذي يقال له: ابن أم الحكم، ولى الكوفة [ (3) ] ، وقتل عبد اللَّه بن عثمان يوم الطائف، فمر به على رضى اللَّه عنه فقال: لعنك اللَّه، فإنك كنت تبغض قريشا. وسعيد بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبى سلمة
ابن عبد العزى بن غيره بن عوف بن ثقيف [ (1) ] [بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان] ، كان الأخنس بن شريق من سادات مكة، وتزوج سعيد [بصخرة] بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، فولدت له أبا بكر بن سعيد وغيره. وعروة بن مسعود معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف ابن ثقيف الثقفي أبو مسعود- وقيل: أبو يعفور [ (2) ]- شهد صلح الحديبيّة، وأسلم بعد الطائف، ورجع إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، فقتل بسهم، وكانت تحته ميمونة بنت أبى سفيان أخت أم حبيبة، فولدت له داود بن عروة. والمغيرة بن شعبة بن أبى عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن قسى- وهو ثقيف- الثقفي، أبو عبد اللَّه- وقيل: أبو عيسى- أسلم عام الخندق، وأول مشاهدة الحديبيّة، وولى البصرة والكوفة لعمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وتوفى سنة خمسين،
وقيل: إحدى وخمسين وهو على الكوفة لمعاوية، وكان أعور داهية، أحصن ألف امرأة، وخلف على ميمونة بنت أبى سفيان بعد عروة بن مسعود [ (1) ] . وعبد اللَّه بن معاوية العبديّ، خلف على أميمة بنت أبى سفيان بعد صفوان بن أمية.
[أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة]
[أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة] وأما أسلافه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة [رضى اللَّه تعالى عنها] ، فإنّهم: حمزة بن عبد المطلب، كانت تحته سلمى بنت عميس، أخت ميمونة لأبيها [ (1) ] من هند بنت [عوف الحميرية] ، فولدت له أمة اللَّه، وقد تقدم التعريف بحمزة رضى اللَّه عنه [ (2) ] . وشداد بن الهاد، واسمه أسامة بن عمرو بن عبد اللَّه بن جابر بن بشر بن عتوارة بن عامر بن مالك بن ليث بن بكر [بن عبد مناة بن كنانة
الليثي] [ (1) ] وشداد لقب له، والهاد لقب لأبيه، حليف بنى هاشم، وتزوج سلمى بنت عميس، خلف عليها بعد حمزة فولدت له: عبد اللَّه وعبد الرحمن، وسكن المدينة وتحول إلى الكوفة [ (2) ] . والعباس بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، كانت عنده لبابة بنت
الحارث بن حزن، وهي أم الفضل وعبد اللَّه وعبيد اللَّه وقثم وعبد الرحمن ومعبد وأم حبيب، وهي أخت أم حبيبة ميمونة. وجعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (1) ] ، كانت عنده أسماء بنت
عميس، أخت ميمونة لأمها، فولدت له عبيد اللَّه وعوفا ومحمدا، وقد تقدم التعريف بعباس وجعفر. وأبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، واسمه: عبد اللَّه بن أبى قحافة، عثمان ابن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه، كان في الجاهلية وجيها، رئيسا من رؤساء قريش، وإليه كانت الأشناق- وهي الديات-، كان إذا حمل شيئا قالت فيه قريش صدقوه وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه، وصحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قديما، وهو أول من أسلم بعد خديجة، وكان يقال له: عتيق، لجماله وعتاقة وجهه، أو لأنه لم يكن في [صفاته] [ (1) ] . شيء يعاب به، أو لأنه كان له أخوان يقال لأحدهما: عتيق، والآخر عتيق، فمات عتيق قبله فسمى باسمه، أو لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: من سرّه أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا، وسمى صديقا لمبادرته إلى تصديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في كل ما جاء به، ولتصديقه له في خبر الإسراء، وأسلم وله أربعون ألفا أنفقها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفي سبيل اللَّه، وأعتق سبعة كانوا يعذبون في اللَّه، ولم يغب عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في موطن من مواطنه، واستخلفه على الصلاة بالناس في مرض موته، فبايعه المسلمون بعد وفاته في سقيفة بنى ساعدة، ثم بويع بيعة العامة يوم الثلاثاء غد ذلك اليوم، وارتدت العرب، فقام بقتال أهل الردة حتى استقر الإسلام وثبت، ومكث في الخلافة سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليال، وقيل: سنتين وثلاثة أشهر وسيع ليالي، وقيل توفّى على رأس
ستين وثلاثة أشهر واثنى عشر يوما، وقيل: وعشرة أيام، وقيل: وعشرين يوما. وتوفى يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الآخرة، فغسّلته زوجته أسماء بنت عميس، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ونزل في قبره: عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبى بكر رضى اللَّه عنهم، ودفن ليلا إلى جانب قبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعمره ثلاث وستون سنة، وفضائله كثيرة جدا، رضى اللَّه عنه، وكانت تحته أسماء بنت عميس، خلف عليها بعد جعفر بن أبى طالب، وهي أخت ميمونة، فولدت له محمد بن أبى بكر المقتول بمصر [ (1) ] . وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه خلف بعد أبى بكر رضى اللَّه عنه على أسماء بنت عميس، فولدت له يحيى وعونا، وقد تقدم التعريف [به رضى اللَّه عنه] [ (2) ] .
والطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشيّ المطلبي، أمه وأم اخوته عبيدة بن الحارث، والحصين بن الحارث: سخيلة بنت خزاعيّ ابن الحويرث بن الحارث بن حبيب بن مالك بن الحارث بن حطيط بن جشم ابن ثقيف، وتزوج زينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمها هند، وشهد بدرا، ومات بعدها، ومات عن سبعين سنة، سنة اثنتين وثلاثين [ (1) ] . وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد المناف بن قصي أبو الحارث وقيل: أبو معاوية، كان أسنّ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعشر سنين، وأسلم قبل الدخول إلى دار الأرقم، وهاجر هو وأخواه الطفيل والحصين إلى المدينة، ومعهم مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب، وكان لعبيدة قدرا ومنزلة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعقد له لواء على ستين راكبا في سنة [ثنتين] ، وشهد بدرا فأغنى يومئذ غناء عظيما، وقطع عتبة- وقيل: شيبة بن ربيعة- رجله فارتثّ منها، ومات بالصفراء وله ثلاث وستون سنة، وخلف على زينب أم المساكين أخت ميمونة فقتل عنها [ (2) ] .
والوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن شمس [بن] قيس بن عمرو بن مخزوم، وهو الوحيد، أبو عبد شمس، أمه وأم أخيه عبد شمس صخرة بنت الحارث ابن عبد اللَّه بن عبد شمس، من قيس، وهو أبو خالد بن الوليد، كانت تحته لبابة الصغرى، وهي العصماء بنت الحارث بن حرب الهلالية أخت ميمونة، فولدت له خالد بن الوليد، سيف اللَّه، وهو ابن خالة عبد اللَّه بن عباس، ويقال: إن لبابة الصغرى غير العصماء، وأن العصماء كانت عند أبىّ بن خلف، فولدت له أبا أبى وإخوة له، والأول قول الكلبي [ (1) ] . وعبد اللَّه بن كعب بن عبد اللَّه بن كعب بن منبه بن الأوس بن خثعم الخثعميّ، كانت عنده سلامة بنت عميس، أخت ميمونة لأمها، فولدت له آمنة، تزوجها عبد اللَّه بن جعفر [ (2) ] . وزياد بن عبد اللَّه بن مالك بن بجير الهلالي [ (3) ] ، كانت عنده عزة بنت الحارث بن حزن أخت ميمونة.
[سلفه صلى الله عليه وسلم من قبل مارية]
والأصم البكائي، كانت عنده برزة [ (1) ] أخت ميمونة بنت الحارث، فولدت له يزيد بن الأصم، ومات يزيد بن الأصم سنة ثلاث ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وكان ينزل الرقة [ (2) ] ، ويقال: إن الأصم خلف على عزة بعد زياد بن عبد اللَّه. [سلفه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل مارية] وأما سلفه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل مارية فإنه: حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زياد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك النجار الأنصاري، أبو الوليد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو الحسام، شاعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ، أمه الفريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن
ثعلبة بن الخزرج بن كعب بن ساعدة الأنصارية، وانتدب لهجو المشركين
هو وكعب ابن مالك، وعبد اللَّه بن رواحة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: [اهجهم]- يعنى المشركين- وروح القدس معك، وقال له: اللَّهمّ أيده بروح القدس، وكان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام، وأجمعت العرب علي أنّ أشعر أهل المدر يثرب، ثم عبد القيس، ثم ثقيف، وعلى أن أشعر أهل المدر حسان، وكان ممن خاض في الإفك على عائشة رضى اللَّه عنها، وقيل لم يخض ولم يجلد، وكان من أجبن الناس، لم يشهد مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا من المشاهد لجبنه، وأنكر قوم حسان ذلك وقالوا: لكن أقعده عن الحرب قطع أكحله، وأنشدوا قوله: أضر بجسمي مرور الدهور ... وخان قراع يدي الأكحل وقد كنت أشهد [وقع] الحروب ... ويحمرّ في كفى المنصل وقال إسماعيل بن إسحاق: الدليل على أن حسان لم يكن جبانا: أنه هاجى جماعة فلم يعيره أحد بالجبن، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سيرين أخت مارية، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، وتوفى قبل الأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: أيام قتل على رضى اللَّه عنه وهو ابن مائة وعشرين سنة، وكان يخضب شاربه وعنقفته بالحناء ولا يخضب سائر لحيته، فقال له ابنه عبد الرحمن: لم تفعل هذا؟ قال: لأكون كأنى أسد ولغ في دم. قال ابن قتيبة: انقرض ولد حسان ولم يبق منهم أحد.
فصل في ذكر أحماء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر أحماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حمو الرجل: أبو امرأته، وحمو المرأة وحماها: أبو زوجها، ويقال: حمو الرجل: أبو امرأته أو أخوها أو عمها، وحمو المرأة: أبو زوجها، وكذلك من [كان من] قبله ويقال: هذا حموها [ (1) ] ، ورأيت حماها [ (2) ] ، ومررت بحميها [ (3) ] ، والأنثى حماة، وقيل: الأحماء من قبل المرأة خاصة، والأختان من قبل الزوج، والصهر يجمع ذلك كله [ (4) ] .
[حمو رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة]
[حمو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة] خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي، أبو عدي، ويقال له: ابى الخسف، [أمة زهرة ويقال لها: زهراء] ابنة عمرو بن حنثرة بن ذؤيبة [ (1) ] بن هلال، وفي ولد أسد العدد، ولما قدم تبّع الأخير مكة، وأراد احتمال الركن إلى اليمن [فقام خويلد في ذلك] [ (2) ] واشتدت مرارته له، فانصرف وتركه، فقال خويلد:
ألا يا عاذلا لا تعذلينى ... ومهلا بالأذى لا تهلكينى دعينى إن أخذ الخسف منى ... [] [ (1) ] اللَّه حتى يقتلوني وكان لا يسافر إلا بفرس ومعه نفر من قومه، فأقبل في سفره حتى ورد كليّة [ (2) ] وجد عليها حاضرا عظيما من بنى بكر، فأراد خويلد وأصحابه أن يسقوا من حوض كلية، فأتاهم نفر من بنى بكر فمنعوهم الماء إلا بثمن، فقال خويلد لأصحابه: يا قوم! متى تسومكم بنو بكر سوم العزيز الذليل، قالوا: فمرنا بأمرك، [قال] : آمركم أن تحملوا عليهم، فحمل عليهم بمن معه، فقتل خويلد [رجلا] من بنى بكر، وطعن رجلا فأشواه، وفر منه آخر، وانهزمت بنو بكر، وشرب خويلد وأصحابه من الماء فقال خويلد [ (3) ] : تداعت بنو بكر لتبلغ عزنا ... ألا أم بكر يوم ذلك أيّم أنا الفارس المشهور يوم كلية ... وفي طرف الرنقاء يومك مظلم قتلت أبا جزء وأحطفت محصنا ... وأفلتنى ركضا مع الليل جهضم فلما قدم خويلد، لامته امرأته في ذلك، قال: ذريني أم عمرو ولا تلوميني ... ومهلا عاذلى لا تعذلينى ذريني إن أخذ الخسف منى ... [] اللَّه حتى يقتلوني فما أرجو لها بقية إذا ما ... غضبت وبل قائمة يميني
[حمو رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل سودة]
وددت بأن حربهم تولت ... سواي وإن واقية تقيني ولكن لا أرى عنها محيصا ... فإنّي زاهق ما أزهقونى ونحن أباة الخسف يوم كليّة ... ونحن أباة الخسف كل مكان فسمى ابى الخسف لإبائه الخسف لإبائه على بنى بكر [فهزمهم] هو وأصحابه وامتناعه، وكان خويلد يوم عكاظ على بنى أسد بن عبد العزى، ويقال: كان أيضا على بنى قصي، ولما حفر عبد المطلب زمزم قال له خويلد: [يا ابن] سلمى! لقد سقيت ماء رغدا، ونشلت بادية حبدا، فقال عبد المطلب: أما إنك [] في فضلها، واللَّه لا يساعفنى أحد عليها ببر، ولا يقوم معى [] إلا بذلت له خيرا لصهر، فقال خويلد: أقول وما قولي عليهم بسبة، البيتين وقد تقدما، فقال عبد المطلب: ما وجدت أحدا ورث العلم إلا قدم غير خويلد بن أسد، وكان يقال لبني أسد في الجاهلية: ألسنة قريش، وامرأته أم ابنته خديجة: هي فاطمة ابنة زائدة بن جندب، وهو الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وعمرو بن أم مكتوم أخو فاطمة هذه وابن خال خديجة بنت خويلد، لأنه عمرو بن قيس بن زائدة بن جندب، وأم فاطمة بنت عبد مناف: العرقة بنت سعيد بن سهم، وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي، وأمها نائلة ابنة حذافة بن جمح. [حمو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة] وحمو رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة رضى اللَّه عنها: زمعة بن قيس بن عبد شمس ابن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن
غالب، أبوه قيس، وأمه [] [ (1) ] بنت وهب بن الأثلب بن عبيد بن عمران ابن مخزوم. حديث أم رومان خرجه البخاري في كتاب الأنبياء، في باب قول اللَّه تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ [ (2) ] ، من حديث حصين عن شقيق عن مسروق قالت: سألت أم رومان- وهي أم عائشة رضي اللَّه عنهما- عما قيل فيها ما قيل، قالت: بينا أنا مع عائشة جالستان، إذا ولجت علينا امرأة، من الأنصار وهي تقول: فعلى اللَّه بفلان وفعل، قالت: فقلت: لم؟ إنه نمى ذكر الحديث، فقالت عائشة: أي حديث؟ فأخبرتها، قالت: فسمعه أبو بكر ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: نعم، فخرت مغشيا عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما لهذه؟ قالت: حمى أخذتها من أجل حديث تحدّث به، فقعدت فقالت: واللَّه لئن حلفت لا تصدقونني، ولأن تعذرت لا تعذروننى، مثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه، واللَّه المستعان علي ما تصفون. فانصرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأنزل اللَّه ما أنزل [فأخبرها فقالت: بحمد اللَّه لا بحمد أحد] [ (3) ] . وقد استشكل قول مسروق، سألت أم رومان مع أنها ماتت في
حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومسروق لم [يكن له رواية] [ (1) ] إلا في خلافة أبى بكر أو عمر، فقال أبو عمر بن عبد البر: رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة، قلت: كيف يصح ذلك وهو يقول: سألت أم رومان؟ وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في (التهذيب والأطراف) : أم رومان والدة عائشة من المهاجرات الأول، روى عنها مسروق مرسلا لأنها توفيت في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وراج ذلك على البخاري، والحديث في قصة الإفك، قال: وقد روى عن ابن مسعود عن أم رومان- وهو أشبه بالصواب- قال: وقال الخطيب: صوابه: سئلت أم رومان، فلعل بعض النقلة كتب سئلت بالألف، فإن من الناس من يجعل الهمزة في الخط ألفا وإن كانت مكسورة أو مرفوعة، قال الخطيب: ولم يظهر للبخاريّ علته، وقد أوضحنا ذلك في كتاب (المراسيل) ، قلت: قال الخطيب: لا نعلمه روى هذا الحديث عن أبى وائل غير حصين، ومسروق لم يدرك أم رومان، وكان يرسل هذا الحديث عنها ويقول: سئلت أم رومان، فوهم حصين فيه حيث جعل السائل لها مسروقا، أو يكون بعض النقلة كتب سئلت بألف، فصارت: سألت فقرئت بفتحتين، قال: علي أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب، يعنى بالعنعنة. قال: وأخرج البخاري في هذا الحديث بناء على ظاهر الاتصال، ولم تظهر له علته أ. هـ، وقد تعقب هذا الاعتراض بأن عمدة من ادعى وهم البخاري قول من زعم أن أم رومان ماتت في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، [سنة
أربع وقيل سنة خمس وقيل: سنة ست] [ (1) ] وهو شيء ذكره الواقدي، وذكره الزبير بن بكار بإسناد منقطع فيه ضعف، ولا تتعقّب الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك، وقد أشار البخاري في (تاريخه الأوسط والصغير) إليّ ردّ ذلك، فقال بعد أن ذكر أم رومان في فصل من مات في خلافة عثمان: روى على ابن زيد عن القاسم، قال: ماتت أم رومان في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سنة ست، قال البخاري: وفيه نظر، وحديث مسروق أسند، أي أقوى [إسنادا وأبين] اتصالا. أهـ، وقد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة، فعلى هذا يكون سماعه منها في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، لأن مولد مسروق سنة الهجرة، ولهذا قال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني: ماتت أم رومان بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد تعقب ذلك كله الخطيب، معتمدا على ما روى الواقدي والزبير، وفي تعقبه نظر، فقد خرج الإمام أحمد من طريق أبى سلمة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما نزلت آية التخيير [ (2) ] ، بدأ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعائشة فقال: يا عائشة، إني عارض عليك أمرا، فلا تفتاتى فيه شيء حتى تعرضي عليه أبويك أبى بكر وأم رومان. الحديث، وأصله في الصحيحين بدون تسمية أم رومان [ (3) ] . وآية التخيير نزلت سنة تسع بالاتفاق، وهذا دال على تأخر موت أم رومان عن الوقت الّذي ذكره الواقدي، وهو سنة أربع أو سنة خمس، وعن
حموه صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة
الوقت الّذي ذكره الزبير، وهو في ذي الحجة سنة ست، وأيضا فقد وقع في صحيح البخاريّ في باب علامات النبوة من حديث عبد الرحمن بن أبى بكر في قصة أضياف أبى بكر رضى اللَّه عنه: قال عبد الرحمن: وإنما هو أنا وأمى وامرأتي وخادم [ (1) ] ، وفيه أيضا في الأدب: فلما جاء أبو بكر قالت له أمى: احتبست عن أضيافك [ (2) ] ... الحديث. وعبد الرحمن بن أبى بكر إنما هاجر في هدنة الحديبيّة، وكانت الحديبيّة في ذي القعدة سنة ست، وهجرة عبد الرحمن في سنة سبع في قول محمد بن سعد، وفي قول الزبير: فيها أو في التي بعدها، لأنه روى أن عبد الرحمن خرج في فتية من قريش قبل الفتح إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فتكون أم رومان تأخرت عن الوقت الّذي ذكراه. وأم سودة: الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش من بنى البخار. حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة وحموه من قبل عائشة رضى اللَّه عنها: أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، وقد تقدم التعريف به. وأم عائشة: أم رومان- يقال: بفتح الراء وضمها- بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان ابن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة الكنانية، هكذا نسبها
مصعب، وخالفه وغيره [والخلاف] بين أبيها إلى كنانة كثير جدا [ (1) ] ، وأجمعوا أنها من غنم بن مالك بن كنانة [ (2) ] ، واسم أم رومان: زينب في قول هشام وغيره، وفي (الأطراف) يحلف أن اسمها دعد، كانت تحت عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة بن عادية بن مرة الأزدي، وقدم بها مكة، ومات عنها، وقد ولدت له الطفيل بن عبد اللَّه، فخلف عليها أبو بكر رضى اللَّه عنه، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وأسلمت وهاجرت، وتوفيت بالمدينة في ذي الحجة سن ست، ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قبرها واستغفر لها وقال: اللَّهمّ لم يخف عليك ما لقيت أمّ رومان فيك، وفي رسولك [ (3) ] . وأنكر الحافظ أبو نعيم موتها في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ولا عمدة له إلا حديث مسروق عنها، ويروى أنه قال: من سرّة أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان [ (4) ] ، وقد خرّج لها البخاري حديثا واحدا من حديث الإفك رواية مسروق عنها ولم [يبينها] ، وتعجب كيف خفي ذلك على البخاري وقد فطن مسلم له [ (5) ] .
حموه صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة
حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل حفصة وحموه من قبل حفصة رضى اللَّه عنها: أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنها، وأم حفصة وأخويها عبد اللَّه، وعبد الرحمن الأكبر: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب ابن حذافة بن جمح، أخت عثمان بن مظعون، أمها ريطة بنت عبد بن عمرو بن نضلة ابن غبشان من خزاعة، وهي أخت ذي الشمالين بن عبد عمرو. وذكر الزبير بن بكار: وكانت زينب من المهاجرات، وقال ابن عبد البر: وأخشى أن يكون وهماه، لأنه قد قيل: أنها ماتت مسلمة بمكة قبل الهجرة، [حفصة ابنتها من المهاجرات] [ (1) ] . حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة وحموه من قبل أم سلمة رضى اللَّه عنها، أبو أمية حذيفة، ويعرف بأبي عبد مناف، وهو الزاد الركب بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤيّ ابن غالب، وأم مخزوم بن يقظة: كلبة بنت
[حموه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش]
عامر بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك، وأم عمر بن مخزوم وإخوته عامر وحبيب وأسد ولبني بنت سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤيّ، وأم عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وأم أخويه عبيد وعبد العزى: مرة بنت قصي ابن كلاب بن مرة، وأم المغيرة بن عبد اللَّه وأم أخويه عثمان وعائد. وخالد، وأبى جندب أسد وقيس: ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وفي المغيرة [السؤدد] والشرف والبيت، وأم أبى أمية حذيفة بن المغيرة، وأم إخوته هاشم وهشام، وأبى حذيفة مهشم، وأبى ربيعة ذي الرمحين عمر وخراش وأبى زهير تميم والفاكه وعبد اللَّه، وربطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي، وأمها الحطياء ريطة، وإنما قيل لأبى أمية زاد الركب، [لأنه] كان إذا خرج إلى سفر لم يتزود معه أحد، وهو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وأم أم سلمة: عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن علقمة- ويقال له: جذل الطعان- ابن فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة [ (2) ] . [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش] وحموه من قبل زينب بنت جحش: [جحش] بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة الأسدي، وأم زينب: أميمة بنت عبد المطلب [بن هاشم] عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] .
[حموه صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة]
[حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم حبيبة] وحموه من قبل أم حبيبة رضى اللَّه عنها: أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أبو حنظلة، وأبو معاوية، وأمه وأم أخته الفارعة وفاختة: صفية بنت حزن بن البجير بن الهزم ابن رؤبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة أم الفضل بنت الحارث بن حزن، أم بنى العباس بن عبد المطلب، وعمة ميمونة أم المؤمنين. ولد أبو سفيان قبل الفيل بعشر سنين، وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها، ويخرج أحيانا بنفسه، وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب، وكان لا يحبسها إلا رئيس، فإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعت تلك الراية بيد الرئيس، وكان معروفا بجودة الرأى في الجاهلية، وقاد الأحزاب، وقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في عدة مواطن، ثم أسلم في الفتح، وشهد حنينا، وهو معدود من المؤلفة [قلوبهم] ، ومات سنة اثنتين- وقيل أربع- وثلاثين، وصلّى عليه ابنه معاوية، وقيل عثمان، ودفن بالبقيع وله نحو التسعين سنة [ (1) ] .
[حموه صلى الله عليه وسلم من قبل جويرية]
وأم أم حبيبة وحنظلة بن أبى سفيان: صفية بنت أبى العاص بن أمية ابن عبد شمس، عمة عثمان بن عفان بن أبى العاص رضى اللَّه عنه، وأمها آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب [ (1) ] . [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل جويرية] وحموه من جهة جويرية: الحارث بن أبى ضرار بن حبيب [بن الحارث] [ (2) ] بن عائذ بن مالك بن جذيمة- وهو المصطلق بن سعد بن كعب ابن عمرو- وهو خزاعة- بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة ابن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، رأس على بنى المصطلق، وكانوا ينزلون بناحية الفرع وهم حلفاء في بنى مدلج، فجمع لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج إليه وأوقع به على ماء يقال له: المريسيع [ (3) ] ، كما تقدم
[حموه صلى الله عليه وسلم من قبل صفية]
ذكره، وتزوج بابنته جويرية [ (1) ] . وأمها: [أم خارجة عمرة بنت سعد بن عبد اللَّه بن قداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار، التي يقال فيها: «أسرع من نكاح أم خارجة» ] [ (2) ] . [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل صفية] حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل صفية: حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد ابن كعب بن الخزرج بن أبى حبيب بن النضير بن النحام بن نحوم، من سبط لاوى من ولد هارون عليه السّلام، قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحيي عين من أعيان بنى النضير، ولم يزل يحاد اللَّه ورسوله، وهو الّذي أشار بطرح الحجارة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما [سار] إلى بنى النضير ليستعينهم في دية العامريين الذين قتلهما عمرو بن أمية، حتى كان ذلك سببا لإجلاء بنى النضير من المدينة، وخروجهم إلى خيبر، ثم خرج في عدة من اليهود إلى مكة يدعو قريشا إلى حرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وحالفهم على عداوته، حتى كانت وقعة الخندق، ثم سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بنى قريظة و [سبى] منهم مقاتلتهم وفيهم حيي، فلما أتى به مجموعة يداه إلى عنقه، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألم يمكن اللَّه منك يا عدوّ اللَّه؟ قال: بلى، واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولقد التمست العزّ في مظانه، وأبى اللَّه إلا أن يمكنك منى، ولقد قلقلت كل مقلقل، ولكن من يخذل اللَّه يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، لا بأس بأمر اللَّه قدر، وكتاب اللَّه ملحمة كتبت على
[حموه صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة]
بنى إسرائيل، ثم أمر به فضربت عنقه، وأم صفية برة بنت السموأل بن [حيّا بن عاديا بن رفاعة بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عمرو مزيقاء] [ (1) ] . [حموه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة] وحموه من قبل ميمونة.. الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة ابن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة [بن معاوية بن بكر بن هوازن ابن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر [ (2) ]] ، وأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن جرير، من حمير، وقيل: من كنانة، وهي العجوز التي قيل فيها: أكرم الناس أصهارا.
فصل في ذكر أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن الصهر: القرابة، والصهر: حرمة الختونة، وصهر القوم: ختنهم، والجمع: أصهار، وصهر، أو قيل: أهل بيت المرأة أصهار، وأهل بيت الرجل أختان. وقال ابن الأعرابي: الصهر: زوج بنت الرجل وزوج أخته، والختن: أبو امرأة الرجل وأخو امرأته. وقيل: ختن الرجل: المتزوج بابنته أو بأخته، والجمع أختان، والأنثى ختنة، وخاتنه: تزوج إليه، والاسم: الختونة. ومن العرب من يجعلهم كلهم أصهارا، وقد صاهرهم، وصاهر فيهم، وأصهر بهم وإليهم: صار فيهم صهرا. وقال الضحاك في قول اللَّه عزّ وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً [ (1) ] وَصِهْراً [ (2) ] : النسب سبع: قوله:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ. والصهر خمس: قوله: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [ (1) ] . وجعل ابن عطية هذا القول وهما، وقال الفراء والزجاج: النسب الّذي لا يحل نكاحه، والصهر: الّذي يحل نكاحه، وهو قول على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وقال الأصمعي: الصهر: قرابة النكاح، فقرابة الزوجة [هم] الأختان، وقرابة الزوج هم
الأحماء، والأصهار يقع عاما [ (1) ] . وقال محمد بن الحسن: أختان الرجل: أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته، وكل ذات محرم منه، وأصهاره: كل ذي رحم محرم من زوجته، واختار النحاس قول الأصمعي في أن الأصهار من كان من قبل الرجل والزوجة جميعا، وقول محمد بن الحسن في الأختان. وحكى الزهراوى أن النسب من جهة البنين، والصهر من جهة البنات، والمعوّل على ما قد اختاره النحاس [ (2) ] . وخرج الحاكم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة، حدثني أبى، حدثنا أبو مارية عن أبان بن تغلب عن المنهال بن عمرو، عن زر بن حبيش عن عبد اللَّه في قوله تعالى بَنِينَ وَحَفَدَةً، قال: الحفدة: الأختان. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين [ (3) ] . وخرج الحافظ ابن عساكر من حديث يونس بن أبى إسحاق، عن أبى إسحاق عن الحارث عن على رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يدخل النار من تزوج إليّ أو تزوجت إليه، ومن حديث إسماعيل بن عياش، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شرط من ربى ألا أصاهر إلى أحد ولا يصاهر إليّ أحد إلا كانوا رفقائي في الجنة، فاحفظوني في أصهارى [وأصحابى] ، فمن حفظنى فيهم كان عليه من اللَّه حافظ، ومن لم يحفظني فيهم تخلى اللَّه منه، ومن تخلى اللَّه منه هلك.
[أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة]
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة] فأصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة: أعمامها وعماتها، وإخوانها وأخواتها. أما أعمامها فخمسة عشر، هم: الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، كان أكبر إخوته، وأمه وأم إخوته المطلب وعبد اللَّه وعثمان وأختهم لأمهم: أم حبيب بنت أسد، أم آمنة بنت وهب، وأم أخواته لأبيه أسد: النافضة، وأم سفيان وأم المطاع وعاتكة وبهصة- وهي برة- ابنة عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، والحارث بن أسد. يقول مطرود بن كعب الخزاعي: شددت القوى وأقمت الديار ... غصنا شبابك لم يلبس لعمري لقد أعلم [] [ (1) ] ... بالحارث الهالك [] [ (1) ] نصاف السجية طلق اليدين ... وزين العشيرة في المجلس وذي الفضل وفي الدانيات ... وذي النسب الواضح الأملس ونوفل بن أسد، أمه وأم إخوته حبيب وصيفي رقية، قبة الديباج [وهي] [ (2) ] خالدة بنت هاشم بن عبد مناف بن قصي- وقتل نوفل وحبيب يوم الفجار- وصيفي لم يعقب، وطالب بن أسد، أمه وأم أخويه طليب وخالد: الصعبة بنت خالد بن صعل بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد ابن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، وقتل: طالب وطليب يوم الفجار. والحويرث بن أسد، أمه ريطة بنت الحويرث الثقفية، وعمرو بن أسد، أمه وأم أخويه هاشم ومهشم: بهية بنت سعيد بن سهم، وعمرو، وهو الّذي زوّج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة بنت خويلد [ولم يكن لأسد يومئذ
لصلبه ولد غيره] [ (1) ] . وأما عماتها فثمان، هن: أم حبيب بن أسد، وكانت تحت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، فولدت له [عبد اللَّه- وهو أبو طلحة، وهو كان على بنى عبد الدار يوم الفجار- وبرّة بنت عبد العزى، وهي أمّ أمّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] . وأم المطاع ابنة أسد، وكانت تحت عبد العزى بن عبد شمس، فولدت له ربيعة والربيع، فولد الربيع بن عبد العزى أبا العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. والنافضة ابنة أسد، كانت تحت عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي، فولدت له المبارك- واسمه عبد اللَّه- والصالح- واسمه عبيد اللَّه- والباذل، والفارعة. ورقيقة بنت أسد، كانت تحت الحارث بن عبيد بن عمرو بن مخزوم، فولدت له كريمة، ورقية، وأرنب، ونعم. وبرة بنت أسد، كانت تحت عائذ بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، فولدت له. وأم سفيان بنت أسد كانت تحت عبد مناف بن كعب بن سعد بن تيم ابن مرة، فولدت له خالد بن عبد مناف.
[إخوة خديجة]
[إخوة خديجة] وأما إخوة خديجة، فإنّهم: [] [ (1) ] بن خويلد بن أسد، أمه وأمّ إخوانه منية بنت الحارث بن جابر بن وهب بن نشيب بن بدر بن مالك بن عوف بن حارث بن مازن بن منصور، وأمها هند بنت وهيب بن نشيب بن زيد بن مالك بن عوف بن الحارث بن مازن بن منصور، وهند هذه عمة عتبة بن غزوان بن وهيب، وأخوها لأمها عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأم هند بنت وهيب عائشة بنت العوام بن نضلة بن خلادة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن أد. والعوام بن خويلد بن أسد- وقتل يوم الفجار الآخر- وكان الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس نديمه، وهو أبو الزبير بن العوام [ (2) ] . ونوفل بن خويلد، أمه ريطة بنت عبد العزى بن عامر بن ربيعة بن حزن ابن عامر بن مازن بن عدي بن عمرو، من خزاعة، وكان من المطعمين يوم بدر، ويقال له: ابن العدوية من عدىّ بن خزاعة، وهو الّذي عناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقوله يوم بدر: اللَّهمّ اكفنا ابن العدوية: فقتل كافرا يومئذ، قتله الزبير ابن العوام، وهو ابن أخيه، وقد صاح به نوفل، اقتلني قبل أن يقتلني أهل يثرب، وقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه- وهو على المنبر-: قاتل اللَّه ابن العدوية، ما كان أشد صوته يوم بدر، كأنى أسمع صوته وهو يقول: يا معشر قريش! اليوم يوم العلى والذكر [ (3) ] .
وعمرو بن خويلد، ولا بقية له. وحزام بن خويلد، قتل يوم الفجار الآخر وهو والد حكيم حزام وأخويه. ورقيقة بنت خويلد، كانت تحت بجاد بن عمير بن الحارث ابن حارثة ابن سعد بن تيم بن مرة [ (1) ] ، فولدت له أميمة بنت رقيقة [ (2) ] ، وهي من
المبايعات، حدّث عنها محمد بن المنكدر. وهالة بنت خويلد [ (1) ] ، وهي أم أبى العاص بن الربيع بن عبد العزى، زوج زينب عليها السلام، وأمها وأم أختها هند ابنة خويلد: فاطمة ابنة زائدة أم خديجة عليها السلام.
[أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل سودة]
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل سودة] وأصهاره من قبل سودة خمسة: وقدان بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ، عم سودة، وأمه بنت وبر بن الأضبط بن كلاب، وله من الولد: عبد، وعمرو السعدي، وهو أبو عبد اللَّه ابن السعدي الصحابي [ (1) ] .
وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ أخو سودة لأبيها من عاتكة بنت الأحنف بن علقمة بن عبد الحارث بن سعد بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤيّ، كان شريفا من سادات الصحابة، وأخوه لأمه عمرو بن نوفل بن عبد مناف [ (1) ] . وعبد الرحمن بن زمعة، أخو سودة، وهو الّذي خاصم فيه أخوه عبد بن زمعة عام الفتح سعد بن أبى وقاص، فقال سعد ابن أخى عتبة بن أبى وقاص عهد إليّ فيه، وقال لي: إذا قدمت مكة فاقبض ابن وليدة زمعة فإنه ابني، وقال عبد بن زمعة: بل هو أخى، ولد على فراش أبى، فقضى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد بن زمعة وقال: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» ، وأم عبد الرحمن أمه يمانية لزمعة، وله عقب [ (2) ] .
ومالك بن زمعة أخو سودة، قديم الإسلام ومن مهاجرة الحبشة [ (1) ] . ومشتق بن عبد وقدان بن عبد شمس أخو سودة لأمها [ (2) ] .
[أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة]
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة] وأصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل عائشة رضى اللَّه عنها إخوتها وهم: عبد اللَّه بن أبى بكر [ (1) ]
أمه وأم أخته أسماء: قتيلة [ (1) ] بنت عبد العزّى بن عبد
[شمس] [ (1) ] بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ، أسلم قديما، ولم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح، وحنينا، والطائف، ورمى يومئذ بسهم من أبى محجن الثقفي، ومات في شوال سنة إحدى عشرة، وانقرض عقبه. وأسماء ابنة أبى بكر، أسلمت قديما بعد سبعة عشر إنسانا، وتزوج بها الزبير بن العوام فولدت له عبد اللَّه بن الزبير، وتوفيت بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وقد ذهب بصرها، ويقال لها ذات النطاقين، لأنها صنعت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم سفرة حين أراد الهجرة إلى المدينة، فعسر عليها ما تشدها به، فشقت خمارها وشدت السفرة بنصفها وانتطقت النصف
الثاني، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ذات النطاقين [ (1) ] . وعبد الرحمن بن أبى بكر شقيق عائشة رضى اللَّه عنها، تقدم ذكره [ (2) ] .
ومحمد بن أبى بكر [ (1) ] ، أمه أسماء بنت عميس [ (2) ] ، أخت ميمونة أم
المؤمنين ولد عام حجة الوداع، وكان من شيعة على رضى اللَّه عنه، فإنه تزوج بأمه أسماء وولاه مصر وقتل بها سنة ثمان وثلاثين. وأم كلثوم بنت أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (1) ] ، أمها حبيبة بنت
خارجة [ (1) ] بن زيد بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج، وتزوج بها طلحة بن عبيد اللَّه رضى اللَّه عنه، فولدت له زكريا وعائشة، ثم خلف عليها بعده عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى ربيعة، فولدت له عثمان وإبراهيم وموسى، وجدّ أم كلثوم لأبيها هو خارجة بن زيد، أحد الصحابة، استشهد يوم أحد. وخالها زيد بن خارجة الّذي تكلم بعد موته [ (2) ] ، وأم كلثوم هذه هي
التي قال أبو بكر لعائشة رضى اللَّه عنها حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك وأختاك، قالت عائشة رضى اللَّه عنها: هذه أسماء قد عرفتها، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطين بنت خارجة، قد ألقى في خلدي أنها جارية، فكان كما قال، ولدت بعد موته، رضى اللَّه عنها. وطفيل بن عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة [الخير] [ (1) ] بن عادية بن مرة بن الأوس بن النمر بن عثمان الأزدي [ (2) ] ، أخو عائشة رضى
اللَّه عنها لأمها أم رومان، معدود من الصحابة، يروى عنه ربعي بن خراش.
[أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة]
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل حفصة] زيد بن الخطاب بن نفيل القرشيّ العدوىّ، أبو عبد الرحمن، عم حفصة أخو أبيها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لأبيه من أسماء بنت وهب بن حبيب بن الحارث بن عبس بن قعين، من بنى أسد بن خزيمة، أحد المهاجرين الأولين، أسلم قبل أخيه عمر، وشهد بدرا وما بعدها [ (1) ] ، واستشهد باليمامة [ (2) ] سنة اثنتي عشرة، فاشتد حزن عمر رضى اللَّه عنه عليه. وصفية بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها لأبيه وأمه [ (3) ] ، تزوجت بسفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، قال ابن عبد البر: [مذكور في المؤلفة قلوبهم] [ (4) ] [وفي صحبته] [ (5) ] نظر [ (6) ] . وفاطمة بنت الخطاب عمة حفصة، أخت أبيها شقيقته، كانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأسلمت قبل زوجها، أو قيل معه، قبل
إسلام أخيها عمر رضى اللَّه عنه، ولها في إسلامه قصة حسنة [ (1) ] .
وعبد اللَّه بن عمر، أبو عبد الرحمن، أخو حفصة وعبد الرحمن الأكبر شقيقهما، أسلم صغيرا قبل أن يبلغ الحلم، وهاجر به أخوه، وأول مشاهده الخندق، وقيل: أحد. توفى بمكة سنة ثلاث وسبعين، وهو من سادات الصحابة، كثير الورع والاحتياط والاتباع للسنة والجماعة، رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وعبد الرحمن الأكبر بن عمر [ (2) ] ، أبو عبد اللَّه، ولد على عهد رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم، [أخو عبد اللَّه بن عمر، وحفصة بنت عمر لأبيهما وأمهما زينب بنت مظعون] [ (1) ] . وزيد بن عمر [ (2) ] ، أمه وأم أخته رقية، أم كلثوم بنت على بن أبى طالب، رضى اللَّه عنه. وزيد الأصغر بن عمر [ (3) ] ، أمه وأم عبيد اللَّه، أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب من خزاعة، وأخوهما لأبيهما عبد اللَّه الأكبر بن أبى جهم ابن حذيف. وعبيد اللَّه بن عمر [ (4) ] ، ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان من أنجاد
قريش وفتيانهم، قتل بصفين مع معاوية، وله أخبار، وهو الّذي قتل الهرمزان وجفينة [ (1) ] لما مات عمر رضى اللَّه عنه. وعاصم بن عمر أبو عمر [ (2) ] ، أمه جميلة بنت ثابت بن أبى الأقلح قيس
ابن عصمة بن مالك الأنصاري، ولد قبل وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسنتين، ومات سنة سبعين، وكان فاضلا خيّرا، شاعرا مجيدا، وله عدة أخبار. وعبد الرحمن الأوسط بن عمر أبو شحمة، أمه لهيّة أم ولد ضربه عمرو ابن العاص رضى اللَّه عنه في الخمر بمصر، وحمله إلى المدينة، فضربه أبوه ضرب تأديب، ثم مرض ومات بعد شهر، وقيل: مات تحت سياط عمر، وذلك غلط [ (1) ] . وعبد الرحمن الأصغر بن عمر، أبو المجبّر، أمه فكيهة أم ولد، مات عمر وهو صغير، فلقبته عمته حفصة: المجبر، وقالت: لعل اللَّه يجبره [ (2) ] . وعياض بن عمر، أمه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل [ (3) ] .
وعبد اللَّه الأصغر بن عمر [ (1) ] ، أمه سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو
ابن عبيد بن أمية بن زيد، من بنى عمرو بن عوف. ورقية بنت عمر أخت حفصة رضى اللَّه عنها، أمها أم كلثوم بنت على رضى اللَّه عنها، تزوجها إبراهيم بن نعيم النحام] [ (1) ] بن عبد اللَّه بن أسيد ابن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب، فولدت له جارية وماتت. وزينب بنت عمر [ (2) ] ، شقيقة المجبر. وفاطمة بنت عمر [ (3) ] ، أمها أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، تزوجها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فولدت له عبد الرحمن بن زيد.
[أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة]
[أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة] هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أبو عثمان القرشي المخزومي، عم أم سلمة، كان في الجاهلية سيدا مطاعا، يقال له: فارس البطحاء، وكان يوم الفجار على بنى مخزوم، وأرخت قريش بموته، وأمه وأم إخوته هاشم وأبى حذيفة مهشم وأبى ربيعة عمرو، وأبى أمية حذيفة وحواش وأبى زهير تميم والفاكة وعبد اللَّه: ريطة بنت سعيد بن سعد بن سهم، وله من الولد عثمان أبو جميل، والحارث والعاصي، وخالد وسعيد وسلمة. وهشام بن المغيرة، وبه كان يكنى عثمان أبو المغيرة، وهو ابن حنتمة أم عمر بن الخطاب، ولا عقب له. وأبو حذيفة بن المغيرة، واسمه مهشم، وله من الولد: أبو أمية وهشام [ (1) ] .
وأبو أمية، وهو زاد الركب [ (1) ] ، وكان يعرف بأبي عبد مناف واسمه حذيفة بن المغيرة، وإنما قيل له: زاد الركب [ (1) ] ، لأنه كان إذا سافر لم يتزود معه أحد، وهو زوج عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بين أربع عواتك [ (2) ] . [الأولى] : عاتكة بنت عبد المطلب [ (3) ] ، وهي أم زهير وعبد اللَّه
[وقريبة] [ (1) ] . [الثانية] : عاتكة بنت جذل الطعان، وهي أم أم سلمة والمهاجر. [الثالثة] : عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، وهي أم قوسة الكبرى وقوسة الصغرى، هذا قول محمد بن سلام، وقال الزبير بن بكّار: قد غلط ابن سلام، قوسة الصغرى جدتها، وأمها عاتكة بنت عبد المطلب. [الرابعة] : عاتكة بنت قيس بن سويد بن ربيعة بن أبير بن نهشل بن
دارم، وهي أم أبى الحكم ومسعود ابني أبى أمية، وربيعة وهشام الأكبر، وقد تقدم في الأحماء. [الخامسة] : وصفية أمهم عاتكة بنت ربيعة بن عمرو بن عمير الثقفي، فهذه عاتكة خامسة [ (1) ] .
وأبو ربيعة، وهو ذو الرمحين، واسمه عمرو بن المغيرة، وله من الولد: عبد اللَّه وعياش ابني أبى ربيعة، وقيل لحي أبى ربيعة: أن اسمه حذيفة، وقيل اسمه كبيشة، والأول أصح. وخراش بن المغيرة، وأبو زهير تميم، والفاكه بن المغيرة له من الولد أبو قيس، وعبد اللَّه بن المغيرة له من الولد عثمان، ونوفل، والوليد بن المغيرة أبو عبد شمس، أمه وأم أخيه عبد شمس صخرة بنت الحارث بن عبد اللَّه بن عبد شمس من قيس، وله من الولد: خالد بن الوليد سيف اللَّه [ (1) ] ،
وعمارة [ (1) ] .
وأبو قيس [ (1) ] ، وهشام [ (2) ] وعبد شمس [ (3) ] والوليد [ (4) ] . وعبد شمس [ (5) ] بن المغيرة له من الولد الوليد بن عبد شمس، وحفص بن المغيرة، أمه من بنى الأحمر بن الحارث بن مناة من كنانة، وكان شريفا، وله من الولد أبو عمرو [ (6) ] . ولحفص يقول الشاعر: نادى المضاف المستضيف وقل له: ... لنا دار حفص بن المغيرة فانزل
فإن بلاد اللَّه إلا محلّة ... جدوب، وإن تنزل على الجدب تهزل وعثمان بن المغيرة، أمه بنت شيطان، واسمه عبد اللَّه بن عبد الحارث بن مالك بن عبد مناة بن كنانة.
[أولاد عم أم سلمة]
[أولاد عمّ أمّ سلمة] وأما أولاد عم أم سلمة فهم: عثمان بن هشام بن المغيرة، وبه كان يكنى أبوه، وأمه بنت عثمان بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ولا عقب له [ (1) ] . وخالد بن هشام بن المغيرة، أسره يوم بدر سواد بن غزيه [ (2) ] . والحارث بن هشام بن المغيرة، أبو عبد الرحمن، أمه وأم أخيه أبى جهل: أم الحلاس أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم [ (3) ] ، وإخوتهما لأمهما: عياش وعبد اللَّه وأم حجير بنو أبى ربيعة بن المغيرة، وشهد بدرا كافرا، وفرّ فعيّره حسان بن ثابت الأنصاري رضى اللَّه عنه
بفراره في شعر [ (1) ] ، فاعتذر عن ذلك بشعر قاله [ (2) ] ، ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا، وأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، وكان من المؤلفة، مات بالشام في طاعون عمواس، وقيل: قتل يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة وله عقب [ (3) ] .
وأبو جهل، عمرو بن هشام [ (1) ] بن المغيرة، كان يكنى بأبي الحكم، فكناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بأبي جهل، أنشد المبرد لحسان بن ثابت [ (2) ] : أيا من كنّوه أبا حكم ... واللَّه كناه أبا جهل أبت رياسته لأسرته ... يوم الفزوع وذلة الأهل وروى أنه قال: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل [ (3) ] ، وأخباره في محادّته للَّه ولرسوله كثيرة، منها: أنه كان في نفر من قريش فيهم عقبة بن أبى معيط [ (4) ] ، وكان عقبة أسفه قريش، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلى فأطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت بأسفل مكة، فيجيء بفرثها فيلقيه على محمد، فانطلق عقبة بن أبى معيط، فأتى بفرثها فألقاه على ما بين كتفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم، فلم يرجعوا إليها شيئا، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين رفع رأسه فقال: اللَّهمّ عليك بقريش، عليك بعقبة بن أبى معيط، وبأبي جهل، وبشيبة، وعتبة، وأمية بن خلف، ثم قال لأبى جهل: واللَّه لتنتهين أو لينزلن اللَّه عليك قارعة.
وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلقيه أبو البحتري العاص بن هاشم بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ [ (1) ] ، وكان أقل الناس أذى له، فأنكر وجهه، فسأله عن خبره، فأخبره به، وكان معه سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به، فتشاور بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى، فقال أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقى بينكم العداوة [ (2) ] . وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعقبة: يا ابن أبان، ما أنت بمقصر عما ترى، فقال: لا، حتى تدع ما أنت عليه، فقال واللَّه لتنتهين أو لتحلنّ بك قارعة. وقال أبو جهل: واللَّه لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن رقبته، فبلغه أنه يصلى، فأقبل مسرعا فقال: ألم أنهك يا محمد عن الصلاة، فانتهره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أتنتهرنى وتهددنى وأنا أعز أهل البطحاء؟ فسمعه العباس ابن عبد المطلب فغضب وقال: كذبت، فنزلت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى [ (3) ] ، يعنى أبا جهل، أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى [ (4) ] ، يعنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] . وقال أبو جهل: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات، فلست بأهون على اللَّه من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل
ذلك، فقال: لم يقدّر في اللَّه على ذلك، قال: فسخّر لنا الريح لتحملنا إلى الشام في يوم وتردّنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على اللَّه من سليمان بن داود، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر، وتروح به مسيرة شهر، فقال: لا أستطيع ذلك، فقال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل شيئا ما سألناك، فلا تذكر آلهتنا بسوء، فقال عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم: فأرنا كرامتك على ربك، فليكن لك بيت من زخرف، وجنة من نخيل وعنب تجرى تحتها الأنهار، وفجّر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا أو عليها، وإلا فأسقط السماء علينا كسفا، فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الّذي خلقني، قال: فارق إلى السماء وأتنا بكتاب نقرأه ونحن ننظر إليك، فنزلت فيه الآيات من سورة الإسراء [ (1) ] . ولما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [ (2) ] ، قال أبو جهل: إنما أنا أدعو لكم يا معشر قريش
[لنتزقم] [ (1) ] فدعا بزبد وتمر فقال: تزقموا من هذا، فإنا لا نعلم زقوما غير هذا، فبين اللَّه تعالي أمرهم فقال: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [ (2) ] ، فقالت قريش: شجرة تنبت في النار؟ فكانت فتنة لهم، وجعل المستهزءون يضحكون [ (3) ] . وفي رواية: ولما نزلت ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [ (4) ] ، قال أبو جهل: ائتونا بزبد وتمر ثم قال: تزقموا فإن هذا الزقوم، فنزلت: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.
وفي رواية: لما نزلت آية الزقوم، لم تعرفه قريش، فقال أبو جهل: هذا شجر لا ينبت بأرضنا، فمن منكم يعرفه؟ فقال رجل قدم من إفريقية: الزقوم بلغة إفريقية: الزبد والتمر، فقال أبو جهل: يا جارية، هاتي تمرا وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويتزقمون ويقولون: أبهذا يخوفنا محمد في الآخرة، فبين اللَّه في آية أخرى الزقوم بقوله: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ. ونزل قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى [ (1) ] في أبى جهل [ (2) ] . وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا عبد اللَّه بن نمير عن حجاج عن منذر عن ابن الحنفية في قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [ (3) ] قال: كان أبو جهل وصناديد قريش يأتون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يسلمون فيقولون: إنه يحرم الخمر ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم، فنزلت هذه الآية: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [ (4) ] .
وقدم رجل من هذيل يقال له عمرو بغنم له، فباعها، ورآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه، فقال له أبو جهل- وكان خفيفا حديد الوجه، ونظر به حوله فقال: انظر إلى ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه، أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفّه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا يدخل النار بعد الموت وما أعجب ما يأتى به، قال: أفما تخرجونه من أرضكم؟ قال: لئن خرج من بين أظهرنا فيسمع كلامه وحلاوة لسانه قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن أن يكر علينا بهم، قال: فأين أسرته عنه؟ قال: إنما أمتنع بأسرته، ثم أسلم هذا الهذيلى يوم الفتح. وقدم رجل من أراش بإبل له مكة، فباعها من أبى جهل [ (1) ] ، فمطله بأثمانها، فوقف الرجل على ناد [ (2) ] [من] قريش فقال: يا معشر قريش! إني رجل غريب ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وجلسنى به حتى شقّ عليّ، فمن رجل يقوم معى فيأخذ لي حقي منه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا وهم يهزءون: أترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه يأخذ لك بحقك، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا
محمد، إني رجل غريب، واقتصّ عليه قصته، فقام معه، حتى ضرب باب أبى جهل، فقال: من هذا قال: محمد بن عبد اللَّه، فأخرج إليّ، ففتح الباب وخرج، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أخرج إلى هذا الرجل من حقه، قال: نعم، فقال: لست أبرح، أو تعطيه حقه، فدخل البيت وأخرج إليه بحقه وأعطاه إياه، فانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وانصرف الرجل بحقه إلي مجلس قريش فقال: جزى اللَّه محمدا خيرا، فقد أخذ لي حقي بأيسر الأمور، ثم انصرف وجاء أبو جهل فقالوا له: ماذا صنعت؟ فو اللَّه ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازءين، فقال: دعوني، فو اللَّه ما هو إلا ضرب بابي، حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه، وإن علي رأس لفحلا ما رأيت مثل هامته وأنيابه قط، فاتحا فاه، فو اللَّه لو أتيت لأكلنى، فأعطيت الرجل حقه، فقال القوم: ما هو إلا بعض سحره [ (1) ] . وقال أبو بكر ابن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت قال: قال أصحاب أبى جهل لأبى جهل وهو يسير إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر: أرأيت مسيرك إلى محمد؟ أتعلم أنه نبي؟ قال: نعم، ولكن متى كنا تبعاً لعبد مناف. وجاء أبو جهل في عدة من المشركين يريدون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوء، فخرج إليهم وهو يقرأ يس [ (2) ] ، وجعل التراب على رءوسهم،
ويتعجبون وهم لا يرونه، فلما انصرف أقبلوا ينفضون التراب عن رءوسهم، ويتعجبون ويقولون: سحّر من سحر محمد. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في المسجد، ومعه أبو بكر وعمر وسعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنهم، إذ أقبل رجل من [بنى زبيد] [ (1) ] وهو يقول: يا معشر قريش، كيف تدخل عليكم [المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر بساحتكم] [ (2) ] ، وأنتم تظلمون من دخل عليكم [في حرمكم] [ (3) ] وجعل يقف على الحلق حتى أتى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو في أصحابه فقال له: من ظلمك؟ قال: أبو الحكم، طلب منى ثلاثة أجمال [كانت من خيرة] [ (4) ] إبلي فلم أبعه إياها بالوكس، فليس يبتاعها منى أحد أتباعا لمرضاته، فقد أكسد سلعتي وظلمني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: وأين أجملك؟ قال: هي هذه بالحزورة، فابتاعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فباع منها جملين بالثمن الّذي التمسه، ثم باع البعير الثالث، وأعطى ثمنه أرامل بنى عبد المطلب، وأبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم، ثم أقبل إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا عمرو! إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى منى ما تكره، فقال: لا أعود يا محمد. فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقبل إليه أمية بن خلف ومن حضره من المشركين فقالوا: لقد ذللت في يدىّ محمد كأنك تريد اتباعه، فقال: واللَّه لا أتبعه أبدا، إنما كان انكسارى عنه لما رأيت من سحره، لقد رأيت عن يمينه وشماله رجالا معهم رماح يشرعونها إليّ، لو خالفته لكانت إياها،
فقالوا هذا سحر منه [ (1) ] . وخرج أبو جهل إلى بدر مع المشركين، وقال يومئذ: اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، فأنزل اللَّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [ (2) ] ، واستفتاحه هو قوله هذا فقتله اللَّه بيد معاذ بن عمرو بن الجموح، وبعض بنى خفراء، ضرباه، ووقف عليه عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه، ثم جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، قد قتلت أبا جهل، فقال: اللَّه الّذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟ قال: نعم، فاستحفه الفرح ثم قال: انطلق فأرينه، فانطلق حتى قام به على رأسه، فقال: الحمد للَّه الّذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب، فجروه، ونفل عبد اللَّه بن مسعود سيفه [ (3) ] . ونقل أن أبا جهل كان مستوها، واحتجوا بقول عتبة له: «سيعلم مصفّر استه» ، وردّ هذا بأن هذه الكلمة قالها قيس بن زهير في حذيفة بن بدر يوم الهباء، ولم يقل أحد إن حذيفة كان مستوها. وقال ابن دريد عن الأبنة: هو ممن لم يعرف في الجاهلية إلى في نفر منهم أبو جهل، ولهذا قيل له: مصفر استه، وقابوس بن المنذر عم النعمان، ويلقب حبيب العروسى، وطفيل بن مالك، وأنشد المبرد في بنى مخزوم: شقيت بكم وكنت لكم جليسا ... فلست جليس قعقاع بن شور ومن جهل أبى جهل أخوكم ... غزا بدرا بمجمرة ونور
وقيل نسبة إلى فراقه التوضيع، وكقوله عتبة بن ربيعة فيه: «سيعلم مصفّر استه» ، وفيه قيل: الناس كنوه أبا حكم ... واللَّه كناه أبا جهل أبقت رئاسته لأسرته ... يوم الفزوع ورقة الأصل وكان له يوم قتل سبعون سنة- لعنه اللَّه- وله من الولد: عكرمة بن أبى جهل، أسلم، وأبو علقمة زرارة، وحاجب، واسمه تميم، وعلقمة، وأربع بنات، وانقرض عقبه. والعاص بن هشام بن المغيرة، قتله عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [ (1) ] ، وهشام بن العاص [ (2) ] وسعيد بن العاص أسلم [ (3) ] .
وسلمة بن هشام بن المغيرة أسلم قديما، وحبس وعذب في اللَّه، وهاجر إلى الحبشة، وقدم المدينة بعد الخندق، وقتل يوم مرج الصّفّر سنة أربع عشرة، وقيل: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة، وكان من خيار الصحابة [ (1) ] .
وحنتمة ابنة هاشم بن المغيرة [ (1) ] ابنة عم أم سلمة، كانت تحت الخطاب ابن نفيل، فولدت له عمر بن الخطاب، وصفية بنت الخطاب، وأميمة بنت الخطاب. وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة [أمه عبلة بنت عبيد بن جاذل] [ (2) ] يوم بدر [ (3) ] ، وقتل يوم أحد كافرا [ (4) ] . وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة، أمه وأم أبى أمية: حذيفة بنت أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وهما ابنا عم أم سلمة، وأسلم هشام وهاجر إلي الحبشة، وقال الواقدي في اسمه هشام: هاشم، وقال هشام وهم ممن قاله [ (5) ] . وعبد اللَّه بن أبى ربيعة بن المغيرة، أمه وأم أخيه عياش أسماء بنت
مخرّبة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم، وهي أم الحارث وأبى جهل ابني هشام بن المغيرة، وكان هشام طلقها، فتزوجها أخوه أبو ربيعة، فندم هشام على فراقه إياها، وكان اسم عبد اللَّه بحيرا، وكان من أشراف قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح، وكان من أحسن قريش وجها فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو الّذي بعثته قريش مع عمرو ابن العاص إلى النجاش لأخذ جعفر بن أبى طالب ومن معه، وولاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [الجند] ومخالفيها، وقيل: ولاه عمر على الجند، [وكان عاملا على البصرة لابن الزبير] [ (1) ] . [ومات سنة خمس وثلاثين، وكان قد جاء من اليمن لينصر عثمان لما حصر] [ (1) ] ، وله من الولد: عمر بن أبى ربيعة الشاعر، والحارث بن عبد اللَّه الّذي يقال له: القباع [ (2) ] . وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو عبد الرحمن، أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة مع امرأته أم الجلاس أسماء ابنة سلمة، ويقال: سلامة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم التيمية، وهي ابنة أخى أسماء بنت مخربة أم أبى جهل. والحارث بن هشام، وأم عبد اللَّه وعياش ابني أبى ربيعة، وولدت له بالحبشة ابنه عبد اللَّه بن عياش، ثم هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقدم عليه أخوه لأمه أبو جهل بن هشام، والحارث بن هشام، فذكر له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه. فرجع معهما، فأوثقاه وباطا، وحبساه بمكة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو له فيقول في قنوته: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش
ابن أبى ربيعة. وقتل يوم اليرموك، وقيل: مات بمكة، وله من الولد عبد اللَّه ابن عياش، وأبو قيس بن الفاكة ابن المغيرة عم أم سلمة، أمه [] [ (1) ] ابنة عثمان بن [عبيد اللَّه] [ (2) ] بن عمر [ (3) ] . ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، شهد الخندق مع قومه، وعبر الخندق مع عمرو بن عبد في نفر من قريش، وقام سائر المشركين من وراء الخندق، ودعا عمرو بن عبد إلى البراز، فانتدب له على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وقتله، ففر أصحابه الذين في الخندق هاربين، إلا نوفل هذا فإنه كبابه فرسه في الخندق، فرمى بالحجارة حتى قتل] [ (4) ] ، ويقال: بل حمل الزبير بن العوام رضى اللَّه عنه عليه بالسيف، شقه باثنتين، وقطع بدوح سرجه ويقال: خلص إلى كاهل الفرس، فقيل له: يا أبا عبد اللَّه! ما رأينا سيفا مثل سيفك، فقال: واللَّه ما هو بالسيف، ولكنها الساعد. وخالد بن الوليد بن المغيرة أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد القرشي المخزوميّ سيف اللَّه، أمه لبابة الصغرى، وقيل: لبابة الكبرى بنت الحارث بن
حزن الهلالية، أخت ميمونة. أم المؤمنين، وهو أحد أشراف قريش في الجاهلية، وإليه كانت القبة والأعنة. فأما القبة، فإنّهم كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة، فإنه كان يكون على الخيل في الحرب، وأسلم بين الحديبيّة وخيبر، وقيل: أسلم سنة خمس بعد بنى قريظة، وقيل أسلم سنة ثمان هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، ولم يترك منذ أسلم تولية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعنة الخيل، فيكون في مقدمتها في محاربة العرب. وشهد الحديبيّة والفتح، وما بعده، وكان على خيله يوم الحديبيّة، وكان على مقدمته يوم حنين في بنى سليم، وبعثه في سنة تسع إلى أكيدر دومة الجندل، فأخذه وقدم به، وبعثه في سنة عشر إلى الحارث بن كعب، وأمّره أبو بكر رضى اللَّه عنه على الجيوش في الرّدّة، ففتح اللَّه عليه اليمامة وغيرها، وقتل على يديه أكثر أهل الرّدة، ثم افتتح دمشق، ومات بحمص، وقيل: بالمدينة، سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وأخباره كثيرة، وفضائله شهيرة [ (1) ] . وعمارة بن الوليد بن المغيرة، أبو قائد، كان من فتيان قريش جمالا وشعرا، وهو الّذي جاء به مشركو قريش إلى أبى طالب ليأخذه بدل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ويدفعه إليهم ليقتلوه، وهو الّذي بعثت به قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاش في أخذ من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، فيعرض لجارية عمرو، فكاده عند النجاش حتى سحر، وذهب مع الوحش حتى خرج إليه عبد اللَّه بن أبى ربيعة، بن المغيرة، فأخذه فمات في يده، وله
أخبار وشعر جيد، وله من الولد: قائد، والوليد، وأبو عبيدة [ (1) ] . وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتله على رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [ (2) ] . وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة [ (3) ] ، ابنة عم أم سلمة، وكانت تحت ابن عمها الحارث بن هشام بن المغيرة، فولدت له عبد الرحمن وأم حكيم، وأم فاطمة هذه حنتمة بنت شيطان بن عمرو بن كعب بن وائلة الأحمر بن الحارث بن عبد مناه.
وعبد شمس بن الوليد بن المغيرة، أمه [] بنت هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (1) ] . وهشام بن الوليد بن المغيرة، وهو الّذي قتل أبا أزيهر بن أنيس بن الخلق الأزدي الدوسيّ بذي المجاز [ (2) ] ، وكان لأبى أزيهر ابنتان: إحداهما تحت أبى سفيان بن حرب، والأخرى تزوج بها الوليد بن المغيرة، ولم يدخل بها حتى مات، فطالب هشام أبا أزيهر بالصداق فلم يعطه، فقتله، وكانت فيه عجلة، فأراد المطيبون الحرب فمنعهم أبو سفيان وقال: لا تشاغلوا بالحرب بينكم عن محمد وأصحابه، ولهذا الخبر قصة [ (3) ] .
والوليد بن الوليد بن المغيرة، أمه وأم هشام أميمة بنت حرملة بن خليل ابن شوبر بن صعب بن قيس، أسره يوم بدر كافرا عبد اللَّه بن جحش، وقيل أسره سليط بن قيس المازني، فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام، فتمنع عبد اللَّه بن جحش حتى افتكّاه بأربعة آلاف درهم، وقيل افتكاه بشكة أبيه الوليد، وكانت درعا وسيفا وبيضة، فأقيمت بمائة دينار، فلما افتدى أسلم، فحبسوه بمكة، فكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو له فيمن دعا من مستضعفي المؤمنين بمكة، ثم أفلت من أسارهم، وشهد عمرة القضية، وكتب يدعو أخاه خالد بن الوليد إلى الإسلام [ (1) ] . وقيل إنه أفلت من الحبس بمكة، وخرج على رجليه، فمات على ميل من المدينة، ورثته ابنة عمه أم سلمة بشعر [ (2) ] ، وله ابن كان اسمه الوليد بن الوليد بن الوليد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه [ (3) ] . والوليد بن عبد شمس بن المغيرة ابن عم أم سلمة، أمه قيلة بنت جحش ابن ربيعة بن أهيب بن الضباب بن حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، أسلم يوم الفتح، وقتل باليمامة شهيدا مع ابن عمه خالد بن الوليد، وله من
الولد عبد الرحمن [ (1) ] . وأبو عمرو بن حفص بن المغيرة، أمه درة بنت خزاعيّ بن الحارث بن الحويرث الثقفي، وهو زوج فاطمة بنت قيس. أخت الضحاك بن قيس، قيل اسمه عبد الحميد، وقيل أحمد، وقيل اسمه كنيته، أسلم وخرج مع على رضى اللَّه عنه إلى اليمن، فبعث من هناك بطلاق امرأته فاطمة ابنة قيس، وهو الّذي كلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لما عزل خالد بن الوليد، وقال له: لقد نزعت غلاما- أو قال عاملا- استعمله رسول اللَّه، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت لواء نصبه رسول اللَّه، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم [ (2) ] .
إخوة أم سلمة
إخوة أم سلمة وأما إخوة أم سلمة رضى اللَّه تعالى عنها: عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة، وهشام وزهير ابنا أبى أمية بن المغيرة، وقد تقدم ذكرهما. والمهاجر بن أبى أمية بن المغيرة أخو أم سلمة شقيقها، كان اسمه الوليد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «المهاجر» لما هاجر إلى المدينة، ثم بعثه إلى الحارث ابن عبد كلال ملك اليمن، واستعمله أيضا على صدقات كندة، والصدف، ثم ولاه أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه اليمن، ففتح حصن النّجير بحضر موت [ (1) ] .
وأبو عبيدة بن أبى أمية بن المغيرة [ (1) ] . وهشام بن أبى أمية بن المغيرة، قتل يوم أحد كافرا [ (2) ] . ومسعود بن أبى أمية بن المغيرة قتل يوم بدر كافرا [ (3) ] . وربيعة بن أبى أمية بن المغيرة. [ (4) ] وعبد اللَّه ابن أبى أمية بن المغيرة [ (5) ] ، أخو أم سلمة، تقدم ذكره في
أبناء العمات. وقريبة الكبرى ابنة أبى أمية بن المغيرة كانت تحت زمعة بن الأسود [ (1) ] ، وقريبة الصغرى أخت أم سلمة، كانت تحت عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق، فولدت له عبيد اللَّه، وأم حكيم وأمها عاتكة بنت عتبة بن ربيعة، وكان عمار بن ياسر أخا لأم سلمة بن القضاعة [ (2) ] .
أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش عبد اللَّه بن جحش أحد البدريين [ (1) ] ، وأبو أحمد عبد بن جحش.
وقيل: ثمامة بن جحش الشاعر، أحد المهاجرين، وعبيد اللَّه بن جحش الّذي تنصر بالحبشة، وكانت قريش قد اجتمعت عند صنم لهم فقال ورقة وعبيد اللَّه بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو: لقد أخطأ قومنا دين إبراهيم، ما حجر نطيف به [لا يسمع ولا يبصر] ولا يضر ولا ينفع [يا قوم التمسوا لأنفسكم، فإنكم واللَّه ما أنتم على شيء] فتفرقوا في البلاد يلتمسون الحنيفية [دين إبراهيم] ، فأما ورقة ابن نوفل فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، وأقام عبيد اللَّه على الالتباس حتى أسلم وهاجر إلى الحبشة فتنصر بها، ومات نصرانيا، وقدم عثمان بن الحويرث على قيصر فتنصر، ووقف زيد بن عمرو فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية. وأم حبيبة بنت جحش، وحمنة بنت جحش، وقد تقدم ذكرهم في أبناء العمات.
أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم حبيبة الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أمه وأم أخته: الفارعة بنت حرب من بنى تميم، وكان نديما للعوام بن خويلد ابن أسد بن عبد العزى، وتزوج صفية عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فولدت صفيّا [ (1) ] . ومحمد بن عبد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي أبو محمد، هاجر مع أبيه وعمه أبى أحمد إلى المدينة، وقتل أبوه بأحد، فأوصى به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان [ (2) ] محمد [بن عبد اللَّه بن جحش] [ (3) ] في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند زينب بنت جحش، أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، ذكره الحافظ أبو نعيم، وانفرد النسائي بحديثه [ (4) ] . وعمر بن حرب بن أمية، أمه وأم أخيه عمرو، وأخته أم جميل حمالة الحطب: فاختة بنت عامر بن معتب الثقفي، وله من الولد أمية بن عمرو، وسلمى بنت عمر، ولدت لحنظلة بن أبى سفيان صخر بن حرب ولدا اسمه ربيعة بن حنظلة، وأخوهما لأمهما الفارعة بنت عدي بن نوفل بن عبد مناف، هو عبّاس بن علقمة بن عبد اللَّه بن أبى قيس بن عبد ودّ بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ ولا عقب لعمر [ (5) ] . وعمرو بن حرب ابن أمية [ (6) ] .
والفارعة بنت حرب بن أمية [ (1) ] ، أمها وأم أخيها أبى سفيان صخر بن حرب، وأم أختها فأخته صفية بنت حزن بن البجير بن الهزم بن رويبة بن عبد اللَّه بن هلال بن عامر بن صعصعة، وهي عمة أم الفضل امرأة العباس ابن عبد المطلب أم بنيه، وعمة ميمونة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، وكانت الفارعة هذه- وهي الكبرى- تحت الأسود بن عبد المطلب بن أسد، فولدت له فاختة بنت الأسود [ (2) ] . وفاختة بنت حرب بن أمية [ (3) ]- وهي الكبرى- كانت عند شيبة بن ربيعة، فولدت له عبد الرحمن بن شيبة، والفارعة الصغرى بنت حرب بن أمية، وفاختة الصغرى بنت حرب بن أمية، أمها أم قتال بن عبد الحارث بن زهرة، وكانت عند قيس بن عبد اللَّه بن يعمر الشداخ، فولدت له الجثامة ابن قيس [ (4) ] ، ثم خلف عليها غزوان بن جابر بن شبيب المازني، فولدت له فاختة بنت غزوان [ (5) ] . وأم جميل بنت حرب بن أمية- وهي التي سماها اللَّه تعالى في كتابه
العزيز: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، امرأة أبى لهب بن عبد المطلب، لأنها كانت تحمل أغصان العضاة والشوك، فتطرحها في طريق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أو لأنها حمالة النميمة، تحطب على ظهرها. ولم نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ* سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ* وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [ (1) ] ، قالت أم جميل: هجاني محمد، واللَّه لأهجونّه: محمّدا قلينا ... ودينه أبينا وأخذت فهرا لتضربه، فأغشى اللَّه عينيها عنه، وردها بغيظها، وهي أم عتبة، وعتيبة، بنى أبى لهب [ (2) ] .
إخوة أم حبيبة
إخوة أم حبيبة وأما إخوة أم حبيبة، فإنّهم سبعة رجال وسبع نسائهم: حنظلة بن أبى سفيان، وبه كان يكنى أبوه، وأمه وأم أخته أم حبيبة رضى اللَّه عنها وأم أميمة: صفيا ابنة أبى العاصي بن أمية بن عبد شمس، وشهد بدرا مع قومه كافرا [ (1) ] ، فقتله على رضى اللَّه عنه [ (2) ] ، فلما قتل أبو سفيان بن حرب حنظلة بن أبى عامر غسيل الملائكة يوم أحد قال: حنظلة بحنظلة، ولم يعقب حنظلة بن أبى سفيان [ (3) ] . ومعاوية بن أبى سفيان، وقد تقدم ذكره في الأسلاف. وعتبة بن أبى سفيان أبو الوليد، أدرك حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وولاه عمر
ابن الخطاب رضى اللَّه عنه الطائف وصدقاتها، ثم ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان مصر بعد وفاة عمرو بن العاص، فمات بها بعد سنة وشهر في ذي الحجة سنة أربع وأربعين، ولم يكن في بنى أمية أخطب منه، وله أخبار عديدة [ (1) ] . ويزيد بن أبى سفيان، أمه زينب بنت نوفل بن خلف بن قواله بن حذيفة بن طريف بن علقمة، جذل الطعان بن فراس بن غنم بن كنانة، أسلم يوم الفتح، وشهد حنينا، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مائة بعير، وأربعين أوقيّة، وبعثه أبو بكر رضى اللَّه عنه في سنة اثنتي عشرة إلى فلسطين فيمن بعت، فشهد أجنادين، ثم ولاه عمر رضى اللَّه عنه على فلسطين، ثم ولى الشام، ومات في طاعون عمواس [ (2) ] . ومحمد بن أبى سفيان، أمه وأم أخيه عنبسة بن أبى سفيان: عاتكة بنت
أبى أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن كعب بن الحارث بن عبد اللَّه بن الحارث ابن الغطريف. من الأزد، عند ابن الكلبي في (الجمهرة) : أبو أزيهر بن أنيس بن الخيسق بن مالك بن سعد بن كعب بن الحارث، وهو الغطريف الأصغر بن عبد اللَّه بن عامر. وهو الغطريف الأكبر بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نصر ابن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد اللَّه بن مالك بن نصر بن الأزد. وأبو أزيهر هذا قتله هشام بن المغيرة، وكان جارا لأبى سفيان بن حرب وحليفا له فلم يطلب بدمه، وعيّره ابن حسان بن ثابت الأنصاري بإذن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وزوّج أبو أزيهر ابنته عاتكة أبا سفيان، فولدت له محمدا وعنبسة،
ولأبى أزيهر من الولد: أبو حناءة وجبله [وأنجب] [ (1) ] أبو حناءة سمية [ (2) ] ، تزوجها مجاشع بن مسعود السلمي، وقتل عنها يوم الجمل مع عائشة رضى اللَّه عنها، فخلف عليها عبد اللَّه بن عياش رضى اللَّه عنهما، وشميلة [ (3) ] هي [التي] [ (4) ] أسندت نصر بن حجاج [ (5) ] إلى صدرها فبرأ، فضرب لها مثلا
قول الأعشى: لو أسندت ميتا إلى صدرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر وعنبسة بن أبى سفيان [ (1) ] ، ولاه أخوه معاوية بن أبى سفيان الطائف، ثم عزله بأخيه عتبة، فعاتبه عنبسة، فقال له معاوية: إن عتبة بن هند، فقال عنبسة:
كنا بخير [ (1) ] صالح [ (2) ] ذات بيننا ... جميعا [ (3) ] ، فأمست فرّقت بيننا هند فإن تك هند لم تلدني فإنني ... لبيضاء ينميها غطارفة نجد أبوها أبو الأضياف في كل شتوة ... ومأوى ضعاف قد أضرّ بها الجهد [ (4) ] لها جفنات ما تزال مقيمة ... لمن ساقه غورا تهامة أو نجد [ (5) ] فقال له معاوية: لا تسمعه منى بعدها [ (6) ] وعمرو بن أبى سفيان، أمه وأم أختيه صخرة وهند: صفية بنت أبى عمرو بن أبى أمية بن عبد شمس، وأسر يوم بدر، فقيل لأبى سفيان: ألا تفتدى عمرا؟ فقال: قتل حنظلة وأفتدي عمرا فأصاب بمالي وولدى [ (7) ] ؟ لا أفعل، ولكن انتظر حتى أصيب منهم رجلا فأفديه به، فأصاب سعد بن النعمان بن أكال، وقد جاء معتمرا، فلما قضى عمرته صدر ومعه المنذر بن
عمرو، فطلبهما أبو سفيان حتى أدرك سعدا فأسره [ (1) ] ، وفاته ابن المنذر فقال ضرار بن الخطاب في ذلك: تداركت سعدا عنوة فأسرته ... وكان شفاء لو تداركت منذرا فقال أبو سفيان: أرهط ابن أكّال أجيبوا دعاءه ... تعاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا. فإن بنى عمرو بن عوف أذلة [ (2) ] ... لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا ففادوه سعدا بابنه عمرو [ (3) ] ، وليس لعمر عقب. وأميمة بنت أبى سفيان [ (4) ] ، كانت تحت حويطب بن عبد العزى بن أبى
قيس من بنى عامر بن لؤيّ [ (1) ] ، فولدت له أبا سفيان بن حويطب، وأسلم مع أبيه يوم الفتح [ (2) ] ، وتزوجها صفوان بن خلف الجمحيّ، فولدت له عبد الرحمن بن صفوان [ (3) ] ، وهو مذكور في الصحابة هو وأبوه. وجويرية بنت أبى سفيان [ (4) ] أسلمت بعد الفتح، ثم شهدت اليرموك، وقد تزوجها السائب بن أبى حبيب بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، ثم خلف عليها عبد الرحمن بن الحارث بن أمية الأصغر. وأم الحكم بنت أبى سفيان [ (5) ] ، أمها وأم عتبة وجويرية. ومعاوية: هند بنت عتبة، وتزوجها عبد اللَّه بن عثمان بن ربيعة الثقفي، فولدت له عبد الرحمن بن عبد اللَّه الّذي يقال له: ابن أم الحكم. وصخرة بنت أبى سفيان [ (6) ] ، كانت تحت سعيد بن الأخنس بن شريق
الثّقفي، فهي أم بنيه. وهند بنت أبى سفيان [ (1) ] ، [زوج الحارث بن نوفل] [ (2) ] ولدت بنيه عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، وإخوته محمدا وربيعة، وعبد الرحمن بن الحارث. وميمونة بنت أبى سفيان [ (3) ] ، أمها لبانة بنت أبى العاصي بن أمية، وتزوجها أبو برة بن عروة بن مسعود، فولدت له ليلى ابنة أبى مرة، فتزوجها أبو عبد اللَّه الحسين بن على عليهما السلام، فولدت له على بن الحسين الأكبر. ورملة بنت أبى سفيان، تزوجها سعيد بن عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه [ (4) ] ، فولدت له محمدا، وأم رملة هذه من بنى الحارث بن عبد مناة، وأخوها لأمها سليمان بن أزهر بن عبد عوف الزهري.
صهره صلى الله عليه وسلم من قبل جويرية
صهره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل جويرية أخوها عمرو بن الحارث بن أبى ضرار المصطفى الخزاعي، مذكور في الصحابة [ (1) ] . أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل ميمونة رجل واحد، وأربع عشر امرأة، منهن خمس أخوات ميمونة لأبيها وأمها، وتسع أخواتها لأمها، فالأشقاء: لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن الهلالية [ (2) ] ، أم الفضل، زوجة
العباس، أم عبد المطلب، عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأم أكثر بنيه، يقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة رضى اللَّه عنها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يزورها ويقيل عندها، وروت عنه أحاديث خرّج [حديثها] الجماعة، وكانت من المنجبات، ولدت للعباس ستة رجال لم تلد امرأة مثلهم، وهم: الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن بنو العباس، وولدت له أيضا أم حبيب [ (1) ] ، وتوفيت، وفيها يقول عبد اللَّه بن يزيد الهلالي: ما ولدت نجيبة من فحل ... بجبل نعلمه وسهل كستّة من بطن أم الفضل ... أكرم بها من كهلة وكهل عم النبي المصطفى ذي الفضل ... وخاتم الرسل وخير الرسل ولبابة الصغرى بنت الحارث [ (2) ] بن حزن أم خالد بن الوليد، قال ابن عبد
البر: في إسلامها وصحبتها نظر. وغصماء بنت الحارث بن حزن [ (1) ] ، وعزة بنت الحارث [ (2) ] ، وهزيلة بنت
الحارث [ (1) ] وأسماء بنت عميس بن معد [ (2) ] بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن معاوية بن زيد بن مالك بن نسر بن وهب اللَّه ابن شهران بن عفر بن ربيعة، حلف بن أفتل، وهو جماعة خثم بن أنمار. وقيل: أسماء بنت عميس بن مالك [ (3) ] بن النعمان بن كعب بن مالك ابن قحافة بن عامر بن زيد بن نسر بن وهب اللَّه الخثعمية، أخت ميمونة رضى اللَّه عنها لأمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن كنانة، كانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، فولدت له هناك محمدا وعبد اللَّه وعوفا، ثم هاجرت إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، فولدت له محمد ابن أبى بكر، ثم مات عنها، فتزوجها على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه،
فولدت له يحى بن على، وقيل: ولدت أيضا عوفا. وقيل: كانت تحت حمزة رضى اللَّه عنه، فولدت له أمة اللَّه، وقيل: أمامة، ثم خلف عليها بعد شداد جعفر بن الهادي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن. وقيل إن التي كانت تحت حمزة وشداد، سلمى بنت عميس أختها، وقيل: كانت أسماء قبل جعفر بن أبى طالب عند ربيعة بن رباح بن أبى ربيعة بن نهيل بن هلال بن عامر، فولدت له مالكا وعبد اللَّه وأبا هريرة بنى ربيعة، قاله ابن الكلبي [ (1) ] وتوفيت أسماء. وسلمى بنت عميس الخثعمية [ (2) ] ، لها صحبة، كانت تحت حمزة رضى اللَّه عنه، فولدت له أمة اللَّه، ثم خلف عليها بعد شداد بن الهادي، فولدت له عبد اللَّه وعبد الرحمن، وقيل غير ذلك كما تقدم.
[أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء أعمامه]
[أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونساء أعمامه] ومن أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ونساء أعمامه: خولة بنت قيس بن قهد [بالقاف] [ (1) ] بن قيس بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار الأنصارية أم محمد [ (2) ] . وقيل: خولة بنت تامر- وقيل: تامر لقب لقيس بن قهد- كانت تحت حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، فولدت له عمارة بن حمزة، وخلف
عليها بعد حمزة رجل من الأنصار. ويقال لها: خويلة، روى لها البخاري والترمذي. وسلمى بنت عميس الخثعمية، كانت تحت حمزة أيضا، فولدت له أمامة [ (1) ] . ولبابة الكبرى بنت الحارث، زوجة العباس رضي اللَّه عنه، أم بنيه الفضل، وعبد اللَّه، وعبيد اللَّه، وقثم، وعبد الرحمن، ومعبد [ (1) ] . وحجيلة بنت جندب بن الربيع بن عامر بن كعب بن عمرو بن الحارث ابن عمرو بن سعد مالك بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. زوجة العباس، أم ولده الحارث بن عباس [ (2) ] . وفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، زوجة أبى طالب، أم بنيه: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلى، رضي اللَّه عنهم، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمى، أسلمت وهاجرت وماتت بالمدينة، فشهدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وألبسها قميصه واضطجع معها في قبرها، فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه، فقال: إن لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بى منها، إنما ألبستها قميصي لتكتسى من حلل الجنة، واضطجعت معها ليهون عليها. وقيل: إنها ماتت قبل الهجرة، وليس بشيء [ (3) ] . وعاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، زوجة
الزبير بن عبد المطلب، أم بنيه: الطاهر، وحجل، [وقرّة] [ (1) ] ، وعبد اللَّه، كان أبوها من أشراف قريش في الجاهلية، وأخوها هبيرة بن أبى وهب من فرسان قريش وشعرائهم، وهو زوج أم هانئ بنت أبى طالب، وفد يوم الفتح إلى نجران فمات بها كافرا، وترك أولادا من أم هانئ [ (2) ] . وغزية بنت قيس بن طريف من بنى الحارث بن فهر، زوجة الحارث بن عبد المطلب أم بنيه: أبى سفيان، وربيعة، ونوفل، وعبد شمس، وعبد اللَّه، وأمية [ (3) ] . وأم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- وهي حمالة الحطب- امرأة أبى لهب بن عبد المطلب، أم بنيه: عتبة، ومعتب، وعتيبة [ (4) ] .
أصهاره صلى الله عليه وسلم أزواج عماته
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم أزواج عماته ومن أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم أزواج عماته، وهم تسعة: كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، زوج البيضاء أم حكيم بنت أبى طالب، أبو بنيها: عامر، وأم طلحة أرنب، وأروى أم عثمان، وأم كريز أم سكن بنت ظالم بن منقذ بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح الخزاعي، وكان له من الولد أيضا فاختة، تزوجها أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، وأمها هند بنت جدعان بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، والحارث بن كريز أمه من عبد قيس، يقال له أبو كبشة، وكان عنده مسيلمة الكذاب، وعبيس بن كريز أمه أم عبيس، فتاة لبني تيم بن مرة، أسلمت فعذبت في اللَّه، حتى اشتراها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه، فأعتقها [ (1) ] .
وأبو أمية حذيفة بن الميغرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، أبو أولادها: عبد اللَّه، وزهير، وقريبة الكبرى، إخوة أم المؤمنين أم سلمة لأبيها [ (1) ] . وعبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] ، زوج برّة بنت عبد المطلب، أبو ابنها أبى سلمة عبد اللَّه، وأمه نعم بنت عبد العزى بن رباح بن عبد اللَّه بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب، وأبوها أبو سلمة تقدم ذكره، وله من الولد أيضا: سفيان بن عبد الأسد، والأسود بن عبد الأسد، وقتل الأسود ببدر كافرا، قتله حمزة، وكان قد حلف ليكسرن
حوض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقاتله حتى وصل إليه فأدركه حمزة وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء. وأم سفيان من كندة، وأخوهما لأمهما أنس بن أذاه بن رباح [ (1) ] . وأبو رهم بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، بن عامر بن لؤيّ، زوج برّة بعد عبد الأسد، وأبو ابنها أبى سبرة بن أبى رهم، أمه وأم أخيه حويطب بن عبد العزى زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحارث بن سعد بن عمرو بن قبيص، وإخوته لأبيه: مخرمة الأكبر، ومخرمة الأصغر، وفاطمة. وعمير بن وهب بن عبد بن قصي، زوج أروى بنت عبد المطلب [ (2) ] ، أبو ابنها طليب، كان أبوه وهب يعرف بأبي كبيرة [ (3) ] .
وكلدة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي [ (1) ] ، زوج أروى بنت عبد المطلب بعد عمير بن وهب، وأبو ابنتها فاطمة امرأة أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، الّذي كان بيده لواء المشركين يوم أحد، وقتله مصعب بن عمير [ (2) ] . وجحش بن رئاب بن يعمر بن صبيرة بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدي زوج أميمة بنت عبد المطلب، وأبو أولادها عبد اللَّه المجدّع، وعبيد اللَّه وأبى أحمد وزينب أم المؤمنين وأم حبيبة وحمنة [ (3) ] .
والحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس، زوج صفية بنت عبد المطلب [ (1) ] ، وأبو ابنتها صفيّا بنت الحارث. والعوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، زوج صفية بعد الحارث بن حرب، وأبو ابنها الزبير بن العوام، رضي اللَّه عنه [ (2) ] .
أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل بناته
أصهاره صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل بناته أبو العاص مهشم وقيل لقيط، وقيل هاشم، وقيل هشم، وقيل مقسم، وقيل القاسم، وصححه الزبير بن بكار، ويعرف بجرو البطحاء، ويقال له: الأوس بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف [بن قصي] [ (1) ] القرشي صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، زوج ابنته زينب أكبر بناته، وابن خالتها. أمه هالة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، أخت خديجة بنت خويلد، رضى اللَّه عنها لأبيها وأمها، شهد بدرا مع كفار قريش، فأسره عبد اللَّه بن جبير بن النعمان الأنصاري، وقيل خراش بن الصمة [ (2) ] ، وقدم أخوه عمرو بن الربيع لفدائه بمال دفعته إليه زينب عليها السلام، ومنه قلادة كانت لخديجة [من جزع ظفار] [ (3) ] أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردّوا الّذي لها فافعلوا، فقالوا: نعم. وكان أبو العاص مؤاخيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، مصافيا له، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكثر غشيانه في منزل أمه هالة، وكان أبو العاص قد أبى أن يطلق زينب إذ سعى إليه المشركون من قريش في ذلك، فشكر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مصاهرته، وأثنى عليه بذلك خيرا، وهاجرت زينب مسلمة، وتركته على شركة، فأقام حتى كان قبيل الفتح، فخرج بتجارة إلى الشام، ومعه أموال لقريش، فلما قفل لقيه زيد بن حارثة وهو على سرية [ (4) ] ، فأسر ممن رافقه
عدة، وأخذ ما معه. وفرّ أبو العاص حتى [دخل] [ (1) ] ذليلا على زينب امرأته فاستجارها [ (2) ] ، وقدم زيد بما معه، فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صلاة الصبح وكبّر فكبّر الناس معه، صرخت زينب: «أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فلما سلّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من صلاته، أقبل على الناس فقال: [أيها الناس] [ (3) ] هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا: نعم، قال: «أما والّذي نفسي بيده، ما علمت بشيء [مما كان] [ (4) ] حتى سمعت ما سمعتم، [المؤمنون يد علي من سواهم، يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت] » [ (5) ] ، ثم انصرف، فدخل على زينب فقال: «أي بنية، أكرمى مثواه، ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له» فقالت: «إنه جاء في طلب ماله» فخرج وبعث في تلك السرية، فاجتمعوا إليه وكانوا سبعين ومائة، فقال لهم: «إن هذا الرجل بنا بحيث علمتم، وقد أصبتم له مالا، وهو فيء أفاءه اللَّه عليكم، وأنا أحب أن تحسنوا وتردوا إليه الّذي له، وإن أبيتم فأنتم أحق به. قالوا: يا رسول اللَّه، بل نردّه إليه، فردوا عليه ماله ما فقد منه شيئا، فاحتمل إلى مكة، فأدّى إلى كل ذي مال من قريش ماله الّذي كان أبضع معه ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه؟ قالوا: جزاك اللَّه خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، واللَّه ما منعني من الإسلام إلا تخوّف أن تظنوا بى
أكل أموالكم، فلما أداها اللَّه إليكم أسلمت. ثم خرج حتى قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسلما وحسن إسلامه، وردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته بالنكاح الأول، بعد ست سنين [ (1) ] ، وقيل: ردها عليه. بنكاح جديد. خرّج الترمذي من حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد، قال أبو عيسى: هذا الحديث في إسناده مقال، وفي الحديث الآخر مقال [ (2) ] . والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، ثم أسلم زوجها وهي في العدة، أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق [ (3) ] . وخرّج أيضا من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ردّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته زينب على أبى العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا. قال أبو عيسى: هذا حديث ليس بإسناده بأس، ولكن لا
نعرف وجه هذا الحديث [ولعله قد جاء هذا من قبل داود بن حصين، من قبل حفظه] [ (1) ] قال: سمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن محمد بن إسحاق هذا الحديث [ (2) ] . وحديث الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ ابنته على أبى العباس بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد. قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسنادا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
خرج الدار قطنى [من] [ (1) ] حديث أبى معاوية، عن الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ردّ ابنته [زينب [ (2) ]] على أبى العاص بن الربيع بنكاح جديد. وقال بعده: هذا لم يثبت، وحجاج لا يحتج به، والصواب حديث ابن عباس. وكذلك رواه مالك عن الزهري في قصة صفوان بن أمية، قال أبو عمر ابن عبد البر: وقد حدّث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: ردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته زينب على أبى العاص بالنكاح الأول لم يحدث شيئا [ (3) ] بعضهم يقول: فيه ثلاث سنين، وبعضهم يقول: ست سنين، وبعضهم يقول: فيه بعد سنتين، وبعضهم لا يقول شيئا في ذلك [ (4) ] .
وهذا الخبر إن صح، فهو متروك منسوخ عند الجميع، لأنهم لا يجيزون رجوعها إليه بعد خروجها من عدتها، وإسلام زينب كان قبل أن ينزل كثير من الفرائض. وروى عن قتادة أن ذلك كان قبل أن تنزل سورة بَراءَةٌ [ (1) ] تقطع العهود بينهم وبين المشركين، وقال الزهري: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض. وروى عنه سفيان بن حسين، أن أبا العاص بن الربيع أسر يوم بدر، فأتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فردّ عليه امرأته، وفي هذا أنه ردّها عليه وهو كافر، فمن هنا قال ابن شهاب: إن ذلك كان قبل أن تنزل الفرائض. وقال آخرون: قصة أبى العاص هذه منسوخة بقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [ (2) ] إلى قوله [تعالى] : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (3) ] ، فربما يدل على أن قصة أبى العاص منسوخة بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [ (4) ] إلى قوله [تعالى] : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (5) ] ، إجماع العلماء أن أبا العاص بن الربيع كان كافرا، وأن المسلمة لا تحل أن تكون زوجة لكافر، قال اللَّه تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [ (6) ] .
وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للملاعن: لا سبيل لك عليها [ (1) ] ، وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: لا يعلو مسلمة مشرك، فإن الإسلام يظهر ولا يظهر عليه. وفي قوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [ (2) ] ما يغنى ويكفى. قال أبو عمر: ولم يختلف أهل السّير أن الآية المذكورة نزلت حين صالح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قريشا على أن يرد عليهم من يجيء بغير إذن وليه، فلما هاجرن أبى اللَّه أن ترددن إلى المشركين إذا امتحنّ محنة الإسلام، وعرف أنهن جئن رغبة في الإسلام. قال: ولم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها عليها إذا كان لم يسلم، إلا شيئا روى عن إبراهيم النخعي، شذّ فيه عن جماعة العلماء، ولم يتابعه أحد من الفقهاء، إلا بعض أهل الظاهر فإنه قال: وقد قال أكثر أصحابنا: لا ينفسخ النكاح بتقديم إسلام الزوجة، إلا بمضى مدة يتفق الجميع على فسخه لصحة وقوعه في حلة، واحتج بحديث ابن عباس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ردّ زينب على أبى العاص بالنكاح الأول بعد مضى سنين لهجرتها، وأظنه مال فيه إلى قصة أبى العاص، وقصة أبى العاص لا تخلو من أن يكون أبو العاص كافرا، إذ ردّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ابنته زينب على النكاح الأول، أو مسلما. فإن كان كافرا، فهذا ما لا شك فيه، إن كان قبل نزول الفرائض وأحكام
الإسلام في النكاح، إذ في القرآن والسنة والإجماع تحريم خروج المسلمات على الكفار، فلا وجه هاهنا للإكثار. وإن كان مسلما، فلا يخلو من أن تكون [زينب] حاملا فتمادى حملها فلم تضعه حتى أسلم زوجها، فرده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليها في عدتها، وهذا لم ينتقل في خبر. أو تكون قد خرجت من العدة، فيكون أيضا ذلك منسوخا بالإجماع، لأنهم قد أجمعوا أنه لا سبيل إليها بعد العدة، لأنّا ذكرنا في شذوذ النخعي وبعض أهل الظاهر وكيف كان ذلك. فخبر ابن عباس في ردّ أبى العاص إلى زينب خبر متروك، ولا يجوز العمل به عند الجميع، فاستغنى عن القول فيه. وقد يحتمل قوله: «على النكاح الأول» ، يريد على مثل النكاح الأول من الصداق، على أنه قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رد زينب على أبى العاص بنكاح جديد، وكذلك يقول الشعبي على علمه بالمغازى، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لم يرد أبا العاص إلى ابنته زينب إلا بنكاح جديد، وهذا يعضده الأصول. قال كاتبه [رحمه اللَّه] [ (1) ] : لم أدر ما هذا الّذي عناه أبو عمر من أهل الظاهر، وليس هو ابن حزم [الظاهري] ، فإن مذهبه أنّ تقدم إسلام المرأة على إسلام الرجل يفسخ نكاحها منه، ولا سبيل له عليها إلا بنكاح جديد وبرضاها، واللَّه أعلم. وتوفى أبو العاص في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة، وترك من زينب عليا وأمامة، أوصى بهما إلى الزبير بن العوام بن خويلد بن عبد العزى رضى اللَّه
عنه، وهو ابن عمه. وترك أيضا مريم، وأمها فاختة بنت سعيد بن أبى أحيحة بن العاص، تزوج بها محمد بن عبد الرحمن بن عوف، فولدت له القاسم. وقد انقرض عقب أبى العاص، وكان أحد رجالات قريش، أمانة وحالا [ (1) ] . وعقبة بن أبى لهب، زوج رقية ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل بنت حرب بفراقها، وقالت له: طلقها حتى تشغله عياله عما يدعو إليه، فطلقها، فخلف عليها عثمان بن عفان- وهو ابن عمة أبيها- فولدت له عبد الرحمن بن عثمان [ (2) ] .
ومعتّب [ (1) ] بن أبى لهب، زوج أم كلثوم بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن عم أبيها، أمرته أمه أم جميل [بنت حرب] بطلاقها فطلقها، وخلف عليها عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بعد موت أختها رقية فلم تلد له شيئا [ (2) ] . وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، زوج فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وابن عم أبيها، وأبو ابنها الحسن والحسين، وأبو ابنتيها زينب وأم كلثوم، فتزوج أمامة بنت زينب من أبى العاص عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه،
فولدت له محمد الأوسط، ثم خلف عليها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، فولدت له يحيى [وبه يكنى] [ (1) ] وتزوج بأم كلثوم ابنة فاطمة عليها السلام من على بن ابى طالب رضى اللَّه عنه، عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فولدت له زيدا ورقية، ولم يعقبا، وتزوج زينب ابنة فاطمة عليها السلام من على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه. [و] عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب القرشي الهاشمي أبو جعفر، ولدته أسماء بنت عميس بأرض الحبشة، وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه إلى المدينة، فكان جوادا كأبيه، وكان يسمى البحر، ولم يكن في الإسلام أسخى منه، ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحفظ عنه أخبارا كثيرة جدا، توفى بالمدينة سنة ثمانين عن تسعين سنة، وقيل: مات سنة أربع أو خمس وثمانين [ (2) ] ، وصلى عليه أبان بن عثمان أمير المدينة، وكان مع عظم جوده ظريفا حليما عفيفا، لا يرى بسماع الغناء بأسا، خرّج أحاديثه الجماعة [ (3) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث يحيى عن أبى سلمة عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يزوّج [شيئا] من بناته جلس إلى خدرها فقال: إن فلانا يذكر فلانة [يسميها] ، ويسمى الرجل الّذي يذكرها، فإن هي سكتت زوجها، وإن كرهت نقرت الستر، فإذا [نقرته] لم يزوجها [ (1) ] .
فصل في ذكر من كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولاد نسائه
فصل في ذكر من كان في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أولاد نسائه اعلم أن الربيبة بنت زوج الرجل من غيره، وتجمع على ربائب سميت بذلك لأنه يربيها [ (1) ] في حجرة، فهي مربوبة، فعيلة بمعنى مفعولة. والربيب: ابن امرأة الرجل من غيره، يقال: ربّ الصبىّ يربه ربّا وربّبه تربّة، وترببه، وارتبّه وربّاه، تربية، وتربّاه: أحسن القيام عليه، ووليه حتى يفارق الطفولة، سواء كان ابنه أو لم يكن. وربيته لغة والرابّ: زوج الأم. فزينب بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل خديجة رضى اللَّه عنها [ (2) ] . [و] هند بن أبى هالة، شماس، وقيل: نبّاش، وقيل: مالك بن نباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غوىّ بن جزرة بن أسيد بن عمرو ابن تميم، حليف بنى عبد الدار بن قصي الأسديّ التميمي، أمه خديجة
بنت خويلد، خلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو أخو زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء لأمهنّ، وكان فصيحا بليغا وصّافا، وصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأحسن وأتقن، بحيث شرح أبو عبيد القاسم بن سلام وأبو محمد بن قتيبة وصفه، لما فيه من الفصاحة وفوائد اللغة. وتوفى قتيلا يوم الجمل مع على رضى اللَّه عنه، فإنه خال ابنيه الحسن والحسين [ (1) ] ، وقتل ابنه هند بن هند مع مصعب بن الزبير، وهو ابن خاله،
وقيل: مات بالبصرة في الطاعون [ (1) ] . والحارث بن أبى هالة أول من قتل في اللَّه في الإسلام، صلى عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تحت الركن اليماني، وقتل قاتله صفوان بن مالك بن صفوان بن غذي ابن الأخرس بن الحارث بن جردة، فكان صفوان أول قاتل قتل في اللَّه بعد الهجرة [ (2) ] .
وهالة بنت أبى هالة [ (1) ] ، وأم محمد بنت عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] ، أمها خديجة بنت خويلد، تزوجها ابن عم لها يقال له: صيفي بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد اللَّه. وسلمة بن أبى سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشي، ربيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمه أم سلمة، وهو أيضا ابن ابن عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، لأن أباه أبا سلمة، أمه برّة بنت حمزة بن عبد المطلب، وعاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان [ (3) ] . وعمرو بن أبى سلمة أبو حفص، ربيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة لأنها أمه، وهو أيضا ابن ابن عمته برّة، وابن ابن أخيه من الرضاعة، وولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وقيل: كان له من العمر يوم قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسع سنين، وشهد [يوم] الجمل مع ابن خال أبيه عليّ
ابن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] ، واستعمله على فارس وعلى البحرين، وتوفى بالمدينة سنة ثلاث وثمانين [ (1) ] . ودرّة بنت أبى سلمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمها أم سلمة، وابنة ابن عمته برّة، وابنة أخته من الرضاعة [ (2) ] .
وزينب بنت أبى سلمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أم سلمة، كان اسمها برّة، فسماها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زينب، ولدتها أمها بأرض الحبشة، وقدمت بها، وحفظت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ودخلت عليه وهو يغتسل فنضح في وجهها، فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كبرت وعجزت، وتزوجها عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فولدت له، وكانت من أفقه نساء زمانها، وقتل ابناها يوم الحرّة فاسترجعت [ (1) ] .
وحبيبة بنت عبيد اللَّه بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غانم بن ودان بن أسد بن خزيمة، ربيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قبل أمها أم حبيبة، نفيلة بنت أبى سفيان، أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، وابنة ابن عمته أميمة بنت عبد المطلب [ (1) ] . وشريك بن أبى العكر بن سميّ، حليف بنى عامر بن لؤيّ. قال ابن الكلبي: تزوج أبو العكر أم شريك من بنى عامر، فولدت له شريك، ثم خلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
فصل في ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الرجال نحو السبعين، ومن الإماء نحو العشرة، وذكر سيف بن عمر عن سهل بن يوسف عن أبيه عن جده قال: أعتق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه أربعين نفسا: زيد بن حارثة بن شراحبيل بن كعب بن عبد العزى بن امرئ القيس ابن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن كنانة بكر بن عوف بن عذرة ابن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير ابن سبإ يشجب بن يعرب بن قحطان، أبو أسامة الكلبي، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحيد أمه سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت بن سليلة من بنى معن من طى. خرجت تزور قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر بن [شيع] بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان، في الجاهلية ومرّوا على أبيات بنى معن- رهط أم زيد- فاحتملوا زيدا وهو غلام يفعة، فوافوا به سوق عكاظ، وقيل سوق حباشة، وزيد يومئذ ابن ثمانية أعوام، فعرضوه للبيع، فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم، ويقال: بستمائة درهم، وقيل: اشتراه حكيم، ثم وهبه لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهبته له فقبضه وتبناه، ويقال: بل اشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الشام لخديجة حين توجّه مع ميسرة قيّمها، فوهبته له.
وزعم أبو عبيدة أن زيد بن حارثة لم يكن اسمه زيدا، لكن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سمّاه باسم جده [] [ (1) ] حتى يتبنّاه. وفي مصنف أبى بكر بن أبى شيبة: حدثنا أبو أسامة، حدثنا عبد الملك، حدثنا أبو فزارة قال: أبصر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة، قد أوقفه قومه بالبطحاء يبيعونه، فأتى خديجة فقال: رأيت غلاما بالبطحاء، قد أوقفوه ليبيعوه، ولو كان لي ثمنه لاشتريته، قالت: وكم ثمنه؟ قال: سبعمائة درهم، قالت: خذ سبعمائة [درهم] [ (2) ] واذهب فاشتره، فاشتراه، فجاء به إليها [وقال] [ (3) ] : أما إنه لو كان لي لأعتقته، قالت: هو لك، فأعتقه [ (4) ] . وكان أبو زيد لما فقده قال شعرا يبكيه به: بكيت على زيد ولم أدر فأفعل ... أحىّ فيرجى أم أتى دونه الأجل؟ فو اللَّه ما أدرى وإن كنت سائلا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل؟ فيا ليت شعرى هل لك الدهر رجعة؟ ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطّفل وإن هبت الأرواح هيّجن ذكره ... فيا طول ما حزني عليه ويا وجل سأعمل نصّ العيس في الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل [ (1) ] حياتي أو تأتى عليّ منيّتى ... وكل امرئ فان وإن غرّه الأمل وأوصى به عمرا وقيسا كليهما ... وأوصى يزيدا ثم من بعده جبل يعنى يزيد بن كعب وهو ابن عم زيد وأخوه لأمه، ويعنى بجبل جبلة ابن حارثة أخا زيد، وكان أسنّ منه، فاتفق أن قوما من كلب حجوا فرأوا زيد بن حارثة فعرفهم وعرفوه، فقال لهم: أبلغوا أهلي هذه الأبيات، فإنّي أعلم أنهم قد جزعوا عليّ، وهي: ألكنى [ (2) ] إلى قومي وإن كنت نائيا ... فإنّي قطين [ (3) ] البيت عند المشاعر
فكفوا عن الوجد الّذي قد شجاكم ... ولا تعملوا في الأرض نصّ الأباعر فإنّي بحمد اللَّه في خير أسرة ... كرام معدّ كابرا بعد كابر فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال: ابني ورب الكعبة! ووصفوا له موضعه وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل لفدائه، وقدما مكة، فسألا عن النبي، فقيل: فهو في المسجد، فدخلا عليه فقالا: [يا ابن عبد اللَّه] [ (1) ] ، يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم اللَّه وجيرانه تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه، [فإنا سنرفع لك في الفداء] قال: من هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] : فهلا غير ذلك؟ قالوا: وما هو؟ قال: ادعوه فأخيّره، فإن اختاركم فهو لكم [بغير فداء] ، وإن اختارني فو اللَّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني [أحدا] ، قالا: قد زدتنا على النّصف، وأحسنت، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هذا؟ قال: هذا أبى، وهذا عمى، قال: فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك، فاخترنى واخترهما، [فقال زيد] : ما أنا بالذي اختار عليك أحدا، أنت منى [مكان] الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد! أختار العبوديّة على الحرية، وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك! قال: نعم، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا.
فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال: يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرفا، ودعي زيد بن محمد حتى جاء اللَّه بالإسلام، [فأنزل اللَّه جل جلاله: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (1) ] ، وقال: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [ (2) ] ، فدعى يومئذ زيد بن حارثة، ودعي الأدعياء إلى آبائهم، [فدعى المقداد إلى عمرو، وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود، وكان الأسود بن عبد يغوث الزهري قد تبناه] [ (3) ] . قال الزهري: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة، وقد روى من وجوه أن أول من أسلم خديجة، وهو الحق، وشهد زيد بدرا، وزوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة بن زيد، وبه كان يكنى، وكان يقال لزيد حبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أكبر منه بعشر سنين، ويقال بعشرين سنة، وزوّجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بزينب بنت جحش، ثم طلقها زيد فخلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فتكلم المنافقون وطعنوا في ذلك وقالوا: محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امرأة ابنه، فأنزل اللَّه تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [ (4) ] ، ونزلت ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [ (5) ] .
وتزوج زيد بأم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط [ (1) ] ، وأمها أروى بنت كريز بن ربيعة، وأمها أم حكيم [وهي] البيضاء بنت عبد المطلب [بن هاشم] كما هاجرت [إلى المدينة] ، فولدت له زيد [بن زيد] ورقية، مات زيد صغيرا، وماتت رقية في حجر عثمان رضى اللَّه عنها. وطلق زيد بن حارثة أم كلثوم، فخلف عليها عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه، ثم الزبير بن العوام، ثم عمرو بن العاص. وتزوج زيد أيضا بدرّة بنت أبى لهب [ثم طلقها] ، وبهند بنت العوام. ولما هاجر زيد نزل على كلثوم بن الهدم [ (2) ] ، ويقال على سعد بن خيثمة، وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين حمزة [بن عبد المطلب] ، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين أراد القتال، وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينه وبين أسيد بن حضير. وقالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمّره عليه، وإن بقي بعده استخلفه على المدينة. وقال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع غزوات، ومع زيد ابن حارثة تسع غزوات، يؤمره فيها علينا. استشهد يوم مؤتة سنة ثمان وهو أمير وله خمسون سنة، وكان قصيرا آدم شديد الأدمة، في أنفه فطس، وفضائله كثيرة، رضى اللَّه عنه [ (3) ] .
وأسامة بن زيد بن حارثة الكلبي أبو زيد، وقيل أبو خارجة، وقيل أبو محمد، الحبّ ابن الحبّ، أمه أم أيمن بركة، مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وحاضنته، وكانت سنة يوم توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشرين سنة، وقيل: تسع عشرة، وقيل: ثمان عشرة، وسكن وادي القرى، وفرض له عمر خمسة آلاف، وتوفى سنة ثمان أو تسع وخمسين، وقيل سنة أربع وخمسين. قال عبد الرازق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: كان أسامة بن زيد يخاطب بالأمير حتى مات. يقولون بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) : حدثنا ابن لهيعة، [قال] : أخبرنى أبو الأسود قال: لما قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مكة عام الفتح، وأسامة بن زيد ردفه، وعليه حلة ذي يزن، عجبت قريش وقالوا: أسامة رديف الملك وعليه حلة ذي يزن، فقال أسامة: ما تعجبون من حلة ذي يزن، فو اللَّه لأنا خير منه، ولأبى خير من أبيه [ (1) ] .
وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا شريك عن العباس بن دويح، عن البهي، عن عائشة قال:: عثر أسامة بعتبة الباب، فشج في وجهه، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أميطى عنه الأذى، فقذرته، فجعل يمص الدم ويمجّه عن وجهه [وقال:] ، لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه [ (1) ] . وأبو رافع أسلم، وقيل إبراهيم وقيل: هرمز، [وقيل: ثابت] ، وأسلم أشهرها، كان قبطيا، وكان للعباس بن عبد المطلب، فوهبه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما بشّره بإظهار العباس إسلامه أعتقه. وقال ابن وهب: أخبرنى عمرو بن الحارث [عن بكير بن] [ (2) ] عبد اللَّه بن الأشج ليحدثه أن الحسن بن على بن أبى رافع أخبره عن أبيه، أنه أقبل بكتاب قريش إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فلما رأيته ألقى في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول اللَّه! إني واللَّه لا أرجع إليهم أبدا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الّذي في قلبك الآن فارجع، قال: فرجعت إليهم، ثم أقبلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
[فأسلمت] [ (1) ] خرّجه ابن حبّان [ (2) ] . وقال بكير: وأخبرنى أن أبا رافع كان قبطيا، وهو الّذي توجّه مع زيد بن حارثة من المدينة لحمل عيال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما هاجر، وهو الّذي عمل المنبر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أثل الغابة، وتزوج سلمى مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم التي ورثها من أمه فولدت له عبيد اللَّه بن أبى رافع، كاتب على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه. ورافع هو الّذي بشّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بولادة إبراهيم عليه السّلام، فوهب له غلاما، وهو الّذي توجّه مع رجل من الأنصار ليخطبا ميمونة بنت الحارث على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن إسحاق عن حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كنت غلاما للعباس، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم، فكان يكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرق في قومه، فلما جاء مصاب أهل بدر
وجدنا في أنفسنا عزاء وقوة، وكان ضعيفا أعمل الأقداح واجتهد في حجرة زمزم خشيت أنا أن أخسر أقداحى وعندي أم الفضل جالسة، وقد سررنا بما جاءنا من خبر أهل بدر، إذ قتل الفاسق أبو لهب، فجلس ووافى أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فقال أبو لهب: إليّ يا ابن أخى، ما خبر الناس [ (1) ] ؟ فقال: ما هو إلا أن لقيناهم حتى منحناهم أكتافنا، ولقينا رجال [ (2) ] على خيل بلق، فقلت: تلك الملائكة، فلطمني أبو لهب لطمة شديدة، وثاورته [ (3) ] فضرب بى الأرض، فقالت له أم الفضل: أراك استضعفته إذ غاب سيده، وأخذت شيئا فشجّته [ (4) ] ، فقام ذليلا، فو اللَّه ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه اللَّه بالعدسة [ (5) ] فقتله، ولقد ترك حتى أبين، وعذل ابناه في ذلك، فصبا عليه الماء ومات، ودفن بأعلى مكة إلى جدار، وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه بها [من خلف الحائط] [ (6) ] . وقد شهد أبو رافع أحدا وما بعدها، وله عدة أحاديث، خرّج له الجماعة، ومات قبل قتل عثمان رضى اللَّه عنه بقليل، وقيل مات في خلافة
على رضى اللَّه عنه، وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن: حدثني عبيد اللَّه أن أبا رافع وهو رويفع، كان لسعيد بن العاص أبى أحيحة، فورثه عنه بنوه وهم ثمانية، وقبل عشرة، فأعتقهم كلهم إلا واحدا، يقال إنه خالد بن سعيد تمسك بنصيبه منه، وقد قيل إنما أعتق منهم ثلاثة، واستمسك بعض القوم بحقهم منه، فأتى رافع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستعينه على من لم يعتقه منهم، فكلمهم فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فوهبوه له فأعتقه. وقيل: إن الّذي [تمسك بنصيبه] من أبى رافع هو خالد بن سعيد بن العاص وحده، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعتق إن شئت نصيبك، قال: ما أنا بفاعل، قال: فبعه قال: ولا، قال: فهبه لي، قال: ولا، قال: فأنت على حقك منه، فلبث ما شاء اللَّه، ثم أتى خالد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: قد وهبت ذلك بعد قبول الهبة [ (1) ] . وكان رافع يقول: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: إنه [ما] [ (2) ] كان لسعيد بن العاس [إلا] [ (2) ] سهما واحدا، فاشترى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك السهم فأعتقه. ويقال أبتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويقال: لما ولى عمرو بن سعيد الأسدي المدينة، دعي رافعا، فلما أتاه قال: مولى من أنت؟ قال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فضربه مائة سوط، ثم قال له: مولى من أنت؟ قال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضربه مائة سوط أخرى، ثم قال له: مولى من أنت؟ قال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضربه مائة سوط ثالثة، فلما رأى أنه لا يرفع عنه
الضرب، قال له: مولى من أنت؟ قال مولاك [ (1) ] . وقد جعل أبو عمر يوسف بن عبد البر رافعا هو أبو رافع، وذكر الاختلاف فيه، هل كان للعباس أو لسعيد بن العاص، وما في ملك سعيد من الاختلاف، ثم قال: وهذا اضطراب كبير في ملك سعيد بن العاص وولايته، ولا يثبت من جهة النقل [ (2) ] . [وما روى أنه كان للعباس، فوهبه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم أولى وأصح إن شاء اللَّه تعالى لأنهم قد أجمعوا أنه مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولا يختلفون في ذلك، وعقب أبى رافع أشراف بالمدينة وغيرها عند الناس، وزوجه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سلمى مولاته، فولدت له عبيد اللَّه بن أبى رافع، وكانت سلمى قابلة إبراهيم بن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وشهدت معه خيبر، وكان عبيد اللَّه بن أبى رافع خازنا وكاتبا لعلى رضى اللَّه عنه، وشهد أبو رافع أحدا والخندق وما بعدهما من المشاهد، ولم يشهد بدرا، وإسلامه قبل بدر، إلا أنه كان مقيما بمكة، وكان قبطيا، ومات في خلافة عثمان رضى اللَّه عنه] [ (3) ] .
وأبو أنسه [ (1) ] ، أبو مشرّح [ (2) ] ، من مولّدى السراة فأعتقه [ (3) ] ، وكان يحاذي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا جلس، وهو مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان [يدعوه] بعضهم بأبي مسروح، وذكر فيمن شهد بدرا [ (4) ] ، وسماه بعضهم أبو أنسة، وأنه استشهد يوم بدر، ولم يعرف قاتله [ (5) ] . وقال الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، وأنه قد شهد يوم أحد، وبقي بعد ذلك، وتوفّى في خلافة أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (6) ] . [و] أبو كبشة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال العسكري: اسمه قيلاوس، وقال ابن حبان: يقال اسمه سلمة، ويقال: أوس، وهو الصحيح- انتهى.
وقيل اسمه سليم، كان من مولدي أرض دوس، وقيل: من مولدي مكة، وقيل: من فارس، ابتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، وشهد بدرا وما بعدها، ونزل لما هاجر على كلثوم بن الهدم، ويقال على سعد بن خيثمة [ (1) ] . وتوفّي في أول يوم من خلافة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، [و] قيل: يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وقيل: مات سنة ثلاث عشرة، وذلك يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الأولى [ (2) ] .
وصالح بن عدي شقران، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان عبدا حبشيا لعبد الرحمن بن عوف، فوهب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وقيل: بل اشتراه منه وأعتقه، وقيل: ورثه من أبيه فأعتقه بعد بدر. وشهد بدرا وهو مملوك فاستعمله على الأسرى، ولم يسهم له، فأحذاه كل رجل له أسير، فأصاب أكثر مما أصابه رجل من القوم من القسم. واستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على جميع ما وجد في رحال أهل المريسيع من رثة المتاع والسلاح والنعم والشاء، وجمع الذرية ناحية، وسأل أهل المريسيع كيف وجدتم شقران؟ فقالوا: أشبع بطوننا، وشدّ وثاقنا، وأوصى به عند موته، وكان فيمن حضر غسله عند موته، ونزل في قبره صلّى اللَّه عليه وسلم. ولأبى شقران يقول عمر رضى اللَّه عنه حين وجهه إلى أبى موسى الأشعري: وقد وجهت إليك عبد الرحمن بن صالح، الرجل الصالح شقران، فاعرف له مكان ابنه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وتوفى شقران في خلافة عمر رضى اللَّه عنه [ (1) ] . يسار مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، في غزاة قراره الكدر، لما انصرف وقد ظفر حتى إذا صلّى الصبح إذا هو بيسار فرآه يصلّى، فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم، فقالوا: يا رسول اللَّه، إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعا، فإن فينا من يضعف عن حقله الّذي يصير له، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: اقتسموا، فقالوا: يا رسول اللَّه، إن كان أنابك العبد الّذي رأيته يصلّى، فنحن نعطيكه في
سهمك، فقال: قد طبتم به نفسا؟ قالوا: نعم، فقبله وأعتقه، وارتحل وقدم المدينة، فجعله في لقاحه يرعاها، فأغار عليها قوم من عرينة، ويقال: من عكل، فأخذوا يسارا فغرزوا الشوك في عينيه ولسانه، وقطعوا يديه ورجليه حتى مات، وأدخل المدينة ميتا، وهربوا بالسرح فأدركوا، وذلك في سنه ست [ (1) ] ، وقال الكلبي: أصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسارا في غزاة بنى ثعلبة بن سعد فأعتقه [ (2) ] . [و] فضالة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يماني نزل الشام فولد بها. قاله الواقدي، وقال الهيثم: لم يكن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مولى يقال له فضالة [ (3) ] . [و] سفينة، واسمه مفلح، وقيل: مهران بن فرّوخ، وقيل: نجران، وقيل:
قيس، وقيل: رومان، وقيل: رباح، وقيل: أحمد، وقيل: طهمان، وقيل: سفينة بن مارفنة، ويقال: عمر أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البختري [ (1) ] . كان من مولدي الأعراب، وقيل: من أبناء دارين، مولى أم سلمة [رضى اللَّه عنها] ، وقيل: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أعتقه عليه السّلام، وقيل: أعتقته أم سلمة، واشترطت عليه خدمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما عاش، وقيل: وهبته للنّبيّ عليه السّلام فأعتقه [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث عبد الوارث بن سعيد، حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال: قالت لي أم سلمة [رضى اللَّه عنها] : أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت، قال: قلت: لو أنك لم تشترطى عليّ ما فارقت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت، قال: فأعتقتني، واشترطت عليّ أن أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما عشت [ (3) ] . وقال ابن عبد البر: مهران مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو غير سفينة عند أكثرهم، وقال سعيد بن جمهان [ (4) ] عن سفينة: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أبسط كساءك، فقال للقوم: أطرحوا أمتعتكم فيه، ثم قال: احمل فإنما
أنت سفينة، قال: فلو كان وقر بعير، أو بعيرين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة لحملته [ (1) ] . وفي رواية: سماني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سفينة، وذلك أنى خرجت معه ومع أصحابه يمشون، فثقل عليهم متاعهم، فحملوه عليّ، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: احمل فإنما أنت سفينة، فلو حملت يومئذ وقر بعير ما ثقل عليّ، وكان يسكن بطن نخلة، مات بعد السبعين [ (2) ] . [و] ثوبان بن بجدد، ويقال: ابن جحدر أبو عبد اللَّه، ويقال: أبو عبد الرحمن، من أهل السّراة، وهو موضع بين مكة واليمن. وقيل: إنه من حمير، وقيل: إنه حكمىّ من حكم بن سعد العشيرة، أصابه سبيا فاشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، ولم يزل معه حضرا وسفرا، إلى أن توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرج إلى الشام ونزل الرملة، ثم انتقل إلى حمص، وتوفى بها سنة أربع وخمسين، وله أحاديث، خرّج له مسلم وأصحاب السنن [ (3) ] . [و] أنجشة العبد الأسود، وقيل كان حبشيا يكنى أبا حارثة، كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عام حجة الوداع، وكان حسن الحداء، وكانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه، فقال له عليه السّلام: رويدا يا أنجشة، رفقا بالقوارير يعنى النساء. عدّه البلاذري من موالي رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . [و] أبو لبابة، واسمه زيد بن المنذر من بنى قريظة، أبتاعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو مكاتب فأعتقه، وهو الّذي روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «من قال أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه [غفرت له ذنوبه] ولو كان فرّ من الزحف» [ (2) ] أخرجه أبو داود [ (3) ] . وابنه يسار بن زيد يروى عن أبيه زيد، وعنه ابنه بلال بن يسار، ذكر ابن حبان [أبا] لبابة هذا في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: أبو لبابة مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مذكور في مواليه [ (4) ] . وأبو لقيط، ذكره بعضهم في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ابن عبد البر: لا أعرفه [ (5) ] .
[و] أبو مويهبة، وهو أبو موهبة، من مولدي مزينة، اشتراه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأعتقه، وشهد المريسيع، وكان يقود بعائشة رضى اللَّه عنها بعيرها، قال ابن عبد البر: لا يوقف له على اسم، حديثه حسن في استغفار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل البقيع، واختياره لقاء ربه [ (1) ] . [و] مدعم، غلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، من مولدي حمير، ويكنى أبا سلام، ويقال: إن أبا سلام غيره، وكان مدعم من هدية فروة بن عمرو الجذامىّ، ويقال: من هدية رفاعة بن زيد [بن وهب] [ (2) ] الجذامي، أصابه سهم غرب بوادي القرى وهو يحط رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: مدعم العبد الأسود، خبره مشهور بخيبر، ويوم خيبر قتل شهيدا، قيل إنه كان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأن الّذي أهداه له رفاعة بن زيد بن وهب الجذامىّ، أصابه سهم غرب فقتله. حديثه عند مالك وغيره. وقيل: إن العبد الأسود غير مدعم، كذا قال ابن عبد البر، وكلاهما قتل بخيبر. وقال الواقدي في (مغازية) : وكان رجل أسود مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمسك دابته عند القتال، يقال له كركرة، فقتل يومئذ، يعنى يوم خيبر، فقيل: يا رسول اللَّه: استشهد كركرة، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلّها.
وقال في مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى وادي القرى: فكان أبو هريرة يحدث قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي قد وهب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبدا أسودا يقال له: مدعم، وكان يرحل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما نزلنا بوادي القرى، انتهينا إلى يهود وقد ضوى إليها ناس من العرب، فبينا مدعم يحط رحل النبي عليه السلام، وقد استقبلنا يهود بالرمي، حيث نزلنا، ولم نكن على تعبئة، وهم يصيحون في آطامهم. فيقبل سهم غائر فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كلا والّذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم يصبها المقسم تشتعل عليه نارا، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشراك [ (1) ] أو شراكين، فقال النبي عليه السّلام: شراك [من نار] ، أو شراكان من نار. فقد بين الواقدي أنهما اثنان، أحدهما كركرة، وهو الّذي قتل بخيبر، والآخر مدعم، وهو الّذي قتل بوادي القرى [ (2) ] . وكركرة غلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال ابن عبد البرّ: مدعم العبد الأسود، خبره مشهور بخيبر، ويوم خيبر قتل شهيدا، قيل إنه كان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال البلاذري: أهدى إليه فأعتقه، ويقال: مات على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو مملوك [ (3) ] .
وقال البخاري في كتاب الجهاد من (الصحيح) : حدثنا على بن عبد اللَّه، حدثنا سفيان عن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجل يقال له: كركرة فمات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها [ (1) ] . وقد ذكر البخاري في كتاب [المغازي] [ (2) ] ، في غزوة خيبر من عدة طرق عن أبى هريرة، أن مدعما قتل بوادي القرى [ (3) ] ، كما ذكر الواقدي [ (4) ] . وذكره أبو داود أيضا في سننه [ (5) ] ، ولم يذكر أبو عمر بن عبد البر كركرة في كتاب (الأصحاب) ، وهو أحفظ الناس لصحيح البخاري، وأعرفهم ب (مغازي الواقدي) ، غير أن الإحاطة ممتنعة إلا على اللَّه الّذي أحاط بكل شيء علما. وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر كركرة في الموالي [ (6) ] . [و] أبو ضمرة، وهو ابن ضميرة، قال البخاري: اسمه سعد الحميرىّ من آل ذي يزن. وقال أبو حاتم فيه: سعيد الحميرىّ، وقيل: اسمه روح بن
سندرة، وقيل: روح بن شيرزاد، وقيل: سمه إسماعيل بن أبى أويس، والأول أصح. وهو من العرب، ممن أفاء اللَّه على رسوله فأعتقهم، ثم خيّر أبا ضمرة أن يقيم معه أو يلحق بقومه، فاختار المقام، فكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل بيته كتابا بأن يحفظهم كل من لقيهم من المسلمين، فذكروا أن لصوصا لقوا قوما منهم، فأخرجوا كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يعرضوا لهم. ووفد حسين بن [عبد] [ (1) ] اللَّه بن ضميرة على المهدي بن أبى جعفر المنصور، وجامعه بهذا الكتاب، فأخذه المهدي، وقبّله، ووضعه على عينيه، وأعطى حسينا ثلاثمائة دينار، ويقال: خمسمائة دينار [ (2) ] . وقال ابن الكلبي: كان لعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه غلام يكنى أبا ضمرة، وليس هو هذا [ (3) ] . [و] رباح، أبو أيمن، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو أسود، كان يؤذن على النبي عليه السّلام أحيانا إذا انفرد، وله ذكر في حديث الإيلاء، قال البلاذري: ثم صيّره مكان يسار حين قتل، وكان يقوم بأمر لقاحه عليه السلام [ (4) ] .
[و] هشام، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم راوي حديث [ (1) ] : إن لي امرأة لا تدفع كفّ لامس [ (2) ] . [و] أبو هند، قيل اسمه عبد اللَّه، مولى فروة بن عمرو البياضي، كان حجام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال فيه: إنما أبو هند [ (3) ] رجل من الأنصار فأنكحوا وأنكحوا إليه [يا بنى بياضة] [ (4) ] ففعلوا، ولم يشهد بدرا، وشهد ما بعدها، ولقي النبي عليه السّلام بعرق الظبية بحميت مملوء حيسا [ (5) ] . قال البلاذري: وقال قوم: وهب بنو بياضة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولاء أبى هند [ (6) ] . وأيمن بن عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم، وهو الجبليّ بن غنم بن عوف بن الخزرج، وهو أيمن بن أم أيمن، مولاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخو أسامة بن زيد بن حارثة لأمه، عدّة ابن عساكر في موالي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال فيه ابن عبد البر: أيمن بن عبيد الحبشي، ونسبه البلاذري كما ذكرنا، وثبت أيمن يوم حنين فيمن ثبت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وذكره ابن إسحاق في من استشهد يومئذ [ (1) ] . وحنين، كان عبدا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم يخدمه، وإذا توضّأ أخرج وضوءه إلى أصحابه، وكانوا إما شربوه وإما مسحوا به، فحبس الوضوء فكان لا يخرج به إليهم، فشكوه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال [حنين] [ (2) ] حبسته عندي فجعلته في جرّ، فإذا أعطشت شربته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا؟. ثم وهبه لعمه العباس رضى اللَّه عنه فأعتقه، وقد قيل: إنه مولى على بن أبى طالب [ (3) ] . [و] ضميرة بن أبى ضميرة، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، له ولأبيه أبى ضمرة صحبة، ويروى أن ضميرة أصابه سبيا، فمرّ النبي عليه السّلام بأمه وهي تبكى فقال: ما يبكيك؟ أضائقة أنت؟ أعارية أنت؟ فقالت: فرّق بيني وبين ابني، فابتاعه منه ببكر وقال: لا تفرق بين الوالدة وولدها، ثم أرسل إلى الّذي عنده ضميرة فدعاه، فابتاعه منه ببكر وأعتقه [ (4) ] .
وطهمان، وقيل: مهران، وقيل: ميمون، وقيل باذام، وقيل: كيسان، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، اختلف فيه على عطاء بن السائب، فقيل: كيسان، وقيل: مهران، وقيل: طهمان، وقيل: ذكوان، كل ذلك في حديث تحريم الصدقة على آل النبي عليه السّلام [ (1) ] .
وعبيد، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم روى عنه سليمان التيمي ولم يسمع منه، بينهما رجل، وله حديث هل كان يأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بصلاة غير المكتوبة، قال صلاة بين المغرب والعشاء، وحديث اللتين اغتابتا، فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: قيئا، فقاءتا قيحا ودما ولحما عبيطا [ (1) ] ، ويقال: فيه عبد بن عبد الغفار. وقفيز [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] . ومأبور، القبطي الخصىّ، ابن عم مارية، أهداه المقوقس لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو ومارية، وسيرين، في أشياء غير ذلك، ويقال: اسمه سمهورس، أسلم بعد قدومه بالمدينة، ومات بها سنه ستين، ودفن بالبقيع، وقد شاخ، وهو
الّذي كان يتّهم بمارية، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يضرب عنقه، فوجد مجبوب الذكر [ليس له ذكر] ، فكف عنه، ومن حينئذ عرف أنه خصىّ [ (1) ] . ونافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، له حديث: لا يدخل الجنة شيخ زان ولا مستكبر ولا منان على اللَّه بعمله، روى عنه خالد بن أبى أمية [ (2) ] . وأبو بكرة، نفيع بن مسروح، ويقال: نفيع بن الحارث بن كلده بن عمرو ابن علاج بن أبى سلمة بن عبد العزى بن عبد عوف بن قسى، وهو ثقيف، وأمه سمية جارية الحارث بن كلده، وكان من عبيد الحارث، وهو أخو زياد بن أبيه لأمه سمية، وكان أبو بكرة يقول: أنا مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويأبى أن ينتسب ويقول: أنا من إخوانكم في الدين، فإن أبى الناس إلا أن ينسبونى، فأنا نفيع بن مسروح، وأرادوه على الدعوى فأبى، وقال لبنيه عند الموت: أبى مسروح الحبشي. ويقال: إن سمية كانت من أهل زندورد من كسكر، يقال لها يا سيج، سرقها الكوّاء اليشكربى، أبو عبد اللَّه بن الكوّاء فخرج إلى الطائف فأتى الحارث بن كلدة، وكان طبيب العرب، فداواه فبرأ، فوهب له سمية. ويقال إنها كانت أمة لدهقان الأبلّة، فقدم الحارث الأبلة، فعالج ذلك
الدهقان، فوهبها له، فقدم بها الطائف ووقع عليها، فولدت له على فراشه غلاما سماه نافعا، ثم وقع عليها فجاءته بنفيع، وهو أبو بكرة، وكان أسودا، فقال الحارث: واللَّه ما هذا بابني، ولا كان في آبائي أسود، فقيل له: إن جاريتك ذات ريبة لا تدفع كف لامس، فنسب أبو بكرة إلى مسروح غلام الحارث بن كلدة، ونفى نافعا بسبب أبى بكرة. ثم إن الحارث تزوج صفية بنت عبيد بن أسيد بن علاج الثقفي، ومهرها سمية، فزوّجتها صفية عبدا لها روميا يقال له عبيد فولدت منه زيادا فأعتقته صفية، فلما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطائف قال: من خرج إليّ فهو حرّ، فوثب نفيع الجدار فخرج إليه هو وآخر فأعتقهما فكانا مواليه. ويقال: إنه تدلى من سور الطائف ببكر، ونزل إلى النبي عليه السّلام، فكناه أبا بكرة، فغلبت عليه كنيته، وخشي الحارث بن كلدة أن يفعل نافع مثل ما فعل أبو بكرة، فقال له: أبى أنت وشبيهي فلا تفعل كما فعل العبد الخبيث، فأثبت نسب نافع يومئذ. وروى أن رقيقا من رقيق ثقيف دعاهم أبو بكرة، إلى الإسلام فأسلموا، وبعثوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يستأمرونه في قتال ثقيف في الحصن ويعلمونه أنهم قد أسلموا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لرسولهم: كم هم؟ فقال: ثمانون، فقال: إني أخاف عليهم أن يقتلوا، ولكن ليخرجوا إلينا، فيدلى منهم أربعون رجلا أو أكثر، ونذرت ثقيف بالباقين فحبسوهم، فأعتق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الذين نزلوا إليه. وقال الواقدي: كانوا تسعة عشر فيهم الأزرق، وكان عبدا روميا حدّادا، وتدلى أبو بكرة من الحصن على بكرة، فقال له النبي عليه السّلام: كيف جئت؟ قال: تدلّيت على بكرة، فقال: أنت أبو بكرة
ويقال: كان يعرف بالطائف بأبي بكرة، لأنه كانت له بكرة يعلفها ويركبها، وكان عتبة بن غزوان [ (1) ] قد تزوج أردة بنت الحارث بن كلدة [ (2) ] ، من صفية بنت عبيد، فلما استعمل عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه عتبة بن غزوان على البصرة، قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد البصرة بذلك السبب، فسكن أبو بكرة البصرة، وبها مات سنة إحدى وخمسين، وهو ممن شهد على المغيرة بن شعبة أنه زنى بأم جميل بنت محجن بن الأفقم، فجلده عمر رضى اللَّه عنه، وهو ممن اعتزل الحسن بن على، وهو من فضلاء الصحابة وعبّادهم، وله ولأولاده أخبار كثيرة [ (3) ] . وواقد، ويقال: أبو واقد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم روى عنه زاذان قوله: من أطاع اللَّه فقد ذكره، وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى
اللَّه فلم يذكره، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن [ (1) ] . وهرمز، شهد بدرا مملوكا [ (2) ] . وأبو الحمراء، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قيل: اسمه هلال بن الحارث، وقيل هلال بن ظفر السّلمى، أصابه سبيا، وخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان بحمص، له حديث أنه كان يمر ببيت فاطمة وعلى رضى اللَّه عنهما فيقول: السلام عليكم [ (3) ] أهل البيت الحديث [ (4) ] . وأبو سلمى، ويقال: أبو سلام، وقيل: اسمه حريث روى عنه أبو سلام الأسود الحبشي، ويعد في الشاميين، وبعضهم يعده في الكوفيين، وقد اختلف في حديثه على أبى سلام الأسود.
وذكر أبو عمر بن عبد البر، أن أبا سلمى راعى النبي عليه السّلام، ثم ذكر أبا سلمى آخر غيره، وقال مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا أدرى أهو راعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المتقدم ذكره، أم غيره [ (1) ] . وأبو صفية، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان من المهاجرين [و] كان يوضع له نطع، ويجاء بزنبيل فيه حصا فيسبح به إلى نصف النهار [و] ويقال: اسمه عبيد [ (2) ] . وأبو عبيد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويقال: - خادم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ،
قال ابن عبد البر [ (1) ] : لم أقف على اسمه، له رواية من حديثه، أنه كان يطبخ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فقال له: ناولني الذراع ... الحديث خرجه الإمام أحمد [ (2) ] . وأبو عسيب، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، له صحبة، وسمّاه بعضهم: أحمر، له حديث: الطاعون شهادة، وكان يخضب لحيته ورأسه، ويواصل بين ثلاث في الصيام، ويصلّى الضحى، ويصوم البيض [ (3) ] ، وكان في سريره
جلجل [ (1) ] فإذا حركه جاءت إليه ابنته ميمونة [ (2) ] . وذكوان، مولى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديثه عند عطاء بن السائب، عن بعض بنات عليّ، عن طهمان أو ذكوان- على الشك-[مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أنه حدثها قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ... الحديث] [ (3) ] .
[و] زيد، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حديثه في الاستغفار [ (1) ] ، يرويه عنه ابنه يسار بن زيد، خرّجه أبو داود والترمذي، ويروى عن يسار بن زيد ابنه بلال [ (2) ] . وزيد بن بولا، [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] . وسابق، خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، عدّه ابن عساكر في الموالي، وقال ابن عبد البر: روى عنه حديث واحد من حديث الكوفيين، اختلف فيه شعبة ومسعر، والصحيح فيه عنهما ما رواه هيثم وغيره، عن أبى عقيل عن سابق ابن ناجية، عن أبى سلام خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . قال: ولا يصح سابق في الصحابة، قلت: هذا الحديث الّذي ذكره أبو عمر بن عبد البرّ، خرّجه أبو داود، وابن ماجة، والنسائي في (عمل اليوم والليلة) : من قال حين يصبح ويمسى ثلاثا: رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، كان حقا على اللَّه أن يرضيه يوم القيامة. رواه هاشم بن بلال
قاضى واسط، عن سابق بن ناجية عن أبى سلام [ (1) ] . وسلمان الفارسيّ، أبو عبد اللَّه، يقال: مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ويعرف بسلمان الخير، أصله من فارس، ثم من رامهرمز [ (2) ] من قرية يقال لها:
جىّ [ (1) ] ، وقيل من أصبهان [ (2) ] ، وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام، من بنى آدم. وله خبر طويل في إسلامه، حاصله أنه كان يطلب دين اللَّه، ويتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنصرانية، وغيرها، وقرأ الكتب، وصبر في ذلك على مشقات نالته، وتداوله في ذلك بضعة عشر رتا [ (3) ] ، من رت [ (3) ] إلى رت [ (3) ] حتى أفضى إلى النبي عليه السّلام، فاشتراه من قوم يهود. روى ابن عبد البر من طريق على بن المديني، حدثنا زيد بن الحباب، حدثني حسين بن واقد، حدثنا عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه: أن سلمان أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بصدقة فقال: هذه صدقة عليك وعلى أصحابك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا سلمان! إنّا لا تحل لنا الصدقة، فدفعها، ثم جاءه من الغد بمثلها فقال: هذه هدية لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: كلوا. ثم اشترى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سلمان بكذا وكذا درهما من يهود على أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل يقوم عليه حتى يدرك، قال: فغرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر، فأطعم النخل كله إلا النخلة التي غرس عمر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من غرس هذه النخلة؟ قالوا: عمر، قال: فقطعها، وغرسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأطعمت من عامها.
وصحح الحاكم أن أبا بكر [رضى اللَّه عنه] اشترى سلمان فأعتقه، وشهد سلمان الخندق وما بعدها، وعمل لعمر رضى اللَّه عنه على المدائن، وتوفى سنة خمس وثلاثين، وقيل أول سنة ست وثلاثين، وكان يعمل الحوض بيده، ويعيش منه ويتصدق بعطائه، وكان خيّرا، فاضلا، عالما، زاهدا، متعففا، ولا يقبل من أحد شيئا، وفضائله كثيرة، رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وجبر، [مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] قال الواقدي: وحدثني شيخ من خزاعة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان لبني عبد الدار غلام يقال له: جبر، وكان يهوديا، فسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، يقرأ سورة يوسف [عليه السلام] ، فعرف الّذي ذكر في ذلك، فاطمأن إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلم، وأخبر أهله بإسلامه، فعذبوه أشد العذاب حتى قال لهم الّذي يريدون، فلما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة، جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فشكا إليه، فأعطاه ثمنه فاشترى نفسه، فأعتق واستغنى، ونكح امرأة يقال لها شرف [ (2) ] .
فصل في ذكر إماء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر إماء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأما الإماء: فأم أيمن، بركة، قيل: كانت من الحبشة الذين قدموا لهدم البيت [الحرام] ، وقيل: هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصين بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان، وتعرف بأم الظّباء. ورثها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من أبيه، وخمسة أباعر، وقطيع غنم، فأعتقها لما تزوج خديجة [رضى اللَّه عنها] ، ويقال: بل كانت مولاة أبيه فورث ولاءها، ويقال: كانت لأمّه فورثها منها فأعتقها، وقيل: كانت لأمه فأعتقها، وكانت تحضن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وتقوم عليه، وتلطف به بعد وفاة أمه. وقال لها [جده عبد المطلب] : يا بركة، لا تغفلي عن ابني، فإنّي وجدته مع غلمان قريب من السدرة، وأن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة. وتزوجت في الجاهلية بمكة عبيد بن عمرو بن بلال بن أبى الجرباء بن قيس بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم، وهو الحبلىّ بن غنم ابن عوف بن الخزرج، فنقلها إلى يثرب، فولدت له أيمن بن عبيد، فكنيت به وغلبت عليها كنيتها. ومات عنها عبيد فرجعت إلى مكة، فكانت فارغة لم تتزوج بعد، فلما ملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة، وبلغ زوّجها إياه فولدت له أسامة ابن زيد، وهي ممن هاجر الهجرتين، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أم أيمن أمى بعد أمى، ويقول: هذه بقية أهل بيتي، وكان يزورها، وكان أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما يزورانها، كما كان عليه السّلام يزورها، وشربت
بوله عليه السّلام. توفّيت بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخمسة أشهر، وقيل: توفيت بعد عمر رضى اللَّه عنه، في زمن عثمان رضى اللَّه عنه، ولها فضائل مرويّة [ (1) ] وخضرة، ذكرها البلاذري في الإماء اللاتي أعتقهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وذكرها أيضا ابن مندة [ (2) ] . وأميمة، [خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] . ورزينة، خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حديثها في فضل يوم عاشوراء، وقد قيل: إنها لصفية بنت حيي، روى حديثها أبو يعلى في مسندة [ (4) ] .
ورضوى، ذكرها الواقدي في الموالي النبويّة [ (1) ] . وروضة، [خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] . وربيحة، ذكرها البلاذري فيمن أعتقهن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . وسلمى، أم رافع، مولاة صفية بنت عبد المطلب، يقال لها: مولاة رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ، وهي امرأة أبى رافع المذكور في الموالي، وهي التي قبلت فاطمة ابنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [في ولادتها] ، وكانت تقبل خديجة رضى اللَّه عنها في ولادتها إذا ولدت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وهي [التي] قبلت مارية أم إبراهيم ابن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت قابلة فاطمة الزهراء عليها السلام في الحسن والحسين ومحسن وزينب وأم كلثوم رضى اللَّه عنهم، وهي التي غسّلتها أيضا مع عليّ ومع أسماء بنت عميس رضى اللَّه عنهم، وشهدت خيبر، حديثها في مسند أبى يعلى [ (4) ] .
وسيرين، أخت مارية القبطية، أهداهما جميعا المقوقس من مصر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فاتخذ مارية لنفسه، وأقامت عنده سيرين، حتى كانت غزاة المريسيع، وقال عبد اللَّه بن أبىّ بن سلول ما قال، وذكر جعيل بن سراقة وجهجاه، ما قالا، وكانا من فقراء المهاجرين. قال ابن أبىّ: ومثل هذين يكثر على قومي، وقد أنزلنا محمدا في ذروة كنانة وعزها، واللَّه لقد كان جعيل يرضى أن يسكت فلا يتكلم، فصار اليوم يتكلم. وقال ابن أبىّ في صفوان بن معطل، ورماه بما رماه به من الإفك، فقال حسان بن ثابت رضي اللَّه عنه: أمسى الجلاليب قد راعوا وقد كثروا [ (1) ] ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
فلما قدموا المدينة جاء صفوان بن معطل إلى جعيل بن سراقة فقال: انطلق بنا نضرب حسان، فو اللَّه ما أراد غيرك وغيري، ولنحن أقرب إلى رسول اللَّه منه، فأبى جعيل أن يذهب وقال: لا أفعل إلا أن يأمرني رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ولا تفعل أنت حتى تؤامر رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] في ذلك. فأبى صفوان عليه، فخرج مصلتا السيف حتى ضرب حسان بن ثابت في نادى قومه، فوثبت الأنصار إليه، فأوثقوه رباطا، وكان الّذي ولى ذلك منه ثابت بن قيس بن شماس، فأسره أسرا قبيحا، فمر بهم عمارة بن حزم فقال: ما تصنعون؟ أمرا من أمر رسول اللَّه ورضاه؟ أم من أمر فعلتموه؟ قالوا: ما علم به رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ، قال: لقد اجترأت، خلّ عنه، ثم جاء به، وأشارت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسوقهما، فقال حسان: يا رسول اللَّه! شهر عليّ السيف في نادي قومي، ثم ضربني لأن أموت، ولا أرانى إلا ميّتا من جراحتى، فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، علي صفوان فقال: ولم ضربته وحملت السلاح عليه؟ وغيّظ عليه، فقال: يا رسول اللَّه! آذاني وهجاني، وسفّه عليّ، وحسدني على الإسلام. ثم أقبل حسان فقال: أسفهت على قوم أسلموا، ثم قال: احبسوا صفوان، فإن مات حسان فاقتلوه به، فخرجوا بصفوان، فبلغ سعد بن عبادة رضي اللَّه عنه ما صنع بصفوان، فخرج إلى قومه من الخزرج حتى أتاهم فقال: عهدتم إلى رجل من قوم رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] تؤذونه، وتهجونه بالشعر وتشتمونه، فغضب لما قيل له، ثم أسرتموه أقبح الأسر، ورسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] بين أظهركم؟ قالوا: فإن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] أمرنا بحبسه وقال: إن مات صاحبكم فاقتلوه، قال: واللَّه إن أحب إلى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] للعفو، ولكن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] قد قضى لكم بالحق، وإن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] ليحب أن يترك صفوان، واللَّه لا أبرح حتى يطلق.
فقال حسان: ما كان لي من حق فهو لك يا أبا ثابت، وأبى قومه، فغضب قيس ابنه غضبا شديدا وقال: عجبا لكم! ما رأيت كاليوم أن حسان قد ترك حقه، وتأبون أنتم، ما ظننت أن أحدا من الخزرج يردّ أبا ثابت في أمر يهواه، فاستحيا القوم وأطلقوه من الوثاق. فذهب به سعد إلى بيته فكساه حلة، ثم خرج صفوان حتى دخل المسجد ليصلّى فيه، فرآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: صفوان؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه، قال: من كساه؟ قالوا: سعد بن عبادة، قال: كساه اللَّه من ثياب الجنة، ثم كلّم سعد بن عبادة حسان بن ثابت، فقال: لا أكلمك أبدا إن لم تذهب إلى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] فتقول كل حق لي قبل صفوان فهو لك يا رسول اللَّه، فأقبل حسان في قومه حتى وقف بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! كل حق لي قبل صفوان بن معطل فهو لك، قال: قد أحسنت وقبلت ذلك، وأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرضا براحا، وهي بيرحاء وما حولها، وسيرين، وأعطاه سعد بن عبادة حائطا كان يجدّ مالا كثيرا عوضا له مما عفا عن حقه. وقد روى أن حسان حبس صفوان، فلما برأ حسان أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه فقال: يا حسان، أحسن فيما أصابك، فقال: هو لك يا رسول اللَّه، فأعطاه براحا، وأعطاه سيرين عوضا، فولدت له عبد الرحمن ابن سيرين. وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا فائد مولى عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن على بن أبى رافع، عن جدته سلمى، قالت: كان خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا، وخضرة، ورضوى، وميمونة بنت سعد، أعتقهن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] كلهن [ (1) ] .
وميمونة، بنت أبى عنبسة بن سعيد، مولاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، روت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في الدعاء، قاله ابن عبد البر [ (1) ] ، ولها في مسند الإمام أحمد حديث:
سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن ولد الزنا فقال: لا خير فيه، نعلان أجاهد بهما [ (1) ] في سبيل اللَّه أحب إلى من أن أعتق ولد الزنا [ (2) ] . وحديث: يا نبي اللَّه! أفتنا في بيت [ (3) ] المقدس، قال: أرض المنشر والمحشر [ائتوه] [ (4) ] فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة، [فيما سواه [ (4) ]] قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال: فيهدي إليه زيتا يسرج فيه، فإن من أهدى له كان كمن صلّى فيه [ (5) ] . ولها أيضا حديث: الرافلة في الزينة في غير أهلها، كانت كالظلمة يوم القيامة، لا نور لها [ (6) ] . وأم ضميرة، تقدم لها ذكر في خبر ابنها ضميرة، وأنهما [أعتقهما] [ (7) ] . وأم عيّاش، كانت تخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وبعث بها مع ابنته رقية لما تزوجها عثمان رضي اللَّه عنهما. قالت: كنت أمغث لعثمان التمر غدوة فيشربه
عشية، وأنبذه عشية فيشربه غدوة [فسألني ذات يوم، فقال: تخلطين فيه شيئاً؟ قلت: أجل، قال فلا تعودي] [ (1) ] ، قال ابن عبد البر: روى عنها عنبسة بن سعيد، وحديثها منقطع الإسناد [ (2) ] . وريحانة، تقدم ذكرها. ونفيسة [ (3) ] ، وهبتها له زينب بنت جحش [رضى اللَّه عنها] . ومارية، جدة المثنى بن صالح بن مهران، لها حديث: صافحت رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلم] فلم أر ألين من كفه. ومارية، أم الرباب، تطأطأت للنّبيّ عليه السّلام حتى صعد حائطا ليلة فرّ من المشركين. عدّها ابن عبد البرّ من خدام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال في هذه: لا أدرى أهي الأولى قبلها أم لا؟ [ (4) ] .
فصل في ذكر خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر خدّام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سوى مواليه جماعة يخدمونه، منهم: أنس بن مالك [ (1) ] ، والأسلع بن شريك الأعرجي [ (2) ] ، وأسماء بن حارثة الأسلمي أخو هند [ (3) ] ،.
وبلال [ (1) ] ، وبكير [ (2) ] ، ويقال بكر بن شداخ، وذو مخمر [ (3) ] ، وربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر أبو فراس الأسلمي [ (4) ] ، وسعد مولى أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن مسعود [ (6) ] ، وأبو حذيفة: اسمه أبو حذيفة المهاجر
مولى أم سلمة رضى اللَّه عنها، خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع سنين، وشهد فتح مصر، واختطّ بها، وسكن طحا- من صعيد مصر- وبها مات سنة ستين، وقيل لم يشهد الفتح، وإنما قدمها مهاجر مولى أم سلمة [ (1) ] ، وأبو السبع [ (2) ] في آخرين، يتصرفون في شئونه، صلّى اللَّه عليه وسلم. فمنهم من يلازم بابه، ومنهم من يلي طهوره، ومنهم من يمسك دابته، ومنهم يقوم على رأسه، ومنهم من يرعى نعمه وشاءه، إلى غير ذلك كما ستراه إن شاء اللَّه تعالى.
فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان عدة من الصحابة يلازمون باب النبي عليه السلام، منهم: أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجّارى أبو حمزة، أمه أم سليم نهلة، وقيل: رميلة، وقيل: مليكة بنت ملحان بن مالك بن زيد بن حرام ابن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية. كان مقدم النبي عليه السلام المدينة [وهو] [ (1) ] ابن عشر سنين، وقيل: ابن ثمان سنين، وخرج مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين توجّه إلى بدر وهو غلام يخدمه، فخدمه عشرين سنة [ (2) ] . خرّج البخاري في الأدب المفرد من حديث جرير بن حازم، عن سلمة العلويّ قال: سمعت أنسا يقول: كنت خادما للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وكنت أدخل بغير استئذان، فجئت يوما فقال: كما أنت يا بنى، قد حدث بعدك أمر، لا تدخلن إلا بإذن. ومات سنة إحدى وتسعين، وقيل: ثنتين وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، عن مائة وثلاث سنين، وقيل: مائة وعشر سنين، وقيل: مائة وسبع سنين، وقيل: مائة إلا سنة، وهو أصحّ. وهند بن حارثة [ (3) ] بن هند بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو بن
عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي، ويقال: هند بن حارثة بن سعيد بن عبد اللَّه بن غياث بن سعد بن عمرو الأسلمي الحجازي، شهد بيعة الرضوان مع إخوة له سبعة، ومات في خلافة معاوية. وأخوه: أسماء بن حارثة [ (1) ] ، أبو محمد، كانا من أهل الصّفّة، ولزما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال أبو هريرة رضي اللَّه عنه: ما كنت أرى أسماء وهند ابني حارثة إلا خادمين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، من طول لزومهما بابه، وخدمتهما إياه. وفي المسند للإمام أحمد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء [ (2) ] . وذكر ابن سعد أنه كان من أهل الصفة [ (3) ] ، وقال الواقدي [ (4) ] : كان خدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الذين لا يريمون بابه: أنس بن مالك، وهند وأسماء ابني حارثة، وكان أبو هريرة يقول: ما كنت أظنهما إلا مملوكين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (5) ] ، وتوفي أسماء بالبصرة سنة ست وستين عن ثمانين سنة. وربيعة بن كعب بن مالك بن يعمر الأسلمي أبو فراس، من أهل الصفّة،
فصل في ذكر الحاجب الذي كان يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يلازم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في السفر والحضر، وصحبه قديما، وسأله مرافقته في الجنة، فقال له: أعنّي على نفسك بكثرة السجود، وأخرج له الستة إلا البخاري. مات سنة ثلاث وستين [ (1) ] . فصل في ذكر الحاجب الّذي كان يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير واحد، يستأذنون لدخول الصحابة رضي اللَّه عنهم عليه، منهم: أنس بن مالك الأنصاري، رضي اللَّه عنه [ (2) ] . ورباح الأسود، أحد الموالي [ (2) ] . وأنسة أبو مسروح [ (2) ] ، وتقدم ذكرهم. وعويم بن ساعدة [ (3) ] ، الّذي شهد العقبتين، وبدرا، وأحدا، ومات في حياة النبي عليه السلام [ (4) ] ، وقيل: مات في خلافة عمر رضى اللَّه عنه، وهو ابن خمس أو ست وستين سنة [ (5) ] . وذكر الواقدي أن عبد اللَّه بن أبى بن سلول لما جاء بحلفائه يريد أن يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يقرّ [يهود] قينقاع في ديارهم بعد ما نزلوا على حكمه، وجد [على باب] النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عويم بن ساعدة، فذهب ليدخل، فردّه عويم وقال: لا تدخل حتى يؤذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بك، فدفعه ابن أبى،
فغلظ عليه عويم حتى جحش وجه ابن أبى الجدار فسال الدم، فتصايح حلفاؤه من يهود وقالوا: أبا الحباب، لا نقيم [أبدا] [ (1) ] بدار أصاب وجهك فيها هذا، لا نقدر على أن نغيّره، فجعل ابن أبى يصيح عليهم، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ويحكم، فرّوا! فجعلوا يتصايحون: لا نقيم أبدا بدار أصاب وجهك [فيها] [ (1) ] هذا، لا نستطيع له غيرا [ (2) ] . وفي مسند الإمام أحمد، عن نافع بن عبد الحارث [ (3) ] بن جبلة بن عمير الخزاعي قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى دخل حائطا فقال: أمسك عليّ الباب، فجاء حتى جلس على القف ودلى رجليه في البئر، فضرب الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أبو بكر؟ قلت: يا رسول اللَّه! هذا أبو بكر، قال: ائذن له وبشره بالجنة الحديث [ (4) ] .
فصل في ذكر صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر صاحب طهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الطّهور بفتح الطاء: اسم الماء، وكل ماء نظيف طهور. اعلم أنه كان على طهور النبي عليه السّلام غير واحد، منهم: عبد اللَّه بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فارس بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بفتح الهاء ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، أبو عبد الرحمن الهذلي، حليف بنى زهرة، حالف أبوه مسعود بن غافل في الجاهلية عبد بن الحارث بن زهرة، وأمه وأم عبد اللَّه هي أم عبد بنت عبد ودّ بن سواء، من هذيل. أسلم في أول الإسلام، وذلك أنه كان يرعى غنما لعقبة بن أبى معيط، فمرّ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخذ شاة حائلا [ (1) ] من تلك الغنم، فدرّت عليه لبنا غزيرا، ثم ضمّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إليه فكان يلج [ (2) ] عليه، ويلبسه نعليه، ويمشى أمامه ومعه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، وقال له: إذنك عليّ أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي حتى أنهاك. وكان يعرف في الصحابة بصاحب السواد والسواك، شهد بدرا وما بعدها، وهاجر الهجرتين جميعا، وصلّى القبلتين، وشهد له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالجنة، وبعثه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه في خلافته إلى أهل الكوفة معلّما، حتى أقدمه منها عثمان رضى اللَّه عنه إلى المدينة وبها مات سنة ثلاثين عن بضع وستين سنة، وصلّى عليه الزبير بن العوام، وفضائله
كثيرة [ (1) ] . وأنس بن مالك رضى اللَّه عنه [ (2) ] ، قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا يونس بن أبى إسحاق، أخبرنا المنهال بن عمرو قال: كان أنس صاحب نعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأداوته [ (3) ] . ثبت في صحيح مسلم من حديث عطاء بن أبى ميمونة، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يتبرز لحاجته، فآتيه بالماء فيغتسل به [ (4) ] . وخرجه البخاري أيضا، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا تبرز لحاجته، أتيته بماء فيغسل به. ذكره في باب ما جاء في غسل البول [ (5) ] . وفي لفظ لمسلم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل الماء أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة [ (6) ] ، فيستنجي بالماء [ (7) ] . ولفظ البخاري: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلامه إداوة من ماء، وعنزة، يستنجى بالماء. ترجم عليه باب حمل العنزة مع الماء
في الاستنجاء [ (1) ] . وذكر في باب الاستنجاء بالماء، من حديث شعبة، عن أبى معاذ- واسمه عطاء بن أبى ميمونة- قال: سمعت أنس بن مالك رضى اللَّه عنه يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته، أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعنى يستنجى به [ (2) ] . وذكره في باب من حمل معه الماء لطهوره [ (3) ] ، وذكره أيضا في كتاب الصلاة، في باب الصلاة إلى العنزة، ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا معنا عكازة، أو عصا، أو عنزة، ومعنا إداوة، فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة [ (4) ] . وعبد اللَّه بن عباس [ (5) ] ، رضى اللَّه عنهما، خرّج البخاري ومسلم من حديث ورقاء، عن عبيد اللَّه بن أبى يزيد، عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل
الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين. ذكره البخاري في باب وضع الماء عن الخلاء [ (1) ] . ولفظ مسلم: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أتى الخلاء، فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال: من وضع هذا؟ في رواية زهير [بن حرب] قالوا، وفي رواية أبى بكر [بن أبى النّضر] : قلت:
ابن عباس، قال: اللَّهمّ فقهه [ (1) ] . وقيس بن سعد بن عبادة [ (2) ] ، خرّج الحاكم [من حديث] وهب بن جرير، حدّثنا أبى قال: سمعت منصور بن زاذان، يحدث عن ميمون بن أبى شبيب، عن قيس بن سعد بن عبادة، أن أباه دفعه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يخدمه، قال: فأتى عليّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد صليت ركعتين، فضربني برجله وقال: ألا أدلّك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح [ (3) ] .
والمغيرة بن شعبة [ (1) ] ، قال الواقدي في مغازيه: وكان المغيرة بن شعبة يقول: كنا بين الحجر وتبوك، فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته، وكان إذا ذهب أبعد، وتبعته بماء بعد الفجر، فأسفر الناس بصلاتهم، وهي صلاة الصبح، حتى خافوا الشمس، فقدّموا عبد الرحمن بن عوف فصلّى بهم، فحملت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إداوة فيها ماء. فلما فرغ صببت عليه فغسل وجهه، ثم أراد أن يغسل ذراعيه، فضاق كم الجبة- وعليه جبّة رومية- فأخرج يديه من تحت الجبة، فغسلهما، ومسح خفّيه، وانتهينا إلى عبد الرحمن بن عوف، وقد ركع بالناس ركعة، فسبح الناس بعبد الرحمن بن عوف، حين رأوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى كادوا أن يفتتنوا. فجعل عبد الرحمن يريد أن ينكص وراءه، فأشار إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن اثبت، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلف عبد الرحمن ركعة، فلما سلّم عبد الرحمن تواثب الناس، وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقضى الركعة الباقية، ثم سلّم بعد فراغه منها ثم قال: أحسنتم، إنه لم يتوفّ نبيّ حتى يؤمه رجل صالح من أمته [ (2) ] . وله طرق ترد إن شاء اللَّه تعالى في اللباس، عند ذكر الجبة.
فصل في ذكر من كان يغمز رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من كان يغمز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الغمز: العصر باليد. قال الواقدي: فحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: لما كان من قول ابن أبى ما كان، أسرع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسير، وأسرعت معه، وكان معى أجير لي استأجرته يقوم على فرسي، فاحتبس عليّ، فوقفت له على الطريق أنتظره حتى جاء. فما جاء ورأى ما بى من الغضب، أشفق أن أقع به، فقال: أيها الرجل! على رسلك، فإنه قد كان في الناس أمر من بعدك فحدثني بمقالة ابن أبى، قال عمر رضى اللَّه عنه، فأقبلت حتى جئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو في فيء شجرة، عنده غليم أسيود يغمز ظهره، فقلت يا رسول اللَّه! كأنك تشتكي ظهرك، فقال: تقحّمت بى الناقة الليلة، فقلت: يا رسول اللَّه! ائذن لي أن أضرب عنق ابن أبىّ في مقالته، فقال: أو كنت فاعلا؟ [قلت] [ (1) ] نعم والّذي بعثك بالحق، قال: إذا لأرعدت له آنف بيثرب كثيرة، لو أمرتهم بقتله قتلوه، قال: فقلت: يا رسول اللَّه! فمر محمد بن مسلمة يقتله، فقال: لا يتحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه، قال: فقلت: فمر الناس بالرحيل، قال: نعم، فأذّنت بالرحيل في الناس [ (2) ] . خرجه الطبراني في الأوسط من معاجمه.
فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهم: أبو ذرّ، خرّج الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن [غنم] عن أبى ذر قال: كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم آتى المسجد إذا أنا فرغت من عملي فأضطجع [ (1) ] ، الحديث فيه بطوله. والأسلع [ (2) ] بن شريك الأعرجي التميمي خادم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وصاحب راحلته، نزل البصرة، وله حديث في صفة التيمم، وسماه محمد بن سعد: ميمون بن سنباد. وبكير بن شداخ [ (2) ] ، ويقال: بكر، كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو غلام، فلما احتلم جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأعلمه. لم يذكره ابن عبد البرّ، وذكره ابن مندة.
وبلال المؤذن [ (1) ] ، وسيرد ذكره إن شاء اللَّه في المؤذنين، وكان على نعمائه أيضا. وذو مخمر [ (1) ] ، ويقال: ذو مخبر، وهو ابن أخى النجاشي، كان من الحبشة، يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، حديثه في (مسند الإمام أحمد) ، في ذكر نومه عليه السّلام عن صلاة الفجر [ (2) ] . وسعد [ (1) ] ، قال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو عامر عن الحسن، عن سعد مولى لأبى بكر رضى اللَّه عنه، وكان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان يعجبه خدمته، فقال: يا أبا بكر، أعتق سعدا، فقال: يا رسول اللَّه! ما لنا غيره، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعتق سعدا، أتتك الرجال [ (3) ] . [قال أبو داود: يعنى السبي] ، وعند ابن ماجة طرفا منه. ومهاجر [ (1) ] ، مولى أم سلمة رضى اللَّه عنها، قال: خدمت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عشر سنين، أو خمس سنين، فلم يقل لشيء صنعته لم صنعته؟ ولا لشيء تركته لم تركته؟ قال ابن يونس: يكنى أبا حذيفة، صحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وحضر فتح مصر، واختط بها، ثم إنه خرج إلى صعيد مصر فأوطن طما، مات بها سنة ستين، وليس لأهل مصر عنه إلا حديث واحد، رواه عنه بكر مولى عمرة بنت حسين بن يحيى بن عبد اللَّه بن بكير أنه قال: خدمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سبع سنين.
وأبو السمح [ (1) ] ، مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقال له: خادم رسول اللَّه، قيل اسمه إياد، يقال أنه لا يدرى أين مات، قال: كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، كان إذا أراد أن يغتسل قال: ناولني إداوتي، قال: فأناوله وأستره. قال: بحسن أو حسين، فبال على صدره، فجئت لأغسله، فقال: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام. خرّج له أبو داود والنّسائى، وابن ماجة، له حديثان عند محل بن خليفة عنه.
فصل في ذكر لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر لباس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اعلم أن لباس كل شيء غشاؤه، ويقال: لبس الثوب لبسا ولباسا وألبسه إيّاه، وألبس عليك ثوبك، وثوب لبيس، قد لبس فأخلق، والثوب اللباس، والجمع أثوب وأثواب وثياب. والكسوة بكسر الكاف وضمها، من اللباس، وقد كسوته الثوب كسوا إذا اكتسى لبس الكسوة [ (1) ] . وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عدة ثياب، فلبس العمامة، والرداء، والقميص، والجبة، والحلة، وغير ذلك. أما العمامة، فخرج مسلم رحمه اللَّه من حديث وكيع عن مساور الوراق، عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه [قال: كأنى انظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المنبر] [ (2) ] وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين كتفيه، ولم يقل [أبو بكر] [ (3) ] على المنبر [ (4) ] . وخرجه أبو داود [ (5) ] من طريق مساور، عن جعفر بن عمرو بن حريث عن
أبيه قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه. وخرجه ابن حبان أيضا [ (1) ] ، ورواه قاسم بن أصبغ من حديث مساور قال: أخبرنى جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي عن أبيه قال: رأيت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عمامة سوداء يوم فتح مكة. وخرجه الترمذي [ (2) ] من طريق حماد بن سلمة عن أبى الزبير، عن جابر قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سوداء. وخرج محمد بن عبد الملك بن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل يوم الفتح مكة، وعليه عمامة سوداء. ويروى عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، أنه رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعتم بعمامة سوداء. وقال هيثم عن حجاج بن أرطاة، عن أبى جعفر محمد بن على، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم ويوم العيدين [ (3) ] .
وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث مسدد، أخبرنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن محمد بن عليّ، عن جابر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يعتم، ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة [ (1) ] . وقال يعقوب بن حميد: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عبيد اللَّه الفرزى، عن أبى الزبير عن جابر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعلى رأسه عمامة سوداء يلبسها في الليل، ويرخيها خلف [ظهره] [ (2) ] تفرد به حاتم. وللترمذي [ (3) ] من حديث عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه. قال نافع: وكان ابن عمر يسدل عمامته بين كتفيه، قال عبيد اللَّه: ورأيت القاسم وسالما يفعلان ذلك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وخرّج من حديث وكيع عن عبد الرحمن بن الغسيل عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خطب الناس وعليه عصابة دسماء [ (4) ] .
ومن حديث عطاء بن أبى رباح، عن الفضل بن عباس قال: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي توفّى فيه وعلى رأسه عصابة صفراء، فسلمت، فقال: يا فضل، قلت: لبيك يا رسول اللَّه، قال: اشدد بهذه العصابة رأسي، قال: ففعلت، ثم قعد فوضع كفّه على كتفي، ثم قام فدخل المسجد [ (1) ] . وفي الحديث قصة. ويروى عن موسى بن مطير [ (2) ]- وهو ضعيف- عن أبيه عن أبى هريرة، وعبد اللَّه بن عمرو رضى اللَّه عنهما قالا: ما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم جمعة قط، إلا وهو معتمّ [وإن كان في إزار ورداء] [ (3) ] وإن لم يكن عنده عمامة وصل الخرق بعضها [إلى بعض] [ (3) ] واعتم بها [ (4) ] . وقال محمد بن سمينة: أخبرنا عثمان بن عفان الغطفانيّ، أخبرنا الزبير بن خربوذ عن رجل، عن عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه عنه قال: عمّمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأرسلها من بين يدىّ ومن خلفي.
وقال الواقدي: حدثني سعيد بن هشام بن قباذين عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عمر قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فقال: تجهّز فإنّي باعثك في سرية من يومك هذا أم من غد إن شاء اللَّه. قال ابن عمر: فسمعت ذلك فقلت: لأدخلن فلأصلّين مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الغداة، فلأسمعنّ وصيته لعبد الرحمن بن عوف، قال: فغدوت، فصليت فإذا أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، وناس من المهاجرين فيهم عبد الرحمن، وإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل، فيدعوهم إلى الإسلام. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف: ما خلفك عن أصحابك؟ قال ابن عمرو قد مضى أصحابه في السّحر، فهم معسكرون بالجرف، وكانوا سبعمائة رجل، فقال: أحببت يا رسول اللَّه أن يكون آخر عهدي بك، وعليّ ثياب سفري، وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفّها على رأسه. قال ابن عمر: فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده، ثم عمّمه بعمامة سوداء، فأرخى بين كتفيه منها، ثم قال: هكذا فاعتمّ يا ابن عوف، قال: وعلى ابن عوف والسيف متوشحة، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أغد على اسم اللَّه، وفي سبيل اللَّه، فقاتل من كفر باللَّه، لا تغلّ، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا. قال ابن عمر: ثم بسط يده فقال: يا أيها الناس! اتقوا خمسا قبل أن يحل بكم:
ما نقص مكيال قوم إلا أخذهم اللَّه بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون. وما نكث قوم عهدهم إلا سلّط اللَّه عليهم عدوّهم. وما منع قوم الزكاة إلا أمسك اللَّه عليهم قطر السماء، ولولا البهائم لم يسقوا. وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلّط اللَّه عليهم الطاعون. وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم اللَّه شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض. قال: فخرج عبد الرحمن حتى لحق أصحابه. وذكر الحديث [ (1) ] . ولابن حبان من طريق أبى معشر البراء، أخبرنا خالد الحذاء، حدثني عبد السلام قال: قلت لابن عمر: كيف كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يعتم؟ قال: يدير كور العمامة على رأسه، ويفردها من ورائه، ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه [ (2) ] .
[وأما الكمة والقلنسوة والقناع]
[وأما الكمة والقلنسوة والقناع] فقال خالد بن يزيد الكزبري، حدثنا عاصم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كانت له كمّة بيضاء. وعن عبد اللَّه بن أبى بكر عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس كمة بيضاء. والكمّة، بضم الكاف وتشديد الميم وفتحها: القلنسوة، يقال: إنه حسن الكمّة بكسر الكاف، أي التكمم، كما تقول: إنه لحسن الجلسة [ (1) ] . ولأبى داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] ، من حديث أبى الحسن العسقلاني، عن أبى جعفر بن محمد بن ركانة عن أبيه، أن ركانة صارع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال ركانة: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن فرق ما بيننا وبين المشركين: العمائم على القلانس [ (4) ] .
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني، ولا ابن ركانة. والقلنسوة، والقلساة والقلنسوة والقلنسية والقلنساة والقلنسية من ملابس الرأس. وجمع القلنسوة والقلنسية قلاس، وجمع القلنساة قلاس لا غير، لم يسمع فيها قلسا [ (1) ] .
وروى البلاذري عن عباس بن هشام عن أبيه عن جده، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه عنه أنه قال: كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلنسوة أسماط، يعنى جلودا، وكانت فيها نقبة. وقال هشام بن عمار: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قالت يوم خيبر على بغلته الشهباء، وعليه ممطر سيجان، وعليه عمامة، وعلى العمامة قلنسوة من الممطر السيجان. قال هشام: والساج: الطيلسان الأسود [ (1) ] . وروى أنه عليه السّلام ترك
قلانس صفار الأطبية ثلاثا. وخرج أبو محمد بن حبان من حديث العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء [ (1) ] ومن حديث أبى حذيفة، عن عطاء بن أبى رباح، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: رأيت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قلنسوة بيضاء شامية. ومن حديث مفضل بن فضالة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس من القلانس في السفر ذوات الآذان، وفي الحضر المضمّرة، يعنى الشامية [ (2) ] .
ومن حديث أبى عبد الرحمن محمد بن عبيد اللَّه [] ، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث قلانس: قلنسوة بيضاء مضرّبة، وقلنسوة لاطية، وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر. ومن حديث عتبة بن الوليد، عن الأوزاعي، عن خويلد بن عثمان قال: لقيت عبد اللَّه بن يسر فقال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وله قلنسوة مضربة، وقلنسوة لها آذان، وقلنسوة لاطية. وللترمذي من حديث وكيع، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سويد بن أبان عن أنس: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكثر دهن رأسه، وتسريح لحيته، ويكثر القناع، كأن ثوبه ثوب زيّات [ (1) ] .
وقال البلاذري: حدثني أحمد بن هشام بن بهرام، حدثنا أبو صالح شعيب بن حرب، عن الربيع، عن يزيد عن أنس، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقنع رأسه، حتى ننظر إلى حاشية ثوبه كأنها ثوب زيّات. القنعة: غطاء الرأس، والقناع: أوسع منها. وقال بعضهم: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أكثر الناس قناعا، لأن القنع أهيب من الحاسر [ (1) ] .
وأما القميص
وأمّا القميص فخرج أبو داود والترمذي من حديث أبى نميلة يحيى بن رافع، عن عبد المؤمن بن خالد الحنفي المروزي، عن عبد اللَّه بن بريدة عن أمه عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الثياب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القميص [ (1) ] . وفي رواية: لم يكن ثوب أحب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من القميص. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. إنما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد تفرد به، وهو مروزى [ (2) ] . وخرّج الحاكم أبو عبد اللَّه في (المستدرك) ، من حديث الحسن بن صالح بن حيي، عن مسلم الملائى عن مجاهد، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لبس قميصا، وكان فوق الكعبين، وكان كمه إلى الأصابع. قال: هذا حديث صحيح حسن الإسناد ولم يخرجاه [ (3) ] . وخرجه ابن حبان
ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين، مستوى الكمين بأطراف أصابعه [ (1) ] . ومن حديث أبى سلمة عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمر قال: لبس عمر رضى اللَّه عنه قميصا جديدا ثم قال: مدّ كمي يا بنى، والزق يدك بأطراف أصابعى واقطع ما فضل عنهما، قال: فقطعت من الكمين، فصار فم الكمين بعضه فوق بعض، فقلت: لو سوّيته بالمقص، قال: دعه يا بنى، هكذا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يفعل. قال ابن عمر: فما زال القميص على أبى حتى تقطّع، [وما كنا نصلّى] [ (2) ] رأيت الخيوط تتساقط على قدميه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (3) ] . وخرّج ابن حبّان من طريق بقية، حدثنا خالد عن مسلم الأعور، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قميص قطنى، قصير الطول، قصير الكمين [ (4) ] . ومن طريق إبراهيم بن أبى يحيى، عن عبد الملك قال: سمعت ابن عمر رضى اللَّه عنه يقول: ما اتخذ لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قميص له زر [ (5) ] .
وللترمذي في الشمائل، من حديث معاوية بن قرة بن أمية قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في رهط من مزينة لنبايعه، وإن قميصه لمطلق، أو قال: زرّ قميصه مطلق، قال: فأدخلت يدي في جيب قميصه فمست الخاتم [ (1) ] . وللترمذي من حديث هشام الدّستوائى، عن بديل بن ميسرة، عن شهر ابن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كمّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الرّسغ [ (2) ] . وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك قميصا صحاريا، وقميصا سحوليا [ (3) ] .
وأما الرداء
وأما الرّداء الرداء من الملاحف تجمع على أردية، وهو الرداء، وقد تردّيت به، وارتديت، وإنه لحسن الرّدية، أي الارتداء [ (1) ] . خرّج أبو عيسى في (الشمائل) من حديث حماد بن سلمة، عن حبيب ابن الشهيد، عن الحسن عن أنس [بن مالك] [ (2) ] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خرج وهو متكئ على أسامة بن زيد، وعليه ثوب قطري قد توشح به، فصلّى بهم [ (3) ] .
وخرّج الحاكم من حديث حفص بن غياث، حدثنا سعيد بن خالد الأنصاري، عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه قال: دخل جرير بن عبد اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعنده أصحابه، فضنّ كل رجل بمجلسه، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رداءه فألقاه إليه، فتلقاه بنحره ووجهه، فقبّله ووضعه على عينيه وقال: أكرمك اللَّه كما أكرمتنى، ثم وضعه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فإذا أتى كريم [قوم] [ (1) ] فليكرمه [ (2) ] . قال هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة] . وخرّج ابن حبّان من حديث عبد اللَّه بن لهيعة، عن محمد بن عبد اللَّه ابن نوفل، عن عروة بن الزبير قال: كان طول رداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع، وعرضه ذراعين ونصف، وكان له ثوب أخضر يلبسه للوفود إذا قدموا عليه.
وفي لفظ أن ثوب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، الّذي كان يخرج فيه للوفود، رداء وثوب أخضر، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، وهو عند الخلفاء اليوم قد خلق، فطووه بثوب يلبسونه يوم الفطر ويوم الأضحى [ (1) ] . ويروى بإسناد ضعيف عن عائشة رضى اللَّه عنه أنها قالت: كان رداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعة أذرع وشبرا، في ذراعين وشبر [ (2) ] . وبإسناد ضعيف عن ابن عمر رضى اللَّه عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يلبس رداء مربعا، ويقال: كان اسم ردائه عليه السّلام الفتح، وكان له رداء يقال له: الحضرميّ، وبه كان يشهد العيدين، طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر [ (2) ] .
وأما القباء والمفرج
وأما القباء والمفرّج فخرج البخاري من حديث الليث بن سعد، عن يزيد عن أبى الخير عن عقبة بن عامر الجهنيّ رضى اللَّه عنه قال: أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرّوج حرير فلبسه فصلّى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له، وقال: لا ينبغي هذا للمتقين [ (1) ] . ترجم عليه في الصلاة، باب من صلّى في فروج حرير ثم نزعه، وخرّجه مسلم [ (2) ] والنّسائى [ (3) ] بنحوه. الفرّوج بفتح الفاء وضم الراء المشددة، وحكى ضم الفاء وتخفيف [الراء] وهو ضعيف، وهو قبالة شق من خلفه، وتسميه أهل زماننا المفرج. ولمسلم من حديث خالد [ (4) ] بن عبد اللَّه عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن عبد اللَّه مولى أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه عنها قال: أرسلتنى أسماء إلى عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه فقالت: بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة: العلم في الثوب، وميثرة الأرجوان، وصوم رجب كله، فقال لي عبد اللَّه: أما ما ذكرت من رجب، فكيف بمن يصوم الأبد، وأما ما ذكرت من العلم في الثوب، فإنّي سمعت عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه
يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إنما يلبس الحرير من لا خلاق له، فخفت أن يكون العلم منه. وأما ميثرة الأرجوان، فهذه ميثرة عبد اللَّه، فإذا هي أرجوان، فرجعت إلى أسماء فخبرتها فقالت: هذه جبّة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخرجت إليّ جبة طيالسية كسروانية [ (1) ] ، لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفان بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة رضى اللَّه عنها حتى قبضت، فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يلبسها، فنحن نغلسها للمرضى يستشفى بها [ (2) ] . وخرجه ابن أيمن من حديث وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبى عمر مولى أسماء قال: رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم، فدعا بالجلمين فقصّه، فدخلت على أسماء فذكرت ذلك لها، فقالت: بؤسا لعبد اللَّه يا جارية، هاتي جبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيبين والفرج بالديباج. وفي لفظ عن ابن عمر عن أسماء أنها أخرجت جبة مزرورة بالديباج فقالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يلبس هذا.
وأما البردة
وأما البردة فقد خرّج البخاري من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كنت أمشى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابى فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قد أثرت بها حاشبة البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال اللَّه الّذي عندك، فالتفت إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء. ذكره في كتاب اللباس [ (1) ] في باب البرود والحبرة والشملة، وفي كتاب الأدب [ (2) ] في باب التبسّم والضحك، وفي الخمس [ (3) ] بألفاظ متقاربة، وخرّجه مسلم [ (4) ] من عدة طرق [ (5) ] .
وللبخاريّ من حديث أبى حازم عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة ببردة- قال سهل: هل تدرون ما البردة؟ قالوا: نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها- قالت: يا رسول اللَّه! إني نسجت هذه بيدي أكسوكها، فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره، فحبسها رجل من القوم فقال: يا رسول اللَّه! اكسنيها، قال: نعم، فجلس ما شاء اللَّه في المجلس، ثم رجع فطواها، ثم أرسل بها إليه. فقال له القوم: ما أحسنت، سألتها [إياه] ، وقد عرفت أنه لا يرد سائلا، فقال الرجل: واللَّه ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت، قال سهل: فكانت كفنه. ذكره في كتاب الجنائز [ (1) ] في باب من استعد الكفن في زمان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وفي كتاب الأدب [ (2) ] في باب حسن الخلق. وفي كتاب اللباس [ (3) ] وفي كتاب البيوع [ (4) ] في باب النسّاج. وخرّج أبو عبد اللَّه الحاكم من حديث يونس بن أبى إسحاق عن العيزار ابن حريث، عن أم الحصين الأحمسية قالت: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وعليه بردة قد التفع بها تحت إبطه، كأنى انظر إلى عضلة عضدة ترتجّ، فسمعته يقول: يا أيها الناس، اتقوا اللَّه وإن أمرّ عليكم عبد حبشي فاسمعوا له وأطيعوا، ما
أقام لكم كتاب اللَّه [عز وجل] [ (1) ] قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ (2) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] . ومن حديث الأعمش عن جامع بن شداد، عن كلثوم الخزاعي، عن أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهما قال: دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نعوده وهو مريض، فوجدناه نائماً، قد غطى وجهه ببرد عدنىّ، فكشف عن وجهه ثم قال: لعن اللَّه اليهود يحرمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] . وللنسائى من حديث همام، أخبرنا قتادة عن مطرف عن عائشة رضى اللَّه عنها، أنها عملت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء من صوف، فلبسها، فلما عرق فوجد ريح الصوف طرحها، وكان يحب الريح الطيبة [ (4) ] . وخرّجه أبو داود أيضا ولفظه: صنعت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردة سوداء فلبسها، فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها، قال: وأحسبه قال: وكان يعجبه الريح الطيبة [ (4) ] . وخرجه قاسم بن أصبغ وابن أيمن، ولفظهما: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لبس بردة سوداء فقالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما أحسنها عليك يا رسول اللَّه!
يشرب بياضك سوادها، ويشرب سوادها بياضك، فبدا له منها ريح فألقاها [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث يونس بن عبيد [عن عبيدة] [ (2) ] عن عبد ربه الهجيمي، عن جابر بن سليم- أو سليم بن جابر [ (3) ]- قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقلت: أيكم النبي؟ فإما أن يكون أومأ إلى نفسه، وإما أن يكون أشار إليه القوم، فإذا هو محتب [ (4) ] ، ببردة قد وقع هدبها على قدميه. وذكر الحديث [ (5) ] . ولأبى داود من حديث أبى معاوية، عن هلال بن عامر عن أبيه قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [بمنى] [ (6) ] يخطب على بغلة [ (7) ] ، وعليه برد أحمر، وعليّ [رضى اللَّه عنه] [ (6) ] أمامه يعبّر عنه [ (8) ] .
وله من حديث إياد عن أبى رمثة قال: انطلقت مع أبى نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فرأيت عليه بردان أخضران [ (1) ] . وخرّجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وخرجه النسائي [ (2) ] .
وأما الجبة
وأما الجبّة فخرج مسلم من حديث عامر الشعبي، عن عروة بن المغيرة عن أبيه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة في مسير، فقال لي: أمعك ماء؟ قلت نعم، فنزل عن راحلته فمشى [ (1) ] حتى توارى في سواد الليل ثم جاء [ (2) ] فأفرغت عليه من الإداوة، فغسل وجهه، وعليه جبة من صوف فلم يستطع [ (3) ] أن يخرج ذراعيه منها، حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما، فإنّي أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما [ (4) ] . وخرّجه البخاري وقال: ذات ليلة في سفر. وقال: حتى توارى عنى. ذكره في كتاب اللباس، وترجم عليه باب: جبة الصوف في الغزو [ (5) ] ، وذكره أيضا في كتاب الطهارة مختصرا، وترجم عليه باب: إذا أدخل
رجليه وهما طاهرتان [ (1) ] . وذكره في غزو تبوك [ (2) ] . ولمسلم من طريق الأعمش، عن مسلم عن مسروق، عن المغيرة بن شعبة قال: [كنت] [ (3) ] مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر فقال: يا مغيرة، خذ الإداوة فأخذتها، ثم خرجت معه، فانطلق [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] حتى توارى عنى، فقضى حاجته، ثم جاء وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فذهب يخرج يده من كمها فضاقت [عليه] [ (3) ] ، فأخرج يده من أسفلها، فصببت عليه، فتوضأ وضوءه للصلاة، ثم مسح على خفيه، [ثم] [ (3) ] صلّى [ (4) ] . وذكره البخاري في أول كتاب الصلاة، وترجم عليه: باب الصلاة في الجبة الشامية [ (5) ] . وذكره في كتاب الجهاد في باب الجبة في السفر والحرب [ (6) ] . وذكره في كتاب اللباس، في باب من لبس جبة ضيقة الكمين [في السفر] [ (7) ] ، ولفظه: انطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته، ثم أقبل فتلقيته بماء، فتوضأ وعليه جبة شامية، فمضمض واستنشق وغسل وجهه، فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضسقين، فأخرج يديه من تحت يديه فغسلهما ومسح
برأسه وعلى خفّيه [ (1) ] . لم يذكر في الجهاد قوله: يديه، إنما قال: من تحت. ولفظ مسلم: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليقضى حاجته، فلما رجع تلقيته بالإداوة، فصببت عليه، فغسل يديه ثم غسل وجهه، ثم ذهب ليغسل ذراعيه، فضاقت الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلهما، ومسح رأسه ومسح على خفيه، ثم صلّى بنا [ (2) ] . وخرّجاه من طرق ليس فيها ذكر الجبة، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث، عن عبيد اللَّه بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قبيصة، عن المغيرة ابن شعبة قال: خرجت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض ما كان يسافر، فسرنا حتى إذا كان في وجه الصبح، انطلق حتى توارى عنا ضرب الخلاء، ثم جاء، فدعى بطهور، وعليه جبة شامية ضيقة الكمين، فأدخل يده من تحت الجبة، ثم غسل وجهه ويديه، ومسح على الخفين [ (3) ] . ولابن حبان من حديث جابر الجعفي، عن عامر عن دحية الكلبي، أنه أهدى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من الشام وخفين، فلبسهما حتى تخرّقا. وقال وكيع: حدثنا أبو حباب الكلبي عن جامع بن شداد الهلالي عن طارق بن عبد اللَّه المحاربي قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق ذي المجاز عليه جبّة حمراء [ (4) ] . ويروى أنه عليه السّلام ترك جبة يمنية. وخرّج الحاكم أبو عبد اللَّه، من حديث همّام عن قتادة، عن مطرف عن
عائشة رضى اللَّه عنها، أنها صنعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف سوداء، فلبسها، فلما عرق وجد ريح الصوف، فخلعها، وكان يعجبه الريح الطيب [ (1) ] . قال هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (2) ] ، وقد تقدم لكن فيه: أنها عملت بردة. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخرجت إلينا أسماء جبّة مزرّرة بالديباج فقالت: في هذه كان يلقى رسول اللَّه العدو [ (3) ] .
وأما الحلة
وأما الحلّة الحلة: إزار ورداء بردا أو غيره، ولا يقال لها: حلة حتى تكون من ثوبين، والجمع حلل وحلال [ (1) ] . خرّج البخاري من حديث شعبة، عن أبى إسحاق سمع البراء بن عازب يقول: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مربوعا، وقد رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا أحسن منه. وفي لفظ له: ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. ذكره في كتاب اللباس [ (2) ] ، وفي كتاب المناقب [ (3) ] . وخرجه مسلم ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مربوعا بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . وفي لفظ له: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا مربوعا، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء، ما رأيت شيئا قط أحسن منه [ (4) ] .
وفي لفظ لمسلم والترمذي: عن البراء، ما رأيت [من ذي] [ (1) ] لمة، أحسن في حلة حمراء، من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، شعره يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالطويل ولا بالقصير [ (2) ] . وقال الترمذي [ (3) ] : هذا حديث حسن صحيح، وله عدة طرق، ألفاظها متقاربة. وقال حجاج عن أبى جعفر محمد بن على عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كان يلبس برده الأحمر في الجمعة والعيدين [ (4) ] . وخرّجه ابن حبّان ولفظه: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم بردا أحمر يلبسه في العيدين [ (5) ] . وقال زمعة بن صالح، عن أبى حازم عن سهل بن سهل رضى اللَّه عنه قال: حيك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حلة أنمار من صوف أسود، وجعل حاشيتها بيضاء، فخرج فيها إلى أصحابه، فضرب على فخذه فقال: ألا ترون هذه ما أحسنها، فقال أعرابى: بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، فهبها لي، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يسأل شيئا قط فيقول: لا، فقال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : نعم، فدعا
بمعوذين فلبسهما، وكسى الأعرابي الحلة، ثم أمر بمثلهما تحاكان له، فمات صلّى اللَّه عليه وسلم وهما في الحياكة [ (1) ] . وخرّجه ابن حبان ولفظه: قال خيطت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف أنمار فلبسها، فما أعجب بثوب ما أعجب به، فجعل يمسه بيده ويقول: انظروا! ما أحسنها، وفي القوم أعرابى فقال: يا رسول اللَّه، هبها لي، فخلعها [صلّى اللَّه عليه وسلم] فدفعها في يديه. وذكر الزبير بن بكار، عن محمد بن سلام، عن يزيد بن عياض قال: أهدى حكيم بن حزام للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم في الهدنة التي كانت بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبين قريش حلة ابن ذي يزن، اشتراها بثلاثمائة دينار، فردّها عليه وقال: لا أقبل هدية مشرك، فباعها حكيم، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من اشتراها له، فلبسها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما رآه حكيم قال له: ما ينظر الحكام بالفضل بعد ما ... بدا سابق، ذو غرّة وحجول فكساها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة، فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ [ (2) ] يا أسامة، عليك حلة ابن ذي يزين! فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قل له: وما يمنعني؟ وأنا خير منه وأبى خير من أبيه [ (3) ] . وذكر محمد بن عمر الواقدي عن الضحاك بن عثمان، عن أهله قال: قال حكيم بن حزام: كنت أعالج البزّ في الجاهلية، فكنت رجلا تاجرا أخرج إلى اليمن وإلى الشام في الرحلتين [ (4) ] ، فكنت أربح أرباحا كثيرة، فأعود على فقراء قومي، ونحن لا نعبد شيئا، نريد ثراء الأموال والمحبة في العشيرة، وكنت أحضر الأسواق، وكانت لنا ثلاثة أسواق: سوق لعكاظ، تقوم صبح هلال ذي القعدة، فتقوم عشرين يوما وتحضرها العرب، وبه ابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد- وهو يومئذ غلام-
فأخذته بستمائة درهم، فلما تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خديجة، سألها زيدا فوهبته له فأعتقه. وبه ابتعت حلة ابن ذي يزن، فكسوتها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فما رأيت أحدا قط أجمل ولا أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في تلك الحلة [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا الليث بن سعد قال: حدثني عبيد اللَّه بن المغيرة عن عراك بن مالك، أن حكيم بن حزام قال: كان محد أحبّ رجل في الناس إليّ في الجاهلية، فلما تنبّأ وخرج إلى المدينة، شهد حكيم بن حزام الموسم وهو كافر، فوجد حلّة لذي [ (2) ] يزن تباع، فاشتراها بخمسين دينارا ليهديها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقدم بها عليه المدينة، فأراد عليّ قبضها هدية فأبى، قال عبيد اللَّه: حسبته قال [ (3) ] : إنا لا نقبل شيئا من المشركين، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن، فأعطيته حين أبى عليّ الهدية [ (4) ] ، وقد خرّجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبى صالح عن الليث، ثم قال: صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (6) ] . تم بحمد اللَّه تعالى الجزء السادس ويليه الجزء السابع وأوله: «وأما الخرقة التي كان يتنشف بها»
المجلد السابع
[المجلد السابع] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم [تتمة فصل في ذكر لباس رسول اللَّه] وأما الخرقة التي كان يتنشف بها فخرج ابن مندة من حديث أبى معاذ عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء [ (1) ] . وخرجه الدار قطنى في كتاب (السنن) ، من طريق ابن وهب عبد اللَّه قال: حدثني زيد بن الحباب، عن أبى معاذ، عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة، قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد وضوئه. قال الدار قطنى: أبو معاذ هو سليمان بن أرقم، وهو متروك [ (2) ] . قال مؤلفه [رحمه اللَّه تعالى] : هو أبو معاذ، سليمان بن أرقم البصري، يروى عن الحسن وابن سيرين، وعطاء بن أبى رباح، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب، ويحيى بن أبى كثير. ويروى عنه الزهري شيخه، والثوري، ويحيى بن حمزة، وزيد بن الحباب، وخلق [كثير] . قال أحمد: ليس بشيء، قال ابن معين: ليس بسوى، قلنا: وقال البخاري: اتركوه، وقال ابن عدىّ: عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وقال الترمذي وجماعة: متروك. خرّج عنه أبو داود، والترمذي، والنّسائى، وله عندهم حديث: لا نذر
في معصية، وحديث: الصدقات، وحديث: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خرقة يتنشف بها. وليس له عندهم غير ذلك. وذكره ابن بطّال في شرح البخاري، من حديث زيد بن الحباب عن ابن شهاب، ثم قال: وبه قال عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وابن عمر، وأنس بن مالك، وابن مسعود، والحسن، والشعبي، وابن سيرين، وعلقمة، والأسود، ومسروق، وهو قول مالك، والثوري وأبى حنيفة، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. وكره ذلك: جابر بن عبد اللَّه، وعطاء، وابن أبى ليلى، وابن المسيّب، والنخعي، وأبو العالية، وهو قول الحسن بن حيي. وذكره محمد بن سعد من حديث أبى عمرو بن العلاء، عن إياس بن جعفر الحنفي، قال: أخبرت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت له خرقة يتنشّف بها عند الوضوء [ (1) ] . ويقال: إن حكيم بن حزام قدم بتلك الحلّة في هدنة الحديبيّة وهو يريد الشام في عير، فأرسل الحلة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأبى أن يقبلها وقال: لا أقبل هدية مشرك، قال حكيم: فجزعت من ذلك جزعا شديدا حيث ردّ هديتي، فبعتها بسوق النبط من سائم سامني، ودسّ إليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زيد بن حارثة فاشتراها، فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبسها بعد، وذكر بقية الخبر.
وخرّج أبو داود [ (1) ] والحاكم [ (2) ] ، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] : لقد رأيت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل. وفيه قصة [ (3) ] . وخرّج من حديث يونس بن يزيد عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، أنه كان يشترى [ (4) ] لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولأصحابه الحلة بألف درهم، وبألف ومائتي درهم [ (5) ] . قال هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (6) ] . وعن عمارة بن زاذان، عن ثابت عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أن ملك ذي يزن أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم حلّة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيرا وناقة، فلبسها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرة. قال هذا حديث صحيح الإسناد [ (7) ] [ولم يخرجاه] [ (8) ] . ولابن حيّان [ (9) ] من حديث قتادة، عن على بن زيد، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة ولبسها.
وأما الحبرة
وأما الحبرة [فخرج] البخاري من حديث همام عن قتادة عن أنس، وخرّج مسلم عن هشام، أخبرنا قتادة قال: قلنا لأنس بن مالك: أي اللباس كان أحبّ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أو أعجب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: الحبرة [ (1) ] . ولفظ البخاري: قال: قلت له: أي الثياب كان أحب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يلبسها؟ قال: الحبرة [ (2) ] . وخرّجاه عن هشام عن قتادة عن أنس قال: كان أحب الثياب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يلبسها الحبرة. لم يقل مسلم: أن يلبسها. وللبخاريّ من حديث الزهري، أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن عائشة رضى اللَّه عنها أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفّي سجّى ببرد حبرة. وذكره في كتاب اللباس [ (3) ] .
وخرجه مسلم ولفظه: سجى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين مات بثوب حبرة [ (1) ] . وخرّجه النسائي أيضا [ (2) ] . وروى سعيد بن السكن، حدثنا ابن أبى داود، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم النهشلي، أخبرنا سعيد بن الصّلت، أخبرنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده على بن الحسين، عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس في العيدين بردي حبرة [ (3) ] .
وأما المرط
وأما المرط المرط: كساء من خزّ أو صوف أو كتان، وقيل: هو الثوب الأخضر وجمعه مروط وأمراط، وقيل: هو كساء يؤتز ربه، وقيل: لا يكون المرط إلا ذراعا ولا يلبسه إلا النساء، ولا يكون إلا أخضر، والأول أصحّ، وهو بكسر الميم وإسكان الراء، وقيل: المرط: كساء صوف ومربع سداه شعر [ (1) ] . خرّج مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] ، من حديث مصعب بن شيبة، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود. لم يقل أبو داود: ذات غداة، ولم يقل الترمذي فيه: مرحّل، والمرحّل بالحاء المهملة المشدّدة المفتوحة: الموشى بمثل صور الرحال، والمرجّل بالجيم: الموشى بمثل صور الرجال، والمرويّ في هذا الحديث بالحاء المهملة [ (5) ] . ولأحمد من حديث سفيان عن طلحة بن يحيى، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وعليه مرط وعليّ بعضه [ (6) ] .
وأما المصبوغ بالزعفران
وأما المصبوغ بالزعفران فخرج الحاكم وغيره من حديث مصعب بن عبد اللَّه الزبيري، حدثني أبى عبد اللَّه بن مصعب، عن إسماعيل بن عبد اللَّه بن جعفر، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران، رداء وعمامة [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح. وروى قاسم بن أصبغ من حديث القعنبي أخبرنا عبد اللَّه بن زيد أسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له في ذلك فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ به، ورأيته أحبّ الطيب إليه [ (2) ] . وذكر ابن وهب عن عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة [ (3) ] . وذكر عن هشام بن سعد عن يحيى بن عبد اللَّه بن مالك الدار قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبعث بقميصه وردائه إلى بعض أزواجه، فيصبغ له بالزعفران. وقال الواقدي: عن عمر بن محمد عن أبى جعفر محمد بن على قال: ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرة أثواب: ثوب حبرة، وإزارا عمانيا، وثوبين
صحاريين، وقميصا سحوليا، وجبّة يمنة، وملحفة مورّسة كان يلبسها في بيوت نسائه، وخميصة، وكساء أبيض، وقلانس صفار لاطية ثلاثة. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا عباد بن عباد، عن هشام بن حسان، عن بكر بن عبد اللَّه المزنيّ قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ملحفة مصبوغة بورس أو بزعفران، فإذا كان يوم إحداهن- يعنى نساءه- ذهب بها إليها، ورشّ عليها الماء لتوجد رائحتها [ (1) ] .
وأما الإزار والكساء
وأما الإزار والكساء الإزار: ما يلتحف به، وهو يذكر ويؤنث، والجمع أزرة، وأزر، وهي الإزارة، وأنه يحسن الإزرة- بكسر الهمزة- وأنه يحسن الائتزار، وقد تأزرته وأزرته، والمئزر: الإزار [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث حميد بن هلال، عن أبى بردة قال: أخرجت إلينا عائشة رضى اللَّه عنها كساء وإزارا غليظا، فقالت: قبض روح النبي صلى اللَّه عليه وسلم في هذين [ (2) ] . وخرجه مسلم ولفظه: أخرجت إلينا عائشة إزارا وكساء ملبدا فقالت: في هذين قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] [قال ابن حاتم في حديثه: إزارا غليظا [ (4) ] . وفي لفظ البخاري [ (5) ] ومسلم [ (6) ] وأبى داود عن أبى بردة قال: دخلت
على عائشة رضى اللَّه عنها، فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من التي يسمونها الملبدة، قال: فأقسمت باللَّه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبض في هذين الثوبين ذكره البخاري في كتاب الخمس، في باب ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه [ (1) ] [وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك، مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك به أصحابه وغيرهم بعد وفاته] [ (2) ] . وله من حديث محمد بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في خميصة له، لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما سلم [ (3) ] قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبى جهم، فإنّها ألهتنى آنفا عن صلاتي، وائتوني بانبجانية أبى جهم بن حذيفة بن غانم [من بنى عدي بن كعب] . ذكره البخاري في كتاب الصلاة، في باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها [ (4) ] ، وفي باب الالتفات في الصلاة [ (5) ] . وذكره في كتاب اللباس، في باب: الأكسية والخمائص [ (6) ] ،
وألفاظه متقاربة. وخرجه مسلم أيضا [ (1) ] . والخميصة: كساء أسود مربع له علمان، وقيل: الخمائص ثياب من خزّ تخان، سود وحمر، ولها أعلام تخان أيضا، والانبجانية. كساء من الصوف له خمل، وليس له علم، منسوب إلى نباج، وهما نباجان: نباج نبتل، ونباج ابن عامر. وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون، عن محمد بن سيرين، عن أنس قال: لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس، انظر هذا الغلام فلا يصيبن شيئا حتى تغدو به إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحنكه، فغدوت به، فإذا هو في حائط وعليه خميصة حريبية، وهو يسم الظهر الّذي قدم عليه في الفتح. ذكره البخاري في باب الخميصة السوداء، وخرّج أبو عبد اللَّه الحاكم من حديث سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبى السليل، عن أبى تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم الهجيمي قال: لقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وعليه إزار من قطن منتشر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا محمد يا رسول اللَّه، فقال: عليك السلام تحية الميت، سلام عليكم، أي
هكذا فقل، فسألته عن الإزار، فأقنع ظهره، وأخذ بمعظم ساقه فقال: ها هنا، فإن أبيت فها هنا فوق الكعبين، فإن أبيت، فإن اللَّه لا يحب كل مختال فخور [ (1) ] . وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وللترمذي [ (3) ] من حديث الأشعث بن سليم قال: سمعت عمتي تحدث عن عمها قال: بينما أنا أمشى فإذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك فإنه أتقى، وأبقى، وأنقى، فإذا هو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللَّه إنما هي بردة ملحاء، قال: أما لك فىّ أسوة؟ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه وخرجه النسائي [ (4) ] [أيضا] .
وأما السراويل
وأما السّراويل فخرج ابن حيّان من حديث الهيثم بن عدي، حدثنا دلهم بن صالح قال [حدثنا] عبد اللَّه بن يزيد عن أبيه قال: إن النجاشي كتب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قد زوجتك امرأة [] ، وهي على دينك، أم حبيبة بنت أبى سفيان، وأهديت إليك هدية جامعة، قميصا وسراويل وعطافا وخفين ساذجين، فتوضأ النبي [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم ومسح عليهما. قال الهيثم: العطاف: الطليسان. ومن حديث وكيع عن الثوري، عن سماك بن حارث، عن سويد عن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبديّ بزا من هجر إلى مكة، فأتانا رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم فاشترى سراويل، وثمّ وزان يزن بالأجر، فقال: إذا وزنت فأرجح. وخرجه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . وخرجه أبو داود من حديث عبيد اللَّه بن معاذ، أخبرنا أبى أخبرنا سفيان عن سماك بن حرب، حدثني سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة [ (2) ] العبديّ بزا من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمشى، فساومنا بسراويل فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: زن وأرجح [ (3) ] . ومن حديث شعبة عن سماك بن حرب عن أبى صفوان بن عميرة قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر. بهذا الحديث، ولم يذكر: «يزن بأجر» [ (4) ] .
قال أبو داود: رواه قيس كما قال سفيان، قال: والقول قول سفيان [ (1) ] ، وجاء في حديثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى سراويل بأربعة دراهم، قال أبو هريرة: فأردت حملها فمنعني وقال: صاحب الشيء أحق بحمله، قلت يا رسول اللَّه! وإنك لتلبس السراويل؟ قال نعم بالليل والنهار.
وأما لبس الصوف ونحوه
وأما لبس الصوف ونحوه فخرج ابن حيّان من حديث بقية، حدثنا يوسف بن أبى كثير، عن نوح ابن ذكوان، عن الحسن، عن أنس قال: لبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم الصوف، واجتنى المخصوف، ولبس خشنا، وأكل بشعا- يعنى غليظ الشعير- ما كان يسعه إلا تجرعه [ (1) ] . ومن حديث يحى بن يعلى الأسلمي، عن مختار التميمي، عن كرز الحارثي، عن أبى أيوب قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس الصوف، ويخصف النعل، يرقع القميص، ويركب الحمار، ويقول: من رغب عن سنتي فليس منى [ (1) ] . وجاء عن محمد بن جعفر الوركانى، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس، لبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جبة من صوف ثلاثة أيام، فلما عرق وجد منها ريحا كرهها، فرمى بها [ (2) ] . ولابن حيّان من حديث حماد بن زيد، حدثنا حلس بن أيوب قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين، وعليه جبة صوف، وإزار
صوف، وعمامة صوف، فاشمأز منه محمد [بن سيرين] [ (1) ] وقال: أظن أن أقواما يلبسون الصوف فيقولون: قد لبسه عيسى ابن مريم عليه السلام، وقد حدثني من لا أتهم، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [قد] [ (2) ] لبس الكتان، والقطن، [ويمنة] [ (3) ] ، وسنة نبينا أحق أن تتبع [ (4) ] . وقال هشام بن الكلبي عن أبيه محمد بن السائب، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أثواب صحارية، وسحولية، ويمنة. وكان عبد اللَّه بن أبى الأسود بصريّ، يروى عن أنس، يروى عنه عنبسة ابن عبد الرحمن [ (5) ] ، وروى هذا الحديث عن عنبسة محمد بن عبد اللَّه ابن عثمان الخزاعي أبو عبد اللَّه، قال فيه أبو حاتم: هو ثقة، وقد روى عنه أبو داود، ورواه عن محمد بن عبد اللَّه بن عبد القدوس، عن عبد الكبير البصري، إلا أن عنبسة قال فيه ابن معين: هو لا شيء. وقال
أبو حاتم: كان يضع الحديث [ (1) ] .
وأما وقت لبسه صلى الله عليه وسلم وما يقوله عند اللبس
وأما وقت لبسه صلى اللَّه عليه وسلم وما يقوله عند اللّبس فخرج ابن حيّان من حديث عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا عبد اللَّه بن أبى الأسود قال: سمعت أنسا يقول: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا لبسه يوم الجمعة [ (1) ] . وخرج أبو عيسى الترمذي عن عبد اللَّه بن المبارك، عن سعيد الجريريّ، عن أبى بصرة، عن أبى سعيد قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه، عمامة، أو قميصا، أو رداء، ثم يقول: اللَّهمّ لك الحمد كما كسوتنيه، أسألك خيره، وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شرّه، وشر ما صنع له [ (2) ] .
وخرّج الحاكم من حديث إسحاق بن سعيد، حدثنا أبى، حدثتني أم خالد بنت خالد قالت: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بثياب فيها خميصه سوداء صغيرة، فقال: من ترون أكسو هذه، فسكت القوم، فقال: ائتوني بأم خالد، قالت: فأتى بى، فألبسنيها بيده وقال: أبلي وأخلقي- يقولها مرتين- وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أصفر وأحمر ويقول: يا أم خالد، هذا سنا، والسنا بلسان الحبشة: الحسن [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
وخرّج الخطيب أبو بكر من حديث داود بن بكر، أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، أخبرنا عنبسة عن عبد اللَّه بن أبى الأسود، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا استجد ثوبا لبسه يوم الجمعة [ (1) ] .
وأما الخف
وأمّا الخفّ فقد خرّج الترمذي في كتاب (الشمائل) ، من حديث وكيع عن دلهم بن صالح، عن حجين بن عبد اللَّه، عن أبى بريدة عن أبيه، أن النّجاشى، أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما [ (1) ] [وصلى] . وقد ثبت في (صحيح البخاري ومسلم) ، و (سنن أبى داود) ، (والترمذي) ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسح على الخفين [ (2) ] . فرواه عبد اللَّه بن عمر عن سعد أبى وقاص، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه مسح على الخفين، ورواه جعفر بن عمرو بن أمية الضّمرى، أن أباه أخبره أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم يمسح على الخفين [ (2) ] . ورواه أبو وائل عن حذيفة بن اليمان قال: كنت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فبال على سباطة قوم- يعنى كناسة- ثم تنحى فأتيته بماء فتوضأ، ومسح على خفيه [ (2) ] . ورواه إبراهيم عن همّام بن الحارث قال: رأيت جريرا بال ثم توضأ، ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم صنع مثل هذا. ورواه المغيرة بن شعبة كما تقدم، وبذلك يثبت أنه كان يلبس الخفين، صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
وعن الشعبي قال المغيرة بن شعبة: أهدى [دحية] [ (1) ] للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خفين فلبسهما، [وقال إسرائيل عن جابر: وجبّة فلبّسهما حتى تخرقا لا يدرى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أذكى هما أم [ (2) ] لا] . ذكره أبو عيسى في الشمائل [ (3) ] .
وأما النعل
وأمّا النّعل فقد ثبت في (صحيح البخاري) و (سنن أبى داود) ، من حديث هشام عن قتادة عن أنس، أن نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان له قبالان [ (1) ] . وفي رواية للبخاريّ من حديث عيسى بن طهمان، قال: أخرج إلينا أنس بن مالك رضى اللَّه عنه نعلين لهما قابلان، فقال ثابت [البناني] : [ (2) ] [هذه] [ (2) ] نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . وقال في كتاب [فرض] الخمس من حديث ابن طهمان، أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت البناني يعدّ أنهما نعلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] . القبال: زمام النّعل.
وللإمام أحمد من حديث مطرف بين الشخير، قال: أخبرنى أعرابى لنا قال: رأيت نعل نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم مخصوفة [ (1) ] . ولابن حيّان من حديث ميمون بن بهزان، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نعلان لهما زمامان. ومن حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج، أنه قال لعبد اللَّه بن عمر: رأيتك تلبس النّعال السبتية، قال: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها. قلت: هكذا خرّج ابن حيان هذا الحديث مختصرا. وقد رويناه في الموطّإ من حديث مالك، عن سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد اللَّه بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها، قال: ما هنّ يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السّبتية، ورأيتك تصبغ بالصّفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى كان يوم التروية. فقال عبد اللَّه بن عمر: أما الأركان، فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يمسّ منها إلا الركنين اليمانيين، وأما النعال السّبتية، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصّفرة، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما
الإهلال، فإنّي لم أر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يهلّ حتى تنبعث به راحلته [ (1) ] .
وخرّجه البخاري ومسلم وأبو داود، فذكره البخاري في كتاب الطهارة، في باب غسل الرجلين في النعلين، وفي كتاب اللباس في باب النعال السبتية، وذكره مسلم وأبو داود في الحج. والنعال السّبتية: هي السوداء التي لا شعر لها، والسبت: الجلد المدبوغ بالقرظ، وقيل: هو كل جلد مدبوغ، وقيل: السبت هي جلود البقر خاصة، مدبوغة كانت أو غير مدبوغة، لا يقال لغيرها سبت، وجمعها سبوت. وقيل: السبت نوع من الدباغ يقلع الشعر، والنعال السبتية كانت من لباس [وجوه] [ (1) ] الناس وأشراف العرب، وهي معروفة عندهم، قد ذكرها شعراؤهم. وخرّج ابن حيّان من حديث شعبه، عن حميد بن هلال، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبى ذر رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى في نعلين مخصوفتين من جلود البقر. ومن حديث ثابت بن يزيد عن التيمي قال: أخبرنى من أبصر نعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، له قبالان بعقبين. ومن حديث عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا
لبس نعليه بدأ باليمنى، وإذا خلع خلع اليسرى [ (1) ] .
فصل في خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم [1]
فصل في خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] خرّج البخاري من حديث الليث [ (2) ] عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر [ (3) ] رضى اللَّه عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، فكان فصّه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس على المنبر فنزعه فقال: إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصّه من داخل، فرمى به وقال: واللَّه لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم. ذكره في كتاب الأيمان، وترجم عليه باب من حلف على الشيء وإن لم يحلّف [ (4) ] . وخرجه مسلم وزاد في حديث عقبة بن خالد، عن عبيد اللَّه عن نافع:
وجعله في يده اليمنى [ (1) ] . وذكره البخاري من حديث [جويرية] [ (2) ] عن نافع، أن عبد اللَّه حدّثه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب، وجعل فصّه في بطن كفه إذا لبسه، فاصطنع الناس خواتيم من ذهب، فرقى المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه فقال: إني كنت اصطنعته، وإني لا ألبسه فنبذه، فنبذ الناس. قال [جويرية] [ (3) ] : ولا أحسبه إلا قال: في يده اليمنى. ترجم عليه باب من جعل فصّ الخاتم في بطن كفه [ (4) ] . وذكره من حديث عبد اللَّه بن مسلم، عن مالك عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، [رضى اللَّه عنهما قال] : كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلبس خاتما من ذهب فنبذه، فقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم [ (5) ] . ذكره في باب خاتم الفضة [ (6) ] . وذكره في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، في باب الاقتداء بأفعال النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حديث عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر قال: اتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب، فقال النبي
صلى اللَّه عليه وسلم: إني اتخذت خاتما من ذهب، فنبذه وقال: إني لن ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم [ (1) ] . وذكر في باب خواتيم الذهب، من حديث عبيد اللَّه، حدثني نافع عن عبد اللَّه [رضى اللَّه] [ (2) ] عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب، وجعل [ (3) ] فصّه مما يلي كفه، فاتخذه الناس فرمى به، واتخذ خاتما من ورق أو فضة [ (4) ] . وذكر في باب خاتم الفضة، من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضي اللَّه عنهما] [ (5) ] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب [- أو فضة-] [ (5) ] ، وجعل فصه مما يلي [كفه] [ (6) ] ، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (7) ] قد اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة [ (8) ] . قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، حتى وقع من عثمان في بئر أريس [ (8) ] .
وخرجه أبو داود بهذا الإسناد نحوه وقال فيه: فاتخذ الناس خواتم [ (1) ] الذهب، وبعده قال أبو داود: ولم يختلف الناس على عثمان رضى اللَّه عنه حتى سقط الخاتم من يده [ (2) ] . وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث عبد اللَّه عن نافع عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (5) ] قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق وكان [ (6) ] في يده، حتى وقع بعد [ (7) ] في بئر أريس، نقشه: محمد رسول اللَّه. لفظ ابن نمير في رواية مسلم: حتى وقع في بئر أريس، لم يقل: منه. وفي لفظ البخاري: حتى وقع بعد في بئر أريس، ولم يذكر لفظة: بعد، في
المواضع الثلاثة، قبل أبى بكر وعمر وعثمان رضى اللَّه عنهم. ولمسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع عن ابن عمر قال: اتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ذهب ثم ألقاه، ثم اتخذ خاتما من ورق ونقش فيه: محمد رسول اللَّه وقال: لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا، وكان إذا لبسه جعل فصّه مما يلي بطن كفه، وهو الّذي سقط من معيقيب في بئر أريس. اللفظ لمسلم، ولم يقل النسائي: وهو الّذي سقط من معيقيب في بئر أريس، وقال: لا ينبغي لأحد أن ينقش على نقش خاتمي هذا [ثم جعل فصه في بطن كفه [ (3) ]] . وللبخاريّ من حديث ثمامة عن أنس، أن أبا بكر رضى اللَّه عنه لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب، وختمه بخاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، واللَّه سطر. ذكره في كتاب الخمس في باب ما ذكر من درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه [ (4) ] . وذكر في كتاب اللباس، في باب: هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر؟
ووصل به: قال أبو عبد اللَّه: وزادني أحمد: أخبرنا الأنصاري [قال] [ (1) ] : حدثني أبى ثمامة عن أنس [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] قال: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم في يده، وفي يد أبى بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبى بكر، [قال] [ (1) ] : فلما كان عثمان جلس على بئر أريس [قال] [ (1) ] : فأخرج [الخاتم] [ (2) ] فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان [فنزح] [ (3) ] البئر فلم نجده [ (4) ] .
وله من حديث حماد [بن زيد] [ (1) ] عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من [فضة] [ (2) ] ، ونقش فيه: محمد روسل اللَّه، وقال للناس: إني اتخذت خاتما من ورق ونقشت فيه محمد رسول اللَّه، فلا ينقشن أحد على نقشه [ (3) ] .
وخرجه مسلم [وقال] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، وقال للناس: إني اتخذت خاتما من فضة [ (1) ] . وللبخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث محمد بن شهاب، أن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، أخبره أنه رأى في يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اضطربوا الخواتم. وقال البخاري: اصطنعوا الخواتم من ورق فلبسوها، فطرح النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم. قلت: هكذا في رواية ابن شهاب، اتخذ خاتما من ورق ثم نبذه، فنبذ الناس خواتيمهم. قال ابن عبد البر: وهذا غلط عند أهل العلم، والمعروف أنه إنما نبذ خاتما من ذهب لا من ورق [ (4) ] . وحديث ابن شهاب هذا، رواه عنه إبراهيم بن سعد، ويونس بن يزيد،
وموسى بن عقبة، وعبد اللَّه بن أبى عتيق. والمحفوظ في هذا الباب عن أنس، غير ما قال ابن شهاب، كما تقدم ذكره من رواية جماعة من أصحابه عنه، وتأوّله بعضهم فقال: طرح الناس خواتيمهم يعنى من الذهب [ (1) ] . [وذكر ابن سعد عن مغيرة، عن فرقد عن إبراهيم قال: كان خاتم رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] من حديد ملوى عليه فضة [ (2) ] ، وعن محمد بن راشد عن مكحول، أن خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان من حديد ملوى عليه فضة غير أن فصه بادى] [ (3) ] . [أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا إسحاق عن سعيد، أن خالد بن سعيد، أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي يده خاتم له، فقال رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] : ما هذا الخاتم؟ فقال: خاتم اتخذته، فقال: اطرحه إليّ، فطرحه، فإذا خاتم من حديث ملوى عليه فضة، فقال: ما نقشه؟ فقال: محمد رسول اللَّه، قال: فأخذه رسول اللَّه فلبسه، فهو الّذي كان في يده] [ (4) ] . [أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكيّ، أخبرنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص- حين قدم من الحبشة- على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟ قال: هذه حلقة يا رسول اللَّه، [قال: فما نقشها؟ قال: محمد رسول اللَّه] [ (5) ] ، قال: فأخذه رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] فتختمه، فكان [في يده] [ (6) ] حتى
قبض، ثم في يد عمر حتى قبض، ثم [لبسه] [ (1) ] عثمان، فبينا هو يحفر بئرا لأهل المدينة، يقال له بئر أريس، [فبينا] [ (2) ] هو جالس على شفتها يأمر بحفرها، سقط الخاتم في البئر، وكان عثمان يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله، فالتمسوه فلم يقدروا عليه] [ (3) ] . [أخبرنا خالد بن خداش، أخبرنا عبد اللَّه بن وهب، عن أسامة بن زيد، أن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، حدثه أن معاذ بن جبل لما قدم من اليمن حين بعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إليها، قدم وفي يده خاتم من ورق، نقشه: محمد رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا الخاتم؟ قال: يا رسول اللَّه، إني كنت أكتب إلى الناس، فأفرق أن يزاد فيها وينقص منها، فاتخذت خاتما أختم به، قال: وما هو؟ قال: محمد رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: آمن كل شيء من معاذ بن جبل حتى خاتمه! ثم أخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فتختمه] [ (4) ] . [وقال الصّولى: سقط خاتم رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] من يد أنصارىّ كان دفعه إليه عثمان [رضى اللَّه عنه] ليطبع به الكتب عنه، وكان فصّه منه، فجعل عثمان [رضى اللَّه عنه] فيمن يخرجه مالا عظيما، فلم يقدر عليه، فلما يئس منه عمل له مثله، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه] .
وأما فص خاتمه صلى الله عليه وسلم
وأما فصّ خاتمه صلى اللَّه عليه وسلم فخرّج البخاري من حديث حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان خاتمه من فضة، وكان فصّه منه [ (1) ] . وخرّجه أبو داود ولفظه: كان خاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فضة كله، فصّه منه [ (2) ] . ولمسلم من حديث يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: حدثني أنس ابن مالك رضى اللَّه عنه قال: كان خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ورق، وكان فصّه حبشيا [ (3) ] . وخرّجه أبو داود وليس إسناده بالقوى. قال ابن عبد البر:
فإنه من رواية إسماعيل بن أبى أويس عن يونس، وفي رواية الثقات: فصّه منه [ (1) ] . وفي لفظ مسلم من رواية طلحة بن يحى [وهو الزرقانى ثم الزرقيّ] [ (2) ] ، عن يونس، [عن ابن شهاب عن أنس بن مالك] [ (2) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه، فيه فصّ حبشي، كان يجعل فصّه مما يلي كفّه [ (3) ] . قال أبو الحسن الدار قطنى: هذا حديث محفوظ عن يونس، حدّث به الليث، وابن وهب، وعثمان بن عمرو، وغيرهم عنه، لم يذكروا: في يمينه. والليث وابن وهب أحفظ من سليمان ومن طلحة بن يحى، ومع ذلك فالراوى عن سليمان إسماعيل بن أويس، وهو ضعيف لا يحتج بروايته إذا انفرد عن سليمان ولا عن غيره. وأما طلحة بن فسيح، والليث وابن [وهب] ثقتان متقنان صاحبا كتاب، فلا يقبل زيادة ابن أبى أويس عن سليمان، إذا انفرد بها، وقد رواه
جماعة عن الزهري حفاظا، لم يقل منهم أحد: في يمينه، منهم: عقيل، وشعيب، وابن مسافر، وإبراهيم بن سعد، وموسى بن عقبة، وابن أبى عتيق، وابن أخى الزهراء. انتهى. وذهب بعضهم إلى أنه كان له عليه السلام في وقت خاتم فصّه منه، وفي وقت خاتم فصه حبشىّ. وفي حديث آخر: فصّه من عقيق [ (1) ] . وصحح قوم حديث ابن أبى أويس في التختم في يمينه، بأنه احتج به البخاري ومسلم ومعه جماعة، ووافقه طلحة وسليمان عليها [وكون الأكثرين لم يذكروها لا يمنع صحتها] [ (2) ] . فلم ينفرد ابن أويس بروايتها، وزيادة الثقة مقبولة.
وأما سبب اتخاذ الخاتم
وأما سبب اتخاذ الخاتم فقد خرّج البخاري ومسلم من حديث شعبه عن قتادة، عن أنس قال: لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا أن يكون مختوما، قال: فاتخذ خاتما من فضة، كأنى انظر إلى بياضه في يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونقش فيه: محمد رسول اللَّه، ولفظ مسلم: نقشه: محمد رسول اللَّه. ذكره البخاري في كتاب الأحكام، في باب: الشهادة على الخط [ (1) ] ، وفي اللباس [ (2) ] وفي الجهاد، في باب: دعوة اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه [ (3) ] . ولفظه في اللباس: إنهم لن يقرءوا كتابك إذا لم يكن مختوما [ (4) ] ، وذكره في كتاب العلم، في باب: ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم إلى البلدان، ولفظه: كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم كتابا، أو أراد أن يكتب، فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما، فاتخذ خاتما من فضة،
نقشه: محمد رسول اللَّه، كأنى انظر إلى بياضه في يده [ (1) ] . ولمسلم من حديث هشام عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يكتب إلى العجم فقيل له: إن العجم لا يقبلون إلا كتابا عليه خاتم، فاصطنع خاتما من فضة، قال: كأنى انظر إلى بياضه في يده [ (2) ] . ومن حديث خالد بن قيس عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أراد أن يكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، فقيل: إنهم لا يقبلون كتابا إلا بخاتم، فصاغ [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (3) ] خاتما حلقة فضة، ونقش فيه: محمد رسول اللَّه [ (4) ] .
وذكر البخاري في باب: نقش الخاتم من حديث سعيد عن قتادة، عن أنس [بن مالك رضى اللَّه عنه] [ (1) ] ، أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أراد أن يكتب إلى رهط- أو ناس- من الأعاجم فقيل له: إنهم لا يقبلون كتابا إلا عليه خاتم، فاتخذ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما من فضة، نقشه: محمد رسول اللَّه، فكأني بوبيص [ (2) ]- أو ببصيص- الخاتم في إصبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم أو في كفه [ (3) ] .
وأما إصبع الخاتم التي يتختم فيها
وأما إصبع الخاتم التي يتختم فيها فإن مسلم بن حجاج رحمه اللَّه، خرّج من حديث ثابت عن أنس، وأمّا عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري رحمه اللَّه، خرّج من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: اصطنع النبي صلى اللَّه عليه وسلم خاتما فقال: إنا اتخذنا خاتما، ونقشنا فيه نقشا، فلا ينقش [عليه أحد] [ (1) ] ، قال: فإنّي لأرى بريقه في خنصره. ترجم عليه البخاري في باب: الخاتم في الخنصر [ (2) ] . وخرّج أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، من حديث حماد بن سلمة قال: رأيت ابن أبى رافع [ (3) ] يتختم في يمينه، فسألته عن ذلك، فقال: رأيت عبد اللَّه بن جعفر يتختم في يمينه، وقال عبد اللَّه بن جعفر: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في يمينه. قال أبو عيسى: قال محمد بن إسماعيل- يعنى البخاري- هذا أصح شيء روى في هذا الباب [ (4) ] .
وخرّجه النّسائى عن حماد عن ابن أبى رافع، عن عبد اللَّه بن جعفر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه [ (1) ] . والترمذي من حديث جوير، عن محمد بن إسحاق، عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل قال: رأيت ابن عباس يتختم في يمينه، ولا إخاله إلا قال: رأيت اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتختم في يمينه قال أبو عيسى: قال محمد بن إسماعيل: حديث محمد بن إسحاق عن الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل حديث حسن صحيح [ (2) ] . ولأبى داود من حديث عبد العزيز بن أبى روّاد عن نافع عن ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه ويساره، وكان فصه في باطن كفه [ (3) ] .
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: ووجه الجمع من هذه الروايات، أنه صلى اللَّه عليه وسلم لبس خاتم الذهب في يمينه ثم نبذه، واتخذ خاتم الورق ولبسه في يساره [ (1) ] . وذكر من طريق الشيخ ابن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، عن أبيه عن جده إلى سعيد، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يلبس خاتمه في يساره [ (1) ] . وذكر الحافظ أبو الفرج بن الجوزي، من طريق محمد بن عباد قال: حدثنا عبد اللَّه بن ميمون، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه. قال: محمد بن عباد ضعيف، وابن ميمون ليس بشيء، قال البخاري: هو ذاهب الحديث. واليسار أصحّ [ (2) ] . وذكر من طريق خالد بن يحى قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس قال: كأني انظر إلى وميض خاتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في يده اليسرى وهو يخطبنا [ (3) ] . ومن طريق ابن حيّان، من حديث سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعلى، الحسن، والحسين كلهم يتختمون في اليسار [ (4) ] .
ولابن عدي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يتختم في يمينه ثم حوّله في يساره [ (1) ] . وخرّج ابن مندة من حديث ابن الجارود قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد اللَّه، حدثنا محمد بن عبد اللَّه الخزاعي، حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن، عن أبى قتيلة بن مرة الحضرميّ، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حوّل خاتمه في يمينه، فكان يدعه اليوم واليومين والثلاثة بيساره، فلذلك كان يقال: يتختم بيمينه [ (2) ] . [ولابن حبان من حديث همام بن يحى، عن ابن جريج، عن الزهري عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء
وضع خاتمه] [ (1) ] .
فضل ذكر جلسة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتبائه
فضل ذكر جلسة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واحتبائه [الاحتباء: أن يقعد على أليته وينصب ساقيه، ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه، ويقال لهذا الفعل: الحبو، بضم الحاء وكسرها، والاحتباء عادة للعرب في مجالسهم] . اعلم أنّ جلوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الجامع إما كان مربعا، أو محتبيا- وهو كان أكثر جلوسه- أو القرفصاء وشبهها من [جلسات] الوقار والتواضع. وقد خرّج أبو داود من حديث يونس بن عبيد، عن عبيدة أبى خداش، عن أبى تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو محتب بشملة وقد وقع هدبها على قدميه [ (1) ] . وخرجه النّسائى من حديث قرّة بن خالد، عن قرّة بن موسى الهجيمي قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو محتب ببردة، وإن هدبها لعلى قدميه قلت: يا رسول اللَّه! أوصني، قال: عليك باتقاء اللَّه، ولا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنّها هي المخيلة وإن اللَّه لا يحبها. وذكر له [طرقا] ، وقد تقدم من رواية الإمام أحمد [ (2) ] .
وللترمذي من حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد، عن أبيه عن جده أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] قال: [كان] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا جلس في المسجد [ (1) ] احتبى بيديه [ (2) ] . ومن حديث قيلة بنت مخرمة [ (3) ] ، أنها رأت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد،
وهو قاعد القرفصاء [ (1) ] ، قال: فلما رأيت المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق [ (2) ] .
ومن حديث سفيان عن الزهري، عن عبادة بن تميم، عن عمه، أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلم مستلقيا في المسجد، واضعا إحدى رجليه على الأخرى [ (1) ] .
فصل في ذكر خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر خضاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرّج الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه، من حديث سلام بن أبى مطيع، عن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال: دخلنا على أم سلمة رضى اللَّه عنها، فأخرجت إلينا شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم [ (1) ] . وخرّج ابن عدي من حديث غيلان بن جامع، عن إياد بن لقيط، عن أبى رمثة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم، وكان شعره يبلغ كتفيه أو منكبيه [ (2) ] .
ومن حديث عمر بن قيس المكيّ، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يخضب بالحناء والكتم، ويقول: غيّروا فإن اليهود لا تغيّر [ (1) ] . وقد روى عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: حدثنا سفيان عن إياد بن لقيط، عن أبى رمثة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فرأيته قد لطخ لحيته بالحناء. وخرّجه الترمذي في (الشمائل) ، من حديث عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط العجليّ، عن أبى رمثة التيمي قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومعى ابن لي، قال: فأريته، فقلت لما رأيته: هذا نبي اللَّه وعليه ثوبان أخضران، وله شعر قد علاه الشيب وشيبة أحمر [ (2) ] . وفي رواية عن إياد [بن لقيط] [ (3) ] قال: أخبرنى أبو رمثة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (4) ] مع ابن لي، فقال ابنك [هذا] [ (3) ] ؟ فقلت: نعم، أشهد به، قال: لا يجنى عليك ولا تجنى عليه، قال: ورأيت الشيب أحمر. قال أبو عيسى: هذا أحسن شيء روى في هذا الباب وأفسر لأن الروايات الصحيحة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يبلغ الشيب [ (5) ] . ولأبى داود من حديث عبد العزيز بن سلمة، عن زيد بن أسلم، أن ابن
عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، فقيل له: لم تصبغ بالصفر؟ قال: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شيء أحب إليه منها، وقد كان يصبغ ثيابه كلّها حتى عمامته [ (1) ] . وخرّجه النّسائى ولفظه: رأيت ابن عمر يصفر لحيته بالخلوق، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن! إنك تصفرّ لحيتك بالخلوق، قال [ (2) ] : إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصفرّ بها لحيته، ولم يكن شيء من الصّبغ أحب إليه منها، ولقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته [ (3) ] . [قال أبو عبد الرحمن: وهذا أولى بالصواب من حديث قتيبة] [ (4) ] . وقد خالف الدراوَرْديّ عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار، فرواه عن زيد ابن أسلم، عن عبيد بن جريج قال: رأيت ابن عمر يصفر لحيته، فقلت له في ذلك، فقال: إني رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصفر لحيته، قال النسائي: وهو أولى بالصواب [من] الّذي قبله [ (5) ] . ولأبى داود والنسائي،، من حديث ابن أبى روّاد، عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يلبس النعال السبتية، ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل [ (6) ] ذلك. وقد تقدم حديث مالك عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج،، عن ابن عمر، وفيه: وأما الصفرة،
فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يصبغ] بها، فأنا أحب أن أصبغ بها [ (1) ] . وخرّج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عبد الصمد العمى، عن جعفر بن محمد، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أكثر شيب النبي صلى اللَّه عليه وسلم في الرأس في فودى رأسه [ (2) ] ، وكان أكثر شيبة في لحيته حول الذقن، وكان شيبة كأنه خيوط الفضة يتلألأ بين سواد الشعر، وإذا مسّه بصفرة- وكان كثيرا ما يفعل ذلك- صار كأنه خيوط الذهب. ولقاسم بن أصبغ من حديث مروان بن سالم، عن عبد اللَّه بن همام قال: قلت: يا أبا الدرداء، بأي شيء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب؟ قال: يا ابن أخى، أو يا بنى، ما بلغ منه الشيب ما كان يخضبه، ولكنه قد كان منه ها هنا شعرات بيض، وكان يغسله بالحناء والسّدر [ (3) ] . ومن حديث شريك عن عثمان بن موهب قال: رأيت شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند بعض نسائه أحمر [ (4) ] . ومن حديث سلام بن أبى مطيع، عن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال: دخلت على أم سلمة رضى اللَّه عنها فأخرجت إلينا شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم [ (5) ] . ومن حديث شريك عن سدير الصيرفي عن أبيه قال: كان على رضى اللَّه
عنه لا يخضب، فذكرت ذلك لمحمد بن على، قال: قد خضب من هو خير منه، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ومن حديث ضمرة عن على بن أبى حملة قال: كان رجاء بن حيوة لا يغيّر الشيب فحجّ، فشهد عنده أربعة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غيّر، قال: فغيّر في بعض المياه. وذكر البخاري من حديث الليث، عن خالد، عن سعيد بن أبى هلال، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن [قال] [ (1) ] :، سمعت أنس [ (2) ] بن مالك يصف النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم ... وذكر الحديث إلى قوله: وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. قال ربيعة: فرأيت شعرا من شعره، فإذا هو أحمر، فسألت، فقيل: احمرّ من الطيب [ (3) ] .
فذهب جماعة من أهل العلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يخضب بالحناء، ويصفر شيبة، على أنهم مجمعون أنه إنما شاب منه عنفقته وشيء من صدغيه لا غير، وقال آخرون: لم يخضب [ (1) ] . وذكروا حديث إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، فإذا ادّهن وأمتشط لم يتبيّن شيبة، فإذا أشعث كان متبيّنا، وكان كثير شعر الرأس واللحية [ (2) ] . وحديث هشام عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب: أخضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لم يبلغ ذلك [ (3) ] .
وحديث عاصم بن على، أخبرنا محمد بن راشد عن مكحول عن موسى بن أنس عن أبيه قال: لم يبلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الشيب ما يخضب [ (1) ] . وحديث على بن الجعد، حدثنا زهير بن معاوية، عن حميد الطويل قال: سئل أنس رضى اللَّه عنه عن الخضاب فقال: خضب أبو بكر رضى اللَّه عنه بالحناء والكتم، وخضب عمر بالحناء وحده [ (2) ] . قيل: فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء، فأصغى حميد إلى رجل عن يمينه فقال: كنّ سبع عشرة [ (3) ] . [ووضع يده على عنفقته] [ (4) ] . وذكر مالك في الموطّإ عن يحيى بن سعيد قال: أخبرنى محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، أن عبد الرحمن بن الأسود ابن عبد يغوث قال- وكان جليسا لهم وكان أبيض الرأس واللحية [ (5) ]-[قال:] [ (6) ] فغدا عليهم ذات يوم وقد حمّرهما، قال: فقال له القوم: هذا أحسن، فقال: إن أمى عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أرسلت إليّ البارحة جارتها نخيلة، فأقسمت عليّ لأصبغنّ، وأخبرتنى أن أبا بكر الصديق [رضى اللَّه
عنه كان] [ (1) ] يصبغ [ (2) ] . قال مالك رحمه اللَّه: هذا الحديث بيان أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يصبغ، ولو صبغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لأرسلت بذلك عائشة رضى اللَّه عنها إلى عبد الرحمن بن الأسود [ (3) ] . وقالوا: الصّبغ الّذي ذكر في حديث ابن عمر بالصفرة، هو صبغ الثياب لا صبغ اللحية، كما ذكر مالك عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق [ (4) ] ، [والثوب] [ (5) ] المصبوغ بالزعفران [ (6) ] . وكما رواه قاسم بن أصبغ، من حديث سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه كان يصبغ ثيابه بالصفرة حتى عمامته [ (7) ] . وذكر ابن عمر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يصبغ بالصّفرة [ (7) ] . وذكره ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم مرسلا، ومن حديث القعنبي، أخبرنا عبد اللَّه بن زيد بن أسلم، عن أبيه أن ابن عمر كان
يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له، فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبغ به، ورأيته يحبه، أو رأيته أحبّ الصبغ إليه. قال ابن عبد البر: وقد روى أنه كان يخضب، وليس بقوى، - والصحيح أنه لم يخضب، ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له، وعارض من ذهب إلى أنه صلى اللَّه عليه وسلم اختضب بحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] : إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل أو ما في معنى ذلك من الأحاديث، وبأنه اختلفت الرواية عن أنس. فخرج الترمذي من حديث عمرو بن عاصم قال: أخبرنا حماد بن سلمة، حدثنا حميد عن أنس قال: رأيت شعر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مخضوبا [ (1) ] .
وقال يعقوب بن سفيان: حدثني يوسف بن كامل، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبى طالب قال: سألت أنس ابن مالك [رضى اللَّه عنه] : هل كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يخضب؟ قال: ما أرى، قلت: فإنه كان عندنا من شعره شعر فيه صفرة، قال أنس [رضى اللَّه عنه] : إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يمسّه بصفرة، قالوا: فقول أنس: ما أرى، إخبار عن ظن، وقوله: لم يخضب شهادة على نفى، وقد قطع غيره من الصحابة مثل عبد اللَّه بن عمر، وأبى رمثة البلوى، وعبد اللَّه بن زيد صاحب الأذان، على أنه خضب، والإثبات مقدم على النفي. وهذا جواب الإمام أحمد بن حنبل- رحمه اللَّه- حين قيل له: إن أنسا يقول: [إنه] لم يخضب، قلت: والّذي عندي أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يبلغ من الشيب ما يقتضي الخضاب كما أجمعوا عليه، ومع ذلك فكان يغير أحيانا ما شاب من شعره، وأحيانا يتركه بحاله. وبهذا أرجو- إن شاء اللَّه- أن يكون الصواب، واللَّه أعلم.
فصل في ذكر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في شعره
فصل في ذكر ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يفعله في شعره [قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا مندل عن ابن جريج قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مشط من عاج يتمشط به] [ (1) ] . [و] خرج ابن حبان من حديث وكيع، عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشيّ عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يكثر تسريح رأسه ولحيته بالماء [ (2) ] . وللترمذي من حديث أبى العلاء الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أن النبي عليه السلام، كان يترجّل غبّا [ (3) ] .
ومن حديث أبى الشعثاء، عن مسروق عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليحبّ التيمّن في طهوره إذا تطهّر، وفي ترجّله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل [ (1) ] .
ومن حديث بقية عن عمرو بن خالد، عن قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع له سواكه، وطهوره، ومشطه، فإذا أهبّه اللَّه من الليل، استاك، وتوضأ، وأمتشط [ (1) ] . وخرّج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، قال: [كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يجب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به] [ (2) ] [و] [ (2) ] كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم،
وكان المشركون يفرقون رءوسهم، فسدل رسول اللَّه ناصيته، ثم فرق بعد [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، وذكره البخاري في كتاب المناقب، في باب: صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، [و] في آخر كتاب الهجرة [ (4) ] ، في باب: إتيان اليهود النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين قدم المدينة، ولفظه: عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسدل شعره، وكان المشركون يفرقون رءوسهم، وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأسه [ (5) ] . وخرّج النسائي [ (6) ] بنحوه وقال فيه: ثم فرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد ذلك..
وخرّج الإمام أحمد [ولفظه قال:] [ (1) ] سدل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناصيته ما شاء اللَّه أن يسدلها، ثم فرق بعد [ (2) ] . [قال الحافظ أبو نعيم: غريب من حديث مالك وزياد متصلا، تفرد به أحمد عن حماد، ورواه روح بن عبادة، عن مالك بن أنس، عن زياد عنه من دون أنس، والمشهور الثابت من حديث الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس] [ (3) ] . وخرّج الترمذي من حديث البيع بن صبيح، عن يزيد بن أبان، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته [ (4) ] ، [ويكثر القناع
حتى كأن ثوبه ثوب زيات] [ (1) ] . وللإمام أحمد [ (2) ] والدار قطنى [ (3) ] من حديث زكريا بن عدي، أخبرنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن عروة عن عائشة، قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي [ (4) ] ، وأشنان [ (5) ] ، ودهنه بزيت غير كثير.
ولابن حيّان من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يأخذ من طول لحيته وعرضها [ (1) ] .
ومن حديث الحسن بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضى
اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجز شاربه [ (1) ] . ومن حديث إبراهيم بن قدامة عن أبى قدامة، عن أبى عبد اللَّه بن الأغر، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يقص شاربه، ويأخذ من أظفاره قبل أن يروح إلى الجمعة [ (2) ] . وقال إبراهيم الحربي: حدثنا عاصم بن عليّ، وعبيد بن إسحاق قالا: حدثنا كامل عن حبيب بن أبى ثابت، عن أم سلمة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى، ولى عانته [ (3) ] . وخرّجه عبد الباقي بن قانع، من حديث عاصم بن عليّ، حدثنا كامل بن العلاء، حدثنا حبيب بن أبى ثابت عن أم سلمة قالت:
كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا تنوّر اطلى مغابنه [ (1) ] بيده [ (2) ] . وحدثنا عبد اللَّه بن عمر، حدثنا حماد بن زيد، عن أبى هاشم، عن حبيب بن أبى ثابت، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان ينور ما أقبل منه، وينور أهله سائر جسده [ (3) ] . وحدثنا موسى، حدثنا أبان عن هشام عن أبى معشر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نوّره بعض أهله، ونوّر هو عورته [ (3) ] . وحدّثنا عن عبيد اللَّه، حدثنا عبد الواحد، حدثنا صالح بن صالح، [قال:] أخبرنا أبو معشر زياد بن كليب، [قال:] إن رجلا نوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلما بلغ مراقّة [ (4) ] ، كفّ الرجل، ونوّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفسه..
[و لابن قانع من حديث إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا معن بن عيسى عمن حدثه عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: اطّلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فستر عورته بثوب، وطلا الرجل سائر جسده، فلما فرغ قال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أخرج عنى، ثم طلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم عورته بيده] [ (1) ] . ولابن حيان من حديث على بن الحسن بن شقيق، عن أبى حمزة، عن مسلم الملائى، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا ينور، فإذا كثر شعره حلقه [ (2) ] . [ويحتمل قول أنس أن عادته صلى اللَّه عليه وسلم كانت الحلق، وأن ذلك كان الأكثر من أحواله] صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
فصل في ذكر مرآة النبي صلى الله عليه وسلم ومكحلته
فصل في ذكر مرآة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومكحلته ذكر العقيلي في كتاب الضعفاء، أن اسم مرآة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: المدله [ (1) ] ، وقال ابن درستويه مرآة ومراة على تخفيف الهمزة، والجمع مرايا. [و] قال الحارث بن مسلم عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد للَّه الّذي سوّى خلقي فعدّله، وكرّم صورة وجهي وحسّنها، وجعلني من المسلمين [ (2) ] . وقال صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: الحمد للَّه الّذي حسّن خلقي وخلقي، وزان منى ما شان من غيري [ (3) ] . ولابن حيّان من حديث أبى هلال، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضى
اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: اللَّهمّ كما حسنت خلقي فحسّن خلقي [ (1) ] . ومن حديث إبراهيم بن أبى عبلة قال: سمعت أبا الدرداء قال: سمعت عائشة رضى اللَّه عنها: كنت أزود رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مغزاه: دهنا، ومشطا، ومرآة، ومقصين، ومكحلة وسواكا [ (2) ] . وقال حسين بن علوان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سبع لم يكن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر: القارورة، والمشط، والمرآة، والمكحلة، والسواك، والمقصّ، والمدرى. قلت لهشام: المدرى ما باله؟ قال: حدثني أبى عن عائشة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان له وفرة إلى شحمة أذنه، وكان [صلى اللَّه عليه وسلم] يحركها بالمدرى [ (3) ] .
وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: اكتحلوا بالإثمد [ (1) ] ، فإنه يجلو البصر [ (2) ] ، ويثبت الشعر، وزعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كانت له مكحلة يكتحل منها كل ليلة: ثلاثة في هذه، وثلاثة في هذه [ (3) ] .
وله من رواية قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يكتحل قبل أن ينام بالإثمد [ثلاثا] [ (1) ] في كل عين. وقال يزيد بن هارون في حديثه- يعنى عن عباد- إن النبي [صلى اللَّه عليه وسلم] كانت له مكحلة يكتحل [منها] [ (1) ] عند النوم ثلاثا في كل عين [ (2) ] .
فصل في محبة النبي صلى الله عليه وسلم للطيب وتطيبه
فصل في محبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم للطّيب وتطيّبه خرّج الإمام أحمد من حديث [السلام] أبى المنذر، عن ثابت عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: حبب إلى النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة [ (1) ] . وخرّجه الحاكم من حديث سيّار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، إلا أنه قال: وجعل [ (2) ] قرة عيني، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه [ (3) ] . وخرّجه النسائي ولفظه: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: حبّب إليّ من الدنيا [ (4) ] النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة [ (5) ] .
وخرّجه قاسم بن أصبغ، ومحمد بن أيمن، ولأحمد من حديث إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن رجل حدثه عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه من الدنيا ثلاثة: الطعام، والنساء، والطيب، فأصاب ثنتين ولم يصب واحدة، أصاب النساء والطيب، ولم
يصب الطعام [ (1) ] . وفي تحبيب النساء إليه صلى اللَّه عليه وسلم أقوال: أحدها: أنه زيادة في الابتلاء والتكليف حتى لا يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف به من أداء الرسالة، ولا يعجز عن تحمل أثقال النبوة، فيكون ذلك أكثر لمشاقه، وأعظم لأجره. الثاني: ليكون مع من يشاهدها من نسائه، فيزول عنه ما يرميه المشركون من أنه ساحر أو شاعر، فيكون تحببهن إليه لطفا به. الثالث: الحث لأمته على ما فيه كثرة النسل الّذي به المباهاة يوم القيامة. الرابع: التشرف به في قبائل العرب [فقد نكح في سائر شرف قبائل العرب] [ (2) ] إلا في تميم وثعلب. الخامس: لتكون العشائر من جهة نسائه، فيقوى أعوانه على أعدائه. وللبخاريّ من حديث عزرة بن ثابت الأنصاري [قال] [ (3) ] : حدثني ثمامة بن عبد اللَّه، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أنه كان لا يردّ الطيب، وزعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يردّ الطيب. ذكره في [كتاب] اللباس، [وترجم عليه] باب: من لم يردّ الطيب [ (4) ] .
وذكره في كتاب الهبة [في باب ما لا يرد من الهدية] ولفظه: حدثني ثمامة بن عبد اللَّه قال: دخلت عليه فناولني طيبا، قال: كان أنس [رضى اللَّه عنه] لا يردّ الطيب، قال: وزعم أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يردّ الطيب [ (1) ] .
وله من حديث عروة والقاسم [يخبران] [ (1) ] ، عن عائشة رضى اللَّه عنها، [قالت: طيبت رسول بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام.] . ذكره في [كتاب] اللباس، وترجم عليه باب: الذريرة [ (2) ] . وخرجه مسلم في الحج [ (3) ] ، وأخرجا [ (4) ] من حديث شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن
الأسود، عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت] : كأنى انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو محرم. ومن حديث منصور عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر
قبل أن يطوف بالبيت [ (1) ] ، بطيب فيه مسك. وتفرد مسلم بقوله: بطيب فيه مسك [ (2) ] . وقطنى من حديث موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر عن عائشة [رضى اللَّه عنها] أنها قالت: كنت أطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه [ (3) ] . ولأحمد من حديث سليمان بن كثير، حدثنا عبد الحميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت تعجبه الغانمية. قال الأصمعي: الغانمية: نور الحناء [ (4) ] . وللنسائى من حديث عبد اللَّه بن عطاء الهاشميّ، عن محمد بن عليّ الهاشمي قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتطيب؟ قالت: نعم، بذكارة الطيب [من] [ (5) ] المسك والعنبر [ (6) ] . وخرجه ابن حبّان، ولفظه: أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتعطّر؟ قالت: نعم كان يتعطّر بذكارة العطر المسك والعنبر [ (7) ] .
ولمسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من [حديث] [ (3) ] ابن وهب [قال] [ (3) ] : أخبرنى مخرمة عن أبيه عن نافع قال: كان ابن عمر [رضى اللَّه عنهما [ (3) ]] إذا استجمر بالألوّة غير مطراة، وبكافور يطرحه مع الألوّة ثم قال: هكذا كان يستجمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. لفظهما فيه سواء، ذكره مسلم في آخر كتاب الطب [ (4) ] ، وذكره النسائي في كتاب الزينة، وترجم عليه البخور. ولابن حيّان من حديث الوليد بن أبى رهم، عن يوسف بن أبى بردة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الطيب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العود [ (5) ] . وللترمذي من حديث موسى عن أنس عن أبيه قال: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سكة يتطيب منها [ (6) ] .
ولابن حيّان من حديث سعيد عن قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] : كنا نعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أقبل بطيب ريحه [ (1) ] . ولمسلم من حديث سماك عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدّى أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا فمسح خدّى، قال: فوجدت ليده بردا أو ريحا، كأنما أخرجها من جؤنة عطار [ (2) ] .
وذكر البخاري في باب صفة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حديث حماد بن زيد، عن ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: ما مسست حريرا أو ديباجا ألين من كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط، أو عرفا قط أطيب من ريح أو عرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وخرجه مسلم ولفظه: ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط، ديباجا ولا حريرا، ألين مسا
من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وفي لفظ له: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . ولقاسم بن أصبغ من حديث شعبة عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال: وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ يده، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب من المسك [ (3) ] . [وقال أبو يعلى: حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع، حدثني محمد بن عبد اللَّه بن عمر الأنصاري من بنى بياضة، حدثني أيوب بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن إسماعيل، حدثنا مجمع عن مولى لسلمة بن الأكوع، عن سلمة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأخذ المسك فيمسح به رأسه ولحيته] [ (4) ] .
ذكر اطلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة إن صح
ذكر اطّلاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنورة إن صح قال ابن سعد: أخبرنا عارم بن الفضل، وموسى بن داود قالا: أخبرنا حماد بن زيد، أخبرنا أبو هاشم عن حبيب بن أبى ثابت، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تنوّر] [ (1) ] . أخبرنا الفضل بن دكين، وموسى بن داود قالا: حدثنا شريك عن ليث أبى المشرفي، قال الفضل عن إبراهيم، وقال موسى عن أبى معشر، عن إبراهيم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا طلى بالنورة ولى عانته وفرجه بيده] [ (2) ] . [أخبرنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا منصور عن حبيب، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا اطّلى ولى عانته بيده] [ (2) ] . [أخبرنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان عن صالح عن أبى معشر،
وسفيان عن منصور عن حبيب بن أبى ثابت قالا: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا اطّلى بالنورة ولى عانته بيده] [ (1) ] . قال مؤلفه: هذه الآثار كلها مرسلة، وحبيب بن أبى ثابت الأسدي مولاهم، تابعي، مفتى الكوفة خرّج له الجماعة] [ (2) ] .
وقال همام عن قتادة: ما تنور رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عثمان، ولا على، ولا الخلفاء، ولا الحسن] [ (1) ]
فصل في ذكر سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج الإمام أحمد رحمه اللَّه من حديث الحسن، عن أنس [بن مالك] [ (1) ] قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو على سرير مضطجع مرمل بشريط، وتحت رأسه وسادة من آدم حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عليه عمر رضى اللَّه عنه، فانحرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انحرافه، فلم ير عمر [ (2) ] بين جنبه وبين الشريط ثوبا، وقد أثّر الشريط بجنب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فبكى عمر رضى اللَّه عنه، فقال له رسول اللَّه [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم ما يبكيك [يا عمر؟] [ (1) ] قال: واللَّه [ما أبكى أن] [ (4) ] لا أكون أعلم أنك على اللَّه [عز وجل [ (1) ]] من كسرى وقيصر، وهما يعيشان [ (5) ] فيما يعيشان [ (5) ] فيه من الدنيا، وأنت يا رسول اللَّه بالمكان الّذي أرى، فقال [النبي] [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال [عمر] [ (1) ] بلى، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فإنه كذاك [ (6) ] .
ولابن حيّان من حديث يحى بن حسان، عن محمد بن مهاجر، [قال: كان متاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز، في بيت ينظر إليه كل يوم [ (1) ]] وكان إذا اجتمعت إليه قريش، أدخلهم ذلك البيت، ثم استقبل ذلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم اللَّه وأعزّكم به [ (2) ] ، قال: وكان سريرا مرمّلا بشريط، ومرفقة من آدم محشوة بليف، وجفنة، وقدحا، وقطيفة، ورحى، وكنانة فيها أسهم، وكان في القطيفة أثر وسخ رأسه، فأصيب رجل، فطلبوا أن يغسلوا بعض ذلك الوسخ فيسعط به، فذكر ذلك لهم، فسعط فبرأ [ (3) ] . وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سيرة، عن محمد بن أبى حرملة، عن عطاء، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كانت قريش بمكة، وليس شيء أحب إلينا من السرير ننام عليها، فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، ونزل منزل أبى أيوب، قال صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا أيوب، أما لكم سرير؟ قال: لا واللَّه، فبلغ أسعد بن زرارة ذلك، فبعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسرير له عمود وقوامه ساج مرسول بحزم- يعنى المسد- فكان ينام عليه حتى تحول إلى منزلي، وكان فيه فوهبه لي، فكان ينام عليه حتى توفى، فوضع عليه وصلّى عليه وهو فوقه، فطلبه الناس منّا يحملون عليه موتاهم، فحمل عليه أبو بكر، وعمر،
رضى اللَّه عنهما، والناس بعد طلبا لبركته. قال الواقدي: أجمع أصحابنا- لا اختلاف بينهم- في أن سرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى ألواحه، عبد اللَّه بن إسحاق الإسحاقي، من موالي معاوية بن أبى سفيان بأربعة آلاف درهم، فلما كان مروان- يعنى على المدينة- منع أن يحمل عليه إلا الرجل الشريف، وفرّق في المدينة سررا يحمل عليها الموتى. قال: وكان وسطه بليف منسوج.
فصل في ذكر القدح الذي كان يوضع تحت السرير ليبول فيه
فصل في ذكر القدح الّذي كان يوضع تحت السرير ليبول فيه خرج البيهقي من حديث ابن جريج [قال] أخبرتنى حكيمة بنت أميمة، عن أميمة أمها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع [ (1) ] تحت سريره [فبال، فوضع تحت سريره] [ (2) ] ، فجاء فأراده، فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها: بركة- كانت تخدمه لأم حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة-: أين البول الّذي كان في هذا القدح؟ قالت: شربته يا رسول اللَّه [ (3) ] !! وقد أخرجه أبو داود [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ، من حديث حجاج بن محمد
الأعور عن ابن جرير، وليس فيه قصة بركة. وللحاكم من حديث شبابه، حدثنا أبو مالك النخعي، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي عن أم أيمن [رضى اللَّه عنها] قالت: قام النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الليل إلى فخّارة [من جانب البيت] [ (1) ] فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشى، فشربت ما [ (2) ] في الفخارة وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا أم أيمن، قومي إلى تلك الفخارة فأهريقى [ (3) ] ما فيها، قلت: قد واللَّه
شربت ما فيها، قال: فضحك [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] حتى بدت نواجذه، ثم قال: أما إنك لا يتجع [ (2) ] بطنك بعده أبدا [ (3) ] . وخرّجه أبو نعيم بهذا السند أيضا [ (4) ] ثم قال: ورواه مسلم بن قتيبة، عن عبد الملك بن حسين، عن أبى مالك النخعي [ (5) ] ، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أم أيمن نحوه. وخرّج الطبرانىّ من حديث حجّاج بن محمد عن ابن جريج قال: حدثتني حكيمة بنت أميمة بنت رقيقة قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يبول في قدح عيدان ثم يدفع تحت سريره، فبال فيه، ثم جاء فإذا القدح ليس فيه شيء، فقال لامرأة يقال لها: بركة- كانت تخدم أم حبيبة [رضى اللَّه عنها] جاءت بها من أرض الحبشة-: أين البول الّذي كان في القدح؟ قالت: فشربته، فقال [صلى اللَّه عليه وسلم] : لقد اختطرت من النار بخطار [ (6) ] . وقد اختلف في بركة هذه، فقال ابن عبد البر [ (7) ] : هي أم أيمن، وقال غيره: هي بركة بنت يسار مولاة أبى سفيان بن حرب [رضى اللَّه عنه] امرأة
قيس بن عبد اللَّه، وأم حبيبة من الرضاعة، [هاجرت إلى الحبشة] ووردت معها. قاله ابن هشام عن ابن إسحاق [ (1) ] . [ولابن حبان في (صحيحه) ، من حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: حدثتني حكيمة بنت أميمة، عن أمها أميمة بنت رقيقة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان، ثم يوضع تحت سريره] [ (2) ] .
فصل في ذكر آلات بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر آلات بيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه قد ورد أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان له حصير، وفراش، ولحاف، ووسادة، وقطيفة، وقبّة من أدم، وكرسي، وفروة يصلى عليها، وخمرة. [فأما الحصير] [ (1) ] فخرج ابن حيّان من حديث معتمر، عن عبد اللَّه بن عمر، عن سعيد بن أبى سعيد، عن أبى سلمة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتجر حصيرا بالليل يصلى عليها، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه للناس [ (2) ] . وأصله في مسلم من حديث الأعمش عن أبى سفيان عن جابر قال: حدثني أبو سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] ، أنه دخل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم،
[وأما الفرش]
قال: فرأيته يصلى على حصير يسجد عليه [ (1) ] ، [قال: ورأيته يصلى في ثوب واحد متوشحا به] [ (2) ] . [وأما الفرش] وأما الفرش، فخرج البخاري من حديث هشام، أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أدم [و] حشوه ليف [ (3) ] . وخرّجه مسلم ولفظه قالت: إنما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي ينام عليه أدما حشوه ليف. وفي لفظ: إنما كان ضجاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي ينام عليه أدما حشوه ليف [ (4) ] . ولابن حيّان من حديث مجالد عن الشعبىّ عن مسروق، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخلت عليّ امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عباءة مثنيّة، فانطلقت، فبعثت إليّ بفراش حشوه صوف، فدخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا؟ [يا عائشة] ؟ قلت: إن فلانة الأنصارية
دخلت [عليّ] فرأت فراشك [فذهبت، فبعثت إليّ بهذا، فقال [صلى اللَّه عليه وسلم] : ردّيه، قلت: فلم أردّه وأعجبنى أن يكون في بيتي؟ حتى قالك ذلك ثلاث مرات، يقول: ردّيه يا عائشة، فو اللَّه لو شئت لأجرى اللَّه عليّ جبال الذهب والفضة [ (1) ] ، [قالت: فرددته] [ (2) ] . وله من حديث أبان عن إبراهيم النخعي عن الربيع بن زياد الحارثي، قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه في وفد من العراق، فأمر لكل رجل منا بعباءة، فأرسلت إليه حفصة رضى اللَّه عنها فقالت يا أمير المؤمنين! أتاك الباب [أهل] العراق ووجوه الناس فأحسن كرامتهم، فقال: ما أزيدهم على العباءة يا حفصة، أخبرينى بألين فراش فرشت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كان لنا كساء من هذه الملبّدة أصبناه يوم خيبر، فكنت أفرشه لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة فينام عليه، وإني ربّعته ذات ليلة، فلما أصبح قال: يا حفصة، أعيديه لمرته الأولى، ما كان فراشي البارحة؟ قلت: فراشك كل ليلة إلا أنى ربّعته الليلة، قال: يا حفصة، أعيديه لمرته الأولى فإنه منعتني وطأته البارحة من الصلاة، فأرسل عمر رضى اللَّه عنه عينيه بالبكاء وقال: واللَّه لا أزيدهم على العباءة. وللترمذي من حديث عبد اللَّه بن ميمون قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها، ما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتك؟ قالت: من أدم حشوه ليف [ (3) ] .
وسئلت حفصة رضى اللَّه عنها، ما كان فراش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: مسحا ثنيته ثنيتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثينات كان أوطأ له، فثنيناه بأربع ثنيات، فلما أصبح قال: ما فرشتموا لي الليلة؟ قالت: قلنا هو فراشك، إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات، قلنا: هو أوطأ لك، قال: ردوه لحاله الأولى، فإنه منعني وطاءته صلاتي الليلة [ (1) ] . وذكر أبو عبد اللَّه الحسين بن الحسن الحليمي، أن فراش النبي صلى اللَّه عليه وسلم الّذي قبض عليه، كان محشوا وبر الإبل، طوله ذراعان أو نحوهما، وعرضه ذراع وشبر أو نحوه.
[وأما اللحاف]
[وأما اللحاف] فروى ابن حيّان من حديث يونس بن عمرو، عن العيزار بن حريث، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وعليه طرف اللحاف وعليّ طرفه ثم يصلى [ (1) ] . وروى أبو يعلى من حديث جبلة بن عطية، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: تضيفت ميمونة وهي خالتي، فجاءت بكساء فطرحته وفرشته للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ثم جاءت بخرقة فطرحتها عند رأس الفراش، فجاء رسول اللَّه وقد صلى العشاء الآخرة، فانتهى إلى الفراش، فأخذ خرقة عند رأس الفراش فاستتر بها، وخلع ثوبيه فعلقهما، ثم دخل معها في لحافها. ولمسلم من حديث وكيع، حدثنا طلحة بن يحيى قال: سمعت عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى من الليل وأنا إلى جانبه وأنا حائض، وعليّ مرط وعليه بعضه [ (2) ] . [إلى جنبه] [ (3) ] . [وأما الوسادة] فخرج مسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان وسادة [ (4) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي يتكئ عليها [ (4) ] ،
من أدم حشوه ليف [ (1) ] . ولأبى داود [ (2) ] [وابن حبان] [ (3) ] من حديث وكيع عن إسرائيل عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته فرأيته متكئا على وسادة على يساره [ (4) ] . ولابن حيّان من حديث مبارك بن فضالة، عن الحسن عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف. وله من حديث يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين، عن ابن عباس عن
عمرو- وهو حديث الإيلاء الطويل- وفي بعض طرقه، وأنه يعنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف. وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث إسحاق بن منصور، عن إسرائيل عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره [ (1) ] . ومن حديث وكيع، عن إسرائيل، عن سماك عن جابر بن سمرة قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة. قال أبو عيسى: لم يذكر وكيع فيه: على يساره. وهكذا رواه غير واحد عن إسرائيل نحو رواية وكيع، ولا نعلم أحدا ذكر فيه على يساره إلا ما روى إسحاق بن منصور عن إسرائيل [ (2) ] .
ولابن حيّان من حديث عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متكئا على وسادة فيها صور [ (1) ] . وللحاكم من حديث أنس بن مالك قال: دخل سلمان الفارسي على عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه وهو متكئ على وسادة فألقاها له، فقال سلمان رضى اللَّه عنه: [صدق اللَّه ورسوله، فقال عمر: حدثنا يا أبا عبد اللَّه، قال [ (2) ] :] دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو متكئ على وسادة فألقاها إلى ثم قال: يا سلمان، ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم فيلقى له وسادة إكراما له، إلا غفر اللَّه له [ (3) ] . والوساد، والوسادة، بكسر الواو: هي المرفقة بكسر الميم، ويقال لها اليوم: مخدّة [ (4) ] ، وكان صاحب وسادة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عبد اللَّه بن مسعود
[وأما القطيفة]
رضى اللَّه عنه، وقد تقدم التعريف به. [وأما القطيفة] فروى ابن حبان من حديث الربيع بن صبيح، عن يزيد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رحل رث، وقطيفة لا تساوى أربعة دراهم [ (1) ] .
[وأما القبة]
[وأما القبة] فذكر البخاري في الصلاة، من حديث أبى جحيفة [رأيت] النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم. الحديث [ (1) ] . وذكر في المغازي من حديث يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: أرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم. الحديث [ (2) ] ، وذكره في كتاب اللباس مختصرا، وترجم عليه باب القبة الحمراء من أدم [ (3) ] . وخرّج أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النّسائى من حديث سماك،
[وأما الكرسي]
عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في قبة حمراء، في نحو أربعين رجلا، فقال: إنكم مفتوح لكم [وأنتم] [ (1) ] منصورون [مصيبون] [ (1) ] فمن أدرك ذلك منكم. فليتق اللَّه، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه [ (2) ] . زاد الحاكم: ومثل الّذي يعين قومه على غير الحق، كمثل البعير يتردى، فهو يمد بذنبه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (1) ] . [وأما الكرسي] فخرج مسلم، والنسائي، وأحمد، وابن حبان من حديث إسحاق بن سويدان، أخبرنا رفاعة قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو على كرسيّ خلت قوائمه حديد، ومن حديث حميد بن هلال عن أبى رفاعة العدوىّ قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يخطب فقلت: رجل غريب جاء يسأل عن دينه، فأقبل إليّ وترك خطبته حتى انتهى إليّ، فأتى بكرسي خلت قوائمه حديدا، فقعد عليه وجعل يعلمني مما علمه اللَّه، ثم أتى خطبته فأتم آخرها. وفي لفظ: قال حميد أراه رأى خشبا أسود حسبه حديدا. انفرد بإخراجه مسلم [ (4) ] .
وذكر ابن قتيبة فقال: أتى بكرسي من خلب، وقال: الخلب: الليف [ (1) ] . وخرجه البخاري في الأدب المفرد، ولفظه: عن أبى رفاعة العدوي قال: انتهيت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يخطب، فقلت: يا رسول اللَّه! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدرى ما دينه، فأقبل عليّ وترك خطبته، فأتى بكرسىّ خلت قوائمه حديدا، قال حميد: أراه خشبا أسود حسبه حديدا، فقعد عليه، فجعل يعلمني مما علمه اللَّه عز وجل، ثم أتم خطبته آخرها [ (2) ] .
[وأما ما كان يصلى عليه]
[و روى إبراهيم بن يزيد العدوي البصري، عن إسحاق بن سويد العدوي، عن أبى رفاعة عبد اللَّه بن الحارث العدوي قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على كرسي خلت أن قوائمه حديد، فسمعته يقول: إنك لن تدع شيئا للَّه إلا بدلك اللَّه خيرا منه] [ (1) ] . [قال الحافظ أبو بكر بن ثابت: كذا قال، واسم أبى رفاعة: تميم بن أسيد، لا عبد اللَّه بن الحارث، حدّث عنه حميد بن هلال، ولا أعلم روى عنه إسحاق بن سويد شيئا] [ (1) ] . قال ابن الجوزي: ولولا ما ذكرناه عن حميد لكان الأليق أن تكون من ليف قوائمه من حرير بالراء، والجريد: السعف. وذكر المبرد في الكامل: أنه كان لعمر رضى اللَّه عنه كرسي يجلس عليه، وذكر النسائي أنه كان لعلى رضى اللَّه عنه كرسي يجلس عليه [ (2) ] . [وأما ما كان يصلى عليه] فخرج البخاري من حديث عبد اللَّه بن شداد بن الهاد، عن ميمونة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وأنا حذاه وأنا حائض،
وربما أصابنى ثوبه إذا سجد، وكان يصلى على الخمرة. ترجم عليه باب: إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد [ (1) ] ، وذكره في باب الصلاة على الخمرة، ولفظه: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى على الخمرة [ (2) ] . وخرّجه مسلم في موضعين من كتاب الصلاة، وذكر في أحدهما: وأنا حائض [ (3) ] ، ولم يذكره في الآخر، وقال: على خمرة [ (4) ] ، وخرّجه أبو داود أيضا [ (5) ] . ولمسلم من حديث الأعمش، عن أبى سفيان عن جابر قال: حدثني أبو سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه أنه] دخل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فرأيته
يصلى على حصير يسجد عليه [ (1) ] . [قال: ورأيته يصلى في ثوب واحد متوشحا به] [ (2) ] . وفي رواية له قال: حدثني أبو سعيد أنه دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجده يصلى على حصير يسجد عليه [ (3) ] . والخمرة بضم الخاء المعجمة وسكون الميم: هي كالحصير الصغير من سعف النخل مضفّر بالسيور ونحوها، بقدر الوجه والكفين، وهي أصغر من أن يصلى عليها، سميت بذلك لأنها تستر الوجه والكفين من برد الأرض وحرّها، فإن كبرت عن ذلك فهي حصير. وفيه دليل على اتخاذ السجادة [ (4) ] .
ولمسلم من حديث عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: فقلت: أنا حائض، فقال: «إن حيضتك ليست في يدك. ذكره من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد القاسم بن محمد عن عائشة [رضى اللَّه عنها] [ (1) ] . وذكره من حديث يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: بينما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما في المسجد فقال: يا عائشة، ناوليني الثوب [ (2) ] ، فقلت: إني حائض، فقال: إن حيضتك ليست في يدك، فناولته [ (3) ] .
وخرجه أبو داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] والنسائي ولفظه [ (3) ] : فقالت: إني لا أصلى [ (4) ] . وللنسائى من حديث سفيان، عن منبوذ، عن أمه أن ميمونة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا فيتلو القرآن وهي حائض، وتقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض. ترجم عليه: بسط الحائض الخمرة في المسجد [ (5) ] .
وخرجه قاسم بن أصبغ من حديث الحميدي، أخبرنا سفيان، حدثني منبوذ المكيّ عن أمه قالت: كنا عند ميمونة، فدخل عليها ابن عباس فقالت: أي بنى، ما لي أراك أشعث؟ فقال: إن مرجلتى أم عمار حائض، فقالت: أي بنى، وأين الحيضة من اليد، إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليضع رأسه في حجر إحدانا وهي حائض، ثم يتلو القرآن، وإن كانت إحدانا لتقوم إليه بخمرتها فتبسطها وهي حائض فيصلي عليها، أي بنى، وأين الحيضة من اليد [ (1) ] ؟ وخرجه محمد بن أيمن ولفظه: وإن كانت إحدانا لتقوم إليه فتناوله الحصير بيدها وهي حائض. الحديث. وفي لفظ له: قالت: كنت عند ميمونة، فذكر مثل حديث الحميدي عن سفيان وقال: ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في مسجده [ (1) ] . وللإمام أحمد من حديث محمد بن ربيعة، أخبرنا يونس بن الحارث الطائفي، عن أبى عون عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلى-[أو يستحب أن يصلى [ (2) ]]- على فروة مدبوغة [ (3) ] . [وكانت له عليه السلام جفنة يطعم فيها الناس، يحملها أربعة رجال تسمى الغرّاء] [ (4) ] .
فصل في ذكر سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سلاح وآلات حرب، ما بين: سيوف، ودروع، وقسىّ، وسهام، ومغفر، وألوية، ورايات، وعنزة. [فأمّا سيوفه صلى اللَّه عليه وسلم] فتسعة: مأثور [ (1) ] ، والعضب [ (2) ] ، وذو الفقار [ (3) ] ، والقلعي، والبتّار [ (4) ] ، والحتف [ (5) ] ، والرسوب، والمخدم [ (6) ] ، والقضيب [ (7) ] ، وأشهرها ذو الفقار، ويقال: إن أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة فصنع منها، [وكان طوله سبعة أشبار وعرضه شبرا] [ (8) ] . قال الواقدي: فحدثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن ذكوان عن أبيه، عن
عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، حدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قالا: تنفل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سيفه ذا الفقار يومئذ- يعنى يوم بدر- وكان لمنبه بن الحجاج، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد غزا إلى بدر بسيف وهبه له سعد بن عبادة يقال له: العضب، ودرعه ذات الفضول [ (1) ] ، فسمعت ابن أبى سبرة يقول: سمعت صالح بن كيسان يقول: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر وما معه سيف، وكان أول سيف تقلده سيف منبه بن الحجاج، غنمه يوم بدر] [ (2) ] . ولابن حيّان من حديث عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما [قال] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الّذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد [ (3) ] . ومن حديث يزيد بن أبى حبيب، عن مرثد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن زرير، عن [عمر] رضى اللَّه عنه قال: كان اسم سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار [ (4) ] . ومن حديث وكيع عن إسرائيل، عن جابر قال: أخرج إلينا عليّ بن الحسين سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا قبيعته والحلقتان اللتان فيهما الحمائل فضة، قال: فسللته، فإذا هو [سيف] [ (5) ] قد نحل، كان سيفا لمنبه بن
الحجاج السهمي، اتخذه [ (1) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر [ (2) ] . وعن الشعبي [قال] : أخرج إلينا على بن الحسين سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا قبيعته من فضة، وإذا حلقته التي تكون فيها الحمائل من فضة، وسللته، وإذا هو سيف قد نحل، كان لمنبه بن الحجاج [و] أصابه يوم بدر [ (3) ] . [وذكر الزبير بن بكار، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعطى ذا الفقار عليّ بن أبى طالب يوم أحد، ويقال إن ذا الفقار كان لنبيه بن الحجاج، وقال الكلبي: كان للعاص بن منبه بن الحجاج] [ (4) ] . ويروى عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، أن الحجاج بن علاط أهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [سيفه] ذا الفقار، وأن دحية أهدى له بغلته الشهباء. وقال ابن سيرين: صنعت سيفي على سيف سمرة، وقال سمرة: صنعت سيفي على سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وكان حتفيا. وقال محمد بن حمير: أخبرنا أبو الحكم الصيقل، حدثني مرزوق الصيقل، أن صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار كانت قبيعة من فضة وحلق في قيده، وبكر في وسطه من فضة. وفي رواية: كانت له قبيعة من فضة، وبكرة في وسطه من فضة، وحلقها من فضة. قال ابن عبد البر: في إسناد حديثه لين. ولأبى داود من حديث جرير بن حازم قال: أخبرنا قتادة عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة [ (5) ] . ومن
حديث قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة [ (1) ] ، قال قتادة: وما علمت أحدا تابعه [عليه] [ (2) ] . ومن حديث يحيى بن كثير [أبو عثمان العنبري] [ (3) ] ، عن عثمان بن سعد [ (4) ] ، عن أنس [بن مالك] [ (4) ] قال: كانت [قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة] [ (5) ] . قال أبو داود: أقواها حديث سعيد بن أبى الحسن، والباقي كلها ضعاف [ (6) ] . وخرّجه الترمذي من حديث جرير بن حازم، أخبرنا [ (7) ] أبى عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه قال] : كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة. قال: هذا حديث حسن غريب [ (8) ] ، [وهكذا روى عن همام عن قتادة عن أنس] [ (9) ] وقد روى بعضهم عن قتادة، عن سعيد بن أبى الحسن قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة [ (10) ] .
وخرّج الإمام أحمد من حديث عفّان قال: جاء أبو جزى- واسمه نصر ابن طريف- إلى جرير بن حازم، يشفع لإنسان، فحدثه جرير، فقال جرير: أخبرنا قتادة عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كانت قبيعة سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من فضة، قال أبو جزى: كذب، واللَّه ما حدثناه قتادة الأغر سعيد بن أبى الحسن. قال أحمد: وهو قول أبى جزى، يعنى أصاب وأخطأ جرير، قلت: جرير بن حازم ثقة، وأبو جزى متروك الحديث، إلا أنه أصاب في هذا، وأخطأ جرير بن حازم [ (1) ] . قال ابن معين: أبو جزى ليس حديثه بشيء، وقال أبو حفص عمرو بن العلاد الفلاس: أجمع أهل العلم من أهل الحديث أنه لا يروى عن جماعة سمّاهم، أحدهم أبو جزى نصر بن طريف [ (1) ] . وقال ابن أبى حاتم: سألت أبى عن أبى جزى نصر بن طريف فقال: ليس بشيء، وهو متروك الحديث [ (1) ] .
وللترمذي من حديث طالب بن حجير، عن هود بن عبد اللَّه بن سعد [ (1) ] عن جده قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [مكة] [ (2) ] يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة، قال طالب: فسألته عن الفضة، فقال: كان قبيعة السيف فضة [ (3) ] . [قال أبو عيسى: وفي الباب عن أنس، وهذا حديث حسن غريب، وجدّ هود اسمه مزيدة العصفري] [ (4) ] . وللنسائى من حديث أنس رضى اللَّه عنه قال: كان نصل [سيف]
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضة، وقبيعة سيفه فضة، وما بين ذلك حلق فضّة [ (1) ] .
وقال جعفر بن محمد الصادق: رأيت سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائمه من فضة، ونصله من فضة، وبين ذلك حلق من فض، هو الآن عند هؤلاء، يعنى آل العباس [ (1) ] . وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد فقال: أريكم سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار؟ قلنا: نعم، فجاء به، فما رأيت سيفا قطّ أحسن منه، إذا نصب لم تر فيه شيء، وإذا بطح عدّ فيه سبع فقر، وإذا صفيحة يمانية يحار فيه الطرف من حسنه. وفي رواية: أحضر الرشيد ذا الفقار يوما بين يديه، فاستأذنته في تقليبه، فأذن لي فقلبته، واختلفت أنا والحاضرين في عدة فقاره، هل هي سبع عشرة؟ وذكر قاسم في كتاب (الدلائل) : أن ذلك كان يرى في رونقه شبيها بفقار الحيّة، يراه الناظر فإذا التمس لم يوجد [لها أثر] . [و] ذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قدم المدينة في الهجرة بسيف كان لأبيه مأثور، والعضب، وبذات الفضول سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه إلى
[وأما دروعه صلى الله عليه وسلم]
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين سار إلى بدر، فشهد بهما وقعة بدر [ (1) ] . وأصاب صلى اللَّه عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أسياف: سيفا قلعيا، وسيفا يدعى بتّار، وسيفا يدعى الحتف [ (2) ] . وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه [ (3) ] إلى الفلس صنم طيِّئ، فوجده مقلدا سيفين يقال لهما: مجذم ورسوب، وهما سيفان كانا للحارث بن أبى شمر الغسّانى، يتقلدهما عن يمينه وشماله، فنذر لئن ظفر ببعض أعاديه، ليهديهما إلى الفلس، فظفر به فأهداهما إليه، وهما اللذان يقول فيهما علقمة بن عبدة التميمي: مظاهر سربالى حديد عليهما ... عقيلا سيوف مجذم ورسوب وصمصامة عمرو بن معديكرب، وهبها لخالد بن سعيد، وكانت مشهورة عند العرب [ (4) ] . [وأما دروعه صلى اللَّه عليه وسلم] فسبع: ذات الفضول، وذات الوشاح، وذات الحواشي، والسعدية، وفضة، والبتراء، والخرنق. [ويقال: كانت عنده صلى اللَّه عليه وسلم درع داود التي لبسها لما قتل جالوت] [ (5) ] .
فذات الفضول والسعدية، يقال إنهما كانتا لعكين القينقاعي، وكان من أبطالهم، ويقال: إنه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب يوم بنى قينقاع من سلاحهم ثلاثة أرماح، وثلاثة قسىّ، ودرعين: درع يقال لها السعدية، ودرع تسمى فضة [ (1) ] . وقال محمد بن مسلمة: رأيت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يوم] أحد درعين، درعه ذات الفضول و [درعه فضة، ورأيت عليه يوم خيبر درعين: ذات الفضول والسعدية [ (2) ] .] وروى أن سعد بن عبادة بعث بذات الفضول وبالعضب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لمّا توجّه لبدر، وسميت ذات الفضول لطولها، وهي الدرع التي رهنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند أبى شحم اليهودىّ على شعير لعياله. خرّج مسلم من حديث عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش قال: ذكرنا الرهن في السّلم عند إبراهيم النخعي فقال: أخبرنا [ (3) ] الأسود بن يزيد عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي [ (4) ] إلى أجل، ورهنه درعا له من حديد [ (5) ] . وذكره البخاري في السّلم، ولفظه: أخبرنا [ (6) ] الأعمش قال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن في السّلف، فقال حدثني الأسود عن عائشة، أن النبي
صلى اللَّه عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل [معلوم] [ (1) ] وارتهن منه درعا من حديد. ترجم عليه باب الرهن في السّلم [ (2) ] . وذكره في كتاب الرهن وقال: تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والقبيل في السلف، فقال إبراهيم: أخبرنا الأسود مثله، وقال: رهنه درعه. وترجم عليه باب من رهن درعه [ (3) ] . وخرّجاه من حديث حفص بن عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: حدثني الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم [مثله] ، ولم يذكر: من حديد. ولفظ البخاري: أخبرنا [ (4) ] الأعمش، قال: ذكرنا عند إبراهيم الرهن في السلف فقال: لا بأس به، ثم حدثنا عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل فرهنه درعه. ترجم عليه باب: شراء الطعام إلى أجل [ (5) ] . وخرّجاه من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه [ (6) ] . ولفظ مسلم: فأعطاه درعا له رهنا [ (7) ] . ترجم عليه
البخاري باب: شراء الحوائج بنفسه. وخرّجاه من حديث جرير عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يهودي طعاما ورهنه درعه. ترجم عليه باب: الرهن عند اليهود وغيرهم [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث عيسى بن يونس عن الأعمش بهذا الإسناد مثله، غير أنه قال: درعا من حديد [ (2) ] . وخرّجه البخاري من حديث سفيان عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة، رضى اللَّه عنها، قالت: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين [يعنى] [ (3) ] صاعا من شعير [ (4) ] .
وقال يعلى: حدثنا الأعمش: «درع من حديد» ، وقال معلّى: [حدثنا] عبد الواحد عن الأعمش وقال: رهنه درعا من حديد. ذكره في باب ما قيل في درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم والقميص في الحرب [ (1) ] . وقال في آخر المغازي، من حديث سفيان عن الأعمش بهذا الإسناد: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا [من شعير] [ (2) ] . وذكره في باب: الكفيل في السّلم، من حديث يعلى، أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: اشترى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما من يهودي بنسيئة، ورهنه درعا له من حديد [ (3) ] . وخرّجه الترمذي من حديث هشام بن حسّان عن عكرمة، عن ابن عباس قال: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودرعه مرهونة بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله [ (4) ] . قال [أبو عيسى] : هذا حديث حسن صحيح. [وخرّج ابن حبّان في صحيحه، من حديث آدم، حدثنا شيبان عن قتادة
عن أنس قال: رهن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم درعا له عند يهودي على طعام بدينار فما وجد ما يفتكها به حتى مات صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] . وروى ابن حيّان من حديث جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان في درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حلقتان من فضة، عند موضع الثندوة، وفي ظهرها حلقتان من فضة أيضا، وقال لبستها فخطت الأرض [ (2) ] . وفي (دلائل النبوة) للترمذي من حديث جابر الجعفي، عن عامر
الشعبي قال: أخرج إلينا على بن الحسين درع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هي يمانية رقيقة ذات زرافين، إذا علقت بزرافيها تشمّرت، وإذا أرسلت مسّت الأرض. والزرافين: الإبزيم [ (1) ] . ويقال: أن السعدية درع داود عليه السلام التي لبسها يوم قتل جالوت، وأن البتراء سميت بذلك لقصرها. وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما أراد الشخوص إلى أحد، دخل بيته ومعه أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، فعمّماه ولبّساه، وقد صفّ الناس له، ما بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروجه، إذ خرج قد لبس لأمته، وقد لبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطها بمنطقه من خمائل سيفه من أدم كانت عند آل أبى رافع، واعتم وتقلد السيف، ثم دعا بدابته فركب إلى أحد، ثم عقد الألوية، ودعا بفرسه فركبه، وتقلد القوس وأخذ قناة بيده، فزج الرمح يومئذ من شبه، والمسلمون متلبسون السلاح [ (2) ] . قال: ولبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الشيخين [ (3) ]- وهما أطمان ظاهران بالمدينة- درعا واحدة حتى انتهى إلى أحد، فلبس درعا أخرى، ومغفرا، وبيضة فوق المغفر [ (2) ] . وقال المدائني: عن هشام بن سعد عن عيسى بن عبد اللَّه بن مالك قال: خاصم العباس عليا إلى أبى بكر، فقال: العم أولى أو ابن العم؟ قال: العم، قال: ما بال درع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وبغلته دلدل، وسيفه عند على؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: هذا شيء وجدته في يده، فأنا أكره نزعه منه، وتركه العباس رضى اللَّه عنه، [ويقال: كان عنده درع داود عليه السلام الّذي
[وأما قسيه صلى الله عليه وسلم]
لبسه يوم قتل جالوت] [ (1) ] . [وأما قسيّه صلى اللَّه عليه وسلم] فقد خرج ابن حيّان من حديث الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الجمعة في السفر متوكئا على قوس قائما. وذكر الواقدي أن قوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت تدعى الكتوم، وكانت من نبع، كسرت يوم أحد، فأخذها قتادة بن النعمان [ (2) ] . وأخذ صلى اللَّه عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاث قسىّ: قوسا اسمها الروحاء، وقوسا من شوحط تسمى البيضاء، وقوسا من نبع تسمى الصفراء [ (3) ] . ويقال: كانت له ست قسىّ: الزوراء، والروحاء، والصفراء، وهي من نبع، والبيضاء، من شوحط، والكتوم، من نبع، وقيل لها ذلك لانخفاض صوتها إذا رمى بها، وهي التي كسرت يوم أحد، [وقوس يقال لها السداد، من نبع] [ (4) ] .
[وأما المغفر]
[وأما المغفر] المغفر: غطاء الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان ذلك أو غيره. فقد ثبت من حديث مالك عن الزهري عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال له: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه [ (1) ] . وقد روى جماعة منهم بشر بن عمر الزهراني، ومنصور بن سلمة الخزاعي، عن مالك هذا الحديث، وقالوا فيه: مغفر من حديد، وكذلك رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، عن أبى بكير عن مالك قال فيه: من حديد، وليس من حديد في الموطأ [ (2) ] .
[وأما الرماح]
وذكر الواقدي أنه عليه السلام أصاب من سلاح بنى قينقاع مغفرا موشحا، يقال: إنه من حديد وشح بالشّبه، ويقال: كان له مغفر يقال له: ذو الشبوع، وهو الّذي كان عليه يوم دخل مكة [ (1) ] . [وأما الرماح] فإنه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أرماح، ويروى أنه كانت له عليه السلام خمسة رماح: ثلاثة أصابها من بنى قينقاع [ (2) ] ، ورمح يقال له: المثوى، ورمح يقال له: الشنونى، وكان له وفضة- وهي الجعبة- ويقال لها: الكافور، ويقال: اسم كنانته الجمع [ (3) ] .
[وأما الترس]
[وأما الترس] فروى عن مكحول أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترس فيه تمثال رأس كبش، فكره مكانه، فأصبح وقد أذهبه اللَّه [ (1) ] . وقال الأوزاعي: عن ابن شهاب أخبرنى القاسم بن محمد عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت] أتانى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بترس فيه تمثال عقاب، فوضع يده عليه، فأذهبه اللَّه عزّ وجل، ويقال: كان اسم الترس: الفتق، وترس يقال له: الزلوق [ (2) ] . [وأما العنزة] فقد خرّج البخاري من حديث أبى جحيفة قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالأبطح [ (3) ] ، فجاءه بلال، فأذنه بالصلاة، ثم [خرج] بلال بالعنزة [حتى] ركزها بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالأبطح وأقام الصلاة. ذكره في باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة [ (4) ] ، وفي باب: سترة الإمام ستره من خلفه [ (5) ] ، وهو مما اتفقا عليه.
وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد، أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك [في السّفر] ، فمن ثم اتخذها الأمراء. لفظهم فيه سواء. ذكره البخاري في باب سترة الإمام سترة من خلفه. وخرّج البخاري ومسلم من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يركز- وفي لفظ يغرز- العنزة ويصلى إليها قال عبيد اللَّه: وهي الحربة. وفي لفظ للبخاريّ: كان تركز له الحربة فيصلي إليها. ترجم عليه باب: الصلاة إلى الحربة [ (4) ] . وقال الواقدي: في سنة ثنتين من مقدمه، صلى العيد وحملت له العنزة، وهو يومئذ يصلى إليها في الفضاء، وكانت العنزة للزبير بن العوام أعطاه إياها النجاشىّ، فوهبها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وكان يخرج بها بين يديه يوم العيد، وهي اليوم بالمدينة عند المؤذنين. حدثني بذلك إبراهيم بن محمد بن عمار
ابن سعد [ (1) ] القرظ عن أبيه عن جده [ (1) ] . قال الواقدي: سألنا عن العنزة التي كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى إليها في أسفاره وتحمل بين يديه، فحدثني أبو بكر بن عبد اللَّه بن محمد بن أبى سبرة العامري، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أسماء ابنة أبى بكر رضى اللَّه عنهما أنها قالت: لما هاجر الزبير إلى أرض الحبشة، خرج مع النجاشي يقاتل عدوا له، فأعطاه النجاشي يومئذ عنزة يقاتل بها، فطعن عدة حتى ظهر النجاشي على عدوّه، وقدم الزبير رضى اللَّه عنه بها، فشهد بدرا وهي معه، وشهد بها يوم أحد ويوم خيبر، ثم أخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والأمر على ذلك، وكان أبو بكر وعمر وعثمان رضى اللَّه عنهم على ذلك، فهي اليوم تحمل بين يدي الأئمة، وتكون مع المؤذنين [ (2) ] . وقال محمد بن سعد عن إسماعيل بن عبد اللَّه بن أبى أويس، عن عبد الرحمن بن سعد وغيره، أن النجاشىّ بعث إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث عنزات، فمسك واحدة، وأعطى عليا رضى اللَّه عنه واحدة [ (1) ] . وذكر أبو زيد عمر بن شيبة، عن سعد القرظ قال: أهدى النجاشىّ للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم حربات، فوهب حربة لعمر بن الخطاب، ووهب حربة لعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وحبس لنفسه واحدة [ (2) ] . قال: فأما حربة على فهلكت، وأما حربة عمر فصارت إلى أهله، وأما الحربة التي أمسك لنفسه فهي يمشى بها مع الإمام يوم العيد
[والاستسقاء] [ (1) ] . وذكر عن الليث بن سعد أنه بلغه أن العنزة التي كانت بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا صلى، كانت لرجل من المشركين، فقتله الزبير بن العوام يوم أحد فأخذها في سلبه، فأخذها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الزبير، فكان ينصبها بين يديه إذا صلى. وذكر الواقدي عن الزبير بن العوام أنه قال: لما كان يوم [ (2) ] بدر لقيت عبيدة بن سعيد بن العاص على فرس عليه لأمة كاملة، لا يرى منه إلا عيناه وهو يقول [- وقد كانت له صبية صغيرة يحملها، وكان لها بطين وكانت مسقمة-] [ (3) ] أنا أبو ذات الكرش، [أنا أبو ذات الكرش] [ (3) ] ، قال: وفي يدي عنزة فأطعن بها في عينه ووقع وأطأ برجلي على خدّه، حتى أخرجت العنزة من حدقته، وأخرجت حدقته، وأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العنزة، فكانت تحمل بين يديه، وأبى بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه عنهم [ (4) ] . ويقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع عنزات، فأعطى الزبير منها عنزة، وفرّقها في أصحابه، وكانت هذه العنزة منها تحمل بين يديه، والأول أثبت. ويقال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حربة يقال لها القبعة، وحربة كبيرة اسمها البيضاء، وحربة صغيرة دون الرمح يقال لها: العنزة، يدعم عليها ويمشى بها وهي في يده، وتحمل بين يديه في العيد حتى تركز أمامه فيتخذها سترة يصلى إليها، قيل: إنه اتخذها من الزبير، وأخذها الزبير من النجاشي،
وكانت له عنزة أخرى [ (1) ] . وقال الواقدي: عن ابن أبى سبرة وغيره قالوا: كان بلال يحمل العنزة بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الأعياد والمشاهد، فلما قبض اللَّه نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، سأل بلال أبا بكر رضى اللَّه عنهما، أن يشخص إلى الشام، وكره المقام بالمدينة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأذن له، فحمل العنزة بين يدي أبى بكر رضى اللَّه عنه [سعد القرظ- وكان مؤذنه- وحملها بين يدي عمر رضى اللَّه عنه] وكان ولده يحملونها بين يدي الولاة بالمدينة [ (1) ] . قال البلاذري: وقد أمر المتوكل على اللَّه أمير المؤمنين بحمل هذه العنزة إليه، فهي اليوم بسّر من رأى [ (2) ] . وقال الواقدي: عن الثوري، عن إسماعيل بن أبى أمية، عن مكحول أنه قال: كانت الحربة تحمل بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أسفاره، لأنه كان يصلى إليها، وهي العنزة. وحدثني إبراهيم بن محمد بن عمار بن سعد القرظ، عن أبيه عن جده، أن بلالا كان يحمل العنزة يوم العيد، ثم حملها سعد، ثم حملها عمّار، ثم حملها محمد بن عمار بين يدي الولاة، ثم أنا هذا أحملها بين أيديهم [ (1) ] .
[وأما المنطقة]
ويقال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخذ يوم أحد من الزبير الحربة التي دفعها إليه النجاشىّ، فقتل بها أبىّ بن خلف [ (1) ] ، ثم مشى بها بلال من حينئذ بين يديه. [وأما المنطقة] فيذكر أنه كان له عليه السلام منطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة، والإبزيم فضة، وخرج إلى أحد وقد حزم وسطه بمنطقة من حمائل سيف من أديم، كانت عند أبى رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
[وأما اللواءات والرايات]
[وأما اللواءات والرايات] [ذكر ابن أبى شيبة في مصنفه أن أول من عقد الألوية إبراهيم الخليل عليه السلام] [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث الليث، أخبرنى عقيل عن ابن شهاب، أخبرنى ثعلبة بن أبى مالك القرظي، أن قيس بن سعد الأنصاري، وكان صاحب لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، لما أراد الحج فرجّل [ (2) ]- هكذا ذكر البخاري هذا الحديث مختصرا محذوفا، وتمامه-: فرجّل أحد شقىّ رأسه، فقام غلام له فقلّد هديه، فنظر قيس فإذا هديه قد قلّد، فأهل بالحج ولم يرجل شقّ رأسه الآخر [ (3) ] . ولأبى داود [ (4) ] والترمذي من حديث عمار الدهني، عن أبى الزبير عن جابر، يرفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه كان لواؤه يوم دخل مكة أبيض.
ولفظ الترمذي عن جابر رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض. قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك. قال: وسألت محمدا عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك وقال: حدثنا غير واحد عن شريك، عن عمار عن أبى الزبير، عن جابر [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء. قال محمد: والحديث هو هذا [ (1) ] . [وخرّج ابن حبان في (صحيحه) ، من حديث شريك عن عمار الدهني، عن أبى الزبير عن جابر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل عام الفتح مكة ولواؤه أبيض] [ (2) ] . وللترمذي [ (3) ] من حديث يزيد بن حبّان قال: سمعت أبا مجلز لاحق ابن حميد، يحدث عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما [ (4) ] ، قال: كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنهما [ (5) ] .
وذكر ابن إسحاق [ (1) ] أن لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأكبر في يوم بدر كان أبيض، يحمله مصعب بن عمير [بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار] [ (2) ] ، ويذكر أنه كان له لواء أغبر. ولابن حيّان من حديث أبى مجلز، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [ (3) ] قال: كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض، مكتوب فيه: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه [ (4) ] . ولأبى داود من حديث يونس بن عبيد [مولى محمد بن القاسم] [ (5) ] قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب، أسأله [ (6) ] عن راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما كانت؟ فقال: كانت سوداء مربّعة من نمرة [ (7) ] . وخرجه الترمذي بهذا الإسناد مثله وقال: هذا حديث حسن غريب، لا تعرفه إلا من حديث ابن أبى زائدة [ (8) ] . وللبخاريّ من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن نافع بن جبير قال:
سمعت العبّاس يقول للزبير رضى اللَّه عنهما: ها هنا أمرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن تركز الراية [ (1) ] ، لم يذكر البخاري من هذا الحديث غير هذا [وقد ذكره] [ (2) ] بطوله في غزوة الفتح. ولأبى داود من حديث شعبة عن سماك، عن رجل من قومه عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صفراء [ (3) ] . وذكره ابن حيان، وذكره ابن عبد البر عن بريدة العبديّ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم عقد رايات الأنصار وجعلها صفراء [ (4) ] . وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دفع الراية يوم خيبر إلى عليّ رضى اللَّه عنه، وكانت بيضاء. وذكر أنه كان أمام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر رايتان سوداوان، إحداهما مع على، والأخرى مع بعض الأنصار، ذكر ابن هشام أنه
سعد بن معاذ [ (1) ] . وذكر ابن حيّان من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن عمرة عن عائشة رضى اللَّه عنها، كان لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبيض، وكانت رايته سوداء من مرط لعائشة مرحّل [ (2) ] . ومن حديث وكيع، حدثنا سفيان عن أبى الفضل عن الحسن قال: كانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تسمى العقاب [ (3) ] ، ويقال: إن العقاب كانت سوداء مربعة من نمرة مخمّلة، وقيل كانت من صوف أسود. وللبخاريّ من حديث الحارث بن حسان قال: دخلت المسجد فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائما على المنبر يخطب متقلدا السيف، وإذا رايات سود [تخفق] ، فقلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من ذات السلاسل [ (4) ] .
وذكر ابن حيان وقاسم بن أصبغ من حديث أوس بن عبد اللَّه بن بريدة، عن الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتطيّر، ولكن يتفأل، وكانت قريش جعلت مائة من الإبل لمن يأخذ نبي اللَّه فيرده عليهم حين توجه إلى المدينة فأقبل بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بنى سهم، فلقوا نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليلا، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من أنت؟ قال: أنا بريدة، فالتفت إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه فقال: يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح، قال: ثم من من؟ قال: من أسلم، قال سلمنا، قال: ثم من من؟ قال: من بنى سهم، قال: خرج سهمك، فقال بريدة: من أنت؟ قال: أنا محمد بن عبد اللَّه رسول اللَّه، قال بريدة: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك عبده ورسوله، فأسلم بريدة، وأسلم الذين معه جميعا. فلما أصبح قال للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، فحل عمامته ثم شدها في رمح، ثم مشى بين يديه حتى دخل المدينة، قال بريدة: الحمد للَّه الّذي أسلمت بنو سهم طائعين [ (1) ] .
قال الساجي في هذا الحديث: قال البخاري: فيه نظر، وذكر غير واحد أن أول راية عقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عبد مناف، حين بعثه إلى بطن رابغ. هذا قول ابن إسحاق [ (1) ] . وقال قومه: أول لواء عقده عليه السلام لواء حمزة بن عبد المطلب حين بعثه يعترض عيرا لقريش [ (2) ] . وقال الواقدي في غزاة بدر: وكان لواء رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ] [ (3) ] الأعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ [ (4) ] . وذكر في غزاة أحد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دعي بثلاثة أرمح، فعقد ثلاثة
ألوية، فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ودفع لواء الخزرج إلى حباب ابن المنذر بن الجموح، ويقال: إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء المهاجرين إلى إلى على بن أبى طالب، ويقال: إلى مصعب بن عمير [ (1) ] . قال: وسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من يحمل لواء المشركين؟ فقيل: بنو عبد الدار، فقال: نحن أحق بالوفاء منهم، أين مصعب بن عمير؟ قال: ها أنا ذا، قال: خذ اللواء، فأخذ مصعب بن عمير فتقدم به بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] ، وهو اللواء الأعظم، ودفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضير، ولواء الخزرج مع سعد أو حباب [ (3) ] . قال: وحدثني الزبير بن سعيد [ (4) ] ، عن عبد اللَّه بن الفضل قال: أعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مصعب بن عمير اللواء، فقتل مصعب، فأخذه ملك في صورة مصعب، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقول لمصعب في آخر النهار: تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال: لست بمصعب، فعرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه ملك أيّد به [ (5) ] [وسمعت أبا معشر يقول مثل ذلك] [ (6) ] . ولما قتل مصعب وسقط اللواء، ابتدره رجلان من بنى عبد الدار: سويبط ابن حرملة، وأبو الروم، فأخذه أبو الروم، فلم يزل في يده حتى دخل به المدينة [ (7) ] .
ولما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى حمراء الأسد، دفع لواءه إلى على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، ويقال: دفعه إلى أبى بكر رضى اللَّه عنه. ولما خرج إلى بدر الموعد، كان يحمل لواءه الأعظم يومئذ على رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وفي غزوة المريسيع، دفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، راية المهاجرين إلى أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة رضى اللَّه عنه، ويقال كان مع عمار بن ياسر راية المهاجرين [ (2) ] . ولما خرج إلى بنى قريظة، دفع عليه السلام لواءه إلى على، [رضى اللَّه عنه] وكان اللواء على حاله، لم يحل [من] مرجعه من الخندق [ (3) ] . وحمل اللواء في غزوة الغابة المقداد بن عمرو [ (4) ] ، وحمل راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العقاب سعد بن عبادة [ (5) ] ، وكان له في خيبر ثلاث رايات [ (6) ] . قال الواقدي: ولم يكن راية قبل خيبر، إنما كانت الألوية، فكانت راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السوداء من برد عائشة رضى اللَّه عنها تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، ودفع رايته إلى على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه وراية إلى الحباب ابن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة [ (7) ] .
ولما انتهى صلى اللَّه عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى، وقد ضوى إليها ناس من العرب، استقبل يهود بالرمي المسلمين، حيث نزلوا وهم على غير تعبئة، فعبأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصحابه لقتالهم، وصفّهم ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن النذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عباد بن بشر [ (1) ] . وعقد صلى اللَّه عليه وسلم لما جهز لغزاة مؤتة لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة [ (2) ] ، وعقد لعمرو بن العاص لما بعثه لغزوة ذات السلاسل لواء أبيض، وجعل راية سوداء [ (3) ] . ولما عسكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببئر أبى عنبة- وهو يريد فتح مكة- عقد الألوية والرايات، وقيل: لم يعقد الألوية والرايات حتى انتهى إلى قد يد، فكان في المهاجرين ثلاث رايات: راية مع الزبير سوداء، وراية مع عليّ، وراية مع سعد بن أبى وقاص وكان في الأوس راية في بنى عبد الأشهل مع أبى نائلة، وفي بنى ظفر راية مع قتادة بن النعمان، وفي بنى حارثة راية مع أبى بردة بن نيار، وفي بنى معاوية راية مع جبر بن عتيك، وفي بنى خطمة راية مع أبى لبابة بن المنذر [ (4) ] ، وفي بنى واقف راية مع هلال بن أمية [ (5) ] ، وفي بنى عمرو بن عوف راية مع أبى لبابة بن عبد المنذر، وفي بنى أمية راية كذا، وفي بنى ساعدة راية مع أبى أسيد الساعدي، وفي بنى الحارث بن الخزرج راية مع عبد اللَّه بن زيد، وفي بنى سلمة مع قطبة بن عامر بن
حديدة، وفي بنى مالك بن النجار راية مع عمارة بن حزم، وفي بنى مازن راية مع سليط بن قيس، وفي بنى دينار راية مع كذا [ (1) ] . وكانت في مزينة ثلاثة ألوية: لواء مع النعمان بن مقرّن، ولواء مع بلال ابن الحارث، ولواء مع عبد اللَّه بن عمرو. وكان في أسلم لواءان أحدهما مع بريدة بن الحصيب، والآخر مع ناجية بن الأعجم، وفي جهينة أربعة ألوية: لواء مع سويد بن صخر، ولواء مع رافع بن مكيث، ولواء مع زرعة معبد بن خالد، ولواء مع عبد اللَّه بن بدر [ (2) ] . وكان مع بنى كعب بن عمرو ثلاثة ألوية: لواء مع بشر بن سفيان، ولواء مع ابن شريح، ولواء مع عمرو بن سالم، وكانت راية أشجع مع عوف بن مالك [ (3) ] ، [ولهم لواءان: لواء يحمله معقل بن سفيان، ولواء يحمله نعيم ابن مسعود] [ (4) ] . ولقيه عليه السلام بقديد أسلم ومعها لواءان وخمس رايات سود، وقيل لم يكن معها لواء ولا راية. فسألوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يعقد لهم راية، فعقد لهما لواءان: أحدهما حمله عباس بن مرداس، والآخر حمله خفاف بن ندبه، وحمل آخر راية [ (5) ] [الحجاج بن علاط] . وكانت راية غفار مع أبى ذرّ [ (6) ] ، وكان في كنانة بنى ليث، وضمرة، وسعد بن بكر لواء مع أبى واقد الليثي، وكان مع بنى ليث لواء يحمله
الصعب بن جثامة، وكان سعد بن عبادة يحمل راية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمام كتيبته، ثم أمره عليه السلام أن يدفعها إلى ابنه قيس بن سعد، وقيل بل أخذ عليّ رضى اللَّه عنه الراية من سعد يأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى دخل بها مكة، فغرزها عن الركن [ (1) ] . ويقال: كان لواء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم دخل مكة أسود، ولمّا عبّأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصحابه بأوطاس وصفّهم، وضع الألوية والرايات في أهلها، وكان مع المهاجرين لواء يحمله عليّ، وراية يحملها سعد بن أبى وقّاص، وراية يحملها عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنهم، وكان مع الخزرج لواء يحمله الحباب بن المنذر، ويقال: كان لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة، ولواء الأوس أسيد بن الحضير وفي كل بطن من بطون الأوس والخزرج لواء أو راية، ففي بنى عبد الأشهل راية يحملها أبو نائلة، وفي بنى حارثة راية يحملها أبو بردة بن نيار، وفي بنى ظفر راية يحملها قتادة بن النعمان، وراية يحملها جبر بن عتيك في بنى معاوية، وراية يحملها هلال بن أمية في بنى واقف، وراية يحملها أبو لبابة بن عبد المنذر في بنى عمرو بن عوف، وراية يحملها أبو أسيد الساعدي في بنى ساعدة، وراية يحملها عمارة بن حزم في بنى مالك بن النجار، وراية يحملها أبو سليط في بنى عدي بن النجار، وراية يحملها سليط بن قيس في بنى مازن [ (2) ] . وكانت رايات الأوس والخزرج في الجاهلية خضراء وحمراء، فلما كان الإسلام أقروها على ما كانت عليه، وكانت رايات المهاجرين سوداء والألوية بيضاء، وكان في أسلم رايتان: إحداهما مع بريدة بن الحصيب، والأخرى
مع جندب بن الأعجم، وكان في غفار راية مع أبى ذر، وفي بنى ضمرة والليث، وسعد بن ليث راية مع أبى واقد الحارث بن مالك الليثي، وفي كعب بن عمرو، رايتان: مع بسر بن سفيان وأبى شريح، وفي مزينة ثلاث رايات: مع بلال بن الحارث، والنعمان بن مقرن، وعبد اللَّه بن عمرو بن عوف [ (1) ] . وفي جهينة أربع رايات: مع رافع بن مكيث، وعبد اللَّه بن بدر، وأبى زرعة معبد بن خالد، وسويد بن صخر، وفي أشجع رايتان: مع نعيم بن مسعود، ومعقل بن سنان، وفي سليم ثلاث رايات: مع العباس بن مرداس، وخفاف بن ندبة، وحجاج بن علاط، وحمل راية الأزد [في] [ (2) ] حصار [أهل] [ (2) ] الطائف النعمان المهلبي [ (3) ] . ولما دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ثنية الوداع يريد تبوك، وعقد الألوية والرايات، فدفع لواءه الأعظم إلى أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه، ورايته العظمى إلى الزبير رضى اللَّه عنه، ودفع راية الأوس إلى أسيد بن الحضير، ولواء الخزرج إلى أبى دجانة، ويقال: إلى الحباب بن المنذر بن الجموح [ (4) ] ، وراية بنى مالك بن النجار إلى عمارة بن حزم، ثم أعطاها زيد بن ثابت، وراية بنى عمرو بن عوف إلى أبى زيد، وراية بنى سلمة إلى معاذ بن جبل، رضى اللَّه عنهم [ (5) ] .
ولما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه في رمضان سنة عشر [ (1) ] ، عسكر بقباء حتى تتام أصحابه، وعقد له يومئذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لواء، أخذ عمامة فلفّها مثنية مربعة، فجعلها في رأس الرمح، ثم دفعها إليه ثم قال: هكذا [ (2) ] اللواء، وعمّمه عمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعا بين يديه، وشبرا من ورائه، ثم قال: هكذا العمة [ (3) ] . وآخر لواء عقده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لواء أسامة بن زيد في يوم الخميس لليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة، عقده بيده، وقد ابتدأ به مرضه الّذي توفّاه اللَّه فيه، وقال له: يا أسامة: أغز باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم لا تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيّحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا [فتفشلوا] وتذهب ريحكم، وقولوا: اللَّهمّ نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة [ (4) ] . ثم قال: يا أسامة، شن [ (5) ] الغارة على أهل أبناء، ثم قال امض على اسم اللَّه، فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب فخرج به إلى بيت أسامة، وعسكر أسامة بالجرف [ (6) ] .
فلما توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا، حتى أتى به باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فغرزه عنده [ (1) ] . فلما بويع أبو بكر رضى اللَّه عنه، أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة، وأن لا يحله أبدا حتى يغزوهم أسامة، فخرج بريدة باللواء إلى بيت أسامة، ثم خرج به الشام معقودا مع أسامة، ثم رجع به إلى بيت أسامة، فما زال معقودا في بيت أسامة حتى توفى أسامة حتى توفى أسامة رضى اللَّه عنه [ (1) ] .
[وأما القضيب والعصا]
[وأما القضيب والعصا] [فكان له صلى اللَّه عليه وسلم مخصرة تسمى العرجون، وقضيب يسمى الممشوق] فخرج ابن حبان من حديث محمد بن عجلان، عن عياض عن أبى سعيد [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستحب العراجين، فلا يزال في يده منها شيء، فدخل يوما المسجد وفي يده العرجون، فرأى نخامة في القبلة فحكها بالعرجون [ (1) ] . ومن حديث ابن لهيعة، أخبرنا أبو الأسود عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يخطب وفي يده مخصرة [ (2) ] .
ومن حديث معمر بن سليمان قال: سمعت منصور بن المعتمر، عن سعد بن عبيدة، عن عبد اللَّه بن حبيب، عن أبى عبد الرحمن السّلميّ عن على رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببقيع الغرقد ومعه مخصرة، فنكس وجعل ينكت بها يده [ (1) ] . قال ابن الجوزي: وكان له صلى اللَّه عليه وسلم قضيب هو اليوم عند الخلفاء. ولابن حيّان من حديث ليث عن عامر الشعبىّ، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أنه قال: التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء [ (2) ] [و] كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عصا يتوكأ عليها، ويأمر بالتوكؤ على العصا [ (3) ] . وقال مخول بن إبراهيم، حدثنا إسرائيل عن عاصم، عن محمد بن سيرين، عن أنس، أنه كان عنده عصيّة لرسول اللَّه، فمات فدفنت معه بين جنبه وبين قميصه. وخرج عمر بن شيبة من حديث عبد اللَّه بن رجاء قال: أخبرنا المسعودي عن القاسم قال: كان عبد اللَّه بن مسعود [رضى اللَّه عنه] يلبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم
نعليه، ثم يأخذ العصا فيمشي أمامه، حتى إذا جلس أعطاه العصا ونزع نعليه، فجعلهما في ذراعيه، ثم استقبله بوجهه، فإذا أراد أن يقوم ألبسه نعليه، ثم أخذ العصا فمشى قدامه، حتى يلج الحجرة أمام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ويقال: إن اسم قضيبه على السلام الممشوق [ (1) ] .
فصل في ذكر من كان على سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من كان على سلاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال الواقدي في عمرة القضاء: حدثني معاذ بن محمد عن عاصم بن عمر قال: حمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السلاح: البيض، والدروع، والرماح وقاد مائة فرس، فلما انتهى إلى ذي الحليفة، قدّم الخيل أمامه، [وهي مائة فرس،] [ (1) ] عليها محمد بن مسلمة، وقدم السلاح واستعمل عليه بشير بن سعد، فقيل: يا رسول اللَّه! حملت السلاح وقد شرطوا علينا أن لا ندخل عليهم إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب، فقال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] : إنا لا ندخلها [ (2) ] عليهم الحرم، ولكن يكون قريبا منا، فإن هاجنا هيج من القوم، كان السلاح قريبا منا، قيل: يا رسول اللَّه! نخاف قريشا على ذلك؟ فأسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقدّم البدن [ (3) ] . قال الواقدي: ونزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ الظهران، وقدم السلاح إلى بطن يأجج، حيث ينظر إلى أنصاب الحرم، [و] حدثني عائذ بن يحى، عن [أبى] [ (1) ] الحويرث قال: وخلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مائتي رجل على السلاح، عليهم أوس بن خولى [ (4) ] . قال الواقدي: وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر مائتين من أصحابه ممن طافوا بالبيت أن يذهبوا إلى أصحابهم ببطن يأجج فيقيموا على السلاح، ويأتى الآخرون فيقضوا نسكهم، ففعلوا [ (5) ] .
فصل في ذكر من كان يقوم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم بالسلاح ومن حمل حربته وصقل سيفه
فصل في ذكر من كان يقوم على رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالسلاح ومن حمل حربته وصقل سيفه اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جماعة يقفون على رأسه بالسلاح، منهم المغيرة بن شعبة، والضحاك بن سفيان، والنعمان بن مقرن، وعباد بن بشير رضى اللَّه عنهم. أما المغيرة بن شعبة، فقد خرّج البخاري من حديث الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان [رضى اللَّه عنهما] يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الحديبيّة، فذكر الحديث حتى ذكر قدوم عروة [بن مسعود] [ (1) ] إلى أن قال: وجعل يكلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر، وكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ضرب يده بنعل السيف وقال: أخّره يدك عن لحية رسول اللَّه وذكر الحديث بطوله، ذكره في كتاب الشروط [ (2) ] وفي عمرة الحديبيّة [ (3) ] .
وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا أبو عمار، حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازم، عن المغيرة بن شعبة، أنه كان قائما على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالسيف، وعنده عروة بن مسعود، فجعل يتناول لحية النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويحدثه، فقال المغيرة لعروة: لتكفّن يدك عن لحيته، أو لا ترجع إليك، فقال عروة: من هذا؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال عروة: يا غدر، ما غسلت رأسك من غدرتك بعد [ (1) ] . وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني محمد بن سعيد الثقفي، وعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلا بن كعب، ومحمد بن يعقوب ابن عتبة عن أبيه وغيرهم، قالوا: قال المغيرة بن شعبة: كنا قوم من العرب متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، وأرانى لو رأيت قومي قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بنى مالك الوفود على المقوقس، وأهدوا له هدايا فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمى عروة بن مسعود فنهاني وقال: ليس معك من بنى أبيك أحد، فأبيت إلا الخروج [ (2) ] . فخرجت معهم، وليس معهم من الأحلاف غيري، حتى إذا دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطلّ على البحر، فركبت قاربا حتى حاذيت مجلسه، فنظر إليّ فأنكرنى، وأمر من سألني من أنا وما أريد، فسألني، فأخبرته بأمرنا، وإنا قدمنا عليه، فأمر أن ننزل، وأجرى علينا ضيافة، ثم دعانا فنظر إلى رأس بنى مالك فأدناه إليه، وأجلسه معه ثم
سأله: أكل القوم من بنى مالك؟ فقال: نعم إلا رجلا واحدا من الأحلاف، وعرّفه إياي، فكنت أهون القوم عليه [ (1) ] . ووضعوا هداياهم بين يديه فسرّ بها وأمر بقبضها، وأمر لهم بجوائز، وفضّل بعضهم على بعض، وقصّر بى فأعطانى شيئا قليلا لا ذكر له، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يسيّرون هداياهم لأهليهم وهم مستبشرون، ولم يعرض عليّ أحد منهم شيئا، وخرجوا وحملوا معهم خمرا فكانوا يشربون منها وأشرب معهم، ونفسي تأبى أن تدعني معهم، وقلت: ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا مما حباهم به الملك، ويخبرون قومي بتقصيرهم بى، وازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم، قلت: إني أجد صداعا، فوضعوا شرابهم ودعوني فقلت: برأسى صداع، ولكن أجلس فأسقيكم فلم ينكروا شيئا، فجلست أسقيهم وأشرب القدح بعد القدح، فلما دبّت الكأس فيهم اشتهوا الشراب، فصرت أصرف لهم وأنزع الكأس حتى ناموا ما يعقلون، فوثبت بهم، فقتلتهم جميعا وأخذت ما معهم [ (1) ] . فقدمت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فوجدته جالسا في المسجد مع أصحابه، وعليّ ثياب السفر، فسلمت سلام الإسلام، فنظر إليّ أبو بكر- وكان بى عارفا- فقال: أنت ابن أخى عروة؟ قلت نعم، قال: ما جاء بك؟ قلت: جئت أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه الّذي هداك إلى الإسلام، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: أمن مصر أقبلتم؟ قلت: نعم، قال: فما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قلت: كان بيني وبينهم بعض ما يكون بين العرب ونحن على دين الشرك، فقتلتهم وأخذت أسلابهم، وجئت بها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليخمسها، ويرى فيها رأيه، فإنّها غنيمة من المشركين، وأنا مسلم مصدق محمد، فقال رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم: أما إسلامك فقبلته، ولا نأخذ من أموالهم شيئا ولا نخمسها، لأن هذا غدر، والغدر لا خير فيه] [ (1) ] . [فأخذني ما قرب وما بعد، فقلت: يا رسول اللَّه! إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حين دخلت عليك الساعة، فقال: إن الإسلام يجب ما قبله] [ (1) ] . [قال: وكان قد قتل منهم [ (2) ] ثلاثة عشر إنسانا، فبلغ ذلك ثقيفا بالطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا على أن يحمل عمى عروة بن مسعود ثلاثة عشرة دية] . [قال المغيرة: وأقمت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى اعتمر عمرة الحديبيّة في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، فكانت أول سفرة وخرجت معهم، وكنت أكون مع أبى بكر رضى اللَّه عنه، وألزم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيمن يلزمه] . [وبعثت قريش عام الحديبيّة عروة بن مسعود، إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأتاه يكلمه، وجعل يمس لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا قائم على رأسه صلى اللَّه عليه وسلم مقنع في الحديد، فقلت لعروة وهو يمس لحية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أكفف يدك [عن مسّ لحية رسول اللَّه] [ (3) ] قبل أن لا تصل إليك، فقال عروة: يا محمد! من هذا؟ ما أفظعه وما أغلظه؟! فقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال عروة: يا عدوّ اللَّه! ما غسلت سوأتك عنى إلا بالأمس يا غدر] . [وخرجه قاسم بن أصبغ، من حديث الأعمش عن مجاهد قال: حدثني
مولاي عبد اللَّه بن السائب [ (1) ] قال: أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال لي: تعرفني؟ قلت: نعم، كنت شريكك، فنعم الشريك، كنت لا تدارى [ (2) ] ولا تمارى [ (3) ]] [ (4) ] . [وأما الضحاك بن سفيان رضى اللَّه عنه] فقال أبو عمر بن عبد البر: وكان الضحاك بن سفيان الكلابي أحد الأبطال، وكان يقوم على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متوشحا سيفه، وكان يعدّ بمائة فارس وحده، وله خبر عجيب مع بنى سليم، ذكره أهل الأخبار [ (5) ] . ذكر الزبير بن بكار وقال: حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن موءلة بن كثيف الكلابي [قال: حدّثنى أبى عن جدي موءلة بن كثيفك بن جمل بن
خلد الكلابي، أن الضحاك بن سفيان الكلابي رضى اللَّه عنه] [ (1) ] كان سيّاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قائما على رأسه متوشحا سيفه، وكانت بنو سليم في تسعمائة، فقال لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا؟ فوافاهم بالضحاك بن سفيان، وكان رئيسهم، فقال عباس بن مرداس [المعنى المذكور في الخبر] [ (1) ] : نذود أخانا عن أخينا ولو ترى ... مهزا لكنا الأقربين نتابع نتابع بين الأخشبين وإنما ... يد اللَّه بين الأخشبين تبايع [عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول اللَّه والسيف رافع] [ (1) ] [كان] [ (2) ] الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبى بكر بن كلاب الكلابي، يكنى أبا سعيد، معدود في أهل المدينة، كان ينزل باديتها، وقيل: كان
نازلا [بحرة] [ (1) ] ولّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على من أسلم من قومه، وكتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضّبابى [ (2) ] من دية زوجها، وكان أشيم قتل خطأ، وشهد بذلك الضحاك بن سفيان عند عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقضى به وترك رأيه. وبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سرية أمّر عليهم الضحاك، بن سفيان هذا، فذكره عباس بن مرداس في شعره، كذا ذكره ابن عبد البر أنه كلابىّ [ (3) ] ، وقال البرقي: ليس الضحاك بن سفيان هذا بالكلابى، إنما هو الضحاك بن سفيان بن الحارث بن زائدة بن عبد اللَّه بن حبيب بن مالك بن خفاف بن امرئ القيس بهثة السلمي، له صحبة، وكان رأس بنى سليم، وصاحب رايتهم [ (4) ] . [وقال الزبير بن بكار في (نسب قريش) : الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبى بكر بن كلاب الكلبي، الّذي شهد عند عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضّبابى [ (2) ] من ديته، وكان أشيم قتل خطأ، فقضى بذلك عمر بن الخطاب، وبعثه النبي صلى اللَّه عليه وسلم [في سرية] [ (2) ] استعمله عليهم [ (5) ] ، فيها عباس
ابن مرداس، فقال عباس بن مرداس: يا خاتم الأنبياء إنك مرسل ... بالحق كل هدى النبي هداكا وضعت عليك من الإله محبة ... وعباده ومحمدا أسماكا إن الذين وفوا ما عاهدتهم ... جيش بعثت عليهم الضّحاكا أمرته ضرب السنان كأنه ... لما تكنفه العدو يراكا طورا يعانق باليدين وتارة ... يفرى الجماجم صارما بتاكا] [ (1) ] [قال الزبير: حدثتني ظمياء بنت عبد العزيز بن مولة [ (2) ] بن كثيف الضبائية، عن أبيها عن جدها مولة [ (2) ] بن كثيف، أن الضحاك بن سفيان الكلبي، كان سيافا لرسول اللَّه [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم، قائما على رأسه، متوشحا
بسيفه [ (1) ] ، وكانت بنو سليم في تسعمائة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا، فوفّاهم بالضحاك بن سفيان، وكان رئيسهم، فلما اقتتلوا قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعباس بن مرداس: ما لقومي كذا تريد تقتلهم، وقومك هكذا تريد تدفع عنهم؟ فقال عباس: نذود أخانا عن أخينا ولو ترى ... مهرا لكنا الأقربين نتابع نبايع بين الأخشبين وإنما ... يد اللَّه بين الأخشبين تدافع [عشية ضحاك بن سفيان معتص ... بسيف رسول اللَّه والسيف كانع] [ (2) ] [وبشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس [ (3) ] بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو النعمان، شهد العقبة، وبدرا، وأحدا، وما بعدها] .
[وذكر الزبير بن بكار في (الأخبار الموفقيات) ، عن محمد بن إسحاق، أن بشير بن سعد الأنصاري كان إذا قدمت وفود العرب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام على رأس النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالسيف يحميه منهم، وبشير هذا أول من بايع أبا بكر الصديق رضى اللَّه عنه يوم الثقيفة من الأنصار، وقتل هو مع خالد بن الوليد بعين التمر في خلافة أبى بكر الصديق رضى اللَّه عنهم] [ (1) ] . والنعمان بن مقرّن بن عائذ، ويقال: النعمان بن عمرو بن مقرن، ويقال النعمان بن مقرن بن عائذ بن ميجاء بن هجير بن نصر بن حبشيّة بن كعب ابن عبد ثور بن هدمة بن لاطم بن عثمان- وهو مزينة- بن عمرو بن أدّ ابن طابخة أبو عمرو، ويقال: أبو حكيم المزني. هاجر وكان صاحب لواء مزينة يوم الفتح، واستعمله عمر رضى اللَّه عنه، ففتح اللَّه عليه أصبهان، وقتل على نهاوند سنة إحدى وعشرين. وذكر الطبراني من حديث عطاء بن أبى رباح قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطن، وجبّة محشوة، ورداء وسيف، ورأيت النعمان بن مقرن المزني قائما على رأسه، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه، والناس يبايعونه [ (2) ] .
وعباد بن بشر [ (1) ] [رضى اللَّه عنه] قائم على رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وهو مقنع في الحديد، لما جاء عيينة بن حصن في الخندق، ومعه الحارث بن عوف في عشرة من قومهما، ليقع الصلح معهما، حتى يرجعا بمن معهما [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه، عن الحارث بن عبد اللَّه بن كعب قال: سمعت أم عمارة [رضى اللَّه عنها] تقول: إني لأنظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ جالسا متربعا- يعنى يوم الحديبيّة- وإنّ عباد بن بشر وسلمة بن أسلم بن حريش مقنعان بالحديد قائمان على رأس النبي عليه السلام، إذ رفع سهيل بن عمرو صوته فقالا [ (3) ] : اخفض [من] [ (4) ] صوتك عند رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] [ (5) ] ، وسهيل بارك على ركبتيه رافع صوته، كأنى انظر إلى علم [ (6) ] في ضفته، وإلى أنيابه، وإن
المسلمين لحول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس [ (1) ] . وعمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، ذكر الدار قطنى في (العلل) ، أن النبي عليه السلام، كان إذا صلى في الحجر، قام عمر رضى اللَّه عنه على رأسه بالسيف حتى يصلى. وكان الحارث بن الصمة [بن عتيك] [ (2) ] بن عمرو بن عامر- الّذي يقال له: مبذول- بن مالك بن النجار أبو سعيد، الّذي قتل يوم بئر معونة شهيدا، يحمل حربة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ويسير بها بين يديه [ (3) ] . قال ابن إسحاق: في يوم أحد لما أسند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الشعب، أدركه أبىّ بن خلف وهو يقول: أين يا محمد! لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: يا رسول اللَّه! أيعطف عليه [رجل] [ (4) ] منا؟ فقال: دعوه، فلما دنا تناول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ- أي تمايل- منها عن فرسه مرارا [ (5) ] .
وكان مرزوق الصيقل [ (1) ] مولى الأنصار، صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، روى عنه أبو الحكم الصيقل [حدثني مرزوق الصيقل أنه صقل سيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذا الفقار] [ (2) ] .
فصل في ذكر خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر خيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [اعلم أنه قد كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خيول يرتبطها، منها ما أجمعوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه، فأجمعوا على أن كان له صلى اللَّه عليه وسلم سبعة أفراس، ويروى [أن] له عشرة أفراس- في بعضها خلاف- وهي: المرتجز [ (1) ] ، واللّحيف [ (2) ] ، واللّزاز [ (3) ] ، والظّرب [ (4) ] ، والسّكب [ (5) ] ، وسبحة [ (6) ] ،
والورد [ (1) ] . وقاد صلى اللَّه عليه وسلم في حروبه عدة أفراس] [ (2) ] .
خرّج النسائىّ من حديث إبراهيم بن طهمان، عن سعيد [بن أبى عروبة] [ (1) ] عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه قال: لم يكن شيء أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد النساء من الخيل [ (2) ] . ورواه أبو هلال الراسى محمد بن سليم عن قتادة، عن معقل بن يسار قال: لم يكن شيء أعجب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الخيل [ (3) ] ، ثم قال: عفوا بل النساء، أبو هلال هذا ليس بشيء [ (4) ] . ومن حديث إبراهيم بن الفضل، عن سعيد المقبري عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كان أحب الخيل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الأشقر، الأدم، الأقرح، المحجل في السبق، الأيمن [ (5) ] . وقد اختلف في عدة خيول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي ارتبطها، فأجمعوا على أنه كان له سبعة أفراس، وروى أنه كان له عشرة أفراس، في بعضها خلاف،
وهي: المرتجز، واللحيف، واللزاز، والظرب، والسكب، وبهجة، والورد. وقاد صلى اللَّه عليه وسلم في حروبه عدة أفراس [ (1) ] . فأما المرتجز، فروى الواقدي عن الحسن بن عمارة بن الحكم بن مقسم، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرس يدعى المرتجز [ (1) ] . وروى إدريس الأودي عن الحكم عن يحى بن الجزار، أن عليا رضى اللَّه عنه قال: كان اسم فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم المرتجز، وبغلته دلدل، وناقته القصواء، وحماره عفير، ودرعه ذات الفضول، وسيفه ذو الفقار، وإنما قيل له المرتجز لحسن صهيله، وكان أبيض [ (2) ] . وعن محمد بن يحى بن سهل قال: ابتاع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرسه المرتجز من أعرابى من بنى مرّة، فرأى الأعرابي فيه رغبة، فجحد أن يكون باعه إياه، فشهد له على ابتياعه هذا الفرس خزيمة بن ثابت الأنصاري [ (3) ] رضى اللَّه عنه، ولم يكن شاهدا شراءه، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: كيف شهدت ولم تحضر؟ قال: لتصديقي إياك يا رسول اللَّه، وإن قولك كالمعاينة، فقال: أنت
ذو الشهادتين، فسمى ذا الشهادتين [ (1) ] . وقد خرّج أبو داود حديث شهادة خزيمة من طريق الزهري، عن عمارة ابن خزيمة، أن عمه حدّثه [وهو من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابىّ، فاستتبعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليقضيه [ (3) ] ثمن فرسه، فأسرع النبي صلى اللَّه عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابيّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟ فقال: [لا] [ (4) ] ، واللَّه ما بعتكه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: بلى قد ابتعته منك. فطفق الأعرابي يقول: هلمّ شهيدا، فقال خزيمة [بن ثابت] : أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال بتصديقك يا رسول اللَّه، فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين [ (5) ] .
وقد بين الحاكم في (المستدرك) اسم هذا الأعرابي، فخرج من حديث زيد بن الحباب قال: حدثني محمد بن زرارة بن عبد اللَّه بن خزيمة بن ثابت قال: حدثني عمارة بن خزيمة عن أبيه خزيمة بن ثابت رضى اللَّه عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ابتاع من سواء بن الحارث المحاربي فرسا فجحده، فشهد له خزيمة بن ثابت، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما حملك على الشهادة ولم تكن معه؟ قال: صدقت يا رسول اللَّه [ولكن صدّقتك] [ (1) ] [بما قلت] [ (1) ] ، وعرفت أنك لا تقول إلا حقا، فقال: من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه [ (2) ] .
ويقال: بل [اسمه] الطرف، بكسر الطاء، والطرف: الكريم من الخيل، وقيل: هو النجيب، والنجيب: الكريم أيضا. وأما اللحيف بالحاء المهملة المفتوحة اللام، وفعيل بمعنى فاعل، كأنه يلحف الأرض بذنبه لطوله، أي يغطيها، وقيل فيه أيضا: بضم اللام وفتح الحاء مصغّرا، والأكثر أنه اللخيف بالخاء المعجمة، وقيل فيه: النخيف بالنون وليس بشيء. وهذا الفرس [أهداه لرسول اللَّه] صلى اللَّه عليه وسلم فروة بن عمرو من أرض البلقاء، وقيل: أهداه ابن أبى البراء، وكان يركبه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . خرّج البخاري من حديث أبى بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له: اللخيف [ (2) ] ، [بالخاء المعجمة، وبالحاء المهملة مع فتح اللام، فعيل بمعنى فاعل، كأنه يحلف الأرض بذنبه لطوله] [ (3) ] . وروى الواقدي وابن مندة من حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أفراس يعلفهن عند ابن سعد [ (4) ] ، أبى سهل بن سعد، فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسميهن: اللزاز، واللحيف، والظّرب [ (5) ] . هذه سياقة ابن مندة فهي أتم. زاد الواقدي: فأما اللزاز، فأهداه له المقوقس صاحب الإسكندرية، وأما الظرب، فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي من عمان بالشام، وأما اللحيف،
فأهداه له ربيعة بن أبى البراء الكلابي، فأثابه فرائض من نعم بنى كلاب. قال الواقدي: سمى اللحيف لأنه كان يلتحف بعرفة، ويقال: شبّه بلحيف الجبل وصغّر، وسمى الظرب لتشوفه وحسن صهيله، وسمى لزاز لأنه كان ملززا موثقا، ويقال: الظرب واحد الظراب، وهي الروابي الصغار، سمى به لسمنه، وقيل: لقوته وصلابة حافرة، واللزاز قيل له ذلك لاجتماع خلقه، وقيل لشدة دموجه [ (1) ] . وقال ابن سعد: كان مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة المريسيع فرسان: بثلاثة أفراس: اللزاز، والظرب، والحاجب، وستين وسقا من الشوط [ (2) ] . وأما السّكب، فروى الواقدي عن محمد بن يحيى بن سهل بن أبى حثمة عن أبيه قال: أول فرس ملكه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بنى فزارة بعشر أواقي، وكان اسمه عند الأعرابي: الضريس، فسماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم السكب، وكان أول ما غزا عليه أحدا، [و] ليس مع المسلمين فرس غيره، وفرس لأبى بردة بن نيار يقال له: ملاوح، وكان السكب أغرّ، محجلا، طلق اليمين، وقيل: كان كميتا، أغرّ، محجلا، مطلق اليمين، وقيل: كان أدهم، وشبه بانسكاب الماء. وأما سبحة، فإنّها فرس شقراء، ابتاعها صلى اللَّه عليه وسلم من أعرابى من جهينة بعشر من الإبل، وسابق صلى اللَّه عليه وسلم عليه بوم خميس فأقبلت في وجوه الخيل، فسميت سبحة من قولهم: فرس سابح، إذا كان حسن مد اليدين في الجرى، وسبح الفرس: جريه [ (2) ] . وأما الورد، فقال الواقدي: فأهدى تميم الداريّ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرسا يقال
له: الورد، فأعطاه عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فحمل عليه عمر [رضى اللَّه عنه] في سبيل اللَّه، فوجد يباع برخص [فأخذه] . والورد: بين الكميت الأحمر والأشقر، ويروى أن الورد كانت لحمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وكانت له صلى اللَّه عليه وسلم فرس يقال له: الملاوح، وهو الضامر الّذي لا يسمن، والسريع العطش، والعظيم الألواح [ (2) ] . وفرس يقال له: البحر، اشتراه من تجار قدموا من اليمن، فسبق عليه مرات، فجثا صلى اللَّه عليه وسلم على ركبتيه، ومسح وجهه وقال: ما أنت إلا بحر، فسمّي بحرا، وكان كميتا، وقيل: هو الأدهم [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس [قال] [ (3) ] : كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى اللَّه عليه وسلم فرسا [لنا] [ (3) ] يقال له: مندوب، فقال: ما رأينا من فزع، وإن وجدناه لبحرا. ذكره البخاري في الجهاد [ (4) ] ، وفي كتاب الهبة [ (5) ] ، وفي باب مبادرة الإمام عند الفزع [ (5) ] .
وذكره مسلم من طرق [ (1) ] ، وكان مندوب فرس أبى طلحة زيد بن سهل رضى اللَّه عنه. ويروى أنه كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا وعشرين فرسا، منها الأبلق، وذو العقال، بضم العين وتشديد القاف، وسمع تخفيفها، ومسروح، وذو اللمة، وكانت فرس عكاشة بن محصن، والمرتجل، والملاوح، ويقال: مراوح، ومنها السرحان [والسرحان] [ (2) ] ، واليعبوب، واليعوب، والشحاء، والبحر وهو كميت، والسجل، والطرف، والنجيب [ (3) ] .
[فصل في تضمير خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم والسبق بينها]
[فصل في تضمير خيل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والسبق بينها] التضمير: تقليل علفها، وإدخالها بيتا كنينا وتجليلها فيه لتعرق، ويجف عرقها، فيصلب لحمها ويخف، وتقوى على الجرى. يقال: ضمّرت الفرس بتشديد الميم وأضمرته [ (1) ] . وذكر ابن [] [ (2) ] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يأمر بإضمار خيله بالحشيش اليابس شيئا بعد شيء، ويقول: ارووها من الماء، واسقوها غدوة وعشيا، وألزموها الجلال [ (3) ] ، فإنّها تلقى الماء عرقا، فتصفو ألوانها،
وتتسع جلودها. وكان صلى اللَّه عليه وسلم يأمر أن يقودوها كل يوم مرتين، ويؤخذ منها من الجرى الشوط والشوطان، ولا تركض حتى تنطوى. وخرّج أبو داود من حديث المعتمر، عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: إن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يضمّر الخيل للمسابقة بها [ (1) ] . وخرّج الدار قطنى من حديث سليم بن أخضر ومعتمر، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ضمّر الخيل وسابق بينها، وقال معتمر: كان يضمّر ويسابق [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث سفيان، عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (3) ] قال: أجرى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما ضمّر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمّر من الثنية إلى مسجد بنى زريق [قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى] [ (3) ] . قال ابن زريق- بتقديم الزاى على الراء-: آخر بياضه [ (4) ] ابنا عامر بن زريق بن حارثة بن مالك بن غضب- بفتح الغين المعجمة- ابن جشم بن الخزرج، أخى الأوس ابني حارثة، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.
قال سفيان: من الحفياء [ (1) ] إلى ثنية الوداع [ (2) ] خمسة أميال أو ستة، وبين ثنية ومسجد بنى زريق ميل. ترجم عليه باب: السبق بين الخيل [ (3) ] . وخرّج في باب غاية السباق [ (4) ] للخيل المضمرة، من حديث أبى إسحاق عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] [ (5) ] قال: سابق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت [ (6) ] ، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، فقلت لموسى: فكم [ (7) ] [كان] [ (8) ] بين ذلك؟ قال: ستة أميال أو سبعة أميال، وسابق بين الخيل التي لم تضمّر، فأرسلها من ثنية الوداع فكان أمدها مسجد بنى زريق، قلت: فكم بين ذلك؟
قال: ميل أو نحوه، وكان ابن عمر ممن سابق فيها [ (1) ] . وخرجه في باب: إضمار [ (2) ] الخيل للسبق، من حديث الليث عن نافع بنحوه [ (3) ] . وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، من حديث جويرية عن نافع [ (4) ] ، وأخرجه من حديث مالك عن نافع، فذكره البخاري في كتاب الصلاة [ (5) ] ،
وذكره مسلم في الإمارة [ (1) ] من طرق عديدة، عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث مالك عن نافع [ (2) ] . وخرجه الترمذي من حديث سفيان عن عبيد اللَّه عن نافع، وقال: حديث حسن صحيح غريب من حديث الثوري [ (3) ] . وخرج أبو داود من حديث أحمد بن حنبل قال: أخبرنا عقبة بن خالد عن عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل، وفضّل [ (4) ] القرّح [ (5) ] في الغاية [ (6) ] . قال الدار قطنى [ (7) ] : تفرد بهذه الألفاظ عقبة السكونيّ عن عبيد اللَّه. وقال ابن عبد البر: لم يقل ذلك في هذا الحديث أحد غير عقبة بن خالد، وقد وجدت له أصلا فيما رواه أبو سلمة التبوكي قال: أخبرنا
عبد الملك بن حرب بن عبد الملك بن مجاشع بن مسعود السلمي قال: حدثني أبى وعمى عن جدي، أن ناسا من أهل البصرة ضمّروا خيولهم، فنهاهم الأمير عتبة بن مروان أن يجروها، حتى كتب إلى عمر [رضى اللَّه عنه] ، فكتب إليه عمر، أن أرسل القرّح من رأس مائة غلوة، ولا يركبها إلا أربابها، فجاء مجاشع بن مسعود سابقا [على الغراء] [ (1) ] . وخرّج الدار قطنى من حديث يزيد بن هارون وعفان بن مسلم قالا: أخبرنا سعيد بن زيد، أخبرنا الزبير بن حريث، أخبرنا أبو لبيد لمازة بن زبار [ (2) ] قال: أرسلت الخيل زمن الحجاج، والحكم بن أيوب على البصرة، فأتينا الرهان، فلما جاءت الخيل قلنا: لو ملنا إلى أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] فسألناه: أكانوا يراهنون على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فملنا إليه وهو في قصره بالزاوية، فقلنا: يا أبا حمزة! أكنتم تراهنون على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يراهن؟ قال نعم واللَّه، هو يراهن على فرس له يقال له: سبحة، فجاءت سابقة، فأنهش لذلك وأعجبه [ (2) ] . [قال عبد اللَّه: أنهشه يعنى أعجبه] [ (3) ] .
[و] قال الواقدي: عن إبراهيم بن الفضل، عن أبى العلاء عن مكحول قال: طلعت الخيل وفيها فرس للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، فبرك على ركبتيه، وأطلع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأسه من الصف وقال: كأنه بحر. وفي رواية: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل.، فجلس على سلع، وطلعت الخيل، فطلعت له فيها ثلاثة أفراس يتلو بعضها بعضا، يتقدمها لزاز، فلما رآه سرّ به، ثم فرسه الظرب، ثم السكب. وعن أبى عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه عن جده [رضى اللَّه عنه] قال: سبقت على فرس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الظرب، فكساني يردا يمانيا. قال الواقدي: وسبق أبو أسيد الساعدي- وهو مالك بن ربيعة- على فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم لزاز، فأعطاه حلّة يمانية. وذكر الواقدي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سبق بين الخيل والإبل لما مرّ بالنقيع، منصرفه من المريسيع، فسبقت القصواء الإبل، وسبق فرسه، وكان معه فرسان: لزاز و [آخر يقال له] [ (1) ] الظرب، فسبق يومئذ على الظّرب، وكان الّذي سبق عليه يومئذ أبو أسيد الساعدي، والّذي سبق على ناقته بلال [ (2) ] [رضى اللَّه عنه] .
فصل في ذكر الخيل التي قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره
فصل في ذكر الخيل التي قادها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أسفاره قال الواقدي في غزاة بنى قريظة: ولبس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الدرع والمغفر والبيضة، وأخذ قناة بيده، وتقلد الترس، وركب فرسه وصفّ به أصحابه، وتلبسوا السلاح، وركبوا الخيل، وكانت ستة وثلاثين فرسا، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد قاد فرسين وركب واحدا يقال له اللحيف، فكانت ثلاثة أفراس معه، وسار إلى بنى قريظة [ (1) ] . وذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قاد في غزاة خيبر ثلاثة أفراس: لزار، والظرب، والسكب، فلم يسهم من الخيل لنفسه ولمن معه إلا لفرس واحد، هو معروف بينهم الفرس [ (2) ] . وأسهم صلى اللَّه عليه وسلم في النطاة من خيبر ثلاثة أسهم: لفرسه سهمين، وله سهم، وكان مع عاصم بن عدي [ (3) ] . وذكر في غزاة تبوك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قام إلى فرسه الظرب، فعلق عليه شعيرة، وجعل يمسح ظهره بردائه، فقيل: يا رسول اللَّه! تمسح ظهره بردائك؟ قال: نعم، وما يدريك لعل جبريل أمرنى بذلك، [مع أنى قد بتّ الليلة وإن الملائكة لتعاتبنى في حسّ [ (4) ] الخيل ومسحها] [ (5) ] .
وإن عبيد بن ياسر بن نمير- جد [ (1) ] سعد اللَّه- قدم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتبوك فأسلم وأهدى له فرسا عتيقا يقال له مراوح، وقال: يا رسول اللَّه، إنه سابق، فأجرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخيل بتبوك، فسبق الفرس، فأخذه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه، فسأله المقداد بن عمرو الفرس، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: فأين سبحه- يعنى فرس المقداد- التي شهد عليها بدرا؟ فقال: يا رسول اللَّه عندي، وقد كبرت، وأنا أضن بها للمواطن التي شهدت عليها، وقد خلّفتها لبعد هذا السفر وشدّة الحر [عليها] ، فأردت أحمل هذا الفرس المعرّق عليها، فيأتينى [بمهر] [ (2) ] ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم فذاك إذا، فقبضه المقداد [فخبر] [ (2) ] منه صدقا، ثم حمّله على سبحة، فنتجت له مهرا كان سابقا، يقال له: الذّيّال، سبق في [عهد] [ (2) ] عمر وعثمان رضى اللَّه عنهما، فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفا [ (3) ] .
فصل في ذكر من استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخيل
فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الخيل اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استعمل على الخيل في حروبه غير واحد من أصحابه منهم: محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري، أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد اللَّه، حليف بنى عبد الأشهل، شهد بدرا وما بعدها، ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وقيل: سنة ست، وقيل سنة سبع وأربعين، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وكان من فضلاء الصحابة، رضى اللَّه عنه وعنهم [ (1) ] . استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ما قاده من الخيل في عمرة القضية، وهو مائة فرس، وقدم بها [من] ذي الحليفة، فمضى إلى مرّ الظهران بالخيل، فوجد بها نفرا من قريش، فسألوه فقال: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصبّح هذا المنزل غدا إن شاء اللَّه، ورأوا سلاحا كثيرا مع بشير بن سعد، فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا، فأخبروهم بالذي رأوا من الخيل والسلاح، ففزعت قريش
وقالوا: واللَّه ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا ومدتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه [ (1) ] ؟ وخالد بن الوليد المخزومي رضى اللَّه عنه، لم يزل من حين أسلم يولّيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنّة الخيل، يعنى أنه يكون على خيول المسلمين في الحروب، فيكون في مقدمتها في محاربة المشركين [ (2) ] .
فصل في ذكر سرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان يسرج له فرسه
فصل في ذكر سرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومن كان يسرج له فرسه خرّج أبو داود [الطيالسي وأبو داود] [ (1) ] السختياني، وابن حيّان من حديث عبد الرحمن الفهري قال: كنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حنين، فسرنا في يوم قائظ شديد الحرّ، فنزلنا تحت ظلال الشجر، فلما زالت الشمس، لبست لأمتى، وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه، قد كان الرّواح يا رسول اللَّه؟ قال: أجل، ثم قال: يا بلال، فسار من تحت شجرة كأن ظله طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا قدامك، قال: أسرج لي فرسي، فأتاه بدفّتين من ليف، ليس فيهما أشر ولا بطر. فركب فرسه ثم انتهينا. هذا حديث الطيالسي. ولفظ أبى داود، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حنينا، فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجر، فلما زالت الشمس، لبست لأمتى، وركبت فرسي، فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في فسطاطه، فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، قد كان الرواح؟ قال: أجل، ثم قال: يا بلال [قم] [ (2) ] ، فسار [ (3) ] من تحت شجرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك، قال: أسرج لي الفرس، فأخرج سرجا دفّتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر، فركب وركبنا [ (1) ] . [قال أبو داود:
أبو عبد الرحمن الفهري ليس له إلا هذا الحديث، وهو حديث نبيل جاء به حماد بن سلمة] [ (1) ] [ (2) ] . ولفظ ابن حيّان قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين في [يوم] [ (3) ] صائف شديد الحرّ، فقال: يا بلال، أسرج لي فرسي، فأخرج سرجا رقيقا من ليف، ليس فيه أشر ولا بطر. خرجه من حديث حماد بن سلمة عن يعلى عن عطاء، عن عبد اللَّه بن يسار، عن ابن عبد الرحمن الفهري.
فصل في ذكر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركب
فصل في ذكر ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول إذا ركب خرّج الإمام أحمد من حديث شريك عن أبى إسحاق، عن على بن ربيعة، عن على رضى اللَّه عنه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: الحمد للَّه، ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [ (1) ] ثم حمد اللَّه ثلاثا، وكبّر ثلاثا، ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي فاغفر لي، ثم ضحك فقلت: مم ضحكت يا رسول اللَّه؟ فقال: يعجب الرب من عبده إذا قال: رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري [ (2) ] . وخرجه
أبو عيسى الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] .
فصل في ذكر بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرّج البخاري من حديث أبى إسحاق، عن عمرو بن الحارث [ختن] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخى جويرية بنت الحارث قال: ما ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند موته درهما، ولا دينارا، ولا عبدا، ولا أمة، ولا شيئا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضا جعلها صدقة. ذكره في الوصية [ (1) ] ، وفي كتاب المغازي [ (2) ] ولفظه: إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها، وسلاحه، وأرضا جعلها لابن السبيل. وخرّجه النسائي بنحوه [ (3) ] ، وخرّج مسلم [ (4) ] ..........
والنّسائى [ (1) ] من حديث أويس عن ابن شهاب قال: حدثني كثير بن عباس ابن عبد المطلب قال: قال عباس: شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم نفارقه، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بلغة له بضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يركض ببغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا أمدّ بلجام بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وذكر الحديث ولفظهما فيه متقارب. وذكر مسلم في بعض طرقه فقال: فيه فروة بن نعامة الجذامي [ (2) ] . وللبخاريّ [ (3) ] ................
ومسلم [ (1) ] من حديث أبى إسحاق عن البراء، فذكر حديث حنين وفيه:
ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال: أنا النبي لا كذب* أنا ابن عبد المطلب ثم صفّهم. وقال البخاري: ثم صفّ أصحابه، وقال فيه: وابن عمه أبو سفيان بن الحارث. ترجم عليه باب: من صفّ أصحابه عند الهزيمة، ونزل عن دابته واستنصر. وأخرجاه من حديث شعبة، عن أبى إسحاق، ومن حديث سفيان الثوري عن أبى إسحاق، وخرّجه مسلم من طرق، عن أبى إسحاق، وخرجه تقى بن مخلد من حديث النضر بن شميل قال: أخبرنا عوف بن عبد الرحمن مولى أم برثن، قال: حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين، قال: فلما التقينا نحن وصحابة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة أن كشفناهم، قال: فبينما نحن نسوقهم في آثارهم فإذا صاحب بغلة بيضاء، وإذا هو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صاحب البغلة البيضاء، قال: فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه، حسان الوجوه، وقالوا: شاهت الوجوه، ارجعوا، قال:
فانهزمنا من قولهم، وركبوا أجسادنا فكانت إياها [ (1) ] . قلت: والّذي يظهر أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث بغلات: واحدة بعث بها المقوقس، وأخرى من هدية فروة بن عمرو بن الناقدة الجذامي، ثم البناني، عامل الروم على فلسطين [ (2) ] ، وبغلة وهبها لأبى بكر رضى اللَّه عنه، وقيل: كانت له ست بغلات [ (3) ] . قال الواقدي: عن معمر عن الزهري، كانت بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دلدل من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وقال البخاري وقال أبو حميد: أهدى ملك أيلة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بغلة بيضاء وكساء بردا، وكتب له بنحرهم. وقال الواقدي: وحدثني ابن أبى سبرة، عن زامل بن عمرو قال: أهدى فروة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بغلة يقال لها فضة، وهبها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأبى بكر الصديق رضى اللَّه عنه [ (4) ] .
وقال: عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه: كانت بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أول بغلة ركبت في الإسلام، أهداها المقوقس [ (1) ] . وقال الكلبي والهيثم بن عدي: كانت بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي تسمى دلدل من هدية المقوقس، فبقيت إلى زمن معاوية، ودلدل هذه التي أهداها المقوقس شهد عليها أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه يوم النهروان، وقاتل عليها الخوارج، وكانت بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند عليّ، ثم بعد عليّ عند عبد اللَّه بن جعفر، فكان يجش أو يدق لها الشعير، وقد ذهبت أسنانها [ (1) ] . وعن الزهري قال: دلدل حضر عليها النبي صلى اللَّه عليه وسلم القتال يوم حنين، وفي مسند الدارميّ من حديث ابن عباس رضى اللَّه عنه، أن الدلدل كانت بيضاء أهداها المقوقس، وهي التي قال لها في بعض الأماكن: أن أربضى دلدل فربضت، وكان على رضى اللَّه يركبها. ولابن حيّان عن الأصبغ بن نباتة قال: لما قتل عليّ رضى اللَّه عنه أهل النهروان، ركب بغلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم الشهباء، قلت: كانت تسمى الشهباء وتسمى الدلدل. وقال ابن إسحاق: حدثني الزهري عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث حاطب بن أبى بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فمضى بكتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المقوقس، فقبل الكتاب وأكرم حاطبا، وأحسن نزله، وسرحه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها، وخادمتين إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لجهم بن قيس العبديّ، فهي أم زكريا بن جهم، خليفة عمرو بن العاص على مصر [ (1) ] . [وذكر ابن سعد عن عبد القدوس، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أهدى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بغلة شهباء، وهي أول شهباء كانت في الإسلام، فبعثني إلى زوجته أم سلمة رضى اللَّه عنها بصوف وليف، ثم فتلت أنا ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لها أسنا وغدارا، ثم دخل البيت فأخرج عباءة مطرّفة، فثناها ثم [ربّعها] على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفنى خلفه] [ (2) ] . ويروى أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه ركبها، وركبها كبرت وعميت، ودخلت مسطحة لبني [مدحج، فرماها] رجل بسهم فقتلها. وعن علقمة بن أبى علقمة أنه قال: بلغني أن اسم فرس النبي صلى اللَّه عليه وسلم السّكب، وكان أغرّ محجلا طلق اليمين، واسم بغلته الدلدل، وكانت شهباء، وكانت بينبع حتى ماتت، واسم حماره اليعفور، وكان رسنه من ليف، واسم رايته العقاب. وكان عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن رشدان بن قيس بن جهينة الجهنيّ، أبو عبس، وأبو حماد [ (3) ] ، رضى اللَّه عنه، صاحب بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقود به في الأسفار. وسكن عقبة مصر، ووليها بعد عتبة بن أبى سفيان من قبل معاوية سنتين وثلاثة أشهر، وصرفه بمسلمة بن مخلد لعشر بقين من ربيع
الأول سنة سبع وأربعين، وتوفى بمصر سنة ثمان وخمسين، ودفن بقرافتها، وقبره معروف. قال الوليد بن مسلم: حدثنا هشام بن الغاز، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن القاسم، عن عقبة بن عامر- وكان صاحب بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الشهباء، الّذي يقودها في الأسفار- قال: قدت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على راحلته رتوة من الليل، وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنخ، فأنخت، فنزل عن راحلته، ثم قال: اركب يا عقبة، فقلت: سبحان اللَّه! أعلى مركبك يا رسول اللَّه؟ وعلى راحلتك؟ فأمرنى فقال: اركب، فقلت أيضا مثل ذلك، ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فركبت راحلته ورحله، ثم زجر الناقة فقامت، ثم قاد بى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ولأهل مصر عن عقبة نحو مائة حديث [ (1) ] يروونها عنه [ (2) ] .
فصل في ذكر حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر حمار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرّج أبو داود من حديث أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن معاذ ابن جبل رضى اللَّه عنه، قال: كنت ردف النبي صلى اللَّه عليه وسلم على حمار يقال له عفير [ (1) ] . وأخرجه البخاري ومسلم من طرق أتمّ من هذا، وليس فيه ذكر حمار يقال له عفير [ (2) ] . ولابن حيّان من حديث القعنبي، حدثنا على بن عباس عن مسلم بن
كيسان الأعور، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بخيبر على حمار عليه إكاف [ (1) ] . وله من حديث عبد بن حميد، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا مسلم الأعور، عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم، يوم خيبر، ويوم النضير على حمار عليه إكاف مخطوم بحبل من ليف [ (1) ] . وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث مسلم الأعور، عن أنس قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم [ (2) ] بحبل من ليف، عليه إكاف [ (3) ] ليف [ (4) ] . وقد روى الواقدي وغيره من طرق: أن المقوقس أهدى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيما أهداه حمارا يقال له عفير، وفي رواية الكلبي والهيثم بن عدي: وأهدى إليه المقوقس أيضا حمارا يقال له يعفور، وقال ابن الكلبي: عفير من هدية فروة بن عمرو الجذامي صاحب البلقاء.
وقال الواقدي: كان يعفور من هدية فروة بن عمرو الجذامي، وعفير من هدية المقوقس، قال: وحماره يعفور نفق منصرفه في حجة الوداع [ (1) ] . قلت: والجمهور على أن عفير بعين مهملة، وقال القاضي عياض: بغين معجمة. قال الشيخ محيي الدين يحيى النواوى: واتفقوا على تغليظه في ذلك [ (2) ] . وأغرب ما في ذكر عفير هذا، ما ذكره أبو محمد بن أبى حاتم من طريق منكر مردود، ولا يشك أهل العلم بهذا الشأن أنه موضوع، فيه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أصاب بخيبر أربعة أزواج أخفاف، وعشر أواقي ذهب، وحمارا أسود، فقال ما اسمك؟ فكلمه الحمار! [وقال: اسمى] [ (3) ] يزيد بن شهاب، أخرج اللَّه من نسل جدي ستين حمارا، كلهم لم يركبهم إلا نبي، وقد كنت أتوقعك أن تركبني، وكنت ملك رجل يهودي، وكنت أتعثر به عمدا، وكان يجيع بطني، ويضرب ظهري، قال: فأنت يعفور، يا يعفور! قال: لبيك، [قال:] [ (3) ] أتشتهى الإناث؟ قال: لا، فكان يركبه، فإذا نزل عنه بعثه إلى باب الرجل فيقرعه برأسه، [فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاء إلى بئر كانت لأبى الهيثم بن التيهان فتردّى فيها فصارت قبره [جزعا منه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] . وقد أنكر ابن حبان هذا الحديث، وقال ابن الجوزي: لعن اللَّه من وضع
هذا الحديث على أنه قد أودعه كثير من المصنّفين كتبهم [ (1) ] ، وقال شيخنا العماد بن كثير: هذا شيء باطل لا أصل له من طريق صحيحة أو ضعيفة. وقد ذكره أبو إسحاق الأسفراييني، وإمام الحرمين، حتى ذكره القاضي عياض في كتابه (الشفا) [ (2) ] . وذكره أبو القاسم السهيليّ في (روضه) [ (3) ] وقال: الأولى ترك ذكره لأنه موضوع. سألت شيخنا أبا الحجاج- يعنى المزني- عنه فقال: ليس له أصل وهو ضحكة، وقال الذهبي: يروى بإسناد مجهول عن مجهول، يقال له: أبو منظور، كتبه للفرجة لا للحجة، ويقال: كان ثلاثة حمير، ويقال: اثنان.
فصل في ذكر ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب: جوار أبى بكر رضى اللَّه عنه في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعقده [ (1) ] ، وفي كتاب الهجرة من حديث عقيل، قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فذكر الحديث حتى قال: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبى بكر رضى اللَّه عنه في نحر الظهيرة، قال قائل لأبى بكر: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فداء له أبى وأمى، واللَّه ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر، قالت: فجاء فاستأذن، فأذن له، فقال لأبى بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إنما هم أهلك، بأبي أنت يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فإنه قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة، بأبي أنت يا رسول اللَّه، فقال: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول اللَّه إحدى راحلتي هاتين، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بالثمن، قالت عائشة فجهزناها. وذكر حديث الهجرة بطوله [ (2) ] .
وخرّج البخاري من حديث زهير، أخبرنا حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ناقة، ومن حديث أبى خالد الأحمر، عند حميد عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كانت ناقة [لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابى على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. ذكره في الرقاق [ (1) ] . وذكره في الجهاد من حديث أبى إسحاق عن حميد قال: سمعت أنسا رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقال لها العضباء. ومن حديث زهير، عن حميد عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق. قال حميد: أو لا تكاد تسبق، فجاء أعرابى على قعود [ (2) ] فسبقها، فشق [ذلك] على المسلمين حتى عرفه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: حق
على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه. طوّله موسى عن حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (1) ] . [عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] . وخرجه الدار قطنى من حديث معن بن عيسى، حدثنا مالك عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: كانت ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصواء لا تدفع في سباق إلا سبقت، قال سعيد بن المسيب: فجاء رجل فسابقها فسبقها، فوجد الناس من ذلك أن سبقت ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن الناس لم يرفعوا شيئا في الدنيا إلا وضعه اللَّه عزّ وجلّ [ (3) ] . وفي لفظ: كانت العضباء لا تسبق، فجاء أعرابى على بكر فسابق فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقالوا: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم! سبقت العضباء، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إنه حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا من الأرض إلا وضعه [ (4) ] . ومن حديث عبد اللَّه بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت لا تسبق كلما دفعت في سباق، فدفعت يوما في إبل فسبقت، فكانت على المسلمين كآبة أن سبقت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن الناس إذا رفعوا شيئا، أو
أرادوا رفع شيء وضعه اللَّه [ (1) ] . ومن حديث بقية قال: حدثني شعبة قال: حدثني حميد الطويل عن أنس رضى اللَّه عنه قال: سابق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعرابىّ فسبقه، فكان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجدوا في أنفسهم من ذلك، فقيل له في ذلك فقال: حق على اللَّه أن لا يرفع شيئا [نفسه] في الدنيا إلا وضعه [ (2) ] . وخرجه ابن حيّان من حديث هشام عن عروة قال: أخبرنا أبى قال: لما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بدر خلف عثمان على ابنته وكانت مريضة، وخلف أسامة بن زيد رضى اللَّه عنهم، فبينا هم إذ سمعوا ضجة التكبير، فجاء زيد بن حارثة على ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجدعاء وهو يقول: قتل فلان، وأسر فلان [ (3) ] . وقال الواقدي: قدم زيد بن حارثة رضى اللَّه عنه على ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم القصواء، يبشر أهل المدينة فذكره [ (4) ] . وحدثني إسحاق بن حازم، عن عبد اللَّه بن مقسم، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: لقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد- يعنى مرجعه من بدر- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على راحلته القصواء، فأجلسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بين يديه وسهيل بن عمرو مجنوب ويداه إلى عنقه، فلما نظر أسامة إلى سهيل قال: يا رسول اللَّه! أبو يزيد؟ قال: نعم، هذا الّذي كان يطعم بمكة الخبز [ (5) ] .
قال الواقدي: ولما بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، أقبلت امرأة أبى ذر رضى اللَّه عنه، على ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته من أخبار الناس ثم قالت: يا رسول اللَّه، إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها أن أنحرها، فآكل من كبدها وسنامها، فتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: بئس ما جزيتيها! أن حملك اللَّه عز وجل عليها ونجاك، ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، فارجعى إلى إبلك على بركة اللَّه [ (1) ] . وخرّج مسلم هذا الحديث بمعناه، وفيه قصة من عدة طرق، تدور على أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه، وفيها: وأصيبت امرأة من الأنصار، أصيبت العضباء، فذكره [ (1) ] . وخرّجه أبو داود من طريق أبى قلابة أيضا وفيه: أن المرأة المأسورة امرأة أبى ذر [ (2) ] . وخرّجه الدار قطنى من حديث سليمان، حدثنا عبد الرحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: جاءت امرأة أبى ذرّ على راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصواء حين أغير على لقاحه حتى بلغت [ (3) ] عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: إني نذرت إن نجاني اللَّه عليها لآكلن من كبدها وسنامها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لبئس ما جزيتها، ليس [ (4) ] هذا
نذر، إنما النذر ما ابتغى به وجه اللَّه [ (1) ] . وخرّج من حديث موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء. وقيل إن العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم تشرب حتى ماتت. قلت: إن علماء الآثار اختلفوا في ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، هل هي واحدة لها ثلاثة أسماء؟ أو كان له صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث نياق؟ قال الواقدي: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناقته القصواء من نعم بنى قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر، ويقال: من نعم بنى الحريش بن كعب، ابتاعها أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه بأربعمائة درهم، فأخذها النبي صلى اللَّه عليه وسلم منه بذلك الثمن، والثبت: أنه وهبها له فقبلها وتاجر عليها، فلم تزل عنده حتى ماتت، ويقال: ماتت في خلافة أبى بكر رضى اللَّه عنه، وكانت [تضمّر] بالنقيع، ويقال: بنقيع الخيل، وهي تسمى أيضا: الجدعاء والعضباء. وحدثني ابن أبى ذؤيب عن يحيى بن نفيل، عن سعيد بن المسيب قال: كان اسمها العضباء، وكان في طرف أذنها جدع [ (2) ] . قال: حدثني معمر عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما العضب
في الأذن؟ قال: قطع النصف فصاعدا. قال الواقدي وغيره: القصواء، التي في أذنها قطع يسير، والعضباء، مثلها، والجدعاء، التي قطع نصفها، فهذا كما ترى، تصريح من الراويّ، أنها ناقة واحدة، لها ثلاثة أسماء، وهو أيضا، قول محمد بن إبراهيم التيمي، فقد روى عنه قال: القصواء ابتاعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأربعمائة درهم، وهي التي هاجر عليها. قال: وإنما كانت له صلى اللَّه عليه وسلم ناقة واحدة موصوفة بالصفات الثلاث، وإليه ذهب الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي [حيث قال:] [ (1) ] واعلم أن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء. وقال سعيد بن المسيب: كان في طرف أذنها جدع، والجدعاء: التي استؤصلت أذنها، والمقصوة: التي قطع بعض أذنها. أخبرنا شيخنا ابن ناصر عن ثعلب أنه قال: هذه أسماء لناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولم تكن جدعاء، ولا مقصوة. قال أبو الزاهرية حدير بن كريب الحمصي: كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث أنيق: الجدعاء، والقصواء، والعضباء، واختار هذا جماعة وقالوا: العضباء ابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تعالى عنه من نعم بنى الحريش، والقصواء التي هاجر عليها إلى المدينة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت إذ ذاك رباعية، وكانت لا تحمله صلى اللَّه عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي. والجدعاء هي التي سبقت فشق على المسلمين، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن حقا على اللَّه ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه [ (2) ] .
وخرّج الدار قطنى من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت العضباء لرجل من بنى عقيل أسر، فأخذت العضباء معه، فأتى عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهو على حمار عليه قطيفة، فقال: يا محمد على ما تأخذونى وتأخذون العضباء وأنا مسلم؟ فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لو قلتها وأنت تلمك أمرك أفلحت كل الفلاح، ومضى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا محمد! إني جائع فأطعمنى، وإني ظمآن فأسقنى، فقال: هذه حاجتك، ففودى برجلين، وحبس النبي صلى اللَّه عليه وسلم العضباء لرحله، وكانت من سوابق الحاج، فأغار المشركون على سرح المدينة، وأسروا امرأة من المسلمين، قال: وكان المشركون يريحون إبلهم بأفنيتهم، فلما كان الليل نوموا، وعهدت المرأة إلى الإبل، فما كانت تأتى على ناقة منها إلا رغت، حتى أتت على العضباء، فأتت على ناقة ذلول فركبتها حتى أتت المدينة، ونذرت إن اللَّه نجاها لتنحرنها، فلما أتت المدينة عرف الناس الناقة وقالوا: العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: وأتى بها النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأخبر بنذرها، فقال: بئس ما جزتها، أو جزيتيها، لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أيوب عن أبى قلابة، عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه قال: كانت ثقيف حلفا لبني عقيل، فأسرت بالحلف رجلين من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجلا من بنى عقيل، وأصابوا معه العضباء، فأتى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في الوثاق فقال: يا محمد! فأتاه فقال:: ما شأنك؟ فقال: بم أخذتني؟ وبم أخذت سابقه الحاج؟ فقال:
إعطاء ما لذلك، أخذتك بجريرة أحمائك بثقيف، ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد! يا محمد! - وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفيقا رحيما- فرجع إليه فقال: ما شأنك؟ فقال: إني مسلم، قال: لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح، ثم انصرف، فناداه: يا محمد! يا محمد! فأتاه فقال: ما شأنك؟ قال: إني جائع فأطعمنى، وظمآن فأسقنى، قال: هذه حاجتك [ففودى الرجل بعد] [ (1) ] بالرجلين [ (2) ] . [وفي رواية] [ (3) ] : وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء، فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق، فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتبركه، حتى تنهى إلى العضباء فلم ترغ- وقال وناقة منوقة- فقعدت على عجزها ثم زجرتها فانطلقت، وندروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجّاها اللَّه عز وجلّ عليها لتنحرنّها، فأتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: سبحان اللَّه! بئس ما جزتها، نذرت للَّه إن نجّاها اللَّه عليها لتنحرنّها؟ لا وفاء لنذر في معصية، ولا فيما لا يملك العبد [ (4) ] .
وفي رواية على بن مجبر السعدي عن إسماعيل بن إبراهيم: لا وفاء في معصية اللَّه. [وخرجه] من طريق حماد بن زيد، وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن أيوب بهذا الإسناد نحوه [ (1) ] . ومن حديث حماد بن زيد: وكانت العضباء لرجل من بنى عقيل، وكانت من سوابق الحاج. ومن حديثه أيضا: كانت على ناقة ذلول ممرّسة. ومن حديث عبد الوهاب الثقفي: وهي ناقة مدربة [ (1) ] . وخرج أبو داود من حديث حماد بن زيد وإسماعيل بن عليّة، عن أيوب بهذا الإسناد وقال في آخره: قال: فركبتها، ثم جعلت للَّه عليها إن نجّاها اللَّه لتنحرنّها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة ناقة النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بذلك، فأرسل إليها، فجيء بها، وأخبر بنذرها فقال: بئس ما جزتها أو جزيتيها، إن اللَّه أنجاها عليها لتنحرنّها، لا وفاء لنذر في معصية اللَّه، ولا فيما لا يملك ابن آدم. [قال] أبو داود: إن المرأة المأسورة امرأة أبى ذرّ رضى اللَّه عنه [ (2) ] . [وخرج] الترمذي من [حديث] سفيان، عن الربيع بن صبيح، عن يزيد ابن أبان، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: حجّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رحل رثّ، وعليه قطيفة لا تساوى أربعة دراهم فقال: اللَّهمّ اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة.
[فصل في ذكر من كان يأخذ بزمام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم]
[فصل في ذكر من كان يأخذ بزمام راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [قال] الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى صعصعة، عن الحارث بن عبد اللَّه بن كعب، عن أم عمارة قالت: شهدت عمرة القضية مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكنت قد شهدت الحديبيّة، فكأني انظر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين انتهى إلى البيت وهو على راحلته، وابن رواحة آخذ بزمام راحلته، وقد صفّ له المسلمون حين دنا من الركن حتى انتهى إليه، فاستلم الركن بمحجنه مضطبعا [ (1) ] بثوبه على راحلته، والمسلمون يطوفون معه، وقد اضطبعوا بثيابهم، وعبد اللَّه بن رواحة يقول: خلّوا بنى الكفار عن سبيله ... إني شهدت أنه رسوله حقا وكل الخير في سبيله ... نحن [قتلناكم] [ (2) ] على تأويله [كما ضربناكم على تنزيله] [ (3) ] ... ضربا يزيل الهام [ (4) ] عن [مقيله] [ (5) ] ويذهل الخليل عن خليله فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه: يا ابن رواحة! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
يا عمر إني أسمع، فأسكت عمر رضى اللَّه عنه [ (1) ] . وقال في فتح مكة: فلما انتهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة، فرآها ومعه المسلمون، تقدم على راحلته، فاستلم الركن. بمحجنه [و] [ (2) ] كبرّ، فكبّر المسلمون لتكبيره، فرجّعوا التكبير حتى ارتجّت مكة تكبيرا، حتى جعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليشير إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون، ثم طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت، [على راحلته آخذ] [ (2) ] بزمامها [محمد بن مسلمة] [ (2) ] وحول البيت ثلاثمائة صنم وستون صنما مرصّصة بالرّصاص، وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة على بابها، وإساف ونائلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كلما مرّ بصنم منهم يشير بقضيب في يده ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً [ (3) ] فيقع الصنم لوجهه [ (4) ] . [قال: حدثني] ابن أبى سيرة، عن حسين بن عبد اللَّه عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: ما يزيد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [على] أن يشير بالقضيب إلى الصنم فيقع لوجهه، فطاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعا على راحلته يستلم الركن الأسود بمحجنه في كل طواف، فلما فرغ من سعيه نزل عن راحلته، وجاء معمر بن عبد اللَّه بن نضلة فأخرج راحلته [ (5) ] . ولما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ببعض الطريق مرجعه من تبوك، مكر به أناس من
المنافقين، وأتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغ عليه السلام تلك العقبة، أرادوا أن يسلكوها معه، فأخبر خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع، فسلك الناس بطن الوادي، وسلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العقبة، وأمر عمّار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان [أن] يسوق من خلفه، فبينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فغضب صلى اللَّه عليه وسلم، وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم [وقد رأوا غضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظنّ القوم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فساق به، فلما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من العقبة ونزل الناس فقال: يا حذيفة! هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول اللَّه، عرفت راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثّمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل، وكانوا قد أنفروا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فسقط بعض متاع رحله، فكان حمزة بن عمرو الأسلمي يقول: فنوّر لي في أصابعى الخمس [فأضاءت، حتى كفى لجمع] [ (2) ] ما سقط [من] السوط والحبل وأشباههما، حتى ما بقي من المتاع شيء إلا جمعناه، وكان [لحق بالنبيّ] [ (3) ] صلى اللَّه عليه وسلم في العقبة. وروى أبو داود عن أم الحسين الأحسنية قالت: حججت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد وبلال، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي
صلى اللَّه عليه وسلم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحرّ حتى رمى جمرة العقبة [ (1) ] . وذكر أبو عمر يوسف بن عبد البر أن الأسلع بن شريك الأعرجي التميمي خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان صاحب راحلته [ (2) ] .
فصل في ذكر إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر إبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قيل: كانت له صلى اللَّه عليه وسلم اثنتا عشر لقحة، وقيل أربع عشرة لقحة. قال الواقدي: حدثني بكر بن الهيثم عن محمد بن يوسف عن سفيان الثوري عن سلمة بن نبيط، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجته بعرفة على جمل أحمر. ولابن حيّان من حديث حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أبى المليح، عن روح بن عائذ، عن أبى العوام عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه قال: كنت رديف النبي صلى اللَّه عليه وسلم على جمل أحمر. قال الواقدي: وكانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشر لقائح، أهدى إليه ثلاثا منهن سعد بن عبادة من نعم بنى عقيل، فكن يرعين بالحفياء، وكان السبع يرعين بذي الخبر. ويقال: إن سعدا أهدى إحدى الثلاث، وأنه اتباع الاثنين بالمدينة، وكانت التي أهداها سعد تدعى مهرة، وكانت من نعم بنى عقيل، وكانت الاثنتان تدعيان الرناء والشقراء، فكان الثلاث يحلبن ويسرح إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بألبانهن كل ليلة، وكن غرارا [ (1) ] .
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: عن هارون بن محمد بن سالم مولى حويطب بن عبد العزّى، عن أبيه نبهان مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان عيشنا- أو أكثر عيشنا- مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللبن، كانت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لقاح بالغابة، وكان قد فرّقها على نسائه، فكانت لي لقحة يقال لها: العريس، فكنا نشرب منها فيما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة رضى اللَّه عنها لقحة تدعى السّمراء [غزيرة] [ (1) ] . وللواقدي عن معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه قال: كان يراح على أهل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن، وكانت في لقاحه عدة غزر: الحناء، والسمراء، والسعدية، والبغوم، واليسيرة. وقال بعض المدنيين: وهب البغوم لسودة [ (2) ] . وللواقدي عن موسى بن عبيدة، عن ثابت عن أم سلمة قالت: أهدى الضحاك الكلابيّ للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم لقحة تدعى بردة، لم أر من الإبل شيئا كان أحسن منها ولا أغزر، وكانت تحلب ما تحلب لقحتان، فربما خلبت لأضياف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غبوقا وصبوحا، [وكانت] صفىّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من غنيمة [سرية] عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه عنه بفدك، في شعبان سنة
ست، لقوح تدعى الحفدة [السريعة] [ (1) ] فقدم بها على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وعن ابن أبى سبرة، عن سلم بن يسار، عن وجيهة مولاة أم سلمة قالت: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة أحدا، وتروح علينا، وكانت لقاحه بذي الجدر، فتأتينا ألبانها بالليل، ونكون بالغابة فتأتينا ألبانها بالليل، وكان أكثر عيشنا اللبن من الإبل والغنم. قال: وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه، حدثني يحيى بن عبد اللَّه بن أبى قتادة، وعلى بن يزيد وغيرهم، فكل قد حدثني بطائفة قالوا: كانت لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عشرين لقحة، وكان من شيء منها ما أصاب في ذات الرقاع، ومنها ما قدم به محمد بن مسلمة من نجد، وكانت ترعى البيضاء [ (2) ] ودون البيضاء [ (2) ] ، فأجدب ما هنالك فقربوها إلى الغابة تصيب من أثلها وطرقاتها، وتغدو في السحر، فكان الراعي يؤوب بلبنها كل ليلة عند المغرب، وكان أبو ذرّ رضى اللَّه عنه قد استأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى لقاحه فقال: إني أخاف عليك من هذه الضاحية أن تغير عليك، ونحن لا نأمن عيينة بن حصن ودونه هي في طرف من أطرافهم، فألحّ عليه، فقال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ائذن لي، فلما ألحّ عليه قال: لكأنّي بك قد قتل أباك، وأخذت إبلك امرأتك، وجئت تتوكأ على عصاك، فكان أبو ذر يقول: عجبا لي إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: لكأنّي بك، وأنا ألحّ عليه، فكان واللَّه على ما قال. وكان المقداد بن عمر يقول: لما كانت ليلة السرح جعلت فرسي سبحة لا تقر ضربا بيديها وصهيلا، فيقول أبو معبد: واللَّه إن لها شأنا، فننظر
آريّها [ (1) ] فإذا [هو مملوء] [ (2) ] علفا، فنقول عطشى، فيعرض الماء عليها فلا [تريده] [ (2) ] فلما طلع الفجر أسرجها ولبس سلاحه وخرج، حتى صلى مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الصبح فلم ير شيئا، ودخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجع المقداد إلى بيته وفرسه لا يقر، فوضع سرجه وسلاحه، واضطجع، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، فأتاه آت فقال: إن الخيل قد صبح بها، فكان أبو ذر يقول: إنا لفي منزلنا، ولقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد روّحت وعطنت، وحلبت عتمتها [ (3) ] ونمنا، فلما كان في الليل أحدق بنا عينية في أربعين فارسا، فصاحوا بنا وهم قيام على رءوسنا، فأشرف لهم ابني فقتلوه، وكانت معه امرأته وثلاثة نفر فنجوا، وتنحيت عنهم وشغلهم عنى إطلاق عقل اللقاح، ثم صاحوا في أدبارهم، فكان آخر العهد بها، وجئت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأخبرته وهو يتبسّم [ (4) ] ، [وذكر خروج المسلمين في السلاح، فاستنقذوا عشر لقائح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر، قال: وكان فيها جمل أبى جهل، فكان مما يخلصه المسلمون] [ (5) ] . قال: حدثني قائد مولى عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن على عن جدته سلمى قالت: نظرت إلى لقوح [ (6) ] على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، يقال لها: السّمراء، فعرفتها، فدخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: هذه لقحتك السمراء على
بابك، فخرج [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] مستبشرا وإذا رأسها بيد ابن أخى عيينة، فلما نظر [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] عرفها ثم قال: أيم بك فقال: يا رسول اللَّه أهديت لك هذه اللقحة، فتبسّم [النبي صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] ثم قبضها منه، ثم أقام يوما أو يومين، ثم أمر بثلاثة أواق من فضة، فجعل يتسخط، فقلت: يا رسول اللَّه! أتثيبه على ناقة من إبلك؟ قال [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] نعم، وهو ساخط عليّ، ثم صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الظهر، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إن الرجل ليهدى لي الناقة من إبلي أعرفها كما أعرف بعض أهلي، ثم أثيبه عليها، فيظل يتسخّط عليّ، ولقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشىّ أو أنصارى. وكان أبو هريرة رضى اللَّه عنه يقول: أو ثقفي أو دوسيّ [ (2) ] . وكان على لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مولاه يسار يرعاها، فلما استاق العرينيون [ (3) ] لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في شوال سنة ست من ذي الجدر [ (4) ] ، وأخذوا يسارا فقطعوا يده ورجله، وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، وانطلقوا بالسرح، فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في طلبهم، فأخذهم بأجمعهم، ثم صير مكان يسار مولاه أبا أيمن الأسود، فكان يقوم بأمر لقاحه [ (5) ] . قال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة عن مروان بن أبى سعيد بن المعلّى قال: لما ظفر المسلمون باللقاح خلّفوا عليها سلمة بن الأكوع [و] [ (6) ] معه
أبو رهم الغفاريّ، وكانت اللقاح خمسة عشرة لقحة غزارا، فلما أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة من الزغابة وجلس في المسجد، إذا اللقاح على باب المسجد [تحان] [ (1) ] ، فخرج فنظر إليها، فتفقّد منها لقحه يقال لها الحناء، فقال: أي سلمة! أين الحناء؟ قال: نحرها القوم ولم ينحروا غيرها، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: انظر مكانا ترعاها فيه، قال: ما كان أكثر [ (2) ] من حيث كانت بذي الجدر، قال: فردّها إلى ذي الجدر فكانت هناك. وكان لبنها يراح به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كل ليلة وطب [ (3) ] من اللبن [ (4) ] .
فصل في ذكر البدن التي ساقها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام
فصل في ذكر البدن التي ساقها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة البيت الحرام اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ساق الهدى مرارا، فأوّل ما حفظ أنه ساق البدن في عمرة الحديبيّة، وذلك أنه لما استنفر أصحابه إلى العمرة، وتهيئوا للخروج، قدم عليه بسر بن سفيان الكعبي في ليال من شوال سنة ست زائرا له، فقال له صلى اللَّه عليه وسلم يا بسر! لا تبرح حتى تخرج معنا، فإنا إن شاء اللَّه معتمرون فأقام، وأمره صلى اللَّه عليه وسلم أن يبتاع له بدنا، فكان بسر يبتاعها ويبعث بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه، فأمر بها فجلبت إلى المدينة، ثم أمر بها ناجية بن جندب الأسلمي أن يقدمها إلى ذي الحليفة، واستعمل صلى اللَّه عليه وسلم على هديه ناجية بن جندب هذا. وخرج صلى اللَّه عليه وسلم من المدينة لهلال ذي القعدة، فصلى الظهر بذي الحليفة، ثم دعي بالبدن فجللت، ثم أشعر بنفسه منها عدة، وهي موجهات إلى القبلة في الشق الأيمن، ثم أمر ناجية بن جندب بإشعار ما بقي، وقلدت نعلا نعلا وهي سبعون بدنة، منها جمل أبى جهل، وقدم ناجية مع الهدى، وكان معه فتيان من أسلم، فقال ناجية: عطب لي بعير من الهدى حين نظرت إلى الأبواء، فجئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالأبواء فأخبرته فقال: أنحرها، وأصبغ قلائدها في دمها، ولا تأكل أنت ولا أحد من أهل رفقتك منها شيئا، وخلّ بين الناس وبينها [ (1) ] . فلما صدّ المشركون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن البيت، نحر هدية بذي الحليفة،
وكان جمل أبى جهل قد غنمه عليه السلام يوم بدر، وكان المسلمون يغدون عليه، وكان قد ضرب في لقاح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي استاق عيينة بن [حصن] ، ولقاحه التي كانت بذي الجدر التي كان ساقها العرينيون [فيها جمل أبى جهل الّذي غنمه يوم بدر] [ (1) ] وكان نجيبا مهريا، قلّده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هديه وأشعره، فلما كانوا بذي الحليفة كان يرعى مع الهدى فشرد قبل القضية، فلم يقف حتى انتهى إلى دار أبى جهل وعرفوه، وخرج في إثره عمرو بن غنم السلمي، فأبى أن يعطيه سفهاء من سفهاء مكة، فقال سهيل بن عمرو: ادفعوه إليه، فأعطوا به مائة ناقة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لولا أنا سميناه في الهدى فعلنا، فنحر الجمل عن سبعة، أحدهم أبو بكر وعمر رضى اللَّه عنهما. وساق ناجية بن جندب الأسلمي على هديه يسير به أمامه يطلب الرعي في الشجر، ومعه أربعة فتيان من أسلم، ومعهم أبو رهم وأبو هريرة يسوقان الهدى، وقلد صلى اللَّه عليه وسلم هديه بيده، فلما طاف بالبيت وبين الصفا والمروة، وقد وقف الهدى عند المروة، قال صلى اللَّه عليه وسلم: هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر، فنجر عند المروة [ (2) ] . ولما خرج أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه في سنة تسع ليقيم بالناس الحج، وبعث معه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها النعال وأشعرها بيده في الجانب الأيمن، واستعمل عليها ناجية بن جندب، وساق صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع ستين بدنة وأشعرها في الجانب الأيمن وقلدها النعال وهو بذي الحليفة، ويقال أنه ساق مائة بدنة، أشعر بعضها بيده، وأمر بأن يشعر ما
فضل من البدن ناجية بن جندب، واستعمله على الهدى، فساقه إلى المنحر حتى نحر صلى اللَّه عليه وسلم بيده ثلاث وستين بدنة، ثم أعطى رجلا فنحر ما بقي، وكان خالد بن الوليد رضى اللَّه عنه يقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بدنه وهي تعتب في العقل.
فصل في ذكر صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر صاحب بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه قد تقدم من طريق الواقدي أن صاحب البدن هو ناجية [بن جندب] ، وقد ورد أن ذؤيبا الخزاعي توجه أيضا بالبدن، فأما ناجية فهو ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن وائلة بن سهم بن مازن بن سلامان بن أسلم بن أفصى الأسلمي، كان اسمه ذكوان، فسمّاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ناجية حين نجا من قريش، مات في خلافة معاوية رضى اللَّه عنه [ (1) ] . ووقع في موطأ مالك رحمه اللَّه تعالى، من حديث هشام بن عروة، عن أبيه قال: إن صاحب هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يا رسول اللَّه! كيف أصنع بما عطب من الهدى؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خلّ بين الناس وبينها يأكلونها. كذا وقع هذا الحديث في الموطأ مرسلا [ (2) ] ، وأسنده جماعة من الحفاظ [ (3) ] رووه
عن هشام بن عروة عن ناجية الأسلمي صاحب بدن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، منهم سفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة، ووهيب بن خالد، خرّجه النسائي وغيره. وروى عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما هذا الحديث وزاد فيه: لا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك. وهو حديث اختلف فيه عنه، وطائفة روت عنه ما يدل على أن ناجية بن جندب الأسلمي حدثه، وطائفة روت عنه أن دوسا الخزاعىّ حدّثه، وذؤيب هذا ربما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أيضا معه هديا، فسأله ابن عباس رضى اللَّه عنهما كما سأل ناجية، وهو ذؤيب بن حلحلة،
ويقال: ذؤيب بن حبيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد اللَّه بن قمير بن حبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر الخزاعي الكعبيّ، صاحب إبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان يبعث معه الهدى ويأمره إن عطب منه شيء قبل محله أن ينحره، ويخلّ بين الناس وبينه [ (1) ] . روى سعيد عن قتادة، عن سنان بن سلمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن ذؤيبا أبا قبيصة حدّثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إن عطب منها شيء قبل محله فخشيت عليه موتا فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم اضرب به صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك [ (2) ] . وقد وقع في هذا الحديث من رواية إسماعيل بن عليّه، حدثنا أبو السياج عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث بثمان عشرة بدنه مع رجل، فأمره فيها بأمره، فانطلق ثم رجع إليه فقال: أرأيت إن عطب منى شيء؟ قال: فانحرها ثم أصبغ نعلها في دمها، ثم اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك. ورواه حماد بن زيد، حدثنا أبو الساج عن موسى بن سلمة قال: خرجت أنا وسنان بن سلمة، ومعنا بدنتان، فأرجفتا علينا بالطريق، فلما قدمنا مكة، أتينا ابن عباس رضى اللَّه عنهما، فسألناه فقال: [] [ (3) ]
بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلالا الأسلمي، وبعث معه بثماني عشرة بدنة، فقال: يا رسول اللَّه! أرأيت إن أرجف عليّ منها شيء بالطريق؟ قال: تنحرها وتصبغ نعلها، أو قال: تغمس نعلها في دمها، فتضرب بها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك. وروى شعبة وسعد بن عروبة عن قتادة عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن ذؤيب الخزاعي حدثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: إذا عطب شيء منها فخشيت عليه موتا فانحره، ثم اغمس نعله في دمه، ثم اضرب صفحته، ولا تطعم منها ولا أحد من أهل رفقتك. قال أبو عمر بن عبد البر: قوله: ولا أحد من أهل رفقتك، لا توجد إلا في حديث ابن عباس هذا بهذا الإسناد عن موسى بن سلمة، وليس ذلك في حديث هشام بن عروبة عن أبيه عن ناجية، وهو عندنا أصح من حديث ابن عباس عن ذؤيب، وعليه العمل عند الفقهاء، ومن جملة النظر أهل رفقته وغيرهم في ذلك سواء، ويدخل في قوله عليه السلام: وخلّ بين الناس وبينه يأكلونه، أهل رفقته وغيرهم. وشهد ذؤيب فتح مكة، وكان يسكن قديدا، وعاش إلى زمن معاوية وجعل أبو حاتم الرازيّ ذؤيب بن حبيب غير ذؤيب بن حلحلة، فقال: ذؤيب بن حبيب الخزاعي أحد بنى مالك بن أقعى صاحب هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم روى عن ابن عباس، ثم قال: ذؤيب بن حلحلة بن عمرو الخزاعي أحد بنى عمير، شهد الفتح، وهو والد قبيصة بن ذؤيب، روى عنه ابن عباس. قال ابن عبد البر: ومن جعل ذؤيبا هذا رجلين فقد أخطأ ولم يصب، والصواب ما ذكرنا، يعنى مما تقدم في خبره ونسبته، وباللَّه توفيقنا [ (1) ] .
فصل في ذكر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر غنم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم مائة، وكان له صلى اللَّه عليه وسلم منائح سبع، وقيل: عشر [ (1) ] . خرّج الحاكم من حديث لقيط بن صبرة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: لنا غنم مائة، وسيأتي بطوله إن شاء اللَّه تعالى. وخرّجه البخاري في الأدب المفرد، من حديث إسماعيل عن عاصم بن لقيط عن صبره عن أبيه. قال ابن سعد عن الواقدي عن إبراهيم بن سويد الأسلمي، عن عباد بن منصور، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم سبعة اعنز [منائح] [ (2) ] ترعاهن أم أيمن [ (3) ] . وقال الواقدي عن عبد الملك بن سليمان بن أبى المغيرة، عن محمد بن عبد اللَّه بن الحصين قال: كانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترعى بأحد، وتروح في كل ليلة إلى البيت الّذي يبيت فيه [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] . قالوا: وكانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطراف، وإطلال [ (5) ] .
وعن وجيهه [ (1) ] ، كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، وكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء، ومرة أحدا ويروح [بهنّ] [ (2) ] علينا [ (3) ] . وقد روى أنه كان له صلى اللَّه عليه وسلم شاه يختص بشرب لبنها تدعى غيثة، [وقيل [ (4) ] : غوثة] [ (5) ] . وكان له صلى اللَّه عليه وسلم ديك أبيض [ (6) ] ، ولم ينقل أنه صلى اللَّه عليه وسلم اقتنى من النّغر [ (7) ] شيئا. وقيل: كانت له شاة تسمى غوثة، وقيل غيثة، وعنز تسمى اليمن [ (8) ] ، وشاة تسمى قمرة [ (9) ] .
فصل في ذكر حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر حمى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرّج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عقبة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن الصعب بن جثامة قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (1) ] . قال البخاري: بلغنا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى البقيع، وأن عمر رضى اللَّه عنه حمى السرف والرَّبَذَة. ذكره في كتاب الشرب [ (2) ] . وخرجه أبو داود بمثله [ (3) ] ، وفي لفظ آخر له: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى البقيع،
وقال: لا حمى إلا للَّه عزّ وجلّ [ (1) ] ، وخرجه النسائي ولفظه: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة عن شعيب بن شداد قال: لما مرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبقيع منصرفه من المريسيع، ورأى سعة وكلأ، وغدرا كثيرة [ (3) ] تتناخس [ (4) ] ، وخبّر بمراءته [ (5) ] وبراءته [ (6) ] فسأل عن الماء، فقيل يا رسول اللَّه! إذا صفنا [ (7) ] قلّت المياه وذهبت الغدر، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة أن يحفر بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى واستعمل عليه بلال بن الحارث المزني، فقال بلال: يا رسول اللَّه، وكم أحمى منه؟ قال: أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر على هذا الجبل، يعنى مقملا، فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها، قال بلال: يا رسول اللَّه! أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: لا تدخلها، قلت: يا رسول اللَّه! أرأيت المرأة والرجل الضعيف يكون له الماشية اليسيرة، وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى [ (8) ] .
فلما كان زمان أبى بكر رضى اللَّه عنه، حماه على ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حماه، ثم كان عمر رضى اللَّه عنه، فكثرت به الخيل، وكان عثمان رضى اللَّه عنه فحماه أيضا [ (1) ] . حدثنا عمر بن شيبة، حدثنا معن، حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تعالى عنهما قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع للخيل، وحمى الرَّبَذَة للصدقة. حدثنا هارون بن معروف، حدثنا ضمرة بن ربيعة عن رجاء بن جميل قال: إن رسول اللَّه حمى وادي النّقيع للخيل المضمرة. وخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عباس ابن أبى ربيعة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن ابن عباس عن الصعب بن جثّامة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله. قال: وهو صحيح الإسناد [ (2) ] . وبلال بن الحارث بن عصم بن سعيد بن قرة [بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور] [ (3) ] أبو عبد الرحمن المزني وفد سنة خمس في وفد مزينة، وكان أحد من حمل ألوية مزينة يوم الفتح، وهو في الطبقة الثالثة من المهاجرين، [وله] [ (4) ] سماع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورواية عنه، روى عنه الحارث بن بلال، وعلقمة بن وقاص، وغيرهما. [وروى] له أبو داود والترمذي والنسائي
وابن ماجة، توفى سنة ستين عن ثمانين سنة [ (1) ] . [والنقيع] بالنون، على عشرين فرسخا من المدينة، عرض ميل في طول بريد، وفيه شجر، وهو أخصب واد هناك، وهو غور في صدر وادي العقيق، [قال] الخطابي [ (2) ] : من قاله بالباء فقد صحف، [وقال] البكري: هو بالباء مثل بقيع الغرقد، [وذكر] في كتاب الأصيلي بالفاء بدلا من القاف بعد النون، وهو تصحيف، [ومعنى] حمى النقيع: جعله محظورا لا يقرب مرعاه [ (3) ] .
فصل في ذكر ديك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر ديك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [حدثنا] [ (1) ] عبد المنعم بن بشير أخبرنا ابن وهب قال: أخبرنا عبد اللَّه ابن سعيد قال: أخبرنا أبى: قال أبو الدرداء: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما زلت بالأشواق إلى الديك الأبيض، مذ رأيت ديك اللَّه تعالى تحت عرشه ليلة أسرى بى، ديكا أبيض، زغبه أخضر كالزبرجد، وعرفه ياقوتة حمراء، وعيناه من ياقوتتين حمراوين، ورجلاه من ذهب أحمر في تخوم الأرض السفلى، وتحت العرش عنقه أحسن شيء رأيته، ومنقاره من ذهب يتلألأ نورا، فإذا كان في الثلث [الأول] نشر جناحيه وخفق بهما وقال: سبحان ذي الملك والملكوت، يقول ذلك ثلاث مرات من أول الليل، فإذا خفق خفقت الديوك في الأرض، وصرخت كصراخه، فإذا كان في الثلث الأوسط، فعل مثل ذلك وقال: سبحان من لا ينام ولا يسأم، يقول ذلك ثلاثا، فتجيبه الديوك في الأرض، فإذا كان في الثلث الأخير، فعل ذلك وقال: سبحان من هو قائم قيوم، سبحان من نامت العيون وعين سيدي لا تنام، سبحان الدائم القيوم، سبحان من خلق الصباح بإذنه، لا إله إلا هو سبحانه. قال: فاتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ديكا أبيض وقال: الديك الأبيض صديقي، وصديق صديقي، وعدوّ عدوّى، واللَّه تعالى يحرس دار صاحبه، وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا [بين يديها] [ (2) ] ، وعشرا من خلفها، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يبيته معه في البيت [ (3) ] .
فصل في ذكر طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر طعام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [اعلم] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكل على مائدة وعلى الأرض، وكانت له قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وائتدم بالخل، وأكل القثاء والدّباء، والسمن والأقط والحيس، والزيد واللحم والقديد، والشواء ولحم الدجاج، ولحم الحبارى، وأكل الخبيص والهريسة، وعاف أكل الضّب واجتنب ما تؤذى رائحته، وأكل الجمار والتمر، والقنّب والرطب والبطيخ، وكان يحب الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين، ولم يأكل متكئا ولا صدقة. [فأما المائدة] فقد خرج البخاري من حديث الحسن بن مهران قال: سمعت فرقدا صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأكلت على مائدته. ومن حديث قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه قال: ما علمت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل على سكرّجة قطّ، ولا خبز له مرقّق قط، ولا أكل على خوان، قيل لقتادة: فعلى م كانوا يأكلون؟ قال: على السّفر. ذكره في الأطعمة [ (1) ] . وخرّج ابن حيّان من حديث سليم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على الأرض ويأكل على الأرض [ (2) ] .
[وأما القصعة والجفنة]
[وأما القصعة والجفنة] فخرج ابن حيّان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الحمصي قال: سمعت عبد اللَّه بن بشير المازني يقول: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها: الغرّاء، يحملها أربعة رجال [ (1) ] . ومن حديث يحيى بن سعيد القطان، عن محمد بن عبد الرحمن عن عبد اللَّه بن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جفنة لها أربع حلق [ (2) ] . [قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في ذكر المعجزات، عند ذكر إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بما يفتح اللَّه عليه لأمته، إن شاء اللَّه تعالى. [وأما أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يشبع من طعام] فخرج البخاري في كتاب الأطعمة من حديث محمد بن فضيل عن أبيه عن أبى حازم رضى اللَّه عنه قال: ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض [ (3) ] . وخرج مسلم من حديث يزيد بن كيسان عن أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه تعالى عنه قال: والّذي نفسي بيده [وقال ابن عباد: والّذي نفس أبى هريرة بيده] ، ما أشبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز
حنطة حتى فارق الدنيا [ (1) ] . وخرّج في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو كثرة الأيدي [ (2) ] . [وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية ما الضّفف؟ قال: تناوله مع الناس] [ (3) ] . [وخرّج البخاري] [ (4) ] من حديث ابن أبى ذؤيب عن سعيد المقبري، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه. فأبى أن يأكل وقال: خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا، ولم يأكل من خبز الشعير. ذكره في [كتاب] [ (4) ] الأطعمة، في باب: ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون [ (5) ] . [وخرّج الترمذي] [ (4) ] من حديث هلال بن حبّاب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعات طاويا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير. قال: هذا
حديث حسن صحيح [ (1) ] . [وخرّج] [ (2) ] البخاري من حديث هشام الدستوائى، عن قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه، أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبي صلى اللَّه عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودىّ، وأخذ منه شعيرا لأهله، ولقد سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد صاع بر، ولا صاع حب، وإن عنده لتسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب البيوع، في باب شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة [ (3) ] . [وخرّجه] الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (4) ] . [وخرّج البخاري] [ (2) ] من حديث همام بن يحى، حدثنا قتادة قال: كنّا نأتي أنس بن مالك رضى اللَّه عنه وخبازه قائم فقال: كلوا، فما أعلم النبي صلى اللَّه عليه وسلم رأى رغيفا مرّققا حتى لحق باللَّه، ولا رأى شاة سميطا بعينه قط، ذكره في الرقاق في باب: كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من الدنيا [ (5) ] .
[وخرّجه] [ (1) ] بهذا الإسناد في كتاب الأطعمة، في باب شاة مسموطة [ (2) ] ، [وذكره] [ (3) ] في الأطعمة أيضا في باب الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة حتى لقي اللَّه [ (4) ] . [وخرج البخاري] والنسائي من حديث عبد الوارث، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لم يأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرقّقا حتى مات. ذكره البخاري في باب فضل الفقر [ (5) ] ، وذكره النسائىّ في كتاب الوليمة [ (6) ] . [وخرّجه] من حديث أبى حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النّقىّ؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقىّ من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، [قال:] فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه، قال: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثرّيناه فأكلناه. ذكره في الأطعمة. وكرره [ (7) ] .
[وخرّجه] من حديث جرير، عن منصور، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض. ذكره في الأطعمة [ (1) ] وفي الرقاق [ (2) ] . [وخرّجه] مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها. قالت: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز حتى مضى لسبيله [ (3) ] . ومن حديث أبى إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض [ (4) ] . وللبخاريّ [ (5) ] ومسلم [ (6) ] من حديث سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق اللَّه تعالى [وقال ابن كثير: أخبرنا سفيان، حدثنا عبد الرحمن بن عابس بهذا] [ (7) ] .
ولمسلم، قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم، من خبز مرقوق ثلاث. وله من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة رضى اللَّه عنها: ما شبع آل محمد من خبز البرّ ثلاثا حتى مضى لسبيله [ (1) ] . وللبخاريّ من حديث مسعود بن كدام، عن هلال عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر [ (2) ] . وخرّجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر [ (3) ] .
وأما ائتدامه صلى الله عليه وسلم بالخل
وأما ائتدامه صلى اللَّه عليه وسلم بالخلّ فخرج ابن حيّان من حديث ياسين بن معاذ، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحبّ الصباغ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخلّ [ (1) ] . وللترمذي من حديث أبى بكر بن عيّاش، عن أبى حمزة الثمالي، عن الشعبي، عن أم هانئ بنت أبى طالب رضى اللَّه عنها قالت: دخل عليّ النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فقال: [هل عندكم] شيء؟ فقلت: لا، إلّا [كسر يابسة] وخلّ، فقال: [قربيه] ، فما أفقر بيت من أدم فيه خلّ. [قال أبو عيسى] هذا حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبى صفية، وأم هانئ ماتت بعد عليّ رضى اللَّه عنه بزمان [ (2) ] . ولمسلم من حديث أبى عوانة عن أبى [بشر] عن أبى سفيان عن جابر ابن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل به [ويقول] : نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل [ (3) ] .
ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن سعيد قال: حدثني طلحة ابن نافع أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما يقول: [أخذ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله فأخرج إليه فلق من خبز فقال: هل من أدم؟ قالوا: إلا شيء من خل، قال: فإن الخلّ نعم الأدم. قال جابر: فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من [نبي] ، اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحبّ الخل منذ سمعتها من جابر [رضى اللَّه عنه] [ (1) ] . ومن حديث يزيد بن هارون قال: أخبرنا حجاج بن أبى زينب قال: حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: كنت جالسا في داري، فمر بى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأشار إليّ
فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا، حتى أتى بعض حجر نسائه، فدخل ثم أذن لي، فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟ فقالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقرص، فوضعن على شيء، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه، وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يدىّ، ثم أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يدي، ثم قال: هل من أدم؟ فقالوا: لا، إلا شيء من خلّ، قال: هاتوه، فنعم الأدم هو [ (1) ] .
وأما أكله القثاء
وأما أكله القثّاء فخرج البخاري من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء [ (1) ] . وخرجه مسلم بهذا السند ولفظه: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب [ (2) ] . وخرجه أبو داود [بمثله] سواء [ (3) ] . وللترمذي من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن الربيع بنت معوّذ قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجرى من قثاء زغب، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته بها، وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين، فملأ يده منها فأعطانيه [ (4) ] .
ولابن حيّان من حديث يحى بن هشام، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب، والقثاء بالبلح [ (1) ] .
وأما أكله الدباء
وأما أكله الدّبّاء فخرج البخاري [ (1) ] من حديث ابن عون قال: كنت غلاما أمشى مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فدخل عليّ غلام له خياط، فأتاه بقصعة فيها طعام، وعليه دبّاء، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء، فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه، فأقبل الغلام على عمله. قال أنس رضى اللَّه عنه: لا أرى إلا حبّ الدباء بعد ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنع ما صنع. ترجم عليه باب: من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل [هو] على عمله. وخرّجه في باب [المرق] ، وفي باب القديد وخرّجه مسلم من حديث أبى أسامة، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس رضى اللَّه عنه قال: دعي رسول اللَّه رجل فانطلقت معه، فجيء بمرقة فيها دبّاء، فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل من ذلك الدبّاء ويعجبه [قال] ، فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه، فقال أنس رضى اللَّه عنه: فما زلت بعد يعجبني الدباء [ (2) ] .
ومن حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت البناني وعاصم الأحول عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن رجلا خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكره، وزاد ثابت: فسمعت أنسا يقول: فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع [ (1) ] . وخرّجه مالك في الموطّأ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة قال: أنه سمع أنس بن مالك رضى اللَّه عنه يقول: إن خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه، قال أنس رضى اللَّه عنه: فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دباء، قال أنس رضى اللَّه عنه: فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم [ (2) ] . قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته فيما علمت بهذا الإسناد، وزاد بعضهم فيه ذكر القديد. وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته، وعنده هذه الدباء، فقلت: أي شيء هذا؟ قال: هذا القرع نكثر به طعامنا.
وخرجه النسائي ولفظه: فرأيت عنده دباء مقطع، فقلت: ما هذا؟ قال: نكثر به طعامنا [ (1) ] . [وخرجه الترمذي] من حديث الليث عن معاوية بن صالح عن أبى طالوت قال: دخلت على أنس بن مالك رضى اللَّه عنه، وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك شجرة! ما أحبك [إلا] لحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إياك. وفي الباب عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: حديث غريب من هذا الوجه [ (2) ] . [قال] ابن عبد البر: ومن صريح الإيمان حب ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس رضى اللَّه عنه: فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟.
وأما الضب
وأما الضّبّ فخرّج البخاري من حديث شعبه، حدثنا جعفر بن إياس قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أقطا، وسمنا [وأضبا] ، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأقط والسمن، وترك الأضبّ تقذرا. قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: فأكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وخرجه أبو داود بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . ذكره البخاري في كتاب الهبة [ (3) ] . [وخرجه] مسلم من حديث شعبة عن أبى أشتر، عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: أهدت خالتي أم حفيد إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. الحديث بنحوه [ (4) ] . [وخرجه] البخاري أيضا في كتاب الأطعمة [ (5) ] وفي كتاب الاعتصام، من
حديث أبى عوان عن أبى بشر [ (1) ] .
وأما أكله الحيس
وأما أكله الحيس فقد خرّج أبو داود من حديث عمرو بن سعيد، عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز الثريد من الحيس [ (1) ] . [قال أبو داود: وهو ضعيف] [ (2) ] . وخرجه ابن حيّان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من التمر ومن الحيس [ (3) ] . وخرج النسائي من حديث ابن الأحوص، عن طلحة بن يحى [بن طلحة] عن مجاهد، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يوما] فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فإنّي صائم، ثم مرّ بى بعد ذلك وقد أهدى لنا حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول اللَّه! إني أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم، وأكل منه ثم قال: أما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن
شاء حبسها [ (1) ] .
وأما أكله الثفل
وأما أكله الثّفل فقد خرّج الحاكم من حديث عباد بن العوام، عن حميد، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثّفل هو الثريد [ (1) ] . ومن حديث المبارك بن سعيد، عن عمر بن سعيد، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإن عمر بن سعيد هذا، هو أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد [ (2) ] . وخرّج ابن حيّان من حديث المبارك هذا، عن عمر، عن عكرمة قال: صنع سعيد بن جبير طعاما ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن أحببت من مواليك، فجاء وجئنا معه، فقال له: ائتنا، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز [ (3) ] . وللترمذي من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن [أبى] سيبويه أبى الهذيل، حدثنا عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه عكراش [بن ذؤيب] قال: بعثني بنو مرة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدمت [عليه] المدينة، فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، ثم أخذ بيدي،
فانطلق بى إلى بيت أم سلمة، فقال: هل من طعام؟ فأتتنا بجفنة كثيرة الثريد والوذر [ (1) ] ، وأقبلنا نأكل منها، فحطت بيدي من نواحيها، وأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين يديه، فقبض [بيده اليسرى على يدي اليمنى] ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من الرطب أو من التمر- شك عبيد اللَّه- قال: فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الطبق وقال: [يا عكراش!] كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء، فغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يديه، ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: يا عكراش، هذا الوضوء مما غيّرت النار. قال أبو عيسى: [هذا] حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرّد العلاء بهذا الحديث، ولا يعرف لعكراش عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غير هذا الحديث [ (2) ] . [ومن حديث] زيد بن ثابت رضى اللَّه عنه، لم يدخل منزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم هدية، أول هدية دخلت بها عليه، قصعة مثرودة خبزا وسمنا ولبنا، فأضعها بين يديه فقلت: يا رسول اللَّه! أرسلت بهذه القصعة أمى، فقال: بارك اللَّه فيك، ودعا أصحابه فأكلوا، فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة، على رأس غلام مغطاة، فوضعت على باب أبى أيوب، وأكشف غطاءها لأنظر إليها، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم فقال زيد: فلقد كنّا بنى البخار ما من ليلة إلا على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منا الثلاثة والأربعة، يختلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بيت أبى أيوب، وكان مقامه فيه سبعة أشهر، وما كانت تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة أسعد بن زرارة كل ليلة [ (1) ] .
وأما أكله اللحم
وأما أكله اللحم فقد اتفقا على حديث الزهري عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده، فدعى إلى الصلاة، فألقاها والسكين التي كان يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ [ (1) ] . وفي لفظ: أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ [ (2) ] . وفي لفظ آخر: إني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها، فدعى إلى الصلاة، فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ [ (3) ] . [وخرّج مسلم] من حديث بكير بن الأشج عن كريب، عن ميمونة رضى اللَّه عنها قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل عندها كتفا، ثم صلى ولم يتوضأ [ (4) ] .
[وله] من حديث سعيد بن أبى هلال، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن أبى عطفان، عن أبى رافع قال: أشهد لقد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ [ (1) ] . [ولأبى داود] من حديث [مسعر] عن أبى [صخرة] جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد اللَّه، عن المغيرة بن شعبة رضى اللَّه عنه قال: ضفت [ (2) ] النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة، فأمر بجنب فشوى، وأخذ الشفرة فجل يحزّ [لي] بها منه، فجاء بلال فآذنه بالصلاة [قال] : فألقى الشفرة وقال: ماله! تربت يداه [ (3) ] ، وقام يصلى [ (4) ] .
[وخرج الحاكم] من حديث ابن علية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن معاوية، عن عثمان بن أبى سليمان، عن صفوان بن أمية قال: كنت آكل مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وآخذ اللحم من العظم [بيدي] فقال: [يا صفوان، قلت: لبيك] قال: أذن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ. [خرّجه] الحاكم وقال: حديث صحيح [ (1) ] . [ومن] حديث زهير عن ابن إسحاق عن سعد بن عياض، عن عبد اللَّه ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عراق الشاة. [قال: صحيح] الإسناد، وقال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه الذراع [ (2) ] . [وخرّج] من حديث سفيان، حدثنا مسعر قال: سمعت رجلا من تيم يقول: سمعت عبد اللَّه بن جعفر رضى اللَّه عنه يقول: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأنى بلحم، فجعل القوم يلقمون اللحم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أطيب اللحم لحم الظهر [ (3) ] . [ومن] حديث خالد بن عبد اللَّه عن أبى حيان، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم، فرفعت إليه الذراع،
وكانت تعجبه [فنهس منها] [ (1) ] . [وللترمذي] من حديث أبان بن يزيد، عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أبى عبيد قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدرا، وكان يعجبه الذراع، فناولته الذراع ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكت لناولتنى الذراع ما دعوت [ (2) ] .
[] من حديث طالوت بن عباد، حدثنا سعيد بن راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف [ (1) ] . [وخرّج] الحاكم من حديث عبدان قال: [أنبأنا] [ (2) ] الفضل بن موسى قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضى اللَّه عنهما، أتوا بيت أبى أيوب، فلما أكلوا وشبعوا، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: خبز، ولحم، وتمر [وبسر] [ (3) ] ورطب إذا أصبتم مثل هذا، فضربتم بأيديكم فكلوا باسم اللَّه، وبركة اللَّه [ (4) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (3) ] . ومن حديث مسدّد، حدثنا يحى بن سليم المكيّ، حدثنا إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بنى المنتفق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة [أم المؤمنين] فأمرت لنا بحريرة، فصنعت لنا، وأتتنا بقناع- والقناع الطبق فيه تمر- ثم جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا أو آمر لكم بشيء؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه، فبينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس، قال: فدفع الراعي غنمه إلى المراح، ومعه سخلة [تنفر] [ (3) ] ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما ولدت يا فلان؟ قال [ (3) ] : [بهمة] قال صلى اللَّه عليه وسلم: فاذبح لنا مكانها شاة [ثم أقبل علينا] [ (3) ] فقال: لا تحسبن أنّا من أجلكم ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد، فإذا [ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها] شاة، [قال] [ (1) ] قلت: يا رسول اللَّه، إن لي امرأة [فذكر من طول
لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت:] [ (1) ] إن لي منها ولدا، قال: فمرها يقول عظها، فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضرب أمتك، قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرنى عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . [ولم يخرجاه] . ومن حديث عفان بن مسلم، حدثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما قال: لما قتل أبى.. فذكر الحديث بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتى: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيئنا اليوم نصف النهار، فلا تؤذى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا تكلميه، قال: فدخل وفرشت له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذا العناق، وهي داجن سمينة، والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا منها وهو نائم، فقلت له: إن رسول اللَّه إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فرغ أن يقوم فلا يفرغن من وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام [قال:] [ (3) ] يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من وضوئه [ (4) ] حتى وضعت العناق بين يديه، فنظر إليّ وقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم [ (5) ] ، أدع لي أبا بكر، ثم دعا حوارييه الذين معه، فدخلوا، فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده وقال: بسم اللَّه، كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وفضل منها لحم كثير. وذكر باقي الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] ، [ولم يخرجاه] [ (2) ] .
[وله] من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر رضى اللَّه عنه قال: أمرنى أبى بحريرة فصنعت، ثم أمرنى فحملتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا هو في منزله، فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت: لا يا رسول اللَّه، ولكنها حريرة أمر بها أبى فصنعت، ثم أمرنى فحملتها إليك، ثم رجعت إلى أبى فقال: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال: فما قال لك؟ قلت: قال لي: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبى: عسى أن يكون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اشتهى اللحم، فقام إلى داجن له فذبحها وشواها، ثم أمرنى بحملها إليه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: جزى اللَّه الأنصار عنّا خيرا، ولا سيما عبد اللَّه بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وله من حديث على بن عاصم، حدثنا عبيد اللَّه بن أبى بكر بن أنس قال: سمعت أنسا رضى اللَّه يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع، فاشتددنا في إثرها، فكنت فيمن اشتدّ، فسبقتهم إليها فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فأمر بها فذبحت ثم شويت، فأخذ عجزها فأرسل به معى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قلت: عجز أرنب، بعث بها أبو طلحة إليك، فقبله منى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، [ (3) ] [ولم يخرجاه] [ (4) ] .
وأما أكله القلقاس
وأما أكله القلقاس فقال الدولابي [ (1) ] : أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم القلقاس فأكله وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال صلى اللَّه عليه وسلم، إن شحمة الأرض لطيبة. وأما أكله القديد فخرّج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، أنه سمع أنسا رضى اللَّه عنه يقول: إن خياطا دعي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه له، فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد.. الحديث، وترجم عليه باب: من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا، [وذكره] في باب من يتبع حوالي القصعة مع صاحبه، [وذكره] في البيوع في باب: الخياط، [وذكره] في الأطعمة في باب: القديد، [وخرجه] مسلم وأبو داود بنحوه أو قريبا منه [ (1) ] .
وأما أكله المن
[وخرّج] ابن حيّان من حديث الحسن بن واقد قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر رضى اللَّه عنه قال: أكلنا القديد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. [وقد] أورد مالك رضى اللَّه تعالى عنه هذا الحديث كما تقدم أولا [ (1) ] . [قال] ابن عبد البر: هكذا الحديث في الموطأ عند جميع رواته [و] زاد العقبي وابن بكير في حديث مالك هذا الحديث عن إسحاق عن أنس رضى اللَّه عنه، ذكر القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد [و] تابعهما على ذلك قوم، منهم أبو نعيم. وأمّا أكله المنّ فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون فقال: أخبرنا سفيان- يعنى ابن حسين- عن على بن زيد، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: أهدى الأكيدر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرّة من منّ، فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الصلاة، مرّ على القوم، فجعل يعطى كل رجل منهم قطعة، وأعطى جابرا رضى اللَّه عنه قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال: إنك قد أعطيتنى مرة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم هذه لبنات عبد اللَّه [ (2) ] .
وأما أكله الجبنة
وأما أكله الجبنة فخرج الإمام أحمد من حديث شريك عن جابر، عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في غزاة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أين صنعت هذه؟ قالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه تعالى وكلوا [ (1) ]-[ذكره شريك مرة أخرى فزاد فيه-: يضربونها بالعصى] [ (2) ] . ومن حديث وكيع، حدثنا إسرائيل عن جابر عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بجبنة فجعل أصحابه يضربونها بالعصيّ، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا السكين، واذكروا اسم اللَّه تعالى وكلوا [ (3) ] . [قال] الواقدي: وأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة بتبوك، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن هذا طعام تصنعه فارس، وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا فيه السكين واذكروا اسم اللَّه تعالى [ (4) ] . [وخرج] أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور، عن الشعبي عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعى بسكين، فسمّى وقطع [ (5) ] . [قال:] الخطّابى: إن ما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم
وأما أكله الشواء
من الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالأنافح [ (1) ] ، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه النبي صلى اللَّه عليه وسلم على ظاهر الحال، ولم يمتنع من أكله، من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه [ (2) ] . [قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: في دعوى أبى سليمان [ (3) ] رحمه اللَّه، أن من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن، يتوقف على النقل، ولم يكن إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين، فتأمله. [وقد] خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، [وقال] أبو حاتم الرازيّ: الشعبي لم يسمع من ابن عمر رضى اللَّه عنهما. [وقال] غير واحد: إنه سمع عليه [] إبراهيم بن عيينة، أخو سفيان بن عيينة [ (4) ] . وأما أكله الشواء فقد تقدم حديث أبى رافع: أشهد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة [ (5) ] . [و] حديث المغيرة: ضفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأمر بجنب فشوى [ (6) ] .
وأما أكله الدجاج
[و] حديث أنس رضى اللَّه عنه: أنفجت [ (1) ] أرنبا، وفيه: فذبحت ثم شويت [ (2) ] . [وخرّج] الترمذي من حديث ابن لهيعة عن سليمان بن زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث قال: أكلنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شواء في المسجد [ (3) ] . وأما أكله الدّجاج فخرج البخاري من حديث سفيان، عن أيوب عن أبى قلابة عن زهدم الجرمي، عن أبى موسى [الأشعري] رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا، لم يذكر غير هذا. ذكره بطوله في باب: لا تحلفوا بآبائكم، في كتاب: الخمس [ (4) ] . [و] ذكره مسلم من
طرق. [وخرجه] الدارميّ بهذا السند، ولفظه: قال: كنا عند أبى موسى رضى اللَّه عنه، فقدم طعامه لحم دجاج، وفي القوم رجل من بنى تيم اللَّه أحمر فلم يدن، فقال له أبو موسى رضى اللَّه عنه: أدن، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منه [ (1) ] . [وفي] رواية عن أبى موسى رضى اللَّه عنه: أنه ذكر الدجاج فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكله [ (2) ] .
وأما أكله لحم الحبارى
وأما أكله لحم الحبارى فخرج أبو داود والترمذي، من حديث بريّة بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: أكلت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الحبارى [ (1) ] . [ويروى] عن بريّة هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدلى، فعبد الرحمن هذا يروى عن بويه بن عمر، وجعفر بن سليمان [و] عبد السلام بن حرب [و] سفيان بن عيينة [و] أبو بكر بن عياش رحمهم اللَّه. [ويروى] عنه الفضل ابن سهل الأعرج [و] أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، [و] يعقوب [و] عنه الفسوي [و] جماعة. [قال] ابن عدي: روى عن الثقات أحاديث مناكير، ولم أر له حديثا منكرا يحكم من أجله على ضعفه [ (2) ] . [و] بريّة [قال] البخاري: إسناده مجهول [ (3) ] . [وخرج] النسائي في فضائل عليّ رضى اللَّه عنه، من كتابه
وأما أكله الخبيص
(المجتبى) [ (1) ] ، حدثنا زكريا بن حيي، حدثنا الحسن بن حماد قال: أخبرنا مهر بن عبد الملك، عن موسى بن عمر، عن السّدىّ، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان عنده طائر فقال: اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معى من هذا الطير، فجاء أبو بكر رضى اللَّه عنه فردّه، وجاء عمر رضى اللَّه عنه فردّه، ثم جاء عليّ رضى اللَّه عنه فأذن له. [وكان هذا] الطائر حبارى، أهدى إلى النبي [ (2) ] . وأما أكله الخبيص فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن عبد اللَّه بن سلام، عن أبيه عن جده رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان في بعض أصحابه، إذ أقبل عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه يقود بعيرا عليه غرارتان، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما معك؟ قال: دقيق وعسل وسمن، فقال له: أنخ، فأناخ، فدعا النبي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببرمة عظيمة، فجعل فيها من ذلك الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأكلوا، ثم قال لهم: كلوا، فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس. [قال] الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] . [وقال] : محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام هذا، يروى عنه معمر بن راشد، والوليد بن مسلم، وعبد اللَّه بن سالم الحمصي. [قال] أبو حاتم: لا بأس به، له حديث واحد، يعنى حديث الخبيص
وأما أكله الهريس
هذا، [و] خرّج له ابن ماجة، [و] وقد روى هذا الحديث عن محمد بن حمزة، الوليد بن مسلم، عنه محمد بن عبد العزيز بن الرمليّ وفلان، أخرجا له في الصحيحين. وأما أكله الهريس قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وادي القرى، أهدى له بنو عريض اليهودي هريسا، فأكلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] [ (1) ] . وأطعمهم أربعين وسقا، فهي جارية عليهم، تقول امرأة من يهود: لهذا الّذي صنع بهم محمد، خير مما ورثوه من آبائهم، لأن هذا لا يزال جاريا عليهم إلى يوم القيامة [ (2) ] . وقال البلاذريّ: وقيل لأم أيوب: أي الطعام كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: ما رأيته أمر بطعام يصنع له بعينه، ولا رأيته ذمّ طعاما قط، ولكن أبا أيوب أخبرنى أنه تعشّى معه ليلة في قصعة أرسل بها سعد بن عبادة، فيها طفشيل. فرآه ينهكها نهكا لم يره ينهكه غيره، فكنا نعملها له، وكنا نعمل له الهريس فنراه يعجبه، وكان يحضره عشاءه الخمسة إلى الستة إلى العشرة، يعنى مدة مقامه في منزل أبى أيوب [ (3) ] . قال: وروى أن أسعد بن زرارة كان يتخذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الهريس ليلة
وأما أكله الزنجبيل
وليلة لا، فإذا كانت الليلة التي يتوقعها فيها قال: هل جاءت قصعة أسعد؟ فقال: نعم، فيقول: هلمّوا، فيعلم أنها تعجبه [ (1) ] . وأما أكله الزنجبيل فخرج الحاكم من حديث شعبة قال: أخبرنى على بن زيد قال: سمعت أبا المتوكل يحدث عن أبى سعيد الخدريّ قال: أهدى ملك الهند إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرّة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة، وأطعمنى منها قطعة. قال الحاكم [رحمه اللَّه تعالى] : لم أخرج [من أول هذا الكتاب إلى هنا لعلى بن زيد بن جدعان [القرشيّ] حرفا واحدا ولم أحفظ في أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [الزنجبيل سواه] فخرجته [ (2) ] .
وأما تقززه أكل الضب وغيره
وأما تقزّزه أكل الضبّ وغيره فخرج البخاري من حديث عبد العزيز بن مسلم، أخبرنا عبد اللَّه بن دينار [قال] : سمعت ابن عمر يقول: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: الضبّ لست آكله ولا أحرّمه [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: سئل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الضبّ فقال: لست بآكله ولا محرمه [ (2) ] . وأخرجه الترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من حديث مالك، عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه. وقال النسائي: سئل وهو على المنبر عن الضب. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [ (5) ] .
وخرجه مسلم من حديث الليث، عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرّمه [ (1) ] . ومن حديث عبيد اللَّه عن نافع عن ابن عمر قال: سأل رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على المنبر عن أكل الضب فقال: لا آكله ولا أحرمه [ (2) ] . وذكره من عدة طرق عن نافع عن ابن عمر بمعنى حديث الليث عن نافع، غير أن في حديث أيوب عن نافع: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضبّ فلم يأكله ولم يحرمه. وفي حديث أسامة [ (3) ] [عن نافع قال: قام رجل في المسجد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر] [ (4) ] . [وخرّج ابن حبان في (صحيحة) من حديث أبى خيثمة، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن حسنة قال: غزونا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فنزلنا أرضا كثيرة الضباب ونحن مرملون، فأصبناها فكانت القدور تغلي بها، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ فقلنا: ضبابا أصبناها، فقال: إن أمة من بنى إسرائيل مسخت، وأنا أخشى أن تكون
هذه، فأمرنا فكفأناها، وإنّا لجياع] [ (1) ] . وخرّج قاسم بن أصبغ من حديث الحسين بن واقد، عن أيوب، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذات يوم: ليت عندنا خبزة بيضاء، من برّه سمراء، مليئة بسمن فنأكلها، فقام رجل فعملها، ثم جاء بها، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: فيم كان سمنك؟ قال: في عكة ضب، فعافه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولم يأكلها [ (2) ] . وقال حدثنا مضر بن محمد، سمعت يحى بن معين يقول: أيوب الّذي روى عنه حسين بن واقد عن نافع، عن ابن عمر «ليت لنا خبزة بيضاء» ، ليس هو أيوب السجستاني. ولمسلم من حديث شعبة، عن توبة العنبري، سمع الشعبي، سمع ابن عمر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان معه ناس من أصحابه فيهم سعد، وأتوا بلحم ضب، فنادت امرأة من نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه لحم ضب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي [ (3) ] .
وللبخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن توبة العنبري قال: قال لي الشعبي: أرأيت حديث الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقاعدت ابن عمر قريبا من سنتين، أو سنة ونصف، فلم أسمعه روى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غير هذا، قال: كان ناس من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيهم سعد، فذهبوا يأكلون من لحم، فنادتهم امرأة من [بعض] من أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه لحم ضبّ، فأمسكوا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كلوا أو أطعموا، فإنه حلال، أو قال: لا بأس به- شك فيه- ولكنه ليس من طعامي. اللفظ للبخاريّ، ذكره في باب خبر الواحد، وانتهى منه مسلم إلى قوله: فيهم سعد، ثم قال بمثل حديث عبيد اللَّه بن معاذ قال: أخبرنا أبى [قال] : حدثنا شعبة عن توبة. وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] وأبى داود [ (5) ] ، من حديث مالك عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل، عن عبد اللَّه بن عباس، عن خالد بن الوليد رضى اللَّه عنهما، أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيت مأمونة، فأتى بضب محنوذ، فأهوى إليه بيده، فقال بعض النسوة: أخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما يريد أن يأكل، قالوا: هو ضب يا رسول اللَّه، فرفع يده، فقلت: أحرام هو يا
رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدنى أعافه، قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر. وقال أبو داود عن مالك بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: «فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة» ، وقال مسلم عن مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد اللَّه بن عباس قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيت ميمونة» ، فأتى بضبّ محنوذ فأهوى إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما يريد أن يأكل، فرفع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده، فقلت: أحرام هو يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدنى أعافه. قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه ينظر. وذكره البخاري [ (1) ] في كتاب الأطعمة في باب الشواء، من حديث معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن ابن عباس عن خالد بن الوليد قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بضب مشوىّ، فأهوى إليه ليأكل، فقيل [له] : إنه ضبّ، فأمسك يده، قال خالد: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدنى أعافه، فأكل خالد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر. وأخرجاه أيضا من حديث يونس عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، فذكره البخاري في كتاب الأطعمة، وذكره مسلم في كتاب الصيد والذبائح، ولفظه: أن عبد اللَّه بن عباس أخبره أن خالد بن الوليد- الّذي يقال له: سيف اللَّه- أخبره أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند ميمونة زوج
النبي صلى اللَّه عليه وسلم- وهي خالته، وخالة ابن عباس- فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها صفية بنت الحارث من نجد، فقدّمت الضب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان قلّ ما يقدم [يده] لطعام حتى يحدّث به ويسمّى له، فأهوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما قدّمتنّ له، [قلن] : هو الضّب يا رسول اللَّه، فرفع [رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم] يده، فقال خالد: أحرام الضبّ يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنه لم [يكن] بأرض قومي فأجدنى أعافه، قال خالد: فاحتززته فأكلته، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينظر إليّ فلم ينهني [ (1) ] . وقال البخاري: «ورسول اللَّه ينظر إليّ» ولم يقل: «فلم ينهني» ، وترجم عليه باب: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل حتى يسمّى له فيعلم ما هو [ (2) ] . وذكره مسلم من حديث صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل، عن ابن عباس، أنه أخبره أن خالد بن الوليد أخبره أنه دخل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث- وهي خالته- فقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضب جاءت به أم حفيد بنت الحارث من نجد، وكانت تحت رجل من بنى جعفر، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل شيئا حتى يعلم ما هو. ثم ذكر بمثل حديث يونس، وزاد في آخر الحديث: وحدثنيه ابن الأصم عن ميمونة، وكان في حجرها [ (3) ] . وذكره أيضا من حديث معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن
ابن عباس قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ونحن في بيت ميمونة بضبين مشويين، بمثل حديثهم، ولم يذكر يزيد بن الأصم عن ميمونة [ (1) ] . وذكره من حديث الليث بن سعد قال: حدثني خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن أبى هلال، عن ابن المنكدر، أن أبا أمامة أخبره عن ابن عباس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [وهو في بيت ميمونة] وعنده خالد بن الوليد بلحم ضب، فذكره بمعنى حديث الزهري [ (2) ] . وذكره من حديث على بن مسهر، عن الشيباني، عن زيد بن الأصم قال: دعانا عروس بالمدينة، فقرب إلينا ثلاثة عشر ضبا، فآكل، وتارك، فلقيت ابن عباس من الغد، فأخبرته، فأكثر القوم حوله، حتى قال بعضهم: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرمه، فقال ابن عباس: بئس ما قلتم، ما بعث اللَّه نبيا إلا محلّلا ومحرما، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينما هو عند ميمونة، وعنده الفضل بن عباس، وخالد بن الوليد، وامرأة أخرى، إذ قرّب إليهم خوان عليه لحم، فلما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يأكل، قالت له ميمونة: إنه لحم ضب، فكفّ يده وقال: هذا لحم لم آكله قط، وقال لهم: كلوا، فأكل منه الفضل، وخالد بن الوليد، والمرأة. قالت ميمونة: لا آكل من شيء إلا شيئا يأكل منه رسول اللَّه [ (3) ] . وذكر من حديث عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بضب، فأبى أن يأكل
منه، وقال: لا أدرى لعله من القرون التي مسخت [ (1) ] . ومن حديث أنس أبى عدىّ، عن داود، عن أبى نضرة، عن أبى سعيد قال: قال رجل: يا رسول اللَّه! إنا بأرض مضبّة، فما تأمرنا أو [فما] تفتينا؟ قال: ذكر لي أن أمة من بنى إسرائيل مسخت، فلم يأمر، ولم ينه [ (2) ] . قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك، قال عمر رضى اللَّه عنه: إن اللَّه عزّ وجلّ لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة هذه الرعاء، ولو كان عندي لطعمته، إنما عافه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وروى عن سعيد بن جبير أنه قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ألطف الناس، وكان لا يشرب من شراك الإداوة، ولا يأكل من لحم الجلالات. وروى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان لا يأكل قاذورة، ولا يأكل الدجاج حتى يعلف. والقاذورة هنا: الّذي يتقذّر، فكأنه كان يجتنب ما يرعى النجاسة حتى يعلف الطّاهر. ويقال: القاذورة: ويراد به الفعل القبيح، ومنه قوله عليه السلام: من أتى من هذه القاذورات شيئا [فليستتر] [ (3) ] .
وأما اجتنابه ما تؤذى رائحته
وأما اجتنابه ما تؤذى رائحته فخرج مسلم من حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إليّ، وأنه بعث إليّ يوما بفضلة لم يأكل منها لأن فيها ثوما، فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكنى أكرهه من أجل ريحه، قال: فإنّي أكره ما كرهت [ (1) ] . وخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح [ (2) ] . ولأبى داود [ (3) ] وأحمد [ (4) ] ، من حديث بقية عن بجير، عن خالد عن أبى زياد خيار بن سلمة، أنه سأل عائشة رضى اللَّه عنها عن البصل فقالت: إن آخر طعام أكله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعام فيه بصل.
ولمسلم من حديث ابن علية، عن الجرير عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدريّ قال: لم يغد أن فتحت خيبر، فوقعنا أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك البقلة الثوم، والناس جياع، فأكلنا منها أكل شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الريح، فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا [يغشانا] في المسجد، فقال الناس: حرّمت، حرّمت، فبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، إنه ليس بى تحريم ما أحلّ اللَّه، ولكنها شجرة أكره ريحها [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث ابن وهب، عن يونس عن ابن شهاب، زعم عطاء أن جابر بن عبد اللَّه، زعم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته، وأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبرنا بما فيه من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما [رآه] كره أكلها، قال: كل، فإنّي أناجى من لا تناجي. اللفظ للبخاريّ. وخرّجه أبو داود [ (4) ] .
وأما أكله الجمار
وأما أكله الجمّار فخرج البخاري من حديث عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبى حدثنا الأعمش قال حدثني مجاهد عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنه قال: بينا نحن عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم جلوس؟ إذ أتى بجمار نخلة، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم، فظننت أنه يعنى النخلة فأردت أن أقول هي النخلة يا رسول اللَّه، فالتفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم فسكتّ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم هي النخلة [ (1) ] . وأما حبّه الحلواء والعسل فخرّج البخاري من حديث هشام، عن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب الحلواء والعسل. وهو مما اتفقا على إخراجه ذكره البخاري هكذا في الأشربة [ (2) ] ، وفي الأطعمة [ (3) ] . وخرّجه
وأما أكله التمر
الإمام أحمد [ (1) ] ، وفيه قصّة [ (2) ] . وأما أكله التمر فخرج البخاري ومسلم من حديث مسعر بن كدام، عن هلال، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: ما أكل آل محمد [صلى اللَّه عليه وسلم] أكلتين في يوم واحد إلا وإحداهما تمر [ (3) ] .
ولهما من حديث وهيب، حدثنا منصور بن أمية، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] : توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين شبعنا من الأسودين: التمر والماء، وفي لفظ للبخاريّ: توفى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقد شبعنا من الأسودين: التمر والماء. ولهما من حديث يزيد بن رومان، عن عروة عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أنها تقول: واللَّه يا ابن أختى، ثلاثة أهله في شهرين، وما [أوقد] في أبيات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نار، قلت: يا خالة! فما كان [يعيشكم؟] قالت: الأسودين، التمر والماء، إلا أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ألبانها فيسقينا. وقال البخاري: كانت لهم منايح، وكانوا يمنحون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ألبانهم فيسقينا [ (1) ] . ولهما في لفظ آخر قالت: إن كنا آل محمد لنمكث شهرا ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء، ولفظ مسلم: إن كنا لنمكث، ولم يذكر آل محمد. وزاد أبو كريب في حديثه، عن ابن نمير عن هشام بن عروة بهذا الإسناد، إلا أن يأتينا اللحيم. وفي لفظ للبخاريّ قالت: كان يأتى علينا الشهر ما نوقد نارا، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحيم [ (2) ] . ولأبى داود من حديث محمد بن أبى يحيى، عن يزيد الأعور، عن يوسف بن عبد اللَّه بن سلام قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم آخذ كسرة من خبز شعير، فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه. وفي لفظ: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وضع تمرة على كسرة فقال: هذه إدام هذه [ (3) ] . وله من حديث الوليد بن مزيد قال: سمعت ابن جابر قال: حدثنا سليم
ابن عامر، عن ابني بسر السّلميّين قالا: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقدّمنا إليه تمرا وزبدا، وكان يحب التمر والزبد [ (1) ] . ولمسلم من حديث حفص بن غياث، عن مصعب بن سليم قال: حدثنا أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا [ (2) ] . وخرّجه الدارميّ عن مصعب قال: سمعت أنس بن مالك يقول: أهدى إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم التمر، فأخذ يهديه. وقال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل تمرا مقعيا من الجوع. قال: يهديه، يعنى يهدى هاهنا، وهاهنا [ (3) ] . ولمسلم من حديث ابن عيينة، عن مصعب بن سليم، عن أنس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتمر، فجعل يقسمه وهو [محتفز] ، يأكل منها أكلا ذريعا. وفي رواية زهير: أكلا حثيثا [ (4) ] . ولأبى داود من حديث همام، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بتمر عتيق، فجعل يفتشه يخرج منه السوس [ (5) ] . وفي لفظ: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يؤتى بالتمر فيه الدود.
فذكر معناه [ (1) ] . وللحاكم من حديث طلحة بن زيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يسمى التمر واللبن الأطيبان [ (2) ] . قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (3) ] . ولابن حيّان من حديث ياسين الزيات عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان أحب التمر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العجوة [ (4) ] . ومن حديث عبيد بن القاسم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الطعام مما يليه، حتى إذا جاء التمر جالت يده [ (5) ] . ومن حديث شعبة، عن يزيد بن [جهيم] قال: سمعت عبد اللَّه بن بسير يقول: دخل علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأتاه أبى بتمر وسويق، فجعل يأكل التمر ويلقى النوى على ظهر إصبعيه ثم يلقيه، يعنى السبابة والوسطى.
وأما أكله العنب
وأمّا أكله العنب فروى أبو الجارود عن حبيب بن يسار، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل العنب خرطا [ (1) ] . وأمّا أكله الرّطب والبطيخ فخرّج أبو داود من حديث أبى أسامة قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا، وبرد هذا بحر هذا [ (2) ] . وخرّج الدارميّ من حديث الحسن بن عرفة، أخبرنا يعقوب بن الوليد،
عن أبى حازم، عن سهل بن سعدان، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم [كان] يأكل البطيخ بالرطب [ (1) ] . ومن حديث وهيب عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن نبي اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] كان يعجبه [الجمع] بين البطيخ والرطب [ (1) ] . وخرّج الحاكم من حديث مطر الوراق، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأخذ الرطب بيمينه، والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب والبطيخ، وكان أحب الفاكهة إليه. قال: هذا تفرد به يوسف بن عطية عن مطر، ولم يحتجّا به، وإنما يعرف هذا المتن بغير هذا اللفظ، من حديث عائشة رضى اللَّه عنها [ (2) ] . وخرجه ابن حيان أيضا من طريق مطر [ (3) ] . وخرّج الترمذي في (الشمائل) من حديث جرير، عن حميد، عن أنس قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجمع بين الخربز والرطب [ (4) ] .
وخرج الخطيب من طريق حسان بن سياه، حدثني ثابت البناني عن أنس قال: قالت عائشة: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا جاء الرطب فهنئينى [ (1) ] . وخرّج ابن حيّان من حديث إسرائيل الأعور، عن أنس قال: كنت إذا قدمت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رطبا، أكل الرطب وترك المذنب. ومن حديث القرارى، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب أن يفطر على رطبات في زمان الرطب، وعلى التمر إذا لم يكن رطب، ويجعلهن وترا، ثلاثا، أو خمسا، أو سبعا [ (2) ] .
وأما أكله الزيت
وأمّا أكله الزّيت فخرج مسلم من حديث ابن قسيط، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لقد مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين [ (1) ] . وأمّا أكله السمك فخرج البخاري من حديث ابن جريج، أخبرنى عمرو أنه سمع جابرا يقول: غزونا جيش الخبط، وأمّر أبو عبيدة بن الجراح، فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله، يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته. [زاد في] المغازي: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فقال أبو عبيدة: كلوا فلما قدمنا المدينة، ذكرنا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: كلوا رزقا أخرجه اللَّه، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم بعضه فأكله [ (2) ] . [وفي رواية ابن السكن: «فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله» ] [ (3) ] .
ولفظ مسلم: فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منه فأكله [ (1) ] . ذكره البخاري في الصيد والذبائح، وفي كتاب المغازي وفيه قصة [ (2) ] . وكرّراه من طرق.
وأما أكله البيض
وأمّا أكله البيض فذكر الواقدي أن علبة بن زيد الحارثي، جاء في غزوة ذات الرقاع [ (1) ] بثلاث بيضات فقال: يا رسول اللَّه! وجدت هذه البيضات في مفحص نعام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات، فوثبت فعملتهن، ثم جئت بالبيض في قصعة، وجعلت أطلب خبزا ولا أجده، قال: فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز، قال جابر: فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمسك يده، وأنا أظن أنه قد انتهى إلى حاجته، والبيض في القصعة كما هو، ثم قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأكل منه عامة أصحابنا، ثم رحنا مبردين [ (2) ] .
فصل في هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأكل
فصل في هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الأكل اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وإذا أتى بالباكورة من التمر دعا اللَّه بالبركة، ويأكل بثلاثة أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها، ويأكل مما يليه، ولا يأكل متكئا، ولا يذم طعاما، ويسمى اللَّه إذا أكل، ويحمده إذا فرغ. وأمّا قبوله الهدية وامتناعه من أكل الصدقة فخرج البخاري في آخر كتاب الجهاد، من حديث شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، أن الحسن بن على رضى اللَّه عنهما، أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم [بالفارسية] كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة [ (1) ] . وذكره في كتاب الزكاة ولفظه: أما [شعرت] أنا لا نأكل الصدقة [ (2) ] ؟ وخرّجه مسلم في آخر كتاب الزكاة بهذا السند ولفظه: ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة [ (3) ] ؟ وفي لفظ آخر له: إنا لا تحل لنا الصدقة [ (4) ] . وللبخاريّ من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد عن أبى
هريرة قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يؤتى بالتمر عند صرام النخل، فيجيء هذا بتمره، وهذا [من] تمره، حتى يصير عنده كوما من تمر، فجعل الحسن والحسين [رضى اللَّه عنهما] يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما تمرة، فجعلها في فيه، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخرجها من فيه وقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة [ (1) ] ؟. وأخرجاه أيضا من حديث معمر، عن همّام بن منبه، عن أبى هريرة [ (2) ] . وخرّج البخاري في كتاب اللقطة، في باب: إذا وجد تمرة في الطريق، من حديث معمر، عن همام، عن أبى هريرة، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (3) ] . وخرّجه مسلم في الزكاة ولفظه: عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي أو في بيتي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها [ (4) ] . ومن حديث ابن وهب قال: أخبرنى عمرو أن أبا يونس مولى أبى هريرة
حدثه، عن أبى هريرة عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال مثله، ولم يقل: أو في بيتي [ (1) ] . وخرّج البخاري في كتاب اللقطة، من حديث سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنس قال: مرّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (2) ] . وذكره في البيوع، ولفظه: مرّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن يكون صدقة لأكلتها [ (3) ] . وقال همام: عن أبى هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: أجد تمرة ساقطة على فراشي.. هكذا، ذكر هذا متصلا بحديث أنس، وترجم عليه باب: ما يتنزه عن الشبهات [ (3) ] . وخرجه مسلم من طرق، بعضها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (4) ] . وبعضها قال: حدثنا أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرّ بتمرة بالطريق فقال: لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها [ (4) ] . وبعضها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها [ (4) ] . [ولأبى داود] من حدث حماد عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يمر بالتمرة [العائرة] ، فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن
تكون من الصدقة [ (1) ] . ومن حديث خالد بن قيس، عن قتادة، عن أنس [بن مالك، رضى اللَّه عنه، قالا] : إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وجد تمرة فقال: لولا أنى أخاف أن تكون [صدقة] لأكلتها [ (2) ] . ولأبى داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] ، من حديث شعبة عن الحكم، عن ابن أبى رافع، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فقال لأبى رافع: اصحبنى كيما تصيب منها. فقال: حتى آتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فسأله، فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم وقال أبو داود: فقال: مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأبو رافع: مولى النبي صلى اللَّه عليه وسلم اسمه أسلم، وابن أبى رافع: هو عبيد اللَّه بن أبى رافع، كاتب على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه. وخرّجه النسائي من حديث يحيى، عن شعبة ولفظه: إن الصدقة لا تحل
لنا، وإن مولى القوم منهم [ (1) ] . وذكره [البخاري] في كتاب قبول الهدية من حديث إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبى هريرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، فإن قيل: هدية: ضرب بيده فأكل معهم [ (2) ] . وخرّجه مسلم في كتاب الزكاة ولفظه: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها [ (3) ] . وخرّجه النسائي من حديث عبد الواحد [بن] واصل، أخبرنا بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بشيء سأل عنه، أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده [ (4) ] . وخرّج البخاري من حديث شعبة، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم تصدّق به على بريرة فقال: هو عليها صدقة ولنا هدية. ذكره في كتاب الزكاة [ (5) ] ، وفي كتاب الهبة [ (6) ] . وخرّجه أبو داود
بمثله [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] ولفظه: قال: أهدت بريرة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحما تصدّق به عليها، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية. وخرّجاه وفيه قصة. ولمسلم [ (3) ] من حديث الليث، عن ابن شهاب، أن عبيد بن السباق قال: إن جويرية زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل عليها فقال: هل من طعام؟ قالت: لا واللَّه يا رسول اللَّه! ما عندنا طعام إلا عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: قرّبيه، فقد بلغت محلّها. وللبخاريّ ومسلم من حديث خالد، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على عائشة فقال: هل عندكم شيء؟ فقالت: لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة، من الشاة التي بعث بها من الصدقة، فقال: إنها قد بلغت محلها. ذكره البخاري في باب: إذا تحولت الصدقة في كتاب الهبة، وفي كتاب الزكاة [ (4) ] ، وألفاظ طرق مسلم متقاربة. وخرّج الإمام أحمد من حديث عيسى بن يونس قال: أخبرنا هشام ابن عروة عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها [ (1) ] .
[وقال ابن سعد: أخبرنا شبابة بن سواد، ومالك بن إسماعيل وعبد اللَّه بن صالح قال: حدثنا إسرائيل عن ثوير، عن أبيه، قال مالك وعبد اللَّه بن صالح، عن على رضى اللَّه عنه قال: [ (1) ] أهدى كسرى إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منهم] [ (2) ] .
وأما ما يقوله عند الباكورة
وأمّا ما يقوله عند الباكورة فخرج الدارميّ من حديث نعيم بن حماد، عن عبد العزيز بن محمد عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أتى بالباكورة بأول الثمرة قال: اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمرتنا، وفي مدّنا، وفي صاعنا، واجعل بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان [ (1) ] . ولأبى داود من حديث جرير بن حازم، عن يونس الأبلي، عن ابن شهاب، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى [بالباكور] قال بعضهم: بالباكورة، قبّلها ووضعها على عينيه [ (2) ] . وفي لفظ: كان إذا أتى بالباكورة من الفاكهة، وضعها على عينيه ثم أكل منها وقال: اللَّهمّ كما أطعمتنا أولها، فأطعمنا آخرها، وبارك لنا فيها. ومن حديث عبد العزيز بن محمد، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بالباكورة قبّلها ووضعها على عينيه،
وأعطاها أصغر من يحضر من الولدان [ (1) ] . وخرّجه ابن حيّان من حديث الدّراوردى، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أتى بالباكورة من التمر قال: اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، ومدّنا، وصاعنا، واجعل مع البركة بركة، ثم يعطيه أصغر من حضره من الولدان [ (2) ] . وخرّج الترمذي في (الشمائل) ، من حديث مالك، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاءوا به إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا أخذه قال: اللَّهمّ بارك لنا في ثمارنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وفي مدّنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة، ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد يراه، فيعطيه ذلك الثمر [ (3) ] .
وأما أكله بثلاث أصابع ولعقها
وأمّا أكله بثلاث أصابع ولعقها فخرّج مسلم من حديث أبى معاوية، عن هشام بن عروة عن عبد الرحمن ابن سعد، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها [ (1) ] . ومن حديث زهير بن حرب، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يلعق أصابعه الثلاث من الطعام. ولم يذكر محمد بن أبى حاتم عن ابن مهدي الثلاث [ (2) ] . ومن حديث ابن نمير أخبرنا هشام، عن عبد الرحمن بن سعد، أن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وعبد اللَّه بن كعب [بن مالك أو عبد اللَّه بن كعب] [ (3) ] ، أخبره عن أبيه كعب، أنه حدّثهم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يأكل بثلاث أصابع، فإذا فرغ لعقها [ (4) ] . [و] رواه أبو بكر الشافعيّ من حديث عمرو بن عثمان قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى داود، حدثنا ابن أبى جريج، عن هشام بن عروة، عن محمد بن كعب بن عجرة، عن أبيه كعب [رضى اللَّه عنه] قال:
رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، الإبهام، والتي تليها، والوسطى، ثم رأيته يلعق الوسطى، والتي تليها، ثم الإبهام. وللإمام أحمد من حديث أبى معاوية، أخبرنا هشام بن عروة، عن عبد الرحمن بن سعد، عن [أبىّ بن] [ (1) ] كعب بن مالك، عن أبيه [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها [ (2) ] . وخرّجه الترمذي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن سعد عن ابن كعب عن أبيه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يلعق أصابعه ثلاثا [ (3) ] .
ولمسلم من حديث بهز قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث [ (1) ] .
وأما أكله مما يليه
وأمّا أكله مما يليه فخرّج ابن حيان من حديث أبى رجاء، عن عبد الحكم، قال: رآني عبد اللَّه بن جعفر، وأنا غلام، وأنا آكل من ها هنا، فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا أكل لم تعد يده ما بين يديه [ (1) ] . وأمّا أنه لا يأكل متكئا فخرّج البخاري من حديث مسعر، عن على بن الأقمر، سمعت أبا جحيفة يقول: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا آكل متكئا [ (2) ] . وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد مثله سواء [ (3) ] . وللبخاريّ من حديث جرير عن منصور، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة قال: [كنت عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم] فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا متكئ [ (4) ] . وللنسائى من حديث شريك، عن على بن الأقمر، عن أبى جحيفة قال:
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا آكل متكئا. وله من حديث الزهري، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس يحدث أن اللَّه أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة، ومعه جبريل، فقال له الملك: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا، وبين أن تكون ملكا، فالتفت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا، بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا [ (1) ] . وخرّجه عبد الرزاق بنحوه، وقال: عن معمر، عن يحيى بن أبى كثير، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد. وقال حماد: عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو، عن أبيه قال: ما رئي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل متكئا، ولا يطأ عقبه رجلان [ (2) ] .
وأما أنه لم يذم طعاما
وأمّا أنه لم يذم طعاما فخرّج البخاري [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث الأعمش، عن أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: ما عاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، إذا اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه. ذكره في كتاب الأطعمة، وذكره البخاري أيضا في المناقب بهذا الإسناد، غير أنه قال: وإلا تركه. وخرّجه مسلم أيضا ولفظه: قال: ما عاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله، وإن كرهه تركه [ (3) ] . وفي رواية قال: ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاب طعاما قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه سكت [ (4) ] .
وللترمذي [ (1) ] من حديث عمر بن عبد اللَّه مولى عفرة قال: حدثني إبراهيم بن محمد، من ولد على بن أبى طالب، عن على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يذم ذواقا ولا يمدحه.
وأما التسمية إذا أكل وحمد الله بعد فراغه من الأكل
وأمّا التسمية إذا أكل وحمد اللَّه بعد فراغه من الأكل فخرّج البخاري والنسائي من حديث سفيان، عن ثور، عن خالد بن معدان، عن أبى أمامة رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: الحمد للَّه كثيرا طيبا مباركا فيه، غير مكفىّ ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا [ (1) ] . وقال البخاري: كان إذا فرغ من طعامه، ومرة إذا رفع مائدته قال: الحمد للَّه الّذي كفانا وأروانا، غيّر مكفئ، ولا مكفور. وقال مرة: لك الحمد ربنا غير مكفىّ، ولا مودّع، ولا مستغنى عنه ربنا [ (2) ] . وخرجه أبو داود وقال: إذا رفعت المائدة [ (3) ] ، وخرّجه النسائي [ (4) ] . وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا عبد اللَّه بن عامر الأسلمي، عن أبى عبيد حاجب سليمان، عن نعيم بن سلامة، عن رجل من بنى سليم، وكانت له صحبة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: اللَّهمّ لك الحمد، أطعمت، وأسقيت، وأشبعت، وأوريت، فلك الحمد غير مكفور،
ولا مودع، ولا مودع، ولا مستغنى عنك [ (1) ] . ولأبى داود والنسائي من حديث سفيان، عن أبى هاشم إسماعيل بن كثير، عن إسماعيل بن رباح، عن رباح بن عبيدة، عن أبى سعيد الخدريّ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد للَّه الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين [ (2) ] .
وخرّجه أبو بكر بن أبى شيبة، أخبرنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن رباح، عن عبيدة، عن مولى لأبى سعيد، عن أبى سعيد قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل طعاما قال مثله. وإسناد هذا الحديث مضطرب كما ترى [ (1) ] . ولأبى داود والنسائي من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سعيد بن أبى أيوب، عن أبى عقيل القرشيّ، عن أبى عبد الرحمن الجبليّ، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد للَّه الّذي أطعم، وسقى، وسوّغه، وجعل له مخرجا [ (2) ] . وللنّسائى من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سعد عن عكرمة ابن عمرو، عن أبى هبيرة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن من خدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم، أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول إذا قرب إليه طعاما قال: بسم اللَّه، فإذا فرغ من طعامه قال: اللَّهمّ أطعمت، وسقيت، وأرويت، وهديت، وأحييت، فلك الحمد على ما أعطيت. ومن حديث زهير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: [دعي] رجل من الأنصار من أهل قباء- يعنى النبي صلى اللَّه عليه وسلم- فانطلقنا
معه، فلما طعم وغسل يده أو يديه قال: الحمد للَّه الّذي يطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد للَّه غير مودع ولا مكافئ ولا منكور ولا مستغنى عنه، الحمد للَّه الّذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسى من العرى، وهدى من الضلالة، وبصّر من العمى، وفضّل على كثير من خلقه تفضيلا، الحمد للَّه رب العالمين [ (1) ] .
وأما ما يقوله إذا أكل عند أحد
وأمّا ما يقوله إذا أكل عند أحد فخرّج أبو داود من حديث معمر، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة، فجاء بخبز وزيت، فأكل، ثم قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة [ (1) ] . وخرّج النسائي وقاسم بن أصبغ من حديث وكيع، عن هشام عن يحيى ابن أبى كثير، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أفطر عند أهل بيت قال: أفطر عندكم الصائمون. وخرّج مسلم من حديث شعبة، عن يزيد بن خمير، عن عبد اللَّه بن بسر، قال: نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على أبى [قال:] [ (2) ] فقربنا إليه طعاما ووطبة فأكل منها، ثم أتى بتمر، وكان يأكله ويلقى النوى بين إصبعيه، ويجمع السبابة والوسطى، [قال شعبة:] [ (2) ] هو ظنّى وهو فيه إن شاء اللَّه تعالى، إلقاء النوى بين [الإصبعين] [ (2) ] ثم أتى بشراب فشربه، ثم ناوله الّذي عن يمينه، [قال:] [ (2) ] فقال أبى وأخذ بلجام دابته: أدع اللَّه عزّ وجلّ لنا، فقال: اللَّهمّ بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم [ (3) ] .
ذكره الترمذي بهذا الإسناد في كتاب الدعاء، ولم يقل فيه: ووطئه، وقال: حديث حسن صحيح [ (1) ] . وذكره أبو داود وقال في الإسناد: عن عبد اللَّه بن بسر من بنى سليم، وقال في الحديث: فقدم إليه طعاما، فذكر حيسا أتاه به [ (2) ] . وذكره ابن أبى شيبة عن شعبة بهذا الإسناد وقال: جاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنزل على أبى، فأتاه بطعام سويق وحيس، فأكل، وأتاه بشراب، فشرب، وناوله من عن يمينه، وكان إذا أكل التمر ألقى النوى هكذا، وأشار بإصبعيه على ظهرهما، فلما ركب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام أبى فأخذ بلجامه فقال: يا رسول اللَّه، ادع لنا.. الحديث مثله [ (3) ] . وخرّج عبد الرزاق من حديث [معمر] ، عن ثابت البناني، عن أنس أو غيره، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، فقال سعد: وعليك السلام ورحمة اللَّه، ولم يسمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى سلّم ثلاثا ولم يسمعه، فرجع، وأتبعه سعد فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بأبي أنت وأمى، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت، فقرب له زبيبا، فأكل منه نبي اللَّه، فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون.
وأما أكله باليمين
وأمّا أكله باليمين فخرّج الحاكم من حديث يحيى بن زكريا بن أبى زائدة قال: أخبرنا أبو أيوب، عبد اللَّه بن على الإفريقي، عن عاصم بن بهدلة، عن المسيب بن رافع، عن حارثة بن وهب الخزاعي [ (1) ] قال: حدثتني حفصة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل يساره لما سوى ذلك. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث حماد بن سلمة، حدثنا عاصم بن بهدلة، عن سواء الخزاعي، عن حفصة قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه اضطجع على يده اليمنى، وكانت يمينه لأكله وشرابه ووضوئه وثيابه، وأخذه وعطائه، وكان يجعل [شماله] لما سوى ذلك [ (3) ] . وأمّا أنه كان لا يأكل من الهدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها فخرّج البزار من حديث سعيد بن محمد يمنى الجرمي، [قال:] حدثنا يحيى بن واضح- هو أبو نميلة- أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى بكر، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن ابن الحويكة،
عن عمار بن ياسر [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يأكل من هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها، للشاة التي أهديت بخيبر [ (1) ] . قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمار إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وخرّجه الطبراني في الكبير من حديث سعيد أيضا به مثله، وصرّح في روايته بتحديث عبد اللَّه بن أبى بكر لمحمد بن إسحاق، وسعيد ابن محمد الجرمي، من رجال الصحيحين، وأبو نميلة يحيى بن واضح مخرّج له في الصحيح، وابن إسحاق قد صرّح بالتحديث، ومحمد بن عبد الرحمن أخرج له مسلم، ويزيد بن الحوتكيّة [ (2) ] من رجال النسائي، وهو قوى، لكن حمد بن عبد الرحمن لم أر له رواية عنه سوى هذه، وما أظنه أدركه، فينظر. [وقال البكري: وروى محمد بن عبد الرحمن، وحكيم بن جبير، أنهما سمعا رجلا من بنى تميم يقال له ابن الحوتكيّة يقول: قدمنا على عمر بن الخطاب فقال لنفر عنده: أيكم حضر رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] ونحن بالقاحة [ (3) ] إذ أهدى الأعرابي إليه الأرنب، فقال قائل: أنا أحدثكم، كنت معه بالقاحة [ (3) ] فأهدى أعرابى أرنبا، وكان لا يأكل هدية بعد الشاة المسمومة حتى يأكل صاحبها منها، فقال للأعرابى: كل] [ (4) ] .
فصل في ذكر شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشروباته
فصل في ذكر شرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومشروباته اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يستعذب له الماء، ويبرّد له، وشرب اللبن، وكان ينبذ له فيشربه، وشرب السويق، وكان يشربه مصّا، ولا يتنفس في الإناء، وشرب قائما وقاعدا، وشرب آخر أصحابه، وكان يؤثر من على يمينه بسؤره. وأما طلب الماء العذب فخرّج البخاري ومسلم من حديث يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، أنه سمع أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصارىّ المدينة مالا، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس رضى اللَّه عنه: فيها نزلت هذه الآية: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، قام أبو طلحة رضى اللَّه عنه، إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه! إن اللَّه عزّ وجل يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [ (1) ] وإن أحب أموالى بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برّها، وذخرها عند اللَّه، فضعها يا رسول اللَّه حيث شئت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أفعل يا رسول اللَّه، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنى عمه. ذكره البخاري في كتاب الوكالة، وترجم عليه باب: إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك اللَّه، وقال الوكيل: قد سمعت ما قلت. وقال بعقبه: تابعه إسماعيل عن مالك، وقال روح عن مالك: مال
رابح. وذكره في كتاب الزكاة، وفي كتاب التفسير، وفي الأشربة، وفي الوقوف [ (1) ] . وذكره مسلم في كتاب الزكاة [ (2) ] ، وخرّجه أبو داود [ (3) ] والنسائي [ (4) ] ، وألفاظهم فيه مختلفة. ولأبى داود من حديث قتيبة بن سعيد [قال:] حدثنا الدراوَرْديّ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا، قال قتيبة: هي عين بينها وبين المدينة يومان [ (5) ] . وخرّجه الحاكم بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يستسقى له
الماء العذب من بيوت السّقيا. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم [ (1) ] . وخرّجه أحمد ولفظه: كان يستسقى له الماء العذب من بيوت السقيا [ (2) ] . وخرّجه ابن حيّان كذلك [ (3) ] .
وأما [الآبار] التي كان يستعذب له منها الماء
وأمّا [الآبار] التي كان يستعذب له منها الماء فقال الواقدي: حدثني معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن جدته سلمى قالت: كان أبو أيوب حين نزل عنده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستعذب له الماء من بئر مالك بن أبى أنس، فلما صار إلى منزله كان أنس وهند [ (1) ] وحارثة ابنا أسماء الأسلميان، يحملون قدور الماء إلى بيوت نسائه من بيوت السقيا، ثم كان رباح- وهو عبد أسود له- يسقى من بئر غرس مرة، ومن بيوت السقيا بأمره [ (2) ] . قال: وحدثني سليمان بن عاصم قال: قال الهيثم بن نصر الأسلمي: خدمت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتية بالماء من بئر أبى الهيثم بن التيهان جاسم، وكان ماؤها طيبا، ولقد دخل يوما صائفا، ومعه أبو بكر رضى اللَّه عنه على أبى الهيثم فقال له: هل من ماء بارد؟ فأتاه بشجب فيه ماء كأنه الثلج، فصب منه على لبن عنز له، وسقاه، ثم قال له: إن لنا عريشا باردا فقل فيه يا رسول اللَّه عندنا، ونضحه بالماء، فدخله وأبو بكر، وأتى أبو الهيثم بألوان من الرطب: عجوة [و] ابن طاب، وأمهات جراذين، ثم جاءهم بعد ذلك بجفنة مملوءة ثريدا عليها العراق [ (3) ] ، فأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأبو بكر رضى اللَّه عنه، وأكلنا، ثم قال: عجبا للناس! يقولون توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولم يشبع من خبز الشعير، فلما حضرت الصلاة، صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيت أبى الهيثم، وزوجة أبى الهيثم خلفنا، ثم سلّم وعاد إلى العريش، فصلى فيه ركعتين بعد الظهر
ورأيته ينصب اليمنى من رجليه، ويفترش اليسرى. قال الواقدي: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب من بئر لبني أمية من الأنصار، تسمى العبيرة، فسماها اليسيرة، وفي رواية: كانت تسمى العسيرة فسماها اليسيرة، والأول أثبت، وكان يشرب من بئر رومة بالعقيق، وبصق فيها فعذبت، [قال:] وهي بئر قديمة، قد كانت انطمت، فأتى قوم من مزينة، فحالفوا الأنصار، وقاموا عليها بأبدانهم فأصلحوها، وكانت رومة امرأة منهم، أو أمة لهم تستقي منها للناس، فنسبت إليها [ (1) ] . وقال بعض الرواة: إن الشعبة التي هي طرفها تدعى رومة، والشعبة واد صغير يجرى فيه الماء، ومرّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهذه البئر، فرأى عليها رجلا من مزينة، يسقى عليها بأجر، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: نعم صدقة المؤمن هذه، فاشتراها عثمان بن عفان رضى اللَّه عنه بأربع مائة دينار، فتصدق بها، فلمّا علّق عليها العلق- والعلق: البكرة وآلة السقي- مرّ بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [فسأل عنها] ، فأخبر خبرها، فقال: اللَّهمّ أوجب لعثمان الجنة، وشرب منها، فقال: هذا هو النقاح [ (2) ] [أما إن هذا الوادي ستكثر مياهه ويعذبون وبئر المزنيّ أعذبها] [ (3) ] . وقال محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أبى بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بئر غرس من عيون الجنة [ (4) ] . وذكر الواقدي عن سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن أبى جعفر قال:
كان يستعذب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الماء من بئر غرس، ومنها غسّل. وفي رواية وغسّل من بئر لسعد بن خيثمة يقال لها بئر الغرس، وكان يشرب منها. قال الواقدي احتفر بئر غرس: مالك بن النحاط وهو جد سعد بن خيثمة ابن الحارث بن مالك بن النحاط، وكان له عبد أسود يتولاها، ويقوم عليها، ويكثر السقي منها، وكان يدعى: سلاما، ويلقب: غرسا، فيغضب، فنسبت إليه فقيل: بئر غرس، وبئر الغرس. ويقال: إن مالك احتفرها، وجعل منها مجرى إلى غرس كان غرسه، فكانت تدعى: بئر الغرس، ثم حذفت الألف واللام، فقيل: غرس، ويقال: بئر غرس بضم الغين، وهو خطأ. قال الواقدي: عن أبىّ بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن أبى أسيد، وأبى حميد، وأبى سهل بن سعد، سمعهم يقولون: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بئر بضاعة، فتوضأ في الدلو، وردّها في البئر، ومج في الدلو مرة أخرى، وبصق فيها، وشرب من مائها، وكان إذا مرض المريض، قال: اغسلوه من ماء بضاعة، فيغسل، فكأنما نشط من عقال [ (1) ] . قال الواقدي: تكون بئر بضاعة سبعا في سبع، وعيونها كثيرة، وهي لا تنزح. وقال هشام بن عمار: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن محمد بن أبى يحيى الأسلمي، عن أمه قالت: دخلنا على سهل بن سعد الساعدي في بيته، فقال: لو سقيتكم، من بئر بضاعة لكرهتم ذلك، وقد واللَّه سقيت منها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي هذه [ (2) ] . قال الواقدي: بضاعة، امرأة قديمة من اليهود، أو قبل اليهود، [كانت] احتفرتها، ثم إنها انطمت [فنزحها] بنو ساعدة وأصلحوها.
وأما تبريد الماء
وأمّا تبريد الماء فخرج مسلم من حديث جابر الطويل: فأتينا المعسكر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا جابر، ناد بوضوء، فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: فقلت: يا رسول اللَّه! ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، فقال لي: انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟ قال: فانطلقت إليه، فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، ولو أنى أفرغته لشربه يابسه، [فأتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أنى أفرغه لشربه يابسه] ، قال: اذهب فأتنى [به] ، فأخذه بيده، ثم جعل يتكلم بشيء لم أدر ما هو، [ويغمزه] بده، ثم أعطانيه فقال: يا جابر، ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الركب! فأتيته بها، فوضعها بين يديه فقال صلى اللَّه عليه وسلم بيده في الجفنة هكذا، فبسطها، وفرّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: خذ يا جابر، فصبّ عليّ، وقال: باسم اللَّه. فصببت عليه وقلت: [باسم] اللَّه، فرأيت الماء يتفور من بين أصابع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم فأرت الجفنة، ودارت حتى امتلأت. وذكر الحديث [ (1) ] ، وقد تقدم بطرقه في المعجزات. وخرّج البخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنه، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل على رجل من
الأنصار ومعه صاحب له، فسلم النبي وصاحبه، فردّ الرجل، فقال: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمى، وهي ساعة حارة، وهو يحول في حائط له- يعنى الماء- إن كان عندك ماء بات في شنة، وإلا كرعنا [والرجل يحول الماء في حائط] ، فقال الرجل: يا رسول اللَّه، عندي ماء بات، فانطلق إلى العريش، فسكب في قدح ماء، ثم حلب عليه من داجن له، فشرب النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ثم أعاده فشرب الرجل الّذي جاء معه. ترجم عليه باب: الكرع في الحوض [ (1) ] ، وذكره في باب: شوب اللبن بالماء بهذا الإسناد [ (2) ] . وذكره أبو داود، ولفظه قال: دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجل من أصحابه على رجل من الأنصار وهو يحوّل الماء في حائطه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنّ، وإلا كرعنا، فقال: بل عندي ماء بات في شن [ (3) ] . وللترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] وأحمد [ (6) ] ، من حديث سفيان، عن معمر،
عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحلو البرد. قال أبو عيسى: هكذا روى سفيان ابن عيينة هذا الحديث عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وروى عبد اللَّه بن المبارك، وعبد الرزاق، وغير واحد، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم يذكروا فيه: عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] . وهكذا روى يونس وغير واحد عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل. قال أبو عيسى: إنما أسنده ابن عيينة من بين الناس، وذكر حديث عبد اللَّه بن المبارك، أخبرنا معمر ويونس، عن الزهري، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سئل أي الشراب أطيب؟ قال: الحلو البارد. قال أبو عيسى: وهكذا روى عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسل، قال أبو عيسى: وهذا أصح من حديث ابن عيينة. وذكره الحاكم [حديث] ابن عيينة وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وشاهده حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحلو البارد [ (2) ] .
وأما قدحه الذي يشرب فيه
وأمّا قدحه الّذي يشرب فيه فخرج البخاري في كتاب الاعتصام، من حديث أبى أسامة، عن بريد، عن أبى بردة قال قدمت المدينة فلقيني عبد اللَّه ابن سلام فقال لي: انطلق إلى المنزل فسأسقيك في قدح [شرب فيه] النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وتصلى في مسجد صلى [فيه] النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فانطلقت معه، فأسقانى سويقا، وأطعمنى تمرا، وصليت في مسجده [ (1) ] . وذكره في كتاب الأشربة، من حديث أبى عوانة، عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار. قال: قال أنس [رضى اللَّه عنه] : لقد سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذا القدح، أكثر من كذا وكذا [ (2) ] . قال: وقال ابن سيرين: أنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة، فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فتركه [ (2) ] . وذكر في كتاب الخمس، حديث عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس رضى اللَّه عنه، أن قدح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة، قال عاصم: رأيت القدح
وشربت فيه [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث أبى حازم، عن سهل بن سعد قال: ذكر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد: [الساعدي] أن يرسل إليها، فأرسل إليها، فقدمت، فنزلت في أجم بنى ساعدة، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جاءها، فدخل عليها، فإذا هي امرأة منكسة رأسها، فلما كلمها [النبي صلى اللَّه عليه وسلم] قالت: أعوذ باللَّه منك! قال: قد أعذتك منى، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، فقالوا: هذا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، جاءك ليخطبك، فقالت: أنا كنت أشقى من ذلك، قال سهل: فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ حتى جلس في سقيفة بنى ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا أسهل، فأخرجت لهم القدح فأسقيتهم فيه. قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه، ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز، فوهبه له. ولمسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: لقد سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدحى هذا الشراب كله: العسل، والنبيذ، واللبن، والماء [ (4) ] . وروى ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس رضى اللَّه
عنهما قال: [إن صاحب اسكندرية بعث إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح قوارير، [وكان صلى اللَّه عليه وسلم] يشرب [فيه] . وخرّج الحاكم من حديث ابن أبى مليكة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أنها قالت: كنا نضع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الليل ثلاث أواني مخمّرة، إناء لطهوره، وإناء لسواكه، وإناء لشرابه. وقال: حديث صحيح [ (1) ] . [الإسناد ولم يخرجاه] [ (2) ] .
وأما شربه اللبن
وأمّا شربه اللبن فخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة، عن أبى إسحاق قال: سمعت البراء [قال] قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة، وأبو بكر رضى اللَّه عنه معه، فقال أبو بكر: مررنا براع وقد عطش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: فحلبت كثبة من لبن في قدح، فشرب حتى رضيت، وأتانا سراقة ابن جعشم على فرس، فدعا عليه، فطلب إليه سراقة [أن لا] يدعو عليه وأن يرجع، ففعل النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . اللفظ للبخاريّ. ولفظ مسلم: عن البراء قال: قال أبو بكر الصديق رضى اللَّه عنه: لما خرجنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة، مررنا براع، وقد عطش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فحلبت له كثبه من لبن، فأتيته به، فشرب حتى رضيت [ (2) ] . وأخرجاه في كتاب الهجرة أتم من هذا وأطول. وللبخاريّ من حديث سفيان، عن سالم أبى النّضر، عن عمير مولى أم الفضل، عن أم الفضل، أنهم شكّوا في صوم النبي صلى اللَّه عليه وسلم يوم عرفة، فبعثت إليه بقدح من لبن فشربه. ذكره في الأشربة، وترجم عليه باب: الشرب في الأقداح [ (3) ] ، وله طرق في كتاب الصيام، وهو مما اتفقا على إخراجه.
وقال البخاري في باب شرب اللبن: وقال إبراهيم بن طهمان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: رفعت إليّ السّدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران، فالنيل والفرات، وأما الباطنان، فنهران في الجنة، فأتيت بثلاثة أقداح: قدح فيه لبن، وقدح فيه عسل، وقدح فيه خمر، فأخذت الّذي فيه اللبن، فشربت، فقيل لي: أصبت الفطرة أنت وأمتك [ (1) ] . وذكره مسلم في كتاب الإيمان، في حديث الإسراء [ (2) ] ، وكرره البخاري في مواضع. ولابن حيّان من حديث ياسين الزيات، عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان أحب الشراب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللبن [ (3) ] .
وأما شربه النبيذ
وأمّا شربه النبيذ فخرج مسلم من حديث أبى عوانة، عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان ينبذ له في تور من حجارة [ (1) ] . ومن حديث زهير قال: أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال: كان ينتبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سقاء، فإذا لم يجدوا سقاء [نبذ] [ (2) ] له في تور من حجارة، فقال بعض القوم: وأنا أسمع لأبى الزبير من برام، قال من برام [ (3) ] . ومن حديث شعبة، عن يحيى بن عبيد، أبى عمر البهراني قال: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينتبذ [له] أول الليل، فيشربه إذا أصبح يومه ذلك، والليلة التي تجيء [والليلة الأخرى] والغد، إلى العصر، فإن بقي شيء سقاه الخادم، أو أمر به فصبّ [ (4) ] . وفي رواية له من حديث شعبة، عن يحيى البهراني قال: ذكروا النبيذ عند ابن عباس فقال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينتبذ له في سقاء. قال شعبة: من ليلة الاثنين، فيشربه يوم الاثنين، والثلاثاء إلى العصر، فإن فضل منه شيء، سقاه الخادم أو صبّه [ (5) ] .
وفي أخرى، عن الأعمش، عن أبى عمر، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينقع له الزبيب، فيشربه اليوم، والغد، وبعد الغد، إلى مساء الليلة الثالثة، ثم يأمر به فيسقى، أو يهراق [ (1) ] . وخرّج أيضا من حديث الأعمش، عن يحيى [بن] أبى عمر، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ينبذ له الزبيب في السقاء، فيشربه يومه، والغد، وبعد الغد، فإذا كان مساء الثالث، شربه، وسقاه، فإن فضل شيء أهراقه [ (2) ] . ومن حديث عبيد اللَّه، عن زيد، عن يحيى أبى عمر النخعي قال: سأل قوم ابن عباس عن بيع الخمرة، وشرائها، والتجارة فيها، فقال: أمسلمين أنتم؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا يصلح بيعها، ولا شراؤها، ولا التجارة فيها، قال: فسألوه: عن النبيذ فقال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر، ثم رجع، وقد نبذ ناس من أصحابه في حناتم، ونقير، ودبّاء، فأمر به فأهريق، ثم أمر بسقاء، فجعل فيه زبيب وماء، فجعل من الليل، فأصبح فشرب منه يومه ذلك، وليلته المستقبلة، ومن الغد حتى أمسى، فشرب وسقى، فلما أصبح أمر بما بقي فأهريق [ (3) ] . ومن حديث ثمامة بن حزن القشيري، قال: لقيت عائشة رضى اللَّه عنها، فسألتها عن النبيذ، فدعت جارية حبشية فقالت: سل هذه، إنها كانت تنبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقالت الحبشية: كنت أنبذ له في سقاء من الليل: وأوكيه، وأعلّقه، فإذا أصبح شرب منه [ (4) ] .
وخرّج مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] من حديث يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أمه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كنا ننبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سقاء، فنوكئ أعلاه، وله عزلاء، ننبذه غدوة، فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة. اللفظ لمسلم. ولفظهما عن عائشة [رضى اللَّه عنهما] قالت: كان ينبذ. ولأبى داود من حديث مقاتل ابن حيان، قال: حدثتني عمتي عمرة، عن عائشة رضى اللَّه عنهما، أنها كانت تنبذ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غدوة، فإذا كان من العشىّ فتعشى، شرب على عشائه، فإن فضل شيء صببته أو أفرغته، ثم ينبذل له بالليل، فإذا أصبح تغدى فشرب على غدائه، قالت: نغسل السقاء غدوة وعشية، فقال لها أبى: مرتين في اليوم؟ قال: نعم [ (4) ] . وللنسائى من حديث العوام، عن عبد الملك بن نافع قال: قال ابن عمر رضى اللَّه عنه: رأيت رجلا جاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن، ودفع إليه القدح، فرفعه إلى فيه، فوجده شديدا فرده على صاحبه، فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه! أحرام هو؟ فقال: عليّ بالرجل، فأتى به، فأخذ منه القدح، ثم دعا بماء فصبه فيه، ثم رفعه إلى فيه فقطّب، ثم
دعا بماء أيضا، فصبه فيه، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء [ (1) ] . قال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور، ولا يحتجّ بحديثه، والمشهور عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] خلاف حكايته، وقال الدار قطنى: وهو مجهول ضعيف، والصحيح عن ابن عمر: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما أسكر كثيرة، فقليله حرام [ (2) ] . وخرّج الدار قطنى من حديث الكلبي، عن أبى صالح، عن المطلب بن أبى وداعه السهمي قال: طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت في يوم قائظ شديد الحر، [فاستسقى] رهطا من قريش فقال: هل عند أحد منكم شراب فيرسل إليّ؟ فأرسل رجل منهم إلى منزله، فجاءت جارية معها إناء فيه نبيذ [زبيب] ، فلما رآها النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ألا خمّرته، ولو بعود تعرضيه عليه، فلما أدناه منه، وجد له رائحة شديدة، فقطب، وردّ الإناء، فقال الرجل: يا رسول اللَّه! إن يكن حراما لم تشربه، [فاستعاد] الإناء، وصنع مثل ذلك، وقال الرجل مثل ذلك، فدعا بدلو من ماء زمزم، فصبه على الإناء وقال: إذا اشتدّ عليكم شرابكم فاصنعوا [به] هكذا. قال الدار قطنى: الكلبيّ متروك، وأبو صالح ضعيف، واسمه باذان، مولى أم هانئ [ (3) ] .
وذكره أيضا من حديث يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن خالد بن سعد، عن أبى مسعود الأنصاري [ (1) ] . ومن حديث زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري، عن منصور [ (2) ] ، ثم قال: لا يصح هذا عن زيد ابن الحباب، ولم يرو على [غير] التسع، وهو ضعيف، وهذا حديث معروف بيحيى بن يمان، ويقال: إنه انقلب عليه الإسناد، واختلط عليه تحديث الكلبي عن أبى صالح. وقال الواقدي: حدثني سفيان بن سعيد عن الكلبي، عن أبى صالح، عن المطلب بن أبى وداعة قال: طاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالبيت في يوم صائف وعطش، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول اللَّه! عندنا شراب من هذا الزبيب، أفلا نسقيك منه؟ قال: بلى، قال: فبعث الرجل إلى بيته، فأتى بقدح [عظيم] ، فأدناه النبي صلى اللَّه عليه وسلم من فيه ليشربه، فوجد له ريحا [شديدة] فكرهه، فردّه، [قال:] ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بماء، ثم دعا به، قال: وأتى بماء من زمزم فصبّ عليه، حتى رأيت الماء يفيض من جوانبه، وشرب منه [حاجته] ، ثم ناوله الّذي عن يمينه، وقال: من أرابه من شرابه ريب، فليكسره بالماء. قلت: وقد خرّج مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] هذا الحديث مختصرا، من حديث الأعمش، عن أبى صالح، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: كنا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فاستسقى، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ألا نسقيك نبيذا؟ قال: بلى، قال: فخرج الرّجل يسعى، وقال أبو داود: يشتد، فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ألا خمّرته؟ ولو تعرض عليه [عودا] . وقال الخطابي [ (5) ] : غير الأصمعي يقول: تعرضه، بكسر الراء.
وأما أنه لا يتنفس في الإناء
وأمّا أنه لا يتنفس في الإناء فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث وكيع، عن عروة بن ثابت الأنصاري، عن ثمامة بن عبيد اللَّه بن أنس، عن أنس [رضى اللَّه عنه قال:] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا. ولفظ البخاري: حدثني ثمامة بن عبد اللَّه قال: كان أنس [رضى اللَّه عنه] يتنفس في الإناء ثلاثا، وزعم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يتنفس ثلاثا. ولمسلم من حديث عبد الوارث بن سعيد، عن أبى عصام، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا، ويقول: إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ. قال أنس [رضى اللَّه عنه] فأنا أتنفس في الشراب ثلاثا [ (3) ] . وخرّجه أبو داود من حديث هشام، عن أبى عصام، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاث، ويقول: هو أهنأ، وأمرأ، وأبرأ [ (4) ] . وللترمذي من حديث رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا شرب تنفس
مرتين [ (1) ] ، ولفظه في (الشمائل) : كان إذا [شرب تنفس] مرتين [ (2) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن كريب. قال: وسألت عبد اللَّه بن عبد الرحمن عن رشدين بن كريب، قلت: هو أقوى أو محمد بن كريب؟ فقال: ما أقر بهما ورشدين بن كريب أرجحهما عندي. قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا فقال: محمد ابن كريب أرجح من رشدين بن كريب [ (3) ] . قال أبو عيسى: والقول عندي ما قال [أبو] محمد [عبد اللَّه:] رشدين ابن كريب أرجح وأكبر، وقد أدرك ابن عباس ورآه، وهما أخوان، وعندهما مناكير [ (3) ] . قلت: قال ابن معين: ليس بشيء ليس بثقة، ومرة قال: ضعيف الحديث. وقال السعدي: لا يقرأ حديثه. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: منكر الحديث وفيه نظر. قاله ابن عدىّ [و] قال: [أحاديثه] مقاربة، لم أر فيها حديثا منكرا جدا، وهو على ضعفه محمد يكتب حديثه. وروى أبو بكر الشافعيّ من حديث يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيّب، عن ربيعة بن أكثم قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يستاك عرضا، ويشرب مصا، ويقول: هو هو أهنأ وأمرأ. وخرّجه أبو جعفر العقيلي في كتاب (الصحابة) ، من حدث اليمان بن عدي الحمصي قال: حدثني ثابت بن كثير الضبيّ، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن بهز، ومن حديث على بن ربيعة القرشيّ، عن يحيى بن سعيد بن المسيب [عن] ربيعة بن أكثم. قال ابن عبد البر: هذان الحديثان: حديث بهز، وحديث ربيعة بن أكثم، ليس لإسناديهما عن سعيد أصل، وليسا بصحيحين من جهة الإسناد عندهم. وخرّج ابن حيّان من حديث محمد بن جعفر الوركانى، حدثنا سعيد بن ميسرة، حدثنا أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [يشرب جرعة، ثم قطع، ثم سمى، [ثم] جرع، ثم قطع، ثم جرع، ثم قطع، ثم سمى ثلاثا حتى فرغ، فلما فرغ حمد اللَّه عليه] . وروى أبو بكر الشافعيّ، من حديث عيسى بن يونس، عن المحلى بن غزوان، عن شقيق، عن ابن مسعود [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا شرب تنفس على الإناء ثلاثة، يحمد اللَّه على كل نفس، ويشكره عند آخرهن.
وأما إيثاره من على يمينه
وأمّا إيثاره من على يمينه فخرج البخاري من حديث شعيب، عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك رضى اللَّه عنه أنها حلبت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شاة داجن، وهو في دار أنس بن مالك، وشيب لبنها بماء في البئر التي في دار أنس بن مالك، فأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القدح فشرب منه، حتى إذا نزع القدح من فيه، وعلى يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، وعن يمينه أعرابى، فقال عمر رضى اللَّه عنه- وخاف أن يعطيه لأعرابى-: أعط أبا بكر يا رسول اللَّه عندك، فأعطاه الأعرابي الّذي عن يمينه، ثم قال: الأيمن، فالأيمن. ذكره في كتاب الشرب، في باب: من رأى صدقة الماء، وهبته، ووصيته جائزة، وفي باب: شرب الماء باللبن [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين، وكنّ أمّهاتى يحثثننى على خدمته، فدخل علينا دارنا، فحلبنا له من شاة داجن، وشيب له من بئر في الدار، فشرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له عمر وأبو بكر رضى اللَّه عنهما عن شماله: يا رسول اللَّه، أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا عن يمينه وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الأيمن فالأيمن [ (2) ] .
وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث مالك عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أتى بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابىّ، وعن يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، فشرب، ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن ترجم عليه البخاري باب: الأيمن فالأيمن في الشرب. وذكره في أول كتاب الهبة، من حديث إسماعيل بن جعفر، وسليمان بن بلال، عن أبى طوالة عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن حزم، عن أنس [رضى اللَّه عنه] بمعنى ما تقدم، وفي آخره ألا فيمّنوا، الأيمنون، الأيمنون، قال أنس: فهي سنّة، فهي سنّة، فهي سنّة [ (4) ] ، وهو مما اتفقا عليه من حديث سليمان بن بلال، عن أبى طوالة. [قال الحافظ أبو نعيم: وهو صحيح متفق عليه، رواه عن الزهري صالح ابن كيسان، وعبيد اللَّه بن عمر، وابن جريج، ومعمر، والأوزاعي، ويزيد بن أبى حبيب، والزبيدي، وشعيب، وعقيل، ويونس، وقرة، وإسحاق بن راشد، والنعمان بن راشد، وأبو أويس، ويوسف بن الماجشون، وعبيد اللَّه ابن أبى زياد، وسفيان بن حسين، وزكريا بن إسحاق، وصالح بن الأخضر، وزمعة بن صالح، [] ، وعبد الرحمن بن إسحاق] [ (5) ] . قال ابن عبد البر: ولم تختلف الرواة عن مالك في إسناده [هذا]
الحديث ولا في ألفاظه فيما علمت، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأحسن سياقته، وذكر فيه ألفاظا لم يذكرها مالك، فذكر حديث سفيان الّذي خرجه مسلم، ثم قال: وقد روى هذا الحديث محمد بن الوليد البشرى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، مثل رواية ابن عيينة عن الزهري سواء، وزاد فيه: وقال الأيمن فالأيمن، فمضت سنّة. قال الدار قطنى: ولم يرو أحد هذا الحديث بهذه الألفاظ، إلا البسري عن ابن مهدي، عنه، وإن كان حفظ فقد أغرب بألفاظ عدد ليست في الموطأ، منها قوله: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، ومات وأنا ابن عشرين، وكن أمهاتى يحتثثننى على خدمته، فدخل النبي [عليه السلام] دارنا، فحلبنا له من شاة لنا داجن، فكل هذه الألفاظ ليست في الموطأ، وقوله أيضا: وعمر ناحية، فقال: أعط أبا بكر، ليست في الموطأ، وقوله: فمضت سنة، ليست في الموطأ، ولا في حديث ابن عيينة أيضا، وسائر الألفاظ كلها محفوظة عن ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس [رضى اللَّه عنه] . وقد بلغني عن بعض من تكلف الكلام في هذا الشأن أنه قال: الأعرابيّ في هذا الحديث: هو خالد بن الوليد! وهذا منه إغفال شديد، وإقدام على القول بالظن، الّذي هو أكذب الحديث، أو تقليد لمن سلك سبيله في ذلك، ووهم بيّن، وغلط واضح من وجهين: أحدهما: أن الأعرابي كان عن يمين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حديث أنس هذا، وخالد بن الوليد كان في قصة ابن عباس عن يسار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وابن عباس عن يمينه. والآخر: أنه اشتبه عليه حديث سهل بن سعد في الأشياخ مع
الغلام، مع حديث أنس في أبى بكر والأعرابي وإنما دخلت الشبهة في ذلك- واللَّه أعلم- لأن في حديث سهل: وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، والأشياخ أحدهم خالد بن الوليد. وقصة ابن عباس وخالد، غير قصة أبى بكر والأعرابي، وحديث أنس غير حديث سهل بن سعد، فقف على ذلك، ولا تلتفت إلى ما سواه. انتهى. وحديث سهل الّذي أشار إليه الدار قطنى، خرّجه البخاري ومسلم من حديث مالك، عن أبى حازم سلمة بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي رضى اللَّه عنه، [قال:] إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطى [هؤلاء] ؟ فقال الغلام: لا، واللَّه لا أؤثر نصيبي منك أحدا، فتلّه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في يده. اللفظ لمسلم [ (1) ] . وذكره البخاري في كتاب الهبة، في باب: الهبة المقبوضة وغير المقبوضة [ (2) ] ، وذكره مسلم من حديث عبد العزيز بن أبى حازم، ويعقوب ابن عبد الرحمن القاري، كلاهما عن أبى حازم بمثله، ولم يقولا: فتلّه، ولكن في رواية يعقوب قال: فأعطاه إيّاه [ (3) ] . وذكره البخاري في الأشربة، وفي المظالم من حديث مالك عن أبى حازم ترجم عليه في الأشربة، باب: هل يستأذن الرجل من عن يمينه في
الشرب [ (1) ] ، وترجم عليه في المظالم باب: إذا أذن له أو أجلّه ولم يبين كم هو [ (2) ] . وذكره في الهبة في باب: هبة الواحد للجماعة، وقال فيه: وقال للغلام: إن أذنت لي أعطيت هؤلاء، فقال: ما كنت أوثر بنصيبي منك يا رسول اللَّه أحدا فتلّه في يده [ (3) ] . وذكره في أول كتاب الشرب في باب: من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة، مقسوما كان أو غير مقسوم، من حديث أبى غسّان، حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: يا غلام! أتأذن أن أعطى الأشياخ؟ قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدا يا رسول اللَّه، فأعطاه إياه [ (3) ] . وذكره في باب: من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه، من حديث عبد العزيز عن أبى حازم، عن سهل عن سعد.. الحديث بمثل حديث أبى غسان، غير أنه قال: وهو أحدث القوم، وقال: أتأذن لي، وقال لا أؤثر بنصيبي [ (3) ] . قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث مالك عن أبى حازم المتقدم ذكره، روى ابن أبى حازم هذا الحديث، عن أبيه فقال فيه: وعن يساره أبو بكر رضى اللَّه عنه، ثم ساق معنى حديث مالك سواء، وذكر أبى بكر في هذا الحديث عندهم خطأ، وإنما هو محفوظ في حديث ابن شهاب.
وذكر من طريق أبى عيسى الترمذي، حديث على بن زيد، عن عمرو ابن أبى حرملة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: دخلت أنا وخالد ابن الوليد رضى اللَّه عنه مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول اللَّه [صلى اللَّه عليه وسلم] وأنا عن يمينه، وخالد عن شماله، فقال لي: الشربة لك، وإن شئت أمرت بها خالدا: فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤرك أحدا، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من أطعمه اللَّه طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه، وزدنا منه، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ليس بشيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن [ (1) ] . قال ابن عبد البرّ: والشراب المذكور في هذا الحديث- يعنى حديث مالك عن أبى حازم- كان لبنا. وذكر من طريق قاسم بن أصبغ، حديث إسماعيل بن جعفر قال: أخبرنى أبو حازم، عن سهل بن سعد قال: أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقدح من لبن، وغلام عن يمينه، والأشياخ أمامه وعن يساره، فشرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم قال للغلام: يا غلام! أتأذن لي أن أسقى الأشياخ؟ قال: ما أحب أن أؤثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس، فناوله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وترك الأشياخ. قال: والغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عباس، والأشياخ: خالد بن الوليد، أو منهم خالد بن الوليد. وذكر من حديث إسماعيل بن زكريا الخلقاني أبو زياد، عن سفيان، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال:
أتى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بقعب من لبن، فشرب منه، وابن عباس عن يمينه، وخالد بن الوليد عن يساره، فقال: يا ابن عباس! إن الشربة لك، فإن شئت أن تؤثر بها خالدا، فقلت: ما أؤثر بسؤرك عليّ أحدا. وقد روى الحميدىّ الحديث عن سفيان، فخالف في إسناده الخلقاني، والحميدىّ أثبت منه. وذكر حديث الترمذي، أخبرنا الحميدي، أخبرنا سفيان، أخبرنا على بن زيد بن جدعان، عن عمر بن حرملة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] قال: دخلت مع رسول اللَّه على خالتي ميمونة، ومعنا خالد بن الوليد، فقالت له ميمونة: ألا نقدم إليك يا رسول اللَّه شيئا أهدته لنا أم حفيد؟ قال: بلى، فأتته بضباب مشوية، فلما رآها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، تفل ثلاث مرات، ولم يأكل منها، وأمرنا أن نأكل، ثم أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. بإناء فيه لبن، فشرب، وأنا عن يمينه، وخالد عن يساره، فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الشربة لك يا غلام، وإن شئت آثرت بها خالدا، فقلت: ما كنت لأؤثر بسؤر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدا، ثم قال: من أطعمه اللَّه طعاما فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه [وأبدلنا ما هو خير منه، ومن سقاه اللَّه لبنا فليقل: اللَّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه] ، فإنّي لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب غيره [ (1) ] . قال: ورواه شعبة، عن عمرو بن حرمل، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنه] مثله. وقال أبو داود الطيالسي: كذا قال لي شعبه وغيره، يقول عمر بن حرملة، وقال الترمذي: اختلف الناس في رواية هذا الحديث، عن على بن زيد بن جدعان، وروى بعضهم عن على بن زيد، عن عمر بن أبى حرملة، وروى بعضهم [عن] شعبة، عن على بن زيد، عن عمرو بن حرملة،
وأما شربه آخر أصحابه
والصحيح: عمر بن أبي حرملة. وأما شربه آخر أصحابه فخرج ابن حيّان من حديث يزيد الرقاشيّ، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسقى أصحابه، قالوا: يا رسول اللَّه! لو شربت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: ساقى القوم آخرهم شربا [ (1) ] . وقد خرّج أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] ، وأبو داود [ (3) ] هذا الحديث من طريق شعبة، عن أبى المختار الأسدي، عن ابن أبى أوفى، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ساقى القوم آخرهم شربا. وخرّجه الترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت
وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما وقاعدا
البناني، عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبى قتادة [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ساقى القوم آخرهم يعنى شربا. ولم يقل النسائي: يعنى شربا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولم أر تلك الزيادة إلا في ما خرّجه ابن حبان. وأما شربه صلى اللَّه عليه وسلم قائما وقاعدا فخرج البخاري من حديث مسعر [عن] عبد الملك، بن ميسرة، عن النزّال، قال: أتى عليّ رضى اللَّه عنه باب الرّحبة، فشرب قائما، فقال: إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب. وهو قائم، وإني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت [ (1) ] . ومن حديث شعبه، [حدثنا عبد الملك بن ميسرة، سمعت النّزال بن سبرة، يحدث عن على بن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتى بماء، فشرب [فضلة وهو قائم، وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه، ثم
قام، فشرب فضلة وهو قائم] ثم قال: أناسا يكرهون الشرب قائما، وإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صنع مثل ما صنعت [ (1) ] . ذكرهما في الأشربة، في باب الشرب قائما. وذكر في الحج في باب: ما جاء في زمزم، حديث عاصم عن الشعبي، أن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] حدثه قال: سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زمزم، فشرب وهو قائم، فحلف عكرمة، ما كان صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إلا على بعير [ (2) ] . وذكره مسلم في الأطعمة، ولم يقل: قال عاصم.. إلى آخره [ (3) ] . وذكره البخاري في الأشربة، ولفظه عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: شرب النبي صلى اللَّه عليه وسلم قائما من زمزم [ (4) ] ، ولفظ مسلم: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب من زمزم من دلو منها وهو قائم [ (5) ] . وفي لفظ: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم [ (6) ] . وفي آخر: سمع ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [يقول] : سقيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زمزم، فشرب قائما، واستسقى صلى اللَّه عليه وسلم وهو عند البيت [ (7) ] . ولأبى بكر بن أبى شيبة، من حديث محمد بن فضيل، عن عطاء بن [المسيب] ، عن ميسرة قال: رأيت عليا رضى اللَّه عنه يشرب قائما، فقلت
له: تشرب قائما! فقال: لئن شربت قائما، لقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شرب قائما، ولئن شربت قاعدا، فلقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب قاعدا [ (1) ] . وللترمذي من حديث حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يشرب قائما وقاعدا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن [صحيح] [ (2) ] . ولابن حيّان من حديث مكحول، أن مسروقا حدثهم عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم شرب قاعدا، وقائما، وصلى حافيا، ومنتعلا، وانصرف عن يمينه، وعن شماله [ (3) ] .
وللترمذي في (الشمائل) ، من حديث سفيان، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن بن أبى عمرة، عن جدته كبشة، قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فشرب من [فىّ] قربة معلقة قائما، فقمت إلى فيها فقطعته [ (1) ] . ومن حديث ابن جريج، عن عبد الكريم، عن البراء بن زيد بن بنت أنس ابن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم دخل وقربة معلقة، فشرب من فم القربة، وهو قائم، فقامت أم سليم إلى رأس القربة فقطعتها [ (2) ] .
فصل في طب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في طب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ]
اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرض، وسحر، واحتجم، وتداوى، وسمّ ورقا.
أما طبه صلى الله عليه وسلم
أما طبّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج النسائي والدولابي من حديث محمد بن يوسف، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عبد اللَّه بن مسعود، رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء. وقال الدولابي: شفاء، فعليكم بألبان البقر، فإنّها ترم من كل الشجر. وقال النسائي: خالفه عبد الرحمن وذكر حديث عبد الرحمن، عن سفيان، عن يزيد، عن قيس بن مسلم، عن طارق قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه لم يضع داء إلا وضع له شفاء، وعليكم بألبان البقر، فأمر بها وقال: إنها دواء من كل داء. فهذه ثلاثة أحاديث: أولها: مسند، والثاني: مرسل، والثالث: موقوف على ابن مسعود [ (1) ] . وخرّجه ابن حبان، عن سفيان به [ (2) ] .
وأما حمية المريض
وأما حمية المريض خرّج أبو داود من حديث فليح بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن ابن صعصعة [الأنصاري] ، عن يعقوب بن أبى يعقوب، عن أم المنذر بنت
إطعام المريض ما يشتهيه
قيس الأنصارية، قالت: دخل [عليّ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه عليّ رضى اللَّه عنه، وعليّ [ناقة ولنا دوال] معلقة، فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منها، وقام عليّ ليأكل، فطفق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لعلىّ: مه إنك ناقة، حتى كفّ عليّ رضى اللَّه عنه، قالت: وصنعت شعيرا، وسلقا، فجئت به، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: [يا] عليّ، أصب من هذا فهو أنفع لك [ (1) ] . إطعام المريض ما يشتهيه خرّج قاسم بن أصبغ، من حديث أبى مكين، نوح بن ربيعة البصري، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاد رجلا
من الأنصار، قال: ما تشتهي؟ قال: أشتهى خبز برّ، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من عنده خبز برّ: فانطلق رجل، فجاء بكسرة خبز برّ، فأطعمها النبي صلى اللَّه عليه وسلم إيّاه وقال: النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه [ (1) ] .
العين حق ودواء المصاب
العين حق ودواء المصاب خرّج البخاري ومسلم [ (1) ] ، من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: أخبرنا وهيب عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا [ (2) ] .
ولأبى داود من حديث جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود، عن عائشة رضى اللَّه عنها [قالت] : كان يؤمر العائن فيتوضأ، ثم يغتسل منه المعين [ (1) ] . وللنسائى من حديث عمار بن زريق، عن عبد اللَّه بن عيسى، عن أمية
ابن خالد، - كذا قال- عن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: خرجت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر، فأصبنا غديرا خمرا، وكان أحدنا يستحى أن يتجرد وأحد يراه، فاستتر حتى رأى أن قد فعل، نزع جبّة صوف عليه، فنظرت إليه، فأعجبني خلقه، فأصبته بعين، فأخذته فقفقة، فدعوته فلم يجبني، فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته، فقال: قوموا بنا، فرفع عن ساقيه حتى خاض إليه الماء، فكأني انظر إلى وضح ساقى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فضرب صدره وقال: بسم اللَّه، اللَّهمّ أذهب حرّها، وبردها، ووصبها، قم بإذن اللَّه، فقام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو أخيه شيئا يعجبه، فليدع بالبركة، فإن العين حق [ (1) ] . ولمالك، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبّأة، فلبط سهل، فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقيل: يا رسول اللَّه هل لك في سهل بن حنيف؟ واللَّه ما يرفع رأسه، فقال: هل تتهمون له أحدا؟ قالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه وقال: علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا [برّكت] ؟ اغتسل له، فغسّل عامر وجهه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صبّ عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأس [ (2) ] .
لم يذكر يحى في هذا الحديث غسل اليدين، وقال القعنبيّ، وابن بكير، وجماعة الرواة عن مالك: فغسل وجهه، ويديه، ومرفقيه. قال أبو عمر بن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا في غسل العائن عن النبي [عليه السلام] أكثر من قوله: اغتسل له، وفيه كيفية الغسل من فعل عامر بن ربيعة [ (1) ] . ورواه معمر عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف وهو يغتسل، فتعجب منه، فقال: تاللَّه إني رأيت كاليوم ولا جلدة مخبأة في خدرها، أو قال: جلد فتاة في خدرها، قال: فلبخ به حتى ما يرفع رأسه، قال: فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أحدا [تتهمون] ؟ قالوا: لا يا رسول اللَّه، إن عامر بن ربيعة قال له: كذا، وكذا، فدعا عامرا فقال: سبحان اللَّه! علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى منه شيئا يعجبه، فليدع له بالبركة، قال: ثم أمره، فغسل وجهه، وظهر عينيه، ومرفقيه، وغسل صدره، وداخل إزاره، وركبتيه، وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء، ثم أمره فصبه على رأسه، وكفأ الإناء من خلفه،
قال: وأمره فحسا منه حسوات، قال: فقام فراح مع الركب، فقال جعفر بن برقان للزهري: ما كان نعدّ هذا حقا، فقال بل هي السنة. قال أبو عمر: وأحسن شيء في تفسير الاغتسال للمعين [حقا] ما وصفه الزهري، وهو راوي الحديث [ (1) ] . وذكر عن طريق قاسم بن أصبغ، حديث ابن أبى ذؤيب، عن الزهري، عن أبى أمامة بن سهل، عن أبيه، أن عامرا مرّ به وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلدة مخبّأة، قال: فلبط به، حتى ما يعقل لشدة الوجع، فأخبر بذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فتغيظ عليه، فدعاه النبي [عليه السلام] فقال: قتلته؟ علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برّكت؟ فأمر النبي [عليه السلام] بذلك، فقال: اغسلوه، فاغتسل، فخرج مع الركب. قال: وقال الزهري: إن هذا من العلم، يغتسل له الّذي عانة، [يؤتى] بقدح من ماء، فيدخل يده في القدح، فيمضمض، ويمجه في القدح، ويغسل وجهه في القدح، ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى، ثم بكفه اليمنى على كفه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب بها على مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم يدخل [يده] اليمنى، فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره، فيصب على رأسه صبه واحدة تجرى على جسده، ولا يوضع القدح حتى يفرغ [ (2) ] .
وزاد ابن حبيب في قول الزهري: هذا يصب من خلفه صبة واحدة، تجرى على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض، ويغسل أطرافه المذكورة كلها، وداخلة إزاره في القدح. انتهى كلام ابن عبد البر [ (1) ] .
التداوى بالعجوة
التّداوى بالعجوة خرّج البخاري من حديث هاشم بن هاشم، أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من اصطبح كل يوم بتمرات [ (1) ] عجوة، لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل [ (2) ] . وقال غيره [ (3) ] : سبع تمرات [ (4) ] . وخرجه مسلم ولفظه من تصبح بسبع تمرات.. مثله سواء. وفي لفظ: من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح، لم يضره سمّ حتى يمسى [ (5) ] .
التداوي بالعسل
التداوي بالعسل خرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث محمد [بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أبى المتوكل] عن أبى سعيد رضى اللَّه عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن أخى قد استطلق بطنه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اسقه عسلا، [ثم جاءه فقال] إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: اسقه عسلا، فقال لقد سقيته فلم
يزده إلا استطلاقا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: صدق اللَّه [عزّ وجلّ] . وكذب بطن أخيك، فسقاه، فبرأ. اللفظ لمسلم، ولم يذكر فيه البخاري قوله: فقال له ثلاث مرات.. إلى قوله: استطلاقا، ولا ذكر قوله: فسقاه فبرأ. وقال بعده: تابعه النّضر عن شعبة. ترجم عليه باب: دواء المبطون. وأخرجاه أيضا من حديث سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، عن أبى المتوكل الناجي، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] ، أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن أخى غرب بطنه، فقال: اسقه عسلا بمعنى حديث شعبة، هذا لفظ مسلم [ (1) ] . ولفظ البخاري: أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أخى يشتكي بطنه، فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه الثانية فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه الثالثة فقال: اسقه عسلا، ثم أتاه فقال: فعلت، فقال: صدق اللَّه، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا، فسقاه، فبرأ. ذكره وحديث جابر في باب: الدواء بالعسل [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث سفيان عن أبى إسحاق، عن أبى الأحوص، عن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن. قال: هذا إسناد صحيح [ (3) ] .
تم بحمد اللَّه تعالى الجزء السابع ويليه الجزء الثامن وأوله: «ليس فيما حرّم شفاء»
المجلد الثامن
[المجلد الثامن] [تتمة الفصل في طب رسول اللَّه] بِسْمِ اللَّهِ الرّحمنِ الرَّحيمِ ليس فيما حرّم شفاء خرّج مسلم من حديث شعبة، عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل، عن أبيه وائل الحضرميّ، أن طارق بن سويد الجعفي، سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الخمر فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: إنه ليس بدواء، ولكنه داء [ (1) ] . [أخرجه الترمذي من هذه الطريق وقال: إنها ليست بدواء، ولكنها داء] . وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرّجه أبو داود، ولفظه: عن علقمة بن وائل، عن أبيه قال: ذكر طارق ابن سويد، أو سويد بن طارق، سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن الخمر، فنهاه، ثم سأله فنهاه، فقال له: يا نبي اللَّه! إنها دواء، فقال: لا، ولكنها داء [ (3) ] . وله من حديث إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم، عن أبى عمران الأنصاري، عن أم الدرداء [عن أبى الدرداء] رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا
السعوط [2]
تداووا بحرام [ (1) ] . السُّعوط [ (2) ] خرّج البخاري ومسلم من حديث عبد اللَّه بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم، وأعطى الحجام أجره، واستعط. لفظهما فيه سواء [ (3) ] . وللبخاريّ من حديث [ابن عيينة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول:
عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية: يستعط به العذرة، ويلدّ به من ذات الجنب [ (1) ] ، ودخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بابن لي لم يأكل الطعام، فبال عليه، فدعا بماء، فرشّ عليه [ (2) ] . وفي لفظ لهما: عن أم قيس قالت: دخلت بابن لي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أعلقت عنه من العذرة، فقال: [علام] [ (3) ] تدغرن أولاد كن بهذا العلاق؟ عليكنّ بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية، منها: ذات الجنب يسعط من العذرة، ويلدّ من ذات الجنب. فسمعت الزهري يقول: بين لنا اثنين، ولم يبين لنا خمسة، [قال على بن المديني] [ (4) ] : قلن لسفيان: فإن معمرا يقول: أعلقت عليه.. قال: لم يحفظ، إنما قال: أعلقت عنه، حفظته من في الزهري [ (4) ] . ووصف سفيان: الغلام يحنك بالأصبع، وأدخل سفيان في حنكه، يعنى دفع حنكه بإصبعه، ولم يقل: أعلقوا عليه شيئا. ذكره البخاري في باب اللدود، ولم يذكر فيه دخولها عليه بالابن الّذي لم يأكل الطعام. وقد ذكره
ذات الجنب [4]
في الّذي قبله، والطريق واحدة، وكرره البخاري في مواضع [ (1) ] . وأخرجه مسلم من طرق، في بعضها: عليكن بهذا العود الهندي، يعنى الكست، يريد: القسط [ (2) ] ، ولأبى بكر بن أبى شيبة، من حديث الأعمش، عن أبى سفيان، عن جابر رضى اللَّه عنه، قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أم سلمة، وعندها صبي [يندر] منخراه دما، فقال: ما هذا؟ قالوا: به العذرة، فقال: علام تدغرن أولادكن؟ إنما يكفى إحداكن أن تأخذ قسطا هنديا فتحه بماء سبع مرات، ثم توجره إياه، قال: ففعلوه، فبرأ [ (3) ] . ذات الجنب [ (4) ] خرّج الترمذي من حديث معاذ بن هشام، قال: حدثني أبى، عن قتادة، عن أبى عبد اللَّه، عن زيد بن أرقم رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب [قال قتادة: يلدّه ويلدّه من الجانب الّذي
يشتكيه] [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث [حسن] [ (1) ] صحيح، وأبو عبد اللَّه اسمه ميمون، هو شيخ بصرى [ (2) ] . ومن حديث شعبة، عن خالد الحذاء، أخبرنا ميمون أبو عبد اللَّه قال: سمعت زيد بن أرقم قال: أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت [ (3) ] ، قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب
صحيح، [لا نعرفه إلا من حديث ميمون عن زيد بن أرقم. وقد روى زيد ابن أرقم عن ميمون غير واحد من هذا الحديث] [ (1) ] وذات الجنب: السل.
الكحل
الكحل خرّج أبو داود من حديث زهير قال: أخبرنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: البسوا من ثيابكم البياض، فإنّها خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن خير أكحالكم الأثمد، يجلو البصر، وينبت الشعر [ (1) ] . وخرّجه قاسم بن أصبغ، وابن أيمن من حديث أبى عوانة، عن عبد الرحمن بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خير أكحالكم الأثمد، فإنه يجلي البصر، وينبت الشعر. وللترمذي من حديث عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن خير ما تداويتم به اللدود، والسّعوط، والحجامة، والمشي، وخير ما اكتحلتم به الأثمد، فإنه [يجلو] البصر، وينبت الشعر، وكان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكحلة يكتحل بها عند النوم، ثلاثا في كل عين. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وهو حديث عباد
ابن منصور [ (1) ] . وخرّجه ابن أيمن بهذا السند، ولفظه: عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم الكحل الأثمد، [يجلو] البصر، وينبت الشعر. قال: [وكانت] لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكحلة، فإذا أراد أن ينام، كحل في كل عين ثلاثا [ (2) ] . قلت: وقد ذكر عباد بن منصور هذا، الحافظ أبو أحمد، عبد اللَّه بن عدىّ في كتابه (الكامل) ، فيما لخصته منه، فقال: عباد بن منصور الناجي، أبو سلمة، بصرى، قاضى البصرة، قال ابن المديني: قلت ليحيى ابن معين: فعبّاد بن منصور، كان تغيّر؟ قال: لا أدرى، إلّا أنّا حين رأيناه كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه. وقال معاذ بن معاذ: كان قدريا [ (3) ] . وقال عباد بن معين: عباد بن منصور، وعباد بن كثير [ (4) ] ، وعباد بن راشد [ (5) ] ، ليس حديثهم بشيء، ولكنه يكتب. ومرة قال: عباد بن منصور
ضعيف الحديث، وقال النسائي: ضعيف. قال ابن عدىّ: وهو في جملة من يكتب حديثه. انتهى. [عبّاد هذا، ولى قضاء البصرة، أيام خرج إبراهيم بن عبد اللَّه بن حسن ابن حسن] [ (1) ] ، وقد حدث عن القاسم بن محمد، وعكرمة، وأبى رجاء العطاردي، وعطاء، وأيوب، وجماعة، ويحيى القطّان، وأبو داود، وروح بن عبادة، وخلق، وقال يحيى القطان: ثقة، لا ينبغي أن يترك حديثه لرأى أخطأ فيه- يعنى القدر- وقال أبو داود: ولى قضاء البصرة خمس مرات، وليس بذاك، وقالوا: تغيّر، مات سنة اثنتين ومائة.
الحبة السوداء
الحبة السوداء خرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] ، من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرنى أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضى اللَّه عنه أخبرهما أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: [إن] في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، قال ابن شهاب: والسام: الموت، والحبة السوداء: الشّونيز. لم يقل مسلم: قال ابن شهاب. وخرّجه النسائي ولفظه: عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام، والسام: الموت [ (3) ] . وخرّج البخاري من حديث إسرائيل، عن منصور، عن خالد بن سعيد قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبحر، فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبى عتيق، فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة [السوداء] [ (4) ] ، فخذوا منها خمسا أو سبعا، فاسحقوها، ثم قطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب، فإن عائشة رضى اللَّه عنها حدثتني أنها سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن هذه الحبة السوداء، شفاء من كل داء، إلا من السام، قلت: وما السام؟ قال: الموت [ (5) ] .
السنا
السنا خرّج الترمذي من حديث عبد الحميد بن جعفر قال: حدثني عتبة بن عبد اللَّه، عن أسماء بنت عميس [رضى اللَّه عنها قالت:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سألها: بم تستمشين؟ قالت: بالشّبرم، قال: حار، حار، وقال: ثم استمشيت بالسنا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو أن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وخرّج الحاكم من حديث ابن جريج، عن سعيد بن عقبة الزرقيّ، عن رعة بن عبد اللَّه بن زياد، أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، حدّثه عن أسماء بنت عميس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل عليها ذات يوم عندها شبرم تدقه، فقال: ما تصنعين بهذا؟ قالت: نسقيه فلانا؟ قالت: يشربه فلان، فقال: لو أن شيئا يدفع الموت، أو ينفع الموت، نفع السنا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وله شاهد من حديث البصريين، عن أسماء بنت عميس [رضى اللَّه عنها] ، فذكر حديث عبد الحميد بن جعفر. وللنّسائىّ من حديث محمد بن عمارة، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام: [السنا] والسنوت، قال محمد: ونسيت الثالثة، قالوا: يا رسول اللَّه! هذا السّنا قد عرفناه، فما السنوت؟ قال: لو شاء اللَّه لعرفكموه. والسنوت [ (1) ] : الرّب، وقيل: العسل، وقيل: الكمون
يمانية، وقيل: هو نبت شبيه بالكمون، وقيل: الرّازيانج، وقيل: الشّبت [ (1) ] ، وقوله: هم السّمن بالسّنوت لا السّمن فيهم ... وهم يسقون جارهم أن يقرّدا فسّره يعقوب بأنه الكمون، وفسّره ابن الأعرابي بأنه نبت شبيه بالكمون، والسّنوت: لغة فيه. ذكر ذلك ابن سيده [ (2) ] .
التلبينة [1] والحساء
التّلبينة [ (1) ] والحساء خرّج البخاري ومسلم، من حديث عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت، ثم صنع ثريد، فصبّت التلبينة عليها، ثم قالت: كلن منها، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: التلبينة مجمّة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن. ذكره البخاري في كتاب الأطعمة [ (2) ] ، وفي الطب [ (3) ] ، ولفظه: كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك، وكانت تقول إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن التلبينة تجمّ فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن.
وخرّج الترمذي من حديث محمد بن السائب بن بركة، عن أمه، عن عائشة قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ أهله الوعك، أمر بالحساء فصنع، ثم أسرهم فحسوا منه، وكان يقول: إنه ليرتق [ (1) ] فؤاد المريض، ويسرو [ (2) ] عن فؤاد السقيم، كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها [ (3) ] . هذا لفظ الترمذي. وقال النسائي: وفؤاد المريض، وقال: كما يسرو أحدكم الوسخ بالماء عن وجهه [ (4) ] . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد رواه ابن المبارك عن يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (5) ] .
اغتسال المريض
اغتسال المريض خرّج البخاري من حديث معمر ويونس، قال الزهري: أخبرنى عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، أن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: لما ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واشتد وجعه، استأذن أزواجه في أن يمرّض في بيتي، فأذن له، فخرج بين رجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس وآخر، قال عبيد اللَّه: فأخبرت ابن عباس بما قالت عائشة [رضى اللَّه عنها] فقال: هل تدري من الرجل الآخر الّذي لم تسمّ عائشة؟ قلت: لا، قال: هو على بن أبى طالب [رضى اللَّه عنه] ، قالت عائشة [رضى اللَّه عنها] : فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما دخل بيتها واشتدّ وجعه: هريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أو كيتهنّ، لعلى أعهد إلى الناس، قالت: فأجلسناه في مخضب لحفصة، طفقنا نصبّ عليه من تلك القرب، حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتنّ، قالت: وخرج إلى الناس، فصلى بهم وخطبهم. ذكره البخاري في الطب [ (1) ] ، وفي آخر كتاب المغازي [ (2) ] ، وقال في آخره: حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن.. الحديث بمثله. وذكره في كتاب الطهارة [ (2) ] وانتهى إلى قوله: ثم خرج إلى الناس وقال: حتى طفق يشير إلينا
أن قد فعلتن، وخرّجه مسلم [ (1) ] ، وانتهى منه إلى قوله: هو عليّ.
وخرّجه النسائي من طريق معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال في وجعه الّذي قبض فيه: صبّوا عليّ سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلّى أعهد إلى الناس، فأجلسناه في مخضب لحفصة، فما زلنا نصب عليه، حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتنّ. وخرّجه من طريق سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر ويونس، ... كما تقدم أولا [ (1) ] .
وللبخاريّ من حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء. ذكره في كتاب الطب [ (1) ] ، وخرّجه مسلم [ (2) ] ، وخرّجا من طريق يحيى بن سعيد، عن عبيد اللَّه قال: أخبرنى نافع، عن ابن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء [ (3) ] . وفي لفظ لمسلم: إن شدة الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء [ (4) ] . ولهما من حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبيه، عن [عبد اللَّه بن رفاعة قال:] أخبرنى رافع بن خديج قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: الحمى من فيح جهنم، فأبردوها عنكم بالماء [ (5) ] . ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق [ (6) ] ، وخرّجه النسائي أيضا [ (7) ] . وللترمذي من حديث روح بن عبادة قال: أخبرنا مرزوق أبو عبد اللَّه الشامي، أخبرنا سعيد- رجل من أهل الشام- أخبرنا ثوبان، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا أصاب أحدكم الحمى، فإن الحمى قطعة من النار، فليطفئها
عنه بالماء، فليستنقع نهرا جارا، ليستقبل جريه الماء، فيقول: بسم اللَّه، اللَّهمّ اشف عبدك، وصدّق رسولك، بعد صلاة الصبح، قبل طلوع الشمس، فليغتمس فيه ثلاث غمسات، ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس، فإن لم يبرأ في خمس فسبع، فإن لم يبرأ في سبع فتسع، فإنّها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن اللَّه. قال أبو عيسى هذا حديث غريب [ (1) ] . وللحاكم من حديث حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس [رضى اللَّه عنه] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا حمّ أحدكم فليشن الماء البارد ثلاث ليال [من السحر] قال: هذا حديث صحيح [ (2) ] .
اجتناب المجذوم
اجتناب المجذوم [ (1) ] خرّج البخاري من حديث عفّان قال: [حدثني سليم بن حيّان] ، حدثني سعيد بن ميناء [قال:] سمعت أبا هريرة رضى اللَّه عنه يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد [ (2) ] .
ولعبد الرزاق من حديث معمر، عن أيوب وخالد، عن أبى قلابة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فرّوا من المجذوم فراركم من الأسد. وفي رواية له: فروا من الأجذم كما تفرون من الأسد. ولمسلم من حديث يعلى بن عطاء، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنّا قد بايعناك، فارجع [ (1) ] . وخرّجه النسائي. ولأبى بكر بن أبى شيبة من حديث وكيع، عن عبد اللَّه بن سعيد، عن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تدنوا النظر إلى المجذومين [ (2) ] . وخرّجه أبو بشر الدولابي، من حديث عبد الرحمن بن أبى الزناد، عن محمد بن عبد اللَّه، عن أمه فاطمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: نهانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نديم النظر إلى المجذومين، قال: لا تديموا إليهم
النظر [ (1) ] . ولأبى داود من حديث يونس بن محمد، عن مفضل بن فضالة، عن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ بيد مجذوم، فوضعها معه في القصعة وقال: كل ثقة باللَّه [عزّ وجلّ] وتوكلا عليه [ (2) ] . وأخرجه الترمذي بهذا السند، ولفظه: أخذ بيد مجذوم فأدخله معه في القصعة [ثم] قال: كل بسم اللَّه، ثقة باللَّه وتوكلا عليه [ (3) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث يونس بن محمد، عن المفضل ابن فضالة.
والمفضّل بن فضالة هذا: شيخ بصريّ [ (1) ] ، المفضّل بن فضالة: شيخ آخر مصرى [ (2) ] أوثق من هذا وأشهر. وقد روى شعبة هذا الحديث عن حبيب ابن الشهيد عن ابن بريدة، أن ابن عمر أخذ بيد مجذوم، وحديث شعبة أثبت عندي وأصحّ. ذكره في الأطعمة [ (3) ] .
وذكر الحاكم حديث يونس عن الفضل كما تقدم، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه [ (1) ] .
وأما عرق النسا
وأما عرق النَّسا [ (1) ] فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا هشام بن حسان، [قال] : حدثني أنس بن سيرين [قال:] حدثني أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شفاء عرق النّسا: ألية شاة عربية تذاب، ثم تجزّأ ثلاثة أجزاء، فتشرب في ثلاثة أيام. قال: هذا حديث صحيح [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] وقد رواه المعتمر بن سليمان، عن هشام بن حسان، بزيادة في المتن [ (2) ] . فذكره ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وصف من عرق النسا ألية شاة عربىّ، ليست بصغيرة، ولا كبيرة، تذاب، ثم تقسم على ثلاثة أجزاء، فيشرب كل يوم جزء على ريق النفس. قال أنس: وقد وصفت ذلك لثلاثمائة، كلهم يعافيه اللَّه تعالى [ (3) ] . وقد رواه حبيب بن الشهيد، عن أنس بن سيرين، فذكره [ (4) ] ، ثم قال:
هذه الأسانيد كلها صحيحة، وقد أعضله حماد بن سلمة عن أنس بن سيرين فقال: عن أخيه معبد، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، والقول عندنا [فيه] قول المعتمر بن سليمان، والوليد بن مسلم.
وأما كثرة أمراضه صلى الله عليه وسلم
وأما كثرة أمراضه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج الحاكم من حديث إسرائيل، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قلت لعائشة رضى اللَّه عنها: قد أخذت السّنن عن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، والشعر والعربية عن العرب، فعن من أخذت الطب؟ قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان رجلا مسقاما، وكان أطباء العرب يأتونه فأتعلم منهم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد لم يخرج [ (1) ] . وخرّجه ابن حيّان ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان [سقيما] في آخر عمره فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، فكنت أعالجها، فمن ثمّ [ (2) ] . وخرّجه الإمام أحمد من حديث أبى معاوية قال: أخبرنا هشام بن عروة قال: كان عروة يقول لعائشة رضى اللَّه عنها: يا أمتاه! لا أعجب من فقهك، أقول: زوجة رسول اللَّه، وابنة أبى بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام النّاس، أقول: ابنة أبى بكر، وكان أعلم الناس، أو من أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب، كيف هو؟ ومن أين هو؟ أو ما هو؟ قال: فضربت على منكبه [و] قالت: أي عريّة، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يسقم عند آخر عمره، أو في آخر عمره، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه، فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له فمن ثمّ [ (2) ] .
الحناء
الحِنَّاء [ (1) ] قال الإمام أحمد: حدثنا حماد بن خالد، حدثنا قائد مولى عبيد اللَّه ابن على بن أبى رافع، عن مولاه، عن [عمته] سلمى [ (2) ] ، قالت: كنت أخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت تصيبه قرحة، ولا نكتة، إلا وأضع
عليها الحناء [ (1) ] .
الذريرة
الذريرة [ (1) ] خرّج الحاكم من حديث ابن جريج قال: أخبرنى عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبى حسن، حدثتني مريم بنت إياس بن البكير [ (2) ] ، صاحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن بعض أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأظنها زينب، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل عليها فقال: عندك ذريرة؟ فقالت: نعم، فدعا بها، ووضعها على بثرة [ (3) ] بين إصبعين من أصابع رجله وقال: اللَّهمّ مطفئ [الكير] ، ومكبر الصغير، اطفها عنى، فطفيت [ (4) ] . قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (5) ] [وخرّجه الإمام أحمد، من حديث ابن جريج به مثله] [ (6) ] .
وأما أنه [صلى الله عليه وسلم] سحر
وأمّا أنّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] سحر فخرج البخاري من حديث عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: سحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل من بنى زريق يقال له: لبيد بن الأعصم، قالت: حتى كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخيّل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم- أو ذات ليلة- وهو عندي، دعا، ودعا، ثم قال: يا عائشة! أشعرت أن اللَّه [عزّ وجلّ] أفتانى فيما استفتيته فيه، أتانى رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، وجف طلعة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان، فأتاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة! واللَّه لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين فقلت يا رسول اللَّه! أفلا استخرجته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني اللَّه، وكرهت أن أثير على الناس شرا، فأمرت بها فدفنت. قال البخاري: تابعه أبو أسامة، وأبو ضمرة، وابن أبى الزناد، عن هشام. وقال الليث وابن عيينة، عن هشام: في مشط ومشاقة. يقال: مشاطة: ما يخرج من الشعر إذا مشّط، والمشاقة: من مشاقة الكتان. ترجم عليه البخاري باب: السحر، وذكره في بدء الخلق، في باب: صفة إبليس وجنوده [ (1) ] . وفي كتاب الدعاء [ (2) ] ، وفي كتاب
الأدب [ (1) ] ، بزيادة ألفاظ ونقص ألفاظ. وخرّجه مسلم من طرق، وخرّجه
النسائي أيضا [ (1) ] . وفي جامع معمر بن راشد عن الزهري، قال: سحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، [سنة] [ (2) ] ، يخيل إليه أنه يفعل الفعل وهو [صلّى اللَّه عليه وسلّم] لا يفعله. [وقال ابن سعد: السّحر، سينه مثلثة، والفتح أفصح] [ (3) ] (صلّى اللَّه عليه وسلّم) . [وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثني أبو مروان، عن إسحاق
ابن عبد اللَّه، عن عمر بن الحكم قال: لما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحديبيّة في ذي الحجة ودخل الحرم، جاءت رؤساء يهود الذين بقوا بالمدينة، ممن يظهر الإسلام، وهو منافق، إلى لبيد بن الأعصم اليهودي، وكان حليفا في بنى زريق، وكان ساحرا، قد علمت ذلك يهود، أنه أعلمهم بالسحر وبالسموم، فقالوا له: يا أبا الأعصم، أنت أسحر منّا، وقد سحرنا محمدا فسحره منا الرجال والنساء، فلم نصنع شيئا، وأنت ترى أثره فينا، وخلافه ديننا، ومن قتل منا وأجلى، ونحن نجعل لك [على ذلك] جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكوه، فجعلوا له ثلاثة دنانير، على أن يسحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . [فعمد إلى مشط، وما يمشط [من الرأس] من الشعر، فعقد فيه عقدا، أو تفل فيه تفلا، وجعله في جب طلعة ذكر، ثم انتهى به حتى جعله تحت أرعوفة البئر، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرا أنكره، حتى يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، وأنكر بصره حتى دله اللَّه عليه، فدعا جبير بن إياس الزّرقيّ، وقد شهد بدرا، فدله على موضع في بئر ذروان، تحت أرعوفة البئر، فخرج جبير حتى استخرجه ثم أرسل إلى لبيد بن الأعصم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقد دلني اللَّه على سحرك، وأخبرنى ما صنعت، قال: حبّ الدنانير يا أبا القاسم] [ (1) ] . [قال إسحاق بن عبد اللَّه: فأخبرت عبد الرحمن بن كعب بن مالك بهذا الحديث فقال: إنما سحره بنات أعصم- أخوات لبيد- وكنّ أسحر من لبيد وأخبث، وكان لبيد هو الّذي ذهب به، فأدخله تحت أرعوفة البئر، فلما عقدوا تلك العقد، أنكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك الساعة بصره، ودسّ بنات
أعصم إحداهن، فدخلت على عائشة رضى اللَّه عنها، فخبرتها عائشة، أو سمعت عائشة تذكر ما أنكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بصره، ثم خرجت إلى أخواتها، وإلى لبيد، فأخبرتهم، فقالت إحداهن: إن يكن نبيا فسيخبر، وإن يكن غير ذلك، فسوف يدلّهه هذا السحر حتى يذهب عقله، فيكون بما نال من قومنا وأهل ديننا، فدله اللَّه عليه] [ (1) ] . قال الحارث بن قيس: يا رسول اللَّه! ألا نهوّر البئر؟ فأعرض عنه [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] فهوّرها الحارث بن قيس وأصحابه، وكان يستعذب منها. قال: وحفروا بئرا أخرى، فأعانهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حفرها، حين هوّروا الأخرى التي سحر فيها، حتى أنبطوا ماءها، ثم تهوّرت بعد. ويقال: إن الّذي استخرج السحر بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قيس بن محصن] [ (1) ] .
وأما أنه صلى الله عليه وسلم سم
وأما أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمّ فخرّج البخاري في الطب [ (1) ] ، وفي الجزية والموادعة [ (2) ] ، من حديث الليث قال: حدثني سعيد عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: لما فتحت خيبر، أهديت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود، فجمعوا له، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقىّ عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] : من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان [فقال كذبتم، أبوكم فلان] فقالوا: صدقت وبررت، فقال: هل أنتم صادقىّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفوننا فيها، فقال لهم: اخسئوا فيها، واللَّه لا نخلفكم فيها أبدا، ثم قال لهم: هل أنتم صادقىّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: هل جعلتم في هذه الشاة سمّا؟ قالوا: نعم، قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: إن كنت كاذبا، نستريح منك، وإن كنت نبيا، لم يضرك. وللبخاريّ من حديث شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] إن يهودية أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، بشاة مسمومة، فأكل
منها، فجيء بها، [فقيل:] ألا نقتلها؟ قال: لا، [قال:] فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ذكره البخاري في كتاب الهبة، في باب: قبول الهدية من المشركين [ (1) ] . ولمسلم بهذا السند: أن امرأة يهودية أتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشاة مسمومة فأكل [منها] ، فجيء بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسألها عن ذلك فقالت: أردت لأقتلك! قال: ما كان اللَّه ليسلطك على ذاك، أو قال: عليّ، قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وقال البخاري في آخر المغازي، في أول باب مرض النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته:
وقال يونس عن الزهرىّ: قال عروة: قالت عائشة [رضى اللَّه عنها] : كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما [أزال] أجد ألم الطعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من ذلك السم [ (1) ] .
وأما أنه صلى الله عليه وسلم رقى
وأما أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقى فخرّج مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب [قال] : أخبرنى نافع بن جبير بن مطعم، عن عثمان بن أبى العاص الثقفي، أنه شكا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ضع يدك على الّذي تألم من جسدك وقل: باسم اللَّه ثلاثا، وقل سبع مرات: أعوذ باللَّه وقدرته، من شر ما أجد وأحاذر [ (1) ] . وخرّجه الترمذي من حديث مالك، عن يزيد بن [خصيفة] ، عن عمر ابن عبد اللَّه بن كعب السلمي، أن نافع بن جبير بن معطم، أخبره عن عثمان بن أبى العاص أنه قال: أتانى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبى وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: امسح بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة اللَّه وقدرته من شرّ ما أجد، قال: ففعلت، فأذهب اللَّه ما كان بى، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرّجه أبو داود بهذا الإسناد، أنه أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال عثمان: وبى وجع قد كان يهلكني.. الحديث [ (3) ] . وخرّجه الحاكم من حديث المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: كان النبي [عليه السلام] إذا عاد المريض، جلس عند رأسه ثم قال سبع مرات: أسأل اللَّه العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه ذلك. قال: هذا حديث صحيح [ (1) ] ، وذكر له عدة طرق. وخرّجه البخاري أيضا في الأدب المفرد به مثله. ولأبى داود من حديث الليث، عن زياد بن محمد، عن محمد بن كعب القرظي، عن فضالة بن عبيد، عن أبى الدرداء قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من اشتكى منكم شيئا أو [اشتكاه] أخ له فليقل: ربّنا الّذي في السماء، تقدّس اسمك، أمرك في السماء والأرض، [كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض] ، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت ربّ الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك، على هذا الوجع، فيبرأ [ (2) ] .
وللبخاريّ ومسلم وأبى داود، من حديث سفيان، حدثني عبد ربه بن سعيد بن عمرة، عن عائشة رضى اللَّه عنها [قالت] إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول للمريض: بسم اللَّه تربة أرضنا، وريقه بعضنا، يشفى سقيمنا. اللفظ للبخاريّ وفي لفظ له: قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول في الرقية: تربة أرضنا، وريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا. ذكرهما في باب: رقية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . ولفظ مسلم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كان به قرحة أو جرح، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بإصبعه هكذا، ووضع سفيان سبّابته بالأرض ثم رفعها، بسم اللَّه تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا، بإذن ربنا [ (2) ] . وفي لفظ: ليشفى [ (3) ] . ولفظ أبى داود: قالت كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول للإنسان إذا اشتكى: يقول بريقه، ثم قال: به في التراب تربة أرضنا، بريقة بعضنا، ليشفى سقيمنا، بإذن ربنا [ (4) ] .
وللبخاريّ من حديث سفيان، حدثني سليمان، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة رضى اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعوّذ بعض أهله، يمسح بيده ويقول: اللَّهمّ ربّ الناس، اذهب الباس، واشفه أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما. ذكره في باب رقية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وخرّجه الإمام أحمد بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يعود بعض أهله، يمسحه بيمينه فيقول: أذهب الباس ربّ الناس، واشف إنك أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما. وخرّجه مسلم عن الأعمش، عن أبى الضحى، عن مسروق، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا اشتكى [منا] [ (2) ] إنسان مسحه بيمينه، ثم قال: أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما، فلما مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وثقل] [ (3) ] أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع، فانتزع يده من يدي، ثم قال: اللَّهمّ اغفر لي، واجعلني مع الرفيق [الأعلى] ، [قالت:] فذهبت
انظر، فإذا هو قد قضى، صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] وللبخاريّ ومسلم من حديث النضر، عن هشام بن عروة [قال:] أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يرقى يقول: امسح الباس ربّ الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت [ (2) ] . وخرّجه الإمام أحمد من حديث يحى، عن هشام قال: حدثني أبى عن عائشة، رضى اللَّه عنها، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يرقى: امسح الباس رب الناس، بيدك الشفاء، لا يكشف الكرب إلا أنت [ (3) ] . ولمسلم من حديث عباد بن عباد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مرض أحد من أهله، نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الّذي مات فيه، جعلت أنفث عليه، وأمسحه بيد نفسه، لأنها كانت أعظم بركة من يدي [ (4) ] .
وخرّجه البخاري وأبو داود، من حديث مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، فلما اشتد وجعه، كنت أقرأ عليه وأمسح بيده رجاء بركتها. ذكره البخاري في كتاب فضائل القرآن [ (1) ] ، وذكره في آخر كتاب المغازي من حديث يونس، عن ابن شهاب [ (2) ] . وفي كتاب الطب بهذا السند، ولفظه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو اللَّه أحد وبالمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه، وما بلغت يداه من جسده، قالت عائشة رضى اللَّه عنها: فلما اشتكى كان
يأمرني أن أفعل ذلك به [ (1) ] . وذكره في باب المرأة ترقى الرّجل، من حديث معمر عن الزهري. ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ينفث على نفسه في مرضه الّذي قبض فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنا أنفث عليه بهن، فأمسح بيده لبركتها [ (2) ] . وذكره في باب: الرقى بالقرآن، عن معمر نحوه [ (3) ] . وخرّج الحاكم، من حديث سفيان، عن عاصم، عن زياد بن ثويب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعودني فقال: ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل؟ فقلت: بلى، بأبي وأمى، قال: بسم اللَّه أرقيك، واللَّه يشفيك، من كل داء فيك، من شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد، فرقى بها ثلاث مرات [ (4) ] .
وأما أنه صلى الله عليه وسلم احتجم
وأما أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم فخرّج البخاري [ (1) ] ، ومسلم [ (2) ] ، وأبو داود [ (3) ] ، من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، وعطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه [تعالى عنهما] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم وهو محرم. ذكره البخاري في الحج والطب ومسلم في الحج. وللبخاريّ [ (4) ] وأبى داود [ (5) ] ، من حديث أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: احتجم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو صائم. وفي لفظ للبخاريّ، أن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم. ومثله للنسائى [ (1) ] . وفي لفظ البخاري: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم وهو محرم في رأسه، من شقيقة كانت به. ذكره في الحجامة من الشقيقة والصداع. وله من حديث سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: الشفاء في ثلاثة: شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهى أمتى عن الكي. ذكره في كتاب الطب، في باب: الشفاء في ثلاث [ (2) ] . وذكره في باب: الحجامة من الشقيقة، من
حديث عاصم بن عمر، عن جابر بنحوه [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] وفيه قصة [ (3) ] . وللنسائى من حديث المعتمر، عن حميد عن أنس، رضى اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري. وفي لفظ: خير ما تداويتم به. وله من حديث معمر عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم احتجم وهو محرم على ظهر القدم من وثء كان به [ (4) ] . وللترمذي من حديث همّام [ (5) ] وجرير بن حازم، عن قتادة، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحتجم في الأخدعين
والكاهل [ (1) ] . وخرّجه [ابن] [ (2) ] أيمن وقال: أخبرنا أحمد بن زهير، سئل يحى عن هذا الحديث فقال: ليس بشيء. ولأبى داود من حديث حماد، عن محمد بن عمرو، وعن أبى سلمة، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة [ (3) ] . وخرّجه ابن أيمن وقال: إن كان في شيء مما تداوون. ولأبى داود من حديث سعيد بن عبد الرحمن الجمحيّ، عن سهيل، عن أبيه، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من احتجم لسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، كان شفاء من كل داء [ (4) ] . ومن حديث أبى بكرة، بكار بن عبد العزيز قال: أخبرتنى عمتي كبشة بنت أبى [بكرة] ، أن أباها كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء، ويزعم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يوم الثلاثاء يوم الدم، وفيه ساعة لا يرقأ [ (5) ] . [سهل وأمه مجهولان وأبو بكرة بن عبد العزيز ضعيف. وعمته كبشة مجهولة [ (6) ]] .
وخرّج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن أبى الموالي، [قال:] حدثني أيوب بن الحسن بن على بن أبى رافع، عن جدته سلمى، قالت: ما سمعت أحدا يشكو إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعا في رأسه، إلا قال: احتجم، ولا وجعا في رجليه إلا قال: اخضبهما [بالحناء] [ (1) ] قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (2) ] . وقد احتج البخاري بعبد الرحمن بن أبى الموالي. وخرّج الحاكم من حديث أبى موسى عيسى بن عبد اللَّه الخياط، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه قال:] إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: المحجمة التي في وسط الرأس من الجنون، والجذام، والنعاس، والأضراس، وكان يسميها: منقذة [ (3) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد. ومن حديث زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى، حدثنا غزال بن محمد، عن محمد بن جحادة، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: [قال] نافع: قال لي ابن عمر: ابغني حجّاما لا يكون غلاما صغيرا، ولا شيخا كبيرا، فإن الدم قد تبيّغ بى، وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: الحجامة تزيد في العقل، وتزيد في الحفظ، فعلى اسم اللَّه احتجموا يوم [الاثنين] والثلاثاء، وما نزل جذام ولا برص إلا في ليلة
الأربعاء [ (1) ] . قال الحاكم: رواة هذا الحديث كلهم ثقات، إلا غزال بن محمد، فإنه مجهول، لا أعرفه بعدالة ولا جرح، وقد صح الحديث عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] من قوله: من غير مسند ولا متصل [ (2) ] . [فذكره عن ابن عمر ثم قال: وقد أسند هذا الحديث عطّاف بن خالد المخزومي عن نافع] [ (3) ] .
وأما الكي والسعوط
وأما الكيّ والسّعوط فخرج مسلم من حديث الأعمش عن أبى سفيان، عن جابر قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبيّ بن كعب [رضى اللَّه عنه] ظبيا، فقطع منه عرقا [ثم كواه عليه] [ (1) ] . [وخرجه أبو داود بهذا الإسناد إلى قوله:] فقطع منه عرقا ولم يذكر الكيّ [ (2) ] . وفي لفظ مسلم، من حديث شعبة قال: سمعت سليمان قال: سمعت أبا سفيان قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] قال: رمى أبى يوم الأحزاب على أكحله، قال: فكواه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . ومن حديث أبى خيثمة، عن أبى الزبير، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: رمى سعد بن معاذ في أكحله، [قال:] فحسمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده بمشقص، ثم ورمت، فحسمه الثانية [ (4) ] . وخرّجه ابن أيمن ولفظه: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كوى سعد بن معاذ مرتين [ (5) ] .
وقد وردت أحاديث في النهى عن [الكي] [ (1) ] .
وأما الحناء
[وقال ابن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم، حدثنا إسرائيل عن جابر، عن أبى جعفر قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يستعط بالسمسم، ويغسل رأسه بالسدر] [ (1) ] . وأمّا الحنّاء فخرّج الإمام أحمد من حديث قائد مولى عبد اللَّه بن على، عن أبى رافع، عن جدته سلمى [رضى اللَّه عنها] قالت: كنت أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما كانت تصيبه قرحة ولا نكتة، إلا أمرنى بأن أضع عليها الحناء. وتقدم في الحجامة طرف من ذلك [ (2) ] . وأمّا السّفرجل فخرج البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حماد بن عمران بن موسى [بن طلحة، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد اللَّه] قال: دخلت على رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي يده سفرجلة، فألقاها إليّ وقال: دونكها أبا محمد، فإنّها تجمّ الفؤاد [ (1) ] . وخرّجه الحاكم من حديث عبد الرحمن بن حماد بن مثله أو قريبا منه [وقال: هذا حديث صحيحة الإسناد] [ (2) ] .
فصل في ذكر حركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكونه
فصل في ذكر حركات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسكونه [يقال أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد الخروج من منزله أمتشط، وسوى جمّته، وأصلح شعره، وقال: إن اللَّه يحب من عبده أن يكون حسن الهيئة] [ (1) ] . وأما عمله صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيته فخرج البخاري من حديث إبراهيم عن الأسود، قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها: ما كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله تعنى خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. ذكره في
[وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلى الله عليه وسلم]
كتاب الصلاة [ (1) ] ، وفي كتاب النفقات [ (2) ] ، وفي كتاب الأدب [ (3) ] ، بألفاظ متقاربة. ولعبد الرّزاق من حديث الزهري، وهشام بن عروة، عن أبيه قال: سأل رجل عائشة رضى اللَّه عنها: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعمل في بيته؟ قالت كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته، كما يعمل أحدكم في بيته [ (4) ] . [وأما ما يقوله إذا دخل بيته صلّى اللَّه عليه وسلّم] فخرّج الإمام أحمد من حديث مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال:
وأما ما يقوله إذا خرج من بيته [صلى الله عليه وسلم]
قلت لعائشة [رضى اللَّه عنها] : هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول شيئا إذا دخل البيت؟ قالت: كان إذا دخل البيت تمثل: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ فمه إلا التراب، وما جعلنا المال إلا لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ويتوب اللَّه على من تاب [ (1) ] . وله من حديث شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: كان أول ما يبدأ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل بيته السواك، وآخره إذا خرج من بيته الركعتين قبل الفجر [ (2) ] . وأمّا ما يقوله إذا خرج من بيته [صلّى اللَّه عليه وسلّم] فخرج الترمذي من حديث سفيان، عن منصور، عن الشعبي، عن
أم سلمة [رضى اللَّه عنها قالت:] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خرج من بيته قال: بسم اللَّه توكلت على اللَّه، اللَّهمّ إنا نعوذ بك من أن نزلّ، أو نضلّ، أو نظلم، أو نظلم، أو نجهل، أو يجهل علينا. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . وخرّجه النسائي مسندا
ومرسلا، وقال: اللَّهمّ إني أعوذ بك، بلفظ الإفراد في الجمع [ (1) ] ،
وخرجه ابن أيمن.
وأما مشيه صلى الله عليه وسلم
وأمّا مشيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلمسلم من حديث حسان، [قال:] حدثنا حماد، حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفّأ، وما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كفّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا شممت مسكة، ولا عنبرة، أطيب من رائحة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . ولأبى داود من حديث وهب بن بقية، قال: أخبرنا خالد، عن حميد، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مشى كأنه يتوكأ [ (2) ] . وللترمذي من حديث عن عبد الوهاب الثقفي، عن حميد، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم، أسمر اللون وكان شعره ليس بجعد ولا سبط، كأنه إذا مشى [يتكفّأ] [ (3) ] قال أبو عيسى: هذا حديث حسن
صحيح [ (1) ] . ولأبى داود من حديث عبد الأعلى، أخبرنا سعيد، عن أبى الطفيل قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: كيف رأيته؟ قال: كان [صلّى اللَّه عليه وسلّم] أبيض مليحا، إذا مشى كأنما يمشى في صبوب [ (2) ] . ولابن أبى خيثمة، من حديث عبد الأعلى، عن الجريريّ، عن أبى الطفيل، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما على وجه الأرض رجل رآه غيري، [قال:] فقلت: كيف رأيته؟ قال: كان أبيض مليحا، مقصّدا، إذا مشى كأنما يمشى في صبب. وخرجه مسلم ولم يقل: إذا مشى [ (3) ] .
وللترمذي وبقي بن مخلد، من حديث ابن لهيعة عن أبى يونس، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: ما رأيت أحسن من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كأنما الشمس تجرى في وجهه، وما رأيت أحدا أسرع [من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] في مشيته، كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث. قال الترمذي: هذا حديث غريب [ (1) ] . وقد رواه بقي بن مخلد، من حديث حرملة بن يحى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنى عمرو بن الحادث، أن أبا يونس مولى أبى هريرة حدثه عن أبى هريرة، أنه سمعه يقول: ما رأيت.. فذكره. فإسناد بقي هذا أجود من إسناد الترمذي، وإسناد بقي على شرط مسلم. فقد روى مسلم عن حرملة بن يحى غير ما حديث، ولم يخرج هؤلاء البخاري من حديث ابن لهيعة شيئا. [وقال الحسين بن إسماعيل المحاملي: أخبرنا عبد اللَّه بن جوير بن جبلة، أخبرنا ابن أبى بكير، أخبرنا يحيى بن راشد، أخبرنا داود بن أبى هند، عن عكرمة وعن ابن عباس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمشى مشيا يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان] [ (2) ] . ولتقى من حديث النضر بن شميل قال: أخبرنا صالح بن أبى الأخضر، عن ابن شهاب، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبيض، كأنما صنع أو صيغ من فضة، رجل الشّعر، مغاص البطن، عظيم مشاس المنكبين، يطأ بقدميه جميعا، إذا أقبل، جميعا، وإذا أدبر، أدبر جميعا.
قال مؤلفه [رحمه اللَّه] : صالح بن أبى الأخضر اليمامي البصري، مولى بنى أمية ويروى عن الزهري، ونافع، وابن المنكدر، وجماعة. وعنه حماد ابن زيد، وابن المبارك، وروح بن عبادة، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، ويحيى بن بشير العنبري وجماعة. قال أبو عثمان بن سعيد بن خالد السجستاني، في سؤاله لابن معين، قلت: فصالح بن أبى الأخضر؟ قال: ليس بشيء في الزهري. وقال ابن عدي: قال ابن معين: بصرى ضعيف، وقال معاذ بن معاذ: قال لي صالح بن أبى الأخضر: هذا الكتاب قرأه على الزهري، وقرأته عليه، ولا أفضّل هذا من هذا. وقال يحيى القطان، أتيته أنا ومعاذ وخالد، فأخرج إلينا حديث الزهري فقال: منه ما سمعت، ومنه ما لم أسمع، ومنه عرض. وقال البخاري: ليس بشيء عن الزهري، ومرة قال: ضعيف. قال ابن عدي: وفي بعض أحاديثه ما ينكر عليه، وهو من الضعفاء الّذي يكتب حديثهم [ (1) ] . انتهى [كلام المقريزي رحمه اللَّه] . ولا بن أبى شيبة من حديث شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن نافع ابن جبير بن مطعم، عن على رضى اللَّه عنه، أنه وصف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال:] كان عالى الهامة، أبيض، مشربا حمرة، عظيم اللحية، ضخم الكراديس، شثن الكفين والقدمين، طويل المسربة، كثير شعر الرأس، رجله، يتكفّأ في مشيته، كأنما ينحدر في صبب، لا طويل، ولا قصير، لم أر مثله، قبله ولا بعده [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وخرّجه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عبد اللَّه المسعودي، عن عثمان بن مسلم، عن نافع بن جبير، وفيه: إذا مشى تكفأ تكفيا، كأنما انحط من صبب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . [من طريقين عن المسعودي به] [ (2) ] . وخرّج أبو بكر بن أبى شيبة، حديث عليّ هذا، من حديث عيسى بن يونس، عن عمر مولى عفرة، عن إبراهيم بن محمد، قال: كان على [رضى اللَّه عنه] إذا نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ... فذكر الحديث، وفيه: إذا مشى تقلّع كأنما يمشى في صبب، فإذا التفت التفت معا [ (3) ] . وذكره الترمذي من حديث عيسى بن يونس بسنده، ثم قال: هذا حديث ليس إسناده متصل [ (4) ] . وخرّج الحاكم من حديث ثابت البناني، عن شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عن عبد اللَّه بن عمر، رضى اللَّه [عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكره أن يطأ أحد عقبه، ولكن يمين وشمال [ (5) ] . [قال
الحاكم: صحيح على شرط مسلم] [ (1) ] . وله من حديث إسماعيل بن [أمية] ، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه [عنهما] قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد، وأبو بكر رضى اللَّه عنه عن يمينه، وعمر رضى اللَّه عنه عن شماله، آخذا بأيديهما فقال: هكذا نبعث يوم القيامة [ (2) ] . [قال الحاكم: هذا حديث صحيح] [ (3) ] . وخرّجه الترمذي من حديث سعيد بن مسلمة، عن إسماعيل بن [أمية] ، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنه] أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج ذات يوم، فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر [رضى اللَّه عنهما] أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، وهو آخذ بأيديهما، وقال: هكذا نبعث يوم القيامة. [قال أبو عيسى: هذا حديث غريب [ (4) ]] سعيد بن مسلمة ليس عندهم بالقوى. وقد روى هذا الحديث [أيضا] [ (5) ] من غير هذا الوجه، عن نافع، عن ابن عمر [ (6) ] . وخرّج الحاكم من حديث سعيد بن أبى مريم، حدثنا يحى بن أيوب، حدثني حميد قال: سمعت أنسا رضى اللَّه عنه يقول: كان رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مشى كأنه يتوكأ. قال: هذا حديث صحيح [ (1) ] [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] [ (2) ] . ومن حديث سفيان عن الأسود بن قيس، عن نبيح، عن جابر رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج من بيته مشينا قدّامه، وتركنا خلفه للملائكة [ (3) ] . وفي رواية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج مشوا بين يديه، وخلّوا ظهره للملائكة [ (4) ] وفي رواية أبى عوانة: عن الأسود بن قيس، عن نبيح، عن جابر [رضى اللَّه عنه] ، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: امشوا أمامى، واخلوا ظهري للملائكة. ومن حديث شعبة، عن الأسود، عن نبيح العنزي، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تمشوا بين يدي، لا خلفي، فإن هذا مقام الملائكة. ومن حديث شعبة، عن الأسود، عن نبيح العنزي، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تمشوا بين يدي ولا خلفي، فإن هذا مقام الملائكة. قال: هذا حديث صحيح [ (5) ] . وخرّجه الخطيب وقال: هذا حديث غريب، من حديث شعبة عن الأسود ابن قيس، لا أعلم رواه عنه غير خالد بن الحارث، وتفرد به أبو الأشعث عنه [ (6) ] .
وخرّج الحاكم من حديث ابن وهب قال: أخبرنى عبد الجبار بن عمر الأيلي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر [رضى اللَّه عنه قال] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مشى لم يلتفت [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث مكحول، عن مسروق بن الأجدع، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: شرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائما وقاعدا، ومشى حافيا وناعلا، وانصرف عن يمينه وعن شماله [ (2) ] . وذكر ابن ذبالة من حديث سفيان بن عيينة، عن عبد اللَّه بن دينار، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يأتى مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا [ (2) ] .
وأما نومه صلى الله عليه وسلم
وأما نومه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] فخرّج الإمام أحمد من حديث همام قال: أخبرنا يحيى بن أبى كثير، أن أبا سلمة حدثه، أن عائشة رضى اللَّه عنها حدثته، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن يرقد، توضأ وضوءه للصلاة ثم يرقد [ (2) ] . والّذي في الصحيحين، عن عائشة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب، توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام [ (3) ] . وقد تقدم أنه كان يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، في كل عين ثلاثة أميال [ (4) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث أبى معاوية [قال:] حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان ضجاع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي ينام عليه بالليل، من أدم محشو ليفا [ (5) ] .
ومن حديث عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى فراشه في كل ليلة، جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والمعوذتين] ، ثم يسمح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بها على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. وأخرجاه في الصحيحين، فذكره البخاري في فضائل القرآن [ (1) ] ، وفي التعوذ والقراءة عند النوم [ (2) ] ، وفي الطب [ (3) ] . ولأحمد من حديث حماد بن سلمة، عن سهيل، عن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه [قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه قال: اللَّهمّ رب السموات السبع ورب الأرضين، وربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر
كل ذي شر، أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغنني من الفقر [ (1) ] . [و] أخرجه مسلم [ (2) ] ، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا [أن نقول:] [ (3) ] ... فذكره. وخرجه الترمذي [ (4) ] [أيضا] [ (3) ] . وخرّج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا أوى إلى فراشه قال: الحمد للَّه الّذي أطعمنا، وسقانا، وكفانا، وآوانا، فكم ممن لا كافى له ولا مؤوى [ (5) ] . وخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب [ (6) ] . وللبخاريّ من حديث أبى عوانه بن عبد الملك، عن ربعي، عن حذيفة [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع يده
تحت خده، ثم يقول: اللَّهمّ باسمك أموت وأحيا، وإذا استيقظ قال: الحمد للَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور. ذكره في كتاب الدعوات [ (1) ] ، في باب ما يقول إذا أصبح. وله من حديث منصور، عن ربعي بن خراش، عن خرشة بن الحر، عن أبى ذرّ [رضى اللَّه عنه] قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أخذ مضجعه من الليل قال: اللَّهمّ باسمك أموت وأحيا، وإذا استيقظ قال: الحمد للَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور. ذكره في كتاب التوحيد [ (2) ] . وخرّجه مسلم من حديث شعبة، عن عبد اللَّه بن أبى السّفر، عن أبى بكر بن أبى موسى، عن البراء. تفرّد به مسلم من حديث البراء [ (3) ] . وللترمذي من حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن خراش عن حذيفة [رضى اللَّه عنه] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن ينام، وضع يده تحت رأسه ثم قال: اللَّهمّ قنى عذابك يوم تجمع عبادك، أو تبعث
عبادك. قال: هذا حديث حسن [ (1) ] . وله من حديث أبى إسحاق، عن أبى بردة، عن البراء بن عازب [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتوسد يمينه ثم يقول: رب قنى عذابك يوم تبعث عبادك قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب [ (2) ] .
وروى الثوري هذا الحديث، عن أبى إسحاق، عن البراء، لم يذكر بينهما أحدا، وروى شعبة عن أبى إسحاق عن أبى عبيد، ورجل آخر، عن البراء، وروى شريك عن أبى إسحاق، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن البراء [رضى اللَّه عنه] عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة وعن عبد اللَّه، عن النبي [صلّى اللَّه عليه وسلّم] بمثله [ (1) ] . وللبخاريّ من حديث العلاء بن المسيب، حدثني أبى عن البراء بن عازب [رضى اللَّه عنهما قال:] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أوى إلى فراشه، نام على شقه الأيمن ثم قال: اللَّهمّ أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمرى إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، ونبيك الّذي أرسلت. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قالهن ثم مات تحت ليلته، مات على الفطرة. ذكره في كتاب الدعوات [ (2) ] . وللترمذي من حديث حماد بن زيد، عن أبى لبابة قال: قالت عائشة رضى اللَّه عنها: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبنى إسرائيل [ (3) ] .
ومن حديث بقية بن الوليد، عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد اللَّه بن أبى بلال، عن العرباض بن سارية [رضى اللَّه عنه قال:] إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا ينام حتى يقرأ المسبحات، ويقول: [فيها] آية خير من ألف آية. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب [ (1) ] . وخرجه النسائي وقال: خالفه معاوية بن صالح، فذكر حديث ابن وهب، قال: سمعت معاوية يحدث عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينام حتى يقرأ المسبحات، ويقول: فيهن آية كألف آية. قال معاوية: إن بعض أهل العلم، كانوا يجعلون المسبحات ستا: سورة الحديد، والحشر، والحواريون، وسورة الجمعة، والتغابن، وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث ليث، عن أبى الزبير، عن جابر [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينام حتى يقرأ الم تَنْزِيلُ السجدة، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (3) ] .
وخرجه [الإمام أحمد] [ (1) ] من حديث حسين المعلم، عن أبى بريدة قال: حدثني ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول إذا تبوّأ مضجعه قال: الحمد للَّه الّذي كفاني، وآوانى، وأطعمنى، وسقاني، والّذي منّ عليّ وأفضل، والّذي أعطانى فاجزل، الحمد للَّه على كل حال، اللَّهمّ رب كل شيء، ومالك كل شيء، وإله كل شيء، [ولك كل شيء] [ (2) ] ، أعوذ بك من النار [ (3) ] . ومن حديث ابن لهيعة قال: حدثني حيّى بن عبد اللَّه، عن أبى عبد الرحمن الحبلى، عن عبد اللَّه بن عمرو [رضى اللَّه عنهما قال:] أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا اضطجع للنوم يقول: باسمك [رب] [ (4) ] وضعت جنبي فاغفر لي [ (5) ] . وللترمذي من حديث حماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر بن عبد اللَّه المزني وعن عبد اللَّه بن رباح، عن أبى قتادة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا عرس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرّس قبيل الصبح، نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه [ (6) ] ، وله في (الشمائل) من حديث سلمة بن كهيل،
عن كريب، عن ابن عباس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام وصلى ولم يتوضأ [ (1) ] . وفي الحديث قصة [ (2) ] [وروى أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا جاء الشتاء دخل البيت ليلة الجمعة، وإذا لبس ثوبا جديدا، حمد اللَّه تعالى، وصلّى ركعتين، وكسا الخلق] [ (3) ] .
وأما ما يقوله [صلى الله عليه وسلم] إذا استيقظ
وأما ما يقوله [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إذا استيقظ تقدم حديث حذيفة [رضى اللَّه عنه] ، وإذا استيقظ قال: الحمد للَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النشور [ (1) ] . وحديث أبى ذر [رضى اللَّه عنه] بنحوه [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، [قال:] أن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة [رضى اللَّه عنها] وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهله في طولها، فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنّ معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه، ثم قام [يصلى] ، قال ابن عباس [رضى اللَّه عنهما:] فقمت فصنعت مثل ما صنع [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج، فصلى الصبح. ذكره في كتاب الطهارة [ (2) ] ، وفي
وأما أن قلبه [صلى الله عليه وسلم] لا ينام
التفسير [ (1) ] ، وخرّجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] . وللإمام أحمد من حديث همام، حدثنا على بن زيد قال: حدثتني أم محمد، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يرقد ليلا ولا نهارا، فيستيقظ إلا قوّله تسوّك [ (4) ] . وأما أنّ قلبه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] لا ينام فخرج البخاري ومسلم من طريق مالك، عن سعيد المقبري، عن أبى سلمة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، [قالت:] إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها:
يا عائشة، إن عينىّ تنامان ولا ينام قلبي [ (1) ] . ولابن الجارود من حديث يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان قال: سمعت أبى يحدث عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عيني، ولا ينام قلبي. وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى طرق من هذا الحديث.
وأما مناماته عليه السلام
وأما مناماته عليه السلام [ (1) ]
فخرج أبو عبد اللَّه محمد بن عائد بن عبد الرحمن بن عبيد اللَّه القرشي، في كتاب (المغازي) ، قال: أخبرنى الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة، عن أبى الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، قال: إن اللَّه تبارك وتعالى، بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأراه اللَّه رؤيا في المنام، فشق عليه ذلك، رأى بينا هو بمكة، أتى سقف بيته، فنزع خشبة خشبة، حتى إذا فرغ، أدخل فيه سلم من فضة، ثم سوّل منه رجلان، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأردت أن أستغيث، فحبساني ومنعانى الكلام، وقعد أحدهما إلى كذا، وقعد الآخر إلى جنبي وأنا فرق، فأدخل أحدهما يده في
جنبي، فنزع ضلعين من جانبي، كما ينزع غلق الصندوق الشديد، فأدخل يده في جوفي، وأنا أجد بردها، فأخرج قلبي فوضعه على كفه، وقال لصاحبه: نعم القلب قلبه، قال: قلب رجل صالح، ثم أدخل القلب في مكانه، وردّ الضلعين كما يرد غلق الصندوق الشديد، ثم ارتقيا، ورفعا السلم، فاستيقظت، فإذا سقف البيت كما هو، فقلت: حلم] [ (1) ] . [وذكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لزوجته خديجة بنت خويلد رضى اللَّه عنها، فعصمها اللَّه تعالى من التكذيب، وقالت: أبشر، فو اللَّه لا يفعل اللَّه بك إلا خيرا، أخبرها أنه رأى بطنه طهر وغسل ثم أعيد كما كان، فقالت: هذا واللَّه خيرا فأبشر.] [ (1) ] . [قال ابن عائذ: وأخبرنى محمد بن شعيب، عن عثمان بن عطاء، أنه أخبره عن أبيه عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: ثم بعث اللَّه محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رأس خمس سنين من بنيان الكعبة، فكان أول شيء أراه اللَّه تعالى إياه من النبوة، رؤيا في المنام، فشق عليه ذلك، والحق ثقيل، والإنسان ضعيف، فذكر ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لزوجته خديجة ابنة خويلد رضى اللَّه عنها، فعصمها اللَّه تعالى من التكذيب، فقالت: أبشر، فإن اللَّه لا يصنع بك إلا خيرا، فحدّثها أنه رأى بطنه طهّر، وغسل، ثم أعيد كما كان، وقالت: وهذا واللَّه خيرا] [ (2) ] . وخرّج الحافظ أبو موسى، محمد بن أبى بكر بن أبى عيسى المديني الأصبهاني، من طريق الفرج بن فضالة: حدثنا هلال أبو جبلة، عن سعيد ابن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة رضى اللَّه عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذات يوم، ونحن في صفّة بالمدينة، فقام علينا فقال: إني
رأيت البارحة عجبا، رأيت رجلا من أمتى أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برّه بوالديه، فردّ ملك الموت عنه [ (1) ] . [ورأيت رجلا من أمتى قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوءه، فاستنقذه من ذلك] . ورأيت رجلا من أمتى قد احتوشته الشياطين، فجاء ذكر اللَّه عزّ وجلّ، فطرد الشياطين عنه [ (1) ]] [ (2) ] . ورأيت رجلا من أمّتى قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته، فاستنقذته من أيديهم [ (3) ] . ورأيت رجلا من أمتى يتلهث- وفي رواية يلهث- عطشا، كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاء صيام شهر رمضان، فسقاه وأرواه [ (4) ] . ورأيت رجلا من أمتى، ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا، كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاء غسله من الجنابة، فأخذ بيده، فأقعده إلى جنبي. ورأيت رجلا من أمتى من بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن شماله ظلمة، ومن قوفه ظلمة، وهو متحيّر [فيه] ، فجاء حجّه وعمرته فأخرجاه من الظلمة، وأدخلاه في النور. ورأيت رجلا من أمتى يتقى بيده وجهه وهج النار وشررها، فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار، [وظلا] على رأسه [ (5) ] .
ورأيت رجلا من أمتى يكلم المؤمنين فلا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المسلمين، إنه كان وصولا لرحمه فكلموه، فكلمه المؤمنون، وصافحوه، وصافحهم. ورأيت رجلا من أمتى قد احتوشته الزبانية، فجاء أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فاستنقذه من أيديهم، وأدخله في ملائكة الرحمة [ (1) ] . ورأيت رجلا من أمتى جاثيا على ركبتيه، وبينه وبين اللَّه تعالى حجاب، فجاءه حسن خلقه، فأخذ بيده، فأدخله على اللَّه عزّ وجل [ (2) ] . ورأيت رجلا من أمتى قد ذهبت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من اللَّه عزّ وجل، فأخذ صحيفته، فوضعها في يمينه [ (3) ] . ورأيت رجلا من أمتى خفّ ميزانه، فجاءه أفراطه فثقّلوا ميزانه [ (4) ] . ورأيت رجلا من أمتى قائما على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه من اللَّه [عزّ وجل] ، فاستنقذه من ذلك ومضى. ورأيت رجلا من أمتى في النار، فجاءته دمعته التي بكى من خشية اللَّه [عزّ وجلّ] ، فاستنقذته من ذلك. ورأيت رجلا من أمتى قائما على الصراط، يرعد كما [ترعد السعفة في ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه باللَّه عزّ وجلّ، فسكّن رعدته ومضى] [ (5) ] . [ورأيت رجلا من أمتى يزحف على الصراط، ويحبو أحيانا، ويتعلق
أحيانا فجاءته صلاته عليّ، فأقامته على قدميه، وأنقذته] [ (1) ] . [ورأيت رجلا من أمتى انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا اللَّه، ففتحت له الأبواب، وأدخلته الجنة] [ (2) ] . [قال أبو موسى: هذا حديث حسن جدا، رواه عن سعيد بن المسيب، عمر بن ذرّ، وعلى بن زيد بن جدعان. قال: والفرج بن فضالة بن النعمان ابن نعيم، أبو فضالة، كان وسطا في الرواية، ليس بالقوى ولا المتروك. وأبو جبلة سعيد بن هلال، كأنه مدني، لا يعرف بغير هذا، ذكره ابن أبى حاتم عن أبيه هكذا. وذكره الحاكم أبو عبد اللَّه بغير هذا الحديث، وأحاله على مسلم بن الحجاج، ورواه عن الفرج بن فضالة، بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد الكندي، قاضى بغداد، كان جميل [المذهب] ، حسن الطريقة] [ (2) ] . [وخرّج مسلم [ (3) ] ، وأبو داود [ (4) ] ، من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت ذات ليلة في ما يرى النائم، كأنّا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب، فأوّلت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب] [ (2) ] . [وخرّج البخاري في المناقب، في باب: علامات النبوة في الإسلام [ (5) ] ،
من حديث حماد بن سلمة، وخرّج مسلم في الرؤيا [ (1) ] ، من حديث أبى أسامة، قالا جميعا: عن بريد، عن أبى بردة، [عن] جده، عن أبى موسى رضى اللَّه عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت في المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، [فذهب وهلى] أنها اليمامة أو هجر، فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه، أنى هززت سيفا فانقطع صدره، فإذا هو ما أصيب به المؤمنون يوم أحد، ثم هززته أخرى، فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء اللَّه به من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت أيضا فيها بقرا، واللَّه خير، فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء اللَّه [به] من الخير بعد، وثواب الصّدق الّذي أتانا اللَّه بعد يوم بدر] [ (2) ] . [وخرجه البخاري في كتاب التعبير، في باب: إذا رأى بقرا تنحر [ (3) ] ، وفي باب: إذا هزّ سيفا في المنام [ (4) ] ، من حديث أبى أسامة بهذا الإسناد،
وقال: عن أبى موسى، أراه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال فيه وفي الّذي قبله: فإذا هي اليمامة أو البحر. وقال: فإذا هم المؤمنون يوم أحد. وذكر طرفا منه في غزوة بدر [ (1) ] بهذا الإسناد وقال: أراه عن رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] . وذكره أيضا في غزوة أحد [ (2) ] .] [ (3) ] . [وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمسلمين بمكة: قد رأيت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان] [ (3) ] . وخرّج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى ابن أبى الزناد، عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: تنفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سيفه ذا الفقار يوم بدر، قال ابن عباس: هو الّذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما جاءه المشركون يوم أحد، كان رأى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] أن يقيم بالمدينة يقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا: يخرج بنا رسول اللَّه نقاتلهم بأحد، ورجوا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى لبس أداته، ثم ندموا، وقالوا: يا رسول اللَّه! أقم، فالرأي رأيك، فقال: ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها، حتى يحكم اللَّه بينه وبين عدوه، قالوا: وكان مما قال لهم رسول اللَّه للَّه، يومئذ قبل] أن يلبس الأداة: إني رأيت أنى في درع حصينة، فأولتها المدينة، وإني مردف كبشا، فأوّلته
كبش الكتيبة، [وإني] رأيت [أن] سيفي ذا الفقار فلّ، [فأولته] فلّا فيكم، ورأيت بقرا تذبح، فبقر واللَّه خير، فبقر واللَّه خير [ (1) ] . ومن حديث حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت فيما يرى النائم، كأنى مردف كبشا، وكأن ظبّة سيفي انكسرت، فأولت أنّى أقتل كبش القوم، وأولت كسر ظبّة سيفي، قتل رجل من عترتي، فقتل حمزة رضى اللَّه عنه، وقتل طلحة، بن أبى طلحة ابن عبد العزى بن عثمان، بن عبد اللَّه بن عبد العزى، بن عثمان بن عبد الدار بن قصي [وكان] صاحب اللواء. وخرّجه الإمام أحمد به نحوه [ (2) ] . وقال الواقدي في مغازيه- وقد ذكر غزاة أحد-: رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رؤيا ليلة الجمعة، فلما أصبح واجتمع المسلمون وخطب فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر عن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا، رأيت كأنى في درع حصينة، ورأيت كأن سيفي ذا الفقار انقصم من عند ظبته، ورأيت بقرا تذبح، ورأيت كأنى مردف كبشا، فقال الناس: يا رسول اللَّه! فما أولتها؟ قال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] أما الدرع الحصينة، فالمدينة-، فامكثوا فيها، وأما انقصام سيفي من عند ظبته، فمصيبة في نفسي، وأما البقر المذبّح، فقتلى في أصحابى، وأما مردف كبشا، فكبش الكتيبة، نقتله إن شاء اللَّه
[تعالى] [ (1) ] . حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ورأيت في سيفي فلا فكرهته، فهو الّذي أصاب وجهه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وخرج البخاري في كتاب (المغازي) في وفد بنى حنيفة، وخرّج مسلم أيضا من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، أوتيت خزائن الأرض- وقال البخاري: فأوتيت بخزائن الأرض- فوضع في يدي سوارين- وقال البخاري: في كفّى سوارين- من ذهب، فكبرا عليّ وأهمانى، فأوحى إلى أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة [ (2) ] . وخرج البخاري في كتاب التعبير، من حديث عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نحن الآخرون السابقون، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، إذ أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي أسواران من ذهب، فكبرا عليّ. . الحديث إلى آخره، وترجم عليه باب: النفخ في المنام.
وخرج البخاري في كتاب التعبير، من حديث عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة رضى اللَّه عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نحن الآخرون السابقون، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، إذا أوتيت خزائن الأرض، فوضع في يدي أسواران من ذهب، فكبرا عليّ. . الحديث إلى آخره، وترجم عليه باب: النفخ في المنام [ (1) ] . وخرّج في باب: إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة، فأسكنه [موضعا] آخر، من حديث موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة- وهي الجحفة- فأولت أن وباء المدينة نقل إليها [ (2) ] ،
وخرّجه في باب المرأة السوداء [ (1) ] ، وفي باب المرأة الثائرة [بهذا] الإسناد نحوه [ (2) ] . وخرّج الترمذي من حديث عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: سئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ورقة، فقالت له خديجة رضى اللَّه عنها: إنه كان صدقك، ولكنه مات قبل أن تظهر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريته في المنام وعليه ثياب بياض، ولو كان من أهل النار، لكان عليه لباس غير ذلك، قال: هذا حديث غريب. وعثمان ابن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوى [ (3) ] . وخرّج مسلم [ (4) ] والترمذي [ (5) ] من طريق وهب بن جرير، [قال:] حدثنا أبى، عن أبى رجاء العطاردي، عن حمزة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه، فقال: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ هذا آخر حديث لمسلم في كتاب الرؤيا، ولم يذكر منه غير هذا الّذي كتبناه، وهو أيضا آخر حديث في كتاب الرؤيا عند الترمذي ولفظه فيه: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلّى بنا الصبح، أقبل على الناس بوجهه وقال: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ثم قال بعده: هذا حديث حسن [ (6) ] .
قال: ويروى هذا عن عوف وجرير بن حازم، عن أبى رجاء، عن سمرة رضى اللَّه عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قصة طويلة. قال: وهكذا روى محمد بن بشار هذا الحديث عن وهب بن جرير مختصرا [ (1) ] . وخرجه البخاري في باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، وهو آخر أبواب كتاب التعبير، من حديث إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عوف، حدثنا أبو رجاء، حدثنا سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يعنى مما] يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فقص عليه ما شاء اللَّه [تعالى] أن يقص، وأنه قال لنا ذات غداة: إنه أتانى الليلة آتيان وأنهما ابتعثانى، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإن أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم [عليه] بصخرة، وإذا هو يهوى بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه، فلا يرجع إليه حتى [يصح] رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل به [المرة] الأولى، قال: قلت لهما: سبحان اللَّه! ما هذان؟ فقال: قالا لي: انطلق. قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه، وإذا هو يأتى أحد شقي وجهه، فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه- قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق- قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب، حتى يصبح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان اللَّه! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور، قال: وأحسب أنه كان يقول، فإذا فيه
لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء [عراة] ، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهم: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت كأن يقول: أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع [حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح، ثم يأتى ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة] فيفغر له فاه، فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فغر له فاه، فألقمه حجرا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشها، ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق، فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق، انطلق. فانطلقنا، فانتهينا إلى روضة عظيمة، لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن، قال: قالا لي: ارق، فارتقيت فيها، قال: فارتقينا فيها، فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب، ولبن فضة، فأتينا باب المدينة، فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء، وشطر كأقبح ما أنت راء، قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجرى، كأن ماءه المحض من البياض، فذهبوا فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا، فذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة، قال: قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك. قال: فسما بصرى صعدا، فإذا
قصر مثل [الربابة] البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك قال: قلت لهما: بارك اللَّه فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن، فلا، وأنت داخله، قال: قلت لهما: فإنّي قد رأت منذ الليلة عجبا، فما هذا الّذي رأيت؟ [قال:] قالا لي: إنا سنخبرك. أما الرجل الأول الّذي أتيت عله يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة. وأما الرجل الّذي أتيت عليه يشر شر شدقه إلى قفاه [ومنخره إلى قفاه] ، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة، الذين في مثل بناء التنور، [فهم] الزناة والزواني. وأما الرجل الّذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا. وأما الرجل الكريه المرآة الّذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه [مالك] خازن جهنم. وأما الرجل الطويل الّذي في الروضة، فإنه إبراهيم صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول اللَّه! وأولاد المشركين؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأولاد المشركين. وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا، وشطر منهم قبيحا، فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، تجاوز اللَّه عنهم [ (1) ] .
وخرجه في آخر كتاب الجنائز، في باب أولاد المشركين، من حديث جرير ابن حازم، عن أبى رجاء، بتقديم وتأخير، وزيادة بعض ألفاظ [ (1) ] . وخرّج في كتاب الإيمان، في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، من حديث إبراهيم بن [سعد] ، عن صالح، عن ابن شهاب، عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف، أنه سمع أبا سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، رأيت الناس يعرضون عليّ، وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثّديّ، ومنها ما دون ذلك، وعرض عليّ عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] وعليه قميص يجرّه، قالوا: [فما] أوّلت ذلك يا رسول اللَّه؟ قال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] : الدين [ (2) ] . وخرّجه في كتاب التعبير في باب القميص في المنام [ (3) ] ، من حديث إبراهيم، بسنده.. الحديث، ولم يقل: عليّ، وقال: ومرّ عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، وخرّجه مسلم به [ (4) ] .
وخرّجه البخاري من حديث الليث، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرنى أبو أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بينا أنا نائم، رأيت الناس عرضوا عليّ، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما دون ذلك، وعرض على عمر وعليه قميص اجترّه، قالوا: فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال: الدين. ذكره في كتاب التعبير، وترجم عليه باب: جر القميص في [المنام] [ (1) ] . وخرّج في باب اللبن، من حديث يونس عن الزهري، قال: أخبرنى حمزة ابن عبد اللَّه، أن ابن عمر رضى اللَّه عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بينا أنا نائم، أتيت بقدح لبن فشربت منه، حتى إني لأرى الرىّ يخرج في أظافيرى، ثم أعطيت فضلي [يعنى] عمر رضى اللَّه عنه، [قالوا] : فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] : العلم [ (2) ] . و [خرجه] في
المناقب [ (1) ] ، وخرجه في كتاب التعبير، في باب إذا أعطى فضله غيره في النوم [ (2) ] ، من حديث الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، وخرجه في كتاب العلم، في باب فضل العلم [ (3) ] ، كذلك. وخرجه مسلم من حديث يونس عن ابن شهاب [ (4) ] ، ومن حديث الليث عن ابن عقيل، عن ابن شهاب [ (5) ] .
وخرّج الحاكم من حديث معتمر بن سليمان، حدثنا عبيد اللَّه بن عمر، أنه سمع أبا بكر بن سالم يحدث عن أبيه، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني رأيت في النوم أنى أعطيت عسّا مملوءا لبنا، فشربت منه حتى تملأت، حتى رأيته في عرق بين الجلد واللحم، ففضلت فضلة، فأعطيتها عمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ؟ فقال: أصبتم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . ولم يخرجاه [ (2) ] . وخرّجا من حديث يونس عن ابن شهاب، أن [سعيد] بن المسيب أخبره أنه سمع أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بينا أنا نائم، رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء اللَّه [تعالى] ، ثم أخذها ابن أبى قحافة [رضى اللَّه عنه] ، فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه [تعالى] يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا، فأخذها ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر [رضى اللَّه عنه] ، [حتى] ضرب الناس بعطن. لفظهما فيه متقارب. أورده البخاري في مناقب أبى بكر رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، وأورده في كتاب
التعبير [ (1) ] ، من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب. وخرّجه مسلم عن الليث أيضا [ (2) ] ، وعن إبراهيم بن سعد، عن صالح، بإسناد يونس، نحو
حديثه [ (1) ] . وخرّجه البخاري في كتاب التوحيد، في باب المشيئة والإرادة، من حديث إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، وقال في آخره: حتى ضرب الناس حوله بعطن [ (2) ] . وخرّجه مسلم [ (3) ] من حديث إبراهيم، عن صالح، قال: قال الأعرج
وغيره: إن أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: رأيت ابن أبى قحافة [رضى اللَّه عنه] ينزع.. بنحو حديث الزهري. وخرجه البخاري في كتاب التعبير، في باب الاستراحة في المنام، من حديث عبد الرّزاق، عن معمر، عن همام أنه سمع أبا هريرة [رضى اللَّه عنه] يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، رأيت أنى على حوض أسقى الناس، فأتانى أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو من يدي ليريحنى، فنزع ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له، فأتى ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ منه، فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض ينفجر [ (1) ] . وخرّجه مسلم من طريق عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى عمرو بن الحارث، أن أبا [يونس] مولى أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، حدثه عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بينا أنا نائم، أريت أنى أنزع على حوضي أسقى الناس، فجاءني أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو من يدي ليروّحنى، فنزع دلوين وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له، فجاء ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] فأخذه منه، فلم أر نزع رجل أقوى منه، حتى تولى الناس، والحوض ملآن يتفجّر [ (2) ] . وذكره البخاري في مناقب عمر رضى اللَّه عنه، من طريق [عبيد] اللَّه ابن عمر قال: حدثني [أبو بكر] بن سالم، عن سالم، عن عبد اللَّه بن عمر
رضى اللَّه [عنهما] ، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أريت في المنام أنى أنزع بدلو بكرة [على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين، نزعا ضعيفا، واللَّه يغفر له، ثم جاء عمر [رضى اللَّه عنه] فاستحالت غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفرى فريّه، حتى روى الناس وضربوا بعطن] [ (1) ] . وخرّجاه من حديث موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه، وخرّجه البخاري من حديث شعيب بن حرب، حدثنا صخر بن جويرية، حدثنا نافع أن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] حدثه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينما أنا على بئر أنزع منها إذا جاءني أبو بكر وعمر [رضى اللَّه عنهما] ، فأخذ أبو بكر [رضى اللَّه عنه] الدلو، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، فغفر اللَّه له، ثم أخذها ابن الخطاب [رضى اللَّه عنه] من يد أبى بكر، فاستحالت في يده غربا، فلم أر عبقريا من الناس يفرى فريه، حتى ضرب الناس بعطن. ذكره في كتاب التعبير في باب نزع الماء من البئر حتى يروى الناس [ (2) ] . وخرجه في مناقب أبى بكر رضى اللَّه عنه، من حديث وهب بن جرير، أخبرنا صخر عن نافع، أن عبد اللَّه بن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:.. الحديث، وقال فيه: واللَّه يغفر له، وقال في آخره: فنزع حتى ضرب الناس بعطن، وقال بعد هذا: وقال وهب: العطن، مبرك الإبل، يقول: حتى رويت الإبل فأناخت [ (3) ] .
وخرّج الحافظ ابن الجوزي وغيره، من طريق مطر الوراق وهشام، كلاهما عن ابن سيرين: عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت كأنى أنزع على غنم سود، وخالطها غنم عفر، إذ جاء أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فنزع ذنوبين وفيهما ضعف، ويغفر اللَّه له، إذ جاء عمر [رضى اللَّه عنه] ، فأخذ الدلو، فاستحالت غربا، فأروى الناس، وصدر الشاء، فلم أر عبقريا يفرى فريه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأوّلت أن الغنم السوداء العرب، وأن العفر إخوانهم من هذه الأعاجم [ (1) ] . وخرّج البخاري في كتاب النكاح، في باب الغيرة، من حديث يونس عن الزهري، أخبرنى ابن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: بينما نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جلوس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم، رأيتني في الجنة [ (2) ] . وخرجه مسلم في المناقب، من حديث يونس، أن ابن شهاب أخبره عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] ، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة، فإذا امرأة توضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب [رضى اللَّه عنه] ، فذكرت غيرة عمر، فوليت مدبرا، قال أبو هريرة [رضى اللَّه عنه] : فبكى عمر رضى اللَّه عنه، ونحن جميعا في ذلك المجلس [مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] ، ثم قال عمر [رضى اللَّه عنه] بأبي أنت يا رسول اللَّه، أعليك أغار [ (4) ] ؟
وقال البخاري: فبكى عمر [رضى اللَّه عنه] وهو في المجلس، وقال: أو عليك يا رسول اللَّه أغار؟ [ (1) ] . ورواه مسلم أيضا من حديث صالح، عن ابن شهاب بهذا الإسناد مثله [ (2) ] . وخرجه البخاري من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب. ذكره في كتاب بدء الخلق، في باب صفة [الجنة] [ (3) ] ، وفي مناقب عمر [رضى اللَّه عنه [ (4) ] ، و] في التعبير، في باب القصر في المنام [ (5) ] . وخرجه أيضا في التعبير، من حديث معمر، أخبرنا عبيد اللَّه بن عمر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لرجل من قريش، فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلم من
غيرتك، قال: وعليك أغار يا رسول اللَّه [ (1) ] ؟ وخرجه في النكاح، في باب الغيرة [ (2) ] . وخرجه مسلم من حديث سفيان، عن عمرو، وابن المنكدر [أنهما] سمعا جابرا [رضى اللَّه عنه] ، يخبر عن النبي فذكره [ (3) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت كأنى أتيت بكثلة تمر، فعجمتها في فمي، فوجدت فيها نواة آذتني، فلفظتها، ثم أخذت فيها نواة، فلفظتها] ، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: دعني، فلأعبرها، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اعبرها، قال [رضى اللَّه عنه:] هو جيشك الّذي بعثت، يسلمون ويغنمون، فيلقون رجلا، فينشدهم ذمتك، فيدعونه، ثم
يلقون رجلا فينشدهم ذمتك فيدعونه، ثم يلقون رجلا فينشدهم ذمتك فيدعونه، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذاك قال الملك [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق، وقال: أخبرنا معمر عن قتادة، عن الحسن بن عمران بن حصين، عن ابن مسعود رضى اللَّه عنه قال: أكثرنا الحديث ذات ليلة، عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم غدونا [إليه] ، فقال: عرضت عليّ الأنبياء [الليلة] [ (2) ] بأممها، فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة [والنبي ومعه العصابة] ، والنبي ومعه النفر، والنبي وليس معه أحد، حتى مرّ [عليّ] [ (2) ] موسى عليه الصلاة والسلام، ومعه [كبكبة] من بنى إسرائيل، فأعجبوني، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل [لي] [ (2) ] هذا أخوك موسى، معه بنو إسرائيل [قال] [ (2) ] فقلت: أين أمتى؟ فقيل لي: انظر عن يمينك، فنظرت، فإذا الظراب قد سد بوجوه الرجال [ثم قيل لي: انظر عن يسارك، فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال] [ (2) ] فقيل لي: أرضيت؟ فقلت: رضيت يا رب، [قال:] [ (2) ] فقيل لي: إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فداكم أبى وأمى، إن استطعتم أن تكونوا من السبعين الألف فافعلوا، فإن قصرتم، فكونوا من أهل الظراب، فإن قصرتم، فكونوا من أهل الأفق، فإنّي قد رأيت ثم ناسا يتهاوشون، فقام عكاشة بن محصن رضى اللَّه عنه فقال: أدع اللَّه لي يا رسول اللَّه أن يجعلني من السبعين فدعا له، فقام رجل آخر فقال: ادع اللَّه يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجعلني منهم؟ فقال: قد سبقك بها عكاشة. [ثم تحدثنا] [ (2) ] ، فقلنا: من ترون هؤلاء السبعين الألف. قوم ولدوا في الإسلام، ثم لم يشركوا باللَّه شيئا حتى ماتوا، فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال
صلّى اللَّه عليه وسلّم: هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون [ (1) ] . وخرّج البخاري ومسلم، من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان [رضى اللَّه عنها] فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت [رضى اللَّه عنهما] . [فدخل] عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما، فأطعمته، ثم جلست تفلى رأسه، فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه! ما يضحك؟ قال: ناس من أمتى عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه، يركبون ثبج هذا البحر، ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة- يشك أيهما- قال: قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه [تعالى] أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول اللَّه؟ قال: ناس من أمتى عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه [تعالى] ، كما قال في [الأولى] ، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، أدع اللَّه أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، [بن أبى سفيان] فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. خرجه البخاري بهذا السند في باب الدعاء بالجهاد، والشهادة للرجال والنساء [ (2) ] ، وفي كتاب الإستئذان [ (3) ] ، وكذلك خرجه أبو
داود [ (1) ] ، وخرجه الترمذي أيضا من حديث مالك، وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] ، وأخرجوه من حديث يحى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (3) ] ، وخرجه البخاري من حديث الليث، عن محمد بن يحى بن حبان، عن أنس، ومن حديث أبى إسحاق [بن] عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أنس رضى اللَّه عنه [ (4) ] .
وخرّج الحاكم من حديث عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني الليث عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبى هلال، عن عطاء، أن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، رضى اللَّه [عنهما] ، قال: خرج إلينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فقال: إلى رأيت في المنام كأن جبريل عليه السلام عند رأسي، وميكائيل عليه السلام عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: اسمع سمعت أذنك، واعقل عقل قلبك، مثلك ومثل أمتك، كمثل ملك اتخذ دارا، ثم بنى فيها بيتا، ثم جعل فيها مائدة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فاللَّه هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول، من أجابك دخل [الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ (1) ] . وخرّجه البيهقي من حديث عبد اللَّه بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبى هلال، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن على بن الحسين، وتلا هذه الآية: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، فقال: حدثني جابر بن عبد اللَّه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما.. فذكر الحديث [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث سليم بن حبان، أخبرنا سعيد بن مينا [قال] : أخبرنا- أو سمعت- جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنها يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن
العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيا، فمن أجاب الداعي، دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها بفقهها، فقالوا: فالدار، الجنة، والداعي، محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمن أطاع محمدا فقط أطاع اللَّه، ومن عصى محمدا فقد عصى اللَّه، ومحمد فرق بين الناس [ (1) ] . وخرّج الحاكم [ (2) ] من طريق محمد بن فضيل، عن حصين، بن عبد الرحمن عن ابن أبى ليلى، عن أبى أيوب رضى اللَّه عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني رأيت في المنام غنما سودا، يتبعها غنم عفر، يا أبا بكر، أعبرها، فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: يا رسول اللَّه، هي العرب تتبعك، ثم تتبعها العجم حتى تغمرها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هكذا عبرها الملك سحرا. وخرّج من حديث عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت غنما كثيرة سوداء، دخلت فيها غنما كثيرة بيض، قالوا: فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال: [العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم، قالوا: العجم يا رسول اللَّه؟ قال: لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم وأسعدهم به الناس] [ (3) ] . قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط البخاري
ولم يخرجاه. وخرج من حديث يحى بن محمد بن يحى الذهلي، حدثنا مسدد، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عوف، حدثنا أبو رجاء عن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء، وإنه قال ذات غداة: أنه أتاني الليلة آتيان ملكان، فقعد أحدهما عند رأسي، والأخر عند رجلي، فقال الّذي عند رجلي للذي عند رأسي: اضرب مثل هذا ومثل أمته، فقال: إن مثله ومثل أمته، كمثل قوم سفّر انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينا هم كذلك، إذ أتاهم رجل مرجل في حلة حبرة، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء [أتتبعوني؟ فقالوا: نعم، فانطلق بهم فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء] ، فأكلوا، [وشربوا] ، وسمنوا، فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحال، فقلت لكم إن وردت بكم رياضا عشبة، وحياضا رواء تتبعوني قالوا: بلى، فقال: إن بين أيديكم رياضا أعشب من هذا، وحياضا أروى من هذه، فاتبعوني، فقالت طائفة: صدق واللَّه، لنتبعن، وقالت طائفة: قد رضينا بهذا، نقيم عليه [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] . وخرّج الحاكم من طريق موسى بن يعقوب الزمعى، قال: أخبرنى هاشم ابن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتنى أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اضطجع ذات ليلة للنوم، فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر،
دون ما رأيت به المرة الأولى، ثم اضطجع، فاستيقظ، وفي يده تربة حمراء يقبلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرنى جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق، للحسين رضى اللَّه عنه، فقلت لجبريل: أرنى تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج الترمذي من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتانى الليلة ربى في أحسن صورة، قال: أحسبه في المنام [قال: كذا في الحديث] ، فقال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: لا، فوضع يده بين كتفي، حتى وجدت بردها بين ثديي- أو قال: في نحري- فعلمت ما في السموات وما في الأرض، قال: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، قال: في الكفارات والمفازات: المكث في المساجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللَّهمّ إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنى إليك غير مفتون، قال: والدرجات، إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام [ (2) ] . قال أبو عيسى: وقد ذكروا بين أبى قلابة وبين ابن عباس رضى اللَّه عنها في هذا الحديث، [وقد رواه قتادة عن أبى
قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس] . ثم ذكر من طريق هشام الدستوائى، عن قتادة، عن أبى قلابة، عن خالد ابن اللجلاج، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتانى ربى في أحسن صورة فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربى وسعديك، قال فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: ربى لا أدرى، فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما بين المشرق والمغرب، قال: يا محمد، فقلت: لبيك رب وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الدرجات، والكفارات، وفي نقل الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن يحافظ عليهنّ عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه [ (1) ] . قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب: عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه، وعبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد روى هذا الحديث [عن] معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه عن النبي بطوله، وقال: إني نعست فاستثقلت نوما، فرأيت ربى في أحسن صورة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ [ (2) ] . وخرّج من طريق يحيى بن أبى كثير، عن زيد بن سلام، عن أبى سلام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ، أنه حدثه عن مالك بن يخامر السكسكي، عن معاذ بن جبل رضى اللَّه عنه، قال: احتبس عنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا نتراءى، أي عين الشمس، فخرج سريعا، فثوب بالصلاة، فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتجوز في الصلاة، فلما
سلم، دعا بصوته، قال لنا: على مصافكم، كما أنتم، ثم انفتل إلينا، ثم قال: أما [إني] سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، قال: إني قمت من الليل فتوضأت، وصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدرى، قالها ثلاثا، قال: فرأيته وضع كفه بين كتفىّ، فوجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلى لي كل شيء وعرفت، فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هن؟ قلت: مشى الأقدام إلى الحسنات، والجلوس في المساجد [بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء حين الكريهات، قال: ثم فيم؟ قلت: إطعام الطعام] ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سل، قلت: اللَّهمّ إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم، فتوفني غير مفتون، أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها حق، فادرسوها، ثم تعلموها. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال: هذا أصح من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن [يزيد بن] جابر، قال: حدثنا خالد بن اللجلاج، قال حدثني عبد الرحمن بن عائش الحضرميّ، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ... فذكر الحديث، وهذا غير محفوظ، هكذا ذكر الوليد في حديثه، عن عبد الرحمن بن عائش قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروى بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث بهذا الإسناد، عن عبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهذا أصح.
وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث زهير بن محمد، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن خالد بن اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش، عن بعض أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، [قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس، مشرق الوجه، أو مسفر الوجه، فقلنا: يا رسول اللَّه! إنا نراك مسفر الوجه، أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعني وأتانى ربى عز وجل الليلة في أحسن صورة، فقال: يا محمد، فقلت: لبيك ربى وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدرى، أي رب، قال ذاك مرتين أو ثلاثا، قال: فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين كتفي، حتى تجلى لي ما في السموات والأرض [وليكون من الموقنين] قال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: قلت: في الكفارات، قال: وما الكفارات؟ قلت: المشي على الأقدام، والجلوس في المسجد خلاف الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكاره، فمن فعل ذلك عاش بخير، [ومات بخير] ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، ومن الدرجات طيب الكلام، وبذل السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام، وقال: يا محمد، إذا صليت فقل: اللَّهمّ إني أسألك الطيبات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب عليّ، وإذا أردت فتنة في الناس، فتوفني غير مفتون [ (2) ] . [قال: والدرجات بذل الطعام،
وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام] [ (1) ] . وقال الواقدي في غزوة الطائف: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأبى بكر رضى اللَّه عنه: إني رأيت أنى أهديت لي قعبة مملوءة زبدا، فنقرها ديك، [فأهراق] ما فيها، قال أبو بكر [رضى اللَّه عنه] : ما أظن أن تدرك منهم يا رسول اللَّه يومك هذا ما تريد، قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: وأنا لا [أرى] ذلك [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد [رحمه اللَّه] ، من حديث حماد بن سلمة، حدثنا الأشعث بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سمرة بن جندب رضى اللَّه عنه قال: إن رجلا قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت كأن دلوا دليت من السماء، فجاء أبو بكر رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان رضى اللَّه عنه، فأخذ بعراقيبها، فشرب، فانتشطت منه، فانتضح عليه منها شيء [ (3) ] . [ثم جاء على فأخذ بعراقيبها، فانتشطت وانتضح عليه منها شيء] [ (4) ] . وخرّج الإمام أحمد من حديث إسماعيل بن عياش: سمعت عمرو بن [العاص] رضى اللَّه عنه يقول: سمعت عن عبد اللَّه بن الحرث، قال:
سمعت عمرو بن [العاص] رضى اللَّه عنه يقول: بينا أنا في منامي أتتنى الملائكة، فحملت عمود الكتاب من تحت وسادتي فعمدت به إلى الشام، ألا فالإيمان حيث تقع الفتن بالشام [ (1) ] . ومن حديث زيد بن واقد قال: حدثني بشر بن [عبد] اللَّه، عن أبى إدريس الخولانيّ، عن أبى الدرداء رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب، فأتبعته بصرى فعهد به إلى الشام. . الحديث [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نمت فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارئ يقرأ، فقلت: من هذا: قالوا: حارثة بن النعمان، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذلك البر، قال: وكان أبر الناس بأمه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة. قال ابن عيينة وغيره: قالوا فيه: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجنة، ولم يذكروا فيه النوم ولا برّ أمه [ (3) ] . [وخرّج عثمان بن سعيد الدارميّ] من حديث محمد بن حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عمرو بن أبان بن عثمان، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريت الليلة رجل صالح أن أبا بكر رضى اللَّه عنه نيط برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلنا: أما الرجل الصالح، فرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأما ما ذكر ما نوط بعضهم ببعض، فهم ولاة هذا الأمر الّذي بعث اللَّه
[تعالى] به نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . قال الدارميّ: فسمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن حرب يسند هذا الحديث، والناس يحدثون به عن الزهري مرسلا، وإنما هو عمر بن أبان، ولم يكن لإبان بن عثمان أن يقال له: عمرو [ (2) ] . وخرّج الحاكم من حديث زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دخلت الجنة البارحة، فنظرت فيها، فإذا جعفر رضى اللَّه عنه يطير مع الملائكة، وإذا حمزة رضى اللَّه عنه متكئ على [سرير] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] [ولم يخرجاه] . وخرجه من حديث على بن عبد اللَّه المديني قال: حدثني أبى عبد اللَّه ابن جعفر، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [رأيت] جعفر بن أبى طالب [رضى اللَّه
عنه] ملكا يطير مع الملائكة بجناحين. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] [ولم يخرجاه] . ومن حديث معن بن زائدة [الأسدي الكوفي قائد الأعمش] عن الأعمش، عن أبى صالح، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت كأنى دخلت الجنة، فرأيت لجعفر [رضى اللَّه عنه] درجة فوق درجة زيد [رضى اللَّه عنه] فقلت: ما كنت أظن أن زيدا يدون أحدا، فقيل: يا محمد، تدري بم رفعت درجة جعفر [رضى اللَّه عنه] ؟ قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: قلت: لا، قيل: لقرابة ما بينك وبينه [ (2) ] . قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] . ومن حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري، عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت في المنام كأن أبا جهل أتانى فبايعني، فلما أسلم خالد بن الوليد رضى اللَّه عنه، قيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد صدق اللَّه تعالى رؤياك يا رسول اللَّه، هذا كان إسلام خالد رضى اللَّه عنه، [فقال:] ليكونن غيره حتى أسلم عكرمة بن أبى جهل رضى اللَّه عنه، [وكان] ذلك تصديق رؤياه [ (3) ] . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] . [وقال الزبير بن بكار: قال عمى مصعب بن عبد اللَّه: وزعم من يعلم أن قيام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عكرمة بن أبى جهل، وفرحه به، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
رأى في منامه الجنة، ورأى فيها عذقا مذللا فأعجبه، فقال: لمن هذا؟ فقيل لأبى جهل، فشق ذلك عليه، وقال: ما لأبى جهل والجنة؟ واللَّه لا يدخلها، فلما رأى عكرمة أباه مسلما، ناول ذلك العذق عكرمة بن أبى جهل] [ (1) ] . وخرج الحاكم من حديث الربيع بن سليمان، حدثنا بشر بن بكر التنيسي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليم بن عامر الكلاعي، حدثني أبو أمامة الباهلي [رضى اللَّه عنه قال:] سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يقول:] بينا أنا نائم إذا أتانى رجلان فأخذا بضبعي، فأتيانى جبلا وعرا، فقالا لي: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بى، فإذا [أنا] بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، قلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] الذين يفطرون قبل تحلة صومهم [ (2) ] . ثم انطلق بى، فإذا بقوم أشد شيء انتفاخا، وأنتنه ريحا [وأسوئه] منظرا، فقلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] الزانون والزواني، ثم انطلق بى، فإذا أنا بنساء ينهشن ثديهن الحيات، فقلت: ما بال [هؤلاء] ؟. فقال: [هؤلاء] اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن. ثم انطلق بى، فإذا بغلمان يلعبون بين نهرين، فقلت: من [هؤلاء] ؟ قالوا: [هؤلاء] [ذراري] المؤمنين، ثم [تشرف بى شرفا] ، فإذا أنا بثلاثة نفر يشربون من خمر لهم، قلت: من [هؤلاء] ؟ [قالوا] : [هؤلاء] جعفر بن أبى طالب، وزيد، [و] ابن رواحة [رضى اللَّه عنهم] ، ثم [تشرف بى
شرفا] آخر، فإذا أنا بثلاثة نفر، قلت: من [هؤلاء] ؟ قال: [هؤلاء] إبراهيم، وموسى، وعيسى، [عليهم الصلاة والسلام] ، وهم ينتظرونك. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بجميع رواته، غير سليم بن عامر، وقد احتج به مسلم، [وخرّجه ابن حبان في صحيحه، خلا قوله: قالوا: [هؤلاء] على بن أبى طالب، وزيد، وابن رواحة] [ (1) ] .
فصل في ذكر صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة
فصل في ذكر صديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل النّبوّة قال الحافظ أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم: كان عمرو بن عبسة [بن منقذ بن خالد بن حذيفة] [ (1) ] السلمي [كان] [ (1) ] ، صديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية [ (2) ] . وقال أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر: عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد السلمي، يكنى أبا نجيح، ويقال أبا شعيب، وينسبونه عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد بن غاضرة بن عتاب ابن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، أسلم قديما في أول الإسلام، وذكر حديث إسلامه، وهو يقضى أنه قدم مكة، وأسلم بعد أبى بكر وبلال، رضى اللَّه عنهما، ثم رجع إلى قومه، ومقتضاه أنه لم يكن يعرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل إسلامه، وأنه فارقه فلم يره بعد ذلك، حتى قدم عليه المدينة، فتعرف له، فعرفه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] . [وقال ابن الكلبي: عياض بن حماد بن محمد بن سفيان، كان حرمىّ [ (4) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يسلم، ومعه نجيبة
يهديها له، فقال: أسلمت؟ قال: لا، قالك إن اللَّه نهاني أن أقبل [زبدا] [ (1) ] من المشركين، فأسلم، فقبلها منه، فقال: يا رسول اللَّه! الرجل من قومي أسفل منى يشتمني، أفأنتصر منه؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: المستبّان شيطانان يتكاذبان [ (2) ] ، ويتهاتران] [ (3) ] . [وقال ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن قتادة، عن مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير، عن عياض بن حمار المجاشعي، وكان يقال: العياض حرمي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان ينزل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مك، إذا قدمها في الجاهلية] [ (3) ] . وقال محمد بن حزم: وكان عياض بن حمار بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، حرمي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية [ (4) ] .
ومعنى ذلك أن قريشا كانت [في] الحمس، وكانت [بنو] مجاشع من الحلة، وهما دينان من أديان العرب في الجاهلية، فكان الحلي لا يطوف بالبيت إلا عريان، إلا أنه يعيره رجل من الحمس ثيابا يطوف فيها، وكان عياض يطوف في ثياب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن عبد البر [رحمه اللَّه] : عياض بن حمار بن أبى حمار بن ناجية ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع المجاشعي التميمي، كان من الحلة الذين لا يطوفون إلا في ثياب الحمس [ (1) ] . وقال في (التمهيد) : روينا عن طاووس ومجاهد، وأبى صالح، ومحمد ابن كعب القرظي، ومحمد بن شهاب الزهري، يعنى ما نورده بدخول [كلام] بعضهم في بعض، وأكثره على لفظ ابن شهاب قال [جامعه: كانت] العرب تطوف بالبيت عراة، إلا الحمى: قريش وأحلافهم، فمن جاء من [غيرهم] ، وضع ثيابه فطاف في ثوبي أحمس يستعيرها منه، فإن لم يجد من يعيره، استأجر من ثيابهم، فإن لم يجد [من يستأجر منه ثوبه من الحمس، ولا من يعيره ذلك] ، كان بين أحد أمرين: إما أن يلقى [عليه] ثيابه ويطوف عريانا، وإما أن يطوف في ثيابه، فإذا طاف في ثيابه ألقاها عن نفسه إذا قضى طوافه، وحرمها عليه [فلا] يقربها غيره، فكان ذلك الثوب يسمى اللقى [ (2) ] ، وفي ذلك قول بعضهم:
كفى حزنا حزني عليه كأنه ... لقي بين أيدي الطائفين حريم [ (1) ] والمرأة في ذلك والرجل سواء، إلا أن النساء كن يطفن بالليل، والرجال [بالنهار] ، فقدمت امرأة لها هيئة وجمال، فطافت عريانة، وقال بعضهم: بل كان عليها من ثيابهم ما ينكشف عنها، فجعلت تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أحله [وكانوا] على ذلك، حتى بعث اللَّه [تعالى] نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنزل اللَّه [تعالى] عليه: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى [ذلِكَ خَيْرٌ] [ (2) ] [لأنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة] ، ونزلت: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [ (3) ] ، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مناديا فنادى: ألا لا يطوفون بالبيت عريان [ (4) ] .
ذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان يحسن العوم في الماء
ذكر أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحسن العوم في الماء قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن واقد الأسلمي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه عن الزهري قال: وحدثنا محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وحدثنا [عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبى بكر بن عمرو بن حزم، قالوا: حدثنا هاشم بن عاصم الأسلمي، عن أبيه، عن ابن عباس، دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع أمه آمنة بنت وهب، فلما بلغ ست سنين، خرجت به إلى [أخواله] بنى عدي ابن النجار بالمدينة، تزورهم به، ومعه أم أيمن تحضنه، وهم على بعيرين، فنزلت به ى دار النابغة فأقامت به عندهم شهرا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يذكر أمورا كانت في مقامه ذلك، لما نظر إلى أطم بنى عدي بن النجار عرفه، وقال: كنت ألاعب أنيسة جارية من الأنصار على هذا الأطم، وكنت مع غلمان من أخوالى، نطيّر طائرا كان يقع عليه، ونظر إلى الدار، فقال: ها هنا نزلت بى أمى، وفي هذه الدار قبر أبى عبد اللَّه بن عبد المطلب، وأحسنت العوم في بئر بنى عدي بن النجار، وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه، فقالت أم أيمن: فسمعت أحدهم يقول: هو نبي هذه الأمة، وهذه دار هجرته، فوعيت ذلك كله من كلامه، ثم رجعت به أمه إلى مكة، فلما كانت بالأبواء، توفيت آمنة بنت وهب، فقبرها هناك، فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدموا عليهما [إلى] مكة، وكانت تحضنه مع أمه، ثم أن بعد أن ماتت
[أيضا] .. وذكر الحديث [ (1) ] .
ذكر شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث
ذكر شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل البعث [قال أبو بكر بن أبى [شيبة] ، حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن [خيثم] ، عن مجاهد، عن السائب، أنه كان يشارك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الإسلام في التجارة، فلما كان يوم الفتح، أتاه فقال: مرحبا بأخي وشريكي، كان لا يداري، ولا يمارى، يا سائب! كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تتقبل منك، وهي اليوم تتقبل منك، وكان ذا سلف وصلة] [ (1) ] . وقال الزبير بن بكار: وحدثني أبو ضمرة، أنس بن عياض الليثي، قال: حدثني أبو السائب، عبد اللَّه بن السائب المخزومي، قال: كان جدي أبو السائب شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم الشريك، كان أبو السائب لا يشارى ولا يمارى] . [وخرج أبو نعيم الأصفهاني، من حديث الأعمش، عن مجاهد، قال: حدثني مولاي عبد اللَّه بن السائب، قال: كنت شريك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجاهلية، فلما قدمت المدينة، قال: تعرفني؟ قلت: نعم، كنت شريكي، قال: نعم الشريك، لا تدارى، ولا تمارى] [ (2) ] . [وقال ابن عبد البر: الحديث في من كان شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مضطرب جدا، من يجعل الشركة للسائب بن أبى السائب، ومنهم من
يجعلها لأبى السائب أبيه، ومنهم من يجعلها لقيس بن السائب، ومنهم من يجعلها لعبد اللَّه بن السائب، [و] هذا اضطراب لا يثبت به شيء، ولا تقوم به حجة] [ (1) ] . [وقال الزبير بن بكار، في كتاب (نسب قريش) ومنه نقلت: وولد عائذ ابن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، أبا السائب، واسمه صيفي، وأبا رفاعة، واسمه أمية، وعتيق، وزهير، فولد أبو السائب بن عائد. السائب، قتل ببدر كافرا، والمسيب وأبا نهيك، واسمه عبد اللَّه، وأبا عطاء، واسمه عبد اللَّه، أسر ببدر] . [قال: ومن ولد أبى السائب بن عائذ، أو السائب الّذي كان يستغرب في الشعر إذا استحسنه، وكان علماء قريش يذكرون منه عفافا، ثم ذكر حديث أبى السائب، عبد اللَّه بن السائب [قال] : كان جدي أبو السائب شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر ابن إسحاق فيمن قتل ببدر من المشركين: السائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (2) ] . [قال ابن هشام عفى اللَّه عنه: السائب بن أبى السائب، شريك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الّذي جاء فيه الحديث، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم الشريك السائب،
[لا يشارى، ولا يمارى] . وكان أسلم فحسن إسلامه فيما بلغنا] [ (1) ] . [وذكر ابن شهاب الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، أن السائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ممن بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قريش، وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين] [ (2) ] . [وقال أبو محمد بن حزم: والسائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، اختلف فيه، فقيل: لم يقتل يومئذ- يعنى يوم بدر- بل أسلم بعد ذلك] [ (3) ] . [وقال أبو عمر بن عبد البر: اختلف في إسلامه، ثم ذكر قول ابن إسحاق، وقول الزبير الّذي تقدم ذكره، ثم قال: وقد نقض الزبير ذلك في موضعين من كتابه، فذكر ما أورده الزبير من حديثه، عن يحيى بن محمد ابن عبد اللَّه بن ثوبان، عن جعفر بن عكرمة، عن يحيى بن كعب، عن أبيه كعب، مولى سعيد بن العاصي، وهو يطوف بالبيت ومعه جنده، فرجموا
السائب بن صيفي بن عائذ، فسقط، فوقف عليه معاوية- وهو يومئذ خليفة- فقال: ارفعوا الشيخ، فلما قام قال: هيا معاوية! أجئتنا بأوباش الناس يصرعوننا حول البيت، [أما] واللَّه لقد أردت أن أتزوج أمك، فقال معاوية: ليتك فعلت فجاءت بمثل أبى السائب، يعنى عبد اللَّه بن السائب] [ (1) ] . [قال ابن عبد البر: وهذا واضح في إدراكه الإسلام، وفي طول عمره، تم ذكر حديث الزبير الّذي تقدم ذكره، من قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم الشريك كان أبو السائب] [ (1) ] . [قال ابن عبد البر: وهذا كله من الزبير مناقضة لما ذكر أن السائب بن السائب قتل يوم بدر كافرا، ثم ذكر ابن عبد البر قول ابن هشام الّذي تقدم ذكره، ثم قال: وهذا أولى ما عول عليه في هذا الباب، يعنى أن السائب بن السائب من المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم] [ (1) ] . وقد خرج حديث السائب- رحمه اللَّه- أبو داود في سننه [ (2) ] ، وابن ماجة [ (3) ] أيضا من حديث سفيان، قال: حدثني إبراهيم بن المهاجر، عن
مجاهد، عن [قائد] السائب عن السائب قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعلوا يثنون عليّ ويذكرونني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أعلمكم- يعنى به- فقلت: صدقت، بأبي [أنت] [ (1) ] وأمى، كنت شريكي، فنعم الشريك، كنت لا تدارى ولا تمارى. رواه عند أبى داود: يحيى عن سفيان، وهذه سياقته، ذكره في كتاب الأدب. ورواه عند ابن ماجة: عبد الرحمن بن مهدي، ولفظه: عن السائب أنه قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: كنت شريكي في الجاهلية، فكنت خير شريك، كنت لا تدارينى، ولا تمارينى] [ (2) ] .
فصل في ذكر سفره صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحب السفر في يوم الخميس، وكان يذكر اللَّه تعالى عند سفره، وإذا رجع من سفره، بأذكار معلومة، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو اللَّه تعالى إذا ودع مسافرا، وإذا نزل منزلا، وإذا كان وقت السحر، وكان يتنفل على الراحلة، وله سير معروف، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا. أما يوم سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج البخاري عن يونس، عن الزهري قال: أخبرنى عبد الرحمن بن كعب بن مالك، أن كعب بن مالك كان يقول: لقل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إذا خرج [في سفر] إلا يوم الخميس [ (1) ] . هكذا وقع الحديث في كتاب البخاري، عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، قال: سمعت مالكا يقول.. والحديث منقطع، لأنه لم يسمع عبد الرحمن بن عبد اللَّه، من جده كعب بن مالك شيئا، وإنما سمع من أبيه عبد اللَّه، ومن عمه عبيد اللَّه، عن أبيهما كعب بن مالك، ونسب ذلك لابن المبارك، لا ليونس، لأن الليث بن سعد، وعبد اللَّه بن وهب، روياه عن يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده كعب بن مالك، ورواه الليث أيضا، عن عقيل، عن الزهري، بهذا الإسناد أيضا متصلا [ (2) ] .
وخرج النسائي من طريق ابن جريج، قال أخبرنى معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن جده، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس، وخرج من طريق ابن وهب قال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، عن جده، قال: ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج في سفر جهاد وغيره، إلا في يوم الخميس. هكذا قال في الأول: عبد الرحمن عن جده، وفي الثاني: عبد الرحمن عن أبيه [ (1) ] . وخرج أبو بكر الشافعيّ، من طريق عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط، أبى محمد العبديّ قال: حدثنا يونس عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه قال: قل ما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد سفرا، أن يخرج إلا يوم الخميس [ (2) ] . وخرج ابن حيان من طريق خالد بن إلياس [ويقال: ابن إياس] ، عن
محمد بن المنكدر، عن أم سلمة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب يوم الخميس، ويستحب أن يسافر فيه [ (1) ] . وخالد بن إياس هذا، قال أحمد: منكر الحديث، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه [ (2) ] . وخرج أيضا من طريق عثمان بن المخارق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسافر في يوم الاثنين والخميس [ (3) ] .
وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسافرا
وأما ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج مسافرا فخرج النسائي من طريق حماد، عن عاصم قال: قال عبد اللَّه بن سرجس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر يقول: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ أصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال [ (1) ] .
وخرجه الترمذي بهذا السند مثله، وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] ، قال: ويروى: الحور بعد الكور أيضا، قال: ومعنى قوله: الحور بعد الكون أو الكور فكلاهما له وجه: إنما هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية، إنما يعنى الرجوع من شيء إلى شيء من الشر [ (2) ] . وخرجه أبو بكر الشافعيّ رحمه اللَّه، من حديث عاصم [قال:] حدثنا أبو الأحوص، عن سماك عن عكرمة، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج إلى سفر قال: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من الفتنة في السفر، والكآبة في المنقلب، اللَّهمّ اقبض لنا الأرض، وهون علينا السفر [ (3) ] . وللإمام أحمد من حديث عمران بن ظبيان، عن حكيم بن سعد أبى يحى، عن على رضى اللَّه عن قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد سفرا قال: اللَّهمّ
بك أصول، وبك أجول، وبك أسير [ (1) ] . ولمسلم من حديث إسماعيل بن علية، عن عاصم الأحول، عن عبد اللَّه ابن سرجس قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر يتعوذ باللَّه من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال. انفرد بإخراجه مسلم [ (2) ] . ولمسلم من حديث ابن جريج، قال: أخبرنى أبو الزبير، أن عليا الأزدي أخبره أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، علمهم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر، كبر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ [ (3) ] اللَّهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: آئبون تائبون عابدون، لربنا حامدون [ (4) ] . وخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة، عن أبى الزبير، عن على ابن عبد اللَّه البارقي، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما قال:] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سافر ركب راحلته، كبر ثلاثا ويقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا
وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم يقول: اللَّهمّ إني أسألك في سفري هذا من البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا السفر، واطو عنا بعد الأرض، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ أصبحنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا. وكان يقول إذا رجع إلى أهله: آئبون [إن شاء اللَّه] [ (1) ] تائبون عابدون، لربنا حامدون [ (2) ] . قال: هذا حديث حسن [غريب من هذا الوجه] [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد رحمه اللَّه، ولفظه: عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا ركب راحلته- يعنى إلى السفر- كبر ثلاثا ثم قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم يقول: اللَّهمّ إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هون علينا السفر، واطو لنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ اصحبنا في سفرنا، واخلفنا في أهلنا [ (3) ] . وللنسائى من حديث جرير، عن منصور، عن أبى إسحاق، عن على بن ربيعة الأسدي، قال: أتى على رضى اللَّه عنه بدابة، فوضع رجله في الركاب فقال: بسم اللَّه، فلما استوى عليها قال: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ثم كبر ثلاثا، وحمد اللَّه ثلاثا، ثم قال: لا إله إلا أنت، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوما مثل ما قلت، ثم استضحك، فقلت: مم استضحكت؟ قال: يعجب ربنا من قول عبده: سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت،
قال: علم عبدي أنه له ربا يغفر له الذنوب [ (1) ] . وخرجه الترمذي من حديث قتيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن أبى إسحاق، فذكره وقال: حديث حسن صحيح [ (2) ] . وقال محمد بن إسحاق [عفى اللَّه عنه] : وبلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما خرج من مكة مهاجرا إلى اللَّه يريد المدينة قال: الحمد للَّه الّذي خلقني ولم أك شيئا، اللَّهمّ أعنى على هول الدنيا، وبوائق الدهر، ومصائب الليالي والأيام، اللَّهمّ اصحبنى في سفري واخلفني في أهلي، وبارك لي فيما رزقتني، ولك فذللني، وعلى صالح خلقي فقومني، وإليك رب فوجهني، وإلى الناس فلا تكلني، رب المستضعفين وأنت ربى، أعوذ بوجهك الكريم الّذي أشرقت له السموات والأرض، وكشفت به الظلمات، وصلح عليه أمر الأولين والآخرين، أن يحل عليّ غضبك، أو ينزل بى سخطك، أعوذ بك من زوال نعمتك، وفجأة نقمتك، وتحول عافيتك، وجميع سخطك، لك العتبى عندي ما استطعت، ولا حول ولا قوة إلا بك. كذا ذكره أبو نعيم، عن ابن إسحاق [رحمه اللَّه تعالى] [ (3) ] .
وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا علا على شيء
وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا علا على شيء فخرج الإمام أحمد من حديث عمارة، حدثنا زياد النميري، حدثني أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا علا نشزا من الأرض قال: اللَّهمّ لك الشرف على كل شرف، ولك الحمد على كل حال [ (1) ] . وأمّا الدعاء لمن ودّعه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج النسائي من حديث حماد بن سلمة، قال: أنبأنا أبو جعفر الخطميّ، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن عبد اللَّه بن يزيد الخطميّ قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا شيع جيشا فبلغ عقبة الوداع قال: استودع اللَّه دينكم، وأعمالكم، وخواتيم أعمالكم [ (2) ] . ومن حديث يحيى بن إسماعيل عن قزعة، عن ابن عمر رضى اللَّه عنه
قال: ودع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا فقال: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك [ (1) ] . وفي لفظ عن قزعة قال: كنت عند عبد اللَّه بن عمر، فأردت الانصراف، فقال: كما أنت حتى أودعك كما ودعني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخذ بيدي، فصافحني، ثم قال: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك [ (1) ] . وخرجه الترمذي [رحمه اللَّه] من حديث سعيد بن خيثم، عن حنظلة، عن سالم، أن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] كان يقول للرجل إذا أراد سفرا: ادن منى أودعك كما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يودعنا، فيقول: استودع اللَّه دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [غريب] من هذا الوجه من حديث سالم [ (2) ] . وله من حديث جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! إني أريد سفرا فزودنى، قال: زودك اللَّه التقوى، قال: زدني، قال: وغفر ذنبك، قال: زدني بأبي أنت وأمى، قال: ويسر لك الخير حيثما ما كنت. قال: هذا حديث حسن غريب [ (3) ] . وله من حديث أسامة بن زيد، عن سعيد المقبري، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه [قال:] أن رجلا قال: يا رسول اللَّه! إني أريد أن أسافر فأوصنى، قال: عليك بتقوى اللَّه، والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل،
قال: اللَّهمّ طو له البعد، وهون عليه السفر، قال: هذا حديث حسن [ (1) ] . وخرجه تقى بن مخلد بهذا الإسناد، قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أوصيك بتقوى اللَّه، والتكبير على كل شرف، فلما ولّى قال: اللَّهمّ ازو له الأرض، وهون عليه السفر [ (2) ] . ولابن يونس من حديث ابن لهيعة، عن الحسن بن ثوبان، عن موسى بن وردان، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: ودعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: استودعك اللَّه الّذي لا تضيع ودائعه [ (3) ] .
وأما كيف سيره صلى الله عليه وسلم
وأمّا كيف سيره صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج البخاري من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنه قال: سئل أسامة- وأنا جالس- كيف كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسير في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، قال هشام: والنص، فوق العنق، قال أبو عبد اللَّه: فجوة، متسع، والجمع فجوات وفجاء، وكذلك ركوة وركاء. ذكره في كتاب الجهاد [ (1) ] ، وفي آخر حجة الوداع [ (2) ] . وخرجه مسلم من
حديث الربيع بن حماد، حدثنا هشام عن أبيه، فذكره. ومن حديث حميد بن عبد الرحمن عن هشام. وخرج الحاكم من حديث الإمام أحمد، حدثنا إسماعيل بن أبى علية، حدثنا الحجاج بن أبى عثمان، عن أبى الزبير، أن جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] حدثهم قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتخلف عن المسير، [فيزجى] الضعيف ويردف، ويدعو لهم. [قال:] صحيح على شرط مسلم. [ولم يخرجاه] [ (1) ] .
وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم ويعمله إذا نزل منزلا
وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعمله إذا نزل منزلا فخرج النسائي من حديث بقية [قال:] حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا شريح بن عبيد، عن الزبير بن الوليد، عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه [عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض، ربى وربك اللَّه، أعوذ باللَّه من شرك، وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، ومن شر ما يدب عليك، وأعوذ باللَّه من أسد وأسود، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد [ (1) ] . وخرجه الإمام أحمد بهذا السند، ولفظه: عن عبد اللَّه بن عمر [رضى اللَّه عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا أو سافر، فأدركه الليل قال: يا أرض، ربى وربك اللَّه، أعوذ باللَّه من شرك وشر ما فيك، وشر ما خلق فيك، وشر ما دب عليك، أعوذ باللَّه من شر كل أسد وأسود، وحية وعقرب، ومن شر ساكن البلد، [ومن شر] [ (2) ] والد وما ولد [ (3) ] . وخرج الحاكم من حديث محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن أبى صفوان الثقفي، حدثنا عبد السلام بن هاشم، حدثنا عثمان بن سعد الكاتب، عن أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينزل منزلا إلا ودعه بركعتين. قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم
وأما ما يقوله صلى الله عليه وسلم في السحر
يخرجاه، وعثمان بن سعد ممن يجمع حديثه [في البصريين] [ (1) ] . وأمّا ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في السّحر خرج مسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى سليمان ابن بلال، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: سمع سامع بحمد اللَّه، وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل عائذا باللَّه [من] النار [ (4) ] .
ذكر ما يقوله صلى الله عليه وسلم إذا رأى قرية
ذكر ما يقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رأى قرية خرج النسائي من حديث سليمان بن بلال [قال:] حدثنا أبو بكر، حدثنا سليمان عن أبى سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه كان يسمع قراءة عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، وهو يؤم الناس في مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دار أبى جهم [ (1) ] . وقال كعب الأحبار: والّذي فلق البحر لموسى، لين مهيبا، حدثني أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللَّهمّ رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أظللن، ورب الرياح وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها [ (2) ] . وحلف كعب بالذي فلق البحر لموسى، لأنها كانت دعوة داود عليه السلام حين يرى القرية. ذكره من طرق.
ذكر تنفله صلى الله عليه وسلم على الراحلة
ذكر تنفله صلّى اللَّه عليه وسلّم على الراحلة خرج البخاري من حديث موسى بن عقبة، عن نافع قال: كان ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] يصلى على راحلته ويوتر عليها، ويخبر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يفعل ذلك [ (1) ] .
وأما ما يقول إذا رجع من سفره
وخرجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان يصلى سبحته حيث توجهت به ناقته. وفي لفظ: كان يصلى على راحلته حيث توجهت به. ذكره من عدة طرق. وللإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ربعي بن الجارود [قال] : حدثني عمرو بن الحجاج، عن الجارود بن أبى سبرة، عن أنس رضى اللَّه عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد أن يصلى على راحلته، استقبل القبلة، وكبر للصلاة، ثم خلى عن راحلته، فصلى حيث توجهت به [ (1) ] . وأمّا ما يقول إذا رجع من سفره فخرّج البخاري من حديث مالك عن نافع، عن ابن عمر [رضى اللَّه عنهما قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قفل من غزوة، أو حج، أو عمرة، يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آئبون، تائبون، عابدون، [ساجدون] لربنا حامدون، صدق اللَّه وعده، ونصر
عبده، وهزم الأحزاب وحده. وخرجه مسلم، فذكره من طرق عديدة [ (1) ] . ولأبى بكر الشافعيّ من حديث أبى الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد الرجوع من سفر قال: آئبون تائبون، لربنا حامدون، فإذا دخل صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهله قال: أوبا أوبا، لربنا توبا، لا [يغادر] علنيا حوبا [ (2) ] .
وأما ما يصنع إذا قدم من سفر
وأمّا ما يصنع إذا قدم من سفر فخرج البخاري [ (1) ] من حديث محمد بن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن أبيه، وعمه عبيد اللَّه بن كعب بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قدم من سفر ضحى، دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس. وذكره مسلم بنحو ذلك [ (2) ] . وخرّجه النسائي بهذا السند، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يقدم من سفر إلا نهارا ضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم جلس [ (3) ] .
وخرّجه ابن حيان من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن تميم، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن كعب بن مالك [رضى اللَّه عنه] قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم يقعد ما قدر له في مسائل الناس وسلامهم [ (1) ] . وخرّج البخاري من حديث شعبة، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما قدم المدينة، نحر جزورا أو بقرة، زاد معاذ عن شعبة، عن محارب، سمع جابر بن عبد اللَّه: اشترى منى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيرا [بأوقيتين] ودرهم أو درهمين، فلما قدم صرارا، أمر ببقرة فذبحت، فأكلوا منها، فلما قدم المدينة أمرنى أن آتى المسجد فأصلى ركعتين، ووزن ثمن البعير. ذكره في كتاب الجهاد، وترجم عليه باب: الطعام عند القدوم [ (2) ] .
وأما كونه صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلا
وخرّج مسلم من حديث شعبة عن محارب [أنه] سمع جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه عنهما] يقول: اشترى منى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيرا بأوقيتين ودرهم أو درهمين، قال: فلما قدم صرارا أمر ببقرة فذبحت، فأكلوا منها، فلما قدم المدينة، أمرنى أن آتى المسجد فأصلى ركعتين، ووزن ثمن البعير فأرجح لي [ (1) ] . وفي لفظ له: وقال أمر ببقرة فنحرت، ثم قسم لحمها [ (2) ] . وأما كونه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا فخرج البخاري من حديث همام عن إسحاق بن أبى عبد اللَّه بن أبى طلحة، عن أنس رضى اللَّه عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يطرق أهله ليلا، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية. وخرجه مسلم بهذا السند، ولفظه: كان لا يطرق أهله ليلا، وكان يأتيهم غدوة أو عشية [ (3) ] .
فصل في الأماكن التي حلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الرحلة النبوية
فصل في الأماكن التي حلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي الرحلة النبويّة اعلم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سافرت به أمه إلى المدينة وهو غلام، وسافر إلى الشام مرة مع عمه أبى طالب، وله من العمر نحو اثنتي عشرة سنة، ومرة في تجارة لخديجة بنت خويلد، فبلغ أرض بصرى، وأسرى به صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فاجتمع بالأنبياء عليهم السلام، وصلّى بهم فيه، ثم رقا إلى السماء، [و] قد روى أنه نزل في ليلة الإسراء بطيبة، وطور سيناء [و] بيت لحم، وبقبر إبراهيم الخليل، وأنه ذهب إلى يأجوج ومأجوج، وإلى مدينة جابلقا بالمشرق، وإلى مدينة جابرسا بالمغرب، وخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف، وحضر مجنة، وعكاظ، [وذا المجاز] ، ثم هاجر إلى طيبة، واتخذها وطنا، وغزا منها سبعا وعشرين غزاة، وخرج إلى العمرة مرتين، صدّ عن البيت في الأولى، وطاف في الثانية بالبيت، وسعى [بين] الصفا والمروة، وقدم مكة مرتين بعد هجرته، سوى القدمة التي اعتمر فيها، ففتح مكة في إحدى قدمتيه، وسار منها إلى الطائف، وحج في الثانية صلّى اللَّه عليه وسلّم تسليما كثيرا. وأمّا سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمه فخرّج أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، من حديث قراد أبى نوح، واسمه عبد الرحمن بن غزوان قال: أخبرنا يونس بن أبى إسحاق، عن أبى بكر بن أبى موسى، عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا، فحلوا
رحالهم، فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال: فهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه اللَّه رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة، لم يبق حجر، ولا شجر، إلا خرّ ساجدا، ولا يسجدان إلا لنبىّ، وإني لأعرفه بخاتم النبوة، أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به، وكان هو في رعيه الإبل، قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا إلى القوم، وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه، قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو يناشدهم [أن لا] يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم إن رأوه، عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا بسبعة [من الروم قد أقبلوا] ، فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟. قالوا: جئنا [أن] هذا النبي، خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد [أخبرنا خبره] وبعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟ فقالوا: إنما أخبرنا خبره لطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرا أراد اللَّه أن يقضيه، هل يستطيع أحد [من الناس] رده؟ قالوا: لا، قال: فبايعوه وأقاموا معه، قال: أنشدكم اللَّه، أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى ردّه أبو طالب، وبعث معه أبو بكر رضى اللَّه عنه بلالا، وزوده الراهب من الكعك والزيت. قال أبو عيسى: هذا حديث [حسن غريب] لا نعرفه إلا من هذا الوجه [ (1) ] .
[قال مؤلفه] عفى اللَّه عنه: في هذا الحديث وهم، وهو أن أبا بكر رضى اللَّه عنه لم يكن حاضرا، ولا كان في حال من يملك، ولا ملك بلالا إلا بعد ذلك بنحو ثلاثين عاما، فإنه ما اشتراه إلا بعد المبعث، وخروج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمه كان وله من العمر اثنى عشر سنة ونيف. وقال البيهقي [رحمة اللَّه عليه] : قال أبو العباس محمد بن يعقوب، سمعت العباس بن محمد يقول: ليس في الدنيا مخلوق يحدث به غير قراد [ (1) ] ، وسمع هذا أحمد ويحيى بن معين من قراد. قال البيهقي [ (2) ] : وإنما أراد بإسناده هذا موصولا، فأما القصة، فهي عند أهل المغازي مشهورة [ (3) ] .
وقال شيخنا العماد بن كثير: وهو إسناد صحيح، ولكن في متنه غرابة، وفيه ذكر الغمامة، ولم أر لها ذكرا في حديث ثابت أعلمه سواه [ (1) ] . [وفي هذا الحديث أمور ينبغي النظر فيها:] [ (2) ] . [الأول: على أي شيء تابعوه أو بايعوه؟ وهل البيعة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ أو
للراهب؟ فإن كانت للراهب فلا فائدة إذا، لأنه قد ناشدهم فتركوه عند المناشدة، وإن كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو الظاهر، لأن سياق اللفظ إنما هو راجع إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا ذاك في حيّز من لا يبايع، لأنه كان ابن تسع سنين] [ (1) ] . [الثاني: أبو بكر رضى اللَّه عنه لم يكن معهم في هذه السفرة، ولا كان في سنّ من يملك ولا ملك بلالا، إلا بعد هذا بنحو ثلاثين سنة، ولعل بعضهم وهم في هذا، ويشتبه أن يكون الحمل فيه على عبد الرحمن بن غزوان، الملقب بقراد، وإن كان البخاري قد خرّج حديثه، فإنه موصوف بالخطإ، والتفرد، وقلة العلم، وقد تفرد بهذا الحديث. قال العباس بن محمد الدوري، فيما ذكره ابن عساكر: ليس في الدنيا مخلوق يحدث بهذا غير قراد، أي نوح عن يونس بن أبى إسحاق، عن أبى بكر بن أبى موسى، عن أبيه] [ (1) ] . [وقال أبو الخطاب عمر بن دحية: يمكن أن يكون أبو بكر استأجر بلالا حينئذ، أو يكون أمية بن خلف بعثه معه، وذلك فيه أمران:] [ (1) ] . [أحدهما: أن أبا بكر رضى اللَّه عنه لم يكن معهم في هذه السفرة، ولا كان في سن من يملك، فإنه كان أصغر من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنحو ثلاث سنين، وإذا كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذه السفرة ابن تسع سنين، فيكون حينئذ أبو بكر له من العمر نحو ست سنين] [ (1) ] . [الثاني: أنّ بلالا رضى اللَّه عنه، توفى سنة عشرين، وقيل إحدى وعشرين، وسنه تسع وستون سنة، فيكون سنه في هذه السفرة نحو سنتين] [ (1) ] . [وشيء آخر: وهو أن أبا بكر رضى اللَّه عنه صحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو
ابن ثمان عشرة، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن عشرين سنة، فكيف يكون معه في هذه السفرة وهو لم يصحبه إلا بعدها بنحو إحدى عشرة سنة؟] [ (1) ] . وقال يونس بن بكير [رحمه اللَّه] : قال محمد بن إسحاق: وكان أبو طالب هو الّذي يلي أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد جده وكان معه، ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا، فلما تهيأ للرحيل، وأجمع السير، صب له [ (2) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخذ بزمام ناقته، وقال: يا عم! إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي، فرق له أبو طالب وقال: واللَّه لأخرجن به معى ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا.. أو كما قال. فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام [ (3) ] ، وبها راهب يقال له: بحيرا، في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة راهب بصير، وكان علمهم عن كتاب فيه فيما يزعمون، يتوارثونه كابرا عن كابر. فلما نزلوا ببحيرا ذلك العام، وكانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى إذا كان ذلك العام، نزلوا به قريبا من صومعته، فصنع لهم طعاما كثيرا، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة بيضاء تظله من بين القوم، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة، حتى أظلت
الشجرة، وشمرت أغصان الشجرة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى استظل تحتها. فلما رأى ذلك بحيرا، نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا! إن لك اليوم لشأنا، ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيرا، فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم. فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم، لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، قال: يا معشر قريش، لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، قالوا له: يا بحيرا. ما تخلف عنك أحد ينبغي أن يأتيك إلا غلام، وهو أحد القوم سنا، تخلف في رحالهم، قال: فلا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم. فقال رجل من قريش مع القوم: [واللات والعزى] [ (1) ] إن هذا للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد اللَّه بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا [قال:] ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا، جعل يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا، قام بحيرا [فقال] [ (1) ] له: يا غلام! أسألك باللات والعزى ألا أخبرتنى عما أسألك عنه، وإنما قال بحيرا ذلك، لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا تسألنى
باللات والعزى شيئا، فو اللَّه ما أبغض بعضهما شيئا قط. فقال له بحيرا: فباللَّه إلا أخبرتنى عما أسألك عنه، [فقال] [ (1) ] : سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء، من حاله في نومه، وهيئته، وأموره، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبره، فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، على موضعه من صفته التي عنده. [قال] [ (1) ] : فلما فرغ منه أقبل على عمه أبى طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، فقال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فإنه ابن أخى، قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، قال: ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود فو اللَّه لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده. فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة، حين فرغ من تجارته بالشام، فزعموا فيما يتحدث الناس، أن زريرا [ (2) ] ، وتماما [ (3) ] ، ودريسا- وهم نفر من أهل الكتاب- قد كانوا رأوا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك السفر الّذي كان فيه مع عمه أبى طالب أشياء، فأرادوه، فردهم عنه بحيرا، وذكرهم اللَّه، وما يجدون في الكتاب من ذكر وصفته، وأنهم إن أجمعوا بما أرادوا، لم يخلصوا إليه، حتى عرفوا ما قاله لهم وصدقوه بما قال فتركوه وانصرفوا [عنه] [ (4) ] ، فقال أبو طالب في ذلك شعرا، يذكر مسيره برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم،
وما أراد منه أولئك النفر، وما قال لهم فيه بحيرا [ (1) ] . وقال الواقدي [رحمه اللَّه تعالى] : حدثنا محمد بن أبى حبيبة، عن داود ابن الحصين، قالوا لما خرج أبو طالب إلى الشام، خرج معه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المرة الأولى، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصرى، وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة، يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا ببحيرا، وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم، حتى إذا كان ذلك العام، نزلوا [منزلا] قريبا من صومعته [قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا به] ، فصنع لهم طعاما،
ثم دعاهم، وإنما حمله على دعائمهم، أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين القوم، حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، فأخضلت أغصان الشجرة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين استظل تحتها. فلما رأى بحيرا، نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام، فأتى به وقال: إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروه كلكم، ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا، حرا ولا عبدا، فإن هذا شيء تكرموني به، فقال رجل: إن لك لشأنا يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: إني أحببت أن أكرمكم، ولكم حق، فاجتمعوا إليه. وتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين القوم لحداثة سنه، ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم، ولم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، جعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم، ويراها متخلفة على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: يا معشر قريش! لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي، قالوا: ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم، فقال: ادعوه ليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع أنى أراه من أنفسكم، فقال القوم: هو واللَّه أوسطنا نسبا، وهو ابن أخى هذا الرجل- يعنون أبا طالب- وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث بن المطلب: واللَّه إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تسير على رأسه. وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء في جسده، قد كان [يجدها] عنده في صفته، فلما تفرقوا عن طعامهم، قام إليه الراهب فقال:
يا غلام! أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتنى عما أسألك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسألنى باللات والعزى، فو اللَّه ما أبغضت شيئا بعضهما، قال: فباللَّه إلا أخبرتنى عما أسألك، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله، حتى نومه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبره، فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر في عينيه، ثم كشف عن ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده، فقبل موضع الخاتم. وقالت قريش: إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب، يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبى طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني، قال: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا، قال: فابن أخى، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فو اللَّه إن رأوه، وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه سوءا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتابنا، وما درينا عن آبائنا، وأعلم أنى قد أديت إليك النصيحة. فلما فرغوا من تجارتهم، خرج به سريعا، وكان رجال من اليهود قد رأوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرا، فذاكروه أمره، فنهاهم أشد النهى وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع به أبو طالب، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه قال البلاذري [رحمة اللَّه عليه] فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اثنتي عشرة سنة، عرض لأبى طالب شخوص إلى الشام في تجارة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يألفه، فسأله إخراجه معه، فأبى ذلك ضنا عليه،
وصيانة له، فاغتم وبكى، فأخرجه، فرآه راهب من علماء الرهبان يقال له: بحيرا، وكانت قد أظلته غمامة، قال: ابن أخى، قال أما ترى هذه الغمامة كيف تظله وتنتقل معه، واللَّه إنه لنبي كريم، وإني لأحسبه الّذي بشر به عيسى عليه السلام، فإن زمانه قد قرب، وينبغي لك أن تحتفظ به، فرده أبو طالب إلى مكة. وذكر بعض الرواة أن أبا طالب أشخص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشام وهو ابن تسع، والأول أثبت.
وأما سفره صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة رضى الله تعالى عنها
وأمّا سفره صلّى اللَّه عليه وسلّم في تجارة خديجة رضى اللَّه تعالى عنها فخرج البيهقي من حديث محمد بن فضيل قال: حدثنا الربيع بن بدر، عن أبى الزبير عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم آجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص [ (1) ] . وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: وكانت خديجة بنت خويلد [رضى اللَّه عنها] امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعل لهم منه، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، مع غلام لها يقال له: ميسرة، فقبله منها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخرج في مالها، ذلك ومعه غلامها ميسرة، حتى قدم الشام. فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ظل شجرة، قريب من صومعة راهب من الرهبان، فأطلع الراهب إلى ميسرة فقال: من هذا الرجل الّذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له
الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي [ (1) ] ، ثم باع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشترى، ثم أقبل قافلا إلى مكة، ومعه ميسرة، وكان ميسرة- فيما يزعمون- إذا كانت الهاجرة واشتد الحر، يرى ملكين يظلانه من الشمس، وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به فأضعفت أو قريبا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه. وكانت خديجة امرأة حازمة، شريفة لبيبة، مع ما أراد اللَّه [تعالى] بها من كرامته، فلما أخبرها ميسرة عما أخبرها به، بعثت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: فيما يزعمون يا ابن عم؟ إني قدر رغبت فيك لقرابتك منى، وشرفك في قومك، ووسيطتك فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوسط قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالا، وكل قومها قد كان حريصا على ذلك منها، لو يقدر على ذلك [ (2) ] .
وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال: حدثني موسى بن شيبة، عن عميرة بنت عبيد اللَّه بن كعب بن مالك، عن أم سعد بنت سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت منية- أخت يعلى بن منية- قالت: لما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسا وعشرين سنة، قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت [إليك] ، وبلغ خديجة ما كان من [محاورة] عمه له، فأرسلت إليه في ذلك، وقالت له: أنا أعطيك ضعف ما أعطى رجلا من قومك، فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه اللَّه إليك، فخرج مع غلامها ميسرة، وجعل عمومته يوصون به أهل العير، حتى قدما بصرى من [أرض] الشام [ (1) ] . فنزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة [قط] [ (2) ] إلا نبيّ، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم، قال: لا تفارقه؟ قال نعم، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء، ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاح [ (3) ] ، فقال له: احلف باللات والعزى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما حلفت بهما قط، وإني لأمر [عليهما] فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا واللَّه نبي تجده أحبارنا منعوتا في
كتبهم، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة، واشتد الحر، يرى ملكين يظلان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشمس، فوعى ذلك كله ميسر [ (1) ] . وباعوا تجارتهم، وربحوا ضعف ما كانوا يربحون [حتى] [ (2) ] دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة [رضى اللَّه عنها] في علية لها، فرأت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على بعيره، وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها، فتعجبن لذلك، ودخل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما ربحوا في وجههم فسرّت بذلك، فلما دخل عليها فميسرة أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وأخبرها بما قال الراهب نسطور، وبما قال الآخر الّذي خالفه [في البيع] [ (2) ] .
وأما الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى
وأمّا الإسراء برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم إلى السماوات العلى ورؤيته آيات ربه الكبرى فإنه ثابت بكتاب اللَّه العزيز، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبسنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الثابتة، المستفيضة عنه بالنقل، من حديث عبد اللَّه بن مسعود، وأبى ذر، وحذيفة، وعبد اللَّه بن عباس، وأبى هريرة، وأبى سعيد الخدريّ، ومالك بن صعصعة، وأبى بن كعب وأنس بن مالك، وشداد بن أوس، وأبى ليلى الأنصاري، وعبد الرحمن بن قرظ، وأم هاني بنت أبى طالب، رضى اللَّه عنهم، حتى صار في الثبوت مصير التواتر. قال اللَّه جلّ وعزّ سبحانه: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (1) ] . اعلم ان التسبيح هو التنزيه، والتنزيه والتبعيد مأخوذ من قولهم: سبح الرجل في الأرض إذا ذهب فيها، ومنه قيل للفرس إذا كان جيد الركض: سابح، ومنه السبح في الماء، فقولك: سبحت اللَّه، أي نزّهته وبرأته مما لا يليق بجلاله، وأصل المعنى والاشتقاق، باعدته مما لا يليق به، أي جعلته بمعزل منها، متباعدا تباعد المنزلة والرتبة [ (2) ] .
والإسراء: سير الليل، يقال: سرى سرى ومسرا، وأسرى إسراء، وقيل: أسرى، سار في أول الليل، وسرى، سار في آخره [ (1) ] .
والمراد بعبده: محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليلا: [أي] في جوف الليل، وقيل: في بعض الليل، لا في كله، وقيل: أي ذهب بعبده في سراة الأرض، أي متسعها [ (1) ] . والمسجد الحرام، قيل: المراد به نفس الكعبة، وقيل: نفس المسجد الّذي فيه الكعبة، وفيه يقع الطواف والصلاة إليها، وقيل: نفس مكة، وقيل: جميع الحرم، وقد أطلق لفظ المسجد الحرام بهذه الاعتبارات الأربعة، على الموضع الّذي [اسرى منه بالنبيّ عليه الصلاة والسلام] [ (2) ] .
فقد ثبت من حديث أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، عن النبي [عليه الصلاة والسلام] ، قال: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان.. وذكر حديث الإسراء. وفي رواية: بينا أنا في الحطيم- وربما قال في الحجر- مضطجعا، إذا أتانى آت.. الحديث [ (1) ] ، فإن كان في الحجر، فقد وقع
الإسراء من نفس الكعبة، لأن معظم الحجر من البيت [ (1) ] . وإن كان من الحطيم، فقد وقع الإسراء من نفس المسجد، فإن الحطيم ما بين الركن والمقام، وما بين زمزم والحجر، على أن رواية «عند» محتملة للأمرين، فإن كان بالحجر، فإنه عند البيت، لأن الحجر لما أخرج من البيت، صار كأنه ليس منه، ولو لم يثبت أنه كان في الحجر، لصح لمن كان عند البيت أن يقال عنه أنه أسرى به من البيت، أي من عند البيت [ (2) ] .
وثبت أيضا من حديث أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل. .. الحديث، وهذا صريح في أنه كان بمكة خارج المسجد لأن بيته بمكة لم يكن بالمسجد [ (1) ] . وروى الواقدي [رحمه اللَّه] ، أنه أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من شعب أبى طالب [ (2) ] إلى بيت المقدس، ليلة سبع عشرة من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة. قال الواقدي: وذلك غير ثبت، كذا رواية أنه أسرى به من بيت أم هانئ، فإنّها تدل على أن الإسراء كان من خارج المسجد. [وقد روى إسرائيل، عن ثور، عن مجاهد، وروى عبد اللَّه بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قالا: الحرم كله مسجد. وعن عطاء: الحرم مسجد كله. وعن عطاء، عن ابن عباس: الحرم كله المسجد الحرام. ذكره عمر بن [أبى] شيبة في كتاب (أخبار مكة) ] [ (3) ] . والمسجد الأقصى، هو مسجد بيت المقدس، سمى بذلك لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام، وقيل: وصف بالأقصى من العرب، أو من أهل مكة، أو من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والأقصى: أفعل من القصي، والقاضي، وهو
البعيد [ (1) ] . وقد كثرت الأحاديث الواردة في صفة الإسراء، وتباينت كيفيته، وجاء في بعضها: أن الإسراء كان بجسده [صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي بعضها: أن الإسراء كان
بروحه، فكان ذلك مناما، وفي بعضها: أن الإسراء كان بجسده] [ (1) ] في اليقظة إلى بيت المقدس فقط، فكانت رؤية عين، ثم عرج بروحه إلى السموات، فكانت رؤيا قلب. وذهب إلى كل من هذه الأحاديث جماعة، ثم من الناس من يقول: كان ذلك كله في ليلة واحدة، ومنهم من يقول: كان الإسراء في ليلة، والمعراج في أخرى، وأن المعراج غير الإسراء [ (2) ] . واختلفوا في تاريخ الإسراء، فقال أبو بكر محمد بن على بن [القاسم] الدّهنى في تاريخه: ثم أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماء، بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا [ (3) ] . قال ابن عبد البر [رحمه اللَّه] : لا أعلم أحدا من أهل السّير، قال ما حكاه الذهبي، ولم يسند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم، ولا رفعه إلى من يحتج به. وقال أبو إسحاق [الحربي، رحمه اللَّه] : فلما كانت ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة، أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفرض عليه خمسون صلاة، ثم نقصت إلى خمس صلوات، فأتاه جبريل [عليه السلام] ، فأمّه عند البيت، فصلى الظهر أربعا، والعصر أربعا، والمغرب، ثلاثا، والعشاء أربعا، والفجر ركعتين، كل ذلك نحو بيت المقدس، فلما كان الموسم من هذه السنة، لقيه الأنصار [رضى اللَّه عنهم] فبايعوه ثم انصرفوا.
قال ابن عبد البر: هكذا قال في الإسراء، قبل الهجرة بسنة، وهو قول موسى بن عقبة واختلف في ذلك عن ابن شهاب، فذكر [رحمه اللَّه تعالى] من طريق محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: ثم أسرى به إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة، وفرض اللَّه [تعالى] عليه الصلاة. قال ابن شهاب: وزعم ناس أنه كان يسجد نحو بيت المقدس، ويجعل وراء ظهره الكعبة وهو بمكة. ويزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها، فلما قدم المدينة، استقبل بيت المقدس، وقد اختلف في ذلك. قال ابن عبد البر: هكذا قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة، وذلك بعد مبعثه بسبع سنين، أو باثني عشر سنة، على حسب اختلافهم في مقامه بمكة [بعد] مبعثه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروى يونس عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه عنها، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، قال ابن شهاب: وذلك بعد مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بسبعة أعوام، وخالفه الوقاصى عن ابن شهاب فقال: أسرى به بعد مبعثه بخمس سنين، وقال يونس بن بكير: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن- هو الوقاصى- عن الزهري، قال: فرضت الصلاة بمكة، بعد ما أوحى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخمس سنين، وفرض الصيام بالمدينة قبل بدر، وفرضت الزكاة والحج بالمدينة، وحرّمت الخمر بعد أحد. وقال ابن إسحاق: أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى- وهو بيت المقدس- وقد فشا [ (1) ] الإسلام بمكة، وفي القبائل كلها. قال يونس بن بكير وغيره، عن ابن إسحاق: ثم إن جبريل أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
حين افترضت عليه الصلاة- يعنى في الإسراء- فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت عين ماء مزن، فتوضأ جبريل عليه السلام، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ينظر، فوضأ وجهه واستنشق، ومضمض، ومسح برأسه وأذنيه، ورجليه إلى الكعبين، ونضح فرجه، ثم قام [فصلى] ركعتين وأربع سجدات، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أقرّ اللَّه تعالى عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من أمر اللَّه، فأخذ بيد خديجة رضى اللَّه تعالى عنها، ثم أتى بها العين، فتوضأ كما توضأ جبريل [عليه الصلاة والسلام] ، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات، هو وخديجة [رضى اللَّه عنها] ، ثم كان هو وخديجة يصليان سواء. قال ابن عبد البر [رحمة اللَّه عليه] : هذا يدلك على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام، لأن خديجة [رضى اللَّه عنها] ، توفيت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بثلاثة [أعوام] ، وقيل: بأربع [سنين] [ (1) ] . وقول ابن إسحاق مخالف لقول ابن شهاب في الإسراء، على أن ابن شهاب قد اختلف عنه في ذلك، على ما ذكرنا من رواية ابن عقبه، ورواية يونس بن بكير، ورواية الوقاصى، وهي روايات [مختلفات] على ما ترى. وروى أحمد بن زهير [عفا اللَّه عنه] : حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] قالت: فتزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد متوفّى خديجة [رضى اللَّه عنها] ، وقبل هجرته إلى المدينة بسنتين أو ثلاث. وقال يونس عن أسباط بن نصر، عن إسماعيل السّدى، قال: فرض على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [الصلوات] الخمس في بيت المقدس، ليلة أسرى به، قبل
مهاجره بستة عشر شهرا. وقال الواقدي: عن معمر بن راشد، عن عمرو بن عبد اللَّه، عن عكرمة، قال: أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسجد، وهو نائم في الحجر، بعد هدوء من الليل. وقال سفيان: عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، في قول اللَّه عز وجل: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (1) ] ، قال: رؤيا عين. وقال ابن أبى الزناد: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه عنها قال: أسرى بروح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو نائم على فراشه. وقال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة عن الحسن قال: أسرى بروح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو نائم على فراشه. قال الحافظ أبو نعيم [الأصفهاني] : وحقيقة الإسراء، أوضح وأبين من أن يستقصى فيه بآحاد الأخبار، ولورود نص القرآن الكريم، يذكر المسرى، وظاهر القرآن يدل [على] أنه أسرى ببدنه يقظانا، إذ لو كان ذلك مناما على ما ذكرته الزائفة، لما اعترض فيه المشركون، وطعنوا عليه، ونسبوه فيه إلى الاستحالة، فإنه غير مستنكر في الرؤيا- رؤيا المنام- قطع تلك المسافة بين المسجدين، الحرام والأقصى، في حكم ساعة من الليل.
وقال القاضي عياض: الحق والّذي عليه أكثر الناس، ومعظم السلف، وعامة المتأخرين من الفقهاء، والمحدثين، والمتكلمين: أنه أسرى بجسده صلّى اللَّه عليه وسلّم والآثار تدل عليه لمن طالعها، وبحث عنها، ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل، ولا استحالة في حملها عليه، فيحتاج إلى تأويل [ (1) ] .
وقد تعقب العلامة شمس الدين أبو شامة، عبد الرحمن بن إسماعيل ابن إبراهيم، قول القاضي عياض، رحمه اللَّه، فقال: أما أن هذا مذهب الأكثر فصحيح، وبه نقول، وأما أنه لم يكن إلا ذلك، فهذا موضع نظر، وأما أن الآثار تدل عليه، فإن أراد كل الآثار فممنوع، فإن فيها ما صرّح بأنه كان نائما، ثم ذكر حديث شريك، وفيه: أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام ... فذكره، وفي آخره: فاهبط [بسم] اللَّه، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام. وهذا نصّ لا يحتمل التأويل [في أنه كان نائما، وإن أراد بعض الآثار أو معظمها] ، فهو صحيح، فقد ظهر وجه قول من زعم أن الإسراء كان مناما. واستدل أبو شامة [أيضا] بقوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، وزعموا أن المراد بها ليلة الإسراء، [وقالوا: الرؤيا] ما كان في النوم، والّذي في اليقظة: رؤية، بالهاء، وفتنة الناس بها: أن منهم من ارتاب وتغيّر. واستدل من ذهب إلى أنه أسرى بجسده يقظة إلى السموات، بحديث حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه، ظاهره أن الإسراء إلى بيت
المقدس، والمعراج كان في ليلة واحدة من غير نوم، ويؤيد ذلك: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أخبر به، كذبه المشركون، وارتد جماعة ممّن أسلم! ولو كان مناما لم يستنكر لمن هو بمكة، أن يرى نفسه ببيت المقدس، وقد يرى الإنسان أعظم من ذلك، فيحدّث به، فلا ينكر عليه. وقد اختلف الصحابة [رضى اللَّه عنهم] في رؤيته عليه الصلاة والسلام ربّه [ (1) ] ، [سبحانه و] تعالى، في ليلة الإسراء، حتى قالت عائشة رضى اللَّه
عنها: قفّ شعرى، لما سألها مسروق عن ذلك، ولو كان مناما، لما قفّ [ (1) ] شعرها من سؤاله، إذ آحاد الناس يرى ذلك مناما. وسأل أبو ذر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل رأيت ربك؟ وهذا دليل على أن مسراه جميعه المذكور في الحديث كان يقظة، ويرد على من زعم أنه كان مناما، بأن الرؤيا بمعنى الرؤية، وله شاهد. وقال عكرمة عن ابن عباس: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً
للناس، قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ، هي شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وعن ابن عباس، أن هذه الرؤيا: [ما رآه] عليه [الصلاة و] السلام قبل عمرة الحديبيّة، أنه يدخل مكة، وأخبر بذلك، فخرج معتمرا، وصده المشركون بالحديبية، فكان ذلك فتنة للناس، وامتنعوا من الحلق والنحر، وشك قوم، وتكلم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه بما تكلم به، وبأن حديث شريك إنما هو حكاية حكاها عن أنس من تلقاء نفسه، فلا تعارض الروايات المتصلة من حديث أنس [ (1) ] . فقد روى الزهري عن أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] ، وروى قتادة عن أنس، عن مالك بن صعصعة، وروى ثابت عن أنس، حديث الإسراء، وهم أئمة حفاظ، ولم يقل أحد منهم في روايته ما قاله شريك عن أنس، [رضى اللَّه عنه] ، وقد عد جماعة من الحفاظ هذا من أوهام شريك التي أعكروها عليه، [ونبه] مسلم على ذلك بقوله: فقدم وأخر، وزاد ونقص [ (2) ] ، فأما قوله: قبل أن يوحى إليه، فإنه غلط [منه] ، لم يوافق عليه، فإن الإسراء قد اختلف في تاريخه، فقال الزهري [في تاريخه] : أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد مبعثه بثمانية وعشرين شهرا. وقال إسحاق بن إبراهيم الحربي: أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة سبع وعشرين من [شهر] ربيع الآخر، قبل الهجرة بسنة، وفرضت الصلاة عليه.
وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة. وروى يونس بن بكير، عن عثمان بن عبد الرحمن الوحاطى، عن ابن شهاب: أن الصلاة فرضت بمكة، بعد ما أوحى إليه بخمس سنين. فعلى قول موسى بن عقبة، إذا كان الإسراء قبل الهجرة بسنة، فهو بعد مبعثه بتسع سنين، أو باثنتي عشرة سنة، على اختلافهم في مقامه بمكة قبل المبعث. وقول الزهري أولى من قول الوحاطى، لأن ابن إسحاق قال: أسرى به وقد [فشا] الإسلام بمكة، وفي القبائل كلها. ورواية الوحاطى من رواية موسى بن عقبة، لأنهم لم يختلفوا أن خديجة رضى اللَّه عنها، صلّت معه بعد فرض الصلاة عليه، وأنها توفيت قبل الهجرة بمدة، قيل: بثلاث سنين، وقيل: بخمس، وهذا يدل على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام. وقد أجمع العلماء على أن فرض الصلاة، كان ليلة الإسراء، فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه؟. وأما قول شريك [ (1) ] : وهو نائم، وفي رواية: بينا أنا عند البيت بين النائم
واليقظان، فلا حجة فيه على أن الإسراء كان بروحه عليه [الصلاة و] السلام دون بدنه، أو قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة [كلها] ، وقد أنكر أهل العلم [رضى اللَّه عنهم] ، رواية شريك. [واللَّه أعلم] . قال الحافظ عبد الحق [رحمه اللَّه] في كتاب (الجمع بين الصحيحين) : هذا الحديث بهذا اللفظ، من رواية شريك بن [عبد اللَّه بن] أبى تمر [ (1) ] ، عن أنس رضى اللَّه عنه، [وقد زاد فيه] زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة. وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقدمين، والأئمة المشهورين، كابن شهاب، وثابت البناني، وقتادة- يعنى عن أنس- فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث [ (2) ] ، قال: والأحاديث التي تقدمت قبل هذا، هي المعول عليها. انتهى. ولئن سلمنا أنه كان نائما إذ أتاه الملك، فقد نبه، وأسرى به، كما جاء في حديث أبى سعيد الخدريّ، [رضى اللَّه عنه] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتانى آت فأيقظنى، فاستيقظت، فلم أر شيئا، ثم عدت في النوم فأيقظنى، كذلك أربع مرات، فإذا أنا بكهيئة [الخيال] ، فأتبعته حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة يقال لها:
البراق، فركبته.. الحديث. وزعم من قال: إن الإسراء إلى بيت المقدس، كان يقظة بجسده صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأن الإسراء إلى السموات كان مناما بروحه، [عليه الصلاة والسلام] ، أن المشركين إنما استبعدوا، وأنكروا، وشنعوا قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه [عليه الصلاة والسلام] أتى بيت المقدس ورجع من ليلته، ولو كان صعوده صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى السموات منضما إلى ذلك، لكان الاستبعاد أكبر، والشناعة به أتم، [واللَّه سبحانه وتعالى أعلم] ، فحيث لم يذكروا ذلك البتة، علم أن النبي عليه السلام، إنما ادعى أنه أسرى بجسده إلى بيت المقدس فحسب، والعروج به إلى السموات كان مناما. وحديث شريك لا ينافي ذلك، لأنه ليس فيه ذكر [الإسراء] إلى بيت المقدس، إنما فيه بيان العروج إلى السماء في نومه، وأيضا فإن اللَّه تعالى تمدح بقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، فلم يذكر إلا الانتهاء به إلى المسجد الأقصى، ولو كان انتهى به إلى أكثر من ذلك لذكره، فإنه كان أعظم للآية، وأبلغ في المدح. وأجيب بأن اللَّه تعالى قال: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، ثم قال ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، فأثبت- سبحانه- أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى جبريل في الصورة التي خلق عليها بعين بصره، وهكذا كان كل شيء رآه في تلك الليلة، إنما هو بعين بصره. وأما اقتصار شناعة أهل الكفر على ذكرهم مسراه إلى بيت المقدس دون السموات، [فلأنهم] أرادوا تكذيبه عليه السلام بما شاهده الناس وعلموه، دون ما غاب عنهم، مما لم يعلموا كنهه، ولم يذكروا أنه صعد السموات، لأنه عندهم معلوم كذبه فيه، فطلبوا منه نعت بيت المقدس، لأنهم كانوا
يخبروا به، [ومتحققون] أنه عليه السلام لم يره قط، فعدوا قوله: أنه أسرى به إلى السموات من جنس قوله: أن الملك يأتيه منها في طرفة عين، وكان ذلك مستقرا عندهم استحالته، ولا يعلم إلا من جهته، إذ لا دليل عليه من خارج يشاهدونه، إلا قيام صدقه بالمعجزة، وقد عاندوا فيها، بخلاف إخباره أنه أتى بيت المقدس في ليلته، فإنه أمكنهم استعلام صدقه في ذلك، فطالبوه بنعته، فجلاه اللَّه له، فطفق يخبرهم عن آياته، وهو ينظر إليه، ولم يكن عليه السلام أتى بيت المقدس قبل الإسراء، فكان معلوما عندهم من حاله أنه لم يره قط، وإلا لما طالبوه بنعته. وعلى هذا، جاءت الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى تشنيعا عليهم، ونداءا بما علموا صدقه فيه، فأصروا على تكذيبه، فلهذا اقتصر اللَّه تعالى على ذلك، دون ذكر صعوده إلى السماء. وزعم من قال: بأن [الإسراء] إلى بيت المقدس وإلى السموات، وقع أكثر من مرة واحدة، تارة في المنام، وتارة في اليقظة، بأن هذا فيه جمع بين الأحاديث المختلفة، وعليه، يخرج أيضا الاختلاف في المكان الّذي وقع منه الإسراء، وهذه اختيار أبى نصر بن أبى القاسم القشيري، وأبى القاسم السهيليّ، وأبى بكر محمد بن العربيّ، والمهلب بن أبى صفرة، وإليه مال أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابورىّ الواعظ. قال: وترتيب الأخبار أن يقال: كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معاريج، منها ما كان حقيقة، ومنها ما كان رؤيا، وعليه عوّل أبو شامة وقال: أنه أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرارا قبل البعثة وبعدها. فأما قبل البعثة، فكان في النوم على ما شهد له حديث شريك، وكان ذلك من جملة ما أخبرت عنه عائشة رضى اللَّه عنها، وأجملته من حاله
حين قالت: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي، الرؤيا الصادقة في النوم.. الحديث. وكانت الحكمة في ذلك، التدرج له، والتسهيل عليه، لضعف القوى البشرية. وأما بعد تحقق البعثة والوحي إليه، تركه اللَّه ما شاء أن يتركه، ثم أسرى به يقظة، واستدل لذلك، ثم قال: أول ما أسرى به يقظة كان إلى بيت المقدس، وقد جاءت أحاديث تدل على ذلك، ثم تارة عرج به إلى السماوات، ولم يأت فيها بيت المقدس، وهو ظاهر حديث أنس [رضى اللَّه عنه] ، عن مالك بن صعصعة، فوقع كل منهما مفردا. ثم جمع له الأمر، أن في ليلة أخرى أسرى به إلى بيت المقدس، ورفع منه إلى السماء، وهو ظاهر حديث ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، ويجوز أن تكون هذه الحالة وقعت ثانية، لأنه كان عليه السلام قد تأنس به لإسرائه إلى بيت المقدس، فكرر عليه ذلك، وتمم بصعوده إلى السماء، ثم لما تأنس بصعوده إلى السماء، استغنى عن توسط بيت المقدس، فرفع من مكة إلى السماء، والأحاديث على اختلافها لا تخرج عن هذه الأحوال، فنزل على كل حال ما يليق بها منها، وبعض ذلك ظاهر، وبعضه فيه خفاء. ويدل على أن الإسراء وقع مرارا، اختلاف رؤية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لموسى، فإنه أخبر مرة أنه رآه قائما يصلى في قبره، ومرة أنه صلّى ببيت المقدس بجماعة من الأنبياء، وذكر موسى منهم، ومرة قال: إنه رآه في السماء السادسة، وفي حديث آخر رآه في السماء السابعة. وعلى ذلك أيضا، يحمل [الاختلاف] في وقته، فقيل: في رمضان، وقيل: في ربيع الأول، وقيل: في رجب، والكل صواب إن شاء اللَّه تعالى. ثم إنه ظاهر في بعض الأحاديث، أنه صعد إلى السماء على ظهر البراق، كما في حديث مالك بن صعصعة.
وقد ذهب العارف محيي الدين أبو عبد اللَّه محمد بن العربيّ الخاتمى الصوفىّ، إلى أن الإسراء وقع ثلاثين مرة، بحسب اختلاف الأحاديث التي جمعها في كتاب، فجعل كل حديث إسراء، ولم أقف على كتابه هذا. وقال البيهقي: وقد أوردوا أحاديث رؤية الأنبياء ليلة الإسراء، وليس بين هذه الأحاديث منافاة، فقد يراه قائما يصلى في قبره، ثم يساريه إلى بيت المقدس كما أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيراه فيه، ثم يعرج به إلى السماء السادسة، كما عرج بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيراه في السماء، وكذلك سائر من رآه من الأنبياء في الأرض ثم في السماء، والأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء، [فلا ينكر] حلولهم في أوقات بمواضع مختلفات، كما ورد خبر الصادق به .
فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج
فصل جامع في ذكر حديث الإسراء والمعراج [فقد] روى من حديث أنس، فتارة يرويه أنس عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتارة يرويه عن أبى [ذرّ] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتارة يرويه دون ذكرهما. فأما رواية حديث الإسراء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج مسلم من حديث حماد بن سلمة، [قال] حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه [تعالى] عنه [قال] : إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار، ودون البغل، يضع حافرة عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس، [قال:] فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام، بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل عليه السلام: اخترت الفطرة [ (1) ] .
قال: ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بآدم عليه السلام، فرحّب بى، ودعا لي بخير [ (1) ] .
[قال:] ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، [قيل] : وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، عليهما السلام، فرحبا بى، ودعوا لي بخير [ (1) ] . ثم عرج [بنا] إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، [قيل:] وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، قال: ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام، [إذ] هو قد أعطى شطر الحسن، قال فرحب بى، ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا، قال جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لي بخير، قال اللَّه [تبارك و] تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا.
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى، عليه السلام، فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، مسند ظهره إلى البيت المعمور [ (1) ] ، وإذا يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه. ثم ذهب بى إلى السدرة المنتهى [ (2) ] ، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال [ (3) ] ، فلما غشيها اللَّه ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق اللَّه يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إليّ ما أوحى، فعرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى عليه السلام، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإنّي قد بلوت بنى إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربى فقلت: [يا رب] ، خفف على أمتى،
فحط عنى خمسا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عنى خمسا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فسله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربى [ (1) ] تبارك وتعالى، وبين موسى عليه السلام، حتى قال يا محمد، انهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها، كتبت له حسنة، فإن عملها، كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها، لم تكتب له شيئا، فإن عملها، كتبت له سيئة واحدة. قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: قد رجعت إلى ربى حتى استحييت منه. [وفي بعض الطرق: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم راجع، وخفف عنه في كل مراجعة، وفي أخرى: أنه خفف عنه أولا الشطر، ثم خفف عنه ثانيا تخفيفا واحدا إلى الخمس، فتكون المراجعة على هذا مرتين، وفي أخرى: أن التخفيف كان عشرا عشرا، إلى المرة الأخيرة، فكان التخفيف فيها خمسا، وبقيت هذه الخمس] [ (2) ] . [والجمع بينهما أن يقال: لا تعارض، إنما فيه إجمال في بعضها، وتفصيل في الأخرى، لأن قوله فخفف عنى الشطر، أعم من كونه خففه مرة واحدة، أو في مرار متعددة، ولذا ذكر التفصيل والإجمال، وحمل الإجمال على التفصيل ولا تعارض. وللَّه الحمد] [ (2) ] . [وأما الحديث الّذي رواه حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه عنه، وفيه: فحط عنى خمسا، من أفراد مسلم، والّذي اتفقا عليه من حديث
أنس، أنه حطّ عنه عشرا عشرا، وزعم ابن الجوزي: أن هذه الرواية التي فيها فحط عنى خمسا، غلط من الراويّ.] [ (1) ] . وخرّج مسلم أيضا من حديث بهز [قال:] حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا [ثابت عن] أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه قال:] قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتيت فانطلقوا بى إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أنزلت [ (2) ] . ومن حديث حماد بن سلمة، [قال:] حدثنا ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، ثم قال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان إلى أمه- يعنى ظئره- فقالوا: إن
محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس رضى اللَّه عنه: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . وخرّج أيضا من حديث ابن وهب، قال: أخبرنى سليمان بن بلال قال: [حدثني] شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، يحدثنا عن ليلة أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، أن جاءه ثلاثة نفر قبل أن [يوحى] إليه، وهو نائم في المسجد
الحرام ... وساق الحديث بقصته، نحو حديث ثابت البناني، [وقدّم] فيه شيئا وأخر، وزاد ونقص. هكذا قال مسلم [ (1) ] . وخرّجه البخاري من حديث سليمان عن شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر قال: سمعت أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، يحدثنا عن ليلة أسرى بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام فقال [أولهم] : أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، أو قال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك، فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى في ما يرى قلبه، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فتولاه جبريل عليه السلام ثم عرج به إلى السماء.. هذا الّذي ذكره البخاري من هذا الحديث، وذكره في كتاب المناقب، وترجم عليه باب: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عيناه ولا [ينام قلبه] [ (2) ] . وخرّجه في كتاب التوحيد، في باب: وكلم اللَّه موسى تكليما بهذا السند، ولفظة: سمعت ابن مالك يقول: ليلة أسرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: [هو خيرهم] ، [فقال] أحدهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، [فيما] يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء عليهم السلام، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند [بئر] زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبّته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه،
ثم أتى [بطست] من ذهب، فيه تور من ذهب، محشورا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده- يعنى عروق حلقه- ثم أطبقه. ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: [معى محمد] قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء ما يريد اللَّه به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك، فسلّم عليه فسلم عليه وردّ عليه آدم وقال: مرحبا وأهلا يا بنىّ، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، قال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده، فإذا هو مسك أذفر، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الّذي خبّأ لك ربّك. ثم عرج به إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا. ثم عرج إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك. كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فوعيت، منهم: إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة، لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بفضل كلامه للَّه، فقال موسى: ربّ لم أظنّ أن ترفع عليّ أحدا، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا اللَّه، حتى
جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى اللَّه فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة. ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى فقال: يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلى خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار [عليه] جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه: [يا رب] خفف عنا، فإن أمتى لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه، حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد، واللَّه لقد راودت بنى إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا، وقلوبا، وأبدانا، وأبصارا، وأسماعا، فارجع [فليخفف] عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل. فرفعه عند الخامسة، فقال: [يا رب] ، إن أمتى ضعفاء أجسادهم، وقلوبهم، وأسماعهم، وأبدانهم، فخفف عنا، فقال الجبار: يا محمد، قال: لبيك وسعديك، [قال] : إنه لا يبدل القول لدىّ، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهن خمس عليك. فرجع إلى موسى فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفّف عنّا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد واللَّه راودت بنى إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا موسى! قد واللَّه استحييت من ربى مما اختلفت إليه، قال: فاهبط باسم اللَّه، قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام [ (1) ] . وقد انتقد الحافظ أبو محمد أحمد بن على بن حزم، رحمه اللَّه [تعالى] ، حديث شريك هذا فقال: وما وجدنا للبخاريّ ومسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا حديثين، لكل واحد منهما حديث، ثم عليه في تخريجه الوهم، مع اتفاقهما، وحفظهما، وصحة معرفتهما،
ثم ذكر هذا الحديث. وقال عقيبة: فهذه ألفاظ معجمة بلا شك، والآفة من شريك من ذلك. [وأما] قوله: إن ذلك كان قبل أن يوحى إليه، وأنه حينئذ فرضت عليه الخمسون صلاة، وهذا بلا خلاف بين أحد من أهل العلم، إنما كان قبل الهجرة بسنة، وبعد أن أوحى إليه بنحو اثنتي عشرة سنة. ثم قوله: إن الجبار دنا فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، وعائشة أم المؤمنين رضى اللَّه عنها، تروى أن الّذي دنا فتدلى، جبريل عليه السلام. قال الحافظ محمد بن طاهر المقدسي، رحمه اللَّه، في مسألة الانتصار لإمامى الأمصار، رحمهما اللَّه [تعالى] : ورأيت لأبى عبد اللَّه الحميدي بخط يده: ذكرت للقاضي الفقيه- أطال اللَّه [تعالى] مدته، وقرن بالسلامة أوبته- حديثين يتبعهما الحافظ على رواتهما، وأخرجت في الصحيح على ذلك لغرض لعله وقع لمخرجهما، وأردت أن أبين لك الحديثين، لتقف عليهما، وتعرضهما على من ربما وجد مخرجا لهما، وذكر الحديثين بلفظ ابن حزم، ثم قال عقبيهما: وقد عرضت هذا الاعتراض الّذي رأيته لبعض الحفاظ، على جماعة من المتحققين بعلم الحديث، فكلهم تحيّر في وجه المخرج في ذلك، وذكر لي أن لأبى سليمان الخطابي في ذلك كلاما، ذكره في كتاب (أعلام الحديث) ، الّذي [ألفه] في شرح معاني كتاب (الجامع الصحيح) ، وذكر كلام أبى سليمان على حديث شريك. قال ابن طاهر: [و] الحميدي سلك طريق أستاذه في التحريف، [لأنه] نسب البخاريّ ومسلما، إلى أنهما أخرجا هذين الحديثين لغرض وقع لهما، مع العلم بعلتهما، وهذا ارتكاب كبيرة في حقهما، فإنّهما معروفان
بالإنصاف، غير متعصبين لفرقة، لم يسلكا في تصنيفهما ما سلكه المصنفون قبلهما أو بعدهما، من نصرة مذهب واحد، وإنما نصرا الصحيح وأخرجاه، ولذلك رفع اللَّه عزّ وجل كتابيهما، وجعلهما حجة بين المسلمين، لما علم من صدق نيتهما في ذلك، ولو سلكا طريق التعصب، لخرجا عن حيّز التحكيم، لأن شرط الحكم أن ينصف بين الخمصين، ورأينا الفرق قاطبة تحتج بما أخرجاه، [ويلتزم] الخصم ذلك من خصمه، فصح بذلك ما قلناه. قال جامعه ومؤلفه [عفى اللَّه عنه] : في كلام ابن طاهر هذا تحامل على الحميدي، فإنه لم يرد قط أن البخاريّ ومسلما، خرجا الحديثين لغرض سيئ، لكن أعلم أنهما- ومكانهما من العلم مكانهما- أخرجا ذلك مع ما فيهما [مما] ينتقد، لشيء من الأشياء قصداه، لا أنهما خفي عليهما ما ظهر لغيرهما، والحميدي لا يخفى عليه البتة شيء مما ذكره ابن طاهر، من جميل مقصد البخاري ومسلم فيما أخرجاه في صحيحيهما، واللَّه تعالى الموفق. قال ابن طاهر: إن كلامه في شريك، شيء لم يسبقه إليه أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل قبلوه، ووثقوه، ورووا عنه، وأدخلوا حديثه في تصانيفهم، واحتجوا به، ثم ذكر عن يحيى بن معين أنه قال عنه: ليس به بأس، وذكر عن ابن [عدي] أنه قال: شريك رجل مشهور من أهل المدينة، حدّث عنه مالك وغيره من الثقات، وحديثه إذا روى عن نفسه فإنه لا بأس بروايته، إلا أن يروى عن ضعيف، ثم قال: فحكم ابن عدىّ، أن الآفة إنما تأتينا من الراويّ عنه، والراويّ عنه هذا الحديث سليمان بن بلال، أحد ثقات أهل المدينة، ومن عدّله مالك فمن بعده من الأئمة، لا يسمع فيه قول المتأخر بحال، فلما ثبتت عدالته، خرج عما قاله ابن حزم، وأن الآفة ليست
من شأنه، ويقول: إنّ الوهم في قوله: «وذلك قبل أن يوحى إليه» صحيح، وبالوهم لا يسقط حديث المحدّث الثقة الحافظ، على أن هذا الوهم قديم على من روى عنه هذا الحديث إلى عصر ابن حزم، ولم يستدركه أحد وقد قال يحيى بن معين: لو تركنا أحدا لكثرة غلطه، لتركنا حديث عيسى ابن يونس، على أن هذا الوهم ليس فيه ارتكاب كبيرة يترك لأجلها حديثه، وإنما هو وهم في التاريخ، ولو ترك حديث من وهم في تاريخ، لترك جماعة من أئمة المسلمين لاختلافهم في التواريخ في [الوفيات] وغيرها، ولعله أراد أن يقول: وذلك بعد أن أوحى إليه بنحو من كذا، فقال: وذلك قبل أن يوحى إليه، جريان اللسان، وهذا الوهم على الحقيقة، إنما يأتى من جهة ثلاثة: إما أنس رضى اللَّه عنه، وإمّا شريك، وإمّا سليمان، فلم خصّه من بينهم بهذا الوهم؟ فدلّ جميع ذلك عن أن كلامه في شريك لا وجه له. وأما احتجاجه بقول عائشة رضى اللَّه عنها، فذكره ابن طاهر من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا بن أشوع، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة [رضى اللَّه عنها قالت:] قلت [لها] : دَنا فَتَدَلَّى، قالت: ذاك جبريل [عليه السلام] ، ثم قال: وهذا حديث مخرج في الصحيحين من حديث أبى أسامة، وحماد بن سلمة، عن زكريا بن أبى زائدة، ويعد في أفراد زكريا، عن سعيد بن عمرو بن أشوع. والحديث موقوف على عائشة [رضى اللَّه عنها] لم يتجاوز به غيرها، فيكون مع اتفاقه والتفرد الّذي في إسناده، قول واحد من الصحابة، [رضى اللَّه عنهم] والكلام عليه من وجهين: أحدهما: أن قولها يدل على [أن] الموحى جبريل [عليه الصلاة والسلام] ، وأجمعت الأمة على [أن] الموحى هو اللَّه عز وجل، لقوله [تبارك] وتعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
والوجه الثاني: خلاف أنس وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما، أما حديث أنس، فقد تقدم من حديث شريك، المخرّج في الصحيحين، وأما حديث ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، فذكره ابن طاهر من طريق أبى القاسم البغوي، [قال:] حدثنا سعيد [بن] يحيى الأموي، قال: حدثني أبى، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبى سلمة، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] ، في قول اللَّه عز وجل: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، قال: فدنا ربه عزّ وجل [منه] ، فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، قال: قال ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] : ورواه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال ابن طاهر: وهذا إسناد متصل، ورجاله ثقات، وهو من أصح الروايات في التفسير، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] . ورواه عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وأخرج من حديثه في كتاب البخاري، ثم ذكر أيضا من حديث الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدثنا على بن مسلم، حدثنا سفيان عن عمر، وعن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، قال: هي رؤيا عين رآها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قال: شجرة الزقوم. وأخرجه البخاري في صحيحه، عن على بن [المديني] ، والحميدي عبد اللَّه بن الزبير، كليهما عن سفيان بن عيينة، هذا في التفسير، والقدر، والبعث، ثم ذكر أيضا من طريق أبى القاسم البغوي، حدثنا زيد بن أخرم، حدثنا عبد اللَّه بن داود، عن الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن طاووس قال: أدركت خمسين أو سبعين من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس، لم يقوموا حتى يقولوا: هو كما قلت،
أو صدقت. وقد سئل الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ عن معنى هذا الحديث- يعنى قول عائشة رضى اللَّه عنها: من حدثك أن محمدا [صلّى اللَّه عليه وسلّم] رأى ربه؟ - فقال: معناه في الدنيا، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حيث عرج به، صار إلى الآخرة، فلما صحّ الإسناد إلى هذين الصحابيين، كان الرجوع إلى قولهما أولى بلا خلاف بين أئمة المحدثين وهو ظاهر الآية، فلا يترك الظاهر مع قوليهما، ويرجع إلى قول من فسّر القرآن على حسب رأيه ومراده، وتأويل من تأوله، على وفق مذهبه واجتهاده [وبذلك صح] ما رسمناه، وأن البخاري ومسلما في تخريجهما هذا الحديث مصيبان، وأن المعترض عليهما دخل عليه الوهم في نقده عليهما، لأنه وإن كان إماما مفتيا في علوم شتى، إلا أن كلامه على هذا الحديث يدل على أنه لم يسلك طريق الحفاظ في تعليل الحديث. وذلك أن الحفّاظ النقّاد، إنما يعللون الحديث من طريق الإسناد، الّذي هو المرقاة إليه، وهذا الرجل علل من حيث اللفظ، ولم يقف على أن لهذا اللفظ متابعات مع صحة النقل إليهما، والدليل على ذلك، أنه لو شرع في تعليله من طريق الإسناد، لوجد طريقا إلى ذلك، لاختلاف الرواة على أنس في إيراد هذا الحديث، على أن الجواب عن الاختلاف إن اعترض عليه معترض من أهل الصنعة، هو أن هذا الحديث رواه عن أنس أربعة من ثقات التابعين، فسلك كل رجل منهم في إيراده غير طريق صاحبه. [وروى] أبو بكر محمد بن مسلم الزهري، عن أنس، عن أبى ذر جندب بن جنادة، وتابع عقيلا- يعنى في روايته- عن ابن شهاب يونس ابن يزيد الإملي، وعنه مخرّج في الصحيحين، ورواه أبو خطاب قتادة بن دعامة السدوسي، عن أنس [بن] مالك، عن مالك بن صعصعة الأنصاري.
وهذا الحديث أخرجه البخاري من كتابه في أربعة مواضع، عن هدبة بن خالد، وتابع قتادة على روايته عن أنس عباد بن على. هكذا ذكره البخاري في بعض الروايات عنه. وروى أبو محمد ثابت بن أسلم البناني، عن أنس [رضى اللَّه عنه] ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم متصلا، ولم يذكر بينهما أحدا، ورواه أبو عبد اللَّه شريك بن عبد اللَّه بن أبى نمر الليثي، عن أنس رضى اللَّه عنه، موقوفا عليه، ثم صح النقل إلى كل واحد منهم، مع حفظهم وإتقانهم، فاحتجنا أن نطلب لهذا الاختلاف وجها، إذ ليس في بعض الأسانيد من يحمل عليه، فيسقط من طريق الترجيح. فلم يبق إلا أن نقول: هذه قصة جرت بمكة، لم يحضرها أنس [رضى اللَّه عنه] ، وإنما [سمعها] من غيره، سمعها أولا من أبى ذر، ومالك بن صعصعة، ثم سمعها من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والدليل على ذلك: أنا رأيناه سمع أحاديث من صحابى، ثم رواها عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذلك في روايته عن عبادة ابن الصامت، مشهور عند أهل الحديث. ثم ذكر ابن طاهر من طريق البغوي، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: حدثني محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك [قال:] فقدمت المدينة، فلقيت عتبانا فقلت: حديث بلغني عنك، قال: أصابنى في بصرى بعض الشيء، فذكر الحديث بطوله، فأنس رضى اللَّه عنه سمع هذا الحديث من محمود بن الربيع، وهو أصغر منه، ولم يقتصر على قوله، حتى رحل إلى المدينة، فسمعه من عتبان، على أن هذا الحديث الّذي رحل لأجله، وسمعه من غيره، لا يقاوم حديث الإسراء في الجلالة والشهرة، فتحققنا أنه سمعه بعد ذلك من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والدليل عليه، رواية جابر بن عبد اللَّه [رضى اللَّه
عنهما] ، وغيره لهذا الحديث، ممن لم يحضر القصة. ثم ذكر حديث ابن وهب: حدثني يونس بن يزيد قال: قال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه [عنهما] يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى اللَّه عز وجل لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه. ورواه عقيل، ومعمر، وابن أخى الزهري، عن الزهري كذلك [ومفاده] أن [جابرا] [رضى اللَّه عنه] لم يحضر هذه القصة، فإن قيل: فما السبب في هذا التفصيل؟ ولم لم يجمع بينهما وبين روايته، أو يقتصر على بعضها، إما على قول أحدهما أو على ما سمعه هو؟. الجواب أنه رضى اللَّه عنه أراد أن يؤدى عن كل واحد ما سمعه منه، ويفصل حديثه من حديثهم، لأن الجمع بين هذه الثلاثة يصعب، لما فيه من تقديم وتأخير، وزيادة ونقصان، أو لعله ذكر حديث مالك عقيب حديث إلى ذر [رضى اللَّه عنه] ، أو حديث أبى ذر عقيب حديث مالك، ثم ذكر حديثه بعدهما، فحمل كل واحد من الرواة ما حدثه به من الطرق، واقتصر على إيراده منها، لما قدمنا من صعوبة الجمع بين الطرق. والدليل على هذا: أن قتادة وثابتا من كبار أصحابه البصريين، حافظان متقنان جليلان، كانا في عصر واحد، ومصر واحد، نقل قتادة عنه عن مالك بن صعصعة، ونقل ثابت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلم بذلك ما قلناه. ثم ذكر عن أبى محمد عبد الرحمن بن أبى حاتم قال: سألت أبى عن حديث رواه الزهري عن أنس، عن أبى ذر [رضى اللَّه عنهما] في المعراج، ورواه قتادة عن أنس، عن مالك بن صعصعة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقيل لأبى: أيهما أشبه؟ قال: أنا لا أعدل بالزهري أحدا من أهل عصره، ثم قال: إني
لأرجو أن يكونا جميعا صحيحين. قال ابن طاهر: وأما الكلام على إيقاف شريك للحديث، فإن الشيخ: أبا سليمان الخطابي- رحمه اللَّه تعالى- أشار إلى تعليل هذا الحديث من وجهين، أحدهما: إيقاف شريك له، والثاني: تفرده بهذه الزيادة، والجواب: أن هذا الحديث من طريق شريك، وإن كان موقوفا من حيث الحقيقة، مسندا لأنه قد روي من غير وجه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، يزيده بيانا طريق ثابت المتصل. وأما الجواب عن زيادته: فلا خلاف بين أهل الصّنعة، أن الزيادة من الثقة مقبولة، وقد صححنا ثقته مع متابعة ابن عباس رضي اللَّه [عنهما] له على روايته. واعلم أن إنكارهما لم يصدر عن معرفة صحيحة بعلم الحديث وصناعته، إنما ورد من جهة أخرى، وهي أنهما استبشعا هذه اللفظة وأنكراها، ولم يجدا طريقا إلى رفعها إلا من هذا الوجه الّذي انتقص عليهما، ثم إن القرآن والسنة، غير خاليين من هذا النوع، وأخبار الصفات غير عارية من مثل هذا الفن الّذي أنكراه، على أنهما ممن يثبت الصفات ويؤمن بها. انتهى كلام ابن طاهر، وفيه ما يقبل، وما ينتقد. وأما [ما رواه قتادة عن أنس بن مالك عن صعصعة [بن مالك] ، رضي اللَّه عنهما، فخرجه البخاري في كتاب [مناقب الأنصار] [ (1) ] من حديث همام [عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه] عن مالك بن صعصعة [قال] : أن [نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حدثه]
عن ليلة أسري به قال: بينما أنا في الحطيم- وربما قال: في الحجر- مضطجعا، إذا أتاني آت، فقد- قال: وسمعته يقول: فشق- ما بين هذه إلى هذه، فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته، وسمعته يقول: من قصّه إلى شعرته، فاستخرج قلبي، ثم أتيت [بطست] من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة، قال أنس [رضي اللَّه عنه] : نعم يضع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، فإذا فيها آدم [عليه السلام] فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم صعد حتى أتى السماء الثانية، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت، إذا يحيى وعيسى [عليهما السلام] وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى، فسلم عليهما، فسلمت، فردّا، ثم قالا: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح. ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح لنا، فلما خلصت، إذا يوسف، قال: هذا يوسف، فسلم عليه، فسلمت عليه، فردّ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال محمد، قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، ففتح، فلما خلصت فإذا إدريس [عليه السلام] ، قال: هذا إدريس، فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا هارون [عليه السلام] ، قال: هذا هارون فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة، فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحبا به، فنعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا موسى، قال: هذا موسى، فسلم عليه [فسلمت عليه] فردّ ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي، يدخل الجنة من أمته، أكثر مما يدخلها من أمتي. ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم قال: مرحبا به، ونعم المجيء جاء، فلما خلصت، فإذا إبراهيم، قال: هذا أبوك فسلم عليه، قال: فسلمت عليه، فردّ السلام، ثم قال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا
ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار، نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران، فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور، [يدخله كل يوم سبعون ألف ملك] [ (1) ] ، ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك. ثم فرضت عليّ الصلاة خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بما أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني واللَّه قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله، فرجعت، فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى، فقال مثله: فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كلّ يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم. قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي [ (2) ] .
وخرّج البخاريّ أيضا في [كتاب] بدء الخلق، في باب ذكر الملائكة، من حديث همام عن قتادة، ومن حديث سعيد وهشام عن قتادة، حدثنا أنس عن مالك بن صعصعة، قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ... الحديث إلى آخره بمعنى هذا، وقال في آخره: إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرا [ (1) ] . وخرّج مسلم [ (2) ] من حديث ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، لعله قال: عن مالك بن صعصعة- رجل من قومه- قال: قال نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، فأتيت فانطلق بي، فأتيت بطست من ذهب، فيها من ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا، قال قتادة: فقلت للذي معي: ما
يعني؟ قال: إلى أسفل بطنه، فاستخرج قلبي، فغسل بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيمانا وحكمة. ثم أتيت بدابة أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار، ودون البغل، يقع خطوة عند أقصى طرفه، فحملت عليه، ثم انطلقنا حتى أتينا سماء الدنيا، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قال: ففتح لنا، وقال: مرحبا به، ولنعم المجيء جاء، قال: فأتينا على آدم صلّى اللَّه عليه وسلّم. . وساق الحديث بقصته، وذكر أنه لقي في السماء الثانية عيسى ويحيى عليهما السلام، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون. قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السادسة، فأتيت على موسى عليه السلام، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما جاوزته بكى، فنودي: ما يبكيك؟ قال: رب هذا غلام بعثته بعدي، يدخل من أمته الجنة، أكثر مما يدخل من أمتي، قال: ثم انطلقنا حتى انتهينا إلى السماء السابعة، فأتيت على إبراهيم. وقال في الحديث: وحدث نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنه رأى أربعة أنهار، يخرج من أصلهما نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل! ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان، فنهران في الجنة، وأما الظاهران، فالنيل والفرات. ثم رفع لي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم.
ثم أتيت بإناءين، أحدهما لبن، والآخر خمر [ (1) ] ، فعرضا عليّ، فاخترت اللبن، فقيل: أصبت، أصاب اللَّه بك أمتك على الفطرة، ثم فرضت عليّ كل يوم [ (2) ] خمسون صلاة، ثم ذكر قصتها.. إلى آخر الحديث. هكذا أورد مسلم هذا الحديث كما كتبنا. وخرّج بعده من طريق معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة. أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ... فذكر نحوه، وزاد فيه: فأتيت بطست من ذهب، ممتلئ حكمة وإيمانا، فشق من النحر إلى مراق البطن، فغسل بماء زمزم، ثم ملئ حكمة وإيمانا [ (3) ] . وأما حديث أنس عن أبي ذرّ، فخرجه البخاري من حديث الليث [ (4) ] ، وخرجه مسلم من حديث ابن وهب [ (5) ] ، كلاهما عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس [بن] مالك [رضى اللَّه عنه قال:] كان أبو ذر [رضي اللَّه عنه] يحدث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل صلّى اللَّه عليه وسلّم ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب، ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا.
فلما جئنا السماء الدنيا، قال جبريل [عليه السلام] [ (1) ] لخازن السماء الدنيا: افتح، قال: من هذا؟ قال: جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم، [معي] [ (1) ] محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فأرسل إليه؟ قال: نعم، ففتح، [قال:] فلما علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد، عن يمينه أسوده، وعن يساره أسوده، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والابن الصالح، [قال] : قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه والأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، الأسودة التي عن يساره أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. قال: ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية، [فقال] لخازنها: افتح، فقال له خازنها، مثل ما قال خازن السماء الدنيا، ففتح، فقال أنس بن مالك: فذكر أنه وجد في السموات: آدم، وإدريس، وعيسى، وموسى، وإبراهيم، صلوات اللَّه عليهم [أجمعين] [ (2) ] ولم يثبت كيف منازلهم، غير أنه قد وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السادسة، [قال:] [ (2) ] [فلما مرّ جبريل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإدريس قال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، قال ثم مرّ، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا إدريس] [ (2) ] . ثم مررت بموسى، فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، [قال] : قلت: من هذا؟ قال: هذا موسى، قال: ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح، قلت: من هذا؟ قال: عيسى ابن مريم، قال: ثم مررت بإبراهيم [عليه
السلام] [ (1) ] فقال: مرحبا بالنبيّ الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم. قال ابن شهاب: وأخبرنى ابن حزم أن ابن عباس [رضي اللَّه عنهما] ، وأبا حبة الأنصاري، كانا يقولان: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثم عرج بي حتى ظهرت [لمستوى] [ (1) ] أسمع فيه صريف الأقلام. قال ابن حزم: وأنس بن مالك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ففرض اللَّه عزّ وجلّ على أمتي خمسين صلاة، قال: فرجعت بذلك حتى مرّ بموسى، فقال موسى: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة، قال لي موسى: فراجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: فراجعت ربي عزّ وجلّ، فوضع شطرها. قال: فرجعت إلى موسى فأخبرته، قال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: فراجعت ربّي فقال: هي خمس وهي خمسون، لا يبدّل القول لدي، قال: فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك، فقلت: قد استحييت من ربي [ (2) ] . قال: ثم انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال: ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك. وقال البخاري: حبائل اللؤلؤ، وقال بعد قوله: فوضع شطرها: فرجعت إلى موسى، قلت: وضع شطرها، فقال:
ارجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق، فرجعت، فوضع عني شطرها.. الحديث ترجم عليه باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء [ (1) ] . وذكر مسلم في كتاب الإيمان، في أحاديث الإسراء [ (2) ] ، وذكره البخاري أيضا في كتاب الأنبياء، في ذكر إدريس [ (3) ] ، من حديث يونس عن الزهري، ومن حديث يونس عن ابن شهاب، قال: أنس [رضي اللَّه عنه] : كان أبو ذر ... بنحو ما تقدم، وقال فيه: فقال موسى: ما الّذي فرض على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسون صلاة، قال: فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك. فرجعت، فراجعت ربي، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فذكر مثله، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى، فأخبرته فقال: راجع ربّك، فإن أمتك لا تطيق ذلك،
فراجعت ربي ... الحديث، وقال في آخره: فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، كما قال مسلم في حديثه [ (1) ] . قال ابن عبد البر: ورواه أبو ضمرة أنس بن عياض، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن أنس [رضي اللَّه عنه] عن أبي، وليس بشيء، وإنما هو عن أبي ذر واللَّه أعلم. وخرّج من حديث شعبة عن قتادة، قال: سمعت أبا العالية يقول: حدثني ابن عم نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم- يعني ابن عباس- قال: ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ليلة] [ (2) ] أسري به، فقال: موسى آدم طوال، كأنه من رجال شنوءة، وقال: عيسى جعد مربوع، وذكر مالكا خازن [النار] [ (3) ] ، وذكر الدجال [ (4) ] . وذكره البخاري في كتاب الأنبياء، وفي كتاب بدء الخلق، من حديث شعبة عن قتادة، ومن حديث سعيد عن قتادة، عن أبي العالية، قال: حدثنا ابن عم نبيكم- يعني ابن عباس- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت ليلة أسري بي، موسى رجلا أدم طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق
إلى [الحمرة] والبياض، سبط الشعر، ورأيت مالكا خازن النار في آيات أراهنّ اللَّه، فلا تكن في مرية من لقائه [ (1) ] . وخرّجه مسلم في كتاب الإيمان، من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن أبي العالية قال: حدثنا ابن عم نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم، ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يعني مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران، رجل آدم، طوال، جعد، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم، مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، وأرى مالكا خازن النار، والدجال، في آيات أراهن اللَّه إياه، فلا تكن في مرية من لقائه. قال: كان قتادة يفسرها أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد لقي موسى عليه السلام [ (2) ] . وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] ، من حديث معمر عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، حين أسري به- وقال البخاري: ليلة أسري بي- لقيت موسى عليه السلام، فإذا رجل- حسبته قال: مضطرب- رجل الرأس، كأنه من
رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى، فنعته النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ربعة، أحمر، كأنما خرج من ديماس- يعني حمّاما- قال: ورأيت إبراهيم صلوات اللَّه عليه، وأنا أشبه ولده به، قال: فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما أنك لو أخذت الخمر، غوت أمتك. لفظهما فيه متقارب. ذكره البخاري في باب: واذكر في الكتاب مريم [ (1) ] ، وذكر في باب: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [ (2) ] ، حديث معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليلة أسري بي، رأيت موسى، وإذا هو رجل ضرب رجل، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى، فإذا هو رجل ربعة أحمر.. الحديث إلى آخره، وفيه: فقال: أخذت الفطرة- ولم
يشك- ولم يقل فيه: يعني الحمام، وقال: اشرب أيهما شئت. وخرّج مسلم [ (1) ] من حديث عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد اللَّه بن الفضل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة [رضي اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيتني في الحجر، وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس، لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثلها قط، قال: فرفعه اللَّه لي انظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد، كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى [ابن] مريم [عليه السلام] قائما يصلي، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم [عليه السلام] قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم- يعني نفسه- فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة، قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، فالتفت إليه، فبدأني بالسلام. وأخرجاه معا من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن [قال:] سمعت جابر بن عبد اللَّه [رضي اللَّه عنهما] ، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لما كذبتني قريش، قمت في الحجر، فجلى اللَّه لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه [ (2) ] ، ذكره البخاري في مبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكره في كتاب التفسير،
وقال بعقبة: زاد يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن أخي شهاب عن عمه: لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس.. نحوه [ (1) ] . وخرجه الترمذي بمثله [ (2) ] . وخرّج مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، وسليمان التيمي، عن أنس بن مالك [رضي اللَّه عنه] ، [قال:] إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت على موسى ليلة أسري بي، عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره [ (3) ] . وله من حديث مالك بن معول، عن الزبير بن عدي، عن طلحة، عن [مرة] ، عن عبد اللَّه [رضي اللَّه عنه] قال: لما أسري برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها، فقبض منها، قال: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى، قال: فراش من ذهب، فأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك باللَّه من أمته شيئا المقحمات [ (4) ] .
وخرجه النّسائي [ (1) ] والترمذي [ (2) ] بنحوه أو قريب منه. وخرج البيهقي من حديث عمرو بن الحارث، عن عبد اللَّه بن سالم الأشعري، عن الزبيدي محمد بن الوليد بن عامر، [قال:] حدثنا الوليد بن عبد الرحمن، أن جبير بن نفير [قال:] حدثنا شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول اللَّه! كيف أسري بك؟ قال: صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما، وأتاني جبريل [عليه السلام] [ (3) ] بدابة بيضاء، فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب، فاستصعبت عليّ، فدارها بأذنها ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضا ذات نخل، فأنزلني فقال: صلّ، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة. فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم
بلغنا أرضا، فقال: انزل، فنزلت، ثم قال: صل، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى. [عليه السلام] [ (1) ] . ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا، بدت لنا قصور، فقال: انزل، فنزلت، فقال: صلّ، فصليت، ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: اللَّه أعلم، قال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى [عليه السلام] [ (1) ] المسيح ابن مريم. ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربط فيه دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء اللَّه. وأخذني من العطش ما أخذني، فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن، وفي الآخر العسل، أرسل إليّ بهما جميعا، فعدلت بينهما، ثم هداني اللَّه عزّ وجلّ، فأخذت اللبن، فشربت حتى قرعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثراة له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة، إنه ليهدى. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الّذي في المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن [مثل] الزرابي، قلت: يا رسول اللَّه: كيف وجدتها؟ قال: مثل الجمة السخنة. ثم انصرف بي، فمررنا بعير لقريش بمكان [كذا] وكذا، قد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد.
ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتى أبو بكر رضي اللَّه عنه، فقال: يا رسول اللَّه! أين كنت الليلة؟ فقد التمستك في مكانك، فقال: علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال: يا رسول اللَّه! إنه مسيرة شهر، فصفه لي، قال: ففتح لي صراط كأني انظر فيه، لا يسلني عن شيء إلا أنبأته عنه، قال أبو بكر: أشهد أنك رسول اللَّه. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة، يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة، قال: فقال: إن من آية ما أقول لكم: أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا، ويأتوكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل أدم، عليه مسح أسود، وغرارتان سوداوان. فلما كان ذلك اليوم، أشرف الناس ينتظرون، حتى كان قرب من نصف النهار، حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الّذي وصفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وروى ذلك مفرقا في أحاديث غيره [ (1) ] . وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يونس عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن أبى هريرة [رضي اللَّه عنه] قال: أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسري به، بإيلياء بقدحين من خمر ولبن،
فنظر إليهما، ثم أخذ اللبن، فقال جبريل: الحمد للَّه الّذي هداك للفطرة، ولو أخذت الخمر، غوت أمتك. وقال صالح بن كيسان: عن ابن شهاب، قال: سمعت ابن المسيب يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين انتهى إلى بيت المقدس، لقي فيه إبراهيم، وموسى، وعيسى، عليهم السلام، وأنه أتى بقدحين، قدح لبن، وقدح خمر، فنظر إليهما، ثم أخذ قدح اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: هديت الفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك. ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة، فأخبر أنه أسري به، فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه، قال ابن شهاب: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: [فتجهزوا] ، وكلمه نحوها ناس من قريش، إلى أبي بكر رضي اللَّه عنه فقالوا له: هل لك في صاحبك! يزعم أنه قد جاء بيت المقدس، ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة. فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: فأشهد لئن قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه بأن يأتي الشام في ليلة واحدة، ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح! قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء. قال أبو سلمة: فيها سمي أبو بكر الصديق. قال أبو سلمة: فسمعت جابر بن عبد اللَّه [رضي اللَّه عنه] يحدث أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس، قمت في الحجر، فجلى اللَّه عزّ وجل لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته، وأنا انظر إليه. وخرج البيهقي من حديث عبد اللَّه بن وهب، قال: حدثني
يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن أنس بن مالك [رضي اللَّه عنه] قال: لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبراق، فكأنها أمرّت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق، فو اللَّه إن ركبك مثله. وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال: سر يا محمد، فسار ما شاء اللَّه أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد، فقال [له] [ (1) ] جبريل: سر يا محمد، فسار ما شاء اللَّه أن يسير، قال: فلقيه خلق من الخلق، فقالوا: السلام عليكم يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: أردد السلام يا محمد، فردّ السلام. ثم لقيه الثانية، فقال له مثل مقالته الأولى، ثم الثالثة كذلك، حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء، والخمر، واللبن، فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، لو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك، ثم بعث له آدم، فمن دونه من الأنبياء [عليهم السلام] [ (1) ] فأمّهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك الليلة. ثم قال له جبريل [عليه السلام] [ (1) ] : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الّذي أراد أن تميل إليه، فذلك عدو اللَّه إبليس، أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك، فإبراهيم، وموسى،
وعيسى [ (1) ] . [عليهم السلام] [ (2) ] وقال النضر بن شميل: أخبرنا عوف [قال:] [ (2) ] ، حدثنا زرارة بن أوفى قال: قال ابن عباس [رضي اللَّه عنهما] : قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لما كانت ليلة أسري بي، ثم أصبحت بمكة، فظعت بأمري، وعلمت بأن الناس يكذبوني، قال: فقعد معتزلا حزينا، فمر به أبو جهل عدو اللَّه، فجاء فجلس، فقال كالمستهزئ: هل كان من شيء؟ فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] : نعم، فقال: ما هو؟ قال: إني أسري بي الليلة، فقال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم، قال: فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث، إذا دعا قومه، قال: أرأيت إن دعوت إليك قومك، أتحدّثهم بما حدثتني؟ قال: نعم، فقال أبو جهل: يا معشر بني كعب بن لؤيّ، [هلم!] [ (2) ] ، قال: فانفضّت المجالس، فجاءوا حتى جلسوا إليهما، فقال أبو جهل: حدّث قومك بما حدثتني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أسري بي الليلة، قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم، قال: فمن بين مصفق واضع يده على رأسه مستعجب للكذب، قال: وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد، فقال: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فذهبت [أنعت فما زلت] [ (2) ] حتى التبس عليّ بعض النّعت، قال: فجيء بالمسجد حتى وضع دون دار عقيل أو عقال، قال: فنعته وأنا انظر إليه: وقد كان مع هذا حديث لم يحفظه عوف، قال:
فقالوا: أما النعت فقد واللَّه أصاب [ (1) ] . وخرّج أبو داود الطيالسي، من حديث حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيش، عن حذيفة [رضى اللَّه عنه قال] : أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى بالبراق، وهو دابة أبيض، فوق الحمار ودون البغل، فلم يزايلا. ظهره، هو وجبريل [عليه السلام] [ (2) ] ، حتى انتهيا به إلى بيت المقدس، فصعد به جبريل إلى السماء، فاستفتح جبريل، فأراه الجنة والنار، ثم قال لي: هل صلى في بيت المقدس؟ قلت نعم، قال: اسمع يا أصيلع، إني لأعرف، وجهك، ولا أدرى ما اسمك؟ قال: قلت: أنا زرّ بن حبيش، قال: فأين تجده صلّاها؟ فتأولت الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ إلى آخر الآية، قال: فإنه لو صلّى لصليتم كما يصلون في المسجد الحرام، قال: قلت لحذيفة: أربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء، قال: أكان يخاف أن يذهب منه، وقد آتاه اللَّه بها؟ [ (3) ] . قال البيهقي: وبمعناه رواه حماد بن زيد، عن عاصم، إلا أنه لم يحفظ صفة البراق، وكان حذيفة لم يسمع صلاته في بيت المقدس [ (3) ] . وقد روينا في الحديث الثابت عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] [ (2) ] وغيره: أنه صلّى فيه، وأما الربط، فقد رويناه أيضا في حديث غيره، والبراق دابة مخلوقة، وربط الدواب عادة معهودة، وإن كان اللَّه عزّ وجلّ القادر على
حفظها، والخبر المثبت أولى من النّافى [ (1) ] . وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، عن أبى بكر بن أبى سبرة، وغيره من رجاله، قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت، ليلة سبع عشر خلت من رمضان، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نائم في بيته [ظهرا] أتاه جبريل وميكائيل، فقالا: انطلق إلى ما سألت اللَّه، فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتى بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرا فعرجا به إلى السموات سماء سماء، فلقى فيها الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، وأرى الجنة والنار، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولما انتهيت إلى السماء السابعة، لم أسمع إلا صريف الأقلام، وفرضت عليّ الصلوات الخمس، ونزل جبريل [عليه السلام] فصلى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلوات في مواقيتها] [ (2) ] . وخرّج البيهقي من حديث سعيد بن منصور قال: حدثنا الحارث بن عبيد الإيادي، عن أبى عمران الجونى، عن أنس [رضى اللَّه عنه] قال: [قال] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بينا أنا جالس، إذ جاء جبريل عليه السلام، فوكز بين كتفي، فقمت يعنى إلى شجرة، فيها مثل وكرى الطير، فقعد جبريل في أحدهما، وقعدت في الآخر، فسمت وارتفعت حتى سدّت الخافقين، وأنا أقلب طرفي، فلو شئت أن أمسّ السماء مسست، فالتفتّ إلى جبريل، فإذا هو كأنه جلس، فعرفت فضل علمه باللَّه عليّ، فتح لي باب من أبواب السماء، ورأيت النور الأعظم، وإذا دوني حجاب رفرف الدّرّ والياقوت، فأوحى إليّ ما شاء اللَّه أن يوحى. قال البيهقي، وقال غيره في
هذا الحديث: ولطّ دوني الحجاب رفرف الدر والياقوت [ (1) ] . هكذا رواه الحارث بن عبيد. ورواه حماد بن سلمة، عن أبى عمران الجونى، عن محمد بن عمير بن عطارد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان في ملأ من أصحابه، فجاءه جبريل، فنكت في ظهره، فذهب به إلى الشجرة، فيها مثل وكرى الطير، فقعد في أحدهما، وقعد جبريل في الآخر فتسامت بنا حتى بلغت الأفق، فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها، فدلى بسبب، وهبط النور، فوقع جبريل مغشيا عليه كأنه جلس، فعرفت فضل خشيته، فأوحى إليّ: نبيا ملكا أو نبيا عبدا، أو إلى الجنة، ما أنت؟ [فأومأ] [ (2) ] إليّ جبريل وهو مضطجع: أن تواضع، قال: قلت: لا، بل نبيا عبدا [ (3) ] . وخرج من حديث عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، [عن] سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لما أسرى بى، مرّت بى رائحة طيبة، فقلت: ما هذه الرائحة؟ قالوا: ماشطة ابنة فرعون وأولادها، [كانت تمشطها] [ (4) ] ، فسقط مشطها من يدها فقالت: بسم اللَّه، فقالت بنت فرعون: أبى؟ قالت: ربى وربك ورب أبيك، قالت: أو لك رب غير أبى؟ قالت: نعم، ربى وربك ورب أبيك، قالت: أو لك رب غير أبى؟ قالت: نعم، ربى وربك ورب أبيك اللَّه، قال: فدعاها، فقال: ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربى وربك
اللَّه [عزّ وجلّ] ، قال: فأمر ببقرة من نحاس [ (1) ] فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها. قالت: إن لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قالت: تجمع عظامي، وعظام ولدى في موضع، قال: ذاك لك، لمالك علينا من الحق، قال: فأمر بهم فألقوا واحدا واحدا، حتى بلغ رضيعا فيهم، فقال: قعى يا أمه، ولا تقاعسى، فإنا على الحق، قال: وتكلم أربعة وهم صغار، هذا وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى [ابن] مريم عليه السلام [ (2) ] .
وخرّجه الحاكم بسنده، ومتنه، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه [ (1) ] . وخرج أيضا من حديث عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا أبو محمد ابن راشد الحمامي، عن أبى هارون العبديّ، عن أبى سعيد الخدريّ [رضى اللَّه عنه] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال له أصحابه: يا رسول اللَّه، أخبرنا عن ليلة أسرى بك فيها، قال: قال اللَّه عزّ وجلّ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى [ (2) ] بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، قال: فأخبرهم، قال: بينما أنا قائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتانى آت فأيقظنى، فاستيقظت، فلم أر شيئا، ثم عدت في النوم، ثم أيقظني، فاستيقظت، فلم أر شيئا، [ثم عدت في النوم، ثم أيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا] [ (2) ] . فإذا أنا بكهيئة خيال، فأتبعته ببصرى حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة أدنى شبيهه بدوا بكم هذه، بغالكم هذه، مضطرب الأذنين، يقال له: البراق، وكانت الأنبياء [صلوات اللَّه عليهم] [ (2) ] تركبه قبلي، يقع حافره مدّ بصره، فركبته. فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد، أنظرني
أسألك، يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبه، ولم أقم عليه. فبينما أنا أسير عليه، [إذ دعاني داع عن يسارى: يا محمد! أنظرني أسألك يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبه ولم أقم عليه] . وبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة خلقها اللَّه، [فقالت] : يا محمد، أنظرني أسألك، فلم ألتفت إليها، ولم أقم عليها، حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها به. فأتانى جبريل عليه السلام بإناءين، أحدهما خمر، والآخر لبن، فشربت اللبن وتركت الخمر، فقال جبريل: أصبت الفطرة، فقلت: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقال جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟ قال: فقلت: بينما أنا أسير، إذ دعاني داع عن يميني: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبه، ولم أقم عليه، قال: ذاك داعي اليهود، أما أنك لو أجبته أو وقفت عليه، [لتهودت] أمتك. قال: وبينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يسارى، فقال: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم ألتفت إليه، ولم أقم عليه، قال: ذاك داعي النصارى، أما أنك لو أجبته لتنصّرت أمتك. فبينما أنا أسير، إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، عليها من كل زينة خلقها اللَّه، تقول: يا محمد، أنظرني أسألك، فلم أجبها، ولم أقم عليها، قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة. قال: ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلى كله واحد منا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الّذي تعرج عليه أرواح بنى آدم، فلم ير الخلائق أحسن
من المعراج ما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحا إلى السماء فإنما يشق بصره طامحا إلى السماء عجبه بالمعراج. قال: فصعدت أنا وجبريل، فإذا أنا بملك يقال له: إسماعيل، وهو صاحب سماء الدنيا، وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جنده مائة ألف ملك. قال: وقال اللَّه عزّ وجلّ: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ، فاستفتح جبريل باب السماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، فإذا أنا بآدم كهيئة يوم خلقه اللَّه على صورته، تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين. ثم مضت هنية، فإذا بأخونة- يعنى بالخوان: المائدة التي يؤكل عليها-، عليها لحم مشرح، ليس يقربها أحد، وإذا بأخونة أخرى، عليها لحم قد أروح ونتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام. ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم، خرّ يقول: اللَّهمّ لا تقم الساعة، قال: وهم على سابلة آل فرعون، قال: فتجيء السابلة فتطؤهم، قال: فسمعتهم يضجون إلى اللَّه سبحانه، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الذين يأكلوا الربا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ. قال ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل، قال: فتفتح على أفواههم، ويلقمون ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى اللَّه عز وجل، فقلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال هؤلاء من
أمتك يأكلون أموال اليتامى ظلما إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً. قال: ثم مضت هنية، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن، فسمعتهن [يصحن] إلى اللَّه عزّ وجلّ، قلت: يا جبريل! من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك. قال: ثم مضت هنية، فإذا أنا بأقوام تقطع من جنوبهم اللحم فيلقمون، فيقال له: كل ما كنت تأكل من لحم أخيك، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمّازون من أمتك اللمازون. ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق اللَّه، قد فضّل عن الناس بالحسن، كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ. ثم صعدت إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وعيسى، ومعهما نفر من قومهما، فسلمت عليهما وسلما عليّ. ثم صعدت إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس، قد رفعه اللَّه مكانا عليا، فسلمت عليه وسلّم عليّ. ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون، ونصف لحيته بيضاء، ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرّته من طولها، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا المحب في قومه، هذا هارون بن عمران، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ. ثم صعدت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى بن عمران، رجل آدم، كثير الشعر، لو كان عليه قميصان، لنفذ شعره دون القميص، وإذا هو
يقول: يزعم الناس أنى أكرم على اللَّه من هذا، بل هذا أكرم على اللَّه منى، قال: قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران، قال: ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ. ثم صعدت إلى السماء السابعة، فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن ساندا ظهره إلى البيت المعمور، كأحسن الرجال، قلت: يا جبريل! من هذا؟ قال هذا أبوك إبراهيم خليل الرحمن، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلّم عليّ. وإذا بأمتي شطرين، شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس، وشطر عليهم ثياب رمد، قال: فدخلت البيت المعمور، ودخل معى الذين عليهم الثياب البيض، وحجب الآخرون الذين عليهم الثياب الرّمد، وهم على خير، فصليت أنا ومن معى في البيت المعمور، ثم خرجت أنا ومن معى، قال: والبيت المعمور يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة. قال: ثم رفعت إلى السدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطى هذه الأمة، وإذا فيها عين تجرى يقال لها: سلسبيل، فينشق منها نهران، أحدهما الكوثر، والآخر يقال له: نهر الرحمة، فاغتسلت فيه، فغفر لي، ما تقدم من ذنبي وما تأخر. ثم إني دفعت إلى الجنة، فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت يا جارية؟ قالت: لزيد بن حارثة، وإذا أنا بأنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمرة لذة للشاربين، وأنهار من عسل وصفى، وإذا رمانها كأنه الدّلاء عظما، وإذا بطير كالبخاتي هذه، فقال عندها صلّى اللَّه عليه وسلّم [وعلى جميع أنبيائه] [ (1) ] : إن اللَّه قد أعدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأت،
ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال: ثم عرضت عليّ النار، فإذا فيها غضب اللَّه وزجره ونقمته، لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثم أغلقت دوني. ثم إني دفعت إلى السدرة المنتهى، فتغشى لي، وكان بين وبينه قاب قوسين أو أدنى، قال: ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة، قال: وقال: فرضت عليّ خمسون صلاة، وقال: لك بكل حسنة عشر، [وإذا] هممت بالحسنة فلم تعملها، كتبت لك حسنة، وإذا عملتها كتبت لك عشرا، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها، لم يكتب عليك شيء، فإن عملتها، كتبت عليك سيئة واحدة. ثم دفعت إلى موسى فقال: بما أمرك؟ قلت: بخمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، ومتى لا تطيقه تكفر، فرجعت إلى ربى فقلت [يا رب] ، خفف عن أمتى، فإنّها أضعف الأمم فوضع عنى عشرا، وجعلها أربعين، فما زلت اختلف بين موسى وربى، [كلما] أتيت عليه، قال لي مثل مقالته، حتى رجعت إليه فقال لي: بما أمرت؟ قلت: أمرت بعشر صلوات، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف عن أمتك فرجعت إلى ربى فقلت: أي ربّ، خفّف عن أمتى، فإنّها أضعف الأمم، فوضع عنى خمسا، وجعلها خمسا، فناداني ملك عندها: تمت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها. ثم رجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ قلت: بخمس صلوات، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإنه لا يؤوده شيء، فسله التخفيف لأمتك، فقلت: رجعت إلى ربى حتى [استحييته] [ (1) ] .
ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب، إني رأيت البارحة بيت المقدس، وعرج بى إلى السماء، ورأيت كذا، ورأيت كذا، فقال أبو جهل بن هشام: ألا تعجبون مما يقول محمد، يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس، ثم أصبح فينا! وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهرا، ومنقلبة شهرا، فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة، قال: فأخبرهم [بعير] لقريش لما كان في مصعدى، رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند العقبة، وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا، فقال أبو جهل: يخبرنا بأشياء؟ فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، وكيف بناؤه، وكيف هيئته، وكيف قربه من الجبل، فإن يكن محمد صادقا فسأخبركم، وإن يكن كاذبا فسأخبركم، فجاءه ذلك المشرك فقال: يا محمد! أنا أعلم الناس ببيت المقدس، فأخبرني كيف بناؤه، وكيف هيئته، وكيف قربه من الجبل. قال: فرفع لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيت المقدس من مقعده، فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته، فقال: بناؤه كذا وكذا، وهيئته كذا وكذا، وقربه من الجبل كذا وكذا، فقال الآخر: صدقت، فرجع إلى أصحابه فقال: صدق محمد فيما قال، أو نحو هذا من هذا الكلام [ (1) ] . وخرّج البيهقي أيضا من حديث عيسى بن ماهان، عن الربيع بن أنس، عن أبى العالية، عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال في هذه الآية: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قال: أتى بفرس فحمل عليه، قال: كل خطوة منتهى أقصى بصره، فسار وسار معه جبريل عليه السلام.
فأتى على قوم [ (1) ] يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المهاجرون في سبيل اللَّه، يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، لا يفتّر عنهم من ذلك شيئا، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة. ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام عن الضريع، والزقوم، ورضف جهنم، وحجارتها، قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم، وما ظلمهم اللَّه، وما اللَّه بظلام للعبيد. ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضج طيب، ولحم آخر خبيث، فجعلوا يأكلون من الخبيث ويدعون النضج الطيب، فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هذا الّذي يقوم وعنده امرأة حلالا طيبا، فيأتى المرأة الخبيثة، فتبيت معه حتى يصبح. ثم أتى على خشبة على الطريق، لا يمر بها شيء إلا قصعته، يقول اللَّه عزّ وجلّ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ [صِراطٍ] تُوعِدُونَ [ (2) ] . ثم مرّ على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يريد أن يزيد عليها، قال: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك، عليه أمانة لا يستطيع أداءها، وهو يزيد عليها. ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، كلما
قرضت عادت كما كانت، ولا يفتّر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة. ثم أتى على حجر صغير، يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يدخل من حيث خرج، ولا يستطيع، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم عليها، فيريد أن يردّها ولا يستطيع. ثم أتى على واد، فوجد فيه ريحا باردة طيبة، ووجد ريح المسك، وسمع صوتا، فقال: يا جبريل! ما هذه الريح الباردة الطيبة؟ وريح المسك؟ وما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت الجنة، تقول: يا رب ائتني بأهلى وبما وعدتني، فقد كثر عرفي، وحريرى، وسندسى، وإستبرقى، وعبقري، ولؤلؤى، ومرجانى، وفضتى، وذهبي، وأباريقى، وفواكهى، وعسلى، وخمرى، ولبني، فائتني بما وعدتني، فقال: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بى وبرسلي، وعمل صالحا، ولم يشرك بى شيئا، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشينى أمنته، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضنى جزيته، ومن توكل على كفيته، وأنا اللَّه لا إله إلا أنا، لا أخلف الميعاد، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ* وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [ (1) ] قالت: قد رضيت.
ثم أتى على واد، فسمع صوتا منكرا، قال: يا جبريل! ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم، يقول: ائتني بأهلى وما وعدتني، فقد كثر سلاسلى، وأغلالى، وسعيرى، وزقومى، وحميمي، وحجارتى، وغسّاقى، وغسلينى، وقد بعد قعرى، واشتد حرى، فائتنى بما وعدتني، فقال: لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت. قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل، فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت قالوا: يا جبريل! من هذا معك؟ قال: محمد رسول اللَّه وخاتم النبيين، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللَّه من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: ثم أتى أرواح الأنبياء، فأثنوا على ربهم، قال فقال إبراهيم عليه السلام: الحمد اللَّه الّذي اتخذ إبراهيم خليلا، وأعطانى ملكا عظيما، وجعلني أمة قانتا [للَّه] [ (1) ] يؤتم بى، وأنقذنى من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما. قال: ثم إن موسى أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي كلمني تكليما، واصطفاني برسالته وكلماته، وقربني إليه نجيا، وأنزل عليّ التوراة، وجعل هلاك آل فرعون على يدي، ونجى بنى إسرائيل على يدي. قال: ثم إن داود أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي خوّلني ملكا، وأنزل عليّ الزبور، وألان لي الحديد، وسخّر لي الطير، والجبال، وآتاني الحكمة وفصل الخطاب. ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي سخر لي الرياح، والجن، والإنس، وسخر لي الشياطين، يعملون ما شئت من محاريب
وتماثيل، وجفان كالجواب، وقدور راسيات ... وعلمني منطق الطير، وكل شيء، وأسال لي عين القطر، وأعطانى ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي. ثم إن عيسى أثنى على ربه فقال: الحمد للَّه الّذي علمني التوراة والإنجيل [و] جعلني أبرئ الأكمه والأبرص، وأحى الموتى بإذنه، ورفعني وطهرني من الذين كفروا، وأعاذنى وأمى من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليها سبيل. ثم إن محمدا أثنى على ربه فقال: كلكم قد أثنى على ربه، وإني مثن على ربى، فقال: الحمد للَّه الّذي أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل عليّ الفرقان فيه تبيانا لكل شيء، وجعل أمتى خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتى أمة وسطا، وجعل أمتى هم الأولون، وهم الآخرون، وشرح صدري، ووضع عنى وزري، ورفع لي ذكرى، وجعلني فاتحا وخاتما. فقال إبراهيم: بهذا فضلكم محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: ثم أتى بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتى بإناء منها فيه ماء، فقيل له: اشرب، فشرب منه يسيرا، ثم رفع إليه إناء آخر فيه لبن، فشرب منه حتى روى، ثم رفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقال: قد رويت لا أريده، فقيل له: قد أصبت، أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل. قال ثم صعد به إلى السماء.. فذكر الحديث بنحو ما رويناه بالأسانيد الثابتة إلى أن قال: ثم صعد بى إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: محمد، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حياه اللَّه من أخ وخليفة، فنعم الأخ، ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. فدخل فإذا برجل أشمط، جالس على كرسي عند باب الجنة، وعنده قوم بيض الوجوه، وقوم سود الوجوه، وفي ألوانهم شيء، فأتوا نهرا، فاغتسلوا
فيه، فخرجوا منه، وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم إنهم أتوا نهرا آخر، فاغتسلوا فيه، فخرجوا [وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا النهر الثالث، فخرجوا] وقد خلصت [من] [ (1) ] ألوانهم مثل ألوان أصحابهم، فجلسوا إلى أصحابهم. فقال: يا جبريل! من هؤلاء بيض الوجوه؟ وهؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فدخلوا النهر [فخرجوا] [ (1) ] وقد خلصت ألوانهم؟ فقال: هذا أبوك إبراهيم، هو أول رجل شمط على وجه الأرض، وهؤلاء بيض الوجوه، قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، قال، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا، فتابوا فتاب اللَّه عليهم، فأما النهر الأول، فرحمة اللَّه، وأما النهر الثاني، فنعمة اللَّه، وأما النهر الثالث، فسقاهم ربهم شرابا طهورا ثم انتهى إلى السدرة [المنتهى] [ (1) ] ، فقيل لي: هذه السدرة، إليها منتهى كل أحد من أمتك، يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، قال: وهي شجرة يسير الراكب في أصلها عاما لا يقطعها، وأن الورقة منها مغطية الخلق. قال: فغشيها نور الخالق، وغشيتها الملائكة، فكلمه ربه عند ذلك، قال له: سل، قال: إنك اتخذت إبراهيم خليلا، وأعطيته ملكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألنت له الحديد، وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكا عظيما، وسخرت له [الجبال] [ (2) ] والجن والإنس، وسخرت له الشياطين والرياح، وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ
الأكمه والأبرص، ويحى الموتى بإذنك، وأعذته وأمه من الشيطان فلم يكن له عليهما سبيل. فقال له ربه: قد اتخذتك خليلا، قال: وهو مكتوب في التوراة خليل الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معى- يعنى بذلك الأذان- وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك [أمة وسطا] وجعلت أمتك هم الأولون، وهم الآخرون وجعلت من أمتك أقواما قلوبهن أنا جيلهم، وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيين خلقا، وآخرهم مبعثا، وآتيتك سبعا من المثاني، لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة، من كنز تحت العرش، لم أعطها نبيا قبلك، وجعلتك فاتحا وخاتما. قال: وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فضلني ربى، أرسلنى رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وألقى في قلب عدوى الرعب [من] [ (1) ] مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت الأرض كلها لي مسجدا وطهورا، وأعطيت فواتح الكلام، وخواتمه، وجوامعه، وعرضت عليّ أمتى، فلم يخف عليّ التابع والمتبوع. ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشّعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه، صغار الأعين، كأنما خزمت أعينهم بالمخيط، فلم يخف عليّ ما هم لاقون من بعدي، وأمرت بخمسين صلاة، فرجعت إلى موسى.. فذكر الحديث بمعنى ما روينا في الأسانيد الثابتة، غير أنه قال في آخره: قال: فقيل له: اصبر على خمس، فإنّهم يجزين عنك بخمس، كل خمس بعشر أمثالها، قال: فكان موسى أشدّ عليهم حين مرّ به، وخيرهم حين رجع
إليه [ (1) ] . قال كاتبه [عفى اللَّه عنه] : هكذا ساق البيهقي هذا الحديث كما أردته، وأن الوضع لائح عليه، ولولا أن الأئمة روته لما ذكرته. قال البيهقي: وقد روى في المعراج أحاديث أخر: منها حديث أبى حذيفة، إسحاق بن بشر، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] [ (2) ] ، وجوير عن الضحّاك، عن ابن عباس. وإسحاق بن بشير متروك، لا [يفرح] [ (3) ] بما ينفرد به [ (4) ] . ومنها حديث إسماعيل بن موسى القواريري عن عمر بن سعد المصري، من بنى نصر بن قعين، قال: حدثني عبد العزيز، وليث بن أبى سليم، وسليمان الأعمش، وعطاء بن السائب- بعضهم يزيد في الحديث على بعض- عن على بن أبى طالب، وعن عبد اللَّه بن عباس، ومحمد بن إسحاق بن يسار، عن من حدثه عن ابن عباس، وعن سليم- أو سلم- العقيلي، عن عامر الشعبي، عن عبد اللَّه بن مسعود، وجويبر، عن الضحاك ابن مزاحم، قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت أم هانئ راقدا، وقد صلّى العشاء الآخرة ... فذكر حديثا طويلا، يذكر فيه عدد الدرج [ (5) ] والملائكة، وغير ذلك مما لا ينكر شيء منها في قدرة اللَّه [تعالى] [ (6) ] ، إن صحت الرواية، [قال: وذلك حديث [راويه] مجهول، وإسناده منقطع] [ (7) ] .
وخرج النسائي من حديث سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثنا يزيد بن أبى مالك، حدثنا أنس بن مالك [رضى اللَّه عنه] ، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، فركبت، ومعى جبريل عليه السلام، فسرت، فقال: انزل فصلّ، ففعلت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة، وإليها المهاجر. ثم قال: انزل فصلّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء، حيث كلم اللَّه عز وجل موسى عليه السلام. ثم قال: انزل فصلّ، فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى عليه السلام. ثم دخل بيت المقدس، فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل حتى أممتهم. ثم صعد بى إلى السماء الدنيا، فإذا فيها آدم [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة، عيسى ويحى [عليهما السلام] ثم صعد بى إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الرابعة، فإذا فيها هارون [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء الخامسة، فإذا فيها إدريس [عليه السلام] ثم صعد بى إلى السماء السادسة، فإذا فيها موسى [عليه السلام] ثم صعد إلى السماء السابعة، فإذا فيها [إبراهيم] ، عليه وعليهم السلام. ثم صعد بى فوق سبع سماوات، فأتينا سدرة المنتهى، فغشيتني ضبابة، فخررت ساجدا، فقيل لي: [إني] يوم خلقت السموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك.
فرجعت إلى إبراهيم، فلم يسألنى عن شيء، ثم أتيت على موسى، فقال: كم فرض [اللَّه] [ (1) ] عليك وعلى أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: فإنك لا تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فارجع إلى ربك [فاسأله] التخفيف، فرجعت إلى ربى، فخفف عنى عشرا، ثم أتيت موسى، فأمرنى بالرجوع، فرجعت فخفف عنى عشرا، ثم ردّت إلى خمس صلوات، قال: فارجع إلى ربك، [فاسأله] التخفيف، فإنه فرض على بنى إسرائيل صلاتين فما قاموا بهما، فرجعت إلى ربى [عز وجل] [ (1) ] فسألته التخفيف. فقال: إني يوم خلقت السموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فخمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك، فعرفت أنها من اللَّه [تبارك وتعالى] [ (1) ] صرّى، فرجعت إلى موسى [عليه السلام] [ (1) ] فقال: ارجع، فعرفت أنها من اللَّه صرّى [ (2) ] : [أي حتم] ، فلم أرجع [ (3) ] . وخرج أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، في أول تاريخه [ (4) ] ، من حديث أبى نعيم عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، [فذكر] حديثا طويلا فيه: أن اللَّه تعالى خلق مدينتين، [إحداهما] بالمشرق، والأخرى بالمغرب، أهل المدينتين جميعا من ولد آدم، فالمدينة التي بالمشرق، من بقايا عاد، من نسل مؤمنيهم، وأهل التي بالمغرب، من بقايا ثمود، من نسل الذين آمنوا بصالح.
[و] اسم التي بالمشرق بالسريانية: قرقيسيا، وبالعربية جابلق [ (1) ] ، واسم التي بالمغرب بالسريانية: برجيسيا، وبالعربية: جابرس [ (2) ] ، ولكل مدينة
منها عشرة آلاف باب، ما بين كل باب [منهما] فرسخ، يئوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراس، عليهم السلاح، ثم لا تنوبهم الحراسة عد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فو الّذي نفس محمد بيده، لولا كثرة هؤلاء القوم، وضجيج أصواتهم يسمع الناس من جميع أهل الدنيا، هذه وقعة الشمس حين تطلع، وحين تغرب، ومن ورائهم ثلاث أمم: منسك، وتافيل، وتاريس، ومن دونهم يأجوج ومأجوج. وإن جبريل انطلق بى إليهم ليلة أسرى بى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى [عبادة] اللَّه، فأبوا أن يجيبوني، ثم انطلق بى إلى أهل المدينتين، فدعوتهم إلى دين اللَّه وعبادته، فأجابوا وأنابوا، فهم في الدين من أحسن منهم، فهو مع محسنكم، ومن أساء منهم، فأولئك مع المسيئين منكم. ثم انطلق بى إلى الأمم الثلاثة، فدعوتهم إلى دين اللَّه وإلى عبادته، فأنكروا ما دعوتهم إليه، وكفروا باللَّه، وكذبوا رسله، فهم مع يأجوج ومأجوج، وسائر من عصى اللَّه في النار. . وذكر الحديث بطوله [ (1) ] . وعمر بن الصبح بن عمران أبو نعيم التيمي- ويقال: العدوي الخراساني السمرقندي- يروى عن أبان بن أبى عياش، وقتادة، [والأوزاعي] وطائفة، وعنه مخلد بن يزيد الحراني، وعيسى غنجار، ومحمد بن حميد الحمصي، وآخرون، وهو [متهم] . قال البخاري: حدثنا على بن جرير قال: سمعت عمر بن الصبح يقول: أنا وضعت خطبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال إسحاق بن راهويه: أخرجت خراسان
ثلاثة، لم يكن [لهم في الدنيا] نظير- يعنى في البدعة والكذب- جهم ابن صفوان، وعمر بن صبح، ومقاتل بن سليمان. وقال [ابن] عدي: منكر الحديث، وعامة ما يرويه غير محفوظ، لا متنا، ولا إسنادا. وقال الدارقطنيّ: متروك، له في ابن ماجة حديث في الجهاد [ (1) ] . وخرّج أبو نعيم من حديث الواقدي، قال مالك بن أبى الرجال، عن عمر ابن عبد اللَّه، عن محمد بن كعب، أن أبا سفيان قال [لقيصر] في آخر القصة أيها الملك، ألا أخبرك عنه خبرا، تعرف أنه قد كذب؟ قال: وما هو؟ قلت: إنه يزعم أنه خرج من أرضنا- أرض الحرم- في ليلة، فجاء مسجدكم هذا- مسجد إيليا- ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح، قال: وبطريق إيليا عند رأس قيصر، فقال بطريق إيليا، عند رأس قيصر، فقال: بطريق إيليا، قد علمت تلك الليلة، قال: فنظر إليه قيصر، فقال: وما علمك بهذا؟ قال: إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كنت تلك الليلة، أغلقت الأبواب كلها، غير باب واحد، فاستعييت عليه عمالى، ومن يحضرني كلهم علاجه، فلم نستطع أن نحركه، كأنما نزاول جبلا، فدعوت النجاجرة، فنظروا إليه، فقالوا: هذا باب سقط عليه النحاف والبنيان، فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح، فننظر من أين أتى. قال: فرجعت وتركت الناس مفتوحين، فلما أصبحت غدوت عليهما، فإذا الحجر الّذي في زاوية المسجد منقوب، وإذا فيه أثر مربط الدابة، قال: قلت لأصحابى: ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلّى الليلة في مسجدنا [نبي] .
قال أبو نعيم: حدّث أبو عبد اللَّه الجرشى، [حدثنا] يونس من أرقم الكندي، [قال] أخبرنا سعيد بن دينار، عن أبى الجارود زياد بن المنذر، عن أبى العلاء، قال: قلت لمحمد بن الحنفية: إنا نتحدث أن [بدء] هذا الأذان إنما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، [قال:] ففزع لذلك فزعا شديدا وقال: عمدتم إلى أجسم دينكم، فزعمتم أنه كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه. قال: قلت: هذا الحديث قد استفاض في الناس، قال: هذا واللَّه هو الباطل، قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما عرج به إلى السماء، فانتهى إلى مكان من السماء، وقف به، وبعث اللَّه ملكا، فقام من السماء مقاما، ما قامه قبل ذلك، قيل له: علمه الأذان، فقال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقال اللَّه: صدق عبدي، أنا اللَّه الأكبر، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقال اللَّه: صدق عبدي، أنا أرسلته، وأنا اخترته، وأنا ائتمنته، فقال الملك: حي على الصلاة، فقال اللَّه: صدق عبدي، ودعا إلى فريضتي وحقي، فمن أتاها محتسبا لها، كانت كفارة لكل ذنب. فقال الملك: حي على الفلاح، قال اللَّه: صدق عبدي، هي الفلاح، وهي النجاح، فقال الملك: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فقال اللَّه: صدق عبدي، أنا أقمت فريضتها، وعدتها، ومواقيتها. ثم قيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تقدم، فتقدم، فأم أهل السماء، فتم له شرفه على سائر الخلق. وخرّج الإمام أحمد من حديث حماد، عن على بن زيد، عن أبى الصلت، عن أبى هريرة [رضى اللَّه عنه] قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت ليلة أسرى بى، لما انتهينا إلى السماء السابعة، فنظرت فوق-[قال عفان: فوقى]-[ (1) ] ، فإذا أنا برعد، وبرق، وصواعق، [قال] [ (1) ] فأتيت على قوم
بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الرّبا، فلما [نزلت] إلى السماء الدنيا، نظرت أسفل منى، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين [يوحون] على أعين بنى آدم، أن لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب] [ (1) ] . وروى ابن ماجة منه، قصته آكل الربا] [ (2) ] . وذكر أبو القاسم، الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، في كتاب (التنزيل) في الآيات السّفرية، قال: وأنزل بيت المقدس، وقوله تعالى في الزخرف: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [ (3) ] نزلت عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وقد عدّها غير ابن حبيب في الشامي، والأول أحسن مما ذكره.
فصل جامع في معراج النبي صلى الله عليه وسلم
فصل جامع في معراج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال اللَّه جلّ جلاله: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [ (1) ] . قوله: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى، قسم، هوى، سقط، ما ضَلَّ، ما حاد عن الصواب، صاحِبُكُمْ، هو محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وَما غَوى ما تعلم بالباطل، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، أي وما يتقول من هواه وشهوته، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى أي ما القرآن إلا وحي من اللَّه يوحى إليه. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى، أي جبريل، ذو شدة وقوة، ذُو مِرَّةٍ، أي ذو إحكام للشيء، فَاسْتَوى، يعنى جبريل، وهو يعنى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، أي أيهما استويا بالأفق الأعلى ليلة الإسراء، وقيل: استوى جبريل وهو بالأفق الأعلى، على صورته التي خلقه اللَّه عليها، ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى، أي تدلى [فدنا] ، لأن التدلي سبب الدنوّ، وقيل: تدلى [للدنو] ، ودنا [للتدلى] ، وقيل: دنا، أي قرب، فتدلى، زاد في القرب. والمشار إليه، قيل: هو اللَّه، كما في الصحيح، من حديث أنس [رضى
اللَّه تعالى عنه] قال: دنا الجبار ربّ العزة، فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. وهو اختيار مقاتل، ورواه أبو سلمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] . وقيل: المشار إليه، هو محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، دنا من ربه تعالى، قاله ابن عباس [والقرطبي] وقيل: ثم دنا محمد من ساق العرش، فتدلى، أي جاوز الحجاب والسرادقات، وهو قائم بإذن اللَّه، كالمتعلق بالشيء، لا تثبت قدمه على مكان، وهذا قول الحسين [بن] الفضل، وقيل: تدلى، [أي] هوى للسجود. وقيل: المشار إليه، هو جبريل عليه السلام، أي دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، حين كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحراء، فطلع له جبريل من المشرق، فسدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مغشيا عليه، فنزل جبريل وتدلى [إليه] ، حتى قرب لإلقاء الوحي، فكان قربه منه قاب قوسين، أي لم يماسه، وهذا قول الحسن وقتادة. وقيل: دنا جبريل ليلة الإسراء من [النبي] صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتدلى أي دنا، فإنّ دنا وتدلى بمعنى واحد، وقيل: دنا جبريل من ربه تعالى، [فكان] منه قاب قوسين أو أدنى. قاله مجاهد، والقاب، قيل: هو القدر، وقيل: ما بين مقبض القوس والسّية، ولكل قوس قابان، وسية القوس: ما انعطف من طرفها، يعنى قدر طول قوسين. قاله قتادة. وقيل: بحيث الوتر من القوس. قاله مجاهد، وقيل: هو من مقبض القوس إلى طرفيها. قاله عبد الوارث، وقيل: ما بين الوتر إلى كبد القوس. قاله عكرمة، وقيل: كان بينهما، أي بين محمد وجبريل عليهما السلام، قدر ذراعين. قاله عبد اللَّه بن مسعود، وسعيد بن جبير، والسّدى أَوْ أَدْنى أي أقرب.
فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى أي أوحى اللَّه إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم كفاحا ليلة المعراج، وقيل: أوحى جبريل إلى محمد ما أوحى اللَّه إليه. رواه عطاء عن ابن عباس، وقيل: أوحى اللَّه إلى جبريل ما يوحيه. روى ذلك عن عائشة، والحسن، وقتادة. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى يعنى ما أنكر فؤاده ما رأته عيناه، وقيل: ما أوهمه فؤاده أنه رأى ولم ير، بل صدقه الفؤاد، وهذا إخبار عن رؤية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه تعالى. قاله ابن عباس، وأنس، والحسن، وعكرمة. قال ابن عباس: رآه تعالى بفؤاده، ولم يره بعينه، وعن أنس، وعكرمة، والحسن، أنه رآه بعينه، وقال السّدى: رآه في المنام، وعن أبى العالية، أنه رأى جلال اللَّه وعظمته، وعن أبى ذرّ، وأبى سعيد الخدريّ، ومجاهد، أنه رأى نورا، وعن ابن مسعود، وعائشة رضى اللَّه عنها، أنه رأى جبريل على صورته التي خلق عليها. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى؟ أي أفتجحدونه؟ قاله أبو عبيدة، وعن المبرّد، أفتدفعونه عما يرى؟ وقيل: أفتجادلونه وتدافعونه؟ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، يعنى رأى محمد ربّه عزّ وجل، في قول ابن عباس وكعب، وقيل: رأى جبريل مرة أخرى، فسماها نزلة على الاستعارة، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى جبريل على صورته التي خلق عليها مرتين: مرة بالأفق، ومرة عند سدرة المنتهى في السماء. وهذا قول عائشة وغيرها، اختاره الثعلبي. وقال الواحدي: معنى [قوله:] نَزْلَةً أُخْرى: يعود إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقد كانت له عرجات في تلك الليلة، لاستحطاط عدد الصلوات، فكل عرجة نزلة عند سدرة المنتهى، ففي حديث مالك بن صعصعة- المتقدم
ذكره- أنها فوق السماء السابعة، وقال مقاتل: هي عن يمين العرش، وتقدم في حديث مسلم، أنها في السماء السادسة، وبه قال الضحاك. وعن هلال بن يساف: سأل ابن عباس كعبا عن سدرة المنتهى وأنا حاضر، فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش، على رءوس حملة العرش، إليها ينتهى علم الخلائق، وعن مقاتل: هي طوبى التي ذكرها اللَّه في سورة الرعد [وهي قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ] . عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، أي عند سدرة المنتهى، [قال مجاهد: سِدْرَةِ الْمُنْتَهى، قال: أقصى الدنيا، وأدنى الآخرة، وعندها يجتمع الليل والنهار، وقال زهير بن محمد: المنتهى، قد انتهى علم الخلائق دونها] [ (1) ] . إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى، ففي حديث مسلم قال: غشيها فراش من ذهب، وفي حديث مالك بن صعصعة قال: لما غشيها من أمر اللَّه ما غشيها، تغيرت، فما أحد من خلق اللَّه يستطيع أن يصفها من حسنها، وعن الحسن ومقاتل: تغشاها الملائكة أمثال الغربان، حيث يقعن على الشجر، وعن الضحاك: غشيها نور العزة جل جلاله. ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى، أي بصر محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما عدل يمينا ولا شمالا، ولا زاد ولا جاوز ما أمر بالنظر إليه، وعن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] : ما مال بصره عن رؤية الآيات خوفا وجزعا، بل قوى على النظر في الآيات. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، أي رأى من آيات ربه الآية الكبرى، يعنى أنه رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سدّ الأفق. قاله ابن مسعود، وقيل
أنه رأى جبريل عليه السلام، في صورته التي يكون عليها في السموات. قاله ابن زيد، وابن عباس، في رواية أبى صالح ومقاتل بن حيان. وقيل: رأى سدرة المنتهى. قاله الضحاك، وقيل: رأى ما غشي السدرة من فراش الذهب. قاله عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه، وقيل: رأى [المعراج] وما مرّ به في مسراه وعوده. قاله محمد بن جرير الطبري، وقيل: ما رآه حين نامت عيناه ونظر فؤاده. وهذا قول حكى عن الضحاك، وقيل من التبعيض، أي رأى بعض الآيات، وقيل: هي زائدة، أي رأى آيات ربه الكبرى، وقيل: فيه تقديم وتأخير، أي رأى الكبرى من آيات ربه عزّ وجلّ. [و] خرّج مسلم من حديث سليمان بن فيروز الشيباني، قال: سألت زرّ بن حبيش عن قول اللَّه تبارك وتعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، قال: أخبرنى ابن مسعود أن النبي رأى جبريل عليه السلام، له ستمائة جناح [ (1) ] . وخرجه البخاري، ولفظه، قال: سألت زرا عن قوله: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى قال: أخبرنا عبد اللَّه، أنه محمد رأى جبريل له ست مائة جناح. ذكره في كتاب التفسير [ (2) ] ، وفي كتاب بدء الخلق [ (3) ] ، وخرجه النسائي أيضا. ولمسلم عن الشيباني عن زر، عن عبد اللَّه ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى،
قال: رأى جبريل عليه السلام، له ست مائة جناح [ (1) ] . وفي حديث آخر له، عن سليمان الشيباني، سمع زر بن حبيش، عن عبد اللَّه قال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، قال رأى جبريل في صورته، له ست مائة جناح [ (2) ] . وذكره النسائي. وللبخاريّ من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال: رأى رفرفا أخضر قد سدّ الأفق [ (3) ] . ذكره في التفسير. وفي كتاب بدء الخلق، ولفظه: رأى رفرفا خضرا سدّ أفق السماء [ (4) ] . ولمسلم من حديث عطاء، عن أبى هريرة، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى قال: رأى جبريل [عليه السلام] [ (5) ] . وله أيضا عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: رآه بقلبه [ (6) ] . ولمسلم والنسائي من حديث الأعمش، عن زياد بن الحصين أبى جهمة، عن أبى العالية، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، ما كَذَبَ
الْفُؤادُ ما رَأى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، قال رآه بفؤاده مرتين [ (1) ] . وللبخاريّ من حديث ابن عون، قال: أنبأنا القاسم عن عائشة رضى عنها قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم [الفرية] ، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق [ (2) ] . ذكره في بدء الخلق. وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث زكريا، عن أبى الأشوع، عن عامر، عن مسروق قال: قلت لعائشة رضى اللَّه عنها: فأين قوله: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى؟ [ (5) ] قالت: ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجل وإنما أتاه هذه المرة، في صورته التي هي صورته، فسدّ الأفق. ذكره البخاري في كتاب بدء الخلق. ولمسلم [ (6) ] [والترمذي] [ (7) ] ، من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن علية، عن داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن مسروق قال: كنت متكئا عند عائشة رضى اللَّه عنها، فقالت: [يا أبا] عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن، فقد أعظم على اللَّه الفرية، فقلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمد
رأى ربه، فقد أعظم على اللَّه الفرية، قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: [يا أم] المؤمنين! أنظريني، ولا تعجلينى، ألم يقل اللَّه عزّ وجلّ: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ؟ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى؟ فقالت: إنا أول هذه الأمة، سأل عن ذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها، غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض، فقالت: أو لم تسمع أن اللَّه عزّ وجل يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [ (1) ] ؟ أو لم تسمع أن اللَّه عزّ وجلّ يقول: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [ (2) ] ؟. قالت: ومن زعم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتم شيئا من كتاب اللَّه، فقد أعظم على اللَّه الفرية، واللَّه عزّ وجلّ يقول: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [ (3) ] . قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على اللَّه الفرية، واللَّه عزّ وجلّ يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [ (4) ] . اللفظ لمسلم. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ذكره في تفسير سورة الأنعام، وذكره النسائي في تفسير [سورة] النجم. وذكر مسلم [ (5) ] بعقبه، حديث محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، حدثنا داود بهذا الإسناد نحو حديث ابن علية، وزاد، قالت: ولو
كان محمد كاتما شيئا مما أنزل عليه، لكتم هذه الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [ (1) ] . وخرّجه النسائي بهذا الإسناد الأخير في كتاب التفسير كما قال مسلم، وخرّج أيضا من حديث ابن عليه، عن الشعبي، عن مسروق، قال: سألت عائشة رضى اللَّه عنها، هل رأى محمد ربه؟ فقالت: سبحان اللَّه! لقد قفّ شعرى لما قلت.. وساق الحديث بقصته، وحديث داود أتم وأطول [ (2) ] . وخرّجه البخاري من حديث وكيع عن إسماعيل بن أبى خالد، عن عامرة عن مسروق، قال: قلت لعائشة رضى اللَّه عنها: [يا أمتاه] ! هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعرى مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثك بهن فقد كذب، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ. ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، ولكن رأى جبريل في صورته مرتين. ذكره في تفسير سورة النجم [ (3) ] . وفي كتاب
التوحيد [ (1) ] ، في باب قول اللَّه عزّ وجلّ: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وفي تفسير سورة المائدة [ (2) ] ، وفي أول كتاب التوحيد [ (3) ] ، في باب قول اللَّه: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، لكن باختصار. وخرج مسلم من حديث وكيع، عن يزيد بن إبراهيم، عن قتادة، عن عبد اللَّه بن شقيق، عن أبى ذر رضى اللَّه عنه، [قال] : سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل رأيت ربك؟ قال نور أنى أراه [ (4) ] . ومن حديث همام عن قتادة، عن عبد اللَّه بن شقيق قال: قلت لأبى ذر: لو رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسألته، فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله: هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت فقال: رأيت نورا [ (5) ] . وخرجه الإمام أحمد بهذا السند، ولفظه، قلت لأبى ذر، لو رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسألته، قال: وما كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأى ربه؟ قال: فإنّي قد سألته، فقال: رأيته نورا أنى آراه . وقال: قال عفان: وبلغني عن ابن هشام- يعنى معاذ- أنه رواه عن أبيه كما قال همام: قد رأيته [ (6) ] .
وله أيضا من حديث الأعمش، عن عمرو [بن] مرة، عن أبى عبيدة، عن أبى موسى قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخمس كلمات فقال: إن اللَّه عزّ وجلّ لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور [ (1) ] . وفي رواية أبى بكر بن أبى شيبة، عن أبى معاوية، عن الأعمش: النار لو كشفته لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه [ (2) ] . ومن حديث جرير عن الأعمش بهذا الإسناد، قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأربع كلمات، ثم ذكر بمثل حديث أبى معاوية، ولم يذكر: من خلقه، وقال: حجابه النور [ (3) ] . وخرّج البخاري من حديث سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (4) ] ، قال: هي رؤيا عين، أريها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [ (4) ] ، قال: شجرة الزقوم [ (5) ] .
وخرّج الترمذي من حديث يحيى بن كثير العنبري، قال: حدثنا مسلم ابن جعفر، عن الحكم، عن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] قال: رأى محمد ربه، قلت: أليس اللَّه يقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ] ؟ قال: ويحك! ذاك إذا تجلى بنوره، الّذي هو نوره [وقال: أريه مرتين] [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب [ (2) ] . وقال يونس بن بكير: حدثنا عبد اللَّه بن لهيعة، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن عروة عن عائشة، رضى اللَّه عنهما، أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان أول شأنه يرى في المنام، فكان أول ما رأى، جبريل بأجياد، أنه خرج لبعض حاجته، فصرخ به: يا محمد! يا محمد! فنظر يمينا وشمالا، فلم ير شيئا، ثم نظر فلم ير شيئا، فرفع بصره، فإذا هو يراه ثانيا واضعا إحدى رجليه على الأخرى، على أفق السماء، فقال: يا محمد! جبريل، يسكنه، فهرب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى دخل في الناس، فنظر، فلم ير شيئا، ثم خرج من الناس، فنظر فرآه، فذلك قول اللَّه عزّ وجلّ: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * [وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى] .
وقد اختلف سلف الأمة وخلفها، في رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه تعالى ليلة الإسراء، بعد اتفاق جمهور أهل العلم، على أنه سبحانه وتعالى، يضح أن يرى، وقالت المعتزلة والفلاسفة: لا يصح أن يرى، وقالت الأشاعرة: يصح أن يرى، واحتج من أثبت الرؤية بقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، وبقوله سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، وبقوله تعالى عن موسى عليه السلام: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي. ثم اختلف القائلون بجواز الرؤية، فذهب الأكثرون إلى جوازها في الدنيا، ومنهم من خصّها بالآخرة، وهو مذهب عائشة رضى اللَّه عنها، ونقل عثمان بن سعيد الدارميّ، إجماع الصحابة رضى اللَّه عنهم على قول عائشة في عدم وقوع رؤية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ربه تعالى ليلة الإسراء. [وقد] اختلف القائلون بجواز الرؤية، فقالت [الكرامية] والمشبهة- خزاهم اللَّه-: رؤيته كرؤية غيره، بارتسام، واتصال، ومواجهة. وقالت الأشاعرة: معناها أن تحصل لنا حالة في الانكشاف والظهور، نسبتها إلى ذاته المخصوصة، كنسبة الحالة المسماة بالإبصار، والرؤية إلى هذه المرئيات. فإذا تقرر ذلك فنقول: قد اختار إمام الأئمة محمد بن خزيمة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رآه سبحانه ببصره، وتبعه في ذلك جماعة من المتأخرين، وقد قال عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنه: أنه رآه بفؤاده، كما مرّ في رواية مسلم، وأنكرت عائشة رضى اللَّه عنها رؤية البصر، وإلى هذا مال جماعات من الأئمة قديما وحديثا، اعتمادا على حديث أبى ذرّ وأتباعا لقول عائشة رضى اللَّه عنها، وقالوا: وهذا مشهور عنها، ولم يعرف لها مخالف من الصحابة، إلّا ما روى عن ابن عباس [رضى اللَّه عنهما] ، أنه رآه بفؤاده، ونحن نقول به. وما روى من ذلك من إثبات الرؤية بالبصر، فلا يصح شيء
من ذلك، لا مرفوعا، ولا موقوفا. وقال القاضي عياض: اختلف السلف والخلف، هل رأى نبيّنا صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه ليلة [الإسراء] ؟ فأنكرته عائشة [رضى اللَّه عنها] ، وجاء مثله عن أبى هريرة وجماعة، وهو المشهور عن ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المحدثين والمتكلمين. وروى عن ابن عباس أنه رآه بعينه، ومثله عن أبى ذر، وكعب، والحسن، وكان الحسن يحلف على ذلك، وحكى [مثله] عن ابن مسعود، وأبى هريرة، وأحمد بن حنبل، وحكى أصحاب المقالات عن أبى الحسن الأشعري، وجماعة من أصحابه، أنه رآه، ووقف بعض مشايخنا في هذا، وقال: ليس عليه دليل واضح، ولكنه جائز. ورؤية اللَّه تعالى في الدنيا جائزة، وسؤال موسى عليه السلام إياها، دليل على جوازها، إذ لا يجهل نبيّ ما يجوز أو يمتنع على ربه تعالى، وقد اختلفوا في رؤية موسى عليه السلام ربه تعالى، وفي مقتضى الآية، ورؤية الجبل، جواب القاضي أبى بكر، ما يقتضي أنهما رأياه. قال: وكذلك اختلفوا في قوله: ثُمَّ [دَنا] فَتَدَلَّى، والأكثرون على أن هذا الدنو والتدلي، مقسم بين جبريل والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو مختص بأحدهما من الآخر، أو من السدرة المنتهى. وذكر ابن عباس، والحسن، ومحمد بن كعب، وجعفر بن محمد، وغيرهم، أنه دنوّ من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ربه تعالى، أو من اللَّه تعالى، وعلى هذا القول، يكون الدنوّ والتدلي منا ليس على وجهه، بل كما قال جعفر بن محمد الصادق: الدنوّ من اللَّه تعالى، لا حدّ له، ومن العباد بالحدود، فيكون معنى دون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ربه سبحانه وتعالى، وقربه منه، ظهور
عظيم منزلته [لديه] ، وإشراق أنوار معرفته عليه، [وإطلاقه] من غيبه، وأسرار ملكوته، على ما لم يطلع سواه عليه. والدنوّ من اللَّه تعالى، لهو إظهار ذلك له، وعظيم يده، وفضله العظيم لديه، ويكون قوله تعالى: قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، على هذا عبارة عن لطف المحل، وإيضاح المعرفة، والإشراف على الحقيقة، من نبينا [صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، ومن اللَّه تعالى، إجابة الرغبة، وإبانة المنزلة، ونتناول في ذلك ما يتناول في قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ربه تعالى: من تقرب منى شبرا، تقربت منه ذراعا. .. الحديث. قال الشيخ محيي الدين أبو زكريا، يحيى النووي، رحمه اللَّه: وأما صاحب التحرير، فإنه اختار إثبات الرؤية، قال: والحجج في هذه المسألة، وإن كانت كثيرة، لكنا لا نتمسك إلا بالأقوى منها، وهو حديث ابن عباس رضى اللَّه عنه: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن عكرمة، سئل ابن عباس: هل رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ربه] ؟ قال: نعم. وقد روى بإسناد لا بأس به، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه عنه، قال: رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه. وكان الحسن يحلف: لقد رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه. والأصل في الباب، حديث ابن عباس حبر الأمة، والمرجوع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر رضى اللَّه [عنهما] في هذه المسألة [وقد سأله:] هل رأى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ربه؟ فأخبره أنه رآه، ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضى اللَّه عنها، لأن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، لم تخبر أنّها سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لم أر ربى، وإنما ذكرت ما ذكرت، متأولة لقول اللَّه تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره، لم يكن قوله حجة، وإذا صحّت
الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية، وجب المصير إلى إثباتها، فإنّها ليست مما يدرك بالعقل، ويؤخذ بالظن، وإنما تلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس، أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد. وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: عائشة ليست عندنا بأعلم من ابن عباس، ثم إن ابن عباس أثبت شيئا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. قال النووي: فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء، لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم، إثبات هذا لا يأخذونه بالسماع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، هذا مما لا ينبغي أن يتشكّك فيه، ثم إن عائشة رضى اللَّه عنها، لم تنف الرؤية بحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولو كان معها فيه حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات، وسنوضح الجواب عنها. فأما احتجاج عائشة [رضى اللَّه عنها] بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، فجوابه ظاهر، فإن الإدراك هو الإحاطة، واللَّه تعالى لا يحاط به، وإذا ورد النصّ بنفي الإحاطة، لا يلزم منه نفى الرؤية بغير إحاطة، وأجيب عن الآية بأجوبة أخرى، لا حاجة إليها مع ما ذكرناه، فإنه في نهاية من الحسن مع اختصاره. وأما احتجاجها بقوله تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ، فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حالة الرؤية، فيجوز وجود الرؤية من غير كلام.
الثاني: أنه عام، مخصوص بما تقدم من الأدلة. الثالث: ما قاله بعض العلماء: أن المراد بالوحي، الكلام من غير واسطة، وهذا الّذي قاله هذا القائل، وإن كان محتملا، ولكن الجمهور على أن المراد بالوحي هنا، الإلهام والرؤية في المنام، وكلاهما سمّى وحيا. وأما قوله تعالى: أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، فقال الواحدىّ وغيره: معناه غير مجاهر لهم بالكلام، بل يسمعون كلامه سبحانه وتعالى من حيث لا يرونه، وليس المراد أن هناك حجاب يفصل موضعا عن موضع، ويدل على تحديد المحجوب، فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب، حيث لم ير المتكلم، واللَّه أعلم. انتهى. قال كاتبه-[عفى اللَّه عنه]-: قد تحصّل مما تقدم أن في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه رآه ببصره وعيني رأسه، وهو قول أنس بن مالك، وعكرمة، والربيع، وحكاه بعضهم عن عبد اللَّه بن مسعود، وهو المشهور عن عبد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عباس، وحكى ابن إسحاق أن مروان سأل أبا هريرة: هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم. وحكى النقاش عن الإمام أبى عبد اللَّه أحمد ابن محمد بن حنبل، أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه رآه- رآه حتى انقطع نفسه، يعنى نفس أحمد بن حنبل- وإلى هذا ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري، وجماعة من المتكلمين، أنه رأى اللَّه سبحانه ببصره، وعيني رأسه. الثاني: أنه رآه بفؤاده وقلبه لا بعينه، وقد روى ذلك عن عبد اللَّه بن عباس، وأبى ذر، وإبراهيم التيمي، وأبى العالية، والربيع بن أنس، وحكى عن عكرمة، وقاله أحمد بن حنبل، قال: رآه بقلبه، وجبن عن القول
برؤيته تعالى في الدنيا بالأبصار، وعن الإمام مالك بن أنس قال: لم ير في الدنيا لأنه باق، ولا يرى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة، رزقوا أبصارا باقية، رأوا الباقي بالباقي. قال القاضي عياض: وهذا الكلام حسن مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة، إلا من حيث ضعف القوة، فإذا قوّى اللَّه تعالى من يشاء من عباده، وأقدره على القيام بأعباء الرؤية، لم يمتنع في حقه. وقال القاسم أبو عاصم، محمد بن أحمد العبادىّ، في قول ابن عباس وغيره، رآه بقلبه: وعلى هذا رأى ربه رؤية صحيحة، وهي أن اللَّه تعالى جعل بصره في فؤاده، وخلق لفؤاده بصرا حتى رأى ربه رؤية صحيحة، كما ترى العين. وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد: ومعنى الآية- يعنى قوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى - أن الفؤاد رأى شيئا فصدق فيه ما رأى، أي ما كذب الفؤاد مرئيه، وقرأ أبو عامر: ما كَذَبَ بالتشديد، قال المبرد: معناه أنه رأى شيئا فقبله. قال الواحدي: وهذا الّذي قاله المبرد على أن الرؤية للفؤاد، فإن جعلها للبصر فظاهر، أي ما كذّب الفؤاد ما رأى البصر، واللَّه أعلم. الثالث: أنه إنما رأى ليلة الإسراء جبريل، ولم ير رب العزة تعالى، وهو مذهب عائشة، وعبد اللَّه بن مسعود، ويروى عن أبى هريرة، وأبى ذر، رضى اللَّه عنهم. فظهر مما تقدم، أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء على صورته، وكان قد رآه قبل ذلك في ابتداء الوحي، منهبطا من السماء إلى الأرض، على الصورة التي خلق عليها، وهو المعنيّ بقوله: عَلَّمَهُ شَدِيدُ
الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ [دَنا] فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فالصحيح من قول المفسرين: أن المتدلى في هذه الآية، هو جبريل، كما أخرجاه في الصحيحين عن عائشة، أنها سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك فقال: [ذلك] جبريل، فقد قطع هذا الحديث النزاع و [أزاح] الإشكال، [واللَّه الحمد] .
فصل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل ليلة الإسراء
فصل في كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للَّه عزّ وجلّ ليلة الإسراء اعلم أن الإله سبحانه وتعالى متكلم، دلّ على ذلك الكتاب و [السنة] ، وإجماع الأمة، فالمنكر كافر، وكلامه معلوم لكل عاقل ذي قلب سليم، والكيف مجهول، لا يعلمه إلا من سمعه منه، وغيرهم لا برهان لهم به، إن يتبعون إلا الظن. وقالت الأشاعرة [ (1) ] : كلامه معنى واحد، قائم بذاته، مغاير لعلمه وإرادته، وهو طلب فعل، أو طلب ترك، أو الحكم بنفي، أو إثبات. وقالت المعتزلة [ (1) ] : إذا أراد اللَّه شيئا، أو كرهه، أو حكم به، خلق الأصوات المخصوصة، في جسم من الأجسام، التي لا يصح أن تتصف بالكلام، لتدل هذه الأصوات على كونه تعالى مريدا لذاك الشيء، أو كارها له، أو حاكما به، بنفي أو إثبات، وكلامه على هذا، هو خلقه لتلك الأصوات، إلا أن الخلق عندهم نفس المخلوق، فيكون كلامه إذن: هو تلك الأصوات، فلهذا قالوا بأن كلام [اللَّه تعالى] مخلوق، لأن تلك الأصوات مخلوقة، ونفوا أن يقوم بذاته طلب أو حكم. وقالت الكرامية [ (1) ] ومن تبعهم: كلامه لفظ قائم بذاته، وهذا معنى كلام الإمام أحمد رحمه اللَّه، قال الإمام أحمد في رواية يعقوب والمروزي: تكلم اللَّه بصوت، وذكر الحديث: إذا تكلم اللَّه بالوحي، سمع صوته أهل السماء، فالأشاعرة والمعتزلة، متفقون على أن اللفظ لا يقوم بذاته تعالى،
وأنه مخلوق، واختلفوا في قيام المعنى به، فنفاه المعتزلة كدأبهم في نفى الصفات، وأثبته الأشاعرة. واتفق الأشاعرة والكرامية، على أن الكلام يجب أن يقوم بذاته عزّ وجل، واختلفوا في ذلك الكلام، فقال الأشاعرة: هو المعنى، وقال الكرامية: هو اللفظ، واتفق الكرامية والمعتزلة على أن كلامه سبحانه يجب أن يكون أصواتا وحروفا، واختلفوا بعد ذلك، فقال الكرامية: هو قائم به، وقالت المعتزلة: هو مخلوق في غيره، ولكل فريق من هذه الفرق الثلاثة احتجاجات، ورد ذكرها في غير هذا الكتاب، فإذا تقرر ذلك، فاعلم أن السلف والخلف في أن نبينا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، هل كلم ربه سبحانه وتعالى ليلة الإسراء بغير واسطة؟ أم لا؟ فحكى عن الشيخ أبى حسن الأشعري- رحمه اللَّه- وقوم من المتكلمين، أنه كلّمه، وعزا بعضهم هذا إلى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وإلى عبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه [عنهم] ، ذكره القاضي عياض. وأشهر قولي أهل الحديث أنه كلمه ربه تعالى، فسمع خطابه، واستدلوا على ذلك بقوله [في] حديث الإسراء، فنوديت: أن قد أتممت فريضتي وخففت عن عبادي، يا محمد، إنه لا يبدّل القول لدى، هي خمس، وهي خمسون، قالوا: فمثل هذا لا يقوله إلا رب العالمين، كما في قوله لموسى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [ (1) ] . قال علماء السلف وأئمتهم: هذا من أدلّ الدلائل على أن كلام اللَّه غير مخلوق، لأن هذا لا يقوم بذات مخلوقة، وقال جماعة منهم: من زعم أن قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، مخلوق، فهو كافر، لأنه
بزعمه يكون ذلك المحل المخلوق، قد دعا موسى عليه السلام إلى عبادته، واستدلوا أيضا بقوله في الحديث الّذي خرّجه أبو بكر البزار، من طريق على رضى اللَّه عنه، وقد تقدم ذكره في ذكر من كان يؤذن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفيه: [إذا] خرج ملك من الحجاب، وأنه أذن، فكان يجاب من وراء الحجاب بقوله: صدق عبدي، أنا أكبر، وبقوله: صدقت، أنا لا إله إلا أنا، وبقوله: أنا أرسلت محمدا، وظاهره يقتضي أنه عليه السلام، سمع كلام اللَّه تعالى، ولكن من وراء حجاب، كما قال تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ، أي وهو لا يراه، حجب بصره عن رؤيته. وقال الأستاذ أبو إسحاق: اتفق أهل [الحق] على أن اللَّه تعالى خلق في موسى عليه السلام معنى من المعاني، أدرك به كلامه، و [به] كان اختصاصه في سماعه، وأنه قادر على مثله، في جميع خلقه، واختلفوا في نبينا محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [هل سمع في] ليلة المعراج كلام اللَّه تعالى؟ وهل سمع جبريل [كلامه] ؟ على قولين.
فصل في سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف
فصل في سفر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سافر- فيما حفظ من أحواله- إلى الطائف مرتين، مرة قبل الهجرة، ومرة بعد الهجرة، فأما التي قبل الهجرة، فإنه خرج بعد موت عمه أبى طالب، وبعد موت زوجته خديجة بنت خويلد، بثلاثة أشهر، ومعه زيد بن حارثة، في شوال سنة عشر من المبعث- في قول الواقدي- ليدعو ثقيفا إلى نصرته، فأقام بالطائف عشرة أيام، وقيل: شهرا. قال ابن إسحاق: ولما هلك أبو طالب، نالت قريش من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأذى، ما لم تكن تناله منه في حياة عمه أبى طالب، فخرج إلى الطائف يلتمس من ثقيف النّصرة، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من اللَّه [عزّ وجلّ] فخرج إليهم وحده. قال: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: لما انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف، عهد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود ابن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة [بن] غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش، من بنى جمح، فجلس إليهم [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] ، فدعاهم إلى اللَّه، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه. فقال أحدهم- وهو يمرط [ (2) ] ثياب الكعبة-: إن كان اللَّه أرسلك! وقال
الآخر: أما وجد اللَّه أحدا يرسله غيرك؟ وقال الثالث: واللَّه لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من اللَّه كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على اللَّه، ما ينبغي لي أن أكلمك، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عندهم، و [قد] يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم- فيما ذكر لي-: إذا فعلتم ما فعلتم، فاكتموا عنى [ (1) ] . وكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبلغ ذلك قومه، فيذئرهم [ (2) ] ذلك عليه، فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه، ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، [وألجئوه] [ (3) ] إلى حائط [ (4) ] لعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعهد إلى ظل حبلة [ (5) ] من عنب فجلس فيه، وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف. وقد لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فيما ذكر لي- المرأة [التي] [ (6) ] من بنى جمح، فقال لها: ماذا لقينا من أحمائك؟ فلما اطمأن، قال- فيما ذكر لي: اللَّهمّ إليك [أشكو] ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت، رب المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني [ (7) ] ؟ أو إلى عدوّ ملكته أمرى، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالى، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بوجهك الّذي أشرقت له
الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بى غضبك، أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك. فلما رآه ابنا ربيعة- عتبة وشيبة- وما لقي، تحركت له رحمهما [ (1) ] ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا، يقال له: عدّاس، فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل، فقل له يأكل منه، ففعل عدّاس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال له: كل، فلما وضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده فيه قال: باسم اللَّه، ثم أكل، فنظر عدّاس في وجهه ثم قال: واللَّه إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ومن أهل أي البلاد أنت يا عدّاس؟ وما دينك؟ قال: نصرانىّ، وأنا رجل من أهل نينوى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ فقال له عدّاس: وما يدريكك ما يونس بن متى؟ قال: ذلك أخى كان نبيا، وأنا نبي، قال: فأكبّ عدّاس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبّل رأسه، ويديه، و [قدميه] [ (2) ] . قال: يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك، فقد أفسد عليك، فلما جاءهما عداس قالا له: ويلك يا عداس، ما لك تقبل رأس هذا الرجل، ويديه، وقدميه؟! قال: يا سيدي! ما في الأرض [شيء] [ (3) ] خير من هذا، لقد أخبرنى بأمر ما يعلمه إلا نبي، قال: ويحك يا عداس! لا يصرفنّك عن دينك، فإن دينك خير من دينه. ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة، حين يئس من
خير ثقيف، حتى إذا كان بنخلة [ (1) ] ، قام من جوف الليل يصلى، فمرّ به النفر من الجن الذين ذكر اللَّه تبارك وتعالى، وهم- فيما ذكر لي- سبعة نفر من جن نصيبين، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته، ولّوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا، وأجابوا إلى ما سمعوا، فقصّ اللَّه خبرهم عليه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] ، فقال [تعالى] [ (2) ] : وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [ (3) ] . وقال [تعالى] [ (2) ] : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ... [ (4) ] إلى آخر القصة، من خبرهم في هذه السورة [ (5) ] ، وأما خروجه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف بعد الهجرة، فسيأتي في فتح مكة إن شاء اللَّه تعالى.
فصل في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عكاظ، ومجنة، وذي المجاز
فصل في خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عكاظ، ومجنّة، وذي المجاز اعلم أنه كانت للعرب أسواق يجتمعون بها في تجاراتهم، ويجتمع إليها سائر الناس، فإذا انقضت لا يصل إليها أحد، ولا يرجع منها أحد إلا بخفيه، وكانت أعظم هذه الأسواق [عشرة أسواق] ، منها ما يقوم في أشهر الحرم، ثم لا يقوم إلى مثل ذلك من قابل، ومنها ما لا يقوم في أشهر الحرم ويقوم في غيرها. فمن الأسواق العشرة: عكاظ، في أعلا نجد، قريب من عرفات، وكانت تقوم في النصف من ذي القعدة، وكانت من أعظم أسواق العرب، وكانت قريش تنزلها، وهوازن، وغطفان، والأحابيش- وهم الحرث [من بنى] [ (1) ] عبد مناة، وعضل، والمصطلق، وطوائف أفناء العرب، فإذا نزلوها في نصف ذي القعدة، لا يبرحون حتى [يروا] [ (1) ] هلال ذي الحجة، فإذا رأوه انقشعت. وكان قيامها فيما بين نخلة والطائف، بينها وبين الطائف عشرة أيام، وبها نخل وأموال لثقيف، ولم يكن فيها عشور [ (2) ] ولا خفارة [ (3) ] ، وكانت فيها أشياء ليست في شيء من أسواق العرب، كأن يوافي [بالأسرى] [ (1) ]
فيفادون بها، وكان بيعهم في السرار، وإذا وجب البيع [وعند التاجر فيها ألف ممن يريد الشراء، ومن لا يريد أشركه في الربح] [ (1) ] . خرّج البيهقيّ من حديث سفيان بن عيينة، عن أبى حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه [عنهما] قال: قدم وفد إياد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسألهم عن قس بن ساعدة الإيادي فقالوا: هلك يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد شهدته في الموسم بعكاظ، وهو على جمل له أحمر، أو على ناقة حمراء، وهو ينادى في الناس، فذكره [ (2) ] . وقال جابر بن عبد اللَّه: مكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشر سنين يتتبّع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنه، وفي [المواسم] [ (3) ] ، ويقول: من يؤوينى؟ من ينصرني؟ ومجنة سوق من أسواق العرب، بين عكاظ وذي المجاز، كانت بأسفل مكة، على بريد منها، وهي سوق لكنانة، وأرضها من أرض كنانة. وخرّج الدارقطنيّ من حديث ابن نمير، عن يزيد بن زياد بن أبى الجعد [قال] [ (4) ] : حدثنا أبو ضمرة جامع بن شداد، عن طارق بن عبد اللَّه المحاربي، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين، مرة بسوق ذي المجاز، وأنا في تباعة لي- هكذا قال- أبيعها، فمرّ وعليه حلة حمراء، وهو ينادى
[بأعلى] صوته: [يا أيها] [ (1) ] الناس! قولوا: لا إله إلّا اللَّه تفلحوا، ورجل يتبعه بالحجارة، قد أدمى كعبيه وعرقوبيه، وهو يقول: [يا أيها] الناس! لا تطيعوه فإنه كذاب، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا غلام [بنى] [ (1) ] عبد المطلب، قلت: من هذا الّذي يتبعه يرميه؟ قالوا: عمه عبد العزّى- وهو أبو لهب-. فلما ظهر الإسلام، وقدم المدينة، أقبلنا في ركب من الرَّبَذَة، وجنوب الرَّبَذَة، حتى نزلنا [قريبا] [ (1) ] من المدينة، ومعنا ظعينة لنا، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان، فسلّم، فرددنا عليه، فقال: من أين أقبل القوم؟ قلنا: من [الرَّبَذَة] [ (2) ] ، وجنوب الرَّبَذَة، [قال: ومعنا] [ (2) ] جمل أحمر، قال: تبيعوني جملكم؟ قلنا نعم، قال: بكم؟ قلنا: بكذا و [كذا] [ (2) ] صاعا من تمر، قال: فما استوضعنا شيئا، وقال: قد أخذته. ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة، فتوارى عنا، فتلاومنا بيننا، وقلنا: أعطيتم جملكم من لا تعرفونه، فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فقد رأيت وجه رجل ما كان ليحقركم، ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان العشاء أتانا رجل فقال: السلام عليكم، أنا رسول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليكم، وأنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى تستوفوا. قال: فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا، فلما كان من الغد دخلنا المدينة، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم على المنبر، يخطب الناس وهو يقول: يد المعطى [العليا] [ (2) ] ، وابدأ بمن تعول، أمّك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك، فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه! هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فخذ لنا بثأرنا، فرفع يديه
حتى [رأينا] [ (1) ] بياض إبطيه، فقال: ألا لا يجنى والد على ولده [ (2) ] . [وخرجه الحاكم وابن حبان] [ (3) ] . [وذكر ابن سعد عن عبد اللَّه بن عون، عن عمرو بن سعيد، أن أبا طالب قال: كنت بذي المجاز مع ابن أخى- يعنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأدركنى العطش فشكوت إليه، فقلت: يا ابن أخى! قد عطشت- وما قلت له ذاك وأنا أرى أن عنده شيئا إلا الجزع- قال: فثنى وركه، ثم نزل فقال: يا عم! أعطشت؟ قال: قلت: نعم، قال: فأهوى بعقبه إلى الأرض، فإذا [بالماء] ، قال: اشرب يا عم، قال: فشربت] [ (4) ] . [وروى عبد اللَّه بن الأجلح، عن الكلبي، عن أبى صالح، عن ابن عباس، عن العباس رضى اللَّه عنه قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عباس، لا أرى لي عندك ولا عند بنى أبيك ممنعة، فهل أنت مخرجي إلى السوق غدا، حتى تعرفني منازل قبائل الناس؟ قلت: نعم، قال: فخرجت به، فأتيت به سوق عكاظ- وكانت مجمع العرب- قال: فقلت هذه كندة ولفها، وهي أفضل من يحج البيت من اليمن، وهذه منازل بكر بن وائل، وهذه منازل بنى عامر بن صعصعة، فاختر لنفسك، قال: فبدأ بكندة، فأتاهم، فقال: ممن [القوم] ؟ فقالوا: من أهل اليمن، قال: من أي اليمن؟ قالوا: من كندة، قال: من أي كندة؟ قالوا: من بنى عمرو بن معاوية، قال: فهل لكم إلى خير؟ قالوا: وما هو؟ قال: تشهدون أن لا إله إلا اللَّه، وتقيمون الصلاة،
وتؤمنون بما جاء به من عند اللَّه] . [قال ابن الأجلح: وحدثني أبى عن أشياخ قومه، أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الملك للَّه يجعله حيث شاء، قالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به. قال الكلبي في حديثه: فقال جئتنا لتصدنا عن آلهتنا، وتنابذ العرب، ألحق بقومك، فلا حاجة لنا بك] . [فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من عندهم، فأتى بكر بن وائل فقال: ممن القوم؟ قالوا: من بكر بن وائل، قال: من أي بكر بن وائل؟ قالوا: من بنى قيس بن ثعلبة، قال: كيف [الغلبة] ؟ قالوا: كثير مثل الثرى، قال: فكيف المنعة؟ قالوا: لا منعة، جاورنا فارس، فنحن لا نمنع منهم، ولا نجير عليهم، قال: فتجعلون للَّه عليكم إن هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم، وتستنكحوا نساءهم، وتستعبدوا أبناءهم، أن تسبحوا اللَّه ثلاثا وثلاثين، وتحمدوه ثلاثا وثلاثين، وتكبروه ثلاثا وثلاثين، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم انطلق عنهم] . [وكان عمه أبو لهب يتبعه، فيقول للناس: لا تسمعوا منه، ولا تقبلوا قوله، قال: ثم مرّ أبو لهب فقالوا: هل تعرف هذا الرجل؟ قال: نعم، هذا في الذروة منّا، أيّ شأنه تسألونى؟ فأخبروه بما دعاهم، وقالوا: زعم أنه رسول اللَّه، قال: لا ترفعوا لقوله رأسا، فإنه مجنون، يهذى من أم رأسه، قالوا: لقد رأينا ذلك، حيث ذكر من أمر فارس ما ذكر] . [وروى يزيد بن هارون، عن جرير بن عثمان، عن سليم بن عامر، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعكاظ فقلت: من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد] . [وروى أبو الزبير عن جابر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مكث سبع سنين، يتبع الحاج
في منازلهم في المواسم، بعكاظ ومجنة، يعرض عليهم الإسلام، وبعكاظ رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قسّ بن ساعدة، وحفظ كلامه] . [وخرج] الحاكم من حديث يونس بن بكير، حدثنا يزيد بن زياد بن أبى الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق [بن] عبد اللَّه المجازي، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرتين [ (1) ] ، رأيته بسوق ذي المجاز- وأنا في بياعة لي- فمرّ وعليه حلة حمراء، فسمعته يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا اللَّه، تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة، قد أدمى كعبيه، وهو يقول: يا أيها الناس، لا تطيعوا هذا فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ فقيل: هذا غلام من بنى عبد المطلب، قلت: من الرجل الّذي يرجمه؟ قيل لي: هو عمه عبد العزّى أبو لهب. فلما أظهر اللَّه الإسلام خرجنا من الرَّبَذَة، ومعنا ظعينة لنا، حتى نزلنا قريبا من المدينة، فبينا نحن قعود، إذ أتانا رجل عليه ثوبان، فسلم علينا وقال: من أين القوم؟ فقلنا: من الرَّبَذَة، ومعنا جمل أحمر، فقال: تبيعوننى الجمل؟ فقلنا: نعم، فقال: بكم؟ فقلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر، قال: أخذته وما استقضى، فأخذ بخطام الجمل، فذهب به حتى توارى في حيطان المدينة، فقال بعضنا لبعض: تعرفون الرجل؟ فلم يكن منا أحد يعرفه، فلام القوم بعضهم بعضا، فقالوا: أتعطون جملكم من لا تعرفون؟ فقالت الظعينة: لا تلاوموا، فلقد رأيت وجه رجل لا يغدرنكم، ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه. فلما كان العشىّ، أتانا رجل فقال: السلام عليكم ورحمة اللَّه، أنتم الذين جئتم من الرَّبَذَة؟ قلنا: نعم، قال: أنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليكم، وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا، وتكتالوا حتى
تستوفوا، فأكلنا من التمر حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا. ثم أتينا المدينة من الغد، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قائم يخطب الناس على المنبر، فسمعته يقول: يد المعطى العليا، وابدأ بمن تعول، أمّك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك، وثمّ رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللَّه! هؤلاء [بنو] ثعلبة بن يربوع، الذين قتلوا فلانا في الجاهلية، فخذ لنا ثأرنا، فرفع رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] يديه حتى رأيت بياض إبطيه فقال: لا تجنى أم على ولد، لا تجنى أم على ولد، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . ولأبى نعيم من حديث محمد بن عثمان بن أبى شيبة قال: [حدثنا] محمد بن [مكاره، حدثنا] ابن أبى الزياد، قال: حدثني أبى قال: رأيت رجلا يقال له: ربيعة بن عباد، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمر في فجاج ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا اللَّه تفلحوا، قال: فما يؤذيه أحد إلا أنهم يتبعونه، قال: فقالوا: هذا ابن عبد اللَّه بن عبد المطلب، إلا رجل أحول، وضيء، ذو غديرتين، يتبعه في فجاج ذي المجاز وهو يقول: إنه صابئ كاذب، قال: فقلنا: من هذا؟ قالوا: عمه أبو لهب. قال أبو نعيم: ورواه زيد بن أسلم، وسعيد بن خالد القارظي، وحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس، في آخرين، عن ربيعة [ (2) ] .
فصل في ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
فصل في ذكر هجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة خرّج البخاري في آخر كتاب الكفالة، في باب جوار أبى بكر في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي كتاب الهجرة، من حديث الليث عن عقيل، قال [ابن] شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة [رضى اللَّه عنها] ، زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طرفي النهار، بكرة وعشية. فلما ابتلى المسلمون، خرج أبو بكر [رضى اللَّه عنه] مهاجرا نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد، لقيه ابن الدّغنّة- وهو سيد القارة-[فقال] : أين تريد يا أبا بكر؟ [فقال] أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربى، فقال ابن الدّغنّة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، أنت تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكلّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع، وارتحل معه ابن الدّغنّة [فطاف ابن الدّغنّة] [ (1) ] عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلّ، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب [قريش] [ (1) ] بجوار ابن الدّغنّة. وقالوا لابن الدّغنّة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ فيها، وليقرأ [ما شاء] ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدّغنّة لأبى بكر، فلبث أبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره.
ثم بدا لأبى بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره، وكان يصلى فيه، ويقرأ فيه القرآن، [فيتقذّف] عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون منه وينظرون إليه. وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنّة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك، على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فانهه، فإن أقام على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك، فسله أن يرد ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبى بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدّغنّة أبا بكر [رضى اللَّه عنه] فقال: قد علمت الّذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إليّ ذمتي، فإنّي لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت في رجل عقدت له، فقال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار اللَّه، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ بمكة. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [للمسلمين] [ (1) ] : إن أريت دار هجرتكم، ذات نخل بين لابتين، وهما الحرّتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهّز أبو بكر قبل المدينة، فقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم: على رسلك، فإنّي أرجو أن يؤذن لي، فقال أبو بكر [رضى اللَّه عنه] : وهل ترجو ذلك؟ بأبي أنت! قال: نعم، [فحبس] أبو بكر نفسه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليصحبه، وعلف راحلتين [كانتا] [ (1) ] عنده، ورق السمر- وهو الخبط
- أربعة أشهر [ (1) ] . زاد في كتاب الهجرة: قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة رضى اللَّه عنها: فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبى بكر في نحو الظهيرة، وقال قائل لأبى بكر: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متقنعا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر [فداء] له أبى وأمى، ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر؟! قالت: فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستأذن، فأذن له، فدخل، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبى بكر: أخرج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك، بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، قال: فإنّي قد أذن لي في الخروج، فقال أبو بكر: الصحابة، بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم، قال أبو بكر، فخذ بأبي أنت يا رسول إحدى راحلتيّ هاتين، قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بالثمن. قالت عائشة: فجهّزناهما أحسن الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سمّيت: ذات النّطاقين. قالت: ثم لحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر بغار في جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد اللَّه بن أبى بكر، وهو غلام شاب، ثقف، لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة- كبائت، فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة- مولى أبى بكر- منحة من غنم، فيريح عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل، وهو لبن منحتهما ورضيفهما، حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. واستأجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر رجلا من بنى الديل، وهو من بنى عبد
ابن عدىّ، هاديا خرّيتا- والخرّيت: الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاصي بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث ليال، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل [ (1) ] .
قال ابن شهاب: فأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي- وهو ابن أخى سراقة بن مالك بن جعشم- أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول: جاءتنا رسل كفار قريش، يجعلون في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر دية، كل واحد منهما لمن قتله أو أسره، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بنى مدلج، إذ أقبل رجل منهم، حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة: إني رأيت قد آنفا أسودة بالساحل، أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم، فقلت له: إنهم ليسوا هم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا، انطلقا بأعيننا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي، وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجّه الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بى حتى دنوت منهم، فعثرت بى فرسي، فخررت عنها، فقمت، فأهويت يدي إلى
كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام، فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟ فخرج الّذي أكره، فركبت فرسي، وعصيت الأزلام، تقرّب بى حتى إذا سمعت قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو لا يلتفت، وأبو بكر [رضى اللَّه عنه] يكثر الالتفات، ساخت [يدا] فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة، إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الّذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآنى، ولم يسألانى إلا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة [رضى اللَّه عنه] ، فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقي الزبير في ركب من المسلمين، كانوا تجارا قافلين من الشام، [فكسا] الزبير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبا بكر رضى اللَّه عنه ثياب بياض. وسمع المسلمون بالمدينة فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، من مكة [فكانوا] يغدون كل غداة إلى الحرة، فينتظرونه، حتى يردّهم حرّ الظهيرة، فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم، أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم- قال ابن زبالة: وهي عز أهل المدينة ومنعتهم التي يتحصنون فيها من عدوهم- قال ابن شهاب: لأمر ينظر إليه، فبصر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه مبيضين، يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال [بأعلى] صوته: يا معاشر العرب، هذا جدكم الّذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظهر الحرّة، فعدل بهم ذات
اليمين، حتى نزل بهم في بنى [عمرو] بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، [وقيل: لثمان خلون منه] [ (1) ] . وفي الإكليل عن الحاكم، تواترت الأخبار بذلك، وقيل: قدم المدينة يوم الجمعة عشاء لثنتى عشرة مضت منه، وقيل: لليلتين مضتا منه، وقيل: لثمان عشرة ليلة، وقيل: بضع عشرة ليلة، وعند البيهقي اثنتين، وعندي ليلة، وعند ابن حزم: خرجنا من مكة وقد بقي من صفر ثلاث ليال، وقال البرقي: قدمها ليلا، وقيل قدم لثلاث عشر ليلة مضت منه، وجزم ابن النجار بقدومه حين [الضحى] يوم الاثنين لثنتى عشرة ليلة من ربيع الأول، ووافقه جازما بذلك النووي في زوائده من كتاب السير من (الروضة) [ (2) ] . قال [ابن] شهاب: فقام أبو بكر [رضى اللَّه عنه] للناس، وجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحىّ أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقبل أبو بكر حتى ظلّل عليه بردائه، فعرف الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك، فلبث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بنى [عمر] بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسّس المسجد الّذي أسّس على التقوى، وصلّى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ركب راحلته، فسار يمشى معه الناس، حتى بركت عند مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدا للتمر، لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء اللَّه المنزل. ثم دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغلامين، فساومهما بالمربد، ليتخذه مسجدا،
فقالا: بل نهبه لك يا رسول اللَّه، فأبى أن يقبل [منهما] هبته، حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقل معهم اللبن في بنيانه، ويقول وهو ينقل اللبن: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربنا وأطهر ويقول: اللَّهمّ إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار [والمهاجرة] فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي، قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات. وخرّجه أيضا في كتاب اللباس، في باب التقنع، من حديث معمر عن الزهري، عن عائشة [رضى اللَّه عنها] باختصار [ (1) ] ، وفرّقه في كتاب الجهاد في باب حمل الزاد في الغزو [ (2) ] ، وهجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة [ (3) ] ، وفي كتاب الأطعمة في باب الخبز المرقق، والأكل على الخوان والسفرة [ (4) ] . وخرّج البخاري أيضا في الهجرة من حديث شعبة قال: سمعت أبا إسحاق الهمدانيّ يقول: سمعت البراء [رضى اللَّه عنه] يقول: أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى المدينة، فذكر قطعة مما تقدم [ (5) ] . وخرّجه
مسلم كذلك [ (1) ] . وخرّج البخاري ومسلم من حديث أبى إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب [رضى اللَّه [عنه]] يقول: جاء أبو بكر رضى اللَّه [عنه] إلى أبى في منزله، فاشترى منه رحلا، فقال لعازب: ابعث معى ابنك يحمله معى إلى منزلي، فقال أبى: احمله، فحملته، وخرج أبى معه ينتقد ثمنه، فقال له أبى: يا أبا بكر، حدثني كيف صنعت ليلة سريت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: نعم، أسرينا ليلتنا كلها، حتى قام قائم الظهيرة، وخلا الطريق، فلا يمر فيه أحد، حتى رفعت لنا صخرة طويلة لها ظل، لم تأت الشمس بعد، فأتيت الصخرة، فنزلنا عندها، وسويت بيدي مكانا ينام فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ظلها، ثم بسطت عليه فروة، ثم قلت: نم يا رسول اللَّه، وأنا أنفض لك ما حولك. فنام، وخرجت أنفض ما حوله، فإذا أنا براعي غنم مقبل بغنمه إلى الصخرة، يريد منها الّذي أردنا، فلقيته فقلت: لمن أنت يا غلام؟ قال: لرجل من أهل المدينة، قلت له: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم، قلت: أفتحلب لي؟ قال: نعم، فأخذ شاة، فقلت له: انفض الضرع من الشعر، والتراب، والقذى، قال: فرأيت البراء يضرب بيده على الأرض ينفض، فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن، قال: ومعى إداوة أرتوى فيها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ليشرب منها ويتوضأ، قال: فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فشرب منها وتوضأ] ، وكرهت أن أوقظه من نومه، فوافقته قد استيقظ، فصببت على اللبن من الماء، حتى برد أسفله، فقلت يا رسول اللَّه، اشرب من هذا اللبن، قال: فشرب حتى رضيت، ثم قال: ألم يأن للرحيل؟ قلت: بلى. قال: فارتحلنا بعد ما زالت الشمس، وأتبعنا سراقة بن مالك، ونحن في
جلد من الأرض فقلت: يا رسول اللَّه! أتينا، فقال: لا تحزن إن اللَّه معنا، [فدعا] عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فارتطمت فرسه إلى بطنها- أرى- فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما عليّ، فادعوا لي، [فاللَّه] لكما أن أردّ عنكما الطلب، فدعا [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] اللَّه، فنجا، فرجع لا يلقى أحدا إلا قال: قد كفيتم هاهنا، فلا يلقى أحدا إلا ردّه ووفّى لنا. اللفظ لمسلم، وقال فيه البخاري: فقال لرجل من أهل المدينة أو مكة، وقال فيه: فقال: إني أراكما قد دعوتما عليّ. ذكره البخاري في باب علامات النبوة [ (1) ] . ولمسلم من حديث عثمان بن عمر، والنضر بن شميل، كلاهما عن أبى إسحاق، عن البراء، قال: اشترى أبو بكر من أبى [ (2) ] رحلا بثلاثة عشر درهما.. وساق الحديث بمعنى ما تقدم [ (3) ] . وقال في حديثه من رواية عثمان بن عمر، [عن إسرائيل] : فلما دنا [دعا] عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فساخ
فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه وقال: يا محمد! قد علمت أن هذا عملك، فادع اللَّه أن يخلصني مما أنا فيه، ولك عليّ لأعمينّ على من ورائي، وهذه كنانتي فخذ سهما منها، فإنك ستمر على إبلي وغلماني [بمكان] كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، قال: لا حاجة لي في إبلك. فقدمنا المدينة ليلا، فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: انزل على بنى النجار أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك، فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان والخدم في الطريق ينادون: يا محمد، يا رسول اللَّه [ (1) ] ... يا محمد يا رسول اللَّه! وخرّج البخاري في المناقب، من حديث إسرائيل بمعناه، وذكر نحوا أو
قريبا منه في باب هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثني قدامة بن موسى، عن عائشة بنت قدامه قالت: لما أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتحول عن فراشه، ولا ينام عليه في الليلة التي ائتمرت قريش في دار الندوة، على أن يثبتوه فيقتلوه، خرج على القوم حتى انتهى إلى بيت بكر رضى اللَّه عنه، وكان فيه حتى خرجا منه إلى الغار- غار ثور- خرجا من خوخة في ظهر بيت أبى بكر رضى اللَّه عنه ليلا. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث: لقد خرجت من الخوخة متنكرا، وكان أول من لقيني، الخبيث أبو جهل، فعمى اللَّه تعالى بصره عنى وعن أبى بكر [رضى اللَّه عنه] حتى مضيت، ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر [رضى اللَّه عنه] ، فقال أبو بكر لعائشة [رضى اللَّه عنهما] : لو رأيتني ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ صعدنا الغار، فأما قدما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فتقطرتا دما، وأما قدماي، فعادتا كأنها صفوان، فقالت عائشة رضى اللَّه عنها: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يتعود الحفية، ولا الرعية، ولا الشقوة، [قال:] ولو رأيتنا ونحن نصعد في الغار، مرة هو أمامى، ومرة أنا أمامه، حتى سبقته إلى الغار فدخلته، وكان فيه جحر، فألقمته عقبى، ودخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليّ، قال أبو بكر رضى اللَّه عنه: إن كانت لدغة لدغتني، أحب إلى من أن تلدغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن أبى الحسن بن زبالة، في (تاريخ المدينة) : حدثني محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن حارثة، عن أبيه قال: نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كلثوم ابن الهدم، بغلام [يقال] له: يا نجيح، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنجحت يا أبا بكر.
وذكر عن محمد بن كعب القرظيّ وغيره، قالوا: لما بركت ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بباب أبى أيوب [رضى اللَّه عنه] ، جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد أن ينزل فتخلخل، فيطيف بها أبو أيوب [رضى اللَّه عنه] ، فيجد جبار بن صخر- أخا بنى سلمة- ينخسها، فقال أبو أيوب: يا جبار! أعن منزلي تنخسها؟ واللَّه بعثه بالحق، لولا الإسلام لضربتك بالسيف. قال: فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منزل أبى أيوب، وقرّ قراره، وطابت داره، ونزل معه زيد بن حارثة.
فصل في ذكر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر غزوات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزا بنفسه سبعا وعشرين غزوة [ (1) ] ، وكانت سراياه التي بعث فيها، سبعا وأربعين سرية، وكان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات] [ (2) ] . قال البخاري: وقال محمد بن إسحاق: أول ما غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الأبواء، ثم بواط، ثم العشيرة [ (3) ] . وخرّج من طريق شعبة، عن أبى إسحاق [قال:] كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من غزوة؟ قال: تسع عشرة، [قيل:] كم [غزوت] أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قلت: فأيهم كانت أول؟ قال: [العشيراء] أو العشير، فذكرت ذلك لقتادة فقال: العشيرة [ (3) ] . وخرجه مسلم بمعناه [ (4) ] . وقال محمد إسحاق: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة يوم الاثنين حين اشتد [الضحى] وكادت الشمس تعتدل لثنتى عشرة مضت من شهر ربيع الأول، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن ثلاث وخمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه اللَّه
بثلاث عشرة سنة، فأقام بقية ربيع الأول، وشهر ربيع الآخر، وجمادين، ورجبا، وشعبان، وشهر رمضان، وشوال، وذا القعدة، وذا الحجة [وولى تلك الحجة المشركون] [ (1) ] . ثم خرج غازيا في صفر، على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة [ (2) ] ، حتى بلغ ودّان، وهي: [غزوة الأبواء] .
غزوة الأبواء
غزوة الأبواء [ (1) ] يريد قريشا وبنى ضمرة، بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة، وكان الّذي وادعه منهم مخشىّ بن عمرو الضمريّ، وكان سيدهم في زمانه ذلك.
ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، ولم يلق كيدا، [فأقام بها بقية صفر، وصدرا من شهر ربيع الأول، وهي أول غزو غزاها] [ (1) ] . وقال الواقدي: وفي هذه الغزاة، وادع بنى ضمرة من كنانة، على أن لا يكثروا عليه، ولا يعينوا عليه أحدا، ثم كتب بينهم كتابا [ (2) ] ، ثم رجع، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة [ (3) ] .
[غزوة بواط]
[غزوة بواط] [ (1) ] قال ابن إسحاق: ثم غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شهر ربيع الأول يريد قريشا حتى بواط من ناحية رضوى، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا [ (2) ] . وقال الواقدي: ثم غزا بواط- وبواط حيال ضبّه من ناحية ذي خشب، بين بواط والمدينة ثلاثة برد- يعترض لعير قريش، فيها أمية بن خلف، ومائة رجل من قريش وألفان و [خمسمائة] بعير، [في ربيع الأول، على رأس ثلاث عشر شهرا] ، [ثم رجع ولم يلق كيدا] [ (3) ] . وقال ابن إسحاق: فلبث بها- يعنى المدينة-[بقية] [ (4) ] شهر ربيع الآخر، وبعض [جمادى الأولى] ، ثم غزا قريشا، فسلك نقب بنى دينار، ثم على فيفاء الخبار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر، يقال لها: ذات الساق، فصلى عندها، فثم مسجده صلّى اللَّه عليه وسلّم وصنع له عندها طعام، فأكل منه، وأكل الناس منه، فموضع أثافى البرمة معلوم [هنالك] [ (4) ] ، واستقى له من ماء به يقال له: المشترب، ثم ارتحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فترك الخلائق بيسار، [وسلك
شعبة يقال لها: شعبة عبيد اللَّه، ثم صبّ لليسار حتى هبط بليل، فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة] [ (1) ] واستقى من بئر بالضبوعة، ثم سلك الفرش، فرش [ملل] [ (1) ] ، حتى لقي الطريق بصحيرات اليمام، ثم اعتدل [به] [ (1) ] الطريق حتى نزل العشيرة [واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد] .
غزوة بدر الأولى
غزوة بدر الأولى ثم غزا في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا، في طلب كرز بن جابر الفهري، أغار على سرح المدينة، وكان يرعى بالجماء ونواحيها، حتى بلغ بدرا ولم يدركه] [ (1) ] . وذكر الواقدي أن غارة كرز في ربيع الأول بعد بواط، أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طلبه، حتى بلغ واديا يقال له: سفوان من ناحية بدر، وفاته كرز بن جابر، فلم يدركه، وهي غزوة بدر الأولى، ثم رجع إلى المدينة [ (2) ] ، [وكان قد استخلف عليها زيد بن حارثة رضى اللَّه عنه] .
غزوة ذي العشيرة
غزوة ذي العشيرة [ثم غزا] العشيرة في جمادى الآخرة، على رأس ستة عشر شهرا، يعترض لعيرات قريش حين أبدأت إلى الشام، وكان قد جاءه الخبر بفصول العير من مكة تريد الشام، قد جمعت قريش أموالها، فهي في تلك العير، فسلك على نقب من بنى دينار، يريد بيوت السّقيا وهي غزوة ذي العشيرة، [واستخلف على المدينة في هذه الغزوة، أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي رضى اللَّه عنه] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: ولم يقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة حين قدم من غزوة العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طلبه، حتى بلغ واديا يقل له: سفوان [ (2) ] ، من ناحية بدر، وفاته كرز بن جابر فلم يدركه، وهي غزوة بدر الأولى، ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، فأقام بها بقية جمادى الآخرة، ورجبا، وشعبان] . [قال ابن إسحاق: فسلك على نقب بنى دينار، ثم على فيفاء الخبار، فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر، يقال لها: ذات الساق، فصلى عندها، فثم مسجده صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصنع له عندها طعام، فأكل منه، وأكل الناس معه،
فموضع أثافىّ البرمة معلوم هنالك، واستقى له صلّى اللَّه عليه وسلّم من ماء به، يقال له: المشترب [ (1) ]] .
غزوة بدر الكبرى
غزوة بدر الكبرى ثم خرج إلى غزاة بدر، [وهي البطشة التي أعزّ اللَّه تعالى بها الإسلام، وأهلك رءوس الكفر] [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وبلغ [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [بدارا- ماء كان ليخلد بن النضر، ويقال لرجل من جهينة- وبين بدر والمدينة ثمانية برد] [ (2) ] ، وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أبا سفيان بن حرب، مقبل من الشام، في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجارتهم، وفيها ثلاثون رجلا من قريش، أو أربعون، منهم: مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، و [عمرو] بن العاص بن وائل، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلا من الشام، ندب إليهم المسلمين، وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها، لعل اللَّه ينفلكموها، فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلقى حربا. وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز، يتحسس [ (3) ] الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفا على أمر الناس، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان، أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتى قريشا
فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه. فخرج ضمضم سريعا إلى مكة، فصرخ ببطن الوادي يقول: يا معشر قريش!! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبى سفيان، قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث. فتجهز الناس سراعا، فكانوا بين رجلين، إما خارج وإما باعث مكانه رجلا، فلم يتخلف من أشرافها أحد، إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف، وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة، وكان قد لاط [ (1) ] له بأربعة آلاف درهم، كانت له عليه، أفلس بها، فاستأجره بها، على أن يجزئ [عنه] بعثه، فخرج عنه، وتخلف أبو لهب. وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة [يوم الاثنين] [ (2) ] لثمان ليالي خلون من رمضان، فساروا حتى التقوا مع المشركين ببدر. وقال الواقدي: ولما [تحين] [ (3) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصراف العير من الشام، ندب أصحابه للعير، وبعث طلحة بن عبيد اللَّه، وسعيد بن زيد، قبل خروجه من المدينة بعشر ليال، يتحسسان خبر العير، قال: وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن معه، حتى انتهى إلى نقب بنى دينار، ثم نزل بالبقيع- وهي بيوت السّقيا- يوم الأحد لثنتى عشرة [ليلة] خلت من رمضان، فضرب عسكره هناك، وعرض المقاتلة. [قال:] وقدم عدي بن أبى الزغباء، وبسبس بن عمرو، وراح عشية الأحد من بيوت السقيا، وخرج المسلمون معه، وهم ثلاثمائة وخمسة،
وثمانية تخلفوا ضرب لهم بسهامهم وأجورهم، وكانت الإبل سبعين بعيرا، وكانوا يتعاقبون الإبل، الاثنين، والثلاثة، والأربعة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، [ومرثد] ، ويقال: زيد بن حارثة، يتعاقبون بعيرا واحدا، واستعمل على الماء قيس [بن] أبي صعصعة عمرو ابن زيد بن عوف بن مبذول، وأمره حين فصل من بيوت السقيا أن يعد المسلمين، فوقف لهم، فعدّهم، وأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان [دوين] [ (1) ] ماء بدر، أتاه الخبر بمسير قريش، فأخبرهم [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ]] بمسيرهم، واستشار [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ]] الناس، قال: فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه وعدني إحدى الطائفتين، واللَّه لكأنّي انظر إلى مصارع القوم، قال: ونزل بأدنى بدر، عشاء ليلة الجمعة، ولسبع عشرة ليلة من رمضان، واستشار في المنزل، فأشار الحباب بن المنذر بنزوله على قليب بدر، فتحول إليه، وبنى له عريش من جريد، فدخله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر رضى اللَّه عنه [ (3) ] . وخرّج البخاري من حديث عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في قبته يوم بدر: اللَّهمّ أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إن تشأ لا تعبد بعد اليوم، فأخذ أبو بكر رضى اللَّه عنه بيده فقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك، فخرج وهو ثبت في الدرع، فخرج وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ذكره في كتاب التفسير [ (4) ] ، وفي غزوة
بدر، في باب ما قيل في درع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
وخرج مسلم [ (1) ] والترمذي، من حديث ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي قال: قال يونس: سمعت ابن عباس رضى اللَّه عنهما يقول: لما كان يوم بدر. وذكر مسلم من طريق عمر بن يونس الحنفي [قال:] حدثنا عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة، ثم مدّ يديه، فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آتني ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض. فما زال يهتف بربه، مادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر رضى اللَّه عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي اللَّه! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللَّه [تعالى:] إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ، فأمده اللَّه [تعالى] بالملائكة [ (1) ] . زاد مسلم: قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: [بينما] رجل من المسلمين يومئذ يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخرّ مغشيا، فنظر إليه، فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه بضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين [ (1) ] . قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
لأبى بكر وعمر رضى اللَّه عنهما: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه عنه: يا نبي اللَّه! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن نأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى اللَّه أن يهديهم للإسلام، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ما ترى يا ابن الخطاب: قلت: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أرى الّذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان- نسيب لعمر- فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد، جئت فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول اللَّه! أخبرنى من أي شيء تبكى أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبكى الّذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأنزل اللَّه عزّ وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [ (1) ] إلى قوله: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [ (1) ] فأحل اللَّه تعالى الغنيمة لهم [ (2) ] . قال الواقدي: كان انهزام القوم وتوليهم حين زالت الشمس، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببدر، وأمر عبد اللَّه بن كعب بقيض الغنائم وحملها، [وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفرا من أصحابه أن يعينوه [ (3) ]] فصلى العصر ببدر، ثم راح فمر
بالأثيل [ (1) ] قبل غروب الشمس، فنزل به، وبات به، وأقبل بالأسرى، حتى إذا كان بعرق الظبية [ (2) ] ، أمر عاصم بن ثابت أن يضرب عنق عقبة بن أبى معيط، فقدمه فضرب عنقه، ولما نزلوا يسيرا بشعب بالصفراء، قسم الغنائم بها بين أصحابه، [وقدم] زيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة، وتلقاه الناس يهنئونه بالروحاء حتى قدم المدينة [ (3) ] [واستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر] [ (4) ] .
غزوة بنى قينقاع
غزوة بنى قينقاع ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة بنى قينقاع من اليهود، في يوم السبت، النصف من شوال بعد البدر، فحصرهم إلى هلال ذي القعدة وجلالهم. وقيل: كانت في صفر سنة ثلاث من الهجرة، وجعلها ابن إسحاق بعد غزاة قرارة الكدر، ولم يتجاوز أرض المدينة. [قال ابن الأثير: لما عاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر، أظهرت يهود له الحسد بما فتح عليه، وبغوا ونقضوا العهد، وكان قد وادعهم حين قدم المدينة مهاجرا] . [فلما بلغه حسدهم جمعهم بسوق بنى قينقاع، فقال لهم: احذروا ما نزل بقريش وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أنى نبي مرسل. فقالوا: يا محمد! لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة] . [فكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبينه، فبينما هم على مجاهرتهم، إذ جاءت امرأة مسلمة إلى سوق بنى قينقاع، فجلست عند صائغ لأجل حلىّ لها، فجاء رجل منهم فحل درعها إلى ظهرها، وهي لا تشعر، فلما قامت بدت عورتها، فضحكوا منها، فقام إليه رجل من المسلمين فقتله، ونبذوا العهد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحصنوا في حصونهم، فغزاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحاصرهم خمس عشرة ليلة، فنزلوا على حكمه، فكتفوا وهو يريد قتلهم، وكانوا حلفاء الخزرج، فقام إليه عبد اللَّه بن أبىّ بن سلول، فكلمه فيهم، فلم يجبه، فأدخل يده إلى جيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فغضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: ويحك! أرسلنى، فقال: لا أرسلك حتى تحسن إلى موالىّ،
أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعونى من الأحمر والأسود تحصدهم في غداة واحدة، وإني واللَّه لأخشى الدوائر، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هم لك، خلوهم، لعنهم اللَّه ولعنه معهم] [ (1) ] . [وغنم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون ما كان لهم، ولم يكن لهم أرضون، إنما كانوا صاغة، وكان الّذي أخرجهم عبادة بن الصامت الأنصاري، فبلغ بهم ذباب [اسم موضع] ، ثم ساروا إلى أذرعات من أرض الشام، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى هلكوا] [ (1) ] . [وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استخلف على المدينة أبا لبابة، وكان لواء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع حمزة، وقسم الغنيمة بين أصحابه وخمسها، وكان أول خمس أخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قول] [ (1) ] . [ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحضر الأضحى، وخرج إلى المصلّى، فصلى بالمسلمين، وهي أول صلاة عيد صلاها، وضحى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشاتين، وقيل بشاة، وكان أول أضحى رآه المسلمون، وضحى معه ذو اليسار، وكانت الغزاة في شوال بعد بدر، وقيل: كانت في صفر سنة ثلاث، وجعلها بعضهم بعد غزوة الكدر] [ (1) ] .
غزوة السويق
غزوة السويق ثم خرج إلى غزوة السويق [ (1) ] ، يوم الأحد الخامس من ذي الحجة، على رأس اثنتين وعشرين شهرا من مهاجره صلّى اللَّه عليه وسلّم، فغاب خمسة أيام في طلب أبى سفيان بن حرب ومن معه [ (2) ] ، و [استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر العمرى] [ (3) ] . [قال ابن هشام: [لما] فل [المنهزمون] من قريش من بدر نذر أبو سفيان أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه، فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: ثيب، من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بنى النضير تحت الليل، فأتى حيىّ بن أخطب فضرب على بابه، فأبى أن يفتح له بابه وخافه، فانصرف عنه إلى سلام بن مكشم- وكان سيد بنى النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم- فاستأذن عليه فأذن له. فقراه وسقاه، وبطنه من خبر الناس [أعلمه بسرهم] ، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها: العريض، فحرقوا أصوار نحل بها [أي نخل مجتمع] . ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس] [ (2) ] .
[فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طلبهم، واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر، وهو أبو لبابة فيما قال ابن هشام، حتى بلغ قرارة الكدر [أرض ملساء]- ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا أزوادا من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها للنجاة، فقال المسلمون حين رجع بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا رسول اللَّه أتطمع لنا أن تكون غزوة؟ قال: نعم] [ (1) ] . [قال ابن هشام: وإنما سميت غزوة السويق، فيما حدثني أبو عبيده، أن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق، فهجم المسلمون على سويق كثير، فسميت غزوة السويق] [ (1) ] . [وفي هذا الحديث أن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية، بقية من دين إبراهيم وإسماعيل، كما بقي فيهم الحج، والزواج، ولذلك سموها جنابة، وقالوا: رجل جنب، وقوم جنب، لمجانبتهم في تلك الحال البيت الحرام، ومواضع قرباتهم، ولذلك عرف معنى هذه الكلمة في القرآن الكريم، في قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [ (2) ] ، وقوله تعالى: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [ (3) ] .
غزوة قرارة الكدر
غزوة قرارة الكدر ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة قرارة الكدر، للنصف من المحرم، على رأس ثلاثة وعشرين شهرا من هجرته في قول الواقدي. وعند ابن إسحاق: أنه خرج في شوال سنة اثنتين بعد بدر، في طلب غطفان وسليم، وعاد بعد خمس عشرة ليلة بغنائم [ (1) ] ، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم المعيصى] [ (2) ] . [قال الواقدي: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى قرارة الكدر إلى بنى سليم وغطفان للنصف من المحرم، على رأس ثلاثة وعشرين شهرا، وغاب خمس عشرة ليلة، وكان الّذي هاجه على ذلك أنه بلغه أن بها جمعا من غطفان وسليم، فسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم، وأخذ عليهم الطريق حتى جاء فرأى أثار النعم ومواردها، ولم يجد في المجال أحدا، فأرسل في أعلى الوادي نفرا من أصحابه، واستقبلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بطن الوادي، فوجد رعاء فيهم غلام يقال له يسار، فسألهم عن الناس، فقال يسار: لا علم لي بهم، إنما أورد لخمس وهذا يوم ربعي، والناس قد ارتيعوا إلى المياه] [ (1) ] . [فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد ظفر بنعم، فانحدر إلى المدينة حتى إذا صلى الصبح، فإذا هو بيسار، فرآه يصلى، فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم، فقال القوم: يا رسول اللَّه! إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعا، فإن فينا من يضعف عن حظه الّذي يصير إليه] [ (3) ] .
[فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقتسموا، فقالوا: يا رسول اللَّه: إن كان أنمّ بك العبد الّذي رأيته يصلى، فنحن نعطيكه في سهمك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد طبتم نفسا؟ قالوا: نعم، فقبله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأعتقه، وارتحل الناس، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، واقتسموا غنائمهم، فأصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة، وكان القوم مائتين] [ (1) ] . [وعن أبى أروى الدوسيّ قال: كنت في السرية، وكنت ممن يسوق النعم، فلما كنا بصرار- على ثلاثة أميال من المدينة- خمس النعم، وكان النعم خمسمائة بعير، فأخرج خمسة، وقسم أربعة أخماس على المسلمين- فأصابهم بعيران] [ (1) ] .
غزوة ذي أمر [وهي غزوة غطفان]
غزوة ذي أمر [وهي غزوة غطفان] ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة ذي أمر- وهي غزوة غطفان- وكانت يوم الخميس الثامن عشر من ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهرا في قول الواقدي [ (1) ] ، وعند ابن إسحاق [ (2) ] : أنها كانت في المحرم سنة ثلاث من الهجرة، يريد ثعلبة ومحارب، وعاد من غير أن يلقى كيدا، بعد إحدى عشرة ليلة، [واستخلف على المدينة عثمان بن عفان- رضى اللَّه تعالى عنه] [ (3) ] . [سببها أن جمعا من بنى ثعلبة ومحارب تجمعوا يريدون الإغارة، جمعهم دعثور بن الحارث المحاربي، وكان شجاعا] [ (3) ] . [فندب صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين، وخرج في أربعمائة وخمسين فارسا، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فلما سمعوا بمهبطه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليهم هربوا في رءوس الجبال، فأصابوا رجلا منهم يقال له: حبان من بنى ثعلبة، فأدخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعاه إلى الإسلام فأسلم، وضمه إلى بلال رضى اللَّه تعالى عنه- ليعلمه الشرائع-] [ (3) ] . [وأصاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مطر، فنزع ثوبيه ونشرهما على شجرة ليجفّا، واضطجع تحتها، وهم ينظرون إليه، فقالوا لدعثور: قد انفرد محمد فعليك
به، فأقبل ومعه سيف حتى قام على رأسه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يمنعك منى؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّه، فدفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يمنعك منى؟ فقال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، ثم أتى قومه فدعاهم إلى الإسلام. وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ (1) ] ، ويقال: كان ذلك في ذات الرقاع] [ (2) ] . [وقال ابن إسحاق: فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا، فلبث بها شهر ربيع الأول كله إلا قليلا منه] [ (3) ] .
غزوة بحران
غزوة بحران ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بحران من ناحية الفرع، في سادس [جمادى] الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا، ثم عاد بعد عشر ليالي، ولم يلق صلّى اللَّه عليه وسلّم كيدا، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [وسببها: أنه بلغه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن بها جمعا كبيرا من بنى سليم، فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه، فوجدهم قد تفرقوا في مياههم، فرجع ولم يلق كيدا] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: حتى بلغ بحران من ناحية الفرع بضمتين، يقال: هي أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة، وهي من ناحية المدينة، وفيها عينان يقال لهما: الربض والنجف، يسقيان عشرين ألف نخلة، كانت لحمزة بن عبد اللَّه بن الزبير، والفرع بفتحتين موضع بين الكوفة والبصرة، فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا] [ (3) ] .
غزوة أحد
غزوة أحد ثم كانت غزاة أحد، يوم السبت لسبع خلون من شوال، على رأس اثنتين وثلاثين شهرا ظاهر المدينة، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [قال الواقدي: وقد روى كثير من الصحابة ممن شهد أحدا قال كل واحد منهم: واللَّه إني لأنظر إلى هند وصواحبها منهزمات، وكلما أتى خالد من قبل مسيرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليجوز حتى يأتى من قبل السفح فيرده الرماة، حتى فعلوا ذلك مرارا، ولكن المسلمين أتوا من قبل الرماة. إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو عز إليهم فقال: قوموا على مصافكم هكذا فاحموا ظهرنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا] [ (2) ] . [فلما انهزم المشركون وتبعهم المسلمون، يضعون السلاح فيهم، حيث شاءوا حتى أجهضوهم عن العسكر، ووقعوا ينتهبون العسكر] [ (2) ] . [قال بعض الرماة لبعض: لم تقيمون هنا في غير شيء؟ قد هزم اللَّه العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين فاغنموا مع إخوانكم، فقال بعض الرماة لبعض: ألم تعلموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لكم: احموا ظهورنا فلا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا، احموا ظهورنا؟] [ (2) ] .
[فقال الآخرون: لم يرد رسول اللَّه هذا، وقد أذل اللَّه المشركين وهزمهم، فادخلوا العسكر فانتهبوا مع إخوانكم يقول رافع بن خديج: فكنا أتينا من قبل أنفسنا ومعصية نبينا، واختلط المسلمون وصاروا يقتلون ويضرب بعضهم بعضا، ما يشعرون به من الدهشة والعجل. ولقد جرح يومئذ أسيد بن حضير جرحين، ضربه أحدهما أبو بردة وما يدرى، يقول: خذها وأنا الغلام الأنصاري! وكر أبو زغنة في حومة القتال فضرب أبا بردة ضربتين وما يشعر، إنه يقول: خذها وأنا أبو زغنة! حتى عرفه بعد ذلك، فكان إذا لقيه قال: انظر إلى ما صنعت بى، فيقول له أبو زغنة: أنت ضربت أسيد ابن حضير ولا تشعر، ولكن هذا الجرح في سبيل اللَّه] [ (1) ] . [فذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: هو في سبيل اللَّه، يا أبا بردة لك أجره، حتى كأنه ضربك أحد من المشركين، ومن قتل فهو شهيد] [ (1) ] . [وكانت عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرجت في نسوة تستروح الخبر- ولم يضرب الحجاب يومئذ- حتى إذا كانت بمنقطع الحرة وهي هابطة من بنى حارثة إلى الوادي، لقيت هند بنت عمرو بن حرام، أخت عبد اللَّه بن عمرو ابن حرام تسوق بعيرا لها، عليه زوجها عمرو بن الجموح، وابنها خلاد بن عمرو، وأخوها عبد اللَّه بن عمرو بن حرام أبو جابر، فقالت عائشة- رضى اللَّه عنها- عندك الخبر، فما وراءك؟ فقالت: هند: خيرا، أما رسول اللَّه فصالح، وكل مصيبة بعده جلل] [ (1) ] . [واتخذ اللَّه من المؤمنين شهداء، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [ (2) ]] .
غزوة حمراء الأسد
غزوة حمراء الأسد وخرج يوم الأحد، صبيحة أحد إلى حمراء الأسد، في طلب قريش، ثم عاد بعد ثلاث، ولم يلق كيدا، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [قال الواقدي: وكانت يوم الأحد لثمان خلون من شوال، على رأس اثنين وثلاثين شهرا، ودخل المدينة يوم الجمعة وغاب خمسا] [ (2) ] . [وقال جابر بن عبد اللَّه: يا رسول اللَّه، إن مناديا نادى ألا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالأمس، وقد كنت حريصا على الحضور، ولكن أبى خلفنى على أخوات لي وقال: يا بنى، لا ينبغي لي ولك أن ندعهن ولا رجل عندهن، وأخاف عليهنّ وهن نسيات ضعاف، فأذن لي يا رسول اللَّه أن أسير معك، فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] . [قال جابر: فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري، واستأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك عليهم] [ (2) ] . [وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مجروح، في وجهه أثر الحلقتين، ومشجوج في جبهته في أصول الشعر، ورباعيته قد شطيت، وشفته قد كلمت من باطنها، وهو متوهن منكبه الأيمن بضربة ابن قميئة، وركبتاه محجوشتان] [ (2) ] .
[فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد فركع ركعتين، والناس قد حشدوا، ونزل أهل العوالي حيث جاءهم الصريخ، وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم، فلحقوهم بحمراء الأسد، ولهم زجل، وهم يأتمرون بالرجوع] [ (1) ] . [ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، قال جابر: وكان عامة زادنا التمر، وحمل سعد بن عبادة ثلاثين جملا حتى وافت الحمراء، وساق جزرا فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثا] [ (1) ] . [وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمرهم في النهار بجمع الحطب، فإذا أمسوا أمرنا أن نوقد النيران، فيوقد كل رجل نارا، فلقد كنا تلك الليالي نوقد خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد، وذهب ذكر معسكرنا ونيراننا في كل وجه حتى كان مما كبت اللَّه تعالى عدونا] [ (1) ] . [ومر بأبي سفيان نفر من عبد القيس يريدون المدينة، فقال: هل أنتم مبلغون محمدا وأصحابه ما أرسلكم به، على أن أوقر لكم أباعركم زبيبا غدا بعكاظ، إن أنتم جئتمونى؟ قالوا: نعم، قال: حيثما لقيتم محمدا وأصحابه فأخبروهم أنا قد أجمعنا الرجعة إليهم، وأنا في آثارهم، فانطلق أبو سفيان] [ (1) ] . [وقد الركب على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه بالحمراء، فأخبروهم الّذي أمرهم أبو سفيان، فقالوا: حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، وفي ذلك أنزل اللَّه عز وجل: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ [ (2) ] ، وقوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ (3) ]] .
غزوة بنى النضير
غزوة بنى النضير ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزوة بنى النضير من اليهود، في ربيع الأول، على رأس سبعة وعشرين شهرا من الهجرة، في قول الواقدي. وقال الزهري: [هي] غزوة كانت على رأس ستة أشهر من وقعة [بدر] قبل أحد. وجعلها ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد، فحصرهم ست ليالي، حتى أنزلهم وجلاهم عن المدينة، ثم عاد بعد خمسة عشر يوما [ (1) ] ، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بنى النضير يستعينهم في دية القتيلين من بنى عامر، فلما أتاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: نعم يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه] [ (3) ] . [ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه- ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد- فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقى عليه صخرة فيريحنا منه؟] [ (3) ] . [فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، أحدهم، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقى عليه صخرة كما قال، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نفر من أصحابه، فيهم: أبو بكر، وعمر وعلى- رضوان اللَّه تعالى عليهم] [ (3) ] .
[فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استلبث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة، فأقبل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انتهوا إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد! قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟] [ (1) ] . [قال أهل التأويل: وقع في نفوس المسلمين من هذا الكلام شيء، حتى أنزل اللَّه تعالى: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها، واللينة: ألوان التمر ما عدا العجوة والبرني، ففي هذه الآية: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يحرق من نخلهم إلا ما ليس بقوت للناس، وكانوا يقتاتون العجوة، وقال تعالى: لِينَةٍ، ولم يقل: نخلة على العموم، تنبيها على كراهة قطع ما يقتات ويغذو من شجر العدو، إذا رجى أن يصير إلى المسلمين] [ (1) ] . [وخلوا الأموال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . [ولم يسلم من بنى النضير إلا رجلان: يامين بن عمير، أبو كعب بن عمرو بن جحاش، وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها] [ (1) ] .
[قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض آل يامين: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك، وما هم به؟ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش، فقتله فيما يزعمون] . [ونزل في بنى النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم اللَّه به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما عمل به فيهم [ (1) ]] .
غزوة بدر الموعد
غزوة بدر الموعد وخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بدر الموعد لهلال ذي القعدة، على رأس خمسة وأربعين شهرا، فأقام بها ليوافيه أبو سفيان، فلم يأته، وعاد بعد ست عشرة ليلة إلى المدينة، ولم يلق كيدا. [واستعمل على المدينة عبد اللَّه بن أبى ابن سلول الأنصاري] [ (1) ] . [خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لملاقاة أبى سفيان في شعبان إلى بدر لميعاد أبى سفيان، قال ابن إسحاق: فأقام عليه ثماني ليال ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة، من ناحية الظهران] [ (2) ] . [وبعض الناس يقول: قد بلغ عسفان، ثم بدا له في الرجوع، فقال: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع، فارجعوا، فرجع الناس. فسماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق] [ (2) ] . [وأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده، فأتاه مخشى بن عمرو الضمريّ، وهو الّذي كان وادعه على بنى ضمرة في غزوة ودان، فقال: يا محمد، أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟ قال: نعم يا أخا بنى ضمرة، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، ثم جالدناك حتى يحكم اللَّه بيننا وبينك، قال: لا واللَّه يا محمد، ما لنا بذلك منك حاجة [ (2) ]] .
غزوة ذات الرقاع
غزوة ذات الرقاع ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزوة ذات الرقاع من نخل، ليلة السبت، لعشر خلون من المحرم، على رأس سبعة وأربعين شهرا، يريد أنمارا وثعلبة، فبلغ صرار، وعاد يوم الأحد لخمس بقين منه، [فكانت] غيبته خمسة عشرة ليلة، ولم يلق كيدا، [واستخلف على المدينة عثمان بن عفان- رضى اللَّه عنه] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة بعد غزوة بنى النضير شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى، ثم غرا نجدا يريد بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان، حتى نزل نخلا [موضع بنجد] ، وهي غزوة ذات الرقاع] [ (2) ] . [قال ابن هشام: وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع، لأنهم رفعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع يقال لها ذات الرقاع] [ (2) ] . [وذكر غيره: أنها أرض فيها يقع سود، ويقع بيض، كأنها مرقعة برقاع مختلفة، فسميت ذات الرقاع لذلك، وكانوا قد نزلوا في تلك الغزاة] [ (2) ] . [وأصح من هذه الأقوال كلها، ما رواه البخاري في صحيحه من طريق أبى موسى الأشعري، قال: «خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفارى، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب من
الخرق على أرجلنا، فحدق أبو موسى بهذا، ثم كره ذلك فقال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فلقى بها جمعا عظيما من غطفان، فتقارب الناس، ولم يكن بينهم حرب، وقد خاف الناس بعضهم بعضا حتى صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس صلاة الخوف ثم انصرف بالناس] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: وحدثني عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن جابر بن عبد اللَّه، أن رجلا من بنى محارب، يقال له: غورث، قال لقومه من غطفان ومحارب: ألا أقتل لكم محمدا؟ قالوا: بلى، وكيف نقلته؟ قال: أفتك به، قال: فأقبل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس، وسيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجره، فقال: يا محمد، انظر إلى سيفك هذا؟ قال: نعم- وكان محلى بفضة، فيما قال ابن هشام- قال: فأخذه فاستله، ثم جعل يهزه، ويهم فيكبته اللَّه تعالى، ثم قال: يا محمد! أتخافنى؟ قال: لا، وما أخاف منك؟ قال: أما تخافنى وفي يدي السيف؟ قال: لا، يمنعني اللَّه منك، ثم عمد إلى سيف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرده عليه] [ (1) ] . [قال: فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان، أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش، أخى بنى النضير، وما هم به، فاللَّه أعلم أي ذلك كان] [ (1) ] . [ثم حكى ابن إسحاق قصة جمل جابر بن عبد اللَّه- رضى اللَّه عنه- وتخلفه، وأنه سبق بعد ذلك ببركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا جابر،
هل تزوجت بعد؟ قال: قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أثيبا أم بكرا؟ قال: لا، بل ثيبا، قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك! قال: قلت: يا رسول اللَّه، إن أبى أصيب يوم أحد، وترك بنات له سبعا، فنكحت امرأة جامعة تجمع رءوسهن، وتقوم عليهنّ، قال: أصبت إن شاء اللَّه] [ (1) ] . [قال: فلما جئنا صرارا [موضع قريب من المدينة] أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بجزور فنحرت، وأقمنا عليها ذلك اليوم، فلما أمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل ودخلنا] [ (1) ] . [فترك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منزلا، فقال: من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه؟ فانتدب رجل من المهاجرين، رجل آخر من الأنصار، فقالا: نحن يا رسول اللَّه، قال: فكونا بفم الشعب، قال: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه قد نزلوا إلى شعب من الوادي، وهما: عمار بن ياسر، وعباد بن بشر، فيما قال ابن هشام] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال الأنصاري للمهاجرى: أي الليل تحب أن أكفيكه: أوله أم آخره؟ قال: بل اكفني أوله، قال: فاضطجع المهاجري فنام، وقام الأنصاري يصلى، قال: وأتى الرجل، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم أي الطليعة الّذي يحرس القوم من مكان مرتفع] [ (1) ] . [قال: فرمى بسهم فوضعه فيه، قال: فنزعه ووضعه، فثبت قائما، قال: ثم رماه بسهم آخر، فوضعه فيه، قال: فنزعه ووضعه فيه، وثبت قائما، ثم عادله بالثالث، فوضعه فيه، قال: فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهب صاحبة فقال: اجلس قد أثبت «أي جرحت جراحة بالغة» ] [ (1) ] .
[قال: فوثب، فلما رآهما الرجل عرف أن قد نذرا به، فهرب، قال: ولما رأى المهاجري، بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان اللَّه! أفلا أهببتنى أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرأها، فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها «أتم قراءتها» ، فلما تابع على الرمي ركعت فأذنتك، وأيم اللَّه لولا أن أضيع ثغرا أمرنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها] [ (1) ] . [وفي هذا الحديث من الفقه صلاة المجروح، وفيه متعلق لمن يقول: إن غسل النجاسة لا يعد في شروط صحة الصلاة، وفيه من الفقه أيضا تعظيم حرمة الصلاة، وأن للمصلى أن يتمادى عليها وإن جر إليه ذلك القتل، وتفويت النفس، مع أن التعرض لفوات النفس لا يحل إلا في حالة المحاربة، ألا ترى إلى قوله: «لولا أن أضيع ثغرا أمرنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها» يعنى السورة التي كان يقرأها] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: ولما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة من غزوة الرقاع، أقام بها بقية جمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجبا] [ (1) ] .
غزوة دومة الجندل
غزوة دومة الجندل ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة دومة الجندل، في الخامس والعشرين من ربيع الأول، على رأس تسعة وأربعين شهرا، وعاد في العشرين من ربيع الآخر، [واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة] [ (1) ] . [دومة الجندل: بينها وبين المدينة خمس عشر ليلة بسير الإبل، وسميت بدومى بن إسماعيل عليه السلام، لأنها نزلها] [ (2) ] . [كانت غزوة دومة الجندل- كما قال الواقدي- في ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا، خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لخمس ليال بقين من ربيع الأول، وقدم لعشر بقين من ربيع الآخر] [ (2) ] . [[لما] أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يدنو إلى الشام، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشام، فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر، وقد ذكر له أن بدومة الجندل جمعا كثيرا، وأنهم يظلمون من مرّ بهم من الضافطة [جمع ضافط، وهو الّذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن، والمكاري الّذي يكرى الأحمال، وكانوا يؤمئذ قوما من الأنباط، يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت] ، وكان بها سوق عظيم وتجار، وضوى إليهم قوم من العرب كثير، وهم يريدون أن يدنوا من المدينة] [ (2) ] . [فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، فخرج في ألفين من المسلمين، فكان يسير الليل ويمكن النهار، ومعه دليل من بنى عذرة يقال له: مذكور، هاد خرّيت [ماهر بالطرق ومسالكها] [ (2) ] .
[فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مغذّا للسير، ونكب عن طريقهم، ولما دنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دومة الجندل- وكان بينه وبينها يوم أو ليلة سير الراكب المعتق-[السريع] ، قال له الدليل: يا رسول اللَّه: إن سوائمهم ترعى، فأقم لي حتى أطلع لك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم] [ (1) ] . [فخرج العذري طليعة حتى وجد آثار النعم والنساء وهم مغربون، ثم رجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، وقد عرف مواضعهم، فسار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى هجم على ماشيتهم ورعائهم، فأصاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أصاب، وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا] [ (1) ] . [ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بساحتهم، فلم يجد بها أحدا، فأقام بها أياما وبث السرايا، وفرقها، حتى غابوا عنه يوما ثم رجعوا إليه، ولم يصادفوا منهم أحدا، وترجع السرية بالقطعة من الإبل، إلا أن محمد بن مسلمة أخذ رجلا منهم، فأتى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأله عن أصحابه فقال: هربوا أمس حيث سمعوا بأنك قد أخذت نعمهم] [ (1) ] . [فعرض عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الإسلام أياما فأسلم، فرجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة] [ (1) ] .
غزوة المريسيع
غزوة المريسيع ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة المريسيع، يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس من الهجرة، فأوقع بنى المصطلق من خزاعة، وعاد لهلال رمضان، فغاب شهرا إلا ليلتين، وعند ابن إسحاق: أنها كانت في شعبان من السنة السادسة، [واستخلف على المدينة زيد بن حارثة] [ (1) ] . [المريسيع] : بضم أوله وفتح ثانيه بعده ياء ساكنة، وسين مكسورة مهملة، بعدها ياء أخرى، وعين مهملة، على لفظ التصغير: قرية من وادي القرى، كان الزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير نازلا في ضيعته بالمريسيع، مقيما في مسجدها، لا يخرج منها إلا إلى وضوء، فكان دهره كالمعتكف] [ (2) ] . [قال البخاري: المريسيع: ماء بنجد، في ديار بنى المصطلق من خزاعة] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: من ناحية قديد إلى الشام، غزاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سنة ست، فهي غزوة المريسيع، وغزوة بنى المصطلق، وغزوة نجد، قال ابن إسحاق: سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع، قال الزهري: وفيها كان حديث الإفك] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا، ثم غزا بنى المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست] [ (2) ] .
[قالوا: [لما] بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن بنى المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبى ضرار، أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم اللَّه بنى المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبناءهم، ونساءهم، وأموالهم] [ (1) ] . [وقد استشهد رجل من المسلمين يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو، فقتله خطأ] [ (1) ] . [ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، وسلك الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له: بقعاء، فلما راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها] [ (1) ] . [فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت، أحد بنى قينقاع، وكان عظيما من عظماء اليهود، وكهفا للمنافقين، مات في ذلك اليوم] [ (1) ] . [وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما- فيما يظهر- فقال: يا رسول اللَّه، جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخى، قتل خطأ، فأمر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا] [ (1) ] .
[وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أصاب منهم سبيا كثيرا، فشا قسمه بين المسلمين، وكان فيمن أصيب من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار زوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . [وقد أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من سفره ذلك، حتى إذا كان قريبا من المدينة، وكانت معه عائشة في سفره ذلك، قال فيها أهل الإفك ما قالوا] [ (1) ] .
[غزوة الخندق]
[غزوة الخندق] ثم كانت غزاة الخندق، ظاهر المدينة، في ذي القعدة سنة خمس، وقيل: كانت في شوال، وقيل: بل كانت في سنة أربع، فأقام فيها خمسة عشر يوما، وقيل: عشرين يوما، وقيل: نحو شهر، ولم يتجاوز أرض المدينة، [وهي آخر غزاة غزاها أهل الكفر إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [لم يكن حفر الخندق من عادة العرب، ولكنه من مكايد الفرس وحربها، ولذلك أشار به سلمان الفارسي رضى اللَّه عنه] [ (2) ] . [كان من حديث الخندق: أن نفرا من اليهود حزّبوا الأحزاب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، خرجوا حتى قدموا على قريش مكة، فدعوهم إلى حرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله] [ (2) ] . [فلما سمع بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما أجمعوا له من الأمر، ضرب الخندق على المدينة، فعمل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترغيبا للمسلمين في الأجر، وعمل معه المسلمون فدأب فيه ودأبوا، وأبطأ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين، وظهر أثناء حفر الخندق كثير من المعجزات ودلائل النبوة، سبق ذكرها في أبواب معجزات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] . ولما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجرف وزغابة [أسماء مواضع] في عشرة آلاف من
أحابيشهم، ومن تبعهم من بنى كنانة، وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمى، إلى جانب أحد، وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع [جبل بالمدينة] في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فجعلوا في الآكام، [الحصون] .] [ (1) ] . [وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل الظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير، أخو بنى عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط] [ (1) ] . [قال ابن هشام: وأخبرنى من أثق به من أهل العلم أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين، واحتج بأنه كانت من أهل بدر] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: وحتى قال أوس بن قيظى أحد بنى حارثة بن الحارث: يا رسول اللَّه، إن بيوتنا عورة من العدو، وذلك عن ملأ من رجال قومه، فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا، فإنّها خارج من المدينة، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين ليلة، قريبا من شهر، لم تكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: وكانت عائشة أم المؤمنين في حصن بنى حارثة يوم الخندق، وكان من أحرز حصون المدينة. قال: وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن، فقالت عائشة وذلك قبل أن يضرب عليها الحجاب: فمرّ سعد وعليه درع له مقصلة [قصيرة قد ارتفعت عن حدها] ، قد خرجت منها ذراعه كلها، وفي يده حربته يرفل بها ويقول:] [ (1) ] .
[لبّث قليلا يشهد الهيجا جمل ... لا بأس بالموت إذا حان الأجل] [ (1) ] [فقالت له أمه: ألحق أي بنى، فإنك واللَّه أخّرت!] [ (1) ] [قالت عائشة: فقلت لها يا أم سعد، واللَّه لوددت أنّ درع سعد كانت أسبغ مما هي؟ قال: وخفت عليه حيث أصاب السهم منه، فرمى سعد بن معاذ بسهم، فقطع منه الأكحل [عرق في وسط الذراع] ، رماه كما حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة: حبان بن قيس بن العرقة، أحد بنى عامر بن لؤيّ، فلما أصابه قال: خذها منى وأنا ابن العرقة، فقال له سعد: عرّق اللَّه وجهك في النار، اللَّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها، فإنه لا قوم أحب إليّ أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه. اللَّهمّ إن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتنى حتى يقرّ عيني من بنى قريظة.] [ (1) ] [فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس، وكان من صنع اللَّه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورءوس غطفان إلى بنى قريظة: عكرمة بن أبى جهل في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخف والحافر [الإبل والخيل] ، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ ما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نفعل فيه شيئا، وقد كان أحدث بعضنا حدثا، فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا، ثقة لنا نناجز محمدا، فإنا نخشى إن ضرّتكم الحرب [نالت منكم] ، واشتد عليكم القتال أن تنشمروا [ترجعوا] إلى بلادكم، وتتركونا، والرجل في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك منه.] [ (1) ]
[فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: واللَّه إن الّذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بنى قريظة: إنا واللَّه لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا] [ (1) ] . [فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذين ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، خلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا واللَّه لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا، فأبوا عليهم، وخذّل اللَّه بينهم] [ (1) ] . [وبعث اللَّه عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم واللَّه ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأحلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الّذي نكره ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإنّي مرتحل] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: ولما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة، والمسلمين، ووضعوا السلاح [ (1) ]] .
[غزوة بنى قريظة]
[غزوة بنى قريظة] وخرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى غزاة بنى قريظة من اليهود، يوم الأربعاء لسبع خلون من ذي الحجة، سنة خمس، فحصرهم خمسا وعشرين ليلة، وقيل: خمسة عشر يوما، وقيل: شهرا، حتى نزلوا، فقتل المقاتلة، وسبى النساء والذّرية، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فلما كانت الظهيرة أتى جبريل عليه السلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما حدثني الزرى، معتجرا [الاعتجار التعمم على الرأس فقط دون جوانب الوجه أو اللحية] بعمامة من إستبرق [ديباج غليظ حسن] على بغلة عليها رحالة [سرج] عليها قطيفة من ديباج، فقال: أوقد وضعت السلاح يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن اللَّه عزّ وجلّ يأمرك يا محمد بالمسير إلى بنى قريظة، فإنّي عامد إليهم فمزلزل بهم] [ (2) ] . [فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مؤذنا، فأذن في الناس: من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة، وقدّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليّ بن أبى طالب برايته إلى بنى قريظة، وابتدرها الناس، فسار عليّ بن أبى طالب حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرجع حتى لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالطريق، فقال: يا رسول اللَّه، لا عليك أن تدنو من هؤلاء الأخابث، قال: لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، قال: لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا، فلما دنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من
حصونهم قال: يا إخوان القردة، هل أخزاكم اللَّه وأنزل بكم نقمته؟ قالوا: يا أبا القاسم. ما كنت جهولا] [ (1) ] . [ومرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفر من أصحابه قبل أن يصل إلى بنى قريظة، قال: هل مرّ بكم أحد؟ قالوا: يا رسول اللَّه قد مرّ بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة، عليها قطيفة دباج، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذلك جبريل بعث إلى بنى قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم، وحاصرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسا وعشرين ليلة، حتى جهدهم الحصار، وقذف اللَّه في قلوبهم الرعب] [ (1) ] . [قال ابن هشام: حدثني بعض من أثق به من أهل العلم: أن على بن أبى طالب صاح وهم محاصرو بنى قريظة: يا كتيبة الإيمان، وتقدم هو والزبير بن العوام، وقال: واللَّه لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم، فقالوا: يا محمد، ننزل على حكم سعد بن معاذ، ثم استنزلوا فحبسهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة في دار بنت الحارث، - امرأة من بنى النجار- ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، ثم يخرج بهم أرسالا [طائفة بعد أخرى] وفيهم عدو اللَّه حيىّ بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ستمائة أو سبعمائة، والمكثر لهم يقول: كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة، وأتى بحييّ بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما نظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما واللَّه ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل اللَّه يخذل، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر اللَّه، كتاب وقدر، ملحمة كتبها اللَّه على بنى إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه، قال ابن إسحاق:] [ (1) ] .
[ثم إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قسم أموال بنى قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأخرج منها الخمس، فعلى سنتها وما مضى من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها وقعت المقاسم، ومضت السنة في المغازي] [ (1) ] . [ثم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سعد بن زيد الأنصاري بسبي من سبايا بنى قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا] [ (1) ] . [قال ابن إسحاق: فلما انقضى شأن بنى قريظة، انفجر بسعد بن معاذ جرحه، فمات منه شهيدا [ (1) ] .]
[غزوة بنى لحيان]
[غزوة بنى لحيان] ثم خرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى غزوة بنى لحيان من هذيل، لهلال ربيع الأول سنة ست، فنزل عسفان وعاد بعد أربع عشرة ليلة، وقيل: كانت في [جمادى] بعد بنى قريظة، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [قال ابن هشام: ثم أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع، وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة، إلى بنى لحيان يطلب بأصحاب الرجيع: خبيب بن عدي وأصحابه، وأظهر أنه يريد الشام، ليصيب من العدو غرّة] [ (2) ] . [قال ابن إسحاق: فسلك على غراب، - جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام-، ثم على محيص، ثم على البتراء، ثم صفّق [عدل] ذات اليسار، فخرج على بين، ثم على صخيرات اليمام، ثم استقام به الطريق على المحجّة من طريق مكة، إلى بلد يقال له: ساية، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، فلما نزلها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخطأه من غرتهم ما أراد، قال: لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنّا قد جئنا مكة، فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغ كراع الغميم، ثم كرّ وراح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قافلا] [ (2) ] . [فكان جابر بن عبد اللَّه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول حين وجه راجعا: آئبون تائبون إن شاء اللَّه لربنا حامدون، أعوذ باللَّه من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال] [ (2) ] .
[غزوة الغابة]
[غزوة الغابة] ثم خرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى الغابة، في طلب عيينة بن حصن الفزاري، لما أغار على لقاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، في يوم الأربعاء لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ست، ورجع ليلة الإثنين، وقيل: بل خرج إلى غزاة المريسيع في شعبان، بعد غزوة الغابة هذه، [واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [وتعرف بذي قرد- بفتح القاف وبالدال المهملة- وهو ماء على بريد من المدينة، في ربيع الأول سنة ست، قبل الحديبيّة] [ (2) ] . [وعند البخاري أنها كانت قبل خيبر بثلاثة أيام، وفي مسلم نحوه. قال مغلطاى: وفي ذلك نظرا لإجماع أهل السير على خلافهما. قال القرطبي- شارح مسلم- لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبيّة. وقال الحافظ ابن حجر: ما في الصحيح من التاريخ لغزوة ذي قرد أصح مما ذكر أهل السير] [ (2) ] . [وسببها أنه كان لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرون لقحة- وهي ذوات اللبن، القريبة العهد بالولادة- ترعى بالغابة، وكان أبو ذرّ فيها، فأغار عليهم عيينة بن حصن الفزاري ليلة الأربعاء، في أربعين فارسا فاستاقوها، وقتلوا ابن أبى ذرّ] [ (2) ] . [ونودي: يا خيل اللَّه اركبي، وكان أول ما نودي بها، وركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خمسمائة، وقيل: سبعمائة وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة
يحرسون المدينة] [ (1) ] . [وكان قد عقد للمقداد بن عمرو لواء في رمحه وقال له: امض حتى تلحقك هذه الخيول، وأنا على أثرك، فأدرك أخريات العدو، وأدرك سلمة ابن الأكوع القوم وهو على رجليه، فجعل يرميهم بالنبل وهو يقول:] [ (1) ] [خذها وأنا بن الأكوع ... واليوم يوم الرّضع] [ (1) ] [يعنى هلاك اللئام، من قولهم: لئيم راضع، أي راضع اللؤم في بطن أمه، وقيل: معناه: اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها، ويعرف غيره] [ (1) ] . [وذهب الصريخ إلى بنى عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتى والرجل على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي قرد، فاستنفذوا عشر لقاح، وأفلت القوم بما بقي وهي عشر] [ (1) ] . [وصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذي قرد صلاة الخوف، وأقام يوما وليلة ورجع. وقد غاب خمس ليال، وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها] [ (1) ] .
[غزوة خيبر]
[غزوة خيبر] ثم خرج [صلّى اللَّه عليه وسلّم] إلى غزوة خيبر في صفر سنة سبع، وقيل: كانت في سنة ست، فحاصر اليهود حتى غنّمه اللَّه ديارهم، وأموالهم، ومضى منها إلى وادي القرى، فقابل يهود، وأخذها عنوة، وانصرف بعد ما أقام بوادي القرى أربعة أيام، فقدم المدينة، [واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاريّ] [ (1) ] . [أخرج البخاري من حديث أبى هريرة قال: شهدنا خيبر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لرجل ممن معه يدّعى الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها سهما فنحر نفسه، فاشتدّ رجال من المسلمين فقالوا: يا رسول اللَّه، صدّق اللَّه حديثك، انتحر فلان فقتل نفسه، فقال: قم يا فلان فأذّن لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر] [ (2) ] . [وقاتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل خيبر، وقاتلوه أشدّ القتال، واستشهد من المسلمين خمسة عشر، وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون، وفتحها اللَّه حصنا حصنا، وهي: النطاة، وحصن الصعب، وحصن ناعم، وحصن قلعة الزبير، والشق، وحصن أبىّ، وحصن البريء، والقموص، والوطيح،
والسلام، وهو حصن بنى أبى الحقيق] [ (1) ] . [وأخذ كنز آل بنى الحقيق الّذي كان في مسك [جلد] الحمار، وكانوا غيبوه في خربة، فدل اللَّه رسوله عليه فاستخرجه] [ (1) ] .
[غزوة الفتح]
[غزوة الفتح] ثم كانت غزاة الفتح، خرج إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة، يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان سنة ثمان من الهجرة، ونزل الحجون يوم الجمعة، لعشر بقين منه، وقيل: لثلاث عشرة مضت منه، وكان يأتى المسجد من الحجون لكل صلاة، وقد فتح اللَّه عليه مكة عنوة، وقيل: صلحا، وقيل: بعضها عنوة، وبعضها صلحا، [واستخلف ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكتائب الإسلام وجنود الرحمن لنقض قريش العهد الّذي وقع بالحديبية، فإنه كان قد وقع الشرط: أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعهده فعل، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فعل. فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم، ودخلت خزاعة في عقد رسول اللَّه وعهده] [ (2) ] . [ثم خرج عليه السلام فأمر عائشة أن تجهزه ولا تعلم أحدا. قالت: فدخل عليها أبو بكر فقال: يا بنية، ما هذا الجهاز؟ فقال: واللَّه ما أدرى، فقال: واللَّه ما هذا زمان غزو بنى الأصفر، فأين يريد رسول اللَّه؟ قالت: واللَّه لا علم لي] [ (2) ] . [وقدم أبو سفيان بن حرب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة يسأله أن يجدد العهد ويزيد في المدة، فأبى عليه فانصرف إلى مكة، فتجهز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
من غير إعلام أحد بذلك. فكتب حاطب كتابا وأرسله إلى مكة يخبر بذلك، فأطلع اللَّه نبيه على ذلك، فقال عمر رضى اللَّه عنه: دعني يا رسول اللَّه أضرب عنق هذا المنافق مع تصديق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاطب فيما اعتذر به، لما كان من عند عمر من القوة في الدين، وبغض المنافقين، فظن أن من خالف ما أمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استحق القتل، لكنه لم يجزم بذلك، فلذلك استأذن في قتله، وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر، وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه] [ (1) ] . [وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى من حوله من العرب فجلبهم: أسلم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وأشجع، وسليم، فمنهم من وافاه بالمدينة، ومنهم من لحقه بالطريق، فكان المسلمون في غزوة الفتح ما بين العشرة آلاف والاثني عشر ألفا على خلاف بين أهل السير] [ (1) ] . [وخرج يوم الأربعاء لعشر ليال خلون من رمضان، بعد العصر، سنة ثمان، قال الواقدي: وعند أحمد بإسناد صحيح عن أبى سعيد قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان، ثم سار صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما كان بقديد عقد الألوية والرايات، ودفعها إلى القبائل. ثم نزل مرّ الظهران عشاء، فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار، ولم يبلغ قريشا مسيره، وهم مغتمون لما يخافون من غزوهم إياهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء حتى أتوا مر الظهران، فلما رأوا العسكر أفزعهم] [ (1) ] . [فرآهم ناس من حرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأدركوهم، فأخذوهم، فأتوا بهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأسلم أبو سفيان، فلما سار قال للعباس: احبس أبا
سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين، فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كتيبة كتيبة على أبى سفيان] [ (1) ] . [قال الخطّابى: تمنى أبو سفيان أن تكون له يد فيحمى قومه ويدفع عنهم، وقيل هذا يوم الغضب للحريم والأهل، والانتصار لهم لمن قدر عليه، وقيل: هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتى من أن ينالني مكروه] [ (1) ] . [وقال ابن إسحاق: زعم بعض أهل العلم أن سعدا قال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، فسمعها رجل من المهاجرين فقال: يا رسول اللَّه! ما آمن أن يكون لسعد في قريش صولة، فقال لعلىّ: أدركه فخذ الراية منه فكن أنت تدخل بها] [ (1) ] . [وقد روى أن أبا سفيان قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لما حاذاه: أمرت بقتل قومك؟ قال: لا، فذكر له ما قال سعد بن عبادة، ثم ناشده اللَّه والرحم، فقال: يا أبا سفيان: اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز اللَّه قريشا، وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه، فدفعها إلى ابنه قيس] [ (1) ] . [وفي يوم فتح مكة اغتسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت أم هانئ ثم صلّى الضحى ثماني ركعات، قالت: لم أره صلّى صلاة أخفّ منها، غير أنه يتم الركوع والسجود] [ (1) ] . [ولما كان الغد من يوم الفتح، قام صلّى اللَّه عليه وسلّم خطيبا في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه، ومجده بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إن اللَّه حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يسفك بها دما، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد
ترخص فيها لقتال رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فقولوا: إن اللَّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أحلت ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب] [ (1) ] . [ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء] [ (1) ] .
[غزوة حنين]
[غزوة حنين] ثم سار إلى غزاة حنين، وقد اجتمع بها هوازن وثقيف، فأوقع بهم، وغنم ما بأيديهم، في يوم [الثلاثاء] ، لعشر خلون من شوال، ثم نزل على الطائف ثمانية عشر يوما، وقيل: تسعة عشر يوما، وقيل: خمسة عشر يوما، وقيل: أربعين يوما، ثم رحل عن ثقيف، وعاد إلى الجعرانة، وقسّم غنائم هوازن، وأقام بها ثلاثة عشر يوما، وخرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة، ودخل مكة محرما بعمرة، وخرج منها يوم الخميس، فسلك على سرف إلى مرّ الظهران، وقد يوم الجمعة، لثلاث بقيت من ذي القعدة، [واستخلف يومئذ ابن أم مكتوم] [ (1) ] . [حنين- بالتصغير- واد قرب ذي المجاز، وقيل: ماء بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف، وتسمى غزوة هوازن] [ (2) ] . [لما فرغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من فتح مكة وتمهيدها، وأسلم عامة أهلها، مشت أشراف هوازن وثقيف بعضهم إلى بعض، وحشدوا وقصدوا محاربة المسلمين، وكان رئيسهم مالك بن عوف النصري] [ (2) ] . [فخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة يوم السبت لست ليال خلون من شوال، في اثنى عشر ألفا من المسلمين، عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفان ممن أسلم من أهل مكة، وهم الطلقاء، يعنى الذين خلى عنهم يوم فتح مكة وأطلقهم، فلم يسترقهم، واحدهم طليق- فعيل بمعنى مفعول- وهو الأسير إذا أطلق سبيله] [ (2) ] .
[وخرج معه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثمانون من المشركين، منهم صفوان بن أمية، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم استعار منه مائة درع بأداتها، فوصل إلى حنين ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوال، فبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر يأتونه بخبر أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم من الرعب، ووجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن أبى حدرد الأسلمي، فدخل عسكرهم، فطاف به، وجاء بخبرهم] [ (1) ] . [وقال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلة، فشقّ ذلك على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم ركب بغلته البيضاء [دلدل] ، ولبس درعين والمغفر والبيضة، فاستقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من السواد والكثرة، وذلك في غبش الصبح، وخرجت الكتائب من مضيق الوادي، فحملوا حملة واحدة فانكشفت خيل بنى سليم مولية، وتبعهم أهل مكة والناس] [ (1) ] . [ولم يثبت معه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ إلا العباس بن عبد المطلب، وعلى بن أبى طالب، والفضل بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد، في أناس من أهل بيته وأصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] . [قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلته أكفها مخافة أن تصل إلى العدو، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يتقدم في نحر العدو، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه، وجعل عليه السلام يقول للعباس: ناديا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة [يعنى شجرة بيعة الرضوان] التي بايعوه تحتها أن لا يفروا عنه] [ (1) ] . [فجعل ينادى تارة: يا أصحاب السمرة، وتارة: يا أصحاب سورة البقرة- وكان العباس رجلا صيتا- فلما سمع المسلمون نداء العباس، أقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها] [ (1) ] .
[فأمرهم صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يصدقوا الحملة، فاقتتلوا مع الكفار، فأشرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر إلى قتالهم فقال: الآن حمى الوطيس، وهو التنور يخبز فيه، يضرب مثلا لشدة الحرب الّذي يشبه حرها حرّه، وهذه من فصيح الكلام الّذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتناول صلّى اللَّه عليه وسلّم حصيات من الأرض ثم قال: شاهت الوجوه - أي قبحت- ورمى بها في أوجه المشركين، فما خلق اللَّه تعالى منهم إنسانا إلا ملأ عينيه من تلك القبضة] [ (1) ] . [وفي البخاري [4316، 4317] عن البراء وسأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين؟ فقال ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يفر، كانت هوازن رماة، ولما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلتنا بالسهام، ولقد رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، وهو يقول: أنا النبي لا كذب، أبا ابن عبد المطلب] [ (1) ] . [وهذا فيه إشارة إلى أن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم، بل أنا متيقن أن الّذي وعدني اللَّه به من النصر حق، فلا يجوز عليّ الفرار] [ (1) ] . [وأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بطلب العدوّ، فانتهى بعضهم إلى الطائف، وبعضهم نحو نخلة، وقوم منهم إلى أوطاس، واستشهد من المسلمين أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا] [ (1) ] .
[غزوة تبوك]
[غزوة تبوك] ثم خرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى غزاة تبوك، في رجب سنة تسع، فأقام بها عشرين ليلة وعاد ولم يلق كيدا، وهي آخر غزوة خرج إليها بنفسه [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم، [واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة، وقيل: على بن أبى طالب، وقيل: سباع بن عرفطة] [ (2) ] . وقاتل صلّى اللَّه عليه وسلّم مع هذه في تسع، وهي: بدر المعظمة، وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف، وقيل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتل في وادي القرى والغابة، ولم يكن في سائرها قتال أصلا. [تبوك: مكان معروف، وهي نصف طريق المدينة إلى دمشق وهي غزوة العسرة، وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها] [ (2) ] . [كانت يوم الخميس في رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف، وكان حرا شديدا، وجدبا كثيرا، فلذلك لم يور عنها كعادته صلّى اللَّه عليه وسلّم في سائر الغزوات] [ (2) ] . [وفي (تفسير عبد الرزاق) ، عن معمر عن ابن عقيل قال: خرجوا في قلة من الظهر وفي حرّ شديد، حيث كانوا ينحرون البعير فيشربون ما في كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة في الماء، وفي الظهر، وفي النفقة، فسميت غزوة العسرة] [ (2) ] .
[وسببها أنه بلغه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة، أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل، فندب صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس إلى الخروج، وأعلمهم بالمكان الّذي يريد، ليتأهّبوا لذلك] . [وروى عن قتادة أنه قال: حمل عثمان في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا] . [وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة، فنثرها في حجره صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقلبها في حجره وهو يقول: ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم] . [ولما تأهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للخروج، قال قوم من المنافقين لا تنفروا في الحر، فنزل قوله تعالى: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ] [ (1) ] . [وأرسل صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة وقبائل العرب يتنفرهم، وجاء البكاءون يستحملونه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أجد ما أحملكم عليه، وهم الذين قال اللَّه فيهم تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ] [ (2) ] . وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم في التخلف، فأذن لهم، وهم اثنان وثمانون رجلا، وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة، جرأة على اللَّه ورسوله، وهو قوله تعالى: وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ] [ (3) ] . وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب، منهم: كعب بن
مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وفيهم نزل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا] [ (1) ] . [ولما رأى أبا ذر الغفاريّ- وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل في بعض الطريق- فقال: يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فكان كذلك] [ (1) ] . [ولما انتهى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى تبوك أتاه صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء، وأذرح [بلدين بالشام بينهما ثلاثة أميال] فأعطوه الجزية وكتب لهم صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا] [ (1) ] . [وفي هذه الغزوة كتب صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فقارب الإجابة ولم تجب] [ (1) ] . [وفي (مسند أحمد) أن هرقل كتب من تبوك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنى مسلم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذب، وهو على نصرانيته] [ (1) ] . [وفي كتاب (الأموال) لأبى عبيد بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد اللَّه نحوه، ولفظه: فقال: كذب عدوّ اللَّه، ليس بمسلم] [ (1) ] . [ثم انصرف صلّى اللَّه عليه وسلّم من تبوك، بعد أن أقام بها بضع عشر ليلة وأقبل حتى نزل بدى أوان [بينها وبين المدينة ساعة] جاءه خبر مسجد الضرار من السماء، فدعا مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي العجلاني فقال: فخرجا فحرّقاه وهدماه، وذلك بعد أن أنزل اللَّه فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً] [ (2) ] . [ولما دنا من المدينة خرج الناس لتلقيه، وخرج الناس والصبيان والولائد يقلن:] [ (1) ] .
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا للَّه داع [وقد وهم بعض الرواة وقال: إنما كان هذا عند مقدمه المدينة وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع [ (1) ] إنما هي من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام] [وفي البخاري [ (2) ] : «لما رجع صلّى اللَّه عليه وسلّم من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم. قالوا: يا رسول اللَّه، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر] . [وهذا يؤيد معنى ما ورد: «نية المؤمن خير من عمله» [ (3) ] ، والمسابقة إلى اللَّه تعالى وإلى الدرجات العلا بالنيات والهمم، لا بمجرد الأعمال] . [وجاء من كان تخلف عنه- فحلفوا له فعذرهم، واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب وصاحبيه، حتى نزلت توبتهم في قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ
وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ (1) ] . [وعند البيهقي في (الدلائل) : من حديث ابن عباس في قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [ (2) ] . قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، فلما رجع أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رجع من المسجد عليهم، فلما رآهم قال: من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسوارى؟ قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له، تخلفوا عنك يا رسول اللَّه، حتى يطلقهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعذرهم] قال: وأنا أقسم باللَّه لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون اللَّه تعالى هو الّذي يطلقهم: رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين!! فلما أن بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون اللَّه تعالى هو الّذي يطلقنا، فأنزل اللَّه عزّ وجلّ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (3) ] فلما نزلت، أرسل إليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأطلقهم وعذرهم، فجاءوا بأموالهم، فقالوا: يا رسول اللَّه! هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا، قال: ما أمرت أن آخذ أموالكم، فأنزل اللَّه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ يقول: استغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (4) ] . وبمعناه رواه عطية بن سعد عن ابن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما-[ (5) ] .
المجلد التاسع
[المجلد التاسع] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل في ذكر عمرات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التي اعتمرها بعد هجرته قال [الزّجّاج] : معنى العمرة في العمل: الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فقط، والعمرة للإنسان في جميع السنة، والحج وقته وقت واحد من السنة، ومعنى اعتمر في قصد البيت، أنه إنما خصّ بهذا، لأنه قصد بعمل في موضع عامر، وقال كراع: الاعتمار: العمرة، سمّاها بالمصدر. قاله ابن سيده في (المحكم) [ (1) ] .
وقد اتفقوا على أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، اعتمر ثلاث عمر، صدّه المشركون في الأولى عن البيت، فعاد من الحديبيّة ثم اعتمر من قابل، وكانت عمرة القضاء، واعتمر أيضا من الجعرانة، بعد فتح مكة- شرّفها اللَّه-[قال] ابن إسحاق: واعتمر عمرة رابعة مع حجته. خرج الحاكم من حديث داود بن عبد الرحمن قال: سمعت عمرو بن دينار يحدّث عن عكرمة [عن] ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبيّة، وعمرة القضاء من قابل، والثالثة من الجعرانة، والرابعة مع حجّته. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. [ولم يخرجاه] [ (1) ] . وأما عمرة الحديبيّة [ (2) ] فقال ابن إسحاق: ثم أقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة رمضان، وشوّالا- يعنى سنة ست- وخرج من ذي القعدة معتمرا،
لا يريد حربا، واستنفر العرب من حوله من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا
معه، وهو يخشى من قريش الّذي صنعوا، أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثير من الأعراب، وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمن معه من المهاجرين والأنصار، ومن لحق به من العرب، وساق معه الهدى، وأحرم بالعمرة، ليأمن الناس من حربه، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت، ومعظما له. وخرّج البخاري في كتاب الشروط، من حديث عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر قال: أخبرنى الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير، عن المسور ابن مخرمة، [ومروان] ، يصدّق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زمن الحديبيّة، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن خالد بن الوليد بالغميم، في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين، فو اللَّه ما شعر بهم خالد، حتى إذا هم بقترة- القترة: غبرة الخيل، ويقال: القتر أيضا- فانطلق يركض نذيرا لقريش. وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والّذي نفسي بيده، لا يسألوننى خطة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلا أعطيتهم إياها، ثم زجرها فوثبت، قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبيّة على ثمد قليل الماء يتربضه الناس تربضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فو اللَّه ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه. فبينما هم كذلك، إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة- وكانوا عيبة نصح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أهل تهامة- فقال: إني تركت كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد مياه الحديبيّة، ومعهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت
بهم، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جمّوا، وإن هم أبوا فو الّذي نفسي بيده لأقتلنهم على أمرى هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن اللَّه أمره، فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشا قال: إنا جئناكم من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرونا عنه بشيء. وقال ذوو الرأى منهم: هات ما سمعته يقول، قال: يقول سمعته يقول: كذا وكذا، فحدثهم بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموننى؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنى استنفرت أهل عكاظ، فلما بلّحوا عليّ [أي تمنعوا من الإجابة] جئتكم بأهلى وولدى ومن أطاعنى؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه. قالوا: ائته. فأتاه، فجعل يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه نحوا من قوله لبديل. قال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فإنّي واللَّه لا أرى وجوها، وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال له أبو بكر: امصص ببظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر، قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكلما تكلم كلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ضرب يده بنصل السيف وقال له: أخر يدك عن لحية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟ وكان
المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء. ثم إن عروة أخذ يرمق أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعينه. قال: فو اللَّه ما تنخم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم! واللَّه لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، واللَّه إن رأيت مليكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، واللَّه إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له وأنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بنى كنانة دعوني آتيه، فقالوا: ائته، فلما أشرف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له، فبعثت له، واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان اللَّه ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا مكرز، وهو رجل فاجر. فجعل يكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو. قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد سهل لكم من أمركم. قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاءه سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابا، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكاتب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال سهيل: أما الرحمن فو اللَّه ما أدرى ما هي، ولكن اكتب باسمك اللَّهمّ كما كنت تكتب، فقال المسلمون: واللَّه لا نكتبها إلا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اكتب «باسمك اللَّهمّ» . ثم قال: «هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه» ، فقال سهيل: واللَّه لو كنا نعلم أنك رسول اللَّه ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب «محمد بن عبد اللَّه» قال الزهري: وذلك لقوله «لا يسألوننى خطة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلا أعطيتهم إياها» ، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: واللَّه لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك في العام المقبل، فكتب فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل- وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان اللَّه، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؟ فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلى. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لم نمض الكتاب بعد. قال: فو اللَّه إذا لم أصالحك على شيء أبدا. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأجزه لي، قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: بلى فافعل، قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي معشر المسلمين، أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في اللَّه. قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: ألست نبي اللَّه حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: إني رسول اللَّه ولست أعصيه، وهو ناصري. قلت: أوليس كنت تحدثا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى. فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: قلت: لا. قال فإنك آتيه ومطوف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي اللَّه حقا؟ قال: بلى. قال: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قال فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليس يعصى ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه فو اللَّه إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا
سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال: فو اللَّه ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي اللَّه أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقة فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ثم جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [ (1) ] فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبى سفيان والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الّذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير، لأحد الرجلين: واللَّه إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا، فاستله الآخر فقال: أجل واللَّه إنه لجيد، فقد جربت به ثم جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرنى انظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد، وفرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآه: لقد رأى هذا ذعرا، فلما انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: قتل واللَّه صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي اللَّه، قد واللَّه أوفى اللَّه ذمتك قد رددتني إليهم، ثم أنجانى اللَّه منهم. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «ويل أمه مسعر حرب لو
كان معه أحد، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر. قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فو اللَّه ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها. فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تناشده اللَّه والرحم لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم، فأنزل اللَّه تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ حتى بلغ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ [ (1) ] وكانت حميتهم أنهم لا يقروا أنه نبي اللَّه، ولم يقروا ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت [ (2) ] .
[قال أبو عبد اللَّه: معرة، العر: الجرب، تزيلوا: انمازوا، وحميت القوم منعتهم حماية، وأحميت الحمى: جعلته حمى لا يدخل. وأحميت الرجل إذا أغضبته إحماء.] قال عقيل عن الزهري: قال عروة: فأخبرتنى عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يمتحنهن وبلغنا أنه لما أنزل اللَّه أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهن، وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر، أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه طلق امرأتين، قريبة بنت أبى أمية، وابنة جرول الخزاعي، فتزوج قريبة معاوية، وتزوج الأخرى أبو جهم. فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم، أنزل اللَّه: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ [ (1) ] ، والعقب ما أدى المسلمون إلى من هاجرت امرأته من الكفار، فأمر أن يعطى من ذهبت له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن، وما نعلم أحدا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها. وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد الثقفي قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مؤمنا مهاجرا في المدة، فكتب الأخنس بن شريق [إلى] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسأله أبا
بصير، فذكر الحديث [ (1) ] . ترجم عليه وعلى ما اتصل به: باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط مع الناس بالقول، فذكر منه طرفا في غزوة الحديبيّة [ (2) ] ، وفرقه في كتاب الشروط. وخرجه باختصار من حديث البراء بن عازب [ (3) ] ، وخرجه مسلم من
وأما عمرة القضاء
حديث أنس [ (1) ] ، وحديث البراء مختصرا [ (2) ] ، وفرقه البخاري في مواضع. وأما عمرة القضاء فقال ابن إسحاق: فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة من خيبر، أقام بها شهري ربيع، وجمادين ورجبا، وشعبان، و [شهر] [ (3) ] رمضان، وشوالا ثم خرج في ذي القعدة، في الشهر الّذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء، مكان عمرته التي صدوه عنها [ (4) ] . قال ابن هشام- ويقال لها: عمرة القصاص [ (5) ] ، لأنهم صدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذي القعدة، في الشهر الحرام من سنة ست، فاقتص رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل مكة في الشهر الحرام الّذي صدوه فيه من سنة سبع-: بلغنا عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: فأنزل اللَّه في ذلك: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [ (1) ] .
قال موسى بن عقبة: فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ناجح، وضع الأداة كلها: الجحف، والرماح، والمجان، والنبل، ودخلوا بسلاح الراكب: السيوف في القرب. قال ابن إسحاق: فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه، وتحدثت قريش بينها: أن محمدا وأصحابه في عسرة وجهد وشدة، فحدثني من لا أتهم، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: صفوا له عند دار الندوة، لينظروا إليه وإلى أصحابه، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد، اضطبع بردائه [ (1) ] ، واخرج عضده اليمنى، ثم قال: رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة، ثم استلم الركن، وخرج يهرول [ (2) ] ويهرول أصحابه معه حتى واراه البيت منهم، واستلم [ (3) ] الركن اليماني، ومشى حتى استلم الركن الأسود ثم يهرول كذلك ثلاثة أشواط، ومشى سائرها، فكان ابن عباس يقول: كان الناس يظنون أنها ليست عليهم، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما صنعها لهذا الحي من قريش، للذي بلغه عنهم، حتى حج حجة الوداع، فلزمها فمضت السنة بها. قال موسى بن عقبة: فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة، أمر أصحابه فقال: اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدكم وقوتكم، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكايدهم بكل ما استطاع، فانكفأ أهل مكة، الرجال والنساء ينظرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، وهم يطوفون بالبيت، وعبد اللَّه بن رواحة يرتجز بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، متوشحا بالسيف، وهو يقول: خلوا بنى الكفار عن سبيله ... إني شهدت أنه رسوله حقا وكل الخير في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله [ (1) ] فقال عمر بن الخطاب: يا ابن رواحة! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمر، إني أسمع! فأسكت عمر. قال: وتغيب رجال من أشراف المشركين، كراهية ان ينظروا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه غيظا، وحنقا، ونفاسة، وحسدا، خرجوا إلى بوادي مكة. قال ابن إسحاق: فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة، فأتاه حويطب بن عبد العزى بن أبى قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، في نفر من قريش، في اليوم الثالث، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة، فقالوا له: إنه قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما عليكم لو تركتموني، فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه؟ قالوا: لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة، حتى أتاه بها بسرف [ (2) ] ، فبنى بها هنالك ثم انصرف إلى المدينة.
قال ابن هشام [ (1) ] : فأنزل اللَّه عز وجل- فيما حدثني أبو عبيدة: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ (2) ] .
وأما عمرة الجعرانة [1]
وأما عمرة الجعرانة [ (1) ] فخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث همام، حدثنا قتادة، أن أنسا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعتمر أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت في حجته، عمرة من الحديبيّة أو [زمن] الحديبيّة في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة [حيث قسم] غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته. لم يقل البخاري: أو زمن الحديبيّة. ذكره في عمرة الحديبيّة، وذكره في آخر كتاب الجهاد، في باب من قسم الغنيمة في غزوة وسفره، ولفظه: أن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أخبره قال: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجعرانة، حيث قسم غنائم حنين. لم يذكر في هذا الباب غير هذا، وكرره.
وخرج النسائي من حديث ابن جريج قال: حدثني مزاحم بن أبى مزاحم، عن عبد العزيز بن عبد اللَّه، عن [محرش] الكعبي، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج من الجعرانة يعتمر ليلا، فدخل مكة ليلا فقضى عمرته، ثم خرج من تحت ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد، خرج من بطن سرف، حتى جامع الطريق- طريق المدينة بسرف [ (1) ]- فلذلك خفيت عمرته على كثير من الناس. وقال الواقدي: انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الجعرانة ليلة الخميس، لخمس ليال خلون إلى المدينة، خرج من الجعرانة ليلة الأربعاء [لاثنتي] عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ليلا، فأحرم من المسجد الأقصى، الّذي بحيز [ (2) ] الوادي بالعدوة القصوى ولم يجز الوادي إلا محرما، فلم يزل يلبى حتى استلم الركن. ويقال لما نظر إلى البيت قطع التلبية، فلما أتى البيت أناخ راحلته على باب بنى شيبة ودخل فطاف ثلاثة أشواط، يرمل من الحجر إلى الحجر، ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة على راحلته، حتى إذا انتهى إلى المروة في الطواف السابع حلق رأسه عند المروة، ثم انصرف إلى الجعرانة من ليلته، فكان كبائت بها، فلما رجع الجعرانة، خرج يوم الخميس فسلك في وادي الجعرانة، وسلك معه الناس، حتى خرج على سرف، ثم أخذ الطريق حتى انتهى إلى مر الظهران [ (3) ] . قال: وقدم المدينة يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي القعدة [ (4) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: أخبرني عروة بن الزبير قال: كنت أنا وابن عمر، مستندين إلى حجرة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أنا لنسمعها بست [ (1) ] ، قلت: يا أبا عبد الرحمن، اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رجب؟ [قال: نعم، قلت: يا أماه! أما تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: ما يقول؟ قلت يقول: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في [رجب] [ (2) ] ، قالت: يغفر اللَّه لأبى عبد الرحمن، [نسي] [ (3) ] ، ما اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رجب، قال: وابن عمر يسمع، فما قال: لا، ولا نعم، سكت [ (4) ] .
فصل في ذكر حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة
فصل في ذكر حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد الهجرة قال سفيان: حج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يهاجر حججا، وحج بعد ما هاجر الوداع. ذكره الحاكم [ (1) ] ، [وقيل: حج ثلاث حجج، حجتين قبل الهجرة، وحجة بعد ما هاجر، معها عمرة] . وخرج مسلم [ (2) ] من حديث أبى بكر بن أبى شيبة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل المزني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فسأل عن القوم حتى انتهى إلى فقلت: أنا محمد بن على بن حسين، فأهوى بيده الى رأسي، فنزع زرى الأعلى، ثم نزع زرى الأسفل، ثم وضع كفه على ثديي، وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحبا بك يا ابن أخى، سل عما شئت، فسألته- وهو أعمى وحضر وقت الصلاة- فقام في [شملة ملتحفا بها] ، كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه على المشجب، فصلى بنا، فقلت: أخبرنى عن حجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال بيده: فعقد تسعا، فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكث تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة، أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاج، فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر، فأرسلت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف أصنع؟ فقال: اغتسلي واستشفرى بثوب، وأحرمى. فصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت بها ناقته على البيداء، نظرت إلى مدّ بصرى، بين يديه من راكب، وماش ويمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل من شيء عملنا به، وأهل بالتوحيد: لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وأهل الناس بهذا الّذي يهلون به، فلم يرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليهم شيئا منه، ولزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلبيته. قال جابر: لسنا ننوى إلا الحج لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ [مُصَلًّى] ، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبى يقول- ولا أعلمه ذكرها إلا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- كان يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا، قرأ: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، فبدأ بما بدأ اللَّه به، فبدأ بالصفا، فرقى عليها حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحد اللَّه عز وجل، وكبره، وقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا اللَّه وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى انصبت قدماه في بطن الوادي، حتى إذا صعدنا، مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طواف على المروة، قال: لو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت، لم أسق الهدى، ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل، وليجعلها عمرة، فقام
سراقة بن مالك بن جشعم [فقال: يا رسول اللَّه] [ (1) ] ! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصابعه، واحدة في الأخرى، وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل أبدا أبدا. وقدم على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] من اليمن ببدن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوجد فاطمة [ (3) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها ممن حل ولبست ثيابا صبيغا، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: أبى أمرنى بهذا، قال: وكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محرشا على فاطمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها للذي صنعت، مستفتيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [فيما] [ (4) ] ذكرت عنه، فأخبرته أنى أنكرت ذلك عليها فقال: صدقت، صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللَّهمّ إني أهل بما أهل به رسول اللَّه [ (5) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فإن معى [الهدى فلا تحل] . قال: فكان جماعة الهدى الّذي قدم به عليّ من اليمن، والّذي أتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مائه، قال: فحل الناس كلهم وقصروا، إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن كان معه هدى، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلى بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، ثم مكث قليلا، حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر، فضربت [ (6) ] له بنمرة، فسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا تشك قريش، إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس، أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: ان دماءكم
وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا، دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بنى سعد، فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربا عباس ابن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا اللَّه في النساء، فإنكم أخذتموهنّ بأمان اللَّه، واستحللتم فروجهن بكلام اللَّه، ولكم عليهنّ ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب اللَّه. وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس، اللَّهمّ اشهد، اللَّهمّ اشهد، [اللَّهمّ اشهد] [ (1) ] ، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل [ (2) ] المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا، حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد شنق للقصواء الزمام، حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس! السكينة، السكينة. كلما [ (3) ] أتى جبلا من الجبال، أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء، بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا، ثم اضطجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حتى تبين له الصبح، بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل
القبلة، فدعاه وكبره، وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا، فدفع قبل أن تطلع الشمس. وأردف الفضل بن عباس- وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما- فلما دفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مرت ظعن يجزين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يديه على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلا، ثم سلك الطريق الوسطى، التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها، مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا وستين بدنه، ثم أعطى عليا فنحر ما غير، وأشركه في هديه، ثم أمر من بين بدنه ببضعه، فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بنى عبد المطلب يسقون على زمزم، فقال: انزعوا بنى عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلوا فشرب منه [ (1) ] . وكرره مسلم من طرق [ (2) ] ، وأخرجه أبو داود من طريق حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه بنحو حديث مسلم [ (3) ] ، وقد روى هذا الحديث عن جعفر بن محمد، وعبد الملك بن جريج، وعبيد اللَّه وعبد اللَّه العرنيين وسفيان الثوري، وعلى بن صالح، ومالك بن أنس، ومحمد بن
إسحاق، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعبد اللَّه بن عمرو بن علقمة المكيّ، وحاتم بن إسماعيل، وسلام القاري، وجماعة يطول ذكرهم. وقال الواقدي: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سار من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة، ودخل مكة يوم الثلاثاء، الرابع من ذي الحجة، وكان يوم التروية يوم الجمعة، فركب حين زاغت الشمس إلى [منى] ، ويقال: بل ركب يوم الخميس، فبات بمنى ليلة الجمعة، التاسع من ذي الحجة، ثم أصبح فركب إلى عرفة. [ (1) ] وقد اختلف العلماء فيما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجته به محرما، فقال قوم: كان مفردا. روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وعن محمد بن عبد الرحمن بن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد بالحج. وروى ابن عيينة وغيره، عن الزهري عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أراد أن يهل بحج فليهل، من أراد أن يهل بحج وعمرة فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل. قالت عائشة: وأهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحج، وأهل به الناس معه. وذكر الحديث. وكذلك رواه جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها سواء وقالوا فيه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأما أنا فإنّي أهل بالحج. وروى الدراوَرْديّ، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد بالحج.
وروى الدراوَرْديّ، عن علقمة بن أبى علقمة، عن أمه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد بالحج [ (1) ] . وروى أبو مصعب عن مالك، عن علقمة بإسناد مثله، ورواه عباد بن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: أهللنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحج مفردا، وروى بكر المزني عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما مثله. وهذا حجة من قال بإفراد الحج وفضله، وهو قول مالك، وأشهر قول الشافعيّ، واستحسنه أبو ثور، وفضله على التمتع والقران، وهو قول عبد العزيز بن أبى مسلمة، والأوزاعي وغيره، وروى ذلك عن أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعن عائشة وجابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وقال قوم: بل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متمتعا، فروى معمر عن أيوب قال: قال عروة لابن عباس: ألا تتق اللَّه ترخص لي المتعة، فقال ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: سل أمك يا عروة، فقال عروة: أما أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما فلم [يفعلاه] ، فقال ابن عباس رضى اللَّه عنهما: واللَّه ما أراكم منتهين حتى يعذبكم اللَّه! أحدثكم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتحدثونا عن أبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وروى عن الليث عن عقيل، عن ابن شهاب عن سالم، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: تمتع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، وساق الهدى معه من ذي الحليفة، وبدأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعمرة
إلى الحج، قال عقيل: قال ابن شهاب: وأخبرنى عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها بمثل خبر سالم عن أبيه، في تمتع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعمرة إلى الحج. وعن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في المتعة: صنعها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصنعناها معه، وعن عمران بن حصين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: تمتعنا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متعة الحج، وروى شعبة عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب، عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تمتع، ورواه حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد، وروى مالك وعبيد اللَّه بن عمر عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما بال الناس حلوا بعمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر [ (1) ] . روى ابن إسحاق عن الزهري، عن سالم قال: إني [لجالس] مع ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما في المسجد، [إذ] جاءه رجل من أهل الشام، فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: حسن جميل، قال: فإن أباك كان ينهى عنها، فقال: ويلك! فإن كان أبى نهى عن ذلك، وقد فعله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر به، أفبقول أبى آخذ، أم بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قم عنى. وقال عبد الملك بن شريك: تمتعت، فسألت ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، رضى اللَّه تعالى تبارك وتعالى عنهم فقالوا: هديت لسنة نبيك. وقال شعبة عن أبى حمزة: تمتعت، فنهاني عنها أناس، فسألت ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما فقال: سنة أبى القاسم صلّى اللَّه عليه وسلّم هي التمتع. وروى الثوري عن ليث بن أبى سليم، عن [طاووس] ، عن ابن عباس رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنهما قال: تمتع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى مات، وأول من نهى عنها معاوية. قال ابن عبد البر: ليث هذا منكر ضعيف، والمشهور عن عمر وعثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنهما كانا ينهيان عن التمتع. وذكر معمر عن الزهري، عن سالم قال: سئل ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما عن متعة الحج، فأمر بها، فقيل له: إنك لتخالف أباك، فقال ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: لم يقل الّذي تقولون، إنما قال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أفردوا الحج من العمرة، فإنه أتم للعمرة، إن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدى، وأراد أن يزار البيت في غير شهر الحج، فجعلتموها أنتم حراما، وعاقبتم الناس عليها، وقد أحلها اللَّه تعالى، وعمل بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا أكثروا عليه قال: كتاب اللَّه بيني وبينكم، كتاب اللَّه أحق أن يتبع، أم عمر؟. وهذا نحو حجة من قال: التمتع أفضل، وهو مذهب عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن الزبير، وعائشة أيضا رضى اللَّه تعالى تبارك وتعالى عنهم، وبه قال أحمد بن حنبل، وهو أحد قولي الشافعيّ، كان رحمه اللَّه يقول: الإفراد أحب إلى من التمتع، ثم القران، وقال في (البويطي) : التمتع أحب إليّ من القران. [وقال] قوم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قارنا، وجعل القران الأصل، وهم: أبو حنيفة، والثوري، والمزني، وإسحاق بن راهويه، وروى عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وحجتهم حديث عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو بوادي العقيق: أتانى الليلة آت من ربى، فقال: صلى في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة. رواه الأوزاعي، وعلى بن المبارك، عن يحيى بن أبى كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، [أنه] سمع عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: [إنه] سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول بذلك.
وحديث الصبى بن معبد، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال الصبى: أهللت بالحج والعمرة، فلما قدمت على عمر، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ذكرت ذلك له فقال، هديت لسنة نبيك صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن عبد البر: وهو حديث كوفى جيد الإسناد ورواه الثقات عن أبى وائل عن الصبى [ (1) ] بن معبد، عن عمر، ومنهم من يجعله عن أبى وائل، عن عمر، فيمن رواه هكذا عن أبى وائل، عن عمر: الحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وعاصم بن أبى النجود، وسيار [والحكم، ورواه الأعمش، منصور، وعبدة بن أبى لبابة عن أبى وائل، عن الصبى بن معبد، عن عمر، وهو الأجود، وهم أحفظ] . وقد روى عن الصبى بن معبد، وأبو وائل، حديث أنس [بن مالك] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لبيك بحج وعمرة معا، رواه حميد الطويل، وحبيب بن الشهيد، وعن بكر المزني قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلبى بالحج والعمرة جميعا. قال بكر: فحدثت بذلك عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال لي: بالحج وحده، فلقيت أنسا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فحدثته فقال: ما تعدونا إلا صبيانا، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لبيك بحج وعمرة معا [ (2) ] . قال ابن عبد البر: وهذا الحديث يعارض ما روى عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تمتع، وفيهما نظر، ويخرج على مذهب ابن عمر في التمتع، أنه لبى بالحج وحده، وقد روى معمر وغيره، عن أيوب عن أبى قلابة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل بحجة وعمرة، وروى عن أنس من وجوه، وروى قتادة عن مطرف، عن عمران بن حصين
أنه قال له: إني أحدثك حديثا، لعل اللَّه أن ينفعك به: اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد جمع بين حج وعمرة، ولم ينزل فيها كتاب، ولم ينه عنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال فيها برأيه. قال ابن عبد البر: وهذا قد تأوله جماعة على التمتع وقالوا: إنما الّذي أراد ابن عمر أن يقوله: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد جمع بين حج وعمرة، أي أنه جمع بينهما في سفرة واحدة، وحجة واحدة، وقد روى عن عمر ما يعضد هذا التأويل. روى أبو الحسن، وأبو رجاء، عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب اللَّه تعالى، وفعلناها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم ينزل قرآن يحرمها، ولم ينه عنه حتى مات، قال رجل بعد برأيه ما شاء. وروى شعبة عن الحكم، عن على بن حسين، عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان، وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ما بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى أن يجمع بين الحج والعمرة، فلما رأى ذلك على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أتى بهما جميعا، فقال: لبيك بحجة وعمرة معا، فقال له عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: تراني أنهى عنهما وأفعله؟ فقال على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: لم أكن [أخالف] سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال ابن عبد البر: وهذا يحتمل أن يكون، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أباح ذلك فصار سنة. فقال: والإفراد أفضل، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مفردا، فلذلك قلنا: أنه أفضل، لأن آثاره أصح في إفراده صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد اختلف أيضا في وقت خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة، فقيل: كان خروجه [صلّى اللَّه عليه وسلّم لخمس] بقين من ذي القعدة، [و] قال بعضهم: كان يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بالمدينة، وصلّى العصر بذي الحليفة. وذكر الواقدي أنه كان يوم السبت لخمس ليال [ (1) ] بقين من ذي القعدة، ولا يصح على ما جاء في الصحيح، أن الوقفة كانت بالجمعة، فيكون هلال
ذي الحجة بالخميس، فلا يكون المتبقى خمسا، ولا يصح حمله على الأيام، ويحسب يوم الخروج منها لقوله لخمس، ولو أراد الأيام لقال: لخمسة. وذكر الواقدي أيضا: أن يوم التروية وافق يوم الجمعة [ (1) ] ، فعلى هذا تكون الوقفة يوم السبت، ويكون قوله: لخمس بقين، مستقيما، إلا أنه خلاف ما جاء في الصحيح. وقال أبو محمد على بن حزم: أنه خرج يوم الخميس لستة بقين، وهو أيضا [خلاف ما] جاء في الصحيح، أنه لخمس بقين. وخرج الترمذي عن عبد اللَّه بن أبى زيادة عن زيد بن حباب، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر، وحجة بعد ما هاجر، ومعها عمرة، وساق ثلاثة وثلاثين بدنة، وجاء على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، من اليمن ببقيتها، فيها جمل لأبى جهل في أنفه برة من فضة فنحرها، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كل بدنة ببضعة، فطبخت، وشرب من مرقها، وقال: [قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب] . ورأيت عبد اللَّه بن عبد الرحمن يروى هذا الحديث، عن عبد اللَّه بن أبى زياد، وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري، عن جعفر، عن أبيه عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورأيته لا يعده محفوظا. قال: وإنما روى عن الثوري، عن أبى إسحاق، عن مجاهد مرسلا [ (2) ] ، حدثنا عبد اللَّه بن أبى زياد، حدثنا زيد بن حباب، فذكره سواء. وخرجه ابن ماجة عن أبى محمد القاسم بن محمد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبى صفرة، حدثنا عبد اللَّه بن داود، حدثنا سفيان الثوري قال:
حج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاث حجج: حج حجتين قبل أن يهاجر، وحج حجة بعد ما هاجر إلى المدينة، وقرن في حجته عمرة، واجتمع ما جاء به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما جاء به على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، مائة بدنة، فيها جمل لأبى جهل، على أنفه برة من فضة، فنحر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة وستين، ونحر على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ما غير. قيل له: من ذكره؟ قال: جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر، وابن أبى ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. [ (1) ]
فصل في ذكر من حدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من حدّث عنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبر عن رب العزة جلت قدرته، بما أوحى إليه من الكتاب والحكمة، فالكتاب هو القرآن الكريم، والحكمة سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ربه عز وجل أحاديث كثيرة، ورأى جبريل عليه السلام على صورته التي خلق عليها مرتين، ونزل عليه بالقرآن عن اللَّه تعالى على قلبه الكريم، ورأى صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الإسراء خازن الجنة وخازن النار، وشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، وتلقاه المقربون من الأخرى، وأتاه صلّى اللَّه عليه وسلّم ملك الجبال يوم قرن الثعالب برسالة من اللَّه فقال: إن شاء أن يطبق عليهم الأخشبين، فقال: بل استأنى بهم، ونزل عليه ملك يبشره بالفاتحة، وبالآيتين من آخر سورة البقرة، وأتاه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يجمع الأقباض، وجبريل عليه السلام عن يمينه ملك، فبلغه سلام ربه، وأخبره عن اللَّه بتصويب ما أشار به الحباب بن المنذر، واجتمع ليلة الإسراء بالأنبياء، ورآهم على مراتبهم، فرأى إبراهيم، وإدريس، وموسى، وعيسى، ويحيى، ويوسف، وهارون، وآدم، وسلموا عليه، ورحبوا به وحدثه إبراهيم عليه السلام، بحديث رواه عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وحدث صلّى اللَّه عليه وسلّم عن تميم الداريّ بقصة الدجال، وحدث صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قس بن ساعدة، بما سمعه يقول بسوق عكاظ. فأما ما أخبر به صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رب العزة جلت قدرته فقد قدمت فيما سلف اختلاف أئمة الإسلام في رؤيته صلّى اللَّه عليه وسلّم للَّه عز وجل، وفي سماعه كلام اللَّه تعالى وخطابه له ليلة الإسراء فأغنى عن إعادته. فالكتاب العزيز الّذي هو القرآن العظيم، المعجز المبين، وحبل اللَّه المتين، فإنه علم على صدق نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم، اقترن بدعوته، ولم يزل أيام حياته، ودام في أمته بعد وفاته وهو كما وصفه به من أنزله فقال جل من قائل:
إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [ (1) ] ، وقال: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (2) ] ، وقال: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ (3) ] ، وقال: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [ (4) ] وقال: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [ (5) ] ، وقال: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ* فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ* بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ [ (6) ] ، وقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [ (7) ] فإن اللَّه جل جلاله أنزل هذا القرآن الكريم، على وصف مباين لأوصاف كلام البشر، لأنه منظوم وليس منثور ونظمه ليس كنظم الرسائل، ولا نظم الخطب، ولا نظم الأشعار، ولا هو كسجع الكهان. وأعلم سبحانه وتعالى أن أحدا لا يستطيع أن يأتى بمثله، ثم أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتحداهم على الإتيان به إن ادعوا أنهم قادرون عليه، أو ظنوه، فقال تبارك وتعالى: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [ (8) ] ثم أنقصهم تسعا، فقال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [ (9) ] ، وكان امتناع قريش من ذلك، دلالة على صدقه، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان من الموافق له، والمخالف عليه، غير مدفوع عن الحصانة والمتانة، ورصانة العقل، وقوة الرأى.
ومعلوم أن من كان بهذه المنزلة، وهو مع ذلك قد انتصب لدعوة الناس إلى دينه، لم يجز بوجه من الوجوه أن يقول للناس: ائتوا بسورة من مثل ما جئتكم به من القرآن، ولن تستطيعوا أن تأتوا بذلك، فإن أتيتم به فأنا كاذب، وهو يعلم من نفسه أن القرآن لم ينزل عليه، ولا يأمن أن يكون في قومه من يعارضه، وأنه إن عارضه أحد بطلت دعوته. فكان هذا دليل قاطع، على أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقل للعرب: ائتوا بمثله إن استطعتموه، ولن تستطيعوه، إلا وهو واثق متحقق أنهم لا يستطيعونه، ولا يجوز أن يكون هذا اليقين وقع له إلا من قبل ربه الّذي أوحى إليه به، حتى إنه وثق بخبره، ويؤيد ذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لهم: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وطالت النظرة والمهلة لهم في ذلك، ووقائعه لهم تتواتر، ومحاربته لهم لا تزال: فيقتل صناديدهم، ويسبى ذراريهم، ونساءهم، ويأخذ أموالهم بالقوة، فلم يتعرض أحد لمعارضته، ولو قدروا عليها، لافتدوا بها أنفسهم، وأولادهم، وأهاليهم، وأموالهم، ولكان الأمر في ذلك قريبا سهلا عليهم، إذ هم أهل اللسن، والفصاحة، والشعر، والخطابة. فلما لم يأتوا بذلك، ولا ادعوه صح أنهم كانوا عاجزين عنه، وفي ظهور عجزهم بيان أنه في العجز مثلهم، إذ كان بشرا مثلهم، لسانه لسانهم وعاداته عاداتهم، وطباعه طباعهم، وزمانه زمانهم، وإذ كان كذلك، وقد جاء بالقرآن، وجب القطع بأنه من عند اللَّه تعالى، لا من عنده صلّى اللَّه عليه وسلّم. فإن أورد ملحد أسجاع مسيلمة، قيل له: إنما كان الّذي جاء به مسيلمة، لا [يعدو] أن يكون إلا مجالا، أو سرقة، أو كأسجاع الكهان، وأراجيز العرب، وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما هو أحسن لفظا، وأقوم معنى، وأبين فائدة، من أسجاع مسيلمة، ومع ذلك فلم تقل له العرب: يا محمد، أما أنت تتحدانا على الإتيان بمثل [القرآن] ، وتزعم أن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله لم يقدروا عليه، ثم قد جئت بمثله، فما هو إلا مفترى، إنه ليس من عند اللَّه، وذلك قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: تاللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: [اللَّهمّ] إن العيش عيش الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة. وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: تعس عبد الدينار والدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطى منها رضى، وإن لم يعط سخط، نفس وانتكس، وإن شيك فلا انتكش. فلم يدع أحد من العرب أن شيئا من هذا يشبه القرآن، ولا أن فيه كسر لقوله، وكان عرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على العرب هذا الكلام، الّذي أعجزهم عن الإتيان بمثله، أعجب في الآية، وأوضح في الدلالة، من إحياء عيسى عليه السّلام الموتى، وإبرائه الأكمه والأبرص، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى أهل البلاغة، وأرباب الفصاحة، ورؤساء البيان، والمتقدمين في اللسن بكلام مفهوم المعنى عندهم، فكان عجزهم عن الإتيان بمثله أعجز من عجز شاهد المسيح، وعجز عن إحياء الموتى لأنهم لم يكونوا يطيقون إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، ولا يتعاطون علمه، بخلاف قريش فإنّها كانت تتعاطى الكلام الفصيح، والبلاغة والخطابة فدل [على] أن العجز عن إتيانهم بمثل القرآن، إنما كان معجزة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتؤيد صدق رسالته، وصحة نبوته. وهذا برهان واضح وحجة قاطعة لمن وفقه اللَّه، ومع ذلك ففي القرآن الكريم وجهان آخران في الإعجاز: أحدهما: ما تضمنه من الإخبار عن المغيبات، كقوله تعالى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (1) ] وقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [ (2) ] وقوله في الروم:
وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (1) ] ونحوها من الآيات التي وعد اللَّه فيها بالفتوح في زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبعده، وكان كما أخبر، ومعلوم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يعلم النجوم ولا الكهانة، ولا يجالس أهلها. والثاني: ما اشتمل عليه من قصص الأولين، من غير أن يعلم ذلك من أحد من علماء أهل الكتاب، ومعلوم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أميا، لا يقرأ كتابا، ولا يخطه، ولا يجالس أهل الكتاب، ليأخذ عنهم، ولما زعم بعض مشركي قريش أن ما يعلمه بشر، ردّ اللَّه تعالى عليه قوله، فقال سبحانه: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [ (2) ] ، وذلك أنه كان لابن الحضرميّ غلامان نصرانيان، يقرءان كتابا لهما بالعبرانية، وبالرومية، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأتيهما فيحدثهما، ويعلمهما، فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية. وإذا تقرر ذلك، فاعلم أن أعظم المعجزات، وأشرفها، وأوضحها دلالة، القرآن الكريم، لأن الخوارق في الغالب، تقع مغايرة للوحى الّذي يتلقاه النبي، وتأتى المعجزة شاهدة به، والقرآن بنفسه هو الوحي [المدعى] ، وهو الخارق المعجز فدلالته في عينه، ولا نفتقر إلى دليل أجنبى عنه، كسائر الخوارق مع الوحي، فهو أوضح دلالة، لاتحاد الدليل والمدلول فيه. وهذا معنى ما خرجه البخاري ومسلم، من حديث الليث، عن سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبى هريرة، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الّذي [أوتيته] وحيا أوحى اللَّه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة [ (3) ] .
يشير صلّى اللَّه عليه وسلّم، إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الموضوع، وقوة الدلالة، وهي كونها نفس الوحي، كان المصدق لها أكثر لوضوحها، فكثر المصدق المؤمن، وهم التابع والأمة. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. ويدلك هذا، على أن القرآن من بين الكتب [الإلهية] ، إنما تلقاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلا كما هو، بكلماته وتراكيبه، بخلاف التوراة والإنجيل، وغيرهما من الكتب الإلهية، فإن الأنبياء عليهم السلام يتلقونها في حال الوحي، معاني يعبرون عنها بعد رجوعهم إلى الحالة البشرية، بكلامهم المعتاد لهم، ولذلك لم يكن فيها إعجاز، واختص الإعجاز بالقرآن الكريم. وكان تلقى الأنبياء لكتبهم، مثل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتلقى المعاني التي يسندها إذا حدث بها إلى اللَّه تعالى، ويشهد لتلقيه صلّى اللَّه عليه وسلّم القرآن متلوا قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [ (1) ] ، أي محمد لا تحرك بالقرآن لسانك عجلان، خائفا أن يفوتك، ويزول حفظه عن قلبك، إن علينا أن نجمعه في نفسك، حتى تقرأه بلسانك، فإذا أنزلناه عليك فاستمع قراءته ثم علينا أن نحفظه، ونبينه بلسانك. خرج البخاري ومسلم من حديث أبى عوانة، موسى بن أبى عائشة، عن سعيد بن الجبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] في قوله عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، قال: [كان] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعالج من التنزيل شدة، كان يحرك شفتيه، فأنزل اللَّه عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، قال: جمعه في صدرك، ثم تقرأه، فإذا قرأناه فاتبع قراءته، قال: فاستمع، وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل، قرأه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما قرأه. ذكره مسلم [ (2) ] في كتاب الصلاة،
وذكره البخاري في كتاب التوحيد، في باب قول اللَّه عز وجل: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ ، وذكره في أول كتابه، [وذكره في] التفسير، في فضائل القرآن، ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نزل جبريل بالوحي، كان يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه، وكان يعرف منه، فأنزل اللَّه [عز وجل] الآية التي في: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ، لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [ (1) ] ، قال: علينا أن نجمعه في صدرك وقراءته، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [ (2) ] ، فإذا أنزلناه فاستمع ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [ (3) ] ، علينا أن نبينه بلسانك، قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه جبريل [عليه السلام] يقرئه القرآن؟ فإذا ذهب قرأه كما وعده اللَّه [عز وجل] . أَوْلى لَكَ فَأَوْلى [ (4) ] ، توعد [ (5) ] . فقد تبين أن سبب نزول الآية، ما كان يقع له صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدارة إلى تدارس الآية، خشية من النسيان، وحرصا على حفظ ذلك المتلو المنزل، فتكفل اللَّه عز وجل له بحفظه، يقول [تبارك وتعالى] : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [ (6) ] ، هذا هو معنى الحفظ الّذي اختص به القرآن، لا قيل غير ذلك، فإنه بمعزل عن المراد. وفي القرآن الكريم آيات عديدة، تشهد بأنه نزل قرآنا، متلوا، معجزا بسورة منه، وهذا القرآن العظيم، أعظم معجزات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يكن في معجزاته- مع كثرتها- أعظم منه ومن ائتلاف العرب على دعوته، كما
قال [تبارك] وتعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما [أَلَّفْتَ] بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [ (1) ] . فاعلم هذا، وتذكره، تجده صحيحا، وكما قررت لك، وتأمل ما يشهد لك به، من ارتفاع رتبته على الأنبياء، وعلو مقامه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وأما الأحاديث [الإلهية] [1]
وأما الأحاديث [الإلهية] [ (1) ]
وهي التي يرويها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن اللَّه تبارك وتعالى، فهي كثيرة، كحديث: [يا عبادي] كلكم جائع إلا من أطعمته.. الحديث أخرجه مسلم [ (1) ] ، وله أشباه عديدة، وقد أفرد العلماء فيها مصنفات فجمع زاهر بن طاهر فيها مصنفا، وكتب الحافظ الضياء فيها كتابا، ولعلى بن بليان فيها مجلد، يحتوي على نحو مائة حديث، وقد تقدم رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، جبريل عليه السّلام، على صورته التي خلقها اللَّه عليها، وكيف تلقى عنه القرآن الكريم، الّذي نزل على قلبه المقدس، وتقدم أيضا رؤية خازن الجنة وخازن النار، وتشييع ملائكة السموات، وتلقيهم له.
وأما الحكمة، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما الحكمة، وهي سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رحمه اللَّه ورضى عنه-: قد وضع اللَّه [عز وجل] رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من [دينه] ، وفرضه، وكتابه، الموضع الّذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته، وحرم معصيته، وأبان من فضيلته، بما قرن من الإيمان برسوله، مع الإيمان به، فقال: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (1) ] ، وقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (2) ] ، فجعل كمال ابتداء الإيمان الّذي ما سواه، تبع له الإيمان باللَّه، ثم برسوله. قال الشافعيّ: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد في قوله عز وجل: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (3) ] قال: لا أذكر إلا ذكرت، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه. قال: وفرض اللَّه على الناس اتباع وحيه وسنن رسوله، فقال في كتابه: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [يَتْلُوا] عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (4) ] مع آي سواها، ذكر فيهن الكتاب والحكمة. قال الشافعيّ: فذكر اللَّه الكتاب والقرآن، وذكر الحكمة، فسمعت ممن أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [ (5) ] ، فقال: بعض أهل العلم [أولو] الأمر: هم أمراء سرايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: فإن تنازعتم في
شيء، يعنى اختلفتم في شيء، يعنى- واللَّه أعلم- هم وأمراؤهم الذين أمروا بطاعته، فردوه للَّه والرسول، يعنى- واللَّه أعلم- إلى ما قاله اللَّه والرسول. ثم ساق الكلام إلى أن قال: فأعلمهم أن طاعة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طاعته، فقال: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] . واحتج أيضا في فرض اتباع أمره بقوله عز وجل: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (2) ] وقوله: [وَ] ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ (3) ] ، وغيرها من الآيات التي دلت على اتباع أمره، ولزوم طاعته. قال: وكان فرضه جل ثناءه على من عاين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده إلى يوم القيامة واحدا، من أن على كل طاعته، لم يكن أحد غاب عن رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا بالخبر عنه، والخبر عنه خبران: خبر عامة عن عامة: عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بجمل ما فرض اللَّه سبحانه من العبادات، يأتوا به بألسنتهم وأفعالهم، ويؤتوه من أنفسهم وأموالهم، وهذا ما لا يسع جهله، وما يكاد أهل العلم والعوام أن يستووا فيه لأن كلا كلفه، كعدد الصلاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وتحريم الفواحش، وأن للَّه عليهم حقا في أموالهم، وما كان في معنى هذا. وخبر خاصة: في خاص الأحكام، لم يأت أكثره كما جاء الأول، لم يكلفه العامة وكلف علم ذلك من فيه الكفاية للقيام به دون العامة، وهذا مثل ما يكون بينهم في الصلاة من سهو يجب به سجود السهو أو لا يجب، وما يفسد الحج، و [ما] لا يفسده، وما يجب به الفدية، وما لا يجب فيما لا يفعل، وغير
ذلك. وهو الّذي على العلماء فيه عندنا، قبول خبر الصادق على صدقه، ولا يسعهم رده، بفرض اللَّه طاعة نبيه. قال: ولولا ثبوت الحجة بالخبر، لما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خطبته بعد تعليم من شهده أمر دينهم: ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلما ندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى استماع مقالته وأدائها، أمر أن يؤديها، والأمر واحد، دل على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم الحجة به على من أدى إليه. قال: سفيان بن عيينة: أخبرنى سالم أبو النصر، أنه سمع عبيد اللَّه ابن أبى رافع، يخبر عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمرى، مما أمرت به أو نهيت عنه، يقول: لا أدرى، ما وجدنا في كتاب اللَّه اتبعنا [ (1) ] . والحجج في تثبيت خبر الواحد كثيرة، وفيما احتج به الإمام الشافعيّ رحمه اللَّه [و] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على ذلك كفاية.
وأما مجيء الجبال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما مجيء الجبال إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج البخاري في كتاب بدء الخلق، في باب ذكر الملائكة، من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حدثته أنها قالت: يا رسول اللَّه! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم، يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت، فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن اللَّه قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، وسلم على، ثم قال: يا محمد! إن اللَّه عز وجل قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرنى بأمرك، فما شئت [ (1) ] ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد اللَّه وحده لا يشرك به شيئا [ (2) ] ، وذكر طرفا من هذا الحديث في كتاب التوحيد [ (3) ] ، وخرجه مسلم أيضا [ (4) ] .
وأما إنزال الملك يبشره بالفاتحة وبالآيتين من سورة البقرة
وأما إنزال الملك يبشره بالفاتحة وبالآيتين من سورة البقرة فخرج مسلم من حديث عبد اللَّه بن عباس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنها] قال: بينما جبريل عليه السّلام قاعدا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، ولم يفتح قط إلا اليوم! فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم! فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتها، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، [لم] تقرأ بحرف منها الا أعطيته [ (1) ] . وأما الملك الّذي نزل بتصويب الحباب ففي مغازي الأموي، عن أبيه قال: وزعم الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يجمع الأقباض وجبريل عن يمينه، إذ أتاه ملك من الملائكة، قال: يا محمد، إن اللَّه يقرأ عليك السلام، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام، فقال الملك: إن اللَّه يقول لك: إن الأمر الّذي أمرك به الحباب ابن المنذر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا جبريل! هل تعرف هذا؟ قال: ما كل أهل السماء أعرف، وإنه لصادق، وما هو بشيطان [ (2) ] . وإسناد هذا الحديث ليس بذاك، وقد خالف فيه محمد بن عمر الواقدي فقال: حدثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: نزل جبريل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
وأما اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ورؤيتهم في ليلة الإسراء
فقال: الرأى ما أشار به حباب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حباب! أشرت بالرأي، فنهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ففعل كل ذلك [ (1) ] . وأما اجتماعه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنبياء ورؤيتهم في ليلة الإسراء فقد مضى ذكر ذلك مجودا فراجعه [ (2) ] . وأما حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن إبراهيم عليه السّلام فخرج الترمذي من حديث القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسرى بى، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك منى السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان اللَّه، والحمد اللَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر. قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجهة [ (3) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن عمر، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة أسرى به مر على إبراهيم عليه السلام، فقال من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد، قال له إبراهيم: مر أمتك
فليكثروا من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة، وأرضها واسعة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه [ (1) ] . وخرج ابن حبان في صحيحه، من حديث حيوة بن شريح قال: أخبرنى أبو صخر، أن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، أخبره عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر قال: حدثني أيوب صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة اسرى به، مر على إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، فقال لجبريل عليه السّلام،: من معك يا جبريل؟ فقال جبريل: هذا محمد، فقال: مر أمتك أن يكثروا غراس الجنة، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لإبراهيم: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه [ (2) ] . [[و] إبراهيم خليل الرحمن، أبو الضيفان] ، وهو الأب الثالث، أب الآباء، وعمود العالم، وإمام الحنفاء، الّذي اتخذه اللَّه تعالى خليلا، وجعل النبوة والكتاب في ذريته، وشيخ الأنبياء ابن [آذر] ، ويقال: [آذر] بن تارح ابن نوحود بن مسروغ بن رعوا بن فالغ بن عيبر، ويقال: عابر بن شالخ بن أرفخشاذ بن سام بن نوح [ (3) ] ، صلوات اللَّه وسلامه عليه، كان آباؤه في
السريانيين، يقال: ابن الكنعانيين، وولد [عليه السّلام] بكوثى، وقيل: ولد بهرمزجرد، ثم انتقل إلى كوثى من أرض بابل، وأمه [عليه الصلاة والسلام] يونا بنت كرنيا بن كوثى، من بنى أرفخشاذ بن سام، ويقال: بل اسمها أبيونا وأنها من ولد أفرام بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن أرفخشاذ. وكان أبوه [ (1) ] على أصنام الملك نمروذ، ولسانهم السريانية، وبينه عليه السّلام، وبين نوح [عليه السّلام] عشرة قرون، وولد ولأبيه من العمر سبعون سنة، وخرج به أبوه بعد ما تزوج بسارة، ومعه لوط فسكن حران، وبها [مات] أبوه. وكان قد أراه اللَّه تعالى ملكوت السموات والأرض، وكاد أصنام قومه [ (2) ] ، وحاجهم
في إثبات اللَّه تعالى [ (1) ] ، فألقوه في النار، فصارت بردا
وسلاما [ (1) ] فخرج عليه الصلاة والسلام عند ذلك بزوجته سارة، ومعه لوط إلى حران، فأقام بها خمس سنين ثم مضى منها وعمره خمس وسبعون، فهاجر إلى ربه [ (2) ] . فلما عبر الفرات من حران، غير اللَّه تعالى لسانه، وتكلم بالعبرانية، وسار حتى نزل أرض القدس، ومعه مواشيه، وزوجته، ولوط، فبنى عند صخرة بيت المقدس مذبحا، يقرب فيه قرابينه للَّه تعالى. ثم قدم مصر لغلاء نزل [بأرض] القدس، فكان أمر سارة مع الملك ما كان [ (3) ] وأخذ منها هاجر، ثم خرج [عليه الصلاة والسلام] من مصر، بعد ما أقام بها ثلاثة أشهر، فنزل خارج غزة، وقد كثر ماله، وابتنى بئر سبع، وجعلها سبيلا، وفرق أموالا في وجوه البر، وكان عليه الصلاة والسلام نصيف من كل مزية، وأمر ابن أخيه لوطا أن يتحول عنه، فسار عنه لوط إلى أرض القدس، ونزل سدوم، ونزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام حبرون، التي تعرف اليوم ببلد الخليل. وولد له عليه الصلاة والسلام بعد عشر سنين من سكناه إسماعيل عليه السلام من هاجر، وعمره ست وثمانون سنة، [ثم اختتن وله تسع وتسعين سنة] [ (4) ] وفي الصحيح أنه اختتن وعمره ثمانون سنة، وولد له إسحاق
[عليهما السلام] وهو ابن مائة سنة من سارة، وأنزل ابنه إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر بمكة، وقد وعده اللَّه [تبارك و] تعالى أن يجعل منه ومن إسحاق [عليهما السلام] شعوبا كبارا. وامتحنه اللَّه [عز وجل] بذبح ولده، فبادر لطاعة ربه، وأراد ذبحه، ففداه اللَّه [تعالى] بذبح عظيم، وماتت سارة، فتزوج بعدها قطورا، فولدت له عليه السلام ستة أولاد، ثم مات عليه السلام، وعمره مائة وخمس وسبعون سنة، فدفن حيث قبره الآن من قرية حبرون، مع زوجته سارة. ويقال: معنى إبراهيم بالسريانية، أب رحيم، وقد سماه اللَّه تعالى إماما [ (1) ] [وحليما [ (2) ] ، وأواها، ومنيبا وصديقا [ (3) ]] وأمّة، وقانتا، وحنيفا [ (4) ] ، فالأمة: هو القدوة، المعلم للخير. والقانت: المطيع للَّه، الملازم لطاعته. والحنيف: المقبل على اللَّه، المعرض عما سواه. وقد اتفق أهل الملة على تعظيمه، وتوليته، [و] محبته، وكان خير بنيه، وسيد ولد آدم، محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، يجله، ويعظمه، ويبجله، ويحترمه. ففي صحيح مسلم من حديث المختار بن فلفل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا خير البرية، فقال ذاك إبراهيم [ (5) ] ، وسماه شيخه، فإنه لما دخل الكعبة، وجد
المشركين قد صوروا فيها صورة إبراهيم وإسماعيل وهما يستقسمان بالأزلام، فقال قائلهم: سبحان اللَّه! لقد علموا أن شيخنا لم يكن يستقسم بالأزلام، ولم يأمر اللَّه [تبارك وتعالى] رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتبع ملة أحد من الأنبياء، غير إبراهيم عليه السّلام، وأمر أمته بذلك. وأخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن إبراهيم عليه السّلام، أول من [يكسي] يوم القيامة، وكان أشبه الخلق به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو عليه [الصلاة] والسّلام أول من [أقرى] الضيف، وأول من اختتن، وأول من رأى الشيب، وقد شهد اللَّه [تبارك و] تعالى له، أنه وفّى ما أمر به، يعنى وفّى جميع ما أمر به من تبليغ الرسالة، وفّى جميع شرائع الإسلام، وجعله [تبارك] تعالى إماما للخلائق يأتمون به. وكان كما قيل: قلبه للرحمن، وولده للقربان، وبدنه للنيران، وماله للضيفان، وبه سنّ اللَّه الهدايا والضحايا، وهو الّذي للأمة مناظر المشركين، والمبطلين، وكسر حجتهم، وهو أذن في الناس بالحج، لما فرغ من بناء الكعبة البيت الحرام، فكل من حجه واعتمره، كان لإبراهيم مزيد الثواب، بعدد الحجاج والمعتمرين إلى يوم القيامة، وقد ذكرت له سيرة في (التاريخ الكبير المقفى) [ (1) ] ، صلى اللَّه عليه وعلى نبينا وسلم.
وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري [1]
وأما حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن تميم الداريّ [ (1) ]
فخرج مسلم من حديث الحسين بن ذكوان قال: حدثنا ابن بريدة قال: حدثني عامر بن شرحبيل الشعبي، شعب همدان، أنه سأل فاطمة بنت قيس- أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، - فقال: حدثيني حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا [تسنديه] إلى أحد غيره، فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال [لها] : أجل حدثيني، فقالت: نكحت ابن المغيرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو من خيار شباب قريش يومئذ، فأصيب في أول الجهاد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما تأيمت خطبنى عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في نفر من أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخطبنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على مولاه أسامة بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكنت قد حدثت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من أحبنى فليحب أسامة، فلما كلمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: أمرى بيدك، فأنكحنى من شئت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: انتقلي إلى أم شريك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل اللَّه، ينزل عليها الضيفان-[فقلت: سأفعل، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تفعلي، إن أم شريك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها ينزل عليها الضيفان] فإنّي أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك، عبد اللَّه بن عمرو بن أم مكتوم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو رجل من بنى فهر قريش، وهو من البطن الّذي هي منه، فانتقلت إليه، فلما انقضت عدتى، سمعت المنادي- منادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- ينادى: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكنت في صف النساء الّذي يلي ظهور القوم، فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلتزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ فقالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: إني واللَّه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداريّ كان رجلا نصرانيا، فجاء وبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الّذي أحدثكم عن مسيح الدجال.
حدثني أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم [أرفأوا] إلى جزيرة في البحر، حيث مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب، كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره، من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، فقالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمّت لنا رجلا، فرقنا منها أن تكون شيطانا، فانطلقنا سراعا حتى أتينا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه بالحديد إلى كعبيه، قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين [اغتلم] ، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا الى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، كثير الشعر، لا ندري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقال: الجساسة، فقلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعبروا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانا. قال: أخبرونى عن نخل بيسان، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ فقلنا له: نعم، قال: أما إنه توشك ألا يثمر، قال: أخبرونى عن بحيرة طبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبرونى عن عين زغر؟ قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبرونى عن نبي الأميين ما فعل؟ [قالوا] : أخرج من مكة، ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا له: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عنى: إني أنا المسيح [الدجال] ، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قريه إلا هبطتها في أربعين
ليلة، إلا مكة وطيبة، فهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف مصلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وطعن [أو طنّ] بمخصرته في المنبر: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة، يعنى المدينة، ألا هل كنت أحدثكم ذاك؟ فقال الناس: نعم، فإنه أعجبنى حديث تميم، أنه وافق الّذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة، ومكة، إلا أنه في بحر الشام، أو نحو اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق وما هو من قبل المغرب، ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر له عدة طرق، تدور على الشعبي [ (1) ] .
وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قس بن ساعدة
وأما حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن قسّ بن ساعدة [يقال: عاش قس بن ساعدة ستمائة سنة، وهو أول من أخبر بالبعث من أهل الجاهلية في غير علم، وأول من خطب بعصا، وقد ثبت قوم قسا وهم الأكثر، ونفاه آخرون، وقالوا: لم يخلق قس وقد ذكره الشعراء] ففي سنده نظر. وقد خرجه البيهقيّ من حديث أبو عبيد اللَّه سعيد بن عبد الرحمن [بن] حسان القرشيّ المخزوميّ، وقد وثقه النسائىّ، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبى حمزة الثماليّ، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللَّه بن عباس، رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] قال: قدم وفد أياد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسألهم عن قس بن ساعدة الأيادي، فقالوا: هلك يا رسول اللَّه، فقال: لقد شهدته في الموسم بعكاظ، وهو على جمل له أحمر- أو على ناقة حمراء- وهو ينادى في الناس: اجتمعوا، واسمعوا، وعوا، واتعظوا، تنتفعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. أما بعد، فإن [في] السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، نجوم تمور، وبحار تفور ولا تخور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، ونهار منبوع. أقسم قس قسما باللَّه، لا كذبا [ولا إثما] ليتبعن هذا الأمر سخطا، ولئن كان بعضه رضا، إن بعضه سخطا، وما هذا باللعب، وإن من وراء هذا للعجب. أقسم قس قسما باللَّه، لا كذبا ولا إثما، إن للَّه دينا، هو أرضى له من دين نحن عليه، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثم أنشد قس بن ساعدة أبيات من الشعر لم أحفظها عنه فقام أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: أنا حضرت ذلك المقام، وحفظت تلك المقالة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هي؟ فقال أبو بكر: قال قس بن ساعدة في آخر كلامه: في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها ... تمضى الأكابر والأصاغر لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابر أيقنت أنى لا محالة ... حيث صار القوم صائر ثم أقبل صلّى اللَّه عليه وسلّم على وفد أياد فقال: هل وجد لقس بن ساعدة وصية؟ فقالوا: نعم، وجدوا له صحيفة تحت رأسه مكتوب فيها: يا ناعي الموت والملحود في جدث ... عليهم من بقايا بزهم خرق دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم ... فهم إذا أنبهوا من نومهم فرقوا حتى يعودا لحال غير حالهم ... خلقا جديدا كما من قبل قد خلقوا منهم عراة، ومنهم [في] ثيابهم ... منها الجديد، ومنها المنهج الخلق [ (1) ] وقد روى من طريق معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومن حديث مجالد عن الشعبي، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ومن حديث على بن سليمان، عن سليمان ابن على بن عبد اللَّه بن عباس، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، [ومن حديث الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس] ، وروى عن الحسن البصري منقطعا، وروى من حديث سعد بن أبى وقاص، وأبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما بزيادات ألفاظ، ونقصان ألفاظ، وفيها ما هو مختصر، وفيها ما هو مطول. قال البيهقي: وإذا روى الحديث من أوجه، وإن كان بعضها ضعيفا، دل على أن للحديث أصلا، واللَّه تبارك وتعالى أعلم [ (2) ] . قال [الحافظ] : إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم روى هذه الخطبة، وهي فضيلة لأياد.
وأما حديثه صلى الله عليه وسلم عن أبى كبشة
وأما حديثه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أبى كبشة فذكر الكلبي في كتاب (الرقائق) : حدثني أبى عن أبى صالح، عن ابن عباس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: حدثني أبو كبشة: أنهم لما أرادوا دفن [بلال] بن حبشية- وكان سيدا معظما- حفروا له، فوقعوا له على باب مغلق، ففتحوه، فإذا سرير عليه رجل، وعليه ملك عدة، وعند رأسه كتاب: أنا أبو سمر، ذو النون، مأوى المساكين، ومستفاد الغارمين، أخذنى الموت غصبا، وقد أعيا الجابرة قبلي. قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: كان ذو النون هذا، هو سيف [ذي النون] الحميري، وأبو كبشة هذا، يقال: أنه الحوت، زوج حليمة السعدية، ظئر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . فصل في ذكر من حدث وروى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أصحابه رضى اللَّه تعالى عنهم بمكة والمدينة وغيرهما من البلدان التي غزا إليها وحلها بعرفة ومنى غير ذلك اعلم أنه آمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الجن والإنس خلائق حدثوا عنه، ورووا ما وعوه، وسمعوه، فسمع منه الجن القرآن وهو يقرأ بأصحابه بعكاظ وجاءوه فسألوه عن أشياء، ومكث معهم أيضا في ليلة شهدها عبد اللَّه بن مسعود، فأسلم منهم طائفة من جن نصيبين. إسلام الجن، وإنذارهم قومهم فقد ثبت بكتاب اللَّه تعالى، وحديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال اللَّه تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ
يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (1) ] اختلف أئمة التفسير في سبب صرف الجن إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قيل: وصرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب، وقيل: صرفوا إليه لينذرهم، وأمر عليه السّلام أن يقرأ عليهم القرآن، وإليه ذهب قتادة. وقيل: مروا به وهو يقرأ القرآن بنخلة [ (2) ] ، لما عاد من الطائف [ (3) ] . واختلف أيضا في المكان الّذي سمعوا فيه قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قيل: بالحجون [ (4) ] ، وهو قول ابن مسعود وقتادة، وقيل ببطن نخل [ (5) ] ، وهو قول ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. واختلف من أي بلدهم، فقيل: هم جن نصيبين- قرية باليمن- لا مدينة نصيبين التي بالجزيرة- قاله ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وقيل: من أهل نينوى [ (6) ] ، قاله قتادة. وقيل: من جزيرة الموصل، قاله عكرمة، وقيل: من أهل حيران، قاله مجاهد، واختلف في عدتهم. فقيل: كانوا سبعة، قاله ابن مسعود، وزر بن حبيش، ومجاهد، ورواه عكرمة بن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وقيل: كانوا تسعة، رواه أبو صالح عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وقيل: كانوا اثنى عشر، وهو مروى عن عكرمة، ويرد بقوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ والنفر لا يطلق على الكثير، فإن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة.
وذكر السهيليّ في (التفسير) أنهم كانوا يهودا، لذلك قالوا: مِنْ بَعْدِ مُوسى ولم يقولوا: «من بعد عيسى» ذكره ابن سلام، وكانوا سبعة، وقد ذكروا بأسمائهم في التفاسير والمسندات، وهم: شاصر، وآصر، ومنشى، وماشى، والأحقب، وهؤلاء الخمسة ذكرهم ابن دريد، ووجدت في خبر ذكره، أن منهم آخر يقال له: سرق، وفي خبر آخر: أن منهم عمرو بن [جابر] [ (1) ]] فَلَمَّا حَضَرُوهُ، أي حضروا استماعه، قالوا: أنصتوا، قال
بعضهم لبعض: اسكتوا كي نستمع إلى قراءته، فَلَمَّا قَضى، أي فرغ من التلاوة، وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، انصرفوا إليهم محذرين عذاب اللَّه إن لم يؤمنوا. واختلف هل أنذروا قومهم من قبل أنفسهم؟ أم جعلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رسلا إلى قومهم؟ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى يعنى القرآن، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ [ (1) ] . قال عطاء: كان دينهم اليهودية، ولذلك قالوا: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى، يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ [ (2) ] ، يعنون محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو دليل على أنه بعث إلى الجن، كما بعث إلى الإنس، قال مقاتل: ولم يبعث اللَّه نبيا إلى الجن والإنس قبله. قال ابن عبد البر: ولا يختلفون أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم رسول إلى الإنس والجن، نذيرا، وبشيرا، هذا مما فضل به على الأنبياء، أنه بعث إلى الخلق كافة، الجن والإنس، وغيره لم يرسل إلا بلسان قومه، ودليل ذلك ما نطق به القرآن الكريم من دعائهم إلى الإيمان، بقوله في مواضع من كتابه: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [ (3) ] وقال ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: فاستجاب لهم من قومهم سبعين رجلا من الجن، ثم رجعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوافوه بالبطحاء، فقرأ عليهم القرآن، وأمرهم، ونهاهم.
وقال أبو حنيفة [رحمه اللَّه] : ليس لمؤمن الجن ثواب إلا النجاة من النار، لقوله تعالى: وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [ (1) ] . وقال الحسن: ثوابهم أن يجاروا من النار، يقال لهم: كونوا ترابا مثل البهائم. وقال مالك وابن أبى ليلى: إن كان عليهم العقاب في الإساءة، وجب أن يكون لهم الثواب في الإحسان مثل الإنس. وقال جويبر عن الضحاك: الجن يدخلون الجنة، ويأكلون، ويشربون. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ [ (2) ] أي لا يعجز اللَّه في الأرض ولن يعجزه هربا، وليس له من دونه أولياء، أي أنصار يمنعونه من عذاب اللَّه أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أي الذين لا يجيبون الرسل. وقال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً* وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً* وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً* وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً* وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً* وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً* وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً* وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً* وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً* وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً* وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً [ (3) ] . أي قل يا محمد لأمتك: أوحى إلى على لسان جبريل، أنه استمع إليك نفر من الجن، ولم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم عالما به قبل أن يوحى إليه.
قال ابن عباس وغيره: وظاهر القرآن يدل على أنه يراهم، [لقوله] اسْتَمِعْ، ولقوله: يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ: وقال عكرمة: السورة التي كان يقرؤها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ* كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى * إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ* فَلْيَدْعُ نادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ* كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [ (1) ] . وقد خرج البخاري ومسلم، من حديث [أبى] عوانه، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجن ولا أراهم، انطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيئا حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السماء. فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك [النفر] الذين توجهوا إلى نحو تهامة، إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ، وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللَّه الّذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً، فأنزل اللَّه
عز وجل على نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ [ (1) ] وإنما أوحى إليه قول الجن [ (2) ] . قال البيهقي: وهذا الّذي حكاه عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، إنما [هو] أول ما سمعت الجن قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم كما حكاه، ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى، فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن، كما حكاه عبد اللَّه بن مسعود، ورأى آثارهم وآثار نيرانهم، وعبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حفظ القصتين جميعا فرواهما. أما القصة الأولى: فذكر البيهقي من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، حديث سفيان عن عاصم، عن زر، عن عبد اللَّه قال: [هبطوا] على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوا قالوا: أنصتوا، قالوا: صه، وكانوا سبعة، أحدهم زوبعة، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا.
داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (1) ] . وخرجه الحاكم وصححه، وذكر ما خرجه البخاري ومسلم، من حديث أبى قدامة، عبيد اللَّه بن سعيد قال: حدثنا أبو أسامة عن مسعر، عن معن، قال: سمعت أبى قال: سألت مسروقا: من آذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ قال: حدثني أبوك- يعنى عبد اللَّه- أنه آذنت به الشجرة، ذكره البخاري في كتاب المبعث، وذكره مسلم في كتاب الصلاة، ولفظه: حدثني أبوك- يعنى ابن مسعود- أنه آذنته بهم شجرة [ (2) ] . قال البيهقي: وأما القصة الأخرى: فذكر حديث مسلم من طريق عامر الشعبي، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن؟ فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات ليلة، ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير [ (3) ] أو اغتيل [ (4) ] ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا، إذ هو جاء من قبل حراء، [قال] : فقلنا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال: أتانى داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن، قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم اللَّه عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلا تستنجوا بهما، فإنّهما طعام إخوانكم [ (5) ] .
وفي لفظ له قال: قال الشعبي: وسألوه الزاد وكان من جن الجزيرة- إلى آخر الحديث، من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد اللَّه. وقد خرجه الترمذي من طريق الشعبي. قال البيهقي: والأحاديث الصحاح، تدل على أن عبد اللَّه بن مسعود لم يكن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن، وإنما كان معه حين انطلق به وبغيره، يريهم آثار الجن وآثار نيرانهم. وقد خرج مسلم من حديث أبى معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ووددت أنى كنت معه. ذكره في كتاب الصلاة [ (1) ] . قال البيهقي: وقد روى من أوجه أخر، أنه كان معه ليلتئذ، فذكر من طريق الليث بن سعد قال: حدثني يونس بن زيد، عن ابن شهاب قال: أخبرنى أبو عثمان بن سنة الخزاعي- وكان رجلا من أهل الشام- أنه سمع عبد اللَّه ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه وهو بمكة: من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل، فلم يحضر منهم أحد غيري، فانطلقنا، حتى إذا [كنا] بأعلى مكة، خط لي برجله خطا، ثم أمرنى أن أجلس فيه، ثم انطلق حتى قام، فافتتح القرآن، فغشيته، أسودة كثيرة، حالت بيني وبينه، حتى ما أسمع صوته، ثم انطلقوا وطفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين، حتى بقي منهم رهط، وفرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع الفجر، فانطلق فبرز، ثم أتانى فقال: ما فعل الرهط؟ فقلت: هم أولئك يا رسول اللَّه فأخذ عظما وروثا، فأعطاهم إياه زادا، ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو بروث [ (2) ] . قال البيهقي: يحتمل قوله في الحديث الصحيح، ما صحبه منا أحد، أراد به في حال ذهابه لقراءة القرآن عليهم، إلا أنه ما روى في هذا الحديث، من إعلام أصحابه بخروجه إليهم، يخالف ما روى في الحديث الصحيح من
فقدانهم إياه، حتى قيل: اغتيل، استطير، إلا أن يكون المراد بمن فقده غير، الّذي علم بخروجه [ (1) ] . وذكر البيهقي أيضا: من طريق موسى بن على بن رباح، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: استتبعني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن نفرا من الجن خمسة عشر، بنى إخوة، وبنى عم، يأتوننى الليلة، فأقرأ عليهم القرآن، فانطلقت معه إلى المكان الّذي أراد، فخط خطا وأجلسنى فيه، وقال لي: لا تخرج من هذا، فبت فيه، حتى أتانى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع السحر، في يده عظم حائل، وروثة، وحممة، فقال لي: إذا ذهبت إلى الخلاء فلا [تستنج] بشيء من هؤلاء، قال: فلما أصبحت قلت: لأعلمن حيث كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فذهبت فرأيت موضع مبرك ستين بعيرا [ (1) ] . وذكر أيضا من طريق يزيد بن هارون، قال: حدثنا سليمان التيمي، عن أبى عثمان النهدي، أن ابن مسعود أبصر زطا في بعض الطريق، فقال: ما هؤلاء؟ فقالوا: هؤلاء الزط، قال: ما رأيت شبههم إلا الجن ليلة الجن، وكانوا مستنفرين يتبع بعضهم بعضا [ (1) ] . ومن طريق أبى الجوزاء، عن عبد اللَّه [بن مسعود] قال: انطلقت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الجن حتى إذا أتى الحجون، فخط لي خطا ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه، فقال سيد لهم يقال له: وردان: إني أنا أرحلهم عنك، فقال: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ [ (2) ] . ومن طريق المسعودي، عن قتادة، عن أبى المليح الهذلي، أنه كتب إلى أبى عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود: أين قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجن؟ فكتب إليه أنه قرأ عليهم بشعب يقال له: الحجون [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث يحيى بن سعيد، قال: أخبرنى جدي عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنه كان يحمل مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة. فقال: ابغني حجارا استنفض بها، ولا تأتنى بعظم ولا بروثة. فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت، حتى إذا فرغ مشيت معه فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتانى وفد جن نصبين- ونعم الجن- فسألوني الزاد، فدعوت اللَّه لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلى وجدوا عليها طعما. [حديث رقم: (3860) ، باب ذكر الجن من كتاب مناقب الأنصار] . وخرج الترمذي من حديث زهير بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [على] أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: قرأتها على الجن ليلة الجن، وكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا بشيء من [نعمك] ربنا نكذب، فلك الحمد، قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد. قال ابن حنبل: كان زهير بن محمد هو الّذي وقع بالشام ليس هو الّذي يروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه، يعنى لما يروون عنه من المناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة [ (1) ] . قلت: وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ففي بعضها لما قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الرحمن على الناس سكتوا، فلم يقولوا شيئا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: للجن كانوا أحسن جوابا منكم، لما قرأت عليهم: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قالوا: لا بشيء من آلائك ربنا نكذب [ (2) ] . وفي بعضها قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: ما لي أراكم سكوتا، للجن كانوا أحسن منكم ردا، لما قرأت عليهم هذه
وأما الصحابة رضوان الله عليهم
الآية من مرة فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ إلا أن قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب [فلك الحمد] . [وخرج الحاكم من حديث مسلم [ (1) ] بن قتيبة، قال: حدثني [عمرو بن سنان، حدثني] [ (2) ] سلام أبو عيسى، حدثنا صفوان بن المعطل السلمي قال: خرجنا حجاجا فلما كنا بالعرج، إذ نحن بحية تضطرب، فلم تلبث أن ماتت، فأخرج رجل منا خرقة من عيبة [ (3) ] له، فلفها فيها وغيبها في الأرض فدفنها، ثم قدمنا مكة فأتينا إلى المسجد الحرام، إذ وقف علينا شخص فقال: أيكم صاحب عمرو بن جابر؟ فقلنا: ما نعرف عمرو بن جابر، قال: أيكم صاحب الجان؟ قالوا: هذا، قال: [جزاك اللَّه خيرا] أما أنه [قد كان آخر التسعة موتا، الذين أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستمعون القرآن] . وأما الصحابة رضوان اللَّه عليهم قال ابن سيده: صحبه صحبة، وصاحبه عاشره، والصاحب المعاشر، قال: والجمع أصحاب، وأصاحيب، وصحبان، وصحاب، وصحابة، وأكثر الناس على الكسر دون الهاء، وعلى الفتح معها، قال: فأما الصحبة والصحب، فاسمان للجمع، قالوا: وقال في النساء: هن صواحب يوسف، وصواحبات يوسف [ (4) ] . انتهى. وفي (النهاية) لابن الأثير: الصحابة بالفتح، جمع صاحب ولم يجمع فاعلة على فعال إلا هنا [ (5) ] .
واعلم ان الصاحب اسم شريف، والصحبة خطة رفيعة، سمى اللَّه تعالى بها نفسه على لسان نبيه فقال: اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر [ (1) ] . وسمى اللَّه سبحانه بها رسوله، فقال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [ (2) ] [ (3) ] يعنى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل الأصحاب، وخير من صحب، وأصحابه خير أمة أخرجت للناس: وأصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجملة على قسمين: قسم يقال لهم المهاجرون، وقسم يقال لهم: الأنصار، وقسمان: السابقون الأولون، والتابعون لهم بإحسان. فالمهاجرون أقسام: الذين أسلموا قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم وفي دار الأرقم، والذين أسلموا بعد ذلك، والذين عذبوا في اللَّه، والذين هاجروا إلى الحبشة. ومن جهة أخرى، الصحابة قسمان: من أسلم قبل الفتح، ومن أسلم بعد الفتح، ومن شهد بدرا، وبيعة الرضوان، ومن لم يشهدهما، ثم الذين أسلموا بعد الفتح، منهم الطلقاء، ومنهم المؤلفة [قلوبهم] ، ومنهم الوفود. وقد قال الإمام أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رحمه اللَّه-: توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمون ستون ألفا، ثلاثون ألف بالمدينة، وثلاثون ألفا في غيرها. وقال الحافظ أبو زرعة، عبيد اللَّه بن عبد الكريم الرازيّ- رحمه اللَّه-: توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد رآه وسمع منه زيادة عن مائة ألف. وقال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الحاكم النيسابورىّ، روى عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أربعة آلاف صحابى.
قال كاتبه [عفى اللَّه عنه] : قد أفرد النقلة أسماء الصحابة رضى اللَّه عنهم، في مصنفات على حدة، كأبى عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري، في أول (تاريخه الكبير) ، وأبى بكر أحمد بن أبى خيثمة زهير بن حرب، والحافظ أبى عبد اللَّه محمد ابن إسحاق بن يسار، والحافظ أبى نعيم أحمد الأصفهاني، والحافظ أبى عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، والعلامة عز الدين أبى الحسن على بن محمد بن الأثير، وغيرهم، وقد أفرد الفقيه الحافظ أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم أسماءهم في جزء، جمعه من كتاب الإمام بقي بن مخلد، وذكر ما روى كل واحد منهم من الأحاديث [هو كتاب (أسماء الصحابة الرواة ومروياتهم) ، وقابله مع كتاب (تلقيح فهوم أهل الأثر) لابن الجوزي] [ (1) ] . [قال ابن سعد [ (2) ] : قال محمد بن عمر الأسلمي وغيره: إنما قلّت الرواية عن الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنهم هلكوا قبل أن يحتاج إليهم، وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، لأنهما [أفتيا] وقضيا بين الناس، وكل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانوا أئمة يقتدى بهم، ويحفظ عنهم، ويستفتون فيفتون، وسمعوا أحاديث فأدوها] . [وكان الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أقل حديثا من غيرهم، مثل أبى بكر، وعثمان، وطلحة، والزبير وسعد بن أبى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبى عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وأبى بن كعب، وسعد بن عبادة، وعبادة بن الصامت، وأسيد بن حضير، ومعاذ بن جبل، ونظرائهم، [لم] يأت عنهم من كثرة الحديث مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مثل جابر بن عبد اللَّه، وأبى سعيد الخدريّ وأبى هريرة، وعبد اللَّه بن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه
ابن عمرو بن العاص، وعبد اللَّه بن عباس، ورافع بن خديج وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، ونظرائهم كل [واحد] من هؤلاء، كان يعد من فقهاء أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانوا يلزمون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع غيرهم من نظرائهم وأحدث منهم، مثل: عقبة بن عامر الجهنيّ، وزيد بن خالد الجهنيّ، وعمران بن الحصين، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن أبى سفيان، وسهل بن سعيد الساعدي، وعبد اللَّه بن يزيد الخطميّ، ومسلمة بن مخلد الزرقيّ، وربيعة بن كعب الأسدي، وهند وأسماء ابني حارثة الأسلميين، وكانا يخدمان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويلزمانه] [ (1) ] . [فكان أكثر الرواية والعلم في هؤلاء ونظرائهم، من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنهم بقوا وطالت أعمارهم، فاحتاج الناس إليهم، ورضى كثير من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبله وبعده بعلمهم، لم يؤثر عنه شيء، ولم يحتج إليه، لكثرة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] . [وقد شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تبوكا- وهي آخر غزوة غزاها- من المسلمين ثلاثون ألف رجل، وذلك سوى من قد أسلم وأقام من بلاده وموضعه لم يغزو، فكانوا عندنا أكثر مما غزا معه تبوكا، قال: فمنهم من حفظ عنه ما حدث به عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن أفتى برأيه، ومنهم من لم يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا، ولعله أكثر له صحبة ومجالسة وسماعا، من الّذي حدث عنه] . [ولكنا حملنا الأمر في ذلكم منهم على التوقي في الحديث، أو على أنه لم يحتج إليه لكثرة أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلى الاشتغال بالعبادة، والأسفار في الجهاد في سبيل اللَّه حتى مضوا، ولم يحفظ عنهم عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا، وليس كلهم كان يلزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمنهم من أقام وقومه، وشهد معه المشاهد كلها، وإن منهم من قدم عليه فرآه، ثم انصرف إلى بلاد قومه، ومنهم كان يقدم عليه الفينة بعد الفينة من منزله بالحجاز وغير ذلك] . [وخرج ابن عساكر من طريق ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، [عن الزهري] عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
أما المهاجرون
احفظوني في أصحابى، فمن حفظنى في أصحابى رافقني على حوضي، ومن لم يحفظني فيهم لم يرد على حوضي، ولم يرنى إلا من بعيد] . [وعن سفيان الثوري في قوله تعالى: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [ (1) ] قال: هم أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] . أما المهاجرون قال ابن سيده: الهجرة، الخروج من أرض الى أرض. وهاجر، خرج من أرض إلى أخرى. وهاجر أرضه وقومه، باعدهم. أما المهاجرون الذين ذهبوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مشتق منه. وقد أثنى اللَّه [تعالى] في القرآن على المهاجرين: فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (3) ] . وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [ (4) ] . وقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ* خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [ (5) ] .
وقال تعالى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ (1) ] . وذكر سنيد قال: حدثنا حجاج عن شعبة، عن عمر بن مرثد، عن أبى البختري، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (2) ] قرأها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ختمها، وقال الناس خير، وقال: وأنا وأصحابى خير، وقال: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، فقال له مروان بن الحكم: كذبت، وعنده زيد بن ثابت، ورافع بن خديج، وهما قاعدان معه على السرير- فقال أبو سعيد: لو [شاء هذان] لحدثاك ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة، فرفع مروان عليه ليضربه، فلما رأيا ذلك قالا: صدق [ (3) ] وخرج قاسم بن أصبغ، من حديث عبد الوارث قال: حدثنا بهز بن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ألا إنكم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على اللَّه [ (4) ] . ولأحمد بن حنبل من حديث سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] ، في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قال: [هم الذين هاجروا مع محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة قال أبو نعيم: مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] .
ذكر هجرة الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
ذكر هجرة الذين هاجروا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة قال ابن عبد البر: وأكثر الرواة عن سماك يقولون: أنهم الذين هاجروا من مكة الى المدينة، والمعنى واحد، لأنهم هاجروا بأمره، وإن لم يكونوا هاجروا معه في سفر واحد، وإنما أشار عليهم ابن عباس بالذكر، لأنهم الذين قاتلوا من خالفهم على الدين حتى وصلوا إليه، ولذلك قال أبو هريرة، ومجاهد والحسن، وعكرمة، خير الناس الذين يقاتلونهم حتى يدخلوهم في الدين طوعا وكرها، وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن المهاجرين الأولين والأنصار في ذلك سواء. وذكر محمد بن إسحاق السراج في (تاريخه) قال: حدثنا أبو كريب، حدثنا محمد بن عبيد، وأبو أسامة، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن عامر الشعبي قال: المهاجرون الأولون، هم الذين بايعوا بيعة الرضوان. قال: وحدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا أبى، عن أبى هلال عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب لم سموا المهاجرين الأولين؟ قال: من صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلتين جميعا، فهو من المهاجرين الأولين [ (1) ] . قال [أبو] عمر: قول الشعبي وسعيد بن المسيب يعطى أن معنى قولهم: المهاجرين الأولين كمعنى قول اللَّه تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ [ (2) ] لأنهم صلوا القبلتين جميعا، وبايعوا بيعة الرضوان. وخرج قاسم بن أصبغ، من حديث أبى حازم: عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قال: خير الناس الذين يجيئون بهم في السلاسل يدخلون في الإسلام. وعن مجاهد أنه قال: كانوا خير الناس على الشرط الّذي ذكره اللَّه تعالى: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [ (3) ] . وجاء عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: من سره أن يكون من تلك الأمم، فليؤد شرط اللَّه فيها.
وأما السابقون الأولون
وقال هيثم: حدثنا منصور عن الحسن، قال فرق بين المهاجرين الأولين وسائر المهاجرين، فتح مكة. وأما السابقون الأولون فقد أثنى اللَّه [تعالى] عليهم بقوله [تعالى] : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ (1) ] .
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللَّه: حدثنا هيثم، [قال] : حدثنا أشعب [قال] : أخبرنا إسرائيل عن ابن سيرين، في قوله عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ قال: هم الذين صلوا القبلتين، وهو قول محمد بن الحنفية، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وحدثنا هيثم عن إسماعيل ومطرف، عن الشعبي، قال: هم الذين بايعوا بيعة الرضوان. وقال أبو الزبير: عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء عبد لحاطب بن أبى بلتعه، يشتكي سيده، فقال: [يا] رسول اللَّه- ليدخلن حاطب النار! فقال له: كذبت، لا يدخلها أحد شهد بدرا والحديبيّة [ (1) ] ، وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [ (2) ] ، ومن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه لم يسخط عليه أبدا. وعن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: كنا بالحديبية أربعة عشر مائة، فبايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه آخذ بيده تحت الشجرة، وهي سمرة [فبايعناه] ، غير الجد ابن قيس اختبأ تحت بطن [بعيره] [ (3) ] . وخرج الحارث بن أبى أسامة، من حديث الليث بن سعد، عن أبى الزبير، عن جابر، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة.
وخرج الإمام أحمد من حديث سفيان، عن عمرو، قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: كنا يوم الحديبيّة ألف و [أربعمائة] ، فقال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنتم اليوم خير أهل الأرض [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث شعبة، عن الأعمش، قال سمعت ذكوان يحدث عن أبى سعيد الخدريّ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا تسبوا أصحابى، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه [ (2) ] . وخرجه أبو داود أيضا [ (3) ] . وقال محمد بن كعب القرظي، وعطاء بن يسار، في قوله [تعالى] : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، قالا: أهل بدر.
وأما الذين أسلموا إلى أن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم بن أبى الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد الله ابن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي [1]
وأما الذين أسلموا إلى أن خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من دار الأرقم بن أبى الأرقم بن عبد مناف بن أسد بن عبد اللَّه ابن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ [ (1) ] فذكر سعيد بن أبى مريم قال: [حدثني] عطاء بن خالد قال: حدثني عبد اللَّه بن عثمان بن الأرقم، عن جده الأرقم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان بدريا، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في داره عند الصفا، حتى تكاملوا أربعين رجلا مسلمين، وكان آخرهم إسلاما عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلما كانوا أربعين رجلا خرجوا. وقال سيف بن سهل بن يوسف عن أبيه قال: قال عثمان بن مظعون [ (2) ] : أول وصية أوصانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، مقتل الحارث بن أبى هالة، ونحن أربعون ليس بمكة أحد على مثل ما نحن عليه، فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه، فإن تقوى اللَّه خير ما عمل به الناس، وخير عاقبة، وبتقوى اللَّه أصيب خير منازل الدنيا والآخرة، والتقوى رأس كل حكم، وجماع كل أمر، وباب كل خير، وفي تقوى اللَّه عصمة من كل سوء، ونجاة من كل شبهة، لا ترضون إلا بعمل، ولا تسخطوا إلا [بعلم، فإن الرضا والسخط يدعوان]
إلى العمل، وإن العمل [بالعلم] ليس كالعمل بالجهل، وقولوا آمنا باللَّه ثم استقيموا، فإن اللَّه [تعالى] إذا أراد أمرا أصابه، وإذا كره أمرا [أخره] ، ولا تستعجلوا الأقدار فيصرعكم البلاء، واصبروا يتوكل اللَّه تعالى بحفظكم، ويخلفني فيكم. وقال الزبير بن بكار: ودار الخيزران، هي دار الأرقم بن عبد مناف [بن أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ] . وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: وكانت خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أول من آمن باللَّه ورسوله، وصدق بما جاء به. قال: ثم إن جبريل عليه السّلام، أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبه من ناحية الوادي، فانفجرت له عين من ماء، فتوضأ جبريل، ومحمد، عليهما السّلام، ثم صلّى ركعتين، وسجد أربع، سجدات. ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أقر اللَّه عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من اللَّه، فأخذ بيد خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حتى أتى بها العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين، وأربع سجدات، هو وخديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، ثم كان هو وخديجة يصليان سرا. قال: ثم إن على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، جاء بعد ذلك بيوم فوجدهما [يصليان] فقال: ما هذا؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دين اللَّه الّذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى اللَّه وحده لا شريك له، وإلى عبادته، وكفر باللات والعزى، فقال على: هذا أمر لم أسمعه قبل اليوم، فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب، وكره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفشي سره قبل أن يستعلن أمره، قال له: يا على، [إذا] لم تسلم فأكتم، فمكث على تلك الليلة، ثم إن اللَّه تعالى أودع في قلبه الإسلام، فأصبح غاديا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاءه فقال له: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له،
وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد ففعل عليّ، وأسلم على خوف من أبى طالب وكتم إسلامه [ (1) ] . وأسلم زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] فمكثا قريبا من شهر يختلف عليّ إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان مما أنعم اللَّه على عليّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه كان في حجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الإسلام. قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن أبى الأشعث الكندي، حدثني إسماعيل بن إياس بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف، أنه قال: كنت امرأ تاجرا، فقدمت منى أيام الحج، وكان العباس [بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه] امرأ تاجرا، فأتيته أبتاع منه وأبيعه، فبينما نحن [كذلك] إذ خرج رجل من خباء يصلى، فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلى، وخرج غلام فقام يصلى معه، [فقلت: يا عباس]-! ما هذا الدين؟ إن هذا الدين ما ندري ما هو؟ فقال: محمد بن عبد اللَّه يزعم أن اللَّه أرسله، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به وهذا الغلام ابن عمه، عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه آمن به، قال: عفيف: فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون معه ثانيا. وخرج الإمام أحمد في (المسند) ، من حديث حجاج بن دينار، عن محمد بن ذكوان، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت يا رسول اللَّه، من معك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد الحديث [ (3) ] .
و [في] لفظ الحاكم [ (1) ] ، من حديث ابن وهب، أخبرنى معاوية بن صالح، [قال:] حدثنا أبو يحيى [وضمرة] بن حبيب، وأبو طلحة، عن أبى أمامه الباهلي قال: حدثني عمرو بن عبسة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو نازل بعكاظ فقلت: يا رسول اللَّه! من اتبعك على هذا الأمر؟ [قال] اتبعنى عليه رجلان: حر وعبد، أبو بكر وبلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: فأسلمت عند ذلك [ (2) ] . قال ابن إسحاق: ثم إن أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد، من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا؟ فقال: بلى، إني رسول اللَّه ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته، وأدعوك إلى اللَّه بالحق، فو اللَّه [إني] للحق أدعوك يا أبا بكر، إلى اللَّه وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته، فقرأ عليه القرآن، فلم يقر ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد وآمن بحق الإسلام، ورجع وهو مؤمن مصدق. قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن الحصين التميمي، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت [فيه] عنده كبوة [ (3) ] ، ونظرة [وتردد] ، إلا ما كان من أبى بكر، ما عكم عنه حين ذكرته [له] ، وما تردد فيه [ (4) ] .
وقال إسرائيل عن أبى إسحاق، عن أبى ميسرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا برز، سمع من يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت فانطلق هاربا، فأسر ذلك إلى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان نديما له في الجاهلية. قال يونس بن بكير، عن إسحاق: كان أول من تبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خديجة بنت خويلد زوجته، ثم كان أول ذكر آمن به على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فلما أسلم أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أظهر إسلامه، و [دعا] إلى اللَّه ورسوله، وكان أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا مانعا لقومه، محببا سهلا، وكان أنسب قريش [لقريش] ، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا، ذا خلق ومعروف، وكان قومه يأتونه ويألفونه، لغير واحد من الأمر، لعلمه، وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل [يدعو] إلى الإسلام، ممن يثق به من قومه، ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف. فانطلقوا حتى أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومعهم أبو بكر، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام، وبما [وعدهم] اللَّه من الكرامة، فآمنوا، وأصبحوا مقرين بحق الإسلام، وكانوا هؤلاء الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، [دخلوا] وصدقوا رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] ، وآمنوا بما جاء من عند اللَّه تبارك و [تعالى] . وخرج البخاري من حديث وبرة [بن عبد الرحمن] ، عن همام قال: سمعت عمارا يقول: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما معه إلا خمسة أعبد،
وامرأتان، وأبو بكر [ (1) ] . [وذكر ابن أبى شيبة أن عمار بن ياسر أول من بنى مسجدا صلّى فيه] [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث شداد بن عمار، ويحيى بن أبى كثير، عن أبى أمامة، عن عمرو بن عبسة، قال أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أول ما بعث وهو بمكة، وهو حينئذ مستخفى، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا نبي، قلت: وما رسول اللَّه؟ قال: رسول اللَّه، قلت: آللَّه أرسلك؟ قال: نعم، قلت: بم أرسلك؟ قال بأن تعبد اللَّه، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام، قال: قلت: نعم ما أرسلك به، فمن تبعك على هذا؟ قال: حر وعبد، - يعنى أبا بكر وبلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: وكان عمرو يقول: لقد رأيتني أنا وربع أو رابع، قال: فأسلمت، قلت، فأتبعك يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكن ألحق بقومك، فإذا أخبرت أنى قد خرجت فاتبعنى [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث أبى أسامه [قال] : حدثنا هاشم بن هاشم، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت، سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الّذي أسلمت فيه، ولكن مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام [ (4) ] .
وقال يحيى بن أبى بكير: حدثنا زائدة عن عاصم، عن زر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم [ (1) ] . [وللبخاريّ] من حديث سفيان، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، في مسجد الكوفة، يقول: واللَّه لقد رأيتني وإن عمر لموثقي وأخته على الإسلام، قبل أن يسلم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] . وخرج أبو داود من حديث عاصم عن زر، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه [قال] : كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبى معيط بمكة، فأتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وأبو بكر] وقد فرا من المشركين، فقالا: يا غلام! عندك لبن تسقينا؟ قلت: إني مؤتمن ولست بساقيكما، فقالا: هل عندك من جذعه لم ينز عليها الفحل [بعد] ؟ قلت: نعم، فأتيتهما بها، فاعتقلها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الضرع، فدعا [بعد] فحفل الضرع، وأتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فحلب فيها، ثم شرب هو وأبو بكر، ثم سقاني، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص فلما كان بعد، أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت، علمني من هذا القول الطيب- يعنى القرآن
- فقال إنك غلام معلم، فأخذت من فيه سبعين سورة، ما ينازعني فيها أحد [ (1) ] . [وفي مصنف [ابن] أبى شيبة، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان أول من أفشى القرآن بمكة من فىّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد بن الزبير، عن محمد ابن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان قال: كان أول إسلام خالد بن سعيد بن العاصي قديما، وكان أول إخوته أسلم، وكان [بدؤ] إسلامه أنه رأى في النوم أنه وقف به على شفير النار، كأن أباه يدفعه منها ويرى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم آخذ بحقويه لا يقع، ففزع من نومه. فقال: أحلف باللَّه أن هذه لرؤيا حق فلقى أبا بكر بن أبى قحافة، فذكر له ذلك، فقال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أريد بك خيرا، هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاتبعه، فإنك ستتبعه، وتدخل معه في الإسلام والإسلام يحجزك أن تدخل فيها، وأبوك واقع فيها. فلقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأجياد، فقال: يا محمد! إلى ما تدعو؟ فقال: أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع ما كنت عليه من عبادة حجر لا يضر ولا ينفع، ولا يدرى من عبده، ممن لم يعبده. قال خالد: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أنك رسول اللَّه، فسر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإسلامه، وأرسل إلى من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعا مولاه فوجده فأتوا به أباه أبا أحيحة فأنبه وبكته وضربه بصريمة في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: اتبعت محمدا وأنت ترى خلاف قومه وما جاء به من عيب آلهتم وعيبه من مضى آبائهم. فقال خالد: قد صدق واللَّه واتبعته فغضب أبوه أبو أحيحة ونال منه وشتمه، ثم قال: اذهب يا لكع حيث شئت واللَّه لأمنعك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن اللَّه عز وجل يرزقني ما أعيش به فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه
أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به فانصرف خالد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان يكرمه ويكون معه [ (1) ] . قال ابن إسحاق: ثم انطلق أبو عبيدة بن الحارث [ (2) ] ، وأبو سلمة بن عبد الأسد- واسمه عبد اللَّه- والأرقم بن أبى الأرقم المخزوميّ، وأبو عبيدة ابن الجراح، وعثمان بن مظعون الجمحيّ، حتى أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلموا [ (3) ] . قال: ثم أسلم أناس من قبائل العرب، منهم سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أخو بنى عدي [ (4) ] ، وامرأته فاطمة بنت الخطاب [ (5) ] ، أخت عمر بن الخطاب [ (6) ] ، وأسماء بنت أبى بكر [ (7) ] ، وعائشة بنت أبى بكر [ (8) ] ، وهي صغيرة، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
وقدامة بن مظعون [ (1) ] ، وعبد اللَّه بن مظعون [ (2) ] الجمحيان، وخباب بن الأرت [ (3) ] حليف بنى زهرة، وعمير بن أبى وقاص [ (4) ] ، وعبد اللَّه بن [مسعود] [ (5) ] حليف بنى زهرة [ (6) ] ، ومسعود بن القاري [ (7) ] ، وسليط بن عمرو [ (8) ] ، أخو بنى عامر بن لؤيّ، وعياش بن أبى ربيعة المخزوميّ [ (9) ] ، وامرأته أسماء بنت سلامة [ (10) ] ، وحنيش بن حذافة السهمىّ [ (11) ] ، وعامر بن ربيعة [ (12) ] ، حليف بنى عدىّ بن كعب، وعبد اللَّه بن جحش [ (13) ] الأسدي، وأبو أحمد بن جحش [ (14) ] ، وجعفر بن أبى طالب [ (15) ] ، وامرأته أسماء بنت عميس [ (16) ] ، وحاطب ابن الحارث الجمحيّ [ (17) ] ، وامرأته أسماء بنت المجلل [ (18) ] ، الخطاب بن [ (19) ]
الحارث [ (1) ] ، وامرأته فكيهة بنت يسار [ (2) ] ، ومعمر بن الحارث بن معمر الجحمي [ (3) ] ، والسائب بن عثمان مظعون [ (4) ] ، والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري [ (5) ] ، وامرأته رملة بنت أبى عوف بن صبيرة [ (6) ] ، [والنحام] واسمه نعيم ابن عبد اللَّه، أخو بنى عدىّ بن كعب [ (7) ] ، وعامر بن فهيرة، مولى أبى بكر [ (8) ] ، وخالد بن سعيد العاصي [ (9) ] ، وامرأته أميمة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة [بن سبيع بن حليفة بن سعد بن مليح بن عمرو] من خزاعة [ (10) ] ، وحاطب بن عبد شمس [ (11) ] أخو بنى عامر بن لؤيّ، وأبو حذيفة ابن عتبة بن ربيعة [ (12) ] وواقد بن عبد اللَّه التميميّ، حليف بن عدىّ بن كعب، خالد بن البكير، وإياس بن البكير، وعمار بن ياسر حليف بنى مخزوم
وصهيب بن سنان، وزاد غيره: وعامر بن البكير، وغافل بن البكير [ (1) ] ، وإياس بن البكير [ (2) ] وعمار بن ياسر [ (3) ] حليف بنى مخزوم وصهيب بن سنان [ (4) ] وزاد غيره: وقال ابن إسحاق [ (5) ] : ثم دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة، وتحدث به، فلما أسلم هؤلاء وفشا أمرهم، أعظمت ذلك قريش، وغضبت له، وأظهروا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البغي والحسد، وشخص له منهم رجال، فبدءوه وأصحابه بالعداوة، منهم أبو جهل بن هشام، وأبو لهب، وذكر أسماءهم. قال: حدثني رجل من أسلم- وكان واعية- أن أبا جهل بن هشام، اعترض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند الصفا، فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره من العيب لدينه، فذكر ذلك لحمزة بن عبد المطلب، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه، رفع القوس فضربه به ضربة، فشجه شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من بنى [المخزوم] إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت، فقال: وما يمنعني وقد استبان لي منه، أنا أشهد أنه رسول اللَّه، وأن الّذي يقوله حق، فو اللَّه [لا أنزع] ، فامنعوني إن كنتم صادقين. فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإنّي واللَّه قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا فلما أسلم حمزة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عرفت قريش أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عز وامتنع، فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولون به، وذكر الخبر ثم قال: وكان حمزة ممن أعز اللَّه الدين به [ (6) ] . وقال: أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن جده، قال: قال لنا عمر ابن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أتحبون أن أعلمكم كيف كان إسلامي؟ قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبينا أنا في يوم حار
شديد الحر بالهاجرة، في بعض طرق مكة، إذا لقيني رجل من قريش فقال: أين تريد يا ابن الخطاب؟ فقلت: أري [كذا وكذا] ، قال عجبا لك يا ابن الخطاب؟ أنت تزعم أنك كذلك، وقد أدخل عليك الأمر في بيتك قال: قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت، قال: فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أسلم الرجل والرجلان، ممن لا شيء له، ضمهما إلى الرجل الّذي في يديه السعة، لأنه من فضل طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختى رجلين، فلما قرعت البيت، قيل: من هذا؟ قلت: عمر بن الخطاب، فبادروا فاختفوا منى، وقد كانوا يقرءون في صحيفة بين أيديهم، تركوها أو دسوها، فقامت أختى تفتح الباب فقلت: يا عدوة نفسها أصبوت؟ وضربتها بشيء في يدي على رأسها، فسال الدم، فلما رأت الدم بكت وقالت يا ابن الخطاب، ما كنت فاعلا فافعل، فقد صبوت. قال: ودخلت حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة وسط البيت، فقلت: ما هذا؟ فتناولتها، فإذا فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* فلما مررت باسم من أسماء اللَّه [ذعرت] منه، فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها، فإذا فيها: سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ* يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ فقرأتها حتى بلغت: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [ (1) ] ، فقلت أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فخرجوا متبادرين وكبروا وقالوا: أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا يوم الاثنين فقال: اللَّهمّ أعز دينك
بأحب الرجلين إليك: إما أبو جهل بن هشام وإما عمر بن الخطاب [ (1) ] ، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما عرفوا الصدق منى قالوا: في بيت بأسفل الصفا، فخرجت حتى قرعت البيت عليهم، فقالوا: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وقد علموا من شدتي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وما يعلمون بإسلامي- فما اجترأ أحد بفتح الباب حتى قال: افتح له إن يرد اللَّه به خيرا بهذه، فقال: خلوا عنه، ثم أخذ بمجامع قميصي، ثم جذبني إليه، ثم قال: أسلم يا ابن الخطاب، اللَّهمّ اهده. فقلت: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وان محمدا عبده ورسوله، فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بفجاج مكة، وكانوا مستخفين، فلم أشأ أن أرى رجلا يضرب، فيضرب إلا رأيته، ولا يصيبني من ذلك شيء فخرجت حتى جئت خالي- وكان شريفا- فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب، فخرج إليّ فقلت: قد علمت أنى صبوت؟ قال: أوقد فعلت؟ قلت نعم، قال: لا تفعل، فقلت: قد فعلت، فدخل وأجاف الباب دوني. فقلت: ما هذا شيء فذهبت إلى رجل من عظماء قريش، فناديته، فخرج إلي فقلت: مثل مقالتي لخالي، وقال مثل ما قال، ودخل وأجاف الباب دوني. فقلت في نفسي ما هذا شيء إن المسلمين يضربون وأنا لا أضرب، فقال رجل: أتحب ان يعلم بإسلامك؟ قلت نعم، قال: فإذا جلس الناس في الحجر، فأت فلان- لرجل لا يكتم السر- فقل له فيما بينك وبينه: إني صبوت فإنه قل ما يكتم السر. قال: فجئت، وقد اجتمع الناس في الحجر، فقلت فيما بيني وبينه إني قد صبوت، قال: أو فعلت؟ [قلت] نعم، قال: فنادى بأعلى صوته: إن ابن الخطاب قد صبأ، فبادروا إليّ أولئك الناس، فما زلت أضربهم ويضربونني، واجتمع على الناس، قال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: عمر بن الخطاب قد صبأ.
وأما المستضعفون الذين عذبوا في الله
فقام على الحجر، وأشار بكمه هكذا، ألا إني قد أجرت ابن أختى، فتكشّفوا عنى، فكنت لا أشاء أن أرى رجلا من المسلمين يضرب ويضرب إلا رأيته، فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني، فأتيت خالي فقلت: جوارك عليك ردّ، فقل ما شئت، فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز اللَّه الإسلام. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: كان إسلام عمر بن الخطاب بعد خروج من خرج من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة، قال. حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة، عن أمه ليلى قالت: كان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، من أشد الناس علينا في إسلامنا. فلما تهيأنا للخروج من أرض الحبشة، جاءني عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأنا على بعير نريد أن نتوجه- فقال: أين تريدين يا أم عبد اللَّه؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض اللَّه، حيث لا نؤذى في عبادة اللَّه، فقال صحبكم اللَّه، ثم ذهب فجاء زوجي عامر بن ربيعة، وأخبرته بما رأيت من رقة عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال [ترحبين] يسلم؟ فقلت نعم، قال: واللَّه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب وهذا من شدته على المسلمين، ثم رزقه اللَّه الإسلام. قال ابن إسحاق: والمسلمون يومئذ بضع وأربعون رجلا وإحدى عشر امرأة [ (1) ] . وأما المستضعفون الذين عذبوا في اللَّه فإنّهم كانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار ليرجعوا إلى دينهم، وفيهم نزلت: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ [حِسابِكَ] عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (1) ] وهم: عمار بن ياسر [ (2) ] بن عامر بن مالك [بن كنانة بن قيس بن الحصين بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن مالك بن عبس بن زيد] أحد بنى عبس، أخى مر بن مالك بن أدد بن زيد أبو اليقظان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأبوه ياسر، وأمه سمية، [بنت سليم من لخم] ، وأخوه عبد اللَّه ابن ياسر. قال الواقدي: عن عبد اللَّه بن أبى عبيدة، عن أبيه قال: قال عمار بن ياسر: لقيت صهيب بن سنان، على باب الأرقم بن أبى الأرقم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها، فقلت له: ما تريد؟ فقال: ما تريد أنت؟ قلت: أريد [أن] أدخل على محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، قال: فدخلنا، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا ذاك، حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين، فكان إسلام عمار وصهيب بعد إسلام بضع وثلاثين رجلا. حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن أبى شيبة أبو بكر، حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبيّ، عن منصور عن مجاهد، فقال: أول من أظهر الإسلام سبعة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر، وبلال، وخباب، وصهيب، وعمار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وسمية أم عمار. قال: فأما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمنعه عمه، وأما أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فمنعه قومه، وأما الآخرون فلبسوا الدروع الحديد ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، فأعطوهم كل ما سألوا، فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيه ثم حملوا بجوانبه إلا بلال، فجعلوا في عنقه، ثم أمروا صبيانهم يشتدون به بين أخشبى مكة وجعل يقول: أحد أحد، وجاء أبو جهل إلى سمية، فطعنها في قبلها، فكانت أول شهيدة في في الإسلام لأنها أغلظت له في القول فأغضبته، وقيل: أو قتيل الحارث بن أبى هالة ابن خديجة.
قال الواقدي: عن عثمان بن محمد، عن الحارث بن الفضل، عن محمد بن كعب القرظي قال: أخبرنى من رأى عمار بن ياسر متجردا في سراويل، قال ونظرت إلى ظهره، فإذا فيه خط، قلت: ما هذا قال: هذا مما كانت قريش تعذبني به في رمضاء مكة. وحدثني عثمان بن محمد في إسناده قال: كان عمار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وكان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدرى ما يقول، وبلال، وعمار، وابن فهيرة، وقوم من المسلمين، وفيهم نزلت: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. [ (1) ] ويقال نزلت في أبى سلمة بن عبد الأسد وبلال [أول] من أذن في الإسلام، وعثمان بن مظعون وكانا أول من قدم المدينة. قال: وحدثنا محمد بن حاتم المروزي، حدثنا هيثم عن حصين، عن أبى مالك في قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [ (2) ] قال هو عمار. وحدثنا أبو صالح الفراء الأنطاكي، حدثنا أبو إسحاق الفرازي، عن عبد اللَّه بن المبارك، عن معمر عن عبد الكريم، عن أبى عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال: لما أخذ المشركون عمارا فعذبوه، لم يتركوه حتى سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخير، فلما أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما وراءك يا عمار؟ [قال] : شر واللَّه، ما تركني المشركون حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، قال وكيف تجدك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد، ونزلت فيه: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ. وحدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده عن أبى صالح عن أم هانئ أن عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وأخاه عبد اللَّه بن ياسر، وسمية أم عمار كانوا يعذبون في اللَّه، فمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أصبروا آل ياسر،
فإن موعدكم الجنة، فمات ياسر في العذاب، وأغلظت سمية لأبى جهل، فطعنها في قبلها فماتت، وزمن عبد اللَّه فسقط. وخباب بن الأرت [ (1) ] بن جندلة بن سعد بن خزيمة من بنى سعد بن زيد مناة بن تميم [حليف بنى زهرة ويقال: إنه من البحرين فأنبط، وأنه أسود ويقال هو خباب بن الأرت بن حدار بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد] ، وقع عليه رسا فصار إلى أم أنمار فأعتقته، وكان به رنة إذا تكلم فسمى الأرت، وكان قينا بمكة، فأسلم سادس ستة من بنى مظعون، وأبى سلمة، وجماعة قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم، فعذب في اللَّه، وجعلوا يلصقون ظهره بالأرض على الرضف، حتى ذهب ماء متنه. وقال مجاهد عن الشعبي، دخل خباب بن الأرت على عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأجلسه على متكأة، وقال: [ما على الأرض] أحد أحق بهذا المجلس منك، إلا رجل واحد، فقال: ومن هو يا أمير المؤمنين؟ قال بلال، قال: ما هو بحق منى، إن بلالا كان له من المشركين من يمنعه اللَّه به، ولم يكن لي أحد، لقد رأيتني يوما وقد أوقدوا لي نارا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت الأرض إلا بظهرى، ثم كشف خباب عن ظهره، فإذا هو قد برص. وقال هشام بن الكلبي، عن أبى صالح: كان خبابا قينا، وكان قد أسلم، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يألفه ويأتيه، فأخبرت بذلك مولاته، فكانت تأخذ الحديدة قد أحمتها، فتضعها على رأسه، فشكى ذلك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّهمّ انصر خبابا، فشتت مولاته- وهي أم أنمار- فكانت تعوى مع الكلاب، فقيل لها: اكتوى، فكان خباب يأخذ الحديدة وقد أحماها، فيكوى بها رأسها.
وذكر الواقدي أن الّذي كان يعذب خبابا حين أسلم، عتبة بن أبى وقاص، ويقال: الأسود بن عبد يغوث، قال: وهو الثبت، [توفى بالكوفة سنة سبع وثلاثين، منصرف على من صفين إلى الكوفة، وهو أول من توفى] من الصحابة. وصهيب بن سنان بن مالك [ (1) ] بن عمرو بن نفيل بن عقيل بن عامر بن جندلة بن خزيمة بن كعب بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط، [ويقال: إن [أمه امرأة] من تميم، يقال لها: سلمى بنت الحارث] ، أسلم مع عمار في دار الأرقم. قال: يزيد بن رومان، عن عروة: كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين يهزءون، فقال صهيب: نحن جلساء نبي اللَّه، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه، ولا خسيسة مع الإسلام، ولا عز مع الشرك، فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: أنتم الذين منّ اللَّه عليهم من بيننا [توفى سنة ثمان وثلاثين] . وبلال بن رباح [ (2) ] [مولى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان أسود مولدا من مواليد بنى جمح] كان أبوه رباح حبشيا [سبيا] وكان ابنه
بلال من مولدي السراة، وكانت أمه حمامة سبية، تلقب بسكينة، وأسلم قديما في أول ما دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقال: إنه كان الثالث في الإسلام، وكان لأمية ابن خلف، وكان أمية بن خلف يخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيلقيه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتوضع على صدره، ويقول: واللَّه لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد، فيقول: أحد أحد، ويضع أمية بن خلف في عنقه حبلا، ويأمر الصبيان فيجرونه، فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو يعذبه، فقال له: يا أمية! أما تتقى اللَّه في هذا المسكين؟ فقال: أنت أفسدته، فأنقذه. وكان بلالا تربا لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأحد من دعاه أبو بكر إلى الإسلام، فقال أبو بكر: عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى، وهو على دينك، فأعطيك إياه ثمنا لبلال، قال: قد قبلت، فأعطاه ذلك الغلام، وأخذ بلالا فأعتقه. وقال معمر عن قتادة: إن عمرو بن العاص قال: مررت ببلال وهو يعذب، ولو أنه بضعة لحم وضعت لنضجت، وهو [يقول] : أنا كافر باللات والعزى، وأمية يغاظ عليه، فيزيده عذابا فيقبل عليه، فيدعث حلقه، فيغشى عليه، ثم يفيق. وذكر الواقدي أن حسان بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: حججت، أو قال: اعتمرت، فرأيت بلالا في حبل طويل، يمده الصبيان، معه عامر بن فهيرة وهو يقول: أحد أحد، أنا كافر باللات، والعزى، وهبل، وإساف، ونائلة، فأضجعه أمية في الرمضاء. وقتل بلال أمية بن خلف يوم بدر، فقال أبو بكر: هنيئا زادك الرحمن عزا ... لقد أدركت ثأرك يا بلال [توفى سنة عشرين، وقيل غير ذلك، وكانت وفاته بدمشق] .
وعامر بن فهيرة، [يقال: إنه من عنز بن وائل، وأنه عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد اللَّه بن الحارث بن رفيدة بن عنز بن وائل العنزي وقيل في نسبه غير ذلك [ (1) ] . أسلم عامر قبل دخول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دار الأرقم، وكان من المستضعفين، فكان يعذب ليرجع عن دينه، حتى اشتراه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وأعتقه، وكان حسن الإسلام، وكان يرعى الغنم، واستشهد ببئر معونة. قال ابن إسحاق: عن هشام بن عروة عن أبيه، أن عامر بن الطفيل قال يومئذ: من رجل لما طعنته رفع حتى رأيت السماء دونه، رواه البكاري عن ابن إسحاق، وفي رواية يونس بن بكير عنه بهذا الإسناد، أن عامر بن الطفيل قدم المدينة بعد ذلك، وقال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يا محمد لما طعنته رفع إلى السماء؟ فقال: هو عامر بن فهيرة. وروى عبد الرزاق وابن المبارك، أن عامر بن فهيرة التمس في القتلى يومئذ ففقد، فيرون الملائكة قد رفعته أو دفنته.
وأبو فكيهة أفلح، وقيل: يسار كان عبدا لصفوان بن أمية الجمحيّ، فأسلم حين أسلم بلال [ (1) ] ، فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد أخذه أمية بن خلف فربط في رجله حبلا، وأمر به فجر، ثم ألقاه في الرمضاء، ومر به جعل، فقال له أمية: أليس هذا ربك؟ قال: اللَّه ربى خالقي، وخالقك، وخالق هذا الجعل، فغلظ عليه وجعل يخنقه، ومعه أخوه أبى ابن خلف يقول: زده عذابا، حتى يأتيه محمد فيخلصه بسحره، ولم يزل على تلك الحال حتى ظنوا أنه قد مات، ثم أفاق فمر به أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فاشتراه فأعتقه. وقال ابن عبد البر: كانوا يعذبونه، وإنه إنما كان لهم، فأخرجوه يوما مقيدا، نصف النهار إلى الرمضاء، ووضعوا على صدره صخرة حتى [دلع] لسانه، وقيل: قد مات، ثم أفاق، وقتل يوم بدر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وجارية بنى المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد اللَّه بن قرظ بن رازح ابن عدىّ، ويقال لها لبيبة، أسلمت [ (2) ] قبل إسلام عمر بن الخطاب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان عمر يعذبها حتى تفتر، فيدعها ثم يقول: أما أنى أعتذر إليك، ما أدعوك الا مسلمة، فتقول: كذلك يعذبك اللَّه إن لم تسلم. وذكر الواقدي: أن حسان بن ثابت قال: قدمت مكة معتمرا، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو الناس، وأصحابه يؤذون ويعذبون، فوقعت على عمر وهو مؤتزر، يخنق جارية بنى عمرو بن المؤمل حتى تسترخي في يده، فأقول: قد ماتت ثم
يخلى عنها، ثم يثب على زنيرة، فيفعل بها مثل ذلك، [قال: وكان أبو جهل يقول:] لا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمدا، فلو كان أمر محمد خيرا وحقا، ما سبقونا إليه، أفتسبقنا زنيرة إلى رشد وهي كما ترون؟ وكانت زنيرة قد عميت، فقال لها أبو جهل: إن اللات والعزى، بك ما ترين، فقالت هي، ولا تبصره: وما يدرى اللات والعزى من يعبدهما ممن لا يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربى قادر على أن يرد على بصرى، فأصبحت من تلك الليلة، وقد ردّ اللَّه عليها بصرها، فقالت قريش: هذا من سحر محمد، فاشترى أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه جارية بنى المؤمل، وزنيرة وأعتقهما، ويقال: أن زنيرة لبني مخزوم، وكان أبو جهل يعذبها. وكانت النهدية مولدة لبني نهد بن زيد فصارت لامرأة من بنى عبد الدار وأسلمت، فكانت تعذبها وتقول: واللَّه لا أقلعت عنك أو يعتقك بعض صباتك، فأتاها أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقها، وكان معها طحين، ويقال: نوى لمولاتها يوم أعتقها، فردته عليها. وكانت أم عبيس [ (1) ] بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أمة لبني زهرة، وكان الأسود بن عبد يغوث يعذبها، فابتاعها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقها.
قال الواقدي عن ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أبى غطفان، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] أنه قال له: هل كان المشركون يبلغون من المسلمين من العذاب ما يعذرون به من ترك دينهم؟ قال: نعم، إن كانوا ليضربون أحدهم، ويجيعونه ويعطشونه، ويضربونه حتى ما يقدر أن يقعد، فيعطهم ما سألوه من الفتنة، ويقولون له: اللات والعزى إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم، حتى إن الجعل ليمر، فيقولون: إن هذا الجعل إلا إلهك من دون اللَّه؟ فيقول: نعم، افتداء منهم بما يبذلون من جهده، فإذا أفاق رجع إلى التوحيد. وقال الكلبي: عذب قوم لا عشائر لهم ولا مانع منهم، فبعضهم ارتد، وبعضهم أقام على الإسلام، وبعضهم أعطى ما أريد منهم من غير اعتقاد منه للكفر، وكان قوم من الأشراف قد أسلموا، ثم فتنوا، منهم سلمة بن هشام بن المغيرة، والوليد بن الوليد بن المغيرة، وعياش بن أبى ربيعة، وهشام بن العاص السهمي. قالوا: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه: عمار، وخباب، وصهيب، وبلال، وأبو فكيهة، وعامر بن فهيرة، وأشباههم من المسلمين، فيقول بعض قريش لبعض [ما هو] ولا جلساؤه كما ترون قد من اللَّه عليهم من بيننا، فأنزل اللَّه [عز وجل] : أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ (1) ] ونزل فيهم: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (2) ] ونزل فيهم: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ* الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [ (3) ] ونزل
وأما المهاجرون إلى الحبشة
فيهم: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [ (1) ] وكان مجاهد يقول: يعنى الذين تكلموا بما تكلموا به وهم مكرهون. قال [الواقدي] : عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: كان أبو جهل يأتى الرجل الشريف إذا أسلم، فيقول له: أتترك دين أبيك وتقيل رأيه، وتضع شرفه؟ وإن كان تاجرا قال له: ستكسد تجارتك، ويهلك مالك، وإن كان ضعيفا أغرى به حتى يعذب، فأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه فهاجروا إلى الحبشة. وأما المهاجرون إلى الحبشة [ (2) ] فإنه خرجت طائفة أولى، ثم خرجت طائفة بعدها، فكانت الأولى اثنى عشر رجلا وأربع نسوة، وقيل: أحد عشر وامرأتان، وقيل: كانوا عشر رجال وأربع نسوة، وأميرهم عثمان بن مظعون، وأنكر الزهري ذلك وقال: لم يكن لهم أمير. قال قتادة: أول من هاجر إلى اللَّه بأهله عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (3) ] .
قال: سمعت النضر بن أنس يقول: سمعت أبا حمزة- يعنى أنسا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، يقول: خرج عثمان بن عفان، ومعه رقية بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أرض الحبشة، فأبطأ على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم، فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد! قد رأيت ختنك ومعه امرأته، قال: على أي حال رأيتينهما؟ قالت: رأيته قد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صحبهم اللَّه، إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط. وذكر الواقدي أن الهجرة الثانية إلى الحبشة كانت سنة خمس من المبعث. وخرج أبو داود الطيالسي، عن خديج بن معاوية، عن أبى إسحاق أن عن عبد اللَّه بن عتبة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى النجاشي [ (1) ] ونحن ثمانون رجلا، معنا جعفر بن أبى طالب، وعثمان بن عفان، فذكره.
وأما من أسلم قبل الفتح
وأما من أسلم قبل الفتح فقد قال تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ (1) ] .
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] ، من حديث شعبة عن الأعمش، سمعت ذكوان يحدث عن أبى سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أصحابى فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. ذكره البخاري في مناقب أبى بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وذكره مسلم [ (3) ] في آخر المناقب من طريق الأعمش، عن أبى صالح عن أبى سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد، وبين عبد الرحمن بن عوف
شيء، فسبه خالد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أحدا من أصحابى فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه. كذا وقع في كتاب مسلم في هذا الحديث، عن أبى معاوية عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى هريرة، ولعله وهم من مسلم، أو ممن كتب عنه وإنما الحديث عن أبى سعيد الخدريّ، وهكذا هو في مسند ابن أبى شيبة، وفي كتاب الترمذي وغيرهما، ويدل على الوهم في ذلك قول مسلم بعد ما أورده من رواية وكيع، ومعاذ، وشعبه عن الأعمش، بإسناد جرير وأبى معاوية، [و] إنما تدل هذه الإحالة على أمر متفق، لا مختلف. وخرجه أبو داود [ (2) ] الترمذي [ (3) ] ، من حديث أبى معاوية، عن الأعمش، عن أبى صالح، عن أبى سعيد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: نصيفه، يعنى نصف المد. وقال أبو بكر محمد بن أبى نصر الحميدي في كتابه، بعد ذكره حديث الأعمش: رواه أبو بكر البرقاني في كتابه (المخرج على الصحيح) ، من حديث أبى بكر بن عياش عن الأعمش، وفيه: لا تسبوا أصحابى، دعوا لي أصحابى، فإن أحدكم لو أنفق كل يوم مثل أحد ذهبا لم يبلغ مدّ أحدهم، قال أبو بكر البرقاني: قوله: كل يوم، حسن مليح.
وقال سعيد بن منصور المكيّ في كتابه (الزهد) : حدثني سفيان عن زيد بن أسلم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يأتى قوم من ها هنا- وأشار بيده نحو اليمين- تحتقرون أعمالكم عند أعمالهم، قالوا: فنحن خير أم هم؟ قال: بل أنتم، لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، فضلت هذه الآية بيننا وبين الناس: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا [وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ] . حديث مرسل. وقال أبو عمر بن عبد البرّ: فضّل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جماعة من أصحابه بفضائل، وسمهم بها، وذكرهم فيها، ولم يأت عنه أنه فضّل منهم واحد على صاحبه بعينه من وجه يصح، ولكنه ذكر من فضائلهم، ما يستدل به على مواضعهم ومنازلهم من الفضل، والدين، [و] العلم. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم أحلم وأكرم معاشرة، وأعلم بمحاسن الأخلاق، من أن يواجه فاضلا منهم، بأن غيره أفضل منه، فيجد من ذلك في نفسه، بل فضل السابقين منهم، وأهل الاختصاص به، على من لم ينل منازلهم، فقال لهم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه، وهذا معنى قول اللَّه تعالى: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا ومحال أن يستوي من قاتله صلّى اللَّه عليه وسلّم، مع من قاتل عنه. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لبعض من لم يشهد بدرا وقد رآه يمشى بين يدي أبى بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: تمشى بين يدي من هو خير منك؟! لأنه كان أعلمهما، ذلك في الجملة، لمن شهد بدرا والحديبيّة، ولكل طبقة منهم منزلة معروفة، وحال موصوفة، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [1] تحت الشجرة بالحديبية
وأما الذين شهدوا بدرا وبيعة الرضوان [ (1) ] تحت الشجرة بالحديبية فخرج الإمام أحمد من حديث هشام، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: كان عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو أربعة عشر، أحد العددين. ومن حديث سفيان قال: حدثنا أبو إسحاق، حدثنا البراء بن عازب قال: كنا- يعنى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- نتحدث أن عدة أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، كعدد أصحاب طالوت الذين جازوا، وما جاز معه النهر إلا مؤمن.
وقال ابن إسحاق [ (1) ] : جميع من شهد بدرا من المسلمين، من المهاجرين والأنصار، ثلاثمائة رجل، وأربعة عشر رجلا: من المهاجرين ثلاثة وثمانون، ومن الأوس أحد وستون، ومن الخزرج مائة وسبعون. وقال ابن جريج: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: كنا بالحديبية أربعة عشر مائة.... الحديث. وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب: كم كانوا الذين شهدوا بيعة الرضوان، قال: أربع عشر مائة، قال: رحم اللَّه جابرا، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة. ولأحمد بن حنبل [ (2) ] من حديث سفيان، عن عمرو قال: سمعت جابر ابن عبد اللَّه يقول: كنا يوم الحديبيّة أنا وأربع عشر مائة، فقال [لنا] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنتم اليوم خير أهل الأرض. وقال معقل بن يسار، وعبد اللَّه بن أبى أوفى- وكانا ممن شهد البيعة تحت الشجرة- كانوا ألفا [وأربعمائة] . وخرج
البخاري [ (1) ] في آخر الجهاد من حديث هيثم، أنبأنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن- وكان عثمانيا فقال لابن عطية- وكان علويا-: إني لا أعلم ما الّذي جرأ صاحبك على الدماء، سمعته يقول: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير فقال: ائتوا روضة كذا، وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا، فأتينا الروضة فقلنا: الكتاب؟ فقالت: لم يعطني، قلنا لتخرجنه أو لأجردنك، فأخرجت من حجزتها، فأرسل الى حاطب فقال: لا تعجل، واللَّه ما كفرت، ولا ازددت للإسلام إلا حبا، ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع اللَّه به عن أهله وماله، ولم يكن لي أحد، فأحببت أن أتخذ عندهم يدا. فصدقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: دعني أضرب عنقه، فإنه قد نافق، فقال: وما يدريك لعل اللَّه أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم، فهذا الّذي جرّأه.
وخرجه [ (1) ] في كتاب استتابه المرتدين بأبسط من هذا، لفظه: فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الّذي جرأ صاحبك على الدماء- يعني
عليا- قال: ما هو لا أبا لك؟ قال: شيء سمعته يقول، قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير وأبا مرثد- وكلنا فارس- قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ- قال أبو سلمة: هكذا قال أبو عوانة خاخ- فإن امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبى بلتعة إلى المشركين فأتوني بها. فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تسير على بعير لها، وكان إلى أهل مكة بمسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم. فقلنا: أين الكتاب الّذي معك؟ قالت: ما معى كتاب. فأنخنا بها بعيرها، فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا. فقال صاحباي ما نرى معها كتابا، قال فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم حلف على: والّذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك. فأهوت إلى حجزتها- وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة، فأتوا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عمر: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فأضرب عنقه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول اللَّه، وما لي أن لا أكون مؤمنا باللَّه ورسوله، ولكنى أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها أهلي ومالي، وليس
من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع اللَّه به عن أهله وماله. قال: صدق، لا تقولوا له إلا خيرا. قال فعاد عمر فقال: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فلأضرب عنقه قال: أو ليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل اللَّه اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكن الجنة، فاغرورقت عيناه فقال: ورسوله أعلم، وهو مما أتفقا على إخراجه. ولمسلم [ (1) ] من حديث الليث عن أبى الزبير، عن جابر، أن عبدا لحاطب جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يشكو] حاطبا، فقال: يا رسول اللَّه! ليدخلن حاطب النار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبيّة. وخرجه النسائي أيضا، ولمسلم [ (2) ] من حديث ابن جريج، أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول:
أخبرتنى أم مبشر، أنها سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول عن حفصة: لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها، قالت: بلى يا رسول اللَّه! فانتهرها، فقالت حفصة: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [ (1) ] ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد قال اللَّه عز وجل: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [ (2) ] ، وخرجه [ (3) ] أبو بكر بن أبى شيبة والترمذي [ (4) ] بمعناه. [وقال أبو بكر بن أبى شيبة [ (5) ] : حدثنا وكيع، حدثنا إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي قال: أول من بايع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيعة الرضوان، أبو سنان الأسدي] .
وأما رفقاؤه النجباء
وأما رفقاؤه النجباء [فعلى [ (1) ] ، وأبناؤه [ (2) ] ، جعفر، أبو بكر [ (3) ] ، عثمان [ (4) ] ، عمر [ (5) ] ، أبو ذر [ (6) ] ، المقداد [ (7) ] ، وعمار بن ياسر، وبلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
وسلمان [ (1) ] ، وحذيفة [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن مسعود [ (3) ] ،
وأما أهل الفتيا من أصحابه رضي الله تبارك وتعالى عنهم
وأما أهل الفتيا من أصحابه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم [قال ابن سيده: أفتاه في الأمر، أبانه له والفتيا، والفتوى: ما أفتى به الفقيه] . روى: عكرمة بن خالد، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] ، أنه سئل عن من كان يفتى زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: أبو بكر وعمر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، لا أعلم غيرهما. وقال القاسم بن محمد: كان أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلى، يفتون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروى موسى بن ميسرة، عن محمد بن سهيل بن أبى خيثمة، عن أبيه قال: كان الذين يفتون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثلاثة من المهاجرين، عمر، عثمان، وعلى، رضى اللَّه تبارك وتعالى تعالى عنهم، وثلاثة من الأنصار: أبى بن كعب [ (1) ] ،
ومعاذ بن جبل [ (1) ] ، وزيد بن ثابت [ (2) ] ، رضي اللَّه تعالى عنهم، ذكره ابن [سعد في (الطبقات) ] . صاهلة بن الحارث [وذكر أبو محمد بن حزم أن كل من روى عنه ولو مسألة واحدة فأكثر من الصحابة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، لم يبلغوا مائة وأربعين، منهم سبعة مكثرون، وثلاثة عشر متوسطون، وسائرهم مقلون جدا، لا يجتمع من جميع فتياهم كلهم، إلا جزء صغير، لا يبلغ عشرة أوراق، إلى عمر، وعلى، وعبد اللَّه، ومعاذ، وأبى الدرداء، وزيد بن ثابت، فشاممت هؤلاء الستة، فوجدت علمهم انتهى إلى عليّ، وعبد اللَّه] . [وعن زهير بن معاوية، أخبرنا جابر، عن عامر قال: كان هؤلاء الأمة بعد نبيها صلّى اللَّه عليه وسلّم ستة: عمر، وعبد اللَّه، وزيد بن ثابت، فإذا قال عمر قولا وقال هذان قولا، كان قولهما لقوله تبعا- وعليّ، وأبى بن كعب، وأبو
موسى الأشعري [ (1) ] ، فإذا قال عليّ قولا، وقال هذان قولا، كان قولهما لقوله تبعا] . [وعن مطرف [ (2) ] قال: حدثني عامر عن مسروق، قال: كان أصحاب الفتوى من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عمر، وعلى، وابن مسعود، وزيد، وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري.] [وعن عامر الشعبي [ (3) ] قال: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلى، وزيد، وأبو موسى الأشعري، ووصاة هذه الأمة أربعة: عمرو بن
العاص [ (1) ] ، ومعاوية بن أبى سفيان [ (2) ] ، والمغيرة بن شعبة [ (3) ] ، وزياد [ (4) ]] . [وعن زياد بن مينا، كان ابن عباس [ (5) ] ، ابن عمر [ (6) ] ، أبو سعيد
الخدريّ [ (1) ] ، أبو هريرة [ (2) ] ، عبد اللَّه بن عمرو بن العاص [ (3) ] ، جابر بن عبد اللَّه [ (4) ] ، رافع بن خديج [ (5) ] ، وسلمة بن
الأكوع [ (1) ] ، وأبو واقد الليثي [ (2) ] ، وعبد اللَّه بن بحينة [ (3) ] ، مع أشباه لهم، من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من لدن توفى عثمان إلى أن توفوا، والذين صارت إليهم الفتوى منهم: ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو هريرة، وجابر بن عبد اللَّه] . [وقال أبو محمد [بن] حزم: وقد غزا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هوازن بحنين، في اثنى عشر ألفا، كلهم يقع عليه اسم الصحبة، ثم غزا تبوك في أكثر من ذلك، ووفد عليه وفود جميع قبائل العرب، وكلهم صاحب، وعددهم بلا شك يبلغ أزيد من ثلاثين ألف إنسان، ووفد عليه أيضا وفود الجن فأسلموا، وصح لهم اسم الصحبة، وأخذوا عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، القرآن وشرائع الإسلام، وكل من ذكرنا ممن لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ عنه، فكل امرئ منهم إنسهم وجنهم، فبلا شك أنه أفتى أهله وجيرانه وقومه، هذا أمر يعلم ضرورة] .
[ثم لم ترو الفتيا في العبادات والأحكام، إلا عن مائة ونيف وثلاثين [أو] أربعين منهم فقط، من رجل وامرأة، بعد [التدقيق] الشديد، قال المكثرون فيما روى عنهم من الفتيا: عائشة أم المؤمنين، عمر بن الخطاب، ابنه عبد اللَّه، على بن أبى طالب، عبد اللَّه بن العباس، عبد اللَّه بن مسعود زيد بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فهم سبعة فقط، يمكن أن يجمع من في كل واحد منهم سفر ضخم] . [وقد جمع أبو محمد بن موسى بن أمير المؤمنين المأمورية، في عبد اللَّه بن العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، في عشرين كتابا، وأبو بكر المذكور، أحد الأئمة في العلم والحديث] . [والمتوسطون منهم في ما روى عنهم من الفتيا: أم سلمة [ (1) ] أم المؤمنين، أنس بن مالك [ (2) ] ، أبو سعيد الخدريّ، أبو هريرة، عثمان بن عفان، عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، عبد اللَّه بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وسعد بن أبى وقاص [ (3) ] ، و
سلمان الفارسي [ (1) ] ، وجابر بن عبد اللَّه، ومعاذ بن جبل، وأبو بكر الصديق، فهم ثلاثة عشر فقط، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، يمكن أن يجمع من في كل امرئ منهم جزء صغير، ويضاف إليهم أيضا: طلحة [ (2) ] ، الزبير [ (3) ] ، عبد الرحمن بن
عوف [ (1) ] ، عمران بن الحصين [ (2) ] ، أبو بكرة [ (3) ] ، عبادة بن الصامت [ (4) ] ، معاوية ابن أبى سفيان] .
[والباقون منهم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم مقلون في الفتيا جدا، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان، والزيادة اليسيرة على ذلك فقط، يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث: أبو الدرداء [ (1) ] ، أبو اليسر [ (2) ] ، أبو سلمة المخزومي [ (3) ] ، أبو عبيدة ابن الجراح [ (4) ] ، سعيد
بن زيد [ (1) ] ، الحسن، الحسين ابنا عليّ، والنعمان بن بشير [ (2) ] ، وأبو مسعود [ (3) ] ، وأبىّ بن كعب [ (4) ] ، وأبو أيوب [ (5) ] ، وأبو طلحة [ (6) ] ، وأبو ذر [ (7) ] ، وأم عطية [ (8) ] ، وصفية أم المؤمنين، وحفصة أم المؤمنين،
وأم حبيبة أم المؤمنين، وأسامة بن زيد [ (1) ] ، وجعفر بن أبى طالب [ (2) ] ، والبراء بن عازب [ (3) ] ، وقرظة بن كعب [ (4) ] ، وأبو عبد اللَّه البصري [ (5) ] ، ونافع [ (6) ] أخوه لأمه، والمقداد بن الأسود [ (7) ] ، وأبو السائل بن بعكك [ (8) ] ،
والجارود العبديّ [ (1) ] ، وليلى بنت قائف [ (2) ] ، وأبو محذورة [ (3) ] ، وأبو شريح الكعبي [ (4) ] ، وأبو برزة الأسلمي [ (5) ] ، وأسماء بنت أبى بكر [ (6) ] ، وأم شريك [ (7) ] ،
والحولاء [ (1) ] بنت تويت، وأسيد بن الحضير [ (2) ] ، والضحاك بن قيس [ (3) ] ، وحبيب ابن مسلمة [ (4) ] ، و [حبيب بن أوس] [ (5) ] ، وحذيفة بن اليمان [ (6) ] ، وثمامة بن أثال [ (7) ]
وعمار بن ياسر [ (1) ] ، وعمر بن الغادية السلمي [ (2) ] ، وأم الدرداء الكبرى [ (3) ] ، والضحاك بن حذيفة المازني [ (4) ] ، والحكم بن عمرو الغفاريّ [ (5) ] ، ووابصة بن معبد الأسدي [ (6) ] ، وعبد اللَّه بن جعفر [ (7) ] ، وعوف بن مالك [ (8) ] ، وعبيد اللَّه بن
سلام [ (1) ] ، وعمر بن عبسة [ (2) ] ، وعتاب بن أسيد [ (3) ] ، وعثمان بن أبى العاص [ (4) ] ، وعبد اللَّه بن سرجس [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن رواحة [ (6) ] ، وعقيل بن
أبى طالب [ (1) ] ، وعائذ بن عمرو [ (2) ] ، وأبو قتادة [ (3) ] ، وعبد اللَّه بن معمر العدوي [ (4) ] ، وعمير بن سعد [ (5) ] ، وعبد اللَّه ابن أبى بكر [ (6) ] الصديق، وعبد
الرحمن بن أبى بكر الصديق [ (1) ] ، وعاتكة بنت زيد بن عمر [ (2) ] ، وعبد الرحمن ابن عوف الزهري [ (3) ] ، وسعد بن معاذ [ (4) ] ، وأبو منيب [ (5) ] ، وسعد بن
عبادة [ (1) ] ، وقيس بن سعد [ (2) ] ، وعبد الرحمن ابن سهل [ (3) ] ، وسمرة بن جندب [ (4) ] ، وسهل بن سعد الساعدي [ (5) ] ، ومعاوية بن مقرن [ (6) ] ، والسويد بن المقرن [ (7) ] ، ومعاوية بن الأرقم [ (8) ] ، وجرير بن عبد اللَّه.
البجلي [ (1) ] ، وجابر بن سمرة [ (2) ] ، و [جويرية] أم المؤمنين [ (3) ] ، وحسان بن ثابت [ (4) ] ، وحبيب بن عدىّ [ (5) ] ، وقدامة بن مظعون [ (6) ] ، وعثمان بن مظعون [ (7) ] ،
وميمونة أم المؤمنين [ (1) ] ، ومالك بن الحويرث [ (2) ] ، وأبو أمامة الباهلي [ (3) ] ، ومحمد بن مسلمة [ (4) ] ، وخباب بن الأرت [ (5) ] ، وخالد بن الوليد [ (6) ] ، وضمرة بن
بن مسلمة [ (1) ] ، وخباب بن الأرت [ (2) ] ، وخالد بن الوليد [ (3) ] ، وضمرة بن الفيض [ (4) ] ، وطارق بن شهاب [ (5) ] ، وضهير بن رافع [ (6) ] ، ورافع بن خديج [ (7) ] ، وفاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (8) ] .
[فاطمة بنت قيس [ (1) ] ، هشام بن الحكيم بن حزام [ (2) ] ، أبو حكيم بن حزام [ (3) ] ، شرحبيل بن السمط [ (4) ] ، أم سليم [ (5) ] ، دحية بن خليفة الكلبي [ (6) ] ، ثابت
ابن قيس ابن الشماسى [ (1) ] ، ثوبان [ (2) ] مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، سرف بن المغيرة ابن شعبة [ (3) ] ، يزيد بن الحصيب الأسلمي [ (4) ] ، رويفع بن ثابت [ (5) ] أبو حميد [ (6) ] ،
وفضالة بن عبيد [ (1) ] ، رجل يعرف بأبي محمد- روينا عنه- وحرب بن الوثن [ (2) ] ، وزينب بنت أم سلمة [ (3) ] ، وعقبة بن مسعود [ (4) ] ، وبلال المؤذن [ (5) ] ،
ومكرز [ (1) ] ، وعرفه بن الحارث [ (2) ] ، وسيار بن روح [ (3) ] ، وروح بن سيار، وسعيد بن المعلى [ (4) ] ، والعباس بن عبد المطلب [ (5) ] ، ولبيد بن أرطاة [ (6) ] ، وصهيب بن سنان [ (7) ] ، وأم أيمن [ (8) ] ، وأم يوسف [ (9) ] ، وماعز الغامدي [ (10) ]] .
[وذكر ابن سعد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أن أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشورة أهل الرأى وأهل الفقه، [دعا] رجلا من المهاجرين والأنصار، [و] دعا عمر، وعثمان وعليا، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبىّ بن كعب، وزيد بن ثابت، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وكل هؤلاء كان يفتى في خلافة أبى بكر، وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤلاء، فمضى أبو بكر ذلك، ثم ولى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان [يدعو] هؤلاء النفر، وكانت الفتوى تصير إليهم وهو خليفة، إلى عثمان، وأبىّ وزيد] .
فصل في ذكر أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم
[وعن عبد اللَّه بن دينار الأسلمي عن أبيه، قال: كان عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يستشير في خلافته إذا حزبه الأمر أهل الشورى [من] الأنصار: معاذ بن جبل، وأبىّ بن كعب، وزيد بن ثابت.] [وعن مسروق قال: شاممت أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة] . فصل في ذكر أنصار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الأنصار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم قبيل عظيم من الأزد وليست هذه التسمية لأب، ولأم، بل لنصرتهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد سماهم اللَّه تعالى بذلك في كتابه العزيز، وأثنى عليهم، قال تعالى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ (1) ] وقال: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (2) ] . وقال قتادة في قوله: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [ (3) ] ، قال: كان ذلك بحمد اللَّه، جاءه سبعون رجلا فبايعوه عند العقبة فنصروه، وآووه حتى أظهر اللَّه دينه. قال: ولم يسم حي من الناس باسم لم يكن لهم إلا هم. وعن غيلان بن حرب، قلت لأنس بن مالك: أرأيت اسم الأنصار اسم سماكم به اللَّه، أم كنتم تسمون به؟ قال: بل اسم سمانا اللَّه [تعالى] به.
وقال النعمان بن بشير الأنصاري: يا سعد لا تعد الدعاء فما لنا ... نسب نجيب به سوى الأنصار نسب تخيره الإله لقومنا ... أثقل به نسبا على الكفار إن الذين ثووا ببدر منكمو ... يوم القليبة هم وقود النار والأنصار: جمع نصير، مثل شريف وأشراف، وقد جاء النسب إليهم بلفظ الجمع، خلافا للقياس، كما جاء في أمثاله من النوادر. والأنصار كانوا يسمون أولاد قيلة، والأوس، والخزرج، لأنهم ولد الأوس، والخزرج أبناء حارث بن ثعلبة، وهو العنقاء بن عمرو، وهو مزيقياء بن عامر، وهو ماء السماء بن حارثة، وهو الغطريف ثم امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. هكذا يقول الأنصار. وكان الكلبي [ (1) ] وغيره يقولون: عمرو، مزيقاء بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد. والأزد اسمه أدد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبإ- واسمه عامر- وسمى سبأ لأنه أول من سبا السبي. وكان يدعى أيضا عبد شمس بن حسنة بن يشجب بن يعرف، وهو المرعف بن يقطن، وهو قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح عليه السّلام، على اختلاف في بعض ذلك. وأم الأوس والخزرج: قيلة ابنة كاهل بن عذرة بن سعيد بن زيد بن ليت بن سؤدد بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. قال هشام بن الكلبي: هكذا [نسبها] أبى والنساب كلهم، وقالت الأنصار: هي قيلة بنت الأرقم بن عمرو ابن جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء. واللَّه [تبارك وتعالى] أعلم [ (2) ] .
فصل في ذكر نزول الأوس والخزرج يثرب
فصل في ذكر نزول الأوس والخزرج يثرب اعلم أن مواطن العرب في الدهر الأول، والزمن الغابر، كانت باليمن، ومدينة ملكهم مأرب، فلما قام في الملك بمأرب عمر بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، سمى مزيقياء، لأنه كان له حلة يمانية من ذهب، منظومة بالجوهر، تعمل في حول كامل، فإذا خرج وقد لبسها يوم عيده وعاد إلى قصره وقف لرجاله ومزقها قطعا، كي لا يلبسها أحد بعده [ (1) ] . وأخذ هذه السنة عن ذي القرنين، الصعب بن ذي مراثد، وفي أيامه خرب سد مأرب، ومزّق اللَّه العرب كل ممزق، كما قال اللَّه تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي [مَسْكَنِهِمْ] آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ* ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ* وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ* فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [ (2) ] . وكان عمرو بن عامر عنده أثارة من علم بخراب سد مأرب [ (3) ] ، [وتمزقهم] في البلاد، فعمل حيلة حتى باع عقاره بمأر، وخرج بأهله وولده
فتبعه الأزد كلها، فساروا حتى نزلوا على عك [ (1) ] ، وأقاموا بأرضهم مدة، فمات عمرو بن عامر، وقام من بعده ابنه [ثعلبة العنقاء] بن عمرو بن عامر بعهده إليه، فكانت بين قومه وبين عك [ (1) ] حروب، آلت إلى مسير ثعلبة [بمن] معه، ونزولهم في أرض همدان، وإخراجهم [منها] بعد حروب [كبيرة] ، ثم رحل عنها، وعادت همدان إليها. فمضى ثعلبة بقومه إلى نجران، وبها مدحج، فنزلوا معهم ثم احتربوا شهرا كاملا، حتى فرق بينهم سيل العرم، [وقد] خرب سد مأرب، فأتى السيل أرض مدحج، وهم في محاربة ثعلبة وقومه، فولوا هاربين، ونزل ثعلبة بقومه في أرض السراة، بعد ما تخلت عنه طوائف، وأقاموا بعدة مواضع.
وسار حارثة بن ثعلبة بابني الأوس والخزرج إلى يثرب، فأدركه أبوه ثعلبة قريب مكة، فلما مروا بمكة وبها جرهم، قاتلهم جرهم، فمضوا إلى الجحفة، وسار ثعلبة إلى الشام فمات، وقام من بعده ابنه حارثة بن ثعلبة، فنزل الشام وبها سليخ من قبل الروم، فنزلوا معهم حتى أتاهم جابى قيصر ملك الروم لأخذ الإتاوة، فأنف حارثة وقومه من ذلك، وجرت لهم [مع الروم] خطوب، آخرها أن سار حارثة وولده الأوس والخزرج و [بنو] أبيه إلى يثرب، وأقام بنو ضعيف بن عمرو بن عامر وأخوهم بالشام مع سليخ. وكان بيثرب يومئذ اليهود، وملكهم شريف بن كعب، فكتب بينه وبين حارثة بن ثعلبة كتاب عهد، أقاموا زمانا في هدوء، ثم وقع الشر بينهم واقتتلوا فقتل من اليهود عددا كبير، وملكت العرب المدينة بما فيها، فاجتمع يهود تيماء، وخبير، وفدك، والعوالي على حربهم، فآل أمرهم إلى الصلح. ونزل الأوس والخزرج بيثرب، وعمروها بجموعهم، فمات الملك حارثة ثم ثعلبة العنقاء، وقام من بعده ابنه العجلاء بن حارثة، وثارت يهود والأوس والخزرج، فقتلوا، وسلبوا، ونهبوا، فبعثوا إلى جبلة بن عمرو بن جبلة، ملك غسان يستصرخه، فأقبل من الشام لنصرتهم على اليهود، وحاربهم فقتل ملكهم شريف بن كعب في جمع كبير منهم، حتى ذلوا له، ثم عاد إلى الشام، فمات في طريقه. وقام من بعده ابنه الحارث بن الجبلة، فسار إليه مالك بن العجلان ليهنئه بالملك، ففقد ليلا في بنى قريظة، وقد عرش بمنازلهم، فأوقع بهم العجلان، وقتل منهم بضعا وثمانون رجلا بحيل دبرها، وكان قد قام بأمر اليهود بعد ملكهم شريف بن كعب، ابنه القيطون بن شريف- واسمه جونى، والقيطون لقب- فجمع يهود الحجاز، وتيماء، وفدك، والعوالي، وزحف إلى يثرب، فكان بينه وبين الأوس والخزرج قتال شديد، قتل فيه كثير من الفريقين فبعث العجلان يستنصر بطيئ وهم بأطراف نجد، فأتوه، وهزموا اليهود، وقتل القيطون في عدد كبير من قومه.
وأقامت الأوس والخزرج بعد ذلك دهرا طويلا من الزمن بغير منازع حتى كثروا، وضاقت وبمن معهم من قبائل غسان أرض يثرب، فسارت قبائل غسان إلى الشام حتى لم يبق [بيثرب] إلا الأوس والخزرج، وبنو الحشحاش ابن جدع بن سنان. فلما رأت ذلك اليهود، جمعهم ملكهم لحرب العرب، واستصرخ بعملوق الطسمى، من أرض اليمامة، وبدليل بن شريك الجديسى، وبكامل بن علقمة الراسبي، فأتوه في جيوش عظيمة، وحصروا يثرب وقتلوا عدة من رجال الأوس والخزج، وسبوا النساء والذرية، فنزل بهم بلاء كبير من اليهود، وانقطع منهم الملك والتيجان من حينئذ، حتى جاء اللَّه بالإسلام.
فصل في ذكر بطون الأوس والخزرج
فصل في ذكر بطون الأوس والخزرج أما الأوس فإنّها ترجع إلى أوس بن حارثة، ولم يكن له ولد إلا مالك، وكان لأخيه الخزرج خمسة: عمرو، وعوف، وجشم، والحارث، وكعب، فقال للأوس قومه: أمرناك بالنزوح فلم تفعل، فقال: لم يهلك هالك ترك مثل مالك، وإن كان الخزرج ذا عدد وليس لمالك ولد، فلعل الّذي استخرج العرق من الجريمة، والنار من الوثيمة، أن يجعل لمالك نسلا ورجالا، بكلام في كلام بليغ. واعلم أن بطون الأوس والخزرج كثيرة، وأشهر بطون الأوس: عبد الأشهل بن [جشم] بن الحارث بن الخزرج بن عمرو النبيت بن مالك بن الأوس، وأمه صخرة ابنة ظفر بن الخزرج بن عمرو النبيت. وحارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس. وظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس. وخطمة، واسمه عبد اللَّه بن جشم بن مالك بن الأوس. وواقف، واسمه مالك بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس. والسلم ابن امرئ القيس بن مالك بن الأوس. ووائل بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس. وأمية بن زيد بن قيس بن عامر بن مرة بن مالك بن الأوس. وعمرو ابن عوف بن مالك بن الأوس. وفيهم بطون منها: أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف. وضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وعبيد [بن] زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف. ويقال لآل حنش: أهل عوف. وحنش بن عوف ومعاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف وحنش بن عوف بن عمرو بن عوف، ويقال لأهل حنش: أهل المسجد وحجاج ابن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف. وثعلبة بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس. وبنو السميعة، وهم بنو لوذان بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وكان يقال لهم: الصماء، فسألهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أنتم؟ فقالوا: نحن بنو
الصماء، فقال أنتم بنو السميعة، وهي من بلقين. وحبيب بن عمرو بن عوف ابن مالك بن الأوس. فهذه بطون الأوس، وكلها ترجع إلى مالك بن الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة، ويقال لهم: أوس اللَّه، وهم الجعاذره، وسموا بذلك لقصر فيهم، أو لأنهم [كانوا] إذا أجاروا جارا قالوا له: جعذر حيث شئت. ومن بطون الخزرج: النجار، واسمه تيم اللَّه [بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج] وقال الكلبي: اسمه العثر بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وأمه الصدوف ابنة مالك من حمير، وسمى النجار لأنه ضرب وجه رجل فنجره، وقيل: بأنه اختتن بقدوم، وكان يقال له أيضا العثر. وفي النجار بطون منها: مالك بن النجار، وفيهم بطون منها غنم بن مالك بن النجار، وهو مغالة، وهم من بنى عمرو بن مالك بن النجار، ومغالة، أم عدي بن عمرو وبها يعرفون، ومبذول واسمه عامر بن مالك بن النجار، وعدي بن النجار، ومازن بن النجار، ودينار بن النجار. والحارث بن الخزرج، وفيهم بطون: هي جشم وزيد مناة ابنا الحارث بن الحارث بن الخزرج، وهم التوأمان، الأبخر بن عوف بن الحارث بن الخزرج، وجدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج، وكعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، وساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة. وفيهم بطون: هي طريف بن الخزرج بن ساعدة وثعلبة بن الخزرج ابن ساعدة، وعمرو بن الخزرج بن ساعدة، وسالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بن حارثة. والقواقلة وهم: قوقل واسمه غانم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، كانوا من أعز أهل يثرب، وكانوا يقولون للغريب إذا دخل المدينة: قوقل حيث شئت، أي انزل حيث شئت، فأنت آمن، فسموا: القواقلة، [وليس] أحد يقول هذا غيرهم. [والحبلى] ، وهو سالم بن غنم بن الخزرج بن حارثة، وإنما سمى الحبلى لعظم بطنه، والنسبة إليه الحبلىّ بفتح الباء، وهو شاذ النسب، وكان
القياس: حبلىّ بإسكان الباء، وحبلاوىّ. وسلمة بكسر اللام، بن سعد بن على ابن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة. وفي سلمة بطون، وهم: [بنو] حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، وعبيد بن عدي بن غنم [بن] كعب بن سلمة، وسواد بن غنم بن كعب بن سلمة، وأدى بن سعد بن على بن أسد، أخو سلمة، وهم مع بنى سلمة، وزريق- بتقديم الزاى على الراء- ابن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب- بعين معجمة مفتوحة- ابن جشم بن الخزرج بن حارثة، وبياضة بن عامر، وزريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة، وحبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة، فهذه قبائل الأنصار وبطونها من الأوس والخزرج ابني حارثة.
فصل في ذكر ما أكرم الله تعالى به الأوس والخزرج من لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبادرتهم إلى إجابته ودخولهم في طاعته، وتصديقهم برسالته ومسارعتهم إلى مبايعته [وحرصهم] على إيوائه ونصرته، بعد ما عرض نفسه على قبائل العرب فردوه ولم يقبلوه.
فصل في ذكر ما أكرم اللَّه تعالى به الأوس والخزرج من لقاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومبادرتهم إلى إجابته ودخولهم في طاعته، وتصديقهم برسالته ومسارعتهم إلى مبايعته [وحرصهم] على إيوائه ونصرته، بعد ما عرض نفسه على قبائل العرب فردوه ولم يقبلوه. [اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان [ (1) ]] يقف بالموسم على [القبائل] [ (2) ] فيقول: يا بنى فلان، إني رسول اللَّه إليكم، يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وكان يمشى خلفه أبو لهب ويقول: لا تطيعوه. وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كندة في منازلهم، فدعاهم إلى اللَّه فأبوا، وأتى كلبا في منازلهم، فلم يقبلوا منه، وأتى بنى حنيفة في منازلهم، فردوا عليه أقبح ردّ، وأتى عامر بن صعصعة، وكان لا يدع من العرب من [له [ (1) ]] اسم وشرف إلا دعاه، وعرض عليه ما عنده. خرج الترمذي من حديث إسرائيل، حدثنا عثمان [بن [ (2) ]] المغيرة عن سالم بن أبى الجعد، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض نفسه بالموقف فقال: [إلا [ (2) ]] رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام ربى. قال أبو عيسى: هذا حديث [غريب [ (3) ]] صحيح [ (4) ] .
وخرج أبو داود من حديث إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن سالم ابن أبى الجعد، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام [ (1) ] ربى. زاد ابن إسحاق في روايته قال: فأتاه رجل من همدان فقال: أنا، فقال: وهل في قومك منعة؟ وسأله: من أين هو؟ فقال: من همدان، ثم إن الهمدانيّ خشي أن يخفره قومه، أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: آتيهم فأخبرهم، ثم ألقاك من عام قابل؟ قال: نعم، فانطلق، وجاء وفد الأنصار في رجب. وخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . [ولم يخرجاه [ (3) ]] . وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب من كل موسم، ويكلم كل شريف قوم، لا يسألهم مع ذلك أن لا يؤذوه ويمنعوه، يقول: لا أكره أحدا منكم على [شيء] ، من رضى منكم بالذي أدعو إليه [قبله] ، ومن كره لم أكرهه، إنما أريد أن تحرزوني مما يراد بى من القتل، حتى أبلغ رسالات ربى، وحتى يقضى اللَّه عز وجل لي و [لمن] صحبني بما شاء، فلم يقبله أحد منهم، ولم يأت أحد من تلك القبائل إلا قال: قوم الرجل أعلم به، أترون أن رجلا يصلحنا
وقد أفسد قومه ولفظوه؟ فكان ذلك مما ادّخر اللَّه عز وجل للأنصار وأكرمهم به، [من البركة [ (1) ]] . فلما توفى أبو طالب ارتد البلاء على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أشد ما كان، فعهد إلى ثقيف بالطائف، رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر، هم سادة ثقيف يومئذ، وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو، فعرض عليهم نفسه، وشكا إليهم البلاء، وما انتهك منه قومه، فقال أحدهم: أنا أسرق أستار الكعبة إن كان اللَّه قد بعثك بشيء! وقال الآخر: أعجز اللَّه أن يرسل غيرك؟ وقال الآخر: واللَّه لا أكلمك بعد مجلسك هذا أبدا، واللَّه لئن كنت رسول اللَّه، لأنت أعظم شرفا وحقا من أن أكلمك، ولئن كنت تكذب على اللَّه، لأنت أشر من أن أكلمك، وهزءوا به، وأفشوا في قومهم الّذي راجعوه به، وقعدوا له صفين على طريقه، فلما مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين صفيهم، جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعها، إلا رضخوها بالحجارة، حتى دموا رجليه، فخلص منهم وهما يسيلان الدماء. فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظل في ظل حبله [ (2) ] منه، [وهو] مكروب موجع، تسيل رجلاه دما، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما، لما يعلم من عداوتهما للَّه ورسوله، فلما رأياه أرسلا إليه غلاما [لهما] يدعى عدّاس- هو نصرانىّ من أهل نينوى معه عنب- فلما جاءه عداس، قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أي أرض أنت يا عداس؟ قال: أنا من أهل نينوى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من مدينة الرجل الصالح يونس بن متى؟ فقال له عدّاس: وما يدريك من يونس بن متى؟ قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وكان لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه-: أنا رسول اللَّه، واللَّه عز وجل أخبرنى خبر يونس [بن] متى، فلما أخبره بما أوحى اللَّه إليه من شأن يونس بن متى، خرّ عداس ساجدا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فلما أبصر عتبة وشيبة ما صنع غلامهما، سكتا،
فلما أتاهما قالا: ما شأنك؟ سجدت لمحمد وقبلت قدميه؟ ولم نرك فعلته بأحد منا! قال: هذا رجل صالح، أخبرنى بشيء عرفته، من شأن رسول بعثه اللَّه إلينا، يدعى يونس بن متى، فضحكا به وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع، فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة [ (1) ] . وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر- يعنى الواقدي- قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن أبى الحويرث، عن محمد بن جبير ابن مطعم قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد موت أبى طالب إلى الطائف، ومعه زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك في الثالث من شوال سنة عشر. قال الواقدي: فأقام بالطائف عشرة أيام- قال غيره: شهرا- لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه فكلمه فلم يجيبوه، وخافوا على أحداثهم فقالوا: يا محمد! اخرج من بلدنا وألحق بمحالك من الأرض، وأغروا به سفهاءهم، فجعلوا يرجمونه بالحجارة، حتى إن رجليه لتدميان، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتى لقد شج في رأسه شجاجا، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة وهو محزون. فلما نزل نخلة، قام يصلى من الليل، فصرف إليه نفر من الجن، سبعة من أهل نصيبين، فاستمعوا القرآن، وأقام بنخلة أياما، فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وهم أخرجوك؟ فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم ابن عدي، أدخل في جوارك؟ قال: نعم. ويروى أنه أن ذهب إلى الأخنس بن شريق فقال: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربى؟ فقال: إن الحليف لا يجير على الصريح، فقال الرسول: ائت سهيل بن عمرو، فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى؟ فأتاه، فقال له ذلك، فقال: إن بنى عامر بن لؤيّ لا تجير على بنى كعب، فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فأخبره فقال: ائت
المطعم ابن عدي فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى؟ قال: نعم، فليدخل، فرجع إليه فأخبره. وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه هو وبنوه، وبنو أخيه، ودخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم تابع؟ قال: بل مجير، قال: أجرنا من أجرت، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فانتهى إلى الركن فاستلمه، وصلّى ركعتين، وانصرف إلى بيته، ومطعم وأولاده مطيفون به [ (1) ] . وخرج الترمذي من حديث حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أخفت في اللَّه، وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه، وما يؤذى أحد، ولقد أتت على ثلاثون من بين يوم وليلة، وما لي [ولبلال] طعام يأكله ذو كبد، إلا شيء يواريه إبط بلال [ (2) ] ، قال أبو عيسى: هذا حديث [حسن غريب] [ (3) ] . قال بعضهم: ومعناه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرج فارا من مكة ومعه بلال، إنما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه [ (4) ] . وخرج البخاري [ (5) ] من حديث ابن شهاب قال: أخبرنى عمرو بن الزبير أن عائشة [رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها زوجة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم]
حدثته أنها قالت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك [ما لقيت و] كان أشد منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل [بن] عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السّلام، فناداني فقال: إن اللَّه قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث اللَّه إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن اللَّه عز وجل قد سمع قومك، وأنا ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرنى بما شئت، إن شئت نطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أرجو أن يخرج اللَّه من أشرارهم [أو قال من أصلابهم] [ (1) ] من يعبد اللَّه لا يشرك به شيئا. قال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، قال: حدثني الزهري قال: أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ناسا من كندة [في] مياه لهم، وفيهم سيد لهم يقال له: مليح، فدعاهم إلى اللَّه عز وجل، فعرض عليهم نفسه، فأبوا أن يقبلوا منه نفاسة، ثم أتى حيا من كلب، يقال لهم، بنو عبد اللَّه، فقال لهم: يا بنى عبد اللَّه! قد أحسن اللَّه اسم أبيكم، فلم يقبلوا ما عرض عليهم. قال أبو نعيم: وحمله عرض نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم على القبائل على تأكيد الحجة على منى لم يقبله، ولزوال اللائمة عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الإساءة بهم إذا أعلاه اللَّه [لكي] لا ينسب إليه- إذا لم يعدم العذر، ويلزمهم الحجة- الغلظة والإساءة بقومه. وقيل: بل عرض نفسه على القبائل رياضة من اللَّه له، وتنبيها على التوكل عليه في كل أموره، فيبقى له العلو والتمكين، من حيث لا يحتسب،
أول من لقيه من الأوس سويد بن الصامت
فقيض له الأنصار مع بعد نسبهم، فصاروا له وزراء وأنصارا، دون أقاربه وقومه وعشيرته، الذين هم أولى بنصرته. أول من لقيه من الأوس سويد بن الصامت قال يونس بن بكير [عن] ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه قالوا: قدم سويد بن الصامت أخو بنى عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا، وكان سويد [إنما] يسميه قومه فيهم: الكامل، لسنه، وجلده، وشعره [وشرفه، ونسبه] ، قال: فتصدى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، [حين سمع به] ودعاه إلى اللَّه عز وجل، وإلى الإسلام، فقال سويد: فلعل الّذي معك مثل الّذي معى، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وما الّذي معك؟ فقال: مجلة لقمان، يعنى حكمته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اعرضها عليّ، فعرضها عليه، فقال: إن هذا لكلام حسن، والّذي معى أفضل منه، قرآن أنزله اللَّه عزّ وجل عليّ، هو هدى ونور، فتلا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا لقول حسن، ثم انصرف [عنه] . فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، وكان الّذي قتله المجذر بن [زياد] البلوى، حليف بنى عوف بن الخزرج، وكان رجال قومه يقولون: إنا لنرى أنه قتل وهو مسلم، وكان قتله قبل يوم بعاث [ (1) ] . وذكر ابن عبد البر: أن سويد بن الصامت هذا لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بسوق ذي المجاز من مكة، في حجة حجها سويد [على ما كانوا يحجون عليه في [الجاهلية] ، وذلك في أول مبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعائه إلى اللَّه
ثم لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد لقاء سويد بن الصامت فتية من بنى عبد الأشهل
تعالى، فدعاه عليه السّلام إلى الإسلام، فلم يرد عليه سويد شيئا، ولم يظهر له قبول ما دعاه إليه وقال له: لا أبعد ما جئت به، ثم انصرف إلى قومه بالمدينة. قال أبو عمر: أنا شاك في إسلام سويد بن الصامت، كما شك فيه غيري [ (1) ] . ثم لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد لقاء سويد بن الصامت فتية من بنى عبد الأشهل قال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ، عن محمود بن لبيد، أخى بنى عبد الأشهل قال: لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة، ومعه فتية من بنى عبد الأشهل، فيهم إياس بن معاذ، [يلتمسون] [ (2) ] الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتاهم، فجلس إليهم، فقال لهم: هل لكم [في] [ (3) ] خير مما جئتم له؟ فقالوا [له] [ (4) ] : وما ذاك؟ قال: أنا رسول اللَّه، بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأنزل عليّ الكتاب، ثم ذكر لهم الإسلام، [وتلى] عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ- وكان غلاما حدثا-: [أي] [ (5) ] قوم! هذا واللَّه خير مما جئتم له، [قال] [ (6) ] فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع، حفنة من البطحاء، فضرب بها وجه إياس [
ابن معاذ] [ (1) ] وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا [قال: فصمت إياس] [ (2) ] . وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، [وكانت] وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك. قال محمود ابن لبيد: فأخبرني من حضره [من] قومه [عند موته] أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل اللَّه تعالى، ويكبره، ويحمده، ويسبحه، حتى مات، وكانوا لا يشكون أن قد مات مسلما، [فقد] كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس، حين سمع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما سمع [ (3) ] . وخرج البخاري وأحمد من حديث أبى أسامة قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان يوم بعاث يوما قدمه اللَّه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وقد افترق ملأهم، وقتلت سرواتهم [ (4) ] . وزاد أحمد: ورقوا للَّه ولرسوله في دخولهم في الإسلام [ (5) ] .
وكان من خبر يوم بعاث [1]
وكان من خبر يوم بعاث [ (1) ] [اعلم] أن الأوس والخزرج لما استقروا بيثرب كما تقدم، وقع بينهم عدة حروب [في مدة] مائة وعشرين سنة، آخرها أن قريظة والنضير [حيان] من اليهود، جددوا مع الأوس العهود على المؤازرة والتناصر. وأدخلوا معهم قبائل أخر من اليهود، وجدّوا في أمرهم، فجمعت الخزرج، واستنفروا حلفاءهم من أشجع، وجهينة، فراسل الأوس أيضا حلفاءهم من مزينة، وأقام الفريقان مدة أربعين يوما يتجهزون للحرب، ثم التقوا ببعاث- وهي من أموال بنى قريظة- وعلى الأوس حضير الكتائب بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس [بن] زيد بن الأشهل بن جشم بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس [ (2) ] وعلى الخزرج رحيلة بن ثعلبة بن خالد بن عامر بن بياضة بن زريق ابن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة البياضيّ [ (3) ] ، وتخلف عبد اللَّه بن أبىّ ابن سلول فيمن تبعه عن الخزرج، وتخلف بنو حارثة ابن الحارث عن الأوس، [فاقتتلوا] قتالا شديدا صبروا فيه جميعا، ثم انهزمت الأوس، فثبت حضير الكتائب، ونزل عن فرسه، وضرب بحربته ظهر قدمه، وصرخ وا عقراه، وصاح: واللَّه لا أبرح حتى أقتل، فعطفوا عليه، وقاتلوا، فقتل عمرو بن النعمان رئيس الخزرج، فانهزم الخزرج،
ووضع الأوس فيهم السلاح، ثم كفوا عنهم. وأما حضير الكتائب فمات من جراحته، وأحرق الأوس دور الخزرج ونخيلهم. وخرج الترمذي من حديث الفضل بن موسى، عن عيسى بن عبيد، عن غيلان بن عبد اللَّه، عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه أوحى إليّ أي هؤلاء الثلاثة نزلت، فهي دار هجرتك: المدينة، أو البحرين، أو قنسرين [ (1) ] قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى [ (2) ] . وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال، فلما اشتدوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والمسلمين، أمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [بالخروج] إلى المدينة، فخرجوا
أرسالا أرسالا [ (1) ] فخرج منهم قبل خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة: أبو سلمة ابن عبد الأسد، وامرأته أم سلمة بنت أبى أمية، وعامر بن ربيعة، وامرأته أم عبد اللَّه بنت أبى حثمة- ويقال: أول ظعينة قدمت المدينة أم سلمة، ويقول بعض الناس: أم عبد اللَّه، واللَّه أعلم- ومصعب بن عمير، وعثمان بن مظعون، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعبد اللَّه بن جحش، وعثمان بن الشريد، وعمار بن ياسر. فنزل أبو سلمة، وعبد اللَّه بن جحش في بنى عمرو بن عوف، ثم خرج عمر بن الخطاب، وعباس بن أبى ربيعة في أصحاب لهم، فنزلوا في بنى عمرو بن عوف، وعدا أبو سفيان بن حرب على دار بنى جحش، وهي دار إياب بن عثمان عند الروم فيملكها، إذ بقيت [خرابا] لا أحد بها، لأنهم هاجروا بنسائهم، وطلب أبو جهل بن هشام، والحارث بن هشام، والعاص بن هشام، عباس بن أبى ربيعة- وهو أخوهم لأمهم- فقدموا المدينة، فذكروا له حزن أمه وقالا له: إنها حلفت أنها لا يظلها سقف بيت، ولا يمس رأسها دهن حتى تراك، [ولولا] ذاك لم نطلبك، فنذكرك اللَّه في أمك- وكان بها رحيما، وكان يعلم من حبها إياه، ورأفتها به- فصدق قولهم، [ورق] لها، لما ذكروا [له] منها، وأبى أن يتبعهما، حتى عقد له الحارث بن هشام عقدا، فلما خرجا به أوثقاه، فلم يزل به، قال: حتى خرج من خرج قبل فتح مكة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعو له بالخلاص. قال: وخرج عبد الرحمن بن عوف، على سعد بن الربيع، في بنى الحارث بن الخزرج، وخرج عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد اللَّه، والزبير ابن العوام، وطائفة أخرى، فأما طلحة فخرج إلى الشام، ثم تتابع أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [كذلك] إلى المدينة أرسالا. ومكث من أصحابه بمكة، حتى بعد مقدمه المدينة، منهم: سعد بن أبى وقاص- وقيل: بل قدم قبل قدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني نافع عن عبد اللَّه ابن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: لما اجتمعنا للحرة، اتعدت أنا وعباس بن أبى ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وقلنا: الميعاد بيننا القاصب [ (1) ] من أضاة بنى غفار، فمن أصبح منكم لم يأتها فقد حبس، فليمض صاحباه، فأصبحت أنا وعباس بن أبى ربيعة، وحبس عنا هشام، وفتن فافتتن. وقدمنا المدينة، و [كنا] نقول: ما اللَّه يقبل من هؤلاء توبة، قوم عرفوا اللَّه وآمنوا به، وصدقوا رسوله، ثم رجعوا عن ذلك، لبلاء أصابهم من الدنيا، وكانوا يقولونه لأنفسهم، فأنزل اللَّه عز وجل فيهم: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] [ (2) ] . قال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فكتبتها بيدي كتابا، ثم بعثت بها إلى هشام بن العاص، فقال هشام: فلما قدمت على، خرجت بها إلى ذي طوى، فجعلت أصعدها، وأصوب لأفهمها، فقلت: اللَّهمّ فهمنيها، فعرفت أنها أنزلت فينا، لما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا. فرجعت، فجلست على بعيري، فلحقت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقتل هشام شهيدا بأجنادين [ (3) ] ، في ولاية أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وقال عبد العزيز بن محمد، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر [قال ابن إسحاق: ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب، وعمرو، وعبد اللَّه ابنا سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر مخلف عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده وسعيد بن زيد عمرو بن نفيل، وواقد ابن عبد اللَّه التميمي حليف لهم، وخولى بن أبى خولى، ومالك بن أبى خولى، حليفان لهم] [ (1) ] . وقال إسرائيل عن أبى إسحاق عن البراء، فذكر حديث الهجرة والقبلة، قال البراء: وكان أول من قدم علينا من المهاجرين، مصعب بن عمير، أخو بنى عبد الدار بن قصي، فقلنا له ما فعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: هو مكانه، وأصحابه على إثري، ثم أتى بعده عمر، و [ابن] أم مكتوم الأعمى، أخو بنى فهر، فقلنا له: ما فعل من ورائك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه؟ قال: هم على الإثر، ثم أتى بعده عمار بن ياسر، وسعد بن أبى وقاص، وعبد اللَّه بن مسعود، وبلال، ثم أتانا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، ثم أتانا بعدهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه معه. أخرجه مسلم.
وذكر محمد بن إسحاق أسماء من هاجر إلى المدينة، أتم من ذكر موسى بن عقبة، ثم قال: وكان آخر من قدم المدينة من الناس ممن لم يفتن في دينه أو يحبس، على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخره بمكة، وأمره أن ينام على فراشه، وأجله ثلاثا، وأمره أن يؤدى كل ذي حق حقه، ففعل، ثم لحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
فصل في ذكر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إذ مكر به المشركون، وهجرته إلى المدينة دار هجرته ونزوله على الأنصار رضى الله تبارك وتعالى عنهم وتلاحق المهاجرين به [صلى الله عليه وسلم]
فصل في ذكر خروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من مكة إذ مكر به المشركون، وهجرته إلى المدينة دار هجرته ونزوله على الأنصار رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم وتلاحق المهاجرين به [صلّى اللَّه عليه وسلّم] قال ابن قتيبة: الهجرة، من هجرت الرجل هجرانا وهجرا، إذا قطعته، وكان الرجل إذا أسلم هجر قومه، فيفر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسمى مسيره إليه هجرة. وقيل: هاجر، خرج من أرض، والمدينة [فعيلة تجمع [ (1) ] على مدائن بالهمز] ولذلك همزت في الجمع، لأنه لا أصل للياء في الحركة، وقيل: هي من دان، تدين دينا، إذا أطاع، والدين، الطاعة، والمدينة، موضع الطاعة. وقال أبو عبيد: دنته، ملكته، وقال ابن كيسان: مدينة، فعلة من مدنت، وتكون مفعله من دان يدين. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب [عن] الزهري: ومكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد الحج، بقية ذي الحجة، والمحرم، وصفر، ثم إن مشركي قريش أجمعوا أن يقتلوه، أو يخرجوه، حين ظنوا أنه خارج، وعلموا أن اللَّه قد جعل له مأوى ومنعة، ولأصحابه، وبلغهم إسلام من أسلم، ورأوا من يخرج إليهم من المهاجرين، فأجمعوا أن يقتلوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو يثبتوه، فقال اللَّه عز وجل: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [ (2) ] . وبلغه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك اليوم الّذي آتى فيه أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنهم مبيتوه إذا أمسى على فراشه، فخرج وأبو بكر من جوف
الليل قبل الغار- غار ثور- وهو الّذي ذكر اللَّه عز وجل في الكتاب، وعمد على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فرقد على فراش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وباتت قريش يختلفون ويأتمرون، أيهم يجثم على صاحب الفراش فيوثقه، فكان ذلك أمرهم حتى أصبحوا، فإذا هم بعلي بن أبى طالب، فسألوه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرهم أنه لا علم له به، فعلموا عند ذلك أنه قد خرج فارا منهم، فركبوا في كل وجه يطلبونه. وقال يونس بن بكير، إن ابن إسحاق قال: فلما أيقنت قريش أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم قد بويع، وأمر من كان بمكة من أصحابه أن يلحقوا بإخوانهم بالمدينة [تآمروا] فيما بينهم فقالوا: الآن فأجمعوا في أمر محمد، فو اللَّه لكأنه قد كر عليكم بالرجال، فأثبتوه، أو اقتلوه، أو أخرجوه، فاجتمعوا له في دار الندوة ليقتلوه، فزعم ابن دريد في (الوشاح) ، أنهم كانوا خمسة عشر رجلا. وذكر ابن دحية في كتاب (المولد) ، أنهم كانوا مائة رجل. قال ابن [إسحاق] : فلما دخلوا الدار، اعترضهم الشيطان في صورة رجل [جميل] في بت له، قال: أدخل؟ قالوا: من أنت؟ قال: أنا رجل من أهل نجد، سمع بالذي اجتمعتم له، وأراد أن يحضره معكم، فعسى أن لا يعدمكم رأى ونصح، فقالوا: أجل، فادخل، فلما دخل قال بعضهم لبعض: قد كان من الأمر ما قد علمتم، [أجمعوا] في هذا الرجل رأيا واحدا، وكان ممن اجتمع له في دار الندوة: شيبة، وعتبة ابنا ربيعة، وأبو جهل بن هشام، والنضر بن الحارث، فقال قائل منهم: أرى أن تحبسوه، وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء، زهير بن أبى سلمى، والنابغة، وغيرهما، فقال النجدي: واللَّه ما هذا لكم برأي، واللَّه لئن فعلتم لخرج رأيه وحديثه حيث حبستموه، إلى من وراءه من أصحابه، فأوشك أن ينتزعوه من أيديكم، ثم يغلبوكم على ما في أيديكم من أمركم. فقال قائل منهم: بل نخرجه فننفيه من بلادنا، فإذا غيب عنا وجهه وحديثه، فو اللَّه ما نبالى أين وقع من البلاد، ولئن كان أجمعنا بعد ذلك أمرنا،
وأصلحنا ذات بيننا، قال [الشيخ] النجدي: لا، واللَّه ما هذا لكم برأي، أما رأيتم حلاوة منطقه، وحسن حديثه، وغلبته على ما يلقاه، دون من خالفه، واللَّه لكأنّي به إن فعلتم ذلك، قد دخل على قبيلة من قبائل العرب، فأصفقت معه على رأيه، ثم سار بهم إليكم، حتى بطأكم بهم، فلا واللَّه ما هذا لكم برأي. فقال أبو جهل بن هشام: واللَّه إن لي فيه لرأيا، ما أراكم وقعتم عليه، قالوا: وما هو؟ قال: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة من قريش غلاما، فتيا، جلدا، نسيبا، وسيطا، ثم تعطوهم شفارا صارمة، ثم يجتمعوا، فيضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه، تفرق دمه في القبائل، فلم تدر عبد مناف بعد ذلك ما تصنع، يقعوا على حرب قومهم، فإنما قصرهم عند ذلك أن يأخذوا العقل، [فتؤدونه] لهم، قال الشيخ النجدي: للَّه در الفتى، هذا هو الرأى، وإلا فلا شيء، فتفرقوا على ذلك واجتمعوا له، وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر، وأمر أن لا ينام على فراشه تلك الليلة، فلم يبت حيث كان يبيت، وبيت عليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في مضجعه. وقال ابن إسحاق، عن عبد اللَّه بن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: وحدثني الكلبي عن باذان، مولى أم هانئ، عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن نفرا من قريش، من أشراف كل قبيلة، اجتمعوا، فذكر معنى هذه القصة، إلى أن قال: فأتى جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمره أن لا يبيت في مضجعه الّذي كان يبيت فيه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت في بيته تلك الليلة. وأذن اللَّه عز وجل عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة في [سورة] الأنفال يذكر نعمته عليه، وبلاءه عنده: صلّى اللَّه عليه وسلّم وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ
الْماكِرِينَ [ (1) ] ، وأنزل في قولهم: تربصوا [به] حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [ (2) ] . وقال يونس عن ابن إسحاق: وأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينتظر أمر اللَّه، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت، وأرادوا به [ما] أرادوه، أتاه جبريل عليه السّلام، فأمره أن لا يبيت في مكانه الّذي كان يبيت به، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بن أبى طالب، فأمره أن يبيت على فراشه، ويتشح ببرد له أخضر، ففعل، ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على القوم وهم على بابه، وخرج [و] معه [حفنة] من تراب، فجعل ينثرها على رءوسهم، وأخذ اللَّه عز وجل بأبصارهم عن نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وهو] يقرأ: يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ* لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ* لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ* وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (3) ] وذكر الواقدي: أن الذين كانوا ينتظرونه: أبو جهل، والحكم بن أبى العاصي، وعقبة بن أبى معيط، والنضر بن الحارث، وأمية بن خلف، وابن القيطلة، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عدي، وأبو لهب، وأبى بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج. وذكر أن قريشا بعثت قائفين يقصان آثار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أحدهما كرز ابن علقمة بن هلال الخزاعي، فاتبعاه حتى انتهيا إلى غار ثور، فرأى كرز عليه نسج العنكبوت، فقال: هاهنا انقطع الأثر، فانصرفوا، وقال بعضهم: ادخلوا الغار، فقال أمية بن خلف: وما أريكم إلى الغار، وعليه من نسج العنكبوت ما عليه، واللَّه إني لأرى هذا النسج قبل أن يولد محمد، وبال حتى جرى بوله بين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر.
وقال محمد بن عبد الملك بن هشام، عن زياد بن عبد اللَّه البكائي، عن ابن إسحاق: واذن اللَّه لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك في الهجرة وكان أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا ذا مال، فكان حين استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الهجرة قال له: لا تعجل، لعل اللَّه يجعل لك صاحبا، فيطمع [أبو بكر] بأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما يعنى نفسه حين قال ذلك، [فابتاع] راحلتين، فحبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك. فحدثني من لا أتهم، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أنها قالت: كان لا يخطئ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يأتى بيت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الّذي أذن اللَّه فيه لرسوله في الهجرة والخروج من مكة، من بين ظهري قومه، أتانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهاجرة، في ساعة كان لا يأتى فيها، قالت: فلما رآه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما جاء رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] هذه الساعة إلا لأمر حدث، قالت: فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليس عند أبى بكر إلا أنا، وأختى أسماء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخرج عنى من عندك، فقال يا رسول اللَّه: إنما هما ابنتاى، وما ذاك؟ فداك أبى وأمى، قال: إن اللَّه عز وجل أذن لي في الخروج والهجرة. قالت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول اللَّه، قال: الصحبة، قالت فو اللَّه ما شعرت قط قبل ذلك اليوم، أن أحدا يبكى من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكى يومئذ، ثم قال: يا نبي اللَّه، إن هاتين راحلتان، كنت أعددتهما لهذا. وفي (طبقات ابن سعد) : أن ثمنها ثمان مائة درهم، اشتراهما من نعم بنى قشير، فأخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم القصواء بثمنها. قال ابن هشام: فاستأجرا عبد اللَّه بن أريقط- رجلا من بنى الديل من بكر، وكانت أمه امرأة من بنى سهم بن عمرو، وكان مشركا يدلهما على الطريق، ودفعا إليه راحلتيهما، وكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.
قال ابن إسحاق: ولم يعلم فيما بلغني بخروج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحد حين خرج، إلا على بن أبى طالب، وأبو بكر الصديق، وآل أبى بكر، أما على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما بلغني أخبره بخروجه، وأمره أن يتخلف بمكة، حتى يؤدى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته، فلما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخروج، أتى أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرجا من خوخة لأبى بكر في ظهر بيته، ثم إلى غار بثور- جبل بأسفل مكة- فدخلاه وأمر أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ابنه عبد اللَّه بن أبى بكر، أن يسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره، ثم يأتيها إذا أمسى، بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، وأمر عامر بن فهيرة مولاه، أن يرعى غنمة نهاره، ثم يأتيهما إذا أمسى في الغار، وكانت أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما تأتيهما من الطعام إذا أمست، بما يصلحهما. فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الغار ثلاثا، ومعه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة لمن يرده عليهم، وكان عبد اللَّه بن أبى بكر يكون في قريش [نهاره] معهم، يسمع ما يأتمرون به، وما يقولون في شأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وكان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر، يرعى في رعيان أهل مكة، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فاحتلبا وذبحا، فإذا عبد اللَّه بن أبى بكر غدا من عندهما إلى مكة، اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم، حتى يعفى عليه. حتى إذا مضت الثلاث، وسكن عنهما الناس، أتاهما صاحبهما الّذي استأجراه ببعيريهما وبعير له، وأتتهما أسماء بنت أبى بكر بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها [عصام] [ (1) ] ،
فتحل نطاقها، فتجعله عصاما [ (1) ] ، ثم علقتها به، وكان يقال لأسماء: ذات [النطاقين] لذلك. فلما قرب أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه الراحلتين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قدم أفضلهما، ثم قال: اركب، فداك أبى وأمى، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لا أركب بعيرا ليس لي، قال: فهي لك يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمى، قال لا، ولكن بالثمن الّذي ابتعتها به [ (1) ] ؟ قال: كذا وكذا، قال: قد أخذتها به، قال هي لك يا رسول اللَّه، فركبا وانطلقا، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه خلفه، ليخدمهما في الطريق، وحمل أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مع نفسه جميع ماله، وهو نحو ستة آلاف درهم. قال ابن إسحاق: ولما خرج بهما دليلهما عبد اللَّه بن أريقط، سلك بهما أسفل مكة، ثم مضى بهما على الساحل، أسفل من عسفان [ (2) ] . وذكر المبارك، حتى قال: ثم قدم بهما قبائل بنى عمرو بن عوف، لاثنتي عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول، يوم الاثنين حين اشتد الضحى، وكادت الشمس أن تعتدل. قال ابن هاشم: ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة، ونزل أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على حبيب بن إساف. ويقال: بل كان منزله على خارجة بن زيد. وأقام على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى رد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنزل معه على كلثوم بن هدم، فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس، وأسس مسجده، ثم أخرجه اللَّه بين أظهرهم، يوم الجمعة،
حتى أسس مسجده- كما تقدم- ونزل بدار أبى أيوب الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم تحول إلى مساكنه. قال محمد بن زبالة: ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفل بيت أبى أيوب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، [فكره] أبو أيوب أن [يكون] منزله فوق رأس رسول اللَّه، فلم يزل ساهرا حتى أصبح. فقال يا رسول اللَّه، إني أخشى أن أكون قد ظلمت نفسي، أنى فوق رأس رسول اللَّه، فينزل التراب من وطئ أقدامنا، وإنه أطيب لنفسي أن أكون تحتك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: السفل أرفق بنا وبمن يغشانا، فلم يزل أبو أيوب يتضرع إليه حتى انتقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في العلو، فابتاع المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ذلك البيت من أبى أفلح، مولى أبى أيوب بألف دينار، فتصدق به، وقد بنى ولم يغير سقفه. وقال ابن إسحاق: وتلاحق المهاجرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يبق منهم أحد إلا مفتون أو محبوس، قال: فأقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، إذ قدمها شهر ربيع الأول، إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بنى له فيها مسجده ومساكنه، فاستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار، فلم يبق دار من دور إلا أسلم أهلها، إلا من كان من خطمة، وواقف، ووائل، وأمية، وكذلك أوس اللَّه، وهم حي من الأوس، فإنّهم أقاموا على شركهم. وكتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود، وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم، وشرط لهم، وقد تقدم ذكره [ (1) ] . قال ابن إسحاق: وآخى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، ثم ذكرهم. وقد خرج البخاري حديث الهجرة من طريق يحى بن بكير، قال: حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فذكره في آخر كتاب الكفالة، وترجم عليه باب: جوار
أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] وذكره في كتاب الهجرة مطولا [ (2) ] . وفرقه في عدة مواضع من طرق أخر [ (3) ] . وخرجه مسلم من طرق [ (4) ] . وأخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن ثابت عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، لعبت الحبشة بحرابها فرحا بذلك [ (5) ] .
وقال عبد الأعلى: عن عوف، عن ثمامة، عن أنس، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مر بجوارى من الأنصار وهن يغنين يقلن: نحن جوار بنى النجار وحبذا محمد من جار فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّه يعلم أنى أحبكن [ (1) ] . وقال أبى خليفة، الفضل بن الحباب: سمعت ابن عائشة يقول: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل النساء والصبيان [الولائد] يقلن: طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ... ما دعا للَّه داع [أيها المبعوث فينا ... جئت بالأمر المطاع [ (2) ]] وخرج الحاكم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: شهدت يوم دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فلم أر يوما أحسن أو أضوأ منه. قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم [ (3) ] . [ولم يخرجاه] [ (4) ] . ومن حديث إسرائيل، عن ابن إسحاق، عن البراء، عن أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ومضى رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم] حتى قدم المدينة، وخرج الناس حتى دخلنا في الطريق، وصاح النساء، والخدام، والغلمان، جاء محمد، جاء رسول اللَّه، اللَّه أكبر، جاء رسول اللَّه، فلما أصبح انطلق، فنزل حيث أمر. قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (5) ] . [ولم يخرجاه] [ (6) ] وله ولابن حبان، من حديث الحسين بن واقد، عن يزيد النحويّ، أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، كانوا من
أخبث الناس كيلا، فأنزل اللَّه تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. [ (1) ] فأحسنوا الكيل بعد ذلك [ (2) ] . قال هذا حديث صحيح. وفي كتاب (شرف المصطفى) : لما بركت الناقة على باب أبى أيوب، خرج جوار من بنى النجار يضربن بالدفوف ويقلن: نحن جوار بنى النجار ... يا حبذا محمد من جار فقال [صلّى اللَّه عليه وسلّم] : أتحبينني؟ قلن: نعم يا رسول اللَّه، فقال: أنا واللَّه أحبكن، قالها صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثا. [ (3) ]
فصل في ذكر مواساة الأنصار المهاجرين بأموالهم لما قدموا عليهم المدينة
فصل في ذكر مواساة الأنصار المهاجرين بأموالهم لما قدموا عليهم المدينة قال تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (1) ] قال أبو عبد اللَّه القرطبي: لا خلاف أن الذين تبوءوا الدار هم الأنصار الذين استوطنوا المدينة قبل المهاجرين. قال: والتبوؤ، التمكن والاستقرار، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، لا يحسدون المهاجرين على ما خصوا به [من] الفيء وغيره. وخرج البخاري ومسلم، من حديث يونس عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما قدم المهاجرون من مكة [إلى] المدينة، قدموا وليس بأيديهم شيء، وكان الأنصار أهل الأرض والعقار، فقاسمهم الأنصار على أن أعطوهم أنصاف ثمار أموالهم كل عام، ويكفونهم العمل والمؤنة، وكانت أم أنس [بن مالك وهي تدعى أم سليم، وكانت أم عبد اللَّه بن أبى طلحة، كان أخا لأنس] [ (2) ] لأمه، كانت أعطت [أم أنس] [ (2) ] رسول اللَّه [صلّى اللَّه عليه وسلّم عذاقا لها، فأعطاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أم أيمن، مولاته، أم أسامة بن زيد، فلما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم، قال: فرد اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أمى عذاقها، وأعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أم أيمن مكانهم من حائطه. وفي رواية: من خالصة [ (3) ] زاد مسلم: قال ابن شهاب: وكان من
شأن أم أيمن- أم أسامة بن زيد- أنها كانت وصيفة لعبد المطلب، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما توفى أبوه، كانت أم أيمن تحضنه حتى كبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعد ما توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخمسة أشهر وفي رواية قال: «كان الرجل يجعل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم النخلات من أرضه حتى افتتح قريظة والنضير، فجعل بعد ذلك يرد عليهم، وأن أهلي أمرونى أن آتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسأله ما كان أهله أعطوه أو بعضه؟ وكان نبي اللَّه قد أعطاه أم أيمن فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعطانيهن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي، وقالت واللَّه لا يعطيكهن وقد أعطانيهن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أم أيمن، اتركيه، ولك كذا، وتقول: كلا، واللَّه الّذي لا إله إلا هو، فجعل يقول كذا حتى أعطاها عشرة أمثاله، أو قريبا من عشرة أمثاله.
فصل في ذكر من بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الأنصار وغيرهم القرآن ويفقههم في الدين
فصل في ذكر من بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلم الأنصار وغيرهم القرآن ويفقههم في الدين اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث عدة من أصحابه يعلمون الناس القرآن، ويفقهونهم في الدين، وكان أول من بعثه لذلك مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، القرشي، العبديّ، أبو عبد اللَّه، أحد الجلة من الصحابة، الذين أسلموا قديما، وهاجر إلى الحبشة، ثم بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة قبل الهجرة، بعد العقبة الثانية. يقرئهم القرآن [ويفقههم في الدين] وكان يدعى: القارئ والمقرئ وهو أول من سمى المقرئ، ويقال: إنه أول من جمّع- أي صلاة الجمعة- بالمدينة قبل الهجرة، وشهد بدرا، واستشهد يوم أحد [ (1) ] . قال الواقدي: حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، وبكر بن الهيثم، قالا: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا شعبة، عن أبى إسحاق عن البراء بن عازب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة، مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم [ (2) ] .
قال الواقدي: وقد روى أن مصعبا سار من المدينة إلى مكة، هاجر إليها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه. وقال نصر بن على: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبى عن ابن إسحاق قال: ثم انصرفوا، وبعث معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصعب بن عمير. قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمران، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إنما بعثه بعدهم، وإنما كتبوا إليه: أن الإسلام قد فشا فينا، فابعث إلينا رجلا من أصحابك، يقرئنا القرآن، ويفقهنا في الإسلام، ويقيمنا بسننه وشرائعه، ويؤمنا في صلاتنا، فبعث مصعب بن عمير، وكان منزل مصعب على أبى أمامة أسعد بن زرارة، وكان مصعب يسمى بالمدينة: المقرئ، وكان أبو أمامه يذهب به إلى دور الأنصار، يدعوهم إلى الإسلام، ويفقه من أسلم منهم. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: يزيد بن أبى حبيب قال: لما انصرف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القوم، وبعث معهم مصعب بن عمير، فحدثني عاصم بن عمر، عن ابن قتادة، أن مصعب بن عمير، كان يصلى بهم،
وذلك أن الأوس كره بعضهم أن يؤمه بعض، وحدثني عبد اللَّه بن أبى بكر بن حزم، وعبد اللَّه بن المغيرة بن معيقب قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصعب بن عمير. مع النفر الاثني عشر، الذين بايعوه في العقبة الأول إلى المدينة، [يفقه] أهلها، ويقرئهم القرآن. وذكر الخبر، ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة. وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، أن مصعب بن عمير، كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسلمين، قبل أن يقدمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر غير الواقدي: أن الأنصار صلت قبل الهجرة سنتين إلى بيت المقدس وابن أم مكتوم كان ممن قدم المدينة معه مصعب بن عمير، قال الواقدي: قدمها بعد بدر بيسير [ (1) ] . ومعاذ بن جبل، بعثه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاضيا الى الجند باليمن يعلم الناس القرآن. وشرائع الإسلام ويقضى بينهم، وقد تقدم التعريف به. وعمرو [بن] [حزم بن] زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم ابن مالك بن النجار، الأنصاريّ، الخزرجىّ، النجارىّ، ومنهم من ينسبه في مالك بن جشم بن الخزرج، ومنهم من ينسبه في ثعلبة بن زيد بن مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك [يكنى] أبا الضحاك، أول مشاهده الخندق، واستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة، ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن ويأخذ صدقاتهم، وذلك في سنة عشر، وكتب له كتابا، فيه الفرائض، والسنن والديات، ومات [بالمدينة] سنة إحدى وخمسين وقيل: غير ذلك [ (2) ] .
عقوبة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
عقوبة من سب أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [حدثنا] [ (1) ] محمد بن الحسن بن زبالة، عن أبيه، أنبانا عبد اللَّه بن موسى بن جعفر، عن على بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن على بن الحسين، عن أبيه، عن الحسين بن على، عن أبيه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من سب نبيا فاقتلوه، ومن سب أصحابى فاضربوه [ (2) ] . ومن حديث أبى برزة: كنت يوما عند أبى بكر، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فغضب على رجل، حكى القاضي إسماعيل وغيره في هذا الحديث، أنه سب أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وفي رواية النسائي
قال: [أغلظ رجل لأبى بكر الصديق فقلت: أقتله] ؟ فانتهزنى، وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
وفي صحيح مسلم، من طريق عبد اللَّه بن نمير، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا كفّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما [ (1) ] . وأخرجه البخاري [ (2) ] من حديث على بن المبارك، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما. وقال عكرمة بن عمار، عن يحيى، بن عبد اللَّه بن يزيد: سمع أبا سلمة، سمع أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ذكره البخاري في كتاب الأدب. وخرج مسلم [ (3) ] من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن دينار، أنه سمع ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه. وخرجه البخاري [ (4) ] من حديث عبد الوارث، حدثنا حسين [المعلم] ، عن [عبد اللَّه بن بريدة] ، عن يحيى بن يعمر، أن أبا الأسود [الدؤلي] حدثه، عن أبى ذر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
يقول: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، [ومن ادعى ما ليس له فيهم نسب فليتبوَّأ مقعده من النار] . وخرجه البخاري [ (1) ] أيضا من حديث عبد الوارث، عن الحسين، عن عبد اللَّه بن بريدة، قال: حدثني يحيى بن يعمر، أن أبا الأسود [الدؤلي] ، حدثه عن أبى ذر، أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يرمى رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك. قال الشيخ أبو زكريا النووي: هذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات، من حيث أن ظاهره غير مراد، وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي كالقتل، والزنا، وكذا قوله لأخيه: كافر من غير اعتقاد بطلان [دين] الإسلام، فإذا عرف ما ذكرناه [فقيل] في تأويل الحديث أوجه: أحدهما: أنه محمول على المستحل لذلك، وهذا يكفر، فعلى هذا معنى [باء] بها، أي بكلمة الكفر، وكذا، حار عليه، وهو بمعنى رجعت عليه، أي رجع عليه الكفر، فباء، وحار، ورجع بمعنى واحد. والوجه الثاني: معناه، رجعت عليه نقيصته لأخيه، ومعصية تكفيره. والوجه الثالث: أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين، وهذا الوجه نقله القاضي عياض، عن الإمام مالك بن أنس، وهو ضعيف، لأن المذهب الصحيح المختار، الّذي قاله الأكثرون، والمحققون، أن الخوارج لا يكفرون كسائر أهل البدع. والوجه الرابع: معناه أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن [المعاصي]- كما قالوا- بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها، المصير إلى [الكفر] ، ويؤيد هذا الوجه، ما جاء في رواية أبى عوانة الأسفراييني، في كتابه (المخرج على صحيح مسلم) : فإن كان
كما قال، وإلا فقد باء بالكفر، وفي رواية: إذا قال لأخيه: يا كافر، وجب الكفر على أحدهما. والوجه الخامس: معناه، فقد رجع عليه تكفيره، فليس الراجع عليه حقيقة الكفر، بل التكفير، لكونه جعل أخاه المؤمن كافرا، فكأنه كفر نفسه، إما لأنه كفر من هو مثله، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر، يعتقد بطلان دين الإسلام واللَّه أعلم [ (1) ] . قال الشيخ الإمام أبو الفتح السبكى: كون الخوارج لا يكفرون، لست موافقا عليه، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، صح عنه في صحيح مسلم [ (2) ] ، من حديث على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: سيخرج في آخر الزمان قوم، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرءون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند اللَّه لمن قتلهم يوم القيامة. وقد رويت آثارا تدل على أنهم هم الذين قاتلهم عليّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهم الخوارج، وهم ومن كان مثلهم بهذه المنزلة، يجوز قتلهم بهذا الحديث، وإن ادعى الإسلام، ولا نترك ما عندنا إلا اعتقاده، ولا يلتفت إليه بنص هذا الحديث، فإن هذا نص في القتل، وأما مجرد سب أبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وغيرهما من الصحابة، فلم يجئ قط ما يقتضي قتل قاتله ولا كفره، والحديث الّذي يروى: من سب صحابيا فاجلدوه، إن صح فمعناه صحيح، لان واجبه التعزير، وهو يقتضي أنه لا يقتضي كفرا ولا قتلا، وحديث أبى برزة يدل على أن إغضاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
يوجب القتل دون غيره من الناس. قال: وفي الصحيحين [ (1) ] عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولعن المؤمن كقتله. قال الشيخ تقى الدين ابن دقيق العيد [سؤال] . لا يمكن أن يزاد في أحكام الدنيا، لأن اللعن لا يوجب القصاص [في الدنيا] ولا في الآخرة، لأن الإثم يتفاوت. قال المازرنى: يشبهه في الإثم، لأن اللعن قطع الرحمة، والموت قطع التصرف. وقيل: لعنة، تقتضي قصد إخراجه من المسلمين، وقطع منافعه الأخروية عنه، وقيل: استواؤهما في التحريم، فاقتضى كلام ابن دقيق العيد، أن اللعنة تعريض بالدعاء، الّذي قد يقع في ساعة إجابة، إلى البعد من رحمة اللَّه تعالى، وهو أعظم من القتل الّذي هو تفويت الحياة. قال السبكى الشيخ محيي الدين: أخذ بظاهر المنقول من عدم التكفير، وذلك محمول على ما إذا لم يصدر منهم سبب يكفر، كما إذا لم يحصل إلا مجرد الخروج [والقتال] ، ونحوه، أما مع التكفير لمن تحقق إيمانه، فمن أين ذلك؟. فإن قلت: قد قال الأصوليون في أصول الدين- ومنهم سيف الدين المزي- جوابا عن قول المكفرين: كيف لا نكفر الشيعة والخوارج بتكفيرهم أعلام الصحابة، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم؟ وبتكذيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قطعه لهم بالجنة؟ وأجاب: أن ذلك إنما هو إذا كان المكفر يعلم بتزكية من كفره، قطعا على الإطلاق إلى مماته، وليس كذلك، وهذا الجواب يمنع ما قلتم، قلت: هذا الجواب، إنما ننظر فيه إلى أن المكفر لا يلزمه بذلك تكذيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم ينظر إلى ما قلناه من الحكم عليه بالكفر [بالحديث] الّذي ذكرناه، إن لم يكن في باطنه تكذيب، كما قاله إمام الحرمين وغيره في الحكم بالكفر على السجود للصنم والملقى للمصحف في القاذورات، وإن لم يكن في باطنه تكذيب.
فإن قلت: يلزم على هذا أن كل من قال لمسلم أنه كافر يحكم بكفره، قلت: إن كان ذلك المسلم مقطوعا بإيمانه، كالعشرة المشهود لهم بالجنة، فنعم، وكذا عبد اللَّه بن سلام [ونحوه] ، ممن ثبت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الشهادة لهم بالجنة، وكذا كل من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر، وكذا أهل بدر، وأما إذا لم يكن ذلك المسلم مقطوعا بإيمانه، بل هو من عرض المسلمين، فلا قول فيه، ذلك، وإن كان إيمانه ثابتا من حيث الحكم الظاهر، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أشار إلى اعتبار الباطن بقوله: إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه، وبقوله: فقد باء بها أحدهما. بقي قسم آخر، وهو أن لا يكون من الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، المشهود لهم بالجنة، ولكن ممن [أجمعت] الأمة على جلالته وإمامته، كسعيد بن المسيب، والحسن، وابن سيرين، وأقرانهم من التابعين، ومن بعدهم من علماء المسلمين، المجمع عليهم، فهذا عندي أيضا ملتحق بمن ورد النص فيه، فيكفّر من كفّره. وحاصله أنّا نكفّر من يكفّر من نحن نقطع بإيمانه، إما بنص أو إجماع، فإن قلت: هذا طريق لم يذكره أحد من المتكلمين، ولا من الفقهاء، قلت الشريعة كالبحر، كل وقت يعطى جواهر، وإذا صح دليل، لم يضره خفاؤه على كثير من الناس في مدة طويله، على أننا قد ذكرنا من كلام مالك- رحمه اللَّه- ما يشهد له، فإن قلت: الكفر هو جحد الربوبية [أو الوحدانية] ، أو الرسالة، وهذا رجل موحد- يعنى الرافضيّ- مؤمن برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكثير من صحابته، فكيف يكفّر. قلت: التكفير، حكم شرعي، سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية، أو الرسالة، أو قول، أو فعل حكم الشارع بأنه كفر وإن لم يكن جحدا، وهذا منه، فهذا دليل لم يرد في هذه المسألة [أحسن] منه، لسلامته عن اعتراض صحيح قادح فيه، وينضاف إليه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم [فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى] : من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب، ولكن لا يقال بظاهره، بل هو
كقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (1) ] ، على أنه يمكن التزامه، وأن المراد إذا لم يترك [الربا] ، ولا أقر به، كفر. ولا شك أن أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولى اللَّه، [فإن] مبارزته مبارزة للَّه تعالى ومحاربته محاربة للَّه تعالى، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «ولعن المؤمن كقتله» وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مؤمن، وفي الحديث الأول كفاية، وهو في (صحيح مسلم) [ (2) ] . الدليل الثاني: استحلاله لذلك، ومن استحل ما حرمه اللَّه تعالى، فقد كفر، ولا شك أن لعنه الصديق، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وسبه محرم. قال ابن حزم: واللعن، أشد من السب، وقد صح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سباب المسلم فسوق، فسب أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فسق، واستحلال الفسق كفر، فإن قلت: إنما يكون استحلال الحرام كفر، إذا كان تحريمه معلوما من الدين بالضرورة، بالنقل المتواتر، من حسن إسلامه، وأفعاله أدلة على إيمانه، وأنه دام على ذلك، إلى أن قبضه اللَّه تعالى، هذا مما لا يشك فيه معلوم من الدين بالضرورة، فيكون مستحله كافرا. ولا يرد على هذا إلا شيء واحد، وهو أن يكفر مستحل ما علم تحريمه بالضرورة، فذلك كفرت الجهميّ والرافضيّ، لم يكن ذلك العلم الضروريّ بالتحريم، حاصلا عنده، فلم يلزم منه تكذيبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا ينفصل من هذا إلا بأن يقال: إن تواتر ذلك عند عموم الخلق يكفى فلا يعذر الرافضيّ بالشبهة الفاسدة، التي غطت على قلبه، حتى لم يعلم ذلك، وهذا محل نظر وجدل، وان كان القلب يميل إلى بطلان هذا العذر [وهذا هو الدليل الثالث] [ (3) ] .
[الدليل] الرابع: مذهب أبى حنيفة- رحمه اللَّه- أن من أنكر خلافة الصديق، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فهو كافر، وكذلك من أنكر خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومنهم من لم يحك في ذلك خلافا، ومنهم من ذكر في ذلك خلافا، وقال: الصحيح أنه كافر، [والمسألة] مذكورة في (الغاية) للسروجى، وفي (الفتاوى الطهيرية) ، وفي (الأصل) لمحمد بن الحسن، رحمه اللَّه، والظاهر أنهم أخذوا ذلك عن إمامهم أبى حنيفة، وهو أعلم بالروافض، لأنه كوفى، والكوفة منبع الروافض، والروافض طوائف منهم من يجب تكفيره ومنهم من لا يجب تكفيره فإذا قال أبو حنيفة [رحمه اللَّه] بتكفير من ينكر إمامة الصديق فتكفير لا عنه أولى. والظاهر أن المستند، أن منكر امامة الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مخالف للإجماع، بناه على أن جاحد [الحكم] المجمع عليه كافر، وهو المشهور عند الأصوليين، وإمامة الصديق مجمع عليها، من حين بايعه عمر ابن الخطاب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ولا يمنع من ذلك تأخر بيعة بعض الصحابة، فإن الذين تأخرت بيعتهم، لم يكونوا مخالفين في صحة إمامته، ولهذا كانوا يأخذون [عطاءه] ويتحاكمون إليه، فالبيعة شيء، والإجماع شيء، لا يلزم من أحدهما الآخر، ولا من عدم أحدهما عدم الآخر، فافهم ذلك، فإنه قد يغلط فيه. وهذا قد يعترض عليه شيء من شيئين: أحدهما: قول: بعض الأصوليين: أن جاحد الحكم المجمع عليه، إنما يكفر إذا كان معلوما من الدين بالضرورة، وأما المجمع عليه الّذي ليس معلوما من الدين بالضرورة، فلا يكفر بإنكاره، مثل كون بنت الابن لها السدس مثل البنت، مجمع عليه، وليس معلوما بالضرورة، فلا يكفر منكره، ويجاب على هذا [بأن] خلافة الصديق، وبيعة الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم له، ثبتت بالتواتر المنتهى إلى حد الضرورة، فصارت كالمجمع عليه: المعلوم بالضرورة، وهذا لا شك فيه، ولم يكن أحد من الروافض في أيام الصديق، ولا في أيام عمر، ولا في أيام عثمان، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وإنما حدثوا بعده، وحدثت مقالتهم بعد حدوثهم.
الشيء الثاني: أن خلافة الصديق، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وإن علمت بالضرورة، فالخلافة من الوقائع الحادثة، ليست حكما شرعيا، والّذي يكفر جاحده إذا كان معلوما بالضرورة، إنما هو الحكم الشرعي، لأنه من الدين، كالصلاة، والزكاة، والحج، لأنه لا يلزم من جحده، تكذيب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهذا محل يجب التمهل [فيه] والنظر، نعم، وجوب الطاعة وما أشبهه حكم شرعي يتعلق بالخلافة. قال: فإن قلت: قد جزم- يعنى القاضي حسين- في كتاب (الشهادات) بفسق سابّ الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، ولم يحك فيه خلافا، وكذلك ابن الصباغ في (الشامل) ، وغيره. وحكوه عن الشافعيّ، رحمه اللَّه، فيكون ذلك ترجيحا لعدم الكفر، قلت: لا، وهما مسألتان المسألة المذكورة في (الشهادات) في السب المجرد دون التكفير وهو موجب لفسق، ولا فرق في الحكم بالفسق بين ساب أبى بكر، [وغيره من] أعلام الصحابة، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. والمسألة المذكورة في كلام القاضي حسين، في كتاب (الصلاة) - في الابتداء في ساب الشيخين [ (1) ] ، أو الحسنين [ (2) ] ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وهي محل الوجهين في الكفر، أو الفسق، ولا مانع من أن يكون سب مطلق [الصحابة] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم موجبا للفسق، وسب بهذا الصحابي مختلف في كونه موجبا للفسق أو الكفر. وأما المسألة الثالثة. وهي تكفير أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونظرائه من الصحابة، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فهذه لم يتكلم فيها أصحابنا في كتاب (الشهادات) ولا في كتاب (الصلاة) ، وهي مسألتنا، والّذي أراه، أنه موجب للكفر قطعا، عملا بمقتضى الحديث المذكور.
قال: فتلخص أن سب أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، على مذهب أبى حنيفة، وأحمد [رحمهما اللَّه] ، وأحد الوجهين عند الشافعيّ، كفر، أما مالك، فالمشهور أنه أوجب به الجلد فيقتضى أنه ليس كفر ولم أر عنه خلاف ذلك إلا ما قدمته في الخوارج فيخرج عنه أنه كفر فتكون [المسألة] عنده على حالين: إن اقتصر على سبّ من غير تكفير، يكفروا، إن كفر فالرافضي قد زاد إلى تكفير فهو كافر عند مالك وأبى حنيفة، وأحد وجهي الشافعيّ، وزنديق عند أحمد، بتعرضه إلى عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه المتضمن تخطئة المهاجرين والأنصار، وكفره كفر ردة، لأن حكمه قبل ذلك حكم المسلمين والمرتد يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل وهذا استتيب، فلم يتب، يعنى في رافضي قتل في زمانه. قال: فكان قتله على مذهب جمهور العلماء، أو جمعيهم، لأن القائل بأن الساب لا يكفر، لم يتحقق منه أنه يطرده فيمن يكفر أعلام الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فأحد الوجهين عندنا، إنما اقتصر على الفسق، في مجرد السب دون التكفير، وكذلك الإمام أحمد، إنما عن قتل من لم يصدر منه إلى السب والّذي صدر من هذا أعظم من السب. ومن جملة المنقول: قول الطحاوي- أحد أئمة الحنفية- في (عقيدته) [ (1) ] في الصحابة: وبعضهم كفّر، وهذا يحتمل أن يحمل على مجموع الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، ويحتمل أن يحمل على كل واحد منهم إذا أبغضه [لا] لأمر خاص به، لا بل مجرد صحبته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا شك أن ذلك كفر، لأنه لا يبغضه لصحبته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا وهو يبغض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبغض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كفر. ويحتمل أن يحمل على ما إذا أبغض صحابيا، لا لأمر من الأمور، والقول بأن هذا وحده كفر يحتاج إلى دليل، وأما إذا أبغضه لشحناء بينهما دنيوية، ونحوها، فلا يظهر كفره، والرافضيّ ومن أشبهه، بغضهم لأبى بكر، وعمر، وعثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، لا شك أنه ليس لأجل
فصل في التنبيه على شرف مقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصحبة، لأنهم يحبون عليا، والحسن، والحسين، رضى اللَّه تبارك وتعالى تعالى عنهم، ويحبون [غيرهم] ولكنه لهوى في أنفسهم، واعتقادهم بجهلهم، ظلمهم لأهل بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فالظاهر أنهم إذا اقتصروا على السب من غير تكفير، ولا جحد لمجمع عليه، لا يكفرون. واعلم أن من كان كفره للطعن في الدين، فإن توبته مقبولة، لقوله تعالى: وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [ (1) ] دليل لقبول توبتهم، وهذا الرافضيّ، لم ينته، ولم يتب، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. فصل في التنبيه على شرف مقام أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم هم الحواريون، الذين وعوا سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأدوها ناصحين محتسبين، حتى كمل بما نقلوه الدين، وثبتت لهم حجة اللَّه على المسلمين، وهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء اللَّه وثناء رسوله، ولا أعدل ممن ارتضاه اللَّه لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه، ونحن وإن بلغنا من الفضل ما عسانا نبلغه، فإن فهم مقامهم على مقدارهم، مستحيل أن يصل منا أحد إليه، لبلوغنا الغاية في الانحطاط عن مرتبتهم. لكنا إنما نفهم مقامهم على قدرنا، وذلك أن أكثر ما نبحث عنه من العلوم، وندأب فيه، فإنه حاصل عند الصحابة بأصل الخلقة، لا يحتاجون فيه إلى تكلف طلب، ولا مشقة درس، كاللغة، والنحو، والصرف، وعلم المعاني والبيان، وأصول الفقه، وأصول الدين، وكذلك ما فطروا عليه من العقول الرصينة، ما من اللَّه تعالى به عليهم، من إفاضة نور النبوة العاصم
وأما وصاياه صلى الله عليه وسلم
من الخطأ في الفكر، يغنيهم عن علم المنطق، والجدل وسائر العلوم العقلية، وبما [ألف] سبحانه بين قلوبهم، حين صاروا بنعمته إخوانا، على سرر متقابلين، أغناهم عن الاستعداد للمناظرة، والمجادلة. فلم يكونوا يحتاجون في علومهم إلى ما يسمعونه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما أوحى إليه ربه من كتابه العزيز، وسنته التي هي الحكمة، فإذا سمعوا ذلك فهموه أحسن فهم، وحملوه على أجمل حمل، ونزلوه منزلته. وأما وصاياه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج مسلم [ (1) ] من حديث سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان ابن بريدة، عن أبيه، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال، كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا أمر أميرا، على جيش، أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى اللَّه، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا بسم اللَّه، قاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال- فأيتهن ما أجابوا فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك، فاقبل منهم، وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجرى عليهم حكم اللَّه الّذي يجرى على المؤمنين، ولا يكون لهم في القسمة والغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبو فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم [وإن هم] أبوا فاستعن باللَّه [وقاتلهم] ، وإذا حاصرت
فصل في ذكر [أمراء] سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة اللَّه ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم، أهون من أن [تخفروا] ذمة اللَّه وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن، [فأرادوك] أن تنزلهم على حكم اللَّه، فلا تنزلهم على حكم اللَّه، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم اللَّه [أم لا] . فصل في ذكر [أمراء] سرايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [السرية [ (1) ] ، ما بين خمسة [أنفس] ، إلى ثمانية، وقيل: هي من الخيل نحو أربعمائة] ، وعدة سرايا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. التي بعثها لجهاد أعداء اللَّه، ثمان وخمسون سرية، استعمل عليها سبعة وثلاثين رجلا وكان يعتذر عن تخلفه عنها، ويوصى [أمراءه] بتقوى اللَّه، ويعلمهم [ما] يحتاجون إلى فعله في غزوهم، وينكر ما لا يصلح من فعل [الأمراء] . فأما اعتذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن التخلف فخرج البخاري [ (2) ] من حديث الزهري، قال: أخبرنى سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: والّذي نفسي بيده، لولا أن رجالا من المؤمنين، لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عنى، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغدو في سبيل اللَّه، والّذي نفسي بيده، لوددت أنى أقتل في سبيل اللَّه، ثم أحيا، [ثم أقتل] ثم أحيا، ثم أقتل، ترجم عليه باب: تمنى الشهادة.
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث جرير، عن عمارة بن القعقاع، عن أبى زرعه عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكرراه من طرق، وخرجه النسائي أيضا. [ (2) ] وذلك كله من غير مجاهدة نفس، ولا تكلف الهواجر، [ومقاساة] شدة الظمأ، ولا قيام ليل طويل، ولا استغراق الأوقات في الذكر، بل بإفاضة نور النبوة عليه، قد استحال في أقل من طرفة عين هذه الاستحالة الشريفة وارتقى إلى أعلى مقام تتقاصر أعمال العاملين من بعده بأسرهم عن بلوغه. وأنت إن كنت ممن سلك طريق اللَّه، فإنك تعلم إن إجابة من إجابات الحق [توازى] عمل الثقلين، هذا في حق الأتباع الذين سلكوا منهاج الصحابة وأما الصحبة، فأين الثريا من يد المتناول هيهات أن يحصى الرمل، أو يحصر القطر، فالزم الأدب مع الحق، وقف مع حذاك من العبوديّة، [وأد إلى كل] إلى كل ذي حق حقه، ولا تكونن من المعقدين فتردى أسفل سافلين، وتعجز عن الوصول إلى منازل العارفين واللَّه يهدى من يشاء بمنه. وهم مع هذه الفضائل الجمة، قد برأهم اللَّه تعالى ونزههم عن أن يمارى أحد فيما يسمع من الكتاب والسنة أو يجادل فيه، ولم يكن بينهم على ذلك بدعة ولا ضلالة، وإذا صلى أحد منهم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلوات المفروضة، أو حج واعتمر، أو جاهد في سبيل اللَّه من صد عن سبيله وكفر، أو أدى زكاة ماله، أو [حض] من يؤديها، أو شاهد قضاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شيء، أغناه ذلك عن التكلف والدءوب في طلب علم الفقه، ومعاناة المشفقة في حفظه ودراسته. ولم يكونوا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم مع هذا محتاجين إلى تجربة، ولا سلوك، ولا رياضة، ولا دخول خلوة، ولا سياحة، بل كانوا لمجرد رؤية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهم، أو دعايته إياه إلى الإسلام، يحصل له
أجل مقامات العارفين، وأعلى منازل المقربين، و [أعلى] درجات الصديقين، من غير صيام نهار، ولا قيام ليل، ولا مجاهدة نفس، ولا تهذيب أخلاق، بل يستحيل في تلك اللحظة [صديقا] مقربا، ووليا للَّه عارفا، وحبرا من أحبار الأمة عالما قد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وواقفه فيما بقي من عمره وحفظه. واعتبر بحال أمير المؤمنين، أبى حفص، عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، كيف كان أشد الناس في عداوة اللَّه [عز وجل] ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى لقد هم بقتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فما هو إلا أن وقف على دار الأرقم، وطرق الباب، فقام إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتلقاه، وعانقه، وضرب صدره ثلاث مرات، وهو يقول: اللَّهمّ أخرج ما في صدره من غل، وأبدله إيمانا، فللحال انصبغ عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، واستحال بعد الشرك باللَّه، وعبادة الأصنام، والأوثان، والطواغيت، وبذل الجهد في إطفاء نور اللَّه، ما سلك فجا، إلا سلك الشيطان فجا غيره، ولو كان بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي لكان عمر.
فصل في ذكر من استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة في غيبته عنها في غزو، أو حج، أو عمرة
فصل في ذكر من استخلفه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المدينة في غيبته عنها في غزو، أو حج، أو عمرة اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزا خمسا وعشرين غزاة، وخرج للعمرة مرتين، وحج مرة واحدة بعد الهجرة، واستخلف على المدينة في ذلك اثنى عشر رجلا. وكان عند قدومه المدينة، قد وادع يهودها، وكتب بينه وبينهم كتابا، واشترط عليهم ألا يمالئوا عليه عدوه، وأن ينصروه على من دهمه، وأن لا يقاتل عنهم كما يقاتل عن أهل الذمة. فلم يحارب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدا ولم يهجه، ولم يبعث سرية، حتى أنزل اللَّه تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ* وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ. فكان أول لقاء عقده لواء حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال سفيان عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: أول آية أنزلت في القتال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وقال عبد اللَّه بن المبارك، عن يونس، عن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن عروة أن أول آيه أنزلت في الجهاد: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.
وأول غزوة غزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزاة الأبواء، وهي غزاة ودان، في صفر على أثنى عشر شهرا من هجرته، يريد عير قريش، فلم يلق كيدا. فأما الذين استخلفهم على المدينة في غيبته عنها فهم: سعد بن عبادة الخزرجي، خلفه في غزوة ودان، خمس عشرة ليلة، وسعد بن معاذ، خلفه في غزوة بواط. وزيد بن حارثة، [خلفه] في غزوة سفوان، وفي غزوة المريسيع. وأبو سلمة بن عبد الأسد. خلفه في غزاة بنى قينقاع، وفي غزاة السويق، وعاصم بن عدي [خلفه] على قباء، وأهل العالية، في غزوة بدر، وقد رده رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الروحاء، لشيء بلغه عن أهل مسجد الضرار، وكان قد استخلفه على قباء والعالية، فرده لينظر في ذلك، وضرب له بسهمه مع أهل بدر. وابن أم مكتوم، خلفه في غزاة قرقرة الكدر، ثم في غزاة بنى سليم، ثم في غزاة أحد، ثم في غزاة حمراء الأسد، ثم في غزاة بنى لحيان، ثم في غزاة بنى النضير، ثم في غزاة الخندق ثم في غزاة بنى قريظة، ثم في غزاة بنى لحيان، ثم في غزاة ذي قرد، ثم في عمرة الحديبيّة. وقيل: بل كان على المدينة في عمرة الحديبيّة أبو رهم، وكان ابن مكتوم على المدينة في غزاة تبوك، وقيل بل كان على المدينة في غزاة تبوك محمد بن مسلمة، وقيل: أبو رهم، وقيل: سباع بن عرفطة، وكان ابن أم مكتوم على المدينة في حجة الوداع. وعثمان بن عفان صلّى اللَّه عليه وسلّم وابن رواحة [خلفه] في غزاة بدر الموعد. وسباع بن عرفطة الكناني، [خلفه] في غزاة دومة الجندل، وفي غزاة خيبر، وقيل: بل كان على المدينة في غزاة خيبر نميلة بن عبد اللَّه الكناني، وكان سباع على المدينة في غزاة وادي القرى. وأبو ذر الغفاريّ [خلفه] في عمرة القضية، وقيل: بل خلف فيها أبو رهم الغفاريّ. وعلى بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [خلفه] على أهل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة تبوك واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
فصل في ذكر من استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيوشه عند عودته صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جيوشه عند عودته صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقام في جهات جيوشه، وعلى عسكره، لما كان يخرج إلى الغزو جماعة من أصحابه، فاستعمل على المشاة لما خرج إلى بدر، قيس بن أبى صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمر بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاريّ، أحد من شهد بيعة العقبة على المشاة، وأمره حين فصل من بيوت السقيا، أن يعد المسلمين، فوقف لهم [مع] أبى عتبة، فعدهم، ثم أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعله على الساقة يومئذ وقدم يوم أحد طليعتين، هما مالك والنعمان، ابنا خلف بن عوف [بن] دارم بن عمر بن وائلة بن سهم بن مازن بن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة ابن عمرو مزيقياء، ودفنا في قبر واحد. قال الكلبي: وجعل في غزاة أحد على الرماة- وهم خمسون رجلا- عبد اللَّه بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس، واسمه البرك بن ثعلبة ابن عمرو بن عوف الأنصاري، أحد من شهد العقبة، وهو أخو خوات بن جبير، وتقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الرماة فقال: احموا لنا ظهورنا، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا، والزموا مكانكم، لا تبرحوا منه، وإن رأيتمونا نهزمهم، حتى تدخل عسكرهم، فلا تفارقوا مكانكم وإن رأيتمونا نقتل فلا تعينونا [ولا تدفعوا عنا] ، اللَّهمّ إني أشهدك عليهم، وأرشقوا خيلهم بالنبل، فإن الخيل لا تقوم على النبل. فلما التحمت الحرب، وكانت الدولة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المشركين، قال بعض الرماة لبعض [لما تقيمون] هاهنا في غير شيء، قد هزم اللَّه العدو، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم، فادخلوا عسكر المشركين، فاغنموا مع [إخوانكم] فقال بعض الرماة لبعض ألم تعلموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لكم: احموا ظهورنا، ولا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن غنمنا فلا تشركونا، احموا ظهورنا؟
فقال الآخرون: لم يرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا، وقد أذل اللَّه المشركين وهزمهم فادخلوا العسكر، وانتهبوا مع إخوانكم، فخطبهم عبد اللَّه بن [حمير] ، فحمد اللَّه، وأثنى عليه، وأمر بطاعته، وطاعة رسوله، فعصوا، وانطلقوا حتى لم يبق معه إلا دون العشرة، ومضوا إلى عسكر المشركين ينتهبون، فبين المسلمون قد شغلوا بالنهب، وضع الرماة [ ... ] دخل المشركون عليهم وهم غارون [آمنون] ، فوضعوا فيهم السيوف، فقتلوا فيهم قتلا ذريعا، وتفرق المسلمون في كل وجه. وكر خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبى جهل إلى موضع الرماة، فحملوا على من بقي منهم، فرموهم حتى أصيبوا، ورمى عبد اللَّه بن جبير، حتى فنيت نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر، ثم كسر جفن سيفه، فقاتلهم حتى قتل شهيدا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. ولما سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بنى النضير، ورجع بعد أن صلّى العشاء إلى بيته في عشرة من أصحابه، استعمل عليّ بن أبى طالب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم لما رجع من الغداة أمر بنخل بنى النضير، فقطعت، وحرقت، واستعمل على قطعها أبا ليلى، عبد الرحمن بن كعب بن عمرو الأنصاري المازني، أخا عبد اللَّه بن كعب المازني، وعبد اللَّه بن سلام بن الحارث، أبا يوسف الإسرائيلي، حليف الأنصار، فكان أبو ليلى يقطع العجوة، وكان عبد اللَّه بن سلام يقطع اللون، فقيل لهما في ذلك، فقال أبو ليلى: كانت العجوة أحرق لهم، وقال عبد اللَّه بن سلام: قد عرفت أن اللَّه سيغنمه أموالهم، وكانت العجوة خير أموالهم، [فنزل] في ذلك رضاء بما [صنعنا جميعا] قول اللَّه عز وجل: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ، ألوان النخل الّذي فعل بن سلام، أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها، يعنى العجوة، [فبإذن اللَّه] ، وقطع أبو ليلى العجوة، وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ يعنى بنى النضير، [رضا] من اللَّه تعالى، بما صنع الفريقان جميعا ولما نزل بنو قريظة على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بأسراهم، فكتفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، [ونحوا
ناحية] وأخرجوا النساء والذرية من الحصون، فكانوا ناحية، واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سعد بن زيد الأنصاري الأشهلي، على سبايا بنى قريظة، وبعثه بهم إلى نجد، فاتباع له بها خيلا وسلاحا. قال ابن إسحاق، واستعمل سعدا هذا في غزوة الغابة أميرا على الخيل، وكانوا ثمانية، وقدم عباد بن بشير أمامه طليعة في خيل قوتها عشرون فرسا، لما خرج يريد العمرة، فصده المشركون عن البيت بالحديبية، ثم قدمه في فوارس طليعة، لما خرج إلى غزاة خيبر، فأخذ عينا لليهود من أشجع، فقال: من أنت؟ قال: باغ أبغى أبعرة ضلت لي، أنا على إثرها، قال له ألك علم بخيبر؟ قال: عهدي بها حديث، فأنتم تسألون عنه، قال: عن يهود؟ قال: نعم كان كنانة بن أبى الحقيق، وهودة بن قيس ساروا في حلفائهم من غطفان، فاستنفروهم، وجعلوا لهم تمر خيبر سنة، فجاءوا معدين بالكراع، والسلاح، يقودهم عينية بن بدر، ودخلوا معهم في حصونهم، وفيها عشرة آلاف مقاتل، وهم أهل حصون لا ترام، وسلاح وطعام كثير، لو أحصروا سنين لكفاهم، فرفع عباد [بن] بشر السوط، فضربه ضربات وقال: ما أنت إلا عين لهم، أصدقني وإلا ضربت عنقك، فقال الأعرابي: فتؤمنى على أن أصدقك، فقال عباد: نعم، قال الأعرابي: القوم مرعوبون منك، خائفون وجلون، لما قد صنعتم بمن كان [قبلكهم] بيثرب من يهود، [إن يهود] بعثوا ابن عم لي وجدوه بالمدينة، قد قدم بسلعه له يبيعها، فبعثوه إلى كنانة بن أبى الحقيق، يخبرونه بقتالهم وقال، خيلكم وسلاحكم فأصدقوهم الضرب، ينصرفوا عنكم، فإنه لم يلق [قوما] يحسنون القتال، وقريش والعرب قد سروا بمسيره إليكم، لما يعلمون من كثرة عددكم وسلاحكم، وجودة حصونكم، وقد بايعت قريش وغيرهم، ممن يهوى هوى محمد، تقول قريش: إن جاءهم يظهر، ويقول الآخرون: يظهر محمد فإن ظفر محمد فهو ذل الدهر. قال الأعرابي: وأنا أسمع كل هذا، فقالت لي كنانة: اذهب معترضا للطريق فإنّهم لا يستنكرون مكانك، فاحذرهم لنا، وادن منهم كالسائل لهم
ما يقوى به، ثم ألق [إليهم] كثرة عددنا، وموادنا، فهم [لن يدعوا سؤالك] ، وعجل الرجعة إلينا بخبرهم، فأتى به عباد بن بشر، إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره الخبر، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أضرب عنقه، فقال عباد: جعلت له الأمان، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمسكه معك يا عباد فأوثقه رباطا، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، عرض عليه الإسلام وقال: إني داعيك ثلاثا، فإن لم تسلم وإلا ضرب عنقك، فأسلم، وندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد بن مسلمة ليرتاد له منزلا، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما نزل على خيبر، بات وأصبح بمنزله، فجاء الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا رسول اللَّه: - إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أمرت به، فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأى تكلمنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل هو الرأى: فقال: يا رسول اللَّه، دنوت من الحصون، ونزلت بين ظهري النخل، إن أهل النطاق لي ولهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى، ولا أعدل، وهم مرسون علينا، وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أنى لا آمن بياتهم، يدخلون في خمر النخل، فتحول يا رسول اللَّه إلى موضع يرى من البر، ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم، حتى لا ينالنا نبلهم، ونأمن من نبالهم، ومرتفع من البر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشرت بالرأي، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نقاتلهم هذا اليوم، ودعي محمد بن مسلمة فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم يرى من البر لا ننال من نبالهم، فطاف محمد [بن مسلمة] حتى انتهى إلى الرجيع، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا فقال وجدت لك منزلا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على بركة اللَّه، وقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومه ذلك إلى الليل، فقال الحباب: لو تحولت يا رسول اللَّه، فقال: إذا أمسينا إن شاء اللَّه تحولنا فلما أمسى تحول، وأمر الناس فتحولوا إلى الرجيع. واستخلف عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، على العسكر بخيبر، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تحول إلى الرجيع، خاف على أصحابه البيات، فضرب عسكره هناك، وبات فيه، فأقام سبعة أيام، يغدو كل يوم بالمسلمين، ويترك العسكر بالرجيع، ويستخلف عليه عثمان، ويقاتل أهل
النطاة يومه إلى الليل، فإن أمسى رجع إلى الرجيع، وكل من خرج من المسلمين يحمل على العسكر. واستعمل عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على الحرس، وذلك أنه كان يناوب بين أصحابه في حراسة الليل، مدة مقامه بالرجيع، فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فطاف عمر بأصحابه حول العسكر، وفرقهم، فأتى برجل من اليهود في جوف الليل، فأمر به عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يضرب عنقه، فقال: اذهب بى إلى نبيكم حتى أكلمه، فأمسك عنه، وأتى به إلى باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [فوجده] يصلى، فسمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلام عمر، فسلم، وأدخله عليه، فدخل اليهودي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لليهودي: ما وراءك؟ ومن أين أنت؟ فقال تؤمني يا أبا القاسم وأنا أصدقك، قال: نعم، فقال: خرجت من حصن النطاة، من عند قوم ليس لهم نظام [تركتهم] يتسللون من الحصن في هذه الليلة، قال: فأين يذهبون؟ قال: أذل مما كانوا فيه إلى الشق، وقد رغبوا منك، حتى إن أفئدتهم لتخفق، وهنا حصن فيه السلاح، والطعام، والودك، وفيه آلة حصونهم التي كانوا يقاتل بها بعضهم بعضا، قد غيبوا ذلك في بيت من حصنهم تحت الأرض. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما هو؟ قال: منجنيق مفككة، وسلاح ودروع، وبيض، وسيوف، فإذا دخلت الحصن غدا، وأنت تدخله، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن شاء اللَّه، قال اليهودي: إن شاء اللَّه، أوقعك عليه، فإنه لا يعرفه أحد من اليهود غيري، وأخرى، قال: ما هي؟ قال: تستخرجه ثم انصب المنجنيق على حصن الشق، ويدخل الرجال تحت [الدبابتين] فيحفروا الحصن، فتفتحه من يومك، وكذلك تفعل بحصون الكتيبة. فقال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] : إني أحسبه قد صدق، قال اليهودي: يا أبا القاسم: احقن دمي، قال: أنت آمن، قال: ولي زوجة في حصن النزار فهبها لي، قال: هي لك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما لليهود حولوا ذراريهم من النطاة؟ قال: جردوها للمقاتلة، وتحول الذراري إلى الشق والكتيبة، ثم
دعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الإسلام، فقال: أنظرني أياما، فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزا بالمسلمين إلى النطاة ففتح اللَّه الحصن، فاستخرج ما كان قال اليهودي فيه، فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمنجنيق أن يصلح وينصب على الشق وعلى حصن النزار، فما رموا عليها بحجر، حتى فتح اللَّه عليهم حصن النزار. واستعمل [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] على غنائم خيبر، فروة بن عمرو بن ودقة ابن عبيد بن غانم بن بياضه، البياضي، الأنصاري، أحد من شهد العقبة، وحصن الشق، وحصن الكتيبة، فلم يترك على أحد من أهل الكتيبة إلا ثوبا على ظهره، من الرجال، والنساء، والصبيان، وجمعوا أثاثا كبيرا، وبزا، [وقطائف] ، وسلاحا وغنما، وبقرا، وطعاما، وأدما كثيرا، فلم يخمس الطعام، والأدم، والعلف، بل أخذ الناس منه [حاجاتهم، وكل] من احتاج [إلى سلاح] يقاتل به، أخذوه من فروة بن عمرو، صاحب المغنم، حتى فتح اللَّه عليهم فردوا ذلك في المغنم، فلما اجتمع ذلك كله، أمر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجزئ [خمسة] أجزاء، منهم سهم اللَّه، وأمر ببيع أربعة أخماس فيمن يزيد، فجعل فروة بن عمرو يبيعها فيمن يزيد، فدعا فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّهمّ ألق عليه النفاق، قال فروة بن عمرو: فلقد رأيت الناس يتداركون على، ويتواثبون، حتى نفق في يومين، ولقد كنت أرى أنا لا نتخلص منه حينا لكثرته. واستعمل [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] على إحصاء الناس بخيبر، زيد بن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بينهم الّذي غنموه من المتاع الّذي بيع، ثم أحصاهم ألفا و [أربعمائة] ، والخيل مائتي فرس، فكانت السهمان على ثمانية عشر سهما، للرجال [أربعمائة] ، وللخيل [أربعمائة] . واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزاة الفتح، الزبير بن العوام رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، على مائتين من المسلمين، وقدمه أمامه، وجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم من العرج، أتته الطليعة بعين من هوازن، فقالوا: يا رسول اللَّه رأيناه حين طلعنا عليه، وهو على راحله قد تغيب عنها في هذه، ثم جاء فأوفى على [سهل] فقعد عليه، فركضنا إليه، فأراد أن يهرب منا، وإذا بعيره قد عقله،
فأدركناه، فقلنا: ممن أنت؟ قال: رجل من غفار، فقلنا: هم أهل [هذا] البلد، فأى بنى غفار أنت؟ فلم يذكر لنا نسبا، فازددنا به ريبة، وأسأنا به الظن هنالك؟ فلم يقل شيئا، فلما رأينا ما خلط، فقلنا: لتصدقنا، أو لنضربن عنقك قال: فإن صدقتكم ينفعني ذلك [عندكم] قلنا: نعم فإنّي رجل من هوازن، من بنى النضير، بعثتني هوازن عينا، وقالوا: ائت المدينة حتى تلقى محمدا، فتستخبر لنا ما يريد في أمر حلفائه، أيبعث إلى قريش بعثا، أو يغزوهم بنفسه، ولا نراه إلا سيغزوهم، فإن خرج سائرا، أو بعث بعثا، فسر معه، حتى ينتهى إلى بطن سرف، فإن كان يريدنا أولا، فاسلك في بطن سرف حتى يخرج إلينا، وإن كان يريد شيئا، [فسيلزم] الطريق. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأين هوازن؟ قال: تركتهم [شيعا] ، وقد جمعوا الجموع، وأجلبوا في العرب، وبعثوا إلى ثقيف، فأجابتهم، فتركت ثقيفا على ساق، قد جمعوا الجموع، وبعثوا إلى جرش في عمل الرايات والمنجنيق، وهم سائرون إلى جمع هوازن، فيكونون جميعا. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وإلى من جعلوا أمرهم؟ قال: إلى مالك بن عوف، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وكل هوازن قد أجاب إلى ما دعي إليه مالك؟ قال: وقد أبطأ من بنى عامر أهل الجد والجلد، قال: من؟ قال: كعب وكلاب، قال ما فعلت هلال؟ قال: ما أقل من ضوى إليه منهم، ومررت بقومك أمس بمكة، وقد قدم عليهم أبو سفيان بن حرب فرأيتهم ساخطين لما جاء به، وهم خائفون وجلون. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ما أراه إلا صدقنى، قال الرجل: فلينفعنى ذلك، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يحبسه، وخافوا أن يتقدم ويحذر الناس، فلما نزل العسكر مر الظهران، أفلت الرجل، فطلبه خالد بن الوليد، فأخذه عند الأراك، وقال لولا عهد لك لضربت عنقك، وأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر به يحبس حتى يدخل مكة، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وفتحها، أتى به إليه، فدعاه إلى الإسلام، فأسلم، ثم خرج معه، فقتل [بأوطاس] فلما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
في غزاة الفتح قديدا، لقيته سليم في تسعمائة أو في ألف فارس، فجعل معهم خالد بن الوليد في المقدمة، حتى نزلوا مر الظهران معه، فكان أول من قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالدا في بنى سليم، وهم ألف، فيهم لواء يحمله عباس بن مرداس، ولواء يحمله خفاف بن ندبة، وراية يحملها آخر، [فلم يزل] خالد بهم في المقدمة، حتى ورد الجعرانة بعد فتح مكة. وروى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يوم الفتح على المجنة اليمنى، خالد بن الوليد، وعلى المجنة اليسرى الزبير بن العوام، رضى اللَّه تبارك وتعالى [عنهما] ، وعلى الساقة، أبو عبيدة بن الجراح، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ذكره مسلم. واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا عامر، بن قيس، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عبيد، وقيل عباد بن قيس، وهو أخو أبى موسى الأشعري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذلك أن المشركين لما انهزموا بحنين، عسكر منهم طائفة بأوطاس، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في آثارهم أبا عامر الأشعري، وعقد له لواء، وكان معه في ذلك البعث سلمة بن الأكوع، وكان يحدث ويقول: لما انهزمت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرا، فإذاهم ممتنعون، فبرز رجل منهم فقال: من يبارز، فبرز له رجل معلم، فبرز له أبو عامر فقتله، فلما كان العاشر، برز له رجل معتم بعمامة صفراء، فقال أبو عامر: اللَّهمّ اشهد، فقال الرجل: اللَّهمّ لا تشهد فضرب أبا عامر فأثبته، فاحتملناه وبه رمق. واستخلف أبو موسى الأشعري، فأخبر أبو عامر [أبا موسى، أن قاتله صاحب العمامة الصفراء. وأوصى أبو عامر إلى أبى موسى، ودفع إليه الراية وقال: ادفع فرسي وسلاحي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقاتلهم أبو موسى حتى فتح اللَّه عليه، وقتل قاتل أبى عامر، وجاء بسلاحه وبذلته إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: إن أبا عامر أمرنى بذلك، وقال: قل لرسول اللَّه يستغفر لي، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلى ركعتين ثم قال: اللَّهمّ اغفر لأبى عامر، واجعله من أعلى أمتى إلى الجنة، وأمر بتركته [فبعثت] إلى أبيه، فقال أبو موسى: يا رسول اللَّه إني أعلم أن اللَّه قد غفر لأبى عامر وقتل شهيدا فادع اللَّه لي، فقال:
اللَّهمّ اغفر لأبى موسى، واجعله في أعلى أمتى قال الواقدي: فيرون أن ذلك وقع يوم الخميس. واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سبايا حنين، يزيد بن ورقاء بن عبد العزيز ربيعة الخزاعي، وأمر بالسبي أن يوجه إلى الجعرانة، وبالغنائم [فحبست] [ (1) ] أيضا فسيقت إلى الجعرانة، ومضى صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف وندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، أبا عمرو، الأنصاري، السلمي، الّذي يقال له ذو الرأى لما نزلوا على الطائف أن يرتاد له مكانا، وذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم نزل من الطائف قريبا من الحصن، فضرب عسكره هناك، فساعة حل وأصحابه، جاء الحباب بن المنذر فقال: يا رسول اللَّه إنا قد دنونا من الحصن، فإن كان عن أمر سلمنا، وإن كان الرأى، فالتأخر عن حصنهم، فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان عمرو بن أمية الضمريّ يحدث ويقول: لقد طلع علينا من نبلهم ساعة، تركنا بنى سليم كأنه رجل جراء، وترسنا حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، فدعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحباب فقال: انظر مكانا مرتفعا نتأخر عن القوم. فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد الطائف، وجاء رجل من القرية فجاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره [فأمر] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يتحولوا، قال عمرو بن أمية: إني لأنظر إلى أبى محجن، يرمى به من فوق الحصن كأنها الرماح، فما يسقط لهم سهم. واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت الأنصاري، على غنائم أوطاس وأمره بإحصاء الناس والغنائم ثم قسمها على الناس فكانت سهامهم لكل رجل أربع من الإبل، وأربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنى عشر من الإبل، أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد، لم يسهم له، وكان أبى حذيفة العدوي على مقاسم الغنم.
فصل في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب
واستخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على العسكر لما خرج لغزوة تبوك وذلك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عسكر بثنية الوداع والناس كثير، لا يجمعهم كتاب. واستخلف أبا بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على العسكر يصلى بالناس، [حين] اشتغل صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمسير، وكان صفوان بن المعطل بن رحضة بن خزاعيّ بن محارب بن مرة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن نهبة ابن سليم السلمي الذكوانيّ أبو عمر، على ساقة العسكر، يلتقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به. فصل في نصرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرعب [خرج البخاري من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي] . قال أبو هريرة: فقد ذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنتم تنتثلونها. قال البخاري: بلغني أن جوامع الكلم: أن اللَّه عز وجل يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد أو الاثنين، [أخرجه البخاري ومسلم] . ذكره في الجهاد وذكره في كتاب التعبير ولفظ منه: «وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، ووضعت في يدي» . وذكره في كتاب الاعتصام من حديث إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب بسنده وذكره أيضا من حديث أيوب عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم البارحة إذا أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي» وقال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فذهب صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنتم تنتثلونها. وذكره في كتاب الصلاة من حديث هشام، عن سيرين، عن
الحكم، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عنهم، وفيه «ونصرت بالرعب مسيرة شهر» وهو فيما اتفقا على إخراجه. وخرجه مسلم في كتاب الصلاة من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي، «قال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنتم تنتثلونها» [ (1) ] . ومن حديث الزبيدي، عن الزهري قال: أنبأنا سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: فذكر من حديث يونس ومن حديث معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثله. ومن حديث ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس مولى أبي هريرة، عن أبي هريرة، عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «نصرت بالرعب على العدو، وأعطيت جوامع الكلم، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي» . ومن حديث عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحاديث منها «قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصرت بالرعب وأتيت جوامع الكلم» . ذكره مسلم والّذي قبله في كتاب الصلاة. وخرجه النسائي أيضا من حديث معمر ويونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كما قال مسلم في حديث يونس. وأخرجه أيضا من حديث الزهري، عن سعيد وأبى سلمة، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثل ذلك.
فصل في ذكر مشورة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرب وذكر من رجع إلى رأيه
فصل في ذكر مشورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحرب وذكر من رجع إلى رأيه قال الترمذي: ويروى عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وذكر مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعرض عنه، ثم تكلم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقام سعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فقال إيانا تريد يا رسول اللَّه، والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها في البحر لخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى [برك الغماد] لفعلنا، قال: فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس فانطلقوا وذكر الحديث [ (2) ] .
وذكره أبو داود من طريق حماد عن ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بهذا المعنى، وذكر الثاني في النسائي من حديث محمد بن [المثنى] قال: أنبأنا خالد وقال أنبأنا حميد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سار إلى بدر فاستشار المسلمون فأشار عليه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم استشارهم فقال الأنصاري: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: إذا لا تقولوا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، والّذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادنا إلى برك الغماد لاتبعناك [ (1) ] . وقد ذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن عمر الواقدي وساقه الواقدي أنه قال: ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان [دوين] [ (2) ] بدر أتاه الخبر بمسير قريش فأخبرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمسيرهم واستشار الناس فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال فأحسن، ثم قال يا رسول اللَّه، إنها واللَّه قريش وعزها، واللَّه ما ذلّت منذ عزت، واللَّه ما آمنت منذ كفرت، واللَّه لا تسلم عزها أبدا، ولتقاتلنك، فاتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللَّه، امض لأمر اللَّه فنحن معك، واللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (3) ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، والّذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك- وبرك الغماد من وراء مكة بخمس ليال من وراء الساحل مما يلي البحر، وهو على ثمان ليال من مكة إلى اليمن. فقال له رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم خيرا، ودعا له بخير ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشيروا عليّ أيها الناس! وإنما يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأنصار، وكان يظن أن الأنصار لا تنصره إلا في الدار، وذلك أنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشيروا عليّ! فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار، كأنك يا رسول اللَّه تريدنا! قال: أجل. قال: إنك عسى أن تكون خرجت عن أمر قد أوى إليك في غيره، وإنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن كل ما جئت به حق، وأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة، فامض يا نبي اللَّه، فو الّذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما بقي منا رجل، وصل من شئت، واقطع من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. والّذي نفسي بيده، ما سلكت هذا الطريق قط، وما لي بها من علم، وما نكره أن يلقانا عدونا غدا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل اللَّه يريك منا ما تقر به عينك [ (1) ] . حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني محمد بن صالح، عن عاصم ابن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال: قال سعد: يا رسول اللَّه، إنا قد خلفنا من قومنا ما نحن بأشد حبّا لك منهم، ولا أطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد ونية، ولو ظنوا يا رسول اللَّه أنك ملاق عدوا ما تخلفوا، ولكن إنما ظنوا أنها العير، نبني لك عريشا فتكون فيه ونعد لك رواحلك، ثم نلقى عدوّنا فإن أعزّنا اللَّه وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خيرا. وقال: أو يقضي اللَّه خيرا من ذلك يا سعد! [ (2) ] قالوا: فلما فرغ سعد من المشورة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيروا على بركة اللَّه، فإن اللَّه قد وعدني إحدى الطائفتين واللَّه، لكأنّي انظر إلى مصارع القوم [ (3) ] قال: وأرانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصارعهم يومئذ، هذا مصرع فلان، وهذا
مصرع فلان، فما عدا كل رجل مصرعه. قال: فعلم القوم أنهم يلاقون القتال، وأن العير تفلت، ورجوا النصر لقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبعة عشر ليلة مضت من رمضان، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه: أشيروا علي في المنزل. فقال الحباب بن المنذر: يا رسول اللَّه، أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه اللَّه فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإن هذا ليس بمنزل! انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم، فإنّي عالم بها وبقلبها، بها قليب قد عرفت عذوبة مائه، وماء كثير لا ينزح، ثم نبني عليها حوضا ونقذف فيه الآنية، فنشرب ونقاتل، ونغور ما سواها من القلب [ (1) ] . حدثنا محمد قال: حدثنا الواقدي قال: فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود ابن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: نزل جبريل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: الرأي ما أشار به الحباب فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [يا حباب أشرت بالرأي! فنهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ففعل كل ذلك] [ (2) ] ، وأبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما استشارهما صلّى اللَّه عليه وسلّم في أسرى بدر. [قال الواقدي: ولما حبس الأسرى ببدر- استعمل عليهم شقران وكان المسلمون قد اقترعوا عليهم- طمعوا في الحيا فقالوا: لو بعثنا إلى أبي بكر فإنه أوصل قريش لأرحامنا، ولا نعلم أحدا آثر عند محمد منه! فبعثوا إلى أبي بكر، فأتاهم فقالوا: يا أبا بكر، إن فينا الآباء والأبناء والإخوان والعمومة وبني العم، وأبعدنا قريب، كلّم صاحبك فيمن علينا أن يفادنا. فقال: نعم إن شاء اللَّه، لا آلوكم خيرا.
ثم انصرف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: وابعثوا إلى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. فإنه من علمتم، فلا نأمن أن يفسد عليكم لعله يكف عنكم فأرسلوا إليه. فجاءهم فقالوا له مثل ما قالوا لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لن آلوكم خيرا، ثم انصرف إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. فوجد أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يلينه. يقول: يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمى قومك فيهم الآباء والأبناء والعمومة والإخوان، وبنو العم وأبعدهم منك قريب فامنن عليهم من اللَّه عليك، أو فادهم يستنفدهم اللَّه بك من النار. فتأخذ منهم ما أخذت قوة المسلمين. فلعل يقبل بقلوبهم عليك. ثم قام فتنحى ناحية، وسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يجبه. ثم جاء عمر، فجلس مجلس أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. فقال: يا رسول اللَّه، هم أعداء اللَّه كذبوك، وقاتلوك، وأخرجوك. اضرب رقابهم. هم رءوس الكفر، وأئمة الضلالة. يوطئ اللَّه بهم الإسلام، ويذل بهم اللَّه أهل الشرك. فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يجبه، وعاد أبو بكر إلى مجلسه الأول، وقال: يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمى، قومك فيهم الآباء، والأبناء، والعمومة، والإخوان، وبنو العم وأبعدهم منك قريب. فامنن عليهم، أو فادهم فهم عترتك وقومك لا تكن أول من يستأصلهم، يهديهم اللَّه خيرا من أن تهلكهم فسكت عنه ساعة، ولم يرد عليه شيئا، فقام عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فجلس مجلسه، فقال: يا رسول اللَّه: ما تنتظر بهم؟ اضرب رقابهم يوطئ اللَّه بهم الإسلام، ويذل أهل الشرك، هم أعداء اللَّه كذبوك، وقاتلوك، وأخرجوك، يا رسول اللَّه اشف صدور المؤمنين لو قدروا على مثل هذا منا ما أقالونا أبدا، فجلس فعاد أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكلمه مثل كلامه الّذي كلمه، فلم يجبه، ثم قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخل، فمكث فيها ساعة، وخرج والناس يخوضون في شأنهم. يقول بعضهم: القول ما قال أبو بكر، وآخرون يقولون: القول ما قال عمر.
فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما تقولون في صاحبيكم هذين دعوهما. فإن لهما مثلا، مثل أبى بكر كمثل ميكائيل ينزل برضاء اللَّه، وعفوه عن عباده، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم كان ألين على قومه من العسل. أوقد له قومه النار فطرحوه فيها. فما زاد على أن قال: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [ (1) ] ، وقال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (2) ] ، ومثله مثل عيسى، إذ يقول: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ (3) ] ومثل عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالسخط من اللَّه والنقمة على [عباد] اللَّه، ومثله في الأنبياء كمثل نوح، كان أشد على قومه من الحجارة. إذ يقول رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [ (4) ] . فدعى عليهم دعوة أغرق اللَّه الأرض جميعها، ومثل موسى إذ يقول: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [ (5) ] ، وإن بكم عيلة، فلا يفوتكم رجلا من هؤلاء إلا بفداء أو ضربة عنق، فقال عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يا رسول اللَّه: إلا سهيل بن بيضاء [قال ابن واقد: هذا وهم، سهيل بن بيضاء من مهاجرة الحبشة فما شهد بدرا، إنما هو أخ له يقال له [سهل] [ (6) ] فإنّي رأيته يظهر الإسلام بمكة. فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عبد
اللَّه: فما مرت على ساعة قط كانت أشد على من تلك الساعة، فجعلت انظر إلى السماء أتخوف أن تسقط على الحجارة لتقدمى بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالكلام. فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه. فقال إلا سهيل بن بيضاء فما مرت على ساعة أقر لعيني منها. إذ قالها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه عز وجل ليشدد على القلب فيه حتى يكون أشد من الحجارة، وإنه ليلين القلب فيه حتى يكون ألين من الزبد، وقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم الفداء، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لو نزل من السماء نار يوم بدر ما نجا منه إلا عمر كان يقول: اقتل ولا تأخذ الفداء، وكان سعد بن معاذ يقول: اقتل ولا تأخذ الفداء [ (1) ] . قال الواقدي: وخرج مسلم [ (2) ] في الجهاد والترمذي [ (3) ] في التفسير من حديث عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آت ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه، ومادا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي اللَّه! كفاك مناشدتك ربك
فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللَّه عز وجل: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ [ (1) ] قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيا، فنظر إليه، فإذا هو قد حطم أنفه، وشق، كضربة السوط، فاخضرّ ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين. قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبى بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي اللَّه، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى اللَّه أن يهديهم، للإسلام فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أرى الّذي رأى أبو بكر، ولكنى أرى أن تمكنا فتضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان «نسيبا لعمر» فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر، فلما كان من الغد، جئت فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول اللَّه، أخبرنى من أي شيء تبكى أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبكى للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض على عذابهم أدنى هذه
الشجرة - شجرة قريبة من نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وأنزل اللَّه عز وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فأحل اللَّه الغنيمة لهم. وقال الواقدي [ (1) ] : حدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ورأيت في سيفي فلّا فكرهته، فهو الّذي أصاب وجهه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشيروا عليّ، ورأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ألا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا، في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب أن يوافق على مثل ما رأى، وعلى ما عبر عليه الرؤيا فقام عبد اللَّه بن أبىّ فقال: يا رسول اللَّه كنا نقاتل في الجاهلية ونجعل النساء والذراري في هذه الصياصي، ونجعل معهم الحجارة واللَّه لربما مكث الولدان شهرا ينقلون الحجارة إعدادا لعدونا، ونشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كل ناحية، وترمى المرأة والصبى من فوق الصياصي والآطام ونقاتل بأسيافنا في السكك. يا رسول اللَّه، إن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط، وما خرجنا إلى عدو قط منها إلا أصاب منا، وما دخل علينا قط إلا أصبناه. فدعهم يا رسول اللَّه. فإنّهم إن أقاموا أقاموا بشر محبس، وأن رجعوا خائبين مغلوبين، لم ينال خيرا. يا رسول اللَّه، أطعني في هذا الأمر، وأعلم أنى ورثت هذا الأمر الرأى من أكابر قومي، وأهل الرأى منهم. فهم كانوا أهل الحرب والتجربة. فكان رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع رأى ابن أبىّ، وكان ذلك رأى الأكابر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: امكثوا في المدينة، واجعلوا النساء والذراري في الآطام فإن دخل علينا قاتلناهم في الأزقة، فنحن أعلم بها منهم، وارموا من فوق الصياصي والآطام، وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية. فهي كالحصن. فقال فتيان أحداث لم يشهدوا بدرا وطلبوا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخروج إلى عدوهم، ورغبوا في الشهادة، وأحبوا لقاء العدو: اخرج بنا إلى عدونا، وقال رجال من أهل السن، وأهل النية، منهم حمزة بن عبد المطلب، وسعد بن عبادة، والنعمان بن مالك بن ثعلبة، في غيرهم من الأوس والخزرج رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم: إنا نخشى يا رسول اللَّه أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم، فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل، فظفرك اللَّه عليهم، ونحن اليوم بشر كثير قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعوا اللَّه به، فقد ساقه اللَّه إلينا في ساحتنا. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما يرى من إلحاحهم كاره، وقد لبسوا السلاح يخطرون بسيوفهم، يتسامون كأنهم الفحول. وقال مالك بن سنان أبو أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه نحن واللَّه بين إحدى الحسنيين، إما يظفرنا اللَّه بهم، فهذا الّذي نريد، فيذلهم اللَّه لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر، فلا يبقى منهم الا الشريد، والأخرى يا رسول اللَّه، يرزقنا اللَّه الشهادة، واللَّه يا رسول اللَّه ما أبالى أيهما، كان أن كلّا لفيه الخير، فلم يبلغنا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجع إليه قولا، وسكت. فقال حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: والّذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة. وكان يقال كان حمزة يوم الجمعة صائما، ويوم السبت صائما، فلاقاهم وهو صائم. وقال النعمان بن مالك بن ثعلبة أخو بنى سالم: يا رسول اللَّه، أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابك وأنى منهم، فلم تحرمنا الجنة؟ فو الّذي لا إله إلا هو لأدخلنها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بم؟ قال: إني أحب اللَّه
ورسوله ولا أفر يوم الزحف. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صدقت! فاستشهد يومئذ وقال إياس بن أوس بن عتيك: يا رسول اللَّه، نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبح، نرجو يا رسول اللَّه أن نذبّح في القوم ويذبّح فينا، فنصير إلى الجنة، ويصيرون إلى النار. مع أنى يا رسول اللَّه لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فيقولون: حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها! فيكون هذا جرأة لقريش، وقد وطئوا سعفنا، فإذا لم نذب عن عرضنا لم نزرع، وقد كنا يا رسول اللَّه في جاهليتنا والعرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا حتى نذبهم عنا، فنحن اليوم أحق إذ أيّدنا اللَّه بك، وعرفنا مصيرنا، لا نحصر أنفسنا في بيوتنا. وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة فقال: يا رسول اللَّه، إن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ومن تبعها من أحابيشها، ثم جاءونا وقد قادوا الخيل، وامتطوا الإبل، حتى نزلوا بساحتنا فيحصروننا في بيوتنا وصياصينا، ثم يرجعون وافرين لم يكلموا، فيجرئهم ذلك علينا حتى يشون الغارات علينا، ويصيبوا أطرافنا ويضعوا العيون والأرصاد علينا مع ما قد صنعوا بحروثنا، ويجترئ علينا العرب حولنا حتى يطعموا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم، فنذبهم عن جوارنا وعسى اللَّه أن يظفرنا بهم فتلك عادة اللَّه عندنا، أو تكون الأخرى فهي الشهادة. لقد أخطأتنى وقعة بدر وقد كنت عليها حريصا، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد كنت حريصا على الشهادة. وقد رأيت ابني البارحة في النوم في النوم أحسن صورة، يسرحى في ثمار الجنة وأنهارها وهو يقول: ألحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربى حقا، وقد واللَّه يا رسول اللَّه أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة وقد كبرت سنى، ورق عظمي، وأحببت لقاء ربى، فادع اللَّه يا رسول اللَّه أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة. فدعى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، فقتل بأحد شهيدا. وقال أنس بن قتادة: يا رسول اللَّه، هي إحدى الحسنيين، إما الشهادة وإما الغنيمة والظفر في قتلهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني أخاف عليكم الهزيمة.
فلما أبوا إلا الخروج صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجمعة بالناس، ثم وعظ الناس وأمرهم بالجد والجهاد، وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا، ففرح الناس بذلك حيث أعلمهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالشخوص إلى عدوهم، وكره ذلك المخرج بشر كثير من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم، ثم صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العصر بالناس، وقد حشد الناس وحضر أهل العوالي، ورفعوا النساء في الآطام. فحضرت بنو عمرو بن عوف ولفها، والنبيت ولفها، وتلبث السلاح. فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيته، ودخل معه أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فعمماه ولبساه، وصف الناس له ما بين حجرته إلى منبره، ينتظرون خروجه. فجاءهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير فقالا: قلتم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قلتم واستكرهتموه على الخروج، والأمر ينزل عليه من السماء، فردوا الأمر، إليه فما أمركم، فافعلوه وما رأيتم له فيه هوى أو رأى فأطيعوه. فبينا القوم على ذلك من الأمر، وبعض القوم يقول: القول ما قال سعد، وبعضهم على البصيرة على الشخوص، وبعضهم للخروج كاره، إذا خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد لبس لأمته، وقد لبس الدرع فأظهرها، وحزم وسطها بمنطقة من حمائل سيف من أدم، كانت عند آل أبى رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد، واعتم، وتقلد السيف. فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ندموا جميعا على ما صنعوا، وقال الذين يلحون على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما كان لنا أن نلح على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمر يهوي خلافه. وندّمهم أهل الرأي الذين كانوا يشيرون بالمقام، فقالوا: يا رسول اللَّه ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، وما كان لنا أن نستكرهك والأمر إلى اللَّه ثم إليك، فقال: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه. وكانت الأنبياء قبله إذا لبس النبي لأمته لم يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه. ثم قال
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انظروا ما أمرتكم به فاتّبعوه، امضوا على اسم اللَّه فلكم النصر ما صبرتم. وقال الواقدي [ (1) ] : حدثنا محمد بن عبد اللَّه عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال حصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه بضع عشرة حتى خلص إلى كل امرئ منهم الكرب، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إنك إن تشأ لا تعبد! فبينا هم على ذلك من الحال أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف- ولم يحضر الخندق الحارث بن عوف ولا قومه، ويقال حضرها الحارث بن عوف. قال ابن واقد: وهو أثبت القولين عندنا. وإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسل إليه وإلى عيينة: أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الأعراب؟ قالا: تعطينا نصف تمر المدينة. فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يزيدها على الثلث، فرضيا بذلك وجاءا في عشرة من قومهما حين تقارب الأمر، فجاءوا وقد أحضر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه وأحضر الصحيفة والدواة، وأحضر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأعطاه الصحيفة وهو يريد أن يكتب الصلح بينهم، وعباد ابن بشر قائم على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقنع في الحديد. فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا يدري بما كان من الكلام فلما جاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجاء وعيينة مادّا رجليه بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلم ما يريدون، فقال: يا عين الهجرس [ (2) ] اقبض رجليك! أتمد رجليك بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ - ومعه الرمح- واللَّه، لولا رسول اللَّه لأنفذت صلّى اللَّه عليه وسلّم خصيتك بالرمح! ثم أقبل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه إن كان أمرا من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فو اللَّه لا نعطيهم إلا السيف! متى طمعوا بهذا
منا؟ فاسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما فاستشارهما في ذلك، وهو متكئ عليهما والقوم جلوس، فتكلم بكلام يخيفه، وأخبرهما بما قد أراد من الصلح، فقالا: إن كان هذا أمرا من السماء فامض له، وإن كان أمرا لم تؤمر فيه ولك فيه هوى فامض لما كان لك فيه هوى، فسمعا وطاعة، وإن كان إنما هو الرأى فما لهم عندنا إلا السيف. وأخذ سعد بن معاذ الكتاب فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم فقالا: يا رسول اللَّه، إن كانوا ليأكلون العلهز [ (1) ] في الجاهلية من الجهد، وما طمعوا بهذا منا قط أن يأخذوا تمرة الا بشرى أو قرى! فحين أتانا اللَّه تعالى بك وأكرمنا بك، وهدانا بك نعطي الدنية! لا نعطيهم أبدا إلا السيف. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شق الكتاب فتفل سعد فيه، ثم شقه وقال: بيننا السيف! فقام عيينة وهو يقول: أما واللَّه للتي تركتم خير لكم من الخطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة. فقال عباد بن بشر يا عيينة أبا السيف تخوفنا؟ ستعلم أينا أجزع وإلا فو اللَّه لقد كنت أنت وقومك تأكلون العلهز والرمة من الجهد فتأتون هاهنا ما تطمعون بهذا منا ألا ترى وقرى أو شرى ونحن لا نعبد شيئا، فلما هدانا اللَّه وأيدنا بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم سألتمونا هذه الخطة! أما واللَّه لولا مكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما وصلتم إلى قومكم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ارجعوا، بيننا السيف! رافعا صوته. فرجع عيينة والحارث وهما يقولان: واللَّه، ما نرى أن ندرك منهم شيئا ولقد أنهجت للقوم بصائرهم! واللَّه، ما حضرت إلا كرها لقوم غلبوني، وما مقامنا بشيء، مع أن قريشا إن علمت بما عرضنا على محمد عرفت أنا قد خذلناها ولم ننصرها. قال عيينة: هو واللَّه ذلك! قال الحارث: أما إنا لم نصب بتعرضنا لنصر قريش على محمد، واللَّه لئن ظهرت قريش على محمد
ليكونن الأمر فيها دون سائر العرب، مع أنى أرى أمر محمد أمرا ظاهرا. واللَّه، لقد كان أحبار يهود خيبر وأنهم يحدثون أنهم يجدون في كتبهم أنه يبعث نبي من الحرم على صفته. قال عيينة: أنا واللَّه ما جئنا. ننصر قريشا ولو استنصرنا قريشا ما نصرتنا ولا خرجت معنا من حرمها، ولكنى كنت أطمع أن نأخذ تمر المدينة فيكون لنا به ذكر مع ما لنا فيه من منفعة الغنيمة، مع أنا ننصر حلفاءنا من اليهود فهم جلبونا إلى ما هاهنا. قال الحارث قد واللَّه أبت الأوس والخزرج إلا السيف، واللَّه لتقاتلن عن هذا السعف، ما بقي منها رجل مقيم، وقد أجدب الجناب، وهلك الحباب وهلك الخف والكراع. قال عيينة لا شيء. فلما أتيا منزلهما جاءتهما غطفان فقالوا: ما وراءكم؟ قالوا: لم يتم الأمر، رأينا قوما على بصيرة وبذل أنفسهم دون صاحبهم وقد هلكنا وهلكت قريش، وقريش تنصرف ولا تكلم محمدا! وإنما يقع حرّ محمد ببني قريظة، إذا ولينا جثم عليهم فحصرهم جمعة حتى يعطوا بأيديهم. قال الحارث: بعدا وسحقا! محمد أحب إلينا من اليهود. وقال الواقدي [ (1) ] : حدثني خارجة بن عبد اللَّه عن داود بن الحصين، عن أبى سفيان، عن محمد بن مسلمة قال وتنحى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجلس، ودنت الأوس الى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه حلفاؤنا دون الخزرج وقد رأيت ما صنعت بنى قينقاع بالأمس حلفاء ابن أبى، وهبت له ثلاثمائة حاسر وأربعمائة دارع. وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد، فهبهم لنا. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساكت لا يتكلم حتى أكثروا عليه وألحوا ونطقت الأوس كلها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ قالوا: بلى. قال: فذلك إلى سعد بن معاذ. وسعد يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة بنت سعد بن عتبة، وكانت تداوى الجرحى، وتلم الشعث، وتقوم على الضائع والّذي لا أحد له. وكان لها خيمة في المسجد وكان رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل سعد بن معاذ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فيها. فلما جعل صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم إلى سعد بن معاذ خرجت الأوس حتى جاءوه، فحملوه على حمار، وعلى الحمار قطيفة وخطامه حبل من ليف، فخرجوا حوله يقولون: يا أبا عمرو إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم فأحسن، فقد رأيت ابن أبىّ وما صنع في حلفائه. والضحاك بن خليفة [ (1) ] يقول: يا أبا عمرو مواليك، مواليك! قد منعوك في المواطن كلها واختاروك على من سواك ورجوا عياذك، ولهم جمال وعدد. وقال سلمة بن سلامة بن وقش: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك وحلفاءك، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب البقية، نصروك يوم البعاث والحدائق والمواطن كلها، ولا تكن شرا من ابن أبىّ. قال إبراهيم بن جعفر، عن أبيه: وجعل قائلهم يقول يا أبا عمرو، إنا واللَّه قاتلنا بهم فقتلنا، وعاززنا بهم فعززنا، قالوا: وسعد لا يتكلم، حتى إذا أكثروا عليه قال سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه في اللَّه لومة لائم. فقال الضحاك ابن خليفة ثم: وا قوماه! ثم رجع الضحاك إلى الأوس فنعى لهم بنى قريظة. وقال معتب [ (2) ] بن قشير وا سوء صباحاه! وقال حاطب بن أمية الظفري: ذهب قومي آخر الدهر. وأقبل سعد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والناس حوله جلوس فلما طلع سعد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قوموا إلى سيدكم. فكان رجال من بنى عبد الأشهل يقولون
فقمنا له على أرجلنا صفين، يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقائل يقول: إنما عنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله: قوموا إلى سيدكم، يعنى به الأنصار دون قريش. قالت الأوس الذين بقوا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد: يا أبا عمرو، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ولاك الحكم، فأحسن فيهم، واذكر بلاءهم عندك. فقال سعد بن معاذ: أترضون بحكمي لبني قريظة؟ قالوا: نعم، قد رضينا بحكمك وأنت غائب عنا، اختيارا منا، ورجاء أن تمن علينا كما فعله غيرك من حلفائه من قينقاع، وأثرنا عندك أثرنا، وأحوج ما كنا اليوم إلى مجازاتك، فقال سعد: لا آلوكم جهدا. فقالوا: ما يعنى بقوله هذا؟ ثم قال عليكم عهد اللَّه وميثاقه أنّ الحكم فيكم ما حكمت؟ قالوا: نعم. قال سعد للناحية الأخرى التي فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو معرض عنها إجلالا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وعلى من هاهنا مثل ذلك؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومن معه: نعم. قال سعد: فإنّي أحكم فيهم أن يقتلا من جرت عليه الموسى [ (1) ] ، وتسبى النساء والذرية، وتقسم الأموال، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد حكمت بحكم اللَّه عز وجل من فوق سبع أرقعة [ (2) ] . وكان سعد بن معاذ في الليلة التي في صبحها نزلت قريظة على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد دعا فقال: اللَّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها، فإنه لا قوم أحب إليّ أن أقاتل من قوم كذبوا رسول اللَّه، وآذوه
وأخرجوه، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها عنا وعنهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتنى حتى تقر عيني من بنى قريظة! فأقر اللَّه عينه منهم. فأمر بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد، والنساء والذرية العزار ابنتة الحارث [ (1) ] وأمضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بنى قريظة حكم سعد فضرب أعناق الرجال واسترق النشئ والذرية وقسم الأموال وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف اللَّه في قلوبهم الرعب ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ الأوسي الأشهلي فحكم فيهم بأن يقتل الرجال ويقسم الأموال ويسبى الذراري والنساء [ (2) ] . وقد خرج البخاري ومسلم حكم سعد في بنى قريظة من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت أبا سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى سعد، فأتاه على حمار، فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للأنصار: قوموا إلى سيدكم، ثم قال: إن هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم:
قضيت بحكم اللَّه، وربما قال: قضيت بحكم الملك، ولم يذكر محمد بن المثنى من رواية مسلم [ (1) ] : وربما قال قضيت بحكم الملك، وذكر من رواية عبد الرحمن ابن مهدي عن شعبة بهذا الإسناد، وقال في حديثه: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد حكمت بحكم اللَّه. وقال مرة: حكمت بحكم الملك. وكرره البخاري في [الاستئذان] ، وفي كتاب الجهاد، وفي كتاب المناقب، وغير ذلك مطولا، ومختصرا، وذكره مسلم من عدة طرق [ (2) ] . وذكر الواقدي: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قام في المسلمين، فأثنى على اللَّه بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فكيف ترون يا معشر المسلمين في هؤلاء الذين استنفروا إليّ من أطاعهم ليصدون عن المسجد الحرام؟ أترون أن نمضي لوجهنا إلى البيت فمن صدنا عنهم قاتلناه، أم ترون أن نخلف هؤلاء الذين استنفروا لنا إلى أهليهم فنصيبهم؟ فإن اتبعونا اتبعنا منهم عنق يقطعها اللَّه، وأن قعدوا قعدوا محزونين موتورين!. فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: اللَّه ورسوله اعلم! نرى يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نمضي لوجهنا فمن صدنا عن البيت قاتلناه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإن خيل قريش فيها خالد بن الوليد بالغميم. فقال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فلم أر أحدا كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت مشاورته أصحابه في الحرب فقط. قال: فقام المقداد ابن عمرو فقال: يا رسول اللَّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى:
فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (1) ] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون، واللَّه يا رسول اللَّه لو سرت إلى برك الغماد [ (2) ] لسرنا معك ما بقي منا رجل. وتكلم أسيد بن حضير فقال يا رسول اللَّه نرى أن نصمد لما خرجنا له فمن صدّنا قاتلناه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنا لم نخرج لقتال أحد إنما خرجنا عمار. ولقيه بديل بن ورقاء في نفر من أصحابه فقال يا محمد لقد اغتررت بقتال قومك جلابيب العرب، واللَّه ما أرى معك أحد له وجه، مع أنى أراكم قوما لا سلاح معكم، قال أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: عضضت بظر اللات! قال بديل: أما واللَّه لولا يد لك عندي لأجبتك، فو اللَّه ما أتهم أنا ولا قومي ألا أكون أحب أن يظهر محمد! إني رأيت قريشا مقاتلتك عن ذراريها وأموالها، قد خرجوا إلى بلدح فضربوا الأبنية، معهم العوذ المطافيل، ورادفوا على الطعام، يطعمون الجزر من جاءهم، يتقوون بهم على حربكم فر رأيك. قال الواقدي: فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الحديبيّة نزل بمر الظهران ثم نزل عسفان، فأرملوا [ (3) ] من الزاد، فشكى الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنهم قد بلغوا الجهد [ (4) ] من الجوع وفي الناس ظهر، وقالوا: فننحر يا رسول اللَّه، وندهن من شحومه، ونتخذ من جلوده حذاء، فأذن لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبر بذلك عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فجاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه لا تفعل فإن يك في الناس بقية ظهر يكن أمثل، ولكن أدعهم بأزوادهم ثم ادع اللَّه فيها.
فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأنطاع فبسطت، ثم نادى مناديه: من كان عنده بقية من زاد فلينثره على الأنطاع. قال أبو شريح [ (1) ] الكعبي: فلقد رأيت من يأتى بالتمرة الواحدة، وأكثرهم لا يأتى بشيء، ويأتى بالكف من الدقيق، والكف من السويق، وذلك كله قليل. فلما اجتمعت أزوادهم وانقطعت موادهم مشى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليها فدعى فيها بالبركة، ثم قال: قربوا أوعيتكم، فجاءوا بأوعيتهم. قال أبو شريح: فأنا حاضر، فيأتي الرجل فيأخذ ما شاء من الزاد حتى إن الرجل لأخذه ما لا [يجد له محملا [ (2) ]] . قال الواقدي: ولما انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى منزله بعين خيبر [ (3) ] جعل مسجدا فصلى إليه من آخر الليل نافلة. فثارت راحلته تجر زمامها. فأدركت توجّه إلى الصخرة لا تريد أن تركب فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوها فإنّها مأمورة حتى بركت عند الصخرة، فتحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الصخرة، وأمر برحله فحط، وأمر الناس بالتحول إليها، ثم ابتنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها مسجدا. فهو مسجدهم اليوم. فلما أصبح جاءه الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليك، إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أمرت به فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأى [تكلمنا] . فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل هو الرأى. فقال:
يا رسول اللَّه دنوت من الحصن ونزلت بين ظهري النخل والنز [ (1) ] ، مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى منهم، ولا أعدل منهم [وهم مرتفعون] ، علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أنى لا آمن بيتهم يدخلون في خمر [ (2) ] النخل، تحول يا رسول اللَّه إلى موضع بريء من النز ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم حتى لا ينالنا نبلهم. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نقاتلهم هذا اليوم، ودعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد ابن مسلمة فقال: انظر لنا منزلا بعيدا من حصونهم، بريئا من الوباء، نأمن فيه بياتهم، فطاف محمد حتى انتهى إلى الرجيع [ (3) ] ، ثم رجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلا فقال: وجدت لك منزلا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على بركة اللَّه تعالى. وقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومه ذلك إلى الليل، يقاتل أهل النطاة، يقاتلها من أسفلها، وحشدت اليهود يومئذ، فقال الحباب بن المنذر: لو تحولت يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا أمسينا إن شاء اللَّه تحولنا. وجعلت نبل اليهود تخالط عسكر المسلمين وتجاوزه، وجعل المسلمون يلتقطون نبلهم، ثم يردونها عليهم. فلما أمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحول، وأمر الناس فتحولوا إلى الرجيع، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغدو بالمسلمين على راياتهم، وكان شعارهم: يا منصور أمت! فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول اللَّه، إن اليهود ترى النخل أحب إليهم من أبكار أولادهم، فاقطع نخلهم، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقطع النخل ووقع المسلمون في قطعها حتى أسرعوا في القطع، فجاءه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال يا: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه عز وجل قد وعدكم خيبر، وهو منجز ما وعدك، فلا تقطع النخل. فأمر فنادى منادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنهى عن قطع النخل.
قال وحدثني محمد بن يحيى، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت نخلا بخيبر في النطاة مقطعة، فكان ذلك مما قطع أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وحدثني أسامة بن زيد الليثي، عن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة قال: قطع المسلمون في النطاة أربعمائة عذق، ولم تقطع في غير النطاة فكان محمد بن مسلمة ينظر إلى صور من كبيس [ (1) ] ، قال: أنا قطعت هذا الصور بيدي حتى سمعت بلالا ينادى: عزمة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقطع النخل، فأمسكنا. قال الواقدي [ (2) ] حدثني يحيى بن عبد العزيز، عن بشير بن محمد بن عبد اللَّه بن زيد قال: قدم رجل من أشجع يقال له حسيل بن نويرة، وقد كان دليل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أين يا حسيل؟ قال: قدمت من الجناب [ (3) ] . فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما وراءك؟ قال: تركت جمعا من غطفان بالجناب، قد بعث إليهم عيينة يقول لهم: إما تسيروا إلينا وإما نسير إليكم. فأرسلوا إليه أن سر إلينا حتى نزحف إلى محمد جميعا، وهم يريدونك أو بعض أطرافك. قال: فدعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فذكر لهما ذلك، فقالا جميعا: ابعث بشير بن سعد، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيرا فعقد له لواء، وبعث معه ثلاثمائة رجل، وأمرهم أن يسيروا الليل ويمكنوا النهار، وخرج معهم حسيل بن نويرة دليلا، فسار الليل وكمنوا
النهار حتى أتوا أسفل خيبر فنزلوا بسلاح [ (1) ] ، ثم خرجوا من سلاح حتى دنوا من القوم فقال لهم الدليل: بينكم وبين القوم ثلثا نهار أو ونصفه، فإن أحببتم كمنتم وخرجت طليعة آتيكم بالخبر وإن أحببتم سرنا جميعا. فقالوا: بل نقدمك، فقدموه، فغاب عنهم ساعة ثم كرّ عليهم فقال: هذا أوائل سرحهم، فهل لكم أن تغيروا عليهم؟ فاختلف أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال بعضهم: إن أغرنا الآن حذرنا الرجال والطعن. وقال أخرون: نغنم ما ظهر لنا، ثم نطلب القوم، فشجعوا على النعم، فأصابوا نعما كثيرا ملئوا منه أيديهم، وتفرق الرعاء وخرجوا سراعا، ثم حذروا الجمع فتفرق الجمع وحذروا، ولحقوا بعلياء بلادهم، فخرج بشير بأصحابه حتى أتى محالهم فيجدها وليس بها أحد. فرجع بالنعم حتى إذا كانوا بسلاح راجعين لقوا عينا لعيينة فقتلوه ثم لقوا جمع عيينة وعيينة لا يشعر بهم فناوشوهم، ثم انكشف جمع عيينة وتبعهم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأصاب منهم رجل أو رجلين فأسروهما أسرا، فقدموا بهما على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلما فأرسلهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الواقدي: ومضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى نزل قريبا من حصن الطائف فضرب عسكره هناك فحين حل وأصحابه جاءه الحباب بن المنذر فقال فأخبره، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يتحولوا. قال عمرو بن أمية إني لأنظر إلى أبى محجن يرمى من فوق الحصن ما يسقط له سهم، وكان عمرو ابن أمية الضمريّ يحدث يقول: لقد طلع علينا من نبلهم ساعة نزلنا [شيء اللَّه به عليم كأنه رجل من جراد] وترسنا لهم حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، ودعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحباب فقال: انظر مكانا مرتفعا مستأخرا عن القوم فخرج الحباب حتى انتهى إلى موضع مسجد الطائف خارج من القرية فجاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يتحولوا. قال
عمرو بن أمية إني لأنظر إلى أبى محجن يرمى من فوق الحصن بعشرته بمعابل كأنها الرماح، ما يسقط له سهم قالوا: وارتفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند مسجد أهل الطائف اليوم. قال الواقدي [ (1) ] في غزوة تبوك: وكان هرقل قد بعث رجلا من غسّان إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فينظر إلى صفته وإلى علاماته، إلى حمرة في عينيه، ثم وإلى خاتم النبوة بين كتفيى، وسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة، فوعى أشياء من حال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم انصرف إلى هرقل فذكر له ذلك له، فدعى قومه إلى التصديق به، فأبوا حتى خافهم على ملكه، وهو في موضعه لم يتحرك ولم يزحف. وكان الّذي خبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من بعثته أصحابه ودنوه إلى أدنى الشام باطلا ولم يرد ذلك ولم يهم به. وشاور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه في التقدم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن كنت أمرت بالمسير فسر، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو أمرت به ما استشرتكم فيه، قال: يا رسول اللَّه فإن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام وقد دنوت منهم حيث ترى، وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعت هذه السنة حتى ترى، أو يحدث اللَّه لك في ذلك أمرا. قال الواقدي [ (2) ] : فلما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسيرة من تبوك أرمل الناس إرمالا شديدا فشخص على ذلك الحال حتى جاء الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستأذنونه أن ينحروا ركابهم فياكلوها، فأذن لهم فلقيهم عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهم على نحرها، فأمرهم أن يمسكوا عن نحرها، ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في خيمة له فقال: أذنت الناس في نحر حمولتهم يأكلونها؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شكوا إلى ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم،
بنحر الرفقة البعير والبعيرين، ويتعاقبون فيما فضل من ظهرهم، وهم قافلون إلى أهليهم. فقال: يا رسول اللَّه، لا تفعل، فإن يكن للناس فضل من ظهرهم يكن خيرا، فالظهر اليوم رقاق، ولكن أدع بفضل أزوادهم ثم اجمعها فادع اللَّه فيها بالبركة كما فعلت في منصرفنا من الحديبيّة حيث أرمنا، فإن اللَّه عز وجل يستجيب لك، فنادى منادى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كان عنده فضل من زاد فليأت به، وأمر بالأنطاع فبسطت، فجعل الرجل يأتى بالمد الدقيق والسويق والتمر، والقبضة من الدقيق والسويق والتمر والكسر فيوضع كل صنف من ذلك على حدة، وكل ذلك قليل، فكان جميع ما جاءوا به من الدقيق والسويق والتمر ثلاثة أفراق [ (1) ] حزرا، ثم قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتوضأ وصلّى ركعتين، ثم دعا اللَّه عز وجل أن يبارك فيه. فكان أربعة من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدثون جميعا حديثا واحدا، حضروا ذلك وعاينوه: أبو هريرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو زرعة الجهنيّ معبد بن خالد، وسهل بن سعد الساعدي، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. قالوا ثم انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونادى مناديه: هلموا إلى الطعام خذوا منه حاجتكم، فأقبل الناس فجعل كل من جاء بوعاء ملأه. فقال بعضهم لقد طرحت يومئذ كسرة من خبز وقبضة من تمر، ولقد رأيت الأنطاع تفيض، وجئت بجرابين فملأت إحداهما سويقا والآخر خبزا، وأخذت في ثوبي دقيقا، ما كفانا إلى المدينة، فجعل الناس يتزودون الزاد حتى نهلوا عن آخرهم حتى كان آخر ذلك أن أخذت الأنطاع ونثر ما عليها. فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو واقف: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنى عبده ورسوله وأشهد أنه لا يقولها أحد من حقيقة قلبه إلا وقاه اللَّه حر النار. وكان الذين رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى رأيهم الحباب بن المنذر بن
الجموح، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأبو بكر، عمر، وسلمان فإنه أشار بحفر الخندق ولم تكن العرب تخندق عليها، وأشار أيضا بعمل المنجنيق. قال الواقدي [ (1) ] عن عبد الحميد عن سليم بن يسار: أن سلمان الفارسي أشار بنصب المنجنيق على الطائف فأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعملوا ثم نصبه. على حصن الطائف.
فصل في ذكر ما كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا
فصل في ذكر ما كان يقوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا خرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث المثنى بن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللَّهمّ أنت عضدي وأنت نصيري وبك أقاتل. وخرجه أبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] بهذا السند ولفظهما: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا قال: اللَّهمّ أنت عضدي وأنت نصيرى، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل، وذكر أبو داود وأبو بكر البزار هذا الحديث [وقال] : لا يعلم رواه عن قتادة عن أنس إلا المثنى بن سعيد.
فصل في ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة ورى بغيرها
فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد غزوة ورّى بغيرها خرج البخاري [ (1) ] من حديث ابن شهاب قال: أخبرنى عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان قائد كعب من بنيه- قال: سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها. حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل غزو عدو كثير، فجلّى للمسلمين أمره ليتأهّبوا أهبة عدوهم وأخبرهم بوجهه الّذي يريد. وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث ابن شهاب. وذكراه مطويا في كتاب التوبة.
فصل في وقت إغارة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في وقت إغارة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري [ (1) ] من حديث حميد الطويل عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى خيبر ليلا- وكان إذا أتى قوما بليل لم يقربهم حتى يصبح- فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد واللَّه، محمد والخميس. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. ذكره في كتاب الصلاة في باب ما يحقن بالأذان من الدماء. وذكره في كتاب المغازي، ولفظه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى خيبر ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغزهم حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما
رأوه قالوا: محمد واللَّه والجيش فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، وذكره في غزوة خيبر من حديث محمد بن سيرين وثابت البناني، وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وخرجه مسلم [ (1) ] من طرق متعددة. وخرج مسلم [ (2) ] وابن أبى خيثمة من حديث يحيى بن سعيد، عن حماد ابن سلمة قال: أنبأنا ثابت، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار، فسمع رجلا يقول اللَّه أكبر اللَّه أكبر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خرجت من النار فنظروا فإذا هو راعى معزى.
فصل في ذكر الوقت الذي كان يقاتل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث عفان فذكره وقال: حديث حسن صحيح وخرجه النسائي [ (2) ] من حديث عبد الأعلى عن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وخرج قاسم بن أصبغ من حديث ابن إسحاق عن حميد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزي قوما لم يغز عليهم حتى يصبح، فذكره. فصل في ذكر الوقت الّذي كان يقاتل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج الإمام مسلم [ (3) ] من حديث الليث، عن أبى الزبير، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال لم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى فإذا حضره ذلك أقام حتى تنسلخ. وخرج من حديث موسى بن عقبة عن أبى النضر، عن عبد اللَّه بن معقل، عن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحب ان ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس، وخرج أبو داود [ (4) ] والنسائي من حديث حماد قال أنبأنا أبو عمران الجونى عن علقمة بن عبد اللَّه المزني، عن معقل
فصل في ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على المشركين في محاربتهم
ابن يسار، أن النعمان- يعنى ابن مقرن-، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [كان] [ (1) ] إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس، [وتهب الرياح وينزل النصر] [ (2) ] . وخرجه البخاري [ (3) ] من طريق المعتمر بن سليمان قال أنبأنا [سعيد] ابن عبيد اللَّه، قال النعمان: ربما أشهدك اللَّه مثلها مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يندمك ولم يخزك ولكنى شهدت القتال مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح، وتحضر الصلوات. فصل في ذكر دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المشركين في محاربتهم خرج البخاري [ (4) ] من حديث خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في قبة يوم بدر: أنشدك عهدك ووعدك، اللَّهمّ إن
تشأ لا تعبد بعد اليوم. فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك- وهو يثب في الدرع، فخرج وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. ذكره في كتاب التفسير وفي غزوة بدر في [المغازي] بألفاظ متقاربة. وخرجه مسلم من طرق مطولا [ (1) ] . وخرجه الترمذي كذلك والنسائي عن أبى إسحاق، عن أبى عبيدة، عن عبد اللَّه قال: لما التقينا يوم بدر فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلى فما رأيت ناشدا ينشد حقا له أشد من مناشدة محمد لربه وهو يقول اللَّهمّ إني أنشدك وعدك وعهدك، اللَّهمّ إني أسألك ما وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض. وخرج البخاري من حديث عبيدة ووكيع عن إسماعيل بن أبى خالد سمعت عبد اللَّه بن أبى أوفى يقول: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأحزاب فقال: في كتاب الجهاد [ (2) ] ، من حديث إسماعيل بن أبى خالد أنه سمع عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، يقول: دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب على المشركين فقال: اللَّهمّ منزل الكتاب، سريع الحساب، اللَّهمّ اهزم الأحزاب اللَّهمّ اهزمهم وزلزلهم وفي كتاب الدعاء [ (3) ] .
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث خالد بن عبد اللَّه عن إسماعيل بن أبى خالد عن عبد اللَّه بن أبى أوفى قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مثله ومن حديث وكيع بن الجراح عن إسماعيل مثل حديث خالد، غير أنه قال: هازم الأحزاب. ولم يذكر قوله: اللَّهمّ. ومن حديث ابن عيينة عن إسماعيل بهذا الإسناد وزاد ابن أبى عمر في روايته: [مجرى السحاب] . وذكره أبو عبد اللَّه البخاري [ (2) ] في كتاب التوحيد من حديث سعفان بن عبد اللَّه عن إسماعيل بن أبى خالد عن عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب اللَّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب وزلزلهم. وخرجه النسائي. وخرجه البخاري [ (3) ] في كتاب الجهاد من حديث عبد اللَّه عن إسماعيل ابن أبى خالد أنه سمع عبد اللَّه بن أبى أوفى يقول: دعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب على المشركين فقال: [اللَّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اللَّهمّ اهزمهم] . وخرج النسائي في الجهاد من حديث معاذ بن هشام قال حدثني أبو قتادة، عن أبى بردة، عن عبد اللَّه بن قيس أن أباه حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا خاف قوما قال: [اللَّهمّ إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم] ، وخرجه في كتاب (عمل اليوم والليلة) .
فصل في ذكر شعار رسول الله صلى الله عليه وسلم في حروبه
وقال الواقدي حدثني كثير بن زيد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن جابر بن عبد اللَّه قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأحزاب في مسجد الأحزاب، يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، فاستجيبت له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء، قال: فعرفنا السرور في وجهه، قال جابر: فما نزل بى أمر غائظ مهم إلا تحينت تلك الساعة من ذلك اليوم فأدعو اللَّه عز وجل فأعرف الإجابة. وخرجه البخاري في الأدب المفرد به بمثله، وخرجه أحمد [ (1) ] أيضا في الجهاد، وقال الواقدي: وكان بن أبى ذئب يحدث عن رجل من بنى سلمة، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجبل الّذي عليه المسجد، فدعا ورفع يديه مدا، ثم جاءه مرة أخرى فصلى ودعا. فصل في ذكر شعار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حروبه خرج أبو داود [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، عن الحجاج عن قتادة عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان شعار المهاجرين: عبد اللَّه، وشعار الأنصار: عبد الرحمن. والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرحمن بن مهدي، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: كنا مع أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو أول من أمّره علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان شعارنا: أمت أمت، وخرجه أبو داود [ (4) ] .
ولأبى داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث أبى إسحاق، عن المهلب بن أبي صفرة قال أخبرني من سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن بيتم فليكن شعاركم: حم لا ينصرون. وخرجه النسائي [ (3) ] وابن الجارود. وقال الواقدي [ (4) ] : فحدثني ابن أبى حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: جعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بنى عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بنى عبد اللَّه، وشعار الأوس: يا بني عبيد اللَّه، وفي يوم أحد: أمت أمت، وفي بنى النضير: أمت أمت، وفي المريسيع: أمت أمت، وفي الخندق: حم لا ينصرون، وفي قريظة والغابة لم يسم أحدا، وفي حنين: يا منصور أمت، وفي الفتح شعار المهاجرين: بنى عبد الرحمن، ويجعل شعار الخزرج: بنى عبد اللَّه، والأوس: بنى عبد اللَّه، وفي خيبر: بنى عبد الرحمن للمهاجرين، وللخزرج: بنى عبد اللَّه، وللأوس: بنى عبيد اللَّه، وفي الطائف لم يسم أحدا.
فصل في ذكر المغازي التي قاتل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر المغازي التي قاتل فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الواقدي: وكان ما قاتل صلّى اللَّه عليه وسلّم تسعا: بدر القتال، يوم أحد، المريسيع، الخندق، قريظة، خيبر، الفتح، وحنين، والطائف قال: ويقال: قد قاتل في بني النضير ولكن اللَّه جعلها له خاصة، وقاتل في غزوة تبوك، ووادي القرى منصرفة من خيبر، وقتل بعض أصحابه، وقاتل في الغابة حتى قتل محرز بن فضل، وقتل من العدو ستة. قال الواقدي في وقعة أحد: ورمى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ عن قوسه حتى صارت شظايا، فأخذها قتادة بن النعمان وكانت عنده. وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته. قال قتادة بن النعمان: فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: أي رسول اللَّه، إن تحتى امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني. فأخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فردها فأبصرت وعادت كما كانت، فلم تضرب عليه ساعة من ليل ولا نهار، وكان يقول بعد أن أسن: هي واللَّه أقوى عينىّ! وكانت أحسنهما. وباشر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القتال، فرمى بالنبل حتى فنيت نبله وتكسرت سية قوسه، وقبل ذلك انقطع وتره، وبقيت في يده قطعة تكون شبرا في سية القوس، وأخذ القوس عكاشة بن محصن يوتره له، فقال: يا رسول اللَّه، لا يبلغ الوتر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مده، يبلغ! قال عكاشة: فو الّذي بعثه بالحق، لمددته حتى بلغ وطويت منه ليتين أو ثلاثة على سية القوس. ثم أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوسه، فما زال يرمى القوم، وأبو طلحة أمامهم يستره مترسا عنه، حتى نظرت إلى قوسه قد تحطمت، فأخذها قتادة بن النعمان. قال الواقدي [ (1) ] : حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: لما كان يوم أحد أقبل أبيّ بن خلف يركض فرسه، حتى إذا دنا من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اعترض له ناس من أصحابه ليقتلوه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استأخروا عنه! فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحربته في يده فرماه بها بين سابغة البيضة
والدرع فطعنه هناك، فوقع أبي عن فرسه وكسر ضلع من أضلاعه واحتملوه فمات بالطريق، ونزلت فيه وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (1) ] . فحدثني يونس بن محمد الظفري. عن عاصم بن عمر، عن عبد اللَّه ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: كان أبى بن خلف قدم في فداء ابنه، وكان أسر يوم بدر، فقال: يا محمد، إن عندي فرسا لي أجلها فرقا من ذرة كل يوم، أقتلك عليها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل- أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه ويقال قال ذلك بمكة فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمته بالمدينة فقال: أنا أقتله عليا إن شاء اللَّه. قالوا وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القتال لا يلتفت وراءه، وكان يقول لأصحابه: إني أن يأتى أبىّ بن خلف من خلفي، فإذا رأيتموه فآذنونى به، فإذا بأبىّ يركض على فرسه، وقد رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرفه، جعل فجعل يصيح بأعلى صوته: يا محمد، لا نجوت إن نجوت! فقال القوم: يا رسول اللَّه، ما كنت صانعا حين يغشاك؟ فقد جاءك، وإن شئت عطف عليه بعضنا فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ودنا أبيّ فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم انتقض بأصحابه كما ينتقض البعير، فتطايرنا عنه تطاير الشعارير، ولم يكن أحد يشبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جد الجد. ثم أخذ الحربة فطعنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحربة في عنقه وهو على فرسه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامر، واللَّه ما بك بأس، ولو كان هذا الّذي بك بعين أحدنا ما ضرّه. فقال واللات والعزى لو كان هذا الّذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون! أليس قال: لأقتلنك؟ فاحتملوه وشغلهم ذلك عن طلب رسول اللَّه
فصل في ذكر ما كان للنبي عليه السلام من الغنيمة
صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعظم أصحابه في الشّعب. ويقال: تناول الحربة من الزبير بن العوام. وكان ابن عمر يقول: مات أبىّ بن خلف ببطن رابغ، فإنّي لأسير ببطن رابغ بعد هوى من الليل، إذ نار تأجج، فهبتها، وإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذبها يصيح: العطش! وإذا رجل يقول: لا تسقه، فإن هذا قتيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، هذا أبىّ بن خلف. فقلت: ألا سحقا! ويقال مات بسرف. ويقال لما تناول الحربة من الزبير حمل أبىّ على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليضربه، فاستقبله مصعب بن عمير يحول بنفسه دون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فضرب مصعب ابن عمير وجهه، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة بين سابغة البيضة والدرع فطعنه هناك، فوقع وهو يخور [ (1) ] . فصل في ذكر ما كان للنّبيّ عليه السلام من الغنيمة خرج أبو داود [ (2) ] من حديث سفيان عن مطرف، عن الشعبي، قال: كان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سهم يدعي الصفيّ، إن شاء عبدا، وإن شاء أمة، وإن شاء فرسا، يختاره قبل الخمس. ومن حديث ابن عون قال: سألت محمدا عن سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والصفي، قال: كان يضرب له بسهم من المسلمين وإن لم يشهد، والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء.
ومن حديث سعيد- يعنى ابن بشير- عن قتادة، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث شاءه، فكانت صفية من ذلك السهم، وكان إذا لم يغز بنفسه ضرب له بسهمه ولم يخير. ومن حديث سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: كان صفية من الصفي [ (1) ] . ولأبي بكر بن أبي شيبة [ (2) ] من حديث وكيع قال: أنبأنا قرة بن خالد، عن أبي العلاء يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير قال: كنا جلوسا بهذا المسجد بالبصرة فأتى أعرابيّ معه قطعة أديم أو قطعة جراب فقال: هذا كتاب كتبه لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذته فقرأته على القوم فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول اللَّه لبني زهير، إنكم إن أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم الخمس من المغنم، ثم سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والصفي، فأنتم آمنون بأمان اللَّه وأمان رسول اللَّه قال: قلنا للأعرابي: من أين سمعت هذا؟ من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، سمعته يقول: صوم شهر الصبر يعني رمضان أو ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر، ثم أخذ الكتاب وانطلق مسرعا ثم قال ألا أراكم تخافون أن أكذب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واللَّه لا أحدثكم اليوم حديثا. وخرجه أبو محمد بن الجارود من حديث وكيع عن قرة بن خالد بنحوه إلى قوله: وأمان رسوله، وبعد هذا قال: قلنا له: هل سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول شيئا؟ قال سمعته يقول صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، يذهبن وحر الصدر. قال: ثم أخذ الكتاب وانصاع مسرعا.
وحدثني قدامة بن موسى، عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزام، قال: كتب إليّ عمر بن عبد العزيز في خلافته أن افحص لي عن الكتيبة [أكانت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر أم كانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصة] ، قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فسألت عمرة بنت عبد الرحمن فقالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما صالح بني أبي الحقيق جزّأ النطاة، والشق، والكتيبة، خمسة أجزاء، وكانت الكتيبة جزء منها، ثم جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس بعرات، وأعلم في بعرة منها فجعلها للَّه. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اجعل سهمك في الكتيبة، فكان أول من خرج منها الّذي فيه مكتوب على الكتيبة، فكانت الكتيبة خمس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت السهمان أغفالا ليس عليها علامات، فكانت فوضى للمسلمين على ثمانية عشر سهما، قال أبو بكر: فكتبت إلى عمر ابن عبد العزيز بذلك. وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن أبي مالك، عن حزام بن سعد بن محيصة، قال: لما خرج سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان الشق والنطاة أربعة الأخماس للمسلمين فوضى. وحدثني عبد اللَّه بن عون، عن أبي مالك الحميري، عن سعيد بن المسيب، وحدثني محمد، عن الزهري، قال: الكتيبة خمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يطعم من أطعم في الكتيبة وينفق على أهله منها. قال ابن واقد: والثبت عندنا أنها خمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يطعم من الشق والنطاة أحدا، وجعلها سهمانا للمسلمين، وكانت الكتيبة التي أطعم فيها. وكانت الكتيبة تخرص ثمانية آلاف وسق تمر، وكان لليهود نصفها أربعة آلاف، كان يزرع في الكتيبة شعير، وكان يحصد منها ثلاثة آلاف صاع، فكان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم نصفه، ألف وخمسمائة صاع شعير، وكان يكون فيها نوى فربما اجتمع ألف صاع، فيكون لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصفه، فكل هذا قد أعطى منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين من الشعير، والتمر، والنوى ثلاث مائة وسق شعير.
أطعم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا تمرا وعشرين وسقا شعيرا. وللعباس بن عبد المطلب مائه وسق، ولفاطمة وعليّ عليهما السلام من الشعير والتمر ثلاث مائة وسق، والشعير من ذلك خمس وثمانين وسق، لفاطمة من ذلك مائتا وسق. ولأسامة بن زيد مائة وخمسون، منها أربعون شعير، وخمسون وسقا نوى، ولأم رمثة بنت عمر بنت هاشم بن المطلب خمسة أو ساق شعير، وللمقداد بن عمر خمسة عشر وسقا شعيرا. وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمته عن أمها، قالت: بعن طعمة المقداد بن عمرو من خيبر خمسة عشر وسقا شعيرا من معاوية بن أبى سفيان بمائة ألف درهم. بسم اللَّه الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى محمد رسول اللَّه لأبى بكر بن أبى قحافة مائة وسق، ولعقيل بن أبى طالب مائة وأربعين، ولبني جعفر بن أبى طالب خمسين وسقا، ولربيعة بن الحارث مائة وسق، ولأبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب مائة وسق، وللصلت بن مخرمة بن المطلب ثلاثين وسقا، ولأبى نبقة خمسين وسقا، ولركانة بن عبد يزيد خمسين وسقا، وللقاسم بن مخرمة بن المطلب خمسين وسقا، ومسطح بن أثاثة بن عباد وأخته هند ثلاثين وسقا، ولصفية بنت عبد المطلب أربعين وسقا، ولبحينة بنت الحارث بن عبد المطلب ثلاثين وسقا، ولضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أربعين وسقا، وللحصين، وخديجة، وهند بنت عبيدة بن الحارث مائة وسق، ولأم الحكم بنت الزبير بن عبد اللَّه ثلاثين وسقا، ولأم هانئ بنت أبى طالب أربعين وسقا، ولجمانة بنت أبى طالب ثلاثين وسقا، ولأم طالب بنت أبى طالب ثلاثين وسقا، ولقيس بن مخرمة بن المطلب خمسين وسقا، ولأبى أرقم خمسين وسقا، ولعبد الرحمن بن أبى بكر أربعين وسقا، ولأبى بصرة أربعين وسقا، ولابن أبى حبيش ثلاثين وسقا، ولعبد اللَّه بن وهب وابنيه خمسين وسقا، لابنيه أربعين وسقا، ولنميلة الكلبي من بنى ليث خمسين وسقا، ولأم حبيبة بنت جحش ثلاثين وسقا، ولملكان بن عبدة ثلاثين وسقا، ولمحيصة بن مسعود ثلاثين وسقا، وأوصى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للرهاويين بطعمة من خمس
خيبر بجادّ مائة وسق، وللداريين بجادّ مائة وسق، وهم عشرة من الداريين قدموا من الشام إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأوصى لهم بطعمة مائة وسق: هانئ بن حبيب، والفاكه ابن النعمان، وجبلة بن مالك، وأبو هند بن برّ، وأخوه الطيب بن برّ، سماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه، وتميم بن أوس، ونعيم ابن أوس، ويزيد بن قيس، وعزيز بن مالك، سماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد الرحمن، وأخوه مرة بن مالك، وأوصى للأشعريين بجادّ مائة وسق [ (1) ] . قال الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة قال: لم يوص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا بثلاثة أشياء، للداريين بجادّ مائة وسق، وللأشعريين بجادّ مائة وسق، وللرهاويين بجادّ مائة وسق، وأن ينفذ جيش أسامة بن زيد، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عقد له إلى مقتل أبيه، وألا يترك بجزيرة العرب دينان. قالوا: ثم استشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل عليه السلام في قسم خمس خيبر، فأشار عليه أن يقسمه في بنى هاشم وبني عبد المطلب وبني عبد يغوث وحدثني معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال جبير ابن مطعم: لما قسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سهم ذوى القربى بخيبر من بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، هؤلاء إخواننا من بنى المطلب لا ننكر فضلهم لمكانك الّذي وضعك اللَّه به منهم، أفرأيت إخواننا من بني المطلب، إنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة، أعطيتهم وتركتنا. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية والإسلام، ودخلنا معا في الشّعب، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد! وشبك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصابعه [ (2) ] .
خرجه البخاري [ (1) ] من حديث عقيل، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب عن جبير بن مطعم، ومن حديث يحيى بن بكير عن الليث عن يونس، عن ابن شهاب، وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث يونس وابن إسحاق عن ابن شهاب، وخرجه النسائي كذلك، قال الواقدي: [ (3) ] وكان عبد المطلب بن ربيعة ابن الحارث يحدث قال: اجتمع العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث فقالا: لو بعثنا هذين الغلامين- لي وللفضل بن عباس- إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدى الناس، وأصابا ما يصيبون من المنفعة. فبعث بى والفضل فخرجنا حتى جئنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسبقناه وانصرف إلينا من الظهر وقد وقفنا له عند حجرة زينب، فأخذ بمناكبها فقال: أخرجا ما تسران فلما دخلا عليه فكلماه فقالا: يا رسول اللَّه جئناك لتؤمّرنا على هذه الصدقات فنودي ما يودي الناس، ونصيب ما يصبون من المنفعة، فسكت ورفع رأسه إلى سقف البيت، ثم أقبل علينا فقال: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس. ادع لي محمية بن جزء الزبيدي وأبا سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب. فقال لمحمية: زوج هذا ابنتك- للفضل. وقال لأبى سفيان: زوج هذا ابنتك- لعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث. وقال لمحمية: أصدق عنهما مما عندك من الخمس. فكان ابن عباس يقول: قد دعانا عمر إلى أن ينكح فيه أيامانا، ويخدم منه عائلنا، ويقضى منه غارمنا، فأبينا عليه إلا أن يسلمه كله، وأبى ذلك علينا.
قلت: خرجه مسلم من حديث جويرية، عن مالك عن الزهري، أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أخبره قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا واللَّه لو بعثنا هذين الغلامين «قالا لي والفضل بن عباس» إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلماه فأمّرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدى الناس، وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما في ذلك، جاء على بن أبى طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال على بن أبى طالب: لا تفعلا، فو اللَّه ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: واللَّه ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا، فو اللَّه لقد نلت صهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فما نفسناه عليك، قال على: أرسلوهما، فانطلقا. واضطجع على، قال: فلما صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: أخرجا ما تصرران، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ هند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول اللَّه أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمّرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدى إليك كما يؤدى الناس، ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه، قال: ثم قال: أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية- وكان على الخمس- ونوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، قال فجاءاه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك- فضل بن العباس- فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك- لي- فأنكحنى، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا. قال الزهري ولم يسمه لي [ (1) ] .
وخرجه أيضا من حديث يونس بن زيد عن ابن شهاب عن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أخبره أن أتاه ربيعة بن الحارث وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس ائتيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وساق الحديث بنحو حديث مالك إلا ألفاظ متعددة [ (1) ] . قال الواقدي: حدثني مصعب بن ثابت، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير أن أبا بكر وعمرو وعليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم جعلوا هذين السهمين على اليتامى والمساكين. وقال بعضهم: في السلاح والعدة في سبيل اللَّه، وكانت تلك الأطعمة تؤخذ بصاع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حياته، وفي خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، حتى كان يحيى بن الحكم فزاد في الصاع سدس المد، فأعطى الناس بالصاع الّذي زاد، ثم كان أبان بن عثمان فزاد فيه فأعطاهم بذلك، وكان من مات من المطعمين أو قتل في حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإنه يرثه تلك الطعمة من ورث ماله، فلما ولي عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قبض طعمة كل من مات ولم يورثه، فقبض طعمة زيد ابن حارثة، وقبض طعمة جعفر بن أبي طالب، وكلمه فيه علي بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأبى، وقبض طعمة صفية بنت عبد المطلب، فكلمه الزبير في ذلك حتى غالظه فأبى عليه
بردّه، فلما ألح عليه قال: أعطيك بعضه. فقال الزبير لا واللَّه، لا تخلف تمرة واحدة تحبسها عني! فأبى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه تسليمه كله إليه. فقال الزبير: لا آخذه إلا جميعا! فأبى عمر وأبى أن يردّ على المهاجرين. وقبض طعمة فاطمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فكلم فيها. فأبى أن يفعل. وكان يجيز لأزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنعنا، فماتت زينب بنت جحش في خلافته فخلى بين ورثتها وبين تلك الطعمة، وأجاز ما صنعن فيه من بيع أو هبة، وورث ذلك كل من ورثهن ولم يفعل بغيرهن. وأبى أن يجيز بيع من باع تلك الطعمة، وقال: هذا شيء لا يعرف، إذا مات المطعم بطل حقه فكيف يجوز بيعه؟ إلا أزواج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإنه أجاز ما صنعن، فلما ولي عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كلم في تلك الطعمة فرد على أسامة ولم يرد على غيره. فكلمه الزبير في طعمة صفية أمّه فأبى أن يرده وقال: أنا حاضرك حين تكلم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وعمر يأبى عليك يقول: «خذ بعضه» ، فأنا أعطيك بعضه الّذي عرض عليك عمر، أنا أعطيك الثلثين وأحتبس الثلث، فقال الزبير: لا واللَّه، لا تمرة واحدة حتى تسلمه كله أو تحتبسه. قال الواقدي: حدثني شعيب بن طلحة بن عبد اللَّه بن عبد بن الرحمن ابن أبى بكر، عن أبيه، قال: لما توفي أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان ولده وورثته يأخذون طعمته من خيبر مائة وسق في خلافة عمر وعثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وورثت امرأته أم رومان بنت عامر بن عويمر الكنانية [وحبيبة] بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير، فلم يزل جاريا عليهنّ حتى كان زمن بن عبد الملك أو بعده فقطع. قال أبو عبد اللَّه: سألت إبراهيم بن جعفر عمّن أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمس خيبر فقال: لا تسأل عنه أحدا أبدا أعلم مني، كان من أعطى منه طعمة جرت عليه حتى يموت، ثم يرثه من ورثته يبيعون، ويطعمون، ويهبون،
كان هذا على عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي اللَّه تعالى عنهم. قلت: ممن سمعت ذلك؟ قال من أبي وغيره من قومي. قال أبو عبد اللَّه: فذكرت لعبد الرحمن بن عبد العزيز هذا الحديث فقال: أخبرني من أثق به أن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يقبض تلك الطعمة إذا مات الميت [في حياة] أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وغيرهن، ثم يقول: توفيت زينب بنت جحش في سنة عشرين في خلافة عمر فقبض طعمتها، وكلم فأبى أن يعطيها الورثة. وقال: إنما كانت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم طعمة ما كان المرء حيا، فإذا مات فلا حق لورثته. قال: فكان الأمر على ذلك في خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى توفي، ثم ولى عثمان. وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أطعم زيد بن حارثة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه طعمة من خيبر لم يكن له بها كتاب، فلما توفي زيد جعلها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأسامة بن زيد. قلت: وفأن بعض من يروي يقول كلهم أسامة بن زيد عمر وعثمان في طعمة أبيه فأبى، قال: ما كان إلا كما أخبرتك. قال أبو عبد اللَّه: هذا الأمر [ (1) ] . [وقال: أبو زيد عمر بن محمد بن يحيى عن الواقدي عن صالح، عن جعفر، عن المسور بن رفاعة، عن ابن كعب قال: أو صدقة في الإسلام وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمواله، قال: فقلت: لابن كعب يقولون صدقة عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أول، فقال: على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأوصى إن أصيب قاموا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقبضها رسول اللَّه فتصدق بها فهذا قبل ما تصدق عمر إنما تصدق عمر يسمع حين رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر سنة سبع من الهجرة واللَّه أعلم [ (2) ]] .
فصل في ذكر من جعله النبي عليه السلام على مغانم حروبه
فصل في ذكر من جعله النبي عليه السلام على مغانم حروبه اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل على مغانم حروبه غير واحد من أصحابه فجعل على المغانم يوم بدر في قول ابن إسحاق: عبد اللَّه بن كعب بن عمرو ابن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن النجار أبا الحارث. وقيل: أبا يحيى الأنصاري المازني، وقال أبو عمر بن عبد البر: شهد بدرا وكان على غنائم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر، وشهد المشاهد كلها مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكان على خمس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غيرها. كانت وفاته بالمدينة سنة ثلاثين، وصلّى عليه عثمان [ (1) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وذكر الواقدي [ (2) ] : أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمل على غنائم بدر عبد اللَّه بن كعب، هذا أتم. قال: وقد قيل: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمل عليها خباب بن الأرتّ [ (3) ] بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، التميمي بالنسب، الخزاعي بالولاء، الدهري بالحلف، أحد المهاجرين الأولين، جعله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أسرى بدر. ذكر أبو محمد بن حزم بن عبد اللَّه بن عبد يغوث بن عويج بن عمرو أن زيد الأصغر الّذي ولاه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم الغنائم يوم بدر. وقال ابن عبد البر
كان من مهاجرة الحبشة وتأخر إقفاله منها، وأول مشاهده المريسيع واستعمله، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأخماس. وذكر مسلم [ (1) ] في كتاب الزكاة أن محمية بن جزء استعمله الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأخماس. وقال الواقدي [ (2) ] في غزاة المريسيع: حدثني أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبى سبرة، عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن أبى الجهم، قال: أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
بالأسرى فتكفوا وجعلوا ناحية، واستعمل عليهم بريدة بن الحصيب، وأمر بما وجد في رحالهم من رثة [المتاع] والسلاح فجمع، وعمد إلى النعم والشاء فسيق واستعمل عليهم شقران مولاه، وجمع الذرية ناحية، واستعمل على المقسم- مقسم الخمس- وسهمان المسلمين محمية بن جزء الزبيدي، فأخرج الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم الخمس من جميع المغنم، فكان يليه محمية بن جزء. [ولما نزل بنو قينقاع على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وربطوا جعل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، وأجلاهم محمد بن مسلمة الأنصاري [ (1) ] ، وقبض أموالهم [ (2) ]] . وقال الواقدي [ (3) ] أيضا: وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبادة بن الصامت [ (4) ] أن يجليهم، فجعلت قينقاع تقول: يا أبا الوليد، من بين الأوس والخزرج- ونحن مواليك- فعلت هذا بنا؟ فقال لهم عبادة: لما حاربتم جئت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللَّه إني أبرأ إليك منهم ومن حلفهم. وكان عبد اللَّه ابن أبيّ ابن سلول، وعبادة بن الصامت منهم بمنزلة واحدة في الحلف. فقال عبد اللَّه بن أبي: تبرأت من حلف مواليك؟ ما هذه بيدهم عندك. فذكّره مواطن
قد أبلوا فيها. فقال عبادة: أبا الحباب، تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود، أما واللَّه إنك لمعتصم بأمر سترى غبه غدا! فقالت قينقاع: يا محمد، إن لنا دينا في الناس. قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: تعجلوا وضعوا! وأخذهم عبادة بالرحيل والإجلاء، وطلبوا التنفس فقال لهم: ولا ساعة من نهار، لكم ثلاث لا أزيدكم عليها! هذا أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولو كنت أنا ما نفستكم. فلما مضت ثلاث خرج في آثارهم حتى سلكوا الشام، وهو يقول: الشرف الأبعد، الأقصى، فأقصى، وبلغ خلف ذباب [ (1) ] ، ثم رجعوا ولحقوا بأذرعات [ (2) ] . وولى إخراج بني النضير محمد بن مسلمة، الّذي قبض أموالهم والحلقة وكشفهم عنها. قال الواقدي أيضا [ (3) ] : وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد استعمل على أموال بني النضير- يعني التي جعلها اللَّه تعالى خاصة- أبا رافع مولاه، وربما جاءه بالباكورة منها. وقال في بنى قريظة: فلما جهدهم الحصار ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بأسراهم فكتفوا رباطا، وجعل على كتافهم محمد بن مسلمة ونحوا ناحية، وأخرجوا النساء والذرية من الحصون وكانوا ناحية، واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليهم عبد اللَّه بن سلام. قال الواقدي [ (4) ] : فحدثني ابن أبي سبرة، عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن أبيه، قال: لما سبى بنو قريظة النساء والذرية باع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم
من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف طائفة وبعث طائفة، إلى نجد، وبعث طائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، يبيعهم ويشترى بهم سلاحا وخيلا. ويقال باعهم بيعا من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، فاقتسما فسهمه عثمان بمال كثير، وجعل عثمان على كل من جاء من سبيهم شيئا موفيا، فكان يوجد عند العجائز المال ولا يوجد عند الشواب، فربح عثمان مالا كثيرا- وسهم عبد الرحمن- وذلك أن عثمان صار في سهمه العجائز. ويقال: لما قسم جعل الشواب على حدة والعجائز على حدة، ثم خير عبد الرحمن عثمان، فأخذ عثمان العجائز. قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: كان السبي ألفا من النساء والصبيان، فأخرج الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة قبل بيع المغنم، وجزّأ السبي خمسة أجزاء، فأخذ خمسا، فكان يعتق منه، ويهب منه، ويخدم منه من أراد. وكذلك صنع بما أصاب من رثتهم، قسمت قبل أن تباع، وكذلك النخل، عزل خمسة. وكل ذلك يسهم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة أجزاء ويكتب في سهم منها «للَّه» ثم يخرج السهم، فحيث صار سهمه أخذه ولم يتخير. وصار الخمس إلى محمية بن جزء الزبيدي، وهو الّذي قسم المغنم بين المسلمين. حدثني عبد اللَّه بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يسهم ولا يتخيبر [ (1) ] . حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفرق بين بنى قريظة في القسم والبيع والنساء والذرية. وذكر ابن فتحون في (الذيل على كتاب الاستيعاب) : أن صاحب المغانم يوم خيبر هو كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري، وعن ابن وهب أنه كان على المغانم يوم خيبر أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن
سواد بن غنم ابن كعب بن سلمة الأنصاري [ (1) ] ، [وقيل كعب بن عمر بن تميم ابن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي] [ (2) ] . وقال الواقدي [ (3) ] : واستعمل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الغنائم يوم خيبر فروة ابن عمرو البياضي الأنصاري. فكان قد جمع ما غنم المسلمون في حصون النطاة، وحصون الشق، وحصون الكتيبة، لم يترك على أحد من أهل الكتيبة إلا ثوبا على ظهره من الرجال والنساء والصبيان، جمعوا أثاثا كثيرا وسلاحا كثيرا، وغنما وبقرا، وطعاما وأدما كثيرا، فأما الطعام والأدم والعلف فلم يخمس، يأخذ منه الناس حاجتهم، وكان من احتاج إلى سلاح يقاتل به أخذه من صاحب المغنم، حتى فتح اللَّه عليهم فرد ذلك إلى المغنم، فلما اجتمع ذلك كله أمر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجزّى خمسة أجزاء، وكتب في سهم منها «اللَّه» وسائر السهمان أغفال، فكان أول ما خرج سهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يتخير في الأخماس، ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببيع الأربعة الأخماس فيمن يزيد، فجعل فروة يبيعها فيمن يزيد، فدعا فيها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالبركة، وقال: اللَّهمّ ألق علينا النفاق! قال فروة ابن عمرو: فلقد رأيت الناس يتداركون علي ويتواثبون حتى نفق في يومين، ولقد كنت أرى أنا لا نتخلص منه حينا لكثرته. وفي مسند الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سبى يوم خيبر ستة آلاف بين امرأة وغلام فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها أبا سفيان بن الحارث رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وذكر أبو محمد بن حزم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمل أبا الجهم [ (1) ] عامر بن عبيد بن حذيفة بن غانم بن عامر بن عبد اللَّه بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب القرشي العدوي على الغنائم يوم خيبر. وذكر عز الدين أبو الحسن علي بن محمد الأثير في كتاب (الكامل في التاريخ) [ (2) ] أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم خيبر أمر بالسبايا والأموال فجمعت إلى الجعرانة، وجعله عليها بديل بن ورقاء [بن عمرو بن ربيعة بن عبد العزى ابن ربيعة بن جرى بن عامر بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة] [ (3) ] بن ربيعة الخزاعي. وذكر البخاري عند سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي عن أبيه، عن ابن إسحاق قال: حدثني إبراهيم ابن أبي عبلة، عن ابن بديل بن ورقاء، سمع أبيه يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بديلا أن يحبس السبايا والأموال بالجعرانة حتى
يقدم عليه ففعل. وقال ابن إسحاق كان على المغانم يوم حنين مسعود بن عمرو [الغفاريّ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] . وقال الواقدي: فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الجعرانة أقام يتربص أن يقدم عليه وفدهم، وبدأ بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس. وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد غنم فضة كثيرة، أربعة آلاف أوقية، فجمعت الغنائم بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاء أبو سفيان بن حرب وبين يديه الفضة، فقال: يا رسول اللَّه، أصبحت أكثر قريش مالا! فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال [أبو سفيان] : أعطنى من هذا المال يا رسول اللَّه! فقال يا بلال، زن لأبى سفيان أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: ابني يزيد أعطه! قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: زنوا ليزيد أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: ابني معاوية، يا رسول اللَّه! قال: زن له يا بلال أربعين أوقية، وأعطوه مائة من الإبل. قال أبو سفيان: إنك لكريم، فداك أبي وأمي-! واللَّه لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، جزاك اللَّه خيرا! وأعطى في بنى أسد. قال الواقدي: وحدثني معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، قالا: حدثنا حكيم بن حزام قال: سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحنين مائة من الإبل فأعطانيها. ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم سألته مائة فأعطانيها، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول! قال: فكان حكيم يقول: والّذي بعثك بالحق، لا أرزأ [ (2) ] أحدا بعدك شيئا! فكان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يدعوه إلى عطائه فيأبى يأخذه، فيقول عمر: أيها الناس، إني أشهدكم على حكيم أنى
أدعوه إلى عطائه فيأبى أن يأخذه. قال: حدثنا ابن أبى الزناد، قال: أخذ حكيم المائة الأولى ثم ترك. وفي بنى عبد الدار: النضير، وهو أخو النضر بن الحارث بن كلدة، مائة من الإبل. وفي بنى زهرة: أسيد بن حارثة حليف لهم، مائة من الإبل. وأعطى العلاء بن جارية خمسين بعيرا، وأعطى مخرمة بن نوفل خمسين بعيرا، وقد رأيت عبد اللَّه بن جعفر ينكر أن يكون أخذ مخرمة في ذلك، وقال: ما سمعت أحدا من أهلي يذكر أنه أعطى شيئا، ومن بنى مخزوم: الحارث بن هشام مائة من الإبل، وأعطى سعيد بن يربوع خمسين من الإبل. وأعطى في بنى جمح صفوان بن أمية مائة بعير، ويقال: إنه طاف مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتصفح الغنائم إذ مر بشعب مما أفاء اللَّه عليه، فيه غنم وإبل ورعاؤها مملوء، فأعجب صفوان وجعل ينظر إليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ قال: نعم. قال: هو لك وما فيه. فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قط إلا بنى، وأشهد أنك رسول اللَّه! وأعطى قيس بن عدي مائة من الإبل، وأعطى عثمان بن وهب خمسين من الإبل. وفي بنى عامر بن لؤيّ أعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الإبل، وأعطى هشام بن عمر خمسين من الإبل، وأعطى في العرب الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن بدر الفزارىّ مائة من الإبل، وأعطى مالك بن عوف مائة من الإبل. وأعطى العباس بن مرداس السلمي أربعا من الإبل، فعاتب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في شعر قاله [ (1) ] .
فرفع أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أبياته إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم للعباس: أنت الّذي تقول: «أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة» ؟ فقال أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: بأبي وأمى يا رسول اللَّه، ليس هكذا! قال، قال: كيف؟ قال: فأنشده أبو بكر كما قال عباس، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سواء ما يضرك بدأت بالأقرع أم عيينة! فقال أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: بأبي أنت وأمى، ما أنت بشاعر ولا راوية، ولا ينبغي لك [ (1) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اقطعوا لسانه عنى. فأعطوه مائة من الإبل، ويقال خمسين من الإبل، ففزع منها أناس، وقالوا: أمر بعباس يمثل به. وقد اختلف علينا فيما أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ الناس. فحدثني عبد اللَّه بن جعفر، عن ابن أبى عون، عن سعد، عن إبراهيم ويعقوب بن عتبة، قالا: كانت العطايا فارعة من الغنائم. قال: حدثني موسى ابن إبراهيم، عن أبيه، قال: كانت من الخمس. فأثبت القولين أنها من الخمس.
قال سعد بن أبى وقاص: يا رسول اللَّه، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمريّ! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما والّذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكنى تالفتهما ليسلما، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه. وجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ وفي ثوب بلال فضة يقبضها للناس على ما أراه اللَّه، فأتاه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول اللَّه! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويلك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟ قال عمر: يا رسول اللَّه، ائذن لي أن أضرب عنقه! قال: دعه، إن له أصحابا! يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر [الرامي] في قذذه فلا يرى شيئا، ثم ينظر في نصله فلا يرى شيئا، ثم ينظر في رصافه فلا يرى شيئا، قد سبق الفرث والدم، يخرجون على فرقة من المسلمين، رأيتهم إن فيهم رجلا أسود، إحدى يديه [مثل ثدي] المرأة وكبضعة تدردر [ (1) ] . فكان أبو سعيد يقول: أشهد لسمعت عليا يحدث هذا الحديث [ (2) ] . قال عبد اللَّه بن مسعود: سمعت رجلا من المنافقين يومئذ ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعطى تلك العطايا، وهو يقول: إنها العطايا ما يراد بها وجه اللَّه! قلت:
فصل في ذكر من كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما واللَّه لأبلغن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما قلت. فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فتغير لونه حتى ندمت على ما صنعته، فوددت أنى لم أخبره، ثم قال: يرحم اللَّه أخى موسى! قد أوذى بأكثر من هذا فصبر! وكان المتكلم بهذا معتب بن قشير العمرى. ثم أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم، ثم فضها على الناس، فكانت سهامهم، لكل رجل أربع من الإبل أو أربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثنتي عشرة من الإبل، أو عشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس واحد لم يسهم له [ (1) ] . فصل في ذكر من كان على ثقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرّج البخاري [ (2) ] من حديث ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان على ثقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل يقال له كركرة [فمات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها] [ (3) ] [يعنى يوم خيبر] [ (4) ] . وخرج مسلم [ (5) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار، قال: قال أبو رافع: لم يأمرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أنزل
فصل في ذكر من حدا [1] برسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره
بالأبطح حين خرج من منى، ولكنى جئت فضربت فيه قبته، فجاء فنزل. قال أبو بكر في رواية صالح: قال: سمعت سليمان بن يسار. وفي رواية قتيبة قال: عن أبى رافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وكان على ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [في حجة الوداع واللَّه أعلم] . فصل في ذكر من حدا [ (1) ] برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أسفاره اعلم أنه حدا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى خيبر: عامر بن الأكوع وهو عامر بن سنان بن عبد اللَّه بن قشير الأسلمي، المعروف بابن الأكوع، عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، واسم الأكوع سنان، ويقال أخوه. أحد من بايع تحت الشجرة [ (2) ] .
خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر فسرنا ليلا، وقال البخاري: فسرنا ليلا. فقال رجل من القوم لعامر: يا ابن الأكوع، يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول: اللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اقتفينا ... وثبت الأقدام ان لاقينا وألقين سكينة علينا ... إنا إذا صيح بنا أتينا وبالصياح عولوا علينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع قال يرحمه اللَّه، قال رجل من القوم: وجببت يا نبي اللَّه، لولا أمتعتنا به، قال: فأتينا خيبر فحاصرناهم، حتى أصابتنا مخمصة شديدة. ثم قال: إن اللَّه عز وجل فتحها عليكم، قال: فلما أمسى الناس مساء اليوم الّذي فتحت عليهم
أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما هذه النيران؟ على أي شيء يوقدون؟ فقالوا: على لحم، قال: أي لحم؟ وقال البخاري: على أي لحم قالوا: لحم حمر الإنسية، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أهريقوها، واكسروها، فقال رجل من القوم أو يهريقوها ويغسلوها؟ وقال البخاري: فقال رجل يا رسول اللَّه أو نهريقها ونغسلها؟ قال: أو ذاك، فلما تصاف القوم كان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر فمات منه. قال: فلما قفلوا، قال سلمة وهو آخذ بيدي: قال فلما رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساكتا قال: مالك؟ قلت له: فداك أبى وأمه، زعموا أن عامرا حبط عمله، قال: من قاله؟ قلت: فلان وفلان، وأسيد بن حضير الأنصاريّ، فقال: كذب من قاله. إن له لأجرين، وجمع بين إصبعيه، إنه لجاهد مجاهد، قل عربي مشى بها مثله. وخالف قتيبة محمدا في الحديث في حرفين. وفي رواية ابن عباد: وألق سكينة علينا. حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبى عبيد، عن سلمة بن الأكوع، قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسرنا ليلا، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وذكر الحديث. ذكره في الأدب، في باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، وفيه: فلما قفلوا قال سلمة: رآني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاحبا، فقال لي: ما لك؟ فقلت: فدى لك أبي وأمي ... الحديث [ (1) ] .
وذكره في غزوة خيبر بهذا الإسناد إلى آخره، وقال فيه: فسرنا ليلا، وفيه: قال: على أي لحم؟ وقال: فاغفر، فداء لك ما اتقينا [ (1) ] .
وذكره في كتاب الدعاء من حديث مسدد، حدثنا يحيى عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة، حدثنا سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر، قال رجل من القوم: أيا عامر لو أسمعتنا من هنيهاتك، فنزل يحدو بهم يذكر «تاللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا» وذكر شعرا غير هذا، ولكنى لم أحفظه. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع. قال: يرحمه اللَّه. فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه، لولا متعتنا به. فلما صافّ القوم قاتلوهم، فأصيب عامر بقائمة سيف نفسه، فمات. فلما أمسوا أوقدوا نارا كثيرة. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هذه النار، على أي شيء توقدون؟ قالوا: على حمر إنسية. فقال: أهريقوا ما فيها وكسروها. قال رجل: يا رسول اللَّه، ألا نهريق ما فيها ونغسلها؟ قال: أو ذاك [ (1) ] . وخرّج مسلم [ (2) ] بعد حديث حاتم بن إسماعيل [ (3) ] من حديث ابن وهب قال أخبرني يونس بن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن ونسبه غير ابن وهب، فقال: ابن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان يوم خيبر قاتل أخي قتالا شديدا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك وشكّوا فيه: رجل مات في سلاحه، وشكوا في بعض أمره، قال سلمة: فقفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، فقلت: يا رسول اللَّه ائذن أن أرجز لك، فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: أعلم ما تقول، قال: فقلت:
واللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صدقت: وأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا قال فلما قضيت وجزى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من قال هذا؟ قلت له: أخي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يرحمه اللَّه، قال: فقلت: يا رسول اللَّه إن ناسا ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مات جاهدا مجاهدا، قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال حين قلت: إن ناسا يهابون الصلاة عليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبوا، مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين، وأشار بإصبعيه. قال الواقدي [ (1) ] : فلما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى خيبر، قال لعامر بن سنان انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك، فاقتحم عامر عن راحلته ثم ارتجز برسول اللَّه وهو يقول: واللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فألقين سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إنا إذا صيح بنا أتينا ... وبالصياح عولوا علينا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يرحمك اللَّه، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وجبت واللَّه يا رسول اللَّه فقال رجل من القوم لولا متعتنا به يا رسول اللَّه! فاستشهد عامر يوم خيبر. وخرج النسائي [ (2) ] من حديث يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى عبد الرحمن وعبد اللَّه ابنا كعب بن مالك، أن سلمة بن الأكوع قال: لما كان
يوم خيبر قاتل أخى قتال شديدا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فارتد عليه سيفه فقتله، فقال أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وشكوا فيه: رجل مات بسلاحه، قال سلمة: فقفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، فقلت: يا رسول اللَّه أتأذن لي أن أرتجز بك؟ فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أعلم ما تقول قلت: واللَّه لولا اللَّه ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صدقت فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا فلما قضيت رجزى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من قال هذا؟ قلت: أخى، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يرحمه اللَّه، فقلت: يا رسول اللَّه، واللَّه إن ناسا لا ليهابون الصلاة عليه، يقولون: رجل مات بسلاحه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مات جاهدا مجاهدا. قال ابن شهاب: ثم سألت ابنا لسلمة بن الأكوع فحدثني عن أبيه مثل ذلك، غير أنه قال حين قلت: إن ناسا ليهابون الصلاة عليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبوا مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين وأشار بإصبعيه. وذكر الواقدي [ (1) ] في مسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر: أنه قال لعبد اللَّه بن رواحة: ألا تحرك بنا الركب، فنزل عبد اللَّه عن راحلته فقال: واللَّه لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ارحمه، فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وجبت يا رسول اللَّه، قال الواقدي: قتل يوم مؤتة شهيدا. وخرّج الترمذي [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا جعفر ابن سليمان، حدثنا ثابت، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة في عمرة القضاء وعبد اللَّه بن رواحة بين يديه يمشى وهو يقول: - خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي حرم اللَّه تقول الشعر؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: خل عنه يا عمر، فلهى أسرع فيهم من نضح النبل. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد روى عبد الرزاق هذا الحديث أيضا عن معمر عن الزهري عن أنس نحو هذا، وروى في غير هذا الحديث أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة في عمرة القضاء وكعب بن مالك بين يديه، وهذا أصح عند بعض أهل الحديث لأن عبد اللَّه بن رواحة قتل يوم مؤتة، وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك. قلت: من قال: أن عمرة القضاء كانت بعد مؤتة، لأنه لم يكن بعد مؤتة الأصح مكة وكانت عمرة الحديبيّة وهي التي صدّ المشركون فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن البيت في ذي القعدة سنة ست وفيها صالح المشركين على أن يرجع إلى المدينة ثم يعتمر من قابل، وكان فتح مكة في رمضان في عمرة القضاء.
وقال موسى بن عقبة في عمرة القضاء: أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يكشفوا عن المناكب وأن يسعوا في الطواف ليرى المشركون جلدكم وقوتكم فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يطوف بالبيت بين أصحابه] أهل مكة والرجال والنساء ينظرون إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه وهم يطوفون. وكان يحدو بالإبل غلام حسن الحداء يقال له أنجشة، فكانت الإبل تزيد في الحركة لحدائه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير، يعني النساء [ (1) ] . وإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ظلله في الحر أبو بكر وأسامة ظلله من الحر أبو بكر الصديق وأسامة بن زيد وبلال المؤذن [ (2) ] . فخرج البخاري [ (3) ] من حديث ابن شهاب قال: فأخبرني عروة بن الزبير، فذكر حديث الهجرة وقدوم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أن قال: فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بنى عمرو بن عوف، وذلك في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه للناس وجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صامتا، فطفق من جاء من الأنصار- ممن لم ير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- يحيى أبا بكر، حتى
أصابت الشمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقبل أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك، فلبث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الّذي أسس على التقوى، وصلّى فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ثم ركب راحلته، فسار يمشى معه الناس، حتى بركت عند مسجد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مريدا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء اللَّه المنزل. ثم عاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: لا، بل نهيه لك يا رسول اللَّه، فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدا، وطفق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول- وهو ينقل اللبن: - هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر ويقول: اللَّهمّ إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة فتمثل بعشر رجل من المسلمين لم يسم لي. قال ابن شهاب: ولم يبلغنا- في الأحاديث- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات. ذكره في آخر كتاب الكفالة، في باب جوار أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعقده [ (1) ] . وخرج مسلم [ (2) ] من حديث معقل عن زيد بن أبي أنيسه عن يحيى بن حصين عن جدته أم الحصين قال: سمعتها تقول: حججت مع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم
حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشمس، قالت: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قولا كثيرا، ثم سمعته يقول: إن أمّر عليكم عبد مجدع، حسبتها قالت: أسود يقودكم بكتاب اللَّه، فاسمعوا له وأطيعوا. وفي لفظ [ (1) ] : حججت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة. خرج عمر بن شبة من حديث يزيد بن عبد ربه، حدثنا الوليد أبو مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة بنحو حديث علي بن زيد، عن القاسم بن أبي أمامة عمن رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سائرا إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال في يده عود عليه ثوب يظل به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشمس. وخرجه الإمام أحمد [ (2) ] من حديث الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبى العاتكة، عن على بن زيد عن القاسم، عن أبى أمامة عمن رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإلى جانبه بلال فذكره.
قال الواقدي: وقدّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيد بن حارثة، وعبد اللَّه بن رواحة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما من الأثيل، فجاءوا يوم الأحد شد الضحى، وفارق عبد اللَّه بن زيد بالعقيق منصرفة من غزوة بدر، فجعل عبد اللَّه ينادي على راحلته: يا معشر الأنصار، أبشروا بسلامة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقتل المشركين وأسرهم! قتل ابنا ربيعة، وابنا الحجاج، وأبو جهل، وقتل زمعة ابن الأسود، وأمية بن خلف، وأسر سهيل بن عمر ذو الأنياب في أسرى كثيرة، ونزل آيات في ذلك، قال عاصم بن عدي: فقمت إليه فنحوته فقلت: أحق ما تقول يا ابن رواحة؟ قال: إي واللَّه، وغدا يقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن شاء اللَّه ومعه الأسرى مقرنين، ثم اتبع دور الأنصار بالعالية، فبشرهم دارا دارا، والصبيان يشتدون معه ويقولون: قتل أبو جهل الفاسق! حتى انتهوا إلى بنى أمية بن زيد [ (1) ] [وعبد اللَّه بن رواحة يرجز بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم متوشحا السيف وهو يقول:] [ (2) ] [خلوا بني الكفار عن سبيله ... أنى شهدت أنه رسوله حقا وكل الخير في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله ... ضربا يزيل الهام عن مقيله [ (2) ]] ويذهل الخليل عن خليله ولأبي داود الطيالسي من حديث حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان أنجشة يحدو بالنساء،
وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا حدا أعنقت الإبل [ (1) ] ، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير. وخرجه البخاري [ (2) ] من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، وأيوب عن قلابة، عن أنس بن مالك قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
في سفر، وكان معه غلام له أسود يقال له أنجشة يحدو، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير. وروى عن حماد بن زيد قال أنبأنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال كان عبد أسود يقال له أنجشة فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر وكان أنجشة يحدو، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويحك يا أنشجة رويدك سوقك بالقوارير وكان يسوق بالنساء وكانت فيهن أم سليم. قال أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] : أنجشة العبد الأسود كان يسوق أو يقود بنساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، عام حجة الوداع، وكان حسن الحداء، وكانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رويدا يا أنجشة، رفقا بالقوارير، يعنى النساء. حديثه عند أنس بن مالك، أخبرنا أحمد بن عبد اللَّه، حدثنا سلمة بن قاسم، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصبهاني، حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان إذا حدا أعنقت الإبل، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير.
وروى حماد بن زيد، قال حدثنا أيوب عن أبى قلابة عن أنس، قال: كان عبد أسود يقال له أنجشة، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، وكان أنجشة يحدو بهم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير، وكان يسوق بالنساء. قال: وكانت فيهن أم سليم [ (1) ] .
فصل في ذكر وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر وزير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الوزير [ (1) ] الّذي يحمل نعل الملك ويعينه، وقد استوزره، وهي الوزارة بكسر الواو وفتحها والكسر أعلى، وأوزره على الأمر: أعانه وقوّاه، الأصل أوزر، وقد اختلف في اشتقاق الوزير فقيل من الوزر بفتح الواو والزاي وهي الملجأ لأن الوزير يلجأ إلى رأيه، وقيل سمى وزيرا من الوزر بكسر الواو وسكون الزاي وهي النعل لأنه يحمل عن صاحبه نعله ويعينه. قال ابن قتيبة: وما حمله الإنسان على ظهره، وآزرني فلان أعانني ووازرني صار لي وزيرا، وقال ابن جريج: وأزر الرجل الرجل موازرة أعانه، وكذلك آزره. قال: السبكي الوزير مأخوذ من أزر، وكان الأصل أزير فقيل وزير. ومن عرف سيرة أبي بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وكيف كانا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الهوى، والعصبية، وإعراض عن تقليد الآباء والمشيخة، تبين له أنهما كانا منه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمنزلة الوزيرين.
وقد خرج أبو عيسى الترمذي [ (1) ] من حديث تليد بن سليمان عن أبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من نبي إلا له وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وأبو الجحاف واسمه داود بن أبي عوف. ويروى عن سفيان الثوري حدثنا أبو الجحاف وكان رافضيا، وتليد بن سليمان يكنى أبا إدريس وهو شيعىّ. وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث عطاء بن عجلان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وإنما يعرف هذا الحديث
من حديث سوار بن مصعب عن عطية العوفيّ عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن لي وزيران من أهل السماء، ووزيران من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل وأما وزيراي من أهل الأرض، فأبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: ورواه عبيد بن القاسم بن سلام عن أبى معاوية عن عطية بلفظ آخر. وخرج أيضا من حديث ربيعة بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب قال: كان أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مكان الوزير، فكان يشاوره في جميع أموره، وكان ثانية في الإسلام، وكان ثانية في الغار، وكان ثانية في العريش يوم بدر، وكان ثانية في القبر، ولم يكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقدم أحدا [ (1) ] [إلا هو هذا] [ (2) ] . أما ما أخرجه البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث إبراهيم بن سعد قال حدثنا ابن سعد عن أبيه عن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه
قال: لقد رأيت يوم أحد عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد. ذكره البخاري في [المغازي] وأخرجه في كتاب اللباس. وأخرجه مسلم في المناقب من حديث سعد عن سعيد بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد قال: رأيت عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل [عليهما السلام] . لم يقل البخاري: يعني جبريل وميكائيل. قال الواقدي: حدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه، عن عبد الواحد بن أبى عون، عن صالح بن إبراهيم قال: كان عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: لقد رأيت يوم بدر رجلين عن يمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما، وعن يساره أحدهما، يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما ثالث من خلفه ثم ربعهما رابع أمامه [ (1) ] . وحدثني أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه عن عبد الواحد بن أبي عون، عن زياد مولى سعد، عن سعد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: رأيت رجلين يوم بدر [يقاتلان] عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدهما عن يساره والآخر عن يمينه وإني لأراه ينظر إلى ذا مرة وإلى ذا مرة سرورا بما ظفره اللَّه تعالى [ (2) ] .
فصل في ذكر صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو حذيفة بن اليمان لقب، وإنما هو عبد اللَّه حذيفة بن حسن ويقال: حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة ويقال لجروة اليمنى أيضا ابن الحارث بن قطيعة العبسيّ بن بغيض بن ريث بن غطفان العبسيّ القطيعي. حليف لبني عبد الأشهل المعروف بالصحابة بصاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، شهد أحدا، وكان من كبار الصحابة، وشهد نهاوند، فأخذ الراية بعد مقتل النعمان بن مقرن، ففتح اللَّه على يديه همذان والري والدينور في سنة اثنين وعشرين، ومات سنة ست وثلاثين على الصحيح [ (1) ] . خرج البخاري [ (2) ] من حديث إسرائيل عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال: قدمت الشام وصليت ركعتين ثم قلت اللَّهمّ يسر لي جليسا صالحا، فأتيت قوما فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي. فقلت: من هذا؟ قالوا أبو الدرداء رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقلت: إني دعوت اللَّه عز وجل أن ييسر لي جليسا صالحا فيسرك لي، قال: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة قال: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أفيكم الّذي أجاره اللَّه يعنى من الشيطان على لسان نبيه؟ أوليس فيكم صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي لا يعلم أحد غيره؟ قال: كيف يقرأ عبد اللَّه
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى فقرأت عليه وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى فقال: واللَّه لقد أقرأنيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فيه إلى في. ومن حديث شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال: ذهب علقمة إلى الشام فلما دخل المسجد قال: اللَّهمّ يسر لي جليسا صالحا، فجلس إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: ممن أنت؟ قال من أهل الكوفة. قال: أليس فيكم- أو منكم صاحب السر الّذي لا يعلمه غيره؟ يعنى حذيفة. قال: قلت بلى. قال أليس فيكم- أو منكم- الّذي أجاره اللَّه على لسان نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ يعنى من الشيطان، يعنى عمارا، قلت: بلى. قال: أليس فيكم- أو منكم- صاحب السواك، والوساد، أو السرار؟ قال: بلى. قال: كيف كان عبد اللَّه يقرأ: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى؟ قلت: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، قال: ما زال بى هؤلاء حتى كادوا يستنزلونى عن شيء سمعته من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ذكرهما في مناقبهما [ (1) ] وذكر في كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث
شعبة قريبا [ (1) ] منه. وذكره أيضا في مناقب عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من حديث أبي عوانة عن مغيرة باختلاف ألفاظ [ (2) ] .
وخرجه الترمذي من حديث قتادة عن خيثمة بن أبي سبرة قال أتيت المدينة فسألت اللَّه أن ييسر لي جليسا صالحا. [فيسر لي أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فجلست إليه فقلت له: إني سألت اللَّه إن ييسر لي جليسا صالحا] فوفقت لي، فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة جئت ألتمس الخير وأطلبه فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة، وابن مسعود صاحب طهور رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبغلته؟ وحذيفة صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمار الّذي أجاره اللَّه من الشيطان على لسان نبيه، وسلمان صاحب الكتابين، قال قتادة: الكتابان الإنجيل والفرقان. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب [صحيح] وخيثمة هو ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة، إنما نسب إلى جده [ (1) ] . وقال الحاكم في (المستدرك) : اتفق الشيخان على إخراج حديث شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد اللَّه بن يزيد عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: أخبرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما هو كائن إلى يوم القيامة فما من شيء إلا وقد سألته عنه إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة [ (2) ] . وخرجه الحاكم من حديث إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال: قال أبو إدريس [عائذ اللَّه] الخولانيّ: سمعت حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: واللَّه إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما ذاك أن يكون حدثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بها من شيء لم يحدث بها
غيري ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو يحدث في مجلس أنا فيه عن الفتن وهو يعد الفتن فيهن ثلاث لا تذرن شيئا منهن كهياج الصيف منها صغار ومنها كبار فذهب أولئك الرهط كلهم غيري. قال: هذا حديث صحيح [ (1) ] [على شرط الشيخين ولم يخرجاه] . وخرجه مسلم عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب قال أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب [ (2) ] . وخرج الترمذي من حديث زائدة عن عاصم، عن زر عن حذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: أخبرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما هو كائن إلى يوم القيامة فما من شيء إلا وسألته عنه إلا أنى لم أسأله عن ما يخرج أهل المدينة من المدينة. قال: قال أبو إدريس الخولانيّ سمعت حذيفة يقول واللَّه إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة وما ذاك أن يكون حدثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء لم يحدث به غيري، ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو يحدث في مجلس أنا فيه عن الفتن وهو يعد الفتن كذا لا يذرن شيئا منهن كرياح الصيف، ومنها صغارا ومنها كبارا، فذهب أولئك الرهط كلهم غيري. قال: هذا حديث صحيح خرجه مسلم عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب قال: أنبأنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب [ (3) ] . وخرج الترمذي من حديث زائدة عن عاصم عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قام فينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقام خير أخبر فيه ما يكون
فيه إلى قيام الساعة، عقله منا من عقله، ونسيه من نسيه. قال: حديث صحيح [ (1) ] . سلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العقبة [وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق خلفه] فبينا إذ سمع حس القوم قد غشوه فغضب وأمر حذيفة أن يردهم فرجع حذيفة إليهم فجعل يضرب وجوه رواحلهم [بمحجن في يده] فانحطوا من العقبة وأقبل حذيفة فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من
العقبة وترك الناس قال: يا حذيفة هل عرفت أحدا من الركب الذين ركبوا قال: يا رسول اللَّه عرفت راحلة فلان وفلان وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل [ (1) ] . قال الواقدي حدثني يعقوب بن محمد عن [ربيح] بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ عن أبيه عن جده قال: كان أهل العقبة الذين أرادوا بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أرادوا ثلاثة عشر رجلا قد سماهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحذيفة وعمار [ (2) ] . وحدثني معمر بن راشد عن الزهري فقال نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن راحلته فأوحى إليه وراحلته باركة فقامت تجر زمامها حتى أمسكها حذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأخذ بزمامها فاقتادها حين رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا فأناخها ثم جلس عندها حتى قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتاه فقال: من هذا؟ قال: أنا حذيفة فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنّي مسر إليك أمرا فلا تذكرنه: إني- نهيت أن أصلى على فلان وفلان رهط عدة من المنافقين ولا يعلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرهم لأحد غير حذيفة. فلما توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في خلافته إذا مات الرجل ممن يظن به أنه من أولئك الرهط أخذ بيد حذيفة فقاده إلى الصلاة عليه فإن مشى معه حذيفة صلّى عليه عمر، وإن انتزع يده وأبى أن يمشي انصرف معه. حدثني ابن أبي سبرة عن سليمان بن أبى سحيم عن نافع بن جبير قال: لم يخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدا إلى حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال الواقدي: وهم اثنا عشر رجلا ليس فيهم قرشي وهذا الأمر المجتمع عليه عندنا [ (3) ] وأبو ذر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.] [ (4) ] .
خرج الإمام أحمد من حديث خالد بن ذكوان حدثني أيوب بن بشير عن فلان الغبرى [الغزى ولم يقل] [ (1) ] أنه أقبل مع أبي ذر فلما رجع تقطع الناس عنه فقلت: يا أبا ذر إني سائلك [عن] [ (2) ] بعض أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن كان سرا من سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم أحدثك به قلت ليس بسر ولكن كان إذا لقي الرجل يأخذ بيده يصافحه قال على الخير سقطت لم يلقني قط إلا أخذ بيدي غير مرة واحدة وكانت تلك آخرهن أرسل إلي في مرضه الّذي توفى فيه، فوجدته مضطجعا فأكببت عليه فرفع يده فالتزمني [ (3) ] [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] . وخرجه من حديث حماد بن سلمة قال أخبرني ابن أبى الحسين عن أيوب بن بشير بن كعب العدوي عن رجل من عتر أنه قال لأبي ذر حين سير من الشام فذكر الحديث وقال فيه: هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصافحكم إذا لقيتموه منه فقال: ما لقيته قط إلا صافحني [ (4) ] [فقال أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه صاحب سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (5) ] . خرج البخاري في كتاب الاستئذان باب حفظ السر من حديث معتمر بن سليمان قال سمعت أبي قال سمعت أنس بن مالك [ (6) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وخرج مسلم [ (1) ] من حديث معتمر قال: وسمعت أبى يحدث عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال أسر إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سرا فما أخبرت به أحدا بعد ولقد سألتني عنه أم سليم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فما أخبرتها به. وخرج مسلم من حديث معمر قال أنبأنا عمار قال أنبأنا ثابت عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا ألعب مع الغلمان قال فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك قلت: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجة قالت: ما حاجته قالت؟ إنها سر،
فصل في ذكر من كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت: لا تحدثن بسر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحدا قال أنس: [واللَّه لو] حدثت به أحدا لحدثتك يا ثابت [ (1) ] . فصل في ذكر من كان يكتب الوحي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الوحي [ (2) ] على قسمين: متلو، وهو كتاب اللَّه تعالى الّذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ (فصلت: 42) ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ
الأمين [ (1) ] جبريل عليه السّلام على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان يمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كتبة الوحي، فيكتبون- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، كما يمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكانت كتابتهم لذلك في العسب، واللخاف، والأكتاف والرقاع. والقسم الآخر من الوحي: سنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودونت بعد وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان كتاب الوحي: عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فإن غابا كتب أبى بن كعب، وزيد بن ثابت، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وكان أبىّ ممن كتب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الوحي قبل زيد بن ثابت، وكتب معه أيضا. وكان زيد ألزم الصحابة لكتابة الوحي، وكان زيد وأبىّ يكتبان الوحي بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن لم يحضر أحد من هؤلاء الأربعة، كتب من حضر من الكتاب، وهم: معاوية بن أبى سفيان، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرميّ، وحنظلة بن الربيع، وكتب عبد اللَّه بن سعد بن أبى سرح الوحي، ثم ارتد [ (2) ] .
فصل في ذكر خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختم به
فصل في ذكر خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي كان يختم به تقدم حديث البخاري عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما أراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكتب إلى الروم، قيل له: إنهم لن يقرءوا كتابا إذا لم يكن مختوما، فاتخذ خاتما من فضة، ونقشه: محمد رسول اللَّه [ (1) ] . وقال ابن بطال: عن المهلب، كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يختم به، وبه كان يختم الكتب إلى البلدان، وأخرجه يونس عن الزهري، قال: حدثني أنس أن معاذا بعث إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخاتم من اليمن من ورق فصّه حبشىّ، كتب عليه: محمد رسول اللَّه، فكان يتختم به، ويختم أبو بكر، وعمر، وعثمان، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ست سنين من إمارته، فبينما هو على رأس بئر اريس سقط منه، فبرحت، فلم يوجد [ (2) ] . وخرج الترمذي في (الشمائل) من حديث أبى عوانة، عن أبى بشر، عن نافع، عن ابن عمر، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اتخذ خاتما من فضة، فكان يختم به ولا يلبسه [ (3) ] .
وذكر البخاري في (التاريخ) من حديث إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده معيقيب، قال: كان خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديد ملوىّ عليه فضة، فربما كان في يده، وإن معيقيب يلي خاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
فصل في ذكر ما كان يختم به رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه
فصل في ذكر ما كان يختم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتبه اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يختم كتبه بطين، ثم يطبع بالخاتم في الطين. قال: ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استكتب عبد اللَّه بن الأرقم، وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك- فيكتب، ويأمره أن يطينه ويختمه، وما يقرأه لأمانته عنده. قال: إذا أردت أن تجعل على الكتاب طين، فأطن الكتاب، فتقول: قد طنته، أطينه طينا، وهو كتاب مطين، فإذا أعدت الطين على الكتاب مرة بعد مرة، قلت: طينته بالتشديد تطيينا، فهو مطيّن. ويقال [للذي] يجعل فيها الطين: مطينة بالكسر، والجمع مطاين [ (1) ] . واقتدى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك الخلفاء، فوضع معاوية بن أبى سفيان ديوان الخاتم، واستعمل عليه عبد اللَّه بن محصن الحميري، فهو أول من أحدثه، وكان طين الختم في الدولة العباسية يجلب من سيراف، وهو طين أحمر، وقيل: لم تزل الكتب منشورة غير معنونة، حتى كانت قصة المسلمين. وقيل: أول من ختم الكتاب سليمان عليه السّلام، وأول من كتبها بالعربية قسّ بن ساعدة [ (2) ] .
فصل في ذكر صاحب خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر صاحب خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الّذي كان على خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي كان يختم به معيقيب ابن أبى فاطمة، مولى سعيد بن العاص، وقيل: هو دوسيّ حليف لآل سعيد ابن العاص: أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وقدم المدينة في السفينتين. وقيل: قبل ذلك، وكان على خاتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستعمله أبو بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على بيت المال. وكان قد نزل به داء الجذام، فعولج حتى وقف، ومات سنة أربعين وقيل: قبل ذلك [ (1) ] .
فصل في ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة الجيش وقسمه العطاء فيهم وعرضهم وعرفائهم
فصل في ذكر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكتابة الجيش وقسمه العطاء فيهم وعرضهم وعرفائهم اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بكتابه المسلمين فكتبوا في عصره، وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقسم الفيء بينهم، وإنما كانوا يكتبون في أوقات دون أوقات. فإذا عين صلّى اللَّه عليه وسلّم طائفة من المسلمين في بعث أو سرية كتبوا، وكذلك كان العطاء في عصره صلّى اللَّه عليه وسلّم في وقت دون وقت، من غير تعيين وقت لذلك، ولا تحديد مقدار لا يزاد عليه [ (1) ] . واقتدى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خليفته أبو بكر الصديق [ (2) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى، فكان يعطى الناس في خلافته الأعطيات. فلما استخلف أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب [ (1) ] . وضع الديوان [ (2) ] . وفرض الأعطيات. ورتب الناس في الديوان على منازلهم، وقدر أعطياتهم، وذلك أن الناس كثروا
وجبيت الموال، فتأكدت الحاجة إلى ضبطهم، ولذلك اتفق أهل الأثر، وعلماء الأخبار والسير، على أن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أول من وضع الديوان في الإسلام. وفرض الأعطيات. وقد أوردت من ذلك في كتاب (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) [ (1) ] . ما يكفى ويشفى، إن شاء اللَّه تعالى.
وخرج البخاري من حديث سفيان عن الأعمش، عن أبى وائل، عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اكتبوا إليّ من تلفظ بالإسلام من الناس، فكتبنا له الفا وخمسمائة رجل، فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمسمائة، ولقد رأيتنا ابتلينا حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف [ (1) ] ؟
أنبأنا عبدان عن أبى حمزة عن الأعمش، فوجدناهم خمسمائة، وقال أبو معاوية: ما بين ستمائة إلى سبعمائة. ترجم عليه: باب كتابه الإمام الناس [ (1) ] . وخرج مسلم من طريق أبى معاوية عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أحصوا كم تلفظ بالإسلام، قال: فقلنا: أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ فقال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا، قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلى إلا سرا. وقال النسائي: أنبأنا هناد بن السري، عن أبى معاوية بهذا الإسناد. وقال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحصوا من كان تلفظ بالإسلام، فقلنا: أيخاف علينا؟ ... الحديث، كما قال مسلم. ذكره في الجهاد، وترجم عليه: باب إحصاء الإمام الناس [ (2) ] . وخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث سفيان بن عيينة قال: حدثنا عمرو بن دينار عن أبى معبد، قال: سمعت ابن عباس رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه يقول: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني أكتتب في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك.
اللفظ لمسلم. وقال البخاري: اذهب فاحجج مع امرأتك. ذكره البخاري في كتاب الجهاد، وترجم عليه: باب من اكتتب في جيش، فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر، هل يؤذن له [ (1) ] ؟ وقال في النكاح: أنبأنا على بن عبد اللَّه قال: أنبأنا سفيان، قال: أنبأنا عمرو بهذا الإسناد، ولم يقل في هذا: ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم [ (2) ] . وذكره في الجهاد في باب: كتابة الإمام الناس، من حديث ابن جريح، عن عمرو بن دينار، عن أبى معبد، عن أبى عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: يا رسول اللَّه، إني كتبت في غزوة كذا وكذا، وامرأتي حاجة، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارجع فاحجج مع امرأتك [ (3) ] . وأخرجاه من حديث حماد عن عمرو بهذا الإسناد نحوه، وذكر البخاري في كتاب الحج في باب: حج النساء، من طريق حماد بن زيد، عن عمرو، عن أبى معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم. فقال رجل: يا رسول اللَّه، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال: أخرج معها [ (4) ] .
وخرج البخاري من حديث إبراهيم بن طمهان، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال، أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بمال من
البحرين فقال: انثروه في المسجد، وكان أكثر مال أتى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الصلاة فلم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدا إلا أعطاه، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول اللَّه، أعطنى، فإن فأديت نفسي، وفأديت عقيلا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذ، فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقله، فلم يستطيع، فقال: يا رسول اللَّه [اؤمر] بعضهم يرفعه إليّ، قال: لا، قال: فارفعه أنت على، قال: لا، فنثلا منه ثم ذهب يقله [ (1) ] ، فقال: يا رسول اللَّه [اؤمر] بعضهم يرفعه على، قال: لا، قال: فارفعه أنت عليّ، قال: لا، فنثر منه، ثم احتمله فألقاه على كاهله، ثم انطلق، فما زال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجبا من حرصه، فما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وثم منها درهم [ (2) ] . وخرج عبد اللَّه بن على بن الجارود. من حديث محمد بن يحيى، قال: أنبأنا أبو المغيرة، قال: أنبأنا صفوان، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جاءه سبى فقسمه من يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العزب حظا
واحدا، قال: فدعيت، وكنت أدعى قبل عمار بن ياسر، فدعيت فأعطانى حظين، وكان لي أهل، ثم دعا بعد عمار، فأعطاه حظا واحدا. ورواه أبو داود السجستاني [ (1) ] ، عن ابن المصفى، قال حدثنا أبو المغيرة، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن نفير، عن أبى، عن عوف بن مالك، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. كان إذا أتاه الفيء ... الحديث. ولأبى داود من حديث هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، أن عبد اللَّه ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، دخل على معاوية فقال: حاجتك يا أبا عبد الرحمن، فقال: عطاء [المحررين، فإنّي رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين [ (2) ]] .
وله من حديث عبد اللَّه بن دينار، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى بظبية [ (1) ] فيها خرز، فقسمها للحرة والأمة، قالت عائشة: كان أبى رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقسم للحر والعبد [ (2) ] .
وللبخاريّ من حديث مروان بن الحكم، ومستورد بن مخرمة ... فذكر حديث وفد هوازن إلى أن قال: فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسلمين، فأثنى على اللَّه تعالى بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين، وإني [قد] رأيت أن أراد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء اللَّه علينا فليفعل، فقال الناس: قد طيبنا ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فأرجعوا حتى يرفعوا إلينا عرفاؤكم أمركم. فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا [ (1) ] .
والعرفاء [هم] رؤساء الأخبار وقوادهم، وقيل: العريف: النقيب، وهو دون الرئيس. وقال هيثم بن بشرة: أخبرنى عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن أبيه أن أم سمرة بن جندب مات عنها زوجها، وترك ابنه سمرة وكانت امرأة جميلة، فقدمت المدينة فخطبت، فجعلت تقول، لا أتزوج إلا رجلا يضمن لها نفقة ابنها سمرة حتى يبلغ، فتزوجها رجل من الأنصار على ذلك، فكانت معه في الأنصار، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فمر به غلام فأجازه في البعث، وعرض عليه سمرة من بعده فرده، فقال سمرة: يا رسول اللَّه، لقد أجزت غلاما ورددتني، ولو صارعته لصرعته، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فصارعه، فصارعته، فصرعته، فأجازنى في البعث [ (1) ] .
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث هشيم، قال: أنبأنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن سمرة بن جندب، قال: أيمت أمى، وقدمت المدينة، فخطبها الناس، فقالت: لا أتزوج إلا برجل يكفل لي هذا اليتيم، فتزوجها رجل من الأنصار. قال: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فليلحق من أدرك منهم، فعرضت عاما، فألحق غلاما وردني، فقلت: يا رسول اللَّه!! لقد ألحقته ورددتني، ولو صارعته لصرعته، فصارعته، فصرعته، فألحقنى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
فصل في ذكر ما أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأرضين ونحوه
فصل في ذكر ما أقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأرضين ونحوه خرج أبو داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث شعبة، عن سماك، عن علقمة بن وائل بن حجر. عن أبيه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطعه أرضا بحضرموت. زاد الترمذي: وبعث معه معاوية ليقطعها إياه، وقال: هذا حديث حسن [صحيح] [ (3) ] . ولأبى داود [ (4) ] من حديث فطر، قال: حدثني أبى، عن عمرو بن حريث، قال: خط لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دارا بالمدينة بقوس، وقال: «أزبدك، أزبدك» [ (5) ] . وله من حديث مالك، عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن، عن غير واحد، قال: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع بلال بن الحارث المزني، معادن القبلية، وهي من ناحية الفرع، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم [ (6) ] .
ومن حديث أبى أويس، قال: حدثني كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه عن جده، قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية، جلسيها [ (1) ] وغوريها [ (2) ] ، وقال غيره: جلسها وغورها، حيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم، وكتب له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول اللَّه بلال بن الحارث المزني، أعطاه معادن القبلية، جلسيها وغوريها، حيث يصلح الزرع من قدس، ولم يعطه حق مسلم [ (3) ] . قال: أبو أويس: وحدثني ثور بن زيد، مولى بنى الديل بن بكر بن كنانة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما مثله [ (4) ] ، [زاد ابن النضر: وكتب أبى بن كعب [ (5) ]] .
قال: أبو عمر بن عبد البر، وقد ذكر حديث مالك الّذي بعده: هكذا هو [في] (الموطأ) عند جميع الرواة مرسلا، ولم يختلف فيه عن مالك، وهذا الحديث رواه عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ، عن ربيعة، عن الحارث بن بلال المزني عن أبيه. ورواه كثير بن عبد اللَّه، عن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده، فذكره [ (1) ] . ورواه أبو أويس عن كثير، عن أبيه عن جده، وعن الثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وهو غريب من حديث ابن عباس، ليس برواية غير أبى أويس عن ثور ... [ (2) ] . وانفرد أبو سبرة المزني، عن مطرف، عن مالك، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، عن بلال بن الحارث مثله سواء، ولم يتابع أبو سبرة على هذا الإسناد، وإسناد ربيعة فيه صالح حسن [ (3) ] . وخرج أبو داود من حديث ثمامة بن شراحيل، عن سمى بن قيس، عن شمير، قال ابن المتوكل: ابن عبد المدان، عن أبيض بن حمال، أنه وفد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستقطعه الملح، قال ابن المتوكل: الّذي بمأرب، فقطعه له، فلما أن ولى، قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العد [ (4) ] . قال: فانتزع منه، قال: وسأله عن ما يحمى من الأراك، قال: ما لم تنله خفاف الإبل [ (5) ] ، وقال ابن المتوكل: أخفاف الإبل فأقر به عليه
قال: أبو عيسى [ (1) ] : حديث أبيض غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وغيرهم في القطائع يرون جائزا أن يقطع الإمام، لمن رأى ذلك. وخرج البخاري من حديث هشام قال: أخبرنى أبى عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تعالى عنهما. قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رأسي، وهي منى على ثلثي فرسخ. وقال أبو ضمرة: عن هشام عن أبيه، إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أرضا من أموال بنى النضير. ذكره في كتاب فرض الخمس [ (2) ] ، وذكره في كتاب النكاح في باب: الغيرة، أتم من هذا [ (3) ] . وخرجه مسلم أيضا مطولا في كتاب الأدب، وخرجه النسائي كذلك. ولأبى داود من حديث أبى بكر بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أقطع الزبير نخلا [ (4) ] .
ومن حديث عبد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع الزبير حضر فرسه [ (1) ] ، فأجرى فرسه حتى قام [ (2) ] ، ثم رمى بسوطه، فقال: أعطوه من حيث بلغ السوط [ (3) ] . وعبد اللَّه بن عمر [ (4) ] هذا ضعفه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ووثقه ابن معين، وقال على بن المديني: عبد اللَّه بن عمر من الطبقة الثامنة فيتابع، وضعفه. وأخوه عبيد اللَّه من الطبقة الأولى في نافع، ولم يخرج لعبد اللَّه بن عمر هذا في الصحيحين شيء. وذكر عمر بن شبة من حديث مجزر بن جعفر، عن صالح بن كيسان قال: ضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موضع [النبيط] [ (5) ] فقال: هذا سوقكم، فأقبل كعب بن الأشرف، فدخلها، وقطع أطنابها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا جرم، لأنقلنها إلى موضع هو أغيظ له من هذا، فنقلها إلى موضع سوق المدينة. ثم
قال: هذا سوقكم، لا يحجر، ولا يضرب عليه الخراج، فلما قتل كعب بن الأشرف استقطع الزبير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم البقيع فقطعه، فهو يتبع الزبير [ (1) ] . وذكر من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى ابن معدة، قال: لما قدم المدينة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع الناس الدور، فجاءه حي من بنى زهرة يقال لهم: بنو عبد زهرة، فقالوا: يكتب عنا ابن أم عبد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلم ابتعثنى اللَّه إذا؟ إن اللَّه لا يقدس أمة لا يؤخذ لضعيف فيهم حقه [ (2) ] . ذكر ابن عبد البر: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع بلال بن الحارث المزني العقيق، وكتب له فيه كتابا نسخته: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى، محمد رسول اللَّه بلال بن الحارث المزني، أعطاه من العقيق ما صلح فيه معتملا، وكتب معاوية [ (3) ] . قال: فلم يعتمل بلال من العقيق [ (4) ] شيئا، فقال له عمر بن الخاطب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في ولايته: إن قريت على ما أعطاك رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم من معتمل العقيق فاعتمله، فما اعتملت فهو لك، كما أعطاكه، وإن لم تعتمله له قطعته بين الناس، ولم تحجزه عليهم، فقال بلال: تأخذ منى ما أعطانى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال له: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد اشترط عليك فيه شرطا فقطعه عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بين الناس، ولم يعمل فيه بلال شيئا، فلذلك أخذه منه عمر. وذكر من حديث حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة. عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف قال: أقطعنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أرضا كذا وكذا. وذكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قطع لأبى سفيان بن حرب. داره التي يقال لها: دار معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
فصل في ذكر أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية والخراج
فصل في ذكر أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزية والخراج قال: أبو عمر بن عبد البر: أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران، وكانوا نصارى، ثم قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الجزية من أهل البحرين، وكانوا مجوسا. فأما أهل نجران: فخرج البخاري [ (1) ] من حديث إسرائيل عن أبى إسحاق عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء السيد والعاقب [ (2) ] صاحبا نجران إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريدان [أن] [ (3) ] يلاعناه. فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فو اللَّه إن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا، فقال: لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف له أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا أمين هذه الأمة. وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: جاء أهل نجران إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه ابعث لنا رجلا أمينا.
فقال: لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين، قال: فاستشرف [له] [ (1) ] الناس، قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح [ (2) ] . وقال البخاري: «حق أمين» ، مرة واحدة. وخرجه الترمذي من حديث سفيان، عن أبى إسحاق، عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: جاء العاقب والسيد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالا: ابعث معنا أمينا، فقال: فإنّي سأبعث معكم أمينا حق أمين، فأشرف لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال: وكان أبو إسحاق إذا حدث بهذا الحديث عن صلة، قال:
سمعته منذ ستين سنة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [ (1) ] . [وقد روى عن ابن عمر وأنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح] . ولأبى داود حديث يونس بن بكير قال: أنبأنا أسباط بن نصر الهمذانيّ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي [ (2) ] ، عن ابن عباس قال: صالح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل نجران على ألفى حلة، النصف في صفر ... البقية في رجب.... يؤدونها إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها، والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد، أو غدرة [ (3) ] على أن لا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قس، ولا يفتنوا عن دينهم
ما لم يحدثوا حدثا، أو يأكلون الربا [ (1) ] . [قال إسماعيل: فقد أكلوا الربا] [ (2) ] ، [قال أبو داود: إذا نقضوا به ما اشترط عليهم فقد أحدثوا] . وقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، وبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى أهل نجران ليجمع صدقائهم، ويقدم عليه بجزيتهم. قال ابن الأثير: وذلك في سنة عشر، ففعل، وعاد فلقى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة في حجة الوداع [ (3) ] .
وأما أهل البحرين، فخرج البخاري من حديث الزهري قال: حدثني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، أنه أخبره أن عمرو بن عون الأنصاري، وهو حليف لبني عامر بن لؤيّ، وكان شهد بدرا، أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتى بجزيتها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين، وأمر عليهم العلاء بن الحضرميّ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبى عبيدة، فوافت صلاة الصبح مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما صلّى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآهم، وقال: أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء، فقالوا: أجل يا رسول اللَّه، قال: فأبشروا، وأملوا ما يسركم، فو اللَّه لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم. كرره من طرق عن الزهري [ (1) ] ، وأخرجه مسلم بهذا الإسناد أيضا [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث سفيان، قال: سمعت عمرا قال: كنت جالسا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس. فحدثها بجالة، سنة سبعين عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة، عند درج زمزم. قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى
عنه قبل موته بسنة: فرّقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر [ (1) ] . وخرجه أبو داود من حديث سفيان عن عمرو بن دينار، سمع بجالة يحدث عمرو بن أوس، وأبا الشعثاء [ (2) ] قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قبل موته، بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرّقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمة في كتاب اللَّه عز وجل، وصنع طعاما كثيرا فدعاهم، فعرض السيف على فخذه، فأكلوا، ولم يزمزموا، وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق، ولم يكن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر [ (3) ] .
وخرجه النسائي من حديث سفيان، عن عمرو، سمع بجالة: لم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر [ (1) ] . ولأبى داود من حديث هشيم، قال: أنبأنا داود بن أبى هند، عن قشير ابن عمرو، عن بجالة بن عبدة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: جاء رجل من الأسبذيين [ (2) ] من أهل البحرين، وهم مجوس أهل
هجر [ (1) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمكث عنده، ثم خرج فسألته: ما قضى اللَّه ورسوله فيكم؟ قال: شر، فقلت: مه؟ قال: الإسلام أو القتل، قال:، وقال عبد الرحمن بن عوف، قبل منهم الجزية، قال ابن عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن بن عوف، وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي [ (2) ] . قال قتادة: أكبر مال قدم به على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثمانون ألفا من جزية مجوس البحرين، فأمر بها، فصبت على حصير فما ترك ساكنا، ولا حرم سائلا. ولأبى داود من حديث الأعمش، عن أبى وائل عن معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم-[يعنى محتملا]- دينارا، أو عدله من المغافر [ (3) ] [ثياب تكون باليمن] .
ولأبى داود من حديث محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وعن عثمان بن أبى سليمان أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، فأخذ، فأتوه به فحقن له دمه، وصالحة على الجزية [ (1) ] . ولم يأخذ صلّى اللَّه عليه وسلّم [من] يهود خيبر جزية، فإنه صالحهم على أن مقرهم في الأرض ما شاء اللَّه، ولم تكن الجزية نزلت بعد، ثم أمره تعالى أن يقاتل أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية، فلم يدخل في هذا يهود خيبر، لأن العقد قد تم بينه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبينهم على إقرار، ثم أن يكونوا عمالا في الأرض بالشطر، فلم يطالبهم بغير ذلك، وطلب من إخوانهم من أهل الكتاب، ممن لم يكن بينه وبينهم عهد كنصارى نجران ويهود اليمن، وقد ظن بعضهم أن عدم أخذ
الجزية من يهود خيبر يختص بهم، فلا يؤخذ منهم جزية، وليس كذلك، بل الأمر كما بينته لك. وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع الجزية على أهل أيلة [ (1) ] ثلاثمائة دينار كل سنة، وكانوا ثلاثمائة رجل وعلى أهل أذرح [ (2) ] مائة دينار في كل رجب [ (3) ] .
فصل في ذكر عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزية
فصل في ذكر عمال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الجزية اعلم أنه قد تبين مما تقدم أن الذين بعثهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأخذ الجزية ثلاثة نفر، فبعث أبا عبيدة عامر، وقيل: عبد اللَّه بن عامر، والصحيح عامر ابن عبد اللَّه بن الجراح بن هلال بن اهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشيّ الفهرىّ. أحد العشرة الذين شهد لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجنة، وأحد كبراء الصحابة، وفضلائهم، وأهل السابقة منهم، وأمين هذه الأمة إلى أهل نجران أيضا [ (1) ] ، وبعث معاذ بن جبل [ (2) ] رضى اللَّه
فصل في ذكر عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزكاة
تبارك وتعالى عنه إلى أهل نجران أيضا، وبعث على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى أهل نجران أيضا، وبعث معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى أهل اليمن، لأخذ الجزية، وغير ذلك، واللَّه تعالى أعلم بالصواب. فصل في ذكر عمال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الزكاة اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما صدر من الحج سنة عشر، أقام بالمدينة حتى رأى هلال المحرم سنه إحدى عشر، فبعث المصدقين في العرب [ (1) ] ، فبعث عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على الصدقات، وبعث خالد بن سعيد بن العاص، وقد قدم قرة بن أشقر الجذاعى لملوك كندة، ومباعدا لهم فاستعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على صدقات زبيد ومذحج كلها، وبعثه معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة، وكان معه في بلاده حتى توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبعث معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، وفي كل أربعين شاة شاة. رواه أبو داود [ (2) ] .
وبعث أبى بن كعب مصدقا على بلى وعذرة وجميع بنى سعد بن هدم على ما رواه الإمام أحمد، وبعث عدي بن حاتم على طيِّئ وصدقاتها، وعلى بنى أسد. روى مسلم عن عدي بن حاتم، قال: أتيت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: إن أول صدقة بيضت وجه رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم ووجوه أصحابه صدقة طيِّئ جئت بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] ، وبعث الزبير، قال ابن زيد وقيس بن عاصم على صدقة بنى سعد، فبعث الزبير [ (2) ] ، قال: على ناحية، وقيس بن عاصم [ (3) ] على ناحية.
وذكر ابن قتيبة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استعمل الزبير قال ابن بدر: على صدقات قومه، وتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذهب بالصدقة إلى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهي سبعمائة بعير. قال عمر بن شبة: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: أنبأنا يوسف بن الماجشون قال: أخبرنا ابن شهاب أن عبد الرحمن بن عوف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يلي صدقات الإبل والغنم في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكان بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يلي صدقات الثمار، وكان محمية بن جزء يلي الخمس، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل خزانة بلال التي يضع فيها الصدقات، فوجد فيها صبرة من تمر فقال: ما هذا التمر يا بلال؟ قال: يا رسول اللَّه أخذتها لنوائبك، قال: أفأمنت أن تصبح ولها في جهنم بخارا، أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالا، أو إقتارا [ (1) ] .
فصل في ذكر الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر الصدقة على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال الفقيه أبو الليث محمد بن على بن أحمد بن سعيد بن حزم: رحمه اللَّه في كتاب (جوامع السيرة) : وكان كاتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصدقات
فصل في ذكر الخارص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الزبير بن العوام رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإن غاب أو اعتذر كتب جهم بن الصلت، وحذيفة بن اليمان رضى اللَّه عنهما [ (1) ] . فصل في ذكر الخارص على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: خرص العود يخرصه، خرصا حزرة، وقيل: الخرص المصدر، والخرص الاسم، والخراص الحراز، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث من يخرص الثمار على أربابها لأجل الزكاة الواجبة في تلك الثمار توسعة عليهم، ورفقا بهم، لأنهم لو منعوا من أجل سهم المساكين من أكلها طيبا، ومن التصرف فيها بالصلة والصدقة لأضر بهم ذلك، وكانت عليهم فيه مشقة كبيرة، ولو تركوا، والمتصرف بالأكل وغيره لأضرّ ذلك بالمساكين، ولتلف كثير مما يجب فيه الزكاة، ولهذا كان توجيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الخارص وإرساله إياه. وقد وقع في (الموطأ) من رواية مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ليهود خيبر [يوم الفتح] : أقركم [فيها] ، ما أقركم اللَّه [عز وجل] [ (2) ] ، على أن الثمر بيننا وبينكم، قال: فكان رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث عبد اللَّه بن رواحة فيخرّص بينه وبينهم، ثم يقول: إن شئتم فلكم، وإن شئتم فلي، فكانوا يأخذونه [ (1) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: هكذا روى هذا الحديث بهذا الإسناد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد جماعة رواة الموطأ، وكذلك رواه أكثر أصحاب الزهري، وقد وصله منهم صالح بن أبى الأخضر، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما فتح خيبر دعي اليهود، فقال: نعطيكم الثمر على أن يعملوها على النصف، أقركم ما أقركم اللَّه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث عبد اللَّه بن رواحة يخرصها عليهم، ثم يخبرهم أيأخذون بخرصه أم يتركون. وقال معمر عن الزهري: في هذا الحديث خمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، ولم يكن له ولا لأصحابه عمال ليعملونها، ويزرعونها، فدعا يهود خيبر، وكانوا أخرجوا منها، فدفع إليهم خيبر أن تعملوها على النصف، يردونه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، وقال لهم: أقركم على ذلك ما أقركم اللَّه، فكان يبعث إليهم عبد اللَّه بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب، ثم يحضر يهود يأخذونها بذلك الخرص، أو يدفعونها بذلك الخرص. قال: وإنما أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك الخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن يؤكل الثمر، ويفرق، وكانوا كذلك، وذكر تمام الخبر. وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريج، قال: أخبرت عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث ابن رواحة إلى اليهود، فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه، ثم يخبرون يهود أيأخذونه بذلك الخرص أم يدفعونه عليهم بذلك، وإنما كان أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالخرص لكي يحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمرة، ويفرق [ (2) ] .
وقد اختصره أبو داود [ (1) ] ، ولم يذكر الزكاة أيضا، ولأحمد من حديث وكيع أنبأنا العمرى، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، بعث ابن رواحة إلى خيبر، يخرص عليهم، ثم خيرهم أن يأخذوا أو يردوا، فقالوا: هذا الحق بهذا قامت السموات والأرض [ (2) ] . وذكر ابن إسحاق أن عبد اللَّه بن رواحة، خرص عاما واحدا، ثم أصيب بموته، وكان جبار بن صخر أخو بنى سلمة، هو الّذي يخرص عليهم بعد عبد اللَّه بن رواحة، وكان جبار جاء من أهل المدينة وحاسبهم. وقد روى أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، بعث سهل بن خثيمة خارصا خيبر. وقال ابن شهاب، عن عتاب بن أسد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثه، وأمره أن يخرص العنب، كما يخرص النخل، وأن يأخذ زكاة العنب زبيبا، كما يأخذ زكاة النخل تمرا، وذكره أبو داود [ (3) ] ، وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن
سابق، قال: أنبأنا إبراهيم بن طهمان، عن أبى الزبير، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: أفاء اللَّه خيبر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [كما كانوا] [ (1) ] ، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد اللَّه بن رواحة فخرصها عليهم، ثم قال: يا معشر اليهود أنتم أبغض [الخلق] إليّ، [قتلتم أنبياء اللَّه] وكذبتم على اللَّه، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم فلكم، وإن
[أبيتم] فلي، فقالوا: [لهذا] قامت السموات والأرض [ (1) ] . [قد أخذنا فاخرجوا عنا] . وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما فتح خيبر، سأله يهود، فقالوا: يا محمد نحن أرباب النخل، وأهل المعرفة بها، فساقاهم على الشطر من التمر، والزرع، وكان يزرع تحت النخل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أقركم ما أقركم اللَّه، فكانوا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى توفى، وأبى بكر، وصدرا من خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبعث عبد اللَّه بن رواحة، يخرص عليهم النخل، فإذا خرص قال: إن شئتم فلكم وتضمنون نصف ما خرصت، وإن شئتم لنا، ويضمن لكم ما خرصت، وأنه خرص عليهم أربعين ألف وسق فجمعوا له حليا من حلى نسائهم. فقالوا: هذا لك وتجاوز في القسم، فقال: يا معشر يهود واللَّه إنكم لمن أبغض خلق اللَّه إلى، وما ذاك يحملني أن أحيف عليكم، قالوا: لهذا قامت السموات والأرض، وكان عبد اللَّه يخرص عليهم، فلما قتل يوم موته، بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا الهيثم بن التيهان، يخرص عليهم، ويقال جبار بن صخر، وكان نصنع بهم مثل ما كان يصنع ابن رواحة، ويقال: الّذي خرص بعد ابن رواحة عليهم فروة بن عمرو [ (2) ] .
فصل في ذكر من ولى السوق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرف هذه الولاية اليوم بالحسبة ومتوليها يقال له المحتسب [1]
فصل في ذكر من ولى السوق في زمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتعرف هذه الولاية اليوم بالحسبة ومتوليها يقال له المحتسب [ (1) ] اعلم أن الحسبة أمر بالمعروف، إذا ظهر تركه، ونهى عن المنكر، إذا ظهر فعله، والأصل أن الاحتساب طلب الأجر، والاسم الحسبة [ (2) ] .
وخرج البخاري من حديث الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرنى سالم بن عبد اللَّه، أن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: رأيت الناس في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبتاعون جزافا [يعنى الطعام] يضربون أن يبيعون في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم [ (1) ] .
وخرجه مسلم من حديث ابن وهب، قال: أخبرنى يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرنى سالم أن أباه قال: قد رأيت الناس في عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا ابتاعوا الطعام جزافا يضربون أن يبيعوه في مكانهم، ذلك حتى تؤوي
إلى رحالهم [ (1) ] ، [قال ابن شهاب: وحدثني عبيد اللَّه بن عمر أن أباه كان يشترى طعاما جزافا فيحمله إلى أهله] [ (2) ] . وخرجه البخاري أيضا في كتاب الحدود من حديث معمر، عن الزهري عن سالم بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه، أنهم كانوا يضربون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبعوه في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم. ذكره في باب كم التعزير والأدب [ (3) ] . وخرجه مسلم بهذا السند، ولفظه: عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عنهما، أنهم كانوا يضربون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذا اشتروا طعاما جزافا، أن يبعوه في مكانه حتى يحولوه [ (4) ] . وخرجه البخاري أيضا من حديث الأوزاعي [عن الزهري] عن سالم، عن أبيه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن يبيعوه، حتى يؤووه إلى رحالهم، ذكره في باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة [ (5) ] .
وخرج مسلم من حديث مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كنا في زمان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الّذي اتبعناه فيه، إلى مكان سواه قبل أن نبيعه [ (1) ] .
وخرجه أبو داود، وزاد في آخره: «يعنى نشتري به جزافا [ (1) ] ، وخرجه النسائي أيضا [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث موسى بن عقبة، عن نافع قال: أنبأنا ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه، حتى ينقلوه حيث
يباع الطعام [ (1) ] . وذكر أبو عمر بن عبد البر، أن سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف القرشي، استعمله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد الفتح على سوق مكة، فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف، خرج معه، فاستشهد [ (2) ] ، واستعمل عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على سوق المدينة السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود، مع عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود [ (3) ]
[وسليمان بن أبى خيثمة] [ (1) ] . وقال ابن أبى خثيمة [كانت الشفاء ممن استعمله عمر على سوق المدينة] [ (2) ] ، والشفاء هذه هي الشفاء أم سليمان بنت عبد اللَّه بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب العدوية [ (3) ] ، وكانت سمراء بنت نهيك الأسدية ممن أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعمرت وكانت تمر في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط معها [ (4) ] .
تم بحمد اللَّه تعالى الجزء التاسع ويليه الجزء العاشر وأوله: «فصل في ذكر من كان من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير»
المجلد العاشر
[المجلد العاشر] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل في ذكر من كان من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمنزله صاحب الشرطة من الأمير [ (1) ] خرج البخاري في كتاب الأحكام من حديث محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، قال: حدثني أبى عن ثمامة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن قيس بن سعد كان يكون بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، ذكره في باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الّذي فوقه [ (2) ] . وخرجه الترمذي [ (3) ] في كتاب المناقب بهذا السند، ولفظه عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان قيس بن سعد، من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير. قال الأنصاري: يعنى مما يلي من أموره. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الأنصاري [حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن عبد اللَّه الأنصاري نحوه، ولم يذكر فيه قول الأنصاري] [ (4) ] .
وخرج الحاكم من حديث محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبى، قال: سمعت منصور بن زاذان يحدث عن ميمون بن أبى شبيب عن قيس بن سعد بن عبادة [قال] : إن أباه دفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يخدمه، قال: فأتى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وقد صليت ركعتين، فضربني برجله، فقال: ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه العلى العظيم، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [ (1) ] . وكان القصد في ذكره في هذا الموضع أن الوالد له مباح يخدم ولده، ثم للموهوب له الخدمة أن يستخدم منه، ثم يعرف من فضل قيس بن سعد، أنه خدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى صار منه بمنزلة صاحب الشرطة. وقيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاريّ، الخزرجىّ، أبو الفضل أحد كرام الصحابة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وأحد الفضلاء الجلة، وأحد دهاة العرب، وأهل الرأى، والمكيدة في الحروب، مع النجدة والسخاء [والشجاعة] [ (2) ] . وكان شريف قومه غير مدافع هو وأبوه وجده [كذلك] ، وصحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هو، وأبوه، وأخوه سعيد بن سعد بن عبادة، ثم صحب عليّ ابن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وشهد معه الجمل، وصفين، والنهروان هو قومه، وولاه مصر، ثم صرفه، وتوفى بالمدينة سنه ستين أو تسع وخمسين [ (3) ] . وقد ذكرته ذكرا مبسوطا في كتاب (عقد جواهر الأسفاط فيمن ملك مصر الفسطاط) [ (4) ] ، وذكرته أيضا في (التاريخ الكبير المقفى) [ (5) ] فانظره.
فصل في ذكر من كان يقيم الحدود بين يدي
فصل في ذكر من كان يقيم الحدود بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ومن كان يضرب الرقاب ذكر القاضي أبو بكر بن العربيّ [ (1) ] ، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جعل إقامة الحدود لجماعة منهم: على بن أبى طالب، ومحمد بن مسلمة الأنصاريّ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وقال الواقدي في وقعة بدر: وأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالأسرى حتى إذا كان بعرق الظبية، وقيل: بالصفراء، أمر عاصم بن ثابت بن أبى الأقلح أن يضرب عنق عقبة بن أبى معيط، وكان أسره عبد اللَّه بن سلمة بن مالك العجلانىّ، جمح به فرسه فأخذه، فأخذ عقبة يقول: يا ويلى! علام أقتل يا معشر قريش من بين من هاهنا؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لعداوتك للَّه ورسوله. قال: يا محمد منك أفضل، فاجعلني كرجل من قومي إن قتلتهم قتلتني، وإن مننت عليهم مننت على، وإن أخذت منهم الفداء كنت كأحدهم، يا محمد! من للصبية؟. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: النار قدمه يا عاصم، فاضرب عنقه! فقدمه عاصم، فضرب عنقه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: بئس الرجل كنت، واللَّه ما علمت كافرا باللَّه، وبرسوله، وكتابه، مؤذيا لنبيه منك، فأحمد اللَّه الّذي هو
قتلك، وأقر عيني منك [ (1) ] [قيل: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمر به فصلب، وكان أول مصلوب في الإسلام] [ (2) ] . [قال ابن الكلبي: كان أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فوقع على أمة للخم يهودية من أهل صفورية يقال لها: ترنا، وكان لها زوج من أهل صفورية يهودي، فولدت له ذكوان فادعاه أمية واستخلفه وكناه أبا عمرو، ثم قدم به مكة، فلذلك قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لعقبة يوم أمر بقتله: إنما أنت يهودي من أهل صفورية، ولاه عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على صدقات بنى تغلب، وولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبى وقاص وكان أبو عزة عمرو بن عبد اللَّه الجمحيّ قد من عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر، وكان فقيرا ذا عيال وحاجة، وكان في الأسارى فقال: إني فقير ذو عيال وحاجة، قد عرفتها، فامنن عليّ، فمن عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] . [فقال له صفوان ابن أمية: يا أبا عزة! إنك امرؤ شاعر، فأعنا بلسانك، فاخرج معنا، فقال: إن محمدا قد منّ عليّ، فلا أريد أن أظاهر عليه، قال: فأعنا بنفسك، فلك اللَّه عليّ إن رجعت أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي، يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، فخرج أبو عزة في تهامة، ويدعو بنى كنانة ويقول: إيها بنى عبد مناة الرزام [ (3) ] ... أنتم حماة وأبوكم حام [لا تعدونى نصركم بعد العام ... لا تسلموني لا يحل إسلام] [ (4) ] ثم سار مع قريش فأسر، ولم يؤسر غيره من قريش، فقال: يا محمد إنما خرجت كرها، ولي بنات فامنن عليّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أين ما
أعطيتنى من العهد والميثاق [لا واللَّه لا تمسح عارضيك تقول: سخرت بمحمد مرتين] [ (1) ] ... شهد مرتين. وفي رواية أنه قال له: إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، يا عاصم [بن ثابت] قدمه، فاضرب عنقه، فقدمه عاصم، فضرب عنقه، وحمل رأسه إلى المدينة في رمح، فكان أول رأس حمل في الإسلام، وقيل: بل رأس كعب بن الأشرف أول رأس حمل في الإسلام [ (2) ] . وذكر الواقدي أن حضير الكتائب [ (3) ] جاء بنى عمرو بن عوف فكلم سويد بن الصامت بن خالد بن عطية [ (4) ] بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف ابن مالك، بن الأوس [ (5) ] ، وخوات بن جبير [ (6) ] ، وأبا لبابة بن عبد المنذر [ (7) ] .
ويقال سهل بن حنيف [ (1) ] ، فقال: تزورونني فأسقكم من الشراب، وأنحر لكم، وتقيمون عندي أياما، قالوا: نحن نأتيك يوم كذا وكذا، فلما كان ذلك اليوم جاءوه، فنحر لهم جزورا، وسقاهم الخمر، وأقاموا عنده ثلاثة أيام، حتى تغير اللحم.
وكان سويد يومئذ شيخا كبيرا، فلما مضت الثلاث، قالوا: ما نرانا إلا راجعين إلى أهلنا، فقال حضير: ما أحببتم! إن أحببتم فأقيموا، وإن أحببتم فانصرفوا. فخرج الفتيان بسويد بحملانه حملا من الثمل، فمروا لاصقين بالحرة حتى كانوا قريبا من بنى غصينة، وهي وجاه بنى سالم إلى مطلع الشمس. فجلس سويد وهو يبول، وهو ممتلى سكرا، فبصر به إنسان من الخزرج. فخرج حتى أتى المجذر بن زياد فقال: هل لك في الغنيمة الباردة؟ قال: ما هي؟ قال: سويد أعزل لا سلاح معه، ثمل، قال: فخرج المجذر ابن زياد بالسيف صلتنا، فلما رآه الفتيان وليا، وهما أعزلان لا سلاح معهما- فذكرا العداوة بين الأوس والخزرج- فانصرفا سريعين، وثبت الشيخ ولا حراك به- فوقف عليه مجذر بن زياد فقال: قد أمكن اللَّه منك! فقال: ما تريد بى؟ قال: قتلك. قال: فارفع عن الطعام واخفض عن الدماغ، وإذا رجعت إلى أمك فقل: إني قتلت سويد بن الصامت، وكان قتله هيج وقعة بعاث. فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة أسلم الحارث بن سويد بن الصامت ومجذر بن زياد، فشهدا بدرا فجعل الحارث يطلب مجذرا ليقتله بأبيه، فلا يقدر عليه يومئذ، فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة، أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه، فرجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، ثم خرج إلى حمراء الأسد، فلما رجع من حمراء الأسد أتاه جبريل عليه السلام فأخبره أن الحارث ابن سويد قتل مجذرا غيلة، وأمره بقتله، فركب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى قباء في اليوم الّذي أخبره جبريل، في يوم حار، وكان ذلك يوما لا يركب فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى قباء، إنما كانت الأيام التي يأتى فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قباء يوم السبت ويوم الاثنين، فلما دخل وسمعت الأنصار فجاءت تسلم عليه، وأنكروا إتيانه في تلك الساعة وفي ذلك اليوم، فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يتحدث ويتصفح الناس حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورسة [ (1) ] ، فلما رآه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دعا عويم
ابن ساعدة فقال له: قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذر بن زياد، فإنه قتله يوم أحد فأخذه عويم فقال الحارث: دعني أكلم رسول اللَّه! فأبى عويم عليه، فجابذه يريد كلام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ونهض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يريد أن يركب، ودعا بحماره على باب المسجد، فجعل الحارث يقول: قد واللَّه قتلته يا رسول اللَّه، واللَّه ما كان قتلى إياه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه، ولكن حمية الشيطان وأمر وكلت فيه إلى نفسي، وإني أتوب إلى اللَّه وإلى رسوله مما عملت، وأخرج ديته، وأصوم شهرين متتابعين، وأعتق رقبة، وأطعم ستين مسكينا، إني أتوب إلى اللَّه ورسوله! وجعل يمسك بركاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وبنو المجذر حضور لا يقول لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم شيئا حتى إذا استوعب كلامه قال: قدمه يا عويم فاضرب عنقه! وركب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وقدمه عويم على باب المسجد فضرب عنقه. ويقال: إن خبيب بن يساف، نظر إليه حين ضرب عنقه فجاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فركب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إليهم يمحص عن هذا الأمر، فبينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على حماره، فنزل عليه جبريل فخبره بذلك في مسيره، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عويما فضرب عنقه، وقال حسان بن ثابت [للحارث بن سويد ابن الصامت الأنصاري] : يا حار في سنة من نوم أولكم ... أم كنت ويحك مغترا بجبريل أم كنت يا ابن زياد حين تقتله ... ذي غرة في فضاء الأرض مجهول وقلتم لن نرى واللَّه يبصركم ... وفيكم محكم الآيات والقيل محمد والعزيز اللَّه يخبره ... بما تكنّ سريرات الأقاويل [ (1) ] .
فصل في ذكر من أقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حد الزنا
فصل في ذكر من أقام عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حد الزنا قال ابن سيده: زنا الرجل يزني زنا وزناء، وكذلك المراة أيضا وزانى مزاناة وزناء بالمد، عن اللحياني، وكذلك المرأة أيضا. والمرأة تزانى مزاناة وزناء أي تباغى، قال اللحياني: الزنى مقصور، لغة أهل الحجاز، قال اللَّه تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى بالقصر، والنسبة إلى المقصور زنوى، والزناء ممدود لغة بنى تميم، وفي (الصحاح) : المد لأهل نجد، والنسبة إلى الممدود: زنائى، وزناه زنية، نسبة إلى الزنا، وقال له: يا زانى. وفي الحديث: ذكر قسطنطينية الزانية، يريد الزاني أهلها، كقوله تعالى: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً، أي كانت ظالمة الأهل. وقد زانى المرأة مزاناة وزناء، وقال اللحياني: قيل لابنة الخس: ما أزناك؟ قالت: قرب الوساد وطول السواد، فكأن قوله: ما أزناك؟ ما حملك على الزنا؟ قال: ولم يسمع هذا إلا في حديث ابنة الخس. وهو ابن زنية وزنية، والفتح أعلى، أي ابن زنا، ويقال للولد إذا كان من زنا: هو لزنية، وقد زناه: من التزنية، أي قذفه [ (1) ] . كانت عقوبة الزنا في صدر الإسلام، عقوبة خفيفة مؤقتة، لأن الناس كانوا حديثي عهد بحياة الجاهلية، ومن سنة اللَّه جل وعلا في تشريع الأحكام أن يسير بالأمة في طريق التدرج، ليكون أنجح في العلاج، وأحكم في التطبيق، وأسهل على النفوس لتقبل شريعة اللَّه، عن رضى واطمئنان. وقد كانت العقوبة في صدر الإسلام هي ما قصّه اللَّه تعالى علينا في سورة النساء في قوله جل شأنه: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَ
الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا* وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً [ (1) ] . فكانت عقوبة المرأة: الحبس في البيت، وعدم الإذن لها بالخروج منه، وعقوبة الرجل، التأنيب، والتوبيخ بالقول والكلام، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] . ويظهر أن هذه العقوبة كانت في أول الإسلام من قبيل التعزير لا من قبيل الحد، بدليل التوقيت الّذي أشارت إليه الآية الكريمة في قوله تعالى: حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وقد استبدلت بهذه العقوبة عقوبة أشد، هي الجلد للبكر، والرجم للزاني المحصن، وانتهى ذلك الحكم المؤقت إلى تلك العقوبة الرادعة الزاجرة. خرج مسلم [ (3) ] ، وأبو داود [ (4) ] ، والترمذي [ (5) ] من حديث عبادة بن الصامت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: كان نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا أنزل عليه
الوحي كرب لذلك وتربد [ (1) ] وجهه فأنزل اللَّه تبارك وتعالى عليه ذات يوم فلقى كذلك، فلما سرى عنه قال: خذوا عنى، خذوا عنى، قد جعل اللَّه لهن سبيلا: البكر بالبكر، جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم. خرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] أن رجلا من أسلم جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فاعترف بالزنى، فأعرض عنه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى شهد على نفسه أربع مرات، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: أبك جنون؟ قال: لا، قال: أحصنت؟ قال: نعم: فأمر به فرجم في المصلى، فلما أذلقته الحجارة، فرّ، فأدرك، فرجم حتى مات، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خيرا، وصلى عليه. وفي لفظ لهما [ (4) ] : أنه قال له: أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عنى؟ قال: بلغني أنك وقعت بجارية بنى فلان، فقال: نعم، قال: فشهد على نفسه أربع شهادات، ثم دعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أبك جنون؟ قال، لا: قال: أحصنت؟ قال: نعم، ثم أمر به فرجم. وفي لفظ لهما [ (5) ] : فلما شهد على نفسه أربع شهادات، ودعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أبك جنون؟ قال: لا: قال أحصنت:؟ قال: نعم، قال: اذهبوا به فارجموه.
وفي لفظ للبخاريّ [ (1) ] : أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت، قال: لا يا رسول اللَّه، قال: صلى اللَّه عليه وسلّم أنكتها؟ لا يكنى، قال: نعم، فعند ذلك أمر برجمه.
وفي لفظ لأبى دواد: أنه شهد على نفسه أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه، فأقبل في الخامسة، قال: «أنكتها» ؟ قال نعم. قال: «حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم، قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ «قال: نعم، قال:» فهل تدري ما الزنى؟ قال: نعم. أتيت منها حراما ما يأتى الرجل من امرأته حلالا. قال: «فما تريد بهذا القول؟ «قال: أريد أن تطهرني، قال: فأمر به فرجم، فسمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الّذي ستر اللَّه عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: «أين فلان وفلان» ؟ فقالا: نحن ذان يا رسول اللَّه، قال: «انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار» فقالا: يا نبي اللَّه، من يأكل من هذا؟ قال:
«فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل منه، والّذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها. [ (1) ] وفيه: أنه لما وجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم ردوني إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبرونى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم غير قاتلي [ (2) ] [فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأخبرنا قال: «فهلا تركتموه وجئتونى به، ليستثبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منه، فأما لترك حد فلا، قال: فعرفت وجه الحديث] [ (3) ] . ***
[فصل في ذكر من رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء المسلمات]
[فصل في ذكر من رجمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من النساء المسلمات] فخرج مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث بريدة: ... فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول اللَّه، إني قد زنيت فطهرني، وأنه ردها، فلما كان من الغد، قالت: يا رسول اللَّه! لم تردني؟ لعلك تردني كما رددت ما عزا، فو اللَّه إني لحبلى، قال: «إما لا، فاذهبي حتى تلدي» ، فلما ولدت، أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي اللَّه قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سبه إياها فقال:
«مهلا يا خالد! فو الّذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بها، فصلى عليها، ودفنت. وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] .... أن رجلا قال له: أنشدك باللَّه إلا قضيت بيننا بكتاب اللَّه، فقام خصمه، وكان أفقه منه فقال: صدق، اقض بيننا
[فصل في ذكر من رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب]
بكتاب اللَّه وائذن لي، فقال: «قل، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته. فافتديت منه بمائة شاة وخادم، وإني سألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال: والّذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب اللَّه: المائة والخادم ردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأغد يا أنيس على امرأة هذا فاسألها، فإن اعترفت فارجمها» فاعترفت، فرجمها. [فصل في ذكر من رجمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أهل الكتاب] فخرج البخاري ومسلم: أن اليهود جاءوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم» ؟ قال نفضحهم ويجلدون، فقال عبد اللَّه بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة، فنشروها، فوضع أحدهم يده على آيه الرجم، فقرأ
ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، إن فيها الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فرجما [ (1) ] .
فصل في ذكر من قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من قطع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ فقالوا: ومن
يجترئ عليه إلا أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه؟ حب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكلمه أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟ ثم قام فاختطب فقال: أيها الناس: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. وفي رواية لمسلم إنما هلك الذين من قبلكم. ولم يقل البخاري وأبو داود والنسائي: أيها الناس. وخرجه البخاري في كتاب الحدود بهذا الإسناد ونحوه وقال فيه: ثم قام فخطب فقال: أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم. وقال في آخره: لقطع محمد يدها. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرنى عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في غزوة الفتح، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأتى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فكلمه فيها أسامة بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فتلوّن وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟ فقال له أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والّذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. قال يونس: قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتى بعد ذلك فأرفع حاجتها
إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. ذكره في غزوة الفتح من حديث يونس عن الزهري بنحو حديث مسلم أو قريبا منه. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كانت امرأة
مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أن تقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فكلموه فكلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيها. ثم ذكر نحو حديث الليث ويونس. قال المؤلف، هذه المرأة التي سرقت وقطعت يدها التي كانت تستعير المتاع وتجحده، وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد اللَّه بن عمرو ابن مخزوم، وهي بنت أخى أبى سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قتل أبوها كافرا يوم بدر، قتله حمزة بن عبد المطلب، ووهم من زعم أن له صحبة. وقيل: هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد، وهي بنت عمر المذكورة، أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى بشر بن تيم أنها أم عمرو بن سفيان بن عبد الأسد. وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بها فقطعت يدها، [وقص نحو حديث الليث، قال: فقطع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يدها] . ومن حديث يونس عن ابن شهاب قال: كان عروة يحدث أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: استعارت امرأة- تعنى حليا- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي، حليا فباعته، فأخذت ثمنه، فأتي بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر بقطع يدها، وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد، وقال فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما قال [ (2) ] .
وخرج النسائي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن أبى المنذر مولى أبى ذر، عن أبى أمية المخزوميّ قال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتى بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما إخالك سرقت؟ قال: بلى، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: اذهبوا به فاقطعوه ثم جيئوا به، فقطعوه ثم جاءوا به فقال له: قل أستغفر اللَّه وأتوب إليه، فقال: استغفر اللَّه وأتوب إليه، قال: اللَّهمّ تب عليه. ترجم عليه باب تلقين السارق. وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: جيء بسارق إلى رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنما سرق فقال: اقطعوه قال: فقطع، ثم جاء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا يا رسول اللَّه إنما سرق فقال: اقطعوه ثم أتى به الرابعة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق، فقال: اقطعوه، فأتى به الخامسة فقال: اقتلوه، قال جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة. وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا ابن جريح قال: أخبرنى إسماعيل بن أمية أن نافعا مولى عبد اللَّه بن عمر حدثة أن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما حدثهم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قطع يد رجل سرق ترسا من صفّة النساء ثمنه ثلاثة دراهم. وخرج من حديث محمد بن إسحاق، عن أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قطع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم [ (2) ] .
فصل في ذكره من جلده رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكره من جلده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري [ (1) ] من حديث يحى بن بكير قال: حدثني الليث قال حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رجلا على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان اسمه عبد اللَّه وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد جلده في الشراب فأتى به يوما فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم فقال اللَّهمّ العنة ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تلعنوه فو اللَّه ما علمت إنه يحب اللَّه ورسوله. وخرج من حديث بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بسكران فأمر يضربه، فمنا من ضربه بيده، ومنا من ضربه بنعله، ومنا من ضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ما له أخزاه اللَّه! فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم. ترجم عليهما ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج عن الملة [ (2) ] .
وخرج البخاري [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتى برجل قد شرب الخمر فقال: اضربوه قال أبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك اللَّه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تقولوا هكذا لا تعينوا الشيطان عليه. ***
فصل في ذكر فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر فارس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أبو قتادة الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فارس رسول اللَّه وكان يعرف بذلك. اختلف في اسمه، فقيل: الحارث بن ربعي بن بلدمة، وقيل: النعمان بن عمر بن بلدمة، وقيل: عمر بن ربعي بن بلدمة، وقيل بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة. اختلف في شهوده بدرا. فقال بعضهم: كان بدريا. ولم يذكره ابن عقبه، ولا ابن إسحاق في البدريين، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد كلها. [ (1) ]
فصل ذكر أمناء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل ذكر أمناء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عدة أمناء، فخرج البخاري ومسلم من حديث أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك اللَّه هل سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا حسان أجب عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، اللَّهمّ أيده بروح القدس؟ قال أبو هريرة: نعم. ذكره البخاري في كتاب الصلاة، في باب الشعر في المسجد. وذكره في كتاب الأدب في باب هجاء المشركين [ (1) ] . وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت: البراء بن عازب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول لحسان بن ثابت اهجهم أو هاجهم وجبريل معك. ذكره البخاري في كتاب الأدب، باب هجاء المشركين، وفي كتاب المغازي، في آخر باب مرجع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الأحزاب ومخرجه إلى بنى قريظة ومحاصرته إياهم، من حديث عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم قريظة لحسان من ثابت: اهج المشركين، فإن جبريل معك [ (1) ] . وخرج مسلم [ (2) ] من حديث عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: اهجوا قريشا فإنه أشدّ عليها من رشق النبل، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم فهجاهم، فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال: والّذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فرى الأديم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي، فأتاه حسان ثم رجع فقال: يا رسول اللَّه قد لخص لي نسبك، والّذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فسمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن اللَّه ورسوله، وقالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: هجاهم حسان فشفى واشتفى. وقد تقدم التعريف بحسان بن ثابت الأنصاري، وكعب بن مالك، وأبى ابن كعب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وعبد اللَّه بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ أبو محمد، أحد النقباء، شهد العقبة وبدرا وما بعدها، واستشهد بمؤتة في جمادى سنة ثمان، وهو أحد الأمينين، وأحد الشعراء، وفي حسان وكعب بن مالك نزل قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [ (1) ] . ***
فصل في ذكر شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر شعراء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مدحه بالشعر جماعة من الرجال والنساء، ذكر من ذكره منهم الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد عبد البر نحو مائة وعشرين [ (1) ] ، وجمعهم الحافظ فتح الدين محمد بن محمد الأندلسى المعروف بابن سيد الناس في قصيدة ميمية ثم شرحها في مجلد سماه (منح المدح) ، أو (فتح المدح) ، ورتبهم على حروف المعجم، قارب بهم المائتين وكان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ثلاثة شعراء يناضلون عنه بشعرهم ويهجون كفار قريش وهم حسان بن ثابت، وعبد اللَّه بن رواحة، وكعب بن مالك، وهم من الأنصار، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. ***
فصل في ذكر من حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من حجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: الحجم: المصّ. يقال: حجم الصبى ثدي أمه إذا مصه. والحجام: المصاص. قال الأزهري: يقال للحاجم حجّام لامتصاصه فم المحجمة. وقد حجم يحجم حجما، وحاجم حجوم وفتق أحجم [ (1) ] . وقد ورد [أنه كان ل] [ (2) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اثنان، هما: أبو طيبة مولى بنى حارثة، واسمه نافع، وقيل: ميسرة، لم يشهد بدرا [ (3) ] .
وأبو هند عبد اللَّه، مولى فروة بن عمرو البياضي، تخلف عن بدر، وشهد ما بعدها [ (1) ] .
خرج البخاري من حديث محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد اللَّه، أخبرنا حميد الطويل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه سئل عن أجر الحجام، فقال: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، حجمه أبو طيبة، وأعطاه صاعين من طعام، وكلهم مواليه فخففوا عنه، وقال: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، وقال: لا تعذبوا صبيانكم بالغمز من العذرة، وعليكم بالقسط. ذكره في كتاب الطب، وترجم عليه باب الحجامة من الداء [ (1) ] . وأخرجه أيضا من حديث مالك، عن حميد عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: حجم أبو طيبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر له بصاع من تمر، وأمر أهله أن يخففوا من خراجه. ذكره في كتاب البيوع، باب ذكر الحجام [ (2) ] .
وله من حديث سفيان، عن حميد الطويل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: حجم أبو طيبة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأمر له بصاع أو صاعين من طعام، وكلم مواليه فخفف من غلته وضريبته. ذكر في كتاب الإجارة، ترجم عليه باب ضريبة العبد [ (1) ] . وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس، وخرج البخاري من حديث شعبة، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: دعا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم غلاما حجاما فحجمه، وأمر له بصاع أو صاعين أو مد أو مدّين، وكلم فيه، فخفف من ضريبته، وقال مسلم: بصاع أو مدّ، أو مدّين. ترجم عليه البخاري في باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه [ (3) ] . وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث وهيب، قال: حدثنا طاووس، عن أبيه عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط. ذكره البخاري في الإجارة، ومسلم في البيوع. ولمسلم [ (6) ] من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن عاصم، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: حجم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عبد لبني بياضة، فأعطاه النبي
صلى اللَّه عليه وسلّم أجره، وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته، ولو كان سحتا لم يعطه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وخرجه البخاري [ (1) ] من حديث يزيد بن زريع، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأعطى الحجام أجره، ولو علم كراهية لم يعطه. وخرجه الخطيب [ (2) ] من حديث محمد بن فضل عن الأعمش، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعا أبا طيبة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فحجمه، وسأله عن خراجه فقال: ثلاثة آصع، فوضع عنه صاعين وأعطاه أجره صاعا. وذكر ابن أيمن من حديث ابن جريح، عن أبى الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: احتجم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأعطاه أجره، وكان خراجه صاعين كل يوم، فأوصى سيده فوضع عنه صاعا [ (3) ] . وخرج الحاكم [ (4) ] من حديث أسيد بن موسى قال: أنبانا جماد بن سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يا
فصل في ذكر حلق شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنى بياضة أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه، قال: وكان حجاما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. فصل في ذكر حلق شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن المحفوظ من هدى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه لم يحلق رأسه المقدم إلا في عمرة أو حجة. وأول عمرة اعتمرها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعد الهجرة عمرة الحديبيّة وهي التي صده المشركون فيها عن البيت، فقاضاهم، ثم نحر هديه وحلق. قال الواقدي: وحدثني يعقوب بن محمد، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن أبى صعصعة، عن الحارث بن عبد اللَّه، عن أم عمارة، قالت: فأنا انظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين فرغ عن نحر البدن، فدخل قبة له من أدم حمراء، فيها الحلاق فحلق رأسه، فأنظر إليه قد أخرجه رأسه من قبته وهو يقول: رحم اللَّه المحلقين. قيل: يا رسول اللَّه، والمقصرين! قال: رحم اللَّه المحلقين- ثلاثا- ثم قال والمقصرين [ (1) ] . وحدثني إبراهيم بن يزيد، عن أبى الزبير، عن جابر، قال وأنا انظر إليه حين حلق رأسه، ورمى بشعره على شجره كانت إلى جنبه من سمره خضراء [ (1) ] .
قالت أم عمارة: فجعل الناس يأخذون الشعر من فوق الشجرة، فيتحاصّون فيه، وجعلت أزاحم حتى أخذت طاقات من شعر، فكانت عندها حتى ماتت تغسل للمريض. قال: وحلق يومئذ ناس، وقصّر آخرون. قالت أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: وقصّرت يومئذ أطراف شعرى. وكانت أم عمارة تقول: قصرت يومئذ- بمقص معى- الشعر وما شدّ. [قال الواقدي] ، حدثني خراش بن هنيد، عن أبيه، قال: كان الّذي حلق خراش بن أمية [ (1) ] ، يعنى ابن الفضل الكعبي الخزاعي، وهو الّذي بعث به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة، وعقروا جمله، وشهد الحديبة وما بعدها، ومات آخر خلافة معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. ثم اعتمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عمرة القضية، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة. وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام- عن أبيه، أن خراش بن أمية حلق رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند المروة [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثني حزام بن هشام، عن أبيه، أن خراش بن أمية حلق رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند المروة [ (1) ] . وحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن يحى بن حبان، أن الّذي حلقه معمر بن عبد اللَّه العدوي. ويقال فيه: معتمر بن أبى معتمر بن أبى معمر أحد شيوخ بنى عدي، أسلم قديما، وهاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة، وتأخرت هجرته إلى المدينة، وعاش عمرا طويلا، وله أحاديث منها: لا يحتكر إلا خاطئ. ولما اعتمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الجعرانة، وأحرم، ودخل مكة، وطاف بالبيت ماشيا، ثم سعى بين الصفا والمروة على راحلته، حتى انتهى إلى المروة من الطواف السابع، وحلق رأسه عند المروة.
قال والواقدي: حلقه أبو هند، عبد بنى بياضة، ويقال: حلقه خراش ابن أمية [ (1) ] . وأبو هند هذا هو الحجام المذكور آنفا. ولما كانت حجة الوداع حلق رأسه بمنى. قال الواقدي: لما نحر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الهدى، دعا الحلاق، وحضر المسلمون يطلبون من شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأعطى الحلاق شق رأسه الأيمن، ثم أعطاه أبا طلحة الأنصاري. وكلمه خالد بن الوليد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في ناصيته حين حلق، فدفعها إليه، وكان يجعلها في مقدم قلنسوته [ (2) ] ، [فلا يلقى جمعا إلا فضّه، فقال أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كنت انظر إلى خالد بن الوليد، وما نلقى منه في أحد، وفي الخندق وفي الحديبيّة، وفي كل موطن لاقانا، ثم نظرت إليه يوم النحر يقدم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بدنة، وهي تعتب في العقل، ثم نظرت إليه ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يحلق رأسه، وهو يقول: يا رسول اللَّه، نا صيتك! لا تؤثر بها على أحدا فداك أبى وأمى! فأنظر إليه أخذ ناصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكان يضعها على عينية وفيه] [ (3) ] . [قال: وسألت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: من أين هذا الشعر الّذي عندكن؟ قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما حلق رأسه في حجمته فرّق شعره في الناس، فأصابنا ما أصاب الناس. فلما حلق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رأسه أخذ من شاربه وعارضيه، وقلم أظفاره، وأمر بشعره وأظفاره أن يدفنا، وقصر
فصل في ذكر من طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قوم من أصحابه وحلق آخرون، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه المحلقين! ثلاثا، كل ذلك يقال: المقصرين يا رسول اللَّه! فقال: والمقصرين! في الرابعة] [ (1) ] . فصل في ذكر من طبخ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أنه جاء عن جماعة، أنهم طبخوا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فمنهم أبو عبيدة مولاه [ (2) ] ، ويقال: خادمه. خرج أبو عيسى الترمذي في (الشمائل) [ (1) ] ، من حديث قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبى عبيدة، قال: طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم قدرا، وقد كان يعجبه الذراع، فناولته الذراع، ثم قال ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسه بيده لو سكت لناولتنى الذراع ما دعوت. وسلمى بنت عميس [ (3) ] أخت أسماء بنت عميس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. خرج أبو يعلى، وأبو عيسى في (الشمائل) [ (4) ] ، من حديث الفضيل بن
سليمان قال: أنبأنا عبد اللَّه بن على، عن جدته سلمى قالت: أن الحسن بن عليّ، وابن عباس، وابن جعفر أتوها فقالوا لها: أصنعى لنا طعاما مما كان يعجب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويحسن أكله، فقالت: يا بنى إنك لا تشتهيه اليوم، قال: بل اصنعيه لنا وصبّت عليه شيئا من زيت، ودقت الفلفل والتوابل، فقربته إليهم فقال: هذا مما كان يعجب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويحسن أكله. اللفظ لأبى يعلى، وأبى رافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وخرج مسلم والنسائي من حديث عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبى هلال، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبى رافع، عن أبى غطفان، عن أبىّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال: أشهد لقد كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بطن الشاة، ثم صلى ولم يتوضأ. هذا لفظ مسلم [ (1) ] .
فصل في ذكر مواشط رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولفظ النسائي: عن أبى رافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بطن الشاة، وقد توضأ للصلاة، فيأكل منه ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضا [ (1) ] . وخرج النسائي من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: طبخت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم شاة، فقال: ناولني الذراع، فناولته الذراع، قال: ناولني الذراع، فناولته الذراع، قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! إنما للشاة ذراعان، قال: والّذي نفسي بيده، ولو سكت لناولتني الذراع ما دعوت [ (2) ] . فصل في ذكر مواشط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: مشط شعره يمشطه ويمشطه مشطا: رجّله، والمشاطة: ما سقط منه عند المشط. وقد أمتشط، وامتشطت المرأة، ومشطتها الماشطة مشطا. والماشطة التي تحسن المشط وحرفتها المشاطة. والمشاطة الجارية التي تحسن المشاطة [ (3) ] .
وذكر ابن فتحون أن أم زفر كانت ماشطة خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وأنها كانت تأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيكرمها، ويقول: أنها كانت تأتينا أيام خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها [ (1) ] . وأم سليم، سهلة، وقيل: زميلة، وقيل: رميثة، وقيل: مليكة، وقيل: الغميصاء، أو والرميصاء، بنت ملحان بن خالد، بن زيد بن حرام ابن جندب الأنصارية، وهي أم أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] .
ذكر ابن إسحاق [ (1) ] ، والواقدي، وسياقة الواقدي عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال انصرفنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من خيبر، وهو يريد وادي القرى، ومعه أم سليم بنت ملحان، وكان بعض القوم يريد أن يسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صفية حتى مرّ بها، فألقى عليها رداءه ثم عرض عليها الإسلام، فقال: أن تكوني على دينك لم نكرهك، فإن اخترت اللَّه ورسوله اتخذتك لنفسي. قالت: بل أختار اللَّه ورسوله، قال: فأعتقها فتزوجها، وجعل عتقها مهرها. فلما كان بالصهباء، قال لأم سليم: انظري صاحبتك هذه، فأمشطيها، وأراد أن يعرّس بها هناك، فقامت أم سليم- قال أنس: وليس معنا فساطيط ولا سرادقات- فأخذت كساءين وعباءتين فسترت بهما عليها إلى شجرة فمشطتها وعطرتها، وأعرس بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هناك [ (2) ] ... وذكر بقية الخبر [ (3) ] .
فصل في ذكر من كانت تعلم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من كانت تعلم نساء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج الحاكم من حديث صالح بن كيسان، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن سعد أن أبا بكر بن سليمان بن أبى حثمة القرشيّ، حدثه أن رجلا من الأنصار خرجت به نملة، فدل أن الشفاء بنت عبد اللَّه ترقى من النملة، فجاءها، فسألها أن ترقيه، فقالت: واللَّه ما رقيت منذ أسلمت، فذهب الأنصاري إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأخبره بالذي قالت الشفاء، فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الشفاء فقال: أعرضى عليّ، فأعرضتها عليه، فقال: ارقيه وعلميها حفصة كما علمتيها الكتاب. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وقد سمعه أبو بكر بن سليمان من جدته [ (1) ] . وقال أبو عمر بن عبد البر: الشفاء أم سليمان بن أبى حثمة، وهي الشفاء بنت عبد اللَّه بن عبد شمس بن خلف بن صداد- ويقال: ضرار- بن عبد اللَّه بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، القرشية، العدوية، من المبايعات. قال أحمد بن صالح المصري: اسمها ليلى، وغلب عليها الشفاء. أمها فاطمة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم، أسلمت الشفاء قبل الهجرة، فهي من المهاجرات الأول، وبايعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأتيها ويقيل عندها في بيتها، وكانت قد اتخذت له فراشا وإزارا ينام فيه، فلم يزل عند ولدها حتى أخذه منهم مروان، وقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: علمي حفصة رقية النملة كما علمتيها الكتاب.
وأقطعها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دارا عند الحكاكين [ (1) ] ، فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر يقدمها في الرأى، ويرضاها، ويفضلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق [ (2) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها [ (3) ] .
فصل في ذكر قابلة أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر قابلة أولاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: قبلت القابلة الولد قبالا، أخذته من الوالدة وهي قابلة المرأة وقبولها، وقبيلها [ (1) ] . ذكر ابن إسحاق، والواقدي، والبلاذري، وابن عبد البر [ (2) ] وغيرهم: أن سلمى خادم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، قبلت إبراهيم بن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وكانت قابلة فاطمة رضى
فصل في ذكر مرضعة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
اللَّه تبارك وتعالى عنها، وهي التي غسلتها مع على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومع أسماء بنت عميس. فصل في ذكر مرضعة إبراهيم ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال البلاذري: وتنافست [نساء] الأنصار في إبراهيم [ابن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم] ، أيهم تحضنه وترضعه، حتى جاءت أم بردة [ (1) ] ، وهي كبشة بنت المنذر ابن زيد بن لبيد بن خراش، من بنى النجار، فدفعه إليها لترضعه. وزوج أم بردة البراء بن أوس بن خالد، من بنى مبذول بن عمرو بن غنيم بن مازن بن النجار [ (2) ] فكان إبراهيم في بنى مازن، إلا أن أمه كانت تأتى به- ثم يعاد إلى منزل ظئره- أم بردة، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأتى أم بردة فيقيل عندها، وتخرج إليه إبراهيم فيحمله.
فصل في ذكر من كان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: وأعطى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أم بردة قطعة من نخل. قال: وتوفى إبراهيم. فصل في ذكر من كان يضحك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن عبد اللَّه بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد [أو سعيد] بن سهم. أبو حذافة القرشيّ السهمىّ، أحد المهاجرين الأولين، كانت فيه دعابة معروفة [ (1) ] . ذكر الزبير بن بكار قال: حدثني عن الجبار بن سعد، عن عبد اللَّه بن وهب عن الليث، عن سعد، قال: بلغني أنه حلّ حزام راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره، حتى كاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقع. قال ابن وهب: قلت لليث: ليضحكه؟ قال، كانت فيه دعابة.
قال الزبير: هكذا قال ابن وهب، عن الليث: حلّ حزام راحلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ولم يكن لابن وهب علم بلسان العرب، وإنما تقول العرب لحزام الراحلة: غرطة، إذا ركب بها على رحل، فإن ركب بها على جمل فهي بطان، وإن ركب بها على فرس فهي حزام، وإن ركب بها على رحل أنثى فهو وضين [ (1) ] . قلت- أي المقريزي-: هكذا نقل أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البرّ [ (2) ] . وقد خرج الحاكم في (المستدرك) [ (3) ] من حديث يحيى بن بكير قال أنبأنا عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمرو ابن الحكم ابن ثوبان، عن أبى سعيد الخدريّ، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم علقمة بن محرز على بعث، فلما بلغنا راس مغزانا أذن لطائفة من الجيش، وأمر عليهم عبد اللَّه بن حذافة بن قيس السهمي، وكان من أهل بدر، وكانت فيه دعابة، فإنه كان يحل رحل ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره ليضحكه بذلك وكان الروم قد أسروه في زمن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأرادوه على الكفر، فعصمه اللَّه عزّ وجل حتى أنجاه اللَّه تبارك وتعالى منهم.
وقال الزبير بن بكار في كتاب (نسب قريش) : وعبد اللَّه بن حذافة كان من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو رسوله بكتابه إلى كسرى، وهو الّذي أمره أيام التشريق أن ينادى في الناس: إنها أيام أكل وشرب. قال ابن عبد البر: ومن دعابة عبد اللَّه بن حذافة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمّره على سرية، فأمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا، فلما أوقدوها، أمرهم بالتقحم فيها، فأبوا، فقال لهم: ألم يأمركم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بطاعتي؟ وقال: من أطاع أميرى فقد أطاعنى؟ فقالوا: ما آمنا باللَّه واتبعنا رسول اللَّه إلا لننجو من النار. فصوّب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فعلهم وقال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. قال اللَّه تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [ (1) ] : وهو حديث صحيح الإسناد مشهور [ (2) ] . قال الواقدي [ (3) ] : حدثني موسى بن محمد، عن أبيه، وإسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن أبيه- زاد أحدهما على صاحبة- قالا: بلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل الشعيبة- ساحل بناحية مكة- في مراكب، فبلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فبعث علقمة بن مجزر المدلجي في ثلاثمائة رجل، حتى انتهى إلى جزيرة في البحر، فخاض إليهم فهربوا منه، ثم انصرف، فلما كان ببعض المنازل استأذنه بعض الجيش في الانصراف حيث لم يلقوا كيدا. فأذن لهم، وأمرّ عليهم عبد اللَّه بن حذافة السهمىّ- وكانت فيه دعابة- فنزلنا ببعض الطريق، وأوقد القوم نارا يصطلون عليها ويصنعون الطعام، فقال: عزمت عليكم ألا تواثبتم في هذه النار! فقام بعض القوم فتحاجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها، فقال: اجلسوا، إنما كنت أضحك معكم! فذكر ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أمركم بمعصية فلا تطيعوه!
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] هذا الحديث من حديث الأعمش. عن سعد ابن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن، عن عليّ قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سرية،
وأستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه في شيء فقال: أجمعوا لي حطبا، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا ثم قال: ألم يأمركم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فنظر بعضهم إلى بعض! فقالوا: انما فررنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من النار، فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف واللفظ لمسلم. [قال: وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا وكيع، وأبو معاوية بهذا الإسناد نحوه] . وقال البخاري في حديثه: فلما هموا بالدخول [فقاموا] ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فرارا من النار! أفندخلها؟ فبينما هم كذلك.... الحديث. وقال في آخره: ما خرجوا منها أبدا ذكره في كتاب الأحكام، وذكره مسلم في كتاب الإمارة، وقال البخاري في كتاب المغازي، في سرية عبد اللَّه بن حذافة السهمىّ وعلقمة بن مجزر المدلجي- ويقال لها: سرية الأنصاري- وذكر حديث الأعمش بنحو مما تقدم أو قريبا منه.
وذكره مسلم [ (1) ] وذكره النسائي [ (2) ] أيضا من حديث شعبة عن زبيد عن سعد بن عبيدة، عن أبى عبد الرحمن، عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعث جيشا وأمّر عليه رجلا، فأوقدوا نارا، وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنما فررنا منها، فذكروا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف. اللفظ لمسلم. وقال فيه البخاري: وقال للآخرين: لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف. ولم يذكر: قولا حسنا. وقال النسائي في آخره: وقال للآخرين خيرا.
ولعمر بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن غنم بن مالك بن النجار ويقال فيه: نعيمان- قال ابن الكلبي: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا نظر إلى نعيمان لم يتمالك نفسه أن يضحك، فأشترى نعيمان يوما بعيرا ينحره ولم يعط ثمنه، فجاء صاحبه يشكوه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [فقال] اذهبوا بنا نطلبه، فوجده، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: هذا نعمان لصاحب البعير، فقال نعمان: لا جرم، لا يغرم البعير عندك، فغرمه عنه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. أمه فطيمة الكاهنة. وقال ابن عبد البر: شهد العقبة الآخرة. وهو من السبعين فيها، في قول ابن إسحاق، وشهد بدرا والمشاهد كلها. رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] .
فصل في ذكر بناء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وبيوته
فصل في ذكر بناء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسجده وبيوته اعلم أن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة مسجدين بناهما، أحدهما مسجد قباء، والآخر مسجده، الّذي بنى حجر نسائه بجواره، وهو المعروف المشهور، الّذي تشد إليه الرحال، ومثابة الناس، عربهم وعجمهم، من أقطار الأرض في كل عام، حيث قبره المقدس صلى اللَّه عليه وسلّم وكانت في المدينة فيما ذكر البلاذري تسعه مساجد، وكانوا يصلون فيها ويجتمعون مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. أما مسجد قباء فقال البلاذري: وكان من يقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، بعد أبى سلمة بن عبد الأسد، ومن نزلوا عليه بقباء [ (1) ] ، بنوا مسجدا يصلون فيه،
والصلاة يومئذ إلى بيت المقدس، فجعلوا قبلته إلى ناحية بيت المقدس، فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلى بهم فيه. وقال [الوزير الفقيه أبى عبيد، عبد اللَّه بن عبد العزيز البكري الأندلسى [ (1) ]] في (معجم ما استعجم [من أسماء البلاد والمواضع] ) : من العرب من يذكره ويصرفه، ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه. وذكر ابن زبالة: أنها إنما سميت قباء ببئر كانت تسمى قباء، يتطيرون منها فسموها قباء. وقال ابن إسحاق [ (2) ] فأقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس. وقيل: أقام اثنين وعشرين ليله حكاه يحى. وفي (صحيحه) : أقام فيهم أربعة عشرة ليلة. قال ابن إسحاق [ (3) ] : وأسس مسجده، ثم أخرجه اللَّه تعالى من بين أظهرهم يوم الجمعة، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك، فيقال: أقام ثلاثا وعشرين ليلة، ويقال: بضع عشرة ليلة. وقال موسى بن عقبة: ومكث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بنى عمرو بن عوف ثلاث ليال. ويقول بعض الناس: بل مكث أكثر من ذلك، وأخذ فيهم مسجدا وأسسه، وهو الّذي ذكر في القرآن الكريم أنه أسس على التقوى [ (4) ] . وقال أبو القاسم السهيليّ: وذكر ابن أبى خيثمة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أسسه كان هو أول من وضع حجرا في قبلته، ثم جاء أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بحجر فوضعه، ثم جاء عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بحجر
فوضعه إلى حجر أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم أخذ الناس في البنيان. وعن الشموس بنت النعمان [ (1) ] قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين بنى مسجد قباء، أتى بالحجر قد صهره إلى بطنه فيضعه، فيأتى الرجل يريد أن يقله فلا يستطيع، حتى يأمره أن يدعه ويأخذ غيره صهره وأصهره إذا ألصقه بالشيء، ومنه اشتقاق الصهر في القرابة [ (2) ] .
قال: وهذا المسجد في الإسلام، وفي أهله نزلت: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [ (1) ] : فهو على هذا هو المسجد الّذي أسس على التقوى، وإن كان قد روى أبو سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سئل عن المسجد الّذي أسس على التقوى فقال: مسجدي هذا. وفي رواية أخرى قال: وفي الآخر خير كثير. وقد قال لبني عمرو بن عوف حين نزلت: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى [ (2) ] : ما الطهور الّذي من اللَّه به عليكم؟ فذكروا له الاستنجاء بالماء بعد الاستجمار بالحجارة، فقال: هو ذاكم فعليكموه. وليس بين الحديثين تعارض، كلاهما أسس على التقوى، غير أنه قوله سبحانه: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ [ (3) ] يقتضي مسجد قباء، لأن تأسيسه كان من أول يوم من حلول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دار هجرته، والبلد الّذي هو مهاجره. قلت: حديث أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. الّذي أشار إليه أبو القاسم السهيليّ خرجه مسلم [ (4) ] من طريق يحيى بن سعيد عن حميد الخراط قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بى عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، قال: فقلت: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الّذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا، لمسجد المدينة قال: فقلت: اشهد أنى سمعت أباك هكذا ذكره. وذكره من طريق حاتم بن إسماعيل، عن حميد، عن أبى سلمة عن أبى سعيد، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمثله. ولم يذكر عبد الرحمن بن أبى سعيد في الإسناد [ (5) ] ذكره في كتاب الحج.
وخرجه الترمذي [ (1) ] من طريق قتيبة بن حاتم بن إسماعيل، عن أنيس ابن أبى نجيح، عن أبيه، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال الترمذي: من بنى حدده، ورجل من بنى عمرو بن عوف، في المسجد الّذي أسس على التقوى: فقال الخدريّ: هو مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في ذلك، فقال: هذا هو، يعنى مسجده وفي ذلك خير كثير قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي [ (2) ] من حديث قتيبة بن سعيد قال: انبأنا الليث عن عمران بن أبى أنس، عن ابن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هو مسجدي هذا.
وخرجه الترمذي [ (1) ] من هذا الطريق وقال: حديث حسن صحيح غريب من حديث عمران بن أبى أنس. ذكره في التفسير. وقال القاضي عياض: وروى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سئل أي مسجد هو قال: مسجدي هذا. وهو قول ابن المسيب، وزيد بن ثابت وابن عمر، ومالك بن أنس، وغيرهم. وعن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنه مسجد قباء. وخرج الدارقطنيّ [ (2) ] من حديث عتبة بن أبى حكيم، عن طلحة بن نافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه حدثه قال: حدثني أبو أيوب، وجابر بن عبد اللَّه، وأنس بن مالك، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في هذا، الآية: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ فقال: يا معشر الأنصار، إن اللَّه قد أثنى عليكم خيرا في الطهور، فما طهوركم؟ قالوا: يا رسول اللَّه، نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فهل مع ذلك غير؟ قالوا: لا، غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط، أحب أن يستنجى بالماء، قال: هو ذاك فعليكموه.
وذكر السهيليّ: أن عمار بن ياسر هو الّذي أشار على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ببناء مسجد قباء، وهو الّذي جمع الحجارة له، فلما أسسه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [اعتنى] ببنائه عمار. وكذلك ذكره ابن إسحاق، في رواية يونس بن بكير عنه. وقال الحاكم [ (1) ] : قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أول من قدمها ضحى، فقال عمار ابن ياسر: ما لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يريد أن نجعل له مكانا إذا استيقظ من قائلتنا استظل فيه، فجمع عمار بن ياسر حجارة فبنى مسجد قباء، فهو أول ما بنى. وقال عمر بن شبة عن الواقدي، عن أفلح بن سعيد عن ابن كعب القرظي قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قباء وقد بنى أصحابه مسجدا يصلون فيه الى بيت المقدس، فلما قدم صلى بهم إليه، ولم يحدث في المسجد شيئا. وعن مسلم بن حماد، عن ابن ونيس، قال: بنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسجد قباء، وقدم القبلة إلى موضعها اليوم. وقال عمار الذهبي: قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن ما بين الصومعة الى القبلة زاده عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال حماد بن سلمة عن أبى جعفر الخطميّ، أن عبد اللَّه بن رواحة كان يقول وهم بينون مسجد قباء: أفلح من يعالج المساجدا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: المساجدا، فقال عبد اللَّه: ويقرأ القرآن قائما وقاعدا فقال رسول الله صلى اللَّه عليه وسلّم: قاعدا، فقال عبد اللَّه: ولا يبيت عنه الليل راقدا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: راقدا. وقال عمر بن شبة أنبأنا عفان قال: أنبأنا حماد بن زيد، قال: انبأنا أيوب عن سعيد بن جبير، أن بنى عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، وأرسلوا إلى
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فدعوه ليصلي فيهم، ففعل، وأتاهم فصلى فيه، فحسدتهم اخوتهم بنو عوف فقالوا: لنبنى مسجدا، وندعو النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيصلي فيه كما يصلى في مسجد إخوتنا، ولعل أبا عامر يصلى فيه. وكان بالشام، فابتنوا مسجدا، وأرسلوا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليصلي فيه فقام ليأتيهم. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى القرآن: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ* أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ (1) ] حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أنبأنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان موضع مسجد قباء لامرأة يقال لها لبة. كانت تربط حمارا لها فيه، فابتنى سعد بن خيثمة مسجدا، فقال أهل مسجد الضرار: نحن نصلي في مربط حمار لبة؟ لا، لعمرو اللَّه، لكنا نبنى مسجد الضرار نحن نصلي فيه حتى يجيء أبو عامر فيؤمنا فيه، وكان أبو عامر فر من اللَّه ورسوله ولحق بمكة، ثم لحق بعد ذلك بالشام، فتنصر، فمات بها فأنزل اللَّه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [ (2) ] .
وفي الصحيحين [ (1) ] عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يزور قباء راكبا وماشيا. وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأتي قباء كل سبت، ولم تزل الصحابة تزوره وتعظمه. ولما بنى عمر بن عبد العزيز المسجد النبوي، بنى مسجد قباء ووسعه، فذكر خبر ذلك هنا إن شاء اللَّه تعالى. قال أبو غسان: طول مسجد قباء وعرضه سواء، وهو ست وستون ذراعا، وطول ذرعه في السماء تسعة عشر ذراعا، وطول رحبته التي في جوفه خمسون ذراعا، وعرضها سبعة أذرع وشبر في تسعة أذرع، وفيه ثلاثة أبواب، وثلاثة وثلاثون أسطوانة، ومواضع القناديل أربعة عشر قنديلا. قال الحمامي: بين مسجد قباء ومسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ميلان ونصف. [و] وذكر ابن زبالة أن مسجد قباء على سبع أساطين، وكانت لها درجة فيه يؤذن فيها، يقال لها النعامة، حتى زاد فيه الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد ذلك. وإن سعد بن عبيد [ (2) ] بن قيس بن النعمان بن عمرو بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، كان يصلى في مسجد قباء في عهد
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وفي زمان أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حتى توفى زمان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأمر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مجمع بن جارية [ (1) ] أن يصلى بهم بعد أن رده وقال له: كنت إمام مسجد الضرار، فقال: يا أمير المؤمنين، كنت غلاما حدثا، وكنت أرى أن أمرهم على أحسن ذلك، وقدمونى لما معى من القرآن، وكان قد جمع
وأما مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
القرآن في زمن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا سورة أو سورتين، فأمره رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم فصلى بهم. وأما مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه وما يليه من جهة المشرق، دار بنى غنم بن مالك بن النجار، ويقال: كان جدارا محددا بلا سقف، بناه أسعد، وكان يصلى فيه. وجمع الجمعة بأصحابه. وقيل: إن مصعب بن عمير كان يصلى فيه. خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث عبد الوارث، عن أبى التياح، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال: قدم رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشر ليلة، ثم أرسل إلى بنى النجار، فجاءوا متقلدين سيوفهم. قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وكأنى انظر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على راحلته، وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ردفه. وملأ بنى النجار حوله، حتى ألقى بفناء بنى أيوب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وذكر ابن إسحاق في (التهذيب) أن [أبا] أيوب كان يتبع بناء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وتبع هذا اسمه بناء. حدثنا سعد قال: قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يصلى حيث أدركته الصلاة، ويصلى في مرابض الغنم ثم أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى بنى النجار، فجاءوا، فقال: يا بنى النجار، ثامنونى بحائطكم هذا، قالوا: لا واللَّه، لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه. وظاهر هذا أنهم لم يأخذوا ثمنه. وفي (طبقات ابن سعد) ، عن الواقدي: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. ونقل ابن عقبة أن أسعد مات قبل أن يبنى المسجد، فابتاعه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من وليهما. وعن أبى معشر: اشتراه أبو أيوب منهما، فأعطاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فبناه مسجدا. قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان فيه ما أقول لكم: كان فيه نخل، وقبور المشركين، خرب، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالنخل فقطع وبقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت [قد صنعوا] النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادته حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون. ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم معهم ويقولون:
اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة ذكره البخاري في باب نبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، وذكره في كتاب الهجرة بهذا السند، إلا أنه قال: فانصر الأنصار والمهاجرة. وذكره في آخر كتاب الحج، في باب حرم المدينة، وفي باب بنيان المسجد [ (1) ] . وقال أبو سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان سقف المسجد من جريد النخل، وأمر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ببناء مسجد فقال: اكفوا الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وأورد حديث صالح بن كيسان: أنبأنا نافع أن عبد اللَّه أخبره أن المسجد كان على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مبينا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده عسب النخل. قال موسى بن عقبة: والمسجد يومئذ سقفه من جريد النخل، وخوص لبن على السقف، كثير الطين، إذا كان المطر يملأ المسجد طينا، وإنما هو كهيئة العريش، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا، ثم عمره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جدره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج. وأخرجه أبو داود. وخرج أبو داود [ (2) ] أيضا من حديث عمر بن سليم الباهلي، عن أبى الوليد، قال: سألت ابن عمر عن الحصا الّذي في المسجد فقال: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يجيء بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته، فلما قضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصلاة قال: أحسن هذا. وخرجه قاسم بن أصبغ بهذا السند، ولفظه: حدثني أبو الوليد، قال: قلت لابن عمر: بدؤ هذا الحصا في المسجد؟ قال: نعم، مطرنا من الليل،
فخرجت لصلاة الغداة، وكان الرجل يمر على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء، فيصلي عليه، فلما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك قال: ما أحسن هذا البساط! وكان ذلك بدؤه. قلت: عمر بن سليم الباهلي، البصري، يروى عن الحسن، وأبى غالب صاحب أبى أمامة، وقتادة، وغيرهم. ويروى عنه: زيد بن الخطاب، وكثير بن هشام، ومسلم بن إبراهيم، وسهل بن عامر، وآخرون. خرج له أبو داود، وابن ماجة، وقال ابن أبى حاتم: صدوق، وأبو الوليد هذا مجهول. قال أبو حاتم: هو مولى عبد اللَّه بن رواحة [ (1) ] . ويقال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أمر يخضب المسجد، فمات قبل ذلك، فخضبه عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وزاد فيه، دار العباس، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال ابن إسحاق [ (2) ] : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، قال: حدثني رجال من قومي، من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قالوا: سمعنا بمخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة، وتوكفنا [ (3) ] قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرّتنا، ننتظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فو اللَّه ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة. حتى إذا كان اليوم الّذي قدم فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، جلسنا كما كنا نجلس، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين دخلنا البيوت، فكان أول من رآه رجل من اليهود، وقد رأى ما كنا نصنع، وأنا ننتظر قدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم علينا، فصرح بأعلى صوته: يا بنى قيلة! هذا جدكم قد جاء!.
قال: فخرجنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في مثل سنه، وأكثر [الناس] لم يكن رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قبل ذلك.. وركبه الناس ولا يعرفونه من أبى بكر حتى زال الظل عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك [ (1) ] . قال ابن إسحاق: فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم، أخى بنى عمرو بن عوف، ثم أحد بنى عبيد، ويقال: بل نزل على سعد بن خيثمة. ويقول من تذكر: انه نزل على كلثوم بن هدم، وإنما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم، جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة. قال ابن إسحاق [ (2) ] : فأقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس. وأسس مسجده، ثم أخرجه اللَّه تعالى من بين أظهرهم يوم الجمعة، فأدركت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الجمعة في بنى سالم بن عوف، فصلاها، فكانت أول جمعة بالمدينة صلاها بالمدينة. فأتاه عتبان بن مالك، وعباس بن عبادة بن نضلة، في رجال من بنى سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول اللَّه! أقسم عندنا في العدد والعدة والمنعة، قال: خلوا سبيلها فإنّها مأمورة لنا فيه، فخلوا سبيلها. فذكره إلى أن قال: فانطلقت حتى جاءت دار بنى مالك بن النجار، وبركت على باب مسجده صلى اللَّه عليه وسلّم، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بنى النجار، ثم من بنى مالك، في حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابني عمرو.
فلما بركت [ (1) ] ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عليها لم ينزل وثبت، فسارت غير بعيد ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه، ثم تحلحلت وزمت، وألقت بجرانها فنزل نها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رحله فوضعه في بيته، فنزل عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وسأل عن المربد، لمن هو؟ فقال له معاذ ابن عفراء: هو يا رسول اللَّه لسهل وسهيل ابني عمرو، وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه، فاتخذه مسجدا، فأمر به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يبنى [ (3) ] . ونزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على أبى أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه، فعمل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليرغب المسلمين في العمل فيه، فيعمل فيه المهاجرون والأنصار، ودأبوا فيه. فقال قائل من المسلمين: لئن قعدنا والنبي يعمل ... لذاك منا العمل المضلل وارتجز المسلمون وهم بينونة، يقولون: لا عيش إلا عيش الآخرة ... اللَّهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة فدخل عمار بن ياسر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وقد أثقلوه باللبن، فقال: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم! قتلوني، يحملون عليّ ما لا يحملون، قالت أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فرأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينفض وفرته بيده، وكان رجلا جعدا وهو يقول: ويح ابن سمية! ليسوا بالذين يقتلونك، إنما تقتلك الفئة الباغية [ (4) ] . وارتجز عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ:
لا يستوي من يعمر المساجدا ... يدأب فيها [ (1) ] قائما وقاعدا ومن بريء عن العباد مكائدا [ (2) ] فأخذهما عمار وجعل يرتجزهما. قال ابن إسحاق: وأقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في بيت أبى أيوب حتى بنى له مسجده ومساكنه، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبى أيوب [ (3) ] . قال فأقام بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بنى له فيها مسجده ومساكنه. وقال موسى بن عقبة: عن ابن شهاب: وكان المسجد مربدا للتمر لغلامين يتيمين من بنى النجار، في حجر أسعد بن زرارة لسهل وسهيل ابني عمرو. وزعموا أنه كان رجال من المسلمين يصلون في ذلك المربد، قبل قدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ويقال: بل اشتراه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منهما، فابتناه مسجدا، فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن ويقولون- وهو ينقل اللبن مع أصحابه-: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبرّ ربّنا وأطهر ويقول: اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجرة وقال البلاذري: وكان مربدا ليتيمين في حجر أسعد بن زرارة [ (4) ] وفيه جدار كان أسعد بناه تجاه بيت المقدس، وكان يصلى إليه بمن أسلم قبل قدوم مصعب بن عمير، ثم صلى بهم إليه مصعب.
ويقال: إن أسعد صلى بهم قبل قدوم مصعب وبعده، إلى قدوم المهاجرين والأنصار، لأن مصعب لم يزد على تعليمهم القرآن. وذكر محمد بن سعد عن الواقدي، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وروى أبو بكر بن أبى الدنيا، من حديث الحسين بن حماد، والصبى، قال: أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: لما بنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المسجد، وأعانه عليه أصحابه، وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال: ابنوا عريشا كعريش موسى، فقلت للحسن: ما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش، يعنى السقف. وقال ملازم بن عمرو [ (1) ] : أنبأنا عبد اللَّه بن زيد، عن قيس بن طلق. عن أبيه طلق بن على قال: بنيت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسجد المدينة، فكان يقول: الثمامي من الطين، فإنه من أحسنكم له بناء.
وقد ذكر أبو عبد اللَّه محمد بن الحسين بن أبى إسحاق بن زبالة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بنى مسجده مرتين: بناه حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتح اللَّه تعالى عليه خيبر، بناه وزاد عليه مثله في الدور، وضرب الحجرات، ما بينه وبين القبلة والمشرق إلى الشام، ولم يضربها في غربية. وقد ذكر غير واحد أن المسجد النبوي بنى باللبن، وجعل له ثلاثة أبواب: باب في مؤخره، وباب يقال له باب الرحمة، وباب يدخل منه عليه السلام، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائتي ذراع. وقال السهيليّ: وبنى مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وسقف بالجريد، وجعلت قبلته من اللبن إلى بيت المقدس، ويقال: بل من حجارة منضودة بعضها على بعض، وجعلت عمده من جريد النخل، فتخرب في خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فجدده، فلما كانت [خلافة] عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بناه بالحجارة المنقوشة بالقصة، وسقفه بالساج، وجعل قبلته من الحجارة إلى بيت المقدس، فلما كانت أيام بنى العباس، بناه محمد بن أبى جعفر المهدي، وزاد فيه، وذلك في سنة ستين ومائة، ثم زاد فيه المأمون بن الرشيد في سنة ثنتين ومائتين، وأتقن بنيانه. ***
فصل في ذكر من بنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده
بسم اللَّه الرحمن الرحيم وصلى اللَّه على سيدنا محمد وسلّم وصحبه وسلم [ (1) ] فصل في ذكر من بنى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسجده خرج الإمام أحمد من طريق ملازم بن عمر، حدثنا سراج عن عقبة وعبد اللَّه بن بدير، أن قيس بن طلق حدثهم أن أباه طلق بن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بنيت المسجد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فكان يقول: قرب اليمامي من الطين، فإنه أحسنكم له مسا وأشدكم منكبا [ (2) ] . وخرجه الطبراني في (الكبير) من حديث مسدّد، حدثنا ملازم، حدثنا عبد اللَّه بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: بنيت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المسجد. وله عنده طرق آخر. وخرجه الإمام أحمد من حديث أيوب عن قيس، عن أبيه قال: جئت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه يبنون، قال: فكان لم يعجبه عملهم، قال: فأخذت
وأما بيوته صلى الله عليه وسلم
المسحاة فخلطت بها الطين، قال: فكأنه أعجبه أخذى المسحاة وعملي، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: دعوا الحنفي والطين، فإنه أضبطكم للطين. وقال البزار: حدثنا أحمد بن داود، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا أبو مالك النخعي، عن سفيان بن أبى حبيبة، عن أبى أوفى، قال: لما توفيت امرأته جعل يقول: احملوا وارغبوا في حملها، فإنّها كانت تحمل ومواليها بالليل حجارة المسجد الّذي أسس على التقوى وكنا نحمل بالليل حجرين. وطلق بن على بن طلق [ (1) ] بن عمرو، ويقال: طلق بن على بن قيس ابن عمرو بن عبد اللَّه بن عمرو بن عبد العزيز بن سخيم بن مرة بن الدؤل بن حنيفة، السحمىّ، الحنفىّ، اليمامي، أبو على. ويقال: طلق بن يمامة، وهو والد قيس بن طلق اليمامي، وقد ابتنى في المسجد، وروى أحاديثا، فحدث عنه ابنه قيس، وبنته خلدة، وعبد اللَّه بن بدر، وعدة من أهل اليمامة. وأما بيوته صلى اللَّه عليه وسلّم فإنّها كانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين وعليها جريد وبعضها من حجارة مرصوفة بعضها على بعض مسقفة بالجريد أيضا. وخرج البخاري في (الأدب المفرد) من طريق حداث بن السائب قال: سمعت الحسن يقول: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في خلافة عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأتناول سقفها بيدي [ (2) ] .
وخرج من طريق عبد اللَّه، قال: أنبأنا داود بن قيس قال: رأيت الحضورات من جريد النخل يغشى من خارج نطوح الشعر وأظن عرض البيت من باب حضوره، قال: رأيت البيت نحوا من ست أذرع أو سبع أذرع وأحجز البيت الداخل عشرة أذرع وأظن سمكة بين الثماني والتسع، ووقفت عند باب عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فإذا هو مستقبل المغرب. ومن طريق إبراهيم بن المنذر، أنبأنا محمد بن أبى فديك رأى حجر أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من جريد مستورة بمسوح الشعر، فسألته عن بيت عائشة
رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فقال: كان بابه مواجه الشام، فقلت: مصراع كان أو مصرعين؟ قال: كان بابا واحدا، قلت من أي شيء؟ قال من عرر. ومن طريق مالك بن إسماعيل حدثنا المطلب بن زياد، حدثنا أبو بكر بن عبد اللَّه الأصبهاني، محمد بن مالك بن المنتصر بن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن أبواب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كانت تقرع، الاطاشى أي لا خلف لها ولما توفى أزواجه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهن، خلط البيوت والحجر بالمسجد وذلك في زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان، فلما ورد كتابه بذلك فج أهل المدينة بالبكاء كيوم وفاته صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر الواقدي. قال: سألت مالك ابن أبى الرجال أين كانت منازل أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ فأخبرني عن أبيه عن أمه أنها كانت كلها في الشق الأيسر إذا قمت إلى الصلاة إلى وجه الإمام في وجهه المنبر. ولما توفيت زينب بنت خزيمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أدخلت أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها بينها في بيتها. قال الواقدي: كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد وحوله، فكلما أحدث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أهلا، تحول له حارثة عن منزله، حتى صارت منازله كلها لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه. قال ابن سعد [ (1) ] : وأوصت سودة ببيتها لعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وباع أولياء صفية بنت حيي بيتها من معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، بمائة ألف وثمانين ألفا، وقيل: بمائتي ألف، وشرط لها سكناه حياتها، وحمل إليها المال، فما قامت من محلها، يعنى قسمته. وقيل: بل اشتراه ابن الزبير من عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما بعث إليها خمسة أحمال تحمل المال، وشرط لها سكناها حياتها، ففرقت المال،
فقيل لها: لو خبأت منه درهما [تشترى به لحما [ (1) ]] ؟ قالت: لو ذكرتموني لفعلت. وتركت حفصة بيتها، فورثه ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فلم تأخذ له ثمنا. فأدخل في المسجد. قال ابن سعد [ (2) ] : فقال عبد اللَّه بن زيد الهذلي: رأيت منازل أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين هدمها عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، في خلافة الوليد بن عبد الملك، وزادها في المسجد، كانت بيوتا من لبن ولها حجز من جريد، عددت تسعة أبيات. بحجزها، ورأيت بيت أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وحجرتها من لبن، فقال ابن ابنتها: لما غزا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دومة الجندل، بنت أم سلمة حجرتها بلبن، فلما قدم قال: ما هذا البنيان؟ فقالت: أردت أن أكف أبصار الناس، فقال: إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان. وقال عطاء الخراساني [ (3) ] أدركت حجر أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من جريد النخل، على أبوابها المسوح من شعر أسود، فحضرت كتاب الوليد يقرأ، يأمر بإدخال
فصل في ذكر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
حجر أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في مسجد رسول اللَّه، فما رأيت يوما أكثر باكيا من ذلك اليوم، فسمعت سعيد بن المسيب، يومئذ يقول: واللَّه لوددت أنهم تركوها على حالها، يبيت ناس من أهل المدينة، ويقدم القادم من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حياته، فيكون ذلك مما يزهّد الناس في التكاثر والمفاخرة. فصل في ذكر منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم ان المنبر النبوي عمل من طرفاء الغابة في سنة ثمان من الهجرة، وقيل في سنة سبع، وأن امرأة أنصارية من بنى ساعدة، أمرت غلامها حسنا ويقال إبراهيم، فصنعه، وقيل: بل هي امرأة من الأنصار، وقيل: بل صنعه
غلام العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه واسمه صباح [ (1) ] ويقال: كلاب [ (2) ] . وفي رواية: فأرسله إلى أثلة في الغابة، فقطعها، ثم عملها درجتين ومجلسا، ثم جاء بالمنبر فوضعه موضعه. وقيل كان المنبر من أثلة قريب المسجد، وقيل: إنما عمله تميم الداريّ [ (3) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقيل: عمله غلام سعيد بن العاص، واسمه ناقول [ (4) ] وقيل: عمله غلام لرجل من بنى مخزوم، ويقال: إنما عمله يا قوم باني الكعبة لقريش [ (5) ] .
وكان صلى اللَّه عليه وسلّم يجلس على المنبر، ويضع رجليه على الدرجة الثانية، فلما ولى أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قام على الدرجة الثانية، ووضع رجليه على الدرجة السفلى، فلما ولى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قام على الدرجة السفلى، ووضع رجليه على الأرض إذا قعد، فلما ولى عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فعل ذلك ستة سنين من خلافته، ثم علا إلى موضع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وكسا المنبر قبطية، وكان أول من كساه، فسرقتها امرأة، فأتى بها، فقال لها: سرقت؟ قولي: لا، فاعترفت، فقطعها، وكساه معاوية ابن [أبى] سفيان بعد عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه لما حج، ثم كساه عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فسرقتها امرأة، فقطعها كما قطع عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وكساه الخلفاء من بعده. وكان طول المنبر ذراعان في السماء وثلاثة أصابع، وعرضه ذراع راجح، وطول صدره، وهو مسند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ذراع وطول رمانتى المنبر اللتين كان يمسكهما بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وإصبعان، وعدد درجاته ثلاث بالمقعد، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة. فلما كان في خلافة معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، زاد مروان ابن الحكم وهو على المدينة في المنبر من أسفله ست درجات، ورفعوه عليها، فصار المنبر تسع درجات بالمجلس، فصار طوله بعد الزيادة أربعة أذرع، ومن أسفل عتبته إلى أعلاه تسعة أذرع وشبر. ثم تعاقب المنبر النبوي على طول الزمان، فجدده بعض خلائف بنى العباس منبرا، واتخذ من بقايا أعواد المنبر النبوي أمساطا للتبرك بها، فلم يزل المنبر المجدد حتى أحرق ليلة حريق المسجد أول ليلة من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة، فبعث المظفر يوسف صاحب اليمن منبرا في سنة ست وستين، فخطب عليه مائة واثنتان وثلاثون سنة إلى أن بعث الظاهر برقوق من مصر منبرا في سنة سبع وتسعين وسبعمائة. [خرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه القارئ القرشي الإسكندراني، حدثنا أبو حازم بن دينار، قال: إن رجالا أبو سهل رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه، كانت تسعة، بعضها من جريد، مطين بالطين، وسقفها من جريد، وبعضها من حجارة مرصوصة بعضها على بعض، مسقفة بالجريد أيضا [ (1) ]] . وخرج البخاري في (الأدب المفرد) من [طريق] حديث ابن السائب قال: سمعت الحسن يقول: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، في خلافة عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأتناول سقفها بيدي. وخرج من طريق عبد اللَّه قال: أنبأنا داود بن قيس قال: رأيت الحجرات من جريد النخل، مغشى من خارج مسوح الشعر، وأظن عرض البيت من باب الحجرة، قال: باب البيت نحوا من ست أذرع أو سبع أذرع. وأحرز البيت الداخل عشر أذرع، وأظن سمكه بين الثمان والتسع، ووقفت عند باب عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فإذا هو مستقبل المغرب. ومن طريق إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن أبى فديك عن محمد بن هلال، أنه رأى حجر أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من جريد بمسوح الشعر، فسألته عن بيت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فقال: كان بابه مواجه الشام، فقلت: مصراعا كان أو مصراعين؟ قال: كان بابا واحدا، فلت: من أي شيء؟ قال عن عرعر. ومن طريق مالك بن إسماعيل- وقد امتاروا في المنبر مم عوده؟ - فسألوه عن ذلك، فقال: واللَّه إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم صنع، وأول يوم جلس إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، أرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى فلانة- امرأة قد سماها سهل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- مري غلامك النجار أن يعمل أعوادا أجلس عليهم إذا كلمت الناس، فأمرته بعملها من طرفاء الغاية ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأمرها فوضعت هاهنا، ثم رأيت رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلّم صلى عليها وكبر عليها ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس فقال أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي. ذكره البخاري [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] في كتاب الجمعة وترجم عليه البخاري باب الخطبة على المنبر، وترجم عليه أبو داود باب اتخاذ المنبر، وترجم عليه النسائي باب الصلاة على المنبر [ (3) ] .
وألفاظهم في هذا الحديث قريبة جدا، ولم يذكر مسلم له لفظا، بل أحاله على حديث عبد العزيز بن أبى حازم، عن ابنه، قال: إن نفرا جاءوا إلى سهل ابن سعد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قد تماروا في المنبر، من أي عود هو؟ فقال: أما واللَّه إني لأعرف ما عوده، ومن عمله. ورأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أول يوم جلس عليه. قال: فقيل له: يا أبا عباس! فحدثنا. قال: أرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى امرأة- قال أبو حازم: إنه ليسميها يومئذ- انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها، فعمل هذه الثلاث درجات، ثم أمر بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فوضعت بهذا الموضع، فهي من طرفاء الغابة، وقد رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قام فكبر، وكبر الناس، ورآه وهو على المنبر، ثم رجع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس، إنما صنعت هذا المنبر لتأتموا بى، ولتصلوا بصلاتي. وذكره البخاري في كتاب البيوع [ (1) ] ، من حديث قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن أبى حازم، عن أبى حازم بنحو أو قريب مما تقدم.
وذكره بهذا الإسناد في كتاب الصلاة [ (1) ] مختصرا، في باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد. وذكره في كتاب الهبة [ (2) ] من حديث أبى غسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أرسل إلى امرأة من المهاجرين- وكان لها غلام نجار- قال: مري عبدك فليعمل لنا أعواد المنبر، فأمرت عبدها، فذهب، فقطع من الطرفاء [ (3) ] ، فصنع له منبرا، فلما قضاه، أرسلت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قد قضاه، قال صلى اللَّه عليه وسلّم: أرسلوا به إليّ فجاءوا به،
فاحتمله النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فوضعه حيث ترون. ترجم عليه باب من استوهب من أصحابه شيئا. وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث أبى عاصم، عن أبى روّاد عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لما بدّن قال: له تميم الداريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ألا أتخذ لك منبرا يا رسول اللَّه يجمع أو يحمل عظامك؟ قال صلى اللَّه عليه وسلّم: بلى، فاتخذ له صلى اللَّه عليه وسلّم منبرا مرقاتين. خرج البخاري [ (2) ] في كتاب البيوع، في باب النجار، من حديث خلاد قال: حدثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: «إن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول اللَّه! ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لي غلاما نجارا؟ قال صلى اللَّه عليه وسلّم: إن شئت. فعملت له المنبر. فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على المنبر الّذي صنع فصاحت النخلة التي كان يخطب عندها، حتى كادت أن تنشق، فنزل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، حتى أخذها فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبى الّذي يسكت حتى استقرت. قال صلى اللَّه عليه وسلّم: بكت على ما كانت تسمع من الذكر» . وذكره في كتاب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] وفي كتاب الجمعة [ (4) ] كما ستأتي طرقه إن شاء اللَّه تعالى في ذكر المعجزات.
وقد اختلف في اسم هذا النجار، فقيل: مينا، وقيل: ناقول مولى العاص بن أمية، وقيل: ميمون، وقيل: صباح غلام العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقيل: بل عمله غلام قبيصة المخزومي، وقيل: عمله غلام سعد بن عبادة، وقيل: غلام امرأة من الأنصار. وكان عمله في سنة سبع بعد عوده من خيبر، وقيل: عمله سنة ثمان، وقال ابن زبالة: وكان المنبر من أثلة كانت قريبا من المسجد، والّذي زاد في درجة معاوية بن أبى سفيان. قال سفيان بن حمزة: قال كثير: فأخبرني الوليد بن رباح، قال: كسفت الشمس يوم زاد معاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في المنبر، حتى رئيت النجوم.
وذكر الواقدي وغيره: أنه لما كانت سنة خمسين، أمر معاوية بن أبى سفيان بحمل المنبر إلى الشام، وقال: لا يترك هو وعصا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة [ (1) ] . وهم قبله [ (2) ] عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فطلب العصا- يعنى العنزة وهي عند سعد القرظ، فلما حرك المنبر ليخرج من موضعه كسفت الشمس حتى رئيت النجوم بادية، فأعظم الناس ذلك، فترك المنبر على حاله. وقيل: بل أتاه جابر بن عبد اللَّه، وأبو هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فقالا له: يا أمير المؤمنين! لا يصلح أن تخرج منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من موضع وضعه فيه، ولا تنقل عصاه إلى الشام. فترك المنبر، وزاد فيه ست درجات، واعتذر مما صنع [ (3) ] . وذكر ابن زبالة، من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه قال: بعث معاوية بن [أبى] سفيان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، إلى مروان بن الحكم، عامله على المدينة، يأمره أن يحمل إليه منبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن ما وضعه، فأمر به أن يقلع، فأظلمت المدينة، وأصابتهم ريح شديدة، فخرج مروان، فخطب فقال: يا أهل المدينة! إنكم تزعمون أن أمير المؤمنين بعث إلى منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليزيله! وأمير المؤمنين أعلم باللَّه من أن يغير منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن ما وضعه عليه، إنما أمرنى أن أكرمه وأرفعه، ودعا نجارا- وكان ثلاث درجات- فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم، ووضعه موضعه، وكان من طرفاء الغابة [ (4) ] . وعن عبد اللَّه بن زياد، عن ابن فطن، قال: قلع مروان بن الحكم منبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وكان درجتين والمجلس، وأراد أن يبعث به إلى معاوية،
فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم! فزاد فيه ست درجات، وخطب الناس فقال: إني إنما رفعته حين كثر الناس، ولما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة، همّ بنقل المنبر، فقال له قبيصة بن ذؤيب: أذكرك اللَّه أن تفعل، إن معاوية حركه فكسفت الشمس! وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من حلف على منبري كاذبا فليتبوَّأ مقعده من النار [ (1) ] ، وهو مقطع الحقوق بينهم بالمدينة، فتركه عبد الملك. فلما ولى الخلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان، وحجّ، همّ بذلك، فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: كلم صاحبك لا يتعرض لذلك، فكلمه، فتركه. ثم لما كانت خلافة سليمان بن عبد الملك، وحجّ، أخبره عمر بن عبد العزيز رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بما كان من عبد الملك، ومن الوليد، فقال: ما كنت أحب أن يذكر عن أمير المؤمنين عبد الملك هذا، ولا عن الوليد، ما لنا ولهذا؟ أخذنا الدنيا فهي في أيدينا، ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام الإسلام يوفد إليه فنحمله، هذا ما لا يصلح [ (2) ] . فلما حج أمير المؤمنين محمد المهدي في سنة ستين ومائة، قال لمالك ابن أنس: إني أريد أن أعيد منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى حاله التي كان عليها، فقال له مالك: إنه من طرفاء، وقد سمّر إلى هذه العيدان [وثبت] ، فمتى نزعته خفت أن يتهافت وتهلك، ولا أرى أن تعيده، فانصرف رأى المهدي عن تغييره [ (3) ] .
فصل في ذكر من كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من كان يؤذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن الأذان والتأذين: النداء إلى الصلاة والمئذنة موضع الأذان، وهي المنارة، والصومعة. وقد كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أربعة من أصحابه يؤذنون: اثنان منهم بمسجده، وواحد بمسجد قباء، وواحد بمكة. فالمؤذنان بمسجده صلى اللَّه عليه وسلّم: بلال بن رباح [ (1) ] وابن أم مكتوم [ (2) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. والّذي يؤذن بقباء سعد القرظ [ (3) ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ومؤذن مكة أبو محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم.
وقد روى أن حبان بن بحّ الصدائى [ (1) ] ، وزياد بن الحارث الصدائى [ (2) ] ، أذن كل منهما في السفر.
فأما بدؤ الأذان
فأما بدؤ الأذان فخرج البخاري [ (1) ] ، ومسلم [ (2) ] ، والنسائي [ (3) ] ، والترمذي [ (4) ] ، وقاسم بن أصبغ من حديث ابن جريج، قال: أخبرنى نافع مولى ابن عمر عن عبد اللَّه
ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أنه قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلوات، وليس ينادى بها أحد، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنا مثل قرن اليهود، فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يا بلال، قم فناد بالصلاة. وقال البخاري: ليس ينادى لها. وقال: بل بوقا مثل قرن اليهود ترجم عليه باب بدء الأذان. وخرج في باب الأذان مثنى مثنى [ (1) ] ، من حديث خالد الحذاء، عن أبى قلابة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما كثر الناس قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن ينوروا نارا أو
يضربوا ناقوسا، فأمر بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة. وخرجه مسلم من حديث خالد أيضا بمثله، غير أنه قال: فذكروا أن يوروا نارا [ (1) ] . وفي لفظ: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا بمثل ما تقدم، غير أنه قال: أن يوروا نارا [ (2) ] . وفي لفظ البخاري: عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والناقوس والنصارى فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ذكره في باب بدء الأذان [ (3) ] وفي باب ما ذكر عن بنى إسرائيل [ (4) ] والإسناد واحد. وقال ابن إسحاق: فلما اطمأن [ (5) ] رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع أمراء الأنصار، استحكم أمر الإسلام، فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة، والصيام، وقامت الحدود، وفرض الحلال والحرام وبنو الإسلام بين أظهرهم، وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان، وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قدمها، إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها لغير دعوة، فهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يجعل بوقا كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب للمسلمين الصلاة.
فبينا هم على ذلك رأى عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء، فأتى رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه، إنه طاف هذه الليلة طائف، مرّ بى رجل عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسا في يده، فقلت يا عبد اللَّه أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: [ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟] [ (1) ] قال: قلت: وما هو؟ قال: تقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح. حي على الفلاح اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه [ (2) ] . فلما أخبر بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال: إنها لرؤيا حق، إن شاء اللَّه تعالى فقم مع بلال فألقها عليه «فليؤذن بها» فإنه أندى [ (3) ] صوتا منك، فلما أذن بها بلال، سمعها عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو في بيته، فخرج إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يجر رداءه، وهو يقول: يا بنى اللَّه! والّذي بعث بالحق، لقد رأيت مثل الّذي رأى، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فلله الحمد [ (4) ] [على ذلك [ (5) ]] .
قال ابن إسحاق: حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه عن أبيه [ (1) ] . قال ابن هشام: وذكر ابن جريح، قال: لي عطاء: سمعت عبيد بن عمير الليثي يقول: ائتمر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يريد أن يشترى خشبتين للناقوس إذ رأى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في المنام لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا للصلاة، فذهب عمر إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الوحي بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: حين أخبره بذلك: قد سبقك بذلك الوحي [ (2) ] . وقد خرجه أبو داود [ (3) ] ، وابن الجارود، والترمذي [ (4) ] ، وقال: حديث عبد اللَّه بن زيد حديث حسن صحيح [ (5) ] .
وخرج أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار من حديث محمد ابن عثمان بن مجالد، حدثنا أبى عن زياد بن المنذر، عن محمد بن على بن الحسين، عن أبيه عن جده، عن على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما أراد اللَّه تعالى أن يعلّم رسول اللَّه الأذان، أتاه جبريل عليه الصلاة والسلام بداية يقال لها البراق، فذهب يركبها، فاستعصت، فقال لها جبريل: اسكني، فو اللَّه ما ركبك عبد أكرم على اللَّه من محمد قال: فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الّذي يلي الرحمن تبارك وتعالى، قال: فبينا هو كذلك،
إذ خرج ملك من الحجاب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يا جبريل من هذا؟ قال: والّذي بعثك بالحق أنى لأقرب الخلق مكانا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه. فقال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر. ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقيل له من وراء الحجاب: صدقت، أنا لا إله إلا أنا. فقال الملك: أشهد أن محمد رسول اللَّه، فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدا. قال الملك: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم قال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقيل من وراء الحجاب: أنا أكبر، أنا أكبر، ثم قال: لا إله إلا اللَّه، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا لا إله إلا أنا ثم أخذ الملك بيد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقدمه، فأم أهل السماء، فيهم آدم ونوح. قال أبو جعفر، محمد بن على، عليهما السلام، يومئذ أكمل اللَّه عز وجل لمحمد صلى اللَّه عليه وسلّم الشرف على أهل السموات والأرض. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نوح بن دراج، عن الأجلح، عن البهي عن سفيان بن الليل، قال: لما كان من أمر الحسن بن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ومعاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ما كان، قدمت عليه المدينة، فذكر الحديث، قال: فتذاكرنا عنده الآذان فقال [بعضنا إنما] كان بدؤ [الأذان] رؤيا عبد اللَّه بن زيد [بن عاصم] فقال [له] الحسن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إن شأن الأذان أعظم من ذاك أذن جبريل عليه السلام في السماء مثنى مثنى وعلمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مرة مرة، فعلمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فأذن به الحسن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حين ولى.
وأما أنه كان له مؤذنان بمسجده صلى الله عليه وسلم
وأما أنه كان له مؤذنان بمسجده صلى اللَّه عليه وسلّم فخرج مسلم [ (1) ] من حديث عبيد اللَّه عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مؤذنان: بلال، وابن أم مكتوم الأعمى. وخرجه من طريق عبيد اللَّه [ (2) ] ، حدثنا القاسم، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها مثله. وأخرجه أيضا بأتم من هذا، ولم يذكر البخاري أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان له مؤذنان. ولمسلم [ (3) ] من حديث محمد بن جعفر، حدثنا هشام عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان ابن أم مكتوم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يؤذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو أعمى.
وأما أن أبا محذورة رضى الله تبارك وتعالى عنه كان يؤذن بمكة
وأما أن أبا محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يؤذن بمكة فخرج الترمذي [ (1) ] من حديث بسر بن معاذ البصري، حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبى محذورة، قال: أخبرنى أبى، وجدي جميعا
عن أبى محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أقعده، وألقى عليه الأذان حرفا حرفا، قال إبراهيم: مثل أذاننا، قال بسر: فقلت له: أعد عليّ، فوصف الأذان بالترجيع. قال أبو عيسى: حديث أبى محذورة في الأذان، حديث صحيح، وقد روى من غير وجه، وعليه العمل بمكة، وهو قول الشافعيّ. وخرج قاسم بن أصبغ، ومحمد بن عبد الملك بن أيمن، من حديث روح بن عبادة، عن ابن جريح قال: أخبرنى عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك بن أبى محذورة، عن أبى محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من حنين، خرجت عاشر عشرة من مكة، فطلبتهم، فسمعتهم يؤذنون للصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: [لا يؤذن] إنسان إلا حسن الصوت، فأرسل إلينا، فأذنا رجلا رجلا، فكنت آخرهم، فقال حين أذنت: تعالى، فأجلسنى بين يديه، فمسح على ناحيتي، وبارك عليّ ثلاث مرات، ثم قال: اذهب فأذن، قلت: كيف يا رسول اللَّه؟ فعلمني الأذان: كما يؤذنون اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح- الصلاة خير من النوم،
الصلاة خير من النوم، في الأذان من الصبح- اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. قال: وعلمني الإقامة مرتين: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. قال ابن جريج: أخبرنى عثمان هذا الخبر كله عن أم عبد الملك بن أبى محذورة، أنها سمعت ذلك من أبى محذورة. وخرج قاسم أيضا من طريق روح عن ابن جريح، قال: أخبرنى عبد العزيز بن عبد الملك بن عبد اللَّه بن محيريز، أخبره- وكان يتيما في حجر أبا محذورة بن معتمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال له: خرجت في نفر، فكنا ببعض الطريق، فأذن مؤذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسمعنا صوت المؤذن ونحن مسكتون، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به، فسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصوت، فأرسل إلينا، إلى أن وقفنا بين يديه، فقال: أيكم الّذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم كلهم إليّ، وصدقوا، فأرسلهم كلهم وحبسني، ثم قال- قم فأذن بالصلاة. فقمت، ولا شيء أكره إليّ من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فألقى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم التأذين هو نفسه. فقال: قل: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطانى صرة فيها شيء من فضة، ثم وضع يده على ناصية أبى محذورة، ثم أمالها على وجهة، ثم من بين يديه، ثم صلى على كبده، حتى بلغت يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سرة أبى محذورة، ثم قال: بارك اللَّه فيك، وبارك عليك، فقلت: يا رسول اللَّه، مرني بالتأذين بمكة، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: قد أمرتك به.
وذهب كل ما كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كراهته، وعاد ذلك كله محبة، لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فقدمت على عتاب بن أسيد، عامل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمكة فأذنت معه بالصلاة على أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأخبرني بذلك من أهلي، ممن أدرك أبا محذوره، على نحو ما أخبرنى عبد اللَّه بن محيريز [ (1) ] . ومن حديث حجاج الأعور عن ابن جريج، قال: أخبرنى عبد العزيز ابن عبد الملك بن محذوره، أن عبد اللَّه بن محيريز أخبره أنه كان يتيما في حجر أبى محذورة فذكر مثل الحديث الّذي رواه روح عن ابن جريج، عن عبد العزيز، إلى قوله: فألقى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم التأذين. هو نفسه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: قل: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه ثم ذكر الحديث إلى آخره [ (2) ] . قال: وأخبرنى ذلك من أدركت من أهلي، ممن أدرك أبا محذورة، على نحو مما أخبرنى عبد اللَّه بن محيريز. قال: وأخبرنى ابن جريج وأخبرنى عثمان بن السائب، قال: أخبرنى أبى وأم عبد الملك بن أبى محذورة، عن أبى محذورة، قال: فلما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى حنين، خرجت عاشر عشرة، فذكر مثل الحديث الّذي حدث به روح بن عبادة. عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب، إلى قوله: فعلمني الأذان كما يؤذنون الآن: اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد، أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الصلاة حي على الفلاح، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم- في الأولى من الصبح- اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. قال: وعلمني الإقامة مرتين، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه ثم ذكر الحديث إلى آخره، قال: أخبرنى عثمان هذا الخبر كله عن أبيه،
وأم عبد الملك بن أبى محذورة، عن أبى محذورة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قلت: عثمان بن النائب، وأبوه، وابن عبد الملك، كلهم غير معروف. وأخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق عن أبى محذورة فذكره. وقد خرج مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] ، وقاسم بن أصبغ، حديث أبى محذوره، من حديث مكحول عن عبد اللَّه بن محيريز، عن أبى
محذوره رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم علمه هذا الأذان: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن محمدا رسول اللَّه، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، مرتين، حي على الصلاة، مرتين، حي على الفلاح، مرتين، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. هذا لفظ مسلم. ولفظ النسائي، عن أبى محذورة، قال: علمني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الأذان، فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، إلى آخره بنحو ما قال مسلم. وعن أبى داود [ (1) ] أن ابن محيريز حدثه أن أبا محذورة حدثه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشره كلمه، الحديث إلى آخره بمثله. وذكر الترمذي [ (2) ] صدر متنه في كتابه، لفظه: عن أبى محذوره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة، لم يزد
على هذا، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو محذورة اسمه سمرة بن معمر، قد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا في الأذان. وقد روى عن أبى محذورة، عن أبيه، عن جده، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قلت: يا رسول اللَّه علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسه: قال: قل: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، ثم ترفع بها صوتك، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، اخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، فإن كانت صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. وعلمني الإقامة مرتين، مرتين، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، أسمعت؟. قال: وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسح عليها .
وأما أن سعد القرظ رضى الله تبارك وتعالى عنه كان مؤذن قباء
وأما أنّ سعد القرظ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان مؤذن قباء فذكر ابن المبارك عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: أخبرنى حفص عن عمر بن سعد، أن جده سعد كان يؤذن على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لأهل قباء، حتى استعمله عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في خلافته، فأذن له بالمدينة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال البلاذري: وقد روى أن عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه كان يؤذن بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عند المنبر. وقال الواقدي بإسناده: كان بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقف على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. فيقول: السلام عليك يا رسول اللَّه، وربما قال السلام عليك بأبي أنت وأمى أنت يا رسول اللَّه، حي الصلاة حي على الفلاح، السلام عليك يا رسول اللَّه. قال البلاذري: وقال غيره: كان يقول: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة يا رسول اللَّه. وقال ابن زيد: لم يكن في زمان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أذان إلا الأول، وأذان حين يقوم للصلاة، وهي الشيء الآخر، أحدثه الناس في زمن عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلم يذكره أحد من الصحابة، فمضى به العمل. وقال محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: كان يؤذن بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة، على باب المسجد، وأبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. ذكره أبو داود. وروى ابن إسحاق [ (1) ] أن المرأة قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يؤذن عليه الفجر كل غداة فيأتى بسحر، فيجلس على البيت ينتظر عليه الفجر، فإذا رآه تمطى بسحر،
وأما بلال بن رباح رضى الله تبارك وتعالى عنه.
فيجلس على البيت ينتظر عليه الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللَّهمّ أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك. قالت: ثم يؤذن [ (1) ] . ويروى أنه كان يؤذن على أسطوان في قبله المسجد يرقى إليها بإثبات، وكانت في منزل عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وروى نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال كان بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يؤذن على منارة في دار حفصة بنت عمر رضى اللَّه عنهما، التي تلى المسجد، قال: فكان يرقى على أثبات فيها، وكانت خارجية من المسجد، لم تكن فيه. وأما بلال بن رباح رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. [هو] بلال بن رباح، أبو عبد اللَّه وقيل: أبو عبد الكريم، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: عمرو، مولى أبى بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، اشتراه بخمس أواق، ثم أعتقه، وكان له خازنا، ولرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مؤذنا، وهو أول من أذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، ولزم التأذين له بالمدينة وفي أسفاره شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وامه حمامة كانت من مولدي السراة، وكان آدم شديد الأدمة، نحيفا، طوالا، أجنى، خفيف العارضين، وأذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حياته ثم أذن لأبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما منعك أن تؤذن، قال: أنى أذنت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى قبض وأذنت لأبى بكر حتى قبض لأنه كان ولى نعمتي، وقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل اللَّه عز وجل، فخرج مجاهدا ويقال أنه أذن لعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إذ دخل الشام فبكى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وغيره من المسلمين. وقال: سعيد بن المسيب وقد ذكر بلالا، فانطلق العباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال لسيدته: هل لك أي تبيعني عبدك قبل أن يفوتك خيره؟ قال: وما تصنع به؟
[وأما] ابن أم مكتوم
إنه خبيث وأنه قال ثم لقيها فقال: مثل مقالته، فأشتراه العباس فبعث به إلى أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعتقه فكان يؤذن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فلما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يخرج إلى الشام فقال له أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بل تكون عندي، فقال أن كنت أعتقتنى لنفسك فاحبسني وأن كنت أعتقتنى للَّه عز وجل فذرني اذهب إلى اللَّه عز وجل، فقال: أذهب فذهب إلى الشام فكان بها حتى مات. وقال سفيان: عن إسماعيل عن قيس قال: اشترى أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بلالا وهو مدفون بالحجارة، ومات بدمشق سنة عشرين وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكان ديوانه مع خثعم [ (1) ] . [وأما] ابن أم مكتوم اسمه عمرو، وقيل عبد اللَّه بن قيس بن زائدة بن الأصم، وهو جندب ابن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بغيض بن عامر بن لؤيّ القرشي، أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد اللَّه بن عنكثة بن عامر بن مخزوم، فهو ابن خال خديجة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أخى أمها، وأسلم قديما، وبعثه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة إلى المدينة مع مصعب بن عمير قبل هجرته، واستخلفه على المدينة ثلاث عشرة مرة، وشهد القادسية وما بعدها [ (2) ] .
[وأما] أبو محذورة [الجمحي]
[وأما] أبو محذورة [الجمحيّ] قيل اسمه أوس بن معير بن لوذان بن ربيعة بن سعد بن جمح. وقبل: اسمه سمير بن عمير بن لوذان بن وهب بن سعد بن جمح فأمه خزاعية. حدث عنه ابنه عبد الملك وزوجته، والأسود بن يزيد، وعبد اللَّه بن محيريز، وابن أبى مليكة، وآخرون كان من أندى الناس صوتا وأطيبه. قال ابن جريج: أخبرنى عثمان بن السائب، عن أم عبد الملك بن أبى محذورة، عن أبى محذورة، قال: لما رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من حنين، خرجت عاشر عشرة من مكة نطلبهم، فسمعتهم يؤذنون للصلاة، فقمنا نؤذن تستهزئ. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا، فأذنا رجلا رجلا، فكنت آخرهم، فقال حين أذنت: [تعال] ، فأجلسنى بين يديه، فمسح على ناصيتي، وبارك على ثلاث مرات، ثم قال: «اذهب فأذّن عند البيت الحرام» قلت: كيف يا رسول اللَّه؟ فعلمني الأولى كما يؤذنون بها، وفي الصبح «الصلاة خير من النوم» وعلمني الإقامة مرتين مرتين. وفيه قيل: - أما ورب الكعبة المستورة ... وما تلا محمد من سوره والنغمات من أبى محذوره ... لأفعلن فعلة منكوره وتوفى بمكة سنة تسع وخمس وقيل سنة تسع وسبعين [ (1) ] ولم يهاجر.
[وأما] سعد بن عائذ [سعد القرظ] رضى الله تبارك وتعالى عنه
[وأما] سعد بن عائذ [سعد القرظ] رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو سعد بن عائذ مولى عمار بن ياسر، عرف بسعد القرظ لأنه لزم بيعه، جعله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مؤذنا بقباء، ثم أذن لما ترك بلال الأذان بالمسجد النبوي حتى مات فتوارث بنوه الأذان فيه [ (1) ] . [وأما] حبان بن بحّ الصدائى [فإنه] يعد في من نزل مصر من الصحابة، قال ابن يونس: وفد على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وشهد الفتح بمصر ويقال حبان، وجيان الصواب. وقال الدار قطنى: حيان بن بح الصدائى بكسر الحاء مع باء معجمة بواحدة، له بمصر حديث رواه بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم، عن حيان بن بح قال: إن قومي كفروا فأخبرت أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم جهز إليهم جيشا، فأتيته فقلت: إن قومي
على الإسلام فقال: أكذلك؟ قلت: نعم واتبعته ليلتي حتى الصباح فأذنت بالصلاة لما أصبحت، وأعطانى ماء توضأت منه، فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أصابعه في الإناء فانفجر عيونا. فقال: من أراد منكم أن يتوضأ فليتوضّأ، فتوضأت وصليت، فأمرنى عليهم، وأعطانى صدقاتهم، فقام رجل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إن فلانا ظلمني، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا خير في الإمارة لمسلم. ثم جاء رجل يسأل صدقة، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: إن الصدقة صداع وحريق في الرأس أو داء، فأعطيته صحيفة إمرتي وصدقنى، فقال: ما شأنك؟ فقلت: أقبلها، وقد سمعت ما سمعت؟. رواه سعيد بن أبى مريم، عن ابن لهيعة، عن بكر بن سواد، وزياد ابن الحارث الصدائى: وفد على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وشهد الفتح بمصر، وحديثه يشبه حديث حبان بن بح. قال ابن يونس، وقال ابن عبد البر: وهو حليف بنى الحارث بن كعب، تابع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وأذن بين يديه، يعد في مصر وأهل المغرب. وقد خرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجة. وقال ابن وهب: أخبرنى عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن نعيم، أنه سمع زياد بن الحارث الصدائى قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فبايعته على الإسلام، فأخبرت أنه بعث جيشا إلى قومي، فقلت: يا رسول اللَّه! أن رد الجيش، وأنا لك بإسلامهم وطاعتهم، فقال: اذهب فردهم، فقلت: يا رسول اللَّه، إن راحلتي قد كلت، ولكن ابعث إليهم رجلا قال: فبعث إليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم رجلا، وكتبت معه إليهم، فردهم، قال الصدائى: فقدم وفدهم بإسلامهم، فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يا أخا صداء، وإنك مطاع في قومك؟ قلت: بل اللَّه هداهم للإسلام، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أفلا أؤمرك عليهم؟ قلت: بلى، فكتب لي كتابا بذلك، فقلت يا رسول اللَّه بشأن صدقاتهم، نكتب لي كتابا آخر بذلك، وكان ذلك في بعض أسفاره، فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منزلا، فأتى أهل ذلك المنزل يشكون عاملهم، يقولون: أخذنا بشيء كان بيننا وبينه في الجاهلية، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أو فعل؟ قالوا: نعم فالتفت إلى أصحابه وأنا
فيهم فقال: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن، قال الصدائى: فدخل قوله في نفسي، قال: ثم أتاه آخر، فقال: يا رسول اللَّه، أعطنى، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من سأل الناس عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، فقال السائل: فأعنى من الصدقة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه لم يرض بحكم نبي ولا غيره [في الصدقات] حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء [ (1) ] ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك- أو أعطيناك- حقك الصدائى: فدخل ذلك في نفسي، لأني سألته من الصدقات وأنا غنى، ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم اعتشى من أول الليل، فلزمته، وكنت قويا، وكان أصحابه ينقطعون عنه ويستأخرون، حتى لم يبق معه أحد غيري، فلما كان أوان صلاة الصبح أمرنى فأذنت، وجعلت أقول: أقيم يا رسول اللَّه؟ فينظر إلى ناحية المشرق ويقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز، ثم انصرف إلى وقد تلاحق أصحابه، فقال: هل من ماء يا أخا صداء؟ قلت: لا، إلا شيء قليل لا يكفيك، فقال: اجعله في إناء ثم ائتني به، ففعلت، نوضع كفه في الإناء، فرأيت بين كل إصبعين من أصابعه عينا تفور، فقال: لولا أنى أستحيى من ربى- يا أخا صداء- لسقينا واستقينا، ناد في الناس: من له حاجة في الماء، فنادى فيهم، فأخذ من أراد منهم، ثم جاء بلال فأراد أن يقيم، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم، قال الصدائى: فأقمت، فلما قضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاته أتيته بالكتابين، فقلت: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، أعفنى من هذين، فقال: وما بدا لك؟ إني سمعتك تقول: لا خير في الإمارة لرجل مؤمن، وأنا أومن ورسوله، وسمعتك تقول للسائل: من سأل عن ظهر غنى فهو صداع في الرأس وداء في البطن، وقد سألتك وأنا غنى، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: هو ذاك، إن شئت فاقبل وإن شئت فدع [فقلت: أدع] فقال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: فدلني على رجل أؤمره
عليهم، فدللته على رجل من الوفد الذين قدموا عليه، فأمره علينا، ثم قلنا: يا رسول اللَّه، إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها فاجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا، وكل من حولنا عدوّ، فادع اللَّه لنا في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق، قال: فدعا بسبع حصيات، فعركهن في يده ودعا فيهن، ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات، فإذا أتيتم البئر فألقوها واحدة واحدة واذكروا اسم اللَّه، قال الصدائى: ففعلنا [ما قال لنا] ، فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر في قعرها، يعنى البئر. هذا لفظ ابن عبد الحكم، وقد صححنا بعض أحرف فيه وزدنا بعض أحرف، من رواية المزي المطبوعة بحاشية التهذيب، ما زدناه كتبناه بين قوسين هكذا [] . وقوله في الحديث «اعتشى من أول الليل» : قال في النهاية: «أي سار وقت العشاء، كما يقال: استمر وابتكر» . وقد خرج حديث زياد بن الحرث الترمذي وقاسم بن أصبغ مختصرا، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي [ (1) ] أبو خالد الشعبانيّ العامري، مصرى، يروى الموضوعات عن الثقات، ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب. كان ابن مهدي ويحيى لا يحدثان عن الإفريقي. قال ابن معين: هو ضعيف، قاله أبو حاتم، محمد بن حبان. ***
فصل في ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بنفسه.
فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أذن بنفسه. خرج الترمذي من طريق شبابه بن سوار، حدثنا عمر بن الرماح [البلخي] عن كثير بن زياد عن عمرو بن عثمان بن يعلى مرة [ (1) ] عن أبيه عن جده قال: «أنهم كانوا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في مسير، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة، فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو على راحلته فصلى بهم يومى إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع [ (2) ] » . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي [ (3) ] لا يعرف إلا من حديثة. وخرجه الدارقطنيّ من طريق ابن الرماح أيضا عن كثير بن زياد بن سهل البصري عن عمر بن عثمان بن يعلى بن أميه عن أبيه عن أبيه عن جده يعلى بن أمية صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: انتهينا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى مضيق، السماء من فوقنا والبلة من أسفلنا وحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام أو أقام بغير أذان ثم تقدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فصلى بنا على راحلته وصلينا خلفه على رواحلنا وجعل
فصل في ذكر من كان يقم المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
سجوده اخفض من ركوعه [ (1) ] قال السهيليّ: والمفصل يقضى على المجمل المجتهد. فصل في ذكر من كان يقم المسجد على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: قم الشيء، يقمه قما كنسه، حجازية، والمقمة: المكنسة، والقمامة: الكناسة [ (2) ] . خرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث حماد بن زيد، عن ثابت البناني، عن أبى رافع، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد، فمات، فسأل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عنه فقالوا: مات. قال: أفلا كنتم آذنتموني به؟ دلوني على قبره، أو قال: قبرها، فصلى
عليه. ذكره البخاري في كتاب الصلاة، وترجم عليه باب كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان. وذكره في كتاب الصلاة على القبر بعد ما يدفن بنحو منه. وفي كتاب الصلاة، باب الخدم للمسجد. ولفظ مسلم أن: امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا، ففقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات قال: أفلا كنتم أذنتمونى؟ قال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال: دلوني على قبره، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن اللَّه عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم. وخرجه قاسم بن أصبغ بهذا الإسناد، وقال: إن إنسانا أسودا، أو إنسانة سوداء كانت تقم أو يقم [المسجد] فمات أو ماتت، ففقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما فعل ذلك الإنسان؟. ... الحديث بنحو حديث مسلم. وهذه المرأة يقال اسمها محجنة، ويقال أم محجن [ (1) ] ***
فصل في ذكر من أسرج في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر من أسرج في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: السراج: المصباح، والجمع سرج، والمسرجة التي فيها الفتيل، التي يجعل فيها النار. وأسرج السراج: أوقده [ (1) ] . والّذي أسرج المسجد على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سراج، قال: أبو عمر ابن عبد البر [ (2) ] سراج مولى تميم الداريّ قدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في خمس غلمان
فصل في ذكر تخليق المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بتميم، وروى عنه في تحريم الخمر، وأنه أسرج في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالقنديل، والزيت، وكانوا لا يسرجون قبل ذلك الا بسعف النخل فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من أسرج مسجدنا؟ فقال تميم: غلامي هذا، فقال: ما اسمه فقال: فتح، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: اسمه سراج، قال: فسماني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سراجا. فصل في ذكر تخليق المسجد في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الخلاق ضرب من الطيب وقيل: الزعفران وقد تخلق وخلقة وخلقت المرأة جسمها طلته بالخلوق [ (1) ] . خرج قاسم بن أصبغ من حديث معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا عمر بن سليم قال: حدثني أبو الوليد قال: قلت لابن عمر ما كان يدهن هذا الزعفران في المسجد، قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فرأى نخامة في قبلة المسجد فقال غير هذا كان أجزى، فسمع ذلك، قال: هذا أحسن من الأول فقال فصنعه الناس. وخرجه عمر بن شبة بهذا السند، ولفظه: قلت لابن عمر ما له والزعفران في المسجد؟ فقال: ما أقبح هذا من فعل، فجاء صاحبها فحكها وطلاها بزعفران، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هذا أحسن من ذلك.
فصل في ذكر اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخرج من حديث شجاع بن الوليد، فسألت عن محارب بن دثار عن أبى بن كعب قال: أبصر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حائط المسجد بزاقا فحكه على خرقة، فأخرجه من المسجد وجعل مكانه شيء من طيب أو زعفران، أو ورس. من حديث الحكم بن سليم عن أيوب بن سليمان بن يسار، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رأى نخامة في جدار المسجد فحكها، وخلق مكانها [ (1) ] . فصل في ذكر اعتكاف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال ابن سيده: عكف يعتكف وتعكف عكفا وعكوفا واعتكف لزم المكان والعكوف الإقامة في المسجد [ (2) ] . فخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] وأبو داود [ (5) ] من حديث نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّه عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
وقال أبو داود: حتى قبضه اللَّه: وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث معمر عن الزهري عن أبى هريرة عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. قال أبو عيسى حديث أبى هريرة وعائشة رضى اللَّه عنها حديث حسن صحيح. وخرج البخاري ومسلم من حديث مسروق عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ [أهله] وجد وشد المئزر. وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] من حديث أبى بكر بن عياش عن أبى إسحاق عن هبيرة بن بريم عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل العشر أيقظ أهله، ورفع المئزر قيل لأبى بكر بن عياش: ما رفع المئزر؟ قال: اعتزال النساء.
وأخرجه الترمذي [ (1) ] ، عن سفيان، عن أبى إسحاق، عن هبيرة، عن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وخرج البخاري [ (2) ] ، وأبو داود [ (3) ] ، النسائي [ (4) ] من حديث أبى حصين، عن أبى صالح، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان
النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الّذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما. ترجم عليه البخاري في العشر الأوسط من رمضان، وخرجه في كتاب (فضائل القرآن) ، ولفظه فيه: كان يعرض على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الّذي قبض صلى اللَّه عليه وسلّم، وكان يعتكف في كل عام عشرة، واعتكف عشرين في العام الّذي قبض فيه صلى اللَّه عليه وسلّم.
وللنسائى [ (1) ] والإمام أحمد [ (2) ] من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبى رافع، عن أبى بن كعب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعتكف العشرة من رمضان فسافر عاما ولم يعتكف فلما كان قابل اعتكف عشرين ليلة. وللبخاريّ [ (3) ] من حديث مالك عن يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: من اعتكف معى فليعتكف العشر الأواخر، فتدرست هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، تلتمسه في العشر الأواخر، التمسوها في كل وتر، فمطرت السماء في تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فبصرت عيناي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على جبهته أثر الماء والطين من صبح واحد وعشرين. وذكره في باب الاعتكاف في العشر الأواخر وذكره في باب تحرى ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من حديث بن أبى حازم والدراوَرْديّ، عن يزيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبى سلمة، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسى من عشرين ليلة تمضى، ويستقبل إحدى
وعشرين رجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم بما شاء اللَّه، ثم قال: كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معى فليثبت في معتكفه، وقد أريت هذه الليلة، ثم أنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، ابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين. فاستهلت السماء ليلة إحدى وعشرين، فبصرت عيني، فنظرت إليه من الصبح، ووجهه ممتلئ طينا وماء. وللبخاريّ [ (1) ] من حديث مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الّذي أراد أن يعتكف فيه، إذا أخبية: خباء عائشة، وخباء حفصة، وخباء زينب! فقال: ألبر تقولون؟ ثم انصرف ولم يعتكف ولم يعتكف، حتى اعتكف عشرا من شوال. ترجم عليه باب الأخبية في المسجد. وذكره في باب من أراد أن يعتكف ثم بدا له أن يخرج [ (2) ] ، من حديث الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن سعيد، قال: حدثني عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فأستأذنته عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها فأذن لها وسألت حفصة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببناء فبنى لها قالت: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فأبصر الأبنية فقال: ما هذا؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ألبر أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكف. فرجع. فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال.
ذكره في باب اعتكاف النساء [ (1) ] وفي باب الاعتكاف في شوال [ (2) ] ، بألفاظ متغايرة.
ذكر مسلم [ (1) ] من حديث أبى معاوية، عن يحى بن سعيد، العمرة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، ومن حديث سفيان وعمرو بن الحارث، والأوزاعي، وابن إسحاق، كلهم عن يحى عن عمرة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وفي حديث سفيان بن عيينة وعمر بن الحارث وابن إسحاق، ذكر عائشة وحفصة وزينب أنهن ضربن الأخبية للاعتكاف. وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث أبى اليمان عن شعيب عن الزهري قال: أخبرنى على بن الحسين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: «أن
صفية زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أخبرنه أنها جاءت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوره في اعتكافه
في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى اللَّه عليه وسلّم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال لهما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي. فقال: سبحان اللَّه يا رسول اللَّه، وكبر عليهما، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا، اللفظ للبخاريّ، ذكره في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟ وذكره مسلم في كتاب السلام، وذكره البخاري أيضا في كتاب فرض الخمس [ (1) ] ، وفي كتاب الأدب في باب التكبير والتسبيح عند التعجب [ (2) ] وفي باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه [ (3) ] بألفاظ متقاربة. والبخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث الليث عن ابن شهاب عن عروة، وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: إن
كنت لأدخل البيت والمريض فيه فما أسال عنه إلا وأنا مارة وإن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إلا إذا كان معتكفا. وفي لفظ مسلم: «إذا كانوا معتكفين» . وذكره أبو داود [ (1) ] من حديث مالك عن ابن شهاب إلى آخره، وذكره بعده من حديث الليث عن ابن شهاب وعروة عن عمرة، عن عائشة رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنها، نحوه [ (1) ] ثم قال: وكذلك رواه يونس عن الزهري، ولم يتابع [أحد] مالكا على عروة، عن عمر. ورواه معمر وزياد بن سعد [وغيرهما عن الزهري، عن عروة عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها] . وخرج الترمذي [ (2) ] عن حديث مالك عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا
اعتكف أدنى إلى رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، هكذا رواه غير واحد عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، والصحيح عن عروة وعمرة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. وللنسائى [ (1) ] من حديث سفيان بن حسن عن الزهري عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم معتكفا، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة لا بد منها وغسلت رأسه وإن بيني وبينه عتبة الباب. قال أبو عبد الرحمن: سفيان بن حسين [ (2) ] لا بأس به في غير الزهري وليس هو في الزهري بالقوى، ونظيره في الزهري، سليمان بن كثير، وجعفر من برقاء وليس بهما بأس في غير الزهري. وله من حديث الأوزاعي عن حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يأتينى وهو معتكف في المسجد ويتكأ على عتبة باب حجرتي وأنا في حجرتي وسائره إلى المسجد. وذكر القاضي عياض عن ابن المنذر قال: إن أنس بن مالك كان له موضع في المسجد، قال: وهو مكان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو الموضع الّذي كان يوضع فيه سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا اعتكف.
فصل في ذكر أصحاب الصفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال المؤلف: خرج ابن زيالة في (تاريخ المدينة) : فقال: حدثني عبد العزيز بن محمد عن عيسى بن موسى بن عبيد اللَّه بن معمر، عن نافع، عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، كان إذا اعتكف يطرح فراشه ويوضع له سرير وراء أسطوانة. وفي (معجم الطبراني) عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن ذلك مما يلي القبلة يستند إليها. كذا ذكره القاضي. وخرج ابن زبالة من حديث عبد العزيز، عن حسين بن مصعب، عن محمد بن أيوب، قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان له سرير من جريد فيه سعفة يوضع فيما بين الأسطوانة التي وجاه القبر وبين القناديل، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يضطجع عليه. فصل في ذكر أصحاب الصفة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الصفة: المظلة، وصفة البنيان طرته [ (1) ] . اعلم أن أهل الصفة كانوا قوما فقراء لا أهل لهم ولا مال، تكون إقامتهم بمسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وهم أضياف الإسلام، فإذا أتت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديه أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، وكانوا في صفة يأوون إليها في المسجد.
خرج الحاكم [ (1) ] من حديث مالك بن مغول، عن فضيل بن غزوان عن أبى حازم عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لقد كان أصحاب الصفة سبعين رجلا ما لهم أردية. قال الحاكم هذا حديث على شرط الشيخين. وخرج الترمذي [ (2) ] من حديث حيوة بن شريح، أخبرنى أبو هاني الخولانيّ في أن على عمرو بن مالك الجينى أخبره عن فضالة بن عبيد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصفة حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين أو مجانون، فإذا صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم انصرف إليهم فقال: لو تعلمون ما لكم عند اللَّه لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة، قال فضالة: وأنا يومئذ مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح. وخرج بقي بن مخلد من حديث وهب بن بقية قال: أنبأنا خالد، عن داود، عن أبى حرب، عن طلحة بن عبد اللَّه، قال: كان الرجل منا إذا إذا قدم المدينة فكان له بها عريف نزل على عريفه وإن لم يكن له بها عريف نزل الصفة فقدمت فنزلت الصفة فكان يجرى علينا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كل يوم مدين تمر بين اثنين ويسكونا الخنف فصلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعض صلاة النهار فلما سلم ناداه أهل الصفة يمينا وشمالا يا رسول اللَّه أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف فمال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى منبره فصعده فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم ذكر
الشدة ما لقي من قومه حتى قال ولقد أتى على وعلى صاحبي بضع عشرة وما لي طعام إلا البرير قال: قلت لأبى حرب وأي شيء البرير قال: طعام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ثمر الأراك فقمنا على إخواننا هؤلاء الأنصار وعظم طعامهم التمر فواسونا فيه واللَّه لو أجد لكم الخبز واللحم لأشبعتكم منه ولكن عسى أن تدركوا زمانا حتى يغدى على أحدكم بجفنة ويراح عليه بأخرى قال: فقالوا: يا رسول اللَّه أنحن اليوم خبر أم اليوم؟ قال: بل أنتم اليوم خير أنتم اليوم متحابون وأنتم يومئذ بعضكم يضرب رقاب بعض أراه قال: متباغضون. [هذا لفظ حديث أبى سهل القطان وحديث يحيى بن يحيى على الاختصار] ثم قال: هذا حديث الإسناد ولم يخرجاه. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث صحيح على بن مسهر، عن داود بن أبى هندية نحوه أو قريبا منه، وقال صحيح الإسناد. وللبخاريّ [ (2) ] من حديث أبى حازم، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء إما إزار، وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. وذكره في باب نوم الرجال في المسجد.
وقال هشام بن عمار: أن صدقة القرشي، عن زيد بن واقد، عن بشر ابن عبد اللَّه، عن واثلة بن الأسقع، قال: كنت من أصحاب الصفة وما منا إنسان يجد ثوبا إلا ما قد جعل الغبار والعرق في جلودنا طرقا. وقال سيف، عن محمد، عن عطاء، قال: كان أصحاب الصفة أضياف المسلمين، وكان صفة المسجد مثواهم، فمات النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهي منزلهم، فإذاهم أحد من المسلمين لهم بخير أتاهم به أو ذهب بعضهم [إليه] . ***
فصل في ذكر نوم المرأة في المسجد ولبث المريض وغيره بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب الخيمة ونحوها فيه على عهده صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر نوم المرأة في المسجد ولبث المريض وغيره بمسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وضرب الخيمة ونحوها فيه على عهده صلى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري [ (1) ] من حديث أبى أسامة، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور. قالت: فوضعته- أو وقع منها- فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته. قالت: فالتمسوه فلم يجدوه. قالت فاتهمونى به. قالت فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قلبها. قالت: واللَّه إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته، قالت:
فوقع بينهم، قالت فقلت: هذا الّذي به زعمتم، وأنا منه بريئة وهو ذا هو. قالت: فجاءت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت. قالت عائشة: رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فكان له خباء في المسجد، أو حفش، قالت: فكانت تأتينني فتحدث عندي. قالت فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا إلا أنه من بلدة الكفر أنجانى قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فقلت لها ما شأنك لا تقعدين معى مقعدا إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثني بهذا الحديث. ذكره في الصلاة وترجم عليه نوم المرأة في المسجد، وذكره في أيام الجاهلية [ (1) ] . وخرج من حديث عبد اللَّه قال: حدثني نافع عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له، في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. ترجم عليه باب نوم الرجال في المسجد [ (2) ] . وقال أبو قلابة عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: قدم رهط من عقل على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فكانوا في الصفة فقراء. وقال عبد الرحمن بن أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: كانوا أصحاب الصفة فقراء.
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم قول ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما: وكنت غلاما شابا عزبا وكنت أنام في المسجد على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من حديث معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه. وذكره في كتاب التعبير مطولا. وخرجه بقي بن مخلد ولفظه: عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كنا في زمن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ننام في المسجد ونقيل فيه ونحن شباب. وفي رواية له قال: كنا ونحن شباب نبيت في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونقيل في المسجد. وخرج البخاري [ (2) ] من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أصيب سعد في يوم الخندق في الأكحل فضرب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلم يرعهم- وفي المسجد خيمة من بنى غفار- إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الّذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما، فمات فيها. ترجم عليه باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم. وأخرج مسلم [ (3) ] هذا الحديث من هذه الطريق، وكرره في المغازي وذكره ابن إسحاق أن المرأة التي مرض سعد في خيمتها اسمها رفيدة [ (4) ] ، وهي من أسلم، ولم يذكرها ابن عبد البر في الصحابة [ (5) ] .
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث ابن نوير، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رواه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة في الأكل فضرب عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خيمة في المسجد ليعوده من قريب. وقال ابن حزم وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قد جعل سعد بن معاذ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في خيمة في المسجد يسكنها، وهذه الأسلمية كانت امرأة صالحة تقوم على المرضى وتداوى الجرحى ليعوده صلى اللَّه عليه وسلّم من قريب.
فصل في ذكر اللعب يوم العيد
وذكر بن إسحاق أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في شهر رمضان مقدمه من تبوك ضرب لهم قبة في ناحية المسجد [ (1) ] . وذكر ابن زبالة أن سليمان بن عطاء سئل عن النوم في المسجد فقال: كيف تسألون عن هذا، وقد كان أهل الصفة ينامون في المسجد في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ويظلون فيه وقال أبو نعيم: عن الفضل بن دكين، حدثنا حميد بن عبد اللَّه بن الأصم عن ابنته قالت: قد رأيت فيه قدوم أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين قتل الحسين بن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وعليها خمار أسود. فصل في ذكر اللعب يوم العيد في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو صلى اللَّه عليه وسلّم يراهم خرج مسلم [ (2) ] من حديث جرير عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: جاء الحبش يزفنون يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت انظر إلى لعبهم حتى كنت أنا الّذي أنصرف عن النظر إليهم.
ذكره البخاري [ (1) ] من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: أن أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان- والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم متغش بثوبه- فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عن وجهه فقال: دعهما يا أبا بكر، فإنّها أيام عيد. وتلك الأيام أيام منى. وقالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يسترني وأنا انظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجهم عمر، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دعهم. أمنا بنى أرفدة. يعنى من الأمن. ذكره في آخر العيدين، وفي المناقب، وترجم عليه
باب قصة الحبش وقول النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يا بنى أرفدة، والإسناد واحد، وذكره في كتاب النكاح [ (1) ] في باب النظر إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة، عن الأوزاعي،
عن الزهري، وذكره في كتاب الصلاة، في باب أصحاب الحراب في المسجد من حديث صالح بن كيسان، عن ابن شهاب. وخرجه النسائي [ (1) ] من حديث الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: دخل عمر رضى اللَّه
تبارك وتعالى عنه والحبشة يلعبون في المسجد، فزجهم عمر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: دعهم يا عمر، فإنّهم بنو أرفدة. ترجم عليه اللعب في المسجد يوم العيد. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث ابن جريج قال: أخبرنى عطاء قال: أخبرنى عبيد بن عمير قال: أخبرتنى عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت: للاعبين وددت أنى أراهم قالت: فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقمت على الباب انظر بين أذنيه وعاتقه وهم يلعبون في المسجد. قال عطاء فرس أو حبش. قال: وقال لي ابن أبى عتيق بل حبش. ولأحمد [ (2) ] من حديث ابن نمير من حديث هشام عن ابنه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في يوم عيد، قالت: فأطلعت من فوق عاتقه، فطأطأ لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم منكبيه فجعلت انظروا إليهم من فوق عاتقه حتى شيعت ثم انصرفت.
فصل في ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في مسجده
فصل في ذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم احتجم في مسجده خرج الإمام أحمد من حديث إسحاق بن عيسى، حدثنا ابن لهيعة قال: كتبت إلى موسى بن عقبة يخبرني عن بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم احتجم في المسجد، قلت لابن لهيعة: في مسجد بيته؟ قال: لا، في مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . فصل في أكله صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد [فخرج الإمام أحمد من حديث] حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا سليمان بن زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: أكلنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم شواء في المسجد، فأقيمت الصلاة، فأدخلنا أيدينا في الحصى، ثم قمنا نصلي ولم نتوضأ [ (2) ] . فصل في أنه صلى اللَّه عليه وسلّم توضأ في المسجد قال الإمام أحمد: حدثنا وديع بن خالد، عن أبى الغالية، عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: حفظت لك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم توضأ في المسجد [ (3) ] . ***
وأما تعليق الأقناء [1] في المسجد
وأما تعليق الأقناء [ (1) ] في المسجد فقال أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن أبى الحسين بن زبالة: وحدثني عبد العزيز بن محمد عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: إن ناسا كانوا يقدمون على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لا شيء لهم، فقالت الأنصار: يا رسول اللَّه، لو عجلناك قنوا في كل حائط من هؤلاء، قال: أجل فافعلوا، ففعلوا، فجرى ذلك إلى اليوم، فهي الأقناء التي تعلق بالمسجد التي عند جداد النخل، فتعطاها المساكين، وكان عليها على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. وفي رواية أن محمد بن مسلمة رأى [أضيافا] عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، فقال: ألا تعرف [هذه] الأضياف في دور الأنصار، ونجعل لك من كل حائط قنوا ليكون لمن يأتيك من هؤلاء الأقوام. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: بلى، فجعل الرجل كلما جاء ماله جاء بقنو فجعله في المسجد بين ساريتين، فجعل الناس يفعلون ذلك، وكان معاذ بن جبل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقوم عليه، وكان يجعل حبلا بين الساريتين، ثم يعلق الأقناء على الحبل، ويجمع العشرين أو أكثر فيضع عليهم بعضا من الأقناء فيأكلون حتى يشبعوا، ثم ينصرفون، ويأتى غيرهم، فيفعل لهم مثل ذلك، فإذا كان الليل فعل لهم مثل ذلك [ (2) ] .
فصل في ربط الأسير بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ربط الأسير بمسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج البخاري من حديث الليث، حدثني سعيد بن أبى سعيد، انه سمع أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بنى حنيفة يقال له ثمامة، بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه. ذكره في الصلاة في باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد [ (1) ] ، وذكره في باب دخول المشركين في المسجد [ (2) ] . وأخرجه مسلم أيضا، وله طرق في كتاب الجهاد، وفيه قصة [ (3) ] . وقال ابن زبالة: حدثني محمد بن جعفر عن عمر بن هارون، عن عثمان بن أبى سليمان. قال: إن مشركي قريش حين أتوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في فداء أساراهم
فصل في ذكر جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقعد بنى له
الذين أسروا ببدر وكانوا يلبثون في المسجد، فمنهم جبير بن مطعم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [قال:] كنت أبيت في المسجد، فكنت أسمع قراءة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وكان يومئذ مشركا مع المشركين. فصل في ذكر جلوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في مقعد بنى له خرج النسائي من حديث جرير، عن أبى فروة، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة وأبى ذر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قالا: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدرى أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه، ونجلس بجانبه سماطين [ (1) ] . قال ابن سيده: والدكة بناء يسطح أعلاه، والدكان من البناء: مشتق من ذلك. وقال الجوهري: الدكان الّذي يقعد عليه [ (2) ] . فصل في ذكر مصلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في الأعياد خرج أبو داود من حديث حماد عن حميد عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه تبارك وتعالى قد أبدلكم خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر [ (1) ] . وخرجه النسائي من حديث إسماعيل قال: حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم اللَّه بهما خيرا منهما، يوم الفطر ويوم الأضحى [ (2) ] . وقال الواقدي: أول عيد صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بالمصلى سنة اثنتين من مقدمة المدينة من مكة. وخرج أبو زيد عمر بن شبة من حديث أبى ضمرة الليثي، عن حمزة ابن عبد الواحد، عن داود بن بكر، عن خالد بن عبد اللَّه، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج إلى المصلى يستسقى، فبدأ بالخطبة، ثم صلى وكبر واحدة افتتح بها الصلاة، فقال: هذا مجمعنا، ومستمطرنا، ومدعانا لعيدنا، ولفطرنا، وأضحانا، [فلا.....] . وخرج البخاري [ (3) ] من حديث زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد اللَّه بن أبى سرح، عن أبى سعيد الخدريّ، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يخرج يوم الفطر
والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة حدثنا سعيد بن أبى مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: أخبرنى زيد عن عياض بن عبد اللَّه بن أبى سرح عن أبى سعيد الخدريّ قال: «وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم- فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم. فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف. «قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان- وهو أمير المدينة- في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلى، فجبذت بثوبه، فجبذنى، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم واللَّه، فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت ما أعلم واللَّه خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة.
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن جعفر، عن داود بن قيس، عن عياش بن عبد اللَّه بن سعد. حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسماعيل بن جعفر عن داود بن قيس عن عياش بن عبد اللَّه بن سعد عن أبى سعيد الخدريّ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها وكان يقول تصدقوا تصدقوا تصدقوا وكان أكثر من يتصدق النساء ثم ينصرف فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم فخرجت مخاصرا مروان حتى أتينا المصلى فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرا من طين ولبن فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرنى نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة فلما رأيت ذلك منه قلت أين الابتداء بالصلاة فقال لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم، قلت: كلا والّذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم «ثلاث مرار ثم انصرف» . وخرج أبو داود [ (2) ] من حديث الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبى سعيد، وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبى
فصل في نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم
سعيد الخدريّ، قال: أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد، ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد الخدريّ: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان، فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: «من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» . وقد ذكر مسلم نحو هذا من حديث سفيان الثوري وشعبة، عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب. وذكر عمر بن شبة من حديث داود بن قيس عن عياض بن عبد اللَّه بن أبى سرح قال: أول من قام بالمصلى على منبر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على منبر بناه له كثير بن الصلت من طين، ثم بناه كثير لمعاوية بن أبى سفيان، فتكلم عليه، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فكلمه في ذلك أبو سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: الصلاة قبل [الخطبة] ، فقال: اترك ما كنت يعهد قلبك، ولتسمع أذن، فنامت عيني، وعقل قلبي، وسمعت أذنى.... وذكر الحديث. فصل في نوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإن قيل: إذا كان نومه صلى اللَّه عليه وسلّم يساوى نومنا في انطباق الجفن وعدم السماع، حتى أنه نام عن الصلاة فما أيقظه إلا حر الشمس، فما الفرق بيننا وبينه في النوم؟ أجيب بأن النوم يتضمن أمرين: أحدهما: راحة البدن، وهو الّذي يشاركنا فيه.
وأما نومه صلى الله عليه وسلم حتى طلعت الشمس
والثاني: غفلة القلب، وقلبه صلى اللَّه عليه وسلّم متيقظ إذا نام، سليم من الأحلام في شغل، يتلقى الوحي، والتفكير في المصالح، على مثل حال غيره إذا كان منتبها، فما يتعطل قلبه بالنوم عما وضع له، كما يتعطل قلب غيره. ألا ترى إلى حاله صلى اللَّه عليه وسلّم في نزول الوحي عليه كيف كان يغشى عليه؟ وهي حالة لو أصابت غيره لانتقض وضوؤه، وهو صلى اللَّه عليه وسلّم في تلك الحال حافظ محفوظ من غلبة الطبع البشرى عليه، واسترخاء مخارج الحدث، فهو غائب عنا بحال، واللَّه سبحانه ييسر إليه حينئذ ما يشاء. وأما نومه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى طلعت الشمس فإنه يحتمل أمرين: أحدهما: أنه أريد بذلك التشريع لنا، لنعلم ما حكم اللَّه تعالى فيمن سها، وغفل عن الصلاة، كما بين اللَّه تعالى لنا حكمه عند عدم الماء، فأعدمه نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم حتى أنزل عليه [آية حكم] التيمم [ (1) ] . قال ابن عبد البر: ونومه صلى اللَّه عليه وسلّم في ذلك الوقت عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، أمر خارج عن عادته وطباعه، وطباع الأنبياء قبله، وإنما كان نومه ذلك ليكون سنة، وليعلم المؤمنون كيف حكم من نام عن الصلاة أو نسيها، حتى يخرج وقتها، وهو من باب قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: إني لأنس أو لأنسي أسني. والّذي كانت جبلته وعادته صلى اللَّه عليه وسلّم أن لا يخامر النوم قلبه، ولا يخالط نفسه وإنما كانت تنام عينه. وقد ثبت عنه أنه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن عيني تنامان ولا ينام
قلبي. وهذا على العموم، لأنه قد جاء عنه: إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا [ (1) ] . ولا يجوز أن يكون مخصوصا بذلك، لأنها خصلة لم بعدها في الست التي أوتيها، ولم يؤتها أحد قبله من الأنبياء، فلما أراد اللَّه تعالى منه ما أراد [....] قبض روحه وروح من معهم في نومهم ذلك، وصرفها إليهم بعد طلوع الشمس ليتبين لهم مراده، على لسان رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم. وعلى هذا التأويل جماعة أهل الفقه والأثر، وهو واضح، والمخالف فيه مبتدع. الثاني: أنه وقع له ذلك لينكشف له علوم تخصه من المعارف، فعطلته عن القيام بحقوق الظواهر، لاشتغال باطنه المقدس بأداة التلقي. فقد عبر بلسان قاله ... عن حاله من ذكر محبوبه حتى أذهله عن مطلوبة فقال: فو اللَّه ما أدرى إذا ما ذكرتها ... أثنتين صليت العشاء أم ثمانيا؟ وقد عد القضاعي هذه الخصوصية مما خص به دون الأنبياء، وخفي عليه ما خرجه البخاري [ (2) ] من حديث أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في قصة الإسراء: وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. فل يبق إلا اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم بذلك دون أمته وكان في قوله أن نوم العين بمجرده لا ينقض الوضوء. ***
الرابعة عشرة: انتقاض وضوئه صلى الله عليه وسلم بمس النساء
الرابعة عشرة: انتقاض وضوئه صلى اللَّه عليه وسلّم بمس النساء وفيه خلاف على وجهين، الأشهر منهما الانتقاض. قال النووي في (الروضة) [ (1) ] : والمذهب الجزم بانتفاضه. ومأخذ من ذهب إلى عدم الانتقاض، حديث عائشة في (صحيح مسلم) : أنها افتقدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، فوقعت يدها عليه وهو ساجد، وهو يقول: أنى أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. وحديثها في السنن، قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة، حتى إذا أراد أن [يسجد غمز رجلي، فقبضتهما] . وظاهرهما يؤيد عدم النقض. وفي مسند البزار من حديث عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقبل بعض نسائه ثم يخرج إلى الصلاة ولا يتوضأ. ثم قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا من رواية عائشة، ولا نعلمه يروى عنها إلا من حديث حبيب عن عروة، ومن حديث عبد الرحيم عن عطاء. قال عبد الحق: ولا أعلم لهذا الحديث علة توجب تركه، ولا أعلم فيه أكثر من قول يحيى بن معين: حديث عبد الركيم عن عطاء حديث رديء، لانه حديث غير محفوظ وانفراد الثقة بالحديث لا يضره، فإما أن يكون قبل نزول الآية، أو تكون الملامسة الجماع، كما قال ابن عباس، وكان هذا القائل بعدم الانتقاض، ذهب إلى تخصيص ذلك به صلى اللَّه عليه وسلّم، لكن الخصوم لا يقنعون منه بذلك، ويقولون: الأصل في ذلك عدم التخصيص إلا بدليل.
الخامسة عشرة: كان يجوز له صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد جنبا
واحتج الشافعيّ رحمه اللَّه بحديث لمس عائشة أخمص قدميه صلى اللَّه عليه وسلّم على أن طهر الملوس لا ينقض، وهذا منه يؤذن بانتفاء الخصوصية، وإلا لما حسن الاحتجاج به. الخامسة عشرة: كان يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم أن يدخل المسجد جنبا قال أبو العباس بن العاص: لم يكن يحرم عليه صلى اللَّه عليه وسلّم المكث في المسجد وهو جنب، واحتجوا له بما رواه الترمذي من حديث سالم بن أبى حفصة، عن عطية، عن أبى سعيد، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعلى: يا على، لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال على بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمع منى محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه [ (1) ] . قال مؤلفه: في حسن هذا الحديث نظر، ففي إسناده سالم بن أبى حفصة أبو يونس العجليّ الكوفي، قال النسائي: ليس بثقة، وقال الفلاس: وكان يحى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه، ومرة قال: مفرط في التشيع ضعيف الحديث. وقال ابن عدي: وإنما عيب عليه الغلو في التشيع، وقد وثقه ابن معين، وفيه أيضا عطية بن سعيد، أبو الحسن العوفيّ، كوفى، يعد من
شيعتها، ضعفه يحى وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وهشام. وقال البيهقي: غير محتج به. ومع ذلك ففي الحديث إشكال، لأن الاستطراق يجوز لكل جنب، قال تعالى: وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ [النساء: 43] اللَّهمّ إلا أن يدعى أنه لا يجوز الاستطراق في المسجد النبوي لأحد من الناس، سواهما، ولهذا قال: لا يحل لأحد يجنب في هذا لمسجد غيري وغيرك، فاللَّه تعالى أعلم [ (1) ] . وقد خرج هذا الحديث البزار، من حديث سعد بن أبى وقاص، وقد خرجه الطبراني، في أكبر معاجمه، من حديث أم سلمة، وخرجه أيضا ابن ماجة ولفظه: دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض [ (2) ] . وأخرجه البيهقي ولفظه: [ألا] [ (3) ] إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء [وكل] [ (2) ] جنب من الرجال، إلا على محمد وأهل بيته: على، وفاطمة، والحسن، والحسين. رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم [ (4) ] . قال البخاري: محدوج [ (5) ] عن جسرة [ (6) ] ، فيه نظر.
قال مؤلفه: مدار هذا الحديث على محدوج الذهلي عن جسرة بنت دجاجة، عن أم سلمة. ثم رواه البيهقي من وجه آخر، عن إسماعيل بن أمية، عن جسرة، عن أم سلمة مرفوعا، ولفظه: ألا لا يحل هذا المسجد لجنب، ولا لحائض إلا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، وعلى، وفاطمة، والحسن، والحسين، ألا قد بينت لكم الأسماء أن تضلوا [ (1) ] . ولا يصح شيء من ذلك، ولهذا قال القفال من أصحابنا، إن ذلك لم يكن خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم، وغلط إمام الحرمين أبو العباس بن القاصّ في ذلك، وقال هذا الّذي قاله صاحب (التلخيص) هوس، ولا يدرى من اين قاله؟ وإلى أي أصل أسنده؟ فالوجه: القطع بتخطئته. وقد قوى النووي مقالة ابن القاصّ، وعد القضاعي [ (2) ] هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من بين سائر الأنبياء، ومن عبر باللبث دون الدخول قال: أبيح له اللبث في المسجد في حال جنابته صلى اللَّه عليه وسلّم.
السادسة عشرة: أنه يجوز له صلى الله عليه وسلم أن يلعن شيئا غير سبب يقتضيه لأن لعنته رحمه، واستبعد ذلك من عداه.
السادسة عشرة: أنه يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم أن يلعن شيئا غير سبب يقتضيه لأن لعنته رحمه، واستبعد ذلك من عداه. ذكر ابن القاصّ أنه يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم أن يلعن شيئا من غير سبب يقتضيه، لأن لعنته رحمة، واستبعد ذلك من عداه، والتحقيق أن من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه إذا سب رجلا ليس بذلك حقيقا أن يجعل اللَّه سب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم له كفارة. ودليله: ما في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر، فأى المؤمنين آذيته، أو شتمته، أو لعنته، فاجعلها له صلاة، وزكاة، وقربة، تقربه بها إليك يوم القيامة [ (1) ] .
ولهذا لما ذكر مسلم رحمه اللَّه في صحيحه فضل معاوية بن أبى سفيان، أورد أولا هذا الحديث ثم أتبعه بحديث: لا أشبع اللَّه بطنه. فتحصل منهما مزية لمعاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] . وهذا من جملة أمانة مسلم رحمه اللَّه، وقد أوردت كلا الحديثين بطرقهما في موضعهما من هذا الكتاب [ (2) ] .
وقال الرافعي في قوله صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ إني اتخذت عندك عهدا.... الحديث، وهذا قريب من جعل الحدود كفارات لأهلها. قال العلماء: وذلك في حق المسلمين، كما نطق به الخبر، فإنه دعا على الكفار والمنافقين ولم يكن لهم رحمة. فإن قيل: إن كان المدعو عليه يستحق الدعاء فكيف يجعله رحمة له؟ وإن كان لا يستحقه فكيف يدعو على من لا يستحق الدعاء؟. أجيب بأنه يجوز أن يكون مستحقا للدعاء عليه شرعا غير أن رأفته صلى اللَّه عليه وسلّم وشفاعته تقتضي أن يدعو له لارتكابه ما نهى عنه، والعاصي أولى وأحق أن يدعو له. وقد يكون الدعاء عليه سببا لزيادة عصيانه، ويجوز أن لا يكون مستحقا للدعاء في الباطن، وهو يستحقه ظاهرا، والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إنما يحكم بالظاهر. ويجوز أن يكون المراد به ما صدر منه على صيغة الدعاء، واللعن، والسب، وليس المراد حقيقة ذلك، كما جرت به عادة العرب في كلامها، كقوله: تربت يمينك، وعقرا وحلقا. فخشي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل اللَّه أن يجعل ذلك رحمة وكفارة. فإن قيل: قد قال في الحديث: إنما أنا بشر، أغضب كما يغضب البشر، وذلك يقتضي أن سبه ولعنه للغضب. أجيب بأن الماوردي قال: يحتمل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أراد أن دعاءه وسبه وجلده، كان مما خير فيه بين أمرين: أحدهما: هذا، والثاني: زجره بأمر آخر، فحمله الغضب للَّه على أحد الأمرين المخير فيهما، وهو السب، واللعن، والجلد، فليس ذلك خارجا عن حكم الشرع، وعدّ القضاعي هذه مما خص به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء قبله. ***
السابعة عشرة: [هل يجوز له صلى الله عليه وسلم القتل بعد الأمان؟]
السابعة عشرة: [هل يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم القتل بعد الأمان؟] قال ابن القاضي: يجوز له صلى اللَّه عليه وسلّم القتل بعد الأمان، قال الرافعي: وخطئوه فيه، وقالوا: من يحرم عليه خائنة الأعين كيف يجوز له من أمنه؟ وقصة ابن خطل لا حجة فيها، لقول ابن القاضي: فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم استثنى ممن أمنهم، فإنه لم يكن ممن شمله الأمان، فاعلمه. ولم يذر النووي في الروضة هذه الخصوصيات لعدم الدليل عليها. الثامنة عشرة: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يقبل وهو صائم قيل: كان ذلك خاصا به، وهل يكره لغيره؟ أو يحرم؟ أو يباح؟ أو يبطل صوم من فعله؟ كما قاله ابن قتيبة، أو نسخت له، أو يفرق بين الشيخ والشاب، على أقوال للعلماء [ (1) ] ، وقد بسطت القول عليه في موضعه.
التاسعة عشرة: الصلاة على الغائب
التاسعة عشرة: الصلاة على الغائب قال ابن عبد البر: وأكثر أهل العلم يقولون: إن هذا خصوص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وقد أجاز بعضهم الصلاة على الغائب إذا بلغه الخبر بقرب موته [ (1) ] ، ودلائل الخصوص في هذه المسألة واضحة، لا يجوز أن يشرك النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيها غيره، لأنه- واللَّه تعالى أعلم- أحضر روح النجاشي بين [يديه] حيث شاهدها، وصلى عليها أو رفعت له جنازته، كما كشف له عن بيت المقدس، حين سألته قريش عن صفته. وقد روى أن جبريل عليه السلام: أتاه بروح جعفر أو جنازته، وقال: قم فصل عليه، ومثل هذا كله يدل على أنه مخصوص به، ولا يشاركه فيه غيره.
العشرون: اختصاصه صلى الله عليه وسلم بالتأمين
وعلى هذا أكثر العلماء في الصلاة على الغائب، وأبو عمر بن عبد البر منازع في ادعائه الخصوصية في هذه المسألة، كما [بينت] صحته في موضعه. العشرون: اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم بالتأمين خرج ابن خزيمة في صحيحه، من حديث محمد بن معمر القيس، قال: حدثنا محمد بن معمر، حدثنا حرمي ابن عمارة عن مولى لآل المهلب، سمعت أنسا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: كنا عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم جلوسا، فقال: إن اللَّه أعطانى خصالا ثلاثة، فقال رجل من جلسائه: ومن هذه الخصال يا رسول اللَّه؟ قال: أعطانى الصلاة في الصلاة في الصفوف، وأعطانى التحية، وإنها لتحية أهل الجنة، وأعطانى التأمين، ولم يعطه أحدا من النبيين إلا أن يكون اللَّه تعالى أعطى هارون موسى بدعوة هارون [ (1) ] . قال المؤلف- رحمه اللَّه-: زربى بن عبد اللَّه الأزدي مولاهم، أبو يحى مولى آل المهلب، ويقال: مولى هشام بن حسان [وهو إمام مسجده] ، روى عن أنس، ومحمد بن سيرين، وعنه عبيد بن واقد، وحرمي بن عمارة، [وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأبو عبد الوارث، وموسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم وغيرهم] . قال البخاري: فيه نظر، وقال الترمذي: له أحاديث مناكير عن أنس وغيره، وقال ابن عدي: أحاديثه وبعض متونها منكرة، وقال ابن حبان: منكر الحديث على قلته، ويروى عن أنس ما لا أصل له، فلا يحتج به، وذكره
العقيلي في (الضعفاء) وأورد له هذا الحديث، [وأخرج له ابن خريمة في صحيحه حديثا، لكن قال: إن ثبت الخبر] [ (1) ] . ***
القسم الثاني: التحقيقات المتعلقة بالنكاح
القسم الثاني: التحقيقات المتعلقة بالنكاح وفيه مسائل: الأولى: أبيح لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يجمع أكثر من أربع نسوة وهو ثابت بالإجماع ولأنه لما كان يفضله على العبد يستبيح من النسوة أكثر ما يستبيحه العبد وجب أن يكون النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يستبيح من النساء أكثر ما تستبيحه الأمة وقد قيل له في قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أن المراد بالناس النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأنهم حسدوه على نكاح تسع نسوة وقالوا: هلا شغلته النبوة عن النساء فأكذبهم اللَّه تعالى وقال: كان لسليمان الملك العظيم ولم يشغله عن النبوة وكان له ألف حرة ومملوكة وكان له تسع وتسعون زوجه وحكاه الإمام أبو نصر عبد الرحيم القشيري في كتاب (التيسير في التفسير) واعترض هذا بأنه لو كان الحكمة في ذلك ما ذكر من التفضيل للزم أن يفضل سليمان على نبينا وليس الأمر كذلك وقد اتفقوا على إباحة تسع نسوة له صلى اللَّه عليه وسلّم. واختلف أصحابنا في جواز الزيادة على ذلك، فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز له الزيادة، لأن الأصل استواؤه صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته في الأحكام لكن ثبت له جواز الزيادة إلى تسع، فقصر عليه، وأصحهما، وبه قطع الماوردي، والجواز لأنه مأمون الجور، ولظاهر قوله تعالى إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ [ (1) ] . وقد قيل: إنه كان عنده عند التخيير عشر نسوة، العاشرة بنت الضحاك التي اختارت نفسها، وذكر الواقدي كما تقدم: أن ريحانة زوجة مدخول بها، محجوبة. فعلى هذا قد اجتمع عنده صلى اللَّه عليه وسلّم عشر زوجات، وادعى من قال بانحصار الحل في التسع، أن قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ [ (2) ] ناسخ لحل الزيادة، فحرم عليه أن يتزوج عليهنّ، لكونهن اخترنه، وحرم عليهنّ أن يتزوجن بغيره.
ودليل الجواز: ما في البخاري [ (1) ] ، عن معاذ بن هشام عن أبيه، عن قتادة، عن أنس، كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يطوف على نسائه في الساعة الواحدة من الليل أو النهار، وهن إحدى عشرة. قلت لأنس: هل كان يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه كان أعطى قوة ثلاثين، وفي رواية: أربعين. ثم رواه البخاري [ (2) ] من حديث سعيد، عن قتادة: وعنده تسع، وروى الحافظ ضياء الدين في (الأحاديث المختارة) من حديث أنس: تزوج صلى اللَّه عليه وسلّم خمس
عشر امرأة، ودخل منهن بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع. وقاله قتادة أيضا، وذكره ابن الصباغ في (الشامل) وقال: قال أبو عبيدة: تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ثماني عشرة امرأة، واتخذ من الإماء ثلاثا. وزعم القضاعي في كتاب (عيون المعارف) أن إباحة ما فوق الأربع مما خص به نبيا صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء قبله، وكأنه خفي عليه ما نقل عن سليمان وداود عليهما السلام في ذلك من الزيادة. وقد اختلف أصحابنا أيضا في انحصار طلاقه صلى اللَّه عليه وسلّم في الثلاث على وجهين كالوجهين في عدد زوجاته، لكن صحح البغوي الحصر فيهما كغيره، وصححه في (أصل الروضة) [ (1) ] ، وذكره الرافعي الطريقة الأولى، ثم قال: ورأى أصحاب التتمة الانحصار، ولم يزد على ذلك في شرحه. الثاني: القطع بانحصاره فيه، بخلاف عدد الزوجات، لأن المأخوذ عليه من أسباب التحريم أغلظ، أعله الماوردي، وهو جازم بعدم انحصار النسوة، ويحال لوجهين في انحصار طلاقه عليه السلام، ومنه خرجت هذه الطريقة.
قال: وعلى الحصر إذا طلق واحدة ثلاثا، هل تحل له من غير أن تتكح زوجا غيره؟ فيه وجهان: أحدهما: نعم، لما خص من تحريم نسائه على غيره. والثاني: لا تحل له أبدا، لما عليه من التغليظ في أسباب التحريم. والفرق بين عدد الزوجات، وعدد الطلاق: ان الخلاف في الزوجات هل يزيد على التسع أو لا؟ ولم تشاركه الأمة في شيء من ذلك. والخلاف في الطلاق واضح، ويمكن أن يقال في مدرك عدم الانحصار في الثلاث: أن الطلاق في أول الإسلام كان غير منحصر في ثلاث، كما أخرجه مالك والشافعيّ عنه، عن هشام، عن أبيه مرسلا، ووصله البيهقي والحاكم، من طريق يعلى بن شبيب، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قال: كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وأن طلقها مائة أو أكثر [و] إذا أراد أرجعها قبل أن تتقضى عدتها، حتى قال رجل لامرأته: واللَّه لا أطلقك فتبينى منى، وأردك إلى، قالت: وكيف ذاك؟ قال: أطلقك، وكلما همت عدتك أن تتقضى، ارتجعتك، ثم أطلقك، وأفعل هكذا، فشكت المرأة إلى عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فذكرت ذلك عائشة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم، فسكت فلم يقل شيئا، حتى نزل القرآن: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ [ (1) ] . قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (2) ] .
الثانية: في انعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة
فإن كانت العبرة بخصوص السبب، وهو قصد المضارة، فالأنبياء عليهم السلام [منزهون عن] ذلك، فيتجه عدم الانحصار. وإن نظرنا إلى عموم اللفظ، فيتجه الانحصار، واللَّه تبارك وتعالى أعلا وأعلم. الثانية: في انعقاد نكاحه صلى اللَّه عليه وسلّم بلفظ الهبة فيه وجهان: أحدهما: لا ينعقد كغيره، وأصحهما يصح، وهو ما قطع به الإمام الغزالي، لقوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [ (1) ] وعلى هذا لا يجب المهر بالعقد ولا بالدخول كما هو مقتضى الهبة. وهل يشترط لفظ النكاح من جهته صلى اللَّه عليه وسلّم؟ أو يكفى لفظ الإيهاب؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يشترط كما في حق المرأة، وأصحهما في (أصل الروضة) [ (2) ] ، والرافعي يشترط، قال الرافعي: أنه الأرجح عند الشيخ أبى حامد، لظاهر قوله تعالى: أَنْ يَسْتَنْكِحَها فاعتبر في جانبه صلى اللَّه عليه وسلّم النكاح. وفي (الحاوي) للماوردى: أباحه اللَّه تعالى أن يملك نكاح الحرة بلفظ الهبة من غير بذل يذكر مع العقد، ولا يجب من بعد، فيكون مخصوصا به من بين أمته من وجهين: أحدهما: أن يملك الحرة بلفظ الهبة، ولا يجوز ذلك لغيره من أمته. والثاني: ان يسقط عنه المهر ابتداء مع العقد، وانتهاء فيما بعد، وغيره من أمته يلزمه المهر فيما بعد.... إلى آخر كلامه، ورجح الرافعي والنووي اشتراط لفظ النكاح من جهة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، واستدلا بقوله تعالى:
وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها [ (1) ] وفيه نظر. لأن اللَّه تعالى لما اشترط إرادة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نكاحها، فلو قال: أردت، كان كافيا، ولفظ الرافعي: هل يشترط لفظ النكاح من جهته وجهان: أحدهما: لا يشترط كما لا يشترط من جهة الواهبة. والثاني: نعم، لظاهر قوله: أَنْ يَسْتَنْكِحَها، وهذا أرجح، عند الشيخ أبى حامد. ووقع في (الجواهر) للقمولى: أن فيها وجهين، أرجحهما عند الشيخ ابى حامد أنه يكفى لفظ الإيهاب، وهذا مغاير لنقل الرافعي، والجمع بينهما: أن الشيخ أبى حامد نقل أن الصحيح ما عزاه إليه الرافعي، ثم بحث، فرجح ما عزاه إليه القمولي، ومن تأمل كلامه ظهر له ذلك. قال الأصحاب: وينعقد نكاحه صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى الهبة، حتى لا يجب مهرا ابتداء أو انتهاء. وفي وجه غريب أنه يجب المهر، والّذي خص به انعقاد نكاحه بلفظ الهبة دون معناها. وقال الماوردي مرة بسقوط المهر، ومرة قال: اختلف أصحابنا في من لم يسم لها مهرا في العقد، هل يلزمه مهر المثل؟ على وجهين: وجه المنع، أن المقصود منه التوصل إلى ثواب اللَّه تعالى. قال: واختلف العلماء هل كانت عنده صلى اللَّه عليه وسلّم امرأة موهوبة أم لا؟ من أجل اختلاف القراء في فتح إن وكسرها من قوله تعالى: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ فعلى الثاني: تكون شرطا مستقبلا، وعلى الأول: تكون خبرا عن ماض. قال أبو حيان في (التفسير) [ (2) ] : قرأ الجمهور وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً بالنصب إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها بكسر الهمزة، أي أحللناها لك إِنْ وَهَبَتْ، إِنْ أَرادَ فهما شرطان.
والثاني: في معنى الحال، كأنه شرط في الإحلال هبتها نفسها، وفي الهبة إرادة استنكاح النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، كأنه قال: أحللناها لك إن وهبت نفسها، وأنت تريد أن تستنكحها، لأن إرادته صلى اللَّه عليه وسلّم هي قبول الهبة، وبه تتم، وإذا اجتمع شرطان، فالثاني شرط في الأول، متأخر في اللفظ، متقدم في الوقوع، ما لم تدل قرينة على الترتيب. وقرأ أبو حيوة: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف، أي أحللناها لك. وقرأ أبى والحسن وغيرهما: أن بفتح الهمزة، وتقديره: لأن وهبت، وذلك حكم امرأة بعينها، فهو فعل ماض، وقراءة الكسر استقبال في كل امرأة كانت تهب نفسها، دون واحدة بعينها. وقرأ زيد بن على: إذ وهبت بالذال. وإذ ظرف، فهو في امرأة بعينها أيضا. وقرأ الجمهور: خالصة بالنصب. وهو مصدر مؤكد، يعنى خلوصا، ويجيء المصدر فاعل وفاعلة. وقرئ خالِصَةً لَكَ بالرفع، وقال: الظاهر أن قوله: خالِصَةً لَكَ من صفة الواهبة، فقراءة النصب على الحال، والرفع خبر مبتدإ محذوف، أي هي خالصة لك، أي هبة النساء أنفسهن مختص بك وأجمعوا على أن ذلك غير جائز لغيره. وفي (الحاوي) : للماوردى: واختلف في الواهبة، فقيل: أنها أم شريك بنت جابر بن ضباب قاله عروة: وقيل: خولة بنت حكيم. قالت عائشة، وقيل: غزية، قاله ابن عباس، وقيل: زينب بنت خزيمة أم المساكين. قاله الشعبي. وزاد أبو حيان مع ابن عباس قتادة، وقال: في الأولى هو قول على بن الحسين، والضحاك، ومقاتل، وزاد مع الشعبي عروة، وزاد مع عائشة عروة أيضا. فتلخص في الواهبات من الزوجات ثنتان: هما ميمونة وزينب ومن غير الزوجات: أم شريك. واختلف في اسم أم شريك، فقيل: عامرية اسمها
غزية أو غزيلة، وقيل: غفارية، وقول الماوردي في نسبتها يدل على أنها عامرية، فقال: قيل: إنها أم شريك بنت عوف بن عمرو بن جابر بن صباب. وقيل: هي بنت وردان بن عوف بن عمرو بن عامر، وقد قيل أيضا: هي ليلى بنت الخطيم، وقيل: فاطمة بنت شريح [ (1) ] .
وفي الصحيحين [ (1) ] من حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، كانت خولة [بنت حكيم] [ (2) ] من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقالت
الثالثة: إذا رغب صلى الله عليه وسلم في نكاح امرأة
عائشة: أما تستحي المرأة تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ قالت: يا رسول اللَّه! ما أرى ربك إلا يسارع في هواك! وهذا يدل على أن معنى قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ أي تؤخر من تشاء من الواهبات، فلا تقبل هبتها، وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ أي بقبول هبتها. وقد قيل خلاف ذلك. وعند القاضي أبى عبد اللَّه محمد بن سلامة القضاعي، أنه صلى اللَّه عليه وسلّم إنما خص بإباحة الموهوبة له خاصة، وهو أن يتزوجها بلفظ الهبة، وإباحة النكاح بغير مهر، ولا يستقر عليه إلا بالدخول، وإن هذا مما خص به دون الأنبياء من قبله، ودون أمته، تشريفا له، وتعظيما لشأنه صلى اللَّه عليه وسلّم. الثالثة: إذا رغب صلى اللَّه عليه وسلّم في نكاح امرأة فإن كانت خليه فعليها الإجابة على الصحيح ويحرم على غيره، وخطبتها وإن كانت ذات زوج وجب على زوجها طلاقها لينكحها على الصحيح لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [ (1) ] كذلك استدل بها. الماوردي، واستدل الغزالي في (الوسيط) ، لوجوب التطليق بقصة زيد، وهي مشهورة. خرج البخاري [ (2) ] في كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، من حديث حماد بن زيد، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك
وتعالى عنه قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك. قال أنس: لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما شيئا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، تقول: زوجكم أهاليكن وزوجي اللَّه تعالى من فوق سبع سماوات، وعن ثابت وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة.
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث داود بن أبى هند، عن الشعبي، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ [الأحزاب: 37] يعنى: بالإسلام وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ: بالعتق فأعتقته أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، وَتَخْشَى النَّاسَ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لما تزوجها، قالوا: تزوج حليلة ابنه، فأنزل اللَّه تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تبناه وهو صغير، فلبث حتى صار رجلا، يقال له: زيد ابن محمد، فأنزل اللَّه تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ فلان مولى فلان، وفلان أخو فلان هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ يعنى: أعدل عند اللَّه. وعن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: لو كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كاتما شيئا لكتم هذه الآية: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ. وهذا الحديث لم يرد بطوله [ (2) ] .
خرج عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة، في قوله: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، قال: أنعم اللَّه عليه بالإسلام، وأنعم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بالعتق، أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، قال قتادة: جاء زيد بن حارثة للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن زينب اشتد عليّ لسانها، وأنا أريد أن أطلقها، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك، قال: والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم يحب أن يطلقها، ويخشى قالة الناس: أن أمره بطلاقها. فأنزل اللَّه تعالى: اتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً. قال قتادة: طلقها زيد زَوَّجْناكَها. قال معمر: وأخبرنى من سمع الحسن يقول: ما نزلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم آية أشد منها، قوله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، لو كان كاتما شيئا من الوحي كتمها. قال: وكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فتقول: أما أنتن فزوجكن آباؤكن، وأما أنا فزوجني رب العرش [ (1) ] . وذكر الحاكم في (مستدركه) ، عن محمد بن عمر الواقدي قال: حدثني عمر بن عثمان الحجى، عن أبيه قال: قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وكانت زينب بنت جحش ممن هاجر مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم- وكانت امرأة جميلة، فخطبها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم على زيد بن حارثة، فقالت: يا رسول اللَّه لا أرضاه لنفسي، وأنا أيم قريش، قال: فإنّي قد رضيته لك، فتزوجها زيد بن حارثة. قال الواقدي: فحدثني عبد اللَّه بن عامر الأسلمي، عن محمد بن يحى قال: جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بيت زيد بن حارثة يطلبه، وكان زيد إنما يقال له: زيد بن محمد، فربما فقده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الساعة فيقول: أين زيد. فجاء منزله يطلبه فلم يجده فتقوم إليه زينب فقول له: هنا يا رسول اللَّه. فولى يهمهم بشيء لا يكاد يفهم عنه، إلا سبحان اللَّه العظيم، سبحان مصرف القلوب.
فجاء زيد إلى منزله: فأخبرته امرأته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتى منزله، فقال زيد: ألا قلت له يدخل؟ قالت: قد عرضت قولك عليه وأبى. قال: فسمعتيه يقول شيئا؟ قالت سمعته حين ولى يكلم بكلام لا أفهمه، وسمعته يقول: سبحان اللَّه العظيم، سبحان مصرف القلوب. قال: فخرج زيد حتى أتى رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه، بلغني أنك جئت منزلي، فهلا دخلت؟ بأبي أنت وأمى يا رسول اللَّه، لعل زينب أعجبتك! أفأفارقها؟ فيقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أمسك عليك زوجك، فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك، ويأتى رسول اللَّه فيخبره، فيقول: أمسك عليك زوجك، فيقول: يا رسول اللَّه! أفأفارقها؟ فيقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: احبس عليك زوجك. ففارقها زيد، واعتزلها، وحلت. قالت: فبينما رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جالس يتحدث مع عائشة، إذ أخذت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم غمية، ثم سرى عنه، وهو يتبسم وهو يقول: من يذهب إلى زينب يبشرها أن اللَّه عز وجل زوجنيها من السماء، وتلا: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ القصة كلها. قالت عائشة: فأخذت ما قرب وما بعد، لما كان بلغني من جمالها، وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها، ما صنع اللَّه لها، وزوجها اللَّه عز وجل من السماء، وقالت عائشة: هي تفخر علينا بهذا. قالت عائشة: فخرجت سلمى خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تشتد، فحدثتها بذلك، فأعطتها أوضاحا لها. وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في (تفسيره) ، عن ابن وهب قال: قال ابن زيد: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد زوج زينب ابنة جحش ابنة عمته، زيد بن حارثة، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يوما يريده، وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر، فانكشف وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلبه، فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر. قال: فجاء فقال: يا رسول اللَّه! إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: مالك؟ أرابك منها شيء؟ قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه. ما رابني منها شيء، ولا رأيت إلا خيرا.
فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أمسك عليك زوجك واتّق اللَّه، فذلك قول اللَّه تعالى ذكره: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، تخفى في نفسك إن فارقها تزوجتها. وله من طريق سفيان بن عيينة، عن على بن زيد بن جدعان، عن على بن الحسين، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كان اللَّه تعالى أعلم نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم أن زينب ستكون من أزواجه، فلما جاء زيد يشكوها، قال صلى اللَّه عليه وسلّم: اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك قال اللَّه تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ. وليس في قصة زيد هذه ما يدل على وجوب الطلاق على المتزوج، ومن تأمل ذلك تبين له ما ذكرت، واللَّه تعالى أعلم. ولم يذكر هذه الخصوصية ابن القاصّ، ولا الشيخ أبو حامد، ولا البيهقي، ويمكن أن يستدل لوجوب إجابة المرأة، أنها لو خالفت أمره صلى اللَّه عليه وسلّم كانت عاصية، وقطع في (التنبيه) بتحريم خطبة من رغب صلى اللَّه عليه وسلّم في نكاحها. ويرد عليه ما أخرجه الحاكم [ (1) ] وغيره، من حديث إسرائيل عن السدي، عن أبى صالح، عن أم هانئ. قالت: خطبنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فاعتذرت إليه، فعذرني، وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ إلى قوله: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ. قالت: فلم أكن أحل له، لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وقال الغزالي: ولعل الشرفية- يعنى في تحرير من رغب فيها على زوجها من جانب الزوج- امتحان إيمانه بتكليفه النزول عن أهله، فإن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله، وماله، ووالده، والناس أجمعين. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون اللَّه ورسوله أحب إليه
مما سواهما. خرجه مسلم [ (1) ] يحققه قول اللَّه تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ (2) ] .
قال: ومن جانبه صلى اللَّه عليه وسلّم ابتلاؤه بالبيئة البشرية، ومنعه من خائنة العين، ومن الإضمار الّذي يخالف الإظهار، ولا شيء أدعى إلى غض البصر، وحفظه من لمحاته الاتفاقية من هذا التكلف. وقد تعقب هذا الكلام بأن ابتلاءه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس هو من إيجاب الطلاق على الزوج، إنما هو من وقوع هذه النظرة الاتفاقية. قوله: ومنعه من خائنة الأعين، فقد شرح خائنة العين، وليس في اللمحة الواقعة شيء من خائنة الأعين، قوله: من لمحاته الاتفاقية، كلام لا دليل عليه من الآية، في هذه القصة، ولا من الأحاديث. قال الغزالي: وهذا مما يورده الفقهاء في صنف التخفيف، وعندي أن ذلك في غاية التشديد، إذ لو كلف بذلك آحاد الناس، لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرقات، خوفا من ذلك، وذلك قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: لو كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يخفى آية، لأخفى هذه الآية. واعترض عليه ابو عمرو بن الصلاح فقال: لم يوفق في مخالفته للأصحاب في ذلك. قال: واصل ما ذكره أنه لم يكتف في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم بالنهى والتحريم، زاجرا عن مسارقة النظر، وحاملا له على غض البصر عن نساء غيره، حتى شدد عليه بتكليف لو كلف به غيره لما فتحوا أعينهم في الطرقات، وهذا غير لائق بمنزلته الرفيعة. وزعم أن هذا الحكم في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم في غاية التشديد، واللَّه تعالى يقول في ذلك: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ [ (1) ] . وأما قول عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، فذاك لأمر أجود، هو إظهار ما دار بينه وبين مولاه، وعتابه عليه. وأجيب عنه بأن الغزالي رحمه اللَّه تعالى، لم يقل أن النهى في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس كافيا في الانتهاء، وإنما جعل ذلك كفا، وحافظا عن وقوع النظر الاتفاقي، الّذي لا يتعلق به نهى، فإذا علم أنه إذا وقع ذلك، وقعت منه المرأة موقعا، وجب على زوجها مفارقتها، احتاج إلى زيادة التحفظ في ذلك.
والّذي كلف أخفى ما في النفس، مع إبداء اللَّه تعالى ما به، فإن كثيرا من المباحات الشرعية يستحى الإنسان من فعلها، ويمتنع منها. قوله تعالى: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ، فيه رفع الإثم، لا نفى الحياء من الشيء. ويمكن أن يقال: لا تنافى بين ما ذكره الغزالي، وبين ما ذكره الفقهاء، لأن الفقهاء ذكروه في التخفيف، لكون المرأة تحل له بتزويج اللَّه تعالى، بخلاف غيره، فإنه يحتاج إلى خطبة، ومهر، وغير ذلك. وأما الّذي ذكره هو، فهو غض البصر، وحفظه عن لمحاته الاتفاقية، وقد تقدم أنه لا دليل له عليه، وإن ادعى أنه يستفاد من قوله تعالى: وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ منع. والحق في المسألة: ما روى عن على بن الحسين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن اللَّه تعالى كان أوحى إلى نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم أن زيدا سيطلق زينب، ويتزوجها، فلما استشاره زيد في طلاقها قال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ فهذا هو الّذي أخفاه [ (1) ] . وقال غيره: وخشي قول الناس أن يتزوج زوجة ولده، ومن تأمل أحاديث القصة تبين له هذا الّذي قلته. فإن قيل: ما الجواب عما خرجه البخاري من حديث ابن عيينة، سمع ابن المنكدر، سمعت عروة بن الزبير عن عائشة، وخرجه مسلم، وأبو داود من حديث سفيان عن ابن المنكدر، عن عروة، عن عائشة، وخرجه مسلم من حديث سفيان، وهو ابن عيينة عن ابن المنكدر، سمع عروة بن الزبير يقول: حدثتني عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن رجلا استأذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: ائذنوا له، فلبئس ابن العشيرة- أو بئس رجل العشيرة- فلما دخل عليه، ألان له القول!! قالت عائشة: فقلت يا
رسول اللَّه! قلت له الّذي قلت، ثم ألنت له القول؟ قال: يا عائشة، إن شر الناس منزلة عند اللَّه يوم القيامة، من ودعه أو تركه الناس اتقاء فحشه. اللفظ لمسلم [ (1) ] . ذكره في كتاب البر والصلة.
وخرجه من طريق عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن ابن المنكدر في هذا الإسناد مثل معناه، غير أنه قال: بئس أخو القوم وابن العشيرة. هذا، وقد اتفقوا على الشك في قوله: «من ودعه أو تركه الناس» وقال فيه البخاري: بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة، وقال: ألان له الكلام وقال: إن شر الناس من تركه أو ودعه، لم يذكر منزلة عند اللَّه يوم القيامة، وترجم عليه: باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب. وذكره أبو داود في الأدب، في باب حسن العشرة. وخرجه البخاري أيضا في باب المداراة مع الناس، من حديث سفيان عن ابن المنكدر، وحدثه عروة بن الزبير، أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أخبرته أنه استاذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رجل فقال: ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة- أو بئس أخو العشيرة- فلما دخل ألان له في الكلام، فقلت: يا رسول اللَّه! قد قلت ما قلت، ثم ألنت له في الكلام؟ فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند اللَّه من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه. وخرجه في باب لم يكن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فاحشا، من طريق روح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، وعن عروة عن عائشة أن رجلا استأذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول اللَّه! حين رأيت الرجل قلت له: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال يا عائشة، متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند اللَّه منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه. وخرجه أبو داود في باب حسن العشرة، من حديث حماد، عن محمد ابن عمرو عن أبى سلمة، عن عائشة، أن رجلا استأذن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: بئس أخو العشيرة، فلما دخل انبسط عليه، فقال: يا عائشة، إن اللَّه لا يحب الفاحش المتفحش. قيل: الّذي منع منه صلى اللَّه عليه وسلّم هو أن يظهر بلفظه لمن يخاطبه شيئا، وهو يريد خلافه، وأما لين الكلام لهذا الرجل فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم فعله حقيقة من أجل شره،
ونبه بما قاله في غيبته على صفته ليحذر منها أمته، أو ليعامل من هو بحاله مثل ما عامله به صلى اللَّه عليه وسلّم، وهذا من قبيل الدفع بالتي هي أحسن. وبهذا أيضا يجاب عن قوله صلى اللَّه عليه وسلّم لأبى بصير: مسعر حرب لو وجد أعوانا [ (1) ] ويجاب أيضا عما خرجه أبو داود في باب من ليست له غيبة، من حديث الجريريّ، عن أبى عبد اللَّه الجشمي، قال: حدثنا جندب قال: جاء أعرابى فأناخ راحلته، ثم عقلها، ثم دخل المسجد، فصلى خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فلما سلم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أتى راحلته فأطلقها، ثم ركب، ثم نادى: اللَّهمّ ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أتقولون هو أضل أم بعيره؟ ألم تسمعوا إلى ما قال؟ قالوا: بلى [ (2) ] . ويؤيده ما خرجه قاسم بن أصبغ، من طريق بقية، قال: حدثنا الربيع ابن بدر، عن أبان، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له [ (3) ] ، قول البخاري في باب المداراة مع الناس، ويذكر عن أبى الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتعلنهم [ (4) ] . ***
الرابعة: في انعقاد نكاحه صلى الله عليه وسلم بلا ولى ولا شهود
الرابعة: في انعقاد نكاحه صلى اللَّه عليه وسلّم بلا ولى ولا شهود وفيه وجهان: أحدهما: لا ينعقد بعموم قوله صلى اللَّه عليه وسلّم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأصحهما يباح له ذلك، ودليله ما خرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت عن أنس قال: كنت رديف أبى طلحة يوم خيبر، وقدمي تمس قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: فأتيناهم حين بزغت الشمس، وقد اخرجوا مواشيهم، وخرجوا بفئوسهم ومكاتلهم، فقالوا محمدا والخميس، وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال وهزمهم اللَّه عز وجل ووقعت في سهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بسبعة أرؤس، ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وتهيئها، قال واحسبها كذا قال، وتعتد في بيتها، وهي صفية بنت حيي، قال فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وليمتها التمر والأقط والسمن قال: فحصبت الأرض أفاحيص، وجيء بالأنطاع فوضعت بها، وجاء بالأقط والثمن، فشبع الناس، قال: وقال الناس: لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد، قالوا: إن حجبها فهي امرأته، وأن لم يحجبها فهي أم ولد. فلما أراد أن يركب حجبها فقعدت على عجز البعير فعرفوا أنها قد تزوجها ... الحديث. وأخرج البخاري والنسائي نحو هذه القصة من حديث إسماعيل بن جعفر، عن حميد عن أنس، قال: أقام النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بين خيبر والمدينة ثلاثا، يبنى على بصفية بنت حيي، فدعوت المسلمين الى وليمة، فما كان فيها من خبز ولا لحم، أمر بالأنطاع فألقى فيها من التمر والأقط والثمن، وكانت وليمته، فقال المسلمون: أحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه؟. فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأها خلفه الحجاب بينها وبين الناس. ذكره البخاري في باب بناء العروس في السفر، وفي باب اتخاذ السراري، ومن أعتق جارية ثم تزوجها، وذكره النسائي في باب البناء في السفر.
ووجه الدلالة من هذا الحديث أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لو عقد على صفية بولي وشهود لعلم ذلك الصحابة، لا سيما عند من يشترط الإعلان في النكاح، فلما لم يكن عنده من العلم بحالها أن ضرب الحجاب عليها، دلّ ذلك دلالة واضحة على أنه صلى اللَّه عليه وسلّم بنى عليها من غير أن يعقد له عليها ولى، ولا حضر شهود بينهما بذلك، فإن اعتبار الولي في عقد النكاح إنما هو للمحافظة على الكفاء ولا مرية في أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فوق الأكفاء كلهم، وهكذا اعتبار الشهود في النكاح إنما هو خشية الجحود، وقد نزه اللَّه تعالى رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم عن نسبة ذلك إليه. فلو فرضنا جحود المرأة، لم يرجع إلى قولها، بل قال العراقي في (شرح المهذب) : تكون كافرة بتكذيبه صلى اللَّه عليه وسلّم. واستدل أيضا بقصة زينب في تزويجه صلى اللَّه عليه وسلّم بها، لكن هذا الخلاف في غير زينب، فإن زينب نصوا على أن اللَّه تعالى زوجها نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم من فوق سبعة أرقعة، وقد نبه عليه النووي في (شرح مسلم) ، في باب زواج زينب بنت جحش رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. وذكر القضاعي هذه الخصوصية في ما خصّ به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء قبله. وقال الشيخ أبو حامد [الغزالي] : الخلاف في المسألة مبنية على أن النكاح الآن محكوم عليه هنا إنما هو نفى ماهية النكاح عند انتفاء ذلك فتنتفي تلك الماهية أيضا في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم عمل بهذا الحديث، ولم يأت لفظ عام للأشخاص حتى نقول قد دخل فيهم فلا وجه له يكن في هذا الحديث ولقويت له حجة المنع، لكن قصة صفية دليل واضح فتأمله. ***
الخامسة: هل كان يباح له صلى الله عليه وسلم التزويج في الإحرام
الخامسة: هل كان يباح له صلى اللَّه عليه وسلّم التزويج في الإحرام أشبه وحجمه النووي في أصل الروضة. وثانيها لا يباح كغيرة ودليل الجواز حديث ابن عباس تزوج ميمونة وهو محرم، رواه عن ابن عباس عن عكرمة وسعيد بن جبير وجابر بن زيد أبو الشعثاء ومجاهد وعطاء بن رباح. خرج البخاري من طريق مالك بن إسماعيل بن عتبة أنبأنا عمر وجابر ابن زيد أن ابن عباس أخبره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج وهو محرم فحدثت به الزهري فقال أخبرنى يزيد بن الأصم أنه نكحها وهو حلال وله من حديث عمرو بن دينار وعن جابر بن زيد أبى الشعثاء عن ابن عباس قال: تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ميمونة وهو محرم. وخرج في كتاب الحج والنسائي من حديث الأوزاعي، حدثني عطاء بن رباح عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نكح ميمونة وهو محرم وترجم عليه البخاري باب ترويج المحرم. وخرج البخاري في عمرة القضاء من حديث عكرمة عن ابن عباس ان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم. وخرج ابن ماجة من طريق ابن إسحاق عن أبى نجيح وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس: تزوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ميمونة في عمرة القضاء. وللطبراني في (الأوسط) من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهما محرمان وقال: لم يروه عن جميل إلا حماد، وتفرد به الحسن وبلال ورواه ابن شاهين من طريق سعيد عن قتادة عن كرمة عن ابن عباس. وكذلك ورواه البيهقي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم. وخرج الدار قطنى والعقيلي والطحاوي في (المشكل) من طريق أبى صالح عن أبى هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وفي إسناده خالد بن عبد الرحمن قال العقيلي: ليس بذاك وقال الرافعي: ونكاح ميمونة في أكثر الروايات جرى وهو حلال وقال ابن عبد البر: لا أعلم من الصحابة روى أن
الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم إلا ابن عباس وتعقب عليه بحديث أبى هريرة المذكور وبحديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، وله في طرق، الأول أخرجه البزار والطحاوي وابن حبان من طريق أبى عوانه [بسنده] عن مسروق عن عائشة وهذا إسناد صحيح. الثاني أخرجه النسائي والبيهقي من طريق عمر بن على الفلاس عن أبى عاصم عن عثمان بن الأسود عن بن أبى مليكة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم. قال عمرو: قلت لأبى عاصم: أنت أمليت علينا هذا، ليس فيه عائشة، قال: دع عائشة حتى انظر. قال عمرو الفلاس: فقمت انظر، أحق ما تقول؟ قال أبو عاصم: فنظرت فيه، فوجدته مرسلا. وقال ابن أبى شيبة [ (1) ] : أخبرنا عيسى بن يونس، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: تزوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ميمونة وهو محرم. وروى ابن سعد [ (2) ] من طريق الشعبي ومجاهد مثله، والظاهر أن هؤلاء أخذوه عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. ويدل على ذلك ما رواه النسائي [ (3) ] من طريق يحيى عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم نكح ميمونة وهو محرم. وقد روت ميمونة، وأبو رافع، وجابر، وصفية بنت شيبة، وابن عباس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج ميمونة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها حلالا.
أخرج مسلم [ (1) ] من حديث يحيى بن آدم قال: حدثنا جرير بن حازم، حدثنا أبو فزارة، عن يزيد بن الأصم، حدثتني ميمونة بنت الحارث، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وخرجه أبو داود من حديث حماد، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمونة بنت مهران، عن يزيد بن الأصم، عن أخت ميمونة، عن ميمونة، قالت: تزوجني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ونحن حلال بسرف. ذكره في كتاب الحج، وخرجه الترمذي [ (2) ] وابن ماجة [ (3) ] . ***
السادسة: هل كان يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يقسم بين نسائه رضى الله تبارك وتعالى عنهن؟
السادسة: هل كان يجب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يقسم بين نسائه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهنّ؟ على وجهين: أحدهما: لا يجب عليه. وقال أبو سعيد الاصطخرى، والماوردي، وطائفه، وصححه الغزالي في (الخلاصة) ، وعليه القسم في الوجهين. والثاني: أنه يجب، وصححه الشيخ أبو حامد، والعراقيون، وتابعهم البغوي، وهو في ظاهر نصه في (الأم) . ومأخذ الخلاف في هذه المسائل وأخواتها، أن الزوجات في حقه صلى اللَّه عليه وسلّم كالسرارى في حق غيره، أو كالزوجات، وفيه وجهان: فإن جعلناهن كالسرارى لم يشترط الولي ولا الشهود، وانعقد نكاحه في الإحرام، وبلفظ الهبة، ولم ينحصر عدد منكوحاته ولا طلاقه، ولا يجب عليه القسم، وإن جعلناهن كالزوجات انعكس الحكم. واحتج من لم ير القسم واجبا، وإنما كان يتطوع به، لأن في وجوبه عليه صلى اللَّه عليه وسلّم شغلا عن لوازم الرسالة، ولقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (1) ] ... الآية، أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء وتقسم لها. ولما خرجه مسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يطوف على نسائه في غسل واحد.
وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث سفيان عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمثله، وقال: حديث أنس حديث
حسن صحيح، [أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يطوف على نسائه بغسل واحد وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري: أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ] [ (1) ] ، وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبى عروة، عن أبى الخطاب عن أنس، وأبو عروة وهو: معمر بن راشد، وأبو الخطاب: قتادة بن دعامة. [قال أبو عيسى: ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن أبى عروة، عن أبى الخطاب، وهو خطأ، والصحيح: عن أبى عروة] . وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث إسماعيل، قال: أنبأنا حميد الطويل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم طاف على نسائه في غسل واحد قال أبو داود: هكذا رواه هشام بن زيد، عن أنس ومعمر، عن قتادة. وخرج البخاري [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من حديث عبد الأعلى بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد عن قتادة، أن أنس بن مالك حدثهم أن
نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب الغسل، وفي كتاب النكاح. وذكره النسائي في أول كتاب النكاح، وفي كتاب العشرة. وللبخاريّ [ (1) ] من حديث هشام عن قتادة، قال: أنبأنا أنس بن مالك قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن
إحدى عشرة، قلت لأنس: وكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين. وقال سعيد: عن قتادة، أن أنس حدثهم: تسع نسوة. ذكره في باب إذا جامع ثم عاود. ومن دار على نسائه في غسل واحد. وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: إن اللَّه تعالى خصّ نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم بأشياء في النكاح، منها أنه أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حقّ يدخل فيها على جميع أزواجه، فيحصل ما يريد منهن، وفي كتاب مسلم أن تلك الساعة بعد العصر، فلو اشتغل كانت بعد المغرب أو غيره، فلذلك كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يدور على نسائه في الليل والنهار، وهذا كله بناء على وجوب القسم عليه. والّذي يظهر من أحاديث الوجوب، منها ما خرجه مسلم [ (1) ] من حديث سليمان بن المغيرة قال: «كان للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن لا ينهى إلى المرأة الأولى [إلا] في تسع فكن يجتمعن كل ليله في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكف النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يده، فتقاولتا حتى استحثتا، وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على ذلك، فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول اللَّه إلى الصلاة، واحث في أفواههنّ التراب، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقالت عائشة: الآن
يقضى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاته فيجيء أبو بكر فيفعل بى ويفعل، فلما قضى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم صلاته أتاها أبو بكر فقال لها قولا شديدا وقال: أتصنعين هذا؟. وفيها ما أخرجه البخاري [ (1) ] من طريق زهير عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة. وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث جرير عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: يا رسول اللَّه قد جعلت يومى منك لعائشة فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة. [ومنها ما خرجه البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ]] [ (5) ] من حديث ابن جريح، أخبرنى عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بسرف
فقال ابن عباس: هذه زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا وأرفقوا فإنه كان عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تسع نسوة فكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة. قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب، وقال البخاري: فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها. ومنها ما خرجه مسلم [ (1) ] ، أبو داود [ (2) ] من حديث سفيان، عن محمد ابن أبى بكر عن عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين
تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها: ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت وأن شئت ثلثت ثم درت، قالت: ثلث. وخرجه مسلم [ (1) ] أيضا من حديث عبد الملك بن أبى بكر عن أبى بكر ابن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين تزوج أم سلمة، أقام عندها ثلاثة، وقال: إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي. وله من حديث سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حميد، عن عبد الملك بن أبى بكر عن أبى بكر بن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حين تزوج أم سلمة فدخل عليها فأراد أن يخرج أخذت بثوبه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن شئت زدتك وحاسبتك به للبكر سبع وللثيب ثلاث. [ (2) ] ومنها ما أخرجه البخاري [ (3) ] من حديث هشام بن عروة، أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يسأل في مرضه الّذي مات فيه: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة: فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان حتى مات عندها. قالت: عائشة: فمات في اليوم
الّذي كان يدور عليّ فيه في بيتي، فقبضه اللَّه وإن رأسه لبين نحري وسحري [ (1) ] ، وخالط ريقي ريقه. وخرجه مسلم [ (2) ] ، ولفظه: عن عائشة قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليتفقد يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومى قبضه اللَّه بين سحري ونحري. وفيها ما أخرجه البخاري [ (3) ] من حديث الزهري، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم تبتغي بذلك رضا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث ابن أبى ملكية، عن القاسم، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أراد سفرا
أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها، فقالت حفصة: إلا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وانظر، فقالت: بلى، فركبت، فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر، وتقول: رب سلط عليّ عقربا أو حية تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئا. ومنها ما خرجه أبو داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] والنسائي [ (3) ] ، وقاسم بن أصبغ، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن عبد اللَّه بن زيد،
عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقسم فيعدل ويقول: اللَّهمّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. قال أبو داود: يعنى القلب. ومنها ما أخرجه مسلم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب، قال ابن جريج، عن عبد اللَّه بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول سمعت عائشة
تحدث فقالت: ألا أحدثكم عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وسلم وعنى قلنا بلى وحدثني من سمع حجاجا الأعور واللفظ له قال: حدثنا حجاج بن محمد حدثنا ابن جريج أخبرنى عبد اللَّه رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عنى وعن أمى قال: فظننا أنه يريد أمه التي ولدته. قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عنى وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ قلنا بلى قال: قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيها عندي انقلب فوضع ردائه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ ردائه رويدا، وابتعد رويدا، وفتح الباب، فخرج ثم أجأثه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته فليس لا أن اضطجعت فدخل فقال مالك: يا عائش حشيا رابية، قالت: قلت لا شيء: قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير؟ قالت: قلت يا
رسول اللَّه بأبي أنت وأمى فأخبرته قال: فأنت السواد الّذي رأيت أمامى قلت: نعم فلهدنى في صدري لهده أوجعتني ثم قال أظننت أن يحيف اللَّه عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه اللَّه، نعم قال: فإن جبريل عليه السلام أتانى حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشى فقال إن ربك يأمرك أن تأتى أهل البقيع فتستغفر لهم قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول اللَّه؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء اللَّه بكم للاحقون. وأخرجه النسائي [ (1) ] أيضا من طريق حجاج الأعور، عن ابن جريج، قال: أخبرنى عبد اللَّه بن أبى مليكة، أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة تحدث قلت: ألا أحدثكم عنى وعن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ قلنا: بلى الحديث بطوله. هذا الحديث لعائشة، أظننت أن يحيف اللَّه عليك ورسوله، واضح في الدلالة وضوحا أكثر من غيره. وأما الآية، فقد اختلف في تأويل قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ فقال قوم: عنى بقوله: تُرْجِي: تؤخر، وبقوله: تُؤْوِي: تضم. فعن ابن عباس: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ يقول: تؤخر. وعن مجاهد: تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ تردها إليك. وعن قتادة قال: فجعله من ذلك في حل أن يدع من يشاء منهن ويأتى من يشاء بغير قسم. وكان نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقسم. وعن ابن زيد قال: لما أشفقن أن يطلقهن قلن: يا نبي اللَّه: اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، فكان ممن أرجأ منهن سودة بنت زمعة، وجويرية،
وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان ممن أوى إليه عائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب. وعن الضحاك: فما شاء صنع في القسمة بين النساء، أحل اللَّه ذلك. وعن أبى رزين: وكان ممن أوى، عن عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، فكان قسمه من ماله ونفسه سواء. وكان ممن أرجأ: سودة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء، وكان إذا أراد أن يفارقهن فقلن: اقسم لنا من نفسك ما شئت، ودعنا على حالنا. وقال آخرون: معنى ذلك تطلق، وتخلى سبيل من شئت من نسائك، وتمسك منهن من شئت فلا تطلق. فعن ابن عباس أيضا، قوله: ترجى من تشاء منهن أمهات المؤمنين وتؤوي إليك من تشاء، يعنى نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. ويعنى بالإرجاء، يقول: من شئت خليت سبيله منهن، ويعنى بالإيواء: من اجتبيت أمسك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تترك نكاح من شئت، وتنكح من شئت من نساء أمتك. قال قتادة، عن الحسن: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا خطب امرأة لم يكن لرجل أن يخطبها حتى يتزوجها أو يتركها. قال الطبري: وقيل: إن ذلك إنما جعله اللَّه تعالى لنبيه، حين غار بعضهن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، وطلبت بعضهن من النفقة زيادة على الّذي كان يعطيها، فأمره اللَّه تعالى أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، ويخلى سبيل من اختارت الحياة الدنيا وزينتها، ويمسك من [اختارت] اللَّه ورسوله، فلما اخترن اللَّه ورسوله، قيل لهن: أقررن الآن على الرضا باللَّه وبرسوله، قسم لكنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أو لم يقسم، أو قسم لبعضكن، ولم يقسم لبعضكن، وفضل بعضكن على بعضكن في النفقة، أو لم يفضل، سوى بينكن أو لم يسو، فإن الأمر في ذلك إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس لكن في ذلك شيء. وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فيما ذكر، مع ما جعل اللَّه تعالى له من ذلك، يسوى بينهن في القسم، إلا امرأة منهن أراد طلاقها، فرضيت بترك القسم لها.
قال: وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل: فذكر عن منصور، عن أبى رزين، قال: لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يطلق أزواجه، قلن له: افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، فأمره اللَّه تعالى، فأوى أربعا وأرجأ خمسا. وذكر حديث هشام بن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل، حتى أنزل اللَّه تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (1) ] ، فقالت: إن ربك ليسارع في هواك. وذكر من طريق ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (2) ] قال: كان أزواجه تغايرن على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فهجرهن شهرا، ثم نزل التخيير من اللَّه تعالى فيهن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً* يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً* وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً* يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (3) ] . فخيرهن أن يخلى سبيلهن ويسرحهن، وبين إن يقمن أن أردن اللَّه ورسوله، على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينكحن أبدا، وعلى أنه يؤوى إليه من يشاء منهن ممن وهبت نفسها له، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجى من يشاء، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممن هي عنده وعزل، فلا
جناح عليه، ذلك أدنى أن تقر أعينهن، ولا يحزن، ويرضين، إذا علمن أنه من قضائي عليهنّ إيثار بعضهن على بعض، ذلك أدنى أن يرضين. قال: ومن ابتغيت ممن عزلت من ابتغى أصابه، ومن عزله لم يصبه فخيرهن بين أن يرضين بهذا أو يفارقهن، فاخترن اللَّه ورسوله، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت، وكان على ذلك صلى اللَّه عليه وسلّم، وقد شرط اللَّه هذا الشرط، ما زال يعدل بينهن حتى لقي اللَّه تعالى. واختار الطبري أن اللَّه تعالى جعل لنبيه صلى اللَّه عليه وسلّم أن يرجئ من النساء اللاتي أحللن له من يشاء، ويؤوى منهن من يشاء، وأن الإرجاء والإيواء غير مقصور على من هن في نسائه يوم نزلت هذه الآية دون غيرهن ممن يستحدث إيواءها، وأرجاءها منهن. وأن معنى الكلام: تؤخر من يشاء ممن وهبت نفسها لك، وأحلت لك نكاحها، فلا تقبلها، ولا تنكحها، وممن هي في حيالك، فلا تقربها، وتضم إليك من تشاء ممن وهبت نفسها لك، أو أردت من النساء اللاتي أحللن لك نكاحهن، فتقبلها أو تنكحها، وهي ممن في حيالك، فتجامعها إذا شئت، وتتركها إذا شئت بغير قسم. وقال ابن القشيري في (تفسيره) : إن القسم كان واجبا ثم نسخ بهذه الآية، وتفسير الماوردي في الآية قولين: أحدهما: عن مجاهد، أن معناها، تعزل ما شئت من أزواجك، فلا تأتيها، وتأتى من شئت. والثاني: تؤخر من شئت من أزواجك، وتضم إليك من تشاء منهن، وهو قول قتادة، ونقله البخاري عن بن عباس. قال: الماوردي: واختلفوا، هل أرجأ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية من نسائه أحدا أم لا؟ فالذي عليه
السابعة: في وجوب نفقات زوجاته صلى الله عليه وسلم
الأكثرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يرجئ، وأنه صلى اللَّه عليه وسلّم مات عن تسع، وكان يقسم لثمان منهن، لأن سودة وهبت يومها لعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. [ (1) ] السابعة: في وجوب نفقات زوجاته صلى اللَّه عليه وسلّم فيه الوجهان السابقان في المهر والأصح الوجوب كما ذكره النووي في (الروضة) [ (2) ] وعبارة الرافعي وجهان بناء على الخلاف في المهر. قال: في
(المهمات) : وهذا البناء يشعر بترجيح عدم الوجوب وأنه الراجح في المهر واعترض على من بنى هذا على هذا بأن الخلاف في إيجاب المهر إنما هو في الواهبة، والمذهب أنه لا يحب كما تقدم. وأما غير الواهبة فقد صدقهن كما وقع في القرآن الكريم قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ يعنى اللاتي تزوجهن بصداق وقال مجاهد: آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ قال: صدقاتهن. وقال ابن زيد: كان كل امرأة أتاها مهرا فقد أحلها اللَّه له ومما يدل على توهين الوجه الصائر إلى عدم الوجوب قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقه. فإذا كان يحب أن ينفق مما ترك بعد وفاته فكيف في حياته؟. ***
الثامنة: كان له صلى الله عليه وسلم تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها وإذن وليها وتزويجها من نفسه وتولى الطرفين بغير إذن وليها إذا جعله الله تعالى أولى بالمؤمنين من أنفسهم
الثامنة: كان له صلى اللَّه عليه وسلّم تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها وإذن وليها وتزويجها من نفسه وتولى الطرفين بغير إذن وليها إذا جعله اللَّه تعالى أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال الحناطى: ويحتمل أن يقال: كان لا يجوز إلا بإذنها ويؤيد قول الحناطى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم استأذن جويرية وطلب رضاها بنكاحه وأجيب عنه بأنه فعل ذلك تطبيبا لقلبها كقوله: والبكر تستأمر، ووقع في مطلب ابن الرفعة إن الرافعي حكى عن الحناطى أنه قال: يحتمل أن يقال: كان لا يجوز إلا بإذن وليها قال: ولم أر لذلك ذكرا في (الروضة) بل ذكر الخلاف المذكور في توليه الطرفين وإنما فيها حكايته في إذنها كما حكاه الرافعي فتنبه لذلك. التاسعة: أن المرأة تحل له صلى اللَّه عليه وسلّم بتزويج اللَّه تعالى قال تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها [ (1) ] يقول تعالى: فلما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته وهي الوطر، زوجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبانت منه. وقيل: معنى زوجناكها أحللنا لك نكاحها، وكانت زينب تفخر على صواحباتها بذلك تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني اللَّه. من فوق سبع سماوات. كما خرجه البخاري من حديث أنس وقال محمد بن عبد اللَّه بن جحش تفاخرت عائشة وزينب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فقالت زينب: أنا الّذي نزل تزويجي وقال جرير عن مغيرة عن الشعبي كانت زينب تقول للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم إني لأدل عليك بثلاث، ما من نسائك امرأة تدل بهنّ: أن جدي وجدك واحد، وأنى أنكحنيك اللَّه من السماء، وأن السفير لجبريل.
العاشرة: كان يحل له صلى الله عليه وسلم نكاح المعتدة
ومنع ذلك بعض أصحابنا وقال إنه صلى اللَّه عليه وسلّم أنشأ عقدا على زينب، ومعنى زوجناكها أبحنا لك نكاحها. وعد القضاعي هذه الخصيصة مما خص بها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء من قبله. العاشرة: كان يحل له صلى اللَّه عليه وسلّم نكاح المعتدّة على وجه حكاه البغوي والرافعي، ولفظ البغوي وقيل كانت تحل له نكاح المعتدة، وذكر في (التعليقة) ما ليس في (التهذيب) فقال: وإذا رغب في ذات زوج فإنه يحرم على زوجها إمساكها وتحل له بتزويج اللَّه على الأصح وكذا كانت تحل له بلا عدة على معنى أنه لا يجب عليها أيضا العدة. وقال أبو خلف عوض بن أحمد الروياني في كتاب (المعتبر في تقليل المختصر) للجوينى بعد قول أبى محمد: وإذا رغب في نكاح امرأة منكوحه كان على زوجها طلاقها ثم كان له أن ينكحها من غير عدة، قال: وقوله: من غير عدة لم يوجد إلا في هذا الكتاب أو ما بنى عليه، وقال النووي في (الروضة) : القطع بالمنع [ (1) ] . قال ابن الصلاح: وقال الغزالي: في (الخلاصة) : وهو غلط منكر، وددت محوه منه وتبع فيه صاحب (مختصر الجويني) ومنشؤه من تصحيف كلام أتى به المزني رحمه اللَّه. ***
الحادية عشرة: هل كان يحل له صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها؟
الحادية عشرة: هل كان يحل له صلى اللَّه عليه وسلّم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها؟ فيه وجهان في الرافعي عن ابن القطان بناء على أن المخاطب هل يدخل في الخطاب؟. خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث مالك عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لا تجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، وله طرق عندهما، فالمعنى
الثانية عشرة: هل كان يحل له صلى الله عليه وسلم الجمع بين الأختين؟
لا ينكح أحد، وهذا من الكلام في الخصائص بالاجتهاد دونه باطل، ولم يقع ذلك من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولم يذكره ابن القاص ولا القفال ولا غيرهما، وإنما نسبه الرافعي إلى خط بعض الناس فقال: رأيت بخط بعض المصنفين عن أبى الحسن القطان في أنه هل كان يجوز له الجمع بين المرأة وخالتها وعمتها إلى آخره. الثانية عشرة: هل كان يحل له صلى اللَّه عليه وسلّم الجمع بين الأختين؟ فالقرآن والأحاديث الصحيحة صريحة بتحريم ذلك، قال تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وهذا الخطاب يدخل فيه نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم. وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير أن زينب ابنة أبى سلمة أخبرته أن أم حبيبة
قالت: يا رسول اللَّه أنكح أختى بنت أبى سفيان، قال: وتحبين؟ قلت: نعم لست لك بمخلية. وأحب من شاركني في خير أختى، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إن ذلك لا يحل لي. قلت: يا رسول اللَّه. فو اللَّه إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبى سلمة. قال: بنت أم سلمة؟ فقلت: نعم، قال: فو اللَّه لو لم تكن في حجري حلت لي، إنها لابنة أخى من الرضاعة، أرضعتنى وأبا سلمة ثويبة. فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن. وما ذكر الخباطى مغاير للقرآن وصحيح الحديث، هو خلاف الواقع أيضا. ***
الثالثة عشرة: أنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوج بها بأن جعل عتقها صداقها
الثالثة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق صفية وتزوج بها بأن جعل عتقها صداقها خرج البخاري [ (1) ] في باب من جعل عتق الأمة صداقها من طريق حماد عن ثابت وشعيب بن الحبحاب عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها. وخرج في باب الوليمة ولو بشاة من طريق مسدد عن عبد الوارث عن شعيب عن أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها وأولم عليها بحيس [ (2) ] . وخرجه في غزوة خيبر من حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك يقول سبى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم صفية فأعتقها فتزوجها فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال أصدقها نفسها فأعتقها [ (3) ] . وخرجه مسلم [ (4) ] من طريق حماد بن زيد بن ثابت ومن طريق أبى عوانه عن أبى عثمان عن أنس ومن طريق معاذ بن هشام قال حدثني أبى عن
شعيب بن الحبحاب عن أنس ومن طريق سفيان ومن طريق معاذ بن هشام قال حدثني أبى عن شعيب بن الحبحاب عن أنس كلهم عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها وفي حديث معاذ عن أبيه تزوج صفية وأصدقها عتقها. وأخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث أبى عوانة وقال: حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وغيرهم، وهو قول الشافعيّ وأحمد وإسحاق، وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها حتى يجعل لها مهرا سوى العتق قال: والقول الأول أصح.
وذكر البخاري في أول كتاب النكاح في باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها، حديث أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران. الحديث، ثم قال: وقال أبو بكر عن أبى حصين عن أبى بردة عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أعتقها ثم أصدقها هكذا ذكره البخاري تعليقا. وقد وصله البيهقي من هذا الطريق بلفظ: وإذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران. وذلك يدل على تحديد العقد بصداق غير عتق الأمة من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف جدا عن أبى بكر بن عياش، وهو حديث مشهور من رواية الثقات وليس فيه بمهر جديد أصلا، اختلف أصحابنا في معنى أعتقها وجعل عتقها صداقها، فقيل: أعتقها بشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء بخلاف غيره، وهذا يقتضي إنشاء عقد بعد ذلك، وهذا وجه ضعيف لأنه لم ينقل في رواية من الروايات فقيل: جعل نفس العتق صداقها وجاز له ذلك بخلاف غيره. وهذا أورده الماوردي وهو الموافق لغالب الأحاديث، واختاره الغزالي ويشكل على هذا ما حكاه أبو عيسى الترمذي عن الشافعيّ أنه جوز ذلك لآحاد الناس، وهو وجه مشهور، وقيل أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا فيما بعد وهذا يقتضي أن يكون بلا مهر، وسبقه إليه ابن الصلاح قال في (مشكله) : أنه أصح وأقرب إلى الحديث وحكى عن أبى إسحاق. قال في (مشكله) وقطع به البيهقي فقال: أعتقها مطلقا. قال ابن الصلاح: فيكون معنى قوله: وجعل عتقها صداقها أنه لم يجعل لها شيئا غير العتق فحل كل الصداق وإن لم يكن صداقا وهو من قبيل قولهم الجوع زاد من لا زاد له وقيل أعتقها على شرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها فتزوجها به وهي مجهولة وليس لغيره أن يتزوج بصداق مجهول، حكاه الغزالي في (وسيطه) ، ولنا وجه في صحته: إصداق قيمة الأمة المعتقة المجهولة إذا أعتقها عليه بالنسبة إلينا وهو يرد على قول الغزالي في (وسيطه) ففيه خاصيه بالاتفاق إلا أن يكون القائل بالصحة في حق غيره صلى اللَّه عليه وسلّم غير القائل
الرابعة عشرة: كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم الخلوة بالأجنبية
بالاتفاق هنا. وقيل: بل أمهرها صلى اللَّه عليه وسلّم جارية كما رواه البيهقي بإسناد غريب ولا يصح. الرابعة عشرة: كان من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم الخلوة بالأجنبية فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم، ويملك إربه عن زوجته، فكيف عن غيرها، ممن هو المنزه عنه؟ فإنه المبرأ عن كل فعل قبيح، وقول رفث. خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة. عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه سمعه يقول:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا ذهب إلى قباء يدخل على أم حرام بنت ملحان [ (1) ] فتطعمه- وكانت تحت عبادة بن الصامت- فدخل يوما فأطعمته، فنام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم،
ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول اللَّه؟ فقال: ناس من أمتى عرضوا على غزاة في سبيل اللَّه، يركبون ثيح هذا البحر ملوكا على الأسرة- أو مثل الملوك على الأسرة. فقلت: ادع اللَّه أن يجعلني منهم، قال:
أنت من الأولين. فركبت البحر زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. ولمسلم [ (1) ] من حديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن حبان، عن أنس بن مالك، عن أم حرام وهي خالة أنس قالت: أتانا النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يوما فقال: عندنا فاستيقظ وهو يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمى، قال: أريت قوما من أمتى يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة فقلت ادع اللَّه أن يجعلني منهم قال فإنك منهم. قالت: ثم نام فاستيقظ أيضا وهو يضحكك فسألته فقال مثل مقالته. فقلت: ادع اللَّه أن يجعلني منهم. قال: أنت من الأولين: قال فتزوجها عبادة بن الصامت بعد فغزا في البحر فحملها معه فلما أن جاءت قربت لها بغلة فركبتها فصرعتها فاندقت عنقها.
ولمسلم [ (1) ] من حديث همام، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أنس قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، وإلا أم سليم، فإنه كان يدخل عليها، فقيل له في ذلك، فقال: إني أرحمها، قتل أخوها معى. وقال ابن عبد البر: وأم حرام هذه خالة أنس بن مالك، أخت أم سليم بنت ملحان، أم أنس. قال: وأظنها أرضعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، إذ أم سليم جعلت أم حرام خالة له من الرضاعة، فلذلك كانت تفلى رأسه، وينام عندها، وكذلك كان ينام عند أم سليم، وتنال منه ما يجوز لذي المحرم أن يناله من محارمه. ولا يشك مسلم أن أم حرام كانت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم المحرم، فلذلك كان منها ما ذكر منها بما ذكرنا في هذا الحديث. وقد أخبرنا غير واحد من شيوخنا، عن أبى محمد عبد اللَّه بن محمد ابن على، أن محمد بن [يونس] أخبره، عن يحى بن إبراهيم بن مزين قال: إنما استجاز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أن تفلى أم حرام رأسه، لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالته لآل أم عبد المطلب من هاشم، كانت من بنى النجار. وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لنا ابن وهب: أم حرام إحدى خالات النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة، فلهذا كان يقيل عندها، وينام في حجرها وتفلى رأسه. قال أبو عمر بن عبد البر: أي ذلك كان، فأم حرام محرم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. قال مؤلفه ويؤيده ما ذهب إليه ابو عمر أنه وقع في صحيح البخاري من حديث هشام عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة، حدثني أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعث خاله أخا لأم سليم في سبعين راكبا.... الحديث.
وهذا هو حرام بن ملحان، واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام ابن جندب بن عامر بن غانم بن مالك بن النجار، فانظر كيف قال فيه أنس انه قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم؟ وانه أخ أم سليم وما هي إلا خؤولة الرضاعة فتأمله. قال ابن عبد البر: والدليل على ذلك، فذكر ما خرجه النسائي من حديث غشيم عن أبى الزبير، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ألا لا يبيتن رجل عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم. وروى عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. وروى ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يخلون رجلا بامرأة إلا تكون منه ذات محرم. روى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يدخلن رجل على مغيبه إلا ومعه رجلا أو رجلان. ومن طليق النسائي حديث الليث عن صويب بن أبى حبيب، عن أبى حيصر عن عقبة بن عامر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. قال ابن عبد البر: وهذه آثار ثابتة للنهى عن ذلك، ومحال أن يأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما ينهى عنه. وقال النووي: في باب فضل الغزو في البحر من (شرح مسلم) : اتفق العلماء على أنها- يعنى أم حرام- كانت محرما له صلى اللَّه عليه وسلّم، واختلفوا في كيفية ذلك فقال ابن عبد البر وغيره: وكانت إحدى خالته صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة، وقال أخرون: بل كانت خالة لأبيه أو لجده لأن عبد المطلب كانت أمه من بنى النجار وقد اعترض على النووي بعض من أدركناه، فقال: وما ذكره من الاتفاق على أنها كانت محرما له فيه نظر، ومن أحاط علما بنسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ونسب أم حرام علم أنها لا محرمية بينهما. قال من ذكرناه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم، ويقال: كان من خصائصه الخلوة بالأجنبية وقد ادعاه بعض شيوخنا.
قال مؤلفه رحمه اللَّه: لم يرد النووي رحمه اللَّه بأن أم حرام كانت محرما لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من جهة النسب، فأنه من أعلم الناس بنسبيهما، وإنما أراد المحرمية الرضاعة التي حكاها ابن عبد البر وذهب إليها بلا شك. وقال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنه بنت وهب أم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة وقال ابن العربيّ: ويحتمل ان تكون ذلك قبل الحجاب، ورد بأنه كان بعد حجة الوداع. وقال الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطيّ ذهل من يزعم ان أم حرام إحدى خالات النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الرضاعة أو من النسب، لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعته معلومات ليس فيهن أحدى من الأنصار البتة، سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن عباس بن عامر بن غنم ابن النجار، وأم حرام بنت ملحان بن مالك بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار، فلا تجتمع أم حرام وهي سلمى إلا في عامر ابن غنم، جدهما الأعلى، وهذه خؤولة لا تثبت بها محرمية، لأنها خؤولة مجازيه، وهي كقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لسعد بن أبى وقاص: هذا أخا لي لكونه من بنى زهرة، وهم أقارب أمه وليس سعدا أخا لآمنة. وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح انه صلى اللَّه عليه وسلّم كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم فقيل له، فقال: إلى أرحمها قتل أخوها معى يعنى حرام بن ملحان، فكان قتل ببئر معونة، قال على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة من أم حرام ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع، وهذا احتمال قوى إلا أنه لا يدفع الإشكال من أصله، لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذلك النوم في الحجر. وأحسن الأجوبة: دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل، لأن الدليل على ذلك واضح، والحمد للَّه وحده. ***
الخامسة عشرة: هل تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضى الله تبارك وتعالى عنها وهي بنت ست سنين أو سبع سنين كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم؟ أو يجوز لأمته نكاح الصغيرة إذا زوجها أبوها؟
الخامسة عشرة: هل تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها وهي بنت ست سنين أو سبع سنين كان من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم؟ أو يجوز لأمته نكاح الصغيرة إذا زوجها أبوها؟ قال ابن شبرمة فيما نقله عنه أبو محمد بن حزم: لا يجوز نكاح الأب ابنته صغيرة حتى تبلغ وتأذن ورأى أمر عائشة خصوصية للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم كالموهوبة، ونكاح أكثر من أربع، ورد هذا بأن قول ابن شبرمة: بأن ادعاء الخصوصية يفتقر إلى دليل، وقد عدم في هذه المسألة. وحكى ابن المنذر الإجماع على أن ذلك يجوز لكل أحد، وقد خطب عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أم كلثوم إلى على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: إنها تصغر عن ذلك ثم زوجه، وقال الشافعيّ: زوج ابن الزبير ابنته صفية، وزوج غير واحد من الصحابة. ***
النوع الرابع: ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات وهو قسمان:
النوع الرابع: ما اختص به صلى اللَّه عليه وسلّم من الفضائل والكرامات وهو قسمان: القسم الأول: المتعلق بالنكاح وفيه المسائل المسألة الأولى: أزواجه صلى اللَّه عليه وسلّم اللاتي توفى عنهن محرمات على غيره أبدا قال اللَّه تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [ (1) ] . يقول تعالى: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول اللَّه. وما يصح لكم ذلك وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، لأنهن أمهاتكم، ولا يحل للرجل أن يتزوج أمه. قال ابن وهب، عن ابن زيد، قال: ربما بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، أن الرجل يقول: لو أن النبي توفى، تزوجت فلانة من بعده، قال: فكان ذلك يؤذى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فنزل القرآن: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً. يقول: إن ذلكم رسول اللَّه، ونكاحكم أزواجه من بعده عند اللَّه عظيم الإثم. وروى إسماعيل بن إسحاق، من طريق معمر، عن قتادة، أن رجلا قال: لو قبض رسول اللَّه، تزوجت عائشة! فأنزل اللَّه تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ الآية. ونزلت: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [ (2) ] .
ونقل أبو نصر عبد الرحيم القشيري، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قال رجل من سادات قريش، من العشرة الذين كانوا مع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: على حرام نفسه لو توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لتزوجت عائشة، وهي بنت عمتي. قال ابن عطية: روى أنها نزلت بسبب بعض الصحابة، قال: لو مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لتزوجت عائشة، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فنادى به هكذا كنى عنه ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ببعض الصحابة. وحكى مكي عن معمر أنه قال: هو طلحة بن عبيد اللَّه، وكذا حكى النحاس عن معمر. قال ابن عطية: وهذا عندي لا يصح عن طلحة. وروى أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أم سلمة بعد أبى سلمة، وحفصة بعد خنيس بن حذافة: ما بال محمد يتزوج نساءنا؟ واللَّه لو مات لأحلنا السهام على نسائه، فنزلت الآية في هذا، فحرم اللَّه نكاح أزواجه من بعده، وجعل لهن حكم الأمهات، وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه، وتنبيها على علو مرتبته. قال القاضي: وأزواجه صلى اللَّه عليه وسلّم اللاتي مات عنهن- لا يحل لأحد نكاحهن ومن استحل ذلك كافرا، لقوله تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً. وقد قيل: إن اللَّه تعالى إنما منع من التزويج بأزواج نبيه، لأنهن أزواجه في الجنة، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها، كما تقدم عن حذيفة. وذكر القضاعي أن ذلك مما خص به صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء وأمته، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها. وقيل: إنما منع من نكاحهن، لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم حي، ولهذا حكى الماوردي وجها: أنهن لا تجب عليهنّ عدة الوفاة، وفيمن فارقها في الحياة كالمستعيذة، والتي وجد بكشحها بياضا، ثلاثة أوجه: أحدها: تحرمن أيضا، وهو المنصوص من الشافعيّ في (أحكام القرآن) لشمول الآية، والبعدية في قوله تعالى: من بعده عند هذا القائل لا تختص بما بعد الموت، بل هو أعم منه، فيكون التقدير: من بعد نكاحه.
قال بعضهم: وحرمن لوجوب محبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فإن من العادة أن زوج المرأة يكره زوجها الأول، قال في (الروضة) : وهذا أرجح، وقال ابن الصلاح: إنه أشبه بظاهر القرآن، وهو ظاهر بنص الشافعيّ. قال: وقيل: إن وجه التفضيل يعنى الثالث أصح، وعبارة القضاعي تقتضي هذا الوجه أيضا، فإنه أطلق أن تساءه صلى اللَّه عليه وسلّم حرمن على غيره، وجعل ذلك من خصائه دون غيره من الأنبياء. وثانيها: لا يحرمن لإعراض النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عنها، وانقطاع الاعتناء بها، لأن في ذلك إضرارا بها، والبعدية على هذا مخصوصة بما بعد الموت. وثالثها: تحرم المدخول بها فقط، وبه قال القاضي أبو حامد، وذكر الشيخ أبو حامد أنه الصحيح، وقال الرافعي في (الشرح الصغير) : إنه الأظهر، وصححه الماوردي، والغزالي أيضا، وقال الإمام: إنه الأعدل، وجزم به صاحب (الحاوي الصغير) ، ودليله ما روى داود عن عامر الشعبي به، أن بنى اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مات وقد ملك قتيلة ابنة الأشعث، ولم يجامعها، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل بعد ذلك، فشق على أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مشقة شديدة، فقال له عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا خليقة رسول اللَّه! إنها ليست من نسائه، إنه لم يخبرها رسول اللَّه، ولم يحجبها، وقد برأه اللَّه تعالى منها بالردة التي ارتدتها مع قومها. قال: فاطمأن أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وسكن. وخرج الحاكم في (المستدرك) [ (1) ] ، عن أبى عبيدة، ومعمر بن المثنى، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تزوج حين قدم عليه وفد كندة، قتيلة بنت قيس، أخت الأشعث بن قيس، في سنة عشرة، ثم اشتكى في النصف من صفر، ثم قبض يوم الإثنين، ليومين مضيا من شهر ربيع الأول، ولم تكن قدمت عليه، ولا دخل بها، ووقت بعضهم وقت تزويجه إياها، فزعم أنه تزوجها قبل وفاته
بشهر، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، وزعم آخرون أنه أوصى أن تخير قتيلة، فإن شاءت [أن يضرب عليها الحجاب، فتحرم على المؤمنين، ويجرى عليها ما يجرى على [ (1) ] أمهات المؤمنين، وإن شاءت أن تنكح من شاءت] فاختارت النكاح، وتزجها عكرمة بن أبى جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: لقد هممت أن أرحق عليها، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما هي من أمهات المؤمنين، ولا دخل بها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، ولا ضرب عليها الحجاب [وزعم بعضهم أنها ارتدت] ، فكف عنها. وأورده أبو نعيم في كتاب (معرفة الصحابة) ، من طريق الشعبي مرسلا، واستدل به الماوردي في (الحاوي) ، فأورده كذلك. وذكر الإمام الغزالي، والقاضي، أن الأشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فهم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه برجمتها، فأخبر أنها لم تكن مدخولا بها، فكف عنها. وذكر الماوردي أيضا وقال: فصار ذلك كالإجماع. وقال القاضي أبو الطيب الطبري: أن الّذي تزوج المستعيذة المهاجر بن أبى أميه، ولم ينكر ذلك أحد، فدل ذلك على أنه إجماع. وخرج الحاكم [ (2) ] أيضا من طريق هشام بن محمد الكلبي، قال: وحدثني أبى عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال خلف على أسماء بنت النعمان المهاجر بن أبى أميه، فأراد عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يعاقبها فقالت: واللَّه ما ضرب على الحجاب ولا سميت بأم المؤمنين، فكف عنها. قال مؤلفه رحمه اللَّه إنما هذه هي أسماء ابنة النعمان الجوتية.
ذكر هشام بن محمد أنها هي المستعيذة في حديث ذكره، وفي الأمة التي يفارقها صلى اللَّه عليه وسلّم بالموت أو غيره بعد وطئها، وجهان في الرافعي وهما في (التهذيب) . أحدهما: لا تحل لغيره، كالمنكوحه التي فارقها. والثاني: لا تحرم، لأن مارية غير معدودة في أمهات المؤمنين والصواب أن محل الخلاف فيمن باعها صلى اللَّه عليه وسلّم لا من مات عنها. قال الماوردي: أن من مات عنها كمارية أم ولده إبراهيم عليه السلام ثم حرم نكاحها وإن لم تسم أما للمؤمنين كالزوجات فنصفها بالرق وإن باعها فتحريمها على مشتريها وعلى سائر المسلمين وجهان كالمطلقة، ولزم في باب استبراء أم الولد بالتحريم وبالتعظيم من ذلك ثلاثة أوجه ثم الأوجه الثلاثة لغير المخيرات، وأما المخيرات فمن اختارت منهم الدنيا ففي حلها من أزواجه طريقان: قال العراقيون يطرد الأوجه، وقطع أبو يعقوب الأبيوردي وآخرون بالحل لتحصل فائدة التخيير وهو التمكن من زينة الدنيا، وهذا ما اختاره الإمام، والغزالي وفعل الإيقاف عليه، ومن عهد ذلك فإن كانت لا تحل، ففي وجوه نفقتها من خمس الخمس وجهان: أحدهما: يجب كما تحب نفقة اللواتي مات عنهن لتحريمهن. والثاني: لا تجب لأنها غير واجبة في حياته فالأولى أن لا تجب بعد موته ولأنها مقطوعة العصمة بالطلاق. ***
المسألة الثانية: أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين
المسألة الثانية: أزواجه صلى اللَّه عليه وسلّم أمهات المؤمنين قال اللَّه تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ قال سعيد عن قتادة ليعظم بذلك حقهن، وفي قراءة أبى بن كعب بمصحفه: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم. وقال ابن زيد: محرمات عليهم، وقال الشافعيّ في (المختصر) : أمهاتهم في معنى دون معنى، وذلك أنه لا يحل نكاحهن بحال ولم تحرم بناته لو كن له لأنه صلى اللَّه عليه وسلّم زوج بناته وهن أخوات المؤمنين وذكر نحوه في (الأم) . وقال القرطبي في (التفسير) : شرف اللَّه تعالى أزواج نبيه صلى اللَّه عليه وسلّم بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال وحجبهن رضى اللَّه عنهن بخلاف الأمهات وقيل: لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات، وقد عد القضاعي هذه مما اختص به دون الأنبياء، وقد خولف في ذلك. وأزواجه أمهات المؤمنين سواء من ماتت تحته أو مات عنها وهي تحته. وأعلم أن الأمومة ثلاثة أقسام مختلفة الأحكام: وهي أمومة الأولاد، ويثبت فيها جميع أحكام الأمومة، وأمومة أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لا تثبت إلا تحريم النكاح، وأمومة الرضاع وهي متوسطة بينهما. فإذا تقرر هذا فهنا أمور قد اختلف فيها، وهي: هل يجوز النظر إليهن؟ فيه وجهان أحدهما: هن محرم لا يحرم النظر إليهن لتحريم نكاحهن، والثاني: إن النظر إليهن محرم لأن تحريم نكاحهن إنما كان حفظا لحق الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم فيهن وكان من حفظ حقه تحريم النظر إليهن، ولأن عائشة كانت إذا أرادت دخول رجل عليها أمرت أختها أم كلثوم أن ترضعه ليصير ابن أخيها من الرضاعة فيصير محرما يستبيح النظر. والمشهور المنع وبه جزم الرافعي، والأدلة على تحريم النظر إليهن كثيرة شهيرة منها قصة عائشة في أفلح أخى أبى القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب فأبت أن تأذن له فلما جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أخبرته بالذي صنعت فأمرنى أن على أنزله، لم يقل البخاري على وخرجاه من طرق.
ومنها أحاديث نزول الحجاب، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى ولا يثبت حكم الأمومة في جواز الخلوة والمسافرة، ولا في النفقة والميراث، وهل يقال بناتهن أخوات المؤمنين؟ نص الشافعيّ رحمه اللَّه في (المختصر) على جوازه، وحكى الرافعي وجها أن اسم الإخوة يطلق على بناتهن واسم الخؤوله يطلق على إخوتهن، وأخواتهن، لثبوت اسم الأمومة لهن وإن لم يوجب ذلك تحريم النكاح كما أن المسلمات كلهن أخوات المسلمين في الإسلام، ولا يوجب ذلك تحريم النكاح. قال: وهذا ظاهر لفظ (المختصر) يشير إلى قوله: زوج بناته «وهن أخوات المؤمنين» ، لكن أكثر الأصحاب كما قال الماوردي: غلطوه فيه لأنه قال الشافعيّ في (أحكام القرآن) : وما زوج بناته وهن غير أخوات المؤمنين، وقيل: إن الكاتب حذف لفظة غير، وقيل: ما قاله المازني فيه صحيح وتقديره: قد زوج بناته أي زوجهن وهن أخوات المؤمنين وجزم القاضي يتخطئه المازني ومنع آخرون من ذلك بدليل أنه لا يحرم على المؤمنين التزوج ببناتهن أو أخواتهن وقد زوج صلى اللَّه عليه وسلّم بناته من المؤمنين، فزوج عثمان، وعليا، ونكح الزبير أختا لعائشة، ونكح عبد الرحمن بن عوف حمنة أخت زينب، وكذا لا يقال آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين بل يقتصر على ما ورد من ثبوت حكم الأمومة لهن في بعض الأحكام. وهل يقال في إخوانهن أخوال المؤمنين؟ فيه نزاع في معاوية أنطلق عليه خال المؤمنين؟ فحكى القاضي حسين الخلاف في جواز تسميته خال المؤمنين، وحكى الرافعي وجها أن اسم الخؤوله ينطلق على إخوانهن وأخواتهن. وذكر البيهقي من طريق شبابة، قال حدثني خارجة بن مصعب بن الكلبي عن أبى صالح، عن ابن عباس في هذه الآية عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً قال: كانت المودة التي جعل اللَّه بينهم
تزوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أم حبيبة بنت أبى سفيان، فصارت أم المؤمنين وصار معاوية خال المؤمنين [ (1) ] . قال البيهقي: كذا في رواية الكلبي وذهب علماؤنا إلى أن هذا الحكم لا يتعدى أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فهن أمهات المؤمنين في التحريم ولا يتعدى هذا التحريم إلى إخوتهن، ولا إلى إخوانهن، ولا إلى بناتهن، ومنع قوم من جواز تسمية معاوية خال المؤمنين بأن هذا أمر مبتدع لم يطلقه عليه إلا الغلاة في موالاته حتى إنهم زعموا أنه دعي بذلك في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وبالغوا في الإفك حتى نسبوه إلى انه من قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم وليس لذلك أصل، ولا عرف إطلاق ذلك في عصر الصحابة، والتابعين، فقد قتل محمد بن أبى بكر ولم يشنع أعداء معاوية إذ ذاك بأنه قتل خال المؤمنين، وثار عبد اللَّه بن الزبير بمكة على سويد بن معاوية ولم [يكثرت] بأنه ابن خالة المؤمنين، ولا دعاه به أحد من الصحابة، ولم يدع عبد اللَّه بن عمر بخال المؤمنين، ولا قيل قط لعبد الرحمن بن أبى بكر خال المؤمنين، ولا يمترى عامه أهل العلم في أن منزلة عائشة وحفصة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كانت أعظم من منزلة أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ومع ذلك فلم يدع أحد من إخوتها بخال المؤمنين، فكيف يطلق على معاوية بن أبى سفيان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه خال المؤمنين؟ ومنزلته ومنزلة أبيه من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم دون منزلة عبد اللَّه بن عمر ومكانة عبد اللَّه من العلم والورع والسابقة مكانة، وهذه عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها تقول وقد قالت لها امرأة يا أمه: لست لك بأم، إنما أنا أم رجالكم فعلمتنا بذلك معنى الأمومة تحريم نكاحهن وكذا لم ينقل أن
أحدا قال لأسماء بنت أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما خالة المؤمنين، فقد قال الواحدي في تفسير قوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ أي في حرمة نكاحهن وهذه الأمومة تعود إلى حرمة نكاحهن لا غير، ألا ترى أنه لا يحل رؤيتهن، ولا يريد المؤمنين، ولا يردنهن، وليست كالأمهات في النفقة، والميراث، وفي (النكت) للماوردى: يعنى من مات عنها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أزواجه هن كالأمهات في شيئين. أحدهما: تعظيم حقهن. والثاني: تحريم نكاحهن، ولسنا كالأمهات في النفقة والميراث وهل كن أمهات المؤمنين من الرجال دون النساء؟ صححوا المنع، وهو قول عائشة. وخرج البيهقي من طريق أبى عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها ان امرأة قالت لها يا أمه فقالت: لست لك بأم إنما أنا أم لرجالكم وهذا جار على الصحيح عند أصحابنا وغيرهم، وهذا تفريغ أن الجمع المذكر السالم هل يدخل فيه النساء [ (1) ] وهي مسأله منفردة في الأصول. لكن وقع في (الرسالة) للإمام الشافعيّ في ترجمة ما نزل من القرآن عام الظاهر قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ [ (2) ] وقوله: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [ (3) ] فإنه قال رحمه اللَّه في آخر الكلام وهكذا التنزيل في الصوم والصلاة على البالغين العاقلين خص من لم يبلغ ومن بلغ، ولم يعقل، وخص الحيض في أيام حيضتهن فهذا يقتضي أنهن دخلن، وإلا لم يخرج من لم ينحصر وجب الاختصاص أن فائدة أمومتهن في حق الرجال منقوله في حق النساء.
وحكى الماوردي في (تفسيره) خلافا في كونهن أمهات المؤمنات وحكاه القرطبي أيضا في (التفسير) : فقد قال ابن العربيّ: وهو الصحيح يعنى أنهن أمهات الرجال، فقط ثم قال القرطبي لا فائدة لاختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء والّذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء يدل عليه صدر الآية: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة فيكون قوله: أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ عائد على الجميع ثم إن في مصحف أبى بن كعب: «وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم» . وقرأ ابن عباس: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب وأزواجه أمهاتهم وهذا كله يوهن ما رواه الشعبي عن مسروق، عن عائشة إن صح من جهة الترجيح، وإن لم يصح فسقط من جهة الاستدلال به في التخصيص وتعيينا على الأصل الّذي هو العموم الّذي يسبق إلى المفهوم واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وقد اختلف أيضا: هل يقال هو صلى اللَّه عليه وسلّم أبو الرجال جميعا؟ قال الفريابي، عن سفيان، عن طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ هذه الآية النبي أولى بالمؤمنين وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم. قال البغوي: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أبا الرجال والنساء جميعا، وقال الواحدي: قال بعض أصحابنا لا يجوز أن يقال: هو أبو المؤمنين لقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ [ (1) ] وقال: ونص الشافعيّ على أنه يجوز أن يقال أبو المؤمنين أي في الحرمة، ومعنى الآية ليس أحد من رجالكم ولد صلبه لذا ذكره النووي في (الروضة) [ (2) ] . وفي القطعة التي شرحها من البخاري، وقال: (في المطلب) وفيه نظر لأن ذلك جمعه قوم، غير أن المعقول والشرع لا يرد بمثله إلا أن يراد به التنبيه على أنه تحريم.
المسألة الثالثة: تفضيل زوجاته صلى الله عليه وسلم [1]
المسألة الثالثة: تفضيل زوجاته صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] هذا قال القاضي حسين في تعليقه أفضل نساء العالمين أزواجه. ولفظ البغوي خير نساء هذه الأمة وغيرها، وهذا خلاف في مواضع. أحدها: المفاضلة بينهن وبين مريم ابنة عمران. والثاني: المفاضلة بين خديجة وعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها. والثالث: المفاضلة بين فاطمة وأمها خديجة عليها السلام. والرابع: المفاضلة بين فاطمة وعائشة. أما مريم فخرج البخاري [ (2) ] في المناقب من حديث عبدة عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر قال: سمعت عليا يقول:
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة وذكره في كتاب الأنبياء أيضا [ (1) ] .
وخرجه مسلم [ (1) ] في المناقب من حديث أبى أسامة وابن نمير ووكيع وأبى معاوية وعبد بن سليمان كلهم عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر يقول سمعت عليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بالكوفة يقول:
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول خير نسائها مريم ابنه عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد، قال أبو كريب وأشار وكيع إلى السماء والأرض. وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق علياء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون. قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ. وخرج البخاري [ (2) ] في المناقب، وفي كتاب الأنبياء، وفي الأطعمة، من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة الجملي بسنده عن أبى موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا اثنين: امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وفي بعض طرقه: كفضل عائشة بغير «إن» . وخرجه مسلم في المناقب وقد اختلف في نبوة مريم فإن قلنا بنبوتها فتعين تفضيلها على أمهات المؤمنين وإن قلنا: إنها لم تكن نبية فقد ثبت مما تقدم تفضيلها على من عاداها الأمر ذكر فلم يبق إلا المفاضلة بينها وبين خديجة. قال القاضي عياض في قوله: خير نسائها مريم خير نسائها خديجة وأشار وكيع إلى السماء والأرض كأنه تفسير ضمير الهاء في نسائها أنه يريد الدنيا والأرض وذكره لهم يحتمل أن يريد أن كل واحدة خير نساء الأرض في وقتها أو أنهما من خير نسائهم أفضلهن وإن كانت المزايا تعد بينهما وبين غيرهما ممن هو خير النساء متفاضلة.
وأما المفاضلة بين خديجة وعائشة رضى الله تبارك وتعالى عنهما
وقوله: وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام لسرعة إسخانه والاستلذاذ به وإشباعه وتقديمه على غيره من الأطعمة التي تقوم مقامه وليس هذا نص بتفضيلها على من ذكر من مريم وآسية ويحتمل مساويها أو مثلها قال مؤلفه رحمه اللَّه: قد ثبت لمريم من الفضل ما لم يثبت لغيرها من النساء قال تعالى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ أي اختارك وطهرك أي من الكفر أو من سائر الأنجاس، واصطفاك على العالمين وقال عليه السلام ولم يكمل من النساء إلا مريم وخديجة، وكان الكمال هنا هو النبوة ويؤيده أن اللَّه أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إليها كسائر الأنبياء وكلمها روح القدس وطهرها ونفخ في درعها وسماها اللَّه الصديقة. وممن قال بنبوتها ابن وهب واختاره أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن اللباء فقيه المغرب وأبو محمد بن أبى زيد وأبو المحاسن الفاسى. وأما المفاضلة بين خديجة وعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ففيها ثلاثة أقوال ثالثها الوقف قال القاضي والمتولي: إن خديجة أفضل من عائشة واستدل أبو بكر بن داود لما سئل عن ذلك بأن عائشة أقرأها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم السلام من جبريل، وخديجة أقرأها جبريل السلام على لسان محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فهي أفضل، قال فريق: بل عائشة أفضل لدوام صحبتها للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم بعد النبوة وطول مدتها إلى موته لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: أريتك في المنام ثلاث ليال جائني ملك الموت في سرقة حرير فيقول هذه امرأتك فاكشف عن وجهها فإذا أنت هي فأقول أن ذلك من عند اللَّه أمضه. وخرجه في الصحيحين ووجه الدلالة منه قوله هذه امرأتك لأنها كانت حب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقال: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وسأله عمرو بن العاص أي الناس أحب إليك قال عائشة: إلى غير ذلك من فضائل كثيرة وأجيب بأنه ليس كسائر فضائل عائشة ما يبلغ قوله بخير نسائها خديجة وقوله أفضل نساء العالمين خديجة فإنه صريح في بابه فتأمله من
فمن خصائص خديجة
انصرف علم أن لكل منهما فضائل تخصهم فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام وكانت تسلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وتثبته وتسكنه فأدركت غرة الإسلام واحتملت الأذى في اللَّه ورسوله وكانت نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها، وعائشة تأثيرها في أخر الإسلام فلها من الفقه في الدين وتبليغه للأمة وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها. فمن خصائص خديجة أن اللَّه تعالى بعث السلام إليها مع جبريل فبلغها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذلك وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب وكانت أول من آمن باللَّه ورسوله من هذه الأمة وأولاده كلهم منها ما عدا إبراهيم وهذه فضائل لم تكن لامرأة سواها. ومن خصائص عائشة إنها كانت أحب أزواج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولم يتزوج بكرا غيرها وكان ينزل الوحي في بيتها دون غيرها ولما نزلت آية التخيير فخيرها فاختارت اللَّه ورسوله ما سبقت به بقية الأزواج وبرأها اللَّه مما رماها به أهل الإفك بعشر آيات تليت في المحاريب إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم وأخبر اللَّه تعالى أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن الّذي قيل فيها شرا لها، ولا عارا لها، ولا خافضا من شأنها، بل رفعها بذلك فأعلى قدرها، وعظم شأنها، وأحيا لها ذكرها، بالطيب والسراة من أهل الأرض والسماء. ***
وأما المفاضلة بين فاطمة وأمها خديجة
وأما المفاضلة بين فاطمة وأمها خديجة فلم [نجد] فيها نقلا، وما منهما إلا من له فضائل مشهورة، وقوله صلى اللَّه تبارك وتعالى عليه وعلى سلّم وسلم: «فاطمة بضعة منى» ، فلا شرف أعلى منه إلا شرف أبيها المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم. أما المفاضلة بين فاطمة وعائشة قال القاضي عياض في قوله صلى اللَّه عليه وسلّم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام: وليس فيه ما يشعر بتفضيلها على فاطمة إذ قد يكون تمثيل تفضيل فاطمة لو مثلها مما هو أرفع من هذا وبالجملة من هذا الحديث أن عائشة مفضلة على النساء تفضيلا كثيرا وليس فيه عموم جميع النساء. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أعم وأظهر في التفضيل. وقال ابن دحية في كتاب (مرج البحرين) : ذكر بعض الرواة أن عائشة أفضل من فاطمة واستدل على ذلك بأنها عند على في الجنة وعائشة عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، قال وهذا لا يوجب التفضيل ثم أطال الرد عليها إلى أن قال سئل العالم الكبير أبو بكر بن داود بن على من أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقالوا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أن فاطمة بضعة منى ولا أعدل ببضعة من رسول اللَّه أحد. قال السهيليّ: وهذا استقراء حسن وشهد لصحة هذا الاستقراء أن أبا لبابة حين ارتبط نفسه وحلف ألا يحله إلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فجاءت فاطمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها تحله فأبى من أجل قسمة، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إنما فاطمة بضعة منى فحلته. قال السهيليّ: هذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر وأن من صلى عليها فقد صلى على أبيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. ***
القسم الثاني
[القسم الثاني] الرابعة: أن شريعة محمد صلى اللَّه عليه وسلّم مؤيدة وناسخة لسائر الشرائع وقد مضى من ذلك ما فيه كفاية. الخامسة: أن كتاب محمد صلى اللَّه عليه وسلّم وهو القرآن معجز بخلاف سائر كتب اللَّه التي أنزلها على رسله وأنه محفوظ عن التحريف والتبديل وأنه حجة بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وسائر معجزات الأنبياء انقرضت بانقراضهم، وقد مر في المعجزات جميع هذا فتأمله. السادسة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم نصر بالرعب مسيرة شهر وسيأتي بطرقه، فكان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا هم بغزو قوم أرعبوا منه قبل أن يقدم عليهم بشهر، ولم تكن هذه لأحد سواه وما روي في صحيح مسلم في قصة نزول عيسى عليه السلام إلى الأرض أن لا يدرك نفسه كافرا إلا مات ونفسه ينتهى حيث ينتهى بصره فإن كان ذلك صفه لم يزل له قبل أن يرفع فليست نظير هذا وإلا فهو بعد نزوله إلى محمد صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى أنه يحكم بشرعه ولا يوحى إليه بخلافها وقد مضى هذا المعنى مجودا. السابعة: أن رسالته صلى اللَّه عليه وسلّم عامة إلى الإنس والجن وكان من عداه من الأنبياء انما يبعث إلى قومه خاصة وقد ذكر اللَّه تعالى هذا المعنى في كتابه العزيز فقال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ وقال: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ فكان النبي ومن كان قبل محمد صلى اللَّه عليه وسلّم لا يكلف من أداء الرسالة إلا أن يدعو قومه إلى اللَّه عز وجل.
وأما محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وقال تعالى: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وقال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ وقال: قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ وفي آيات كثيرة تدل على عموم رسالته ويؤيده قوله صلى اللَّه عليه وسلّم في حديث الشفاعة إنه أول نبي بعث إلى أهل الأرض إلى الثقلين فأمر اللَّه تعالى أن ينذر جمع خلقه إنسهم، وجنهم، عربهم، وعجمهم، فقام صلوات اللَّه وسلامه عليه بما أمر به ربه في ذلك، وبلغ رسالته، وقد تقدم هذا كله فيما سلف. الثامنة: جعلت له صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته الأرض مسجدا وطهورا ومعنى ذلك في الحديث الّذي رواه الإمام أحمد في (مسندة) أن من كانوا قبلنا كانوا لا يصلون في مساكنهم، وإنما كانوا يصلون في كنائسهم. وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم وطهورا يعنى به التيمم فإنه لم يكن في أمة قبلنا وإنما شرع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته توسعا ورحمة وتخفيفا. التاسعة: أحلت له صلى اللَّه عليه وسلّم الغنائم ولم تحل لأحد قبله وكان من قبله صلى اللَّه عليه وسلّم إذا غنموا أشياء أخرجوا منه شيئا، فوضعوه في ناحية، فتنزل نار من السماء، فتحرقه، وقد وقع ذلك في الصحيح من رواية أبى هريرة في حديث النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي غزا وحبس له اللَّه الشمس، قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يراد أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يتصرف فيها كيف يشاء ويقسمها كما أراد في قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ. ويحتمل أن يراد لم يحل شيء منها لغيره صلى اللَّه عليه وسلّم وأمته، وفي بعض الأحاديث ما يقر ظاهره بذلك ويحتمل أن يراد بالغنائم بعضها وفي بعض
العاشرة: جعلت أمته صلى الله عليه وسلم شهداء على الناس بتبليغ الرسل إليهم
الأحاديث وأحل لنا الخمس. أخرجه ابن حبان في صحيحه وأجيب بأن الخمس خص به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الغنائم تشرفة لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. العاشرة: جعلت أمته صلى اللَّه عليه وسلّم شهداء على الناس بتبليغ الرسل إليهم قال اللَّه تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ الآية، وكما هديناكم فكذلك خصصناكم وفضلناكم بأن جعلناكم أمة عبادا عدولا لتشهدوا للأنبياء على أمتهم وشهد لكم به رسول اللَّه بالصدق، ومستند بهم في الشهادة وإن لم يروا ذلك عبادا اللَّه تعالى لهم به لقوله: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ وقوله: كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ وقوله كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ وقوله: فَكَذَّبُوا رُسُلِي ونحوها من الآيات. الحادية عشر: أصحابه صلى اللَّه عليه وسلّم خير الأمة مقدما وقد سبق ذكر ذلك مفصلا. الثانية عشر: جمعت صفوف أمته صلى اللَّه عليه وسلّم كصفوف الملائكة فكل منهم أفضل من كل من بعده، قال صلى اللَّه عليه وسلّم لا تسبوا أصحابى فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ أحدهم ولا نصفه. خرجاه من حديث أبى سعيد الخدريّ. وخرجه مسلم من حديث أبى هريرة. الثالثة عشرة: الشفاعة الأول: الشفاعة العظمى في الفضل بين أهل الموقف حيث يقومون بعد الأنبياء وهو المقام المحمود، الّذي يغبط به الأولون والآخرون، والمقام الّذي يرغبون إليه الخلق كلهم ليشفع لهم إلى ربهم ليفصل بينهم، وهذه خصوصية
الرابعة عشرة: أنه أول شافع وأول مشفع صلى الله عليه وسلم أي أول من تجاب شفاعته
ليست إلى الأمة من البشر كافه فيدخل الجنة فيشفع إلى اللَّه تعالى في ذلك مما جاء في الإجازة الصحاح وهذه هي الشفاعة الأولى التي يختص بها دون غيره من الرسل ثم يكون له بعدها شفاعات من اتخاذ من شاء من أهل الكتاب من النار من أمته. ولكن الرسل يشاركونه في هذه الشفاعة فيشفعون في عصاة أمتهم وكذلك الملائكة يشفعون بل المؤمنون كما في الصحيحين من حديث أبى هريرة وأبى سعيد فيقول تعالى: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين وذكر الحديث. ثم له صلى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك شفاعات أخرى منها شفاعة في جماعة يدخلون الجنة بغير حساب ومنها في ناس وقد استحقوا النار. ومنها أربع شفاعات في أناس دخلوا النار فيخرجون منها، ومنها شفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة، وهذه الشفاعة اتفق عليها أهل السنة والمعتزلة عليها في صحيح البخاري. الرابعة عشرة: أنه أول شافع وأول مشفع صلى اللَّه عليه وسلّم أي أول من تجاب شفاعته خرج مسلم من حديث أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع، وأنا أول مشفع. وقد مضى بطرقه. الخامسة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة فإذا أفاق الناس يوم القيامة يكون أولهم إفاقة كما خرجاه في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في قصة اليهودي الّذي قال: لا والّذي اصطفى موسى على العالمين، فلطمه رجل من المسلمين، وترافع
السادسة عشرة: أنه صلى الله عليه وسلم أول من يقرع باب الجنة
إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة، وذكر الحديث. السادسة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أول من يقرع باب الجنة كما تقدم في ذكر ذلك. السابعة عشرة: اختصاصه صلى اللَّه عليه وسلّم على إخوانه من الأنبياء عليهم السلام بأنه أكملهم وسيدهم وخطيبهم وإمامهم وخاتمهم فما من نبي إلا وقد أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمن به ولينصره، وأمر أن يأخذ على أمته الميثاق فلذلك قال اللَّه تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. فقوله تعالى: لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مصدقا بعد هذا كله فعليكم الإيمان به ونصرته وإذا كان هذا الميثاق شاملا لكل منهم تضمن أخذه صلى اللَّه عليه وسلّم من جميعهم هذه خصوصية ليست لأحد سواه وتقدم الكلام في ذلك مجودا. الثامنة عشرة: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى جوامع الكلم وقد تقدم في ذلك قول الهروي يعنى بجوامع الكلم القرآن في جمع اللَّه في الألفاظ اليسيرة المعاني الكثيرة، وكلامه صلى اللَّه عليه وسلّم كان قليل اللفظ كثير المعاني وقال ابن شهاب: جوامع الكلم أن اللَّه يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمر من نحو ذلك .
التاسعة عشر: أنه صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء أتباعا
التاسعة عشر: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أكثر الأنبياء أتباعا وقد تقدم ذكر هذا. العشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى جوامع الكلم ومفاتيح الكلم وقد تقدم ذكر ذلك أيضا. الحادية والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أعطى مفاتيح خزائن الأرض كما خرجه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة وخرجه الإمام أحمد من حديث على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ولفظه أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس. وقد مضى هذا المعنى أيضا. الثانية والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم أوتى الآيات الأربع من آخر سورة البقرة وأصل هذا في صحيح مسلم من حديث حذيفة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد تقدم طرق من ذلك. الثالثة والعشرون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينام قلبه وكذلك الأنبياء عليهم السلام وتقدم ذكر هذا .
الرابعة والعشرون: كان صلى الله عليه وسلم يرى من ورائه كما يرى من أمامه
الرابعة والعشرون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى من ورائه كما يرى من أمامه والأحاديث الواردة في ذلك مقيدة بحال الصلاة، كما تقدم ذكره عند ذكر المعجزات. الخامسة والعشرون: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يرى ما لا يرى الناس حوله كما يرى في الضوء وقد تقدم ذلك مجودا. السادسة والعشرون: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم تطوعه بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما وإن لم يكن عذر، وتطوع غيره قاعدا على النصف من صلاته قائمة قال صاحب (التلخيص) : وثقة الرافعي وأنكره القفال وقال: لا يعرف هذا، بل هو كغيره، وعدّ القضاعي هذه الخصوصية مما حظي به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون الأنبياء من قبله. السابعة والعشرون: أن المصلى يخاطبه في صلاته إذا تشهد بقوله في تشهده السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، ولا يجوز أن يخاطب أحد سواه .
الثامنة والعشرون: لا يجوز لأحد التقدم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرفع صوته فوق صوته ولا يجهر له بالقول ولا يناديه من وراء حجراته
الثامنة والعشرون: لا يجوز لأحد التقدم بين يدي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولا يرفع صوته فوق صوته ولا يجهر له بالقول ولا يناديه من وراء حجراته قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. ومعنى الآية يا أيها الذين آمنوا اجعلوا الرسول يبدأ في الأقوال والأفعال ولا تعجلوا بقول أو فعل قبل أن يفعل، عن ابن عباس معناها: لا تقطعوا أمرا إلا بعد أن يحكم به ويأذن فيه. التاسعة والعشرون: لا يجوز لأحد أن يناديه صلى اللَّه عليه وسلّم باسمه فيقول: يا أحمد، يا محمد، ولكن يقول: يا نبي اللَّه، يا رسول اللَّه، قال اللَّه تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. الثلاثون: شعره صلى اللَّه عليه وسلّم طاهر وهذا إنما يكون من الخصائص إذا حكمنا بنجاسة شعر من سواه المنفصل عنه في حال الحياة، وهو أحد الوجهين وكذلك بوله، ودمه، وسائر فضلاته، كلها طاهرة على أحد الوجهين لأصحابنا، وينبغي اختياره، وقد صحح القاضي حسين، وقال في (الروضة) : وكان ليستشفى ويتبرك ببوله
الحادية والثلاثون: أن من دنا بحضرته صلى الله عليه وسلم أو استهان به كفر
ودمه، وليس [فقط] بنخامته، وبريقه، وفضل وضوئه، وفي كون ذلك من الخصائص نظرا لا يخفى في الظاهر من صاحب (الروضة) . الحادية والثلاثون: أن من دنا بحضرته صلى اللَّه عليه وسلّم أو استهان به كفر جزم به الرافعي وقاله النووي في (الروضة) . الثانية والثلاثون: يجب على المصلى إذا دعاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يجيبه ولا تبطل صلاته وليس هذا لأحد سواه اللَّهمّ إلا ما حكاه الأوزاعي عن شيخه مكحول أنه كان يوجب إجابة الوالدة في الصلاة، حديث الراهب [جريج] الّذي قال لما سمع نداء أمه وهو يصلى: اللَّهمّ أمى وصلاتي ثم مضى في صلاته فلما كان المرة الثانية فعل بمثل ذلك ثم الثالثة فدعت عليه فاستجاب اللَّه لها فيه وعاقبه كما ذكر في صحيح البخاري وغيره. الثالثة والثلاثون: أولاد بناته صلى اللَّه عليه وسلّم ينتسبون إليه وأولاد بنات غيره لا ينتسبون إليه ودليله ما خرجه البخاري من طريق ابن عيينة، وفيه قوله صلى اللَّه عليه وسلّم للحسن وقد مال عليه وهو صغير: لا تزرموا ابني، وقصة المباهلة. وهذه الخصوصية عدها صاحب (التلخيص) من الخصوصيات .
الرابعة والثلاثون: أن كل نسب وحسب فإنه ينقطع نفعه يوم القيامة إلا نسبه وحسبه وصهره صلى الله عليه وسلم
الرابعة والثلاثون: أن كل نسب وحسب فإنه ينقطع نفعه يوم القيامة إلا نسبه وحسبه وصهره صلى اللَّه عليه وسلّم قال اللَّه تعالى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ. وقال الإمام أحمد بسنده عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: فاطمة بضعة منى إلى أن قال وأن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وصهري، وهذا الحديث في الصحيحين عن المستورد بن مخرمة بلفظ آخر. الخامسة والثلاثون: تحريم ذرية ابنته فاطمة على النار خرج الحاكم بسنده عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم اللَّه ذريتها على النار. قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال كاتبه: وهذه الخصوصية لم أر أحدا عدها، وهي مما ينبغي إلحاقه في خصائص المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم. السادسة والثلاثون: الجمع بين اسمه وكنيته يجوز التسمي باسمه صلى اللَّه عليه وسلّم بل خلاف وفي جواز التكني بكنيته أقوال للعلماء: أحدها: المنع من ذلك مطلقا، وهو مذهب الإمام الشافعيّ، حكاه عنه البيهقي، والبغوي، وأبو القاسم بن عساكر الدمشقيّ، قال الشافعيّ: وليس لأحد أن يكنى بأبي القاسم سواء كان أسمه محمدا أم لا. الثاني: وهو مذهب مالك، أباحه مطلقا لمن كان اسمه محمدا ولغيره، وقد قيل: النهى مختص بحياته صلى اللَّه عليه وسلّم وإليه ذهب القاضي عياض .
السابعة والثلاثون: أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل هدية مشرك، ولا يستعين به
السابعة والثلاثون: أن من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه لا يقبل هدية مشرك، ولا يستعين به وقد تقدم ذلك في المغازي وغيرها. الثامنة والثلاثون: كانت الهدية له صلى اللَّه عليه وسلّم حلالا وغيره من الحكام والولاة لا يحل لهم قبول الهدية من رعاياهم ذكره النووي في (الروضة) . التاسعة والثلاثون: عرض عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الخلق كلهم من آدم عليه السلام إلى من بعده كما علّم أدم أسماء كل شيء ذكره العراقي في شرح (المهذب) .
الأربعون: فاتته صلى الله عليه وسلم ركعتان بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم داوم عليها بعده
الأربعون: فاتته صلى اللَّه عليه وسلّم ركعتان بعد الظهر فصلاهما بعد العصر ثم داوم عليها بعده خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن وهب أخبره عمرو وهو ابن الحارث عن بكير عن كريب مولى ابن عباس أن عبد اللَّه بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد الظهر وقل لها: أنا أخبرنا أنك تصلينها، وقد بلغنا أن الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم نهى عنها قال ابن عباس: وكنت اصرف الناس مع عمر بن الخطاب عنها: قال كريب: فدخلت عليها وبلغتها بما أرسلونى به: فقالت: سل أم سلمة فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلونى به إلى عائشة: فقالت أم سلمة رضى اللَّه عنها: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ينهى عنها ثم رأيته يسليهما أما حين صلاهما فإنه صلى العصر، ثم دخل على وعندي نسوة من بنى حرام من الأنصار، فصلاهما فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي بجنبه فقولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول اللَّه إني سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما، فإن أشار بيده فاستأخرى عنه فلما انصرف قال: يا ابنة أبى أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، أنه أتانى ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان.
وله من حديث إسماعيل بن جعفر: أخبرنى محمد بن أبى حرملة، أخبرنى أبو سلمة، أنه سأل عائشة رضى اللَّه عنها عن السجدتين اللتين كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر ثم إنه شغل أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما وكان إذا صلى صلاة أثبتها. قال: يحيى بن أيوب: قال إسماعيل: يعنى دوام عليهما. وذلك من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم على أصح الوجهين عند أصحابنا. ذكره النووي في (الروضة) [ (1) ] وقيل
بل لغيره صلى اللَّه عليه وسلّم أن يداوم عليهما وقال أبو ألوفا بن عقيل: كان مخصوصا بالصلاة في الأوقات المنهي عنها كالوصال ونقل ابن الجوزي عن الأثرم أنه قال: حديث عائشة خطأ لأنه روى عنها أنه كان يصليهما بعد الظهر فشغله قوم
الحادية والأربعون: هل كان صلى الله عليه وسلم يحتلم؟
فصلاهما بعد العصر مرة واحدة. الحادية والأربعون: هل كان صلى اللَّه عليه وسلّم يحتلم؟ على وجهين صحح النووي المنع ويشكل عليه ما خرجاه في صحيحهما [ (1) ] من حديث عائشة رضى اللَّه عنها كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يصبح جنبا من جماع من غير احتلام ثم يغتسل ويصوم، والأظهر في هذا التفصيل وهو أن يقال: أن الاحتلام فيض من البدن فلا مانع من هذا وإن أريد به ما يتحصل من تلاعب الشيطان فهو صلى اللَّه عليه وسلّم معصوم من ذلك، ولهذا لا يجوز عليه الجنون ويجوز عليه الإغماء بل قد أغمى عليه في الحديث الّذي روته عائشة في الصحيح وفيه أنه اغتسل من الإغماء غير مرة وعن القاضي حسين أن حكى عن الداركى أن الإغماء انما يجوز على الأنبياء ساعة أو ساعتين فأما الشهر والشهران فلا، وفي الطبراني من حديث ابن عباس يرفعه ما احتلم نبي قط إنما الاحتلام من الشيطان وقد ضعف هذا الحديث واللَّه أعلم [ (2) ] .
[الثانية والأربعون: من رآه صلى الله عليه وسلم في المنام فقد] رآه حقا وإن الشيطان لا يتمثل في صورته
[الثانية والأربعون: من رآه صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام فقد] رآه حقا وإن الشيطان لا يتمثل في صورته خرج البخاري [ (1) ] من طريق يونس، عن الزهري، حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بى، ومن طريق الزهري قال أبو سلمة: «قال أبو قتادة: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق» وخرجه مسلم [ (2) ] من طريق ابن وهب، قال: أخبرنى يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو فكأنما رآني في اليقظة لا يتمثل الشيطان بى. وقال: فقال أبو سلمة: قال أبو قتادة: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث ابن شهاب عن عمه محمد بن شهاب قال: حدثني أبو سلمة قال: قال أبو قتادة: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني فقد رأى الحق. وخرج البخاري [ (2) ] من حديث الليث، حدثني ابن الهاد عن عبد اللَّه بن خباب عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكوننى. وله من حدثنا عبد العزيز بن مختار ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بى، ورؤيا للمؤمن جزء من سنة وأربعين جزءا من النبوة، ولمسلم [ (3) ] من طريق الليث، عن أبى الزبير، عن جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من رآني في المنام فقد رآني، إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي، وقال: إذا حلم أحدكم فلا يخبر أحدا بتلعب الشيطان به في المنام. ومن طريق زكريا بن إسحاق، قال: حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من رآني في المنام فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بى.
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة، عن ابن سيرين، عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان. فمن رأى ما يكره فليقم فليصل، وكان يقول: يعجبني القيد وأكره الغل: القيد: ثبات في الدين، وكان يقول: من رآني أنا هو فإنه ليس للشيطان أن يتمثل بى، وكان يقول: لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وخرج مسلم من طريق حماد بن زيد، حدثنا أيوب وهشام عن محمد، عن أبى هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بى. وللطبراني في (أوسط معاجمه) من حديث أبى سعيد الخدريّ، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بى ولا بالكعبة، ثم قال: لا نحفظ هذه اللفظة إلا لهذا الحديث، واعلم أن صورة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم التي شاهدها الحس مع قوته في المدينة، وأما صورة روحه ولطيفته فما شاهدها أحد وكل روح بهذه المثابة لم يشاهدها أحد ولا من نعته، بل يتجسد للرائي روح النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام بصورة حسنة من غير أن يحرم شيئا، فهو محمد صلى اللَّه عليه وسلّم المرئي من حيث روحه في جسد صورة جسدية تشبه إلى رؤيته، ولا يمكن للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى اللَّه عليه وسلّم عصمة من اللَّه تعالى في حق الرائي، ولهذا من يراه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره به، أو ينهاه عنه أو يخبره كما كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص أو ظاهر أو مجمل. أو ما كان فان اعطى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم الرائي شيئا فإن ذلك الوقت هو الّذي يدخله التعبير، فان خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا تعبير لها.
قال القاضي أبو بكر قوله: فإن الشيطان لا يتمثل به معناه أن رؤياه صحيحة، وليست بأضغاث [ (1) ] وقال آخرون: معناه رآه حقيقة. قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون المراد ما إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته فإن رآه على خلافها، كانت رؤيا تقاويل لا رؤيا حقيقة. قال بعض العلماء: خص صلى اللَّه عليه وسلّم بأن رؤيته في المنام صحيحة ومنع الشيطان أن يتمثل في خلقة لئلا يكذب على لسانه في النوم، كما منعه أن يتصف في صورته في اليقظة إكراما له، فإذا تقرر ذلك فما سمعه الرائي منه في المنام، مما يتعلق بالأحكام لا يعمل به لعدم ضبط الرائي لا للشك في الرؤيا فإن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه هنا ما ذكره القاضي حسين في فتاويه في مسألة صيام رمضان، وذكره أيضا جماعة من الأصحاب وجزم به النووي في (الروضة) من زوائده في أوائل النكاح في الكلام على الخصائص ونقل القاضي عياض الإجماع عليه [ (2) ] . ونقل النووي أيضا في (شرح مسلم) في باب بيان أن الإسناد من الدين عن أصحابنا وغيرهم أنهم نقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع ثم قال: وهذا في مقام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به أما إذا راء مرة يفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه من منهيّ عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استجاب العمل على وقفه لان ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء [ (3) ] .
نعم عن فتاوى عن الحكم فأفتاه بخلاف مذهبه وليس مخالفا ولا إجماعا فقال: فيه وجهان أحدهما: يأخذ بقوله لأنه مقدم على القياس وثانيهما، لا لأن القياس دليل والأحلام لا يعول عليها فلا يترك من أجلها الدليل ومن كتاب (الجدل) الأستاذ ابى إسحاق الأسفرايني حكاية وجهين في أن الرجل لو رأى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في المنام وأمره بأمر هل يجب عليه امتثاله إذا استيقظ وجهين أيضا في وجوب التمسك بالحلم من حديث هو في الحالة المذكورة ومن (روضة الحكام) للقاضي شريح من أصحابنا: لو كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لفلان: صلى فلان كذا هل للسامع أن يشهد لفلان صلى فلان كذا وجهان. وقد عد القضاعي هذه الخصوصية مما خص به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء وعبر بقوله أنه حرم على الشيطان أن يتمثل به صلى اللَّه عليه وسلّم. ***
الثالثة والأربعون: أن الأرض لا تأكل لحوم الأنبياء
الثالثة والأربعون: أن الأرض لا تأكل لحوم الأنبياء خرج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق حسين بن على الجعفي، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبى الأشعث، عن أوس بن أوس الثقفي، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: «أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه الصعقة، فأكثروا على من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة على، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون: بليث فقال: إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء» . وخرجه أبو داود [ (2) ] ومسلم [ (3) ] والنسائي [ (4) ] إلا انهما قالا: إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء ولم يقل أبو داود أن تأكل، وعن أبى العالية إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض ولا تأكلها السباع.
الرابعة والأربعون: أن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على غيره
الرابعة والأربعون: أن الكذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم ليس كالكذب على غيره فقد تواتر عنه صلى اللَّه عليه وسلّم إن من كذب عليه متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار. روى هذا الحديث من طريق نيف وثمانين صحابيا وهو في الصحيحين [ (1) ] من حديث على بن أبى طالب، وأنس بن مالك، وأبى هريرة، والمغيرة بن شعبة. وعند البخاري من رواية الزبير بن العوام وسلمة بن الأكوع وعبد اللَّه ابن عمرو بن العاص رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولفظ بلغوا عنى ولو آيه، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار. وفي (مسند الإمام أحمد) [ (2) ] عن عثمان بن عفان، وعبد اللَّه بن عمر ابن الخطاب وأبى سعيد الخدريّ، وسلمة بن الأسقع وزيد بن أرقم رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وعند الترمذي [ (1) ] عن عبد اللَّه بن مسعود ورواه بن ماجة [ (2) ] عن جابر بن عبد اللَّه، وابى قتادة، وقد صنف فيه جماعة من الحفاظ كإبراهيم الحربي ويحيى ابن صاعد والطبراني والبزار وابن مندة وغيرهم من المتقدمين وصنف فيه أبو الفرج بن الجوزي ويوسف بن خليل من المتأخرين وصرح بتواتره ابو عمرو بن الصلاح وأبو زكريا النووي وغيرهما من حفاظ الحديث وهو الحق
الخامسة والأربعون: أنه صلى الله عليه وسلم كان معصوما في أقواله وأفعاله ولا يجوز عليه التعمد ولا الخطأ الذي يتعلق بأداء الرسالة ولا بغيرها فيقدر عليه
ولهذا أجمع العلماء على كفر من كذب على الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم تعمدا مستجيزا لذلك واختلفوا في المتعمد فقط فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يكفر أيضا ويخالفه الجمهور ثم لو تاب فهل تقبل روايته على قولين: فأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو بكر الحميدي والصيرفي من أصحابنا قالوا: لا تقبل توبته ولا روايته لقوله صلى اللَّه عليه وسلّم إن كذبا على ليس ككذب على أحد، من كذب على فليتبوَّأ مقعده من النار قالوا: ومعلوم أن من كذب على غيره فقد أثم وفسق، وكذلك الكذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم لكن من تاب عن الكذب على غيره تقبل بالإجماع توبته، فينبغي أن لا تقبل توبته من كذب عليه صلى اللَّه عليه وسلّم ولا روايته فرقا بين الكذب عليه والكذب على غيره وأما الجمهور فقال: إن تاب قبلت توبته وروايته وهذا هو الصحيح واللَّه اعلم. الخامسة والأربعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان معصوما في أقواله وأفعاله ولا يجوز عليه التعمد ولا الخطأ الّذي يتعلق بأداء الرسالة ولا بغيرها فيقدر عليه [قال تعالى] [ (1) ] وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى فلهذا قال كثير من العلماء: لم يكن له الاجتهاد لأنه قادر على النص وقال آخرون: بل لا يقدر عليه فعلى الأقوال كلها هو واجب العصمة لا يتصور استمرار الخطأ عليه بخلاف أمته فإنه يجوز ذلك على كل واحد منهم منفردا فأما إن اجتمعوا كلهم على قول واحد فلا يجوز عليهم الخطأ كما تقدم. قال الماوردي في (تفسيره) : قال ابن أبى هريرة: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يجوز عليه الخطأ ويجوز على غيره من الأنبياء لأنه خاتم النبيين فليس بعده من يستدرك الخطأ بخلافهم فلذلك عصمه اللَّه تعالى منه وقال الإمام الحق الحق: إنه لا يخطئ في اجتهاده صلى اللَّه عليه وسلّم.
السادسة والأربعون: أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره وكذلك الأنبياء عليهم السلام
واختار الآمدي وابن الحاجب أنه يجوز عليه بشرط أن لا يقره عليه ونقله المدى من أكثر أصحابنا والحنابلة وأصحاب الحديث واحتج عليه بأشياء [ (1) ] . السادسة والأربعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم حي في قبره وكذلك الأنبياء عليهم السلام وقد أفرد الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في ذلك جزءا حاصله أنه خرج من طريق أبى احمد بن عدي الحافظ قال: حدثنا قسطنطين بن عبد اللَّه الرومي أخبرنا الحسين بن عرفه العبديّ قال: حدثني الحسن بن قتيبة المدائني أخبرنا مسلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج بن الأسود عن ثابت البناني عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. قال البيهقي: هذا الحديث يعد في أفراد الحسن بن قتيبة المدائني أبو على، له أحاديث غرائب حسان وأرجو أنه لا بأس به. قال البيهقي: وقد روى عن يحيى بن أبى بكر عن المسلم بن سعيد فذكره من طريق ابى يعلى الموصلي قال ابن على المسلم: عن الحجاج فذكره.
وخرجه البيهقي عن سعيد ثنا عبيد اللَّه بن أبى أحمد النهلي عن أبى المليح عن أنس قال: الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون [ (1) ] .
قال: هذا موقوف عن أنس بن أبى ليلى عن ثابت عن أنس عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي اللَّه حتى ينفخ في الصور [ (1) ] . قال البيهقي: وهذا إن صح بهذا اللفظ فالمراد لا يتركون لا يصلون إلا هذا المقدار ثم يكونون مصلين فيما بين يدي اللَّه تعالى ويحتمل أن يكون المراد به رفع أجسادهم مع أرواحهم فقد روى سفيان الثوري في الجامع فقال: قال لنا شيخ: عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين ليلة حتى رفع [ (2) ] .
قال كاتبه: وقال محمد بن زبالة: حدثني محمد بن حسن، عن إبراهيم ابن عبد الرحمن ابن عبد اللَّه، قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب، فرآهم يلوذون بقبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: لعلهم يرون أنه فيه ما يرى في قبره أكثر من أربعين ليلة. وحدثني محمد بن حسن عن عثمان عن الحكم بن عيينة عن سعيد مثلة قال البيهقي: فعلى هذا يسيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم اللَّه تعالى لما روينا في حديث المعراج وغيره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رأى موسى عليه السلام قائما يصلى في قبره ثم رآه مع سائر الأنبياء في بيت المقدس ثم رآهم في السموات، ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد من الأحاديث الصحيحة فذكر حديث يزيد بن هارون أن سليمان التيمي عن أنس أن بعض أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أخبره أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليلة اسرى به مر على موسى وهو يصلى في قبره [ (1) ] . وحديث سفيان الثوري ثنا سليمان عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: مررت على موسى وهو قائم يصلى في قبره [ (2) ] وحديث حماد بن سلمة ثنا سليمان التيمي وثابت عن أنس ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أتيت على موسى ليلة اسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى في قبره خرجه مسلم من حديث حماد بن سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ومن حديث الثوري وعيسى بن يونس وجرير بن عبد الحميد عن التيمي قال المؤلف [ (3) ] .
وخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد العزيز بن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيتني في الحجر وأنا أخبر قريش عن مسراى، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه اللَّه تعالى إليّ انظر إليه ما يسألونى عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلى، وإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى قائم يصلى أقرب الناس منه شبها: عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم يعنى نفسه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقامت الصلاة، فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار، فسلم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام. خرجه مسلم من حديث عبد العزيز وفي حديث سعيد بن المسيب لقيهم في مسجد بيت المقدس. وفي حديث أبى ذر ومالك بن صعصعة في قصة المعراج أنه لقيهم في جماعة من الأنبياء في السموات وحكمهم وحكموه وكل ذلك صحيح لا يخالف بعضه بعضا فقد يرى موسى قائما يصلى في قبره ثم أسرى بموسى وغيره إلى بيت المقدس كما أسرى بنبينا فيراهم فيه ثم يعرج بهم إلى السموات كما عرج نبينا فيراهم فيه كما أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم فحلوله في أوقات بمواضع مختلفات ثابت، فجائز في العقل كما ورد عن الصادق وفي ذلك دلالة على حياتهم على ذلك فذكر حديث أوس الثقفي أن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال: وله شواهد فذكر حديث أبى مسعود يرفعه ليس يصلى على أحد يوم الجمعة إلا عرضت على صلاته [ (2) ] .
وحديث أبى أسامة: أكثروا عليّ من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتى تعرض عليّ في كل يوم جمعه. وحديث أنس يرفعه وفيه ثم يوكل اللَّه بذلك ملك يدخله في قبري كما تدخل عليكم الهداية يخبرني من صلى على باسمه ونسبه إلى عشيرته. فأثبتته عندي في صحيفة بيضاء. وحديث أبى هريرة وفيه: صلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم وحديثه أيضا يرفعه ما من أحد يسلم على إلا رد اللَّه على روحي حتى أرد عليه السلام [ (1) ] . قال البيهقي: وإنما أراد واللَّه اعلم إلا وقد ردّ اللَّه روحي حتى أرد عليه السلام. وذكره حديث ابن مسعود يرفعه إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونني من أمتى السلام. وحديث أبى هريرة يرفعه من صلى على عند قبري سمعته ومن صلى على غائبا أبلغته وذكر حديث لا تخيرونى على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدرى أكان فيما صعق فأفاق قبلي أو كان فيما يستثنى اللَّه فهذا إنما يصح على أن اللَّه تعالى رد إلى الأنبياء أرواحهم وهم أحياء عند ربهم كالشهداء فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيما صعق ثم لا يكون ذلك مرئيا في جميع معانيه إلا في ذهاب الاستشعار فإن كان موسى ممن استشنى اللَّه بقوله إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ فلله تعالى لا يذهب باستشعاره في تلك الحالة ويحاسبه اللَّه بصعقة الصور واللَّه أعلم. وقال ابن زبالة: وحدثني يزيد عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كلمه روح القدس لم يؤذن للأرض أن تأكل من لحمه [ (2) ] .
السابعة والأربعون: ما من أحد يسلم عليه صلى الله عليه وسلم إلا رد الله تعالى إليه روحه ليرد عليه السلام يبلغه صلى الله عليه وسلم سلام الناس عليه بعد موته ويشهد لجميع الأنبياء بالأداء يوم القيامة
السابعة والأربعون: ما من أحد يسلم عليه صلى اللَّه عليه وسلّم إلا ردّ اللَّه تعالى إليه روحه ليردّ عليه السلام يبلغه صلى اللَّه عليه وسلّم سلام الناس عليه بعد موته ويشهد لجميع الأنبياء بالأداء يوم القيامة قال الماوردي: أما شهادته للأنبياء عليهم السلام فتقدم ذكره وأما السلام عليه: فخرج النسائي من طريق سفيان بن سعيد الثوري عن عبد اللَّه بن السائب عن زاذان عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن للَّه ملائكة سياحين يبلغوني حين يبلغوني عن أمتى السلام [ (1) ] وخرجه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرج البيهقي وغيره من حديث أبى عبد الرحمن المقرئ قال ثنا حيوة ابن شريح: عن أبى صخر عن يزيد بن عبد اللَّه بن قسط عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من أحد يسلم عليّ إلا رد اللَّه روحي حتى أرد عليه السلام [ (3) ] .
الثامنة والأربعون: من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه كان نورا وكان إذا مشى في الشمس والقمر لا يظهر له ظل
وخرجه الإمام أحمد من طريق عبد اللَّه ثنا حيوة به ولفظه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من أحد يسلم عليّ إلا رد اللَّه إلى روحي حتى أرد عليه السلام [ (1) ] وقال أبو بكر بن أبى الدنيا: حدثني سويد بن سعيد حدثني ابن أبى الرجال عن سليمان بن عثمان قال: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في النوم فقلت يا رسول اللَّه هؤلاء الذين يأتوك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال: نعم وأرد عليهم. الثامنة والأربعون: من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان نورا وكان إذا مشى في الشمس والقمر لا يظهر له ظل جعل ابن سبع في كتاب (شفاء الصدر) من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم أنه كان نورا وكان إذا مشى في الشمس والقمر لا يظهر له ظل ويشهد لما ذكره قول اللَّه تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ [ (2) ] فسماه اللَّه نورا وسماه سراجا فقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [ (3) ] قال الطبري: يعنى بالنور محمدا صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي أنار اللَّه به الحق وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك وهو نور لمن استتار به انتهى. وثبت أنه صلى اللَّه عليه وسلّم سأل اللَّه تعالى أن يجعل في جميع أعضائه وجهان نورا وختم ذلك بقوله واجعلني نورا.
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث محمد بن جعفر عن شعبه عن سلمه بن كهيل عن كريب عن ابن عباس قال: بنت عند خالتي ميمونة الحديث وفيه واجعل لي نورا وقال: واجعلني نورا، وفي رواية النضر عن شعبه واجعلني نورا ولم يشك. ***
وأما أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا
وأما أنه صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا خرجه أبو محمد بن عدي حدثنا عبد اللَّه بن يحى السرحينى ثنا جعفر ابن عبد الواحد قال: قال لنا صفوان بن هبيرة ومحمد بن بكر الرومانى: عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا [ (1) ] . وقال محمد بن سعد: أخبرنى يونس بن عطاء المكيّ ثنا الحكم بن أبان العهدي ثنا عكرمة عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا قال: فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال: ليكون ابني هذا شأن فكان له شأن [ (2) ] . وقال محمد بن كثير الكوفي: ثنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا وقال سفيان بن محمد المصيصي: أرانا هشيم عن يونس عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كرامتي على اللَّه عز وجل انى ولدت مختونا ولم ير سوأتي أحد [ (3) ] .
وخرج الطبراني في (الأوسط) من معاجمه حدثنا محمد بن أحمد بن الفرج الأيلي المؤدب ثنا سفيان بن محمد الغزاري ثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: من كرامتي على اللَّه أنى ولدت مختونا ولم ير سوأتي أحد قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يونس إلا هشيم تفرد به سفيان بن محمد الفزاري. وخرج أبو نعيم الحافظ ثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن خالد الخطيب، ثنا محمد بن محمد بن سليمان، ثنا عبد الرحمن بن أيوب الحمصي، ثنا موسى بن أبى موسى، حدثني خالد بن سلمة. عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ولد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مسرورا مختونا [ (1) ] . وخرج الطبراني في (معجمه الأوسط) عن محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ ثنا عبد الرحمن بن عتيبة البصري ثنا على محمد السلمي أبو الحسن المدائني ثنا مسلمه بن محارب بن سلمة بن زياد عن أبيه عن أبى بكرة أن جبريل ختن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حين طهر قلبه قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبى بكرة إلا بهذا الإسناد تفرد به عبد الرحمن بن عتيبة [ (2) ] .
التاسعة والأربعون:
التاسعة والأربعون: قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام جاء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه علم بعض الناس الدعاء فقال: قل: اللَّهمّ إني أقسم عليك بنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم نبي الرحمة فإن صح فينبغي أن يكون مخصوصا، فإنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على اللَّه بغيره من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنّهم ليسوا في درجته قال المؤلف: هذا الحديث خرجه الترمذي [ (1) ] من حديث عثمان بن حنيف، ولفظه اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، الحديث وقال: حديث حسن صحيح غريب وقد تقدم ذكره في المعجزات فتأمله وليس في طرقه كلها أقسم عليك فيها أسألك واللَّه أعلم.
الخمسون: كان صلى الله عليه وسلم يرى في الظلمة كما يرى في النور
الخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى في الظلمة كما يرى في النور وتقدم أيضا واللَّه أعلم [ (1) ] . الحادية والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم إذا قعد لحاجته تبتلع الأرض بوله وغائطه وقد تقدم ذلك بطرقه [ (2) ] . الثانية والخمسون: ولد صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا خرج الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادي من طريق سفيان بن محمد المصيصي قال: حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من كرامتي إني ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتي [ (3) ] .
الثالثة والخمسون: كان صلى الله عليه وسلم لا يتثاءب
فأن قيل: فلم لم يولد مطهر القلب من الحظ الشيطان حتى شق صدره قيل: قال ابن عقيل الحنبلي: لأن اللَّه تعالى أخفى دون التطهير بين الّذي جرت العادة أن تفعله القابلة أو الطبيب وأظهر أشرفهما وهو القلب فأظهر آثار التحميد والعناية بالعصمة في الطرقات الوحي. وقال أبو حسين بن بشر: أن ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا أبو الحسن ابن البراء قال قالت: آمنه: ولدته جاثيا على ركبتيه نظر إلى السماء ثم قبضة من الأرض وأهوى ساجدا وولد وقد قطعت سرته فغطين عليه إناء فوجدته قد تفلق الإناء عنه وهو يمص إبهامه يشخب لبنا وقد قال العباس: ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مختونا مسرورا فأعجب به جده عبد المطلب [ (1) ] . الثالثة والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يتثاءب حدث محمد بن كثير الكوفي ثنا إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبى هريرة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولد مختونا وقال صفوان بن قتيبة: ومحمد الرماني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: ولد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم مسرورا مختونا وفي هذين الحديثين ضعف وقد ورد في حديث آخر ما يخالف هذا وهو أن جده عبد المطلب ختنه في يوم السابع وصنع له مأدبة رواه ابن عبد البر في [المبتدإ] وإسناده أيضا لا يصح وقد استغنى عن هذا بحلب في حدود الخمسين والستمائة فصنف فيها ابن طلحة تصنيفا حكى فيه عن أبى عبد اللَّه الترمذي الحكيم أنه ولد مختونا وتعقبه الكمال عمر بن العديم فصنف كتاب [الملحة في الرد على أبى طلحة] فأبدع وأجاد ذكره في اختلاف الآثار في كونه ولد مختونا أو ختنه جده عبد المطلب أو ختنه جبريل عليه السلام وذكر ما ورد في ذلك من الآثار وضعفها كلها وأنه لا يثبت في هذا شيء من ذلك واللَّه أعلم.
خرج البخاري في كتابه الكبير وأنس بن أبى شيبة في مصنفه من مرسل يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة قط ولابن سعد [ (1) ] من حديث سفيان، عن أبى فزاره عن يزيد ابن الأصم قال: ما رئي النبي صلى اللَّه عليه وسلّم متثائبا في الصلاة قط، وقال مسلمة بن عبد الملك: ما تثاءب نبي قط وأنها من علامة النبوة ونقله ابن دحية في خصائص أعضاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال مؤلفه: ويؤيد ذلك ما خرجه البخاري [ (2) ] في صحيحة من حديث ابن أبى ذئب حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: أن اللَّه يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد اللَّه فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته. وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإن قال: ها ضحك من الشيطان. وترجم عليه باب ما يستحب من العطاس ويكره من التثاؤب، وخرجه أيضا في باب إذا تثاءب فليضع على فيه. وهو آخر حديث في كتاب الأدب وذكره في بدء الخلق في باب صفة إبليس وجنوده وخرجه أبو داود [ (3) ] أيضا.
وخرج مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبى هريرة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع. وخرج من طريق بشر بن المفضل، قال: أخبرنا سهيل عن أبى صالح، قال: سمعت ابنا لأبى سعيد الخدريّ يحدث أبى عن أبيه وقال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل. ومن طريق عبد العزيز عن سهل عن عبد الرحمن بن أبى شيبة فذكره أورده في الزهد قال ابن سينا العطاس حركة حاصلة من الدماغ لدفع خلط أو مؤذ آخر باستعانة من الهواء دفعا من طريق الأنف، والفم، والعطاس للدماغ كالسعال للرئة وما يليها. قال: والعطاس أنفع الأشياء لتخفيف الرأس وهو مما يعين على نقض الفضول المحتبسة ويسهل للأولاد وخروج المشيمة وينقل ثقل الرأس انتهى، فلهذا كان العطاس يدل على العطاس وخفه البدن وسعة المنافذ وذلك محبوب إلى اللَّه تعالى فإن المنافذ إذا اتسعت وضاقت على الشيطان وإذا ضاقت بالأخلاط المتولدة عن كثرة الطعام والشراب اتسعت للشيطان فتمكن من الإنسان بتصرفه فيه وذلك لأن الشبع داع إلى الفضول فإن البطن إذا أشبع طغت الجوارح وتصرفت من الحركة والنظر والسماع والكلام، قواطع للعد عن المقصود وحينئذ يكثر التثاؤب لثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل فلذلك أضافه الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الشيطان فقال: التثاؤب من الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات التي يكرها العبد فكره اللَّه التثاؤب لذلك والمراد التحذير من السبب الّذي يتولد منه التثاؤب وهو التوسع في المآكل وإكثار الأكل المستلزم كثرة الشرب المتولد عنها النوم الكثير والكسل المبطئ عن القيام بوظائف العبادة والتثاقل عن أدائها فإذا تقرر ذلك فقد عصم اللَّه رسوله صلى اللَّه عليه وسلّم عن أن يصدر عنه ما يكرهه اللَّه تعالى من الأقوال والأفعال والأحوال، ولم يجعل للشيطان عليه سبيلا بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال، فلا يكون منه شيء مما ينسب إلى الشيطان ابدا ليظهر اللَّه له في ذلك كله ... ***
الرابعة والخمسون: أنه قد أقر ببعثه صلى الله عليه وسلم جماعة قبل ولادته وبعدها وقبل مبعثه
الرابعة والخمسون: أنه قد أقر ببعثه صلى اللَّه عليه وسلّم جماعة قبل ولادته وبعدها وقبل مبعثه كورقه بن نوفل وحبيب بن النجار وتبع وغيرهم كما تقدم ذكره فيما سلف [ (1) ]
الخامسة والخمسون: كان صلى الله عليه وسلم لا ينزل عليه الذباب
الخامسة والخمسون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينزل عليه الذباب قالع العز في السبتي في كتاب (أعذب الموارد وأطيب الموالد) وقال ابن سبع في كتاب (الشفا) أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يقع على ثيابه ذباب قط قال: الإمام أبو الحسن على بن أحمد بن إبراهيم التجيبي الحراني رحمه اللَّه ولذلك لبد صلى اللَّه عليه وسلّم رأسه في الاحدام بالعسل لما كان آمنا من نزول الذباب عليه ويقال: أنه لم يتسخ له ثوب قط ولا يقمل له ثوب قط [ (1) ] . ***
السادسة والخمسون: كان له صلى الله عليه وسلم إذا نسي الاستثناء أن يستثنى له إذا ذكر وليس لغيره أن يستثنى إلا في صلة اليمين
السادسة والخمسون: كان له صلى اللَّه عليه وسلّم إذا نسي الاستثناء أن يستثنى له إذا ذكر وليس لغيره أن يستثنى إلا في صلة اليمين خرج الطبراني في (معجمه الكبير) من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد العزيز بن حسين عن ابن أبى نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: [واذكر ربك إذا نسيت] [ (1) ] قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثنى، إذا ذكرت الاستثناء وذكر ابن شاهين أن من جمله شعب الإيمان الاستثناء في كل كلام وأورد بسند ضعيف عن أبى هريرة يرفعه لا يتم إيمان المرء حتى يستثنى في كل حديث أو قال: في كل كلامه [ (2) ] .
السابعة والخمسون: أنه كان صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى
السابعة والخمسون: أنه كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا ينطق عن الهوى وعدّها ابن الفارض [ (1) ] من خواصه وقد تقدم هذا [ (2) ]
الثامنة والخمسون: النهى عن طعام الفجأة إلا له صلى الله عليه وسلم خصوصية
الثامنة والخمسون: النهى عن طعام الفجأة إلا له صلى اللَّه عليه وسلّم خصوصية قال أبو العباس بن القاص: ونهى الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم عن طعام الفجاءة وقد فاجأه ابو الدرداء على طعامه فأمره بأكله وكان ذلك خاصا له صلى اللَّه عليه وسلّم قال البيهقي: لا أحفظ النهى عن طعام للفجاءة من وجه يثبت ثم أورد حديث ابى داود [ (1) ] من رواية درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر مرفوعا من دعي فلم يجب فقد عصى اللَّه ورسوله ومن دخل على غير دعوة فقد دخل سارقا وخرج مغيرا وعد القضاعي أيضا هذه من الخصائص.
التاسعة والخمسون: عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس
التاسعة والخمسون: عصمته صلى اللَّه عليه وسلّم من الناس عدها القضاعي من الخصائص وقد تقدم الكلام عليها [ (1) ] .
الستون: عصمته صلى الله عليه وسلم من الأعلال السيئة
الستون: عصمته صلى اللَّه عليه وسلّم من الأعلال السيئة وقد عدها القضاعي في الخصائص ويؤيده ما رواه يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يصدع، وأنا اشتكى رأسي، فقلت: وا رأساه فقال: بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه. ثم قال: وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك وواريتك فقلت واللَّه إني لأحسب لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار، فأعرست بها، فضحك. ثم تمادى برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وجعه فاستقر برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله، فقال العباس: إنا لنرى برسول اللَّه ذات الجنب، فهلموا فلنلده فلدوه، وأفاق وقال: من فعل هذا، فقالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات لجنب، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إنها من الشيطان، وما كان اللَّه ليسلطه على، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه الا عمى العباس، فلد أهل البيت كلهم، حتى ميمونة، وإنها لصائمه يومئذ، وكذلك بعين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم الحديث [ثم استأذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم نساءه، يمرض في بيتي فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى بيتي، وهو بين العباس وبين رجل آخر- لم تسميه- تخط قدماه بالأرض إلى بيت عائشة. قال عبيد اللَّه: فحدثت هذا الحديث ابن عباس فقال: تدري من الرجل الآخر الّذي مع العباس ما لم تسميه عائشة؟ قلت: لا قال: هو على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ]] .
وفي رواية ذلك داء ما كان اللَّه ليعذبني به وفي رواية للطبراني: إني أكرم على اللَّه من أن يعذبني بها. وفي رواية أخرى وهي من الشيطان وما كان اللَّه ليسلطها عليّ، وفي رواية ما كان اللَّه ليميتنى بسيء الأسقام أو قال: الأمراض وقد كان صلى اللَّه عليه وسلّم يقول في دعائه اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجنون والجذام وسيئ الأسقام. خرجه النسائي [ (1) ] من حديث همام، عن قتادة عن أنس، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجنون والجذام والبرص وسيئ الأسقام.
الحادية والستون: أن الملائكة قاتلت معه صلى الله عليه وسلم يوم بدر ولم تقاتل مع أحد من قبله
وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث حماد، عن قتادة، عن أنس بهذا، وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة [ (2) ] عن حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس ان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: بنحوه وقال: ومن سوء الأسقام. الحادية والستون: أن الملائكة قاتلت معه صلى اللَّه عليه وسلّم يوم بدر ولم تقاتل مع أحد من قبله كما تقدم ذكره وعد القضاعي ذلك من الخصائص [ (3) ] . الثانية والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يشهد على جور وعد ذلك القضاعي من خصائصه ووجه كون هذا من الخصائص أن لا يشهد على جور، ظاهرا ولا باطنا ومن عداه قد شهد على الجور وفي طبقاته ليس يجوز لقصوره عن إدراك ما بطن عنه في ذلك [ (4) ] .
الثالثة والستون: كان صلى الله عليه وسلم يرى في الثريا أحد عشر نجما [1]
الثالثة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يرى في الثريا أحد عشر نجما [ (1) ] كما ذكره القاضي عياض [ (2) ] في كتاب الشفاء وذكر السهيليّ لا تزيد على تسعة أنجم فيما يذكرون] [ (3) ] .
الرابعة والستون: بياض إبطه صلى الله عليه وسلم من خصائصه صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره فإنه أسود لأجل الشعر [1]
الرابعة والستون: بياض إبطه صلى اللَّه عليه وسلّم من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم بخلاف غيره فإنه أسود لأجل الشعر [ (1) ] ذكره أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة فقال: بياض إبطه صلى اللَّه عليه وسلّم من علامات نبوته وقد جاء في أحاديث عديدة ذكر بياضه منها: كان إذا سجد جافى بين أعضائه حتى يرى من خلفه عقرة إبطيه، العقرة: البياض ليس بالناصع واللَّه أعلم. ***
الخامسة والستون: كان صلى الله عليه وسلم لا يحب الطيب في الإحرام لأن الطيب من أسباب الجماع
الخامسة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لا يحب الطيب في الإحرام لأن الطيب من أسباب الجماع ادعى المهلب بن أبى صفره المالكي أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان لا يتجنب الطيب في الإحرام ونهانا عنه لضعفنا عن ملك الشهوات، إذا الطيب من أسباب الجماع فيكون ذلك من الخصائص وقد خولف المهلب في هذه الدعوى [ (1) ]
السادسة والستون: كان صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى في كل وقت بخلاف الأنبياء جميعا حيث لا يسألون الله تعالى إلا أن يؤذن لهم
السادسة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم يسأل اللَّه تعالى في كل وقت بخلاف الأنبياء جميعا حيث لا يسألون اللَّه تعالى إلا أن يؤذن لهم نقل القضاعي في تفسيره في قوله تعالى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها عن بعضهم أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان أخبر جبريل عليه السلام بما يجب من ذلك فأمره عن اللَّه تعالى أن يدعو اللَّه تعالى ويسأله فيه ففعل لأن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون اللَّه تعالى شيئا إلا من بعد أن يأذن لهم وفي هذا نظر [ (1) ] . السابعة والستون: لم يكن القمل يؤذيه صلى اللَّه عليه وسلّم تعظيما له وتكريما قاله: ابن سبع في كتاب (شفاء الصدر) [ (2) ] . الثامنة والستون: لم تهرم له دابة مما كان يركب صلى اللَّه عليه وسلّم كل دابة يركب عليها صلى اللَّه عليه وسلّم بقيت على القدر الّذي كان يركب عليها فلم يهرم له مركب. ذكره ابن سبع وقال: غريب ويعترض عليه بأن بغلة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ذهبت أسنانها من الهرم وعميت كما سيأتي ذكره. ***
التاسعة والستون: كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس [كان] أعلى من جميع الناس وإذا مشى بين الناس [كان] إلى الطول
التاسعة والستون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس [كان] أعلى من جميع الناس وإذا مشى بين الناس [كان] إلى الطول ولم يكن أحد من الناس يماشيه إلا طاله. وذكره ابن سبع وقال: إنه حديث مشهور [ (1) ] ولم يكن أحد من الناس يماشيه إلا طاله، ذكره ابن سبع وقال: إنه حديث مشهور. ***
السبعون: لم يكفر صلى الله عليه وسلم لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا أن يكون تعليما للمؤمنين كما في عتقه صلى الله عليه وسلم رقبة في تحريم مارية عليها السلام
السبعون: لم يكفّر صلى اللَّه عليه وسلّم لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا أن يكون تعليما للمؤمنين كما في عتقه صلى اللَّه عليه وسلّم رقبة في تحريم مارية عليها السلام قال الزمخشريّ [ (1) ] : في سورة التحريم في قوله تعالى: قَدْ فَرَضَ
اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ [ (1) ] فإن قلت: هل كفّر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لذلك قلت: عن الحسن أنه لم يكفر لأنه كان مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمؤمنين، وعن مقاتل إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أعتق رقبة في تحريم ما ربه. واللَّه أعلم.
الحادية والسبعون: إنه أسرى به صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ثم رجع إلى منزله في ليلة واحدة وهذه من خصائصه صلى الله عليه وسلم [1]
الحادية والسبعون: إنه أسرى به صلى اللَّه عليه وسلّم إلى سدرة المنتهى ثم رجع إلى منزله في ليلة واحدة وهذه من خصائصه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ]
اللَّهمّ الا أن يكون في قوله في الحديث حيث يقول: جبريل عليه السلام للبراق حين جمح لما أراد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أن يركبه: اسكن فو اللَّه ما ركبك خير منه وكذا في قوله: في الحديث فربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء ما يدل على انه قد كان يسرى بهم إلا أنا نعلم أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يشاركه أحد منهم في المبالغة في التقريب والدنو منه والتعظيم ولهذا كانت منزلته في الجنة أعلاها منزلة وأقربها إلى العرش كما جاء في الحديث ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه وأرجو أن أكون أنا. فصلى اللَّه عليه وسلم وقد تقدمت أحاديث الإسراء. ***
الثانية والسبعون: أنه صلى الله عليه وسلم صاحب اللواء الأعظم يوم القيامة
الثانية والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم صاحب اللواء الأعظم يوم القيامة وقد تقدم ذكر ذلك [ (1) ] .
الثالثة والسبعون: أنه صلى الله عليه وسلم يبعث هو وأمته على نشز من الأرض دون سائر الأمم
الثالثة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يبعث هو وأمته على نشز من الأرض دون سائر الأمم وقد تقدم ذكر ذلك عند ذكر الشفاعة. الرابعة والسبعون: أن اللَّه تعالى يأذن له صلى اللَّه عليه وسلّم ولأمته في السجود في المحشر دون سائر الأمم كما رواه ابن ماجة عن جبارة بن المغلس الحماقى، ثنا عبد الأعلى بن أبى المساور، عن أبى بردة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إذا جمع اللَّه الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود فيسجدون له طويلا، ثم يقال: ارفعوا رءوسكم فقد جعلنا عدوكم فداءكم من النار. وجبارة ضعيف وقد صح من غير وجه أنهم أول الأمم يقضى بينهم يوم القيامة وتقدم سجوده صلى اللَّه عليه وسلّم في أحاديث الساعة [ (1) ] . الخامسة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم صاحب الحوض المورود وتقدمت الأحاديث في ذلك، فقد روى الترمذي وغيره أن لكل نبي حوضا ولكن نعلم أن حوضه صلى اللَّه عليه وسلّم أعظم الحياض وأكثرها واردا كما تقدم.
السادسة والسبعون: البلد الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم أشرف بقاع الأرض ثم مهاجره وقيل: إن مهاجره أفضل البقاع
السادسة والسبعون: البلد الّذي ولد فيه صلى اللَّه عليه وسلّم أشرف بقاع الأرض ثم مهاجره وقيل: إن مهاجره أفضل البقاع كما هو مأثور عن الإمام مالك وجمهور أصحابه ونقله القاضي، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونقل الاتفاق على أن قبره صلى اللَّه عليه وسلّم الّذي ضم جسده المقدس بعد موته أشرف بقاع الأرض وقد سبقه إلى حكاية هذا الإجماع القاضي أبو الوليد الباجي وابن بطال. وأصل ذلك ما روى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لما مات اختلفوا في موضع دفنه فقيل: بالبقيع وقيل: بمكة وقيل: ببيت المقدس فقال: أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن اللَّه لم يقبضه إلا في أحب البقاع إليه ذكره. عبد الصمد بن عساكر في كتابه (تحفة الزائر) بغير إسناد. وقال غيره: لما كان صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل الرسل، وكتابه أفضل الكتب، ودينه أشرف الأديان، وشريعته أشرف الشرائع، وهو أفضل الخلق، فوضع قبره له في أشرف المواضع. ويشهد له ما رواه الحاكم عن أبى سعيد الخدريّ قال: مر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بجنازة عند قبر فقال: قبر من هذا فقالوا: فلان الحبشىّ فقال: لا إله إلا اللَّه! سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها. ومسألة المفاضلة بين مكة والمدينة كثر المقال وطال النزاع فيها، فاستدل من قال بتفضيل مكة على المدينة بأن اللَّه تعالى حبس الفيل عن مكة وأهلها وأهلك جيش راكبه لما قصد غزو مكة كما تقدم ذكره وقال تعالى وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً. قيل: آمنا من النار وقيل: كان يأمن من الطلب من أحدث حدثا ولجأ إليه في الجاهلية، وهذا مثل قوله وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً على قول بعضهم، وقال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً
وقال: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ وقال ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وقال وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ثم جعل اللَّه تعالى الكعبة لتمام الصلاة والحج والعمرة في القبلة التي لا تقبل صلاة إلا بالقصد نحوها، إليها الحج والعمرة المفروضات، وإنما فرضت الهجرة إلى المدينة قبل فتح مكة، فلما فتحت مكة بطلت الهجرة، وهذه فضيلة لمكة ثم للمدينة وقد أمر صلى اللَّه عليه وسلّم أن لا يسفك بمكة دم وأخبر أن اللَّه تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمها الناس، ونهى عن أن يستقبلها أحد أو يستدبرها ببول أو غائط. وخرج البخاري من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في حجة الوداع: ألا أي شهر تعلمون أعظم حرمة قالوا: شهرنا هذا. قال: أي بلد تعلمون أعظم حرمة قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: فإن اللَّه حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا، ألا قد بلغت ثلاثة كل ذلك يجيبونه: ألا نعم. وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من طريق أبى معاوية عن الأعمش عن أبى صالح السمان عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: في حجته أتدرون أي يوم أعظم حرمة فقلنا: يومنا هذا، قال: في أي بلد أعظم حرمة فقلنا: بلدنا هذا، ثم ذكر مثل حديث ابن عمر. قال الحافظ الفقيه أبو محمد على بن حزم: وقد ذكر هذه الأدلة: وهذا جابر وابن عمر يشهدان أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قرر الناس على أي بلد أعظم حرمة فأجابوه بأنه مكة فصدقهم في ذلك وهذا إجماع من جميع الصحابة في إجابتهم له صلى اللَّه عليه وسلّم بأنه بلدهم ذلك وهم بمكة فمن خالف هذا فقد خالف الإجماع، فصح بالنص والإجماع أن مكة أعظم حرمة من المدينة وإذا كانت أعظم حرمة فهي أفضل بلا شك لأن عظم الحرمة لا يكون إلا للأفضل [ولا بد ولا يكون للأقل] .
وخرج من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمر عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان بالحجون فقال: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه، وأحب أرض اللَّه إلى، ولو لم أخرج منك ما خرجت، لم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي. وذكر باقي الحديث من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد العزيز ابن محمد الدراوَرْديّ عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وقف على الحجون فقال: إنك خير أرض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولو تركت فيك ما خرجت منك وذكر باقي الحديث. ومن طريق النسائي من حديث معمر عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في سوق الحزورة واللَّه إنك لخير أرض اللَّه وأحب البلاد إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت. وقال قتيبة: حدثنا الليث عن عقيل بن خالد وقال إسحاق حدثنا: يعقوب هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثني أبى عن صالح بن كيسان ثم اتفق عقيل وصالح كلاهما عن الزهري قال: أخبرنى أبو سلمة أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة يقول: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت. قال البكري وجماعة المحدثين: يقولون: الحزورة بفتح الزاى وتشديد الراء وإنما هو حزورة بالتخفيف لا يجوز غيره قال الغنوي: يوم ابن جدعان يوم الحزورة. لم يختلف عقيل مع صالح في شيء من لفظه إلا أن عقيل قال: عن الزبيري عن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن عدي أن ابن الحمراء، وعبد اللَّه هذا مشهور من الصحابة زبيري النسب.
ومن طريق أبى ذر الهروي من حديث أبى اليمان الحكم بن نافع أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرنى أبو سلمة أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: وهو ما واقف بالحزورة من سوق مكة: واللَّه إنك لخير ارض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت قال: فارتفع الإشكال جملة وللَّه الحمد. وهذا خبر في غاية الصحة رواه عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أبو هريرة وعبد اللَّه بن عدي ورواه عنهما أبو سلمة بن عبد الرحمن وعن أبى سلمة محمد ابن عمرو بن علقمة وعن محمد بن عمر وحماد بن سلمة والدراوَرْديّ ورواه عن الزهري أصحابه الثقات معمر وشعيب بن أبى حمزة وعقيل وصالح بن كيسان ورواه أيضا عنه يونس بن يزيد وعبد الرحمن بن خالد ورواه عن هؤلاء الجم الغفير، ولا مقال لأحد بعد هذا. وخرج من طريق قاسم بن أصبغ من حديث أحمد بن زهير وأبى بحر ابن أبى ميسرة قالوا جميعا: حدثنا سلمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم قال حدثنا: عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وإلا صلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجده هذا بمائة صلاة قال: أحد بن زهير سالت يحيى بن معين قال: ثقة وقال أحمد بن حنبل حبيب المعلم: ما أصح حديثه هذا لفظ أحمد ابن زهير. قال بن أبى ميسرة في روايته صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائه صلاة في مسجدي قال: ورويناه أيضا من طريق محمد بن عبيد عن حماد بن زيد باسناده ولفظه، ورويناه أيضا من طريق أبى معاوية عن موسى الجهنيّ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
خرج مالك في (الموطإ) عن زيد بن رباح وعبد اللَّه بن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد حرام. قال ابن عبد البر: وقد روى عن أبى هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة. وقال أبو محمد بن حزم: فروى القدح بفضل مكة على المدينة كما أوردوا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم جابر وأبو هريرة وابن عمرو بن الوبير، وعبد اللَّه بن عدي خمسة من الصحابة منهم ثلاثة مدنيون بأسانيد في غاية الصحة ورواها عن هؤلاء أبو صالح السمان ومحمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعطاء بن أبى رباح منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء عاصم بن محمد والأعمش ومحمد بن عمرو بن علقمة والزهري وحبيب المعلم منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء واقد بن محمد وأبو معاوية محمد بن حازم وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ ومعمر وشعيب ابن أبى حمزة وعقيل بن خالد وصالح بن كيسان وعبد الرحمن بن خالد ويونس ابن يزيد منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء من لا يحصى كثرة وقد ذكرنا أنه قول جميع الصحابة وقول عمر بن الخطاب مرويا عنه. وروينا من طريق يحى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أسلم المنقري قلت: لعطاء: آتى مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأصلى فيه؟ قال: فقال عطاء: طواف واحد أحب إلى من سفرك إلى المدينة وهو قول أبى حنيفة وسفيان وأحمد وداود والشافعيّ وغيرهم. وقال ابن عبد البر: وذكر أبو يحى الساجي قال: اختلف العلماء في تفضيل مكة على المدينة فقال الشافعيّ: مكة خير البقاع كلها وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين. وقال مالك: والمدنيون المدينة أفضل من مكة واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك، فطائفة تقول مكة أفضل وطائفة تقول: المدينة أفضل
وقال عامة أهل الأثر: أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة صلاة. وقال القاضي عياض: إن تفضيل المدينة على مكة هو قول عمر بن الخطاب ومالك وأكثر المدنيين وذهب أهل مكة والكوفة إلى تفضيل مكة وهو قول عطاء وابن وهب وابن حيت من أصحاب مالك وحكاه الباجي عن الشافعيّ قال القاضي: ولا خلاف أن موضع قبره صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل بقاع الأرض. قال أبو الوليد الباجي: الّذي يقتضيه الحديث مخالف حكم مكة لسائر المساجد ولا يعلم منه حكمها مع المدينة وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو تفضيل صلاة الفرض. وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة قال: وجمعته خير من جمعته ورمضانه خير من رمضانه. واستدل المالكيون على تفضيل المدينة على مكة بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم حرّم المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة وليس فيه إلا أنه صلى اللَّه عليه وسلّم حرمها كما حرم إبراهيم مكة ودعا لها كما دعا غير إبراهيم لمكة وليس في ذلك ما يقتضي تفضيلها على مكة. وقد حرم صلى اللَّه عليه وسلّم الدماء والأعراض والأموال فما دل ذلك على فضل واحتجوا بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا ومدنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه ويقول اللَّهمّ اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة، وهذا أيضا إنما في الدعاء للمدينة بزيادة البركة وهي واللَّه مباركة. وقد دعا إبراهيم عليه السلام لمكة بما أخبر به اللَّه تعالى إذ يقول: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ ولم يدع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم للمدينة بأن تهوى أفئدة الناس إليها أكثر من هويها إلى مكة لأن الحج إلى مكة لا إلى المدينة فصح أن دعاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم للمدينة بمثل ما دعا إبراهيم
لمكة ومثله معه إنما هو مما في الثمرات وأن الثمار بالمدينة الآن أكثر مما بمكة وليس هذا من باب الفضل في شيء. ومنها قوله: صلى اللَّه عليه وسلّم المدينة كالكير تنفى خبثها وتنصع طيبها وإنما تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديث. وهذا الحديث لا يقتضي أفضليته على مكة وليس هو على عمومه فقد قال تعالى وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ. وقال تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فصح أنهم أخبث الخلق وقد كانوا بالمدينة وخرجوا منها، وطلحة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وعبد اللَّه بن مسعود في عدة أخر، وهم أطيب الخلق فصح بيقين أنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يعن بأن المدينة تنفى الخبث إلا في خاص من الناس وفي خاص من الزمان لا عاما. وقد نص على هذا صلى اللَّه عليه وسلّم كما رجحه مسلم من طريق عبد العزيز الدراوَرْديّ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: في حديث: ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبث لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد. وخرج النسائي حديث الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن أنس بن مالك عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: ليس بلد إلا سيطؤه الدجال إلا المدينة ومكة على كل نقب من أنقاب المدينة صافين يحرسونها فينزل، فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج اللَّه منها كل منافق وكافر. وهذا نص فيما قلنا وليس في جميع ذلك أنها أفضل من مكة إلا ما يقام عليه بدليل. ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم يفتح اليمن فيأتى قوم يسبون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وذكر مثل هذا سواء في فتح الشام أو العراق وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم يأتى على الناس زمان يأتى الرجل ابن عمه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير
له لو كانوا يعلمون والّذي نفسي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف اللَّه من هو خير منه وهذا إنما في أن المدينة هي لهم من اليمن والشام والعراق وبلاد الرخاء ولا شك في هذا وليس في فضلها على مكة وهذا أيضا خاص بمن خرج منها طلب رخاء أو لغرض دنيا وأما من يخرج عنها لجهاد أو شيء من الخير فلا، بل كان خروج الذين خرجوا منها بجهاد ونحوه أفضل من إقامتهم بها بدليل أنه صلى اللَّه عليه وسلّم خرج عنها للجهاد وأمر الناس بالخروج معه وتوعد من تخلف بالمدينة لغير عذر وبعث أصحابه إلى اليمن والبحرين وعمان يدعون إلى الإسلام ويعلمون الناس القرآن والسنن فبطل التعلق بهذا الحديث على فضل المدينة على مكة. وأما قوله لا يخرج منهم رغبة عنها إلى أخرى فإنه حق فإن من رغب عن المدينة أثم لرغبته عنها وكذلك من رغب عن مكة وليس في هذا فضل بها على مكة. ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم إن الإيمان يأزر إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها وليس في هذا فضلها على مكة وهو أيضا إخبار عن وقت دون وقت فإنّها اليوم من سنين مضت على خلاف ذلك. فقد جاء هذا الخبر بزيادة كما خرجه مسلم من طريق عاصم بن محمد ابن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأزر بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها ففي هذا أن الإيمان بين مسجد مكة ومسجد المدينة. ومنها حديث أنس أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدر المدينة أوضع راحلته مرجعها وهذا إنما في حب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم له، أو نعم كان يحبها لكن ليس فيه أنه كان يحبها أكثر من مكة ولا أنها أفضل من مكة. ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لا يكيد أحد أهل المدينة إلا انماع كما ينماع الملح في الماء، وقوله: لا يريد أحد أهل المدينة بشر إلا أذابه في النار ذوب الرصاص
وذوب الملح في الماء ومن أخاف أهل المدينة أخافه اللَّه وعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا. وقوله: مثل هذا فيما أحدث فيها أو أوى محدثا وهذا كله إنما في الوعيد لمن كاد أهلها ولا يحل كيد مسلم وليس فيه أنها أفضل من مكة، وقد قال تعالى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وهذا نص صريح بوعيد من ظلم بمكة كوعيده صلى اللَّه عليه وسلّم من كاد أهل المدينة. ومنها قوله: لا يثبت أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شيعا أو شهيدا يوم القيامة وهذا إنما في الحض على الثبات على شدتها وأنه يكون لهم شفيعا وليس في هذا دليل على فضلها على مكة وقد صح أيضا أنه يشفع لجميع أمته وقال صلى اللَّه عليه وسلّم: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة وهذه فضيلة لا تكون إلا لمكة والشفاعة يدخل فيها من برّ من المسلمين ومن فجر فتأمل ذلك يظهر لك منه تفضيل مكة. ومنها قوله: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد وهذا إنما في الدعاء في وقوع أحد الأمرين، إما أن يحببه تعالى المدينة كحبنا مكة أو أشد وهذا إنما فيه الدعاء في وقوع أحد الأمرين إما أن يحسبه تعالى المدينة كحبه صلى اللَّه عليه وسلّم مكة أو يحببه المدينة أكثر من حبه لمكة ولم يبين لنا أي الأمرين أجيب به دعاؤه وحب البلد يكون للموافقه وللألفه وليس في هذا فضل على مكة. ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها. وقوله: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة وقبري ومنبري على حوضي. قال القاضي عياض، عن الطبري: فيه معنيان أحدهما أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه روى ما يثبته بين حجرتي ومنبري والثاني أن البيت هنا القبر وهو قول يزيد بن أسلم في هذا الحديث كما روى بين قبري ومنبري.
قال الطبري: وإذا كان قبره في بيته فاتفقنا معا في الروايات ولم يكن فيها خلاف لأن قبره في حجرته وهو بيته. قال: وقوله: ومنبري على حوضي يحتمل أنه منبره بعينه الّذي كان في المدينة وهو أظهر. والثاني أن يكون هناك له منبر والثالث أن قصه منبره والحوض عنده لملازمة الأعمال لصالحه يورد الحوض ويوجب الشرب منه. قال القاضي: وقوله: روضة من رياض الجنة يحتمل معنيين أحدهما أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب كما قيل الجنة تحت ظلال السيوف. والثاني أن تلك البقعة قد ينقلها اللَّه فتكون في الجنة بعينها قاله الداوديّ. قال ابن حزم: وأرادوا أن يثبتوا من هذا أن مكة من الدنيا كموضع قاب قوسين من تلك الروضة وتلك الروضة خير من مكة وليس هذا كما ظنوه ولو كان ذلك لكانت مصر والكوفة خير من مكة والمدينة. روينا عن مسلم حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير حدثنا محمد بن أنبأنا عبيد اللَّه هو ابن عمرو عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم سيحان وحيجان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة وهذا ما لا يقوله مسلم: أن هذه البلاد من أجل ما فيها من أنهار الجنة خير من المدينة ومكة. قال: وهذا أن الحديثين ليسا على ما يظنه أهل الجهل من أن تلك الروضة قطعه منقطعة من الجنة أو أن هذه الأنهار مهبطه من الجنة لأن اللَّه تعالى يقول: في الجنة: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى فهذه صفة الجنة وليست هذه الأنهار ولا تلك الروضة بهذه الصفة فصح كون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفضلها وأن الصلاة فيها تؤدى إلى الجنة وأن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة كما تقول: في اليوم الطيب هذا يوم من أيام الجنة، وكما قيل في العنان: إنها من دواب الجنة وكما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: الجنة تحت ظلال السيوف وهذا في أرض الكفر بلا شك وليس في هذا فضل لها على مكة.
ثم لو صح ما ادعوه لما كان الفضل إلا لتلك الروضة خاصة لا لسائر المدينة وهذا خلاف قولهم. فإن قالوا: ما قرب فيها أفضل مما بعد قلنا فليلزمكم على هذا أن تكون الجحفة ووادي القرى أفضل من مكة لأنهما أقرب إلى الروضة من مكة وهذا لا يقولونه، فبطل تعلقهم بهذا الخبر. وقال أبو عمر بن عبد البر: اختلف الناس في تأويل قول الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم: ما بين قبري ومنبري، وروى ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فقال قوم: معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل في رياض الجنة. وقال آخرون: قال: فإنّهم يعنون أنه لما كان جلوسه صلى اللَّه عليه وسلّم وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكريم [يحصل فيه] في وأضافها إلى الجنة كما قال صلى اللَّه عليه وسلّم: الجنة تحت ظلال السيوف يعنى أنه عمل يوصل به إلى الجنة وهذا جائز شائع في لسان العرب واللَّه أعلم بما أراد من ذلك. وقد استدل أصحابنا على أن المدينة أفضل من مكة بهذا الحديث وركبوا عليه قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وهذا لا دليل فيه على ما ذهبوا إليه إلا أن قوله هذا أراد به ذم الدنيا والزهد فيها والترغيب في الآخرة فأخبر أن السير من الجنة خير من الدنيا كلها وأراد بذلك السوط التقليل لا أنه أراد موضع السوط بعينه بل موضع نصف سوط وربع سوط من الجنة الباقية خير من الدنيا الفانية وهذا مثل قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ لم يرد القنطار بعينه وإنما أراد الكثير وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لم يرد الدينار يعينه وانما أراد القليل أي أن منهم من يؤتمن على بيت مال فلا يخون ومنهم من يؤتمن على فلس أو نحوه فيخون على أن قوله: روضة من رياض الجنة يحتمل ما قال العلماء في ما قدمنا ذكره فلا حجة لهم في شيء مما ذهبوا إليه والمواضع كلها البقاع أرض اللَّه فلا يجوز أن يفضل منها شيء على شيء إلا بما يجب التسليم له وإني لا أعجب لمن يترك قول:
رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذ وقف بمكة على الحجون وقيل: على الحزورة فقال: واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض اللَّه وأحبها إلى اللَّه ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت، وهذا حديث صحيح. رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة وعبد اللَّه بن عدي بن الحمراء جميعا عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فكيف يترك مثل هذا النص الثابت وبمال إلى أقوال لا تجامع مقاولة عليه؟ قال: وقد روى عن مالك ما يدل على أن مكة أفضل الأرض كلها ولكن المشهور عن أصحابه في مذهبه تفضيل المدينة ثم ذكر من طريق أحمد بن داود حدثنا سحنون حدثنا عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى الأرض بالهند أو بالسند قال: يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال: بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت ويعبدون اللَّه تعالى فقالوا: مرحبا يا آدم يا أبا البشر، إنا منتظروك هاهنا منذ ألفى سنة قال: وكان مالك يقول: من فضل المدينة على مكة أنى لا أعلم فيها قبر نبي معروف غيرها وهذا واللَّه أعلم وجهه عندي من قول مالك، كأنه ما لا يشك فيه وما يقطع العذر خبره وإلا فإن الناس يزعم منهم الكثير أن قبر إبراهيم عليه السلام ببيت المقدس وإن قبر موسى عليه السلام هناك أيضا. قال أبو عمر: إنما يحج بقبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وبفضائل المدينة وما جاء فيها عنه صلى اللَّه عليه وسلّم وعن أصحابه على من أنكر فضلها وجعلها كسائر بقاع الأرض لأن تلك الآثار أثبتت فضلها وأوضحت موضعها وكرامتها. وأما من أقر بفضلها وعرف موضعها وأقر أنه ليس على وجه الأرض بعد مكة أفضل منه فقد أنزلها منزلها وخرج بها وعرف لها حقها واستعمل القول بما جاء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في مكة لأن فضائل البلدان لا تدرك بالقياس والاستنباط وإنما سبيلها التوقيف، وكل يقول بما بلغه وصح عنده والآثار في فضل مكة عن السلف أكثر وفيها بيت اللَّه الّذي رضى من عباده على الحط لأوزارهم بقصده مرة في العمر وقوله صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي أفضل من ألف
صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام قال أبو محمد بن حزم تأويلهم أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاد في مسجد مكة بدون ألف وقلنا نحن: بل هذا الاستثناء لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة وكلا التأويلين محتمل، نعم. وتأويل ثالث أيضا وهو إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في كليهما سواء فلا يجوز المصير إلى أحد هذه التأويلات إلا بنص آخر وبطل أن يكون في هذا الخبر بيان في فضل المدينة على مكة وقال: أبو عمر بن عبد البر اختلفوا في تأويله ومعناه فتأوله قوم منهم أبو بكر عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك على أن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف درجة، وأفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة، وقال: بذلك جماعة من المالكيين ورواه بعضهم عن مالك. وتأويل ابن نافع بعيد عند أهل المعرفة باللسان ويلزمه أن يقول: إن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا وإذا كان هذا كهذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع هذا. وحسبك ضعفا بقوله: يؤول إلى هذا وقد زعم بعض المتأخرين من أصحابنا أن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بمائة صلاة ومن غيره بألف صلاة واحتج لذلك بما رواه سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال: سمعت عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه فتأول بعضهم هذا الحديث أيضا عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على أن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خير من تسعمائة صلاة في المسجد الحرام، وهذا كله تأويل لا يعضده أصل ولا يقوم عليه دليل، وحديث سليمان بن عتيق هذا حجة فيه لأنه مختلف في إسناده وفي لفظه وقد خالفه فيه من هو أثبت منه. فمن الاختلاف عليه في ذلك ما ذكر من طريق قاسم بن أصبغ محمد بن وضاح حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد الخراساني أبى
عبد الرحمن قال: أخبرنا سليمان بن عتيق قال: سمعت عبد اللَّه بن الزبير يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. ومن طريق أبى عبد اللَّه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير على المنبر يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة. فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنما فضله عليه بمائة صلاة. فهذا خلاف ما ذكروه في حديث ابن عتيق عن ابن الزبير عن عمر فكيف يحتجون بحديث قد روى فيه ضد ما ذكروه أيضا في رواية الثقات إلى ما في إسناده من الاختلاف أيضا. وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول: صلاة في المسجد الحرام خير من مائتي صلاة فيه ويشير إلى مسجد المدينة. وذكر من طريق قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أبو يحيى بن أبى مرة ومحمد بن عبد السلام الخشنيّ قالا: حدثنا محمد بن أبى عمر حدثنا سفيان بن زياد بن سعد حدثنا سليمان بن عتيق قال: سمعت ابن الزبير يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فإنما فضله عليه بمائة صلاة. فهذا حديث سليمان بن عتيق محتمل للتأويل لأن قوله: فضله عليه يحتمل الوجهين إلا أنه قد جاء عن عبد اللَّه بن الزبير أيضا من نقل الثقات خلاف ما تأوله عليه على أنه لم يتابع فيه سليمان بن عتيق على ذكره عمر وهو مما أخطأ فيه عندهم سليمان بن عتيق وانفرد به، وما انفرد به فلا حجة فيه وإنما الحديث محفوظ عن ابن الزبير على وجهين: طائفه توقفه عليه فتجعله من
قوله، وطائفة ترفعه عند النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمعنى واحد أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة ضعف. هكذا رواه عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير واختلف في رفعه عن عطاء على حسب ما ذكرنا وما رفعه منه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أحفظ وأثبت من جهة النقل وهو أيضا صحيح في النظر لأن مثله لا يدرك بالرأي ولا بدّ فيه من التوفيق فلهذا قلنا من رفعه أولى مع شهادة أئمة أهل الحديث الّذي رفعه عن ابن الزبير من رواية عطاء بن أبى رباح الحجاج بن أرطاة وابن جريح على أن ابن جريح رواه عن سليمان بن عتيق أيضا بمثل روايته عن عطاء سواء، فحديث الحجاج بن أرطاة حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد ابن زهير حدثنا أبى حدثنا هشيم أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عبد اللَّه ابن الزبير قال: الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بمائة ضعف قال عطاء: فنظرنا في ذلك فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضعف. ذكر عبد الرزاق وغيره عن أبى جريج قال: أخبرنى عطاء أنه سمع ابن الزبير يقول: على المنبر: صلاة في المسجد الحرام خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد قال: قلت: لم يسم مسجد المدينة قال: ليخيل إلى أنه إنما أراد مسجد المدينة. قال ابن جريج: أخبرنى سليمان بن عتيق بمثل خبر عطاء هذا قال: حدثني بشير بن الزبير إلى المدينة هكذا قال ابن جريج: بألف على ما أشار عليه وتأوله ابن جريج في حديثه هكذا تكون الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في كل المساجد غير مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بألف ألف ولكن الحديث لم يقمه ولا رواه إلا حبيب المعلم عن عطاء اقام إسناده وجود لفظه فأتى بالمعروف في الصلاة في المسجد الحرام بأنها بمائة ألف صلاة وفي مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم بألف صلاة فذكر من طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أبو يحيى عبد اللَّه ابن أبى مرة فقيه مكة حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب
المعلم عن عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي. ومن طريقه أيضا حدثنا أحمد بن زهير حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة، ما شبه حبيب المعلم هذا الحديث جودة ولم يخلط في لفظه ولا في معناه وكان ثقة وليس في هذا الباب عن ابن الزبير ما يحتج به عند أهل العلم بالحديث إلا حديث حبيب هذا، قال ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه وسأل أبو زرعه الرازيّ عن حبيب المعلم فقال: بصرى ثقة، وقد روى في هذا الباب عن عطاء عن جابر حديث نقلته ثقات كلهم بمثل حديث حبيب المعلم سواء وجائز أن يكون عند عطاء في ذلك عن جابر وعبد اللَّه بن الزبير فيكونان حديثين وعلى هذا يحمله أهل العلم بالحديث فذكر من طريق قاسم حديث حكيم بن شعبه حدثنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن عطاء بن أبى رابح عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه، وحكيم بن سفيان هذا شيخ من أهل الرقة قد روى عنه أبو زرعة الرازيّ وغيره وأخذ عنه ابن وضاح وهو عندهم شيخ صدوق لا بأس به فإن كان حفظ فهما حديثان وإلا فالقول قول: حبيب المعلم على ما ذكرنا. وقد روى في هذا الباب أيضا حديث بهذا المعنى عن عطاء عن ابن عمر مفردا وهو عندهم حديث آخر لا شك فيه لأنه روى عن ابن عمر من وجوه، فذكر من طريق إسماعيل بن علية حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا عبد الملك، عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلاة في مسجدي هذا
أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل. ومن طريق عمر بن عبيد عن عبد الملك عن عطاء ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فهو أفضل. ومن طريق أبى معاوية عن موسى الجهنيّ عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة. قال: وقد روى عن أبى الدرداء وجابر مثل هذا المعنى سواء فذكره من طريق أحمد بن عمر والرازيّ حديث سالم القداح حدثنا سعيد بن بشير عن إسماعيل بن عبيد اللَّه عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائه ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة، قال البزار: هذا إسناد حسن وقد روى من حديث عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر مثله سواء. وروى عبد الحميد عن ابن عيينة قال: حدثني عمر بن سعيد عن أبيه عن أبى عمر والشيباني قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: المرأة أفضل صلاتها في بيتها إلا في المسجد الحرام، وهذا تفضيل منه للصلاة فيه على الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لأصحابه: صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يبرز لها في كل بلد إلا بمكة فإنّها تصلى في المسجد الحرام. ومن طريق قاسم من حديث سفيان حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام قال سفيان: فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائه ألف صلاة فيما سواه من المساجد، من طريق ابن وضاح قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: سمعت ابن
وهب يقول: ما رأيت اعلم بتفسير الحديث من ابن عيينة قال: ابن عبد البر وحسبك في هذا الحديث بقوله صلى اللَّه عليه وسلّم لمكة واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض وأحبها إلى اللَّه ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت وهذا من أصح الآثار عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وذكر من طريق عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء ثم قال: وهذا قاطع في موضع الخلاف ثم ذكر من طريق ابن سنجر حدثنا محمد بن عبيدة عن طلحة ابن مر عن عطاء عن ابن عباس قال: لما خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مكة قال: أما واللَّه أنى لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد اللَّه إلى اللَّه وأكرمه على اللَّه ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت ومن طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف ابن مهران عن ابن عباس قال: قال على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إني لأعلم أحب بقعة إلى اللَّه في الأرض، وأفضل بئر في الأرض، وأطيب أرض في الأرض فأما أحب بقعة في الأرض إلى اللَّه فالمسجد الحرام وما حوله وأفضل بئر في الأرض زمزم وأطيب أرض في الأرض ريحا الهند هبط بها آدم عليه السلام من الجنة فعلق شجرها من ريح الجنة فهذا عمر وعلى وابن مسعود وأبو الدرداء وابن عمر وجابر يفضلون مكة ومجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: صلاة في المسجد الحرام خير من مائه صلاة في مسجد المدينة قال معمر: وسمعت أيوب يحدث عن أبى العالية عن عبد اللَّه بن الزبير مثل قول قتادة: وذكر عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أصبغ وعن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على ما في أحاديث هذا الباب قال ابن عبد البر: أصحابنا يقولون: أن قول ابن عيينة حجه حين حدث بحديث أبى الزبير عن أبى صالح عن ابى هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة قال: ابن
عيينة حجه لأنه إذا قال كانوا يرون غنما حكى عن التابعين فيلزمهم مثل ذلك في قول ذلك في قول ابن عيينة في تعبير حديث هذا الباب لأنه قال: إذ حدث به وكانوا يرون الصلاة في المسجد أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ولا يشك عالم منصف في أن ابن عتيينة فوق ابن نافع في الفهم والفضل والعلم وأنه إذا لم يكن منهم بد من التقليد فتقليده أولى من تقليد ابن نافع وفيما ذكرنا من هذا الباب عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم عن ما سواهم، هذا ملخص ما ذكره في كتاب (التمهيد) وقال: في كتاب الاستذكار وقد ذكر حديث مالك عن أبى هريرة يرفعه صلاة في مسجدي هذا خير من ألف: صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وأجمعوا على صحته، واختلفوا في تأويله وكان عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك فيما روى يحيى بن يحيى عنه أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال: معناه أن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلوات في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد لنبي صلى اللَّه عليه وسلّم أفضل من الصلاة فيه دون الالف صلاة وهذا التأويل على بعده ومخالفة أكثر أهل العلم لما فيه فإنه لا حظ له في اللسان العربيّ لانه لا يقوم في اللسان الا بقرينه وبيان، لا بيان ولا دليل لمن تأول تأويل ابن نافع يشهد له وأهل العربية يقولون: إذا قلت اليمن أفضل من جميع البلاد بألف درجه إلا العراق جاز أن يكون العراق مساويا وفاضلا مفضولا إذا كان مساويا فقد علم مقدار فضله وإذا كان فاضلا أو مفضولا فمعلن في الفضل لا يعلم كم مقدار المفاضلة بينهما الا بقرينه ودليل على عدة درجات إما زائدة أو ناقصة فيحتاج إلى الإتيان وقد علمنا أنه لم يحتمل ابن نافع ما تأوله في الحديث إلا ما كان يذهب إليه هو وشيخه مالك من تفضيل المدينة على مكة وتفضيل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم على صلى اللَّه عليه وسلّم على المسجد الحرام ثمّ ذكر على ما تقدم انتهى.
ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم على أبواب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وهذا ليس فيه تفضيلها على مكة لأنه أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم أن المدينة لا يدخلها الدجال. خرج البخاري ومسلم من طريق الوليد بن مسلم حدثنا عمر حدثنا إسحاق قال: حدثني أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ليس بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج اليه كل كافر ومنافق وقد صح أن الملائكة تنزل على المصلين في كل بلد كما أخبر صلى اللَّه عليه وسلّم أنهم يتعاقبون فينا ملائكة بالليل والنهار فشارك المدينة غيرها من البلاد في حلول الملائكة بها، ومنها قوله صلى اللَّه عليه وسلّم هي طيبه وصدق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أنها واللَّه طيبة لكن ليس في هذا فضل لها على مكة واحتجوا بأن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لعبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة أنت القائل لمكة خير من المدينة فقال له عبد اللَّه: هي حرم اللَّه وأمنه وفيها قبلته، فقال له عمر إني لا أقول في حرم للَّه ولا في بيت اللَّه شيئا أنت القائل لمكة خير من المدينة ثم انصرف، وهذا ليس فيه إلا أن عبد اللَّه بن عياش وهو أحد الصحابة كان يقول: مكة أفضل من المدينة وليس في هذا الخبر عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه تفضيل المدينة على مكة ولا تفضيل مكة على المدينة وإنما فيه تقرير عبد اللَّه على هذا القول فقط وقد صح عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن مكة أفضل من المدينة كما تقدم من طريق قاسم بن أصبغ يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة مخالف ومثل هذا حجة عندهم. وخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال: من يعتكف في مسجد إيليا فاعتكف في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أجزأ عنه ومن نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فاعتكف في المسجد الحرام اجرأ عنه فهذا سعيد بن المسيب فقيه أهل المدينة يصرح بفضل مكة على المدينة كفضل
المدينة على بيت المقدس واحتجوا ونحوا فيه بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رأى ميتا فقال: دفن في التربة التي خلق منها قالوا: والنبي صلى اللَّه عليه وسلّم دفن بالمدينة فمن تربتها خلق وهو أفضل الخلق فهي أفضل البقاع وهذا حديث روى من طريقين إحداهما فيها محمد بن الحسن بن زبالة عن أنيس بن يحيى مرسل والأخرى من رواية أبى خالد عن يحيى البكاء فأما محمد بن الحسن بن زبالة القرشي المخزومي المدني أحد المكثرين الضعفاء روى عن أسامة بن زيد وسعيد بن أبى سعيد المقبري ومالك بن أنس ومحمد بن جعفر بن أبى كثير وخلائف، وحدث عنه أبو خيثمة وأحمد بن صالح، والزبير بن بكار وجماعة اسقطوه لحديثه عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة حديث فتحت البلاد بالسيف، وفتحت المدينة بالقرآن وبغير هذا من الحديث قال: أبو داود كذاب وقال ابن معين: واللَّه ما هو ثقة وقال البخاري: عنده مناكير قال أنب معين: كان يسرق الحديث، وقال النسائي: وغيره متروك وقال أبو حاتم: وهي الحديث وليس بمتروك وما أبه حديثه بحديث عمر بن أبى بكر الموصلي والواقدي ويعقوب بن محمد الزهري وعبد العزيز بن عمران، وقال ابن حزم: هو ساقط بالجملة قال فيه يحيى: ليس بالثقة وهو بالجملة متفق على اطراحه، وأما أنيس بن يحيى فقال ابن حزم: ولا ندري من أنيس بن يحيى، وأما أبو خالد فهو مجهول عن يحيى البكاء واختلف في أسم أبيه فقيل: مسلم وقيل: سليم وقيل: يحيى بن أبى خليد أبو مسلم وقيل: أبو سلم وقيل: أبو الحكم يروى عن أبى عمرو عن السعيد بن المسيب وأبى العالية وغيره ويروى عنه عبد الوارث بن سعيد وعلى بن عاصم، وجماعة قال أحمد: ليس بثقة وقال ابن معين: ليس بذاك وقال أبو زرعة ليس بقوى، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي متروك الحديث وقال ابن عدي ويحيى البكاء هذا ليس بذاك المعروف وليس له كثير رواية فبهذا قد تبين ضعف الحديث بل قال فيه ابن حزم: وهذا خير موضوع ثم لو صح لما كانت فيه حجة لأنها قد دفن فيها المنافقون ودفن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون، وداود وسليمان في الشام ولا يقول: مسلم من آجل ذلك أن الشام أفضل من مكة وفي حديث محمد بن الحسن ابن زبالة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: فتحت البلاد بالسيف حديث: وفتحت المدينة بالقرآن وقد اسقطوه لهذا ولغيره، وقال ابن عدي: وأنكر ما روى حدي هشام بن عروة حديث: فتحت القرى بالسيف وقال ابن حزم: وهذا أيضا من رواية محمد بن الحسن بن زبالة المذكور بوضع الحديث وهذا من وضعه بلا شك لأنه رواه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهذا اسناد تفرد به ابن زبالة دون سائر من روى عن مالك من الثقات ثم لو صح ما كانت فيه حجه في فضلها لان البحرين وأكثر مدائن اليمن وصنعاء والجند لم تفتح بالسيف إلا بالقرآن فقط وليس ذلك بموجب فضلها على مكة عند كل أحد من المسلمين، ومنها حديث ابن زبالة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إنه قال: ما على الأرض بقعة أحب إلى اللَّه تعالى من أن يكون قبري فيها منها، هكذا رواه مرسلا ولو صح لما كان فيه حجه في فضلها على مكة لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم كره للمهاجرين؟ وهو عندهم أن يرجعوا إلى مكة ليحشروا غرباء مطرودين عن وطنهم في اللَّه تعالى، حتى أنه صلى اللَّه عليه وسلّم رثى لسعد ابن خولة أن مات بمكة ولم يجعل للمهاجر معه تمام نسكه أن يبقى بمكة إلا ثلاث ليال فقط فإذا خرجت مكة بهذه العلة على أن يدفن فيها النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فالمدينة أفضل البقاع بعدها بلا شك وقد. خرج البزار من طريق أبى نعيم الفضل بن دكين حدثنا محمد بن قيس عن أبى برده بن أبى موسى الأشعري عن أبى موسى قال: مرض سعد بمكة فأتاه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعوده فقال له: يا رسول اللَّه أليس نكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها قال: بلى وذكر باقي الحديث هذا نص ما قلنا ومنها حديث محمد بن زبالة عن محمد بن إسماعيل عن سليمان بن بريدة وغيره عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: في حين خروجه من مكة اللَّه إنك أخرجتني من أحب البقاع إلى فأسكني أحب البقاع إليك هكذا ذكره مرسلا. قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث عبد اللَّه ابن عدي بن الحمراء الّذي تقدم هو حديث ثابت عند جماعة أهل العلم بالحديث ولم يأن عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من وجه صحيح شيء يعارضه الا ما رواه
محمد بن الحسن بو زبالة وهو متروك الحديث مجتمع على ترك الاحتجاج بحديثه وقد انفرد بهذا الحديث وهذا الحديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث وقال ابن حزم: وهذا موضع من رواية محمد بن الحسن بن زبالة ومنها حديث محمد بن الحسن عن يحيى بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن قال رافع ابن خديج قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم خير من مكة ورواه محمد بن عبد الرحمن ابن الرداد بن عبد اللَّه بن شريح بن مالك القرشي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيدة ابنه عبد الرحمن عن رافع بن خديج عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ورواه عبد اللَّه بن رافع الصانع صاحب مالك عن محمد بن عبد الرحمن الرداد عن يحيى بن سعيد عن عمرة قال رافع: ومحمد بن زبالة هو صاحب هذه الفضائح كلها المتعود بوضعها ومحمد بن عبد الرحمن بن الرداد قال ابن عدي: مدينى من ولد ابن أم مكتوم رواياته ليست بمحفوظة وقال ابن حزم: مجهول لا يدريه أحد وعبد اللَّه بن نافع وفيه مقال. وقد خرج مسلم [ (1) ] هذا الخبر من طريق عبد اللَّه بن مسلمة القصبي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم أن مروان خطب الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خديج فقال: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها وقد حرم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما بين لابتيها، وذلك عندنا في أديم خولانى وإن شئت أقرأتكه قال: فسكت مروان ثم قال قد سمعت بعض ذلك قال: وهكذا كله كان الحديث فبدله أهل الزيغ عصبية عجل اللَّه تعالى لهم بها الفضيحة في الكذب على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم واللَّه أعلم. ***
السابعة والسبعون: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا لأهل القبور يملأها الله عليهم نورا ببركة دعائه
السابعة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان إذا دعا لأهل القبور يملأها اللَّه عليهم نورا ببركة دعائه خرج مسلم [ (1) ] من حديث حماد بن زيد عن ثابت البناني عن رافع عن أبى هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شابا ففقدها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات. قال: أفلا كنتم آذنتموني قال: وكأنهم صغروا أمرها وأمره فقال: دلوني على قبره فدلوه فصلى عليها ثم قال: هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن اللَّه تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم. وخرجه الإمام أحمد من حديث أبى عامر عن ثابت عن أنس أن أسود كان ينظف المسجد فمات فدفن ليلا فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فأخبر فقال: انطلقوا إلى قبره، فانطلقوا فقال: إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن اللَّه عز وجل ينورها بصلاتي عليها فأتى القبر فصلى عليه وقال رجل من الأنصار: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن أخى مات ولم يصل عليه، قال: فأين قبره فأخبره فانطلق النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مع الأنصاري فصلى عليه، وفي لفظ له فإن صلاتي عليه رحمة له. الثامنة والسبعون: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم كان يوعك وعك رجلين خرج البخاري [ (2) ] ومسلم من طريق الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم
التاسعة والسبعون: كان صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى خيره الله تعالى بين أن يفسح له في أجله ثم الجنة وبين لقاء الله سريعا، فاختار ما عند الله على الدنيا
أراك توعك وعكا شديدا؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أجل إني أوعك وعك رجلين منكم فقلت: ذاك إن أجرين فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: أجل، ثم قال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط اللَّه به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث ابن وهب عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدريّ قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمى فقلت: ما أشد حماك يا رسول اللَّه قال: إنا كذلك معشر الأنبياء يضاعف علينا الوجع لنا لنا الأجر قال: فقلت: يا رسول اللَّه أي الناس أشد بلاء؟ قلت: الأنبياء. قال: ثم من؟ قال: ثم الصالحون إن من الرجل ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباء فيحويها ويلبسها وإن كان أحدهم ليبتلى بالقمل حتى يقتله القمل، وكان ذلك أحب إليهم من العطاء إليكم يقتله القمل وكان ذلك أحب غليهم من العطاء إليكم. قال الحاكم: وهذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. التاسعة والسبعون: كان صلى اللَّه عليه وسلّم لم يمت حتى خيره اللَّه تعالى بين أن يفسح له في أجله ثم الجنة وبين لقاء اللَّه سريعا، فاختار ما عند اللَّه على الدنيا خرج البخاري ومسلم من حديث الليث قال: حدثني عقيل ابن شهاب قال: أخبرنى سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عن رجال من أهل العلم أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول وهو صحيح: أنه لم
يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فلما برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال: اللَّهمّ الرفيق الأعلى قالت عائشة: قلت: إذا لا يختارنا، قالت عائشة: وعرفت الحديث وقال البخاري: وعلمت أنه الحديث الّذي كان يحدثنا به وهو صحيح في قوله: أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير قالت عائشة: فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قوله الرفيق الأعلى ذكره البخاري في كتاب الدعاء وفي كتاب الرفاق وفي المغازي وغير ذلك. وخرج مسلم في مناقب عائشة من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة عن عائشة قالت: كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخبر بين الدنيا والآخرة، قالت: فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه وأخذته بحة يقول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً قال: فظننته خير حينئذ. وخرج البخاري في كتاب التعبير من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة قالت: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما من نبي مرض إلا خير بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحة شديدة سمعته يقول: مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ فعلمت أنه خير. وخرج النسائي من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبى خالد عن أبى بردة عن عائشة قالت: أغمى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وهو في حجري فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء فأفاق فقال: بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل.
الثمانون: هل تشرع الصلاة على غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تكون للصلاة عليه مما خصه الله به دون غيره؟
وخرج البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن عباد بن عبد اللَّه ابن الزبير أن عائشة أخبرته أنها سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وأصغت إليه قيل أن يموت وهو مسند إلى ظهره يقول: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقنى بالرفيق الأعلى. الثمانون: هل تشرع الصلاة على غير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أو تكون للصلاة عليه مما خصه اللَّه به دون غيره؟ في هذه المسألة أقوال: أحدها: أنه صلى اللَّه عليه وسلّم يختص بالصلاة عليه وهو ظاهر الكتاب والسنة والثاني: أنه يصلى معه صلى اللَّه عليه وسلّم على الأنبياء والمرسلين. والثالث: أنه يصلى على سلّم وأزواجه دون غيرهم من الأمة مطلقا. والرابع: أنه يصلى عليهم إلا بطريق التبعية له. والخامس: أنه لا يصلى على سائر المسلمين. وأما من ذهب إلى ما به الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه قال لم يصل اللَّه سبحانه في كتابه العزيز على أحد من أنبيائه المرسلين إلا على محمد صلى اللَّه عليه وسلّم فقط وسلم على من عداه منهم وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وقال تعالى عن نوح: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ* إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وقال عن إبراهيم خليله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ. وقال عن موسى وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ. وقال تعالى سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ.
قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: يعنى تعالى بقوله وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ يقول: وأبقينا على نوح ذكرا جميلا وثناء حسنا فيمن يأتى من الناس فيذكرونه به وهو الّذي قلنا في ذلك كما قال أهل التأويل. فذكر أبو صالح قال: حدثني معاوية بن على عن ابن عباس: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ قال: يذكر بخير، وعن ابن أبى نجيح عن مجاهد يقول: جعلنا لسان صدق للأنبياء كلهم، وعن سعيد عن قتادة قال: أبقى اللَّه عليه الثناء الحسن في الآخرين وعن أسباط عن السدي قال: الثناء الحسن وقوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ يقول: أمتة من اللَّه لنوح في العالمين أن يذكره أحد بسوء وقد كان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول: معناه وتركنا عليه في الآخرين سلاما أي تركنا عليه تلك الكلمة. قال الطبري: وتركنا عليه في الآخرين يعنى إبراهيم: يقول: وأبقينا عليه فمن بعده إلى يوم القيامة ثناء حسنا. ثم ذكر عن سعيد عن قتادة قال: ابقى اللَّه على إبراهيم الثناء الحسن في الآخرين. وعن ابن وهب قال ابن زيد: هل التي سأل إبراهيم فقال: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. قال: فترك اللَّه عليه الثناء الحسن في الآخرين كما ترك السوء على فرعون وأشياعه كذلك ترك اللسان الصدق والثناء الصالح على هؤلاء. وقيل: معنى ذلك: وتركنا عليه في الآخرين السلام وهو قوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وذلك قول، روى عن ابن عباس وتركنا إسناده لأني في إسناده من لم يستحق ذكره. وقيل معنى ذلك وتركنا عليه في الآخرين أن يقال: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ وقوله: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ يقول تعالى أمتة من اللَّه في الأرض لإبراهيم لا يذكر من بعده إلا بالجميل من الذكر.
قال: العلامة أبو عبد اللَّه محمد بن أبى بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية: فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور. وقد قال: جماعة من المفسرين منهم مجاهد وغيره وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ الثناء الحسن ولسان الصدق للأنبياء كلهم وهذا قول قتادة أيضا ولا ينبغي أن يحكى هذا قولين للمفسرين كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال بل هو قول واحد فمن قال: إن المتروك هو السلام في الآخرين نفسه فلا ريب أن قوله: سَلامٌ عَلى نُوحٍ جملة في موضع نصب بتركنا والمعنى أن العالمين يسلمون على نوح ومن بعده من الأنبياء ومن فسره بلسان الصدق والثناء الحسن نظر إلى لازم السلام وموجبة وهو الثناء عليهم وما جعل لهم من لسان الصدق الّذي لأجله إذا ذكروا سلم عليهم انتهى. فهذا كما ترى لم يصلّ اللَّه على أحد في كتابه غير المصطفى صلى اللَّه عليه وسلّم فإنه صلى اللَّه عليه وسلّم وملائكته وأمر المؤذنين جميعا بالصلاة عليه دون أنبيائه ورسله تشريفا له وتمييزا لعظيم مقامه، وقد أمرنا بالاتباع ونهينا عن الابتداع، وهو مذهب ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. خرج بقي بن مخلد بن حديث هشيم قال حدثنا عثمان بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس قال: ما أعلم الصلاة تبتغي من أحد على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعنى وسائر الناس يدعى لهم. وخرجه القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتاب (فضل الصلاة على النبي) صلى اللَّه عليه وسلّم من حديث عبد الرحمن بن زياد قال: حدثني عثمان بن حكيم بن عباد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار. وقد حكى عن الإمام مالك في رواية أنه على غير نبينا صلى اللَّه عليه وسلّم وأوله بعض أصحابه بمعنى أنا لم نتقيد بالصلاة على غيره من الأنبياء كما تقيدنا بالصلاة عليه. وحكى النووي الإجماع على أن الصلاة على جميع الأنبياء مشروعة
واحتج من ذهب إلى هذا بما رواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه فقال: حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمي حدثنا عمرو بن هارون عن موسى بن عبيد وعن محمد بن ثابت عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: صلوا على أنبياء اللَّه ورسله فإن اللَّه بعثهم كما بعثني. ورواه الطبراني عن الديري عن عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيد قال: حدثنا عمرو بن عطاء عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إذا صليتم على فصلوا على أنبياء اللَّه فإن اللَّه بعثهم كما بعثني. وقيل: عن أنس بن طلحة وموسى بن عبيدة. وقال: سفيان يكره أن يصلى على غيره النبي. وقال الحافظ أبو موسى المديني: وبلغني بإسناد من بعض السلف أنه رأى آدم عليه السلام في المنام كأنه يشكو قلة صلاة بنيه عليه. وفي كتاب (النهاية) لابن الأثير فأما قولنا اللَّهمّ صلّ على محمد فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره في إظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته. وقيل: المعنى لما أمر اللَّه بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على اللَّه وقلنا اللَّهمّ صل أنت على محمد لأنك أنت أعلم بما يليق به وهذا الدعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم أم لا؟ والصحيح أنه خاص له فلا يقال لغيره. وقال الخطابي: الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره والتي بمعنى الدعاء والتبريك تقال لغيره، ومنه الحديث اللَّهمّ صلّ على آل أبى أوفى أي ترحم وبرّك وقيل فيه: إن هذا خاص له ولكنه آثر به غيره وأما سواه فلا يجوز له أن يخص به أحد. وقال: الأصمعي: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن اللَّه أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
وأما الاقتصار في الصلاة على الآل والأزواج مطلقا
عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً آثره من بين الرسل وخصكم بها من بين الأمم فقابلوا نعمة اللَّه بالشكر. وأما الاقتصار في الصلاة على الآل والأزواج مطلقا فقال: ابن عبد البر: استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة لقوله، في حديث مالك عن نعيم المجمر وفي غير ما حديث: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته، قالوا: فجائز أن يقول، الرجل: لكن ما كان من أزواج محمد صلى اللَّه عليه وسلّم صلى اللَّه عليك إذا واجهه وصلى اللَّه عليه إذا غاب عنه ولا يجوز ذلك في غيرهم، وأما الصلاة على الآل بطريق التبعية فإنه لا خلاف في جوازها. واختلف موجبو الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم في وجوبها على آله على قولين مشهورين، وهي طريقتان لأصحابنا إحداهما: أن الصلاة واجبة على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وفي وجوبها على الآل قولان، للشافعي، هذه طريقة إمام الحرمين والغزالي. والطريقة الثانية: إن في وجوبها على الآل وجهين وهي الطريقة المشهورة والّذي صححوه أنها غير واجبة عليهم واختلف أصحاب أحمد في وجوب الصلاة عليهم على وجهين، وهل يصلى عليهم منفردين على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ففيه خلاف، وكذا في الصلاة على غير الآل من الصحابة ومن بعدهم فكرة ذلك مالك وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضى وهو مذهب أبى حنيفة وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وبه قال: طاووس. وقال: ابن عباس لا ينبغي الصلاة إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وهو مذهب عمر ابن عبد العزيز وقال: أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا حسين بن على عن جعفر ابن وثاب قال: كتب عمر بن عبد العزيز أما بعد فإن أناسا من الناس قد أنهموا الدنيا بعمل الآخرة وإن القصاص قد أحدثوا الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل
صلاتهم على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاءهم للمسلمين عامة وهذا مذهب القاضي وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منع تحريم. والثاني: أنه منع تنزيه وهو قول أكثر الأصحاب. والثالث: أنه من باب ترك الأولى وليس بمكروه. حكاها النووي في (الأذكار) [ (1) ] والصحيح الّذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه واختلفوا في السلام هل هو في معنى الصلاة فيكره أن يقال: السلام على فلان أو فلان عليه السلام فكرهه الشيخ أبو محمد الجويني وطائفة ومنع أن يقال: على عليه السلام. وفرق آخرون بين السلام والصلاة فقالوا: السلام المشروع في حق كل مؤمن حي وميت حاضر وغائب فإنك تقول بلغ فلانا منى السلام وهو تحية أهل الإسلام بخلاف الصلاة فإنّها من حقوق الرسول وآله ولهذا يقول المصلى في تشهده السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين فعلم الفرق. واحتج من ذهب إلى أنه لا يصلى إلا على الرسول صلى اللَّه عليه وسلّم بوجوه: أحدها: ما تقدم عن ابن عباس. الثاني: أن الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد صارت شعار أهل البدع ذكره النووي، ومعنى ذلك أن الرافضة إذ ذكروا أئمتهم صلوا عليهم ولا يصلون على غيرهم فاستحبوا مخالفتهم في ذلك الشعار. الثالث: ما احتج به الإمام من أن هذا لم يكن عمل من مضى من الأمة ولو كان خيرا لسبق السلف إليه. الرابع: أن الصلاة فصارت في لسان الأمة مخصوصة بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم تذكر مع ذكر اسمه لا يسوغ ذلك لغيره وكما لا يقال: محمد عز وجل، ولا محمد
سبحانه وتعالى، لئلا يعطى رتبه الخالق فهكذا لا ينبغي أن تعطى غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم رتبته فيقال: فلان صلى اللَّه عليه وسلّم. الخامس: أن اللَّه تعالى قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. فكما أمر اللَّه تعالى أن لا يدعى باسمه كما يدعى غيره باسمه كذلك لا تجعل الصلاة على غيره في دعائه والإخبار عنه كما تجعل الصلاة عليه فإن فعل هذا مما لا يسوغ أصلا قالوا: فإذا ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم أحد من أمته انبغى له أن يصلى عليه لما جاء عنه في ذلك من قوله: صلى اللَّه عليه وسلّم من صلى عليّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا. ولا يجوز أن يترحم عليه لأنه لم يقل: من ترحم عليّ. ولا قال: من دعا لي وإن كانت الصلاة هنا الرحمة فكأنه خص بهذا اللفظ تعظيما له. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ولم يقل إن اللَّه وملائكته يترحمون على النبي. وإن كان المعنى واحد أن يخصه بذلك. السادس: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم شرع لأمته في التشهد أن يسلموا على عباد اللَّه الصالحين. وأن يصلوا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فعلمنا من ذلك أن الصلاة عليه حقه الّذي لا يشركه فيه أحد. السابع: أن اللَّه تعالى ذكر الأمر بالصلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه، التي خصه بها من تحريم النكاح لأزواجه، وجواز نكاحه لمن وهبت نفسها له، وإيجاب اللعنة لمن أذاه، ونحو ذلك من حقوقه وأكدها بالصلاة عليه والتسليم فدل على أن ذلك حق له خاصة وآله تبع له فيه. الثامن: أن اللَّه تعالى شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم لبعض ويستغفر بعضهم لبعض ويترحم عليه في حياته وبعد موته، فالدعاء، حق للمسلمين والصلاة حق لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فهما حقان لا يقوم أحدهما مقام الآخر، ألا ترى أن صلاة الجنازة إنما يدعى فيها للميت ويترحم عليه ويستغفر له ولا يصلى
عليه بدل ذلك، فيقال: اللَّهمّ صلّ عليه، فإنه يصلى عليه في الصلوات كلها ولا يقال: بدل ذلك اللَّهمّ اغفر له وارحمه بل يعطى كل ذي حق حقه. التاسع: أن الميت من يحتاج أن يدعى له بالمغفرة والرحمة والنجاة من العذاب والرسول صلى اللَّه عليه وسلّم غير محتاج إلى أن يدعى له بذلك بل الصلاة عليه زيادة في تشريف اللَّه له وتكريمه ورفع درجاته وهذا حاصل له، وإن غفل عن ذكره الغافلون فالأمر بالصلاة عليه إحسان من اللَّه للأمة ورحمة منه لهم ولنبيهم بصلاتهم على رسوله بخلاف غيره من الأمة فإنه محتاج إلى من يدعو له ويستغفر له ويترحم عليه ولهذا جاء بهذا في محله ليوجب العارف الحقوق إلى أهلها بفقهه عن اللَّه تعالى. العاشر: لو كانت الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم سائغة فإما أن يقال، باختصاصها ببعض الأمة ويقال: تجوز على كل مسلم فإن قيل. باختصاصها فلا وجه له وهو تخصيص غير مخصص وإن قيل: بعدم الاختصاص وأنها تسوغ لكل من يسوغ الدعاء له فحينئذ تسوغ الصلاة على المسلم وإن كان من أهل الكبائر، وكما يقال: اللَّهمّ تب عليه اللَّهمّ اغفر له يقال: اللَّهمّ صل عليه وهذا باطل. وإن قيل: تجوز على الصالحين دون غيرهم فهذا مع أنه لا دليل عليه ليس له ضابط فإن كون الرجل صالحا أو غيرهم فهذا مع أنه لا دليل عليه ليس له ضابط فإن كون الرجل صالحا أو غير صالح وصف يقبل الزيادة والنقصان وكذلك كونه وليا للَّه وكونه شقيا وكونه مؤمنا، كل ذلك يقبل الزيادة والنقصان فما ضابط من يصلى عليه من الأمة ومن لا يصلى عليه. نعلم بهذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم. ***
فصل فيمن أجاز الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم
فصل فيمن أجاز الصلاة على غير النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: القاضي أبو سعيد بن الفراء في (رءوس مسائله) : وبذلك قال: الحسن البصري، وحصيف، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان، وكثير من أهل التفسير، قال: وهو قول الإمام أحمد نص عليه في رواية أبى داود وقد سئل. أينبغي أن يصلى على أحد أو لا يصلى إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: أليس قال على لعمر: صلى اللَّه عليك قال: وبه قال: إسحاق بن راهويه وأبو ثور، ومحمد بن جرير الطبري، وغيرهم وحكى أبو بكر بن أبى داود عن أبيه: قال ذلك أبو الحسن وعلى هذا العمل، واحتج هؤلاء بوجوه: أحدها: قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ فأمر تعالي رسوله أن يأخذ الصدقة من أمته وأن يصلى عليهم ومعلوم أن الأمة من بعده تأخذ الصدقة كما كان يأخذها فيشرع لهم أن يصلوا على المتصدق كما كان يصلى عليه حين يأخذها منه النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. الثاني: ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث شعبة عن عمر وعن عبد اللَّه أبى أوفى قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللَّهمّ صل على آل فلان فأتاه أبى بصدقته فقال صلى اللَّه عليه وسلّم أتاه قوم فصدقته قال: اللَّهمّ صل على آل فلان فأتاه أبى بصدقته فقال صلى اللَّه عليه وآله اللَّهمّ صل على آل أبى أوفى. والأصل عدم الاختصاص وهذا ظاهر في أنه هو المراد من الآية. الثالث: ما رواه حجاج عن أبى عوانة عن الأسود بن قيس العمرى عن جابر بن عبد اللَّه أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه صلى على زوجي صلى اللَّه عليك فقال صلى اللَّه عليه وسلّم صلى اللَّه عليك وعلى زوجك وأجيب عن ذلك بأن الأدلة نوعان: نوع منها صحيح وهو غير متناول لعمل النزاع فلا يحتج به ونوع غير معلوم الصحة فلا يحتج به أيضا فقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ استدلال في غير محل الكلام لأن النزاع هل يشرع لأحدنا أن يصلى على النبي وآله أم لا وأما صلاته صلى اللَّه عليه وسلّم على من صلى فمسألة أخرى وأين هذه من صلاتنا عليه التي أمرنا اللَّه بها قضاء حتما؟ فان الصلاة عليه حق ل صلى اللَّه عليه وسلّم يتعين على الأمة أداؤه،
والقيام به، وأما هو صلى اللَّه عليه وسلّم فيخص من أراد ببعض ذلك الحق وهذا كما تقول شاتمة ومؤذيه قتله حق لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يجب على الأمة القيام به واستيفاؤه وأنه هو صلى اللَّه عليه وسلّم كان يعفو عنه حين كان يبلغه ويقول: رحم اللَّه موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر. وقال ابن عبد البر: تهذيب الآثار وحملها على غير المعارضة والتدافع هو أن يقال: أما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فجائز أن يصلى على من يشاء لأنه قد أمر أن يصلى على كل من يأخذ صدقته وأما غيره فلا ينبغي له إلا أن يخص النبي صلى اللَّه عليه وسلّم عليه كما قال ابن عباس وجائز أن يحتج في ذلك بعموم قوله تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً يقول: والّذي اختاره في هذا الباب أن يقول: اللَّهمّ ارحم فلانا واغفر له، ورحم اللَّه فلانا وغفر له ورضى عنه، ونحو هذا الدعاء والترحم عليه ولا يقال: إذا ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم إلا صلى عليه إلا أنه جائز أن يدخل معه في ذلك ما جاء في الأحاديث عنه من قوله: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد واللَّهمّ صل على محمد وعلى آله وذريته، ولا يصلى على غيره بلفظ الصلاة امتثالا لعموم قول اللَّه تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً في حياته وموته صلى اللَّه عليه وسلّم. الرابع: ما رواه ابن سعد في كتاب (الطبقات) من حديث ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه أن عليا دخل على عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما وهو مسجى فلما انتهى إليه قال: صلى اللَّه عليك ما أحد لقي اللَّه بصحيفته إلى من هذا المسجى بينكم. وأجيب بأن هذا الحديث قد اختلف فيه على أنس بن محمد عن أبيه أن عليّا لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه فاثنى عليه وقال: واللَّه ما على الأرض رجل أحب إلى أن ألقى اللَّه بصحيفته من هذا المسجى بالثوب. وكذلك رواه محمد ومحمد ومعلى معلى ابنا عبيد عن حجاج الواسطي عن بعضهم ولم يذكر هذه اللفظة وكذلك رواه سليمان بن بلال عن جعفر عن
أبيه وكذلك رواه يزيد بن هارون عن جعفر عن أبيه وكذلك رواه عون بن أبى جحيفه عن أبيه قال كنت عند عمرو فقال: فذكره دون لفظة الصلاة بل قال: رحمك اللَّه وكذلك رواه حازم بن الفضل عن حماد بن زيد عن أيوب وعمرو بن دينار وأبى جهيم قالوا: لما مات عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فذكروا الحديث دون لفظ الصلاة وكذلك رواه قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن محمد بن الحنفية ومع ذلك فإن ابن سعد لم يسند حديثه بل قال: في الطبقات: أخبرنا بعض أصحابنا عن سفيان بن عينيه أنه سمع منه هذا الحديث عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه فذكروه فقال: لما انتهى اليه فقال: صلى اللَّه عليك وهذا الرجل المهمل لم يحفظه فلا يحتج به وقد عارضه قول: عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما لا ينبغي الصلاة على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فاحتاجا إلى ترجيح أحدهما على الآخر. الخامس: ما رواه إسماعيل بن إسحاق فقال: حدثنا عبد اللَّه بن مسلم حدثنا نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم القاري عن نعيم عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه كان يكبر على الجنازة، ويصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ثم يقول: اللَّهمّ بارك فيه وصل عليه واغفر له وأورده حوض نبيك صلى اللَّه عليه وسلّم. وأجيب بأن نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم أبا رويم هذا، قال أبو طالب: عن أحمد بن حنبل كان يؤخذ عنه القرآن وليس في الحديث بشيء. وقال ابن عدي: وأرجو أنه لا بأس فيه، فقد تبين ضعفه وإن كان من أئمة القراءة، ويدل على أن حديثه هذا ليس بمحفوظ أن مالك لم يروه في (الموطأ) وإنما روى أثرا عن أبى هريرة، فلو كان هذا عند نافع مولاه لكان مالك أعلم به من نافع بن أبى نعيم، وقول ابن عباس يعارضه مع ذلك. السادس: أن الصلاة هي الدعاء وقد أمرنا بالدعاء بعضنا لبعض، هكذا احتج أبو سليمان بن الفراء. وأجيب عن ذلك بأن الصلاة دعاء مخصوص قد أمروا به في حق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وليس في ذلك دليل على جواز الدعاء به لغيره لما بين الرسول وبين غيره من الفرق العظيم، فلا يصح الإلحاق به، لا في الدعاء ولا في المدعو، وكما لا يصح أن يقاس عليه دعاء غيره لا يصح
أن يقاس على الرسول غيره، لا سيما والصلاة تشرع في حق الرسول لكونها دعاء بل لأخص من مطلق الدعاء، وهو كون الصلاة مطلق تعظيمه، وتحميده، والثناء عليه وهذا أخص من مطلق الدعاء. السابع: ما خرجه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن زيد عن يزيد ابن ميسرة عن عبد اللَّه بن شفيق عن أبى هريرة قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال: ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى اللَّه عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال: وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لعنا ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال أبو هريرة: فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ربطة كانت عليه على أنفه هكذا. وهو يدل عن عبد اللَّه بن شفيق عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال: يقول أهل السماء: روح طيب ريحها وذكر المسك، قال: يقول أهل السماء: روح طيبه جاءت من قبل الأرض صلى اللَّه عليك وعلى جسد كنت تعمر فيه. وذكر الحديث هكذا قال: مسلم عن أبى هريرة موقوفا وسياقه يدل على أنه مرفوع فإنه قال بعده: وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد: وذكر من نتنها وذكر لفها ويقول: أهل السماء روح خبيئة جاءت من قبل الأرض قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل قال: أبو هريرة فرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم ريطة كانت على ألفه هكذا [ (1) ] وهو
يدل على أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم حدثهم به وقد رواه جماعة عن أبى هريرة مرفوعا منهم أبو سلمة وعمرو بن الحكم وإسماعيل السدي عن أبيه عن أبى هريرة وسعيد بن يسار وغيرهم فإذا كانت الملائكة تقول: المؤمن صلى اللَّه عليك جاز ذلك أيضا للمؤمنين بعضهم لبعض. وأجيب بان هذا ليس بمتناول لمحل النزاع فإن النزاع فإنه هو هل يسوغ لأحد أن يصلى على غير الرسول وآله وأما الملائكة فليسوا بداخلين تحت تكاليف البشر حتى يصح قياسا عليهم فيها وبفعلونه فأين أحكام الملك من أحكام البشر فالملائكة رسل اللَّه في خلقه وأمر يتصرفون بأمره تعالى لا بأمر البشر. الثامن: قال اللَّه تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (1) ] . وقال: صلى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه وملائكته يصلون على معلم الناس الخير [ (2) ] وأجيب بأن هذا أيضا في غير النزاع فكيف يصح النزاع وقياس فعل العبد على فعل الرب وصلاة العبد دعاء وصلاة اللَّه على عبده ليست دعاء وإنما هي أكرم وتعظيم ومحبه وثناء واين هذا من صلاة العبد.
التاسع: ما خرجه أبو داود [ (1) ] ومن حديث عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إن اللَّه وملائكته يصلون على ميامن الصفوف [ (2) ] وفي حديث ارخ عنها قالت: ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف [ (3) ] وقد جاء صلاة الملائكة على من صلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وتقدم جواب هذا كله فيما مضى. العاشر: روى مالك بن مخامر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم مرسلا أنه قال: اللَّهمّ صلى على آل أبى بكر فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صل على عمر فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على آل عثمان فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على عليّ فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صلى على أبى عبيدة فإنه يحب اللَّه ورسوله اللَّهمّ صل على عمرو بن العاص فإنه يحب اللَّه ورسوله، وأجيب بأن هذا حديث مرسل لا إسناد له حتى نعرف صحته من سقمه ومع هذا فإنه في غير محل النزاع كما تقدم. الحادي عشر: ما روى عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنه كان يقف على غير النبي فيصلي عليه وسلّم فيصلي عليه وعلى أبى بكر وعمر. وأجيب بأن ابن عبد البر قال: ولهذا أنكر العلماء على يحيى بن يحيى ومن تابعه في الرواية عن مالك في (الموطأ) عن عبد اللَّه بن دينار قال: رأيت عبد اللَّه بن عمر يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فيصلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم وعلى أبى بكر
وعمر قالوا: إنما الرواية وغيره عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويدعوا لأبى بكر وعمر وبين يصلى على أبى بكر وعمر فإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من لفظ الصلاة عليه وكذلك روى عن عبد اللَّه بن عباس قال: لا يصلى على أحد إلا على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم يعنى وسائر الناس يدي لهم وترحم عليهم ومعلوم ان ابن عباس يعلم أن الصلاة قد تكون الدعاء والرحمة أيضا وقد رد ابن وضاح رواية يحيى إلى رواية ابن القاسم عن سحنون وحدث بها عنه وكما رواه ابن القاسم كذلك رواه القعنبي وابن بكر ومن تابعهم في (الموطأ) وجعلها يصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ويدعو لأبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما. الثاني عشر: أنه قد صح عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أنه في الصلاة عليه وعلى أزواجه وهذا على أصولكم الزم فإنكم لم تدخلوهن في آله الذين تحرم عليهم الصدقة فإذا جازت الصلاة عليهنّ جازت على غيرهن من الصحابة. وأجيب إنما صلى على الأزواج لإضافتهن إلى الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم وأهل بيته وزوجاته تبع له فيها. *** تم بحمد اللَّه تعالى الجزء العاشر ويليه الجزء الحادي عشر وأوله: فصل في أنهن لم يدخلن فيمن تحرم عليه الصدقة من الآل
المجلد الحادي عشر
[المجلد الحادي عشر] [تتمة الثمانون] [تتمة الثاني عشر] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم فصل في أنهن لم يدخلن فيمن تحرم عليه الصدقة من الآل فلعموم القرابة التي يثبت بها التحريم، ومع ذلك فإنّهنّ من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليه، ولا منافاة بين الأمرين. الثالث عشر: أنكم قد قلتم بجواز الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تبعا له، وقلتم بجواز أن يقال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه. قال الشيخ محيي الدين أبو زكريا النووي: واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعا لهم في الصلاة، ثم ذكر هذه الكيفية وقال: الأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أمرنا به في التشهد ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضا. قالوا: ومنه الأثر المعروف، عن بعض السلف: اللَّهمّ صل على ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات والأرضين. وأجيب بأن ادعاء الاتفاق غير معلوم الصحة، فقد منع جماعة الصلاة على غير الأنبياء مفردة وتابعة كما تقدم، فمن جعل الاتفاق وهذا التفصيل الّذي ذكرتموه وإن كان معروفا عن بعضهم في أصلهم بقوله: بل يمنعه، وهب أنا نجوز الصلاة على أتباعه بطريق التبعية له فمن أين يجوز إفراد المقر أو غيره بالصلاة عليه استقلالا ودعواكم أن الأحاديث الصحيحة في ذلك غير مسلم بها، فأين تجدون في الأحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآله وأزواجه وذريته حتى قلتم: والصحابة؟ فليس فيما ذكر الصحابة ولا الأتباع، وكذا قولكم: وقد أمرنا به في التشهد، فما أمرنا في التشهد إلا بالصلاة على آله وأزواجه وذريته فقط دون من عداهم، أوجدونا، ولن تجدوه أبدا. الرابع عشر: ما خرجه أبو يعلى الموصلي، عن ابن زنجويه، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، حدثنا ضمرة بن حبيب بن صهيب، عن أبي الدرداء، عن زيد بن ثابت، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دعاه وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم، قال: قل حين تصبح: لبيك اللَّهمّ لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، وتباركت وتعاليت، وأستغفرك وأتوب إليك،
اللَّهمّ ما قلت من قول أو نذرت من نذر، وحلفت من حلف، فمشيئتك بين يديك، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة لي إلا بك، أنت على كل شيء قدير، اللَّهمّ ما صليت من صلاة فعلى من صليت، وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت، أنت وليي في الدنيا والآخرة تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. ووجه الاستدلال أنه لو لم تشرع الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما كان يصلي على من ليس بأهل للصلاة، ولا يدري استثنى من ذلك كما أستثنى في حلفه ونذره. أجيب بأن في سند هذا الحديث أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي مريم الغساني الحمصي، قال ابن معين: ضعيف الحديث ليس بشيء، وقال أحمد: كان عيسى بن يونس لا يرضاه، وقال السعدي: ليس بالقوى في الحديث وهو متهالك. وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو داود: سرق له متاع فأنكره عقله، وقال ابن عدي: والغالب على حديثه الغرائب وكل من يوافقه عليه من الثقات، وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكنه كان رديء الحفظ، يتحدث بالشيء فيهم، وكثر ذلك حتى استحق الترك. قال ابن القيم: وفصل الخطاب في هذه المسألة أن الصلاة على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إما أن يكون آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وجائزة ومفردة. وأما الثاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموما الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم جاز ذلك أيضا فيقال: اللَّهمّ صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين وأهل طاعتك أجمعين، وإن كان معينا أو طائفة معينة كره أن تتخذ الصلاة عليه شعارا لا تحل به، ولو قيل بتحريمه لكانت له وجه، ولا سيما إذا جعلها شعارا له، وصنع منها نظيره أو من هو خير منه، وهذا كما يفعل الرافضة بعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فإنّهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع منه، ولا سيما إذا اتخذ شعارا لا تحل به، فتركه حينئذ متعين، وأما إن صلّى عليه اتفاقا بحيث لا يجعل ذلك شعارا كما يصلي على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت، وكما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المرأة وزوجها، وكما روى
الحادية والثمانون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة عليه واجبة
عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من صلاته على عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فهذا لا بأس به، وبهذا التفصيل تتفق الأدلة، ويكشف وجه الصواب. واللَّه الموفق. الحادية والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الصلاة عليه واجبة قال أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض على كل مؤمن بقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] ثم اختلفوا في كيفية ذلك وموضعه، فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض في الجملة بعقد الإيمان، ولا يتعين في الصلاة ولا في وقت من الأوقات، ومن قول بعضهم: أن من صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه، وبقي مندوبا إليه في سائر عمره بمقدار ما يمكنه. قال كاتبه: وهذا أبو محمد بن حزم قال فيمن يقول: أن هذا القول فرض على كل مسلم أن يقوله مرة في الدهر: فإذا فعل ذلك فقد صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما أمر ثم يستحب له ذلك في الصلاة وغيرها فهو يزيد من الأجر. قيل: من أين اقتصرتم على وجوب هذا مرة في الدهر ولم توجبوا تكرار ذلك متى ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلنا: إن ذلك مرة واحدة واجب، ولا يوجد الاقتصار على أقل من مرة، وأما الزيادة على المرة فنحن نسألكم: كم مرة توجبون ذلك في الدهر؟ أو في الحول؟ أو في الشهر؟ أو في اليوم؟ أو في الساعة؟ ولا يمكن منكم تحديد عدد دون عدد إلا ببرهان، ولا سبيل إليه فقد امتنع هذا بضرورة العقل.
فإن قالوا: نوجب ذلك عليه في الصلاة خاصة، قلنا: ليس هذا موجودا في الآية ولا في شيء من الأحاديث، فهو دعوى منكم بلا برهان، فإن من قال من غير الشافعيّ بقول إيجاب ذلك متى ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاة أو غيرها، قلنا: هذا لا يوجد في الآية ولا في الصحيح من الأخبار. قال القرطبي في تفسيره: ولا خلاف أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة، التي لا يسع تركها، ولا يغفلها إلا من لا خير فيه. ومنهم من قال: تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره، كما قال في آية السجدة، وتشميت العاطس، وكذلك في كل دعاء في أوله وفي آخره. ومنهم من أوجبها في العمر مرة، وكذا قال في إظهار الشهادتين، والّذي يقتضيه الاحتياط، الصلاة عليه كلما ذكر، كما ورد من الأخبار في ذلك. وقال أبو جعفر الطحاوي وأبو عبد اللَّه الحليمي: تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، وقال: ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه، اختلفوا في ذلك، فقالت فرقة: تجب الصلاة عليه في العمر مرة واحدة، لأن الأمر لا يقتضي تكرارا، والماهية تحصل بمرة، وهذا لأنه يحكي عن أبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري والأوزاعي. وقال القاضي عياض- وهو قول جمهور الأمة-: وقالت فرقه: تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير وهو قول الشافعيّ وأحمد في أحد الروايتين عنه. قال ابن عبد البر: وقال الشافعيّ رحمه اللَّه: إذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأخير، بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة، قال: وإن صلّى عليه قبل ذلك لم يجز، هذا قول حكاه عنه حرملة، ولا يكاد يوجد عنه إلا من رواية حرملة، وغير حرملة إنما يروى عنه أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرض في كل صلاة، موضعها التشهد الآخر قبل التسليم، ولم يذكر إعادة فيمن وضعها قبل التشهد في الجلسة الأخرى، وأن أصحابه قد تقلدوا رواية حرملة، ومالوا إليها، وناظروا عليها.
الأولى:
وقالت فرقة: الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب لا أمر وجوب، هذا قول ابن جريج وطائفة، وادعى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري فيه الإجماع، وهذا على أصله، فإنه إذا رأى الأكثرين على قول جعل إجماعا يجب اتباعه، والمقدمتان باطلتان، واحتج القائلون بوجوب الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحجج: الأولى: ما خرجه الحاكم [ (1) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ. ورغم أنفه: دعاء عليه، وذم له. الثانية: قوله: من ذكرت عنده فلم يصل عليّ فمات فأبعده اللَّه، وله طرق عن أبي هريرة، وجابر بن سمرة، وكعب بن عجرة، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك وكل طريق منها جاءت مستقله، والحديث بهذه الطرق المتعددة يفيد الصحة. الثالثة: قوله: من ذكرت عنده فليصل عليّ فإنه من صلّى عليّ مرة صلّى اللَّه عليه عشرا. لأمر ظاهر في الوجوب. الرابعة: قوله: إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ، وقوله: إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل على، وقوله: بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي عليّ، وقوله: كفى به شحا أن أذكر عند رجل فلا يصلي عليّ فإذا ثبت أنه بخيل، ووجه الدلالة أن البخيل اسم ذمّ، وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (2) ] [وقال تعالى:] الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ [ (3) ] فقرن تعالى البخل بالاختيال والفخر والأمر بالبخل، وذم على المجموع، فدل على أن البخل صفة ذم، وقد قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأي داء أدوى من البخل؟ والبخيل هو
الخامسة:
مانع ما وجب عليه، فمن أدى الواجب عليه كله لم يسم بخيلا، وإنما البخيل مانع ما يجب عليه إعطاؤه وبذله. الخامسة: أن اللَّه تعالى أمر بالصلاة والسلام عليه، والأمر المطلق للتكرار، ولا يمكن أن يقال: التكرار هو في كل وقت، فإن الأوامر المكررة إنما تكرر في أوقات خاصة، أو عند شروط وأسباب تقتضي تكرارها، وليس وقت أولى من وقت، فتكرر الأمر بتكرار ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أولى لما تقدم من النصوص، وهاهنا ثلاث مقدمات. المقدمة الأولى: أن الصلاة مأمور بها أمرا مطلقا، وهذه معلومة. المقدمة الثانية: أن الأمر المطلق يقتضي التكرار، وهذا مختلف فيه، فنفاه طائفة، وفرقت طائفة بين الأمر المطلق والمعلق على شرط أو وقت، فأثبت التكرار في المعلق دون المطلق، وهذه الأقوال الثلاثة لأصحابنا، ولأصحاب أحمد وغيرهم يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي الفساد، فإن هذا معلوم من خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلام، وإن كان لا يفرض لصحة المنهي عنه ولا فساده في أصل موضع اللغة، وكذا خطاب الشارع للواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون متناولا له ولأمثاله، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك، فإن هذه لغة صاحب الشرع، وعرفه في مصادر كلامه، وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار عن دينه قبل أن يعلم صحة القياس، واعتباره، وشروطه، وهذا فرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، وبين اقتضائه في عرف الشرع وعادة خطابه. المقدمة الثالثة: إذا تكرر المأمور به فإنه لا يتكرر إلا بسبب، ولولا الأسباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم لإخباره برغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه، والإمحال عليه بالبخل، وإعطائه اسمه، ومما يؤيد ذلك أن اللَّه سبحانه أمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه عقب إخباره لهم بأنه وملائكته يصلون عليه لم يكن مرة وانقطعت، بل هي صلاة متكررة، ولهذا ذكرها مبينا بها فضله، وشرفه، وعلو مرتبته، ثم أمر المؤمنين بها، فتكرارها في حقهم أحق وأكثر لأجل الأمر، ولأن اللَّه تعالى أكد السلام بالمصدر الّذي هو التسليم، وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كميته، وذلك بالتكرار، ولأن لفظ المأمور به
يدل على التكثير فإن الفعل المشدد يدل على تكرار الفعل كقولك كسّر الخبز وقطّع اللحم، وعلّم الخير، ونحوه، ولأن الأمر بالصلاة عليه في مقابل إحسانه إلى الأمة وتعليمهم وإرشادهم المطلق، وهذه الأقوال الثلاثة لأصحابنا، ولأصحاب أحمد وغيرهم. ورجحت هذه الطائفة التكرار بأن عامة أوامر اللَّه تعالى على التكرار كقوله تعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [ (1) ] وقوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [ (2) ] وقوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (3) ] وقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [ (4) ] وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ [ (5) ] وقوله تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (6) ] وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [ (7) ] وقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ [ (8) ] وقوله في اليتامى: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ [ (9) ] وقوله تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [ (10) ] وقوله تعالى:
إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [ (1) ] إلى قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [ (2) ] إلى قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا [ (3) ] وقوله تعالى: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [ (4) ] وقوله تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ [ (5) ] وقوله تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا [ (6) ] وقوله تعالى: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [ (7) ] وهذا في القرآن كثير جدا. وإذا كانت أوامر اللَّه تعالى ورسوله على التكرار، حيث وردت إلا في النادر، علم أن هذا عرف خطاب اللَّه ورسوله للأمة، والأمر إن لم يكن في لفظه المجرد ما يؤذن بتكرار ولا فور، وكان قد عرف في خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلامه إلا على عرفه، والمألوف من خطابه وإن لم يكن ذلك مفهوما من أصل الوضع في اللغة، وهذا كما قلنا: إن الأمر يقتضي الوجوب، والنهى يقتضي الفساد، فإن هذا معلوم من خطاب الشارع التكرار، فلا يحمل كلامه وإن كان لا يفرض لصحة المنهي عنه ولا فساده في أصل موضوع اللغة، وكذا خطاب الشارع بالواحد من الأمة يقتضي معرفة الخاص أن يكون متناولا له ولأمثاله، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك فإن هذه لغة صاحب الشرع، وعرفه في مصادر كلامه وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار من دينه قبل أن يتعلم صحة القياس، واعتباره، وشروطه، وهذا
الفرق بين اقتضاء اللفظ وعدم اقتضائه لغة، وبين اقتضائه في عرف الشرع وعادة خطابه. ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا تحصل بالصلاة مرة واحدة في العمر، بل لو صلّى العبد عليه بعدد أنفاسه لم يكن موفيا لحقه، ولا مؤديا لنعمته، فجعل جزاء هذه النعمة الصلاة عليه عند ذكر اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولهذا أشار صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ذلك بتسمية من لم يصل عليه عند ذكر اسمه بخيلا، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم، وحصل له منه الخير الجسيم، ثم يذكر عنده فلا يثنى عليه، ولا يبالغ في حمده، ومدحه، ويبدئ ذلك ويعيده، ويعتذر من التقصير في القيام بشكره، وواجب حقه، عده الناس بخيلا، لئيما، كفورا، فكيف بمن أو في إحسانه إلى العبد يزيد على إحسان المخلوقين بعضهم لبعض، الّذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة، ونجى من شر الدنيا والآخرة، والّذي لا تتصور القلوب حقيقة نعمته وإحسانه، فضلا عن أن يقوم بشكره؟. أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يعظم ويثنى عليه، ويتفرغ الوسع في حمده ومدحه، إذا ذكر بين الملأ فلا أقل من أن يصلي عليه مرة إذا ذكر اسمه، ولهذا دعي عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برغم الأنف، وهو أن يلصق أنفه بالتراب. وأيضا فإن اللَّه تعالى: نهى الأمة أن تجعل دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضا بل تدعوه: يا رسول اللَّه، يا نبي اللَّه، وهذا من تمام تعزيره وتوقيره، فلهذا ينبغي أن يخص باقتران اسمه بالصلاة عليه، ليكون ذلك فرقا بينه وبين ذكر غيره، كما كان الأمر به، دعاءه بالرسول، والنبي، فرقا بينه وبين خطاب غيره، فلو كان عند ذكره لا يجب الصلاة عليه لكان ذكره كذكر غيره في ذلك، هذا على أحد التفسيرين في الآية. وأما التفسير الآخر وهو أن المعنى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (1) ] فتؤخروا الإجابة بالأعذار والعلل التي يؤخر بعضكم عن إجابة بعض بها، لكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذرا لهم في التخلف عن إجابته، والمبادرة إلى طاعته، فإذا
والدليل على المقدمة الأولى:
لم تكن الصلاة التي فيها شغل يستباح به إجابته فكيف ما دونها من الأسباب والأعذار؟ فعلى هذا يكون المصدر مضافا إلى الفاعل، وعلى القول الأول يكون مضافا إلى المفعول، وقد يقال: إن المصدر هنا لم يضف إلى الفاعل ولا المفعول، وإنما أضيف إضافة الأسماء المحضة، ويكون المعنى لا تجعلوا الدعاء المتعلق بالرسول المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضا، وعلى هذا فيعم الأمرين معا، ويكون النهى عن دعائهم له باسمه كما يدعو بعضهم بعضا، عن تأخير إجابته، وعلى كل تقدير فكما أمر اللَّه سبحانه بأن يميز عن غيره في خطابه ودعائه إياهم، قياما للأمة بما يجب عليهم من تعظيمه وإجلاله، فتمييزه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام هذا المقصود وقد أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خطئ طريق الجنة، فلولا أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره، فلم يكن تاركها مخطئا لطريق الجنة، فمن ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنده فلم يصل عليه فقد جفاه ولا يجوز لمسلم جفاؤه. والدليل على المقدمة الأولى: حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، يرفعه: من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي عليّ وهذا وإن كان مرسلا لا يحتج به، فله شواهد. والدليل على المقدمة الثانية: أن جفاءه مناف لكمال حبه، وتقديم محبته على النفس، والأهل، والمال، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإن العبد لا يؤمن حتى يكون الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليه من نفسه، وولده، ووالده، والناس أجمعين كما تقدم، فإن المحبة ثلاثة أنواع: * إما محبة إجلال وتعظيم، كمحبة الوالدين. * وإما محبة تحنن وبر ولطف، كمحبة الولد. * وإما محبة لأجل الإحسان وصفات الكمال، كمحبة الناس بعضهم بعضا. ولا يؤمن العبد حتى يكون حب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أشد من هذه المحبات الثلاثة، ومعلوم أن حقا ثانيا في ذلك، فلما كانت محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم فرضا وكانت توابعها من الإجلال، والتعظيم، والتوقير، والطاعة، والتقديم على النفس وإيثاره بنفسه بحيث بقي نفسه بنفسه فرضا، كانت الصلاة عليه من لوازم هذه
واحتج نفاة الوجوب بوجوه:
المحبة وتمامها، وإذا ثبت لهذه الوجوه وغيرها وجوب الصلاة على من ذكر عنده، فوجوبها على الذاكر أولى. ونظير هذا أن السامع آية السجدة إذا أمر بالسجود إما وجوبا واستحبابا على القولين فوجوبها على التالي أولى، واحتج نفاة الوجوب بوجوه: أحدها: أنه من المعلوم الّذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كلما ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر من أن يذكر، فإنّهم كانوا يقولون: يا رسول اللَّه، مقتصرين على ذلك، وربما كان يقول أحدهم: صلى اللَّه عليك، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير، فلو كانت الصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليه تركها. الثاني: أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات، ولبينه لأمته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة. الثالث: أنه لا يعرف عند أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول، ولا يعرف أحد منهم قال به، وأكثر الفقهاء حكى الإجماع على أن الصلاة عليه ليست من فروض الصلاة، وقد نسب القائل بوجوبها إلى الشذوذ، ومخالفة الإجماع، فكيف خارج الصلاة؟. الرابع: لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا يشرع له في الأذان فضلا عن أن تجب عليه. الخامس: أنه كان يجب على من سمع النداء ويجيبه أن يصلي عليه، وقد أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نقول كما يقول المؤذن، وهذا دليل على جواز اقتصاره على قوله: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، هذا هو مثل ما قال المؤذن. السادس: أن التشهد الأول ينتهى عند قوله: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اتفاقا، واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلى آله في التشهد الأخير أم لا؟ على ثلاثة أقوال: قيل: لا يشرع الصلاة عليه خاصة دون آله، ولم يقل أحد بوجوبها في التشهد الأول عند ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
السابع:
السابع: أن المسلم إذا دخل في الإسلام بتلفظه بالشهادتين لم يحتج أن يقول: أشهد أن محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الثامن: أن الخطيب في الجمع والأعياد ونحوها، لا يحتاج أن يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في نفس التشهد، ولو كانت الصلاة واجبة عليه عند ذكره لوجب عليه أن يقرنها بالشهادة، فلا يقال: تكفي الصلاة عليه في الخطبة، فإن تلك الصلاة لا تنعطف على ذكر اسمه عند التشهد، ولا سيما مع طول الفصل، والموجبون يقولون: تجب الصلاة كلما ذكر، ومعلوم أن ذكره ثانيا غير ذكره أولا. التاسع: أنه لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر على القارئ كلما مرّ بذكر اسمه، يصلي عليه ويقطع بذلك قراءته ليؤدي هذا الواجب، وسواء كان في الصلاة أو خارجها فإن الصلاة عليه لا تبطل الصلاة وهي واجبة، قد تعين فوجب أداؤه، وترك إهماله. العاشر: لو وجبت الصلاة عليه كلما ذكر لوجب الثناء على اللَّه تعالى كلما ذكر اسمه، وكان يجب على من ذكر اسم اللَّه أن يقرنه بأن يقول: سبحانه وتعالى، أو عز وجل، أو تبارك وتعالى، أو جلت عظمته، أو تعالى جدّه، ونحو ذلك، بل كان ذلك أولى مما روى، فإن تعظيم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وإجلاله، ومحبته، وطاعته تابع لتعظيم مرسلة سبحانه وإجلاله، ومحبته، وطاعته، فمحال أن تثبت المحبة والطاعة، والتعظيم والإجلال، للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم دون مرسلة، بل إنما يثبت له تبعا لمحبة اللَّه تبارك وتعالى، وتعظيمه، وإجلاله، ولهذا كانت طاعة ومتابعة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم متابعة للَّه تبارك وتعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [ (1) ] ومحبته محبة للَّه تعالى. قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ (2) ] وتعظيمه تعظيما للَّه، ونصرته نصرة للَّه، فإنه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم وعبده الداعي إليه، وإلى طاعته، ومحبته، وإجلاله، وتعظيمه، وحده لا شريك له. فكيف يقال:
الحادي عشر:
تجب الصلاة كلما ذكر اسمه وهي ثناء وتعظيم، ولا يجب الثناء والتعظيم للخالق سبحانه وتعالى كلما ذكر اسمه؟ هذا محال من القول. الحادي عشر: أنه لو جلس إنسان ليس له هجير إلا قوله: محمد رسول اللَّه، أو اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد، وبشر كثير يسمعونه، فإن قلتم: يجب على كل من أولئك السامعين أن يكون هجيرا للصلاة عليه ولو طال المجلس ما طال، كان ذلك حرجا ومشقة، وتركا لقراءة قارئهم، ودراسة دارسهم وكلام صاحب الحاجة منهم، وهذا كونه في العلم وتعلمه القرآن وغير ذلك. وإن قلتم: لا تجب عليهم الصلاة في هذه الحالة نقضتم مذهبكم، وإن قلتم: تجب عليه مرة أو أكثر كان تحكما بلا دليل مع أنه مبطل لقولهم. الثاني عشر: أن الشهادة له صلّى اللَّه عليه وسلّم بالرسالة فرض واجب من الصلاة عليه بلا ريب، ومعلوم أنه لا يدخل أحد في الإسلام إلا بها ولا تجب كلما ذكر اسمه فكيف تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه؟ وليس من الواجبات بعد كلمة الإخلاص إفراد الشهادة له بالرسالة فمتى أقر له بوجوبها عند ذكر اسمه تذكر العبد الإيمان، وموجبات هذه الشهادة، فكان يجب على من ذكر اسمه أن يقول: محمد رسول اللَّه، ووجوب ذلك أظهر بكثير من موجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، فهذه حجج الفريقين، ولكل فرقة منها أجوبة عن حجج الفرقة المنازعة لها، بعضها ضعيف جدا، وبعضها محتمل، وبعضها قوى، والفاضل لا يخفى عليه ذلك عند تأمل حجج الفريقين، وبالجملة فأدلة الوجوب أقوى وأظهر.
الثانية والثمانون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
الثانية والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: في كيفية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أنه قد أوردت أحاديث الصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم اثنان وأربعون من الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهم: أبو مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري، وكعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن الحارث السوداوي حليف الأنصار، وأبو حميد الساعدي واسمه المنذر وقيل: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة، وأبو سعيد الخدريّ واسمه سعد بن مالك بن سنان، وطلحة بن عبيد اللَّه، وزيد بن خارجة ويقال: ابن حارثة، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وبريدة بن الحصيب، وسهل بن سعد الساعدي، وعبد اللَّه بن مسعود، وفضالة ابن عبيد، وأبو طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام، وأنس بن مالك وعمر بن الخطاب، وعامر بن ربيعة، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي بن كعب، وأوس بن أوس، والحسن والحسين ابنا على بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء، والبراء بن عازب، ورويفع بن ثابت الأنصاري، وجابر بن عبد اللَّه، وأبو رافع بن ثابت الأنصاري، وجابر بن عبد اللَّه، وأبو رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعبد اللَّه بن أوفى، وأبو أمامه الباهلي واسمه صدى ابن عجلان، وعبد الرحمن بن بشير بن مسعود، وأبو بردة بن دينار واسمه هاني، وقيل: الحارث، وعمار بن ياسر، وجابر بن سمرة، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، واسمه سعد، ومالك بن الحويرث، وعبد اللَّه بن جزء الزبيدي، وعبد اللَّه بن عباس، وأبو ذر الغفاريّ، واسمه جندب بن جنادة، وقيل: غير ذلك، وواثلة بن الأسقع، وأبو بكر الصديق، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وسعيد بن عمير الأنصاري، وهو من البدريين، وحبان بن منقذ.
فأما حديث أبي مسعود [1]- رضي الله تبارك وتعالى عنه -
فأما حديث أبي مسعود [ (1) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحديث صحيح خرجه النسائي [ (2) ] عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم عن مالك. وخرجه الترمذي [ (3) ] عن إسحاق بن موسى، عن معن عن مالك. وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نعيم بن عبد اللَّه المجمر أن زيد بن عبد اللَّه الأنصاري، وعبد اللَّه بن زيد،
هو الّذي كان أرى النداء بالصلاة، أخرجه عن أبي مسعود الأنصاريّ، قال: أتانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد، أمرنا اللَّه أن نصلي عليك يا رسول اللَّه فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم. ترجم عليه النسائي باب الأمر بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وخرجه أبو داود [ (1) ] عن القعنبي، عن مالك. وخرجه الإمام أحمد [ (2) ] بزيادة عن طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد فقال: حدثنا أبو السحيم عبد ربه الأنصاريّ عن أبي مسعود قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن عنده فقال: يا رسول اللَّه أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نحن نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلّى اللَّه عليك؟ قال: فصمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله، ثم قال:
إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا: اللَّهمّ صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك [ (1) ] . ورواه ابن خزيمة والحاكم [ (2) ] . قال الحاكم فيه: على شرط مسلم واعترض عليه بأن في هذا نوع تساهل، فإن مسلم لم يحتج بابن إسحاق في الأصول، وإنما خرّج له في المتابعات، وقد أحلت له هذه الزيادة بتفرد ابن إسحاق بها، ومخالفة سائر الرواة له في تركهم ذكرها. وأجيب عن ذلك بأن ابن إسحاق لم يخرّج بما يوجب ترك الاحتجاج به، وقد وثقه كبار الأمة، وأثنوا عليه بالحفظ والعدالة، وهما ركنا الرواية، ومع ذلك فإنما يخاف من تدليسه، وقد صرح هنا بسماعة الحديث من محمد بن إبراهيم التيمي فزالت تهمة تدليسه، وقد قال الدارقطنيّ في هذا الحديث- وقد خرجه في (السنن) [ (3) ] من هذا الوجه-: وهذا إسناد حسن متصل، وقال في كتاب (العلل) : يرويه محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد عن أبي مسعود، حدث به عنه كذلك القعنبي ومعن وأصحاب (الموطأ) . [يعنى أصحاب مالك] [ (4) ] . ورواه حماد بن مسعود عن مالك عن نعيم فقال: عن محمد بن زيد عن أبيه ووهم فيه، ورواه داود بن قيس الفراء عن نعيم عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، خالف فيه مالك، وحديث مالك أولى بالصواب. انتهى.
وقد اختلف على ابن إسحاق في هذه الزيادة فذكرها إسماعيل بن سعد كما تقدم، ورواه زهير بن معاوية عن ابن إسحاق بدون ذكر الزيادة، كذلك قال عبد بن حميد في (مسندة) : عن أحمد بن يونس والطبراني في (معجمه) عن ابن عباس بن الفضل عن أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية. واللَّه تعالى أعلم.
وأما حديث كعب بن عجرة [1]
وأما حديث كعب بن عجرة [ (1) ] فقد رواه أهل الصحيح وأصحاب السنن والمسانيد من حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عنه، وهو حديث لا مغمز فيه، فخرجه البخاري في كتاب الأنبياء في باب وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا من طريق عبد اللَّه بن عيسى، سمع عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: بلى، فاهدها لي قال: فقال: سألنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإن اللَّه قد علمنا كيف نسلم قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وخرّج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من طريق شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى يقول: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ خرج
علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللَّه عرّفنا كيف نسلم عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. ذكره البخاري في كتاب الدعاء في باب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرجه من طريق شعبة عن الحكم بهذا الإسناد مثله وليس في حديث مسعر: ألا أهدي لك هدية. وخرجه أيضا عن الأعمش وعن مسعر، وعن مالك بن مغول كلهم عن الحكم بهذا الإسناد مثله غير أنه قال: وبارك على محمد ولم يقل: اللَّهمّ. وخرجه البخاري [ (1) ] في كتاب التفسير من طريق مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، قيل: يا رسول اللَّه أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل ... مثل حديث شعبة سواء وقال: على إثر هذا الحديث: وخرّج الفرياني حديث كعب بن عجرة رواه، عن سيفان الثوري عن الأعمش عن الحكم بن عيينة بنحو ما تقدم بعده وقيل لسفيان: كيف لم يقل: على إبراهيم وآل إبراهيم فقال: ألم تسمع إلى قوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [ (2) ] وفرعون معهم. وخرجه أبو داود [ (3) ] من حديث شعبة عن الحكم بن أبي ليلى، عن كعب ابن عجرة قال: قلنا: أو قالوا: يا رسول اللَّه أمرنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وخرجه أيضا من حديث شعبة بهذا الحديث، قال: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على [آل] إبراهيم إنك حميد مجيد [ (1) ] . ومن حديث الحسن بن محمد الزعفرانيّ قال: حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش ومسعر ومالك، عن الحكم بن عيينة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن أبي عجرة قال: لما نزلت هذه الآية إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] قلنا: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (3) ] . وقال ابن عبد البر: وقال شعبة والثوري عن الحكم عن عبد الرحمن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة؟ فقال: قل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد. هذا لفظ حديث الثوري، وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند ويبين معنى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
فبين لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام عليه [ (1) ] . وهو قوله في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، وهذا معنى قوله في حديث مالك والسلام كما قد علمتم. ويشهد لذلك قول عبد اللَّه بن عباس وابن عمر وابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وهو أيضا معنى حديث كعب بن عجرة المذكور عند نزول الآية وقد قيل: إن السلام في هذه الأحاديث أريد به السلام من الصلاة، والقول الأول أكثر.
وأما حديث أبي حميد الساعدي
وأما حديث أبي حميد الساعديّ [ (1) ] فخرجه البخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] والنسائيّ [ (5) ] . فخرجه البخاريّ من طريق عبد اللَّه بن يوسف.
وخرجه أبو داود من طريق القعنبي عن روح، كلهم عن مالك بن سليم الزرقيّ قال: أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ولم يقل أبو داود: آل في الموضعين. ذكره البخاري في كتاب الأنبياء في آخر باب قول اللَّه تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا وفي كتاب الدعاء، في باب هل يصلي على غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟. وخرجه ابن ماجة [ (1) ] من طريق عبد الملك بن الماجشون به، عن مالك به مثله.
وأما حديث أبي سعيد الخدري [1]
وأما حديث أبي سعيد الخدريّ [ (1) ] فخرّج البخاريّ [ (2) ] في كتاب التفسير من حديث الليث قال: حدثني ابن الهاد، عن عبد اللَّه بن خباب، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قلنا: يا رسول اللَّه هذا التسليم فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوَرْديّ عن يزيد يعني ابن الهاد قال: كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم هكذا ذكره في تفسير سورة الأحزاب. وقال في كتاب الدعاء: حدثنا إبراهيم [ (3) ] بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوَرْديّ عن يزيد عن عبد اللَّه بن خباب عن أبي سعيد الخدريّ قال: قلنا: يا رسول اللَّه هذا السلام عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم.
وأما حديث طلحة بن عبيد الله [3]
وذكره في باب الصلاة على النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم ورواه النسائي عن قتيبة، عن بكر بن نصر، عن ابن الهاد ورواه ابن ماجة [ (2) ] ، عن أبي بكر بن أبي بكر، عن ابن أبي شيبة عن خالد بن مخلد، عن عبد اللَّه بن جعفر عن ابن الهاد. وأما حديث طلحة بن عبيد اللَّه [ (3) ] خرجه الإمام أحمد [ (4) ] من حديث مجمع بن يحيى الأنصاري، قال: حدثني عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك قال: قل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وخرجه النسائي من طريق شريك، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: كيف نصلي عليك يا نبي اللَّه؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد [ (5) ] . ومن طريق مجمع بن يحيى عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد [ (6) ] .
وأما حديث زيد بن خارجة [2]
وعثمان بن عبد اللَّه بن موهب أبو عبد اللَّه وأبو عمرو المدني الأعرج مولى آل طلحة يروي عن عمرو وأبي هريرة وأم سلمة وجابر بن سمرة وعبد اللَّه بن أبي قتادة وموسى بن طلحة ويروي عنه شعبة وشيبة وشريك وأبو عوانة وآخرون، وثقة أبو داود. وخرّج له البخاريّ ومسلم والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجة [ (1) ] . وأما حديث زيد بن خارجة [ (2) ] فرواه الإمام أحمد [ (3) ] من حديث عيسى بن يونس، حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا خالد بن سلمة أن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة حين عرس على ابنه عليّ فقال: يا أبا عيسى كيف بلغك في الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال موسى: سألت زيد بن خارجة فقال: أنا سألت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليك؟ فقال: صلوا واجتهدوا، ثم قولوا: اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
ورواه النسائيّ، عن سعيد بن يحيى الأمويّ، عن عثمان به، ورواه إسماعيل ابن إسحاق في فضل الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف الصلاة عليك؟ عن عليّ بن عبد اللَّه حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عثمان بن الحكيم، عن خالد بن سلمة، عن موسى، عن طلحة، أخبرني زيد بن حارثة بن الخزرج قال: قلت: يا رسول اللَّه كيف نسلم عليك؟ فذكر نحوه. قال الحافظ أبو عبد اللَّه بن مندة في كتاب (الصحابة) : روى عبد الواحد ابن زياد عن عثمان بن حكم عن خالد بن سلمة قال: سمعت موسى بن طلحة وسأله عبد الحميد كيف الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: سألت زيد بن خارجة الأنصاري فذكره. وأما زيد بن حارثة هذا فهو زيد بن ثابت بن الضحاك بن حارث بن ثعلبة من بنى سلمة ويقال: ابن خارجة الخزرجيّ ذكره ابن مندة في (الصحابة) والصواب زيد بن خارجة وهو ابن أبي زهير الأنصاريّ الخزرجيّ، شهد بدرا وتوفي في خلافه عثمان، وهو الّذي تكلم بعد الموت، قاله أبو نعيم وابن مندة وابن عبد البر، وقيل: بل هو زيد بن حارثة والباقي أصح.
وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرّج النسائيّ من حديث عمرو بن عاصم، حدثنا حبان بن يسار الكلابيّ، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعيّ، عن محمد بن علي، عن محمد ابن الحنفية عن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من سره أن يكتال بالكيل الأوفى إذا صلّى علينا أهلّ البيت فليقل: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على محمد النبيّ وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. وحبان بن يسار الكلابي البصريّ وثقة ابن حبان، وقال البخاري: اختلط في آخر عمره، وقال أبو حاتم الرازيّ: ليس بالقوى ولا بالمتروك، وقال ابن عدي: حديثه فيه ما فيه لأجل الاختلاط الّذي ذكر عنه، ولهذا الحديث علة وهي أن موسى بن إسماعيل التبوذكي خالف عمرو بن عاصم فيه فرواه عن حبان بن يسار. وحدثني أبو المطرف والخزاعيّ وحدثني محمد بن عطاء الهاشمي عن أبي نعيم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فذكره. ورواه أبو داود، عن موسى بن إسماعيل وله علة أخرى وهي أن عمر بن عاصم قال: حدثنا ابن يسار، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، وقال: موسى ابن عبيد اللَّه بن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز، وهكذا هو في (تاريخ البخاري) وكتاب ابن أبي حاتم وكتاب (الثقات) لابن حبان، كذا ذكره في كتاب (تهذيب الكمال) لأبي الحجاج المزي فقال ما ملخصه: عبيد اللَّه بن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز أبو مطرف الخزاعي، عن الحسن والزهري ومحمد بن على الهاشميّ وعنه صفوان بن سليم مع تقدمه، وحبان بن يسار وحماد بن زيد وجماعة. ذكره ابن حبان في (الثقات) ، فإما أن يكون عمرو بن العاص وهم في اسمه، وإما أن يكون اثنين، ولكن عبد الرحمن بن طلحة هذا مجهول لا يعرف في غير هذا الحديث ولم يذكره أحد من المتقدمين، وعمرو بن العاص وإن كان
وأما حديث أبي هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه
روى عنه البخاريّ ومسلم واحتجا به، فموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقريّ التبوذكي البصري الحافظ أحفظ منه، والحديث له أصل من رواية أبي هريرة بغير هذا السند والمتن كما يأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى. وأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال محمد بن إسحاق السراج: أخبرنا أبو يحيى وأحمد بن محمد اليزني قالا: أنبأنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قطب أنبأنا داود بن قيس، عن نعيم بن عبد اللَّه، عن أبي هريرة أنهم سألوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم. وهذا الإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، رواه عبد الوهاب ابن مندة في (الخفاف) عنه. وقال: الشافعيّ أخبرنا إبراهيم بن محمد أنبأنا صفوان بن سليم، عن أبي مسلمة، عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك؟ يعني الصلاة في الصلاة. قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم ثم تسلمون عليّ. وإبراهيم هذا هو ابن محمد بن يحيى الأسلمي كان الشافعيّ يرى الاحتجاج به على هجره، وكان يقول: لأن يخبر من بعد أحب إليه من أن يكذب، وقد تكلم فيه مالك والناس، ورموه بالضعف والترك، وصرح بتكذيبه مالك وأحمد ويحيى ابن سعيد القطان ويحيى بن معين والنسائي، وقال ابن عقدة الحافظ: نظرت في حديث إبراهيم بن أبي يحيى كثيرا فهو ليس بمنكر الحديث، وقال ابن عديّ: هو كما قال: ابن عقدة وقد نظرت أنا في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرا إلا عن شيوخ يحتلمون، يعنى أن يكون الضعف منهم ومن جهتهم، ثم قال ابن عديّ: وقد نظرت في أحاديثه ومحتوياتها.
وأما حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث بريدة بن الحصيب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فرواه الحسن بن شاذان، عن عبد اللَّه بن إسحاق الخراسانىّ حدثنا الحسين ابن مكرم، حدثنا يزيد بن هارون حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي داود عن بريدة قال: قلنا: يا رسول اللَّه قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتهما على إبراهيم إنك حميد مجيد. وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث أبو داود الأعمى الكوفي القاصّ، وقيل: اسمه نافع الهمدانيّ وقيل: الدارميّ السمعي مولاهم. قال ابن معين: ليس بشيء وكان أحمد يقول: سمعت العبادلة ابن عمرو وابن عباس وابن الزبير ولم يسمع منهم شيئا، وقال الفلاس: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثنا عن نفيع، وقال همام: قدم علينا أبو داود فجعل يقول: حدثنا البراء بن عازب وزيد بن أرقم فقلنا لعبادة: إن أبا داود يحدثنا عن زيد ابن أرقم وعن البراء فقال: كذب إنما كان سائلا يتكفف الناس قبل طاعون الجارف، وقال البخاري: قاصّ يتكلمون، فيه، وقال السعدي: كذاب يتناول قوما من الصحابة بسوء، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: وهو من جملة الغالين بالكوفة. قال كاتبه: وهو وإن كان متروكا كان مطروح الحديث، فالعمدة على ما تقدم ولا يضر إخراج حديثه في الشواهد دون الأصول.
وأما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرّج الحاكم في (المستدرك) [ (1) ] من حديث الليث بن سعد، عن خالد ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلاك عن يحيى بن السباق، عن رجل من بنى الحارث، عن ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. ورواه البيهقيّ في (السنن) [ (2) ] هكذا وقد اعترض على الحاكم في تصحيحه هذا الحديث فإن يحيى بن السباق وشيخه غير معروفين بعدالة ولا جرح. وقد ذكر أبو حاتم ابن حبان يحيى بن السباق في كتاب (الثقات) [ (3) ] وقد رواه الدارقطنيّ في (السنن) [ (4) ] من حديث عبد الوهاب بن مجاهد بن أبي ليلى وأبو معمر قال: علمني ابن مسعود التشهد وقال: علمنيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كما كان يعلمنا السورة من القرآن: التحيات للَّه والصلوات والطيبات، السلام عليك
أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللَّهمّ صل على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ صل علينا معهم، اللَّهمّ بارك على محمد وعلى أهل بيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللَّهمّ بارك علينا معهم، صلوات اللَّه وصلوات المؤمنين على محمد النبيّ الأميّ، السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. قال: وكان مجاهد يقول: إذا سلم فبلغ وعلى عباد اللَّه الصالحين فقد سلم على أهل السماء والأرض. ولهذا الحديث علتان: إحداهما: أنه من رواية عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر المكيّ، قال ابن معين: ليس ممن يكتب حديثه، ومرة قال: ليس بشيء، ومرة قال: ضعيف، وقال السعدي: غير مقنع، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه لا يتابع عليه. والأخرى: أن ابن مسعود المحفوظ عنه في التشهد إلى أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله. ثم روي عنه موقوفا ومرفوعا فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم، وأن تقعد فاقعد، والموقوف أشبه وأصح وقد روى ابن ماجة في (سننه) من حديث المسعودي عن عوف بن عبد اللَّه عن أبي فاختة عن الأسود بن يزيد، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: إذا صليتم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. قال: فقالوا له: فعلمنا. قال: قولوا: اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللَّهمّ ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون. اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وأما حديث عبد الرحمن بن بشر بن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث عبد الرحمن بن بشر بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد ابن زيد، عن أيوب عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود قال: قيل: يا رسول اللَّه أمرتنا أن نسلم عليك وأن نصلي عليك، فقد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: تقولون: اللَّهمّ صل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، اللَّهمّ بارك على آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. وحدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عون، عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود فذكره: حدثنا نصر بن على حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام، عن محمد، عن عبد الرحمن بن بشر بن مسعود قال: قلنا، أو قيل للنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمرنا أن نصلي عليك، قال: تقولون: اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم. فذكره بمثله سواء، وعبد الرحمن هذا معدود في الصحابة ويقال فيه: ابن بشير بياء، قال ابن عبد البر: عبد الرحمن بن بشير، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فضل عليّ روى عنه الشعبيّ. قال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة حدثنا سعيد الجريريّ، عن يزيد بن عبد اللَّه أنهم كانوا يستحبون أن يقولوا: اللَّهمّ صل على محمد النبيّ الأميّ وعليه السلام. حدثنا يحيى الحماني حدثنا هشيم، حدثنا أبو صالح حدثني يونس مولى بني هاشم قال: قلت: لعبد اللَّه بن عمرو أو ابن عمر كيف الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين، اللَّهمّ ابعثه يوم القيامة مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون. وصل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
حدثنا محمود بن خداش، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: قالوا: يا رسول اللَّه قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (1) ] . حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا السري بن يحيى، قال: سمعت الحسن قال: لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] قالوا: يا رسول اللَّه، هذا السلام قد عرفنا كيف هو، فكيف تأمرنا أن نصلي عليك؟ قال: تقولون: اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد [ (3) ] .
الثالثة والثمانون من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم: أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشرا
الثالثة والثمانون من خصائص المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من صلّى عليه واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا خرّج مسلم [ (1) ] من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من صلّى علي واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا. وخرجه أبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] وابن حبان [ (5) ] في (صحيحه) وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي بعض ألفاظه: من صلّى على مرة واحدة كتب له بها عشر حسنات. ذكره ابن حبان.
وروى عبد اللَّه بن محمد المنقريّ، عن محمد بن حبيب. حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد الساعديّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا أنا بأبي طلحة فقام إليه فتلقاه. فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! إني أرى السرور في وجهك! قال: أجل، إنه أتانى جبريل آنفا فقال: يا محمد، من صلّى عليك مرة أو قال: واحدة كتب اللَّه بها عشر حسنات ومحا بها عنه عشر سيئات ورفع له بها عشر درجات. قال ابن حبيب: ولا أعلم إلا قال: وصلت عليه الملائكة عشر مرات. وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث معشر، عن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبي طلحة الأنصاريّ، قال: أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر فقالوا: يا رسول اللَّه! أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر، قال: أجل أتاني آت من ربي عز وجل وقال: من صلّى عليك من أمتك صلاة كتب اللَّه بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها. ومن حديث أبي طلحة الأنصاريّ قال: «أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر، قالوا يا رسول اللَّه، أصبحت اليوم طيب النفس، يرى في وجهك البشر، قال: أجل، أتاني آت من ربي عز وجل فقال: من صلّى عليك من أمتك صلاة كتب اللَّه له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها» [ (2) ] .
رواه النسائيّ من حديث ابن المبارك وعفان، عن حماد، ورواه ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] من حديث حماد أيضا والنسائيّ [ (2) ] من حديث أبي سلمة وهو المغيرة بن مسلم الخراسانىّ عن أبي إسحاق، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من ذكرت عند فليصل عليّ ومن صلّى على مرة صلى اللَّه عليه عشرا. ومن حديث يحيى بن آدم حدثنا يونس بن أبي إسحاق حدثني يزيد بن أبي مريم عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمعه يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى على صلاة واحدة صلّى اللَّه عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر سيئات، ورفعه بها عشرة درجات. ورواه الإمام أحمد في (المسند) عن أبي نعيم عن يونس، وعليه ما أشار إليه النسائيّ في كتابه (الكبير) أن مخلد بن يزيد رواه عن يونس بن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم عن الحسن عن أنس. وهذه العلة لا تقدح فيه شيئا لأن الحسن لا شك في سماعه عن أنس، وقد صح سماع يزيد بن أبي مريم أيضا من أنس هذا الحديث، فرواه ابن حبان في (صحيحه) والحاكم [ (3) ] في (المستدرك) من حديث يونس ابن أبي إسحاق، عن يزيد، عن أبي مريم قال: سمعت أنس بن مالك فذكره، ولعل يزيد سمعه من الحسن، ثم سمعه من أنس فحدث به على الوجهين، فإنه قال: كنت أزامل
الحسن في محل فقال: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فذكره. ثم إنه حدث به عن أنس فرواه عنه كما تقدم. لكن ينبغي أن يقال: يحتمل أن يكون هذا هو حديث أبي طلحة بعينه أرسل أنس عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدل على ما رواه إسماعيل بن إسحاق. حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن عبيد اللَّه بن عمرو، عن ثابت البناني قال: قال أنس بن مالك قال أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج عليهم يوما يعرفون البشر في وجهه فقالوا: إنا نعرف الآن البشر في وجهك، فذكر حديث أبي طلحة المتقدم. وروى ابن أبي عاصم، حدثنا الحسن بن البراء حدثنا شبابة حدثنا المغيرة عن أبي إسحاق عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا على فان الصلاة عليّ كفارة لكم، فمن صلّى عليّ صلّى اللَّه عليه. وخرّج إسماعيل بن إسحاق من حديث القعنبيّ حدثنا سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك قال: خرج علينا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبرز فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فاتبعه بمطهرة يعنى إداوة فوجده ساجدا فتنحى فجلس وراءه حتى رفع رأسه، قال: فقال: أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني، إنّ جبريل أتاني فقال: من صلّى عليك واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه عشر درجات. وقال إسماعيل: حدثنا يعقوب بن حمد، حدثنا أنس بن عياض بن سلمة ابن وردان، حدثنا مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبرز فاتبعته بإداوة من ماء فوجدته ساجدا، فتنحيت عنه، فلما رفع رأسه قال: أحسنت يا عمر حين تنحيت عني، إن جبريل أتاني فقال: من صلّى عليك صلاة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه عشر درجات.
فإن قيل: هذا الحديث الثاني علة للحديث الأول لأن سلمة بن وردان أخبر أنه سمعه من مالك بن أوس بن الحدثان. قيل: ليس بعلة له، فقد سمعه سلمة بن وردان منهما. قال أبو بكر الإسماعيلي في كتاب (مسند عمر) : وحدثني عبد الرحمن ابن عبد اللَّه، أخبرنا أبو موسى القروي، حدثني أبو ضمرة، عن حمزة، عن سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك يقول: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بإداوة ومجارة، فوجده قد فرغ، ووجده ساجدا فتنحى عمر. وذكر الحديث. حدثنا عمران بن موسى، حدثنا ابن كاسب، حدثنا أنس بن عياض، عن سلمة بن وردان حدثني مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمرو حدثني أنس ابن مالك ثم ساقه من حديث الفضل بن دكين. حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنس بن مالك ومالك بن أوس بن الحدثان وذكره. وقال ابن شاهين: حدثني العباس بن المغيرة، حدثنا عبد اللَّه بن ربيعة قال: سمعت عبد اللَّه بن شريك عن عاصم بن عبد اللَّه بن عاصم، عن عبد اللَّه ابن عامر بن ربيعة، عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من صلّى علي صلاة صلّى اللَّه عليه عشرا، فليقلّ عبد عليّ أو ليكثر [ (1) ] . وخرّج الطبرانيّ من حديث عمر بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب حدثني عبيد اللَّه بن عمر عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لحاجته فلم يجد أحدا يتبعه ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه، فوجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ساجدا فتنحى عنه من خلفه، حتى رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه وقال: أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني، إن جبريل أتانى فقال: من صلّى عليك من أمتك واحدة صلّى اللَّه عليه عشرا، ورفعه بها عشر درجات.
قال الطبرانيّ لم يروه عن عبيد اللَّه إلا يحيى بن أيوب، تفرد به عمرو ابن طارق. وخرّج الإمام أحمد من حديث شعبة، عن عاصم بن عبد اللَّه قال: سمعت عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطب ويقول من صلّى عليّ صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه فليقلّ عبدا من ذلك أو ليكثر [ (1) ] . ورواه ابن ماجة عن شعبة [ (2) ] ، ورواه عبد الرزاق، عن عبد اللَّه بن عمر العمرى، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد اللَّه بن عامر، عن أبيه، ولفظه: من صلّى عليّ صلاة صلّى اللَّه عليه [عشرا] فأكثروا أو أقلوا. وعاصم بن عبيد اللَّه ابن عاصم بن عمر بن الخطاب وعبيد اللَّه بن عمر العمريّ وإن كان حديثهما فيه بعض الضعف، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين يدل على أنه له أصلا، وهذا لا ينزله عن وسط درجات الحسن. وخرّج [الإمام] أحمد من حديث ليث عن يزيد بن جهاد عن عمرو بن أبي عمرو، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاتبعته حتى دخل مدخلا، فسجد فأطال السجود، حتى خفت أو خشيت أن يكون اللَّه قد توفاه أو قبضه، قال: فجئت انظر فرفع رأسه فقال: مالك يا عبد الرحمن قال: فذكرت ذلك له فقال: إنّ جبريل عليه السّلام قال لي: ألا أبشرك أن اللَّه عز وجل يقول لك: من صلّى عليك صليت عليه ومن سلّم عليك سلمت عليه.
وخرّجه أيضا من حديث سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن فذكره. وقال فيه: فسجدت للَّه شكرا [ (1) ] . وخرّجه الحاكم في (المستدرك) [ (2) ] من طريق سليمان بن بلال، عن عمرو وقال: صحيح الإسناد. ورواه ابن أبي الدنيا عن يحيى بن جعفر. حدثنا زيد بن الحباب أخبرني موسى بن عبيده، أخبرني قيس بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن سعد ابن إبراهيم عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف قال: سجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سجدة أطال فيها. فقلت له في ذلك فقال: إني سجدت هذه السجدة شكرا للَّه عز وجل فيما أبلانى في أمتى فإنه من صلّى عليّ صلاة صلّى اللَّه عليه بها عشرا. وموسى بن عبيدة وإن كان في حديثه بعض الضعف فهو شاهد لما تقدم. وقال: عثمان بن أبي شيبة: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقيني جبريل وبشرنى أن اللَّه عز وجل يقول لك: من صلّى عليك صلاة صليت عليه، ومن سلّم عليك سلمت عليه، فسجدت لذلك. وخرّج النسائي من حديث أبي أسامة، عن سعيد بن سعيد، عن سعيد ابن عمير عن عمه أبي بردة بن نيار قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلّى اللَّه عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، وقد أعلّ هذا الحديث بأن وكيعا رواه، عن سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن عمير الأنصاري، عن أبيه وكان بدريا، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ، فذكره.
وقال النسائيّ: أنبأنا الحسين بن حريث، حدثنا وكيع فذكر قصة اختلاف أبي أسامة ووكيع، قال الحافظ أبو قريش محمد بن زرعة: سألت أبا زرعة يعنى الراويّ عن اختلاف هذين الحديثين فقال: حديث أبي أسامة أتم. وخرّج الطبراني في (المعجم الكبير) من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن سعيد بن أبي سعيد بن أبي الصباح، حدثنا سعيد بن عمير بن عقبة بن نيار الأنصاريّ، عن عمه أبي بردة بن نيار فذكروه. ورواه بن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبيّ) صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن أبي أسامة، عن سعيد بن أبي سعيد به، وروى الحافظ أبو نعيم من طريق أبي مالك عبد الملك بن حسين، عن عاصم بن عبيد اللَّه عن القاسم بن محمد عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ صلاة صلت عليه الملائكة فليكثر عبد أو ليقل. وخرّج أبو داود في (سننه) من حديث ابن وهب، عن ابن لهيعة وسعيد بن أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على، فإنه من صلّى عليّ صلاة صلى اللَّه عليه عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فإن من سأل اللَّه لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة [ (1) ] . وخرجه مسلم [ (2) ] .
وذكر عبد اللَّه بن أحمد من طريق ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن هبيرة عن عبد اللَّه، وفي نسخة عبد الرحمن بن شريح الخولانيّ قال: سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول: سمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: من صلى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة صلى اللَّه عليه وملائكته بها سبعين صلاة فليقلّ من ذلك أو ليكثر. كذا رواه موقوفا. وذكره أبو نعيم، عن أحمد بن جعفر، عن عبد اللَّه عن أبيه، وقال عبد الباقي بن قانع: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن صالح بن شيخ بن عميرة قال: حدثني محمد بن هاشم حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي، عن أبي الصباح البهزيّ حدثني سعيد بن عمير عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ صادقا من نفسه صلّى اللَّه عليه عشر صلوات، ورفعه عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات. وروى إسماعيل بن إسحاق من طريق العوام بن حوشب حدثني رجل من بنى أسد، عن عبد الرحمن بن عمرو، قال: من صلّى على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب اللَّه له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات. ومن طريق سفيان، عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتاني آت من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى اللَّه عليه بها عشرا [ (1) ] ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه، أجعل لك نصف دعائي؟ قال: إن شئت، قال: أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال: إن شئت، قال: أجعل دعائي لك كله؟ قال: يكفيك اللَّه همّ الدنيا وهمّ الآخرة، فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع لسفيان: عمن أسنده؟ قال: لا أدري.
الرابعة والثمانون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه من صلى عليه صلى الله عليه وسلم غفر ذنبه
الرابعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم غفر ذنبه روى محمد بن موسى، عن الأصمعيّ، حدثني محمد بن مروان السديّ، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ عند قبري وكل اللَّه به ملكا يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له يوم القيامة شهيدا أو شفيعا [ (1) ] . ومحمد بن موسى ابن يونس بن موسى الكديمي متروك الحديث. وقال: عبد اللَّه بن حميد في (مسندة) : حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن ابن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا اللَّه، جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه. قال أبي بن كعب: قلت: يا رسول اللَّه إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك [ (2) ] .
وخرجه الإمام أحمد، عن وكيع، عن سفيان به [ (1) ] . وخرجه الترمذي [ (2) ] ، عن هناد، عن قبيصة وقال: حسن صحيح. وخرجه الحاكم في (المستدرك) [ (3) ] وقال: صحيح. وعبد اللَّه بن محمد بن عقيل [ (4) ] احتج به الأئمة الكبار كالحميدي وأحمد وإسحاق وغيرهم، والترمذي تارة يصحح هذا الحديث وتارة يحسنه. وسئل شيخ الإسلام تقيّ الدين أبو العباس بن تيمية رحمه اللَّه، عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبيّ بن كعب دعاء يدعو به لنفسه فسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هل يجعل له منه ربع صلاة عليه. فقال: إن زدت فهو خير لك، فقال له: النصف. فقال: إن زدت فهو خير لك. إلى أن قال: أجعل صلاتي كلها أي أجعل دعائي صلاة عليك؟ قال: إذا تكفي همك، ويغفر ذنبك، لأن من صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة صلى اللَّه عليه بها عشرا، ومن صلّى اللَّه عليه كفاه همه، وغفر له ذنبه.
الخامسة والثمانون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن الدعاء يتوقف إجابته حتى يصلي عليه وأن العبد مأمور أن يصلي عليه في دعائه
الخامسة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الدعاء يتوقف إجابته حتى يصلي عليه وأن العبد مأمور أن يصلي عليه في دعائه روى الحسن بن عرفة، عن الوليد بن بكر، عن سلام الخراز، عن أبي إسحاق السبيعيّ، عن الحارث الأعور، عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من دعاء إلا بينه وبين السماء والأرض حجاب حتى يصلي على محمد، فإذا صلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم انخرق الحجاب واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يستجب الدعاء [ (1) ] . لكن قال شعبة والعجليّ: لم يسمع أبو إسحاق السبيعيّ من الحارث إلا أربعه أحاديث، فعدها، لم يذكر هذا منها، وقد ثبت، عن ابن إسحاق وقفه على عليّ، ومع هذا فالحارث بن عبد اللَّه الهمدانيّ الأعور، قال الشعبيّ: كان كاذبا، وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس به بأس، وقال ابن عدي: وعامة ما يرويه ليس بمحفوظ. وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من طريق حيوة بن شريح قال: أخبرنى هانئ بن حميد بن هانئ أن أبا عليّ عمرو بن مالك حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته لم يحمد اللَّه ولم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم يصلي على النبيّ ثم يدعو ربه بما شاء.
وخرجه أبو داود [ (1) ] ، والنسائيّ [ (2) ] ، والترمذيّ [ (3) ] وقال: حديث صحيح. وخرجه ابن ماجة في (سننه) . وخرجه الترمذيّ [ (4) ] في (جامعه) من حديث النضر بن شميل، عن أبي قرة الأسديّ، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضيّ اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. هكذا رواه موقوفا. وكذلك رواه الإسماعيليّ في (مسند عمر) من حديث النضر أتم من هذا فقال: أخبرنى الحسن حدثنا محمد بن قدامة وإسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا النضر، عن أبي قرة سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما من امرئ مسلم يأتى فضاء من الأرض فيصلي فيه الضحى ركعتين، يقول: اللَّهمّ أصبحت عبدك على عهدك ووعدك، خلقتني ولم أك شيئا. أستغفرك لذنبي فإنّي قد أرهقتنى ذنوبي، وأحاطت بى إلا أن تغفرها فاغفر لي يا رحمان، إلا غفر اللَّه له في ذلك المقعد ذنبه وإن كان
مثل زبد البحر [ (1) ] . وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ذكر لي أن الدعاء يكون بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. وقال: قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ذكر لي أن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكن. وقال عمر: ما من امرئ يتصدق بزوجين من ماله إلا ابتدرته حجب الجنة [ (2) ] ، قال الإسماعيلي: الأول: في صلاة الضحى موقوف، وكذلك الصدقة بزوجين من ماله موقوف. والثاني: سواء يريد به حديث الصلاة وحديث تباهي الأعمال يحتمل الرفع، ويحتمل الوقف على السواء. وقد روى حديث الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث معاذ بن الحارث، عن أبي قرة مرفوعا لكنه لا يثبت، والموقوف أشبه. وقال: أحمد بن عمرو ابن أبي عاصم حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم، عن موسى بن عبيدة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تجعلوني كقدح الراكب إن الراكب يملأ قدحه فإذا
فرغ وعلق معاليقه فإن كان فيه ماء مرت حاجته أو للوضوء توضأ، وإلا أهراق القدح فاجعلوني في أول الدعاء، أو في أوسطه، ولا تجعلوني آخره [ (1) ] . قال الطبراني حدثنا إسحاق الديري حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن موسى بن عبيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جابر فذكر مثله إلا أنه قال: فأجعلوني في أول الدعاء، وفي أوسطه، وفي آخره. وخرّج الحافظ أبو موسى المديني من حديث سعيد بن معروف، عن عمرو بن قيس أو ابن أبي قيس، عن أبي الجوزاء، عن عبد اللَّه بن عمر قال: من كان له إلى اللَّه حاجة فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة تطهر وراح إلى المسجد، فتصدق بصدقة قلت أو كثرت، فإذا صلى الجمعة قال: اللَّهمّ إني أسألك باسمك، بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، الّذي لا إله إلا هو الحي القيوم، الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الّذي ملأت عظمته السموات والأرض، الّذي عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجلت القلوب من خشيته، أن تصلى على محمد، وأن تعطيني حاجتي وهي كذا. فإنه يستجاب له إن شاء اللَّه قال: وكان يقول: لا تعلموه سفهاءكم، لا يدعو بإثم أو قطيعة [ (2) ] . وخرّج الترمذي من طريق عبد اللَّه بن بكر التميمي، عن فائد بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن أبي أو في قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من كانت له إلى اللَّه أو إلى أحد من بنى آدم حاجة، فليتوضّأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل
ركعتين، ثم ليثن على اللَّه، وليصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ليقل: لا إله إلا اللَّه الحليم الكريم، سبحان اللَّه رب العرش العظيم، الحمد للَّه رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين. قال الترمذيّ [ (1) ] : هذا حديث غريب وفي إسناده مقال، وفائد بن عبد الرحمن ضعيف الحديث، وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم بن حبان: كان ممن يروي المناكير، عن المشاهير، ويأتي عن ابن أبي أوفى بالمعضلات، لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه. وقد خرجه الحاكم في (المستدرك) وقال: إنما خرجته شاهدا، وفائد مستقيم الحديث، كذا قيل.
السادسة والثمانون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن صلاة أمته تبلغه في قبره وتعرض عليه صلاتهم وسلامهم
السادسة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن صلاة أمته تبلغه في قبره وتعرض عليه صلاتهم وسلامهم خرّج أبو داود من طريق أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد اللَّه بن نافع قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا على فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم. وخرّج أبو الشيخ في كتاب (الصلاة على النبيّ) صلّى اللَّه عليه وسلّم من طريق الحسن ابن الصباح، حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ عند قبري سمعته، ومن صلّى عليّ من بعيد علمته، وهذا الحديث غريب جدا. وقد خرجه البيهقيّ من حديث العلاء بن عمرو الجعفيّ: حدثنا أبو عبد الرحمن- هو محمد بن مروان السدي- عن الأعمش. وخرّج الطبرانيّ من حديث عبد اللَّه بن محمد العمريّ، حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من مسلم سلّم عليّ في شرق الأرض ولا غربها، إلا أنا وملائكة ربي نردّ عليه الصلاة والسلام، فقال له قائل: يا رسول اللَّه! فما بال أهل المدينة؟ قال: [كفؤ] [ (1) ] كريم في جيرانه إنه مما أمر به حفظ الجوار. قال الأعمش: هذا وضعه العمريّ. وروى النسائي [ (2) ] من طريق سفيان، عن عبد اللَّه بن السائب، عن زاذان، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتى السلام. وذكره ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] . وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من طريق حسين بن على الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعانيّ، عن أوس بن أبي أوس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة. فأكثروا من الصلاة عليّ فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ. قالوا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت، يعنى وقد بليت؟ فقال: إن اللَّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. ورواه أبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] والنسائي [ (5) ] ثلاثتهم من طريق حسين الجعفي، وكذلك خرجه ابن حبان [ (6) ] في (صحيحه) والحاكم في (مستدركه) [ (7) ]
وقد أعل بعض الحفاظ هذا الحديث، بأن حسين الجعفيّ حدث به عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي الأشعث، عن أوس، قال: ومن تأمل هذا الإسناد لم يشك في صحته لثقة رواته وشهرتهم، وقبول الأئمة أحاديثهم، وعلته أن حسين الجعفيّ لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فلما حدث به حسين غلط في اسم الجد فقال: ابن جابر، وقد بين ذلك الحفاظ ونبهوا عليه، قال البخاري في (التاريخ الكبير) [ (1) ] : عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمىّ [ (2) ] ، عن مكحول سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير ويقال: هو الّذي روى عنه أبو أسامة وحسين الجعفي، وقال: هو ابن جابر وغلطا في نسبه، ويزيد بن تميم أصح، وهو ضعيف الحديث.
[وقال الخطيب: روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ووهموا في ذلك، فالحمل عليهم في تلك الأحاديث، ولم يكن غير ابن تميم الّذي أشار عمرو بن عليّ، وأما ابن جابر فليس في حديثه منكر، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. حدّثت عن دعلج بن أحمد، قال: قال موسى بن هارون: روى أبو أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم ضعيف] ، وأجيب عن هذا التعليل بأن حسين بن علي الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. قال ابن حبان في (صحيحه) : حدثنا ابن خزيمة، حدثنا ابن كريب، حدثنا حسين بن علي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فصرح بالسماع منه، وقوله: أنه ابن جابر وإنما هو ابن تميم فغلط في اسم جده فإنه قول بعيد فإنه لم يكن يشتبه على حسين بهذا مع نقضه وعلمه بها وسماعه منهما، فإن قيل: فقد قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب (العلل) سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا أعلم أحدا من أهل العراق يحدث عنه، والّذي عندي أن الّذي يروي عنه أبو أسامه وحسين الجعفيّ واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامه خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة، لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمثلها، ولا أعلم أحدا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئا، وأما حسين الجعفي فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث، عن أوس بن أوس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم الجمعة، وفيه الصاعقة، وفيه النفخة وفيه كذا، وهو حديث منكر لا أعلم أحدا رواه غير حسين الجعفي، وأما عبد الرحمن بن جابر ثقة. تم كلامه. قيل: قد تكلم في سماع حسين الجعفيّ وأبي موسى من ابن جابر فأكثر الحديث، هل أنكروا سماع أبي أسامة منه؟ قال الحافظ أبو الحجاج المزيّ في (تهذيب الكمال) : قال ابن نمير وذكر أبا أسامة فقال: الّذي يروى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر نرى أنه ليس بابن جابر المعروف، ذكر لي أنه رجل
يسمى بابن جابر، قال يعقوب: وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا اسامة أنه علم ذلك وعرف، ولكن تفاضل عن ذلك. قال: وقال لي ابن نمير: ألا ترى روايته لا تشبه سائر أحاديثه الصحاح التي روى عنه أهل الشام وأصحابه؟ وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت محمد بن عبد الرحمن بن أخي حسين الجعفيّ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بعد ذلك بدهر، فالذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر وهو ابن تميم. وقال ابن أبي داود: سمع أبو اسامة من ابن المبارك، عن ابن جابر، وجميعا يحدثان عن مكحول، وابن جابر أيضا دمشقيّ، فلما قدم هذا قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقيّ وحدث عن مكحول، فظن أبا أسامة أنه ابن جابر الّذي روى عنه ابن المبارك، وابن جابر ثقة مأمون، يجمع حديثه وابن تميم ضعيف، وقال أبو داود: متروك الحديث، حدث عنه أبو أسامة وغلط في اسمه فقال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشاميّ وكل ما جاء عن أبي أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد فإنما هو ابن تميم. وأما رواية حسين الجعفيّ، عن ابن جابر فقد ذكره المزيّ في كتاب (التهذيب) ، فقال: روى عنه حسين بن عليّ الجعفيّ وأبو أسامة حماد بن أسامة إن كان محفوظا فجزم برواية حسين، عن ابن جابر، وشك في رواية حماد. وقد ذكر الدارقطنيّ أيضا. فقال: في كلامه على كتاب أبي حاتم في الضعفاء قوله: حسين الجعفيّ روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم خطأ الّذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فغلط في اسم جده فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل. وللحديث علة أخرى: وهي أن عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر سماعه من أبي الأشعث. قال عليّ بن المدينيّ: حدثنا الحسين بن عليّ الجعفيّ حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس ابن أوس فذكره. قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه: حدثنا علي بن عبد اللَّه فذكره.
فأما حديث أبي هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه
وليست هذه العلة بعلة قادحة، فإن للحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وأبي مسعود الأنصاري، وأنس بن مالك، والحسن، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا. فأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه رواه مالك عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة عنه قال: قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة خلق فيه آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا هي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل اللَّه شيئا إلا أعطاه إياه. فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن أوس، وقال علي مثل معناه.
وأما حديث أبي الدرداء [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث أبي الدرداء [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ففي (الثقفيات) : أنبأنا أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن علي بن المقرئ، أنبأنا أبو العباس محمد بن الحسين بن قتيبة العسقلانيّ، أخبرني عمر ابن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عباده بن نسي، عن أبي الدرداء قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود، تشهده الملائكة، وإن أحدا لا يصلي عليّ يوم الجمعة إلا عرضت عليّ صلاته حتى يفرغ قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء، فنبيّ اللَّه حيّ يرزق. وخرجه الطبرانيّ من طريق سعيد بن أبي مريم. حدثنا يحيى بن أيوب، عن خالد بن زيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة: على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود، تشهده الملائكة ليس من عبد يصلي عليّ إلا بلغني صوته حيث كان. قلت: وبعد وفاتك؟ قال: وبعد وفاتي، إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، وخرجه ابن ماجة أيضا [ (2) ] .
وأما حديث أبي أمامة [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث أبي أمامة [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرجه البيهقيّ من طريق إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة عن برد بن سنان، عن مكحول الشامي، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة علي في كل يوم جمعة. فمن كان أكثرهم صلاة علي كان أقربهم منى منزلة [ (2) ] . وقد تكلم في برد بن سنان [ (3) ] ، ووثقه يحيى بن معين، وغيره، وقيل مع ذلك: إن مكحولا لم يسمع من أبي أمامة بهذا على هذا الحديث.
وأما حديث أنس [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث أنس [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرجه الطبرانيّ من طريق نصر بن عليّ، حدثنا النعمان بن أبي عبد السلام، حدثنا أبو طلال عن أنس قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال: ما على الأرض مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت عليه أنا وملائكتي عشرا [ (2) ] . فقال: محمد بن إسماعيل العرقيّ: حدثنا جبارة بن مغلس. حدثنا أبو إسحاق حازم عن يزيد الرقاشيّ عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة على يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض عليّ [ (3) ] . وهذان الحديثان وإن كانا ضعيفين فيصلحان للاستشهاد. ورواه ابن على السري. حدثنا داود بن الجراح. حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة. عن أنس عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة. وكان الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستحبون إكثار الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة. قال محمد ابن يوسف العابد عن الأعمش عن يزيد بن وهب قال: قال: ابن مسعود حدثنا زيد ابن وهب: لا ندع إذا كان يوم الجمعة أن نصلي على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ألف مرة، نقول: اللَّهمّ صل على محمد النبيّ الأميّ.
وأما حديث الحسن [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث الحسن [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرّج أبو يعلي في (مسندة) من طريق أبي بكر الحنفيّ، حدثنا عبد اللَّه بن نافع أنبانا العلاء بن عبد الرحمن. قال: سمعت الحسن بن عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا. ولا تتخذوا بيتي عيدا. صلوا علي وسلموا فإن صلاتكم وسلامكم تبلغني أيا ما كنتم [ (2) ] . ولكن قد رواه مسلم بن عمر [ (3) ] عن عبد اللَّه بن نافع عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا تجعلوا بيوتكم قبورا. ولا تجعلوا قبري عيدا. وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم [ (4) ] . وهذا أشبه. ولهذا جعلت لحديث أنس علة.
وخرّج الطبرانيّ في (المعجم الكبير) [ (1) ] من طريق أحمد بن رشدين المصري، حدثنا سعيد بن إبراهيم. حدثنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد بن أبي زين عن حسن بن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن أبيه أن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: حيثما كنتم فصلوا عليّ وصلاتكم تبلغني. وله من حديث موسى بن عمير، عن مكحول عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ صلّى اللَّه عليه عشرا، وملك موكل بها حتى يبلغنيها [ (2) ] . وخرّج أبو الشيخ الأنصاريّ من حديث أبي كريب حدثنا قبيصة عن نعيم بن ضمضم، قال: قال لي عمران بن حميري: ألا أحدثك عن خليلي عمار ابن ياسر؟ قلت: بلى، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق، وهو قائم على قبري، إذا مت فليس أحد يصلي عليّ صلاة إلا قال: يا محمد صلّى عليك فلان. قال: فليصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل صلاة عشرا [ (3) ] .
وخرّج الطبراني في (المعجم الكبير) [ (1) ] من طريق عثمان بن أبي شيبة. حدثنا أبو كريب. حدثنا قبيصة بن عقبة عن نعيم بن ضمضم عن الحميري قال: قال لي عمار: ألا أحدثك عن حبيبي نبي اللَّه؟ قلت: بلى، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عمار إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق كلها وهو قائم على قبري إلى يوم القيامة، فليس أحد من أمتي يصلى علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه، قال: يا محمد صلّى عليك فلان هكذا وكذا. فيصلي الرب على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا. ومن حديث عبد الرحمن بن صالح الكوفي. حدثنا نعيم بن ضمضم عن خال له يقال له: عمران الحميري، قال: سمعت عمار بن ياسر يقول سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن للَّه ملكا أعطاه سمع العباد [كلهم] [ (2) ] فليس من أحد يصلي علي صلاة إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد صلاة إلا صلّى اللَّه عليه عشر أمثالها [ (3) ] . وقال إبراهيم بن رشيد بن مسلم: حدثنا عمر بن حبيب القاضي، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من عبد صلى عليّ صلاة إلا عرج بها ملك حتى يبحث بها وجه الرحمن عز وجل فيقول ربنا تبارك وتعالى: اذهبوا بها إلى عبدي يستغفر لصاحبها وتقرّ بها عينه. وخرّج إسماعيل بن إسحاق في كتابه من طريق هشيم. قال: حدثنا حصين بن عبد الرحمن عن يزيد الرقاشيّ قال: إن ملكا موكل يوم الجمعة من
صلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يبلغ النبي يقول: إن فلانا من أمتك يصلي عليك. هذا موقوف. ومن طريق مبارك عن الحسن عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة، ومن طريق وهب عن أيوب قال: بلغني واللَّه أعلم أن ملكا موكل بكل من صلّى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يبلغه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. ومن طريق إبراهيم بن حمزة. حدثنا عبد العزيز بن محمد عبد سهيل قال: جئت أسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحسن وحسين يتعشيان في البيت عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعاني فجئته فقال: ادن فتعشّ فقلت: لا أريد، قال لي: ما لي رأيتك وقفت؟ قال: وقفت أسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: إذا دخلت المسجد فسلم عليه ثم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، لعن اللَّه يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا عليّ إن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم [ (1) ] .
السابعة والثمانون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن من ذكر عنده فلم يصل عليه بعد ورغم أنفه وخطئ طريق الجنة
السابعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من ذكر عنده فلم يصلّ عليه بعد ورغم أنفه وخطئ طريق الجنة خرّج الحاكم في (المستدرك) [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق الصغانيّ، حدثنا ابن أبي مريم. حدثنا محمد بن هلال. حدثني سعد بن إسحاق بن كعب ابن عجرة عن أبيه عن كعب بن عجرة، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحضروا [المنبر] فأحضرنا فلما ارتقى درجة قال: آمين. ثم ارتقى الدرجة الثانية. فقال: آمين. ثم ارتقى الدرجة الثالثة. فقال: آمين. فلما فرغ نزل عن المنبر فقلنا: يا رسول اللَّه لقد سمعنا. منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه! فقال: إن جبريل عرض لي. فقال: بعد من أدرك رمضان ولم يغفر له. فقلت: آمين. فلما رقيت الثانية قال: بعد من ذكرت عند فلم يصل عليك. فقلت: آمين. فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك والديه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. فقلت: آمين. قال الحاكم: صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] . وخرّج الترمذيّ من طريق ربعيّ بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبريّ. عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رغم أنف الرجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ، ورغم أنف [الرجل] دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف [الرجل] أدرك أبواه عنده الكبر فلا يدخلاه الجنة. [قال عبد الرحمن: وأظنه قال: أو أحدهما] . قال الترمذيّ: وفي الباب عن جابر وأنس، وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وربعيّ بن إبراهيم هو أخو إسماعيل بن إبراهيم، وهو ثقة، وهو ابن عليّة.
ويروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلّى الرجل على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة في المجلس أجزأ ما كان في ذلك المجلس [ (1) ] . ورواه الحاكم في (المستدرك) [ (2) ] ، وعبد الرحمن بن إسحاق [ (3) ] احتج به مسلم، وقال فيه أحمد بن حنبل: صالح الحديث، وتكلم فيه بعضهم، وقال فيه أبو داود: ثقة إلا أنه قدريّ. ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث عبد العزيز بن أبي حاتم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رقى المنبر، فقال: آمين آمين آمين فقيل له: يا رسول اللَّه ما كنت تصنع هذا فقال: قال لي جبريل: رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ولم يغفر له. فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف الرجل أدرك أبوية أو أحدهما الكبر ولم يدخل الجنة، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين. كثير بن زيد [ (4) ] وثقة ابن حبان وقال أبو زرعة: صدوق وقد تكلم فيه.
ورواه ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] من حديث محمد بن عمر، وعن سلمة عن أبي هريرة فذكره. وقال: وما من عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك فما تدخل النار فأبعده اللَّه. قل: آمين. فقلت: آمين. ومحمد بن عمرو [ (2) ] هذا خرّج له البخاريّ ومسلم في المتابعات، ووثّقه ابن معين وصحّح له الترمذيّ. ورغم بكسر الغين المعجمة أي لصق بالتراب وهو الرغام، وقال ابن الأعرابي: هو بفتح الغين ومعناه ذلّ عن كره. يقال: أرغمه الذل، ويكون معناه حطه من عزة إلى مقام الذل، وكنى عنه بالتراب [ (3) ] . وقال: الفريابي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان، قال: سمعت أنسا يقول: ارتقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فرقي درجة فقال: آمين، ثم ارتقى درجة فقال: آمين، ثم ارتقى الثالثة. فقال:
آمين، ثم استوى فجلس فقال: أصحابه: أي رسول اللَّه! على ماذا أمنت؟ قال: جاءني جبريل فقال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة. فقلت: آمين، ورغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، قلت: آمين. ورواه أبو بكر الشافعيّ عن معاذ حدثنا القعنبي، حدثنا سلمة بن وردان فذكره، وسلمة بن وردان [ (1) ] هذا لين الحديث قد تكلم فيه، وليس ممن يطرح حديثه، لا سيما وله شواهد وهو معروف من حديث غيره. وقد روي من طريق قيس بن الربيع عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: صعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فقال: آمين. آمين، فقيل: يا رسول اللَّه ما كنت تصنع هذا، فقال: قال لي جبريل فذكر الحديث وقال فيه: يا محمد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده اللَّه، قل: آمين. فقلت: آمين. وقيس بن الربيع [ (2) ] صدوق بستي كان شعبة يثنى عليه، وقال أبو حاتم: محله الصدق وليس بالقويّ. وقال ابن عديّ: عامة رواياته مستقيمة، وأصل
هذا الحديث قد روي من حديث أبي هريرة وكعب بن عجرة وابن عباس وأنس ومالك بن الحويرث وعبد بن جزء والزبيدي، وجابر بن سمرة وقد تقدم حديث أبى هريرة، وجابر بن سمرة وكعب بن عجرة. وأنس. وأما مالك بن الحويرث [ (1) ] فقال أبو حاتم البستي في (صحيحه) : حدثنا عبد اللَّه بن صالح البخاريّ ببغداد، حدثنا الحسين بن عليّ الحراني، حدثنا عمران بن أبان حدثنا مالك بن الحسين بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال: صعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فلما رقى عتبة قال: آمين. ثم رقى عتبة أخرى وقال: آمين ثم رقى عتبة أخرى، وقال آمين. ثم قال: أتانى جبريل عليه السلام وقال: يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قلت: آمين. قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده اللَّه قلت. آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه. قلت: آمين.
وأما حديث عبد الله بن جزء الزبيدي [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث عبد اللَّه بن جزء الزبيديّ [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال جعفر الفريابي: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف. حدثنا ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن يزيد الضعيف. عن عبد اللَّه بن الحارث بن جزء الزبيديّ أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل المسجد فصعد المنبر. فلما صعد أول درجة قال: آمين ثم صعد الثانية. فقال: آمين. ثم صعد الثالثة فقال: آمين، فلما نزل. قيل له: رأيناك صنعت شيئا ما كنت تصنعه؟ فقال: إن جبريل تبدي لي في أول درجة فقال: يا محمد من أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة فأبعده اللَّه، ثم أبعده، فقال: قل: آمين. فقلت: آمين. ثم قال في الثانية: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له. فأبعده اللَّه، ثم أبعده، فقلت: آمين. وقال في الثالثة: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه، ثم أبعده: فقلت: آمين!.
وأما حديث ابن عباس [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث ابن عباس [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرجه الطبرانيّ من حديث ابن هارون العكلي حدثنا محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر إذ قال: آمين ثلاث مرات فسئل عن ذلك فقال: أتانى جبريل فقال: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده اللَّه قل: آمين فقلت: آمين، قال: ومن أدرك والديه أو أحدهما فمات فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قل: آمين فقلت: آمين. قال: ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده اللَّه، قل: آمين. فقلت: آمين. وروى محمد بن حمدان المروزي، حدثنا عبد اللَّه بن خبيق، حدثنا يوسف بن أسباط عن سفيان الثوري عن رجل عن زر عن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من لم يصل عليّ فلا دين له [ (2) ] . وخرّج الطبرانيّ من طريق عبيدة بن حميد. قال: حدثني فطر بن خليفة عن أبى جعفر محمد بن حسين عن أبيه عن جده حسين بن عليّ عليهما السلام. قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من ذكرت عنده فخطئ الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة [ (3) ] . وعلة هذا الحديث أن ابن أبي عاصم عن أبي بكر بن أبي شيبة. حدثنا جعفر بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا
ورواه عمر بن جعفر بن غياث عن أبيه عن محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورواه إسماعيل بن إسحاق عن إبراهيم بن الحجاج حدثنا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا، ورواه علي بن المدينيّ. حدثنا سفيان. قال: قال عمر عن محمد بن عليّ بن حسين عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا قال: قال سفيان: قال رجل بعد عمر: سمعت محمد بن علي يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم سمى سفيان الرجل وقال: هو بسام وهو الصيرفي: ذكره إسماعيل عن عليّ وقال: حدثنا سليمان بن حرب وحازم قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عمر عن محمد بن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرسلا وله شاهد من حديث عبد اللَّه بن عباس رواه الطبرانيّ عن عبدان بن أحمد، حدثنا جبارة بن مغلس حدثنا حماد بن زيد عن عمر بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة عليّ خطئ [به] طريق الجنة [ (1) ] . ورواه ابن ماجة عن جبارة بن مغلس، وجبارة بن المغلس الحمانيّ الكوفيّ أبو محمد، كان ممن إذا وضع له الحديث حدث به وهو لا يشعر، وهذا المعنى قد روى من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وحسين بن على ومحمد بن الحنفية وابن عباس، وتقدم حديث حسين بن عباس.
وأما حديث محمد بن الحنفية [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما حديث محمد بن الحنفية [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال ابن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبي) صلّى اللَّه عليه وسلّم: حدثنا أبو بكر حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة [ (1) ] . وأما حديث أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال عبد الخالق بن الحسن السقطيّ: حدثنا محمد بن سلمان بن الحارث، حدثنا عمرو بن حفص بن غياث، حدثنا أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة على خطئ طريق الجنة [ (2) ] .
الثامنة والثمانون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن البخيل من ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصل عليه
الثامنة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن البخيل من ذكر عنده النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يصل عليه خرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث أبي عامر العقديّ عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد اللَّه بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن حسين بن عليّ عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: البخيل الّذي [من] إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ. قال: الترمذيّ هذا حديث حسن صحيح غريب، وفي بعض النسخ حديث حسن غريب. وخرجه النسائيّ وابن حبان في (صحيحه) [ (2) ] والحاكم في (المستدرك) [ (3) ] وقال: صحيح الإسناد، والنسائيّ في (سننه الكبير) : رواه عبد العزيز بن محمد بن عمارة بن غزيه عن عبد اللَّه بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب قال: قال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن البخيل الّذي إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ. قال: إسماعيل بن إسحاق في كتابه: اختلف يحيى وأبو بكر بن أبي أويس في إسناد هذا الحديث، فرواه أبو بكر عن سليمان عن عمر بن أبي عمر، ورواه الحمانيّ عن سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية، وهذا حديث مشتهر عن عمارة بن غزية، وقد رواه عنه
خمسة: سليمان بن بلال، وعمر بن الحارث، وعبد العزيز الدراوَرْديّ، وإسماعيل بن جعفر، وعبد اللَّه بن جعفر والد عليّ، ثم ساقها كلها، ورواه إسماعيل بن أبي إدريس: حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن عمر بن أبي عمر عن عليّ بن حسين عن أبيه فذكره. وخرّج إسماعيل من حديث حماد بن سلمة عن سعيد بن هلال قال: حدثني رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن البخيل من الناس من ذكرت عنده فلم يصل على [ (1) ] . وخرّج ابن أبي عاصم من حديث محمد بن شعيب بن سبور، عن عثمان بن أبي العالية عن عليّ بن يزيد عن القاسم عن أبي أمارة، عن أبي ذر قال: خرجت ذات يوم فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا أخبركم بأبخل الناس؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: من ذكرت عنده فلم يصل عليّ فذاك من أبخل الناس [ (2) ] . وهذا من رواية الصحابيّ عن مثله، وأصل هذا روي كما تقدم من حديث عليّ وابنه الحسين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وروى إسماعيل في كتابه من طريق سليمان بن حرب: حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلم يصل عليّ [ (3) ] . وفي رواية عن الحسن يرفعه: كفى به شحا أن يذكرني فلا يصلون على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] .
التاسعة والثمانون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: ما جلس قوم مجلسا ولم يصلوا عليه إلا كان عليهم ترة [1] وحسرة يوم القيامة وقاموا عن أنتن من جيفة [حمار]
التاسعة والثمانون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما جلس قوم مجلسا ولم يصلوا عليه إلا كان عليهم ترة [ (1) ] وحسرة يوم القيامة وقاموا عن أنتن من جيفة [حمار] خرّج الترمذيّ [ (2) ] من حديث عبد الرحمن بن مهديّ عن سفيان الثوريّ عن صالح بن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا اللَّه ولم يصلوا عليّ إلا كان مجلسهم عليهم ترة وحسرة يوم القيامة، إن شاء اللَّه عفا عنهم وإن شاء أخذهم، وقال فيه: حديث حسن. ورواه من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت الغر أبا مسلم قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر مثله.
ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه من حديث محمد بن كثير عن سفيان عن صالح. ورواه أبو داود [ (1) ] والنسائيّ وابن حبان في (صحيحه) [ (2) ] من رواية سهيل عن أبي هريرة وهو على شرط مسلم ورواه ابن حبان أيضا من حديث شعبة عن الأعمش عن أبي صالح. عن أبي هريرة ولفظه: ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون اللَّه فيه ولا يصلون على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب. وهذا الإسناد على شرط الشيخين [ (3) ] . وخرجه الحاكم [ (4) ] من رواية ابن أبي ذئب عن سعيد المقبريّ عن إسحاق ابن عبد اللَّه بن الحارث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال الحاكم: صحيح
على شرط البخاريّ، واعترض عليه بأن إبراهيم بن الحسن بن ديزيل [ (1) ] رواه عن آدم بن إياس متكلم فيه، ومع ذلك فقد رواه أبو إسحاق الفزاريّ عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا، وأبو صالح بن نبهان مولى التوأمة، كان شعبة لا يروى عنه. وقال مالك بن أنس: ليس بثقة فلا تأخذن عنه شيئا، وقال يحيى: ليس بالقويّ في الحديث. وقال مرة: لم يكن ثقة، وقال السعدي: تغير، وقال النسائيّ: ضعيف، وتحريرا مرة أنه ثقة في نفسه غير أنه تغير بآخره، فمن سمع منه قديما فسماعه صحيح، ومن سمع منه آخرا ففي سماعه شيء، فممن سمع منه قديما: أبي ذئب وابن جريح وزياد بن سعد وأدركه مالك والثوري بعد اختلافه. وقال الإمام أحمد: ما أعلم ناسا ممن سمع منه قديما، ثم إن هذا الحديث قد رواه سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن أبى هريرة ولم يذكر فيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتابعه ابن أبي أويس عن عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل. وخرّج النسائيّ في (سننه الكبير) من حديث أبي داود الطيالسيّ حدثنا يزيد بن إبراهيم عبد أبي الزبير عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما اجتمع قوم ثم تفرقوا من غير ذكر اللَّه عز وجل وصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا تفرقوا عن أنتن من جيفة [ (2) ] . وخرّج الطبرانيّ [ (3) ] من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن الحارث، عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما من قوم جلسوا مجلسا، ثم قاموا منه لم يذكروا اللَّه ولم يصلوا على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان ذلك المجلس عليهم ترة.
وقال ابن منيع في مسندة: حدثنا يوسف عن عطية الصفار عن العلاء ابن كثير عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيما قوم جلسوا في مجلس [ثم] تفرقوا قبل أن يذكروا اللَّه تعالى ويصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ذلك المجلس عليهم ترة يوم القيامة. يعنى حسرة. وهذا الأصل قد رواه أبو سعيد الخدريّ وأبو هريرة [ (1) ] . وخرّج ابن أبي عاصم من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال: ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب [ (1) ] .
التسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: من صلى عليه [في كتاب] [1] لم تزل الصلاة عليه ما بقيت الصلاة مكتوبة
التسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه [في كتاب] [ (1) ] لم تزل الصلاة عليه ما بقيت الصلاة مكتوبة روى محمد بن الحسن الهاشميّ حدثني سليمان بن الربيع، حدثنا كادح ابن رحمة، حدثنا نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب [ (2) ] وكادح بن رحمة العرني أبو رحمة الكوفيّ العابد، قال ابن عدي: وأحاديثه عامة ما يرويه غير محفوظ ولا يتابع عليه في أسانيده ولا متونه، ويشبه حديثه حديث الصالحين، قال: حديثهم يقع فيه ما لا يتابعهم عليه أحد، ونهشل بن سعيد بن وردان [ (3) ] أبو عبد
اللَّه، ويقال: أبو سعيد النيسابورىّ ثم البصري، قال ابن معين: ضعيف وقال مرة: يروي عن الضحاك ليس بثقة ومرة قال: يروى عنه ابن نمير ليس بشيء، قال البخاريّ: روى عن ابن المبارك معاوية البصري قال إسحاق: كان كذابا وقال السعدي: غيره محمود في حديثه وقال أبو داود الطيالسيّ: كذاب، وقال النسائيّ وغيره: متروك الحديث، وقال أبو زرعة والدارقطنيّ: ضعيف وقال: ابن عديّ فكل أحاديثه يشبه بعضها بعضا يعنى غير محفوظة. وقد روي هذا الحديث من وجه آخر، قال ابن الجارود: حدثنا محمد بن عاصم. حدثنا بشر بن عبيد حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن الأعرج عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ في كتاب صلت عليه الملائكة غدوا ورواحا، ما دام اسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الكتاب. وقال أحمد بن عطاء الروذباريّ: سمعت أبا صالح عبد اللَّه بن صالح يقول: رئي بعض أصحاب الحديث في المنام قيل له: ما فعل اللَّه بك؟، فقال: غفر لي، فقيل: بأي شيء؟ فقال: بصلاتي في كتبي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] .
الحادية والتسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن الصلاة عليه زكاة
الحادية والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن الصلاة عليه زكاة خرّج إسماعيل في كتاب (الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم) من حديث سليمان ابن حرب قال: حدثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن صلاتكم عليّ زكاة لكم، قال: واسألوا اللَّه لي الوسيلة، قال: فإما حدثنا وإما سألناه قال: الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل. وأرجو أن أكون ذلك الرجل [ (1) ] . وخرّج الحاكم [ (2) ] من حديث ابن وهب. أخبرني عمرو بن الحارث أنّ أبا الشيخ حدثه أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه وكساها فمن دونه من خلق اللَّه فإنه له زكاة، وأيما رجل مسلم لم يكن له صدقة فليقل في دعائه: اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات فإنّها زكاة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرجه ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] بسنده ومعناه.
الثانية والتسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: من صلى عليه صلى الله عليه وسلم في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة
الثانية والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة روى العشاريّ من حديث الحكم بن عطية عن ثابت عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من صلّى عليّ في كل يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة [ (1) ] . قال الحافظ أبو عبد اللَّه المقدسيّ في كتاب (الصلاة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم) لا أعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية. قال كاتبه: الحكم بن عطية القيسي البصريّ له في الترمذيّ حديث واحد وقد وثقه ابن معين، وقال النسائيّ: ليس بالقويّ، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، ورواه ابن شاهين من حديث محمد بن أحمد البراء، حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوريّ، حدثنا قرة ابن عبد العزيز بن حبيب. حدثنا الحكم بن عطية، فذكره [ (2) ] .
الثالثة والتسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: من صلى عليه صلى الله عليه وسلم غفرت له ذنوبه
الثالثة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم غفرت له ذنوبه خرّج أبو يعلى الموصلي من حديث خليفة بن خياط. حدثنا درست بن حمزة عن مطر الوراق عن قتادة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه ويصليان على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا لم يتفرقا، حتى يغفر لهما ذنوبهما ما تقدم منها وما تأخر [ (1) ] . الرابعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم كفارة روى ابن أبي عاصم من طريق شبابة قال: حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي إسحاق عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ، فإن الصلاة عليّ كفارة لكم، فمن صلّى عليّ، صلى اللَّه عليه [ (2) ] .
الخامسة والتسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: من صلى عليه صلى الله عليه وسلم شفع فيه
الخامسة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم شفع فيه خرّج الطبراني في (المعجم الكبير) من حديث ابن بكير: حدثنا ابن لهيعة عن بكر ابن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء بن شريح الحضرميّ عن رويفع بن ثابت الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ صلّ على محمد، وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي [ (1) ] . وروى ابن شاهين من حديث عبد اللَّه بن سليمان بن الأشعث. حدثنا علي بن الحسين المكتب، حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبيد اللَّه التيمي، حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من صلّى على، كنت شفيعه [ (2) ] . وقال ابن أبي داود أيضا: حدثنا علي بن الحسين حدثنا إسماعيل بن يحيى حدثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل عن أبى بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجه الوداع يقول: إن اللَّه وهب لكم [ذنوبكم] عند الاستغفار فمن استغفر بنية صادقة غفر له، ومن قال: لا إله إلا اللَّه رجح ميزانه، ومن صلّى عليّ كنت شفيعه يوم القيامة. روى إسماعيل من طريق عمرو بن على بن أبي بكر الجشمي عن صفوان بن سليم عن عبيد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى [علي] وسأل لي الوسيلة، حلت له شفاعتي [ (3) ] .
السادسة والتسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أولى الناس به صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أكثرهم صلاة عليه
السادسة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أولى الناس به صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم القيامة أكثرهم صلاة عليه خرّج الترمذي [ (1) ] في جامعه من طريق عبد اللَّه بن كيسان عن عبد اللَّه ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن أولى الناس بى يوم القيامة أكثرهم على صلاة، قال الترمذي: حديث حسن غريب. ورواه أبو حاتم بن حبان في (صحيحه) [ (2) ] من حديث خالد بن مخلد عن موسى بن يعقوب عن عبد اللَّه بن كيسان عن عبد اللَّه بن شداد عن أبيه
السابعة والتسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه صلى الله عليه وسلم تتأكد الصلاة عليه في واحد وأربعين موضعا إما وجوبا أو استحبابا في آخر التشهد من الصلاة
عن ابن مسعود، وهو في (مسند البزار) ، فالذي عند الترمذي عن ابن شداد عن ابن مسعود وعند أبي حاتم عن ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود، وكذلك البغوي عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى فذكره، وقال: عن ابن شداد عن أبيه عن ابن مسعود. السابعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم تتأكد الصلاة عليه في واحد وأربعين موضعا إما وجوبا أو استحبابا في آخر التشهد من الصلاة [وهو الموضع الأول] وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموضع، واختلفوا في وجوبها فيه، فقالت طائفة: ليست الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر التشهد بواجبة، ونسبوا من أوجبها إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، منهم أبو جعفر الطحاوي، والقاضي عياض، والخطابي فإنه قال: ليست بواجبة في الصلاة، وهو قول جماعة من الفقهاء إلا الشافعيّ، ولا أعلم له قدوة، وكذلك ابن المنذر ذكر أن الشافعيّ تفرد بذلك عدم الوجوب، واحتج القاضي عياض على عدم الوجوب بأن قال: الدليل على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست من فروض الصلاة عند السلف الصالح قبل الشافعيّ وإجماعهم عليه، وقد شنع الناس عليه هذه المسألة جدا، وهذا تشهد ابن مسعود الّذي اختاره الشافعيّ، وهو الّذي عمله النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك كل من روى التشهد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كأبى هريرة وابن عباس وجابر وابن عمر وأبي سعيد الخدريّ وأبي موسى الأشعري وعبد اللَّه بن الزبير لم يذكروا فيه. وقال ابن عباس وجابر: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورد من القرآن، ونحوه عن أبى سعيد، وقال ابن عمر: كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب، وكان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعلمه أيضا على المنبر، يعنى وليس فيه شيء من ذلك، أي أمرهم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم،
وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب (التمهيد) : ومن حجة من قال إن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست بواجبة في الصلاة حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمر قال: أخذ علقمة بيدي فقال: إن عبد اللَّه بن مسعود أخذ بيدي، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ بيدي كما أخذت بيدك فعلمني التشهد، فقال: قل: التحيات للَّه والصوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة، فإن شئت فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد. قالوا: ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم ير الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد واجبة ولا سنة مسنونة، لأن ذلك لو كان واجبا أو سنه لبين ذلك وذكره آنفا. وقد روى أبو داود والترمذي والطحاوي من حديث عبد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا رفع أحدكم رأسه من آخر السجود فقد مضت صلاته إذا أحدث. واللفظ لحديث الطحاوي، وعندكم لا تمضى صلاتكم حتى يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قالوا: وقد روى عاصم بن حمزة عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته. ومن حجتهم أيضا حديث الأعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود في التشهد وقال: ليتخير ما أحب من الكلام، يعنى ولم يذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومن حجتهم حديث فضالة بن عبيد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سمع رجلا يدعوني في صلاته لم يحمد اللَّه ولم يصل على النبي فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم يدعو بما شاء. ففي هذا الحديث أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر المصلى إذا لم يصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته بالإعادة كما أمر الّذي لم يتم ركوعه وسجوده بالإعادة، فلو كانت فرضا، لأمره بإعادة الصلاة. واحتجوا أيضا بأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يعلمها المسيء في صلاته، ولو كانت من فروض الصلاة التي لا تصح إلا بها، لعلمه إياها، كما علمه القراءة
والركوع والسجود والطمأنينة في الصلاة، قالوا: والفرائض تثبت بالدليل الصحيح، لا معارض له من مثله أو بإجماع من تقوم الحجة بإجماعهم، فهذا جل ما احتج به نفاة الوجوب، وعارضهم من ذهب إلى الوجوب بأن قالوا: إنما نسبتكم الشافعيّ رحمه اللَّه ومن قال بقوله في هذه المسألة إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع فغير مسلم به. فقد قال بقوله جماعة من الصحابة ومن بعدهم، منهم عبد اللَّه بن مسعود وأبو مسعود فإنه كان يراها واجبة، ويقول: لا صلاة لمن لا يصلى فيها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكره ابن عبد البر من طريق عثمان بن أبي شيبة عن شريك عن جابر الجعفي عن أبى جعفر محمد بن علي عن أبي مسعود قال: ما أرى أن صلاة لي تمت حتى أصلى فيها على محمد وعلى آل محمد. وعبد اللَّه بن عمر ذكر أن الحسن بن شبيب المعمري، حدثنا علي بن ميمون، حدثنا خالد بن حيان عن جعفر بن برقان عن عقبة بن نافع عن ابن عمر أنه قال: لا تكون الصلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن نسيت شيئا من ذلك فاسجد سجدتين بعد الصلاة. ومن التابعين أبو جعفر محمد بن على والشعبي ومقاتل بن حيان وبه قال إسحاق بن راهويه قال: إن تركها عمدا لم تصح صلاته وإن تركها سهوا رجوت أن تجزئه. وعن إسحاق في ذلك روايتان، ذكرهما حرب في مسأله في باب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد التشهد، قال: سألت إسحاق قلت: الرجل إذا تشهد فلم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما أنا فأقول: إن صلاته جائزة وقال الشافعيّ: لا تجوز صلاته، ثم قال: أنا أذهب إلى حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيرة، فذكر حديث ابن مسعود قال: وسمعت أبا يعقوب يعنى إسحاق يقول: إذا فرغ من التشهد- إماما كان أو مأموما- لا يجزئه غير ذلك، لقول أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد عرفنا السلام عليك يعنى في التشهد فكيف الصلاة عليك؟ فأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، وفسّر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف هي؟ فأدنى ما ذكر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه يكفيك قليله بعد التشهد، والتشهد والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجلسة الأخيرة هما عملان لا يجوز لأحد أن يترك واحدا منهما عمدا، وإن كان ناسيا رجونا أن تجزئه مع أن بعض
علماء الحجاز قال: لا يجزئه ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن تركه أعاد الصلاة، انتهى. وقد اختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل أيضا، ففي (مسائل المروزي) قيل لأبى عبد اللَّه: إن ابن راهويه يقول: لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، بطلت صلاته، قال: ما أجترئ أن أقول هذا. وقال مرة: هذا شذوذ في مسائل أبى زرعة الدمشقيّ. قال أحمد: كنت أتهيب ذلك، ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجبة، وظاهر هذا أنه رجع عن قوله بعدم الوجوب، وأما قولكم رضي اللَّه عنكم: إن الدليل على الوجوب عمل السلف الصالح قبل الشافعيّ وإجماعهم عليه، فجوابه أن استدلالهم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع إنها ليست بواجبة، فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمرا قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر على الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخر التشهد، إمامهم، ومأمومهم، ومنفردهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاتك هذه؟ فقال: لم أصل عليه فيها وعلم المأمور ذلك، لأنكروا عليه، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم فكيف يسوغ لكم أن تقولوا: علم السلف الصالح قبل الشافعيّ ينفى الوجوب؟ أفترى السلف الصالح كلهم؟ ما كان أحد منهم قط يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته؟ فإن قلتم: نعم كانوا كذلك علم كل أحد بطلان ذلك، وأما إن كان احتجاجكم بقول أهل الإجماع: إنها ليست بفرض، فهذا مع أنه لم يتم عملا لم يعمله أهل الإجماع، وإنما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما، وغايته أنه قول كثير من أهل العلم، ونازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب، فهذا ابن مسعود، وابن عمر، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وجعفر بن محمد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل في أحد قوليه، يوجبون الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد، فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء؟ وأين عمل السلف الصالح وهؤلاء من أفاضلهم؟ ولكن هذا من شأن من لم يتبع مذاهب العلماء، حتى يعلم مواضع الإجماع والنزاع.
أحدها:
وأما قوله: وقد شنع الناس المسألة على الشافعيّ جدا، فيا سبحان اللَّه! أي شناعة عليه إن هي إلا من محاسن مذهبه؟ فأى كتاب خالف الشافعيّ في هذه المسألة؟ أهل هي فرض؟ أم سنة؟ أم إجماع؟ إنما قال قولا اقتضته الأدلة، وقامت على صحته، فالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة من تمام الصلاة بلا خلاف. وأما تمام واجباتها أو مستحباتها وهو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رأى أنها من تمام واجبات الصلاة بالأدلة التي تأتى إن شاء اللَّه تعالى، فلا إجماعا حرفه، ولا نصا خالفه، فمن أي وجه يشنع عليه؟ وهل الشناعة إلا بمن عليه أليق، وبه ألحق؟ وأما قوله: وهذا تشهد ابن مسعود الّذي اختاره الشافعيّ وهو الّذي علمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إياه إلى آخره، فالشافعي إنما اختار تشهد عبد اللَّه بن عباس، والّذي اختار تشهد ابن مسعود أبو حنيفة وأحمد، واختار مالك تشهد ابن عمر، والجواب من وجوه: أحدها: أن تقول بموجب هذا الدليل، فإن مقتضاه وجوب التشهد ولا ينفى وجوبه وجوب غيره، فإنه لم يقل إن هذا التشهد جمع الواجب من الذكر في هذه القعدة، فإيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل آخر لا يكون معارضا بترك تعليمه في أحاديث التشهد. الثاني: أنكم توجبون السلام من الصلاة، ولم يعلمهم إياه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن قلتم: فإنما أوجبنا السلام ب قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، قلنا: ونحن أوجبنا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأدلة المقتضية لها، فإن كان تعليم التشهد وحده مانعا عن إيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كان مانعا من إيجاب السلام، وإن لم يمنعه، لم يمنع وجوب الصلاة. الثالث: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كما علمهم التشهد، علمهم الصلاة عليه، فكيف يكون تعليمهم التشهد دليل وجوبها؟ وتعليمهم الصلاة لا يدل على وجوبها؟ فان قلتم: التشهد الّذي علمهم إياه هو تشهد الصلاة، ولهذا قال فيه: فإذا جلس أحدكم فليقل: التحيات للَّه، وأما تعليم الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه مطلق غير مقيد حالة الصلاة، قلنا: والصلاة عليه أيضا في بحالة الصلاة لوجوه:
أحدها:
أحدها: حديث محمد بن إبراهيم التيمي الّذي تقدم وقوله: وكيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا؟. الثاني: أن الصلاة التي سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعلمهم إياها نظير السلام الّذي علموه، لأنهم قالوا: هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ ومن المعلوم أن السلام الّذي علموه هو قولهم في الصلاة: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، فوجب أن تكون الصلاة المقرونة به هي في الصلاة. الثالث: أنه لو قدر أن أحاديث التشهد تنفى وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت أدلة وجوبها مقدمة ذلك على تلك، لأن نفيها باق على استحباب البراءة الأصلية، ووجوبها ناقل عنها، والناقل مقدم على المنفي، فكيف ولا تعارض، فإن غاية ما ذكرتم من تعليم التشهد أدلة ساكتة عن وجوب شيء لا يكون معارضا لما نطق به فضلا أن يقدم عليه؟ الرابع: أن تعليمهم التشهد كان متقدما، ولعله من حين فرضت الصلاة، وأما تعليمهم الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه كان بعد نزول قول اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الآية، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في الأحزاب بعد نكاحه صلّى اللَّه عليه وسلّم زينب بنت جحش، وبعد تخييره أزواجه، فهي بعد فرض التشهد، فلو قدر أن فرض التشهد كان نافيا لوجوب الصلاة عليه، كان منسوبا بأدلة الوجوب فإنّها متأخرة، والفرق بين هذا الوجه والوجه الّذي قبله: أن هذا الوجه: يقتضي تقديم أدلة الوجوب لتأخرها، والوجه الّذي قبله: يقتضي تقديم لرفع البراءة الأصلية من غير نظر إلى تقدم وتأخر، والّذي يدل على تأخر الأمر بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن التشهد قولهم: أما السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ ومعلوم أن السلام عليه مقرون بذكر التشهد لم يشرع في الصلاة وحده بدون ذكر التشهد واللَّه أعلم. وأما قوله: ومن حجة من لم يرها فرضا في الصلاة حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة ... الحديث، وفيه: فإذا قلت ذلك، فقد قضيت الصلاة فإن شئت فقم، وإن شئت فاقعد، وأنه يذكر في الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجوابه من وجوه.
أحدها:
أحدها: أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث ليست من كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما نبه الحفاظ أئمة الإسلام، قال الدارقطنيّ في كتاب (العلل) : رواه الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد اللَّه، حدث به عنه محمد بن عجلان وحسين الجعفي وزهير بن معاوية وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فأما ابن عجلان وحسين الجعفي فاتفقا على لفظه، وأما زهير فزاد عليهما في آخره كلاما أدرجه بعض الرواة عن زهير في حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو قوله: إذا قضيت هذا، أو فعلت هذا، فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم. ورواه شبابة بن سواد عن زهير، ففصل فيه بين لفظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال فيه: عن زهير، قال ابن مسعود: هذا الكلام وكذلك رواه ابن يونان عن الحسن بن الحر، فبينه وفصل كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كلام ابن مسعود وهو الصواب. وقال في كتاب (السنن) : وقد ذكر حديث الحسن بن الحر من طريق حسين الجعفيّ عنه من غير هذه الزيادة، ثم قال: وتابعه ابن عجلان ومحمد بن أبان عن الحسن بن الحر. ورواه زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر فزاد في آخره كلاما، وهو قوله: إذا قلت هذا، أو فعلت هذا فقد قضيت الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن فاقعد، فأدرجه بعضهم عن زهير في الحديث، وذكره ووصله بكلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شبابة عن زهير، وجعله من كلام عبد اللَّه بن مسعود. وقوله أشبه بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولاتفاق حسين الجعفي وابن عجلان ومحمد بن أبان في رواياتهم عن الحسن على ترك ذكره في آخر الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد اللَّه بن مسعود على ذلك، فأما حديث شبابة عن زهير فحدثنا محمد بن إسماعيل الصفار أنبأنا الحسن بن مكرم أنبأنا شبابة بن سوار أنبأنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، أنبأنا الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال: أخذ علقمة بيدي، فقال: أخذ عبد اللَّه بن مسعود بيدي، فقال: أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيدي. فعلمني التشهد: التحيات للَّه والصوات والطيبات،
أحدها:
السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال عبد اللَّه: فإذا قلت ذلك، فقد قضيت ما عليك من الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، قال الدارقطنيّ: شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث، جعله من قول ابن مسعود وهو أصح من رواية: من أدرك آخره في كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد تابعه غسان ابن الربيع وغيره. فرووه عن ابن ثوبان عن الحسن كذلك، وجعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود، ولم يرفعه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر الخطيب البغدادي في كتاب (الفصل) : أن قول من فصل كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من كلام ابن مسعود هو الصواب، وبين أن هذه الزيادة مدرجة، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. فإن قيل: إنكم رويتم عن ابن مسعود: أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجبة في الصلاة، وادعاؤكم أن الزيادة في حديث الحسن بن الحر مدرجة وهي من قول ابن مسعود يبطل ما رويتم عنه، بدليل أنه إن كان الحديث من كلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو نقل في عدم وجوبها، وإن كان من كلام ابن مسعود، فهو مبطل لما رويتموه عنه. أجيب عنه بأجوبة. أحدها: أن قوله: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك معناه، أنها قد قاربت التمام، لإجماعنا وإياكم على أن الصلاة لم تتم. ورد هذا الجواب بأنه قال: فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد، وعند من يوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخير بين القيام والقعود، حتى يأتي بها. الثاني: أن هذا حديث خرّج على معنى التشهد، وذلك أنهم كانوا يقولون في الصلاة: السلام على اللَّه، فقيل لهم: إن اللَّه هو السلام فعلمهم التشهد، ومعنى قوله: فإذا قلت ذلك فقد قضيت صلاتك، يعنى إذا ضم إليها ما يجب فيها مع ركوع وسجود وتسليم وسائر أحكامها، وألا ترى أنه لم يذكر التسليم من الصلاة وهو من فرائضها لأنه قد وقفتم عليه فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم؟ ونظير حديث ابن مسعود هذا قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصدقة: إنها تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، أي مع من ضم إليهم وسمى معهم في القرآن، وهم
الثالث:
الثمانية الأصناف، ومثله أيضا قوله في حديث المسيء في صلاته: ارجع فصل فإنك لم تصل، ثم أمره بفعل ما رآه لم يأت به، ولم يقيمه في صلاته، فقال: إذا قمت إلى الصلاة ... فذكر الحديث، وسكت له عن التشهد والتسليم، وقد قام الدليل من غير هذا الحديث على وجوب التشهد والتسليم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما علمهم من ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن، وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم، وقام الدليل أيضا في المسألة أنه إنما يتحلل من الصلاة به لا بغيره من هذا الحديث، فذكر أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مأخوذة من غير ذلك الحديث. وأيضا جاز لمن جعل التشهد فرضا بحديث ابن مسعود هذا حتى رد على من خالفه، وقال: إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته، بأن ابن مسعود إنما علق التمام في حديثه بالتشهد جاز لمن أوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحتج بالأحاديث الموجبة لها ولكون حجته منها على من نفى وجوبها كالحجة من حديث ابن مسعود على من نفى وجوب التشهد ووجوب القعدة معه، واستدلالنا أقوى من استدلالكم، لأنه استدلال بكتاب اللَّه، وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعمل الأمة قرنا بعد قرن، فإن لم يكن ذلك أقوى ممن استدل على وجوب التشهد لم يكن دونه، وإن كان في هذه المسألة من الفقهاء من ينازعنا، فهو كمن ينازعكم من الفقهاء في وجوب التشهد، والحجة في الدليل أين كان ومع من كان الجواب. الثالث: أنه لا يمكن أحد من منازعينا أن يحتج علينا بهذا الأثر لا مرفوعا ولا موقوفا، فإنه يقال لمن يحتج به إما أن يكون قوله: فإذا قلت هذا، فقد تمت صلاتك مقتصرا عليه أو مضافا إلى سائر واجباتها. والأول: محال أو باطل ... والثاني: حق ولكنه لا ينفى وجوب شيء مما تنازع فيه الفقهاء من واجبات الصلاة فضلا عن نفيه، وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فهذا التسليم من تمام الصلاة وواجباتها عند مالك، وكذا الجلوس للتشهد وإن لم يذكره، وكذا إن كان عليه سهو واجب، فإنه لا تتم الصلاة إلا به وليس لشيء من ذلك ذكر في هذا الأثر.
الجواب الرابع:
الجواب الرابع: أن عند أبي حنيفة رحمه اللَّه أن التشهد ليس بفرض، وإذا جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته تشهد أو لم يتشهد، والحديث دليل على أن الصلاة لا تتم إلا بالتشهد فإن كان استدلالكم بأن علق التمام بالتشهد، فلا تصح الصلاة بعدمه صحيحا فهو حجة عليكم في قولكم بعدم وجوب التشهد. لأنه علق به التمام، وبطل قولكم بنفي فريضة التشهد، وإن لم يكن الاستدلال به صحيحا بطلت معارضة أدلة الوجوب، وبطل قولكم بنفي الوجوب للصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلى كلا التقديرين قولكم بطل، فإن قلتم: نحن نجيب عن هذا بأن قوله: فإن قلت هذا تمت صلاتك المراد به تمام الاستحباب وتمام الواجب قد نقضي بالجلوس. قيل لكم: هذا فاسد على قول من نفى وجوب الصلاة عليه، وعلى قول من أوجبها لأن من نفى وجوبها لا ينازع في أن تمام الاستحباب موقوف عليها فإن الصلاة لا تتم التمام المستحب إلا بها، ومن أوجبها يقول: لا تتم التمام الواجب إلا بها فعلى التقديرين لا يمكنكم الاستدلال بالحديث أصلا. وأما قوله: روى أبو داود والترمذي حديث عبد اللَّه بن عمرو، وفيه: فإذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته، جوابه من وجوه: أحدها: أن الحديث معلول وبيان علته من وجوه. الثاني: أن الترمذي قال: ليس إسناده بالقوى وقد اضطربوا في إسناده. الثالث: أنه من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. الرابع: أنه من رواية بكر بن سواد عن عبد اللَّه بن عمرو ولم يلقه فهو منقطع . الخامس: أنه مضطرب الإسناد كما قال الترمذي. السادس: أنه مضطرب المتن، مرة يقول: إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته، ولفظ أبي داود والترمذي غير هذا، وهو إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته، وهذا غير لفظ الطحاوي، ورواه الطحاوي أيضا بلفظ آخر فقال: إذا قضى الإمام صلاته فقعد
أحدها:
فأحدث هو أو واحد ممن أتم الصلاة معه فأحدث، قبل أن يسلم الإمام فقد تمت صلاته، فلا يعود فيها فهذا معناه غير معنى الأول. قال: الطحاوي وقد روى بلفظ آخر: إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته، وكلها مدارها على الإفريقي، ويوشك أن يكون هذا من سوء حفظه. وأما قول على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا جلس مقدار التشهد تمت صلاته، فجوابه أن على بن سعيد قال في مسأله: سألت أحمد بن حنبل عن ترك التشهد فقال: يعيد. قلت: فحديث على إذا قعد مقدار التشهد؟ فقال: لا يصح. وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخلاف حديث على وعبد اللَّه بن عمر. وأما قوله: روى الأعمش عن أبى قصة التشهد وقال: ثم ليتخير من الكلام ما أحب ولم يذكر الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجوابه: أن غاية هذا أن يكون ساكتا عن وجوب الصلاة، فلا يكون معارضا لأحاديث الوجوب. وأما قوله: وحديث فضالة بن عبيد يدل على نفى الوجوب، فجوابه أن حديث فضالة حجة لنا في المسألة، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمره بالصلاة عليه والتشهد، وأمره للوجوب، فهو نظير أمره بالتشهد، وإذا كان الأمر متناولا لهما معا فالتفريق بين المأمور عن تحكم، فإن قلتم: التشهد عندنا ليس بواجب. قلنا: الحديث حجة لنا عليكم في المسألتين والواجب اتباع الدليل، قوله: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر هذا المصلي بإعادة الصلاة، ولو كانت الصلاة عليه فرضا لأمره بإعادتها كما أمر المسيء في صلاته، وجوابه من وجوه: أحدها: أن هذا كان عالما بوجوبها معتقدا أنها غير واجبة فلم يأمره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالإعادة، أوامره في المستقبل بكونها، دليل على وجوبها وترك أمره بالإعادة دليل على أنه يعذر الجاهل بعدم الوجوب وهذا كما يأمر المسيء في صلاته بإعادة ما مضى من الصلوات، وقد أخبره أنه لا يحسن غير تلك الصلاة عذرا له بالجهل. فإن قيل: فلم أمره أن يعيد تلك الصلاة ولم يعذره فيها بالجهل؟ قلت: لأن الوقت باق وقد علمه أركان الصلاة فوجب عليه أن يأتى بها، فإن قيل: فهل لا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك الصلاة كما أمر المسيء؟ قلنا: أمره
أحدها:
صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة فيها، فحكم ظاهر في الوجوب ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بادر إلى الإعادة من غير أن يأمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بها، ويحتمل أن تكون الصلاة نفلا فلا تجب إعادتها، ويحتمل ذلك، فلا يترك الظاهر من الأمر وهو دليل محكم لهذا المشتبه المحتمل. فحديث فضالة إما مشترك الدلالة على السواء فلا حجة لكم، وإما راجح الدلالة في جانبنا فذكرناه، فلا حجة لكم فيه أيضا، فعلى التقديرين سقط احتجاجكم به، وقوله: لم يعلمها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المسيء في صلاته ولو كانت فرضا له لعلمها إياه، جوابه من وجوه: أحدها: أن حديث المسيء هذا قد جعله المتأخرون مستندا لهم، ونفى كل ما ينفون وجوبه، وحملوه فوق طاقته، وبالغوا في نفى ما اختلف في وجوبه، فمن نفى وجوب الفاتحة احتج به، ومن نفى وجوب التشهد احتج به، ومن نفى وجوب التسليم احتج به، ومن نفى وجوب الصلاة على النبي احتج به، ومن نفى وجوب الطمأنينة في الصلاة احتج به، ومن نفى وجوب التكبيرات احتج به وكل هذا تساهل واسترسال في الاستدلال، وإلا فعند التحقيق لا ينبغي وجوب شيء من ذلك بل غايته أن يكون قد سكت عن وجوبه ونفيه، فإيجابه بالدلالة الموجبة لا يكون معارضا به، فإن قيل: سكوته عن الأمر يدل على أنه ليس بواجب لأنه من مقام البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، قلنا: يلزمكم على هذا أن لا يجب التشهد، ولا الجلوس، ولا السلام، ولا النية، ولا قراءة الفاتحة، ولا كل شيء لم يذكره في الحديث حتى ولا استقبال القبلة، ولا الصلاة في الوقت، لأنه لم يأمره بشيء من ذلك فهذا لا يترك أحد. وإن قلتم: إنما علمه ما أساء فيه وهو لم يسيء في ذلك، قيل لكم: فاقنعوا لهذا الجواب من منازعكم في كل ما نفيتم وجوبه بحديث المسيء. الثاني: أن أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالصلاة عليه ظاهر في الوجوب، وترك أمره المسيء به يحتمل أمورا، منها أنه لم يسئ فيه، أو أنه وجب بعد ذلك، أو أنه علمه معظم الأركان وأهمها، وأحال بقية تعليمه على مشاهدته صلّى اللَّه عليه وسلّم في صلاته أو على تعليمه بعض الصحابة له، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان بأمرهم بتعليم بعضهم بعضا، وكان من المستقر عندهم أنه دلهم على تعليم الجاهل وإرشاد الضال، فأى
محذور في أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم علمه بعض الصحابة، وعلمه بعض الصحابة بعضهم [ (1) ] الآخر، وإذا احتمل هذا لم يكن هذا المشتبه المحتمل معارضا لأدلة وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا غيرها من واجبات الصلاة فرضا على أنه تقدم عليها، فالواجب تقديم الصريح المحكم على المشتبه المحتمل. وقوله: الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله، أو إجماع، قلنا: استمعوا أدلتنا على الوجوب، فلنا عليه أدلة، فالدليل الأول قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، وجه الدلالة أن اللَّه تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمره المطلق على الوجوب ما لم يقم دليل على خلافه، قد ثبت أن أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سألوه عن كيفية هذه الصلاة المأمور بها فقال: قولوا: اللَّهمّ صلّ على محمد.. الحديث. وقد ثبت أن السلام الّذي علموه هو السلام عليه في الصلاة، وهو سلام التشهد، فمخرج الأمرين واحد، يوضح أنه علمهم التشهد آمرا لهم به، وفيه ذكر التسليم عليه فسألوا عن الصلاة عليه فعلمهم إياها ثم شبهها بما علموه من التسليم عليه، وهذا يدل على الصلاة والتسليم عليه في الصلاة ويتضح أنه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة فيها لكان كل مسلم منهم إذا سلّم عليه يقول له: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، ومن المعلوم أنهم لم يكونوا يتقيدون في السلام عليه بهذه الكيفية، بل كان الداخل منهم عليه يقول: السلام عليكم، وربما قال: السلام على رسول اللَّه، وربما قال: السلام عليه من أول الإسلام بتحية الإسلام وإنما الّذي علموه قدر زائد عليها، وهو السلام عليه في الصلاة يوضحه حديث ابن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وقد صحح هذه اللفظة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطنيّ والبيهقي كما تقدم.
أحدهما:
وإذ تقرر أن الصلاة المسئول عن كيفيتها هي الصلاة عليه في نفس الصلاة وقد خرّج ذلك مخرج البيان المأمور به في القرآن، ثبت أنها على الوجوب، ويضاف إلى ذلك أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن قيل: يحتمل قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: والسلام كما علمتم أمرين: أحدهما: أن يراد به السلام عليه في الصلاة. الثاني: أن يراد به السلام من الصلاة كما قد قاله أبو عمر بن عبد البر* أجيب بأن في نفس الحديث أنهم قالوا: هذا السلام عليك يا رسول اللَّه قد عرفناه. فكيف الصلاة؟ وهم إنما سألوه عن كيفية الصلاة، والسلام المأمور بهما في الآية لا عن كيفية السلام من الصلاة. وإن قيل هذا إنما يدل دلالة اقتران الصلاة والسلام، والسلام واجب في التشهد، فكذا الصلاة ودلالة الاقتران ضعيفة. أجيب أنا لم نحتج بدلالة الاقتران، وإنما استدلالنا بالأمر بها في القرآن وبينا أن الصلاة التي سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعلمهم إياها إنما هي الصلاة التي في الصلاة. وإن قيل: لا نسلم وجوب السلام ولا الصلاة واستدلالكم إنما يتم بعد تسليمه وجوب السلام عليه. أجيب بأنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعكم مبطلا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى؟ وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم بأن الأدلة هي التي تبطل ما خالفها من الأقوال، ويعترض بها من خالف موجبيها؟ فتقدم على كل قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهد يعارض بها الأدلة، وتقدم عليها، ثم إن الحديث حجة عليكم في المسألتين، فإنه دليل على وجوب التسليم والصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيجب المصير إليه. الدليل الثاني: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول ذلك في التشهد وأمرنا أن نصلي كصلاته، وهذا على وجوب فعل ما فعل في الصلاة، إلا ما خصه الدليل، فهاتان مقدمتان. أما المقدمة الأولى: فبيانها ما روى الشافعيّ في (مسندة) عن إبراهيم ابن محمد. حدثني سعد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه يقول في الصلاة: اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل
وأما المقدمة الثانية:
محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد وهذا وإن فيه إبراهيم بن يحيى فقد وثقه الشافعيّ وابن الأنفهاني وابن عدي وابن عقدة وضعفه آخرون. وأما المقدمة الثانية: فبيانها ما روى البخاريّ في (صحيحه) من حديث مالك بن الحويرث وفيه: وصلوا كما رأيتموني أصلي. الدليل الثالث: حديث فضالة بن عبيد فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له أو لغيره: إذا صلّى أحدكم فيبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بما شاء. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. فإن قيل: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يأمر هذا المصلي بالإعادة، أجيب بأنه قد تقدم جوابه فإن قيل: إن هذا الدعاء كان بعد الصلاة لا فيها بدليل ما خرجه الترمذيّ في جماعة من حديث رشدين بن سعد، ولفظه: فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاعدا إذ دخل عليه رجل فصلى فقال: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا صليت فاحمد اللَّه بما هو أهله ثم صل عليّ ثم ادعه. أجيب بأن رشدين ضعفه أبو زرعة وغيره فلا يكون حجة مع استقلاله فكيف إذا خالف الثقات الأثبات؟ لأن كل من روى هذا الحديث، قال: سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا يدعو في صلاته، ثم إن رشدين لم يقل في حديثه إن هذا الداعي دعا بعد انقضاء الصلاة، ولا يدل لفظه على ذلك بل قال: فصلى فقال: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وهذا لا يدل على أنه قال بعد فراغه من الصلاة، بل نفس الحديث دليل على قولنا فإنه قال: إذا صلى أحدكم فيبدأ بتحميد اللَّه. والمعلوم إنه لم يرد بذلك بعد الفراغ من الصلاة بل الدخول فيها ويؤيده أن عامة أدعيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما كانت في الصلاة لا بعدها كحديث أبى هريرة، وعليّ، وأبى موسى، وعائشة، وابن عائشة، وحذيفة، وعمار، وغيرهم، ولم ينقل أحد منهم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يدعو بعد صلاته في حديث صحيح، ولما سأله أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[عن ما كان] يدعو به في صلاته لم يقل خارج الصلاة وكذا لم يقل لهذا الداعي: بعد سلامك من الصلاة، لا سيما والمصلي يناجي ربه تعالى مقبلا عليه، فدعاؤه ربه تعالى في هذه الحال أنسب من دعائه له تعالى بعد انصرافه عنه وفراغه من مناجاته، وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فاحمد
اللَّه بما هو أهله، وهذا إنما أراد به التشهد وقت القعود، ولهذا قال: إذا صليت فاقعد يعنى في التشهد فأمره بحمد اللَّه والثناء عليه والصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن قيل: إن الّذي أمره أن يصلي عليه فيه بعد تحميد اللَّه غير معين، فلم قلتم: أنه بعد التشهد؟ وأجيب بأنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على اللَّه تعالى، ثم الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم الدعاء إلا في التشهد آخر الصلاة، وذلك لا يشرع في القيام، ولا في الركوع، ولا في السجود، فلم أنه إنما أراد آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد، وإن قيل: إنه أمره بالدعاء عقب الصلاة والدعاء ليس بواجب وكذا الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أجيب بأنه لا يستحيل أن يأمر بشيئين فيقوم الدليل على عدم وجوب أحدهما ويبقى الآخر على الوجوب، ثم إن هذا المذكور من الحمد والثناء واجب. قيل: الدعاء فإنه هو التشهد. قد أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم به، وأخبر الصحابة أنه فرض عليهم، ولم يكن اقتران الأمر بالدعاء به مسقطا لوجوبه، فكذا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومع ذلك فقولكم الدعاء لا يجيب غير مسلم، فإن من الدعاء ما هو واجب، وهو الدعاء بالتوبة والاستغفار من الذنوب، والهداية والعفو وغير ذلك. وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: من لم يسأل اللَّه يغضب عليه، فالغضب لا يكون إلا بترك واجب أو فعل محرم. وإن قيل: لو كانت الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرضا في الصلاة لم يؤخر بيانها إلى هذا الوقت حتى يرى رجلا يفعلها فيأمره بها، ولو كان العلم بوجوبها مستفادا بمثل هذا الحديث أجيب بأنه لم نقل قط أنها وجبت على الأمة إلا بهذا الحديث، بل هذا المصلى قد كان تركها فأمره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بما هو مستقر من شرعه، وهذا كحديث المسيء في صلاته، فإن وجوب الركوع، والسجود، والطمأنينة على الأمة، لم يكن مستفادا من حديثه، وتأخر بيان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لذلك إلى حين صلاة هذا الأعرابي، وإنما أمره أن يصلى الصلاة التي شرعها لأمته قبل هذا، وإن قيل: إن أبا داود والترمذيّ قالا في حديث فضالة ولغيره محرف «أو» ولو كان هذا واجبا على مكلف لم يكن ذلك له أو لغيره، أجيب بأن الرواية الصحيحة التي رواها ابن خزيمة وابن حبان إنما هي: فقال له ولغيره بالواو وكذا رواه الإمام أحمد والدارقطنيّ والبيهقيّ. ثم إن «أو» هذه ليست للتخيير حتى يصح الاعتراض بل
الدليل الرابع:
هي للتقييم والمعنى: أن أي مصل فليقل: ذلك هذا وغيره. قال اللَّه تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ليس المراد «أو» التخيير، بل المعنى أن أيهما كان فلا تطعه. أما هذا الحديث، والحديث مع ذلك صريح في المعنى بقوله: إذا صلّى أحدكم فيبدأ بحمد اللَّه تعالى. فذكره. وفي رواية النسائي وابن خزيمة: ثم علمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكره، وهذا عام. الدليل الرابع: ثلاثة أحاديث كل واحد لا تقوم به عند انفراده الحجة وقد تقوى بعضها عند الاجتماع. أحدها: روى الدارقطنيّ من طريق عمرو بن شمر عن جابر الجعفيّ عن عبد اللَّه ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بريدة إذا جلست في صلاتك فلا تتركنّ التشهد والصلاة عليّ فإنّها زكاة الصلاة، وسلّم على جميع أنبياء اللَّه ورسله، وسلّم على عباد اللَّه الصالحين. الثاني: ما خرجه الدارقطنيّ أيضا من طريق عمرو بن شمر عن جابر قال: قال الشعبي: سمعت مسروق بن الأجدع يقول: لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة عليّ. قال الدارقطنيّ: وعمرو بن شمر وجابر ضعيفان. الثالث: خرّج الدارقطنيّ أيضا من طريق عبد المهيمن بن سهيل بن سعد عن أبيه عن جده سهل بن سعد أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا صلاة لمن لا يصلي على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال عبد المهيمن: ليس بالقوى. وخرجه الطبراني من حديث فديك بن أبي فديك عن أخى ابن عباس عن أبيه عن جده سهل بن سعدان أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لا يذكر اسم اللَّه عليه. ولا صلاة لمن لم يصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار. وخرجه ابن ماجة من حديث عبد المهيمن أخى ابن عباس أما ابن عباس فخرجه له البخاريّ صحيحا به في (الصحيح) قال النسائي: ليس بالقوى، وضعفه ابن معين وقال أحمد منكر: الحديث وقال ابن عدي: يكتب حديثه وهو فرد المتون والأسانيد، وأما أخوه عبد المهيمن فمتفق على تركه واطراح حديثه فإن كان عبد المهيمن سرقه من حديث أخيه فلا يضر الحديث شيئا، ولا ينزل عن درجه الحديث الحسن، وإن ابن أبي فديك أو من دونه من
الدليل الخامس:
عبد المهيمن إلى أخيه أبي فهو الأشبه واللَّه أعلم، فإن الحديث معروف بعبد المهيمن فتلك عله قوية وقد رواه الطبراني بالوجهين ولا يثبت. الدليل الخامس: قد ثبت وجوبها عن ابن مسعود وابن عمر، وأبي مسعود الأنصاري، ولم يحفظ عن أحد من الصحابة أنه قال: لا تجب، وقول الصحابي إذا لم يخالفه غير حجة لا سيما على أصول أهل المدينة وأهل العراق. الدليل السادس: أن هذا عمل الناس من عهد نبيهم وإلى الآن، ولو كانت الصلاة على غيره واجبة لم يكن اتفاق الأمة في سائر الأمصار والأعصار على قولها في التشهد وترك الإخلال بها. وقد قال مقاتل بن حيان في تفسيره في قوله تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ قال: إقامتها المحافظة عليها وعلى أوقاتها، والقيام فيها، والركوع، والتشهد، والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأخير. وقد قال الإمام أحمد: الناس في التفسير عيال على مقاتل، والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة من إقامة الصلاة المأمور بها فتكون واجبة، ومع هذه الأدلة فإنا نقول لمنازعينا: ما منكم إلا من أوجب في الصلاة أشياء بدون هذه الأدلة، هذا أبو حنيفة رحمه اللَّه تعالى قال بوجوب الوتر وإن أدلة وجوبه من أدله وجوب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويوجب الوضوء على من قهقه في صلاته بحديث مرسل لا يقاوم أدلتنا في هذه المسألة، ويوجب [الوضوء] من القيء والرعاف والحجامة بأدلة لا تقاوم أدلة هذه المسألة، وهذا مالك يقول: إن في الصلاة أشياء بين الفرض والمستحب ليست بفرض وهي فوق الفضيلة المستحبة، يسميها أصحابه سننا، كقراءة سورة مع الفاتحة، وتكبيرات الانتقال، والجلسة الأولى، والجهر والمخافتة، ويوجبون السجود في تركها على تفصيل لهم فيه. وأحمد بن حنبل رحمه اللَّه يسمى هذه واجبات، ويوجب السجود بتركها، فإيجاب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن لم تكن أقوى من إيجاب كثير من هذه فليست دونها، فهذه حجج الفريقين في هذه المسألة، والمقصود بيان أن تشنيع المشنع فيها على الشافعيّ باطل في مسألة فيها ما فيها من الأدلة والبيان، وإذا صار مثل هذا كيف يسوغ أن يشنع على الذاهب إليها؟ ومن يهد اللَّه فما له من مضل.
الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول
الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأول وقد اختلف فيه فقال الشافعيّ في (الأم) : يصلي فيه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التشهد الأول، وهذا هو المشهور في المذهب، وهو الجديد، لكنه يستحب وليس بواجب، وقال في القديم: ولا يزيد على التشهد، وهذه رواية المازني عنه، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم، واحتج بقول الشافعيّ- رحمه اللَّه- بما خرجه الدارقطنيّ من طريق موسى بن عبيد اللَّه عن عبد اللَّه بن دينار عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعلمنا التشهد والتحيات للَّه والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، ثم يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وبما تقدم من حديث عمرو بن شمرة: إذا جلست في صلاتك فلا تتركن الصلاة عليّ، وهذا عام يشمل الجلستين، واحتج أيضا بأن اللَّه- تعالى- أمر المؤمنين بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والتسليم على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه. ولهذا سأله أصحابه عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا: قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فدل على أن الصلاة مقرونة بالسلام، ومعلوم أن المصلي يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتشرع الصلاة عليه كالتشهد الأخير، لأن التشهد الأول محل يستحب في ذكر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فاستحب في الصلاة عليه، لأنه أكمل في ذكره. ولأن في حديث محمد كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟ وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحل لذلك. وهو القديم من قول الشافعيّ، وقد صححه جماعة. لأن التشهد الأول تخفيفه مشروع، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جلس فيه كان على الردف، ولم يثبت عنه أنه كان يقول ذلك فيه، ولا علمه الأمة، ولا نعرف أن أحدا من الصحابة استحبه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر، لكانت واجبة في هذا المحل كما في الأخير. لتناول الأمر لهما. ولأنه لو كانت الصلاة مستحبة في هذا الموضع لاستحبت فيه الصلاة على آله. لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم
الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: آخر القنوت
لم يفرد نفسه دون آله بالأمر بالصلاة عليه بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله في الصلاة وغيرها، ولأنه لو كانت الصلاة عليه في هذا الموضع مشروعة، لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها. ولأنها لو شرعت في هذا الموضع لشرع فيه الدعاء بعدها لحديث فضالة، ولم يكن فرق بين التشهدين، وأما الأحاديث التي استدللتم بها فإنّها مع ضعفها بموسى بن عبيدة وعمرو بن شمر وجابر الجعفي، لا تدل على أن المراد بالتشهد فيها هو الآخر دون الأول بما ذكرناه من الأدلة، وهذا الجواب عن كل ما ذكرتموه من الأدلة واللَّه أعلم. الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم: آخر القنوت وقد استحبه الشافعيّ ومن وافقه واحتج له بما خرجه النسائي من حديث محمد بن سلمة: حدثنا وهب عن يحيى بن عبد اللَّه بن سالم، عن موسى بن عقبة عن عبد اللَّه بن علي عن علي بن الحسن بن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: علمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هؤلاء الكلمات في الوتر قال: قل: اللَّهمّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وبارك لي فيما أعطيت، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى اللَّه على النبي، وهذا إنما يعرف في قنوت الوتر، وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياسا كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر. وقد رواه أبو إسحاق عن يزيد أبى الحوراء قال: قال الحسن بن على: علمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمات أقولهن في الوتر، فذكروه ولم يذكر فيه الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مستحب في قنوت رمضان، قال ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: أخبرنى عروة بن الزبير أن عبد الرحمن بن القاري وكان في عهد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه وتبارك عنه- مع زيد بن الأرقم على بيت المال، قال: إن عمر خرج ليلة في رمضان، فخرج معه عبد
الموطن الرابع من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية
الرحمن بن القاري، فطاف في المسجد أهل أوزاع متفرقون، يصلي رجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلي الرهط بصلاته، فقال عمر- رضى اللَّه وتبارك عنه: واللَّه إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون أمثل، ثم عزم عمر على ذلك، وأمر أبى بن كعب أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: فعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله، قال: وكانوا يلعنون الكفرة في النصف، يقولون: اللَّهمّ العن قابل الكفرة الذين يصدون عن دينك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، وألق عليهم رجزك وعذابك، إله الحق. ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفر، وصلاته على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واستغفاره للمؤمنين، ومسألته: اللَّهمّ إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحمد، ونرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوى ساجدا. وقال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام: حدثني أبو قتادة عن عبد اللَّه بن الحارث: أن معاذا كان يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في القنوت. الموطن الرابع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية وقد اختلف في توقف صحة الصلاة عليها، فقال الشافعيّ وأحمد في المشهور من مذهبهما: إنها واجبة في الصلاة لا تصح إلا بها، رواه البيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة، وقال أبو حنيفة ومالك: تستحب، وليست بواجبة وهو وجه في المذهب، والدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة. ما روى الشافعيّ في (المسند) من حديث مظفر بن مازن عن معمر عن الزهريّ. أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن السنة في صلاة الجنازة، أن يكبر الإمام، ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة
الأولى سرا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويخلص الدعاء للجنازة، ثم يسلم سرا في نفسه، لكن قد اختلف في هذا الحديث، فقال مظفر بن مازن عن معمر عن الزهريّ عن أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: من السنة، وقال عبد الأعلى عن معمر عن الزهريّ عن أبي أمامة: من السنة، رواه الشافعيّ بالوجهين، وليست هذه العلة قادحة فيه، فإن جهالة الصحابي لا تضر. وقول الصحابي من السنة اختلف فيه، فقيل: هو في حكم المرفوع، وقيل: لا يقضى له بالرفع، والصواب التفصيل كما هو مذكور في موضعه. وخرج إسماعيل في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من حديث محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر عن الزهري قال: سمعت أبا أمامة ابن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب، قال: إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة، ثم يسلم في نفسه. وخرجه النسائيّ في (سننه) ، وقال: هذا إسناد صحيح [ (1) ] ، وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه صلّى على جنازة بمكة فكبر، ثم قرأ وجهر وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم دعا لصاحبها فأحسن ثم انصرف، وقال: هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة.
وفي (موطأ يحيى بن بكير) : حدثنا مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه سأل أبا هريرة: كيف يصلى على الجنازة؟ فقال: أنا لعمرك أخبرك، أتبعها مع أهلها، فإذا وضعت كبرت وحمدت اللَّه، وصليت على نبيه، ثم أقول: اللَّهمّ إنه عبدك وابن عبدك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللَّهمّ إن كان محسنا، فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللَّهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. وقال أبو ذر الهروي: أنبأنا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي، أنبأنا أبو على أحمد بن محمد بن رزين، حدثنا على بن خشرم. حدثنا أنس بن عياض عن إسماعيل بن رافع عن رجل قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول: كان ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أتى جنازة استقبل الناس، وقال: يا أيها الناس سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لم يجتمع مائة [ (1) ] لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا وهب اللَّه ذنوبه لهم، وإنكم شفعاء لأخيكم، فاجتهدوا في الدعاء، ثم يستقبل القبلة فإن كان رجلا وقف عند رأسه، وإن كانت امرأة قام عند منكبها، ثم إنه قال: اللَّهمّ إنه عبدك، وابن عبدك، أنت خلقته وأنت هديته للإسلام وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، وقد جئناك شفعاء له، اللَّهمّ إنا نستجير بحبل [ (2) ] جوارك، فإنك ذو وفاء وذو رحمة، أعذه من فتنه القبر وعذاب جهنم، اللَّهمّ إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللَّهمّ نور له قبره، وألحقه بنبيك، قال: ويقول: هذا كلما كبّر، وإذا كانت التكبيرة الأخيرة، قال مثل ذلك، ثم
يقول: اللَّهمّ صلّ على محمد، وبارك على محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللَّهمّ صل على فرطنا وأسلافنا، اللَّهمّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ثم ينصرف، قال إبراهيم: وكان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز، وفي المجالس، وقيل له: أكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقف على القبر إذا فرغ منه، قال: نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه، ثم قال: اللَّهمّ إنه قد نزل بك وخلف الدنيا وراء ظهره، ونعم المنزول به أنت، اللَّهمّ ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللَّهمّ نور له في قبره وألحقه بنبيه، وكان يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الجنازة، كما يصلي عليه في التشهد، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه، وفي (مسائل عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل) عن أبيه، قال: يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويصلي على الملائكة المقربين. قال القاضي أبو الخطاب: فيقول: اللَّهمّ صلّ على ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، وأهل طاعتك أجمعين، من أهل السموات والأرض، إنك على كل شيء قدير [ (1) ] .
الموطن الخامس من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الخطب في الجمعة والعيدين والاستسقاء ونحو ذلك
الموطن الخامس من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الخطب في الجمعة والعيدين والاستسقاء ونحو ذلك وقد اختلف في اشتراطها لصحه الخطبة، فقال الشافعيّ وأحمد: المشهور عن مذاهبهما، لا تصح الخطبة، إلا بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال مالك وأبو حنيفة: تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد، والحجة في وجوبها قول اللَّه تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ* وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [ (1) ] . قال ابن عباس: رفع اللَّه ذكره فلا يذكر إلا ذكر معه، واعترض عليه بأن المراد بذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم مع ذكر ربه- تعالى- هو الشهادة له بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية، وهذا هو الواجب قطعا، بل هو ركنها الأعظم. وقد روى أبو داود [ (2) ] وأحمد [ (3) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء، واليد الجذماء المقطوعة، فمن أوجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة دون التشهد، فقوله في غاية الضعف.
وقد روى يونس عن سفيان عن قتادة: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ، قال: رفع اللَّه ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. وخرج عبد بن حميد من حديث هشيم عن جويبر عن الضحاك: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ، قالا: لا أذكر إلا ذكرت معي في الأذان أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، فهذا هو المراد من الآية [ (1) ] . وكيف لا يجب التشهد الّذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها، وتجب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها. والدليل على مشروعية الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة، ما رواه الإمام أحمد [ (2) ] من طريق منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد: حدثني عون بن أبي جحيفة، قال: كان أبي من شرط عليّ، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان تحت المنبر، فحدثني أنه صعد المنبر يعني عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحمد اللَّه، وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر والثاني: عمر، قال: يجعل اللَّه الخير حيث [أحب] [ (3) ] . وقال محمد بن الحسن بن جعفر الأسدي: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الحميدي: حدثنا عبد اللَّه بن سعيد الكندي: حدثنا عبد الرحمن الرواسي، قال: سمعت أبي يذكر عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه كان يقول بعد ما يفرغ من خطبته والصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا
الكفر والفسوق والعصيان، اللَّهمّ بارك في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وقلوبنا وذريتنا. وروى الدارقطنيّ من طريق ابن لهيعة عن الأسود بن مالك الحضرميّ عن بجير بن زاخر المعافري، قال: رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة فذكر حديثا وفيه: فقام عمرو بن العاص على المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه حمدا موجزا، وصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم. وحديث ضبة بن محصن أن أبا موسى الأشعري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان إذا خطب حمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعا لعمر، فأنكر عليه ضبة الدعاء لعمر قبل الدعاء لأبي بكر فرفع ذلك إلى عمر، فقال لضبة: أنت أوفق منه وأرشد، فهذا دليل على أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخطبة أمر كان مشهورا بين الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- معروفا بينهم. وأما وجوبها فيحتاج إلى دليل يجب المصير إليه حتى ينقطع به الشك.
الموطن السادس من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة
الموطن السادس من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة خرج مسلم [ (1) ] من طريق عبد اللَّه بن وهب بن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلّى علي صلاة صلى اللَّه عليه بها عشرا، ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة، فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي. وخرجه أبو داود [ (2) ] من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة وسعيد ابن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة إلى آخره مثله. وخرجه الترمذي [ (3) ] من طريق عبد الرحمن بن يزيد المقرئ: حدثنا حيوة: أنبأنا كعب بن علقمة، سمع عبد الرحمن بن جبير، سمع عبد اللَّه بن عمرو أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول الحديث بنحو هذا، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وخرجه النسائي [ (4) ] من حديث سويد بن ناصر قال: أنبأنا عبد اللَّه عن حيوة بن شريح قال: أخبرني كعب بن علقمة أنه سمع عبد الرحمن بن جبير
مولى نافع بن عمرو القرشي يحدث أنه سمع عبد اللَّه بن عمرو يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى آخره بنحوه. ومن طريق إسحاق بن منصور قال: أنبأنا عبد اللَّه بن يزيد أنبأنا حيوة، أنبأنا كعب بن علقمة إلى آخره بمثله أو بنحوه. وخرج الحسن بن عرفة من طريق العوام بن حريث: حدثنا منصور بن زاذان عن الحسن قال: من قال مثل ما يقول المؤذن، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قال: اللَّهمّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد عبدك ورسولك، وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة، دخل في شفاعة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وقال: يوسف بن أسباط بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللَّهمّ رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صلّ على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا الحور العين إلا قالت الحور العين: ما إن هداك غيرنا، واعلم أن في إجابة المؤذن خمس سنن قد اشتمل حديث عبد اللَّه بن عمرو المذكور على ثلاثة منها، والرابعة، أن يقول: ما خرجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذيّ [ (4) ] والنسائي [ (5) ] من حديث الليث عن حكيم بن عبد اللَّه بن قيس
القرشي، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن سعد بن أبي وقاص- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت باللَّه ربا وبالإسلام دينا، غفر ذنبه، وفي رواية: من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد هكذا، قال أبو داود والترمذي والنسائي: وأنا أشهد. وقال الترمذي بعقبه: وهذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، عن حكيم بن عبد اللَّه بن قيس، والخامسة: أن يدعو بعد إجابة المؤذن وصلاته على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبعد سؤاله الوسيلة لما في سنن أبي داود [ (1) ] والنسائيّ [ (2) ] من حديث عبد اللَّه بن عمرو، أن رجلا قال: يا رسول اللَّه إن المؤذنين يفضلوننا، فقال: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه. وخرج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير عن جابر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من قال حين ينادى المنادي بالصلاة: اللَّهمّ رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، صل على
محمد وارض عنى رضا لا سخط بعده، استجاب اللَّه له دعوته، وخرجه الطبراني في (الأوسط) عن ابن لهيعة به مثله. وخرج الحاكم في (المستدرك) من [ (1) ] حديث أبي أمامة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا سمع الأذان قال: اللَّهمّ رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها، دعوة الحق، وكلمة التقوى، توفني عليها وأحينى عليها واجعلني من صالح عملا يوم القيامة، فهذه خمسة وعشرون سنة في الأذان تكون في كل يوم وليلة فما أعظم أجرها.
الموطن السابع من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند دعاء كل داع من أمتي وله ثلاث مراتب
الموطن السابع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دعاء كل داع من أمتي وله ثلاث مراتب الأولى: أن يصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل الدعاء وبعد حمد اللَّه تعالى. والثانية: أن يصلي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه في أول دعائه، وأوسطه، وآخره. والثالثة: أن يصلي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليه في أول الدعاء، وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما. فأما المرتبة الأولى: فيدل عليها حديث فضالة بن عبيد المتقدم، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد اللَّه والثناء عليه ثم ليصلّ على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يدع بما يشاء. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر، قال: كنت أصلي والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- معه، فلما جلست بدأت بالثناء على اللَّه، ثم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: سل تعطه. وخرج عبد الرزاق من حديث معمر عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد اللَّه بن مسعود قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل اللَّه- تعالى- فليبدأ بحمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه بما هو أهله، ثم ليصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم يسأل اللَّه بعد، فإنه أجدر أن ينجح ويصيب، ورواه شريك عن أبي إسحاق، وعن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه نحوه. وأما المرتبة الثانية: فقال عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تجعلوني كقدح الراكب فذكر الحديث، وقال: اجعلوني وسط الدعاء، وفي أوله، وفي آخره، وقد تقدم
حديث علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما من دعاء إلا وبينه وبين اللَّه تعالى حجاب، وإذا لم يصل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يستجب الدعاء. وتقدم قول ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يستجاب منه شيء حتى يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: أحمد ابن على بن شعيب: حدثنا محمد بن حفص، حدثنا الجراح بن يحيى حدثني عمر بن عمرو قال: سمعت عبد اللَّه بن بشر يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [الدعاء] محجوب حتى يكون أوله ثناء على اللَّه- عز وجل- وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم يدعو فيستجاب لدعائه، وعمر بن عمرو هو الأحمسي، له عند عبد اللَّه بن بشر حديثان، هذا، وحديث رواه الطبراني في (الكبير) عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: من استفتح أول نهاره بخير وختمه بخير قال اللَّه- عز وجل- لملائكته: لا تكتبوا عليه ما بين ذاك من الذنوب. واعلم أن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مثل الفاتحة من الصلاة، وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة فيها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. أما الدعاء، فمفتاح الدعاء الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كما أن مفتاح الصلاة الطهور، قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الدارانيّ يقول: من أراد أن يسأل اللَّه- تعالى- حاجة، فليبدأ بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليختم بالصلاة عليه، فإن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مقبولة، واللَّه- تعالى- أكرم من أن يردّ ما بينهما.
الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند دخول المسجد وعند الخروج منه
الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دخول المسجد وعند الخروج منه لما روى ابن خزيمة في (صحيحه) وأبو حاتم بن حبان من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وليقل: اللَّهمّ افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وليقل: اللَّهمّ أجرني من الشيطان [ (1) ] . وفي (المستدرك) [ (2) ] والترمذي [ (3) ] وابن ماجة [ (4) ] من حديث فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى [ (5) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالت:
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل المسجد قال: اللَّهمّ صلّ على محمد وسلّم، اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال مثلها، إلا أنه يقول: أبواب فضلك. رواه الترمذي عن علي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد اللَّه بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن جدتها فاطمة الكبرى ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل المسجد صلّى على محمد وسلّم، قال إسماعيل: فلقيت عبد اللَّه بن الحسن بمكة، فسألته عن هذا الحديث فسألته به، قال: وليس إسناده متصلا، لأن فاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى. ورواه ابن ماجة عن أبي بكر عن ابن علية وأبي معاوية عن ليث نحوه. وروى إسماعيل بن إسحاق عن شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سعيد بن ذي حراب قال: قلت لعلقمة: ما أقول إذا دخلت المسجد؟ قال: تقول: صلى اللَّه وملائكته على محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته. ومن طريق ابن عمر التميمي عن سليمان العبسيّ عن على بن الحسين قال: قال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
الموطن التاسع من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة
الموطن التاسع من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصفا والمروة روى إسماعيل بن إسحاق من طريق همام بن يحيى: حدثنا نافع أن ابن- عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يكبر على الصفا ثلاثا ثم يقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، ثم يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويطيل القيام والدعاء، ويفعل على المروة مثل ذلك، وهذا من توابع الدعاء أيضا. وروى جعفر بن عون عن زكريا عن الشعبي، عن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يخطب الناس بمكة يقول: إذا قدم الرجل منكم حاجا، فليطف بالبيت سبعا، وليصلّ بهذا المقام ركعتين، ثم يستلم الحجر الأسود، ثم يبدأ بالصفا فيقوم عليه ويستقبل البيت، فيكبر سبع تكبيرات، بين كل تكبيرتين حمدا للَّه عز وجل، وثناء عليه، وصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويسأل لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك. رواه أبو ذر عن زاهر عن محمد بن المسيب عن عبد اللَّه بن جبير عن جعفر، ورواه البزار عن عبد اللَّه بن سليمان عن عبد اللَّه بن محمد بن المسور عن سفيان عن مسعر عن فراس عن الشعبيّ عن وهب به.
الموطن العاشر من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند اجتماع القوم قبل تفرقهم
الموطن العاشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند اجتماع القوم قبل تفرقهم وقد تقدم: ما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا ولم يذكروا اللَّه- تعالى- ولم يصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كان عليهم من اللَّه ترة [ (1) ] . رواه ابن حبان والحاكم، وروى عبد اللَّه بن إدريس الأودي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: زينوا مجالسكم بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويذكر عن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثل ذلك أيضا [ (2) ] . الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذكره وقد تقدم.
الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: بعد الفراغ من التلبية
الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد الفراغ من التلبية خرج الدارقطنيّ من طريق صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا فرغ من تلبيته سأل اللَّه مغفرته ورضوانه، واستعاذ برحمته من النار، قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للحاج إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم: وهذا أيضا من توابع الدعاء. الموطن الثالث عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند استلام الحجر خرج أبو ذر الهروي من حديث محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدثنا عون بن سلام: حدثنا محمد بن مهاجر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا أراد أن يستلم الحجر قال: اللَّهمّ إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء جهدك، وأتباعا لسنة نبيّك، ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
الموطن الرابع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند الوقوف على قبره صلى الله عليه وسلم]
الموطن الرابع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند الوقوف على قبره صلّى اللَّه عليه وسلّم] قال مالك في (الموطأ) [ (1) ] : عن عبد اللَّه بن دينار قال: رأيت عبد اللَّه ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقف على قبر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدعو لأبى بكر وعمر، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وقال: عن عبد اللَّه بن دينار ويدعو عن عبد اللَّه بن عمر أنه كان [إذا] أراد سفرا أو قدم من سفر جاء قبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم دعا ثم انصرف، وقال ابن غير: حدثنا محمد بن بشير: حدثنا عبيد اللَّه بن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر بدأ بقبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيصلي عليه ولا يمس القبر، ثم يسلم على أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم يقول: السلام عليك يا أبه. الموطن الخامس عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة ونحوهما روى أبو حاتم من حديث معمر: حدثنا عامر بن شقيق، عن أبي وائل، قال: ما رأيت عبد اللَّه جلس في مأدبة ولا جنازة ولا غير ذلك، فيقوم حتى يحمد اللَّه ويثني عليه، ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويدعو بدعوات، وإن كان ليخرج إلى السوق فيأتي، أغفلها مكانا فيحمد اللَّه ويصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويدعو بدعوات.
الموطن السادس عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام الرجل من النوم بالليل]
الموطن السادس عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا قام الرجل من النوم بالليل] خرّج النسائي في (السنن الكبير) من طريق أبي الأحوص: حدثنا شريك عن أبي إسحاق، عن عبيدة: عن عبد اللَّه، قال: يضحك اللَّه- تعالى- إلى رجلين: رجل لقي العدو وهو على فرس من أمثل خيل أصحابه فانهزموا وثبت، فإن قتل استشهد، وإن بقي فذلك الّذي يضحك اللَّه إليه، ورجل قام من جوف الليل لا يعلم به، فتوضأ فأسبغ الوضوء، ثم حمد اللَّه ومجده، وصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واستفتح القرآن، فذلك الّذي يضحك اللَّه إليه، يقول: انظروا إلى عبدي نائما لا يريد أحدا غيري، وخرجه عبد الرزاق من طريق معمر عن أبى إسحاق، عن عبيدة عن أبي مسعود أنه قال: رجلان يضحك اللَّه إليهما فذكر بنحوه. الموطن السابع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ختم القرآن وفي صلاة التراويح، لأن هذين المحلين محل دعاء] قال الإمام أحمد من رواية أبي الحارث كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده، وقال في رواية يوسف بن موسى، وقد سئل عن الرجل يختم القرآن فيجمع إليه قوم فيدعون، قال: نعم. رأيت معمرا يفعله إذا ختم القرآن، وقال في رواية حرب: استحب إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع أهله ويدعو، وقال ابن أبي داود في كتاب (فضائل القرآن) عن الحكم قال: أرسل إليّ مجاهد وعنده أبو لبابة أرسلنا إليك- أبا يزيد- نختم القرآن، وكان يقال: إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن ويدعو بدعوات، وروى فيه أيضا عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة، قال: تنزل الرحمة عند ختم القرآن، وروى أبو عبيد القاسم بن
الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: [يوم الجمعة]
سلام في كتاب (فضل الدعاء) عن قتادة قال: كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره على أصحاب له، وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يضع عليه الرقباء، فإذا كان عند الختم جاءه ابن عباس فشهده، وقال حنبل: سمعت أحمد- يعنى ابن حنبل- يقول في ختم القرآن قل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وارفع يديك في الدعاء قبل الركوع يعني في التراويح، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم في مكة، وقال عبس بن عبد العظيم: وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا أشياء، وذكر أيضا عن عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن الفضل بن زياد قال: سألت أبا عبد اللَّه فقلت: أأختم القرآن أجعله في التراويح أو في الوتر؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاءان اثنان، قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام، قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت، قال: ففعلت كما أمرني، وهو خلفي يدعو قائما ويرفع يديه، وإذا كان هذا من أكبر مواضع الدعاء وأحقها بالإجابة، فهو من أكبر مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: [يوم الجمعة] وقد تقدم قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا من الصلاة عليّ في كل جمعة، فإن صلاة أمتى تعرض عليّ في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم عليّ صلاة كان أقربهم منى منزلة، خرجه البيهقي من حديث أبي أمامة يرفعه [ (1) ] . وخرج أيضا عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي عليّ يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته، وفي طريقه إسماعيل بن رافع، قال يعقوب بن سفيان:
الموطن التاسع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند القيام من المجلس]
يصلح حديثه للشواهد والمتابعات، وقال ابن عدي: حدثنا إسماعيل بن موسى الحاسب، حدثنا جبارة بن مغلس، حدثنا أبو إسحاق الأحمسي، عن يزيد الرقاشيّ عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي، وإن كان إسناده ضعيفا فهو محفوظ في الجمعة، ولا يضر ذكره في الشواهد، وقد تقدم حديث أوس بن أوس وقول الحسن عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة. وقال ابن وضاع: حدثنا أبو مروان البزاز، حدثنا ابن المبارك عن أبي شعيب قال: كتب عمر بن عبد العزيز أن انشروا العلم يوم الجمعة فإن غائلة العلم النسيان، وأكثروا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الجمعة. الموطن التاسع عشر [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند القيام من المجلس] قال عبد الرحمن بن حاتم: حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان: حدثنا عثمان بن عمر قال: سمعت سفيان بن سعيد ما لا أحصي إذا أراد القيام يقول: صلى اللَّه وملائكته على محمد وعلى أنبياء اللَّه وملائكته. الموطن العشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند المرور على المساجد ورؤيتها] قال القاضي إسماعيل بن كتبة: حدثنا يحيى بن الحميد: حدثنا يوسف ابن عمر التميمي، عن سليمان العبسيّ، عن على بن حسين قال: قال علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا مررتم [على المساجد] فصلوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم.
الموطن الحادي والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند شدة الهم]
الموطن الحادي والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند شدة الهم] خرج الترمذي من حديث عبد اللَّه بن عقيل عن الطفيل بن أبيّ بن كعب عن أبيه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذهب ثلثا الليل قام فذكره، وفيه قلت: يا رسول اللَّه إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفي همك، ويغفر ذنبك. وقد تقدم. وخرجه ابن أبي شيبة مختصرا عن أبيّ، قال رجل: يا رسول اللَّه، أرأيت صلاتي كلها صلاة عليك، قال: إذا يكفيك اللَّه ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك. الموطن الثاني والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند كتابة اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم] خرّج أبو الشيخ من طريق أسيد بن عاصم: حدثنا بشر بن عبيد: حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه عن الأعرج عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب، قال أبو موسى: رواه غير واحد عن أسيد كذلك، قال: رواه إسحاق بن وهب العلاف عن بشر ابن عبيد فقال: عن حازم بن بكر عن يزيد عن عياض عن الأعرج، يروى من غير هذين الوجهين أيضا عن الأعرج، وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعبد اللَّه بن عباس وعائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وقد تقدم حديث كادح بن رحمة، وقال جعفر بن علي الزعفرانيّ: سمعت خالي الحسن بن محمد يقول: رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقال لي: يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الكتب، كيف تزهد ما بين أيدينا؟ وقال أبو الحسن على: رأيت أبا الحسن بن عبيد في المنام بعد موته- وكان على أصابع يديه شيئا مكتوبا بلون الذهب أو بلون الزعفران- فسألته عن ذلك، فقال: يا
بنى هذا لكتبى لحديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الخطيب: حدثني مكي بن علي، حدثنا أبو سليمان بن علي الحراني، قال رجل من جواري يقال له الفضل وكان كثير الصوم والصلاة: كنت أكتب الحديث ولا أصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرأيته في المنام، فقال: إذا كتبت اسمي أو ذكرت لم لا تصلي علي؟ ففعلت ذلك، ثم رأيته مرة أخرى، فقال لي: بلغتني صلاتك عليّ فإذا كتبت أو ذكرت، فقل: صلى اللَّه عليه وسلّم، وقال سفيان الثوري: لو لم يكن لصاحب الحديث فائدة إلا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب اسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال محمد بن أبي سليمان: رأيت أبي في النوم، فقلت: يا أبه ما فعل اللَّه بك؟ قال: غفر لي، قلت: بماذا؟ قال: بكتابتي الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال بعض أهل الحديث كان لي جار مات فرئي في النوم، فقيل له: ما فعل اللَّه بك قال: غفر لي، قيل: بماذا؟ قال: كنت إذا كتبت رسول اللَّه في الحديث قلت: صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال سفيان بن عيينة: حدثنا خلف صاحب الخلفان، قال: كان لي صديق يطلب معى الحديث فمات، فرأيته في منامي- وعليه ثياب خضر يجول فيها، فقلت: ألست كنت معى تطلب الحديث؟ قال: بلى، قلت: فما الّذي أصارك إلى هذا؟ قال: كان لا يمر بى حديث فيه ذكر محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا كتبت في أسفله صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكافأني ربنا هذا الّذي ترى. وقال ابن عبد الحكم: رأيت الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في النوم فقلت: ما فعل اللَّه بك؟ قال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما تزف العروس، ونثر عليّ كما ينثر علي العروس، قلت: بم بلغت هذه الحالة؟ قال: بما في كتاب الرسالة من الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: وصلى اللَّه على محمد عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون، قال: فلما أصبحت نظرت في الرسالة، فوجدت الأمر كما رأيت. وقال الخطيب: أنبأنا بشرى بن عبد اللَّه الرومي قال: سمعت محمد ابن الحسين بن محمد بن عبيد العسكري يقول: سمعت أبا إسحاق الدارميّ المعروف بنهشل يقول: كنت أكتب الحديث في تخريجي للحديث: قال النبي
الموطن الثالث والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند تبليغ العلم إلى الناس مثل التذكير، والقصص، وإلقاء الدرس إلى الناس، وتعليم المتعلم، في أول ذلك، وآخره]
«صلّى اللَّه عليه وسلّم تسليما» ، فرأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام، وكأنه أخذ شيئا مما أكتبه فنظر فيه وقال: هذا جيد. وقد روى أبو موسى في كتابه عن جماعة من أهل الحديث أنهم رؤوا بعد موتهم، فأخبروا أن اللَّه غفر لهم بكتابتهم الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في كل حديث. وقال عباس العنبري وعلي بن المديني: ما تركنا الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في كل حديث سمعناه وربما عجلنا، فنبيض الكتاب في كل حديث، حتى نرجع إليه. الموطن الثالث والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند تبليغ العلم إلى الناس مثل التذكير، والقصص، وإلقاء الدرس إلى الناس، وتعليم المتعلم، في أول ذلك، وآخره] روى إسماعيل في كتابه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حسين بن على الجعفي عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: أما بعد فإن أناسا قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن القصاص قد أحدثوا من الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا جاءك كتابي هذا أن تكون صلاتهم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والنبيين، ودعاؤهم للمسلمين عامة، ويدعوا ما سوى ذلك. فاستحبت الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموطن، لأنه موطن تبليغ العلم الّذي جاء به، ونشره في أمته وإلقائه إليهم، وهو أيضا موطن دعوتهم إلى سننه وطريقته، وهذا من أفضل الأعمال وأنفعها للعبد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [ (1) ] ، وقال تعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا
إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [ (1) ] ، سواء كان المعنى أنا ومن اتبعني يدعو إلى اللَّه على بصيرة، أو كان الوقف عند قوله: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [ (2) ] فالقولان متلازمان، فإنه أمره- سبحانه وتعالى- أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى اللَّه، فمن دعا إلى اللَّه- تعالى- فهو على سبيل رسوله وهو على بصيرة، وهو من أتباعه، ومن دع إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدعوة إلى اللَّه تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أممهم، والناس تبع لهم، وقد أمر اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبلغ ما أنزل إليه وضمن له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلغون عنه من أمته لهم من حفظ اللَّه- تعالى- لهم وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه، وتبليغهم شريعته، وقد أمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثا، فتبليغ سنته إلى أمته أفضل من تبليغ السهام إلى نحو الأعداء، لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم، كما قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في خطبته التي ذكرها ابن وضاح في كتاب (الحوادث والبدع) : الحمد للَّه الّذي امتنّ على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويحيون بكتاب اللَّه من مات من أهل العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضال تائه قد هدوه، وبذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس فيهم، يقتلونهم في سالف الدهر وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربك وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [ (3) ] جعل قصصهم هدى، وأخبر عن مقالتهم فلا تقمر عنهم، فإنّهم في منزلة رفيعة، وإن أصابتهم الوضيعة. وقال عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن لك عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليا من أوليائه يذب عنها، وينطق بها، ويكفي في
الموطن الرابع والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: أول النهار وآخره]
هذا قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لأن يهدى بك اللَّه رجلا واحدا خير لك من حمر النعم، وقوله: من أحيا شيئا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وضم ما بين إصبعيه، وقوله: من دعا إلى هدى فاتبع عليه كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة، فمتى يدرك العامل هذا الفضل العظيم والحظ الجسيم بشيء من عمله، وإنما ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم. فحقيق بالمبلغ عن الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أقامه اللَّه- تعالى- في هذا المقام أن يفتتح وقت تبليغه بحمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه وتحميده والاعتراف له بالوحدانية، وتعريف حقوقه على العباد ثم الصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي هدى اللَّه به عباده، وأنقذهم باتباعه من النار، ثم يختم أيضا بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ليكون قد قام ببعض ما يجب له صلّى اللَّه عليه وسلّم من حقوقه الأكيدة. الموطن الرابع والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أول النهار وآخره] خرّج الطبراني من حديث بقية بن الوليد: قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني: قال: سمعت خالد بن معدان عن أبي الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلي عليّ حين يصبح عشرا، وحين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي يوم القيامة، قال أبو موسى المديني: رواه عن بقية غير واحد.
الموطن الخامس والعشرون من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: [عقيب الذنب، فإن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كفارة]
الموطن الخامس والعشرون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: [عقيب الذنب، فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم كفارة] خرّج ابن أبي عاصم في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من طريق شبابة: حدثنا مغيرة عن أبي إسحاق عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ، كفارة لكم، فمن صلّى عليّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا، والكفارة تتضمن محو الذنوب. وخرّج من طريق محمد بن إشكاب، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الفضل بن عطاء، عن الفضل بن شعيب عن أبى منصور، عن أبي معاذ، عن أبي كاهل، قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا كاهل من صلّى عليّ كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاثا، حبا وشوقا إليّ، كان حقا على اللَّه أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم. وخرج أبو الشيخ في كتاب (الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم) من طريق ليث ابن أبي سليم عن نافع بن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ زكاة لكم. ورواه ابن أبي شيبة عن ابن فضل عن ليث عن كعب عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، والزكاة تتضمن النماء والبركة والطهارة فاقتضت هذه الأحاديث بالصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تحصل بها طهارة النفس من رذائلها، ويثبت لها النماء والزيادة في كمالاتها وفضائلها، وإلى هذا يرجع كمال النفس، فعلم أن بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحصل للنفس الكمال، فإن الصلاة عليه من لوازم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين صلّى اللَّه عليه وسلّم.
الموطن السادس والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند إلمام الفقر والحاجة، أو خوف وقوعهما]
الموطن السادس والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند إلمام الفقر والحاجة، أو خوف وقوعهما] خرّج أبو نعيم من طريق ابن الحسين بن سماعة: حدثنا أبو نعيم: حدثنا فطر بن خليفة، عن جابر بن سمرة عن أبيه قال: كنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول اللَّه، ما أقرب الأعمال إلى اللَّه- عز وجل؟ قال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، قلت: يا رسول اللَّه- زدنا، قال: صلاة الليل، وصوم الهواجر، قلت: يا رسول اللَّه زدنا. قال: كثرة الذكر، والصلاة عليّ تنفى الفقر، قلت: يا رسول اللَّه زدنا، قال: من أم قوما فليخفف، فإن فيهم الكبير والعليل والضعيف وذا الحاجة. الموطن السابع والعشرون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [عند خطبة الرجل المرأة] روى إسماعيل بن أبي زياد عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (1) ] الآية، قال: بمعنى أنّ اللَّه- تعالى- يثني على نبيكم ويغفر له، وأمر الملائكة بالاستغفار له صلّى اللَّه عليه وسلّم. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً أثنوا عليه في صلاتكم، ومساجدكم، وفي كل موطن، وفي خطبة النساء لا تنسوه.
الموطن الثامن والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند العطاس]
الموطن الثامن والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند العطاس] خرّج الطبراني من حديث سهل بن صالح الأنطاكي: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان عن موسى عن نافع قال: رأيت ابن عمر- وقد عطس رجل إلى جانبه- فقال: الحمد للَّه والسلام على رسول اللَّه، فقال ابن عمر: وأنا أقول: السلام على رسول اللَّه! ولكن ليس هكذا أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا عطسنا إنما أمرنا أن نقول: الحمد للَّه على كل حال، قال الطبراني: لم يروه عن سعيد إلا الوليد تفرد به سهل. ورواه الترمذي [ (1) ] عن حميد بن مسعدة: حدثنا زياد بن الربيع: حدثني حضرمي من آل الجارود عن نافع: أن رجلا عطس إلى جنب ابن عمر، فقال: الحمد للَّه والسلام على رسول اللَّه، قال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد للَّه والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكن هكذا علمنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم علمنا أن نقول: الحمد للَّه على كل حال، قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع. قال أبو موسى المديني: روي عن نافع أيضا عن ابن عمر خلاف ذلك، ثم ذكر من حديث عبد اللَّه بن أحمد، حدثنا عباس بن زياد الأسدي، حدثنا زهير عن إسحاق عن نافع، قال: عطس رجل عند ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال له ابن عمر: لقد بخلت، هلّا حيث عطست حمدت اللَّه، صليت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فذهب إلى جماعة منهم أبو موسى المديني وغيره، ونازعهم في ذلك آخرون، قالوا: لا تستحب الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند العطاس وإنما هو موضع حمد اللَّه وحده، ولم يشرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند العطاس حمد اللَّه والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإن كانت من أفضل الأعمال، ولكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه. ولهذا لم تشرع الصلاة عليه
الموطن التاسع والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: بعد الفراغ من الوضوء]
صلّى اللَّه عليه وسلّم في الركوع ولا السجود ولا الاعتدال من الركوع، وشرعت في التشهد الأخير، إما مشروعية وجوب أو استحباب، وقد روي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح؟ وعند العطاس. وردّ هذا بأنه حديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السنجري عن عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكره، وله ثلاث علل: إحداها: تفرد سليمان بن عيسى به [ (1) ] قال البيهقيّ: وهو في عداد من يضع الحديث. الثانية: ضعف عبد الرحمن العمي [ (2) ] . الثالثة: انقطاعه. الموطن التاسع والعشرون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بعد الفراغ من الوضوء] روى أبو الشيخ من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثنا محمد بن جابر عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا عبده ورسوله، ثم ليصل عليّ، فإذا قال كذلك فتحت له أبواب الرحمة [ (3) ] ، وهذا حديث مشهور له طرق عن عمر بن الخطاب، وعقبة بن عامر، وثوبان، وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وليس في شيء منها ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا في
الموطن الثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند دخول المنزل]
هذه الرواية وروى ابن أبي عاصم في كتابه من حديث رحيم حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده يرفعه، لا وضوء لمن لا يصلي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] ، وعبد المهيمن لا يحتج به. الموطن الثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند دخول المنزل] روى أبو عيسى المديني من حديث أبى صالح بن المهلب عن أبي بكر ابن عمر أنه قال: حدثني محمد بن عباس بن الوليد: حدثني عمر بن سعد: حدثنا ابن أبي ذئب: حدثني محمد بن عجلان عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فشكا إليه الفقر، وضيق المعيشة أو المعاش، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دخلت منزلك فسلم إذا كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد، ثم سلّم عليّ واقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مرة واحدة ففعل الرجل ذلك، فأدر اللَّه عليه الرزق وعلى جيرانه وقرابته [ (2) ] . الموطن الحادي والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: في كل موطن يجتمع فيه لذكر اللَّه تعالى] لحديث مسلم بن إبراهيم الكشني، قال: حدثنا عبد السلام بن عجلان: حدثنا أبو عثمان النهدي: عن أبى هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إن للَّه سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: اقعدوا فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم فإذا صلوا على النبي
الموطن الثاني والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: إذا نسي العبد شيئا وأراد ذكره]
صلّى اللَّه عليه وسلّم صلوا معهم حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبى- لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم [ (1) ] ، وأصله في مسلم. الموطن الثاني والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا نسي العبد شيئا وأراد ذكره] خرج أبو موسى المديني من طريق محمد بن عتاب المروزي: حدثنا سعدان بن عبيدة أبو سعيد المروزي: حدثنا عبيد اللَّه بن عبد اللَّه العتكيّ، عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا نسيتم شيئا فصلوا على تذكروه إن شاء اللَّه- تعالى، قال الحافظ أبو موسى وقد ذكرناه من غير هذا الطريق في كتاب (الحفظ والنسيان) .
الموطن الثالث والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند الحاجة تعرض للعبد]
الموطن الثالث والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند الحاجة تعرض للعبد] روى أبو موسى المديني من طريق إبراهيم بن الأشعث الخراساني حدثنا عبد اللَّه بن سنان بن عقبة بن أبي عائشة، عن أبى سهل بن مالك عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلّى عليّ مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم، قضى اللَّه له مائة حاجة، عجل له منها ثلاثين حاجة، وأخّر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك، قيل: وكيف الصلاة عليك يا رسول اللَّه؟ قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] . اللَّهمّ صلّ عليه حتى تبلغ مائة [ (2) ] . وقال إبراهيم بن الجنيد، حدثنا إسماعيل بن جريح بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبى عبيد عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إذا أردت أن تسأل اللَّه حاجة، فابدأ بالمدح والتمجيد والثناء على اللَّه عز وجل بما هو أهله، ثم صل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم ادع بعد، فإن ذلك أحرى أن تصيب حاجتك. وتقدم حديث فضالة بن عبيدة وحديث أبيّ بن كعب، وتقدم أيضا من طريق الترمذي حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى يرفعه: من كانت له إلى اللَّه حاجة أو إلى أحد من خلقه. الحديث [ (3) ] . وخرجه الطبراني، وخرج الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن عبيد: حدثنا عباس بن بكار: حدثنا أبو بكر
الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عند طنين الأذن
الهزلي: حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صلى عليّ في كل يوم مائة مرة قضى اللَّه- تعالى- له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته، وثلاثين لدنياه، قال: هذا حديث حسن [ (1) ] . الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عند طنين الأذن خرّج الطبراني من طريق معمر بن محمد بن عبد اللَّه بن أبى رافع، قال: أخبرني أبي محمد عن أبيه عبد اللَّه عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرنى ويصلّ على، قال الطبراني: لا يروى عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد تفرد به معمر بن محمد. وخرّجه محمد بن إسحاق بن خزيمة عن معمر بن محمد، ولفظه: إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي، وليقل: ذكر اللَّه من ذكرني بخير. رواه ابن أبي عاصم في كتابه من طريق حسان بن عدي، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبى رافع عن أبيه عن جده، ولفظه: إذا طنت أذن أحدكم فليصلّ عليّ وليقل: ذكر اللَّه بخير من ذكرني ... وفي رواية: ذكر اللَّه من ذكرني بخير [ (2) ] .
الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عقيب الصلوات
الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: عقيب الصلوات ذكر الحافظ أبو موسى المديني من طريق عبد الغنى بن سعيد، قال: سمعت إسماعيل بن أحمد الحاسب، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر، قال: كنت عند أبي بكر بن مجاهد فجاء الشبلي فقام إليه ابن مجاهد وعانقه وقبّل بين عينيه، فقلت له: يا سيدي تفعل هذا بالشبلي وأنت وجميع من ببغداد يتصورون أنه مجنون؟ فقال لي: فعلت به كما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعل به، وذلك أنى رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام، وقد أقبل الشبلي فقام إليه وقبل بين عينيه، فقلت يا رسول اللَّه أتفعل هذا بالشبلي؟ فقال: هذا يقرأ بعد صلاته: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ [ (1) ] إلى آخرها ويتبعها بالصلاة عليّ.
الموطن السادس والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم] : عند الذبيحة
وفي رواية: أنه لم يصل صلاة فريضية إلا ويقرأ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [ (1) ] إلى آخر السورة. ويقول: صلى اللَّه عليك يا محمد ثلاث مرات. قال: فلما دخل الشبلي سألته عما يذكر بعد صلاته فذكر مثله. الموطن السادس والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند الذبيحة وقد اختلف في ذلك فاستحبها الشافعيّ- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: التسمية عند الذبيحة: بسم اللَّه، فإن زاد بعد ذلك شيء من ذكر اللَّه فالزيادة خير، ولا إكراه مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى اللَّه على رسول اللَّه بل أحبه له، وأحب أن يكثر الصلاة عليه على كل الحالات، لأن ذكر اللَّه تعالى بالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إيمانا باللَّه وعبادة لم يؤاخذ عليها- إن شاء اللَّه تعالى- من قالها. وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه كان مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتقدمه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتابعه فوجده عبد الرحمن ساجدا، فوقف ينتظره فأطال، ثم رفع، فقال عبد الرحمن: لقد خشيت أن يكون اللَّه قبض روحك في سجودك قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عبد الرحمن لما كنت حيث رأيت، لقيني جبريل فأخبرني عن اللَّه- تعالى- أنه قال: من صلّى عليك صليت عليه فسجدت للَّه شكرا، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة، وبسط- رحمه اللَّه- الكلام في هذا، ونازعه في ذلك آخرون من الحنفية، وكرهوا الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم في هذا الموطن، كما ذكره صاحب (المحيط) ، وقال: لأن فيه إيهام الإهلال لغير اللَّه، وكرهها أيضا من أصحاب أحمد القاضي أبو يعلى. كما ذكر ذلك أبو الخطاب في (رءوس المسائل) ، واحتج لهذا لما رواه الخلال من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: موطنان لا حظ لي
الموطن السابع والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم] :
فيهما: عند العطاس، والذبح، وبما تقدم من حديث عبد الرحمن بن زيد العمى عن أبيه وهو غير ثابت [ (1) ] . الموطن السابع والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : إذا مر وهو يقرأ في الصلاة بذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم أو بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (2) ] روى إسماعيل بن إسحاق من طريق بشر بن منصور، عن هشام، عن الحسن، قال: إذا مر في الصلاة على ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فليقف وليصل عليه في التطوع، وقال الإمام أحمد: إذا مر المصلى فيها بذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإن كان في نفل صلّى عليه. الموطن السادس والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند عدم المال فإن الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تقوم مقام الصدقة، روى ابن وهب، عن عمر، عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبى السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللَّهمّ
الموطن التاسع والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم] : عند النوم
صلّ على محمد عبدك ورسولك، وصلّ على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنّها زكاة [ (1) ] . الموطن التاسع والثلاثون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند النوم روى أبو الشيخ في كتابه من طريق آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا محمد بن بشر: حدثنا محمد بن عامر: قال: قال أبو قرصافة: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: من أوى إلى فراشه ثم قرأ: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [ (2) ] ، ثم قال: اللَّهمّ رب الحل والحرام، ورب البلد الحرام، ورب الركن والمقام، ورب المشعر الحرام، بحق كل آية أنزلتها في شهر رمضان، بلغ روح محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم منى تحية وسلام- أربع مرات، وكلّ اللَّه تعالى بها ملكين، حتى يأتيا محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويقولان له: يا محمد إن فلان بن فلان يقرأ عليك السلام ورحمة اللَّه فيقول: وعلى فلان منى السلام ورحمة اللَّه، وبركاته [ (3) ] ، ومحمد بن بشر المدني قال فيه الأزدي: متروك الحديث مجهول، ولهذا الحديث- مع ذلك- علة، وهي أنه معروف من قول أبي جعفر محمد الباقر.
الموطن الأربعون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم] : عند كل كلام ذي بال
الموطن الأربعون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : عند كل كلام ذي بال وفي هذا الموطن يشرع حمد اللَّه- تعالى- والثناء عليه، ثم يصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، خرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] من حديث أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: كل كلام لا يبدأ فيه بحمد اللَّه- تعالى- فهو أجزم. وروى أبو موسى المدني، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كل كلام لا يذكر اللَّه فيبدأ به وبالصلاة عليّ، فهو أقطع ممحوق من كل بركة.
الموطن الحادي والأربعون [من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم] : في صلاة العيد
الموطن الحادي والأربعون [من مواطن الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] : في صلاة العيد روى القاضي إسماعيل في كتابه من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا هشام الدستوائى: حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا، فكيف التكبير فيه؟ قال عبد اللَّه بن مسعود: تبدأ فتكبر تكبيرة الفتح تفتح بها الصلاة، وتحمد ربك، وتصلى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم تدعو وتكبر فتفعل مثل ذلك، وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر، وتركع ثم تقوم، وتقرأ، وتحمد اللَّه، وتصلى على النبي محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع، فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن. وفي هذا الحديث الموالاة بين القراءتين، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه، وفيه تكبيرات العيد الزوائد ثلاثا في كل ركعة، وإليه ذهب أبو حنيفة، وفيه حمد اللَّه والثناء عليه، والصلاة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو مذهب الشافعيّ وأحمد، فأخذ أبو حنيفة- رحمه اللَّه- به في عدد التكبيرات، والموالاة بين القراءتين. وأخذ به الشافعيّ وأحمد- رحمهما اللَّه- في استحباب الذكر بين التكبيرات، وأبو حنيفة ومالك- رحمهما اللَّه- يستحبان سرد التكبيرات من غير ذكر بينهم، ومالك لم يأخذ به في هذا ولا هذا، ولبسط هذه المسألة موضع غير هذا، واللَّه الموفق.
الثامنة والتسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: أن من صلى عليه صلى الله عليه وسلم نال من الله تعالى أربعين كرامة بصلاته عليه صلى الله عليه وسلم
الثامنة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن من صلّى عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم نال من اللَّه تعالى أربعين كرامة بصلاته عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أولها: امتثاله أمر اللَّه- تعالى. ثانيها: موافقته للَّه تعالى- في الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن اختلفت الصلاتان فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة اللَّه عليه ثناء وتشريف. ثالثها: موافقة الملائكة في الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم. رابعها: حصول عشر صلوات من اللَّه- تعالى- للمصلى عليه مرة واحدة. خامسها: أن اللَّه- تعالى- يرفع له بالصلاة عليه عشر درجات. سادسها: أنه يكتب له عشر حسنات. سابعها: أنه يمحى عنه عشر سيئات. ثامنها: أنه ترجى إجابة دعوته، إذا قدم الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمام دعائه فالصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تصعد بالدعاء إلى اللَّه تعالى، وقد كان موقوفا بين السماء والأرض قبلها. تاسعها: أنها سبب لشفاعته صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قرنها بسؤاله الوسيلة له أو أفردها. عاشرها: أنها سبب لمغفرة الذنوب. روى رشدين بن سعد، حدثنا معاوية بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن عليّ، عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أمحق للخطايا من الماء للنار، والسلام على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من عتق الرقاب، وحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل من ضرب بالسيف في سبيل اللَّه عز وجل. الحادية عشرة: أنها سبب لكفاية اللَّه- تعالى- المصلّي عليه ما أهمه. الثانية عشرة: أنها سبب لقرب المصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه يوم القيامة. الثالثة عشرة: أنها تقوم للمصلي المعسر مقام الصدقة.
الرابعة عشرة:
الرابعة عشرة: أنها سبب لقاء الحوائج. الخامسة عشرة: أنها سبب لصلاة- اللَّه سبحانه وتعالى- وملائكته على المصلى عليه. السادسة عشرة: أنها زكاة وطهارة للمصلي عليه. السابعة عشرة: أنها سبب لبشارة المصلي عليه بالجنة قبل موته. الثامنة عشرة: أنها سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة. التاسعة عشرة: أنها سبب لردّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصلاة والسلام على من صلّى عليه وسلّم صلّى اللَّه عليه وسلّم. الكرامة العشرون: أنها سبب لتذكر المصلي ما نسيه. الحادية والعشرون: أنها سبب لطيب مجلس المصلي عليه، وأنه لا يعود حسرة عليه وعلى من كان معه يوم القيامة. الثانية والعشرون: أنها تنفى الفقر. الثالثة والعشرون: أنها تنفى عن المصلي عليه إذا ذكر اسم البخل. الرابعة والعشرون: نجاة المصلي عليه عند ذكره من الدعاء عليه برغم الأنف. الخامسة والعشرون: أنها ترمى بالمصلي عليه على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها. السادسة والعشرون: أنها تنجى من نتن المجلس. السابعة والعشرون: أنها سبب لتمام الكلام الّذي تبدأ فيه مع حمد اللَّه- تعالى. الثامنة والعشرون: أنها سبب لزيادة نور المصلي عليه إذا جاز على الصراط. التاسعة والعشرون: أنها تخرج المصلي عليه من الجفاء والكراهة له صلّى اللَّه عليه وسلّم. الكرامة الثلاثون: أنها سبب لإلقاء اللَّه- تعالى- الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض، لأن المصلى عليه طالب من اللَّه
الحادية والثلاثون:
- تعالى- أن يثنى على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن ينال المصلى عليه نوعا من ذلك. الحادية والثلاثون: أنها سبب للبركة في ذات المصلي، وفي عمله، وفي عمره، وفي أسباب مصالحه، لأنه داع ربه أن يبارك على نبيه وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه. الثانية والثلاثون: أنها سبب لنيل المصلي عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمة اللَّه له، لأن الرحمة إما معنى الصلاة، وإما من لوازمها وموجباتها، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله. الثالثة والثلاثون: أنها سبب لدوام محبة المصلي عليه له وزيادتها وتضاعفها، وقد تقرر أن محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم عقد من عقود الإيمان الّذي لا يتم بدونه، وذلك أن العبد كلما أكثر من ذكر محبوبه، ومن استحضاره في قلبه، واستجلاء محاسنه، وتذكر معانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه، وتزايد شوقه إليه، واستولى على قلبه بأسره، وإن أعرض عن ذكره، وإحضاره قلبه، وغفل عن تذكر محاسنه، تناقص حبه من قلبه. ومن المعلوم عند كل أحد أنه لا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أسر لقلبه من ذكره وتذكر معانيه واستجلائه لجمال محياه وتصوره محاسنه، فإذا قوى ذلك في قلب المحب، جرى لسانه بمدح محبوبه والثناء عليه، وبث محاسنه بحسب زيادة حبه ونقصانه. ولما كانت كثرة ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم موجبة بدوام محبته ونسيانه سببا لزوال محبته أو ضعفها، وكان اللَّه- سبحانه وتعالى- هو المستحق من عباده نهاية المحبة ومع غاية التعظيم والإجلال، لكان ذكره تعالى أنفع. أما للعبد فإن الذكر للقلب كالماء للزرع، بل كالماء للسمك، لا حياة له إلا به، وكانت محبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تابعة لمحبته- تعالى. الرابعة والثلاثون: أنها سبب لمحبته صلّى اللَّه عليه وسلّم للمصلي عليه، فإنّها لما كانت سببا لزيادة محبة المصلى عليه له، كانت سببا لمحبته هو المصلى عليه. الخامسة والثلاثون: أنها سبب لهداية المصلي عليه وإحياء قلبه، فإنه كلما أكثر من ذكره ومن الصلاة عليه استولت محبته على القلب حتى لا يبقى
السادسة والثلاثون:
فيه شك لما جاء به بكليته على امتثال ما أمر به واتباع سنته، كأنما صارت سنته كتابا مستورا في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والصلاح وجميع العلوم منه، فكلما ازداد في ذلك بصيرة وقوة ومعرفة، تزايدت صلاته وسلامه عليه، ولهذا كان فرق عظيم بين صلاة أهل العلم عليه القائمين بشريعته، العارفين بسنته وهديه المتبعين له، وبين صلاة العوام عليه، الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم، وبها رفع أصواتهم، فصلاة العارفين بسنته عليه العالمين بما جاء به، نوع آخر، فكلما ازدادوا معرفة بما جاء به، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة من اللَّه- تعالى. فكلما كان العبد أعرف باللَّه- تعالى، وله- تعالى- أطوع، وله أحب مما سواه، كان ذكره له- تعالى- غير ذكر الغافلين اللاهين، وهذا أمر إنما يعرف بالذوق لا بالوصف، وفرق بين من يذكر صفات محبوبه الّذي قدم ملأ حبه جميع قلبه، ويثنى عليه ويمجده بها، وبين من حظه من ذكره التلفظ بما لا يدرى معناه، فلا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرق بين بكاء النائحة وبكاء الثكلى. فذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر ما جاء به حمدا للَّه- تعالى- على إنعامه علينا، ومنّه بإرساله هو حياة الوجود، وروحه روح المجالس، ذكره وحديثه، وهدى لكل حيران، وإذا أخل بذكره في مجلس فأولئك الأموات في الجثمان. السادسة والثلاثون: أنها سبب لعرض اسم المصلى عليه وذكره عنده. السابعة والثلاثون: أنها سبب لتثبيت أقدام المصلى عليه على الصراط، لحديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة في رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وفيه: ورأيت رجلا من أمتى يرجف على الصراط، ويحبو أحيانا، فجاءته صلاته عليّ فأقامته وأنقذتة، وسيأتي بطوله إن شاء- اللَّه تعالى- في مقامه صلّى اللَّه عليه وسلّم. الثامنة والثلاثون: أن المصلى عليه يؤدى بصلاته عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقل القليل من حقه، ويقوم بأيسر اليسير من شكره على نعمته، التي أنعم اللَّه- تعالى- بها عليه في بعثته إلينا وهدايتنا به، فإن الّذي يستحقه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك لا يحصى علما ولا قدرة منا ولا إرادة، ولكن اللَّه- تعالى- من كرمه يرضي من عبادة باليسر.
التاسعة والثلاثون:
التاسعة والثلاثون: أنها متضمنة لذكر اللَّه- تعالى- وشكره ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله صلّى اللَّه عليه وسلّم فالمصلي عليه قد تضمنت صلاته عليه ذكر اللَّه- تعالى- وذكر رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وسؤاله- تعالى- أن يجزيه بصلاته عليه ما هو عليه كما عرفنا ربنا- تعالى- وأسماءه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته تعالى، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه والقدوم، فهي متضمنة للايمان كله، من وجود الرب المدعو سبحانه، وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وكلامه، وإرساله رسوله، وتصديقه فيما أرسل به كله وكمال صحبته صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهذه هي أصول الإيمان، والصلاة عليه متضمنة لعلم المصلي عليه ذلك وتصديقه به، ومحبته له، فكانت- من أجل ذلك- من أجلّ الأعمال. الكرامة الأربعون: الصلاة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المصلي عليه دعاء، وقد انقسم دعاء العبد وسؤاله ربه- تعالى- نوعين. أحدهما: سؤاله حوائجه ومهماته وما ينوبه في الليل والنهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبة. والثاني: سؤال العبد ربه- تعالى- أن يثنى على رسول وخليله وحبيبه وأن يزيد في تشريفه وقدره كرامته وإشادة ذكره ورفعه، ولا ريب أن اللَّه- تعالى- يحب ذلك، ورسوله أيضا يحبه، وفي هذا النوع من الدعاء يكون العبد قد آثر ما يحبه اللَّه ورسوله على طلبه حوائجه هو، بل كان هذا المطلوب من أحب الأمور إليه وآثرها عنده فقد آثر ما يحبه اللَّه ورسوله على ما يحبه هو ومن آثر اللَّه ومحابه على ما سواه، كان جزاؤه من جنس عمله، فدخل في زمرة من آثرة على غيره، ويا لها من رتبة، ما أجلها وأعلاها، واعتبر هذا بما تجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم، إذا أرادوا التقرب إليهم، والمنزلة عندهم، فإنّهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب إليه، وكلما سألوه أن يزيد في وكرمه وتشريفه، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه، وحظوتهم عنده، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه، فأحبهم إليه أشدهم له سؤالا، ورغبة أن يتم عليه إنعامه وإحسانه ومراده، وهذا أمر مشاهد بالحس. ولا تكون منزلة هؤلاء، ومنزلة
من يسأل المطاع حوائجه منزلة واحدة، فكيف بأعظم محب وأجله لأكرم محبوب وأحقه بمحبة ربه؟ ولو لم يكن من فوائد الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شرفا فكيف ومعها أخواتها؟ واعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد خصه اللَّه- تعالى- من مزايا الشرف الرفيع بأن جعل له الأجر الزائد على أجر عمله مثل أجور من اتبعه منذ ابتعثه إلى قيام الساعة، فشرفه صلّى اللَّه عليه وسلّم الشرف الّذي لا فوقه غاية، ولا له نهاية، وصلاة أمته وسلامهم عليه ليس له فيها شيء يجدد، ولا شرف يتعدد، وإنما هي فضل من اللَّه يعود على أمته بتكفير سيئاتهم، ومحو خطيئاتهم، وزيادة حسناتهم، وارتفاع درجاتهم، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [ (1) ] ، فمن دعا إلى سنته صلّى اللَّه عليه وسلّم وأرشد إلى دينه وعلم الخير أمته، إذا قصد توفير هذا الحظ على المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم وصرفه إليه، وقصد بدعائه الخلق إلى اللَّه أن يتقرب إلى اللَّه- تعالى- بإرشاد عباده، وأن يوفر أجور المطيعين له على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم كان ذلك أرفع لقدره، وأعظم لأجره، فإن اللَّه- تعالى- يثيبه مع الأجر على دعوته وتعليمه بحسب هذه النية ثوابا جزيلا، ويؤتيه أجرا كبيرا، واللَّه الموفق بمنه وكرمه.
خاتمة فيها بيان وإرشاد لمعنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
خاتمة فيها بيان وإرشاد لمعنى الصلاة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اعلم أن أصل لفظة الصلاة في اللغة يرجع إلى معنيين: أحدهما: الدعاء والتبرك. والثاني: العبادة. فالأول: كقول اللَّه تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [ (1) ] . وقوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ [ (2) ] ، وقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان صائما فليصل، قيل: فليدع بالبركة، وقيل: يصلى عنده بدل أكله، وقيل: الصلاة لغة معناها الدعاء، والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة. فالعابد داع، كما أن السائل داع، وبهما فسر، قوله- تعالى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ (3) ] ، قيل: أطيعوني أثبكم وقيل: ادعوني سلوني أعطكم، وبهما فسر قوله- تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ (4) ] ، والصواب أن الدعاء يعم النوعين، وهو لفظ متواطئ لا اشتراك فيه، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله- تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [ (5) ] ، وقوله- تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [ (6) ] وقوله- تعالى: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ [ (7) ] ، والصحيح
وأما صلاة الله - جل جلاله - على عبده فنوعان:
من القولين لولا أنكم تدعونه أي شيء لعبأ بكم لولا عبادتكم إياه، سيكون المصدر مضافا إلى الفاصل. وقال تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً [ (1) ] . وقال تعالى- إخبارا عن أنبيائه ورسله: إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً [ (2) ] ، وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى، وهذه دعوى الخلاف في مسمى الدعاء، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هو منقول عن موضعه في اللغة فيكون حقيقة في شرعته أو مجازا شرعيا؟ فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة، وهو الدعاء، والدعاء دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلى من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهو في صلاته حقيقة لا مجازا، ولا منقولة، لكن خصّ اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة ويخصها أهل العرف ببعض مسماها كالرأس ونحوها، فهذا غايته من تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعة، وهذا لا يوجب نقلا ولا خروجا عن موضوعة الأصلي، وهذه هي الصلاة من الآدميّ، وأما صلاة اللَّه- جل جلاله- على عبده فنوعان: عامة وخاصة. [فالصلاة] العامة: صلاته- سبحانه- على جميع المؤمنين، قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (3) ] ، ومنه دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لآحاد المؤمنين كقوله: اللَّهمّ صل على آل أبى أوفى، وقوله للمرأة: صلى اللَّه عليك وعلى زوجك.
والصلاة الخاصة:
والصلاة الخاصة: صلاته- تعالى- على أنبيائه ورسله، خصوصا على خاتمهم وأفضلهم محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، اختلف في معناها. فقيل: إنها رحمته- تعالى-. روى إسماعيل بن إسحاق من طريق جويبر عن الضحاك قال: صلاة اللَّه- تعالى- رحمته وصلاة الملائكة الدعاء، وقال المبرد: أصل الصلاة الرحمة فهي من اللَّه- تعالى- رحمة، ومن الملائكة استدعاء للرحمة من اللَّه، وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين، وقيل: إن الصلاة مغفرته. قال جويبر عن الضحاك: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [ (1) ] صلاة اللَّه مغفرته، وصلاة الملائكة الدعاء، وهذا القول من جنس الّذي قبله، وردّ بوجوه: أحدها: أن اللَّه- تعالى- قد فرق بين صلاته على عباده ورحمته، فقال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ* أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [ (2) ] . فعطف- تعالى- الرحمة على الصلاة، فاقتضى ذلك تغايرهما، وهذا أصل العطف. وأما قول الشاعر: فألفى قولها كذبا ومينا فإنه شاذ لا يحمل عليه أفصح الكلام مع أن المين أخص من الكذب. ثانيها: أن صلاة اللَّه- تعالى- خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين. وأما رحمته فوسعت كل شيء فليست الصلاة مرادفة للرحمة، لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها، فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمرتها وآحاد مقصودها، وهذا كثير ما يأتى في تفسير ألفاظ القرآن،
فتفسر اللفظة بملازمها وجزء معناها، كتفسير الريب بالشك، والشك جزء مسمى الريب، وتفسيره الرحمة بإرادة الإحسان، وهو إرادة لازم الرحمة، ونظير ذلك كثير. ثالثها: أنه لا خلاف في جواز الترحم على المؤمنين، واختلف السلف والخلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء على ثلاثة أقوال- كما تقدم- فقلنا: إنهما ليسا بمترادفين. رابعها: أنها لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر، وأسقطت عند من أوجبها، إذا قال: اللَّهمّ ارحم محمدا وآل محمد، وليس الأمر كذلك. خامسها: أنه لا يقال لمن رحم غيره ورق عليه فأطعمه وسقاه وكساه أنه صلّى عليه، ويقال: قد رحمه. سادسها: أن الإنسان قد يرحم من يبغضه ويعاديه فيجد في قلبه له رحمة ولا يصلى عليه. سابعها: أن الصلاة لا بدّ فيها من كلام، فهي ثناء من المصلى على المصلى عليه وتنويه به، وإشادة بمحاسنه التي فيه وذكره. قال البخاري في صحيحه: عن أبي العالية قال: صلاة اللَّه على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة، وروى القاضي إسماعيل في كتابه من طريق الربيع بن أنس عن أبى العالية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ، قال: صلاة اللَّه- عز وجل- وثناؤه عليه وصلاة الملائكة. ثامنها: أن اللَّه فرق بين صلاته وصلاة ملائكته وجمعها في فعل واحد، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وهذه الصلاة لا تكون هي الرحمة، وإنما هو ثناؤه- سبحانه- وثناء ملائكته عليه، فإن قيل: الصلاة لفظ مشترك فيجوز أن تستعمل في معنييه معا، قيل: في ذلك محاذير: أحدها: أن الاشتراك على خلاف الأصل، بل لا يعلم أنه وقع في اللغة من مواضع، وأحدها: نص على ذلك المبرد وغيره من أئمة اللغة، وإنما يقع في اللغة وقوعا عارضا اتفاقيا بسبب، ثم تختلط اللغة فيعرض الاشتراك.
ثانيها: أن الأكثرين لا يجوزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز، فإن قيل: قد حكى عن الشافعيّ- رحمه اللَّه- تجويزه، قيل: ممنوع صحة ذلك عنه وإنما نأخذ من قوله إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق ومن أسفل تناول جميعهم فظن من ظن أن لفظ المولى مشترك بينهما وأنه عند الإطلاق يحمل عليهما- وليس كذلك- فإن لفظ المولى من الألفاظ المتواطئة، فالشافعي وأحمد- في ظاهر مذهبه- يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ، وهو عنده عام متواطئ الاشتراك. فإن قيل: قد جاء عن الشافعيّ- رحمه اللَّه- أنه قال في مفاوضة جرت له: قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ وقد قيل: يراد بالملامسة الجماع، فقال: هي محمولة على المس باليد حقيقة وعلى الجماع مجازا. قيل: هذا لا يصح عن الشافعيّ ولا من درس كلامه المألوف لمن عرفه وإنما هو كلام بعض الفقهاء المتأخرين، فإذا كان معنى الصلاة هو الصلاة على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم والعناية به وإظهار شرفه وفضله وحرمته- كما هو المعروف من هذه اللفظة- لم يكن لفظ الصلاة في الآية مشتركا محمولا على معنييه، بل يكون مستقلا في معنى واحد، وهذا هو الأصل في الألفاظ. الوجه التاسع: أنّ اللَّه أمر بالصلاة عليه عقيب إخباره بأنه- تعالى- هو وملائكته يصلون عليه، والمعنى إذا كان اللَّه تعالى وملائكته يصلون على رسوله فصلوا أيضا أنتم عليه، فأنتم أحق أن تصلوا عليه وتسلموا تسليما، لإيمانكم ببركة رسالته، ويمن سفارته من الخير والشرف في الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أنه لو غير هذا المعنى بالرحمة لم يحسن موقعه ولم يحسن النظم، فإنه يكون تقديره يصير إلى أن اللَّه وملائكته يترحمون ويستغفرون لنبيه، فادعوا أنتم وسلموا، وهذا ليس مراد الآية قطعا، بل الصلاة المأمور بها في الآية هي الطلب من اللَّه- تعالى- ما أخبر به من صلاته وثناء ملائكته، وهي ثناء عليه، إظهار لشرفه، وفضله، وإرادته تكريمه، وتقريبه، فهي تتضمن الخبر والطلب، وسمى هذا السؤال والدعاء منا نحن صلاة عليه لوجهين:
أحدهما: أنه يتضمن ثناء المصلى عليه، والإشادة بذكر شرفه وفضله، والإرادة والمحبة لذلك من اللَّه- تعالى. الثاني: أن ذلك سمى منا صلاة عليه لسؤالنا من اللَّه- تعالى- أن يصلى عليه، فصلاة اللَّه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤالنا اللَّه- تعالى- أن يفعل ذلك به، وضد ذلك في لعنة أعدائه الشانئين [ (1) ] لما جاء به، فإنّها تضاف إلى اللَّه- تعالى- وتضاف إلى العبد كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [ (2) ] . فلعنة اللَّه لهم تتضمن مقته وإبعاده وبغضه لهم، ولعنة العبد سؤال اللَّه- تعالى- أن يفعل ذلك بمن هو أهل اللعنة، وإذا ثبت هذا، فمن المعلوم أنه لو كانت الصلاة هي الرحمة لم يصح أن يقال لطالبها من اللَّه- تعالى- مصليا، وإنما يقال له مسترحما له، كما يقال لطالب المغفرة مستغفرا له، ولطالب العطف مستعطفا، ونظائره كثيرة، ولهذا يقال لمن سأل اللَّه المغفرة: قد عفى عنه، وهنا قد سمى العبد مصليا، فلو كانت الصلاة هي الرحمة، لكان العبد راحما لمن صلى عليه، وكان يقال رحمه يرحمه، ومن رحم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة رحمه اللَّه- تعالى- بها عشرا، وهذا معلوم البطلان، فإن قيل: ليس معنى صلاة العبد عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمه، إنما معناها طلب الرحمة له من اللَّه- تعالى، قيل هذا غير مسلم لأمرين: أحدهما: أن طلب الرحمة مشروع لكل مسلم، وطلب الصلاة من اللَّه- تعالى- يختص بالأنبياء والرسل عند كثير من الناس كما تقدم. الثاني: أنه لو سمى طالب الرحمة مصليا لسمى طالب المغفرة غافرا، وطالب العفو عافيا، وطالب الصفح صافحا، ونحوه، فإن قيل: فأنتم قد سميتم طالب الصلاة من اللَّه- تعالى- مصليا، قيل: إنما سمى مصليا
لوجود حقيقة الصلاة منه، فإن حقيقتهما الثناء، وإرادة الإكرام والتقريب، وإعلاء المنزلة، وهذا حاصل من صلاة العبد، لكن العبد يريد ذلك من اللَّه- تعالى- واللَّه- سبحانه- يريد ذلك من نفسه أن يفعله برسله. وأما على الوجه الثاني: فإنه سمى مصليا لطلبه ذلك من اللَّه، لأن الصلاة من نوع الكلام الطلبى والخبرى، وقد وجد ذلك من المصلى بخلاف الرحمة، والرحمة أفعال لا تحصل من الطالب وإنما تحصل من المطلوب منه. الوجه العاشر: أنه قد ثبت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: من صلّى على مرة صلى اللَّه بها عشرا، وأن اللَّه تعالى قال: من صلّى عليك من أمتك مرة صليت عليه عشرا. وهذا موافق للقاعدة المستقرة في الشريعة أن الجزاء من جنس العمل، وصلاة اللَّه تعالى على المصلى على رسوله جزاء لصلاته هو عليه، ومعلوم أن صلاة العبد على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم ليست هي رحمة من العبد لتكون صلاة اللَّه من جنسها، وإنما هي ثناء على الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وإرادة من اللَّه- تعالى- أن يعلى ذكره ويزيده تعظيما وتشريفا، والجزاء من [جنس] [ (1) ] العمل، فمن أثنى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جزاه اللَّه- تعالى- من جنس عمله بأن يثنى عليه ويزيد تشريفة وتكريمة، فصح ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له، ومناسبته إياه، كقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من يسر على معسر يسر اللَّه عليه حسابه، ومن ستر مسلما ستره اللَّه في الدنيا والآخرة ومن نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا نفس اللَّه عنه كربه من كرب يوم القيامة، واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل اللَّه له به طريقا إلى الجنة. ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه اللَّه يوم القيامة بلجام من نار، ومن صلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرة، صلى اللَّه عليه عشرا، ونظائره كثيرة. الوجه الحادي عشر: إنّ أحدا قال: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رحمه اللَّه، بدل صلّى اللَّه عليه وسلّم، لبادرت الأمة إلى الإنكار عليه، وعدوه مبتدعا غير موقر للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا
مصل عليه، ولا مثن عليه بما يستحق، ولا يستحق أن يصلى اللَّه عليه بذلك عشرا، ولو كانت الصلاة من اللَّه الرحمة لم يمتنع شيء من ذلك. الوجه الثاني عشر: إن اللَّه- تعالى- قال: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [ (1) ] ، فأمر اللَّه- تعالى- أن لا يدعى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يدعو الناس به بعضهم بعضا من مناداتهم ومخاطباتهم بأسمائهم، بل يقال: يا رسول اللَّه ولا يقال: يا محمد، وما كان يسميه باسمه وقت مخاطبته إلا الكفار فقط: وأما المسلمون فكانوا يخاطبونه برسول اللَّه، وإذا كان هذا في خطابه مواجهة فهكذا يكون في مغيبه، فلا ينبغي أن يجعل ما يدعى له من جنس ما يدعون بعضا لبعض، بل يدعى له بأشرف الدعاء، وهو السلام عليه ومعلوم أن الرحمة يدعى بها لكل مسلم، نعم ولغير الآدمي من الحيوانات كما في الاستسقاء: اللَّهمّ ارحم عبادك، وبلادك، وبهائمك، فلا بد من تشريف يتميز به الرسول في الدعاء، وإلا فيكون قد سوى بهم، وفي عدم تشريفه ما قد علم من مقت اللَّه ونكاله. الوجه الثالث عشر: أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلا، والمعروف عند العرب معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء. قال الشاعر: وإن ذكرت صلّى عليها وزمزما أي برك عليها ومدحها، ولا تعرف العرب قط صلّى عليه بمعنى رحمه، فالواجب حمل اللفظة على معناها المتعارف. قال ابن سيدة: والصلاة والدعاء والاستغفار، وصلاة اللَّه على رسوله رحمته له وحسن ثنائه عليه وصلّى دعا، وفي الحديث من دعي إلى وليمة فليجب وإلا فليصل. قال الأعشى: عليك مثل الّذي صليت فاعتصمي ... يوما فإن لجنب المرء مضجعها
معناه: يأمرها أن تدعو له مثل دعائها أي تعيد الدعاء له، ويردّ عليك مثل الّذي صليت فهو عليها أي عليك مثل صلاتك، أي أسالك من الخير مثل الّذي أردت لي ودعوت به لي. الوجه الرابع عشر: أنه يستحب لكل أحد أن يسأل اللَّه- تعالى- أن يرحمه ولا يسوغ لأحد أن يقول: اللَّهمّ صلّ عليّ، بل الداعي بهذا معتد في دعائه، واللَّه لا يحب المعتدين، خلاف سؤاله الرحمة فإن اللَّه- تعالى- يحب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته، فعلم أنه ليس معناها واحد. الوجه الخامس عشر: أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع فيها الصلاة، كقوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [ (1) ] وقوله: إن رحمتي سبقت غضبى، وقوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [ (2) ] وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [ (3) ] ، وقوله تعالى: إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (4) ] ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّه أرحم بالعباد من الوالدة بولدها، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وقوله: من لا يرحم لا يرحم وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تنزع الرحمة إلا من شقي، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: الشاة إن رحمتها رحمك اللَّه، فمواضع استعمال الرحمة في حق اللَّه- تعالى- وفي حق العباد لا يحسن أن تقع الصلاة في كثير منها، بل في أكثرها فلا يصح تفسير الصلاة بالرحمة، فإن قيل: قد قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (5) ] قال: يباركون عليه. قيل: هذا لا ينافي تفسيرها بالثناء. وإرادة التبريك والتعظيم، فإن التبريك من اللَّه يتضمن ذلك، ولهذا فرق بين الصلاة عليه والتبريك عليه، وقالت الملائكة لإبراهيم
صلّى اللَّه عليه وسلّم: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ [ (1) ] وقال المسيح عليه السلام: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ [ (2) ] ، قال غير واحد من السلف: معناه معلما للخير أينما كنت، وهذا جزء المسمى، فالمبارك الكثير الخير في نفسه، الّذي يحصله لغيره تعليما وأقدارا ونصحا وإرادة واجتهادا، وبهذا يكون العبد مباركا، لأن اللَّه- تعالى- بارك، فيه وجعله كذلك، واللَّه تعالى يبارك لأن البركة منه كلها، فعبده المبارك، وهو المبارك، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [ (3) ] تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (4) ] .
التاسعة والتسعون من خصائصه صلى الله عليه وسلم: مطابقة اسمه لمعناه، الذي هو شيمه وأخلاقه صلى الله عليه وسلم فكان اسمه يدل على مسماه، وكانت خلائقه إنما هي تفصيل جملة اسمه وشرح معناه
التاسعة والتسعون من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مطابقة اسمه لمعناه، الّذي هو شيمه وأخلاقه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان اسمه يدل على مسماه، وكانت خلائقه إنما هي تفصيل جملة اسمه وشرح معناه وذلك أن أشهر أسمائه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد، وهو اسم منقول من الحمد الّذي هو يتضمن الثناء على المحمود، ومحبته، وإجلاله، وتعظيمه، وبنى على زنة مفعّل مثل: معظم ومحبب ومسود ومبجل، فإن هذا البناء موضوع للتكثير، فمحمد هو الّذي كثر حمد الحامدين له مرة بعد أخرى. ويقال: حمد فهو محمد كما يقال: علم فهو معلم، وهذا علم وصفة اجتمع فيه الأمران في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن كان علما محضا في حق كثير ممن سمى به غيره، وهذا شأن أسماء الرب- تعالى- وأسماء كتابه العزيز، وأسماء نبيه الكريم، فإنّها أعلام دالة على معان، هي بها أوصاف فلا تضاد فيها العلمية الوصف، بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين، فهو اللَّه الخالق البارئ المصور القهار، فهذه أسماء له- تعالى- هي دالة على معان، هي صفاته، وكذلك القرآن والفرقان والكتاب المبين، وغير ذلك من أسمائه. وكذلك أسماء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محمد وأحمد والماحي وغيرها من أسمائه، وقد ذكر صلّى اللَّه عليه وسلّم منها عدة وبين ما خصه اللَّه- تعالى- من الفضل، وأشار إلى معانيها كما تقدم ذكره فيما مضى، ولو كانت أسماؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم أعلاما محضا لم تدل على مدح، ولهذا قال حسان بن ثابت- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد فتسميته صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا الاسم اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمود عند اللَّه، محمود عند ملائكته، محمود عند إخوانه من المرسلين، محمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم فإن ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحودا وعنادا، أو جهلا باتصافه، ولو علم باتصافه صلّى اللَّه عليه وسلّم بها لحمده، فإنه يحمد من اتصف بصفات
الكمال ويجهل وجودها فيه، فهو في الحقيقة حامد له صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد اختص صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإنه اسمه محمد، وأحمد، وأمته الحامدون يحمدون اللَّه- تعالى- على السراء والضراء، وصلاته وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخطبته مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد، هذا كان عند اللَّه- تعالى- في اللوح المحفوظ، أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحا بالحمد، وبيده صلّى اللَّه عليه وسلّم لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي اللَّه- تعالى- للشفاعة، ويؤذن له فيها بحمد ربه، بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الّذي يغبطه الأولون والآخرون، وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم، مسلمهم وكافرهم، أولهم وآخرهم، وهو محمود بما ملأ به الأرض من الهدى والإيمان، والعلم النافع، والعمل الصالح، وفتح به القلوب، وكشف به الظلمة عن أهل الأرض واستنقذهم من أسر الشياطين، ومن الشرك والكفر به، حتى نال به أتباعه شرف الدنيا والآخرة، فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنّهم كانوا عباد أوثان، وعباد صلبان، وعباد نيران، وعباد كواكب، ومغضوب عليهم، باءوا بغضب من اللَّه، وحيران لا يعرف ربا يعبده، ولا بماذا يعبده، والناس يأكل بعضهم بعضا، من استحسن شيئا دعا إليه، وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضع قدم مشرقا بنور الرسالة، وقد نظر اللَّه- تعالى- إلى أهل الأرض، عربهم وعجمهم، إلا بقايا على دين صحيح، وأغاث اللَّه به العباد والبلاد، وكشف به تلك الظلم، وأحيا به الخليقة بعد موتها، وهدى به من الضلالة، وعلم به الجهالة، وكثر به من القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فعرف الناس ربهم ومصورهم، غاية مما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدى وأعاد، واختصر وأطنب، في ذكر أسمائه- تعالى- وصفاته، وأفعاله وأحكامه، حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب، كما تنجاب السحاب عن القمر ليله إبداره، ولم يدع صلّى اللَّه عليه وسلّم لأمته حاجة في التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم، وأغناهم عن
كل من تكلم في هذا الباب أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [ (1) ] . فلم يدع صلّى اللَّه عليه وسلّم حسنا إلا أمر به، ولا قبيحا إلا نهى عنه، وعرفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم التعريف، وكشف الأمر وأوضحه، ولم يدع بابا من العلم للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مشكلا إلا بينه وشرحه، حتى هدى اللَّه- تعالى- به القلوب من ضلالها، وشفاها من أسقامها، وأغاثها من جهلها، فأى بشر أحق بأن يحمد منه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [ (2) ] . فإن أتباعه نالوا برسالته كرامة الدنيا والآخرة، وأعداءه الذين حاربوه عجل قتلهم وموتهم، فكان خيرا لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة إذ كتب عليهم الشقاء، فموتهم إذا خير لهم من حياتهم، وطول أعمارهم في الكفر، وعاش المتعاهدون في الدنيا تحت ظله وفي ذمته، وحصل للمنافقين بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وبقاء أموالهم وأهليهم بأيديهم، وجريان أحكام الإسلام عليهم في توارثهم وغيرها. ودفع اللَّه- تعالى- برسالته العذاب العام على أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته، وكان رحمة عمت الجميع وخصت المؤمنين الذين قبلوا هذه الرحمة وانتفعوا بها دنيا وآخرة، وكانت الكفار الذين ردوها ولم يقبلوها كالدواء الّذي فيه دواء للمريض، لكنه لم يستعجله، فلم يخرجه عدم استعمال المريض له عن كونه دواء. ومما يحمد عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما جبله اللَّه- تعالى- عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فمن نظر في أخلافه وشيمه علم أنها خير أخلاق، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أعلم الخلق وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالا وأعظمهم عفوا ومغفرة، فكان لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وكان أرحم الخلق وأرأفهم، وأعظم الخلق نفعا له في دينهم ودنياهم، وأفصح
الخلق وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة، بالألفاظ الوجيزة، الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه وأشدهم تواضعا وأعظمهم إيثارا، وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم، ودفعا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل الخلق لرحمه، يتفجر الخير منه تفجيرا وينطوى على كل خير، ليس في الدنيا محل كان أكثر خيرا من صدره، قد جمع الخير بحذافيره، وأودع فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكان أصدق لهجة بحيث أقر له بذلك أعداؤه المحاربون له، ولم يجرب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة، دع شهادة أوليائه كلهم، فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات ما بين مشركيهم وأهل الكتاب، فما أحد منهم طعن فيه يوما من الدهر بكذبة واحدة، صغيرة ولا كبيرة، وكان سهلا لينا، قريبا من الناس، يجيب دعوة من دعاه، ويقضى حاجة من استقضاه، ويجبر قلب من قصده، ولا يحرمه، ولا يرده خائبا، إذا أراد أصحابه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسه إلا أتم وأحسنها وأكرمها، فكان لا يعبس في وجه، ولا يغلظ له في مقاله، ولا يطوى عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ونحوها، بل يحسن إلى عشيرة غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال، ولا يعاتب أحدا من أصحابه، ولا يلومه، ولا يبادئه بما يكره، مع احتمال الأذى والجفوة، يقول من خالطه في نفسه إنه أحب الناس إليه، من لطفه به، وقربه منه، وبره له، وإقباله عليه، واهتمامه بأمره، ونصيحته له وبذل إحسانه إليه، واحتمال جفوته، فأى عشرة كانت أو تكون أكرم من هذه العشرة، قد خصه اللَّه- تعالى- بصفتين، وهما: الإجلال ... والمحبة. فكان قد ألقى عليه هيبة منه- تعالى- ومحبة، أن كل من يراه يجله ويملأ قلبه إجلالا وتعظيما- وإن كان عدوا له- فإذا خالطه وعاشره، كان أحب إليه من كل مخلوق فهو المبجل المعظم، المكرم المحبوب، ولم يكن بشر
أحب إلى بشر ولا أهيب ولا أجل في صدره من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدور أصحابه. والفرق بين محمد وأحمد: أن محمدا: هو المحمود حمدا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد، كما قد سردنا من ذلك ما تيسر. وأما أحمد فإنه أفعل تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الّذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، كما قد تبين لك. فمحمد زيادة حمده في الكمية، وأحمد زيادة في الكيفية، فيحمد حمدا هو أكثر حمد، وأفضل حمد حمده البشر، وأيضا فمحمد هو المحمود حمدا متكررا، وأما أحمد هو الّذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدل محمد على كونه صلّى اللَّه عليه وسلّم محمودا، ودل أحمد على كونه أحمد الحامدين لربه- تعالى. فقد تبين أن هذين الاسمين الكريمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة، التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا وأحمدا، فهو الّذي استحق أن يحمده أهل الدنيا والآخرة، وأهل السماء وأهل الأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التي تفوت عدد العادين، سمى باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الفصل لكفى به منبها على شرف المصطفى، فكيف لا؟ وقد جمع اللَّه لي في ما لا أعلم أنه اجتمع في تأليف، ولكن اللَّه يمن على من يشاء من عباده.
المائة من خصائصه صلى الله عليه وسلم: وجوب حب أهل بيته
المائة من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وجوب حب أهل بيته روى البخاري [ (1) ] في كتاب قرابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي مناقب الحسن والحسين من طريق شعبة عن واقد بن محمد، سمعت أبي يحدث عن ابن عمر
عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ارقبوا محمدا في أهل بيته. وخرّج الحاكم [ (1) ] من طريق إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا أبى عن حميد بن قيس المكيّ، عن عطاء بن أبى رياح وغيره من أصحاب ابن عباس عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا بنى عبد المطلب إني سألت اللَّه لكم ثلاثا: أن يثبت قائمكم، وأن يهدى ضالكم، وأن يعلم جاهلكم وسألت اللَّه أن يجعلكم نجداء ورحماء، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام، ثم لقي اللَّه- وهو مبغض لأهل بيت محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل النار، قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ومن حديث صالح بن محمد قال: حدثنا يحيى بن معين، حدثنا هشام بن يوسف، حدثني عبد اللَّه بن سليمان النوفلي، عن محمد بن على بن عبد اللَّه بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحبوا اللَّه لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب اللَّه، وأحبوا أهل بيتي، قال: حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . ومن حديث محمد بن فضيل الضبيّ، حدثنا أبان بن تغلب، عن جعفر ابن إياس عن أبى نضرة، عن أبى سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله اللَّه النار. قال: حديث صحيح على شرط مسلم [ (2) ] . ومن حديث مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش بن المعتمر الكتاني قال: سمعت أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو آخذ بثياب الكعبة: من عرفني فأنا من عرفني، ومن أنكرنى فأنا أبو ذر، سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إلا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، قال: حديث صحيح الإسناد [ (3) ] . وخرجه من حديث عبد اللَّه بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن إسحاق، عن حنش بن المعتمر، قال: رأيت أبا ذر وهو آخذ بعضادتي الكعبة، وهو يقول: من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرنى فأنا أبو ذر الغفاريّ، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومثل حطة لبني إسرائيل. ومن حديث إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن علي بن الحسين، قال: حدثني عمى علي بن جعفر، حدثني الحسين بن زيد عن عمر ابن علي عن أبيه على بن الحسين، قال: خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأثنى عليه، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح اللَّه عليه، وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا ستمائة
درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، أنا ابن النبي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن الوصي، وأنا النذير، وأنا ابن الداعي إلى اللَّه بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين كان جبريل- عليه السلام- ينزل علينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين افترض اللَّه مودتهم على كل مسلم، فقال اللَّه- تعالى- لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً [ (1) ] ، فاقتراف الحسنة مودتنا- أهل البيت [ (2) ] . ويروى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- انه قال: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول اللَّه، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما [ (3) ] . قال كاتبه: قد جاء في الحض على حب أهل البيت أحاديث كثيرة: صحاح، وحسان، وضعيفة، وحبهم مما يجب على أهل الإسلام إلا أن الشيعة العلوية سيّما الطائفة الإمامية دخلت عليهم شياطين الجن أولا بحب أهل البيت والمبالغة في حبهم، فرأوا أن ذلك من أسنى القربات، وكذلك هو في نفس الأمر لوقفوا عند هذا الحد الشرعي إلا أنهم تحدّوا من حب أهل البيت إلى طريقين فمنهم من تعدى إلى بغض الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وسبهم وانتقاصهم بشنعاء هم بها أحق من الصحابة وأخروهم عما هو لهم، وتخيلوا أن أهل البيت أولى بالخلافة الدنياوية، وكان منهم من العظائم القبيحة
ما كان، وطائفة زادت في الاعتداء والتعدي، فتركت الصحابة، وقدحت في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي جبريل عليه السّلام وفي اللَّه عز وجل، حيث لم يذعن على مرتبتهم للناس حتى لا يجهلونهم، فكان الأصل في حبهم لأهل البيت صحيحا، ولكن الغلو في ذلك أخرجهم عن الحد، فانعكس أمرهم إلى الضد، وقال: اللَّه تعالى: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [ (1) ] . وقال علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يهلك فىّ رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط، وفي رواية لهلك فىّ رجلان: محب مطري، ومبغض مفترى. وعن حسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ، أنه قال لرجل يغلو فيهم: ويحكم! أحبونا للَّه فإن أطعنا اللَّه فأحبونا وإن عصينا اللَّه فأبغضونا فو اللَّه لو كان اللَّه نافعا أحدا بقرابته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير طاعة اللَّه، لنفع بذلك أباه وأمه، قولوا فينا الحق فإنه أبلغ فيما تريدون ونحن نرضي به منكم. وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد اللَّه بن إبراهيم بن قدمة الجمحيّ، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، قال: قدم المدينة قوم من أهل العراق، فجلسوا إلى فذكروا أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فمسوا منهما، ثم ابتركوا في عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ابتراكا، فقلت لهم: أخبرونى أنتم من المهاجرين الأولين الذين قال اللَّه- تعالى- فيهم: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [ (2) ] ؟ قالوا: لسنا منهم، قلت: فأنتم من الذين قال اللَّه- تعالى- فيهم: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (3) ] ، قالوا:
لسنا منهم، قال: قلت لهم: أما أنتم فقد تبرأتم عن أن تكونوا منهم، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة التي قال اللَّه- عز وجل: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [ (1) ] ، قوموا- لا قرب اللَّه دوركم- فأنتم مستترون بالإسلام ولستم من أهله. وحدثني محمد بن يحيى قال: أخبرنى بعض أصحابنا، قال: قال رجل لعلى بن الحسين: كيف كان منزل أبى بكر وعمر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: منزلهما اليوم. وقيل: لعمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: هل فيكم أهل البيت إنسان مفترضة طاعته؟ فقال: لا. واللَّه ما هذا فينا، من قال هذا، فهو كذاب، وذكرت له الوصية، فقال: واللَّه لمات أبي فما أوصى بحرفين، قاتلهم اللَّه- إن هم إلا يناكلون بنا.
عصمة سائر الأنبياء والملائكة عليهم السلام
عصمة سائر الأنبياء والملائكة عليهم السلام قال ابن سيده: عصمه يعصمه منعه ووقاه [ (1) ] وفي التنزيل: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي لا معصوم إلا المرحوم. والاسم: العصمة.
قلت: المراد بالعصمة هنا منع الأنبياء عليهم السلام من المعاصي، وقد اتفقت الأمة على أن الأنبياء معصومون من الكفر، إلا الفضيلية من الخوارج فإنّهم يجوزون صدور الذنب عنهم، وهو كفر عندهم وجوزت الروافض عليهم إظهار كلمة الكفر على سبيل التقية وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم التحريف والخيانة في تبليغ الشرائع والأحكام عن اللَّه- تعالى- لا عمدا ولا سهوا وإلا لم يوثق بشيء من الشرائع، وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم تعمدا الخطأ في الفتوى فأما على سبيل السهو فقدا اختلفوا فيه، وأما ما يتعلق بأحوالهم وأفعالهم فقد اختلف فيه على خمسة مذاهب: الأول: قالت: الحشوية يجوز عليهم الإقدام على الكبائر والصغائر. الثاني: قال: أكثر المعتزلة لا يجوز تعمد الكبيرة ويجوز تعمد الصغيرة إن لم يكن منفرا، فإن كان منفرا فلا يجوز عليهم كالتضعيف دون الحية. الثالث: قال: لا يجوز عليهم تعمد الكبيرة ولا الصغيرة ولكن يجوز على سبيل الخطأ. الرابع: لا يجوز عليهم صغيرة ولا كبيرة، ولا عمدا ولا بالتقويل الخطأ. الخامس: قالت: الروافض لا يجوز ذلك لا عمدا ولا تقويلا، ولا سهوا ولا نسيانا. ثم هذه العصمة عند الأكثرين لم تجب إلا في زمان النبوة، وعند غير الروافض تجب من أول العمر، وذهب أبو محمد علي بن حزم إلى أن الملائكة لا تعصي البتة بوجه من الوجوه لا بعمد، ولا بخطإ ولا بسهو، ولا كبيرة، ولا صغيرة، وأن الأنبياء لا يعصون البتة بعمد لا صغيرة، ولا كبيرة، وربما كان منهم الشيء- على سبيل السهو وعلى سبيل إرادة الخير- فلا يوافقون مراد اللَّه- تعالى إلا أنهم لا يقارهم اللَّه على ذلك بل نبهم وربما عاقبهم على ذلك في الدنيا بالكلام، وربما ببعض المكروه في الدنيا كالذي أصاب يونس عليه السلام. وهم- عليهم السلام- بخلافنا في هذا فإننا غير مؤاخذين بما سهونا فيه، ولا بما قصدنا به وجه اللَّه- تعالى، بل نحن مأجورون على هذا الوجه،
وقد أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن اللَّه- تعالى- قرن بكل أحد شيطانا وأن اللَّه- تعالى- أعانه على شيطانه فأسلم، فلا يأمره إلا بخير، والملائكة برآء من هذا الا أنهم مخلوقون من نور لا من أمشاج، والنور لا كدر فيه ولا مزاح بل هو ظاهر سليم، وبهذا نقول. وقال: سيف الدين الآمدي اختلف في السهو، فذهب الأسفرايني وكثير إلى امتناعه، وذهب أبو بكر الباقلاني إلى جوازه، وأما الإمام فخر الدين فادعى في بعض كتبه الإجماع على امتناعة، وفي بعضهما نقل الخلاف، وحاصل الخلاف راجع إلى أن ذلك هل هو داخل تحت دلالة المعجزة على التصديق أم لا؟ فمن جعله غير داخل جوّزه، وفي كلام إمام الحرمين إشارة إلى ذلك فيما يختلف ببيان الشرائع بسواء كان قولا أو فعلا، وميله إلى الجواز، واحتج بقصة ذي اليدين. وقال أبو العالي بن الزملكاني: الّذي يظهر أن ما طريقته التبليغ فيه ما يقطع بدخوله تحت دلالة المعجزة على الصدق، فهذا لا نزاع في أنه لا يجوز فيه التحريف، ولا الخيانة، ولا الكذب، ولا السهو، وما لا يكون كذلك وهو مما طريقه التبليغ والبيان للشرائع هو محل الخلاف، ويحتمل كلام فخر الدين حين نقل الإجماع على القسم الأول، ويحمل كلامه وكلام الآمدي حين نقلا الخلاف على الثاني. ونقل القاضي عياض الإجماع على عدم جواز السهو والنسيان في الأقوال البلاغية، وخص الخلاف بالأفعال. قلت: هذا تفصيل اختلاف الأمة في مسألة العصمة على الجملة، وحجج المحققين وشبه المبطلين في هذه المسألة كثيرة جدا. وقال القاضي عياض: اعلم أن الطوارئ من التغييرات والآفات على آحاد البشر لا تخلوا أن تطرأ على جسمه، أو على حواسه، بغير قصد واختيار، كالأمراض والأسقام أو تطرأ بقصد واختيار، وكله في الحقيقة عمل وفعل ولكن جرى رسم المشايخ لتفصيله إلى ثلاثة أنواع: عقد بالقلب ... وقول باللسان.. وعمل بالجوارح..
وجميع البشر تطرأ عليهم الآفات والتغيرات بالاختيار وبغير الاختيار في هذه الوجوه كلها، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإن كان من البشر ويجوز على جبلته ما يجوز على جبلة البشر، فقد قامت البراهين القاطعة، وتمت كلمة الإجماع على خروجه عنهم، وتنزيهه من كثير من الآفات التي تقع على الاختيار، وعلى غير الاختيار، كما سنبينه إن شاء اللَّه- تعالى. قال: وقد ذكر حكم عقد قلبه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ما تعلق منه بطريق التوحيد والعلم باللَّه وصفاته والإيمان به، وبما أوحى به فعلى غاية المعرفة، ورسوخ العلم، واليقين والانتفاء عن الجهل بشيء من ذلك، أو الشك، أو الريب فيه، والعصمة من كل ما يضاد المعرفة بذلك واليقين، هذا ما وقع إجماع المسلمين عليه، ولا يصح بالبراهين الواضحات أن يكون في عقول الأنبياء سواه، ولا يعترض على هذا بقول إبراهيم عليه السّلام: قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ (1) ] إذا لم يشك إبراهيم في إخبار اللَّه- تعالى- بإحياء الموتى، ولكن أراد طمأنينة القلب، وترك المنازعة، ومشاهدة الإحياء، فحصل له العلم الأول بوقوعه، وأراد العلم الثاني بكيفيته ومشاهدته. الوجه الثاني: أن إبراهيم- عليه السلام- إنما أراد اختيار منزلته عند ربه- تعالى- وعلم إجابته دعوته بسؤال ذلك من ربه، ويكون قوله: أو لم تؤمن أي تصدق بمنزلتك منى وخلتك واصطفائك؟ الوجه الثالث: أنه سأل زيادة يقين وقوة طمأنينة وإن لم يكن في الأول شك إذا العلوم الضرورية والنظرية قد تتفاضل في قوتها وطرئان الشكوك على الضروريات ممتنع، ومجوز في النظريات، فأراد الانتقال من النظر والخبر إلى المشاهدة، والترقي من علم اليقين إلى عين اليقين، فليس الخبر كالمعانية، ولهذا قال: سهل بن عبد اللَّه: سال كشف غطاء العيان، ليزداد بنور اليقين تمكنا في حاله.
الوجه الرابع: أنه لما احتج على المشركين بأن ربه يحيى ويميت، طلب ذلك من ربه، ليصح احتجاجه عيانا. الوجه الخامس: قول بعضهم هو سؤال عن طريق المراد: أقدرني على إحياء الموتى، قوله لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ (1) ] عن هذه الأمنية. الوجه السادس: أنه أرى من نفسه الشك- وما شك- لكن ليجاوب فيزاد قربه. وقول نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم: نحن أحق بالشك من إبراهيم نفى لأن يكون إبراهيم شك وإبعاد للخواطر الضعيفة أن نظن هذا بإبراهيم، أي نحن موقنون بالبعث وإحياء اللَّه الموتى، فلو شك إبراهيم لكنا أولى بالشك منه، إما على طريق الأدب، أو أن يريد منه الذين يجوز عليهم الشك أو على طريق التواضع والإشفاق إن حملت قصة إبراهيم على اختيار حاله أو زيادة بقينه. وقال أبو محمد بن حزم: وكذلك قوله عليه السّلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [ (2) ] ، ولم يقره ربنا- تعالى- وهو يشك في إيمان إبراهيم خليله تعالى اللَّه عن هذا ولكن تقريرا للإيمان في قلبه، وإن لم ير كيف إحياء الموتى، فأخبر عليه السّلام عن نفسه أنه مؤمن مصدق وأنه إنما أراد أن يرى الكيفية فقط، ويعتبر بذلك، وما شك إبراهيم قط في أن اللَّه يحيي الموتى، وإنما أراد أن يرى الهيئة، كما أنا لا نشك في صحة وجود الفيل، والتمساح، وزيادة النهر، والخليفة، ثم يرغب من لم ير ذلك منا أن يراه، لا شكا في أنه حق، ولكن ليرى العجب الّذي تتمثله نفسه، ولم تقع عليه حاسة بصره فقط، وأما ما روى من قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نحن أحق بالشك من إبراهيم قال كاتبه: فإنه حديث صحيح.
خرّجه البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من طريق ابن وهب. قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. ويرحم اللَّه لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف. وقال: البخاري ما لبث يوسف لأجبت الداعي، وله عندهما طرق.
وقال ابن حزم: فمن ظن أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شك قط في قدرة ربه- تعالى- فقد كفر، وهذا الحديث حجة لنا، ونفى الشك عن إبراهيم أو لو كان هذا الكلام من إبراهيم شكا، لكان من لم يشاهد من القدرة ما شاهده إبراهيم ليس شاكا، فإبراهيم أبعد من الشك، ومن نسب هاهنا إلى الخليل الشك فقد نسب إليه الكفر، ومن كفّر نبيا فهو كافر، وأيضا فلو كان ذلك شكا من إبراهيم، كذا نحن أحقّ بالشك منه، فنحن إذا شكاك أو جاحدون كفار، وهذا كلام نعلم وللَّه الحمد بطلانه من أنفسنا، ونحن وللَّه الحمد مؤمنون مصدقون باللَّه وقدرته على كل شيء يسأل عنه. قال كاتبه- والّذي أثار هذا ما حكاه محمد بن جرير الطبري، عن ابن جرير، قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى. قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ليريه. ثم احتج الطبري بقوله: نحن أحق بالشك من إبراهيم. قال الطوفي: وليس هذا بشيء، إذ برهان القدرة واضح فكيف مثله على إبراهيم عليه السّلام مع استخراجه حدوث العالم، وقدم الصانع بلطف النظر من أقوال الكواكب والشمس والقمر. وقد أورده بعضهم أن قول إبراهيم: بلى أنه آمن أي بلى، آمنت، وقوله: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، يقتضي أن قلبه لم يطمئن إلى الآن، لكن الإيمان يلزمه الطمأنينة، وحينئذ يصير كأنه قال: آمنت ما آمنت أو اطمأن قلبي ولم يطمئن، وهو تناقض. وأجيب بأن معناه بلى آمنت بالقدرة ولكن ليطمئن قلبي، وكان قد جعل إظهاره على إحياء الموتى علامة على اتخاذه خليلا وعلى هذا فلا تناقض، وهذا كان قريبا ممكنا غير أن المختار غيره، وهو أن الإيمان يستند إلى العلم، والعلم له مراتب: علم اليقين: وهو ما حصل عن النظر والاستدلال. عين اليقين: وهو ما حصل عن شهادة ويقين عيان.
حق اليقين: وهو ما حصل عن العيان مع المباشرة. فالأول: كمن علم بالعادة أن في البحر ماء. والثاني: كمن مشى حتى وقف على ساحله وعاينه. والثالث: كمن خاض فيه واغتسل وشرب منه، وإذا عرفت فإيمان إبراهيم- عليه السلام- بالقدرة على إحياء الموتى قبل أن يراه كان علم يقين نظري، فأراد أن يطمئن قلبه بالإيمان بذلك عن عين اليقين وحق اليقين، فلذلك قيل له: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ [ (1) ] إلى آخره، أي باشر هذا الأمر ليحصل عين اليقين عيانا. وحق اليقين مباشرة. وفي الحديث: ليس الخبر كالعيان، أن موسى بلغه أن قومه قد فتنوا فلم يتغير، فلما رآهم عاكفين على العجل أخذ برأس أخيه يجره إليه، وفي هذا المعنى قيل: ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الكليم وحينئذ يكون معنى الكلام: بل آمنت عن نظر واستدلال، ولكن أريد طمأنينة القلب بنظر العيان. قال كاتبه: وهذا الّذي قاله الطوفي يتضمنه كلام القاضي عياض، ولكن باختصار، وقال: وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله تعالى: قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ (2) ] ، قال: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك. وقال ابن خزيمة: سمعت المزني يقول- وذكر هذا الحديث: نحن أحق بالشك من إبراهيم، قال المزني: إنما شك إبراهيم أن يجيبه اللَّه إلى ما سأل أم لا. وقال أبو عوانة الأسفرايينى: سمعت أبا حاتم الرازيّ يقول: يعنى نحن أحق بالمسألة، وسمعت القاضي إسماعيل يقول: كان يعلم بقلبه أن اللَّه يحيى الموتى، ولكن أحب أن يرى معاينة، وعن سعيد بن جبير وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
قال: ليزداد إيمانا، وفي رواية: لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قال: بالخلة، وعن ابن المبارك قال: اعلم أنك اتخذتني خليلا، وقال القاضي عياض: فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ* وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ [ (1) ] . فاحذر- ثبت اللَّه قلبك- أن يخطر ببالك، كما ذكره بعض المفسرين عن ابن عباس أو غيره من إثبات شك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما أوحى إليه وأنه من البشر فمثل هذا لا يجوز عليه جملة، بل قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لم يشك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يسأل، ونحوه عن ابن جبير والحسن، وحكى قتادة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ما أشك ولا أسأل، وعامة المفسرين على هذا، واختلفوا في معنى الآية فقيل: المراد قل يا محمد للشاك إن كنت في شك ... ، الآية قالوا: وفي السورة نفسها ما دل على هذا التأويل قوله: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (2) ] . وقيل: المراد بالخطاب العرب وغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، كما قال لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [ (3) ] ، الخطاب له والمراد غيره ومثله فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ [ (4) ] ، ونظيره كثير. قال بكر بن العلاء: ألا تراه يقول وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ [ (5) ] ، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم كان المكذّب فيما يدعو إليه؟ فكيف يكون ممن كذب به؟ فهذا كله يدل على أن المراد بالخطاب غيره.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً [ (1) ] ، المأمور هاهنا غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ليسأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هو الخبير المسئول لا المستخبر السائل، وقال: إن هذا الّذي أمر غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بسؤال الذين يقرءون الكتاب إنما فيما قصد من إخبار الاسم لا فيما دعا إليه من التوحيد والشريعة. ومثل هذا قوله تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا [ (2) ] ، المراد به المشركون والخطاب موجه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال العتبي: وقيل: معناه سلنا عمن أرسلنا من قبلك، فخذ الخافض، وتم الكلام ثم ابتدأ أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [ (3) ] على طريق الإنكار أي ما جعلنا، حكاه مكي، وقيل: أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يسأل الأنبياء ليلة الإسراء عن ذلك، فكان أشد يقينا أن يحتاج إلى السؤال، ويروى أنه قال: لا أسأل قد اكتفيت، قاله: ابن زيد، وقيل: سل أمم من أرسلنا: هل جاءوهم بغير التوحيد؟ وهو معنى قول مجاهد والسدي والضحاك وقتادة. والمراد هنا بهذا والّذي قبله إعلامه صلّى اللَّه عليه وسلّم بما بعث به الرسل، وأنه- تعالى- لم يأذن في عبادة غيره لأحد، ردا على مشركي العرب وغيرهم في قولهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [ (4) ] ، وكذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (5) ] ، أي في علمهم بأنك رسول اللَّه وإن لم يقروا بذلك، وليس المراد به شكه فيما ذكر في أول الآية. وقد يكون أيضا على مثل ما تقدم، أي قل لمن امترى يا محمد في ذلك لا تكونن من الممترين بدليل قوله تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً [ (6) ] ، وأن
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخاطب به غيره. وقيل: هو تقدير كقوله: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ (1) ] ، وقد علم أنه لم يقل. وقيل: معناه ما كنت في شك فاسأل، تزدد طمأنينة وعلما إلى علمك ويقينك، وقيل: إن كنت تشك فيما شرفناك وفضلناك به، فسلهم عن صفتك في الكتب ونشر فضائلك، وحكي عن أبي عبيدة: أن المراد إن كنت في شك من غيرك مما أنزلنا. قال كاتبه: وذهب محمد بن جرير إلى أن معناه: كقول القائل: إن كنت ابني فبرني، وهو لا يشك في أنه ابنه، وإن ذلك من كلام العرب صحيح فيهم. ومنه قوله تعالى: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ [ (2) ] ، وقد علم- تعالى- أن عيسى لم يقل ذلك فهذا من ذلك لم، يكن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شاكا في حقيقية خبر اللَّه- تعالى- وصحته، واللَّه- تعالى- بذلك من أمره كان عالما، ولكنه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضا إذ كان القرآن بلسانهم نزل: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (3) ] ، خبر من اللَّه- تعالى- مبتدأ بقوله تعالى: أقسم لقد جاء الحق اليقين من الخبر بأنك لك رسول اللَّه وأن هؤلاء اليهود والنصارى يعلمون صحة ذلك ويجدون بعثك عندهم في كتبهم: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (4) ] يقول: فلا تكونن من الشاكين في صحة ذلك وحقيقته. وقال الحافظ أبو محمد بن حزم: وذكروا قول اللَّه تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ، وهذا إنما عهدناه يعترض به الكفار، وأما المؤمن فما ظن قط بنبي أنه يشك فيما يدعو الناس وهذا غاية الوسواس، نعود باللَّه من الخذلان، ولنا في هذه الآية رسالة مشهورة، وجملة حل هذا الشك أنّ (إن) هنا
بمعنى (ما) وإنما هي وجحد بمعنى، وما كنت في شك وأمره أن يسأل أهل الكتاب تقريرا لهم على أنهم يجدونه حقا في التوراة والإنجيل، وقال القرطبي: وقيل: الشك ضيق الصدر، أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء، فاصبر وسل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك بصبر الأنبياء قبلك على أذى قومهم، وكيف كانت عاقبة أمرهم، فالشك في اللغة أصله الضيق يقال: شك الثوب أي ضمه بخلال حتى يصير كالوعاء، وكذلك السفرة تمتد علائقها حتى تقبض، فالشك يقبض الصدور ويغمها حتى تضيق. وقال الطوفى: قد يتوهم من ظاهرها أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم اعترضه شك في بعض الأوقات فيما أنزل إليه- كما توهمه بعض النصارى- فأورده متعلقا به، وليس كذلك في أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم معصوم من الشك والارتياب لقوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [ (1) ] ، وإنما وجه الآية: صرف الخطاب إلى من يجوز عليه الشك من أتباعه وأخصامه: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ [ (2) ] ، فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ (3) ] ، فإن لم يكن بد من صرف الكلام إليه على ظاهر اللفظ فمعناه على تقدير إن تشك فاسأل وإن كان ذلك التقدير لا يقع نحو: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [ (4) ] ، أي لو قدر آلهة أخرى لزم الفساد، لكن ذلك التقدير ممتنع. وقال القاضي عياض: فإن قيل فيما معنى قوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا [ (5) ]- على قراءة التخفيف؟ قلنا: المعنى في ذلك، ما قالته عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- معاذ اللَّه أن تظن الرسل بربها، وإنما معنى ذلك أن الرسل لما استيأسوا ظنوا أن من وعدهم النصر من أتباعهم كذبوهم وعلى هذا أكثر المفسرون.
قال كاتبه: قول عائشة هذا خرجه البخاري من حديث إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة قالت- وهو يسألها عن قول اللَّه- عز وجل: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ [ (1) ] ، قال: قلت: أكذبوا أم كذبوا؟ قالت عائشة: كذبوا. قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فيما هو الظن؟ قالت: أجل لعمري لقد استيقنوا ذلك فقلت لها: وظنوا أنهم قد كذبوا، قالت: معاذ اللَّه لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم كذبوهم، جاء نصر اللَّه عند ذلك. وخرجه من حديث شعيب عن الزهري، أخبرني عروة، فقلت: لعلها كذبوا، قالت: معاذ اللَّه بنحوه [ (2) ] . ذكرهما في تفسير سورة يوسف. وخرجه في كتاب الأنبياء أيضا من حديث الليث، عن عقيل عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة أنه سأل عائشة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. أرأيت قول اللَّه عز وجل حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أو كذبوا؟ قالت: بل كذبهم قومهم، قلت: واللَّه لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن، فقالت: يا عرية لقد استيقنوا بذلك، فقلت: فلعلها كذبوا قالت: معاذ اللَّه لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ فقالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأست الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعهم كذبوهم جاءهم نصر اللَّه، قال أبو عبد اللَّه استيأسوا: استفعلوا من يئست [ (3) ] .
وخرّجه في تفسير سورة البقرة [ (1) ] ، من حديث هشام، عن ابن جريج: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا خفيفة، قال: ذهب بها هنالك وتلا: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ، فلقيت عروة بن الزبير، فذكرت ذلك له فقال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: معاذ اللَّه! واللَّه ما وعد اللَّه رسوله من شيء إلا علم أنه كائن قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن من معهم يكذبونهم، وكانت تقرأها: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا مثقلة. قال القاضي عياض: وقيل: إن الضمير في ظنوا عائد على الأتباع والأمم لا الأنبياء والرسل وهو قول ابن عباس والنخعي وابن جبير وجماعة من العلماء. وبهذا المعنى قرأ مجاهد كذبوا بالفتح فلا تشغل بالك من شاذ التفسير الواهي مما لا يليق بمنصب العلماء، فكيف بالأنبياء عليهم السلام؟ وقال ابن حزم: وذكروا قول اللَّه- تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بتخفيف الذال- وليس هذا على ما ظنه من جهل أمر اللَّه- تعالى- وإنما هو أنهم ظنوا بمن وعدهم النصر من قومهم أنهم كذبوهم في وعدهم، ومن المحال أن يظن من له أدنى فهم من الناس أن ربه- تعالى- يكذبه، هذا ما لا يظنه ذو عقل البتة، فكيف صفوة اللَّه في أرضه من خلقه؟ وإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ على المصيبة، هؤلاء الذين يجيزون على الأنبياء مثل هذا الكفر، ونعوذ باللَّه من الخذلان. قال كاتبه تحذير القاضي عياض وابن حزم من قبله إنما هو مما ذكره الطوفي، فإنه وإن كان بعدهما بدهر حكى كلام من في عقده وهن، ومال إليه، قال: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بالتشديد، أي كذبهم قومهم فلا يتابعهم أحد جاءهم نصرنا بإمالة اللَّه قلوب الناس إليهم، وكذبوا
بالتخفيف، أي أخلفهم اللَّه وعده في النصر، وأنهم ليسوا على شيء جاءَهُمْ نَصْرُنا، بإنجائهم ومن أتبعهم وإهلاك الكافرين. وقد أنكرت عائشة هذا التأويل، تنزيها للأنبياء- عليهم السلام- من الشك في أمرهم، واختارت الوجه الأول أو نحوه، وليس ما أنكرته بالمنكر، إذ الإنسان يطرأ عليه خوف، أو حزن، أو مرض، أو هم، أو غم، أو أحوال، يقول ويظن فيها أقوالا وظنونا، هو فيها معذور لغلبة ذلك الحال. ألا ترى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، لما تراخى عنه الوحي في مبادئ أمره، خرج ليتردى من شواهق الجبال وجدا لانقطاع الوحي، والرسل- عليهم السلام- يوم القيامة، يقال لهم: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا علم لنا ينسون أو يدهشون، لغلبة تلك الحال عليهم، ثم يتذكرون فيشهدون بما علموا فكذا ظن الرسل هنا أنهم قد كذبوا، هو من هذا الباب، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. قال كاتبه: هذه- لعمري- وهلة من وهلات الطوفي، إذ سوى الرسل بسائر البشر في غلبة الحال عليهم حتى باللَّه يظنوا السوء، وقد عصمهم اللَّه من ذلك، ومما دونه أيضا. قال القاضي عياض: وكذلك ما ورد في حديث السيرة ومبتدأ الوحي من قوله لخديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: لقد خشيت على نفسي، ليس معناه الشك فيما أتاه اللَّه بعد رؤية الملك، ولكن لعله يخشى أن لا تتحمل قوته مقاومة الملك، وأعباء الوحي لينخلع قلبه أو تزهق نفسه، هذا على ما ورد في الصحيح أنه قال بعد لقاء الملك أو يكون ذلك قبل لقياه الملك وإعلام اللَّه- تعالى- بالنّبوّة لأول ما عرضت عليه من العجائب، وسلّم عليه الحجر والشجر، وبدأته المنامات والتباشير، كما ورد في بعض طرق هذا الحديث، أن ذلك كان أولا في المنام ثم أرى في اليقظة مثله، تأنيا له صلّى اللَّه عليه وسلّم لئلا يفجأه الأمر مشاهدة ومشافهة، فلا تتحمله لأول حاله بنيته البشرية. وفي الصحيح عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: أول ما بدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصادقة، قالت: ثم حبب إليه الخلاء، وقالت: إلى أن جاءه الحق، وهو في غار حراء، الحديث- وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة خمس عشرة سنة
يسمع الصوت، ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا وثمان سنين قبل أن يوحى إليه. وقد روى ابن إسحاق، عن بعضهم: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وذكر جواره بغار حراء قال: فجاءني، وأنا نائم، فقال: اقرأ، قلت: وما أقرأ وذكر نحو حديث عائشة وإقرائه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [ (1) ] السورة. قال: فانصرف عني وهببت من نومي، كأنها صورت في قلبي، ولم يكن أبغض إلى من شاعر أو مجنون قلت: لا تحدث عنى قريش بهذا أبدا إلا عمدت إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنّها فبينا أنا عامد لذلك إذ سمعت مناديا ينادي من السماء: محمد أنت رسول اللَّه وأنا جبريل، فرفعت رأسي فإذا جبريل- عليه السلام- على صورة رجل، وذكر الحديث. فقد بين في هذا أن قوله: لما قال وقصده ما قصد إنما كان قبل لقاء جبريل، وقيل إعلام اللَّه له بالنّبوّة وإظهاره واصطفاءه له بالرسالة. ومثله حديث عمرو بن شرحبيل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخديجة: إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، وقد خشيت أن يكون هذا الأمر، ومن حديث حماد بن سلمة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: الحديث إني لأسمع صوتا، وأرى ضوءا، وأخشى أن يكون بي جنون، وكل هذا يتأول لو صح قوله في بعض الأحاديث: أن الأبعد شاعر أو مجنون، وألفاظا يفهم منها معاني الشك في تصحيح ما رآه كله في ابتداء أمره، وقبل لقاء الملك له، وإعلام اللَّه له أنه رسوله، فكيف وبعض هذه الألفاظ لا يصح طرقها؟ وأما بعد إعلام اللَّه- تعالى- ولقاء الملك، فلا يصح فيه ريب، ولا يجوز عليه شك فيما ألقى. وقد روى ابن إسحاق عن شيوخه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يرقى بمكة من العين قبل أن ينزل عليه، فلما نزل عليه القرآن أصابه نحو ما كان يصيبه، فقالت له خديجة: أوجه إليك من يرقيك؟ قال: أما الآن فلا، وحديث خديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وإخبارها أمر جبريل بكشف رأسها ... الحديث، إنما ذلك في حق خديجة، لتتحقق صحة نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأن
الّذي يأتيه ملك، ويزول الشك عنها، لا أنها فعلت ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وليختبر هو حاله بذلك. بل قد روى في حديث عبد اللَّه بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن ورقة أمر خديجة أن تخبر الأمر بذلك. وفي حديث إسماعيل بن أبي الحكم أنها قالت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بن عم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ قال: نعم: فلما جاء جبريل- عليه السلام- أخبرها، فقالت له: اجلس إلى شقي، وذكر الحديث إلى آخره، وفيه قالت: ما هذا بشيطان هذا الملك يا بن عم فاثبت وأبشر وآمنت به، فهذا يدل على أنها مستثبتة بما فعلته لنفسها ومستظهره لإيمانها لا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقول معمر: ثم فتر الوحي، فحزن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حزنا غدا منه مرار كي ينزو من شواهق الجبال، لا يقدح في هذا الأصل، لقول معمر عنه فيما بلغنا ولم يسنده، ولا ذكر رواته، ولا من حدث به، ولا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قاله، ولا يعرف هذا إلا من جهة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مع أنه قد يحمل على أنه كان أول الأمر كما ذكرناه، أو أنه فعل ذلك لما خرجه من تكذيب من بلغه كما قال تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ [ (1) ] . ويصحح معنى هذا التأويل حديث شريك، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد اللَّه، أن المشركين لما اجتمعوا بدار الندوة للتشاور في أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، واتفق رأيهم على أن يقولوا: ساحر اشتدّ ذلك عليه، وتزمل في ثيابه وتدثر فيها، فأتاه جبريل فقال: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (2) ] يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ (3) ] ، أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب منه، وخشي أن تكون عقوبة من ربه، ففعل ذلك بنفسه، ولم يرد بعد شرع بالنهي عن ذلك فيعترض به.
ونحوها فرار يونس- عليه السّلام- خشية تكذيب قومه له لما وعدهم به من العذاب، وقول اللَّه- تعالى- في يونس: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى [ (1) ] معناه أن نضيق عليه مسلكه في خروجه، وقيل: حسن ظنه بمولاه أنه لا يقتضي عليه العقوبة، وقيل: يقدر عليه ما أصابه، وقد قرئ نَقْدِرَ عَلَيْهِ بالتشديد. وقيل: نؤاخذه بغضبه، وقال ابن زيد: معناه أفظن أن لن نقدر عليه؟ على الاستفهام؟ ولا يليق أن يظن بنبي أن يجهل بصفة من صفات ربه، وكذلك قوله تعالى: إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً [ (2) ] ، لقومه لكفرهم، وهو قول ابن عباس، والضحاك، وغيرهم، ولا لربه، إذ مغاضبة اللَّه معاداة له، ومعاداة اللَّه كفر لا يليق بالمؤمنين، فكيف بالأنبياء- عليهم السلام- وقيل: مستحييا من قومه أن يسموه بالكذب، أو يقتلونه كما ورد في الخبر. وقيل: مغاضبا لبعض الملوك فيما أمره به، من التوجه إلى أمر ربه الّذي أمره به على لسان نبي آخر، فقال له يونس غيري أقوى عليه مني فعزم عليه فخرج لذلك مغاضبا. وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن إرسال يونس رسوله إنما بعد أن الحوت، واستدلت الآية بقوله: فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ* وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ* وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [ (3) ] ، ثم قال: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (4) ] ، فتكون هذه العصمة إذا قبل نسوته. وقال أبو محمد بن حزم: فان ذكروا أمر يونس- عليه السّلام- بقوله- تعالى- عنه: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [ (5) ] ، وقوله- تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
[ (1) ] ، وقوله تعالى لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ* لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ [ (2) ] ، وقوله- تعالى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [ (3) ] ، وقوله تعالى: فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [ (4) ] ، قالوا: ولا ذنب أعظم من المغاضبة للَّه- تعالى، ومن ذنب من ظن أن لن يقدر عليه اللَّه، وقد أخبر- تعالى، أنه استحق الذم لولا أن تداركه نعمة من عنده وأنه استحق الملاومة، وأنه أقر على نفسه أنه كان من الظالمين، ونهى اللَّه تعالى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكون مثله، وهذا كله لا حجه لهم فيه بل هو حجه لنا على صحة قولنا. أما إخبار اللَّه- تعالى- أنه ذهب مغاضبا فلم يغاضب ربه قط، ولا أخبر- تعالى- أنه غاضب ربه، والزيادة في القرآن لا تحل فإذ لا شك في شك ولا يجوز أن يظن من له أدنى مسكة من عقل أنه يغاضب اللَّه- تعالى: فكيف بنبيّ من الأنبياء؟ فعلمنا يقينا أنه إنما غاضب قومه ولم يكن ذلك مرادا للَّه تعالى فعوقب لذلك وإن كان لم يقصد بذلك إلا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وأما قوله تعالى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ فليس على تأولوه من الظن السخيف الّذي لا يظن مثله بضعفة من ضعائف النساء أو ضعفاء الرجال، فكيف بنبي من الأنبياء؟ ومن أبعد المحال أن يكون نبي يظن أن ربه عاجز عنه، وهو يرى أن آدميا مثله يقدر عليه، ولا شك أن من ينسب هذا النوك إلى النبي الفاضل فإنه يشتد غضبه، لو نسب ذلك إليه أو إلى ابنه، فإذا قد بطل ظنهم السخيف، فباليقين نعلم أن معنى: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، إما معناه فظن
أن لن نضيق عليه، كما قال تعالى: وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [ (1) ] ، فظن يونس- عليه السلام- أن اللَّه- تعالى- لا يعاقبه على ذلك الفعل من المغاضبة لقومه، إذ ظن أنه محسن في ذلك. وأما نهى اللَّه- تعالى- لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكون كصاحب الحوت، فنعم نهاه عن مغاضبة قومه، وأمره- تعالى- بالصبر على أذاهم بالمطاولة لهم، فأما قول اللَّه- تعالى- أنه استحق الذم والملامة وأنه لولا النعمة التي تداركه بها للبث معاقبا في بطن الحوت، فهذا يقين ما قلناه عن الأنبياء- عليهم السلام- يؤاخذون في الدنيا على ما فعلوه مما يظنونه خيرا وقربة إلى اللَّه- تعالى- إذ لم يوافق ذلك مراد ربهم، وعلى هذا أقر على نفسه أنه كان من الظالمين، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، فلما وضع المغاضبة في غير موضعها، اعترف في ذلك بالظلم على أنه قصده، وهو يرى أنه ظلم. وقال الطوفي: لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، قد علم أن لولا يقتضي امتناع شيء لوجود غيره، والّذي امتنع هاهنا لوجود النعمة هو نبذه بالعراء مذموما، لا مجرد نبذه بالعراء وهو الصحراء لأنه قد وجد بديل، فنبذناه بالعراء وهو سقيم فدل على النبذ بالعراء مجردا عن صفة الذم بديل: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ومن يكن مجتبى صالحا لا يكون مذموما، وسقط بهذا اللعن على يونس- عليه السلام. وقال يونس، عن ابن عبد الحق، عن ربيعة بن عبد الرحمن، قال: سمعت وهب بن منبه، وهو في مسجدنا، وذكر له يونس النبي- عليه السّلام- فقال: كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوة، ولها أثقال، فلما جعلت عليه تفسح تحتها نفسخ الربع تحت الحمل الثقيل، فألقاها عنه، وخرج هاربا. قال القاضي عياض: فإن قيل: فما معنى قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه ليغان على قلبي فاستغفر اللَّه- تعالى- كل يوم مائة مرة ؟ ومن طريق: في اليوم أكثر من سبعين مرة فاحذر أن يقع ببالك أن يكون هذا الغين وسوسة أو ريبا وقع في
قلبه صلّى اللَّه عليه وسلّم بل أصل الغين في هذا ما يتغشى القلب ويغطيه، قال أبو عبيد: وأصله من غين السماء، هو إطباق الغيم عليها، وقاله غيره. والغين شيء يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية كالغيم الرقيق الّذي يعرض في الهواء فلا يمنع ضوء الشمس، وكذلك لا يفهم من الحديث أنه يغان على قلبه مائة مرة أو أكثر من سبعين في اليوم، إذا ليس يقتضيه لفظه الّذي ذكرناه، وهو أكثر الروايات، وإنما هذا عدد للاستغفار، لا للغين، فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه، وفترات نفسه، وسهرها عن مداومة الذكر، ومشاهدة الحق، مما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم دفع إليه من مقاساة البشر، وسياسة الأمة ومعاناة الأهل، ومقاومة الولي والعدو، ومصلحتة النفس، كلفه من أعباء أداء الرسالة، وحمل الأمانة وهو في كل هذا في طاعة ربه، وعبادة خالقه، ولكن لما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم أرفع الخلق إلى اللَّه مكانة، وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه، وخلو همه، وتفرده بربه، وإقباله بكليته عليه، ومقامه هنالك أرفع حالته، رأى صلّى اللَّه عليه وسلّم حال فترته عنها، فاستغفر اللَّه من ذلك، هذا أولى وجوه الحديث وأشهرها. وإلى معنى ما أشرنا عنه مال كثير من الناس إليه، وحام حوله، فقارب ولم يرد، وقد قربنا غامض معناه، وكشفنا للمستفيد محيّاه، وهو مبني على جواز الفترات والغفلات، والسهو في غير طريق البلاغ على ما سيأتي. قال كاتبه: نعم ما قرره القاضي إلا أنى أقوال: ليس مع ذلك فترة منه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا غفلة، ولا سهو، وإنما هو شغل بالتبليغ إلى الخلق من الاستغراق في جناب الحق، فإذا فرغ من ذلك، ارتاح لما هنالك، فاستغفر ربه لا من ذنب بل تعرض منه صلّى اللَّه عليه وسلّم للنفحات الربانية. قال القاضي: وذهبت طائفة من أرباب القلوب ومشيخة المنصوفة ممن قال بالتنزيه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم عن هذا جملته، وأجعله أن يجوز عليه، في حال سهوا وفترة إلا أن معنى الحديث ما يهم خاطره، وبعد فكره من أمر أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم لاهتمامه بهم، وكثرة شفقته عليهم، فيستغفر اللَّه لهم، قالوا وقد يكون الغين على قلبه
السكينة التي تتغشاه، لقوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [ (1) ] ، ويكون استغفاره عندها إظهار العبوديّة والافتقار. وقال ابن عطاء: استغفاره وفعله هذا تعريف للأمة يحملهم على الاستغفار، وقد يحتمل أن تكون هذه الإغاثة حالة خشية وإعظام يغشى قلبه، فيستغفر حينئذ شكرا للَّه- تعالى، وملازمة لعبوديته كما قال في ملازمة العبادة: أفلا أكون عبدا شكورا؟. وعلى هذه الوجوه الأخيرة يحمل ما روى في بعض طرق هذا الحديث عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه ليغان على قلبي في اليوم أكثر من سبعين مرة، فأستغفر اللَّه. قال القاضي فإن قلت: فما معنى قوله- تعالى- لمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ [ (2) ] ، وقوله- تعالى- لنوح عليه السّلام: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [ (3) ] ، فاعلم أنه لا يلتفت في ذلك إلى قول من قال في آية نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تكونن ممن يجهل أن اللَّه لو شاء لجمعهم على الهدى، وفي آية نوح: لا تكونن ممن يجهل ان وعد اللَّه حق، لقوله- تعالى: إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، إذ فيه إثبات الجهل بصفة من صفات اللَّه، وذلك لا يجوز على الأنبياء، والمقصود: وعظهم أن يتشبهوا في أمورهم بسمات الجاهلين، كما قال: إِنِّي أَعِظُكَ وليس في آية منهما دليل على كونهم على تلك الصفة التي نهاهم عن الكون عليها، فكيف وآية نوح: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؟ فحمل ما بعدها على، قبلها أولى، لأن مثل هذا قد يحتاج إلى إذن، وقد تجوز إباحة السؤال فيه ابتداء فنهاه اللَّه- تعالى- أن يسأله عن ما طوى علمه عنه، وأكنه في غيبه، من السبب الموجب لهلاك ابنه، ثم أكمل اللَّه- تعالى- نعمته بإعلامه ذلك بقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ حكى معناه مكي.
كذلك أمر نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم في الآية الأخرى بالتزام الصبر على إعراض قومه لا يخرج عند ذلك، فيقارب حال الجاهل بشدة التحسر، حكاه أبو بكر بن فورك. وقيل: معنى الخطاب لأمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم أي فلا تكونوا من الجاهلين، حكاه أبو محمد مكي، وقال: في القرآن كثير، فبهذا الفصل وجب القول بعصمة الأنبياء منه بعد النبوة قطعا. وقال أبو محمد بن حزم: وذكروا قول اللَّه- تعالى- لنوح- عليه السلام: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، وهذا لا حجة لهم فيه، لأن نوح تأول وعد اللَّه- تعالى- له أن يخلصه وأهله، فظن أن ابنه من أهله وهذا لو فعله أحدنا لكان مأجورا، ولم يسأل نوح تخليص من أيقن أنه ليس من أهله لكن هو أقرب القرابة إليه فقرع على ذلك ونهى أن يكون من الجاهلين فتذمم- عليه السلام- من ذلك ونزع، وليس هاهنا عمد للمعصية البتة. وقال الطوفي: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [ (1) ] ، يحتج به من يرى العموم وأن له صيغة والتمسك به بأن نوحا إنما تمسك في هذا السؤال لعموم قوله- تعالى: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [ (2) ] ، وهو اسم جنس مضاف يفيد العموم، فصار تقدير سؤال نوح- عليه السّلام إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وقد وعدتني بإنجاء أهلي قال: يا نوح إنه ليس من أهلك يحتمل وجوها: أحدها: أن ابنك مخصوص في علمنا من عموم أهلك، فليس هو من أهلك الناجين. الثاني: أنه ليس من أهل دينك بذلك، إنه عمل غير صالح وحينئذ يكون الأهل في قوله- تعالى- مجازا عن الموافقين في الإيمان. الثالث: ما قيل إن هذا الولد كان ابن زوجته أو أنه ولد على فراشه من غيره، بدليل أنه عمل غير صالح برفعة عمل ونحوه مما لا يليق بعضه
بالأنبياء، وعلى كل حال فلا بد لهذه القصة من استعمال المجاز في أهلك أو تخصيص عمومه بالابن المذكور، أو تجوز نوح بولده عن ابن امرأته، فيحتج بها على استعمال المجاز أو التخصيص في الكلام: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [ (1) ] ، كأن نوحا لما قال: إن ابني من أهلي كان ذلك طلبا لنجاة ولده، لأن اللَّه- تعالى- قد حكم بإنجاء أهله فحمله لا يتغير، فلا فرق بين شفاعة نوح في أهله في ابنه وعدمها، فلذلك قوبل بهذا الكلام الّذي يصعب موقعه، فقال: إن نوحا- عليه السلام- بكى من هذا الكلام دهرا. قال القاضي عياض: فإن قلت: فإذا قررت عصمتهم من هذا، وأنه لا يجوز عليهم شيء من ذلك، فما معنى إذا وعد اللَّه لنبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم على ذلك إن فعله وتحذيره منه، كقوله- تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [ (2) ] ، قوله- تعالى: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ [ (3) ] ، وقوله: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ [ (4) ] ، وقوله- تعالى: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [ (5) ] ، وقوله- تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ (6) ] ، وقوله تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [ (7) ] ، وقوله- تعالى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [ (8) ] ، وقوله تعالى: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ [ (9) ] .
فاعلم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يصح ولا يجوز عليه أن لا يبلغ، وأن يخالف أمر ربه، ولا أن يشرك، ولا يتقول على اللَّه ما لا يجب، أو يفترى عليه، أو يضل، أو يختم على قلبه، أو يطيع الكافرين. لكن يسر أمره بالمكاشفة والبيان في البلاغ للمخالفين، فإن إبلاغه لم يكن بهذه السبيل، وكان ما بلغ وطيب نفسه، وقوى قلبه، بقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (1) ] ، كما قال لموسى وهارون عليهما- السلام: لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما [ (2) ] ، لتشتد بصائرهم في الإبلاغ وإظهار دين اللَّه، ويذهب عنهم خوف العدو المضعف للنفس. وأما قوله: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ [ (3) ] ، وقوله: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ [ (4) ] ، فمعناه: أن هذا جزاء من فعل هذا، وجزاؤك لو كنت ممن يفعله، وهو لا يفعله. وكذلك قوله: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ [ (5) ] ، فالمراد غيره كما قال- تعالى: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا [ (6) ] ، وقوله- تعالى: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ [ (7) ] ، وقوله- تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [ (8) ] ، وما أشبهه، فالمراد غيره، وإن هذه حال من أشرك، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يجوز عليه ذلك. وقوله- تعالى: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ [ (9) ] ، فليس فيه أنه أطاعهم، واللَّه- تعالى- ينهاه عما يشاء ويأمره بما يشاء، كما قال
- تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [ (1) ] ، وما كان طردهم، وما كان من الظالمين. قال: وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة، فللناس فيه خلاف، والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل باللَّه وصفاته والتشكك في شيء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء- عليهم السلام- بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا، ونشأتهم على التوحيد والإيمان، بل على إشراق نور المعارف ونفحات الطاف، السعادة، ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحدا نبّئ واصطفى ممن عرف بكفر وإشراك قبل هذا. ومستند هذا الباب النقل، وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله، وأنا أقول: إن قريشا قد رمت نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل ما افترته وغير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها، واختلقته بما نص اللَّه- تعالى- عليه أو نقلته إليه الرواة، ولم نجد في شيء من ذلك تعيير الواحد منهم برفضه آلهته، وتقريعه بذمة ترك ما كان قد جاء معهم عليه، ولو كان لكانوا لذلك مبادرين، وبتلونه في معبوده محتجين، ولكان توبيخهم له بنهيهم عما كان يعبد قبل أفظع وأقطع في الحجة من توبيخه بنهيهم عن تركهم آلهتهم، وما كان يعبد آباؤهم من قبل، ففي إطباقهم على الإعراض عنه دليل على أنهم لم يجدوا سبيلا إليه، وما سكتوا عنه كما لم يسكتوا عنه تحويل القبلة، وقالوا: ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [ (2) ] كما حكاه اللَّه- تعالى- عنهم. وقد استدل القاضي القشيري على تنزيهم عن هذا بقوله- تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [ (3) ] ، وقوله- تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [ (4) ] ، إلى قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [ (5) ] ، قال:
فأظهره اللَّه في الميثاق، وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه ثم يأخذ ميثاق النبيين بالإيمان به ونصره قبل مولده بدهور ويجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب، هذا ما لا يجوزه إلا ملحد، هذا معنى كلامه. وكيف يكون ذلك؟ وقد أتاه جبريل- عليه السّلام- وشق قلبه صغيرا، واستخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله وملأه حكمة وإيمانا كما تظاهرت به أخبار المبدإ. قال كاتبه: يكون نبيا وآدم بين الماء والطين، ثم يجوز عليه شيء من النقائص التي نزه اللَّه عنها أنبياءه، هذا ما لا يقوله جاهل ومعاند. قال القاضي: ولا يشتبه عليك بقول إبراهيم- عليه السّلام- في الكواكب والقمر والشمس: هذا ربي فإنه قد قيل: كان هذا في سن الطفولية وابتداء النظر والاستدلال، وقبل لزوم التكليف. وذهب معظم الحذاق من العلماء والمفسرين إلى أنه إنما قال ذلك مبكتا لقومه ومستدلا عليهم، وقيل: معناه الاستفهام الوارد مورد الإنكار، والمراد: أفهذا ربي؟ قال الزجاج قوله: هذا ربي أي على قولكم: أين شركائي؟ أي عندكم، ويدل على أنه لم يعبد شيئا من ذلك، ولا أشرك باللَّه قط طرفة عين. قول اللَّه- تعالى عنه: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ [ (1) ] ، ثم قال: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [ (2) ] ، ثم قال- تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ* فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [ (3) ] ، وقوله- تعالى: إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [ (4) ] ، أي من الشرك، وقوله- تعالى: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ [ (5) ] ، فان قلت: فما معنى قوله: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، قيل: إنه إن لم يؤيدني
بمعونته أكن مثلكم في ضلالكم وعبادتكم، على معنى الإشفاق والحذر، وإلا فهو معصوم في الأزل من الضلال. وقال أبو محمد بن حزم: وأما قوله: إذ رأى الشمس والقمر، فقال: هذا ربى، فقد قال قوم: إن هذا كان محققا أول خروجه من الغار، وهذه خرافة موضوعة ظاهرة الافتعال ومن المحال الممتنع أن يبلغ أحد حدّ التمييز والكلام بمثل هذا، ولم ير قط ضوء شمس بنهار، ولا ضوء قمر بالليل، وقد أكذب اللَّه- تعالى- هذا الظن بقوله الصادق: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ [ (1) ] ، فمحال أن يكون من آتاه رشده من قبل يدخل في عقله أن الكواكب والقمر أو الشمس ربه، من أجل أنها أكبر قرصا من القمر، هذا ما لا يظنه إلا مقلد سخيف. والصحيح من ذلك أنه- عليه السلام- إنما قال ذلك موبخا لقومه، كما قال ذلك لهم في الكبير من الأصنام، ولا فرق، لأنهم كانوا على دين الصالحين يعبدون الكواكب، ويصورون الأوثان على صورها، وأسمائها في هياكلهم، ويعدون لها الأعياد، ويذبحون لها الذبائح، ويقربون لها القرابين والدخن، ويقولون: إنها تعقل، وتدبر، وتضر، وتنفع، ويقيمون لكل كوكب منها شريعة محدودة، وقد وبخهم الخليل- عليه السّلام- على ذلك وسخر منهم، وجعل يريهم تعظيم الشمس لكبر جرمها، كما قال- تعالى: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [ (2) ] ، فأراهم ضعف عقولهم في تعظيمهم هذه الأجرام المسخرة الجمادية، وبين لهم أنها مدبرة تنتقل في الأماكن، ومعاذ اللَّه أن يكون الخليل أشرك قط برب أو شك في أن الفلك بما فيه مخلق، وبرهان قولنا هذا أن اللَّه تعالى لم يعاتبه على شيء مما ذكرنا ولا عنفه على ذلك، فصح أن هذا بخلاف ما وقع لآدم- عليه السّلام، وأنه وافق مراد اللَّه- تعالى- فيما قال من ذلك، وبما فعل، يعني إبراهيم- عليه السّلام.
وقال الطوفي [في قوله تعالى] : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [ (1) ] ، هذا يدل على أن قوله [تعالى] : وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [ (2) ] ، أراد به طمأنينة العيان، لأن اللَّه- تعالى- أخبر أنه أراه الملكوت ليوقن، وإحياء الموتى من قبيل الملكوت العيني: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي [ (3) ] ، حاصلها أنه استدلال بحركات الكواكب وأفولها على عدم إلهيتها وربوبيتها وذلك بناء على مقدمات: الأولى: إثبات الأعراض: وهي ما لا يقوم بنفسه فيفتقر إلى موضوع يقوم به كالحركة والسكون. والألوان وهي الاجتماع والافتراض وغير ذلك من الأعراض وإثباتها شهادة بالحس. الثانية: أن الأعراض مغايرة للجواهر: بدليل أن الجوهر الواحد تتعاقب عليه الأضداد من الأعراض كالحركة والسكون، والسواد والبياض، وذاته في الحالين واحدة، فالجوهر الباقي غير العرض الفاني. الثالثة: أن الأعراض لا تنفك عن الجواهر: إذ لو انفكت عنها، لزم قيام العرض بذاته، وأنه محال. الرابعة: أن الأعراض حادثة، وهذا لأنها تتعاقب على الجواهر وجودا وعدما مسبوقا بعضها ببعض، والحدوث من لوازم المسبوقية، والملزوم موجود قطعا، فاللازم كذلك. الخامسة: أن ما لا ينفك عن الحادث أو لا ينفك عنه الحادث يجب أن يكون حديثا، إذ لو كان قديما مع أنه لم يفارق الحادث لزم تقدمه على الحادث، وذلك يوجب انفكاكه عن الحادث فيما قبل وجود الحادث، وذلك يستلزم أنه انفك عن الحادث على تقدير أنه لم ينفك عنه، وأنه محال، ولأن زيدا وعمرا لو ولدا في ساعة واحدة، ثم استمرا إلى تسعين سنة من مولدهما استحال أن يكون عمر
أحدهما مائة دون الآخر، وإذا ثبتت هذه المقدمات ثبتت حدوث الجواهر، لعدم انفكاكها عن الأعراض الحادثة. وينتظم البرهان هكذا: الجواهر لا تفارق الحوادث، وكل ما لا يفارق الحوادث حادث. فالجوهر حادث، والعالم إما جواهر وإما أعراض، وقد ثبت حدوثها فالعالم المؤلف منهما بأسره حادث. والحادث: إما أن يكون الموجد له هو، وهو محال أو غيره، فهو إما حادث فيلزم الدور أو التسلسل أو قديم، وهو المطلوب كما سبق تقريره، فهذه الطريقة العامة في إثبات حدوث العالم وقدم الصانع، فهي مستفادة من إبراهيم- عليه السلام- في مقامه هذا النظري، ولقد أوتى رشده من قبل، ومتكلمو الإسلام تلاميذه في هذه الطريقة، وهي أيسر الطرق وأحسنها، والرشد الإبراهيمي عليها ظاهر، ونور برهانها ساطع باهر، وحاجه قومه هذه المحاجة إنما تقومت بإبراهيم وقومه، لأنها مفاعلة تستدعى أكثر من فريق واحد، ففيها أدل دليل على الحجاج والجدال في طلب الحق في أصول الدين وفروعه، اقتداء بإبراهيم- عليه السلام. قال القاضي عياض- رحمه اللَّه: فإن قلت: فما معنى قوله- تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [ (1) ] ، ثم قال- تعالى- بعد عن الرسل: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها؟ فلا يشكل عليك لفظة العود، وأنها تقتضي أنهم إنما يعودون إلى ما كانوا فيه من ملتهم، فقد تأتى هذه اللفظة في كلام العرب لغير ما ليس له ابتداء بمعنى الصيرورة، كما جاء في حديث الجهنميين عادوا حمما، ولم يكونوا قبل كذلك ومثله قول الشاعر: فعادا بعد أبوالا
وما كانا قبل كذلك، وقال الأستاذ أثير الدين أبو حيان في قوله- تعالى: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [ (1) ] ، عاد لها استعمالان: أحدهما: أن تكون بمعنى [تعود] ، قال: تعود فيكم جزر الجزور ماحنا ... ويرفعن بالأسياف منكسرات. والثاني: بمعنى رجع إلى ما كان عليه فعلى الأول لا إشكال في قوله: (أَوْ لَتَعُودُنَّ) فعلا مسندا إلى شعيب وأتباعه، ولا يدل على أن شعيبا كان في ملتهم. وعلى المعنى الثاني: يشكل، لأن شعيبا لم يكن في ملتهم قط، لكن أتباعه كانوا فيها. وأجيب عن هذا بوجوه: أحدها: أن يراد بعود شعيب إلى الملة حال سكوته عنهم قبل أن يبعث، لا حالة الضلال، فإنه كان يخفى دينه إلى أن أوحى اللَّه- تعالى- إليه. الثاني: أن يكون من باب تغليب حكم الجماعة على الواحد، لما عطفوا أتباعه على ضميره في الإخراج، استحبوا عليه حكمهم في العود، وإن كان شعيب بريئا مما كان عليه قبل الإيمان. الثالث: أن رؤساءهم قالوا ذلك على سبيل التلبيس على العامة والإيهام أنه كان منهم. وقال الطوفي: قول شعيب: قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها [ (2) ] ، لما ما كان منشؤه في قوم كفار انعقد له سبب موافقتهم، فتجوز به عن ملابسة ملتهم، فسمى إعراضه عنها بهداية اللَّه- عز وجل- إياه نجاة، ودخوله فيها لو قدر عودا إليها.
قال القاضي عياض: فإذا قلت: فما معنى قوله- تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (1) ] ؟ فليس هو في الضلال الّذي هو الكفر، قيل: ضالا عن النبوة فهداك إليها، قاله الطبري، وقيل: ووجدك بين أهل الضلال، فعصمك من ذلك وهداك للإيمان وإلى إرشادهم، ونحوه عن السدي وغير واحد، وقيل: ضالا عن شريعتك، أي لا تعرفها، فهداك إليها، والضلال هاهنا التحير ولهذا، كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يخلوا بغار حراء في طلب ما يتوجه إلى ربه وينشرح به، حتى هداه اللَّه- تعالى- إلى الإسلام، قال معناه القشيري، وقيل: لا تعرف الحق فهداك إليه، وهذا مثل قوله- تعالى: وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [ (2) ] ، قاله على بن عيس. قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لم يكن له صلّى اللَّه عليه وسلّم ضلالة معصية، وقيل: إني أبين أمرك بالبراهين، وقيل: وجدك ضالا بين مكة والمدينة فهداك إلى المدينة، وقيل: وجدك فهدى بك ضالا، وعن جعفر بن محمد: ووجدك ضالا عن محبتي لك في الأزل، أي لا تعرفها، فمننت عليك بمعرفتي. وقرأ الحسن بن علي: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (3) ] ، أي اهتدى، وقال: ابن عطاء ووجدك ضالا، أي محبا لمعرفتي، والضال المحب، كما قال- تعالى: إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ [ (4) ] ، أي محبتك القديمة، ولم يريدوا هاهنا إذ لو قالوا ذلك في نبي اللَّه لكفروا. ومثله عند هذا قوله- تعالى: إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [ (5) ] ، أي محبة بينة، وقال الجنيد: ووجدك متحيرا في بيان ما أنزل إليك فهداك، لبيان
قوله- تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ [ (1) ] ، وقيل: وجدك لم يعرفك أحد بالنّبوّة حتى أظهرك، فهدى بك السعداء ولا أعلم أحدا من المفسرين قال فيها: ضالا عن الإيمان وكذلك في قصة موسى- عليه السلام قوله تعالى: فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [ (2) ] ، أي من المخطئين الفاعلين شيئا بغير قصد، قاله ابن عرفة. قال الأزهري: معناه من الناسبين، وقد قيل في قوله: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (3) ] ، أي ناسيا، كما قال- تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [ (4) ] ، وقال عطية وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى [ (5) ] ، أي على غير طريق هذا الدين الّذي بعثت به، ولم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم في ضلال الكفار ولا في غفلتهم، لأنه لم يشرك قط، وإنما كان مستهديا ربه- عز وجل- موحدا والسائل عن الطريق المتحير يقع عليه في اللغة اسم ضال وقال الطوفي: وقيل: لما نشأ بين قوم كفار نعقد له سبب الضلال، فلولا أن أنقذه اللَّه- تعالى- من ملتهم بهداه وبوحيه لضل، فسمى انعقاد سبب الضلال ضلالا على المجاز، كما يقال: وجدت فلانا غريقا فأنقذته، أو قتيلا بين أعدائه فأحييته ونحوه إذا انعقد له سبب ذلك. وفي هذه الآية عشرين قولا، هذا أقربها إلى التحقيق وإليه يرجع قوله ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (6) ] . قال القاضي عياض: فإن قلت: ما معنى قوله- تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [ (7) ] ، فالجواب أن السمرقندي قال: معناه ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ولا كيف تدعو الخلق إلى الايمان، قال أبو بكر
القاضي نحوه قال: ولا الإيمان الّذي هو الفرائض والأحكام، قال: فكان قبل مؤمنا بتوحيده، ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها قبل، فزاد بالتكليف إيمانا. وكذلك الحديث الّذي يرويه عثمان بن أبي شيبة بسنده، عن جابر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يشهد مع المشركين مشاهدهم فسمع مليكن خلفه، أحدهما يقول لصاحبه: اذهب حتى تقوم خلفه، فقال الآخر: كيف أقوم خلفه وعهده باستلام الأصنام، فلم يشهدهم بعد، فهذا حديث أنكره أحمد بن حنبل، وقال: هنا موضوع أو شيبة بالموضوع. وقال الدارقطنيّ: إن عثمان وهم في إسناده والحديث بالجملة منكر، غير متفق على إسناده فلا يلتفت إليه، والمعروف عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند أهل العلم من قوله: بغضت إلى الأصنام وقوله- في الحديث الآخر حين كلمه عمه وآله في حضور بعض أعيادهم وعزموا عليه فيه بعد كراهته لذلك، فخرج معهم ورجع مرعوبا- فقال: كلما دنوت عليها من صم تمثل لي شخص أبيض طويل يصيح بى وراءك لا تمسه فما شهد بعد لهم عيدا. وقوله في قصة بحيرا حين استحلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم باللات والعزى إذا لقيه بالشام في سفره مع عمه أبي طالب وهو صبي، ورأى فيه علامات النبوة، فأخبره بذلك، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تسألنى بهما فو اللَّه ما أبغضت شيئا قط بغضهما فقال له بحيرا: فباللَّه إلا ما أخبرتنى عما اسألك عنه، فقال: سل ما بدا لك، وكذلك المعروف من سيرته صلّى اللَّه عليه وسلّم وتوفيق اللَّه- تعالى- له أنه كان قبل نبوته يخالف المشركين في وقوفهم بمزدلفة في الحج، وكان يقف هو بعرفة، لأنه كان موقف إبراهيم- عليه السلام. قال الطوفي في قوله- تعالى: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، مع قوله صلى اللَّه عليه وسلّم: كنت نبيا وآدم بين الماء والطين: وأنه حين ولد خر ساجدا مشيرا بإصبعه إلى السماء، وأنه لم يزل صلّى اللَّه عليه وسلّم كارها الأصنام مبغضا لها قبل النبوة، ولم يحلف بها، ولا أكل مما ذبح لها. وإجماع الناس على أن نبيا من الأنبياء لم يكفر باللَّه وخلا من الإيمان به طرفه عين، فالواجب تأويل الآية على ما يزيل عنها هذا المحذور، مثل أن
المراد ما ما كنت تدري ما الكتاب. ولا كيفية ماهية الإيمان وحقيقته، ولا يلزم من كونه مؤمنا معرفة ذلك، بدليل أن أكثر الناس هم كذلك، أو ما كنت تدري ما الكتاب ولا الدعاء إلى الإيمان، إذ كيفية دعاء الناس إلى الإيمان، إنما تعلم بالوحي، فقبل الوحي من أين تعلم؟ ولا يلزم من كون الإنسان مؤمنا في نفسه أن يدرى كيف يدعو إلى ما يدعو غيره لجواز أن يتعبد اللَّه- تعالى- كل إنسان بأمر غير ما تعبد به الآخر، اختص النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بخواص تعبد لم تكن لغيره. قال القاضي عياض: قد بان مما قدمناه عقود الأنبياء في التوحيد والإيمان والوحي، وعصمتهم في ذلك- على ما بيناه- فأما ما عدا هذا الباب من عقود قلوبهم، فجماعها أنها مملوءة علما ويقينا على الجملة وإنما احتوت من المعرفة بأمور الدين والدنيا ما لا شيء فوقه، ومن طالع الأخبار واعتنى بالحديث وتأمل ما قلناه، وجده إلا أن أحوالهم في هذه المعارف تختلف، فأما ما تعلق منها بأمر الدنيا فلا يشترط في حق الأنبياء- عليهم السلام- العصمة من عدم معرفة الأنبياء ببعضها أو اعتقادها على خلاف ما هي عليه، ولا وصم عليهم فيه إذ هممهم متعلقة بالآخرة وأسبابها وأمر الشريعة وقوانينها، وأمور الدنيا تضادهم بخلاف غير هم الذين: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [ (1) ] ، كما سنبين- إن شاء اللَّه تعالى- ولكنه لا يقال إنهم لا يعلمون شيئا من أمر الدنيا، فإن ذلك يؤدى إلى الغفلة والبله، وهم المنزهون عنه، بل قد أرسلوا إلى أهل الدنيا، وقلدوا سياستهم وهدايتهم والنظر في مصالح دينهم ودنياهم، وهذا لا يكون مع هدم العلم بأمور الدنيا بالكلية، وأحوال الأنبياء وسيرتهم في هذا الباب معلومة، ومعرفتهم بذلك كله مشهورة، وإن كان هذا العقد مما يتعلق بالدين، فلا يصح من النبي إلا العلم، ولا يجوز عليه جهله جملة لأنه لا يخلو أن يكون حصل عنده ذلك عن وحي من اللَّه- تعالى- فهو ما لا يصح الشك منه على ما قدمناه، فكيف الجهل؟ بل حصل له العلم اليقين أو يكون فعل ذلك باجتهاده، فلما لم ينزل عليه فيه شيء على القول بتجويز الاجتهاد منه في ذلك على قول المحققين، وعلى مقتضى حديث
أم سلمه إني انما أقتضي بينكم برأيي فيما لم ينزل عليّ فيه، وخرّجه الثقات، وكقصة أسرى بدر، والإذن للمتخلفين- على رأى بعضهم- فلا يكون أيضا ما يعتقده مما يثمره اجتهاده إلا حقا، وصحيحا، هذا هو الحق الّذي لا يلتفت إلى خلاف من خالف فيه، لا على القول بتصويب المجتهدين الّذي هو الحق، والصواب عندنا لا على القول الآخر بأن الحق في طرف واحد، لعصمة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم من الخطأ في الاجتهاد في الشرعيات، ولأن القول في تخطئة المجتهدين، إنما هو استقراء الشرع ونظر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجتهاده إنما هو فيما لم ينزل عليه فيه شيء، ولم يشرع له قبل هذا فيما عقد عليه قلبه فأما ما لم يعقد عليه قلبه، من أمر النوازل الشرعية، فلقد كان لا يعلم منها أولا إلا ما علمه اللَّه شيئا، حتى استقر علم جملتها عنده، إما بوحي من اللَّه- تعالى- وإذن أن يشرع في ذلك ويحكم بما أراه. وقد كان ينتظر الوحي في كثير منها، ولكنه لم يمت حتى اسقر علم جملتها عنده صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتقررت معارفها لديه على التحقيق، ورفع الشك والريب، وانتفاء الجهل، وبالجملة فلا يصح منه الجهل بشيء من تفاصيل الشرع الّذي أمر بالدعوة إليه، إذ لا تصح دعوته إلى ما لا يعلمه. قال جامعه ومؤلفه: قد اختلف في اجتهاد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما لا نص عنده فيه، فاحتج من أجاز ذلك بقوله- تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ [ (1) ] ، وقد اختلفت عبارات المفسرين في معناها. فقال الكرماني: بما أراك اللَّه، بما علمك وعرفك في الحجة، وهو من الرأى الّذي هو الاعتقاد، لأن الرأى بمعنى العلم يستدعى ثلاثة مفاعيل، قال الرازيّ: وهذه الآية تدل على أنه- صلوات اللَّه تعالى عليه- ما كان يحكم إلا بالوحي والنص. وقال الزمخشريّ: بما أراك اللَّه، بما عرفك وأوحى به إليك، وعن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لا يقل أحدكم قضيت بما أرانى اللَّه، لأن
اللَّه لم يجعل ذلك إلا لنبيه، ولكن ليجتهد رأيه، لأن الرأي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مصيبا، لأن اللَّه كان يريه إياه، وهو منا الظن والتكليف. وقال الماتريدي: قوله: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، أي موافقا لما هو الحق في فعل كل أحد، وهو التكليف دون الأعمال، أو بما له عاقبة حميدة، لأن ما ليس كذلك عبث وباطل، أو مبينا بما هو الحق للَّه على العباد، وبما لبعضهم على بعض، ليعملوا بذلك، أو بيانا لأمر هو حق كائن ثابت، وهو البعث والقيامة، ليتزودوا له، أو مما يحمد عليه فاعله، أو بالعدل والصدق على الأمن من التغيير والتبديل، بما أراك اللَّه وألهمك. وفيه دليل على جواز اجتهاده كالنص، لأن اللَّه- تعالى- أخبر أنه يريه ذلك، ولا يريه غير الصواب. وقال ابن حيان: معنى قوله: بِما أَراكَ اللَّهُ، يريد به بما أراك اللَّه- تعالى- من القرآن وعلمك إياه، وقال الأثير أبو حيان: ومعنى: بِما أَراكَ اللَّهُ بما أعلمك من الوحي، وقيل: بالنظر فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم محروس في اجتهاده معصوم الأقوال والأفعال، وقيل: بما ألقاه في قلبك من أنوار المعرفة، وصفاء الباطن، واحتج من أجاز ذلك أيضا بأن منصب الاجتهاد في الأحكام منصب كمال، فلا ينبغي أن يفوته صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد دل على وقوعه منه قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت: نعم، لوجبت، وقوله: لو كنت سمعت شعرها ما قتلت أباها، في قضيتين مشهورتين: أما القضية الأولى: فخرّج مسلم [ (1) ] من حديث يزيد بن هارون عن الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أيها الناس قد فرض اللَّه الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللَّه؟ فسكت- حتى قالها ثلاثا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو قلت نعم لو جبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. وخرّجه النسائي [ (1) ] من حديث أبي هاشم المغيرة بن سلمة المخزومي ثقة بصري، قال: أنبأنا الربيع بن مسلم- إلى آخره بمعناه، وقال فيه: ولو وجبت ما قمتم بها، وقال في آخره فاجتنبوه مكان فدعوه.
وخرّج النسائيّ [ (1) ] من حديث سعيد بن أبي مريم، قال: أنبأنا موسى بن سلمة، قال: حدثني عبد الجليل بن حميد عن ابن شهاب، عن أبي سنان الدؤلي، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قام فقال: إن اللَّه قد كتب عليكم الحج، فقال الأقرع بن حابس التميمي: كل عام يا رسول اللَّه؟ فسكت، ثم قال: لو قلت: نعم لوجبت، ثم إذا لا تسمعون، ولا تطيعون، ولكنه حجة واحدة. وخرّجه قاسم بن أصبغ من حديث محمد بن كثير، أنبأنا سليمان، عن الزهري عن سنان بن أبي سنان، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه كتب عليكم الحج، فقيل: يا رسول اللَّه كل عام؟ قال: لا. ولو قلتها لوجبت الحج مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع [ (2) ] .
وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سنان، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه الحج في كل سنه أو مرة واحدة؟ قال: بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوع، قال أبو داود: وهو أبو سنان الدؤلي، كذا قال عبد الجليل بن حميد وسليمان بن كثير جميعا، عن الزهري، وقال عقيل: عن سنان. وأما القضية الثانية: فقال أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر: قتيلة بنت النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أباها يوم بدر صبرا، قال الواقدي: أسلمت قتيلة يوم الفتح، قال ابن عبد البر: كانت شاعرة محسنة، ولما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بدر كتبت إليه في أبيها، وذلك قبل إسلامها [ (2) ] . يا راكبا إن الأثيل مظنة الأبيات. فلما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك بكى، حتى اخضلت بالدموع لحيته، وقال: لو بلغني شعرها هذا قبل أن أقتله لعفوت عنه، ذكر هذا الخبر عن عبد اللَّه بن إدريس في حديثه، وذكره الزبير بن بكار، وقال: فرق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى دمعت عيناه، وقال لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لو كنت سمعت شعرها ما قتلت أباها، قال الزبير: وسمعت بعض أهل العلم يغمز أبياتها هذه، ويقول: أنها مصنوعة [ (3) ] ، واللَّه- تعالى- اعلم.
وأحتج من منع اجتهاده صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله- تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [ (1) ] ، فأخبر- تعالى- أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يحكم إلا بالوحي، قالوا والسنة الواردة عنه كانت توحى إليه. كما خرّجه أبو داود [ (2) ] ، من حديث جرير بن عثمان، عن عبد الرحمن ابن أبي عون، عن المقدام بن معديكرب، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه. ورواه بقية عن الزبيدي، عن مروان بن رؤبة، عن عبد الرحمن بن عوف الجرشي، عن المقدام بن معديكرب، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا إني أوتيت الكتاب، وما يعدله، يوشك رجل شبعان على أريكته، فذكره مثله إلى آخره [ (3) ] . وخرّج أبو داود من حديث أشعث بن شعبة، قال: حدثنا أرطاة بن المنذر قال: سمعت حكيم بن عمير أبا الأحوص يحدث عن العرباض بن سارية، قال: نزلنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر، فذكر الحديث، وفيه: أمر مناديا أن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وأن اجتمعوا للصلاة، فاجتمعوا وصلّى بهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم قال: أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن اللَّه لم يحرم شيئا إلا في القرآن، ألا وإني قد أمرت ووعظت، ونهيت عن أنهما لمثل القرآن أو أكثر، وأن اللَّه لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب لنسائهم، ولا أكل
ثمارهم إذا أعطوكم الّذي عليهم، قال أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي قوله: أتيت الكتاب، ومثله معه، يتحمل وجهين من التأويل: أحدهما: أنه أوتى من الوحي الباطن غير المتلو، مثل ما أعطى من الظاهر. والثاني: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوتى الكتاب وحيا يتلى وأوتى من البيان مثله، أي أذن له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبين ما في الكتاب فيعم ويخصص ويزيد عليه ويشرح ما في الكتاب، فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله كالزاهر المتلو من القرآن، وقوله: كالظاهر يوشك رجل شبعان على أريكته، الحديث يحذر بهذا القول من مخالفة السنن التي سنها، مما ليس في القرآن له ذكر. قالوا: وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: في الرضى والغضب، والجد والمزاح حق، لما خرجه الترمذي [ (1) ] من حديث أسامة بن زيد عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قالوا: يا رسول اللَّه إنك تداعبنا، قال: إني لا أقول إلا حقا، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة [ (2) ] ، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان. عن أبي عبيد بن الأخنس، قال: حدثني الوليد بن عبد اللَّه، عن يوسف بن مالك، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتكلم في الرضى والغضب، فأمسكت فذكرت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأشار بيده إلى فيه، فقال: اكتب فو الّذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. خرجه أبو داود قال: أنبأنا مسدد، وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: حدثنا يحيى ابن سعيد، عن عبيد اللَّه بن الأخنس، عن الوليد بن عبد اللَّه بن أبي معتب، إلى آخره بنحوه، قالوا: ولأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قادر على يقين الوحي، والاجتهاد لا يفيد،
فجوازه في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم والحالة هذه كالتيمم مع القدرة على الماء، ثم على القول بأن الاجتهاد جائز، هل يقع منه الخطأ فيه أم لا؟ فيه قولان للأصوليين: أحدهما: لا يقع منه صلّى اللَّه عليه وسلّم خطأ في اجتهاده من الخطأ مطلقا. والثاني: نعم بشرط أن لا يقر عليه، واستدل من ذهب إلى هذا بقوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [ (1) ] ، قالوا: فعوتب صلّى اللَّه عليه وسلّم حيث أذن لهم في التخلف عن الغزو في غير موضع الإذن، وأجيب عن ذلك أن عفا اللَّه عنك افتتاح كلام أعلمه اللَّه- تعالى- عنه به أنه لا حرج عليه فيما فعل من الإذن، وليس هو عفوا عن ذنب، إنما هو أن اللَّه- تعالى- أعلمهم أنه لا يلزمه ترك الإذن لهم، كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: عفا اللَّه لكم عن صدقة الخيل، والرقيق وما وجبتا قط، ومعناه ترك أن يلزمكم ذلك، قاله أبو حيان، ونقل عن أبي عبد اللَّه بن إبراهيم ابن عرفة نفطويه، أنه قال: ذهب ناس إلى أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معاتب في هذه الآية وحاشاه من ذلك بل كان له أن يفعل، وأن لا يفعل، وقد قال تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ، لأنه كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحي، واستأذنه المخلفون في التخلف، واعتذروا فاختار صلّى اللَّه عليه وسلّم أيسر الأمرين تكرما منه وتفضلا، فأبان اللَّه- تعالى- أنه لو لم يأذن لهم لأقاموا على النفاق الّذي في قلوبهم، وأنهم كاذبون في الطاعة والمشاورة، قاله أبو حيان ووافقه عليه قوم، فقالوا،: ذكر العفو هنا لم يكن عن تقديم ذنب، وإنما هو استفتاح كلام جرت عادة العرب أن تخاطب بمثله تعظمه وترفع عن قدره، يقصدون بذلك الدعاء له، فيقولون: أصلح اللَّه الأمير كان كذا وكذا، فعلى هذا صيغته الخبر، ومعناه الدعاء. وكلام الزمخشريّ في تفسير قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ، يجب اطراحه فضلا عن أن يذكر فيرد عليه، واستدلوا أيضا بقوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى [ (2) ] ، ويتعلق بهذا مسألة التفويض،
وهي أنه هل يجوز أن يفرض اللَّه- تعالى- إلى نبي حكم الأمة أن يقول: احكم بينهم باجتهادك، وما حكمت به فهو حق، أو أنت لا تحكم إلا بالحق، فيه قولان: أقربهما الجواز، وهو قول موسى بن عمران من الأصوليين، لأنه مضمون له إصابة الحق، وكل مضمون له إصابة ذلك جاز له الحكم، أو يقال: هذا التفويض لا محذور فيه، وكل ما كان كذلك كان جائزا واللَّه- تعالى- أعلم. قال القاضي عياض: وأما ما تعلق بعقده صلّى اللَّه عليه وسلّم من ملكوت السموات والأرض، وخلق اللَّه- تعالى- وتعيين أسمائه- تعالى- وآياته الكبرى، وأمور الآخرة، وأشراط الساعة، وأحوال السعداء والأشقياء، وعلم ما كان ويكون، ما لا يعلمه إلا بوحي، فعلى ما تقدم من أنه معصوم فيه لا يأخذه فيما أعلم منه شك ولا ريب، بل هو في غاية اليقين، لكنه لا يشترط له العلم بجميع تفاصيل ذلك، وان كان عنده من علم ذلك ما ليس عند البشر، لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لا أعلم إلا ما علمني ربي، ولقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ولا خطر على قلب بشر، ولا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين، وقول موسى للخضر- عليهما السلام: لا هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [ (1) ] ، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أسألك اللَّهمّ بأسمائك الحسنى ما علمت منها، وما لم أعلم، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وقد قال اللَّه- تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [ (2) ] ، قال زيد بن أسلم وغيره: حتى ينتهى العلم إلى اللَّه- تعالى، وهذا ما لا خفاء فيه، إذا معلوماته- تعالى- لا يحاط بها، ولا منتهى لها، هذا حكم عقد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوحيد، والشرع، والمعارف، والأمور الدينية. قال: واعلم أن الأمة مجمعة على عصمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الشيطان وكفايته منه لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوساوس ثم ذكر قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول اللَّه؟
قال: وإياي ولكن اللَّه أعاننى عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير، قال: فإذا كان هذا حكم شيطانه وقرينه المسلط على بني آدم، فكيف بمن بعد عن سنته ولم يلزم شخصه، ولا قدر على الدنوّ منه؟ وقد جاءت الآثار بتصدي الشياطين له في غير موطن، رغبة في إخفاء نوره وإبانة نفسه، وإدخال شغل عليه، إذ يئسوا من أعوانه، فانقلبوا خاسرين، كتعرضه له في الصلاة، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأسره. ففي الصحاح قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن الشيطان عرض لي، قال عبد الرزاق: في صورة هرّ فشدّ عليّ يقطع على الصلاة، فأمكننى اللَّه منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية، حتى تصبحوا تنظرون إليه، فذكرت قول: أخى سليمان: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً [ (1) ] الآية، فرده اللَّه خاسئا. وفي حديث أبي الدرداء رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن عدو اللَّه إبليس جاءني بشهاب من نار، ليجعله في وجهي، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصلاة، وذكر تعوذه باللَّه منه، ولعنه له، ثم أردت آخذه وذكر نحوه، وقال: لأصبحنه موثقا يتلاعب به ولدان أهل المدينة. وكذلك في حديث الأسماء وطلب العفريت له بشلغه، فعلمه جبريل ما يتعوذ به منه، ذكره في (الموطأ) [ (2) ] ، ولما لم يقدر على أذاه بمباشرته تثبت بالتوسط الى عداه كقضيته مع قريش في الائتمار بقتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتصوره في صورة الشيخ النجدي، ومرة أخرى يوم بدر في صورة سراقة بن مالك، وهو قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [ (3) ] الآية، ومرة ينذر بشأنه
عند بيعة العقبة، وكل هذا قد كفاه اللَّه أمره، وعصمه ضره، وشره، وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن عيسى- عليه السّلام- كفى من لمسه، فجاء ليطعن بيده في خاصرته حين ولد فطعن في الحجاب، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: حين لد في مرضه وقيل له: خشينا أن يكون بك ذات الجنب، فقال إنها من الشيطان، ولم يكن اللَّه ليسلطه على. فإن قيل: فما معنى قوله- تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [ (1) ] الآية، فقد قال بعض المفسرين: إنها راجعة إلى قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [ (2) ] ، ثم قال: وإما ينزغنك أي يستخفنك غضب يحملك على ترك الإعراض عنهم، فاستعذ باللَّه فقيل: النزغ هنا الفساد كما قال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [ (3) ] ، وقيل: ينزغنك يغرينك، ويحركنك، والنزغ أدنى الوسوسة، فأمره اللَّه- تعالى- أنه متى تحرك عليه عدوه أو رام الشيطان من إغرائه به، وخواطر أدنى وساوسه، ما لم يجعل له سبيل اليه أن يستعيذ عنه فيكفى أمره، ويكون سبب تمام عصمته، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له، ولم يجعل له قدرة عليه، وقد قيل في هذه الآية غير هذا، وكذلك لا يصح أن يتصور له الشيطان في صورة الملك، ويلبس عليه، لا في أول الرسالة، ولا بعدها، والاعتماد في ذلك دليل المعجزة، بل لا يشك النبي أن ما يأتيه من اللَّه الملك ورسوله حقيقة، إما بعلم ضروري يخلقه اللَّه له، أو ببرهان يظهره لديه، لتتم كلمة ربك صدقا وعدلا، لا مبدل لكلماته، فإنه قيل: فما معنى قوله- تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [ (4) ] . الآية، فاعلم أن للناس في هذه الآية أقاويل منها السهل، والغث، والسمين، والغث، وأولى ما يقال فيها ما عليه الجمهور من المفسرين أن التمني هاهنا التلاوة وإلقاء الشيطان فيها اشتغاله بخواطر وأذكار من أمور الدنيا للتالي، حتى يدخل عليه
الوهم، والنسيان، أو يدخل عليه غير ذلك على إيهام السامعين من التحريف وسوء التأويل ما يزيله، وينسخه ويكشف لبسه، ويحكم آياته. وقال أبو محمد بن حزم: الأماني الواقعة في النفس لا معنى لها، وقد يكون ذلك الشيء الّذي يلقى الشيطان في أمنية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خوفا من آدمي عدو له، أو تمنى إسلام مشرك قريب له لم يأذن اللَّه بإسلامه، أو ما أشبه هذا اللَّه ذلك في نفسه المقدسة ويطهرها منه. قال: وأما الحديث الّذي ذكر فيه وأنهن الغرانيق العلى وكذب مختلف موضوع بلا شك، ولم يصح قط، بطريق النقل، فلا معنى للاشتغال به، قال القاضي عياض: وقد حكى السمرقندي إنكار قول من قال: سلط الشيطان على ملك سليمان وغلبه عليه، وإن مثل هذا لا يصح، وقال مكي في قصة أيوب- عليه السلام- وقوله: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [ (1) ] ، لا يجوز لأحد أن يقال: أن الشيطان هو الّذي أمرضه، وألقى الضر في بدنه، ولا يكون ذلك إلا بفعل اللَّه- تعالى، وأمره ليبتليهم، ويثبتهم، وقال مكي: وقيل: إن الّذي أصابه الشيطان ما وسوس به إلى أهله، فإن قلت: فما معنى قوله تعالى عن يوشع: وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ [ (2) ] ، وقوله عن يوسف: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ [ (3) ] ، وقول نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم حين نام عن الصلاة يوم الوادي: إن هذا واد به شيطان، وقول موسى- عليه السلام- في وكزته: هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ [ (4) ] ، فاعلم أن هذا الكلام قد يرد في جميع هذا على مورد مستمر في كلام العرب في وصفهم كل قبيح من شخص، أو فعل بالشيطان، أو فعله، كما قال- تعالى: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [ (5) ] .
وأيضا فإن قول يوشع- عليه السّلام- لا يلزمنا الجواب عنه، إذ لم تثبت له في ذلك الوقت نبوة مع موسى- عليه السّلام- قال اللَّه- تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ [ (1) ] ، المروي أنه إنما نبئ بعد موت موسى، وقيل: قبيل موته، وقول موسى كان قبل نبوته بدليل القرآن الكريم.
وأما ذهاب الصورة المصورة بوضع يد المصطفى عليها صلى الله عليه وسلم
بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم وبه التوفيق ومنه الإعانة [ (1) ] وأما ذهاب الصورة المصورة بوضع يد المصطفى عليها صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث بشر بن بكر ... قال: حدثنا الأوزاعي عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل علي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا مستترة بقرام [ (3) ] فيه صورة فهتكه، ثم قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق اللَّه. قال الأوزاعي: قالت عائشة: أتاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ببرنس فيه تمثال عقاب، فوضع عليه يده فأذهبه اللَّه [ (4) ] . وأما إعلامه بأن اللَّه تعالى يعطيه إذا سأل ما لم تجر به العادة فخرّج أبو نعيم من حديث ابن لهيعة، عن بكير بن عبد اللَّه الأشج، عن الحسن بن على، أن ابن أبي رافع حدثه: أن أبا رافع حدثه: أنه صاحب الذراع، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا نبي اللَّه وللشاة غير
ذراعين؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو ناولتني ما زلت تناولني، قال أبو نعيم: رواه عمرو بن الحارث، عن بكير [ (1) ] . وله من حديث أبي جعفر الرازيّ، عن داود بن أبي هند عن شرحبيل، عن أبي رافع [قال] : دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد جعلنا شاة في قدر، فقال: يا أبا رافع ناولني الذراع، فناولته، فانتهشها، ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه إنما يكون للشاة ذراعان، فقال: لو ناولتني لم تزل تناولني، حتى أسكت، ثم قام يصلى وما مس ماء [ (2) ] ، قال: ودخل على يوما آخر وعندي لحم بارد فأكل منه، ثم قام فصلى، ولم يتوضأ. قال أبو نعيم: رواه عن شرحبيل بن سعدة، عن أبي رافع في أكل اللحم، وأنه صلى ولم يتوضأ جماعة منهم أبو خالد الدالاني، وسماك بن حرب، وزيد ابن أبي أنيسة، وسليمان بن أبي داود. وخرّج أيضا من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ، عن فائد عن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبي رافع- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال: أمرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أصلي له شاة فصليتها له، ثم جئته بها، فقال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: كم لها من ذراع؟ فقال: [لو] سكتّ لوجدتها ما دعوت بها [ (3) ] . ومن حديث حماد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع قال: دخل علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعندنا شاة مطبوخة، فقال: يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته، فأكلها، ثم قال: ناولني الذراع، فناولته، فأكلها، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه وهل للشاة إلا ذراعان؟ فقال: لو سكت لأعطيتني أذرعا ما دعوتها [ (4) ] .
وخرّج من حديث أبان بن يزيد عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد قال: طبخت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قدرا، فقال: ناولني الذراع، وكان يعجبه الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكتّ، لأعطيتني ما دعوت بها. وخرج من حديث أبي مسلم الكوفي، قال: حدثنا أبو عاصم عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن شاة طبخت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع، فقلت: يا رسول اللَّه إنما للشاة ذراعان، فقال: أما إنك لو التمستها لوجدتها [ (1) ] . ومن حديث طالوت بن عباد قال: حدثنا سعيد بن راشد: حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف، فذبح ذات يوم شاة، فقال: يا غلام ائتني بالكتف، فأتاه بها ثم قال له أيضا، فأتاه بها ثم قال له أيضا فأتاه بها، ثم قال: يا رسول اللَّه، إنما ذبحت شاة وقد أتيتك بثلاثة أكتاف، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لو سكت لجئت بها ما دعوت بها [ (2) ] . ومن حديث ابن كاسب قال: حدثنا ابن أبي حازم عن العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا بذراع شاة فأكلها، ثم دعا بذراع أخرى فأكلها، ثم دعا بذراع أخرى، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما للشاة ذراعان، فقال: والّذي نفسي بيده لو سكتم لوجدتموها [ (3) ] . وخرّج من حديث معاوية بن يحيى الصدفي أبي روح عن الزهري، عن خارجة بن زيد، عن أسامة بن زيد: أن امرأة أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشاة مصلية، فقال لي: يا أسيم ناولني الذراع، فأصلحت الذراع فناولته فأكلها، ثم قال لي:
يا أسيم ناولني ذراعها، فقلت: يا رسول اللَّه، إنك قلت: ناولني الذراع فناولتكها، ثم قلت: ناولني الذراع، فناولتكها، ثم قلت: ناولني الذراع، وإنما للشاة ذراعان، فقال: إنك لو لم تراجعني ثم أهويت إليها، ما زلت تجد فيها ذراعا ما قلت لك [ (1) ] . قال أبو نعيم ووجه الدلالة من هذه الأخبار إعلامه صلّى اللَّه عليه وسلّم فضيلته بأن اللَّه يعطيه، إذا سأله ما لم تجر العادة به تفضيلا له، وتخصيصا، ليكون ذلك آية له في نفسه، ورفعة له في مرتبته، وإبانته في الكرامة عن الخليقة، أن لو التمس صلّى اللَّه عليه وسلّم ذراعا ثالثة من شاة واحدة، لكان اللَّه- عز وجل- يجيبه إلى مسألته، فأما إذا لم يسأل اللَّه- تعالى- فالفضيلة ثابتة، وإن كانت الآية معدومة، لأنها آية عطاء اللَّه- تعالى- نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] .
وأما صدق رؤياه صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها في المنام وصنع الله له في تزويجها به بذهاب ما كان في نفس أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه وعنها من عدة مطعم بن عدي بها لابنه
وأما صدق رؤياه صلّى اللَّه عليه وسلّم عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها في المنام وصنع اللَّه له في تزويجها به بذهاب ما كان في نفس أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وعنها من عدة مطعم بن عدي بها لابنه فخرّج البخاري [ (1) ] في كتاب النكاح في باب النظر إلى المرأة قبل التزويج، وخرّج مسلم [ (2) ] في المناقب من حديث حماد بن زيد عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول: إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه. وقال البخاري: فقال لي: هذه امرأتك، ولم يقل ثلاث ليال، وخرّجه مسلم [ (3) ] من حديث ابن نمير، حدثنا ابن إدريس، وأبي أسامة، عن هشام بهذا الإسناد. وخرّجه البخاري في كتاب النكاح [ (4) ] في باب نكاح الأبكار، وفي كتاب التعبير [ (5) ] في باب كشف المرأة في المنام من حديث أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريتك في المنام مرتين إذا
رجل يحملك في سرقة حرير، فيقول: هذه امرأتك فإذا هي أنت، فأقول: إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه. وخرّجه أيضا في التعبير [ (1) ] من حديث أبي معاوية عن هشام عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أريتك قبل أن أتزوجك مرتين: رأيت الملك يحملك في سرقة من حرير، فقلت له: اكشف فكشف، فإذا هي أنت، فقلت: إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه، ثم أريتك يحملك في سرقة، فقلت: اكشف فكشف، فإذا هي أنت، فقلت: إن يكن هذا من عند اللَّه يمضه، ترجم عليه باب ثياب الحرير في المنام. وخرّجه في كتاب البعث في باب تزويج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عائشة من حديث وهيب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها: أريتك في المنام مرتين، أرى أنك في سرقة، ويقول: هذه امرأتك، فاكشف عنها فإذا هي أنت، وأقول: إن يك هذا من عند اللَّه يمضه. وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة ويحيى، قالا: لما هلكت خديجة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون، فقالت: يا رسول اللَّه ألا تزوج؟ قال: من؟ قالت: إن شئت بكرا، أو إن شئت ثيبا. قال: فمن البكر؟ قالت: بنت أحب خلق اللَّه إليك، عائشة بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك، واتبعتك على ما تقول، قال: فاذهبي فاذكريهما علي، فدخلت بيت أم رومان [ (3) ] ، فقالت: يا أم رومان ماذا أدخل اللَّه عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلنى رسول اللَّه أخطب عليه عائشة، قالت:
انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقالت: يا أبا بكر، ماذا أدخل اللَّه عليك من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول اللَّه أخطب عائشة، قال: وهل تصلح له، إنما هي بنت أخيه، فرجعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له، فقال: انتظري، وعند ما خرجت خولة، قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه، فو اللَّه ما وعد وعدا فأخلفه لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على مطعم بن عدي، وعنده امرأته أم الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة لعلك مصب صاحبنا مدخله في دينك الّذي أنت عليه إن تزوج إليك، [قال أبو بكر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- للمطعم بن عدي: أقول هذه تقول، قال: أنها تقول ذلك] [ (1) ] ، فخرج من عنده وقد أذهب اللَّه ما في نفسه من عدته التي وعده، فرجع، فقال لخولة: ادعى لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعته فزوجها إياه وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يومئذ بنت ست سنين، ثم خرجت، فدخلت على سودة بنت زمعة، فقالت: ماذا أدخل اللَّه عليك من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخطبك عليه، قالت: وددت أدخلي على أبي فاذكرى له ذلك، وكان شيخا كبيرا قد أدركته السن وتخلف عن الحج. فدخلت عليه فحيته بتحية الجاهلية، فقال: من هذه؟ فقال: خولة بنت ابنة حكيم، قال: فما شأنك؟ قالت: أرسلنى محمد بن عبد اللَّه أخطب عليه سودة، قال: كفؤ كريم، فماذا تقول صاحبتك؟ قالت: تحب ذاك، قال: ادعها إلى فدعتها، فقال: أي بنية، إن هذه تزعم أن محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب أرسل يخطبك، وهو كفؤ كريم. أتحبين أن أزوجك به؟ قالت: نعم، قال: أدعية لي، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزوجها إياه، فجاء أخوها عبد اللَّه بن زمعة من الحج، فجعل يحثى التراب في رأسه، فقال: بعد ما أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثى في رأسي التراب أن تزوج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سودة بنت زمعة.
قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج بالسنح، قالت: فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخل بيتنا، واجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء فجاءتني أمي، وأنى لفي أرجوحة [بين عذقين] ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة، ولى جميمة [ (1) ] ، ففرقتها، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودنى حتى وقفت عند الباب، وإني لأنهج حتى سكن من نفسي، ثم دخلت، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلسني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك فبارك اللَّه لك فيهم، وبارك لهم فيك، فوثب الرجال والنساء، وخرجوا وبني بي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتنا ما نحرت على جزور، ولا نحرت شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بجفنة، كان يرسل بها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دار إلى نسائه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين.
وأما تعليم الله تعالى له جواب ما يسأله عنه السائلون في مقامه فيه الذي قام صلى الله عليه وسلم
وأما تعليم اللَّه تعالى له جواب ما يسأله عنه السائلون في مقامه فيه الّذي قام صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة [ (1) ] ، وفي كتاب العلم [ (2) ] في باب الغضب في الموعظة والتعليم، وخرّج مسلم [ (3) ] كلاهما من حديث أبي أسامة عن بريد بن أبي بردة، عن أبي موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سئل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أشياء كرهها، فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: سلوا عما شئتم، فقام رجل فقال: من أبي يا رسول اللَّه؟ قال: أبوك حذافة، فقام آخر، فقال: من أبي يا رسول اللَّه، قال: أبوك سالم مولى شيبة، فلما رأى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما في وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
من الغضب، قال: يا رسول اللَّه إنا نتوب إلى اللَّه، وخرّج مسلم في المناقب من حديث ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب [ (1) ] . وخرّج البخاريّ [ (2) ] في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من حديث شعيب عن الزهري، ومن حديث عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظهر، فلما سلّم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما، ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء، فليسأل عنه، فو اللَّه لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا. قال أنس: فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأكثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقول: سلوني، قال أنس: فقام إليه رجل، فقال: أين مدخلي يا رسول اللَّه؟ قال: النار، فقام عبد اللَّه بن حذافة، فقال: من أبي يا رسول اللَّه؟ قال: أبوك حذافة، قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني، قال: فبرك عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على ركبتيه، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا. قال: فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قال عمر ذلك، ثم قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده لقد عرضت على الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، وأنا أصلى، فلم أر كاليوم في الخير والشر. وزاد هشام بعقبه، قال ابن شهاب: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: قالت أم عبد اللَّه بن حذافة لعبد اللَّه بن حذافة: ما سمعت بابن قط
أعق منك! أأمنت أن تكون أمك قارفت بعض ما يقارف نساء أهل الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد اللَّه بن حذافة: واللَّه لو أحلقنى بعبد أسود للحقته. ولم يذكر مسلم في حديثه قوله، فقام إليه رجل، فقال: أين مدخلي يا رسول اللَّه؟ قال: النار، ولا ذكر البخاري قوله حين سمعوا ذلك من رسول اللَّه. وخرّج مسلم من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، ومن حديث أبي اليمان قال: أخبرنا شعيب كلاهما، عن الزهري، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا الحديث، وحديث عبيد اللَّه معه غير أن شعيبا قال: عن الزهري، قال: أخبرنا عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال: حدثني رجل من أهل العلم أن أم عبد اللَّه قالت مثل حديث يونس. وذكره البخاري [ (1) ] أيضا في كتاب الصلاة في باب وقت الظهر بعد الزوال [وقال جابر: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي بالهاجرة] [ (2) ] من حديث أبي اليمان، قال: أخبرني شعيب عن الزهري، قال: أخبرني أنس بن مالك، وذكر الحديث بنحو ما تقدم، وقال فيه: فذكر أن فيها أمورا عظاما، وقال: فقام عبد اللَّه بن حذافة السهمي، وقال: وبمحمد نبيا، ولم يذكر فيه سؤال الرجل له، والّذي نفسي بيده ولا ذكر الزيادة التي زادها مسلم بعقبة. وذكره البخاري [ (3) ] أيضا في كتاب العلم في باب من برك على ركبتيه عند العالم والمحدث، ولفظه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج، فقام عبد اللَّه بن حذافة، فقال: من أبي، فقال: أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول: سلوني، فبرك عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على ركبتيه فقال: رضينا باللَّه ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نبيا، فسكت.
وخرّج مسلم [ (1) ] في المناقب من حديث النضر بن شميل، قال شعبة: حدثنا موسى بن أنس، عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أصحابه شيء، فخطب، فقال: عرضت عليّ الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، قال: فما أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أشد منه، قال: فغطوا رءوسهم وله خنين، قال: فقام عمر، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا. قال: فقام ذلك الرجل، فقال: من أبي؟ قال: أبوك فلان، قال: فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [ (2) ] . وخرّجه أيضا من حديث روح بن عبادة [ (3) ] قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني موسى بن أنس، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول اللَّه من أبي؟ قال: أبوك فلان، قال: فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ تمام الآية. وخرجه البخاري [ (4) ] في التفسير من حديث منذر بن الوليد بن عبد الرحمن ابن الجارود أخبرنا أبي، حدثنا شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس، قال: خطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، قال: فغطى أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجوههم ولهم خنين، فقال رجل: من أبي؟ قال: فلان، فنزلت هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، رواه أبو النضر وروح ابن عبادة، عن شعبة، ذكره في تفسير سورة المائدة.
وخرّج في كتاب الاعتصام [ (1) ] من حديث روح بن عبادة، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني موسى بن أنس، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول اللَّه من أبي، قال: أبوك فلان، قال: ونزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ الآية. وخرّج مسلم [ (2) ] في المناقب من حديث عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن الناس سألوا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحفوه بالمسألة، فحرج ذات يوم، فصعد المنبر، فقال: سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم، فلما سمع ذلك القوم، أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر. قال أنس: فجعلت ألتفت يمينا وشمالا، فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكى، فأنشأ رجل من المسجد كان يلاحى، فيدعى لغير أبيه، قال: يا نبي اللَّه، من أبى؟ قال: أبوك حذافة، ثم أنشأ عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا عائذا باللَّه من سوء الفتن. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لم أر كاليوم قط في الخير والشر، إني صورت لي الجنة والنار، فرأيتهما دون هذا الحائط. وخرّجه أيضا من حديث خالد يعني ابن الحارث [ (3) ] ، ومحمد بن بشار حدثنا محمد بن أبي عدي كلاهما عن هشام. وفي حديث معتمر قال: سمعت أبي، قالا جميعا: حدثنا قتادة عن أنس بهذه القصة. وخرّج البخاري [ (4) ] في كتاب الدعاء في باب التعوذ من الفتن من حديث هشام، عن قتادة، عن أنس قال: سألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحفوه بالمسألة،
فغضب، فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم، فجعلت انظر يمينا وشمالا، فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكى، فإذا رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي اللَّه من أبي؟ قال: أبوك حذافة، ثم أنشأ عمر، فقال: رضينا باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، نعوذ باللَّه من سوء الفتن. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط صورت لي الجنة والنار، حتى رأيتهما وراء الحائط. وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. وفي حديث سعيد حدثنا قتادة أن أنسا حدثهم عن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا، وقال: عائذا باللَّه من سوء الفتن، أو قال: أعوذ باللَّه من سوء الفتن. ومن حديث معتمر عن أبيه قال قتادة: أن أنسا حدثهم عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بهذا، وقال: عائذا باللَّه من شر الفتن. وذكره البخاري [ (1) ] أيضا في كتاب الصلاة في باب رفع البصر إلى الإمام من حديث محمد بن سنان حدثنا فليح، حدثنا هلال بن علي عن أنس بن مالك، قال: صلى لنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم رقى، فأشار بيده قبل قبلة المسجد، ثم قال: لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين في قبلة هذا الجدار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ثلاثا، وذكره في كتاب الرقاق [ (2) ] . قال أبو نعيم فأظهر صلّى اللَّه عليه وسلّم نعمة اللَّه- تعالى- لديه في تعليمه إياه جواب سؤال السائلين لو سألوه في مقامه ذلك، فلو سئل لورد جواب مسألتهم حسب ما سبق من اللَّه له الوعد به.
وأما إشارته إلى أبي هريرة رضي الله تبارك وتعالى عنه حتى أنه لم ينس بعد ذلك شيئا حفظه منه
فالفضيلة بموعود اللَّه له تأتيه، وإن لم يسأل، فزاده اللَّه بها بصيرة وثقة بربه- تعالى، وازداد المؤمنون إيمانا، وثباتا على ما عهدوا من صدق دعوته صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن عبد البر: وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إني رأيت الجنة، ورأيت النار، فالآثار في رؤيته لهما كثيرة، وقد رآهما مرارا على ما جاءت به الآثار عنه، وعند اللَّه علم كيفية رؤيته لهما، فممكن أن يمثلا له فينظر إليهما بعيني وجهه كما مثل له بيت المقدس حين كذبه الكفار في الإسراء فنظر إليه، وجعل يخبرهم عنه، وممكن أن يكون ذلك برؤية القلب، والظاهر هو أنه رأى الجنة والنار رؤية عين، وتناول من الجنة عنقودا، ويؤيد ذلك قوله فيه: لم أر كاليوم منظرا قط، وحق النظر إذا أطلق، والرؤية أن لا يتبعوا بهما رؤية العين لا يدل بدليل على أن الجنة والنار مخلوقتان. وأما إشارته إلى أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى أنه لم ينس بعد ذلك شيئا حفظه منه فخرّج البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة، وقال النسائي في سياقته عن سفيان قال: حدثنا الزهري، قال: سمعت أبا هريرة يقول، قال مسلم في سياقته عن سفيان، عن الزهري، عن الأعرج، قال: سمعت أبا هريرة يقول:، وقال البخاري في سياقته عن سفيان حدثنا الزهري. أنه سمعه من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة، قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واللَّه الموعد أنني كنت امرأ مسكينا ألزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال النسائي: أصحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال مسلم: أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني، وكان المسلمون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم، وقال: من يبسط رداءه، حتى أقضى مقالتي فلا ينسى شيئا سمعه منى، فبسطت بردة
كانت على، قال النسائي: حتى قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته، ثم قبضتها إلى. وقال مسلم: فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثم ضممته إلي. قال البخاري والنسائي: فو الّذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا، ولم يقل مسلم: فو الّذي بعثه بالحق. قال: فما نسيت شيئا سمعته منه. ذكر النسائي [ (1) ] هذا الحديث في كتاب العلم في باب حفظ العلم، وذكره مسلم [ (2) ] في كتاب المناقب. وذكره البخاري [ (3) ] في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة في باب الحجة على من قال إنّ أحكام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ظاهرة، وما كان بعضهم يغيب عن مشاهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمور الإسلام. وخرّجه مسلم [ (4) ] أيضا من حديث معن، عن مالك، ومن حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معتمر- كلاهما- عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ولم يذكر في حديثه الرواية عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من بسط ثوبه إلى آخره. وخرجه البخاري [ (5) ] في كتاب الحرث والمزارعة في باب ما جاء في الغرس، من حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث واللَّه الموعد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله كان يشغلهم الصفق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا ألزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون.
وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما: لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره، فينسى من مقالتي شيئا أبدا، فبسطت نمرة ليس على ثوب غيرها حتى قضى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فو الّذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومى هذا، واللَّه لولا آتيان في كتاب اللَّه ما حدثتكم شيئا أبدا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى إلى قوله: الرحيم. وخرّج البخاري [ (1) ] والنسائي من حديث مالك عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب اللَّه ما حدثت حديثا، ثم يتلون إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون. وقال النسائي: ويقول على أثر الآيتين إن إخواننا من الأنصار ... الحديث، وقال فيه: فيحضر ما لا يحضرون، ذكره البخاري في كتاب العلم [ (2) ] .
وخرّج مسلم بعد حديث سفيان بن عيينة المفتتح به، وبعد ما ذكر من حديث مالك، ومعمر عن الزهري حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: ألا يعجبك أبو هريرة؟ جاء، فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسمعني، وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضى سبحتي، ولو أدركته لرددت عليه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يسرد الحديث كسردكم [ (1) ] . قال ابن شهاب: وقال ابن المسيب: إن أبا هريرة قال: يقولون: أن أبا هريرة قد أكثر واللَّه الموعد، ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون بمثل أحاديثه، وسأحدثكم عن ذلك إن إخوانه من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضهم، وإن إخوانه من المهاجرين، كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، ولقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما: أيكم يبسط ثوبه، فيأخذ منى حديثي هذا، ثم يجمعه إلى صدره، فإنه لن ينسى شيئا سمعه، فبسطت بردة على حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به، ولولا آيتان أنزلهما اللَّه- عز وجل- في كتابه ما حدثت شيئا أبدا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى [ (2) ] إلى آخر الآيتين [ (3) ] .
وخرّج في المناقب [ (1) ] بعد ما تقدم له من الروايات في هذا الباب من حديث أبي اليمان عن شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثل حديث أبي هريرة؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا. وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون، وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث يحدثه: أنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضى مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما
أقول، فبسطت نمرة على، حتى إذا قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تلك من شيء [ (1) ] . وأخرجه النسائي أيضا في كتاب العلم في باب حفظ العلم من حديث شعيب عن الزهري. وخرج البخاري في- كتاب العلم- من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قلت: يا رسول اللَّه، إني أسمع منك حديثا كثيرا أنساه، قال: ابسط رداءك، فبسطته فغرف بيده، قال: هلم، فضممته، فما نسيت شيئا بعد [ (2) ] . ومن حديث ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: حفظت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعاءين، فأما أحدهما: فبثثته، وأما الآخر: فلو بثثته قطع هذا الحلقوم [ (3) ] . وخرج في كتاب العمل في الصلاة- في باب تفكر الرجل في الشيء في الصلاة، من حديث ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري قال: قال أبو هريرة: يقول الناس أكثر أبو هريرة، فلقيت رجلا، فقلت: بم قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
البارحة في العتمة؟ فقال: لا أدري، فقلت: ألم تشهدها؟ قال: بلى، قلت: لكن أنا أدرى، فقرأ بسورة كذا وكذا [ (1) ] . وخرّج الحاكم من حديث إسماعيل بن أمية أن محمد بن قيس بن مخرمة، حدثه أن رجلا جاء زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال: عليك بأبي هريرة، فإنه بينا أنا، وأبو هريرة، وفلان في المسجد ذات يوم ندعو اللَّه، ونذكر ربنا، خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، حتى جلس إلينا، فقال: عودوا إلى الّذي كنتم فيه، فقال زيد: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يؤمن على دعائنا، قال: ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللَّهمّ إني أسألك مثل الّذي سألك صاحباي هذان، أسألك علما لا ينسى، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: آمين، فقلنا: يا رسول اللَّه، ونحن نسألك علما لا ينسى، فقال: سبقكما بها الدوسيّ، قال الحاكم: صحيح الإسناد [ (2) ] . ومن حديث زيد الأحوص عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبو هريرة وعاء العلم [ (3) ] .
وقال وكيع عن الأعمش عن أبي صالح قال: كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وقال هوذة بن خليفة حدثنا عوف عن سعيد بن الحسن، قال: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أكثر حديثا عنه من أبي هريرة. وقال جرير عن الأعمش، عن أبي وائل، عن أبي حذيفة، قال: قال رجل لابن عمر: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال ابن عمر: أعيذك باللَّه أن تكون في شك مما يجيء به، ولكنه اجترأ وجبنا [ (2) ] . وقال الربيع عن الشافعيّ: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره.
وأما حفظ عثمان بن أبي العاص [1] القرآن رضي الله تبارك وتعالى عنه بعد نسيانه بضرب الرسول صلى الله عليه وسلم في صدره
وأما حفظ عثمان بن أبي العاص [ (1) ] القرآن رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بعد نسيانه بضرب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدره فخرّج النسائي من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب، عن زيد بن الحكم، عن عثمان بن أبي العاص، قال: قلت: يا رسول اللَّه إني لأنسى القرآن، قال: فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدري، ثم قال: اخرج يا شيطان من صدر عثمان، فما نسيت شيئا بعد أن حفظته. وأما هداية اللَّه تعالى أم أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما إلى الإسلام بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ما كان ابنها يدعوها إلى ذلك فتأبى فخرّج مسلم من حديث عكرمة بن عمار عن أبي كثير، قال: حدثني أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما، فأسمعتني في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أبكى، قلت: يا رسول اللَّه إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم فأسمعتنى فيك ما أكره، فادع اللَّه أن يهدي أم أبي
وأما سلامة منديل مر على وجهه صلى الله عليه وسلم فلم تحرقه النار لما طرح فيها
هريرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشر بدعوة نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما جئت وصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشفة قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله: قال: فرجعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: أبشر قد استجاب اللَّه دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد اللَّه، وقال: خيرا. قال: قلت: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يحببني أنا وأمى إلى عبادة المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب عبيدك هذا يعنى أبا هريرة، وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين، فما خلف مؤمن يسمع بي، ولا يراني إلا أحبني [ (1) ] ، وخرّجه البخاري في الأدب المفرد. وأما سلامة منديل مر على وجهه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم تحرقه النار لما طرح فيها فخرّج أبو نعيم [ (2) ] من حديث محمد بن رميح، قال: حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة، حدثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد، قال: أتينا أنس بن مالك نسلم عليه، فقال: يا جارية، هلمي المائدة نتغدى، فأتته بها فتغدينا، ثم قال: يا جارية هلمي المنديل، فأتته بمنديل وسخ، فقال: يا جارية أسجرى التنور، فأوقدته، فأمر بالمنديل، فطرح فيه، فخرج أبيض كأنه اللبن. فقلت: يا أبا حمزة! ما هذا؟ قال: هذا منديل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمسح به وجهه، وإذا اتسخ صنعنا به هكذا، لأن النار لا تأكل شيئا مر على وجوه الأنبياء- عليهم السلام.
وأما نهضة بعير جابر بن عبد الله رضي الله تبارك وتعالى عنه في مسيره بعد تخلفه وإعيائه عند ما نخسة الرسول الله صلى الله عليه وسلم أو ضربه
وأما نهضة بعير جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في مسيره بعد تخلفه وإعيائه عند ما نخسة الرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو ضربه فخرّج البخاري [ (1) ] في كتاب الشروط من حديث أبي نعيم. وخرّج مسلم [ (2) ] في كتاب البيوع من حديث عبد اللَّه بن نمير كلاهما، عن زكريا، عن عامر، قال: حدثني جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه، أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدعاني، وضربه، فصار يسير لم يسر مثله، قال: بعنيه بأوقية، قال: لا، ثم قال: بعينه بأوقية، فبعته بأوقية، واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم قال رجعت، فأرسل في أثرى. فقال: أتراني ماكستك لأخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك، هكذا سياقة مسلم. ولم يذكر فيه البخاري، فأراد أن يسيبه، وقال في آخره ثم انصرفت، فأرسل على أثرى، فقال: ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك. وخرّجه النسائي من حديث يزيد، قال: أخبرنا زكريا عن عامر، عن جابر أنه كان يسير مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على جمل فأعيا ... الحديث، وقال فيه: أتبيعه بأوقية، والأوقية أربعون درهما، وقال في آخره: إنما ماكستك لأخذ جملك، خذ جملك ودراهمك فهما لك، ذكره في الجهاد. وخرج بعد حديثه من حديث عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عامر، قال: حدثني جابر بن عبد اللَّه- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- بمثل حديث ابن نمير، وترجم البخاري على حديثه: باب اشتراء البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى، وقال بعد هذا الحديث: وقال شعبة: عن مغيرة، عن عامر، عن جابر: أفقرني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ظهره إلى المدينة، وقال إسحاق: عن جرير، عن مغيرة: على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة. وقال عطاء وغيره: ولك ظهره إلى المدينة، وقال محمد بن المنكدر [ (1) ] عن جابر شرط ظهره إلى المدينة، وقال زيد بن أسلم عن جابر: ولك ظهره حتى ترجع. وقال أبو الزبير عن جابر: أفقرناك ظهره إلى المدينة، وقال الأعمش: عن سالم، عن جابر، تبلغ عليه إلى أهلك، قال أبو عبد اللَّه: الاشتراء أكثر
وأصح عندي. وقال عبد اللَّه، وابن إسحاق عن وهب، عن جابر: واشتراه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأوقية، وتابعه زيد بن أسلم، عن جابر، وقال ابن جريح: عن عطاء وغيره، عن جابر: وأخذته بأربعة دنانير، وهذا يكون أوقية على حساب الدينار بعشرة. ولم يبين الثمن مغيرة عن الشعبي، عن جابر وابن المنكدر، وأبو الزبير، عن جابر، وقال الأعمش: عن سالم، عن جابر، وفيه ذهب. وقال أبو إسحاق: عن سالم، عن جابر بمائتي درهم، وقال داود بن قيس: عن عبد اللَّه بن مقسم، عن جابر اشتراه بطريق تبوك، أحسبه قال: بأربعة أواق، وقال أبو نضرة، عن جابر: اشتراه بعشرين دينارا، وقول الشعبي: بأوقية أكثر [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] في كتاب الجهاد، ومسلم [ (3) ] في البيوع من حديث جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: غزوت مع
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتلاحق بي وتحتى ناضح لي قد أعيا، وقال البخاري: قال: فتلاحق بى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا على ناضح لنا قد أعيا فلا يكاد يسير، قال: فقال لي: ما لبعيرك؟ قال: قلت: عليل، وقال البخاري: قال: قلت: عيى، قال: فتخلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزجره، ودعا له فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، قال: فقال لي: كيف ترى بعيرك؟ قلت: بخير، قد أصابته بركتك، قال: أفتبيعنه؟ قال: فاستحييت، ولم يكن لنا ناضح غيره، قال: فقلت: نعم، فبعته إياه على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة، قال: فقلت يا رسول اللَّه: أنى عروس فأستأذنته فأذن لي، فتقدمت الناس إلى المدينة حتى انتهيت، فلقيني
خالي، وقال البخاري: حتى أتيت المدينة، فلقيني خالي، فسألني عن البعير، فأخبرته بما صنعت فيه، قال: وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لي حين استأذنته: ما تزوجت؟ أبكرا أم ثيبا؟ فقلت له: تزوجت ثيبا، قال: أفلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك. فقلت: يا رسول اللَّه توفى والدي أو استشهد، ولي أخوات صغار، فكرهت أن أتزوج إليهن مثلهن فلا تؤدبهن، ولا تقوم عليهنّ، فتزوجت ثيبا، لتقوم عليهنّ وتؤدبهن، قال: فلما تقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة غدوت عليه بالبعير، فأعطاني ثمنه، ورده على. زاد البخاري بعد هذا، قال المغيرة: هذا في قضائنا حسن لا نرى به بأسا ترجم عليه البخاري باب استئذان الرجل الإمام لقوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ الآية [ (1) ] ، وذكر القصة في أول كتاب الاستقراض، في باب من اشترى بالدين، وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته [ (2) ] .
وخرّج مسلم [ (1) ] بعد حديث جرير، عن مغيرة حديث جرير، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: خرجنا من مكة إلى المدينة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وساق الحديث بقصته، وفيه ثم قال: بعنى جملك هذا، قال: قلت: لا بل هو لك. قال: لا بل بعنيه، قال: قلت: لا بل هو لك يا رسول اللَّه، قال: لا بل بعنيه. قلت: فإن لرجل عليّ أوقية من ذهب فهو لك بها، قال: قد أخذته فبلغ به [ (2) ] إلى المدينة، قال: فلما قدمت المدينة قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لبلال: أعطه أوقية من ذهب، وزده، قال: فأعطاني أوقية من ذهب، وزادني قيراطا.
قال: فقلت: لا تفارقني زيادة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: وكان في كيس لي، فأخذه أهل الشام يوم الحرة [ (1) ] .
وخرّج أيضا من حديث عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا الجريريّ، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فتخلف ناضحي، وساق الحديث، قال فيه: فنخسه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال لي: اركب بسم اللَّه، وزاد أيضا قال: فما زال يزيدني، ويقول: واللَّه يغفر لك [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] من حديث ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، وغيره، يزيد بعضهم على بعض، لم يبلغه كلهم رجل منهم. عن جابر بن
عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر، فكنت على جمل ثقال، إنما هو في آخر القوم، فمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: من هذا؟ فقلت: جابر بن عبد اللَّه. قال: مالك قلت إني على جمل ثقال، قال: أمعك قضيب؟ قلت: نعم قال: أعطنيه، فضربه، فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم، قال: بعنيه، قال: قلت: بل هو لك يا رسول اللَّه، فقال: بل بعنيه، قد أخذته بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة، فلما دنونا من المدينة أخذت أرتحل، قال: أين تريد؟، قلت: تزوجت امرأة قد خلا منها، قال: فهلا جارية تلاعبها، وتلاعبك؟ قلت: إن أبي توفي، وترك بنات، فأردت أن أنكح امرأة قد جربت خلا منها، قال: فذلك، فلما قدمنا المدينة قال: يا بلال اقضه، وزده، فأعطاه أربعة دنانير، وزاده قيراطا، قال: لا تفارقني زيادة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلم يكن القيراط يفارق قراب جابر بن عبد اللَّه. ذكره في كتاب الوكالة، وترجم عليه إذا وكل رجلا أن يعطى شيئا، ولم يتبين كم يعطي فأعطى على ما يتعارفه الناس. وذكر مسلم [ (1) ] منه طرفا يسيرا من حديث ابن جريج عن عطاء، عن جابر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: قد أخذت جملك بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة لم يزد على هذا. وخرّج أيضا من حديث حماد، قال: حدثنا أيوب عن أبي الزبير، عن جابر قال: أتى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أعيا بعيري، فنخسه، فوثب فكنت بعد ذلك أجبس خطامه لأسمع حديثه، فما أقدر عليه، فلحقني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ولك ظهره إلى المدينة بعنيه فبعته منه بخمس أواق، قال: قلت: على أن لي ظهره إلى المدينة، قال: فلمّا قدمت المدينة أتيته به، فزادني أوقية ثم وهبه لي [ (2) ] .
وخرّج بعد حديث أبي الزبير هذا من حديث بشير بن عقبة، عن أبي المتوكل الناجي، عن جابر بن عبد اللَّه قال: سافرت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره، أظنه قال غازيا واقتصر الحديث، وزاد فيه: قال: يا جابر استوفيت الثمن؟ قلت: نعم، قال: لك الثمن، ولك الجمل [ (1) ] ، لك الثمن، ولك الجمل، هكذا ذكره كما كتبناه. وخرّج البخاري [ (2) ] من حديث عقيل، حدثنا أبو المتوكل الناجي قال: أتيت جابر بن عبد اللَّه الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فقلت له: حدثني بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سافرت معه في بعض أسفاره، قال أبو عقيل: لا أدرى غزوة أم عمرة، فلما أن أقبلت قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من أحب أن يتعجل أهله فليتعجل، قال جابر: فأقبلنا وأنا على بعير لي أرمك ليس فيه شية، والناس من خلفي، فبينا أنا كذلك إذ قام على، فقال لي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا جابر استمسك، فضربه بسوط ضربة، فوثب البعير مكانه، فقال: أتبيع الجمل؟ قلت: نعم، فلما قدمنا المدينة ودخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المسجد في طوائف أصحابه، فدخلت إليه وعقلت الجمل في ناحية البلاط، فقلت له: هذا جملك، فخرج فجعل يطيف بالجمل، ويقول: الجمل جملنا، فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أواق من ذهب،
فقال: أعطوها جابرا، ثم قال: استوفيت الثمن؟ قلت: نعم، قال: الثمن والجمل لك. ذكره في كتاب الجهاد وترجم باب من ضرب دابة غيره في الغزو، وذكره مختصرا محذوف الإسناد في كتاب المظالم، وترجم عليه باب من عقل بعيرا على البلاط، أو في باب المسجد [ (1) ] . قال كاتبه- يعنى مؤلفه-: وكانت قصة بعير جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- هذه التي أوردت من طرقها ما أمكن إيراده في غزوة ذات الرقاع [ (2) ] كما تقدم.
وقال الواقدي- وقد ذكر غزوة ذات الرقاع-: ثم رحنا مبردين. قال جابر: فإنا لنسير إذ أدركني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال مالك: يا جابر، فقلت: يا رسول اللَّه جدي أن يكون لي بعير سوء، وقد مضى الناس وتركوني، قال: فأناخ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعيره. فقال: أمعك ماء؟ فقلت: نعم، فجئته بقعب من ماء، فنفث فيه، ثم نضح رأسه وظهره وعلى عجزه، ثم قال: أعطني عصا، فأعطيته عصا، أو قال: قطعت له عصا من شجرة، قال: ثم نخسة نخسات، ثم قرعه بالعصا، ثم قال: اركب يا جابر، فركبت. قال: فخرج، والّذي بعثه بالحق يواهق [ (1) ] ناقته مواهقة ما تفوته ناقته، قال: وجعلت أتحدث مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال لي: يا أبا عبد اللَّه أتزوجت، قلت: نعم، قال: بكرا أم ثيبا؟ فقلت: ثيبا، فقال: ألا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ فقلت: يا رسول اللَّه- بأبي وأمى، إن أبي أصيب يوم أحد، فترك تسع بنات فتزوجت امرأة جامعة تلم شعثهن، وتقوم عليهنّ، قال: أصبت. ثم قال: أما أنا لو قدمنا صرارا [ (2) ] أمرنا بجزور، فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذلك، وسمعت بنا فنفضت نمارقها، قال: قلت: واللَّه يا رسول اللَّه ما لنا نمارق، قال: أما إنها ستكون، فإذا قدمت فاعمل عملا كيسا. قال: قلت: أفعل ما استطعت، قال: ثم قال: بعني جملك هذا يا جابر، قلت: بل هو لك يا رسول اللَّه، فقال: لا بل بعنيه، قال: قلت: نعم سمنى به، قال: فإنّي آخذه بدرهم، قال: قلت: تغبنني يا رسول اللَّه؟ قال: لا
لعمري. قال جابر: فما زال يزيدني درهما حتى بلغ أربعين درهما وأوقية، فقال: أما رضيت، فقلت هو لك، قال: فظهره لك حتى تقدم المدينة. قال: ويقال: إنه قال: آخذه منك بأوقية، وظهره لك، فباعه على ذلك، قال: فلما قدمنا صرارا أمر بجزور، فنحرت وأقام به يومه، ثم دخلنا المدينة. قال جابر: فقلت للمرأة: قد أمرنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أعمل عملا كيسا، قالت: سمعا وطاعة لأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فدونك فأفعل، قال: ثم أصبحت، فأخذت برأس الجمل، فانطلقت حتى أنخته عند حجرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وجلست حتى خرج. فلما خرج قال: أهذا الجمل؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه الّذي اشتريت، فدعا بلالا، فقال: اذهب فأعطه أوقية، وخذ برأس جملك يا بن أخي، فانطلقت مع بلال. فقال: أنت ابن صاحب الشعب، فقلت: نعم، فقال: لأطيبنك ولأزيدنك، فزادني قيراطا أو قيراطين. قال: فما زال يثمر ذلك ويزيدنا اللَّه به، ونعرف موضعه، حتى أصيب هاهنا قريبا يعنى الجمل. هكذا ساق الواقدي هذه القصة في مغازيه كما كتبتها [ (1) ] .
وأما ظهور بركته صلى الله عليه وسلم في فرس أبي طلحة رضي الله تبارك وتعالى عنه حتى صار لا يجاريه فرس بعد أن كان قطوفا بطيئا
وأما ظهور بركته صلّى اللَّه عليه وسلّم في فرس أبي طلحة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى صار لا يجاريه فرس بعد أن كان قطوفا بطيئا فخرّج البخاري [ (1) ] من حديث غندر نا شعبة، قال: سمعت قتادة عن أنس ابن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لنا يقال له: مندوب، فقال: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا، ذكره في الجهاد في باب اسم الفرس والحمار، وخرّجه في كتاب الهبة [ (2) ] من
حديث آدم، عن شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنسا يقول: كان فزع بالمدينة، واستعار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا من أبي طلحة، يقال له: المندوب، فركب فلما رجع قال: ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرا، ترجم عليه باب من استعار من الناس الفرس والدابة. وخرّجه أيضا في باب مبادرة الإمام عند الفزع [ (1) ] من حديث يحيى، عن شعبة، حدثني قتادة عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان بالمدينة فزع فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة، فقال: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا. وخرّج مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث وكيع، حدثنا شعبة عن قتادة، عن أنس، قال: كان بالمدينة فزع فاستعار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة، يقال له: مندوب، فركب، فقال: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا، وخرجه من حديث محمد بن جعفر، وخالد بن الحارث عن شعبة بهذا الإسناد [ (3) ] .
وخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث حماد بن زيد عن ثابت، عن أنس ابن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس. وقال البخاري: الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم راجعا، وقد سبقهم إلى الصوت. وقال البخاري: فاستقبلهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة ما عليه سرج، في عنقه سيف، قال: وجدنا بحرا، وإنه لبحر، قال: وكان فرسا ثبطا، لم يذكر البخاري: وكان فرسا ثبطا. وخرّج البخاري في كتاب الجهاد [ (3) ] في باب إذا فزعوا في الليل من حديث حماد يعنى ابن زيد، عن ثابت، عن أنس، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة، فسمعوا صوتا، قال: فتلقاهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على فرس لأبي طلحة عرى وهو متقلد سيفه، فقال: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وجدته بحرا يعنى الفرس. وخرّج في باب الحمائل [ (4) ] وتعليق السيف بالعنق، هذا الحديث بهذا الإسناد، ولفظه عن أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أحسن الناس، وأشجع الناس،
ولقد فزع أهل المدينة، فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري، وفي عنقه السيف، وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال: وجدناه بحرا، وقال: إنه لبحر، وذكره في باب الشجاعة في الحرب [ (1) ] ، وفي باب ركوب الفرس العري [ (2) ] . وخرج البخاري من حديث يزيد بن زريع حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن أهل المدينة فزعوا مرة، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة كان يقطف [ (3) ] ، أو كان فيه قطاف [ (4) ] ، فلما رجع قال: وجدنا فرسكم هذا بحرا، وكان بعد ذلك لا يجاري. ذكره في كتاب الجهاد، وترجم عليه باب الفرس القطوف، وخرجه أيضا في باب السرعة والركض في الفزع من حديث جرير بن حازم عن محمد، عن أنس بن مالك قال: فزع الناس، فركب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرسا لأبي طلحة بطيئا، وخرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: لم تراعوا إنه لبحر فما سبق بعد ذلك اليوم.
وأما فراهة فرس جعيل [1] بعد عجفها وتأخر مسيرتها وبيعة نتاجها بمال جم بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له فيها بالبركة
وأما فراهة فرس جعيل [ (1) ] بعد عجفها وتأخر مسيرتها وبيعة نتاجها بمال جم بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم له فيها بالبركة خرّج البيهقي [ (2) ] من حديث رافع بن سلمة بن زياد الأشجعي، قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي الجعد الأشجعي، عن جعيل، قال: غزوت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة. قال: فكنت في أخريات الناس، فلحقني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول اللَّه عجفاء ضعيفة، قال: فرفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مخفقة معه، فضربها بها، وقال: اللَّهمّ بارك له فيها، فقال: فلقد رأيتني وأنا أمسك في رأسها أن نتقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا.
وأما ضربه برجله صلى الله عليه وسلم ناقة لا تكاد تسير فصارت سابقة
وأما ضربه برجله صلّى اللَّه عليه وسلّم ناقة لا تكاد تسير فصارت سابقة فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث مروان بن معاوية، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو قال فتى، فقال: إني تزوجت امرأة، فقال: هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا؟ قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ فذكر شيئا قال: وكأنكم تنحتون الذهب والفضة من عرض هذا الجبل؟ ما عندنا شيء نعطيكه، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه، فبعث بعثا إلى بني عبس، وبعث الرجل فيهم، فأتاه، فقال: يا رسول اللَّه قد أعيتني ناقتي أن تنبعث، قال: فناوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده كالمعتمد عليه للقيام، فأتاه، فضربها برجله، قال أبو هريرة: والّذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق القائد. قال البيهقي: رواه مسلم في الصحيح [ (2) ] عن يحيى بن معين، عن مروان. قال كاتبه [ (3) ] : خرّج مسلم في النكاح من حديث ابن أبي عدي حدثنا سفيان، عن يزيد بن كيسان بن أبي حازم، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فاذهب، فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا. قال مسلم: وحدثني يحيى بن معين، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل نظرت إليها؟ فإن في عيون الأنصار شيئا.
قال: قد نظرت إليها، قال: على كم تزوجتها؟ قال على أربع أواق، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه، قال: فبعث بعثا إلى بني عبس وبعث ذلك الرجل فيهم، هكذا سياقة مسلم، ولم يذكر فيه قصة الناقة. وقد خرّج الحاكم [ (1) ] هذا الحديث من طريق زهير بن معاوية [ (2) ] ، قال: حدثنا أبو إسماعيل الأسلمي أن أبا حازم حدثه عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رجلا أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار على ثماني أواق، فتفزع لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل؟ هل رأيتها فإن في عيون الأنصار شيئا. قال: قد رأيتها؟ قال: ما عندنا شيء ولكنا سنبعثك في بعث وأنا أرجو أن تصيب خيرا، فبعثه في ناس إلى ناس من بني عبس، فأمر لهم بناقة، فحملوا عليها متاعهم، فلم ترم إلا قليلا حتى بركت، فأعيتهم أن تنبعث، فلم يكن في القوم أصغر من الّذي تزوج، فجاء إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مستلق في المسجد، فقام عند رأسه كراهية أن يوقظه، فانتبه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا نبي اللَّه إن الّذي أعطيتنا أعيينا أن نبعثه، فناوله نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمينه وأخذ رداءه بشماله، فوضعه على عاتقه، وانطلق يمشى حتى أتاها، فضربها بباطن قدمه، والّذي نفس أبي هريرة بيده لقد كانت بعد ذلك تسبق القائد، وإنهم نزلوا بحضرة العدو، وقد أوقدوا النيران، فأحاطوا بهم، وتفرقوا عليهم، وكبروا تكبيرة رجل واحد، وأن اللَّه- تعالى- هزمهم وأسر منهم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، بهذه السياقة.
إنما خرّج مسلم من حديث شعبة عن أبي إسماعيل، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: أن رجلا تزوج، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هلا نظرت إليها فقط، وقال أبو إسماعيل هذا هو بشير بن سليمان [ (1) ] ، وقد احتجا جميعا به. قال كاتبه: بشير بن سليمان أبو إسماعيل هذا يروي عن أبي حازم الأشجعي وخيثمة بن يوسف الفرياني، وطائفة، وثقة ابن معين وأحمد بن حنبل، خرج له مسلم والأربعة، وخرج له البخاري خارج الصحيح أظنه في كتاب (الأدب المفرد) [ (2) ] .
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم لبعير الرجل أن يحمله الله عليه فمكث عنده عشرين سنة
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لبعير الرجل أن يحمله اللَّه عليه فمكث عنده عشرين سنة فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث جعفر بن عوف، قال: أخبرنا الأعمش عن مجاهد أن رجلا اشترى بعيرا، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اشتريت بعيرا، فادع اللَّه أن يبارك لي فيه، فقال: اللَّهمّ بارك له فيه، فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق، ثم اشترى بعيرا آخر، فأتي به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه إني اشتريت بعيرا، فادع اللَّه أن يبارك لي فيه، فقال: اللَّهمّ بارك له فيه، فلم يلبث إلا يسيرا أن نفق، ثم اشترى بعيرا، فأتي به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه إني اشتريت بعيرا، فادع اللَّه أن يحملني عليه، قال: فقال اللَّهمّ احمله عليه، قال: فمكث عنده عشرين سنة. قال البيهقي: هذا مرسل، ودعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم صار إلى أمر الآخرة في المرتين الأوليين، ثم سأله صاحب البعير الدعاء أن يحمله عليه، فوقعت الإجابة [إليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفضل زكاة وأطيبها وأنماها] [ (2) ] .
وأما ذهاب الجوع عن فاطمة الزهراء - رضى الله تبارك وتعالى عنها - بدعائه صلى الله عليه وسلم
وأما ذهاب الجوع عن فاطمة الزهراء- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج أبو نعيم [ (1) ] ، والبيهقي [ (2) ] من حديث مسهر بن عبد الملك بن مسلع الهمدانيّ، عن عتبة أبي معاذ البصري عن عكرمة [مولى ابن عباس] ، عن عمران بن الحصين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبلت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فوقعت بين يديه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنظر إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد ذهب الدم من وجهها، وغلبت الصفرة على وجهها من شدة الجوع، فنظر إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ادني يا فاطمة، فدنت حتى قامت بين يديه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرفع يده الشريفة صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوضعها على صدرها في موضع القلادة، وفرج بين أصابعه، ثم قال: اللَّهمّ مشبع الجاعة، ورافع الوضيعة ارفع فاطمة بنت محمد [ (3) ] ، وفي رواية لا تجع فاطمة بنت محمد [ (4) ] . قال عمران: فنظرت إليها، وقد ذهبت الصفرة من وجهها، وغلب الدم كما كانت الصفرة غلبت على الدم، قال عمران: فلقيتها بعد، فسألتها، فقالت: ما جعت بعد يا عمران.
وأما كفاية علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه الحر والبرد بدعائه له صلى الله عليه وسلم
قال البيهقي- رحمه اللَّه: والأشبه أنه رآها صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل نزول آية الحجاب [ (1) ] . وأما كفاية علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه الحر والبرد بدعائه له صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج أبو نعيم من حديث أبى بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن شهاب، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم والمنهال وعيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يخرج في الشتاء في إزار ورداء، ثوبين خفيفين، وفي الصيف في القباء المحشو والثوب الثقيل، فقال الناس لعبد الرحمن: لو قلت لأبيك فإنه يسمر معه. قال: فسألت أبي أن الناس قد رأوا من أمير المؤمنين شيئا استنكروه، قال: وما ذاك، قلت: يخرج في الحر الشديد في القباء المحشو والثوب الثقيل، لا يبالي، ويخرج في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين والملاءتين والخفيفتين لا يبالي ذلك، ولا يتقى بردا، فهل سمعت في ذلك؟ فقد أمروني أن أسألك أن تسأله إذا أسمرت عنده، فسمر عنده. فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس قد تفقدوا منك شيئا، قال: وما هو؟ قلت: تخرج في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين والملاءتين ولا تبالي، وتخرج في الحر الشديد في القباء المحشو والثوب الثقيل، ولا تبالي بردا ولا حرا. قال: وما كنت معنا يا أبا ليلى بخيبر؟ قلت: بلى، واللَّه كنت معكم، قال: فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله ويحبه
اللَّه ورسوله يفتح اللَّه عليه ليس بفرار، قال: فدعاني، فأتيته وأنا أرمد لا أبصر شيئا. قال: فتفل في عيني، ثم قال: اللَّهمّ اكفه الحر والبرد، قال: فما أذاني بعد حر ولا برد [ (1) ] . وخرّجه من حديث محمد بن عمران بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: اجتمع إليّ نفر من أهل المسجد، فقالوا: إنا قد رأينا من أمير المؤمنين شيئا أنكرناه، قلت: وما هو؟، قالوا: يخرج علينا في الشتاء في إزار، ورداء، وفي الصيف في قباء محشو، فدخلت فذكرت ذلك لأبي، فلما راح إلى على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن الناس قد رأوا منك شيئا أنكروه، قال: وما هو؟ قلت: لباسك، قال: أوما كنت معنا حين دعاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أرمد فتفل في راحتيه وألصق بهما على عيني، وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الحر والبرد، والّذي بعثه بالحق ما وجدت لواحدة منهما أذى حتى الساعة [ (2) ] . قال كاتبة حديث لأعطين الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله، حديث. خرّجه البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] ، وسيأتي في طرقه عن قريب إن شاء اللَّه، وليست فيه قصة الحر والبرد، ولكن وقعت في النسائي.
خرّجه من حديث عبد اللَّه قال: حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم والمنهال، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه أنه قال لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان يسير معه: إن الناس قد أنكروا منك أنك تخرج في البرد في الملاءتين، وتخرج في الحر في الحشو والثوب الغليظ. قال: أولم تكن معنا بخيبر؟ قال: بلى، قال: فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. بعث أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعقد له لواء، فرجع الناس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطينّ الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله ليس بفرار. قال: فأرسل إلي وأنا أرمد، فتفل في عيني، وقال: اللَّهمّ [أذهب عنه] الحر والبرد، قال: فما وجدت حرا بعد ذلك ولا بردا. ومن حديث فردوس الأشعري قال: حدثنا مسعود بن سليمان: حدثنا حبيب ابن أبي ثابت، عن الجعد مولى سويد بن غفلة، أنه قال: لقيت عليا- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو في ثوبين في شدة الشتاء، فقلت: لا تغني بأرضنا هذه، فإنّها أرض مقرة [ (1) ] ، وليست مثل أرضك فقال: أما إني كنت مقرورا [ (2) ] ، فلما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر قلت: ما لي لا أدفأ به، وإني لأرمد، فتفل في عيني، ودعا لي فما وجدت بردا بعد، ولا رمدت عيناي. وخرّج أبو نعيم من حديث محمد بن فضيل، عن أبي حيان التيمي، عن شبرمة بن الطفيل قال: رأيت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بذي قار عليه إزار ورداء، وهو يهنأ بعيرا له في يوم شديد البرد، وإن جبينه ليرشح عرقا.
وأما شفاؤه مما يشكو من الوجع بدعائه صلى الله عليه وسلم
وأما شفاؤه مما يشكو من الوجع بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عمرو بن مرة قال: سمعت عبد اللَّه بن سلمة يقول: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أتى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا شاك أقول: اللَّهمّ إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان متأخرا فأرفق بي [ (2) ] . وإن كان بلاء فصبرني، فضربني برجله، وقال: كيف قلت؟ فأعدت عليه، فقال: اللَّهمّ اشفه، أو قال: اللَّهمّ عافه، قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فما اشتكيت وجعي ذاك بعد. وخرّجه النسائي من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت عبد اللَّه بن سلمة يحدث عن علي- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: مر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أقول: اللَّهمّ إن كان أجلى حضر فأرحني، وإن كان متأخرا فأرفق بي، وإن كان بلاء فصبرني، فضربني برجله، وقال: اللَّهمّ اشفه، اللَّهمّ عافه، فما اشتكيت بعد ذلك، وخرّجه عبد بن حميد من حديث شعبة.
وأما شفاؤه رضي الله تبارك وتعالى عنه من رمد ببصاق الرسول صلى الله عليه وسلم ودعائه له
وأما شفاؤه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من رمد ببصاق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ودعائه له فخرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي من حديث يعقوب بن عبد الرحمن بن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوم خيبر:
لأعطينّ هذه الراية رجلا يفتح اللَّه عليه يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلهم يرجون أن يعطاها. فقال أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول اللَّه يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه فأتى به، فبصق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كان لم يكن به وجع فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول اللَّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: أنفد على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام،
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فو اللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم. هكذا سياقة مسلم، وقال فيه البخاري: والنسائي: لأعطين هذه الراية غدا، ولم يذكر النسائي فيه قوله: فبات الناس يذكرون ليلتهم أيهم يعطاها. ذكره البخاري في غزوة خيبر، وذكره مسلم في المناقب، وذكره النسائي في فضائل على، وذكره البخاري أيضا في الجهاد في باب فضل من أسلم على يديه رجل [ (1) ] ، وذكره في المناقب [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لأعطين الراية غدا رجلا يفتح اللَّه على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول اللَّه، قال: فأرسلوا إليه، فأتى [ (3) ] به، فلما جاء بصق في عينيه، فدعا له حتى كأن لم يكن به وجع، الحديث إلى آخره مثله. وخرّجه في كتاب الجهاد، في باب دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الإسلام والنبوة [ (4) ] ، من حديث عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، عن سهل بن سعد، سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يفتح اللَّه على يديه، فناموا يرجون ذلك
أيهم يعطي؟ إذ كلهم يرجون أن يعطي [ (1) ] ، فقال: أين علي؟، فقيل: يشتكي عينيه، فأمر فدعا به فبصق في عينيه. فبرأ مكانه حتى كأن لم يكن به شيء، فقال: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال علي رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فو اللَّه لأن يهدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم. وخرّج البخاري في الجهاد في باب ما قيل في لواء النبي [ (2) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي مناقب علي، وخرّج مسلم في المناقب: كلاهما من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سلمة بن الأكوع، قال: كان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد تخلف عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في خيبر كان رمدا، وقال البخاري: وكان به رمد، فقال: أنا أتخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فلما كان في مساء الليلة التي فتحها اللَّه في صباحها، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه اللَّه ورسوله، أو قال: يحب اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه عليه، فإذا نحن بعلي، وما نرجوه. فقالوا: هذا على فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ففتح اللَّه عليه، لفظهما فيه متقارب. وخرّج النسائي [ (3) ] من حديث الحسين بن واقد، عن عبد اللَّه بن بريدة، قال: سمعت أبي بريدة يقول: حاصرنا خيبر، فأخذ اللواء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولم يفتح له وأخذه من الغد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فانصرف ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رافع لوائي غدا إلى رجل يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له ربنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغداة، ثم قام قائما، ودعا باللواء والناس على مصافهم، فما منا إنسان له منزلة عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا هو يرجو أن يكون صاحب اللواء فدعا علي بن
أبي طالب، وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء، وفتح اللَّه له، وقال: أنا فيمن تطاول لها. وخرّجه من حديث ميمون أبي عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن بريدة حدثه عن بريد الأسلمي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما كان حيث نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللواء عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فنهض معه من نهض من الناس فلقوا أهل خيبر، فانكشف هو وأصحابه، فرجعوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين اللواء رجلا يجب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، فلما كان من الغد تصادر أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فدعا عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فتفل في عينيه، ونهض معه من الناس من نهض، فلقى أهل خيبر، فإذا مرحب يرتجز وهو يقول: قد علمت خيبر أنى مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحيانا وحينا أضرب ... إذا الليوث أقبلت تلهب وخرّج أبو نعيم من حديث محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري قال: سمعت الربيع بن خيثم يقول: أتيت عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فسألته عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لأعطين الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله لا يرجع حتى يفتح اللَّه عليه، فجعل أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتصدونه، فقال: أين على بن أبي طالب؟ فقالوا: يا رسول اللَّه إنه أرمد لا يبصر، فأخذ الراية، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتى به فتفل في عينيه فأبصر، ثم نهر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فو الّذي نفسي بيده ما صعد آخرنا حتى فتح اللَّه على أولنا. ومن حديث عباد بن يعقوب، والنضر بن سعد بن صهيب قالا: حدثنا عبد اللَّه بن بكير، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوم خيبر: لأدفعن الراية إلى رجل يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح اللَّه
عليه، فأصبح الناس طيبة وجوههم رجاء أن يدفها إليهم، فدعا عليا، وهو أرمد، فتفل في عينيه، ثم دفع الراية إليه، ففتح اللَّه عليه. وخرّج من حديث أبي عوانة، عن أبي فليح، عن عمرو بن ميمون قال: كنت عند ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاءه نفر تسعة، فقالوا: يا ابن عباس قم معنا، فقام معهم، فما ندري ما قالوا غير أنه رجع ينفض ثوبه، ويقول: أف وأف وقعوا في رجل قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأدفعن رايتي هذه إلى رجل يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه على يديه، فأرسل إلى علي وهو في الرحل يطحن، وما كان أحدهم ليطحن، فجاءوا به رمدا. فقال: يا رسول اللَّه: ما أكاد أبصر، فنفث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينيه وأخذ الراية بيده، فهزها ثلاثا ثم دفعها إليه، ففتح له، فجاء بصفية بنت حيي. ومن حديث بكير بن مسمار قال: سمعت عاصم بن سعد يقول: أن أباه سعدا، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين هذه الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله فتطاولنا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أين علي، فقالوا: هو أرمد، قال: فدعوناه، فبصق في عينيه، ثم أعطاه الراية، ففتح اللَّه عليه. ومن حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، عن مسلم الملامى، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية رجلا يحبه اللَّه ورسوله، ويحب اللَّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح عليه، فلما أصبح صلّى الفجر، ثم نظر صلّى اللَّه عليه وسلّم في وجوه الناس، فرأى عليا منكسا في ناحية القوم يشتكي عينيه، فدعاه فقال: يا رسول اللَّه، إني أرمد فأخذ يفتح عينيه، ودعا له، قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فو الّذي بعثه بالحق ما اشتكيتها بعد. وخرّج من حديث معتمر بن سليمان عن أبيه، ومن حديث أبي عوانة، وأبي بكر بن أبي شيبة عن جرير، ومن حديث هشيم كلهم عن مغيرة، عن أم موسى سرية علي، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ما
رمدت، ولا صدعت، منذ تفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عيني حين بعثني في خيبر، قال: ورواه الحكم [ (1) ] وعيسى عن ابن أبي ليلى، عن علي. وخرّج من حديث عباد بن يعقوب، قال: حدثنا عمر بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي قال: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: كنت أرمد من دخان الحصن، فدعاني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فتفل في عيني، فما رمدت بعده. وخرّج من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا بكر بن أبي قحافة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- برايته إلى حصن من خيبر، فقاتل، ولم يك فتح، وقد جهد، ثم بعث عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالغد، فقاتل ولم يك فتح، وقد جهد. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله يفتح اللَّه على يديه ليس بفرار، فدعا بعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فتفل في عينيه، فقال: خذ هذه الراية وامض بها، حتى يفتح اللَّه عليك. قال سلمة: فخرج بها واللَّه يهرول هرولة، وأنا لخلفه متتبع أثره، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع عليه يهودي من رأس الحصن، فقال: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: يقول اليهودي: غلبتم [ (2) ] وما أنزل على موسى، أو كما قال، فما رجع حتى فتح اللَّه على يديه [ (3) ] . قال أبو نعيم، ورواه عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، قال: فما رواه سلمة يدل على تقدم علم اليهودي من رواياتهم وكتبهم
بتوجيه من وجه إليهم ويكون الفتح على يديه، ويكون فيه فضيلة شريفة لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ورواه يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة. وخرّج من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب أظنه، عن أبي هريرة، ومن حديث معمر، عن عثمان الجريريّ، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب اللَّه ورسوله، ليس بفرار يفتح اللَّه خيبر على يديه، فتشرف لها المهاجرون والأنصار، فسأل، عن عليّ فقالوا: هو أرمد، فدعاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنفث في عينيه، ثم دعا له وأعطاه الراية، ففتح اللَّه على يديه. ومن حديث مسدد قال: حدثنا أبو عوانة، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله يفتح اللَّه على يديه، فدعا عليا فنفثه، ثم قال: اذهب فقاتل حتى يفتح اللَّه عليك. وخرّجه من طريق إسرائيل، عن عبد اللَّه بن عصمة، عن أبي سعيد الخدريّ، ومن حديث منصور بن المعتمر، عن ربعي بن خراش، عن عمران ابن حصين، ومن حديث الخليل بن مرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد اللَّه. ومن حديث أبي فروة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه - وبعضهم يزيد على بعض وينقص في حديثه- فالمعنى واحد. وقال أبو عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بالزاهد غلام ثعلب في كتاب (اليواقيت) قال ابن الأعرابي: كانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وأبو طالب غائب، فوضعته فسمته أسدا يحيي اسم أبيها، فقدم أبو طالب، فسماه عليا، فكانت أم مرحب كاهنة، فقالت: يا مرحب لا تبرز في الحرب إلى رجل يكتنى ويرتجز بحيدرة، فإنه قاتلك، قال: فلما كانت ليلة خيبر قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطين الراية غدا الرجل يحبه اللَّه ورسوله، ويحب اللَّه ورسوله. قال بعض الأنصار فما زالوا يدوكون تلك الليلة من هو فلما كان الغد، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أين علي؟ فإذا هو عليل، قالوا: هو عليل، قال: أين علي؟ فإذا هو أرمد العين، قال: فجاء وعينه رمدة، فقال: ادن مني، فدنا منه،
فوضع رأسه في حجره، فتفل فيها صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسحها بألية يده، قال: فانفتحت عين علي فرأيتها، وكأنها جزعة من حسنها، قال: فمشى والراية معه، فسمعت صياحه بالنداء، ووجهه إلى العدو وظهره إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول: يا رسول اللَّه، علام أقاتل الناس؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: على أن يقولوا لا إله إلا اللَّه وأنى محمد رسول اللَّه. قال: فجاء إلى اليهود أجمع ما كانوا فشدوا عليه شدة رجل واحد، فيثبت، ثم حملوا عليه، فثبت، فحمل عليهم فانهزموا إلى الحصون، فلما رأوا إمرة علي داروه، وكان مرحب أشجع اليهود فصاحوا: يا مرحب اليوم. قال: فخرّج مبادرا مدلا، فلما توافقا قال مرحب: ما اسمك يا فتى؟ قال: عليّ، فاطمأن قلبه، وأقبل نحو عليّ وهو يرتجز. أنا الّذي سمتني أمي مرحب ... شاك سلاحي بطل مجرب [إذا الليوث أقبلت نلهب ... وأحجمت، عن صولة المغلب] [ (1) ] قال: فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنا الّذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غابات غليظ القسورة ويروى: أنا الّذي سمتني أمي حيدرة ... أضرب بالسيف رءوس الكفرة أكيلهم بالصاع كيل السندرة قال: فضربه على ضربه قده [ (2) ] باثنتين قال ابن عباس: كانت لعلي ضربتان إذا تطاول قد، وإذا تقاصر قط. قال ثعلب: اختلف الناس في قوله: السندرة، فقال ابن الأعرابي: هو مكيال كبير مثل القنقل [ (3) ] ، وقال غيره:
السندرة امرأة كانت تبيع القمح، وكانت توفى الكيل، قال ثعلب: فعلى هذا إني أكيلكم كيلا وافيا. قال: وقال غيرهما: السندرة العجلة، فعلى هذا إني أبادركم، قبل الفرار. وقال ابن قتيبة: ويحتمل أن يكون مكيالا اتخذ من السندرة، وهي شجرة يعمل منها النبل والقسي. قال الأنصاري: فرأيت أم مرحب وهي تندبه وهو بين يديها، فقلت من قتل مرحبا؟ قالت: من كان يقتله إلا أحد رجلين، قلت: من الرجلين؟ قالت: محمد أو علي، قلت: فمن قتله منهما؟ قالت: علي، قال: وأنشدني: للَّه در أبي طالب ودر ... رمنجبه لقد انحبى قال: وكنت في الجيش، فو اللَّه ما استتم به آخرنا حتى فتح على أولنا بركة علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هكذا ساق غلام ثعلب. وخرّج البيهقي من حديث يونس بن بكير بن مسلم الأزدي قال: حدثنا عبد اللَّه بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ربما أخذته الشقيقة، فيلبث اليوم، واليومين لا يخرج، ولما نزل خيبر أخذته الشقيقة [ (1) ] فلم يخرج إلى الناس، وإن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخذ راية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم نهض فقاتل قتالا شديدا، ثم رجع. فأخذها عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقاتل قتالا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع فأخبر بذلك رسول
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم لعلي بالهداية والسداد، وقد ضرب بيده المقدسة في صدره فأجيب فيه دعواته صلوات الله وسلامه عليه
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: لأعطينها غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، يأخذها عنوة وليس ثم علي، فتطاولت لها قريش ورجا كل رجل منهم أن يكون صاحب ذلك، فأصبح وجاء على بعيره حتى أناخ قريبا، وهو أرمد قد عصب عينه بشقة برد قطري. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مالك؟ قال: رمدت بعدك!! قال: ادن منى، فدنا منه، فتفل في عينه فما وجعها حتى مضى بسبيله، ثم أعطاه الراية، فنهض بالراية وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها فأتى مدينة خيبر، وعليه مغفر يماني، وحجر قد نقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز: قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي سلاحي بطل مجرب إذا الليوث أقبلت تلهب ... وأحجمت عن صولة المغلّب فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنا الّذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غابات شديد القسورة أكيلهم بالصاع كيل السندرة فاختلفا ضربتين، فبدره على فضربه فقد الحجر والمغفرة، ورأسه ووقع في الأضراس، وأخذ المدينة [ (1) ] . وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعلي بالهداية والسداد، وقد ضرب بيده المقدسة في صدره فأجيب فيه دعواته صلوات اللَّه وسلامه عليه فخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهل اليمن لأقضي بينهم، فقلت: يا رسول اللَّه
لا علم لي بالقضاء [ (1) ] ، فضرب بيده على صدري [ (2) ] ، قال: اللَّهمّ اهد قلبه، وسدد [ (3) ] لسانه، قال: فو الّذي فلق الحبة [ (4) ] فما شككت في قضاء بين اثنين [ (5) ] حتى جلست مجلسى هذا. وخرّجه عبد بن حميد من حديث الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللَّه تبعثني وأنا شاب أقضى بينهم ولا أدري ما القضاء، فضرب بيده في صدري، وقال: اللَّهمّ أهد قلبه، وثبت لسانه، قال: والّذي فلق الحبة ما شككت بعد في قضاء بين اثنين [ (6) ] . وخرّجه النسائي من حديث أبي معاوية بمثله قال النسائي: روى هذا الحديث شعبة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، فقال: أخبرني من سمع عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وأرضاه.
وأما صرف الوباء عن المدينة النبوية وانتقال الحمى عنها إلى الجحفة ببركة المصطفى صلى الله عليه وسلم
قال النسائي والبختري: لم يسمع من على شيئا، ولم يره أيضا، وقال يحيى بن معين: أبو البختري الطائي اسمه سعد، وهو ثبت ولم يسمع من علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- شيئا. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة سمع أبا البختري يقول: حدثني من سمع عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليمن، فقلت: يا رسول اللَّه تبعثني وأنا رجل حديث السن لا علم لي بكثير من القضاء، قال: فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده في صدري، وقال: إن اللَّه- عز وجل- سيثبت لسانك، ويهدي قلبك، قال: فما أعياني قضاء بين اثنين. وخرّجه ابن عساكر من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. ومن حديث جعفر بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومن حديث شريك، عن سماك، عن حنش، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومن حديث سلمة الأعور، عن مجاهد، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. وأما صرف الوباء عن المدينة النبويّة وانتقال الحمى عنها إلى الجحفة ببركة المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاري من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قالت: فدخلت عليهما يا أبه كيف تجدك؟ ويا بلال [فقلت:] كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أخذته الحمى يقول كل امرئ مصح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته، ويقول: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فقال: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أشد وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها، فاجعلها بالجحفة. ذكره في باب من دعا برفع الوباء والحمى [ (1) ] ، وفي كتاب الهجرة [ (2) ] ، وفي كتاب المرضي في باب عيادة النساء [ (3) ] الرجال.
وخرّجه في آخر كتاب الحج [ (1) ] ، من حديث أبي أسامة، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما قدم
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر، وبلال، وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل اللَّهمّ العن شيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا إلى أرض الوباء، قم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللَّهمّ بارك لنا في صاعنا، وفي مدنا وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة. قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت: فكان بطحان يجرى ثجلا يعني ماء أجنا.
وخرّجه في كتاب الدعاء من حديث سفيان، عن هشام بن عروة، عن عائشة قالت: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، وانقل حماها إلى الجحفة، اللَّهمّ بارك لنا في مدنا وصاعنا، ذكره في باب الدعاء برفع الوباء [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] من حديث عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: قدمنا المدينة وهي وبئة، فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شكوى أصحابه قال: اللَّهمّ حبب
إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها، ومدها وحول حماها إلى الجحفة. وخرّجه أيضا من حديث أبي أسامة، وابن نمير، عن هشام بن عروة [ (1) ] قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث خالد، عن هشام، ولم يختلف رواة الموطأ فيها علمت، عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في متنه، ولم يذكر مالك- رحمه اللَّه- فيه قول عامر بن فهيرة، وسائر رواة هشام يذكرون عنه فيه بهذا الإسناد. وذكره مالك في الموطأ، عن يحيى بن سعيد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وكان عامر بن فهيرة يقول: قد رأيت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه قال: ورواه ابن عيينة، ومحمد بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، فجعلا الداخل على أبي بكر وبلال وعامر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها. وقد تابع مالكا على روايته في ذلك سعيد بن عبد الرحمن، فذكر من طريق ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: لما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وعك أبو بكر وبلال وعامر بن فهيرة، قالت: فدخلت عليهم، وهم في بيت، فقلت: يا أبه كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله ويقول عامر بن فهيرة: قد ذقت طعم الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه وكان بلال إذا أقلع عنه يقول: ألا ليت شعرى، فذكر البيتين والحديث إلى آخره كرواية مالك سواء إلا أنه ذكر فيه قول عامر بن فهيرة كما ترى، وجعل الداخلة عليهم عائشة.
وأما حديث سفيان بن عيينة، فذكره من طريق الحميدي قال: حدثنا سفيان حدثنا هشام بن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت دخل رسول اللَّه المدينة مع أصحابه، فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعوده، فقال: كيف تجدك يا أبا بكر؟ فقال: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله قالت: ودخل على عامر بن فهيرة، فقال: كيف تجدك؟ فقال: وجدت وجدت طعم الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه كالثور يحمى جلده بروقه قالت: ودخل على بلال، فقال: كيف تجدك؟ فقال: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بفج وحولي إذخر وجليل وربما قال سفيان براد: وهل أردن يوما مياة مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة، اللَّه بارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، وبارك لنا في مدينتنا. قال سفيان: ورواه، قال في فرقنا اللَّه: اللَّهمّ حببنا فيها ضعفي ما حببت إلينا مكة أو أشد، وصححها، وانقل وباءها إلى خم أو الجحفة، هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو كان الداخل على أبي بكر وعلي بلال وعامر بن فهيرة يعودهم، وهو كان المخاطب لهم، وشك في قوله بلال في البيت الّذي أنشده بفج أو بواد. وقال في حديثه: وانقل وباءها إلى مهيعة وهي الجحفة، قال ابن عبد البر: وقد روي ابن أبي الزناد، عن موسى ابن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة ثقيلة، أخرجت من المدينة فأسكنت مهيعة، فأولتها وباء المدينة ينقله اللَّه إلى مهيعة. قال كاتبه وقد خرج البخاري في هذا الحديث من طريق سليمان بن بلال، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد اللَّه، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت
كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس [ (1) ] ، خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة، فأولت أن وباء المدينة ينقل إليها. ترجم عليه باب إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة، فأسكنه موضعا آخر [ (2) ] . وخرّجه في باب المرأة السوداء، من حديث فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، حدثني سالم بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رؤيا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في المدينة: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى نزلت بمهيعة، فتأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة، وهي الجحفة [ (3) ] . وخرّجه في باب المرأة الثائرة الرأس [ (4) ] من حديث سليمان ابن موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت.... وقد خرّج البيهقي [ (5) ] وغيره من حديث مسدد حدثنا حماد بن زيد، عن هشام، عن عروة، عن عائشة قالت: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وهي وبئة،
فذكر الحديث، قال: وقال: هشام: فكان المولود يولد بالجحفة، ولا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى. وقال الواقدي في غزوة بدر: لما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيوت السقيا، فحدثني ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد اللَّه بن قتادة، عن أبيه أن رسول اللَّه عند بيوت السقيا، ودعا يومئذ لأهل المدينة، فقال: اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك، وخليلك، ونبيك دعاك لأهل مكة، وإني محمد عبدك ونبيك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم، ومدهم، وثمارهم، اللَّهمّ حبب إلينا المدينة واجعل ما بها من الوباء بخم [ (1) ] ، اللَّهمّ إني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم خليلك مكة [ (2) ] .
وأما شفاء سعد بن أبي وقاص رضي الله تبارك وتعالى عنه وإتمام الله تعالى هجرته بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ووقوع ما أشار به صلى الله عليه وسلم
وأما شفاء سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وإتمام اللَّه تعالى هجرته بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ووقوع ما أشار به صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاري من حديث الجعيد، عن عائشة بنت سعد أن أباها قال: تشكيت بمكة شكوى شديدة، فجاءني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعودني، فقلت: يا نبي اللَّه إني أترك مالا، وإني لا أترك إلا ابنة واحدة، وأوصى بثلثي مالي، وأترك الثلث؟ قال: لا، فقلت: فأوصى بالثلث وأترك لها الثلثين؟ قال: الثلث، والثلث كثير، ثم وضع يده على جبهتي، ثم مسح وجهي وبطني، ثم قال: اللَّه اشف سعدا وأتمم له هجرته، فما زلت أجد برد يده على كبدي فيما يخيل إلى حتى الساعة. ذكره في كتاب المرضي، وترجم عليه باب وضع اليد [ (1) ] على المريض. وخرّجه النسائي [ (2) ] بهذا الإسناد بمعناه، قال: وصح وجهي وصدري وبطني، وقال: فما زلت أجد أحد برد يده على كبدي حتى الساعة. وخرّجه مسلم من حديث الثقفي، عن أيوب السختياني، عن عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد كلهم يحدث، عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل على سعد يعوده بمكة، فبكى، فقال: ما يبكيك؟ فقال: خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اشف سعدا- ثلاث مرات، فقال: يا رسول اللَّه إن لي مالا كثيرا، وإنما ترثني أفأوصى بمالي كله؟ قال: لا، قال: فبالثلثين؟ قال: لا،
قال فبالنصف؟ قال: لا قال: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إن صدقتك من مالك صدقة، وإن نفقتك على عيالك صدقة، وإنك تدعهم يتكففون الناس وقال بيده [ (1) ] . وخرّجه أيضا من حديث حماد بن زيد قال: حدثنا أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن ثلاثة من ولد سعد، قالوا: مرض سعد بمكة، فأتاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده، فذكره بنحو حديث الثقفي [ (2) ] . وخرّجه من حديث عبد الأعلى، حدثنا هشام، عن محمد بن حميد بن عبد الرحمن، قال: حدثني ثلاثة من ولد سعد بن مالك كلهم يحدثنه بمثل حديث صاحبه، فقال: مرض سعد بمكة، فأتاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده بنحو حديث عمرو بن سعيد، عن الحميري [ (3) ] . وخرّج البخاري من حديث زكريا بن عدي: حدثنا مروان، عن هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: مرضت عادني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه ألا يردني على عقبي، قال: لعل اللَّه يرفعك وينفع بك ناسا، فقلت: أريد أن أوصى وإنما لي ابنة، فقلت: أوصى بالنصف؟
قال: النصف كثير، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كبير وكثير، قال: فأوصى الناس بالثلث، فجاز ذلك لهم ذكره في باب الوصية بالثلث [ (1) ] .
وقد خرّج البخاري ومسلم هذا الحديث من طريق إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا ابن شهاب، حدثنا عامر بن سعد عن أبيه، ومن حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه، ومن حديث سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن أبيه. وخرّجه مسلم من حديث زهير: حدثنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد، عن أبيه، ولم يذكر دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد بالشفاء.
ذكره البخاري في حجة الوداع، وفي كتاب الهجرة [ (1) ] ، وفي كتاب الدعاء في باب الدعاء برفع الوباء والوجع [ (2) ] ، وذكره في الفرائض في باب ميراث البنات [ (3) ] ، وذكره في كتاب الوصايا [ (4) ] ، وفي كتاب النفقات في باب فضل النفقة على الأهل [ (5) ] . وأورده مالك (في الموطأ) [ (6) ] ، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: جاءني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعودني في عام حجة الوداع وبي وجع قد اشتد بي، فقلت: يا رسول اللَّه قد اشتد بي الوجع، ما ترى وأنا ذو مال ولا ترثني ألا كلالة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير وكبير، ما إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلا أجرت بها حتى ما تجعل في امرأتك، قال: قلت: يا رسول اللَّه أخلف بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللَّهمّ أمض لأصحابي هجرتهم، لا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة، يرثى له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن مات بمكة.
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: هذا حديث قد اتفق أهل العلم على صحة إسناده إلا أن في بعض ألفاظه اختلافا عند نقلته، فمن ذلك أن ابن عيينة قال فيه: عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد، عن أبيه: مرضت عام الفتح، انفرد بذلك، عن ابن شهاب، وقد روينا هذا الحديث من طريق معمر ويونس ابن يزيد، وعبد العزيزي بن أبي سلمة، ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن أبي عتيق وإبراهيم بن سعد، وكلهم قال فيه:، عن ابن شهاب عام حجة الوداع، كما قال مالك، قال يعقوب ابن شبة، سمعت علي بن المدني، وذكر الحديث فقال: وقال معمر ويونس، وذلك حجة الوداع وقال ابن عيينة عام الفتح، قال: والذين قالوا حجة الوداع أصوب. قال أبو عمر بن عبد البر، لم أجد ذكر عام الفتح إلا في رواية ابن عيينة، لهذا الحديث، وفي حديث عمر والقاري رجل من الصحابة في هذا الحديث. رواه عفان بن مسلم، عن وهيب بن جابر، عن عبيد اللَّه بن عثمان بن خثيم، عن عمرو بن القاري، عن أبيه، عن جده عمرو القاري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قدم مكة عام الفتح، فخلف سعدا مريضا، حتى يخرج إلى حنين، فلما قدم من الجعرانة معتمرا، دخل عليه وهو وجع مغلوب، فقال سعد: يا رسول اللَّه إن لي مالا وإني أورث كلالة أفأوصى بمالي كله؟ أو تصدق بمالي كله؟ قال: لا، وذكر الحديث هذا في حديث عمرو القاري أفأوصى على الثلث أيضا. وأما حديث ابن شهاب، فلم يختلف عنه أصحابه لا ابن عيينة ولا غيره أنه قال فيه: أفأتصدق بمالي كله؟ أو بثلثي مالي؟ ولم يقل: أفأوصى. قال أبو عمرو: وأما قول سعد أأخلف بعد أصحابي؟ فمعناه عندي: أتخلف بمكة بعد أصحابي المهاجرين والمنصرفين معك إلى المدينة، ويحتمل أن يكون لما سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه، وتنفق فعل مستقبل أنفق أنه لا يموت من مرضه ذلك، فأستفهمه هل يبقى بعد أصحابه؟ فأجابه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بضرب من قوله: لن تنفق نفقه تبتغي بها وجه اللَّه، وهو قوله: إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به رفعة ودرجة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، وهذا كله ليس
بصريح، ولكنه قد قال كل ما قاله صلّى اللَّه عليه وسلّم، وصدق في ذلك ظنه، وعاش سعد حتى انتفع به قوم، واستضر به آخرون. روى أن وهبا قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشبح، قال: سألت عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبيه عام حجة الوداع: لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون. فقال: أمر سعد على العراق، فقتل أقواما على ردة، فأضربهم، واستتاب قوما سجعوا سجع مسيلمة، فتابوا، فانتفعوا به. قال أبو عمر: مما يشبه قوله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسعد هذا الكلام قوله للرجل الشعث: ما له ضرب اللَّه عنقه؟ فقال الرجل: في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: في سبيل اللَّه، فقتل الرجل في تلك الغزوة ومثله قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة مؤتة أميركم زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد اللَّه بن رواحة. فقال بعض أصحابه: نعى إليهم أنفسهم، فقتلوا بالاسهم في تلك الغزاة، وتلك ومثل ذلك أيضا قصة عامر بن سنان حين ارتجز رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى خيبر، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: غفر لك ربك يا عامر؟ فقال له عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه لو أسعدتنا به؟ قال: وذلك أنه ما استغفر لإنسان قط إلا استشهد، فاستشهد عامر يوم خيبر، وهذا كله ليس بتصريح من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القول، ولا يبقين في المراد والمعنى، ولكنه كان يخرج كله كما ترى. وقد خلف سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد حجة الوداع نحو خمسين وأربعين سنة، وتوفى في سنة خمس وخمسين.
وأما شفاء أسماء بنت أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنهما بدعائه صلى الله عليه وسلم
وأما شفاء أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث بشر بن المفضل قال: حدثنا شاكر أبو الفضل قال: حدثني رجل من آل الزبير أن أسماء بنت أبي بكر أصابها ورم في رأسها، ووجهها، وأنها بعثت إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: اذكري وجعي لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعل اللَّه يشفيني، فذكرت عائشة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجع أسماء، فانطلق حتى دخل على أسماء، فوضع يده على وجهها ورأسها من فوق الثياب، فقال: بسم اللَّه أذهب سوءه، وفحشه بدعوة نبيك الطيب المبارك المكين عندك، بسم اللَّه- ضع ذلك ثلاث مرات- فأمرها أن تقول ذلك، فقالت: ثلاثة أيام فذهب الورم، قال أبو الفضل: يصنع ذلك عند حضور الصلوات المكتوبة يقولها ثلاثا. وأما استجابة دعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم لابن المرأة فخرّج البيهقي [ (2) ] من طريق ابن عون، عن محمد بن سيرين: أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: هذا ابني، وقد أتى عليه كذا وكذا، على اللَّه أن يميته، فقال: أدعو اللَّه- عز وجل- أن يشفيه ويثبت به، ويكون رجلا صالحا، فيقاتل في سبيل اللَّه- تعالى- فيقتل فيدخل الجنة، فدعا له، فشفاه اللَّه عز وجل وثبت، وكان رجلا صالحا، فقاتل في سبيل اللَّه، فقتل فدخل الجنة، قال البيهقي: هذا من تمثيل جيد.
وأما ظهور بركة دعائه في طول قامة رجل ولد صغير الخلقة
وأما ظهور بركة دعائه في طول قامة رجل ولد صغير الخلقة فقال الزبير بن بكار: حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري، عن أبيه، قال: ولد عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو ألطف من ولد، فأخذه جده أبو أمه أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري في ليفة فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هذا منك يا أبا لبابة؟، قال: ابن ابنتي يا رسول اللَّه: أرأيت مولودا أصغر خلقة منه؟! فحنكه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومسح على رأسه، ودعا فيه بالبركة. قال: فما رئي عبد الرحمن بن زيد مع قوم في صف إلا فرعهم طولا [قال مصعب: كان عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فيما زعموا أطول الرجال وأتمهم [ (1) ]] . وأما شفاء الصبى من الجنون بمسح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه ودعائه له فخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن مرقد السنجى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن امرأة جاءت بابن لها، فقالت: يا رسول اللَّه إن بابني جنون وإنه يأخذه عند غدائنا، وعشائنا، فيفسد علينا، قال: فمسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه ودعائه فثع ثعة، فخرج من جوفه مثل الجر والأسود يسعى، وخرّجه أبو نعيم [ (3) ] من حديث حجاج بن المنهال، عن حماد بمثله.
وأما استجابة الله دعاءه صلى الله عليه وسلم للمرأة التي كانت تنكشف إذا صرعت
وأما استجابة اللَّه دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمرأة التي كانت تنكشف إذا صرعت فخرّج البخاري من حديث مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عمران أبو كر قال: حدثني عطاء ابن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع اللَّه لي، قال: إن شئت صبرت، ولك الجنة، وإن شئت دعوت اللَّه أن يعافيك، قالت: أصبر، فقالت: أنى أتكشف فادع اللَّه لي ألا أتكشف، فدعا لها [ (1) ] .
وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث عبيد اللَّه القواريري، عن يحيى بن سعيد وبشر ابن المفضل قالا: حدثنا عمران أبو الفضل، فذكره وخرّجه النسائي أيضا، وقد أورد البخاري في كتاب المرضي، في باب من صرع من الريح، وقال بعده:
وأما شفاء عبد الله بن رواحة من وجع ضرسه بوضع يده ودعائه صلى الله عليه وسلم له
حدثني محمد أنبأنا مخلد، عن ابن جريج، أخبرني عطاء أنه رأى أم رومان امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة. وأما شفاء عبد اللَّه بن رواحة من وجع ضرسه بوضع يده ودعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم له فخرّج البيهقي من حديث يحيى بن يحيى، قال: أخبرني إسماعيل بن عياش، عن يزيد بن نوح بن ذكوان أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما بعث عبد اللَّه بن رواحة مع زيد وجعفر إلى مؤتة، قال: يا رسول اللَّه إني أشتكي ضرسي، آذاني، واشتد عليّ، فقال: ادن مني، والّذي بعثني بالحق [نبيا] [ (1) ] لأدعون لك بدعوة لا يدعو بها مؤمن مكروب إلا كشف اللَّه عنه كربه، فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده على الخد الّذي فيه الوجع، وقال: اللَّهمّ أذهب عنه سوء ما يجد، وفحشه، بدعوة نبيك المبارك، المكين عندك، سبع مرار، قال: فشفاه اللَّه عز وجل قبل أن يبرح. هذا منقطع [ (2) ] . وأما شفاء بطن رافع بن رفاعة بمسح المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بطنه فخرج البيهقي من حديث يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي أمية الأنصاري، عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أنه قال، ومن حديث سعيد بن شرحبيل، وعبد اللَّه بن صالح قالا: حدثنا الليث بن سعد، عن خالد ابن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي أمية الأنصاري، عن عبيد بن
رفاعة، عن رافع بن خديج قال: دخلت يوما على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعنده قدر يفور بلحم، فأعجبتني شحمة، فأخذتها، فازدردتها فاشتكيت منها سنة، ثم إني ذكرت ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له: كان فيها أنفس سبعة أناسى، ثم مسح بطني، فألقيتها خضراء، فو الّذي بعثه بالحق ما اشتكيت بطني حتى الساعة. قال البيهقي: [كذا عن رافع في الكتاب] والصحيح رواية يعقوب. قال يعقوب: وأظن أن المدائني كان صيره، عن رافع [بن خديج] ، وكان كما شاء اللَّه، وكان عند ابن أبي بكير، عن عبيد بن رفاعة، ليس فيه، عن أبيه، وغلط، عبيد ليست له صحبة. وخرّجه من طريق ابن وهب قال: أخبرني يزيد بن عياض، عن عبد الكريم، عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أنه دخل بيتا من بيوت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا قدر يجيش بلحم، وإذا فيها شحمة، فأهويت فأخذتها فالتقمتها، فاشتكيت بطني عليها سنة، فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكرت ذلك له. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها كانت فيها أنفس سبعة أناس، قال: فمسح بطني فوضعتها خضراء، فما اشتكيت بطني بعد [ (1) ] .
وأما شفاء أبي طالب بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم
وأما شفاء أبي طالب بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج الحفاظ أبو أحمد بن عدي [ (1) ] ، وأبو نعيم أحمد، وأبو بكر البيهقي ... من حديث الهيثم بن جماز الحنفي البصري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا ابن أخي ادع ربك الّذي تعبد أن يعافيني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اشف عمي، فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال، قال: يا ابن أخي إن ربك الّذي تعبد ليطيعك، قال: وأنت يا عماه!! لئن أطعت اللَّه ليطيعك. قال البيهقي [ (2) ] تفرد به الهيثم بن جماز، عن ثابت البناني، والهيثم ضعيف عند أهل العلم بالحديث. وفي رواية أبي نعيم، عن أنس قال: لما مرض أبو طالب مرضه الّذي مات فيه أرسل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادع ربك أن يشفيني، فإن ربك يعطيك، وابعث إلى بقطف من قطاف الجنة، فأرسل إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأنت يا عم إن أطعت اللَّه أطاعك. قال أبو نعيم: رواه عقبة بن مكرم، فقال: حدثنا شريك بن عبد المجيد حدثنا الهيثم حدثنا ثابت، عن أنس. فذكر الحديث، وزاد فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اشف عمي، قال: فقام كأنما نشط من عقال.
وأما مسح المصطفى صلى الله عليه وسلم ساق علي بن الحكم السلمي [2] وقد دق جدار الخندق فبرئ من وقته
قال كاتبه: قد ذكر ابن عدي الهيثم هذا في كتاب (الكامل) [ (1) ] على ما لخصته في (مختصره) ، فقال: كان قاضيا بالبصرة. قال ابن معين: ضعيف، ومرة قال: ليس بشيء، وفي موضع آخر: ليس بذاك، يروي عنه هشيم، وقال أحمد بن حنبل: كان منكر الحديث، ترك حديثه. وقال السعدني: ضعيف، روى عن ثابت معاضيل، وقال ابن عدي: وأحاديثه أفراد، عن ثابت بن عدي، وفيه ما ليس بالمحفوظ. وأما مسح المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم ساق علي بن الحكم السلمي [ (2) ] وقد دق جدار الخندق فبرئ من وقته فقال أبو عمر بن عبد البر: وروى كثير بن معاوية بن الحكم، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأنزى أخي علي بن الحكم فرسا له خندقا، فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح ساقه فما نزل عنها حتى برئ [ (3) ] ، فقال معاوية بن الحكم في قصيدته: وأنزاها عليّ فهي تهوى ... هوى الرجل تنزعه برجل فقصت رجله فسما عليها ... سمو الصقر صادف يوم طل فقال محمد صلّى عليه ... مليك الناس قولا غير فعل
وأما ذهاب البلاء عن ابن الخثعمية بشربة ماء غسل الرسول صلى الله عليه وسلم فيها يديه وتمضمض
لعا لك فأستمر بها سويا ... وكانت بعد ذاك أصح رجل ومعاوية بن الحكم السلميّ كان ينزل بالمدينة، ويسكن في بني سليم، روى عنه عطاء بن يسار، وأخوه عليّ بن الحكم له صحبة، وأيضا ذكرهما ابن عبد البر في كتاب (الصحابة) . وقد ذكر البيهقي [ (1) ] هذا الحديث بنحو ما تقدم من غير ذكر الشعر. وأما ذهاب البلاء عن ابن الخثعمية بشربة ماء غسل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها يديه وتمضمض فخرج أبو نعيم من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا أحمد بن راشد، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن عمر ابن الأحوص، عن أمه أم جندب، قالت: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اتبعته امرأة من خثعم، ومعها صبي لها به بلاء، فقالت: يا رسول اللَّه إن صبيي هذا وبقية أهلي به بلاء لا يتكلم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ائتوني بشيء من الماء، فأتي بماء، فغسل يديه، ثم مضمض فاه، ثم أعطاها، فقال: اسقيه منه، وصبي عليه منه، واستشفي اللَّه له. قالت: فلقيت المرأة، فقلت: لو وهبت لي منه، فقالت: إنما هو لهذا المبتلى. قالت: فلقيت المرأة من الحول، فسألتها عن الغلام، فقالت: برئ
وأما نفثه صلى الله عليه وسلم في فم غلام يأخذه الجنون كل يوم مرارا فذهب عنه
وعقل عقلا ليس كعقول الناس [ (1) ] قال. أبو نعيم: رواه عبد اللَّه بن إدريس عن يزيد بنحوه. وأما نفثه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فم غلام يأخذه الجنون كل يوم مرارا فذهب عنه فخرج أبو نعيم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عبد اللَّه بن نمير حدثنا عثمان بن حكيم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن يعلي ابن مرة قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي، فقالت: يا رسول اللَّه، ابني هذا أصابه بلاء، وأصابنا منه بلاء، يؤخذ في اليوم لا ندري كم من مرة. قال: ناولينيه، قال: فرفعته إليه. قال: فجعله بينه وبين وسط الرحل، ثم فغر فاه فنفث فيه ثلاثا، ثم قال: بسم اللَّه، أنا عبد اللَّه، اخس عدو اللَّه، قال: ثم ناولها إياه. ثم قال: ألقينا به
في الرجعة في هذا المكان، فأخبرينا ما فعل، قال: فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث، قال فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما فعل الخبيث؟ قالت: والّذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة، فاختر [ (1) ] هذه الغنم، قال: انزل فخذ منها شاة ورد البقية [ (2) ] . وخرّجه من حديث علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد ابن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن يعلى بن مرة الثقفي قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان بمكان كذا وكذا جاءته امرأة بابن لها، فذكرت أن به جنون، فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منخريه، فقال: اخرج أي عدو اللَّه أنا محمد رسول اللَّه، اخرج بسم اللَّه أنا محمد رسول اللَّه، ثم قال: اذهبي فتعاهدينا في مرجعنا فاعتدت له جرزا ولبنا وسمنا، فلما رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أهدت إلينا الجزر واللبن والسمن، فرد عليها الجزر والسمن، وقال: اسق أصحابي اللبن، قالت: ما عرض لابني شيء بعدك. قلت: وقد تقدم هذا الحديث بطوله في سجود البعير من حديث جابر بن عبد اللَّه. وخرّجه ومن حديث يعلي بن مرة، خرجه أبو نعيم من حديث أسامة بن زيد قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجته التي حجها فعارضته امرأة فذكر نحوه.
وأما برء غلام من الجنون بمسح الرسول صلى الله عليه وسلم وجهه ودعائه له
وأما برء غلام من الجنون بمسح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه ودعائه له فخرج أبو نعيم من حديث مطر بن عبد الرحمن الأعنق قال: حدثتني أم أبان بنت الوازع عن ابنها، أن الوازع [ (1) ] انطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بابن له مجنون، أو بابن أخت له مجنون، فمسح وجهه ودعا له، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يفضل عليه. وأما خروج الشيطان وإزالة النسيان وذهاب الوسوسة في الصلاة عن عثمان بن أبي العاص بتفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فمه وضربه صدره فخرج أبو نعيم من حديث عثمان بن عبد الوهاب حدثنا أبي عن يونس، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: شكيت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سوء حفظي القرآن، فقال: ذاك شيطان يقال له خنزب، أدن منى يا عثمان، ثم تفل في فمي، ووضع يده على صدري، فوجدت بردها بين كتفي، وقال: يا شيطان اخرج من صدر عثمان، قال: فما سمعت شيئا بعد ذلك إلا حفظته [ (2) ] . [قال أبو نعيم: رواه عنبسة بن أبي رائطة، عن الحسن بنحوه [ (3) ]] .
وله من حديث عقبة بن مكرم، حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن، حدثنا أبي عن عثمان بن أبي العاص [ (1) ] قال: لما بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الطائف عرض لي شيء في صلاتي حتى كنت لا أدري ما أصلى، فلما رأيت ذلك أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فلم يرعه مني إلا وأنا أمشي إلى جنبه، فقال: ابن أبي العاص؟ قلت: نعم، قال: ما جاء بك؟، قلت: عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فقال: ذاك الشيطان. ادن، فدنوت حتى جلست على صدور قدمي بين يديه.
فقال: افغر فاك، فضرب صدري بيده وتفل في فمي، وقال: اخرج عدو اللَّه، قال ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: الحق بعملك. قال عثمان: فلا أحسبه عرض لي بعد. وله من حديث حجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة، عن شعيب الجريريّ، عن أبي العلاء، عن مطرف، عن عثمان بن أبي العاص، أنه شكا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوسوسة في الصلاة، فقال: ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا وجد أحدكم منه شيئا، فليتفل عن يساره ثلاثا، وليتعوذ باللَّه منه. قال أبو نعيم: رواه الثوري وعبد الواحد بن زيد ومروان بن معاوية وابن علية وسالم بن نوح، عن الجريريّ، عن أبي العلاء، عن عثمان فلم يذكر مطرفا. قال كاتبه: وخرّج مسلم حديث الجريريّ هذا عن أبي العلاء، عن عثمان ابن أبي العاص قال: قلت: يا رسول اللَّه إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي [يلبسها عليّ] ، قال: فقال ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ باللَّه منه، واتفل عن يسارك ثلاثا، قال: ففعلت فأذهبه اللَّه عنى [ (1) ] . وله من حديث محمد بن عمر الواقدي: حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلي بن كعب، عن عبد ربه بن الحكم، عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت أنسى القراءة، فقلت: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لأنسى القرآن، فضرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
وأما رد الله عز وجل بصر الأعمى عليه بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم له دعاء يدعو به
في صدري ثم قال: اخرج يا شيطان من صدر عثمان، فما نسيت شيئا حفظته [ (1) ] . وله من حديث عبد الأعلى: حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي، عن عبد اللَّه بن الحكم، عن عثمان بن بشر، سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: شكوت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نسيان القرآن، قال: فضرب صدري بيده، فقال: يا شيطان اخرج من صدر عثمان، قال عثمان: فما نسيت منه شيئا بعد أن أحببت أن أذكره [ (2) ] . وأما ردّ اللَّه عز وجل بصر الأعمى عليه بتعليم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم له دعاء يدعو به فخرج البيهقي [ (3) ] من حديث محمد بن يونس قال: حدثنا عثمان بن عمر قال: حدثنا شعبة عن أبي جعفر الخطميّ قال: سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ادع اللَّه لي أن
يعافيني، قال: فإن شئت أخرت ذلك وهو خير لك، وإن شئت دعوت اللَّه، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين، ويدعو بهذا [الدعاء] : «اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فيقضيها لي، اللَّهمّ شفعه في، وشفعني في نفسي» ، فقام وقد أبصر. قال البيهقي [ (1) ] : ورويناه في كتاب (الدعوات) بإسناد صحيح عن روح بن القاسم، عن شعبة قال: ففعل الرجل فبرأ. وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطميّ، وخرّجه أبو نعيم من طريق ابن وهب قال: حدثني شبيب بن سعيد عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطميّ، عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف أن أعمى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه علمني دعاء أدعو به يرد اللَّه تعالى عليّ بصري، فقال: قل: «اللَّهمّ إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي، اللَّه شفعه في وشفعني في نفسي» ، فدعا بهذا الدعاء، فقام وقد أبصر. قال أبو نعيم ورواه حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطميّ، عن عمارة ابن خزيمة، عن عثمان بن حنيف بنحوه. وخرّجه البيهقي من حديث ابن شبيب بن سعيد الحبطيّ قال: حدثني أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المدني وهو الخطميّ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجاءه رجل ضرير، فشكا إليه ذهاب بصره، فقال: يا رسول اللَّه ليس لي قائد وقد شق على، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ائت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم قل «اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك نبيك محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري اللَّهمّ شفعه فيّ، وشفعني في نفسي» . قال
عثمان: فو اللَّه ما تفرقنا، ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضرّ قط [ (1) ] . وخرّج أيضا من حديث إسماعيل بن شبيب قال: حدثنا أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حاجة، وكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقى عثمان بن حنيف، فشكا إليه ذلك. فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: «اللَّهمّ إني أسالك وأتوجه إليك بنيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربى فتقضى حاجتي» واذكر حاجتك، ثم راح حتى أزمع، فانطلق الرجل، وصنع ذلك، ثم أتى باب عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فجاء البواب، فأخذ بيده، فأدخله على عثمان، فأجلسه معه على الطنفسة [ (2) ] ، فقال: انظر ما كانت لك من حاجة، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقى عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك اللَّه خيرا، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلى حتى كلمته، فقال عثمان بن حنيف: ما كلمته، ولكني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجاءه ضرير، فشكى إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أو تصبر؟ فقال: يا رسول اللَّه ليس لي قائد، وقد شق عليّ. فقال: ائت الميضأة فتوضأ، وصل ركعتين ثم قل: «اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي لي عن بصري، اللَّهمّ شفعه في وشفعني في نفسي» . قال عثمان: فو اللَّه ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل الرجل كأن لم يكن به ضرر.
قال البيهقي: ورواه أحمد بن شبيب، عن سعيد، عن أبيه أيضا بطوله: أخبرنا أبو على الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، أنبأنا عبد اللَّه بن جعفر ابن درستويه، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، فذكره بطوله. وهذه زيادة ألحقتها به في شهر رمضان سن أربع وأربعين. قال: ورواه أيضا هشام الدستوائي، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل، عن عمه، وهو عثمان بن حنيف [ (1) ] .
وأما رد بصر من كانت عيناه مبيضتين لا يبصر بهما شيئا بنفث المصطفى صلى الله عليه وسلم في عينيه
وأما رد بصر من كانت عيناه مبيضتين لا يبصر بهما شيئا بنفث المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينيه فخرج الحافظان أبو نعيم [ (1) ] والبيهقي [ (2) ] من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبد العزيز بن عمر، قال: حدثني رجل من بني سلامان بن سعد، عن أمه أن خالها حبيب بن فويك [ (3) ] حدثها، أن أباه خرج به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئا. فسأله ما أصابه، فقال: إني كنت أمرن جملا لي، فوضعت رجلي على بيض حية، فأصيب
وأما رد الرسول صلى الله عليه وسلم عين قتادة [1] بعد ما سالت على خده فكان يقال له: ذو العين
بصري، فنفث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عينيه فأبصر، قال: فرأيته يدخل الخيط في الإبرة وإنه لابن ثمانين، وإن عينيه لمبيضتان. وأما رد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم عين قتادة [ (1) ] بعد ما سالت على خده فكان يقال له: ذو العين فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن عاصم ابن عمر بن قتادة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رمى يوم أحد عن قوسه حتى اندقت سيتها [ (3) ] ، فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (4) ]- وقد ذكر يوم أحد-: وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته. قال قتادة بن النعمان: فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: أي رسول اللَّه، إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني، وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني، فأخذها
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فردها فأبصرت وعادت كما كانت، ولم تضرب عليه ساعة من ليل ولا نهار، فكان يقول بعد أن أيس: هي أقوى عيني، وكانت أحسنهما. وخرّج البيهقي من حديث إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة [يحدث] ، عن عياض بن عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدريّ، عن قتادة بن النعمان وكان أخوه لأمه: أن عينه ذهبت يوم بدر فجاء بها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فردها فاستقامت [ (1) ] . وخرّج أبو نعيم من حديث يحيى اليماني حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [فقال: لا] فدعا به فغمز عينه براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت. وخرّج أيضا من حديث مالك بن أنس [ (2) ] ، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن عبيد، عن قتادة بن النعمان، أنه سقطت [ (3) ] عينه يوم أحد فوقعت على وجنته [ (4) ] ، فردها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده، فكانت أصح عينيه وأحدّهما [ (5) ] .
ومن حديث عبد اللَّه بن الفضل بن عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان بن زيد الأنصاري قال: حدثنا أبي الفضل عن أبيه عاصم، عن أبيه عمر، عن أبيه قتادة بن النعمان بن زيد قال: أهدى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوس، فدفعها إليّ يوم أحد، فرميت بها بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى اندقت سيتها، ولم أزل في مقامي نصب وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتقى [ (1) ] السهام ووجهي [ (2) ] دونه، فكان آخرها سهم ندرت منه [ (3) ] حدقتي، فأخذت حدقتي بيدي فسعيت بها في كفى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حدقتي في كفي دمعت عيناه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ ق قتادة كما وقى وجه نبيك [ (4) ] ، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا [ (5) ] . [وفي حديث منصور بن أحمد المعدل: فردها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده فكانت أصحّ عينيه وأحدهما] [ (6) ] .
وخرّج من حديث مالك، عن محمد، عن عبد اللَّه بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن أخيه قتادة بن النعمان قال: أصيبت عيناي يوم بدر فسقطتا على وجنتي فأتيت بهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعادهما مكانهما وبزق فيهما، فما عادتا تبرقان. وخرّجه البيهقي [ (1) ] من حديث ابن أبي خيثمة، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدثنا ابن الغسيل، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، عن جده قتادة: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأراد القوم أن يقطعوها، فقال: أنأتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نستشيره في ذلك؟ فجئناه، فأخبرناه الخبر، فأدناه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه، فرفع حدقته حتى وضعها موضعها، ثم غمزها براحته، وقال: اللَّهمّ اكسه جمالا، فمات وما يدري من لقيه أي عينيه أصيبت. وخرّجه من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: لا، فدعا به فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت [ (2) ] . قال البيهقي [ (3) ] : وفي الروايتين جميعا، عن ابن الغسيل أن ذلك كان يوم بدر، واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وقال أبو عمر بن عبد البر [ (4) ]- وقد ذكر قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر ابن سوداء بن كعب في كتاب (الصحابة) -: وأصيبت عينه يوم بدر، وقيل:
يوم الخندق، وقيل: يوم أحد، فسالت حدقته، فأرادوا قطعها، ثم أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرفع حدقته بيده حتى وضعها موضعها، ثم غمزها براحته، وقال: اللَّهمّ اكسه جمالا، فمات وإنها لأحسن عينيه وما مرضت بعد. وقال عمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كنا نتحدث أنها تعلقت بعرق فردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: اللَّهمّ اكسها جمالا، قال عمر ابن عبد العزيز: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا وقال عبد اللَّه بن محمد بن عمارة: إن قتادة بن النعمان رميت عينه يوم أحد، فسالت حدقته على وجهه، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه إن عندي
امرأة أحبها، وإن هي رأت عيني خشيت أن تقذرنى، فردها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده، فاستوت ورجعت وكانت أقوى عينيه وأصحهما [بعد أن كبر] [ (1) ] . وخرّج أبو بكر بن الأنباري من حديث أبيه، حدثنا أحمد بن عبيد، عن الهيثم بن عدي، عن أبيه قال: أصيبت عين قتادة بن النعمان الظفري يوم أحد، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهي في يده، فقال: ما هذا يا قتادة؟ قال: هذا ما ترى يا رسول اللَّه، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت رددتها ودعوت اللَّه لك، فلم تفقد فيها شيئا، فقال: يا رسول اللَّه، واللَّه إن الجنة لجزاء جزيل، وعطاء جليل، ولكني رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن: أعور، فلا يردننى، ولكن تردها لي، وتسأل اللَّه لي الجنة، فقال: أفعل يا قتادة، ثم أخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده، فأعادها إلى موضعها، فكانت أحسن عينيه إلى أن مات، ودعا اللَّه له بالجنة. قال: فدخل ابنه على عمر بن عبد العزيز رحمه اللَّه، فقال له عمر: من أنت يا فتى؟ فقال: أنا ابن الّذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا حسن ما عين ويا طيب ما رد فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون ثم قال: تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وأما برء يد محمد بن حاطب [1] بنفث المصطفى صلى الله عليه وسلم عليها
وأما برء يد محمد بن حاطب [ (1) ] بنفث المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم عليها فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت محمد بن حاطب يقول: وقعت على يدي القدر، فاحترقت، فانطلقت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعل يتفل عليها ويقول: أذهب البأس رب الناس، فأحسبه قال: واشف أنت الشافي.
ومن طريق يعقوب بن سفيان الفسوي، قال: حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا شريك، عن سماك، عن محمد بن حاطب، قال: أدنيت إلى قدر لنا، فوضعت يدي فيه فاحترقت، فذهبت بي أمي إلى البطحاء، فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابني هذا احترقت يده، فجعل يتكلم الكلام ولا أدري ما هو، ولكنه ينفث، فسألت في إمارة عثمان، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أظنه قال: ما رويناه من حديث شعبة [ (1) ] . ومن طريق جعفر بن عون قال: أخبرنا مسعر عن سماك، عن محمد بن حاطب قال: صنعت أمى مريقة [ (2) ] فأهراقت على يدي، فذهبت بي أمي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال كلاما لم أحفظه، وسألت عنه في إمارة عثمان ما قال؟ قالت: قال: أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت. وخرّج البيهقي وأبو نعيم، كلاهما من حديث سعيد بن سليمان قال: حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم، عن جده معمر بن حاطب، عن أمه أم جميل أم محمد بن حاطب، قالت: أقبلت بك من أرض الحبشة، حتى إذا كنت من المدينة بليلة أو ليلتين، طبخت لك طبيخا، ففني الحطب فرجعت [ (3) ] أطلب الحطب فتناولت القدر، فانكفأت على ذراعك القدر، فقدمت بك المدينة، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللَّه هذا محمد بن حاطب، وهو أول من سمى بك فمسح على رأسك ودعا لك بالبركة، ثم تفل في فيك، وجعل يتفل على يديك وهو يقول: أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما. قالت: فما قمت بك من عنده حتى برئت [ (4) ] يداك.
وقال أبو عمر بن عبد البر: محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهيب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحيّ، ولد بأرض الحبشة، كانت أمه أم جميل، ويقال: جويرية بنت المجلل بن عبد اللَّه بن أبي قيس بن عبد ودّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ القرشية العامرية، قد هاجرت إليها مع زوجها حاطب، فولدت له هناك محمدا والحارث ابنا حاطب، وكان محمد بن حاطب يكنى أبا القاسم، وقيل: أبا إبراهيم، توفي في خلافة عبد الملك بن مروان سنة أربع وسبعين بمكة، وقيل: بالكوفة وعداده في الكوفيين. وقال مصعب: كان محمد بن حاطب في حين قدومه من أرض الحبشة وهو صبي، قد أصابته نار في إحدى يديه فأحرقته، فذهبت به أم جميل بنت المجلل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرقاه ونفث عليه. وقال البخاري: حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد قال: أخبرني أبي عثمان، عن جده محمد بن حاطب، عن أمه أم جميل أم محمد بن حاطب قالت: خرجت بك من أرض الحبشة حتى إذا كنت من المدينة على ليلة أو ليلتين طبخت لك طبيخا، فخرجت أطلب الحطب، فتناولت القدر فانكفأت على ذراعك، فقدمت المدينة وأتيت بك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللَّه! هذا محمد بن حاطب، وهو أول من سمى باسمك، فمسح على رأسك ودعا بالبركة، ثم تفل في فيك وجعل يتفل على يديك ويقول: أذهب الباس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقما. فما قمت بك من عنده حتى برئت يدك [ (1) ] . قال كاتبه [ (2) ] : رواية البخاري هذه خارج (الصحيح) [ (3) ] .
وأما ذهاب السلعة [1] من كف شرحبيل [2] بنفث الرسول صلى الله عليه وسلم ووضع يده عليها
وأما ذهاب السلعة [ (1) ] من كف شرحبيل [ (2) ] بنفث الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ووضع يده عليها فخرج البيهقي [ (3) ] من طريق البخاري خارج (الصحيح) قال: قال لي على: حدثنا يونس بن محمد المؤدب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا مخلد بن عقبة بن عبد الرحمن بن شرحبيل الجعفي، عن جده عبد الرحمن، عن أبيه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبكفى سلعة، فقلت: يا رسول اللَّه! هذه السلعة آذتني، تحول بيني وبين قائم السيف أن أقبض عليه عنان الدابة، فقال: ادن مني، فدنوت منه، فقال: افتح كفك، ففتحتها، ثم قال: اقبضها فقبضتها، ثم قال: ادن منى، فدنوت منه، فقال: افتحها، ففتحتها، فنفث في كفى، ووضع كفه على السلعة، فما زال يطحنها بكفه حتى رفعها عنها، وما أدرى أين أثرها.
وأما برء خبيب [1] بتفل الرسول صلى الله عليه وسلم على موضع مصابه
وقال ابن عبد البر: شرحبيل الجعفي وقال: بعضهم فيه شراحيل، حديثه في أعلام النبوة في قصة السلعة التي كانت به، شكاها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنفث فيها، ووضع يده عليها. وأما برء خبيب [ (1) ] بتفل الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم على موضع مصابه فروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن، قال: ضرب خبيب يعنى ابن على يوم بدر، فمال شقه، فتفل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأمه ورده فانطبق، فلم ير لها أثر. وروى عنه ابنه عبد الرحمن.
وأما ذهاب السلعة من كف أبي سبرة بمسح الرسول صلى الله عليه وسلم
وأما ذهاب السلعة من كف أبي سبرة بمسح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال البيهقي [ (1) ] : وقرأت في كتاب الواقدي أن أبا سبرة قال: يا رسول اللَّه إن بظهر كفى سلعة قد منعتني من خطام راحلتي، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدح، فجعل يضرب على السلعة ويمسحها، فذهبت، فدعا له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأبنيه: أحدهما، سبرة، والآخر.. عزيز، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد الرحمن، وهو أبو خيثمة [بن عبد الرحمن] [ (2) ] قال ابن عبد البر [ (3) ] : أبو سبرة الجعفي اسمه يزيد ابن مالك بن عبد اللَّه بن ذؤيب بن سلمة بن عمرو بن ذهل بن مروان بن جعفي، والد سبرة بن أبي سبرة، وعبد الرحمن بن أبي سبرة، له صحبة، وفد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه ابناه عزيز وسبرة، فسمى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عزيزا عبد الرحمن، روى، عنه ابناه في القراءة في الوتر وفي الأسماء حديثا مرفوعا، جد هو خيثمة بن عبد الرحمن [بن أبي سبرة] . وقال ابن الكلبي: وولد سلمة بن عمرو يعني ابن ذهل بن مروان بن جعفي بن سعد العشيرة بن مالك، وهو مذحج بن أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان الذؤيب، والمعترض منهم أبو سبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد اللَّه بن ذؤيب بن سلمة، وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه ابناه سبرة عبد الرحمن، وكان في ألفين وخمسمائة من العطاء، وأقطعه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وادى جعفي باليمين. وكان اسم الوادي جردان، وكان الحجاج ولى عبد الرحمن بن أبي سبرة أصبهان وابنه خيثمة بن عبد الرحمن الفقيه، ومحمد بن عبد الرحمن كان من فرسان العرب وولى مسايح الري. انتهى [ (4) ] .
وقال المعافي بن زكريا: حدثنا ابن دريد أخبرنا السكن بن سعيد، عن العباس بن هشام، عن أبيه قال: حدثنا الوليد بن عبد اللَّه الجعفي عن أبيه، عن أشياخ قومه، قالوا: كانت عند أبي سبرة وهو يزيد بن مالك بن عبد اللَّه بن الذؤيب بن سلمة بن عمرو بن ذهل بن مروان بن جعفي امرأة منهم، فولدت له سبرة وعزيز، ثم ماتت فورثها ابناها إبلا، ثم تزوج أبو سبرة أخرى، فجفا ابنيه ونجاهما عنه، فكانا في إبلها التي ورثاها من أمها، فلما بلغهما مهاجر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال سبرة لمولى لأمه، كان يرعى عليه: ابغني ناقة كنازا، يعني كثيرة اللحم مجتمعة الجسم ذات لبن، فأتاه بها فركبها، وهو يقول لأبيه: ألا بلغا عني يزيد بن مالك ... أما بال الشيخ أن يتذكرا رأيت أبانا صدّ عنا بوجهه ... وأمسك عنا ماله وتمرا ثم توجه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأقبل أخوه عزيز، فقال للمولى: أين أخي؟ قال: ندت ناقته، فذهب في طلبها، فنظر في الإبل فلم ير شيئا، فقال للمولى: لتخبرني، فأخبره وأنشده البيتين فدعا بناقة فركبها وهو يقول: ألا بلغا عني معاشر مذجح ... فهل لي من بعد ابن أمي معشرا؟ ولحق بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم أقبل أبو سبرة، فقال للمولى: أين أخي؟ قال: ندت ناقته، فذهب في طلبها، فنظر في الإبل فلم ير شيئا، فقال للمولى: أين ابناي؟ فأخبره خبرهما وأنشده شعريهما، فركبها وهو يقول: وسبرة كان النفس لو أن حاجة ... ترد ولكن كتان أمرا تيسرا وكان عزيز خلتي فرأيته ... تولى ولم يقبل عليّ وأدبرا ثم لحق بهما، وخلف عند المولى غلاما له يقال له: شنقرا فمكث المولى أياما، ثم لحق بهم، وأنشأ يقول: بدلت إيناسا حيالا وشنقرا ... بأهلي لا أرضى به أولئك فأتى أبو سبرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه ابناه فأسلموا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لعزيز: ما اسمك؟ فقال عزيز، قال: لا عزيز إلا اللَّه، أنت عبد الرحمن [ (1) ] .
وقال أبو سبرة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني بظهر كفي سلعة قد منعتني من خطام راحلتي، فدعا صلّى اللَّه عليه وسلّم بقدح، فجعل يضرب به على السلعة، ويمسحها، فذهبت، ودعا له ولابنيه، وأقطعه جردان [ (1) ] واديا في بلاد قومه. قال ابن الكلبيّ: فلم يسمع بأهل بيت أجابوا إلى الإسلام طوعا مثل هؤلاء.
وأما ذهاب القوباء من وجه أبيض بن حمال [1] بمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه
وأما ذهاب القوباء من وجه أبيض بن حمال [ (1) ] بمسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه فخرّج محمد بن سعد، عن الواقدي عن الحميدي، عن فرح بن سعيد، عن عمه ثابت بن سعيد، عن أبيه، عن جده أبيض أنه كان بوجهه جدرة يعنى القوباء. وقد التمعت وجهه، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح وجهه فلم يمس من ذلك اليوم، ومنها أثر هكذا رواه البيهقي [ (2) ] . وأما برء جراحة خبيب بتفل المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها فخرّج البيهقي من حديث خلاد الواسطي، قال: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا المستلم بن سعيد، حدثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب، عن أبيه عن جده، قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه، فقلنا: إنا نشتهي معك مشهدا. قال: أسلمتم، قلنا: لا قال: فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين، فأسلمت وشهدت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأصابني ضربة على عاتقي فخانتني، فتعلقت يديي فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتفل فيها وألزقها، فالتأمت، فبرأت، وقتلت الّذي ضربني، ثم تزوجت ابنة الّذي قتلته وكانت تقول: عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمت رجلا أعجل أباك إلى النار [ (3) ] .
قال كاتبه [ (1) ] : وخبيب هذا بخاء معجمه مضمومة، وبعدها باء مفتوحة معجمة بواحدة، وقد اختلف في اسم أبيه [ (2) ] ، فقيل إساف بهمزة وقيل يساف بياء آخر الحروف ابن عنبة بكسر العين، وفتح النون والباء الموحدة ابن عمرو بن خديج بن عامر بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، أسلم بطريق بدر وما بعد، وتزوج حبيبة بنت خارجة بعد أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ومات في خلافة عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو جد خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف.
وأما عدم شيب عمرو بن أخطب [1] بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجمله الله
وأما عدم شيب عمرو بن أخطب [ (1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجمله اللَّه فخرّج أبو نعيم من حديث حسين بن واقد ويحيى الحماني، قالا: حدثنا أبو نهيك الأزدي قال: حدثني عمرو بن أخطب، قال: استسقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتيته بجمجمة وفيها ماء وفيها شعرة، فرفعتها فناولته فنظر إليّ، فقال: اللَّهمّ جمله، قال: فرأيته وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، وما في رأسه ولحيته شعرة بيضاء [ (2) ] . وخرّجه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا حسين بن واقد مثله، وقال: هو ابن أربع وتسعين سنة. وخرّجه البيهقي من طريق الإمام أحمد، قال: حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا عروة بن ثابت، حدثنا علباء بن أحمر، قال: حدثني أبو زيد الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لي: ادن مني، قال: فمسح بيده علي رأسي ولحيتي، ثم قال: اللَّهمّ جمله، وأدم جماله، قال: فبلغ بضعا ومائة سنة، وما في لحيته بياض إلا نبذ يسيرة، ولقد كان منبسط الوجه، ولم ينقبض وجهه حتى مات [ (3) ] . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح موصول، قد رواه أيضا الحسين بن واقد، قال:
حدثنا أبو نهيك [الأزدي] [ (1) ] عن عمرو بن أخطب، وهو أبو يزيد، قال: استسقى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتيته بإناء فيه ماء وفيه شعرة، فرفعتها ثم ناولته، فقال: اللَّهمّ جمله، قال: فرأيته ابن ثلاث وتسعين، وما في رأسه، ولحيته شعرة بيضاء [ (2) ] . قال ابن عبد البر: عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري هو مشهور بكنيته، يقال إنه من بني الحارث بن الخزرج غزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوات، ومسح على رأسه ودعا له بالجمال، فيقال إنه بلغ مائة سنة ونيفا ما في رأسه ولحيته إلا نبذ من شعر أبيض.
وأما أن عمرو بن الحمق [1] بلغ الثمانين ولم يبيض شعره بدعائه صلى الله عليه وسلم له
وأما أن عمرو بن الحمق [ (1) ] بلغ الثمانين ولم يبيض شعره بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم له
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم ليهودي بالجمال فاسودت لحيته بعد بياضها
فخرج أبو نعيم من حديث عبد الأعلى بن مسهر، قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني إسحاق بن عبد اللَّه عن يوسف بن سليمان، عن جدته ميمونة ناثرة عن عمرو بن الحمق أنه سقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبنا، فقال: اللَّهمّ أمتعه بشبابه، فمرت عليه ثمانون سنة، لم ير له شعرة بيضاء. وخرّجه ابن عساكر من طريق هشام بن عمار، قال: حدثنا يحيى بن حمزة الحضرميّ، حدثني إسحاق بن أبي فروة، حدثنا يوسف بن سليمان، عن جدته ميمونة، عن عمرو بن الحمق: أنه سقي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لبنا ... الحديث. وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليهودي بالجمال فاسودت لحيته بعد بياضها فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث محمد بن إبراهيم بن عزرة بن ثابت عن أبيه، عن عزرة بن ثابت الأنصاري، عن ثمامة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يهوديا أخذ من لحية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ جمله، فاسودت لحيته بعد ما كانت بيضاء [ (2) ] . وخرّج من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة قال: حلب يهودي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ جمله، قال: فاسودّ شعره حتى صار أشد سوادا من كذا وكذا.
قال معمر وسمعت غير قتادة يذكر أنه عاش نحوا من تسعين سنة، فلم يشب [ (1) ] . قال البيهقي: ورأيته في كتاب (المراسيل) لأبي داود مختصرا: إن يهوديا حلب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: اللَّهمّ جمله، فاسود شعره [ (2) ] .
وأما تمتع السائب بن يزيد [1] بحواسه وسواد شعره بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له
وأما تمتع السائب بن يزيد [ (1) ] بحواسه وسواد شعره بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم له فخرّج البخاري [ (2) ] من حديث إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا الفضل بن موسى عن الجعد بن عبد الرحمن، قال: رأيت السائب بن يزيد ابن أربع وتسعين جلدا معتدلا، فقال: قد علمت ما متعت سمعي وبصري إلا بدعاء
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن خالتي ذهبت بي إليه، فقالت: يا رسول اللَّه، إن ابن أختي شاك، فادع اللَّه له، فدعا لي. وخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث عكرمة بن عمارة، قال: حدثنا عطاء مولى السائب قال: كان رأس السائب أسود من هذا المكان ووصف بيده أنه كان أسود الهامة أي مقدم رأسه، وكان سائر مؤخرة لحيته وعارضاه أبيض. فقال: يا مولاي ما رأيت أحدا أعجب شعرا منك، قال: وما تدري [يا بني] لم ذاك؟ إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مر بي وأنا مع الصبيان، فقال: من أنت؟ قلت: السائب بن يزيد أخو النمر، فمسح يده على رأسي، وقال: بارك اللَّه فيك، فهو لا يشيب أبدا.
وأما عدم شيب موضع يد الرسول صلى الله عليه وسلم من رأس محمد بن أنس [1]
وأما عدم شيب موضع يد الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأس محمد بن أنس [ (1) ]
فخرّج البخاري في (التاريخ) [ (1) ] على ما أورده البيهقي [ (2) ] من حديث يحيي بن موسى، عن يعقوب بن محمد [بن إبراهيم الفارسيّ] قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد اللَّه الأصبهاني قال: [ (3) ] أنبأنا إدريس بن محمد بن يونس ابن محمد بن أنس بن فضالة الظفري قال: حدثني جدي يونس عن أبيه قال: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة وأنا ابن أسبوعين، فأتى بي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فمسح رأسي وحج بي حجة الوداع، وأنا ابن عشر سنين، ودعا لي بالبركة، وقال: سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي قال: قال يونس: فلقد عمر أبي حتى شاب كل شيء من أبي، وما شاب موضع يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأسه ولحيته.
وأما تبين بركة يد حنظلة بن حذيم [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالبركة
وأما تبين بركة يد حنظلة بن حذيم [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه بالبركة فخرّج البيهقي من حديث أبي القاسم البغوي، قال: حدثنا هارون بن عبد اللَّه أبو موسى حدثنا محمد بن سهل بن مروان، حدثنا الذيال بن عسكر بن
حنظلة بن حذيم بن حنيفة قال: سمعت جدي حنظلة يحدث أبي وأعمامه أن حنيفة جمع بنيه. فذكر الحديث في وصيته، وقدومه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه حذيم وحنظلة، وفي آخره قال: بأبي أنت وأمي، أنا رجل ذو بنين [ (1) ] هذا ابني حنظلة، فسمّت عليه [ (2) ] . فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا غلام وأخذ بيده، فمسح رأسه، وقال له: بورك فيك، أو قال: بارك اللَّه فيك، ورأيت حنظلة يوما بالشاة الوارم ضرعها والبعير والإنسان به الورم فيتفل في يده ويمسح بصلعته، ويقول: بسم اللَّه على أثر يد رسول اللَّه، فيمسحه فيذهب عنه [ (3) ] . وخرّج من طريق البخاري في (التاريخ) [ (4) ] قال: حنطلة بن حذيم، قال يعقوب بن إسحاق حنظلة بن حنيفة بن حذيم، قال: قال حذيم: يا رسول اللَّه إني رجل ذو بنين، وهذا أصغر بني، فسمت عليه. قال: فقال: يا غلام فأخذ بيده ومسح برأسه، وقال: بارك اللَّه فيك أو بورك فيك، فرأيت حنظلة يؤتي بالإنسان الوارم، فيمسح بيده ويقول: بسم اللَّه فيذهب الورم. وخرّجه الإمام أحمد [ (5) ] من حديث أبي سعيد مولى بني هاشم، حدثنا ذيال ابن عتيك فذكره بطوله إلى أن قال: فدنا أبي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إن لي بنين ذوي لحي، ودون ذلك وإن ذا أصغرهم فادع اللَّه له، فمسح رأسه، وقال: بارك اللَّه فيك أو بورك فيك. قال ذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتي بالإنسان
الوارم وجهه أو بالبهيمة الوارمة الضرع، فيتفل على يده، ويقول: بسم اللَّه ويضع يده ويقول على موضع كف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيمسحه عليه، فيذهب الورم. وقال أبو عمر بن عبد البر: حنظلة [ (1) ] بن حذيم بن حنيفة أبو عتيبة الحنفي من بني حنيفة، ويقال: حنظلة بن حنيفة بن حذيم التميمي السعدي. هكذا قال العقيلي، وقال البخاري [ (2) ] : حنظلة بن حذيم، ولم ينسبه، قال: وقال يعقوب بن إسحاق: عن حنظلة بن حنيفة بن حذيم، قال: قال حذيم: يا رسول اللَّه إن حنظلة أصغر بني ... الحديث، هكذا ذكره البخاري ولم يجوده.
وأما سلامة موضع يد المصطفى صلى الله عليه وسلم من رأس أبي سفيان مدلوك [1] فلم يشب دون سائر رأسه
وأما سلامة موضع يد المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأس أبي سفيان مدلوك [ (1) ] فلم يشب دون سائر رأسه فخرّج البخاري في (التاريخ) [ (2) ] على ما أورده البيهقي، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن مطر بن العلاء الفزاري، عن عمته وقطعة مولاة لهم قالتا: سمعنا أبا سفيان واسمه مدلوك أنه ذهب إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم، ودعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ومسح رأسه بيده، ودعا له بالبركة فكان مقدم رأس أبي سفيان أسود مما مسته يد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وسائره أبيض.
وخرّجه البيهقي [ (1) ] من طريق علي بن حجر قال: أخبرنا مطر بن العلاء الفزاري قال: حدثتني عمتي آمنة بنت أبي الشعثاء عن مدلوك أبي سفيان فذكره [ (2) ] ، وقال ابن عبد البر [ (3) ] : أبو سفيان مدلوك ذهب مع مولاه إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معه، ومسح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم برأسه ودعا له بالبركة، فكان مقدم رأسه ما مسّ منه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أسود وسائره أبيض.
وأما سلامة عبد الله بن عتبة [1] وذريته من الهرم بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالبركة ولذريته رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما سلامة عبد اللَّه بن عتبة [ (1) ] وذريته من الهرم بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم له بالبركة ولذريته رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث الفضل بن عون المسعودي أبي حمزة قال: حدثتني أم عبد الرحمن بنت حمزة بن عبد اللَّه عن جدتها، وكانت أم ولد عبد اللَّه بن عتبة، قالت: قلت لسيدي عبد اللَّه بن عتبة: أيش تذكر عن [ (3) ] النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: أذكر أني غلام خماسي أو سداسي [ (1) ] أجلسني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حجره، ودعا لي ولولدي بالبركة، قالت جدتي: فنحن نعرف ذلك أنا لا نهرم [ (2) ] . قال كاتبه: [ (3) ] هو عبد اللَّه بن عتيبة بن مسعود ابن أخي عبد اللَّه بن مسعود. قال ابن عبد البر [ (4) ] : ذكره العقيلي في الصحابة فغلط، وإنما هو تابعي من كبار التابعين بالكوفة، وهو والد عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة الفقيه المدني الشاعر شيخ ابن شهاب. روي عنه ابنه عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، وحميد بن عبد الرحمن، ومحمد بن سيرين، وروي ابنه حمزة بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: أذكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع يده علي رأسي. قال: وذكره البخاري في التابعين، وإنما ذكره العقيلي في (الصحابة) لحديث حدثه به محمد بن إسماعيل الصايغ، عن سعيد بن منصور، عن خديج ابن معاوية أخي زهير بن معاوية عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي النجاشي نحوا من ثمانين رجلا منهم ابن مسعود، وجعفر بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن أبي عرفطة، وأبو موسى الأشعري وعثمان بن مظعون، فقال جعفر: أنا خطيبكم اليوم. الحديث. قال أبو عمر: لو صحّ هذا الحديث لثبتت هجرة عبد اللَّه بن عتبة إلى أرض الحبشة، ولكنه وهم وغلط، والصحيح فيه أن أبا إسحاق رواه عن عبد اللَّه ابن عتبة، عن ابن مسعود قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي أرض النجاشي، ونحن نحوا من ثمانين رجلا منهم: ابن مسعود وجعفر ... الحديث، ولعل الوهم أن يكون دخل على من قال ذلك، لما في الحديث، منهم: ابن مسعود، وليس
وأما سلامة عمرو بن ثعلبة [1] من الشيب بلمس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه بيده المقدسة
بمشكل عند أحد من أهل هذا الشأن أن عبد اللَّه بن عتبة ليس ممن أدرك زمن الهجرة إلي النجاشي. انتهى كلام ابن عبد البر. وقد خرّج لعبد اللَّه بن عتبة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجة، وعده المزني والذهبي في الصحابة، وقالا: رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو خماسي أو سداسي. وأما سلامة عمرو بن ثعلبة [ (1) ] من الشيب بلمس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجهه بيده المقدسة فخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث أبي القاسم البغوي قال: حدثنا أحمد بن عباد الفرغاني، حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا وهب بن عطاء بن يزيد الجهنيّ قال: حدثني الوضاح بن سلمة الجهنيّ عن أبيه، عن عمرو بن ثعلبة الجهنيّ قال: لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلمت ومسح على وجهي، فمات عمرو بن ثعلبة، وقد أتت عليه مائة سنة، وما شاب منه شعرة مستها يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجهه ورأسه.
واما أن موضع مس يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأس مالك بن عمير [1] ووجهه لم يشب
واما أن موضع مس يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من رأس مالك بن عمير [ (1) ] ووجهه لم يشب فقال البيهقي: روينا عن مالك بن عمير الشاعر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وضع يده على رأسه، ثم على وجهه، ثم على صدره، ثم على بطنه، ثم عمر مالك حتى شاب رأسه ولحيته، وما شاب موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وقال أبو عمر بن عبد البر: مالك بن عمير السلمي، شهد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الفتح وحنينا والطائف، وكان شاعرا [ (3) ] .
أما طيب رائحة عتبة بن فرقد [1] بمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على ظهره وبطنه
أما طيب رائحة عتبة بن فرقد [ (1) ] بمسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده على ظهره وبطنه فقال البيهقي [ (2) ] : وروينا عن حصين بن عبد الرحمن عن أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد أن عتبة بن فرقد كان لا يزيد على أن يدهن رأسه ولحيته، وكان أطيبنا ريحا، فسألته فذكر عتبة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما شكا إليه، أخذ إزار عتبة فوضعه، على فرجه، ثم بسط يديه، ونفث فيها، ومسح إحداهما على ظهره، والأخرى على بطنه، قال: فهذه الريح من ذلك. وقال ابن عبد البر [ (3) ] : عتبة بن فرقد السلمي أبو عبد اللَّه له صحبة ورواية، وكان أميرا لعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على فتوحات العراق.
قال: وينسبونه عتبة بن يربوع بن حبيب بن مالك وهو فرقد بن سعد رفاعة بن الحارث بن بهثة بن سليم السلمي أمه آمنة بنت عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف. ثم ذكر من حديث ابن وضاع قال: حدثنا محمد بن فروخ، حدثنا علي ابن عاصم حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال: حدثتني أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد، [قالت: كنا عند عتبة بن فرقد] ثلاث [نسوة] ما منا واحدة إلا وهي تجتهد في التطيب لتكون أطيب ريح من صاحبتها، وما يمسّ عتبة طيبا إلا أن يلتمس دهنا، وكان أطيب ريح منا، فقلت له في ذلك، فقال: أصابني الشري على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأقعدني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين يديه، وتجردت وألقيت ثيابي على عورتي، فنفث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في كفه ثم دلك بها ثم والأخرى، أمرهما على ظهري وبطني فعبق به ما ترون. وروى عن شعبة عن حصين، عن امرأة عتبة بن فرقد أنه غزا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوتين. وخرّج هذا الحديث أبو القاسم الطبراني من حديث آدم بن أبي إياس قال: حدثنا شيبان وورقاء، عن حصين بن عبد الرحمن قال: حدثني أم عاصم امرأة عتبة بن فرقد السلمي قالت: كنا عند عتبة أربع نسوة ما منا امرأة إلا وهي تجتهد في الطيب لتكون أطيب من صاحبتها، وما يمس عتبة الطيب إلا أن يمس دهنا يمسح به لحيته، وهو أطيب ريحا منا. وكان إذا خرج إلى الناس قالوا: ما شممنا أطيب من ريح عتبة، فقلت له يوما: إنا لنجتهد في الطيب، ولأنت أطيب ريح منا. فمم ذلك؟ قال: أخذني الشري على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشكوت ذلك إليه، فأمرني أن أتجرد، فتجردت وقعدت بين يديه، وألقيت ثوبي على فرجي، فنفث في يده، ثم مسح يده على ظهري وبطني، فعبق على هذا الطيب من يومئذ.
وأما وضاءة وجه قتادة بن ملحان [1] بمسح المصطفى صلى الله عليه وسلم له
وأما وضاءة وجه قتادة بن ملحان [ (1) ] بمسح المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم له فخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي العلاء قال: كنت عند قتادة بن ملحان في مرضه الّذي مات فيه، فمر رجل في مؤخر الدار، فرأيته في وجه قتادة قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسح وجهه، قال: كنت قل ما رأيته إلا رأيته كان على وجهه الدهان.
وأما تمتع النابغة [1] بأسنانه وقد نيف على المائة عام بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك
وأما تمتع النابغة [ (1) ] بأسنانه وقد نيف على المائة عام بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم له بذلك
فخرّج أبو نعيم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن عبد اللَّه بن خالد الرقي قال: حدثنا يعلى بن الأشهل قال: سمعت النابغة- نابغة بني جعدة- يقول: أنشدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا الشعر فأعجبه وهو: بلغنا السماء مجدنا وثراءنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال لي: أين المظهر يا أبا ليلى؟ قلت: إلى الجنة، قال: - إن شاء اللَّه تعالى- فلما أنشدته:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حكيم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجدت لا يفضض اللَّه فاك، قال يعلي: فلقد رأيته وقد أتى عليه نيفا ومائة سنة وما ذهب له سن. قال كاتبه: فذكر ابن عبد البر أنه اختلف في اسم النابغة هذا، فقيل قيس ابن عبد اللَّه، وقيل حبان بن قيس بن عبد اللَّه بن عمر بن عبس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقيل اسمه حبان بن قيس عبد اللَّه بن وحوح بن عبس بن ربيعة بن جعدة، وإنما قيل له النابغة لأنه قال الشعر، ثم تركه نحو ثلاثين سنة، ثم سعى فيه بعد فقال، فسمى النابغة. قال ابن قتيبة: عمره مائتين وعشرين سنة، وقيل: أقل من ذلك. قال أبو عمر: وفد على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مسلما وأنشده، فدعا له صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر أبو عمر من حديث قاسم بن أصبغ قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا العباس ابن الفضل، حدثنا محمد بن عبد اللَّه التميمي، قال: حدثنا الحسن بن عبيد اللَّه، قال: حدثني من سمع النابغة الجعديّ يقول: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنشدته قولي: وإنا لقوم ما تعود خيلنا ... إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا وننكر يوم الروع ألوان خيلنا ... من الطعن حتى يحسب الجون أشقرا وليس بمعروف لنا أن نردها ... صحاحا ولا مستنكر أن تعقرا بلغنا السماء مجدنا وثناءنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: فقلت: إلى الجنة، قال: نعم إن شاء اللَّه، فلما أنشدته: ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حكيم إذا ما أورد الأمر أصدرا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يفضض اللَّه فاك، قال: وكان من أحسن الناس ثغرا، كان إذا سقطت له سن نبتت.
وفي رواية عبد اللَّه بن جراد لهذا الخبر قال: فنظرت إليه كأن فاه البرد المتهلل [ (1) ] يتلألأ، وما سقطت له سن ولا تقلقلت بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: له أجدت، لا يفضض اللَّه فاك [ (2) ] .
وأما برء ساق سلمة بن الأكوع [1] بنفث الرسول صلى الله عليه وسلم فيها
وأما برء ساق سلمة بن الأكوع [ (1) ] بنفث الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فيها فخرّج البيهقي [ (2) ] في (الدلائل) من حديث المكيّ بن أبي عبيدة قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم! ما هذه الضربة التي أصابتها
وأما برء قرحة في رجل بوضع المصطفى صلى الله عليه وسلم ريقه بإصبعه عليها
قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر؟ فقال الناس: أصيب سلمة [ (1) ] ، فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنفث فيها ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة [ (2) ] . وأما برء قرحة في رجل بوضع المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم ريقه بإصبعه عليها فخرّج البيهقي [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنا ابن لهيعة عن عمارة ابن غزية أن محمد بن إبراهيم التيمي حدثه، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه أن محمد بن إبراهيم حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتي برجل برجله قرحة قد أعيت الأطباء فوضع إصبعه على ريقه، ثم رفع طرف الخنصر، فوضع إصبعه على التراب، ثم رفعها فوضعها على القرحة، ثم قال: باسمك اللَّهمّ ريق بعضنا، بتربة أرضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا. قال البيهقي: هذا الدعاء في حديث عائشة موصولا، قلت: أوردته في الطب.
وأما ظهور بركة تفله صلى الله عليه وسلم في فم عبد الله بن عامر [1]
وأما ظهور بركة تفله صلّى اللَّه عليه وسلّم في فم عبد اللَّه بن عامر [ (1) ] فخرّج البيهقي من حديث عمر بن شبة قال: أخبرني أبو عبيدة النحويّ، أن عامر بن كريز أتي بابنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وهو ابن خمس سنين أو ست سنين، فتفل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فيه، فجعل يزدرد ريق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويتملظ. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن ابنك هذا مسقي [ (2) ] علي وفي رواية: أرجو أن يكون مسقيا [ (3) ] . قال: وكان يقال: لو أن عبد اللَّه قدح حجرا أمامه يعني يخرج من الحجر الماء من بركته [ (4) ] . وقال ابن عبد البر: عبد اللَّه بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشي العبشمي: ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتي به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو صغير، فقال: هذا شبيهنا، وجعل يتفل عليه، عوذة فجعل عبد اللَّه يتسوع ريق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه لمسقى، فكان لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء. وقيل: لما أتي بعبد اللَّه بن عامر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لبني عبد شمس هذا أشبه بنا منكم، ثم تفل في فيه فازدرده، فقال: أرجو أن يكون مسقيا [ (5) ] ، فكان كما قال [النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] فإنه هو الّذي اتخذ النباج وأنبط عيونا
تعرف به، ثم اتخذ النهر الّذي عرف بنهر أم عبد اللَّه، وهي أمه دجاجة بنت أسماء بن الصلت السلمي، وقال: لو تركت لخرجت المرأة ترد كل يوم ماء حتى توافي مكة يعني البصرة.
وأما قيام تفله صلى الله عليه وسلم في أفواه الرضعاء [يوم عاشوراء] مقام الغذاء
وأما قيام تفله صلّى اللَّه عليه وسلّم في أفواه الرضعاء [يوم عاشوراء] مقام الغذاء فخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث عبيد اللَّه بن عمر القواريري، قال: حدثتنا عليه بنت الكميت العتكية عن أمها أميمة قالت: قلت لأمه اللَّه أسمعت أمك رزينة تذكر أنها سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يذكر صوم يوم عاشوراء؟ قالت: نعم يعظمه ويدعو برضعائه ورضعاء ابنته فاطمة، فيتفل في أفواههم، ويقول للأمهات: لا ترضعوهن إلى الليل [ (2) ] .
وأما قيام ريقه صلى الله عليه وسلم في فم محمد بن ثابت [1] وتحنيكه بتمره مقام لبان أمه
وأما قيام ريقه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فم محمد بن ثابت [ (1) ] وتحنيكه بتمره مقام لبان أمه فخرّج البيهقي من حديث زيد بن الحباب قال: حدثني أبو ثابت يزيد بن إسحاق بن إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري قال: حدثني إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس أن ثابت بن قيس فارق جميلة بنت عبد اللَّه ابن أبيّ، وهي حامل بمحمد، فلما ولدته حلفت أن لا تلبنه من لبنها، فدعا به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فبزق في فيه وحنكه بتمر عجوة، وسماه محمدا، وقال: اختلف به [إليّ] [ (2) ] فإن اللَّه رازقه، فأتينه اليوم الأول، والثاني، والثالث، فإذا امرأة
وأما ذهاب الصداع عن فراس بن عمرو [2] بأخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم بجلدة ما بين عينيه وما ظهر من أعلام النبوة في ذلك
من العرب تسأل عن ثابت بن قيس، فقلت لها: ما تريدين منه؟ أنا ثابت، قالت: رأيت في منامي هذه الليلة كأني أرضع ابنا له يقال له: محمد، فقال: أنا ثابت وهذا ابني محمد، قال: وإذا درعها ينعصر من لبنها [ (1) ] . وخرّجه الحاكم في مستدركه. وأما ذهاب الصداع عن فراس بن عمرو [ (2) ] بأخذ المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بجلدة ما بين عينيه وما ظهر من أعلام النبوة في ذلك فخرّج البيهقي [ (3) ] من حديث أبي أسامة الكلبي قال: حدثنا شريح بن مسلمة حدثنا أبو يحيى التيمي وإسماعيل بن إبراهيم قال: حدثني سيف بن وهب ابن أبي الطفيل أن رجلا من بني ليث يقال له: فراس بن عمرو أصابه صداع شديد، فذهب به أبواه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشكا إليه الصراع الّذي به فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فراسا فأجلسه بين يديه، فأخذ بجلدة ما بين عينيه فجذبها حتى تنقضت،
فنبتت في موضع أصابع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جبينه شعرة فذهب عنه الصداع، فلم يصدع. قال أبو الطفيل: فرأيتها كأنها شعره قنفذ، قال: فهم بالخروج على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مع أهل حروري قال: فأخذه أبوه فأوثقه وحبسه فسقطت تلك الشعرة، فما رآها [قد سقطت] [ (1) ] شق عليه ذلك، فقيل له: هذا ما هممت به؟ [فأحدث] [ (2) ] توبة وتاب. قال أبو الطفيل: فرأيتها قد سقطت ثم رأيتها بعد ما نبتت، قال البيهقي: تفرد به أبو يحيى التيمي. قال كاتبه: أبو يحيى هذا هو إسماعيل بن إبراهيم الأحول أبو يحيي التيمي الكوفي [ (3) ] يروي عن عطاء بن السائب وإبراهيم بن الفضل، والأعمش، وزيد بن أبي زياد. ويروي عنه أبو كريب وأبو سعيد الأشج، وإبراهيم بن يوسف الكندي وجماعة. قال البخاري: ضعفه لي ابن نمير جدا، وقال ابن معين: يروي عنه سجادة، وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن عدي: له أحاديث حسان، وليس فيما يرويه حديث منكر المتن ويكتب حديثه. وقد خرّج الإمام أحمد هذا الحديث في (المسند) [ (4) ] من طريق حماد ابن سلمة، عن على بن زيد بن جدعان، عن أبي الطفيل، أن رجلا ولد له غلام
على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتي به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذ ببشرة وجهه [ (1) ] ودعا له بالبركة، [قال:] فنبتت شعره في جبهته كهيئة [ (2) ] الفرس، وشب الغلام، فلما كان زمن الخوارج أحبهم، فسقطت الشعرة من جبهته، فأخذه أبوه فقيده وحبسه مخافة أن يلحق بهم، قال: فدخلنا عليه فوعظناه، وقلنا له: فيما تقول؟ ألم تر أن [ (3) ] بركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد وقعت عن جبهتك [فما زلنا به حتى رجع عن رأيهم] ، فرجع [ (4) ] فرد اللَّه- عز وجل- عليه الشعرة بعد في جبهته وتاب. وخرّجه البيهقي هكذا من حديث حماد [ (5) ] .
وأما ذهاب البرد عن حذيفة بن اليمان [1] بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بذلك
وأما ذهاب البرد عن حذيفة بن اليمان [ (1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم له بذلك فخرّج مسلم من حديث جرير عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: كنا عند حذيفة، [بن اليمان] فقال رجل: لو أدركت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قاتلت معه وأبليت [ (2) ] ، فقال له حذيفة: أنت تفعل ذلك؟ لقد رأينا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة [ (3) ] وقر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله اللَّه معي يوم القيامة؟ فسكتنا، فلم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله اللَّه معي يوم القيامة؟ فسكتنا، فلم يجبه منا أحد فقال: قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم، فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تذعرهم عليّ [ (4) ] .
فلما وثبت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام، حتى أتيته فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار [ (1) ] ، فوضعت سهما في كبد قوسي، فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تذعرهم عليّ ولو رميته لأصبته، فأخبرته خبر القوم وفرغت قررت، فألبسني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائما حتى أصبحت، فقال: قم أيا نومان [ (2) ] .
وخرّج البيهقي [ (1) ] من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا يوسف ابن عبد اللَّه بن أبي المختار عن بلال العبسيّ، عن حذيفة بن اليمان: أن الناس تفرقوا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة الأحزاب، فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فأتاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا جاثم من البرد. قال يا بن اليمان: قم فانطلق إلي عسكر الأحزاب، فانظر إلى حالهم، قلت: يا رسول اللَّه والّذي بعثك بالحق نبيا ما قمنا إليك إلا حياء منك من البرد. قال: انطلق يا بن اليمان، فلا بأس عليك من حرّ ولا برد حتى ترجع إليّ، فانطلقت إلي عسكرهم، فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله وقد تفرق الأحزاب عنه، قال: حتى إذا جلست فيهم، قال: فحس أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم، قال: ليأخذ كل رجل منكم يبد جليسه، قال: فضربت بيدي على الّذي عن يميني، فأخذت بيده [ثم ضربت يدي على الّذي عن يساري فأخذت بيده] فكنت فيهم هنية ثم قمت فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو قائم يصلي، فأومأ بيده أن ادن، فدنوت ثم أومأ إليّ أيضا أن ادن، فدنوت حتى أسبل على من الثوب الّذي كان عليه وهو يصلي.
فلما فرغ من صلاته قال ابن اليمان: اقعد [ما الخبر؟] ، قلت: يا رسول اللَّه، تفرق الناس عن أبي سفيان، فلم يبق إلا في عصبة يوقد النار، قد صب اللَّه عليه من البرد مثل الّذي صب علينا ولكنا نرجو من اللَّه ما لا يرجو. وله من طريق عكرمة بن عمار، عن محمد بن عبيد أبي قدامة الحنفي، عن عبد العزيز بن أخي [ (1) ] حذيفة قال: ذكر حذيفة مشاهدهم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال جلساؤه: أما واللَّه لو كنا شهدنا ذلك، لفعلنا. فقال حذيفة: لا تمنوا ذلك، فلقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود، أبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم علي ذرارينا، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة ما يرى أحد منا إصبعه. فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويقولون: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ [ (2) ] ، فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له فيأذن لهم فيتسللون ونحن ثلاثمائة أو نحو ذلك إذ استقبلنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا رجلا حتى مر عليّ وما عليّ جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي. قال: فأتاني وأنا جاث على ركبتي، فقال: من هذا؟ فقلت: حذيفة، فقال: حذيفة؟ فتقاصرت بالأرض، فقلت: بلى يا رسول اللَّه، كراهية أن أقوم، قال: قم، فقمت فقال: إنه كائن في القوم خبر فأتيني [ (3) ] بخبر القوم، قال وأنا من أشد الناس فزعا، وأشدهم قرا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، قال: فو اللَّه- ما خلق اللَّه فزعا ولا قرا في جوفي إلا خرج، وما أجد منه شيئا، فلما وليت قال: يا حذيفة لا تحدث [ (4) ] في القوم شيئا حتى تأتيني، فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم في ضوء نار لهم توقد، وإذا رجل أدهم ضخم يقوم بيده
علي النار، ويمسح خاصرته، ويقول: الرحيل الرحيل، ولم أكن أعرف أبا سفيان قبل ذلك، فانتزعت سهما من كنانتي أبيض الريش، فأضعه في كبد قوسي لأرميه، فذكرت قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تحدثن شيئا حتى تأتيني فأمسكت ورددت سهمي في كنانتي، ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون: يا آل عامر الرحيل الرحيل، لا مقام لكم، فإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا، فو اللَّه- إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم الريح تضربهم بها، ثم خرجت نحو النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما انتصف بي الطريق أو غير ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارسا معتمين، فقالوا: أخبر صاحبك أن اللَّه كفاه القوم، فرجعت إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو مشتمل شملة يصلي، فو اللَّه ما عدا أن رجعت راجعني القر، وجعلت أقرقف [ (1) ] ، فأومأ إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بيده وهو يصلي، فدنوت منه فأسبل عليّ شملته، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا حزبه أمر صلى. فأخبرته خبر القوم، وأخبرته أني تركتهم يترحلون، فأنزل اللَّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها [ (2) ] . وخرّج هذا الحديث أبو نعيم من طرق، والمعني واحد وإن تقاربت ألفاظه.
وأما استئذان الحمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرسالها إلي أهل قباء لتكون كفارة لهم
وأما استئذان الحمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإرسالها إلي أهل قباء لتكون كفّارة لهم فخرّج البيهقي [ (1) ] والإمام أحمد [ (2) ] من حديث يعلي بن عبيد، قال: حدثنا الأعمش عن جعفر [ (3) ] بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أم طارق مولاة سعد، قالت: جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي سعد فاستأذن، فسكت سعد وأعاد فسكت سعد، فأرسلني سعد إليه أنه لم يمنعنا أن نأذن لك إلا أنا أردنا أن تزيدنا، قالت: فسمعت صوتا على الباب يستأذن ولا أري شيئا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أنت؟ قالت: أنا أم ملدم [ (4) ] ، قال: لا مرحبا بك ولا أهلا، أتهدين إلي قباء؟ قالت: نعم، قال: فاذهبي إليهم. ولهما من طريق يعلي قال: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر ابن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن أهل قباء أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالوا: إن الحمى قد اشتدت علينا فقال: إن شئتم أن ترفع عنكم رفعت، وإن شئتم كانت طهورا، قالوا: بل تكون لنا طهورا [ (5) ] . ومن حديث يحيى بن المغيرة قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: أتت الحمى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستأذنت عليه، فقال: من أنت؟ قالت: أم ملدم، قال أتريدين أهل قباء؟ قالت: نعم قال: فحموا ولقوا منها شدة فاشتكوا إليه فقالوا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لقينا من الحمى، قال: إن شئتم دعوت اللَّه فكشفها عنكم، وإن شئتم كانت لكم طهورا [قالوا: بل تكون لنا طهورا] .
ومن طريق الإمام أحمد قال: حدثني أبى [ (1) ] ، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان المدائني، حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان المهدي، عن سلمان الفارسيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: استأذنت الحمى على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا الحمى أبرئ اللحم وأمصّ الدم، قال اذهبي إلي أهل قباء، فأتتهم وجوههم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد اصفرت وجوههم، فشكوا الحمى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما شئتم إن شئتم دعوت اللَّه- عز وجل- فكشفها عنكم، وإن شئتم تركتموها، فأسقطت ذنوبكم، قالوا: بل ندعها يا رسول اللَّه [ (2) ] . ومن حديث قرة بن حبيب الغنوي قال: حدثنا إياس بن أبي تميمة، عن عطاء بن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جاءت الحمى إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللَّه ابعثني إلي أحب قومك، أو إلى أحب أصحابك إليك، شك قرة، فقال: اذهبي إلى الأنصار، قال: فذهبت فصبت عليهم فصرعتهم، فجاءوا إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه: قد أتت الحمى علينا فادع اللَّه لنا بالشفاء قال: فدعا لهم، فكشف عنهم، فاتبعته امرأة فقالت: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ادع اللَّه [لي] إني لمن الأنصار، وإن أبي لمن الأنصار فادع اللَّه لي كما دعوت لهم. فقال: أيما أحب إليك؟ أن أدعو لك فيكشف عنك أو تصبرين و [تجب] لك الجنة؟ قالت: لا- واللَّه- يا رسول اللَّه بل أصبر ثلاثا، ولا أجعل من اللَّه بجنته خطرا ابدا، قال البيهقي: [واللَّه تعالى أعلم] [ (3) ] يحتمل أن يكون هذا في قوم آخرين من الأنصار. وخرّجه البخاري في (الأدب المفرد) من حديث قرة به، ولفظه: عن أبي هريرة قال: جاءت الحمى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: ابعثني إلى آثر أهلك عندك، فبعثها إلى الأنصار فبقيت عليهم ستة أيام ولياليها فاشتد ذلك عليهم، فأتهم في ديارهم، فشكوا ذلك إليه، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يدخل دارا دارا، وبيتا بيتا
يدعو لهم بالعافية، فلما رجع تبعته امرأة منهم، فقالت: والّذي بعثك بالحق إني لمن الأنصار وإن أبي لمن الأنصار فادع اللَّه لي كما دعوت للأنصار. قال: ما شئت! إن شئت دعوت اللَّه أن يعفو عنك، وإن شئت صبرت ولك الجنة. قالت: بلي، أصبر ولا أجعل إلي الجنة خطرا [ (1) ] . تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الحادي عشر ويليه الجزء الثاني عشر وأوله: وأما ذهاب الحمى عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بدعاء علّمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
المجلد الثاني عشر
[المجلد الثاني عشر] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم وأما ذهاب الحمى عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بدعاء علّمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرّج أبو بكر بن أبي الدنيا من حديث إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا منصور بن حمزة عن ولد أنس بن مالك، عن جده أنس بن مالك قال: دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي موعوكة، فقال: ما لي أراك هكذا؟!، قالت: بأبي وأمي، هذه الحمى، وسبتها، فقال: لا تسبيها [فإنّها مأمورة] ولكن إن شئت أعلمك كلمات إذا تلوتهن أذهبها اللَّه- تعالى- عنك، قالت: فعلمني. قال: قولي: اللَّهمّ ارحم جلدي الرقيق، وعظمي الدقيق، من شدة الحريق، يا أم ملدم إن كنت آمنت باللَّه العظيم فلا تصدعي الرأس، ولا تنتني الفم، ولا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، وتحولي عني إلى من اتخذ مع اللَّه إلها آخر. قال: فقالتها، فذهب عنها [ (1) ] . وأما قيء من اغتاب وهو صائم لحماً عبيطاً بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فكان ذلك من أعلام النبوة فخرّج البيهقي [ (2) ] وأحمد [ (3) ] من حديث محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سليمان التيمي قال: سمعت رجلا يحدث في مجلس
أبي عثمان النهدي، عن عبيد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأن رجلا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه إن هاهنا امرأتين صامتا، وإنهما قد كادتا تموتان من العطش قال: فأعرض عنه أو سكت، ثم عاد قال: أراه قال بالهاجرة فقال: يا نبي اللَّه إنهما واللَّه قد ماتتا أو كادتا تموتان، فقال: ادعهما، فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما: قيئى، فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح ثم قال: قيئي، فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما عبيطا، وغيره حتى ملأت القدح، ثم إن هاتين المرأتين صامتا عما أحل اللَّه لهما، وأفطرتا على ما حرم عليهما. فجلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس، قال البيهقي: كذا قال عبيد وهو الصحيح. وخرّج أيضا من حديث مسدد بن مسهر قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن عثمان بن غياث قال: حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان، عن سعد مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنهم أمروا بصيام، فجاء رجل في بعض النهار، فقال: يا رسول اللَّه! فلانة، وفلانة قد بلغتا الجهد، فأعرض عنه- مرتين أو ثلاثا، فقال: ادعهما، فجاءتا بعس أو قدح- لا أدري أيهما، قال، فقال لإحداهما: قيئي، فقاءت لحما عبيطا ودما، وقال للأخرى: [ (1) ] قيئي مثل ذلك فقال: إن هاتين صامتا عما أحل لهما، وأفطرتا على ما حرم عليهما، أتت إحداهما الأخرى، فلم يريا إلا [ (2) ] يأكلان لحوم الناس حتى امتلأت أجوافهما قيحا، كذلك قال سعد، والأول أصح.
وأما سماع الرسول صلى الله عليه وسلم أصوات المقبورين
وأما سماع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم أصوات المقبورين فخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الصمد: حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز عن أنس قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في نخل لأبي طلحة يتبرز لحاجته، قال: وبلال يمشي وراءه يكرم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أن يمشي إلى جنبه، فمر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بقبر، فقام حتى قام إليه بلال، فقال: ويحك يا بلال! هل تسمع ما أسمع؟ قال: ما أسمع شيئا!! قال: إن صاحب القبر يعذب، قال: فسأل عنه فوجده يهوديا. وخرّج من حديث فليح عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك قال: أخبرني من لا أتهم من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فبينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبلال يمشيان بالبقيع إذ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا بلال هل تسمع ما أسمع؟ قال: واللَّه يا رسول اللَّه ما أسمعه!! قال: ألا تسمع؟ أهل هذه القبور يعذبون؟ يعني قبور أهل الجاهلية [ (2) ] . وخرّج من حديث أبي معاوية، حدثنا الأعمشي عن أبي سفيان عن جابر، عن أمّ مبشر قال: دخل علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم قد ماتوا في الجاهلية، فسمعهم يعذبون، فخرج وهو يقول استعيذوا باللَّه من عذاب القبر. قال: قالت يا رسول اللَّه، وإنهم ليعذبون في قبورهم؟ فقال: نعم عذابا تسمعه البهائم [ (3) ] . وخرّج أبو نعيم من حديث عبد الملك بن إبراهيم بن جبر، عن رباح بن صالح بن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج
وأما سماعه صلى الله عليه وسلم أطيط السماء
من جوف الليل يدعو بالبقيع ومعه أبو رافع، فدعا بما شاء اللَّه، ثم انصرف مقبلا، فمر على قبر فقال: أف ... أف ... أف، ثلاثا!! فقال أبو رافع: يا نبي اللَّه بأبي وأمي ما معك أحد غيري فمني أففت؟ فقال: لا، ولكني أففت من صاحب هذا القبر الّذي سئل علي فشك في. وأما سماعه صلّى اللَّه عليه وسلم أطيط السماء فخرّج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي أحمد الزبير: حدثنا إسرائيل عن إبراهيم ابن المهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إني أرى ما لا ترون، واسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا للَّه، واللَّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجنم إلى الصعدات تجأرون إلى اللَّه، لوددت أني كنت شجرة تعضد. [والّذي عن أبي ذرّ موقوف] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، ويروي من غير هذا الوجه: أن أبا ذر قال: لوددت أني شجره تعضد. وخرّجه أبو بكر بن أبي شيبة: من حديث عبيد اللَّه بن موسى قال حدثنا إسماعيل فذكره [ (2) ] .
وخرّج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن صفوان بن محرز، عن حكيم بن حزام، قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أصحابه إذ قال لهم: تسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السماء، ولا تلام أن تئط وما فيها موضع شبر ألا وعليه ملك ساجد أو قائم. قال كاتبه: قد خرّج البخاري طرفا من هذا الحديث، فخرّج في كتاب الأيمان [والنذور] [ (2) ] من حديث هشام عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- قال: قال أبو القاسم: والّذي نفس محمد بيده- لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا. وخرّجه في الرقاق [ (1) ] من حديث يحيي بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة كان يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا.
وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث مالك بن أنس وعبد اللَّه بن نمير وأبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم، لبكيتم كثيرا، ولضحكتم قليلا.
ومنها أن خالد بن الوليد رضي الله تبارك وتعالى عنه [1]
ومنها أن خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ]
لم يقاتل إلا ونصره الله ببركة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لم يؤذه السم
لم يقاتل إلا ونصره اللَّه ببركة شعر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنه لم يؤذه السم فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا هشام حدثنا الحميد بن جعفر، عن أبيه، أن خالد بن الوليد، فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال: اطلبوها، فوجدوها فإذا هي قلنسوة خلقة، فقال خالد: اعتمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره، قال: فسبقتهم إلى ناصيته، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر. وخرج من حديث سعيد بن عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت خالد بن الوليد أتى بسم، فقال: ما هذا، قالوا: سم، قال: بسم اللَّه، وازدرده. ومن حديث يعقوب بن الوليد حيث كان هناك، أتى بسم ساعة واحدة، فجعله على كفه، ثم ألقاه في فيه، وقال: بسم اللَّه، فلم يضره شيئا. ومن حديث يحيى بن زكريا عن أبي زائدة، عن يونس بن إسحاق، عن أبى السفر قال: نزل خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه الحيرة على [امرأة من] [ (2) ] المرازية، فقالوا: احذر السمّ لا يسقيكه الأعاجم، فقال: ائتوني به، فأتى بشيء منه فأخذه بيده، ثم اقتمحه، وقال: بسم اللَّه، فلم يضره شيئا [ (3) ] .
وأما تفقه عبد الله بن عباس [1] رضي الله تبارك وتعالى عنهما بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك له
وأما تفقه عبد اللَّه بن عباس [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك له
فخرج البخاري [ (1) ] من حديث هاشم بن القاسم، حدثنا ورقاء عن عبيد اللَّه ابن أبي يزيد، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا قال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال اللَّهمّ فقهه في الدين. ذكره في كتاب الطهارة، وترجم عليه باب وضع الماء عند الخلاء وذكره في المناقب [ (2) ] . وخرجه من حديث زهير بن حرب وأبي بكر عن أبي النضر قالا: حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا ورقاء بن عمر اليشكري قال: سمعت عبيد اللَّه بن أبي يزيد يحدث عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أتي الخلاء، فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال. من وضع هذا؟ وفي رواية زهير: قالوا، وفي رواية أبي بكر قلت: ابن عباس، قال: اللَّهمّ فقهه. وقال أبو عبيد محمد بن أبي نضر، وحكي المسعودي: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل، ولم أجده في (الكياس) ، وخرج أبو بكر بن أبي شيبة، من حديث جابر بن أبي صغيرة عن عمرو بن مسعود أن كريبا أخبره عن ابن عباس قال: دعا لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يزيدني اللَّه علما وفهما.
وخرج البخاري في المناقب [ (1) ] من حديث مسدد حدثنا عبد الوارث عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى صدره وقال: اللَّهمّ علمه الحكمة، وحدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث وقال: علمه الكتاب حدثنا موسى حدثنا وهيب عن خالد مثله. الحكمة الإصابة من غير النبوة. وخرجه في كتاب العلم [ (2) ] في باب قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ علمه الكتاب. وله من حديث أبي معمر حدثنا عبد الوارث، حدثنا خالد عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال: اللَّهمّ علمه الكتاب. وقال في أول كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة [ (3) ] حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إليه، وقال: اللَّهمّ علمه الكتاب. وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد
ابن سلمة، حدثنا عبد اللَّه بن عثمان بن خيثمة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كنت في بيت ميمونة بنت الحارث، فوضعت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طهوره، فقال: من وضع هذا؟ قالت ميمونة: وضعه عبد اللَّه بن عباس، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ فقهه في الدين وعلمه التأويل. وخرجه جعفر الفرياني، فقال: حدثنا علي بن حكيم السمرقندي، حدثنا هاشم بن مخلد الفرياني، عن شبل، عن سليمان الأحول، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. أنه سكب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وضوءا، فقال: من وضع لي وضوئي هذا؟ فقالت أم هانئ: ابن أخى، فقال: اللَّهمّ فقهه في الدين، وعلمه التأويل. وقال ابن أبي خيثمة: وحدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب بن خالد عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ضمني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: اللَّهمّ علمه الحكمة وفقه في الدين. أخبرنا الشافعيّ، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد اللَّه: لو أن هذا الغلام من بني عبد المطلب أدرك ما أدركنا ما تعلقنا عنه بشيء. حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: قال ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: لو أن ابن عباس أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد. قال: وكان يقول نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن بكير، حدثنا هاشم بن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار، أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال: صليت خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من آخر الليل، فجعلني حذاءه، فلما انصرف قلت: وينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول اللَّه الّذي أعطاك اللَّه؟ فدعا اللَّه تعالى أن يزيدني فهما وعلما.
ومن حديث حاتم بن العلاء، حدثنا عبد المؤمن بن خالد حدثنا أبو نهيك، عن ابن عباس قال: دعاني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأجلسني في حجره، وجعل يمسح رأسي، ودعا لي بالحكمة، فلم تخطئني دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. ومن حديث عبد العزيز بن يحيى، حدثنا سليمان بن بلال، عن حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: اللَّهمّ أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل. وعنه أخذ أكثر التفسير، فسمى البحر والحبر [ (1) ] .
وأما كثرة مال أنس بن مالك رضي الله تبارك وتعالى عنه [1] وولده وطول عمره بدعائه صلى الله عليه وسلم له بذلك
وأما كثرة مال أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه [ (1) ] وولده وطول عمره بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم له بذلك فخرج البخاري [ (2) ] في كتاب الدعوات في باب الدعاء بكثرة المال مع البركة من حديث غندر، وخرج مسلم [ (3) ] في المناقب، والترمذي [ (4) ] من حديث
محمد بن جعفر قالا جميعا: حدثنا شعبه قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك عن أم سليم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت: يا رسول اللَّه خادمك أنس ادع اللَّه له، فقال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته. قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وزاد البخاري متصلا به: وعن هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك بمثله. وقال مسلم بعد حديثه: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: فأتت أم سليم فقالت: يا رسول اللَّه خادمك أنس. فذكر نحوه. حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن هشام بن زيد، قال: سمعت أنس بن مالك يقول بمثل ذلك. وخرج البخاري في كتاب الدعوات في باب قول اللَّه تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ من حديث سعيد بن الربيع قال: حدثنا شعبة، عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه خادمك فادع اللَّه له، قال: اللَّهمّ أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته. ذكره في دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لخادمه بطول العمر وكثرة المال [ (1) ] . وخرج مسلم من حديث هاشم بن القاسم قال: حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم علينا وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام، وخالتي فقالت
أمى: يا رسول اللَّه، خويدمك ادع اللَّه له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي أن قال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وبارك له فيه [ (1) ] . ومن حديث عمر بن يونس قال: حدثنا عكرمة، حدثنا إسحاق قال: حدثني أنس قال: جاءت أمي أم سليم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أزرتنى بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت: يا رسول اللَّه، هذا أنس ابني أتيتك به يخدمك، فادع اللَّه له، فقال: اللَّهمّ أكثر ماله وولده، قال أنس: فو اللَّه إن مالي لكثير، وإن ولدى وولد ولدى ليتعادون على نحو المائة اليوم [ (2) ] . ولمسلم [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عمر قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعت أم سليم صوته، فقالت: بأبي وأمى يا رسول اللَّه! أنيس، قال: فدعا لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاث دعوات قد رأيت منهن [ (5) ] اثنتين في الدنيا، وأما الثالثة في الآخرة. قال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث من غير وجه، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. خرج البيهقيّ [ (6) ] من حديث أبي حاتم الرازيّ قال: حدثنا محمد بن عبد اللَّه الأنصاريّ قال: حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه إن لي خويصة [ (7) ] قال: وما هي؟ قالت: خادمك أنس، قال: فما ترك
خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، ثم قال: اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه، قال: فإنّي من أكثر الأنصار مالا. قال أنس: وحدثتني ابنتي أمينة أنه قد دفن من صلبي إلى مقدم الحجاج البصرة تسع وعشرون ومائة. ومن طريق الترمذيّ قال: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود، عن أبي خلدة قال: قلت لأبي العالية سمع أنس من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: خدمه عشر سنين، ودعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان كان يجيء منه ريح المسك [ (1) ] . ومن حديث نوح بن قيس قال: حدثني ثمامة بن أنس، عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: يا رسول اللَّه خادمك أنس ادع اللَّه له، قال: اللَّهمّ عمره وأكثر ماله. وقال الإمام أحمد [ (2) ] : حدثنا معتمر عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة إلا سنة، ومات سنة إحدى وتسعين. وخرج البخاري في (الأدب المفرد) من طريق عارم قال: حدثنا سعيد ابن زيد، عن سنان قال: حدثنا أنس قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت، فدخل يوما، فدعا لنا، فقالت أم سليم خويدمك، ألا تدعو له؟ قال: اللَّهمّ أكثر ماله، وولده، وأطل حياته، واغفر له، فدعا لي بثلاث، فدفنت مائه وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة. وخرج البخاريّ في (الصحيح) [ (3) ] من حديث خالد بن الحارث، حدثنا حميد الطويل، عن أنس قال: دخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، قال:
أعيدى سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإنّي صائم. ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول اللَّه! إن لي خويصة، قال: ما هي؟ قالت: خادمك أنيس، فما ترك خير آخرة، ولا دنيا إلا دعا له به: اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا، وبارك له فيه، فإنّي لمن أكثر الأنصار مالا. حدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبى مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة. وترجم عليه: باب من زار قوما، فلم يفطر عندهم.
وأما إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لرجل وامرأة
وأما إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم لرجل وامرأة فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عطاء بن مسلم قال: حدثنا جعفر بن برقان عن عطاء بن أبي رباح، عن الفضل بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شدوا رأسي لعلى أخرج إلى المسجد، فشددت رأسه بعصابة صفراء، ثم خرج إلى المسجد يهادي بين رجلين، فذكر كلاما ثم قال: من غلبته نفسه إلى أمر يخفيه اليه، فليقم، وليسألنى حتى أدعو اللَّه له. فقامت امراة، فأومأت بإصبعها إلى لسانها، فقال: انطلقي إلى بيت عائشة حتى آتيك. فقال رجل آخر: يا رسول اللَّه إني لبخيل وإني لجبان، وإني لنؤوم، فادع اللَّه أن يسخى نفسي، وأن يشجع جبنى، وأن يذهب بكثرة نومي. قال الفضل: فلقد رأيته بعد ذلك أراه في الغزو معنا، وما منا رجل أسخى نفسا، ولا أشد بأسا، ولا أقل نوما منه. ووضع صلّى اللَّه عليه وسلم قضيبا على رأس المرأة، ثم دعا لها، فقالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فإن كنت لأعرف دعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إن كانت لتقول: يا عائشة أحسنى صلاتك!.
وإما إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم لحمل أم سليم [1]
وإما إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلم لحمل أم سليم [ (1) ] فخرج البخاريّ [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا عبد اللَّه ابن عون، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبوه طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان. وقال مسلم: مما كان، فقربت إليه العشاء، فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبره، فقال: أعرستم الليلة؟ فقال: نعم.. قال: اللَّهمّ بارك لهما، فولدت غلاما، فقال لي أبو طلحة: احفظه. وقال مسلم: احمله حتى آتى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأتى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أمعه شيء؟ قالوا: تمرات، فأخذها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمضغها، ثم أخذ من
فيه فجعله في في الصبى وحنكه به، وسماه عبد اللَّه. ذكره البخاريّ في أول كتاب العقيقة. وخرج مسلم [ (1) ] من حديث سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: مات ابن [أبي] طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت له عشاءه، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع عليها، فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت إن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك قال: فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتنى؟ يا بنى فانطلق حتى آتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبره بما كان، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لكما في غابر ليلتكما، قال: فحملت، قال: فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا فدنوا من المدينة، فضربها المخاض فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الّذي كنت أجد، انطلق فانطلقنا، قال: وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاما، فقالت لي أمي: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. قال: فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال: لعل أم سليم ولدت، قلت: نعم، قال: فوضع الميسم، قال: وجئت به فوضعته في حجره، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم قذفها في في الصبي، فجعل الصبي يتلمظها، قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: انظروا إلى حب
الأنصار التمر، قال: فمسح وجهه وسماه عبد اللَّه. تفرد به مسلم من هذا الطريق وهذه الألفاظ [ (1) ] . وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر بن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان لأم سليم من أبي طلحة ابن، فمرض مرضه الّذي مات فيه، فلما مات غطته أمه بثوب، فدخل أبو طلحة فقال: كيف أمسى ابني؟ قالت: أمسى هادئا، فتعشى، ثم قالت له في بعض الليل: أريت لو أن رجلا أعارك عارية، ثم أخذها منك إذا جزعت؟ قال: لا. قالت: فإن اللَّه أعارك ابنك، وقد أخذه منك، قال: فغدا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبره بقولها، وقد كان أصابها تلك الليلة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لكما في ليلتكما. قال: فولدت له غلاما كان اسمه عبد اللَّه، قال: فذكروا أنه كان من خير أهل زمانه [ (2) ] . وخرج البيهقيّ من حديث مسدد قال: حدثنا أبو الأحوص، حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رافع، قال: كانت أم أنس بن مالك تحب أبي طلحة،
فولدت له غلاما فمات، فخرج أبو طلحة إلى حاجته، فلما كان من الليل جاء أبو طلحة فأتته امرأته بجفنته [ (1) ] التي كانت تأتيه بها، ثم طلب منها ما يطلب الرجل من امرأته، ثم قال: ما فعل ابني؟. فقالت: يا أبا طلحة ما رأيت كما فعل جيراننا هؤلاء؟ أنهم استعاروا عارية فجاء أصحابها يطلبونها، فأبوا أن يردوها عليهم. قال: بئس ما صنعوا قالت: فأنت هو، كان ابنك عارية من اللَّه عز وجل، وانه قد مات، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر ذلك له فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ بارك لهما في ليلتهما، فتلقت فولدت غلاما، فقال: عباية لقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين كلهم قد قرأ القرآن. قال البيهقيّ [ (2) ] : ورواه إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك موصولا [ (3) ] .
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاريّ، ورواه زياد النميري، عن أنس، وفي آخره قصة تحنيكه ذلك الصبي، ثم مسح ناصيته، وسماه عبد اللَّه، فكانت تلك المسحة غرة في وجهه [ (1) ] .
وأما زوال الشك من قلب أبي بن كعب [1] في الحال بضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره ودعائه له
وأما زوال الشك من قلب أبيّ بن كعب [ (1) ] في الحال بضرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في صدره ودعائه له فخرج مسلم [ (2) ] من حديث ابن نمير قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن جده عن أبي بن كعب
قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلى فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقرأ فحسن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من
التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية [ (1) ] ، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري [ (2) ] ، ففضت عرقا، وكأنما انظر إلى اللَّه عز وجل فرقا. فقال: يا أبي إني أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون
على أمتي، فرددت إلى الثانية أن اقرأه على حرفين، فرددت اليه أن هون على أمتى، فرد إليّ الثالثة أن اقرأه على سبعة أحرف، فلك بكل ردة رددتكها مسألة. فقلت: اللَّهمّ اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام. ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة [ (1) ] قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: حدثني عبد اللَّه بن عيسى، عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: أخبرنى أبي بن كعب أنه كان جالسا في المسجد إذ دخل رجل يصلّى فقرأ قراءة. واقتصّ الحديث بمثل حديث ابن نمير. وقد خرج هذا الحديث [ (2) ] مسلم أيضا، وخرجه أبو داود والنسائي وقاسم بن أصبغ، والترمذي [ (3) ] بزيادات وبقصة، وقد ذكرتها كلها، وما في معناها، والكلام عليها في كتاب (نهاية الجمع لأخبار القراءات السبع) [ (4) ] .
وأما استجابة دعاء سعد بن أبي وقاص [1] بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له أن تستجاب دعوته
وأما استجابة دعاء سعد بن أبي وقاص [ (1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له أن تستجاب دعوته فخرج الترمذي [ (2) ] من حديث جعفر بن عون، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن سعد، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ استجب لسعد
إذا دعا. قال أبو عيسى: وقد روى هذا الحديث عن إسماعيل، عن قيس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ استجب لسعد إذا دعاك، وهذا أصح. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث ابن عون، عن إسماعيل، عن قيس قال سمعت سعدا يقول. فذكره، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وذكر البيهقيّ [ (2) ] حديث ابن عون، عن إسماعيل، عن قيس، ثم قال: هذا مرسل حسن. وخرج البخاريّ [ (3) ] من حديث أبي عوانه قال: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه فعزله عنه واستعمل عليهم عمارا، فشكوه حتى أنهم ذكروا أنه لا يحسن يصلّى، فأرسل اليه. فقال: يا أبا إسحاق إنهم يزعمون أنك لا تحسن تصلّى، فقال: أما أنا فإنّي كنت أصلّى بهم صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلّى صلاة العشي، فأركد في الأولين وأخف في الأخريين. قال: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، فلم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامه بن قتادة يكنى أبا سعدة، فقال: أما إذ نشدتنا، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما واللَّه لأدعون بثلاث: اللَّهمّ إن كان عبدك هذا كاذبا قام سمعة ورياء فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول شيخ كبير مفتون: أصابتنى دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن.
ذكره البخاريّ في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلاة كلها في الحضر والسفر، وما يجهر به، وما يخافت، وذكره مختصرا في باب القراءة في الظهر [ (1) ] . وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث سعيد بن عامر قال: حدثنا شعبة عن أبي بلح، عن مصعب بن سعد أن رجلا نال من علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. فدعا عليه سعد بن مالك، فجاءته ناقة أو جمل، فقتله، فأعتق سعد نسمة وحلف أن لا يدعو على أحد. وخرجه من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: كنت بالمدينة [فبينا أنا] [ (3) ] أطوف في السوق، وبلغت أحجار الزيت [ (4) ] ، فرأيت قوما مجتمعين على فارس قد ركب دابة وهو يشتم علي بن أبي طالب والناس وقوف حواليه إذ أقبل سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه، فوقف عليهم فقال: ما هذا؟ فقالوا رجل يشتم علي بن أبي طالب فتقدم سعد فأفرجوا حتى وقف عليه. فقال: يا هذا على ما تشتم؟ علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ وذكر حتى قال: ألم يكن ختن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على ابنته؟ ألم يكن صاحب رواية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزواته؟ ثم استقبل القبلة ورفع يديه، وقال: اللَّهمّ إن هذا يشتم وليا من أوليائك فلا تفرق هذا الجمع حتى تريهم قدرتك. قال قيس: فو اللَّه ما تفرقنا حتى ساخت به دابته، فرمته على هامته في تلك الأحجار، فانفلق دماغه ومات. قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] [ (1) ] . وخرج أيضا من حديث إبراهيم بن يحيى الشجري [ (2) ] ، عن أبيه قال: حدثني موسى بن عقبة، حدثني إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم،
عن سعد بن أبي وقاص قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ سدد رميته وأجب دعوته [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث تفرد به إبراهيم بن يحيى بن هاني الشجري، كان ينزل الشجرة [ (2) ] بذي الحليفة، روى عن أبيه إبراهيم بن سعد، ويروي عنه محمد ابن إبراهيم الترمذي وإسحاق بن إبراهيم شاذان، والبخاريّ في غير (الصحيح) ومحمد بن أيوب وجماعة، وذكره ابن حبان في (الثقات) وضعفه أبو حاتم. وقد خرج له الترمذي، وقال: الواقع في غزوة بدر. وقال سعد بن أبي وقاص: لما كنا بتربان [ (3) ] قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا سعد انظر إلى الظبي، فأفوق له سهم، وقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضع ذقنه على بين منكبى وأذنى، ثم [قال] ارم، اللَّهمّ سدد رميته، قال: فما أخطأ سهمي عن نحره، قال فتبسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فخرجت أعدو فأجده وبه رمق فذكيته، فحملناه حتى نزلنا قريبا، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقسم بين أصحابه [ (4) ] . هكذا ذكره بغير سند [ (5) ] .
وخرج الحاكم من حديث هاشم بن هاشم الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: كنت جالسا مع سعد فجاء رجل يقال له: الحارث بن برصاء [ (1) ] وهو في السوق، فقال له: يا أبا إسحاق، إني كنت آنفا عند مروان فسمعته وهو يقول: إن هذا المال مالنا نعطيه من نشاء قال: فرفع سعد يديه وقال: أفأدعو؟، فوثب مروان وهو على سريرة فاعتنقه، وقال: أنشدك اللَّه يا أبا الحسن أن تدعو، فإنما هو مال اللَّه. وفي رواية عن سعيد بن المسيب، عن سعد قال: جاءه الحارث بن البرصاء وهو في السوق، فقال له: يا أبا إسحاق إني سمعت مروان يزعم أن مال اللَّه ماله، من شاء أعطاه ومن شاء منعه، فقال له: أنت سمعته يقول ذلك؟ قال: نعم، قال سعيد: فأخذ بيدي سعد، ويد حارث حتى دخل على مروان، فقال: يا مروان أنت تزعم أن مال اللَّه مالك؟ من شئت أعطيته، ومن شئت منعته؟ قال: نعم، قال: فأدعو؟ ورفع سعد يديه، فوثب مروان إليه وقال: أنشدك اللَّه أن تدعو، هو مال اللَّه من شاء أعطاه، ومن شاء منعه. [ (2) ] وخرج البيهقيّ [ (3) ] من حديث ابن عون قال: أنبأنى محمد بن محمد بن الأسود، عن عامر بن سعد قال: بينما سعد يمشى إذا مر برجل وهو يشتم علينا وطلحة والزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فقال له سعد: إنك لتسب قوما قد سبق لهم من اللَّه ما سبق، واللَّه لتكفن عن سبهم أو لأدعون اللَّه عليك. فقال: يخوفني كأنه نبي،
قال: فقال سعد: اللَّهمّ إن كان يسب قوما قد سبق لهم ما قد سبق فاجعله اليوم نكالا. قال: فجاءت بختيه، فأفرج الناس فتخبطته، قال: فرأيت الناس يتبعون سعدا، ويقولون: استجاب اللَّه لك أبا إسحاق. وله من حديث أسد بن موسى [ (1) ] قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، عن جده قال: دعا سعد بن أبي وقاص، فقال: يا رب إن لي بنين صغارا فأخّر عنى الموت حتى يبلغوا، فأخّر عنه الموت عشرين سنة!.
وأما وفاء الله تعالى دين أبي بكر الصديق [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم
وأما وفاء اللَّه تعالى دين أبي بكر الصديق [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البيهقيّ [ (2) ] من حديث إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني سليمان ابن بلال، عن يونس بن يونس بن مزيد الأيلي، عن الحكم بن عبد اللَّه بن عبد الأعلى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن أباها دخل عليها، فقال: هل سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعاء كان يعلمناه، وذكر أن عيسى عليه السلام كان يعلمه أصحابه؟ يقول: لو كان على أحدكم جبل دين ذهبا قضاه اللَّه عنه، ثم يقول: اللَّهمّ فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين رحمان الدنيا والآخرة، ورحيمهما، أنت ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمه من سواك. قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كانت عليّ دنانير من دين، وكنت للدين كارها، فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءني اللَّه بعائدة، فقضى اللَّه ما كان عليّ من الدين. قالت: عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وكان لأسماء على دينار وثلاثة دراهم، فكنت أستحيى منها كلما نظرت إليها، فكنت أدعو بذلك الدعاء، فما لبثت إلا يسيرا حتى جاءني اللَّه برزق من غير ميراث ولا صدقة فقضيتها. وحليت ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر بثلاث أواقي، وفضل لنا فضل حسن [ (3) ] .
قال البيهقيّ: تفرد به الحكم الأيلي [ (1) ] . قال ابن معين: ليس بثقة ولا مأمون، ومرة قال: ليس بشيء، لا يكتب حديثه. ومرة قال: ضعيف وقال وهب ابن زمعة، عن عبد اللَّه بن المبارك: أنه ترك حديثه. وقال البخاريّ: تركوه، كان ابن المبارك يوهنه، ونهى أحمد عن حديثه، وقال السعدي: الحكم بن عبد اللَّه جاهل كذاب، وأمر الحكم أوضح من ذلك، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: وما أمليت للحكم عن القاسم بن محمد والزهري، كلها مما لا يتابعه الثقات عليها وضعفه بيّن على حديثه.
وأما ظهور البركة في ربح عروة البارقي [1] بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بالبركة في بيعه
وأما ظهور البركة في ربح عروة البارقي [ (1) ] بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له بالبركة في بيعه فخرج البخاريّ [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يتحدثون أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به شاه، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. قال سفيان: كان بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه، قال: سمعه شبيب من عروة فأتيته فقال شبيب: إني لم أسمعه من عروة، ولكن قال: سمعت الحي
يخبرونه عنه، ولكن سمعته يقول: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة، قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسا. قال سفيان: ليشترى له شاة كأنها أضحية [ (1) ] . ذكره في المناقب. وخرجه الترمذي [ (2) ] من حديث هارون الأعور بن موسى القاري قال: حدثنا الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، عن عروة البارقي قال: رفع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دينارا لأشتري به شاه فاشتريت له شاتين، فبعت إحداهما بدينار، وجئت بدينار وشاة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر له ما كان من أمره، فقال: بارك اللَّه لك في صفقة يمينك، فكان يخرج بعد ذلك الى كناسة الكوفة، فيربح الربح العظيم، فكان أكثر أهل الكوفة مالا. [ (3) ] قال أبو لبيد: اسمه لمازة [بن زياد] .
وخرجه أبو نعيم [ (1) ] من حديث الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن شبيب عن غرقدة، عن عروة، عن أبي الجعد البارقي قال: أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دينارا وأمرنى أن أشترى له أضحية فاشتريت، ثم عرض لي رجل فسامنى بها فبعتها منه بدينارين، فأخذت الدينار، فاشتريت به أضحية، فأتيت بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبالدينار، فقبلها مني، ودعا لي أن يبارك في صفقتي فما اشتريت شيئا إلا ربحت فيه. ومن حديث يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا أبو الأحوص، عن شبيب، عن غرقدة، عن عروة البارقي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعث رجلا يشترى له أضحيه بدينار، فاشترى له شاتين بدينار، فباع إحداهما بدينار، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له بالبركة، وكان لو اشترى ترابا لربح فيه. ومن حديث سعد بن زيد قال: حدثنا الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد، عن عروة البارقي أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لقي جلبا فأعطاه دينارا، فقال: اشتر لنا به شاة،
فانطلق فاشترى شاتين بدينار، فلقيه رجل فباعه شاة بدينار، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بدينار وشاة. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّه لك في صفقة يمينك، قال: فإن كنت لأقوم في الكناسة [ (1) ] ، فما أرجع إلى أهلي حتى أربح أربعين ألفا. ورواه عفان، عن سعيد بن زيد، قال: فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة، فأربح أربعين دينارا قبل أن أرجع إلى أهلي [ (2) ] . قال مؤلفه رحمه اللَّه تعالى: عروة بن عياض بن أبي الجعد البارقي، وبارق في الأزد يعدّ في الكوفيين ولاه عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قضاء الكوفة قبل شريح. ومن قال فيه عروة بن الجعد، فقد أخطأ إنما هو عروة بن أبي الجعد، خرج له الجماعة [ (3) ] .
وأما ربح عبد الله بن جعفر [1] في التجارة بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم
وأما ربح عبد اللَّه بن جعفر [ (1) ] في التجارة بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البيهقيّ [ (2) ] من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا فطر بن خليفة، عن أبيه زعم أنه سمع عمرو بن حريث قال: انطلق بي أبي إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا غلام شاب، فمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على عبد اللَّه بن جعفر، وهو يبيع شيئا يلعب به، فدعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: اللَّهمّ بارك له في تجارته. وخرجه الواقدي في (مغازيه) من حديث محمد بن مسلمة عن يحيى بن موسى قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر يقول: أنا أحفظ حين دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أمى فنعى لها أبى [ (1) ] . وذكر الحديث بطوله، ثم قال: فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا أساوم بشاة أخ لي [ (2) ] ، فقال: اللَّهمّ بارك له في صفقته. قال عبد اللَّه: فما بعت شيئا، ولا اشتريت شيئا إلا بورك فيه [ (3) ] .
وأما كثرة ربح عبد الله بن هشام [1] بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالبركة
وأما كثرة ربح عبد اللَّه بن هشام [ (1) ] بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم له بالبركة فخرج البخاريّ في كتاب الشركة [ (2) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني سعيد عن زهرة بن معبد، عن جده عبد اللَّه بن هشام، وكان قد أدرك
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد [ (1) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالت: يا رسول اللَّه بايعه، فقال: هو صغير، فمسح رأسه ودعاه له. وعن زهرة بن معبد أنه كان يخرج به جده عبد اللَّه بن هشام إلى السوق، فيشترى الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير فيقولان له: أشركنا [ (2) ] ، فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا لك بالبركة، فيشركهم، فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل. ترجم عليه باب الشركة في الطعام، وغيره. وذكره أيضا في كتاب الدعاء [ (3) ] من طريق ابن وهب حدثنا
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة [1] وأصحابه بالسلامة والغنيمة فكان كما دعا
سعيد بن أبي أيوب، عن أبي عقيل أنه كان يخرج به جده عبد اللَّه بن هشام من السوق. أو إلى السوق. الحديث إلى آخره بمثله، ولم يذكر أوله. وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لأبي أمامة [ (1) ] وأصحابه بالسلامة والغنيمة فكان كما دعا
فخرج البيهقيّ [ (1) ] من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا مهدي ابن ميمون، حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب، عن رجاء بن حيوة، عن أبي أمامة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوا، فأتيته، فقلت: يا رسول اللَّه ادع لي بالشهادة. فقال: اللَّهمّ سلمهم وغنمهم. قال: فغزونا، فسلمنا، وغنمنا، ثم أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة فأتيته، فقلت: يا رسول اللَّه ادع لي بالشهادة، فقال: اللَّهمّ سلمهم وغنمهم، قال: فغزونا، فسلمنا وغنمنا، ثم أنشأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غزوة فأتيته فقلت: يا رسول اللَّه إني أتيتك مرتين. أسألك أن تدعو لي بالشهادة، فقال: اللَّهمّ سلمهم، وغنمهم. قال: فغزونا، فسلمنا وغنمنا، ثم أتيته بعد ذلك فقلت: يا رسول اللَّه مرني بعمل آخذه عنك ينفعني اللَّه به، قال: قال عليك بالصوم فإنه لا مثل له. قال: وكان أبو أمامه وامرأته وخادمه لا يلفون إلا صياما، فإذا رأوا نارا أو دخانا عرفوا أنه قد اعتراهم ضيف، قال: ثم أتيته بعد ذلك، قلت: فقلت: يا رسول اللَّه! قد أمرتنى بأمر أرجو أن يكون اللَّه قد نفعني به، مرني بأمر آخر ينفعني اللَّه تعالى به. قال: اعلم أنك لا تسجد للَّه تعالى سجدة إلا رفع بك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة. قال البيهقيّ: هكذا رواه جرير بن حازم، عن محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب، عن رجاء [ (2) ] .
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم في شويهات أبي قرصافة ومسحه ظهورهن وضروعهن فمن بركاته امتلأت شحما ولبنا
ورواه شعبة عن محمد عن أبي نصر الهلالي، عن رجاء بن حيوة مختصرا [ (1) ] . وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم في شويهات أبي قرصافة ومسحه ظهورهنّ وضروعهن فمن بركاته امتلأت شحما ولبنا فخرج أبو نعيم [ (2) ] من حديث أيوب بن علي بن الهيصم بن مسلم ابن خيثمة قال: سمعت زيار بن سيار يقول: حدثتني عزة بنت عياض ابن أبي قرصافة أنها سمعت جدها أبا قرصافة صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: كان بدؤ إسلامي أنى كنت يتيما بين أمى وخالتي، وكان أكثر ميلى إلى خالتي، وكنت أرعى شويهات لي، وكانت خالتي كثيرا ما تقول لي: يا بنى لا تمر إلى هذا الرجل يعنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فيغر ربك [ (3) ] ويضلك، فكنت أخرج حتى آتي المرعى، فأترك شويهاتي، ثم آتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ولا أزال عنده أسمع منه، ثم أروح بغنمى ضمرا يابسات الضروع، فقالت لي خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع؟ قلت: ما أدرى!! ثم عدت إليه اليوم الثاني ففعل كما فعل اليوم الأول، غير أنى سمعته يقول: أيها الناس هاجروا وتمسكو بالإسلام، فإن الهجرة لا تنقطع ما دام
الجهاد، ثم إني رجعت بغنمى كما رحن اليوم الأول، ثم عدت اليه في اليوم الثالث، فلم أزل عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أسمع منه حتى أسلمت، وبايعته وصافحته بيدي، وشكوت إليه أمر خالتي، وأمر غنمي فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: جئني بالشياه، فجئته بهن، فمسح ظهورهن، وضروعهن، ودعا فيهن بالبركة، فامتلأت شحما ولبنا، فلما دخلت على خالتي بهن قالت: يا بنى هكذا فارع، فقلت: يا خالة ما رعيت إلا حيث كنت أرعى كل يوم، لكن أخبرك بقصتي، فأخبرتها بالقصة، وإتياني النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وأخبرتها بسيرته وكلامه فقالت لي أمي وخالتي: اذهب بنا إليه، فذهبت أنا وأمى وخالتي، فأسلمنا [ (1) ] وبايعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وصافحهما. فهذا ما كان من إسلام أبي قرصافة وهجرته [ (2) ] ، قال ابن عبد البر رحمة اللَّه عليه: أبو قرصافة الكناني اسمه جندرة بن خيشنة بن نفير من بنى كنانة له صحبة، ونسبه بعضهم، فقال: أبو قرصافة جندرة بن خشينة بن مرة بن وائلة بن الفاكه بن عمرو بن الحارث بن مالك بن النضر بن كنانة، وقيل: اسمه قيس بن سهل، ولا يصح، سكن فلسطين، وقيل: أرض تهامة، قال مؤلفه [ (3) ] : حديثه في الطبراني لما أسر ولده ببلاد الروم، وقبره بعسقلان، وتسميه العامة قبر أبي هريرة. وأما حديثه فقال الطبراني: حدثنا بشر بن موسى بن بشر الغزيّ بغزة، حدثنا أيوب بن علي بن هيصم، حدثنا زياد بن يسار، عن عزة بنت عياض عن جدها أبي قرصافة جندرة بن خيشنه الليثي قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: نضر اللَّه سامع مقالتي، فوعاها، فحفظها، فرب حامل علم إلى من هو أعلم به منه، ثلاث لا يغل عليهنّ القلب، إخلاص العمل فيه، ومناصحة الولاة، ولزوم الجماعة. قال الطبراني: لا يروي عن أبي قرصافة إلا بهذا الإسناد، وبلغني أن ابنا لأبي قرصافة أسرته الروم، فكان أبو قرصافة يناديه في سوق عسقلان وقت الصلاة بها ... يا فلان الصلاة، فيسمعه، فيجيبه، وبينهما عرض البحر.
وأما ثبات جرير البجلي [1] على الخيل بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بعد أن كان لا يثبت عليها
وأما ثبات جرير البجلي [ (1) ] على الخيل بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم له بعد أن كان لا يثبت عليها
فخرج النسائيّ من حديث سفيان، عن إسماعيل، عن قيس عن جرير قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا تكفني ذا الخلصة؟ فقلت: يا رسول اللَّه إني لا أثبت على الخيل فصكّ في صدري فقال: اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا فخرجت في خمسين راكبا من قومي، فأتيناها، فأحرقناها. وخرج الطبراني من حديث أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير قال: كنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك
لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فضرب يده في صدري، حتى رأيت أثر يده في صدري، فقال: اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا، فما سقطت عن فرس بعد. وخرجه البخاريّ [ (1) ] في كتاب الجهاد من حديث إسماعيل عن قيس، عن جرير قال: ما حجبنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي ولقد شكوت إليه أنى لا أثبت على الخيل فضربني بيده في صدري. وقال: اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا. وخرجه مسلم أيضا [ (2) ] .
أما ظهور البركة بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في سبعة عشر دينارا أظفر بها المقداد بن عمرو [1] حتى امتلأت منها غرائر ورقاء
أما ظهور البركة بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم في سبعة عشر دينارا أظفر بها المقداد بن عمرو [ (1) ] حتى امتلأت منها غرائر ورقاء
فخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (1) ] من حديث موسى بن يعقوب قال: حدثتني قريبة بنت عبد اللَّه بن وهب، عن أمها كريمة بنت المقداد بن عمرو، عن ضباعة بنت الزبير، وكانت تحت المقداد، قالت: كان الناس إنما يذهبون لحاجتهم فرط اليومين وثلاث [ (2) ] ، فيبعرون كما تبعر الإبل، فلما كان [ذات] [ (3) ] يوم خرج المقداد لحاجته، بلغ الحجنة وهو ببقيع الغرقد، فدخل خربه لحاجته فبينما هو جالس إذ خرج جرذ من جحر دينارا. فلم يزل يخرج دينارا دينارا حتى بلغ سبعة عشر دينارا، فخرجت بها حتى جئت بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فأخبرته خبرها، فقال: هل أتبعت يدك الجحر؟ فقلت: لا والّذي بعثك بالحق نبيا،
وأما تصرع أعدائه صلى الله عليه وسلم عند استغاثته بمالك يوم الدين
فقال: لاصدقه عليك فيها بارك اللَّه فيها، قالت: ضباعة فما فنى آخرها حتى رأيت غرائر الورق في بيت المقداد. قال أبو نعيم: رواه ابن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب نحوه. وأما تصرع أعدائه صلّى اللَّه عليه وسلم عند استغاثته بمالك يوم الدين فخرج أبو نعيم من حديث محمد بن عبد اللَّه البغوي قال: حدثنا أبو الربيع الزهرانيّ عبد السلام بن هاشم حدثنا حنبل عن أنس بن مالك، عن أبي طلحة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزاة فلقى العدو، فسمعته يقول: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، فلقد رأيت الرجال تصرع تضربها الملائكة من بين أيديها، ومن خلفها [ (1) ] .
وأما استرضاؤه صلى الله عليه وسلم أم شاب قد أمسك لسانه عن شهادة الحق حتى رضيت فشهد بها
وأما استرضاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم أم شاب قد أمسك لسانه عن شهادة الحق حتى رضيت فشهد بها فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن عطاء قال: حدثنا أبو الورقاء عن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال: بينما نحن قعود عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذ أتاه آت، فقال: يا رسول اللَّه إن هاهنا شاب يجود بنفسه يقال له: قل: لا إله إلا اللَّه.. فلا يستطيع، قال فنهض، ونهضنا معه، حتى دخل عليه، فقال: يا شاب قل: لا إله إلا اللَّه. قال: لا أستطيع، قال: لم؟ قال: أقفل على قلبي كلما أردت أن أقولها، غمر القفل على قلبي، قال: لم؟ قال: بعقوقي والدتي! قال: أحية والدتك؟ قال: نعم، قال: فأرسل إليها. فلما جاءت قال: هذا ابنك؟ قالت: نعم قال: أرأيت إن أججت لك نار ضخمة، فقيل لك: أتشفعين له أم نلقيه فيها؟ فقالت: بل يا رسول اللَّه أشفع له، قال: فأشهدي اللَّه، وأشهديني برضاك عنه. فقالت: اللَّهمّ إني أشهدك، وأشهد رسولك برضاي عنه، قال: فقال: يا شاب، قل: لا إله إلا اللَّه فقال: لا إلا أسلم اللَّه وحده لا شريك له، قال: فقال ثلاثا الحمد للَّه الّذي أنقذك بى من النار. قال مؤلفه رحمة اللَّه عليه: لا يكاد هذا الحديث أن يصح لأنه من رواية أبي الورقاء فائد بن عبد الرحمن أبي الورقاء الكوفي العطار. يروي عن عبد اللَّه بن أبي أوفى وبلال بن أبي الدرداء وغيرهما. ويروي عنه عيسى بن يونس، وعبد اللَّه بن بكر، وأبو عاصم العباد ويزيد بن هارون، ومسلم بن هارون، ومسلم بن إبراهيم، والفرياني في آخرين. قال ابن معين: ليس بثفة، ومرة قال: ضعيف، قال أحمد بن حنبل متروك الحديث وقال البخاري: فائد عن ابن أبي أوفى منكر الحديث. وقال ابن عدي: وهو مع ضعفه يكتب حديثه. خرج له ابن ماجة والراويّ عنه عبد الوهاب بن عطاء الحفاف أبو نصر العجليّ مولاهم البصري نزيل بغداد.
وأما إسلام يهودي عند تشميت الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: هداك الله
يروى عن حميد وسليمان التيمي وابن عون وعدة. ويروى عنه أحمد وابن معين وأبو ثور وخلف. قال المروزي: قلت لأبي عبد اللَّه: عبد الوهاب ثقة؟ قال: تدري ما تقول؟ إنما الثقة يحيى القطان. وقال زكريا الساجي والبخاري قبله والنسائي: ليس بالقوى. وقال صالح: أنكروا حديثه في فضل العباسي ورواه عن ثور، عن ابن عباس، فكان يحيى بن معين يقول هذا موضوع. ومات بعد سنة مائتين. خرج له مسلم والأربعة ووثقه ابن معين وغيره. [ (1) ] وأما إسلام يهودي عند تشميت الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم بقوله: هداك اللَّه فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث محمد بن رزام بن عبد الملك قال حدثنا محمد ابن عبد اللَّه بن عمر وأبو سلمة الأنصاري، عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان يهودي جالسا بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فعطس النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له اليهودي: يرحمك اللَّه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لليهودي: هداك اللَّه، فأسلم. قال البيهقي: هذا إنسان مجهول [ (3) ] .
أما ثروة صخر الغامدي [1] لامتثاله ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من البركة في البكور
أما ثروة صخر الغامدي [ (1) ] لامتثاله ما أخبر به الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم من البركة في البكور فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد، عن صخر الغامدي قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بارك اللَّهمّ لأمتى في بكورها [ (3) ] ، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يبعث سرية إلا بعثهم في أول النهار. قال:
وكان صخر رجلا تاجرا، فكان يبعث غلمانه في أول النهار فأثرى وكثر ماله، حتى لم يدر أن يضعه. قال ابن عبد البر صخر بن وداعة الغامدي، وغامد في الأزد، سكن الطائف وهو معدود في أهل الحجاز. روى عنه عمارة بن حديد، رجل مجهول لم يرو عنه غير يعلي ابن عطاء الطائفي، ولا أعلم لصخر الغامدي غير حديث: «بورك لأمتي في بكورها» . وهو لفظ رواه جماعة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] قال المؤلف رحمه اللَّه: قد خرج أصحاب السنن الأربعة لصخر هذا حديث: «بورك لأمتى في بكورها» . وخرج له الطبراني مما لم يخرجوه حديث: «لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء» ، من طريق الفرياني، حدثنا سفيان عن سعيد، عن يعلى بن عطاء بن حديد، قال أبو حاتم: مجهول، وذكره ابن حبان في (الثقات) وحسن له الترمذي حديثه الّذي لم يعرف بغير رواية «بورك لأمتي في بكورها» ، وأنكر ذلك على الترمذي لمكان عمارة منه، ولا يعتبر ذكر ابن حبان له في (الثقات) [ (2) ] فإنه يذكر المجاهيل الأحوال.
وأما تحاب امرأة وزوجها بعد تباغضهما بدعائه صلى الله عليه وسلم
وأما تحاب امرأة وزوجها بعد تباغضهما بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أبي على اللهبي، حدثنا محمد بن المنكدر [ (2) ] ، عن جابر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق النبط [ (3) ] ، ومعه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأقبلت امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن معى زوجي في البيت مثل المرأة، وأنا امرأة من المسلمين أحب ما تحبه المسلمة. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: عليّ به، فجاءت به، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ما تقول زوجتك هذه؟ فقال: والّذي بعثك بالحق ما جف رأسي من الغسل منها بعد. فقالت: يا رسول اللَّه وما مرة واحدة في الشهر؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: تبغضينه؟! قالت: نعم والّذي أكرمك [بالحق] [ (4) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ادنيا إليّ رأسيكما [ (5) ] ، فوضعا جبهتهما على وجهه فقال: اللَّهمّ ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه، ثم مر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد ذلك بأيام بهما، وكان زوج المرأة خراز، فإذا هي تحمل أدما على رقبتها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يا عمر، أليست صاحبتنا التي قالت ما قالت؟ فسمعت صوت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرمت بالأدم، فقبلت [ (6) ] رجل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. ثم قال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كيف أنت وزوجك؟ فقالت: والّذي أكرمك ما في الدنيا ولد ولا والد أحب إلى منه. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إني أشهد أنى رسول اللَّه. فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وأنا أشهد أنك رسول اللَّه. قال أبو نعيم: رواه ابن المبارك عن محمد بن المنكدر [ (7) ] مرسلا [ (8) ] .
وخرجه البيهقي [ (1) ] من حديث عبد العزيز بن عبد اللَّه الأويسي قال: حدثني علي بن أبي علي اللهبي [ (2) ] ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج وعمر بن الخطاب معه، فعرضت له امرأة، فقالت يا رسول اللَّه إني امرأة مسلمة محرومة ومعى زوج لي في بيتي مثل المرأة. فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ادعى زوجك، فدعته وكان خرازا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما تقول امرأتك يا عبد اللَّه؟ فقال الرجل: والّذي أكرمك ما جفّ رأسي منها؟ فقالت امرأته: ما مرة واحدة في الشهر؟ فقال لها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: أتبغضينه؟ قالت: نعم، فقال: أدنيا رأسيكما [ (3) ] ، فوضع جبهتها على جبهة زوجة، وقال: اللَّهمّ ألف بينهما وحبب أحدهما إلى صاحبه، ثم مر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بسوق النبط ومعه عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فطلعت المرأة تحمل أدما على رأسها، فلما رأت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم طرحته وأقبلت فقبلت رجليه! فقال: كيف أنت وزوجك؟ فقالت والّذي أكرمك ما طارق ولا تالد [ (4) ] ولا ولد أحب إلى منه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أشهد أني رسول اللَّه، فقال عمر: وأنا أشهد أنك لرسول اللَّه. قال أبو عبد اللَّه- يعنى الحاكم-: تفرد به علي بن أبي علي اللهبي، وهو كثير الرواية للمناكير. وقال البيهقي: وقد روى يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه معنى هذه القصة، إلا أنه لم يذكر فيها عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
قال المؤلف رحمه اللَّه: علي بن أبي على اللهبي [ (1) ] . مدني، قال الإمام أحمد: يروى أحاديث مناكير عن جابر، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال البخاري: لم يرضه، أحمد منكر الحديث، وقال السعدي: ضعيف الحديث، روى عن محمد ابن المنكدر فأعضل، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال ابن عدي: وهذه الأحاديث التي أمليتها لعلى عن محمد بن المنكدر، عن جابر وغيره، كلها محفوظة، وله غير ما ذكرت وكله يشبه بعضه بعضا [ (2) ] .
وأما هداية الله تعالى أهل اليمن وأهل الشام والعراق بدعائه صلى الله عليه وسلم
وأما هداية اللَّه تعالى أهل اليمن وأهل الشام والعراق بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج الترمذي [ (1) ] من حديث عمران القطّان، عن قتادة، عن أنس، عن زيد ابن ثابت، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نظر قبل اليمن، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا يعرف من حديث زيد بن ثابت إلا من حديث عمران القطان. خرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عيسى بن المختار عم محمد بن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، أنه نظر قبل الشام، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم نظر إلى كل أفق، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم قال: اللَّهمّ ارزقنا من كثرات الأرض، وبارك لنا في مدنا وصاعنا. قال أبو بكر: كثرت الأرض نباتها. قال أبو عيسى الترمذي: وقد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه، قال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى، وقال محمد بن إسماعيل، يعنى البخاري: ابن أبي ليلى صدوق، ولا أروى عنه لأنه لا يدرى صحيح حديثه سقيمه، وكل من كان على مثل هذا فلا أروى عنه شيئا. وخرج أبو دواد الطيالسي هذا الحديث من طريق عمران القطان، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن زيد بن ثابت، قال: نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل اليمن، فقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل الشام وقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل العراق وقال: اللَّهمّ أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في صاعنا ومدنا.
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم على مضر حتى قحطوا ثم دعاؤه صلى الله عليه وسلم لهم حتى سقوا
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر حتى قحطوا ثم دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لهم حتى سقوا خرج مسلم [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس [بن يزيد] [ (2) ] عن ابن شهاب، أخبرنا سعيد المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أنهما سمعا أبا هريرة يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة [ (3) ] ، ويرفع رأسه: سمع اللَّه لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين. اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسنى يوسف، اللَّهمّ العن لحيان، ورعلا، وذكوان، وعصية عصت اللَّه ورسوله* ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل عليه لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [ (4) ] . وخرّجه من حديث ابن عيينة، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى قوله: واجعلها عليهم كسنى يوسف ولم يذكر ما بعده [ (5) ] .
وخرّجه البخاري [ (1) ] من حديث إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد وأبى سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قال بعد الركوع، وربما قال: إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ربنا لك الحمد، اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم كسنى يوسف. يجتهد بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللَّهمّ العن فلانا وفلانا [ (2) ] لأحياء من العرب حتى أنزل اللَّه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [ (3) ] .
ذكره في التفسير، وذكره في كتاب الأدب في باب تسمية الوليد [ (1) ] ، من حديث أبي نعيم قال: حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: لما رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه من الركعة قال: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة ابن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين، بمكة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف. وخرجه النسائي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حفظناه عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: لما رفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية من صلاة الصبح قال: اللَّهمّ أنج ... ، الحديث، بمثل حديث أبي نعيم غير أنه قال: «واجعلها» ، ولم يقل: «اللَّهمّ» .
وخرجه مسلم [ (1) ] وأبو دواد [ (2) ] من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة أن أبا هريرة حدثهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قنت بعد الركعة في صلاة العتمة [ (3) ] شهرا، إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، يقول في قنوته: اللَّهمّ نج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهمّ نج عياش بن أبي عياش، اللَّهمّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف. قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك الدعاء بعد، فقلت: أرى رسول اللَّه قد ترك الدعاء لهم، قال: فقال: وما تراهم قد قدموا؟ وقال أبو داود: قال أبو هريرة [ (4) ] أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم، فلم يدع، فذكر ذلك له. فقال: ما تراهم قد قدموا [ (5) ] ؟ ولم يقل في الحديث: أو قال: سمع اللَّه لمن حمده. وخرج مسلم [ (6) ] من حديث حسين بن محمد، حدثنا شيبان عن يحيى، عن أبي سلمة أن أباه أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بينما هو يصلّى العشاء إذا قال: سمع
اللَّه لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: اللَّهمّ نج عياش بن أبي ربيعة، ثم ذكر بمثل حديث الأوزاعي في قوله: كسنى يوسف، ولم يذكر ما بعده. وخرج البخاري [ (1) ] في تفسير سورة النساء من حديث أبي نعيم قال حدثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلّى العشاء إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: اللَّهمّ نج عياش، بن أبي ربيعة، اللَّهمّ نج سلمة بن هشام، اللَّهمّ نج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ نج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف. وخرّج في كتاب الأدعية في باب الدعاء على المشركين [ (2) ] من حديث هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده في الركعة الأخرى من صلاة العشاء قنت: اللَّهمّ أنج عياش ابن أبي ربيعة، اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف. وخرّجه في الاستسقاء في باب دعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] من حديث مغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول: اللَّهمّ أنج عياش بن أبي ربيعة، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللَّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهمّ اجعلها سنين كسنى يوسف. وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه. قال ابن أبي الزناد عن
أبيه: هذا كله في الصبح وخرجه في أول كتاب الإكراه [ (1) ] من حديث هلال بن أسامة ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وخرجه في الجهاد في باب الدعاء على المشركين [ (2) ] من حديث سفيان، عن ذكوان، عن الأعرج [ (3) ] ، عن أبي هريرة، وفي كتاب الأنبياء في باب: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ من حديث شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. خرج أبو نعيم من حديث عباد بن منصور، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان لا يقنت في الصبح إلا أن يدعو على قوم، وأنه قنت في صلاة الصبح بعد الركوع، وقال: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، والمسلمين من أهل مكة، اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر، وخذهم بسنين كسنى يوسف، فأكلوا العلهز، قال: قلت للقاسم بن محمد: ما العلهز؟ قال: الوبر والدم. ومن حديث محمد بن زكريا قال سفيان: عن منصور، والأعمشي عن أبي الفضل عن مسروق قال: قال عبد اللَّه: إن اللَّه بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه، دعا عليهم فقال: اللَّهمّ اعنى بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة أكلوا فيها الخف، والعظام، وكان يرى في السماء شبه الدخان، فأتى أبو سفيان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: إنك كنت تأمرنا بصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا فادع اللَّه لهم وهو قوله: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي
السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ إلى قوله: عائِدُونَ. ثم عادوا في كفرهم، فأخذهم اللَّه يوم بدر، وهو قوله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ. قال عبد اللَّه: فقد مضى الدخان، ومضت البطشة يوم بدر ومضى اللزام وهو يوم بدر، الم غُلِبَتِ الرُّومُ [ (1) ] واللزوم قد مضى، فقد مضت الأربع [ (2) ] . وله من حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن سليمان ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال عبد اللَّه: إن اللَّه بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم بالحق، وقال: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما رأى قريشا استعصوا عليه قال: اللَّهمّ أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف فأخذتهم السنة حتى حصب كل شيء، حتى أكلوا الجلود والعظام. وقال أحدهما: الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان فقال: يا محمد إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه أن يكشف عنهم، فدعا، ثم قال: يعودون، ثم قرأ هذه الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ [ (3) ] . فيكشف اللَّه عنهم عذاب الآخرة. فقد مضى الدخان والبطشة واللزام، وقال أحدهما: واللزوم. رواه جرير بن حازم، وجرير بن عبد الحميد، وعلى بن مسهر وأبو معاوية ووكيع في آخر، عن الأعمش، وقال الرياشي: لما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف قال: فبقيت السماء سبع سنين لا تمطر، واشتد الجهد بقيس فقدم وفد قيس على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وفيهم لبيد بن ربيعة [ (4) ] ، فلما مثلوا بين يديه فقام لبيد وقال:
أتيناك يا خير البرية كلها ... لترحمنا مما لقينا من الأزل أتيناك تشكو خطة جل أمرها ... لسبع سنين واقفين على محل فإن تدع أخرى بالقحوط فإننا ... أحاديث طسم ما دعاؤك بالهزل وإن تدع بالسقيا وبالعفو ترسل ... السماء لنا والمرء يبقى علنى الأصل أتيناك والعذراء يدمي لثامها [ (1) ] ... وقد ذهلت [ (2) ] أم الصبي عن الطفل
وألقى بكفيه الشجاع [ (1) ] استكانة ... من الجوع صمتا [ (2) ] ما يمر وما يحل ولا شيء مما يأكل الناس عندنا ... سوى الحنظل العامي والعلهز الفشل [ (3) ] [ليس لنا إلا إليك فرارنا ... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل] [ (4) ] فأنت لديننا وأنت لدنيانا ... تؤمل للدنيا وللآخرة الفصل لنا منك في يوم الحساب شفاعة ... تزحزح عنا والشفاعة في الأهل قال: فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى اخضلت لحيته، ثم قال: اللَّهمّ اسقنا غيثا عاجلا غير آجل. قال البراء بن عازب: واللَّه ما كان في السماء قذعة، ولقد رأيت السحاب يتداعى من نواحي السماء حتى التأم، ثم أمطرت بشيء عجيب فجاء أهل أسافل المدينة فقالوا: يا رسول اللَّه الغرق؟ فقال: اللَّهمّ حوالينا ولا علينا فقشعت. وخرج أبو نعيم من حديث الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، أن شرحبيل بن السمط قال لكعب بن مرة: حدثنا حديثا واحدا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر، فأتيته، فقلت: إن اللَّه قد نصرك وأعطاك واستجاب لك؟ وإن قومك هلكوا؟ فادع اللَّه لهم. فقال: اللَّهمّ اسقنا غيثا، مريعا، طبقا، غدقا، عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار، قال: فما أتى علينا جمعة حتى مطرنا [ (5) ] .
وخرّجه من حديث بدل بن المحبر [ (1) ] ، قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار ومنصور وقتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بنحوه. ومن حديث أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن سالم بن أبي الجعد أن كعب بن مرة [ (2) ] قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: جئت من عند قوم لا يحظم لهم بعير، ولا يتزود لهم راع. وخرّجه البيهقي من حديث شبابة قال: حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد أن ابن السمط قال لكعب بن مرة أو مرة بن كعب الفهري، حدثنا بحديث سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للَّه أبوك، واحذر، قال: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مضر، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا رسول اللَّه إن قومك قد هلكوا فادع اللَّه لهم، قال شعبه: وزاد حبيب بن أبي ثابت فيه بهذا الإسناد أن أبا سفيان قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: إني آتيك من عند قوم لم يخطم لهم فحل، ولم يتزود لهم راع، ثم رجع الى حديث عمرو، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اسقنا غيثا، مغيثا، [غدقا] [ (3) ] ، طبقا، مريعا، نافعا غير ضار عاجلا، غير رائث. قال شعبة، وزاد حبيب بن أبي ثابت، قال: فما لبثت إلا جمعة حتى مطرنا. قال المؤلف رحمة اللَّه عليه: كعب بن مرّة [ (4) ] هذا يقال فيه: مرّة بن كعب البهزي السلمي نزل البصرة، ثم الأردن، روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عن شرحبيل بن الصمت وسالم بن أبي الجعد، وقيل: لم يلقه، وجبير بن نفير، وأبو الأشعث الصغاني، وطائفة. وخرج له أبو دواد. قال ابن عبد البر: الأكثر يقولون: كعب بن مرّة قال: وله أحاديث مخرجها عن أهل الكوفة يروونها عن شرحبيل بن السمط، عن كعب بن مرة
السلمي البهزي، وأهل الشام يروون تلك الأحاديث بأعيانها، من شرحبيل بن السمط عن عمرو بن السمط عن عمرو بن عبسة. وخرج الحاكم من [ (1) ] من حديث الحسين بن واقد، حدثني يزيد النحويّ أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا محمد أنشدك اللَّه والرحم قد أكلنا العلهز يعنى الوبر، فأنزل اللَّه تعالى وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (2) ] قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرجه ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] من حديث الحسين بن واقد، حدثنا أبي حدثنا يزيد النحويّ فذكره. وخرج أبو نعيم من حديث محمود بن بكر بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن دواد بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، عن أبيه عن جده، أن ناسا من مضر أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فسألوه أن يدعو اللَّه عز وجل أن يسقيهم، فقال: اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا، هنيئا، مريئا، غدقا، طبقا، نافعا، غير ضار، عاجلا غير رائث، فأطبقت عليهم حتى مطروا سبعا. وقال نجدة بن نفيع، سألت ابن عباس عن قوله تعالى إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (4) ] قال: استنفر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حيا من أحياء العرب فتثاقلوا، فأمسك عنهم المطر، فكان عذابهم. خرجه الحاكم وصححه [ (5) ] .
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأهل جرش [1] برفع قتل صرد بن عبد الله [2] الأزدي وأصحابه عنهم، فنجوا بدعائه صلى الله عليه وسلم
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لأهل جرش [ (1) ] برفع قتل صرد بن عبد اللَّه [ (2) ] الأزديّ وأصحابه عنهم، فنجوا بدعائه صلّى اللَّه عليه وسلم فروى إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق [ (3) ] قال: قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صرد بن عبد اللَّه الأزدي، فأسلم وحسن إسلامه في وفد من الأزد. فأمّره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على من أسلم من قومه، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن، فخرج صرد يسير [بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (4) ] في جيش حتى نزل بجرش وهي يومئذ مغلقة به قبائل من اليمن وقد
ضوت إليهم جشعم، فدخلوها معهم حين سمعوا بمسير المسلمين إليهم، فحاصرهم بماء قريبا من شهر وامتنعوا منه فيها، ثم رجع قافلا حتى إذا كان في جبل يقال له كشر ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزما، فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف عليهم، فقاتلهم قتالا شديدا. وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران، فبينما هما عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عشية بعد الفطر، إذا قال [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] :] بأي بلاد شكر؟ فقام الجرشيان فقالا: يا رسول اللَّه ببلادنا جبل يقال له كشر، وكذلك تسميه أهل جرش. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إنه ليس بكشر، ولكنه شكر قال: فما له يا رسول اللَّه؟ إن بدن اللَّه لتنحر عنده الآن، فجلس الرجلان إلى أبي بكر وإلى عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فقالا [لهما] [ (2) ] : ويحكما! إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لينعى إليكما، قومكما، فاسألاه أن يدعوا للَّه- عز وجل- فيرفع عن قومكما، فقاما إليه فسألا ذلك. فقال: اللَّهمّ ارفع عنهم. فخرجا من عنده راجعين إلى قومهما، فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد اللَّه في اليوم الّذي قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قال، في الساعة التي ذكر فيها ما ذكر. فخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأسلموا، وحمى لهم حمى حول قريتهم على أعلام معلومة للفرس، والراحلة، وللمثيرة، وهي بقرة الحرث [ (3) ] .
وأما تمكين الله تعالى قريشا من العز والشرف والملك بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما تمكين اللَّه تعالى قريشا من العزّ والشرف والملك بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج أبو نعيم من حديث أبي يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، عن الأعمش، عن طارق بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كما أذقت أول قريش نكالا، فارزق آخرهم نوالا. قال أبو نعيم: رواه أبو كرب والمتقدمون، عن أبي يحى الحماني. وله من طريق أبي دواد، قال حديثنا جعفر بن سليمان، عن النضر بن معبد، عن الجارود، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أذقت أول قريش عذابا ووبالا، فأذق آخرها نوالا. وخرجه الترمذي من حديث أبي يحيى بسنده ومتنه كما تقدم، وقال: هذا حديث حسن وغريب [ (1) ] . قال المؤلف رحمه اللَّه: قد استجاب اللَّه تعالى دعوة نبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلم لقريش وملّكله مشارق الأرض ومغاربها، فلم يقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان حتى بلغت الدعوة الإسلامية كل ما تطؤه الأقدام، وتمر فيه السفن، ومكن اللَّه لقريش في الأرض حتى لقد نقل أن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان نظر مرة إلى السحاب، فقال: أمطرى حيث شئت، إن أمطرت في البر حمل إلى البدر، وإن أمطرت في البحر حمل إلى الدار. وامتد ملك بنى أمية من عانة [ (2) ] إلى فرغانة [ (3) ] وأنت أن كنت ممن تبحر في الأخبار، فاعلم كيف كان أجيال الخليقة تبين لك أن الّذي تهيأ لقريش من
وأما تأييد الله عز وجل من كان معه الرسول صلى الله عليه وسلم وتيقن الصحابة ذلك
اتساع المملكة وكثرة العساكر، وزيارة الأموال، لم يكن مثله لملوك فارس والروم، واللَّه تعالى يؤتى ملكه من يشاء، واللَّه واسع عليم. وأما تأييد اللَّه عز وجل من كان معه الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وتيقن الصحابة ذلك فخرج البخاري [ (1) ] من حديث حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة بن الأكوع قال: مر نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ارموا بنى إسماعيل، فإن أباكم كان راميا، وأنا مع بني فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما لكم لا ترمون، قالوا:
كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ارموا فأنا معكم كلكم. ترجم عليه باب التحريض على الرمي. وذكره في كتاب (الأنبياء) [ (1) ] من حديث مسدد قال. أخبرنا يحيى عن يزيد ابن أبي عبيد، أخبرنا سلمة قال: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال: أرموا بنى إسماعيل. الحديث بمعناه. ذكره في كتاب (نسبة اليمن) إلى إسماعيل [ (2) ] منهم أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر ابن خزاعة. وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث يحيى بن حسان قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن محمد بن إياس بن سلمة، عن أبيه عن جده. أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مر على ناس من أسلم ينتضلون، فقال: حسن هذا اللهو، مرتين أو ثلاثا ارموا، وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم بأيديهم، فقالوا: لا واللَّه لا نرمي معه وأنت معهم يا رسول اللَّه إذا يفضلنا! فقالوا: ارموا وأنا معكم جميعا، فقال: لقد رموا عامة يومهم ذلك، ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضا. قال البيهقي: وكذلك رواية أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان.
وأما إجابة الله تعالى دعاءه صلى الله عليه وسلم حتى صرع ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف [1] وكان أحد لا يصرعه
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى صرع ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف [ (1) ] وكان أحد لا يصرعه فروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لركانة بن عبد يزيد: أسلم، فقال: لو أعلم أن ما تقول حقا لفعلت. فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وكان ركانة من أشد الناس-: أرأيت إن صرعتك تعلم أن ذلك حق؟ فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه، فقال له: عد يا محمد، فعاد له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذه الثانية فصرعه على الأرض،
فانطلق ركانة [وهو] [ (1) ] يقول: هذا ساحر لم أر مثله قط، ولم أر مثل سحر هذا، واللَّه ما ملكت من نفسي شيئا حتى وضع جنبي على الأرض [ (2) ] . وروى أبو أويس المدني عن محمد بن عبد اللَّه بن يزيد بن ركانة، عن جده ركانة بن عبد يزيد- وكان من أشد الناس- قال: كنت أنا والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم في غنيمة لأبي طالب نرعاها في أول ما رأى إذ قال لي ذات يوم: هل لك أن تصارعني؟ قلت: أنت؟ قال: أنا، فقلت: على ماذا؟ قال: على شاة من الغنم فصارعته، فصرعني، فأخذ منى شاة، فقال: هل لك في الثانية؟ قلت: نعم، فصارعته، فصرعني، وأخذ منى. فجعلت ألتفت هل يراني إنسان، فقال: مالك؟ قلت: لا يراني [بعض] [ (3) ] الرعاة فيجترئون عليّ وأنا في قومي من أشدهم، قال: هل لك في الصراع الثالثة وشاة؟ قلت: نعم، فصارعته فصرعني، وأخذ شاة، فقعدت كئيبا حزينا، فقال: مالك؟ قلت: إني أرجع إلى عبد يزيد وقد أعطيت ثلاثا من غنمه، والثانية أنى كنت أظن أنى أشد قريش. فقال: هل لك في الرابعة؟ فقلت: لا بعد ثلاث، فقال: أما قولك في الغنم فإنّي أردها عليك، فردها عليّ، فلم يلبث أن ظهر أمره، فأتيته، فأسلمت، فكان مما هداني اللَّه عز وجلّ أنى علمت أنه لم يصر عنى يومئذ بقوته، ولم يصرعني يومئذ إلا بقوة غيره [ (4) ] . وخرج البيهقي [ (5) ] من حديث أبي عبد الملك، عن القاسم عن أبي أمامة قال: كان رجل من بنى هاشم يقال له ركانة، وكان من أفتك الناس وأشدهم [ (6) ] ،
وكان مشركا يرعى غنما له في واد يقال له إضم [ (1) ] فخرج نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من بيت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها ذات يوم، وتوجه قبل ذلك الوادي فلقيه ركانة وليس مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحد، فقام إليه ركانة فقال: يا أحمد أنت الّذي تشتم [آلهتنا] [ (2) ] اللات والعزى، وتدعو إلى إلهك العزيز الحكيم، ولولا رحم بيني وبينك ما كلمتك الكلام- يعنى حتى أقتلك- ولكن ادع إلهك العزيز الحكيم ينجيك منى اليوم وسأعرض عليك أمرا، هل لك أن أصارعك وتدعوا إلهك العزيز الحكيم يعينك [ (3) ] ؟ وأنا أدعو اللات والعزى؟ فإن أنت صرعتني فلك عشر من غنمي هذه تختارها. فقال عند ذلك نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن شئت، فاتعدا [ (4) ] ، ودعا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلهه العزيز الحكيم أن يعينه على ركانة، ودعا ركانة اللات والعزى: أعني على محمد، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه وجلس على صدره.
فقال ركانة: قم، فلست أنت الّذي فعلت بي هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، وما وضع أحد قط جنبي قبلك! فقال له ركانة: عدّ، فإن أنت صرعتني فلك عشر أخرى تختارها. فأخذه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودعا كل واحد منهما إلهه كما فعلا أول مرة، فصرعه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجلس على كبده، فقال له ركانة: قم، فلست أنت فعلت [بي] [ (1) ] هذا، إنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، وما وضع جنبي أحد قبلك ثم قال له ركانة: عدّ، فإن أنت صرعتني فلك عشر أخرى تختارها، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ودعا كل واحد إلهه، فصرعه نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الثالثة. فقال له ركانة: لست أنت الّذي فعلت [بي هذا] [ (2) ] ، وإنما فعله إلهك العزيز الحكيم، وخذلني اللات والعزى، فدونك ثلاثين شاة من غنمي، فاخترها. فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ما أريد ذلك، ولكنى أدعوك إلى الإسلام يا ركانة، وأنفس بك أن تصير إلى النار، وإنك إن تسلم تسلم. فقال له ركانة: لا إلا أن تريني آيه، فقال له نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [اللَّه عليك] [ (3) ] شهيد إن أنا دعوت ربى فأريتك آية لتجيبننى إلى ما أدعوك إليه؟ قال: نعم. وقريب منه شجرة ثمر ذات فروع وقضبان فأشار إليها نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقال لها: أقبلى بإذن اللَّه فانشقت باثنتين وأقبلت على نصف شقها [ (4) ] وقضبانها وفروعها حتى كانت بين يدي نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وبين ركانة، فقال له ركانة: أريتنى عظيما فمرها فلترجع، فقال له نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: شهيد لئن أنا دعوت ربى عز وجل فرجعت لتجيبننى إلى ما أدعوك إليه؟ قال: نعم، فأمرها فرجعت بقضبانها وفروعها حتى التأمت بشقها.
فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: [أسلم] [ (1) ] تسلم؟ فقال له ركانة: ما بي إلا أن أكون رأيت عظيما، ولكنى أكره أن يتحدث نساء أهل المدينة وصبيانهم، أنى إنما أجبتك لرعب دخل على قلبي [ (2) ] منك، ولكن قد علمت نساء أهل المدينة وصبيانهم أنه لم يضع جنبي أحد قط، ولم يدخل قلبي رعب قط ليلا، ولا نهارا، ولكن دونك فاختر غنمك. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس لي حاجة إلى غنمك إذا أبيت أن تسلم، فانطلق نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم راجعا، وأقبل أبو بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يلتمسانه في بيت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فأخبرتهما أنه قد توجه قبل وادي إضم، وقد عرفا أنه وادي ركانة لا يكاد يخطئه. فخرجا في طلبه وأشفقا أن يلقاه ركانة فيقتله، فجعلا يصعدان على كل شرف، ويتشوفان مخرجا، إذ نظرا إلى نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقبلا، فقالا: يا رسول اللَّه! كيف تخرج إلى هذا الوادي وحدك؟ وقد عرفت أنه جهة ركانة، وأنه من أفتك الناس وأشدهم تكذيبا لك، فضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: أليس اللَّه عز وجل يقول لي: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (3) ] إنه لم يكن يصل إليّ واللَّه معي، فأنشأ يحدثهما حديثه، والّذي فعل به، والّذي أراه، فعجبا من ذلك، وقالا: يا رسول اللَّه: أصرعت ركانة؟ فلا والّذي بعثك بالحق ما نعلم أنه وضع جنبه إنسان قط. فقال لهما النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إني دعوت ربي فأعاننى عليه، وإن ربي عز وجل أعانني ببضع عشرة وقوة عشرة [ (4) ] .
قال البيهقي: أبو عبد الملك هذا على بن يزيد الشامي، وليس بالقوى إلا أنه معه ما يؤكد حديثه. قال كاتبه: هو على بن يزيد بن أبي هلال أبو عبد الملك [ (1) ] ، ويقال: أبو الحسن الألهاني، ويقال: الهلالي من أهل دمشق. روى عن القاسم بن عبد الرحمن ومكحول، روى عنه يحيى بن الحارث الدنارى وعثمان بن أبي العاتكة، وعبيد اللَّه بن زحر، ومطرح بن يزيد ومعاذ ابن رفاعة، وعمرو بن واقد ومدرك بن أبي سعد، والوليد بن سليمان بن أبي السائب، وبكر بن عمرو المعافري، قال البخاري، منكر الحديث، وقال ابن يونس: وفيه نظر:، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال مرة: متروك الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم: سمعت البخاري يقول: علي بن يزيد بن عبد الملك الألهاني ضعيف وفي رواية منكر الحديث. وقال محمد بن يزيد المستملي: قلت لأبى مسهر فعليّ بن يزيد؟ قال: ما علم إلا خبرا انظر من يروى عنه ابن أبي عاتكة ليس من أهل الحديث، ونظراؤه. وقال حارث بن إسماعيل: قلت لأحمد بن حنبل: عليّ بن يزيد، قال: هو دمشقي كان ضعيفا، وقال ابن معين: عليّ بن يزيد الشامي ضعيف. وفي رواية عليّ بن يزيد، عن القاسم بن أبي أمامة: هي ضعاف كلها. وقال أبو إسحاق السعدي، عليّ بن يزيد الدمشقيّ رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد اللَّه بن زحر، وعثمان بن أبي العاتكة، ثم رأينا أحاديث جعفر بن الزبير، وبشر بن نمير يرويان عن القاسم أحاديثه تشبه تلك الأحاديث. وكان القاسم خيارا فاضلا، ممن أدرك أربعين رجلا من المهاجرين والأنصار، وأظننا أتينا من قبل عليّ بن يزيد، على أن بشر بن نمير وجعفر بن الزبير ليسا ممن يحتج بهما على أحد من أهل العلم. وقال عمر بن شبة: عليّ بن يزيد واهي الحديث كثير المنكرات. وقال محمد بن أبي حاتم: وسألت أبي عن عليّ بن يزيد، فقال: ضعيف الحديث منكره، فإن كان ما روى عن عليّ بن يزيد، عن القاسم على الصحة، فيحتاج
أن ينظر في أمر علي بن يزيد. وسألت أبا زرعة عن عليّ بن يزيد فقال: ليس بقوىّ، وقال أبو زكريا الساجىّ: وأحاديث عبيد اللَّه بن زحر، وعليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامه مرفوعة ضعيفة. وفي رواية عليّ بن يزيد مضعف. وقال أبو عيسى الترمذي: وقد تكلم بعض أهل العلم في عليّ بن يزيد وضعفه، وهو شامىّ. وقال في موضع آخر عليّ بن يزيد يضعف في الحديث ويكنى أبا عبد الملك، وقال في موضع آخر. قال محمد يعنى البخاري: القاسم ثقة، وعليّ بن يزيد ضعيف، وقال أبو عبد اللَّه محمد بن إبراهيم الكنانيّ الأصبهانيّ: قلت لأبى حاتم: ما تقول في أحاديث عليّ بن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة؟ فقال: ليست بالقوية هي ضعاف. وقال أبو أحمد بن عدىّ: ولعلىّ بن يزيد أحاديث ونسخ، وعبيد اللَّه بن زحر يروى عن عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة أحاديث، وهو في نفسه صالح إلا أن يروى عنه ضعيف، فيؤتى من قبل ذلك الضعيف. وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب: هذا ما وافقت عليه أبا الحسين الدار الدّارقطنيّ من المتروكين عليّ بن يزيد الدمشقيّ أبو عبد الملك، عن القاسم بن عبد الرحمن. وقال الحافظ أبو نعيم: عليّ بن يزيد منكر الحديث. وقاله البخاري، قال كاتبه: خرج لعليّ بن يزيد هذا الترمذيّ وابن ماجة وقال ابن حبان عن حديث مصارعة ركانة: في إسناده نظر وقال عبد الغنىّ: هو أصل ما روى في المصارعة، ومصارعة أبي جهل فليس لها أصل.
وأما كون إنسان يصلح يبن القبائل لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم سماه مطاعا
وأما كون إنسان يصلح يبن القبائل لأن المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم سمّاه مطاعا فخرّج أبو نعيم من حديث أبي مسعود عبد الرحمن بن المثنى بن مطاع بن عيسى بن مطاع بن زياد، بن مسعود، بن الضحاك [ (1) ] [بن خالد] [ (2) ] بن عدي بن أراش بن جزيلة بن اللخم اللخميّ قال: حدثني أبي المثنى عن أبيه مطاع، عن أبيه عيسى، عن أبيه مطاع، عن أبيه زياد، عن جده مسعود أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سماه مطاعا، وقال له: أنت مطاع في قومك، وقال له: امض إلى أصحابك، فمن دخل تحت رايتك هذه فهو آمن من العذاب، فمضى مطاع إلى أصحابه فقال لهم: أنتم سامعون مطيعون. قالوا: نعم يا مسعود، فقال لهم: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سماني مطاعا، وحملني على هذا الفرس وأعطاني هذه الراية، وقال لي: امض إلى أصحابك، فمن دخل تحت هذه الراية فقد أمن من عذابي. فأقبلوا معه الى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصاروا من أصحابه وقالوا: يا رسول اللَّه ادع لنا على حدس، فقال لهم: حدس الأحداس يكثرون ويقل الناس.
فقالوا: يا رسول اللَّه دعوت لهم بالكثرة؟ فقال: جاءني جبريل فأخبرني أن مسعودا يقابلني بكرة مشركا ويأتيني بالعشي مؤمنا، فلما كان مع زوال الشمس قالوا: يا نبي اللَّه إنا نرى شخصا مقبلا، فأقبل مسعود إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال أبو مسعود: أخبرنى أبي عن جدي مطاع أنه كان يأخذ الراية إذا وقع بين القبائل فيصلح بينهم، وكان قد كبر وبلغ أرجح من مائة سنة، وكان يربط العمامة على حاجبيه حتى تنكشف عيناه، ويقاتل على كبره.
وأما استجابة الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في دعائه على عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر هوازن بن منصور ابن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر، وأربد بن قيس ابن جزء بن خالد بن جع
وأما استجابة اللَّه سبحانه وتعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلم في دعائه على عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر هوازن بن منصور ابن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر، وأربد بن قيس ابن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب فخرج البخاري من حديث همام بن إسحاق عن عبد اللَّه بن أبي طلحة قال: حدثني أنس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعثه خاله أخا لأم سليم في سبعين راكبا، وكان رأس المشركين عامر بن طفيل، خير بين ثلاث خصال، فقال: يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، وأكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف، فطعن عامر في بيت أم فلان، فقال: غدة كغدة البعير [ (1) ] في بيت امرأة من آل فلان، ائتوني بفرسي، فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرام أخو أم سليم هو ورجل أعرج ورجل من بنى فلان، قال: كونا قريبا منى حتى آتيهم، فإن آمنوا بى كنتم. وإن قتلوني أتيتما أصحابكما، فقال: أتؤمنونني حتى أبلغ رسالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فجعل يحدثهم، وأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه، فطعنه. قال همام: أحسبه قال حتى أنفذه بالرمح، قال: اللَّه أكبر فزت ورب الكعبة، فأنزل اللَّه علينا، ثم كان من المنسوخ: «وإنا قد لقينا ربنا فرضي عنا [وأرضانا] [ (2) ] » فدعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني [ (3) ] لحيان وعصية الذين عصوا اللَّه ورسوله.
وخرّج الحاكم من طريق عبد اللَّه بن الزبير الحميدي حدثنا على بن يزيد بن أبي حكيمة، عن أبيه وغيره، عن سلمة بن الأكوع أن عامر بن الطفيل لم يدخل المدينة إلا بأمان من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: أسلم تسلم قال: نعم، على أن لي الوبر ولك المدر. قال: هذا لا يكون أسلم تسلم يا عامر، يا عامر اذهب حتى تنظر في أمرك إلى غد فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الأنصار، فقال: ماذا ترون؟ إني دعوت الرجل فأبى أن يسلم إلا أن يكون له الوبر ولي المدر، فقالوا: ما شاء اللَّه، ثم شئت يا رسول اللَّه ما أخذوا منا عقالا إلا أخذنا منهم عقالين، فاللَّه ورسوله أعلم، فرجع عامر إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الغد، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: تسلم يا عامر؟ قال: لا إلا أن يكون لي الوبر ولك المدر. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ليس إلى ذلك، فأبى إلا أن يكون له الوبر، وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم المدر، فأبى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال عامر: أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا ورجالا، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يأبى اللَّه ذلك عليك، وأبناء قيلة الأوس والخزرج، ثم ولى عامر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفنيه، فرماه اللَّه بالذبحة قبل أن يأتى أهله، قال: فقال عامر حين أخذته الذبحة: يا آل عامر كغدة البكر، فهلك ساعة أخذته دون أهله [ (1) ] . وقال يونس بن محمد بن إسحاق، قال: قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقد بني عامر، فيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وخالد بن جعفر، وجبار بن سلمى بن مالك. فكان هؤلاء النفر رؤساء القوم وشياطينهم، فقدم عامر بن الطفيل عدو اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يريد أن يغدر به، فقال له قومه: يا عامر إن الناس قد أسلموا، فقال: واللَّه لقد كنت آليت ألا ننتهي حتى تتبع العرب عقبى، فأنا أتبع هذا الفتى من قريش، ثم قال لأربد: إذا قدمنا على الرجل فإنّي شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف.
فلما قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال عامر: يا محمد خالني، فقال: لا، حتى تؤمن باللَّه وحده لا شريك له، فلما أبي عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أما واللَّه لأملأنها عليك خيلا حمرا، ورجلا، فلما ولى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل، فلما خرجوا من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال عامر لأربد: ويحك يا أربد! أين ما كنت أمرتك به؟ واللَّه ما كان على الأرض رجل أخوف عندي على نفسي منك، وأيم اللَّه لا أخاف بعد اليوم أحدا، قال: لا أبا لك، لا تعجل عليّ فو اللَّه ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبين الرجل! أفأضربك بالسيف؟ ثم خرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث اللَّه عز وجل على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه، فقتله في بيت امرأة من بنى سلول، ثم خرج أصحابه حتى واروه حين قدموا أرض بنى عامر أتاهم قومهم، فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ فقال: قد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي فأرميه بنبلى هذه حتى أقتله. فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين ومعه جمل يبيعه، فأرسل اللَّه عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما، وكان أربد أخا للبيد بن ربيعة لأمه فبكاه ورثاه [ (1) ] . وخرّج البيهقي من حديث محمد بن إسحاق قال: حدثنا معاوية بن عمر وأخبرنا أبو إسحاق، عن الأوزاعي، عن عبد الحق بن عبد اللَّه بن أبي سلمة في قصة بئر معونة، قال الأوزاعي: قال يحيى: فمكث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا: اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل وابعث عليه داء يقتله، فبعث اللَّه طاعونا فقتله [ (2) ] . ومن طريق همام عن إسحاق بن أبي طلحة قال: حدثني أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قصة حرام بن ملحان قال: وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، كان أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أخيرك بين ثلاث
خصال: يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل المدر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر، وألف شقراء. قال: فطعن في بيت امرأة فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني فلان؟ ائتونى بفرس، فركب، فمات على ظهر فرسه [ (1) ] . ومن طريق الزبير بن بكار قال: حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤملة ابن جميل قال: أتى عامر بن الطفيل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له: يا عامر أسلم، قال: أسلم على أن لي الوبر ولك المدر؟ قال: لا، فولّى وهو يقول: واللَّه يا محمد لأملأنها عليك خيلا جردا، ورجالا مردا، ولأربطن بكل نخله فرسا. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني عامرا واهد قومه، فخرج عامر حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها: سلولية، فنزل عن فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدة في حلقة، فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وأقبل يجول وهو يقول: غدة كغدة البكر؟ وموت في بيت سلولية؟ فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتا [ (2) ] .
وأما استجابة الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم فيمن أكل بشماله
وأما استجابة اللَّه سبحانه وتعالى لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلم فيمن أكل بشماله فخرج مسلم من حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا شيبة قال: حدثنا زيد بن الحباب عن عكرمة بن عمار قال: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع ان أباه حدثه أن رجلا أكل عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بشماله، فقال: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : لا استطعت، ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه [ (1) ] . وخرجه أبو نعيم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أبصر بسر بن راعى العير [ (3) ] يأكل بشماله، فقال: كل بيمينك، فقال: لا أستطيع، قال [صلّى اللَّه عليه وسلم] : لا استطعت، فما نالت يمينه إلى فيه بعد.
ومن حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، أن رجلا كان يأكل عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشماله، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كل بيمينك، قال: لا أستطيع، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا استطعت، قال: فما رفعها بعد إلى فيه. وخرج البيهقي [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد ابن أبي حبيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها، فقال: ما لها تأكل بشمالها؟ أخذها داء غزة. فقالت: يا نبي اللَّه إن في يميني قرحة، قال: وإن، قال يزيد: إن سبيعة لما مرت بعزة أصابها الطاعون وقتلها. قال ابن لهيعة: وأخبرنى عثمان بن نعيم الرعينيّ، عن مغيرة بن نهيك الحجري، عن دخين الحجري، أنه سمع عقبه بن عامر يذكر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. بسر هذا بضم الباء الموحدة وبالسين والراء المهملتين. ذكره ابن مندة وأبو نعيم، وابن ماكولا وعدّ من الصحابة. وذكر القاضي عياض أن قوله: ما منعه إلا الكبر يدل على أنه كان منافقا. ورده النووي بأن مجرد الكبر لا يقتضي النفاق والكفر، ولكنه معصية إذا كان الأمر أمر إيجاب [ (2) ] .
وأما استجابة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام في الحكم بن مروان
وأما استجابة اللَّه تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام في الحكم بن مروان فخرج البيهقي [ (1) ] وغيره من حديث ضرار بن صرد قال: حدثنا عائذ عن حبيب، بن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد اللَّه المزني قال: سمعت عبد الرحمن ابن أبي بكر يقول: كان فلان يجلس إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فإذا تكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشيء اختلج بوجهه فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كن كذلك، فلم يزل يختلج حتى مات. ومن حديث عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا صدقة بن أبي سعيد الحنفي عن جميع بن عمير التميمي، قال: سمعت عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: كنا على باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ننتظره فخرج فاتبعناه حتى أتى عقبة من عقاب المدينة، فقعد عليها، [وقال] : يا أيها الناس لا يتلقين أحدكم سوقا، ولا يبيع مهاجر لأعرابى، ومن باع محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها مثل، أو قال: مثلي لبنها قمحا. قال: ورجل خلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحاكيه ويلحظه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: كذلك كن، قال: فرفع إلى أهله فلبط به شهرين، فغشى عليه، ثم أفاق حين أفاق، وهو كما حكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . ومن حديث السري بن يحيى، عن مالك بن دينار قال: حدثني هند بن خديجة [ (3) ] زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فرآه فقال: اللَّهمّ اجعل به وزغا، فزحف مكانه، [والوزغ ارتعاش] [ (4) ] . وقال أبو القاسم البغوي: عن محمد بن إسحاق بإسناده، قال: مر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالحكم، فجعل [الحكم] [ (5) ] يغمز [النبي] [ (6) ] بإصبعه، ثم ذكر الباقي.
وقال ابن عبد البر في ترجمة الحكم بن أبي العاصي [ (1) ] بن أميه بن عبد شمس، ذكروا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا مشى يتكفأ، فكان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوما، فرآه يفعل ذلك، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: فكذلك فلتكن، وكان
الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ، فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه: إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا يمسى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
وأما استجابة الله تعالى دعاء رسوله محمد صلى الله عليه وسلم على قريش حين تظاهروا عليه بمكة حتى أمكنه الله منهم وقتلهم يوم بدر بسيوف الله
وأما استجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله محمد صلّى اللَّه عليه وسلم على قريش حين تظاهروا عليه بمكة حتى أمكنه اللَّه منهم وقتلهم يوم بدر بسيوف اللَّه فخرج مسلم [ (1) ] من حديث زكريا، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأزدي، عن ابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [يصلى] [ (2) ] عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا [ (3) ] جزور بنى فلان، فيأخذه، فيضعه في بين كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فأخذه، فلما سجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وضعه بين كتفيه! قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم، أنظر ولو كان لي منعة طرحته على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان، فأخبر فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تسبهم. فلما قضى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا، دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا، ثم قال: اللَّهمّ عليك بقريش ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: اللَّهمّ عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط. وذكر السابع [ (4) ] ، ولم أحفظه، فو الّذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر.
قال مسلم: الوليد بن عقبة: غلط في هذا الحديث. قال كاتبه: وقع في رواية في كتاب مسلم: الوليد بن عقبة والصواب الوليد بن عقبه بن ربيعة. وخرجه البخاري من حديث شعبة عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد. ومن حديث إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق قال: حدثني عمرو بن ميمون أن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حدثه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس، إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى [ (1) ] جزور بنى فلان، فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فجاء به، فنظر حتى سجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه، وأنا انظر لا أغنى [ (2) ] شيئا لو كانت لي منعة. قال: فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض [ (3) ] ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجد [ (4) ] لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة، فطرحته عن ظهره، فرفع رأسه، ثم قال: اللَّهمّ عليك بقريش ثلاث مرات، فشق عليهم، قال وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة، ثم سمى، اللَّهمّ عليك بأبي جهل، وعليك بعتبة ابن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط وعد السابع، فلم يحفظه قال: فو الّذي نفسي بيده، لقد رأيت الذين عد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صرعى في القليب، قليب بدر. ذكره في كتاب (الطهارة) في باب إذا ألقى على ظهر المصلّى قذرا وجيفة لم تفسد عليه صلاته [ (5) ] .
وخرّج في كتاب الصلاة أيضا [ (1) ] من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم يصلّى عند الكعبة
وجمع قريش في مجالسهم، إذا قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي! أيكم يقوم إلى جزور آل فلان [ (1) ] ، فيعمد إلى فرثها، ودمها، وسلاها فيجيء به، ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا، فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض من الضحك، فانطلق منطلق [ (2) ] إلى فاطمة وهي جويرية، فأقبلت تسعى وثبت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الصلاة قال: اللَّهمّ عليك بقريش [ثلاثا] ، ثم سمى: اللَّهمّ عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد. قال عبد اللَّه: فو اللَّه لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى قليب بدر، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: وأتبع أصحاب القليب لعنة. ترجم عليه باب المرأة تطرح عن المصلّى شيئا من الأذى. وأخرجاه معا من حديث شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: بينما رسول اللَّه ساجد وحوله ناس من قريش إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور، فقذفه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأخذته عن ظهره، ودعت على من صنع ذلك. فقال: اللَّهمّ عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف أو أبي بن خلف [شعبة الشاك] . قال: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر، فألقوا في بئر غير أن أمية أو أبيا تقطعت أوصاله، فلم يلق في بئر. اللفظ لمسلم، ولفظ البخاري قريب منه [ (3) ] . وفي
حديث عبدان غير أمية أو أبي فإنه كان رجلا ضخما، فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر [ (1) ] . وخرجاه أيضا من حديث سفيان الثوري، عن أبي إسحاق بهذا الإسناد نحوه [ (2) ] ، وزاد مسلم، وكان يستحب ثلاثا يقول: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش ثلاثا [ (3) ] . وذكر فيهم الوليد بن عتبة وأمية بن خلف لم يشك، قال أبو إسحاق: ونسيت السابع. وسياق البخاري في كتاب الجهاد عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في ظل الكعبة، فقال أبو جهل وناس من قريش ونحرت جزور بناحية مكة، فأرسلوا، فجاءوا من سلاها وطرحوا عليه، فجاءت فاطمة فألقته عنه قال: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، لأبى جهل وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، وأبيّ بن خلف، وعقبة بن أبي معيط. قال عبد اللَّه: فلقد رأيتهم في قليب بدر قتلى. قال أبو إسحاق: ونسيت السابع. قال أبو عبد اللَّه: قال يوسف بن أبي إسحاق: أمية بن خلف وقال شعبه: أمية أو أبي، والصحيح أمية. ذكره في باب الدعاء على المشركين [ (4) ] . وخرجاه أيضا من حديث زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق. فذكره البخاري في أول المغازي في غزوة بدر [ (5) ] ومن حديث زهير قال أبو إسحاق: عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود قال: استقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الكعبة، فدعا على نفر
من قريش على شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبى جهل ابن هشام، فأشهد باللَّه لقد رأيتهم صرعى، قد غيرتهم الشمس، وكان يوم حار. وسياق مسلم له من حديث زهير قال: حدثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه قال: استقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم البيت، فدعا على ستة نفر من قريش، فيهم أبو جهل، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، فأقسم باللَّه لقد رأيتهم صرعى على بدر، قد غيرتهم الشمس، وكان [يوما] حارا [ (1) ] . وخرّج البيهقي [ (2) ] من طريق أبي نعيم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم قال: أخبرنى سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاءت فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم تبكى، فقالت: تركت الملأ من قريش تعاقدوا في الحجر، فحلفوا باللات، والعزى، وإساف، ونائلة، إذا هم رأوك يقومون إليك، فيضربونك بأسيافهم، فيقتلوك، وليس فيهم رجل إلا قد عرف نصيبه منك. قال: لا تبكى يا بنية، ثم قام فتوضأ، ثم أتاهم، فلما نظروا إليه طأطئوا، ونكسوا رءوسهم إلى الأرض، فأخذ كفا من تراب، فرماهم به، ثم قال: شاهت الوجوه. قال ابن عباس: ما أصاب ذلك التراب منهم أحدا إلا قتل يوم بدر كافرا.
وأما إقعاد من مر بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بدعائه عليه
وأما إقعاد من مرّ بين يدي الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي بدعائه عليه فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث أبي سلمة قال: حدثنا البيهقي من حديث عمرو بن أبي سلمة قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني مولى ابن نمران، عن يزيد بن نمران قال: رأيت معقدا بتبوك، فسألته عن إقعاده، فقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي، فمررت بين يديه، فقال: قطع صلاتنا قطع اللَّه أثره، قال: فقعدت، قال: وكان علي أتان أو حمار. وخرجه أبو داود من حديث وكيع، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نمران قال: رأيت رجلا بتبوك مقعدا، فقال: مررت بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا على حمار، وهو يصلي، فقال: اللَّهمّ اقطع أثره، فما مشيت عليهما بعد [ (2) ] . وذكره أبو داود من حديث أبي حيوة، عن سعيد بإسناده ومعناه وزاد. فقال: قطع صلاتنا قطع اللَّه أثره [ (3) ] . وذكره أيضا من حديث ابن وهب قال: أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان، عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو خارج، فإذا رجل مقعد، فسألته عن أمره، فقال: سأحدثك حديثا فلا تحدث به ما سمعت إلي حىّ إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نزل بتبوك إلي نخلة فقال: هذه قبلتنا، ثم صلي إليها، فقال: فأقبلت وأنا غلام
وأما موت الكلب بدعاء بعض من كان يصلي معه صلى الله عليه وسلم حين أراد المرور بين يديه
أسع، حتى مررت بينه وبينهما، فقال: قطع صلاتنا، فقطع اللَّه أثره، قال: فما قمت إلى يومي هذا [ (1) ] . وأما موت الكلب بدعاء بعض من كان يصلي معه صلّى اللَّه عليه وسلم حين أراد المرور بين يديه فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سليمان بن طريف السلمي، عن مكحول، عن أبي الدرداء رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصلى بنا العصر في يوم جمعة، إذ مر بهم كلب، فقطع عليهم الصلاة، فدعا عليه رجل من القوم، فما بلغت رجله الأرض حتى مات، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: من الداعي على هذا الكلب آنفا؟ فقال: رجل من القوم: أنا يا رسول اللَّه، قال: والّذي بعثني بالحق لقد دعوت اللَّه باسمه الّذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، ولو دعوت بهذا الاسم لجميع أمة محمد أن يغفر لهم لغفر لهم. قالوا: كيف دعوت قال: قلت: اللَّهمّ إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام اكفنا هذا الكلب بما شئت، وكيف شئت، فما برح حتى مات [ (3) ] . ومن حديث عمر بن ذر قال: أخبرنا يحيى بن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة الأنصاري أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان في صلاة العصر يوم الجمعة فسبح كلب أحمر بين يديه، فمر الكلب فمات قبل أن يمر بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقبل على القوم بوجهه، فقال: أيكم دعا على هذا
وأما تشتت رجل في الأرض بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم
الكلب؟ فقال رجل من القوم: أنا دعوت عليه يا رسول اللَّه! فقال عليه السلام: دعوت عليه في ساعة يستجاب فيها الدعاء [ (1) ] . فهذا حديث مرسل. وأما تشتت رجل في الأرض بدعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث حنبل بن إسحاق قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثتنا أم الأسود الخزاعية، قالت: حدثتني أم نائلة الخزاعية قالت: حدثتني بريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم سأل عن رجل يقال له قيس، فقال: لا أقرته الأرض، فكان لا يدخل أرضا يستقر بها، حتى يخرج منها.
وأما إجابة الله دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان [1] بعدم الشبع
وأما إجابة اللَّه دعوة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان [ (1) ] بعدم الشبع
فخرج مسلم [ (1) ] من حديث أمية بن خالد قال: حدثنا شعبة عن أبي حمزة القصاب، عن ابن عباس قال: كنت مع الصبيان، فجاء فحطأني حطأه، وقال: اذهب ادع معاوية، قال: فجئته فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع معاوية، فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع اللَّه بطنه. قال ابن مثنى: قلت لأمية: ما حطأني؟ قال: قفدني قفده [ (2) ] .
وخرجه أيضا من حديث إسحاق بن منصور قال: حدثنا النضر بن شميل، قال: حدثنا شعبة حدثنا أبو حمزة قال: سمعت ابن عباس يقول كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاختبأت منه. فذكر الحديث بمثله [ (1) ] . وقال البيهقي: وقد روى عن أبي عوانه عن أبي حمزة أنه استجيب له فيما دعا في هذا الحديث على معاوية. وذكر من حديث موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي حمزة قال: سمعت ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد جاء فقلت: ما جاء إلا إليّ، فاختبأت على باب، فجاء فحطأني حطأة فقال: اذهب فادع لي معاوية، وكان يكتب الوحي، قال: فذهبت فدعوته له، فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته، فقال: فاذهب فادعه فأتيته، فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبرته، فقال في الثالثة: لا أشبع اللَّه بطنه، قال فما شبع بطنه أبدا. قال البيهقي: وروي عن هزيم عن أبي حمزة في هذا الحديث زيادة تدل على الاستجابة [ (2) ] .
وأما استجابة الله تعالى لرسوله الله صلى الله عليه وسلم في قوله لرجل: ضرب الله عنقه
وأما استجابة اللَّه تعالى لرسوله اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قوله لرجل: ضرب اللَّه عنقه فقال الواقدي [ (1) ] : وحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن جابر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فذكر غزوة ذات الرقاع إلى أن قال: وقد جهرنا صاحبا لنا يرعى ظهرنا وعليه ثوب متخرق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما له ثوب غير هذا؟ فقلنا: بلي يا رسول اللَّه إن له ثوبين جديدين في العيبة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذ ثوبيك، فأخذ ثوبيه فلبسهما، ثم أدبر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أليس هذا أحسن؟ ما له! ضرب اللَّه عنقه، فسمع ذلك الرجل فقال: في سبيل اللَّه يا رسول اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: في سبيل، فقال جابر: فضربت عنقه بعد ذلك في سبيل اللَّه. وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق سعيد بن سليمان الواسطي، حدثنا الليث بن سعد، عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن جابر قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بعض مغازيه، فخرج رجل في ثوبين متخرقين يريد أن يسوق بالإبل، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما له ثوبا غير هذا؟ قيل: إن في عيبته ثوبين جديدين، قال: ائتوني بعيبته ففتحها فإذا فيها ثوبان فقال للرجل: خذ هذين البسهما وألق المتخرقين، ففعل، ثم ساق بالإبل، فنظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أثره كالمتعجب من بخلة على نفسه بالثوبين، فقال له: ضرب اللَّه عنقك، فالتفت إليه الرجل وقال: في سبيل اللَّه؟ فقتل يوم اليمامة: قال الحاكم [ (3) ] : هذا
وأما استجابة الله تعالى دعاءه صلى الله عليه وسلم على من احتكر الطعام
حديث صحيح على شرط مسلم، قد احتج في غير موضع بهشام بن سعد. ولم يخرجاه، إلا أن الحديث عند مالك بن أنس عن يزيد بن أسلم عن جابر. وأما استجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلم على من احتكر الطعام فقد خرج البيهقي [ (1) ] من حديث الهيثم بن رافع الباهلي حدثنا أبو يحيى، عن فروخ مولى عثمان، قال: ألقي على باب مسجد مكة طعام كثير وعمر يومئذ أمير المؤمنين، فخرج إلي المسجد فرأى الطعام فقال: ما هذا الطعام؟ قالوا: طعام جلب إلينا، قال: بارك اللَّه فيه وفيمن جلبه إلينا، قالوا: يا أمير المؤمنين قد احتكر. قال: من احتكره؟ قالوا: فروخ مولى عثمان وفلان مولاك، قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه اللَّه بالجذام أو بالإفلاس، قال فروخ: أعاهد اللَّه يا أمير المؤمنين ألا أعود، فحول تجارته إلى بر مصر، وأما مولى عمر فقال: نشتري بأموالنا ونبيع، فزعم أبو يحيى أنه رأى مولى عمر بعد حين مجذوما، وذلك رواه جماعة عن الهيثم، وأبو يحيى هو مكي.
وأما إجابة الله تعالى دعاءه صلى الله عليه وسلم على أبي ثروان
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاءه صلّى اللَّه عليه وسلم على أبي ثروان فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه عن جده، عن أبي ثروان قال: كان أبو ثروان راعيا لبني عمرو بن تيم في إبلهم، فخاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من قريش، فخرج فنظر إلى سواد الإبل فقصد له، فإذا هي إبل، فدخل بين الأراك، فجلس، فنفرت الإبل، فقام أبو ثروان فأطاف بالإبل فلم ير شيئا، ثم تخللها، فإذا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جالس، فقال له: من أنت فقد أنفرت على إبلي، فقال: لم ترع، أردت أن أستأنس بإبلك، فقال أبو ثروان: من أنت؟ قال: لا تسأل، رجل أردت أن أستأنس إلى إبلك، فقال: إني أراك الرجل الّذي يزعمون أنه خرج نبيا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أجل، فأدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، فقال أبو ثروان: اخرج، فلا تصلح إبل أنت فيها، وأبي أن يدعه، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اللَّهمّ أطل شقاءه وبقاءه. قال عبد الملك: قال أبي: فأدركته شيخا كبيرا يتمنى الموت، فقال له القوم: ما نراك إلا قد هلكت، دعا عليك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: كلا، إني قد أتيته بعد حين ظهر الإسلام، فأسلمت معه، فدعا لي واستغفر، ولكن الأولى قد سبقت. قال ابن عبد البر: أبو ثروان روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وروى عنه عنترة أبو وكيع.
وأما افتراس الأسد عتيبة بن أبي لهب بدعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يسلط عليه كلبا من كلابه
وأما افتراس الأسد عتيبة بن أبي لهب بدعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم ربه عز وجل أن يسلط عليه كلبا من كلابه فخرج الحارث بن أبي أسامه من حديث الأسود بن شيبان، قال أبو نوفل، عن أبيه قال: كان عتيبة بن أبي لهب يسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ سلط عليه كلبك، قال: فخرج يريد الشام في قافلة مع أصحابه، قال: فنزلوا منزلا، فقال: واللَّه إني لأخاف دعوة محمد، فقالوا له: كلا، قال: فحطوا المتاع حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء السبع فانتزعه، فذهب به. وقال سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن عثمان بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن هبار بن الأسود، قال: كان أبو لهب وابنه عتيبة قد تجهزا إلي الشام، وتجهزت معه، فقال ابنه عتيبة: لأنطلقنّ إليه، ولأوذينه في ربه، فانطلق حتى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا محمد هو يكفر بالذي دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك، ثم انصرف عنه، فرجع إليه، فقال: أي بني! ما قلت له؟ قال: كفرت بإلهه الّذي يعبد، قال: فماذا قال لك؟ قال: قال: اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك، قال: أي بني! واللَّه ما آمن عليك دعوة محمد، قال: فسرنا حتى نزلنا الشراة- وهي مأسدة- فنزلنا إلى صومعة راهب فقال: يا معشر العرب! ما أنزلكم هذه البلاد وإنها مسرح الضيغم؟ فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم سني وحقي؟ قلنا: أجل، فقال: إن محمدا قد دعا على ابني دعوة، واللَّه لا آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلي هذه الصومعة، ثم افترشوا لابني عتيبة عليه، ثم افترشوا حوله. قال: ففعلنا، جمعنا المتاع حتى ارتفع، ثم فرشنا له عليه، وفرشنا حوله فبتنا نحن حوله، وأبو لهب معنا أسفل، وبات هو فوق المتاع، فجاء الأسد، فشم وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد، تقبض ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه، ثم هزمه هزمة فنضخ رأسه، فقال: سبعي يا كلب لم
يقدر على غيرك، ووثبنا، فانطلق الأسد، وقد نضخ رأسه، فقال أبو لهب: قد عرفت واللَّه ما كان لينفلت من دعوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن إسحاق في كتاب (المغازي) عن يزيد بن زياد، عن محمد ابن كعب القرظي، وعن عثمان بن عروة بن الزبير، عن رجال من أهل بيته، قالوا: كانت بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عند عتيبة بن أبي لهب، فطلقها، فلما أراد الخروج إلى الشام قال: لآتين محمدا وأوذينه في ربه، قال: فأتى فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ثم تفل في وجهه، ثم رد عليه ابنته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ سلط عليه كلبا من كلابك. قال: وأبو طالب حاضر، فوجم عنها وقال: ما أغناك عن دعوة ابن أخي، فرجع إلي أبيه فأخبره بذلك، وخرجوا إلى الشام، فنزلوا منزلا، فأشرف عليهم راهب من الدير، فقال لهم: هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب: يا معشر قريش اغنونا هذه الليلة، فإنّي أخاف عليه دعوة محمد فجمعوا أحمالهم، ففرشوا لعتيبة في أعلاها، وناموا حوله، فجاء الأسد، فجعل يشم وجوههم، ثم ثني ذنبه، فوثب، عنه فضربه بذنبه ضربه واحدة، فخدشه، فقال: قتلني، ومات مكانه، فقال حسان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: سائل بني الأشعر جئتهم ... ما كان أنباء أبي واسع لا وسع اللَّه له قبره ... بل ضيق اللَّه على القاطع رحم نبي جده ثابت ... يدعو إلى نور اللَّه ساطع أسبل بالحجر لتكذيبه ... دون قريش نهزة القاذع فاستوجب الدعوة منه بما ... تبين للناظر والسامع أن سلط اللَّه بها كلبه ... يمشي الهوينا مشية الخادع حتى أتاه وسط أصحابه ... وبه علتهم سنة الهاجع فالتقم الرأس من يافوخه ... والنحر منه فغرة الجائع [ (1) ]
[أسلمتموه وهو يدعوكم ... بالنسب الأدنى وبالجامع] [والليث يعلوه بأنيابه ... منعفرا وسط الدم الناقع] [لا يرفع الرحمن مصروعكم ... ولا يوهن قوة الصارع] [من يرجع العام إلي أهله ... فما أكيل السبع بالراجع] [قد كان فيه لكم عبرة ... للسيد المتبوع والتابع] [من عاد فالليث له عائد ... أعظم به من خبر شائع [ (1) ]] وقال الواقدي: حدثني معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: تلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قال عتيبة بن أبي لهب كفرت برب النجم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سلط اللَّه عليك كلبا من كلابه. فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: خرج عتيبة مع أصحابه في عير إلى الشام، حتى إذا كانوا بالشام، فزأر الأسد، فجعلت فرائصه ترعد، فقيل له: من أي شيء ترعد؟ فو اللَّه ما نحن وأنت إلا سواء، فقال: إن محمدا دعا عليّ، لا واللَّه ما أظلت هذه السماء على ذي لهجة أصدق من محمد، ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه، ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم، وناموا. فجاءهم الأسد يهمس يستنشق رءوسهم رجلا رجلا، حتى انتهى اليه، فضغمه ضغمة كانت إياها، ففزع وهو بآخر رمق وهو يقول: ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس؟ ومات [ (2) ] . وقال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا إسرائيل عن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى، قال: أراد ابن أبي لهب أن يأتي بتجارته إلى الكعبة، فقال:
وأما أن دعوته صلى الله عليه وسلم تدرك ولد الولد
أنا أكفر بمن قال: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى فبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: عسى أن يرسل عليه كلبا من كلابه، فبلغ ذلك والده أبا لهب، فأوصى أصحابه، فقال: إذا نمتم فاجعلوه وسطكم، ففعلوا، حتى إذا كانت ذات ليله، بعث اللَّه تعالى سبعا فقتله. ذكر ذلك أبو نعيم. وأما أن دعوته صلّى اللَّه عليه وسلم تدرك ولد الولد فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث وكيع، قال: أنبأنا أبو العميس عن أبي بكر بن عمرو بن عتبة، عن ابن لحذيفة عن أبيه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان إذا دعا لرجل أصابته، وأصابت ولده، وولد ولده.
وأما كفاية المصطفى صلى الله عليه وسلم كيد سراقة بقوله صلى الله عليه وسلم اللهم اصرعه
وأما كفاية المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم كيد سراقة بقوله صلّى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اصرعه فخرج البخاري [ (1) ] من حديث الليثي عن عقيل، قال: قال ابن شهاب: فأخبرني عروة ابن الزبير، أن عائشة رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنها قالت: لم أعقل أبويّ قط إلا وهما يدينان بالدين، فذكر الحديث إلى أن قال ابن شهاب: وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن مالك ابن جعشم، أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول: جاءتنا رسل كفار قريش، يجعلون في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأبي بكردية كل واحد منهما من قتله أو أسره، فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل، أراها محمدا وأصحابه، قال سراقة: فعرفت أنهم هم. فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقا بأعيننا يبغون ضالة لهم. ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتي، أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها عليّ. وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فخططت بزجة الأرض، وخفضت عاليه، حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم، فعثرت بي فرسي، فخررت عنها، فقمت فأهويت بيدي إلي كنانتي، فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها، أضرهم أم لا. فخرج الّذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي حتى بلغتا الراكبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها، فنهضت، فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمه إذ لأثر يدها غثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الّذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي- حين لقيت ما ألقيت من الحبس عنهم- أن سيظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت له:
إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني شيئا، ولم يسألاني إلا أن قال: أخف عنا ما استطعت، فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة، فكتب لي في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج أيضا من حديث عبد الصمد [ (1) ] قال: حدثني أبي، حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: قال: أقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه شيخ يعرف، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم شاب لا يعرف، فيلقي الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر! من هذا الرجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني السبيل هو الخير، فالتفت أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول اللَّه هذا فارس قد لحقنا، فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: اللَّهمّ اصرعه، فصرعته فرسه، فقال: يا نبي اللَّه، مرني بما شئت، فقال: قف مكانك، لا تتركن أحدا يلحق بنا، قال: فكان أول النهار جاهدا [ (2) ] على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له [ (3) ] . وذكر الحديث. وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبه قال: سمعت أبا إسحاق الهمدانيّ يقول: سمعت البراء يقول: لما أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة، قال: تبعه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فساخت [قوائم] فرسه، فقال: ادع اللَّه لي ولا أخبر بك، فدعا اللَّه. الحديث [ (4) ] .
وخرجا من حديث البراء مطولا، وفيه: ثم قال: ألم يأن للرحيل؟ قلت بلى، قال: فارتحلنا بعدا ما زالت الشمس، واتبعنا سراقة بن مالك، قال: ونحن في جدد من الأرض، فقلت: يا رسول اللَّه أتينا، فقال: لا تحزن إن اللَّه معنا، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فارتطمت فرسه إلى بطنها، فقال: إني قد علمت أنكما قد دعوتما علي، فادع اللَّه لي، فاللَّه لكما أن أرد عنكما الطلب فدعا اللَّه فنجا، فرجع لا يلقي أحدا إلا رده. اللفظ المسلم. وفي لفظ لهما: فلما دنا دعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فساخ فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه، وقال: يا محمد قد علمت أن هذا عملك، فادع اللَّه لي أن يخلصني مما أنا فيه، ولك على لأعمين على من ورائي، وهذه كنانتي فخذ سهما منها، فإنك ستمر على إبلي وغلماني، بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، قال: لا حاجة لي في إبلك [ (1) ] . وذكر أبو نعيم [ (2) ] عن محمد بن إسحاق أنه قال: قال أبو بكر الصديق رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه فيما يزعمون- واللَّه تعالى أعلم- في دخوله الغار مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومسيره معه حين ساروا، في طلب سراقة بن جعشم إياهم: قال النبي ولم أجزع يوقرني ... ونحن في سدنة في ظلمة الغار لا تخش شيئا فإن اللَّه ثالثنا ... وقد توكل لي منه بإظهار وإنما كيد من تخشى بوادره ... كيد الشياطين كادته لكفار واللَّه مهلكهم طرا بما كسبوا ... وجاعل المنتهى منهم إلى النار وأنت مرتجل عنهم وتاركهم ... إما غدوا وإما مدلج سار وهاجر أرضهم حتى يكون لنا ... قوم عليهم ذوو عز وأنصار حتى إذا الليل وارانا جوانبه ... وسد من دون من نخشى بأستار سار الأريقط يهدينا وأنيقه ... ينعبن بالقوم نعبا تحت أكوار
يعسفن عرض الثنايا بعد أطولها ... وكل سهب دقيق الترب موار حتى إذا قلت قد أنجدن عارضنا ... من مدلج فارس في منصب وار يردي به مشرف الأقطار معترم ... كالسيد ذي اللبدة المستأسد الضاري فقال كروا، فقلنا إن كرتنا ... من دونها لك نصر الخالق الباري إن تخسف الأرض بالأخرى وفارسها ... فانظر إلى مربع في الأرض خوار فهيل لما رأى أرساغ مقربة ... قد سخن في الأرض لم تحفر بمحفار فقال هل لكم أن تطلوا فرسي ... وتأخذوا موثقي في نصح أسرار وأصرف الحي عنكم إن لقيتهم ... وأن أعور منهم عين عواد فادع الّذي هو عنكم كف عدوتنا ... يطلق جوادي فأنتم خير أبرار فقال قولا رسول اللَّه مبتهلا: ... يا رب إن كان ينوي غير إخفار فنجه سالما من شر دعوتنا ... ومهرة مطلقا من كل آثار فأظهر اللَّه- إذ يدعو- حوافره ... وفاز فارسه من هول أخطار وقال أبو جهل [بن هشام] فيما يزعمون حين سمع بشأن سراقة [بن مالك] ، وما يذكر من أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما رأى من أمر الفرس حين أصابه ما أصابه، وتخوف أبو جهل سراقة أن يسلم حين رأى ما أرى: بني مدلج إني أخاف سفيهكم ... سراقة مستغو لنصر محمد عليكم به لا يفرقن جموعكم ... فتصبح شتي بعد عز وسؤدد يظن سفيه الحي أن جاء شبهة ... على واضح من سنة الحق مهتد فأني يكون الحق ما قال إذ غدا ... ولم يأت بالحق المبين المسدد ولكنه ولي غريبا بسخطة ... إلى يثرب منا، فيا بعد مولد ولو أنه لم يأت يثرب هاربا ... لأشجاه وقع المشرفي المهند فقال سراقة بن مالك يجيب أبا جهل فيما قال: أبا حكم واللَّه لو كنت شاهدا ... لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه عجبت ولم تشكك بأن محمدا ... نبي وبرهان ذا يكاتمه عليك بكف القوم عنه فإنني ... أرى أن يوما ما ستبدو معالمه بأمر يود النصر فيه بالبها ... لو أن جميع الناس طرا يسالمه
وأما قتل الله عز وجل كسرى بن أبرويز بن هرمز [بن أنوشروان] وتمزيق ملك فارس بدعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم
وأما قتل اللَّه عز وجل كسرى بن أبرويز بن هرمز [بن أنوشروان] وتمزيق ملك فارس بدعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود أن عبد اللَّه بن عباس أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث بكتابه رجلا [ (1) ] وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى [ (2) ] ، فلما قرأه مزقه، فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق. وخرّج البخاري ومسلم من حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده، وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده، ولتقسمن كنوزهما في سبيل اللَّه [ (3) ] .
وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: بينا كسرى مغلق بيته الّذي يخلو فيه إذا دخله، إذا رجل قد خرج إليه في يده عصا، فقال: يا كسرى إن اللَّه تعالى قد بعث رسولا وأنزل كتابا، فأسلم تسلم، وأتبعه يبق له ملك. قال كسرى: أخر عن هذا أثراما، فدعا حجابه وبوابه، فتوعدهم، وقال: من هذا الّذي دخل على؟ قالوا: واللَّه ما دخل عليك أحد، وما ضيعنا لك بابا. ومكث حتى إذا كان العام القابل أتاه فقال له مثل ذلك: إلا تسلم اكسر العصا، قال لا تفعل، أخر ذلك أثراما، ثم جاءه العام الثالث فقال له مثل ذلك، فكسرها وخرج من عنده. قال: فحدثني محمد بن الحصين، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، قال: أغلق كسرى عليه بابه أي لا تدخلوا على أحدا من العرب وذلك حين
انصرف عبد اللَّه بن حذافة حين أرسله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يجبه، فلما أغلق بابه إذا رجل واقف بين يديه، وبيده عصا، فقال: يا كسرى، أسلم، فإن اللَّه قد بعث رسولا يدعو إلى كتاب اللَّه والحق، قال: أخر عني اليوم حتى ترجع. فذكر مثل حديث أبي سلمة، قال: فضرب بالعصا على رأسه وقتله ابنه فلذلك كسرها وخرج من عنده. قال: فحدثني محمد بن الحصين عن داود بن الحصين عن عكرمة قال: أغلق كسرى عليه بابه وقال لا تدخلوا علي أحد من العرب وذلك حين انصرف عبد اللَّه من حذافة حين أرسله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلم يجبه فلما أغلق بابه إذا رجل واقف بين يديه وبيده عصا فقال: يا كسرى أسلم فإن اللَّه قد بعث رسولا يدعو إلى كتاب اللَّه والحق. قال: أخر عني اليوم حتى ترجع فذكر مثل حديث أبي سلمة قال: فضرب بالعصا على رأسه وقتله ابنه تلك الليلة، فلذلك كتب ابن كسرى باذان ومن معه ينهاه أن يحرك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وخاف ما رأى، وكان باذان قد سبق بالإسلام ومن معه. قال: وحدثني عبد الملك بن محمد عن ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامه الباهلي رضي اللَّه عنه قال: مثل بين يدي كسرى رجل في بردين أخضرين معه قضيب أخضر قد حني ظهره وهو يقول: يا كسرى أسلم وإلا كسرت ملكك كما أكسر هذه العصا فقال كسرى: لا تفعل، ثم تولى عنه. قال الواقدي: حدثني صالح بن جعفر قال: سمعت محمد بن كعب يقول دخلت مدائن كسرى سنه ثمانين عام العجاف فنظرت إلى بناء كسرى وعجبت له، فإذا شيخ هرم يهدج قائم معي فسألته عن بعض امره فقال: إن كسرى أول من أنكر من ملكه أنه أصبح في الليلة التي أوحي فيها إلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودجانة قد أسلمت عليه وأصبح طاق ملكه الّذي كان يغلق عليه تاجه منعدما وأشار لي إليه وأشار إلى حديث أسلمت دجانة وكان يجلس في ذلك الطاق فاغتم واحتسب نفسه وقال: ما انصدع هذا الطاق من غير ثقل وانبعثت دجلة من مأمنها إلا من أمر قد حدث، فانظروا إليه، فإن عندكم كل ساحر، وكاهن،
وعائف، ومنجم، فذكر القصة إلى أن قال: ثم إن كسرى رأى في النوم أن سلما وضع في الأرض إلى السماء وحشر الناس حوله إذ أقبل رجل عليه عمامة وإزار ورداء فصعد السلم حتى إذا كان بمكان منه نودي أين فارس ورجالها، ونساؤها، ولأمتها، وكنوزها؟ فأقبلوا فجعلوا في جوالق ثم دفع الجوالق إلى ذلك الرجل فأصبح كسرى بئيس النفس محزونا بتلك الرؤيا، فذكرها لأساورته فجعلوا يهونون عليه الأمر فيقول كسرى: هذا من فضل الأمر الّذي يراد به فارس، فلم يزل مهموما حتى قدم عليه كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وقدم به عبد اللَّه بن حذافة. قال: وحدثني سعيد بن بشير عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: إن كسرى رأى في النوم أن سلما وضع في الأرض إلى السماء وحشر الناس من حوله فذكر مثله وزاد فكتب كسرى إلى عامل اليمن باذان إني لم أبعثك لتأكل وتشرب إلى هذا الرجل الّذي خالف دين قومه فمره فليرجع إلى دين قومه وإلا فليواعدك يوما تلتقون فيه تقتلون، فلما ورد كتابه على باذان بعث بكاتبه مع رجلين، فلما وردا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أذن لها وأمرهما بالمقام فأقاما ثم أرسل إليهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات غداة فقال: انطلقا إلى باذان وأعلما أن ربي قد قتل كسرى في هذه الليلة، فانطلقا حتى قدما على باذان فأخبراه بذلك، فقال: إن يكن الأمر كما قال فإن خبر ذلك يوافي يوم كذا، وأتاه الخبر كذلك فاجتمعت أساودته إليه وهو مريض فقالوا: من يرأس علينا؟ فقال ملك مقبل وملك مدبر فاتبعوا هذا الرجل وادخلوا في دينه وأسلموا، ومات باذان وبعثوا وفدهم بإسلامهم إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. هكذا ساق أبو نعيم هذه الأخبار عن الواقدي ثم قال ورواه على بن عاصم عن داود بن أبي هند عن الشعبي، قال: كتب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كتابا إلى هرقل [ (1) ] وكتابا إلى صاحب دومة الجندل [ (2) ] ، وكتابا إلى النجاشي [ (3) ] وكتابا إلى
كسرى [ (1) ] بن هرمز، فلما دخل صاحب كتاب كسرى عليه لم يقرأه وأمر به فمزقه وقال: من يلي هذا من عمالي قالوا: باذان صاحب اليمن فدعا الكاتب فأملي عليه: من كسرى إلى باذان، أما بعد فيا ابن الخبيثة إني لم أستعملك على اليمن لتأكل خيرها ولتلبس حريرها وإنما استعملتك لتقاتل من عاداني وإنه بلغني
أن رجلا من أهل تهامة خرج عن دين قومه ومنسكهم، ويزعم أنه رسول اللَّه يقال له أحمد، فإذا جاءك كتابي فاختر رجلين من أهل فارس ممن ترضى عقله فابعثمها إليه واكتب معهما إليه، أن يرجع إلى دين قومه ومنسكهم أو تواعده يوما تلقاه فيه، فإنه يزعم أنه نبي يغلبني على ملكي فلما جاء باذان الكتاب اختار رجلين من أهل فارس وكتب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بما كتب به كسرى فقدما عليه فأعطياه الكتاب، فردّوهما شهرا يختلفان إليه فلا يجيبها إلى جواب كتابهما، فدعوا عليه يوما فقال ما أحسبني إلا قد حبستكما وشققت عليكما، قال: أجل قال: فانطلقا وتلبسا واركبا ثم مرا بي ففعلا فقال لهما: أما كتابه الىّ أن أرجع إلى دين قومي ومنسكهم، أو أعده موعدا ألقاه فيه، فموعدة بيني وبينه أبواب صنعاء أنا بنفسي وخيلي، وأبلغاه عني أن ربي عز وجل قتل ربّه الغداة، قال: فكتبا ذلك اليوم ثم قدما على باذان فقال ما حبسكما؟ قالا: هو حبسنا وأبلغاه ما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: وتحفظان اليوم الّذي قال إن ربي قتل ربه؟ قالا نعم، قال: فأمر به فكتب فما لبثوا إلا أياما قليلة حتى جاء كتاب من شيرويه بن كسرى: أما بعد فإنّي قتلت أبي يوم كذا وكذا، فادع من قبلك من أهل فارس إلى بيعتي، وأن يسمعوا ويطيعوا، قال: فسألهما باذان: أي رجل أحمد؟ قالا: وما يصنع بالحرس؟ لهو أحبّ إلى أصحابه من أنفسهم وأولادهم قال: هذا الملك الهنيء قال: فنادوا أن يا أهل فارس بايعوا شيرويه، واسمعوا وأطيعوا له، يا أهل فارس، هذا الملك قد أقبل ملك محمد، وهذا الملك قد أدبر، ملك فارس فأنا أهلك فيما بينهما، قال عامر: فأقبل ملك النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأدبر ملك فارس وهلك باذان فيما بينهما، قتله العبسيّ الكذاب وتزوج امرأته [ (1) ] .
وقال البيهقي [ (1) ] أخبرني أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعيّ، حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والّذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه. قال الشافعيّ: ولما أتى كسرى بكتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مزقه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: مزق اللَّه ملكه، قال: وحفظنا إن قيصر أكرم كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ووضعه في مسك فقال: النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثبت اللَّه ملكه. قال البيهقي: فخرجه مسلم في (الصحيح) [ (2) ] من حديث ابن عيينة وخرجاه [ (3) ] من وجه آخر عن الزهري، قال: كتابه وسيرد بطريقة عن قريب إن شاء اللَّه.
قال الشافعيّ [ (1) ] : كانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشها منه، وتأتي العراق، فيقال لما دخلت في الإسلام وذكرت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام، مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده. فلم يكن بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده. وقال: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده، وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال لهم صلّى اللَّه عليه وسلم وقطع اللَّه الأكاسرة عن العراق وفارس، وقطع قيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام، وقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في كسرى: مزّق ملكه فلم يبق للأكاسرة ملك، وقال في قيصر: ثبت ملكه فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام وكل هذا مؤتفق يصدق بعضه بعضا. قال كاتبه: يقال: إن كسرى أبرويز بن هرمز هذا خلع، وقيل بعد ما سهل، وقد مضى من الهجرة النبويّة أربع سنين وأربعه أشهر واثنان وعشرون يوما.
قال الواقدي: فلبط عليه ابنه شيرويه فقتله ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى سنة سبع، وملك بعده ابنه شيرويه، واسمه قباذ بن أبرويز، ثمانية أشهر، وهلك في الطاعون لأشهر من السنة الخامسة من الهجرة بعد ما قتل من آخرته ثمانية عشر، وملك بعده ابنه أردشير بن شيرويه وله من العمر سبع سنين، وقتل بعد سنة وستة أشهر [ (1) ] ، وملك بعده شهر آران مقدم الفرس، ثم قتل، وأقيمت بعده بوران دخت بنت كسرى أبرويز شهر خرهان [ (2) ] وقدم خالد بن الوليد رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بجيوش المسلمين في ولايتهما لاثنتي عشرة سنة مضت من الهجرة فهلكت بعد قدوم خالد بسبعة أشهر، وهلكت لأربعة أشهر من خلافة عمر رضي اللَّه عنه، فكانت مدتها سنة وأربعة أشهر، وملك خشنشدة من بني عم أبرويز شهرا، وقيل: سنة [فأقيمت] [ (3) ] بعده أزرميدخت ولم [يكن] [ (3) ] من بيت الملك، وملك [بعدها] [ (3) ] خرذاوخر ابن أبرويز وهو طفل فأقام شهرا واحدا وملك يزدجرد بن شهريار من أبرويز وعمره خمس عشرة سنة، ثم قنل بمرو سنة إحدى وثلاثين من الهجرة بعد ما أقام في المملكة تسع عشرة سنة، وقيل: عشرين سنة ولم يقم بعده ملك فارس وتمزقوا حتى فنوا ولم يعرف اليوم منهم أحد.
وأما استجابة الله تعالى دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين وهزيمتهم يوم بدر
وأما استجابة اللَّه تعالى دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على المشركين وهزيمتهم يوم بدر فخرج البيهقي من حديث سفيان عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي ليلة بدر ويدعو ويقول: اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد [ (1) ] . وخرّج البخاري [ (2) ] عن طريق سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قال: هم واللَّه كفار قريش، قال عمرو: هم قريش، ومحمد صلّى اللَّه عليه وسلم نعمة اللَّه وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: النار يوم بدر. ذكره في المغازي، وذكره في التفسير من طريق سفيان، عن عمرو عن وهب عن عبد اللَّه، عن أبي الطفيل أن ابن الكواء سأل عليا قال: من الذين بدلوا نعمة اللَّه كفرا؟ قال الأفجران، بنو أمية وبنو مخزوم كفيتهم يوم بدر. وفي رواية لغير عبد الرزاق
قال: هم كفار قريش الذين فروا يوم بدر. وقال يونس بن بكير [بسنده] : حدثني يحيى بن عباد من عبد اللَّه بن الزبير: بين أول يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (1) ] وبين قول اللَّه تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [ (2) ] حبي اللَّه قريشا بالرفعة يوم بدر. وقال الأعمش: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أخذتهم يوم بدر ريح عقيم، وقال مجاهد: عن أبي بن كعب في قوله: يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [ (3) ] قال، يوم بدر، وعن أبي هريرة في قوله تعالى: أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ [ (4) ] قال: يوم بدر. وقال مجاهد: السيوف يوم بدر، وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [ (5) ] يوم بدر، وعن قتادة في قوله تعالى: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً قال أبي بن كعب هو القتل يوم بدر، وقال مغيرة عن إبراهيم: اللزوم يوم بدر، وعن مجاهد فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً قال: هزموا يوم بدر، وقال سعيد، عن ابن مسعود قال: اللزام القتل يوم بدر، وقال الضحال فقد كذبتم بقول الكفار: كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم أجابه ابن عبد اللَّه قد مضى اللزام كان اللزام يوم بدر وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى [ (6) ] قال: يوم بدر، وعن ابن عباس وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [ (7) ] قال: يوم بدر لا ينفع الذين كفروا إيمانهم.
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث معاوية بن صالح، عن على بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام فبلغ أهل المدينة، فخرجوا ومعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يريدون العير فبلغ أهل مكة ذلك فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه فسبقت العير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكان اللَّه وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا إن بلغوا العير أحب إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمسلمين بينهم وبين الماء رسلة دعصة [ (2) ] ، فأصحاب المسلمين ضعف شديد فألقى الشيطان في قلوبهم القنط ويوسوسهم: تزعموا أنكم أولياء اللَّه وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون مجنبين؟ فأمطر اللَّه عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب اللَّه رجز الشيطان وانتسق الرمل [ (3) ] حين أصابه المطر ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم وأمدّ اللَّه نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة، قال: اصطف القوم قال أبو جهل: اللَّهمّ أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده فقال: اللَّهمّ إنك ان تهلك هذه العصابة لم تعبد في الأرض فقال جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فما من المشتركين أحد إلا أصاب عينيه، ومخريه، وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين. ومن حديث الأعمش [ (4) ] ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، أو أبي عبيدة، عن عبد اللَّه قال لما كان يوم بدر قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ثم قعد يدعو قال: اللَّهمّ عهدك الّذي عهدت إليّ، اللَّهمّ وعدك الّذي وعدتني، اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد في الأرض أبدا.
وخرج البخاري [ (1) ] من حديث عبد الوهاب ووهيب قالا: حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال وهو في قبته يوم بدر: اللَّهمّ أنشدك عهدك ووعدك اللَّهمّ إن تشأ لا تعبد بعد اليوم فأخذ أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بيده فقال: حسبك يا رسول اللَّه ألححت على ربك وهو يثب في الدرع، فخرج وهو يقول سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [ (2) ] ذكره في كتاب التفسير في باب بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ [ (3) ] وذكره في غزوة بدر [ (4) ] . وخرج مسلم [ (5) ] والترمذي [ (6) ] من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي. قال: سمعت ابن عباس يقول لما كان يوم بدر. ذكره مسلم في
الجهاد وذكره الترمذي في التفسير. وخرجه مسلم [ (1) ] أيضا من حديث عكرمة بن عمار قال: أخبرني أبو زميل قال حدثني عبد اللَّه بن عباس قال لما كان يوم بدر نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا فاستقبل نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم القبلة ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه: اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني اللَّهمّ آتني ما وعدتني، اللَّهمّ إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا بني اللَّه! كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل اللَّه تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [ (2) ] فأمده اللَّه بالملائكة. وذكر الحديث. وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث ابن مهدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب، عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا قائم إلا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحت سمرة يصلي ويبكي حتى أصبح. ومن حديث إسماعيل بن عوف عن عبد اللَّه بن أبي رافع، عن عبد اللَّه ابن محمد بن عمر بن على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن أبيه، عن جده، عن على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ثم جئت مسرعا لأنظر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما فعل؟ فجئت فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، لا يزيد
عليها فرجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك فلم يزل يقول ذلك حتى فتح اللَّه عليه. ومن حديث يحيى، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللَّه، قال: ما سمعت مناشدا ينشد حقا له أشد من مناشدة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر، جعل يقول: اللَّهمّ إني أنشدك عهدك ووعدك اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد، ثم التفت كأن شق وجهه القمر فقال: كأنما انظر إلى مصارع القوم عشية [ (1) ] . وقال الواقدي: في غزوة بدر: ثم سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى أتى الروحاء فحدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن أبان بن صالح، عن سعيد بن المسيب أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من وتره لعن الكفرة وقال: اللَّهمّ لا تفلتن أبا جهل فرعون هذه الأمة، اللَّهمّ لا تفلتن زمعة ابن الأسود، اللَّهمّ واسخن عين أبي زمعة، وأعم بصر أبي زمعة، اللَّهمّ لا تفلتن لا يغلبن سهيلا، اللَّهمّ أنج سلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين. قال: والوليد بن الوليد، لم يدع له يومئذ، أسر ببدر، ولكنه لما رجع إلى مكة بعد بدر أسلم، فأراد أن يخرج إلى المدينة، فجلس، فدعا له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد ذلك. هكذا ذكر الواقدي هذا الحديث مرسلا [ (2) ] . قال: فحدثني محمد بن عبد اللَّه عن الزهري عن عروة بن الزبير ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر، ويزيد بن رومان، قالا: لما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قريشا تصوب من الوادي، وكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرسه يريد أن يتبوأ للقوم منزلا. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ إنك أنزلت عليّ الكتاب وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين، وأنت لا تخلف الميعاد، اللَّهمّ إن هذه قريش قد أقبلت
بخيلائها وفخرها تحادّك، وتكذّب رسولك، اللَّهمّ نصرك الّذي وعدتني، اللَّهمّ أحنهم الغداة [ (1) ] . حدثني معمر بن راشد عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير قال: واستفتح أبو جهل يوم بدر فقال: اللَّهمّ أقطعنا للرحم وأتانا بما لا يعلم فأحنه الغداة [ (2) ] . فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [ (3) ] الآية. وحدثني عمر بن عقبه، عن سعيد مولى ابن عباس قال: سمعت ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: لما تواقف الناس أغمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبريل في جند من الملائكة في ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر في ميسرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وإسرافيل في جند آخر بألف [ (4) ] .
وأما تصديق الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في تعيينه مصارع المشركين ببدر
وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم في تعيينه مصارع المشركين ببدر فخرج مسلم [ (1) ] من حديث عفان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعرض عنه ثم تكلم عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأعرض عنه، فقام سعد بن عباده رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: إيانا تريد يا رسول اللَّه؟ والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا. قال: فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فأخذوه، وكان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان فيقول: ما لي علم بأبي سفيان، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأميّة بن خلف، فإذا ذلك ضربوه، فقال: نعم أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال ما لي بأبي سفيان علم، ولكن أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال ذلك ضربوه، فقال: نعم، أنا أخبركم، هذا أبو سفيان، فإذا تركوه فسألوه فقال: ما لي بأبي سفيان علم، ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس، فإذا قال هذا أيضا ضربوه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قائم ويصلي.
فلما رأى ذلك انصرف، قال: والّذي نفسي بيده لتضربونه إذا صدقكم، وتتركونه إذا كذبكم قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذا مصرع فلان، قال: ويضع يده علي الأرض، هاهنا وهاهنا، قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث موسى بن إسماعيل عن حماد فذكره إلي أن، قال: وقال أنس قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هذا مصرع فلان غدا ووضع يده على الأرض وهذا مصرع فلان وفلان غدا ووضع يده على الأرض، فقال: والّذي نفسي بيده ما جاوز واحد منهم عن موضع يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأمر بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخذ بأرجلهم فسحبوا في قليب بدر. وخرج مسلم [ (2) ] من حديث سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس قال، كنا مع عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بين مكة والمدينة، قال: فتراءينا الهلال- وكنت رجلا حديد البصر- فرأيته وليس أحد يزعم أنه رآه غيري قال: أقول لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أما تراه؟ فجعل لا يراه. قال: يقول عمر: بينا سأراه وأنا مستلق على فراشي ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كان يرينا مصارع القوم بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء اللَّه. قال: فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فو الّذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فجعلوا في بئر
بعضهم على بعض، فانطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى انتهى إليهم فقال: يا فلان ابن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم اللَّه ورسوله حقا؟ فإنّي وجدت ما وعدني اللَّه حقا قال عمر: يا رسول اللَّه! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا عليّ شيئا. وخرّج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي نعيم قال: حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: لما فرغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من القتلى قيل له: عليك العير [ (2) ] ليس دونها شيء فناداه العباس وهو في وثاقه: أنه لا يصلح لك قال: لأن اللَّه وعدك إحدى الطائفتين وقد أنجز ما وعدك.
وأما تبرؤ إبليس من قريش في يوم بدر
وأما تبرّؤ إبليس من قريش في يوم بدر بعد ما زين لهم أن يخرجوا لقتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال إني جار لكم فقال اللَّه تبارك وتعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ... إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (1) ] فقوله: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ هي ما كانوا فيه من الشرك باللَّه وعبادة الأصنام ومسيرهم إلى بدر، وعزمهم على قتال الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم، وقوله: جارٌ لَكُمْ أي مجيركم من بني كنانة والفئتان جمعا المؤمنين والكافرين، وقيل: فئة المؤمنين وفئة الملائكة، نَكَصَ رجع على عقبيه في ضد إقباله، وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ مبالغة في الخذلان والانفصال عنهم، لم يكتف بالفعل حتى أكد ذلك بالقول أَرى ما لا تَرَوْنَ أي خرق العادة، ونزول الملائكة إِنِّي أَخافُ اللَّهَ قال قتادة، وابن الكلبي: معذرة كاذبة لم يخف اللَّه قط. وقال الزجاج وغيره: بل خاف مما رأى أن يكون اليوم الّذي انظر اليه وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ قال ذلك بسطا لعذره عندهم وهو متحقق أن عقاب اللَّه شديد، ويحتمل أن يكون من كلام اللَّه تعالى، استأنفه تهديدا لإبليس ومن تابعه من مشركي قريش وغيرهم، واتفق الجمهور على أن هذا التزيين والنكوص والقول صدر حقيقة، وزعم الزمخشريّ جريا على عادته في بدعته أنه وسوس إليهم أنهم لا يغلبون، ولا يطاقون وأن نكوصه وتبرئه منهم هو بطلان كيده حين تزل جنود اللَّه، فيكون ما ذكر اللَّه يعبر عن إبليس على قوله: إنما هو على سبيل المجاز.
ونقل عن الحسن أن ذلك كان على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم، هذا مبني على ما أصّله المعتزلة من امتناع رؤية الجن أو امتناع وجودهم، والقرآن والسنة وآثار السلف يردون [ (1) ] ذلك، قال ابن إسحاق، وقد ذكر الحرب التي كانت بين قريش وبين بني بكر: وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير ذكرت الّذي بينها وبين بني بكر فكان يثنيهم فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكان من أشراف بني كنانة فقال: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم، فخرجوا سراعا. ثم ذكر محمد بن إسحاق من رواية أبي محمد عبد الملك بن هشام وقعه بدر إلى أن قال: وعمير بن وهب أو الحارث بن هشام فذكر أحدهما رأى إبليس حين نكص على عقيبة يوم بدر فقال: أين سراقة؟ ومثل عدو اللَّه فذهب فأنزل اللَّه فيه. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فذكر استخراج إبليس أباهم وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر من عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم بقول اللَّه عز وجل فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ ونظر عدو اللَّه إلى جنود اللَّه من الملائكة قد أيّد اللَّه بهم رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين على عدوهم نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ وصدق عدو اللَّه، رأى ما لم يروا وقال: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم [ (2) ] .
وقال يونس بن بكير عن إسحاق حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعد ما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصرى لأخبركم بالشعب الّذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس وأوحى اللَّه إليهم أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا وتثبيتهم أن الملائكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول أبشروا فإنّهم ليسوا بشيء كروا عليهم واللَّه معكم، كروا عليهم، فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهل يحرض أصحابه ويقول لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه، ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى تقرن محمد وأصحابه في الجبال، فلا تقتلوهم، وخذوهم أخذا [ (1) ] . وقال عثمان بن سعيد الدرامي: حدثنا عبد اللَّه بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام فبلغ أهل المدينة ذلك فخرجوا ومعهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم
يريدون العير فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وكان اللَّه تعالى وعدهم إحدى الطائفتين وكانوا أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأحضر مغنما، فلما سبقت العير وفاتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم، فنزل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والمسلمون وبينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم القنط، يوسوسهم: تزعمون أنكم أولياء اللَّه وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذلك فأمطر اللَّه عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا، فأذهب اللَّه عنهم رجز الشيطان وصار الرمل كذا [ (1) ] ، ذكر كلمة أخبر أنه أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم وأمدّ اللَّه نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة وكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل عليه السلام في خمسمائة مجنبة، وجاء إبليس لعنه اللَّه في جند من الشياطين معه، رأيته في صورة رجال بني مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما اصطفّ القوم قال أبو جهل: اللَّهمّ أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يديه وقال: اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من تراب فرمى بها وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين، وأقبل فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولّى مدبرا وشيعته، فقال رجل: يا سراقة ألم تزعم أنك لنا جار؟ قال: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ [ (2) ] وذلك حين رأى الملائكة. وذكره موسى بن عقبة في مغازيه في غزوة بدر إلى أن قال: وأقبل المشركون ومعهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا للنصر وقال: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ
[ (1) ] لما أخبرهم من مسير بني كنانة، وقال: وأنزل اللَّه تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ [ (2) ] هذه الآية والتي بعدها ثم ساق القصة ونزول الملائكة إلى أن قال: ونكص الشيطان على عقبيه حين رأى الملائكة وتبرأ من نصر أصحابه. وقد ذكر ذلك الواقدي أيضا في (مغازيه) [ (3) ] قال: فلما أجمعت قريش المسير وذكروا الّذي بينهم وبين بني بكر من العداوة وخافوهم على من تخلف وكان أشدهم خوفا عتبة بن ربيعة، وكان يقول: يا معشر قريش إنكم وإن ظفرتم بالذي تريدون فإنا لا نأمن على من تخلف إنما تخلف نساء وذرية، ومن لا طعم به فارتأوا رأيكم فتصور لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي فقال: يا معشر قريش قد عرفتم شرفي ومكاني في قومي، وأنا لكم جار أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه فطابت نفس عتبة فقال له أبو جهل: فما تريد؟ هذا سيد كنانة هو لنا جار على من تخلف. فقال عتبة: لا شيء أنا خارج. ثم ذكر القصة وقال [ (4) ] : فحدثني عمر بن عقبة عن سعيد مولى بن عباس قال: سمعت ابن عباس يقول: لما تواقف الناس أغمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساعة ثم كشف عنه فبشر المؤمنين بجبريل في جند من الملائكة ميمنة الناس، وميكائيل في جند آخر في ميسرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وإسرافيل في جند آخر بألف، وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن جعشم يذمر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس فلما أبصر عدو اللَّه الملائكة نكص على عقبيه وقال: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ [ (5) ] ، فتشبث به الحارث بن هشام وهو يرى أنه سراقة، لما سمع من كلامه، فضرب في صدر الحارث فسقط الحارث
وانطلق إبليس لا يرى حتى وقع في البحر، فرفع يديه وقال: يا رب موعدك الّذي وعدتني. وأقبل أبو جهل على أصحابه يحضهم على القتال، وقال: لا يغرنكم خذلان سراقة إياكم فإنما كان على ميعاد من محمد وأصحابه، سيعلم إذا رجعنا إلى قديد ما نصنع بقومه لا يهولنكم مقتل عتية وشيبة والوليد، فإنّهم عجلوا وبطروا حتى قاتلوا، وأيم اللَّه لا نرجع اليوم حتى نقرن محمد وأصحابه في الحبال، ولا ألفين أحدا منكم قتل منهم أحدا، ولكن خذوهم أخذا نعرفهم بالذي صنعوا لمفارقتهم دينكم ورغبتهم عما كان يعبد آباؤكم. وحدثني أبو إسحاق بن محمد عن إسحاق بن عبد اللَّه عن عمر بن الحكم قال: نادى يومئذ نوفل بن خويلد بن العدوية: يا معشر قريش إن سراقة وقد عرفتم قومه وخذلانهم لكم في كل موطن فاصدقوا القوم الضرب فإنّي أعلم أن ابني ربيعة قد عجلا في مبارزتهما من يبارز. وحدثني عبيد بن يحيى عن معاذ بن رافعة بن رافع عن أبيه قال: إن كنا لنسمع من إبليس خورا، ودعا بالويل والثبور، وتصور في صورة سراقة بن جعشم حتى هرب فاقتحم البحر ورفع يديه مدا يقول: يا رب ما وعدتني، ولقد كانت قريش بعد ذلك ثعير سراقة بما صنع يومئذ فيقول: واللَّه ما صنعت منه شيئا [ (1) ] . وحدثني أبو إسحاق الأسلمي عن الحسن بن عبيد اللَّه بن حنين مولى بني العباس عن عمارة بن أكيمة الليثي قال: حدثني شيخ عرّاك من الحي كان يومئذ على الساحل مطلا على البحر، قال: سمعت صياحا: يا ويلاه! قد ملأ الوادي، يا حزناه، فنظرت فإذا سراقة بن جعشم فدنوت منه فقال مالك: فداك أبي وأمي؟ فلم يرجع إليّ شيئا، ثم أراه اقتحم البحر فرفع يديه مدا يقول: يا رب ما وعدتني، فقلت في نفسي: جنّ وبيت اللَّه سراقة، وذلك حين زاغت الشمس وذلك عند انهزامهم يوم بدر [ (2) ] .
وقال الضحاك: جاءهم إبليس يومئذ برايته وجنوده وألقى في قلوبهم أنهم انهزموا وهم يقاتلون على دين آبائهم. وخرج مالك [ (1) ] رحمه اللَّه في (الموطأ) عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر، ولا أحقر، ولا أدحر، ولا أغيظ منه، في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز اللَّه عن الذنوب العظام، إلا ما رأى يوم بدر فقيل: ما رأى يوم بدر يا رسول اللَّه؟ فقال أما إنه قد رأى جبريل يزع [ (2) ] الملائكة. قال أبو عمر بن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عند جماعة الرواة له عن مالك. ورواه أبو النضر إسماعيل بن إبراهيم العجليّ عن مالك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد اللَّه بن كريز، عن أبيه ولم يقل في هذا الحديث: عن أبيه غيري وليس بشيء، وطلحة بن عبيد اللَّه بن كريز هذا خزاعيّ من أنفسهم، تابعي، مدني، ثقة سمع ابن عمر وغيره، قال البخاري: سمع أم الدرداء. قال أبو عمر: هذا حديث حسن في فضل شهود ذلك الموقف المبارك، قال ومعني هذا الحديث محفوظ من وجوه كثيرة واللَّه أعلم.
وأما تصديق الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم في إخباره بمكة لأبي جهل أنه يقتل فقتله الله ببدر وأنجز وعده لرسوله
وأما تصديق اللَّه تعالى الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره بمكة لأبي جهل أنه يقتل فقتله اللَّه ببدر وأنجز وعده لرسوله فخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران، حدثنا سعيد بن محمد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال أبو جهل بن هشام: إن محمدا يزعم أنكم إن لم تطيعوه كان لكم منه ذبح، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أنا أقول ذلك، فلما نظر إليه يوم بدر مقتولا قال: اللَّهمّ قد أنجزت لي ما وعدتني، فوجه أبا سلمة بن عبد الأسد قبل أبي جهل، فقيل لابن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أنت قتلته؟ قال: بل اللَّه قتله، فقال أبو سلمة: فأنت قتلته؟ قال: نعم، فقال أبو سلمة: لو شاء لجعلك في كفه، قال ابن مسعود: فو اللَّه لقد قتلته وجردته، قال: فما علامته؟ قال: شامة سوداء ببطن فخذه اليسرى، فعرف أبو سلمة النعت، فقال جردته ولم تجرد قرشيا غيره، وقد تقدم قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ عليك بأبي جهل بن هشام ودعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم على قوم آخرين، وقول ابن مسعود: فو الّذي بعث محمدا بالحق لقد رأيت الّذي سمى صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر. وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] من حديث يوسف بن الماجشون، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عوف، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: بينما أنا
واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانها فتمنيت أن لو كنت بين أضلع منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت أنه يسبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! والّذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يومت الأعجل منا قال: فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يرفل إلى الناس. وقال البخاري: يجول في الناس، فقلت: ألا تريان هذا صاحبكم الّذي تسألان عنه؟ قال: فابتدراه فضرباه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فأخبراه فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: هل مسحتما سيفيكما فقالا: لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله، وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء [ (1) ] ، ذكره البخاري في كتاب فرض الخمس في باب من لم يخمس الأسلاب. وقال محمد بن إسحاق [ (2) ] حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما وعبد اللَّه بن أبي بكر أيضا قد حدثني ذلك قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة [ (3) ] وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه، فلما سمعتها جعلته من شأني، فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه، فو اللَّه ما أشبهها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخه النوى حين تضرب بها، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي فأجهضني القتال عنه، ولقد قاتلت عامة
يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت حتى طرحتها، قال [ (1) ] : ثم عاش معاذ بعد ذلك حتى كان زمان عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: ثم مرّ بأبي جهل معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركته وبه رمق، وقاتل معوذ، فمر عبد اللَّه بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يلتمس في القتلى، قال: ولقد قال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- فيما بلغني-: انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح بركبته فإنّي ازدحمت أنا وهو على مأدبة لعبد اللَّه بن جدعان ونحن غلمان، فكنت أسن منه بيسير، فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش في إحداهما، جحشا لم يزل أثره [به] [ (2) ] . قال عبد اللَّه بن مسعود: فوجدته بآخر رمق، فعرفته، فوضعت رجلي على عنقه، وقد كان ضبث بي مرة بمكة فآذاني [ولكزني] [ (3) ] ثم قلت: هل أخزاك اللَّه أي عدو اللَّه؟ قال: وبماذا أخزاني عدا رجل قتلتموه، أخبرني لمن الدبرة؟ قلت اللَّه ورسوله أعلم، وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول: قال لي: لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا، ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه، هذا رأس عدو اللَّه أبي جهل! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: آللَّه الّذي لا إله غيره؟ قلت: نعم واللَّه الّذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه، فحمد اللَّه [ (4) ] معنا. وخرج البخاري [ (5) ] من حديث إسماعيل بن عليّة قال: حدثنا سليمان التميمي، حدثنا أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر: من ينظر ما يصنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد فقال: أأنت أبو جهل؟ قال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ قال
سليمان أو قال: قتله قومه. قال: وقال أبو مجلز: قال أبو جهل «فلو غير أكار قتلني. وخرج من طريق إسماعيل أنبأنا قيس عن عبد اللَّه أنه أتى أبا جهل وبه رمق يوم بدر، فقال أبو جهل هل أعمد من رجل قتلتموه [ (1) ] . ومن طريق زهير حدثنا سليمان أن أنسا حدثهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد قال: أنت أبو جهل؟ وقال أحمد بن يونس: عن زهير أنت أبو جهل؟ فأخذ بلحيته قال: وهل فوق رجل قتلتموه أو قتله قومه؟ [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من طريق ابن علية. وخرج البيهقي [ (4) ] من طريق غنام بن على قال: حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق، عن عبد اللَّه قال: انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بيضة، ومعه سيف جيد، ومعي سيف رث، فجعلت أنقف رأسه بسيفي وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة حتى ضعفت يدي فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت الدبرة؟ لنا أم علينا؟ أليست رويعينا بمكة؟ قال: فقتلته، ثم أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت قتلت أبا جهل؟ قال: آللَّه الّذي لا إله إلا هو؟ فاستحلفني ثلاث مرات ثم قام معي إليهم فدعا عليهم. ومن طريق أبي صالح قال: حدثنا أبو إسحاق الفراري، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر فقلت أبا جهل، فقال اللَّه الّذي لا إله إلا هو؟ قلت اللَّه الّذي لا إله إلا هو، مرتين أو ثلاثا قال: اللَّه أكبر، الحمد للَّه الّذي صدق عده، ونصر عبده، وهزم
الأحزاب وحده، ثم قال «انطلق فأرنيه فانطلقت فأريته فقال: هذا فرعون هذه الأمة [ (1) ] . وقال الإمام أحمد [ (2) ] حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي عبيده عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: إن هذا فرعون أمتي، يعني أبا جهل. وقال الواقدي [ (3) ] : وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على مصرع ابني عفراء فقال يرحم اللَّه ابني عفراء فهما شركاء في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر، فقيل: يا رسول اللَّه ومن قتله معهما؟ قال: الملائكة وابن مسعود شرك في قتله. قال الواقدي: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الحمد اللَّه الّذي جعل خدّ أبي جهل الأسفل، وصرعة، وشفانا منه. وذكر يونس بن بكير عن عنبة بن الأزهر، عن أبي إسحاق قال: لما جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم البشير يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه ثلاث أيمان باللَّه الّذي لا إله إلا هو، لقد رأيته قتيلا فحلف له فخرّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ساجدا وقد جاء أنه صلّى اللَّه عليه وسلم صلي ركعتين.
وأما إجابة الله تعالى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على أمية بن خلف وقتله ببدر
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم على أمية بن خلف وقتله ببدر فخرج البخاري [ (1) ] من حديث يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتى بمكة وأحفظه في صاغتيه بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال: لا أعرف الرحمن، كاتبني باسمك الّذي كان في الجاهلية، فاكتبته عبد عمرو، فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال أمية بن خلف: لا نجوت إن نجا أمية، فجمع معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا، خلفت لهم ابنه لأشغلهم به فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا. وكان رجلا ثقيلا فلما أدركونا قلت له: ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فجللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه، وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه. قال البخاري سمع يوسف صالحا وإبراهيم إياه ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الوكالة، وترجم عليه إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب أو في دار السلام جاز، وخرجه في غزوة بدر [ (2) ] ، وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق [ (3) ]
قال: حدثني يحيى بن عباده بن عبد اللَّه بن الزبير عن أبيه، وحدثني صالح بن إبراهيم عن عبد الرحمن بنو عوف قالا: كان عبد الرحمن بن عوف يقول كان أمية بن خلف صديقا لي بمكة وكان اسمي عبد عمرو، فلما أسلمت سميت عبد الرحمن، فلقيني فقال: يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماك به أبوك؟ فأقول نعم هداني اللَّه للإسلام فسميت عبد الرحمن قال إني لا أعرف الرحمن أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول وأما أنا فلا أدعوك باسمك الآخر فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به تجيبني، فقلت: يا أبا على فقل ما شئت، قال: فأنت عبد الإله، وكان إذا لقيني قال يا عبد الإله فلما كان يوم بدر وهزم الناس استلبت أدراعا فمررت بهم أحملهن فرآني أمية وهو قائم مع ابنه عليّ آخذ بيده فقال: يا عبد عمرو، فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله فقلت: نعم، فقال: هل لك فىّ وفي ابني فنحن خير لك من الأدراع التي تحمل؟ فقلت: نعم هايم اللَّه [ (1) ] إذا فألقيت الأدراع فأخذت بيده وبيد ابنه فجعل يقول: ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجه في اللبن؟ يقول الفداء فو اللَّه إني لأمشي معهما إذ رآهما معي بلال فقال رأس الكفر أمية بن خلف: لا نجوت إن نجوت! فقلت: أي بلال أبأسيري، فقال لا نجوت إن نجا، فصرخ بأعلى صوته يا معشر الأنصار رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة وجعلت أذب عنهما وأقول أسيري إذ أخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فطرحها فصاح أمية صيحة واللَّه ما سمعت صيحة مثلها قط، فقلت: أنج بنفسك فو اللَّه ما أغني عنك شيئا ونجاة فهبروه واللَّه بأسيافهم، حتى فرغوا منه، وكان عبد الرحمن يقول يرحم اللَّه بلالا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيريّ [ (2) ] .
وخرج أبو نعيم من طريق يحيى بن بكير قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد اللَّه بن مسعود أن سعد بن معاذ خرج معتمرا فنزل على أمية بن خلف وكان أمية إذا خرج إلي الشام نزل على سعد فقال له: أمهل حتى يسكن أو يهدأ الناس ثم تطوف بالبيت فبينا هو يطوف بالبيت إذا رآه أبو جهل فقال من ذا الّذي يطوف بالبيت؟ قال: أنا سعد بن معاذ، قال: تطوف بالبيت وقد آويتم محمدا وأصحابه؟ فقال له سعد: واللَّه لئن منعتني لأقطعن عليك متجرك من الشام، فجعل أمية يمسك سعدا ويقول: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيّد أهل الوادي، فغضب سعد ودفع في صدر أمية وقال: دعنا عنك فقد سمعت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم يزعم أنه قاتلك، قال: إياي؟ قال: نعم، قال: فو اللَّه ما يكذب محمد، فلما رجع إلى أم صفوان قال لها: أما تعلمين ما قال أخي اليثربي؟ قالت فو اللَّه ما يكذب محمد فلما جاء الصريخ فخرجوا إلى بدر قالت له امرأته: أما تذكر ما قال أخوك اليثربي؟ فأراد أن يقعد فقال له أبو جهل- أخزاه اللَّه-: إنك من أشراف أهل الوادي فسر بنا يوما أو يومين فسار معهم فقتله اللَّه تعالى. وقال الواقدي [ (1) ] : وكان عبد الرحمن بن عوف يقول إني لأجمع أدراعا يوم بدر بعد أن ولى الناس فإذا أمية بن خلف وكان لي صديقا في الجاهلية، وكان اسمي عبد عمرو فلما جاء الإسلام تسميت عبد الرحمن، فكان يلقاني فيقول: يا عبد عمرو، فلا أجيبه فيقول إني لا أقول لك عبد الرحمن إن مسيلمة باليمامة يسمى عبد الرحمن، فأنا لا أدعوك إليه، فكان يدعوني عبد الإله، فلما كان يوم بدر، [رأيته] كأنه [جمل] أورق ومعه ابنه [عليّ] ، فناداني: يا عبد عمرو، فأبيت أن أجيبه، [فنادى] : يا عبد الإله، فأجبته، فقال: أما لكم حاجة في اللبن نحن خير لك من أدراعك هذه، فقلت: امضيا، فجعلت أسوقهما أمامي وقد رأى أميه أنه قد أمن بعض الأمن فقال لي أمية: رأيت رجلا فيكم اليوم معلما في صدره ريش نعامة من هو؟ فقلت: حمزة بن عبد المطلب، فقال: ذاك الّذي فعل بنا الأفاعيل، ثم قال: فمن رجل دحداح قصير معلم
حمراء؟ قلت: ذاك رجل من الأنصار بقال له سماك بن خرشة. فقال: وبذاك [أيضا] يا عبد الإله صرنا اليوم جزرا لكم! قال: فبينما هو معي أزجيه أمامي ومعه ابنه إذ بصر به بلال وهو بعجن عجينا له فترك العجين وجعل [يفتل] يديه من اليمين [العجين] [فتلا] وهو ينادي يا معشر الأنصار، أمية بن خلف رأس الكفر، لا نجوت إن نجا فأقبلوا كأنهم عوذ [ (1) ] حنت إلى أولادها، حتى طرح أمية على ظهره، واضطجعت عليه، وأقبل الحباب بن المنذر فأدخل سيفه فاقتطع أرنبه أنفه، فلما فقد أمية أنفه قال: إيه عنك أي خل بيني وبينهم. قال عبد الرحمن: فذكرت قول حسان* أو عن ذلك الأنف جادع، قال: ويقبل إليه خبيب بن يساف فضربه حتى قتله، وقد [ضرب] أمية خبيب بن يساف حتى قطع يده من المنكب، فأعادها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بيده فالتحمت واستوت، وتزوج خبيب بعد ذلك ابنة أبيّ بن خلف فرأت تلك الضربة فقالت: لا يشلل اللَّه يد رجل فعل هذا، فقال خبيب وأنا واللَّه قد أوردته شعوب، فكان خبيب يحدث قال: فأضربه فوق العاتق فأقطع عاتقه حتى بلغت مؤتزره وعليه الدرع وأنا أقول: خذها وأنا ابن يساف، وأخذت سلاحه ودرعا مقطوعا فأقبل عليّ ابن أمية فيعرض له الحباب [فقطع] رجله [ (2) ] . وذكر الواقدي [ (3) ] أن رفاعة بن رافع هو الّذي قتل أمية في خبر ذكره. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
وأما إنجاز الله تعالى وعده للرسول صلى الله عليه وسلم وقتله صناديد قريش وإلقاؤهم في القليب
وأما إنجاز اللَّه تعالى وعده للرسول صلّى اللَّه عليه وسلم وقتله صناديد قريش وإلقاؤهم في القليب فخرج مسلم [ (1) ] من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فقام عليهم ثم ناداهم فقال: يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإنّي وجدت ما وعدني ربي حقا، فسمع عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه كيف يسمعون؟ وأني يجيبون وقد جيفوا؟ قال: والّذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا، ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر. وخرج مسلم [ (2) ] من طريق روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة قال: لما كان يوم بدر وظهر عليهم نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فألقوا في طوى من أطواء بدر. وساق الحديث بمعنى حديث ثابت عن أنس وخرج البخاري [ (3) ] حديث روح، حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك، عن أبى طلحة أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفير الركى، فجعل يناديهم
بأسمائهم وأسماء آبائهم فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ قال: فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه ما تكلم من أجساد ولا أرواح لها فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال قتادة: أحياهم اللَّه حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا [ (1) ] ، ونقيمة [ (2) ] وحسرة وندما. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (3) ] : قالوا: وأمر اللَّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم بدر بالقلب أن تغور، ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها اللَّهمّ إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمنا انتفخ من يومه فلما أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اتركوه ونظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى عتبة يجر إلى القليب وكان رجلا جسيما في وجهه أثر الجدري تغير وجه ابنه أبي حذيفة، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبا حذيفة كأنك ساءك ما أصاب أباك؟ قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ولكني رأت لأبي عقلا وشرفا، كنت أرجو أن يهديه اللَّه للإسلام فلما أخطأه ذلك، ورأيت ما أصابه غاظني قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان واللَّه يا رسول اللَّه أتقى في العشيرة من غيرة وقد كان كارها لوجهه، ولكن الحين ومصارع السوء. فلما توافوا في القليب وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يطوف عليهم وهم مصرعون وأبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يخبره بهم رجلا رجلا، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بحمد اللَّه ويشكره ويقول: الحمد للَّه الّذي أنجز لي ما وعدني، فقد وعدني إحدى الطائفتين.
قال: ثم وقف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أهل القليب فناداهم رجلا رجلا: يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ فإنّي قد وجدت ما وعدني ربي حقا، بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس، قالوا: يا رسول اللَّه! تنادي قوما قد ماتوا؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا.
وأما تصديق الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في قتل عتبة بن أبي معيط بمكة والنبي صلى الله عليه وسلم مهاجر بالمدينة فكان يقول بمكة فيه بيتين من شعر
وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم في قتل عتبة بن أبي معيط بمكة والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم مهاجر بالمدينة فكان يقول بمكة فيه بيتين من شعر فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لما بلغه قوله اللَّهمّ أكبه لمنخره واصرعه، فجمح به فرسه يوم بدر، فأخذه عبد اللَّه بن سلمه العجلاني فأمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] وكان عقبه بن أبي معيط والنبي صلّى اللَّه عليه وسلم مهاجر بالمدينة فكان يقول بمكة: يا راكب الناقة القصواء هاجرنا ... عما قليل تراني راكب الفرس أعلّ رمحي فيكم ثم أنهله ... والسيف يأخذ منكم كل ملتبس فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وبلغه قوله: اللَّهمّ أكبه لمنخره واصرعه، فجمح به فرسه يوم بدر، فأخذه عبد اللَّه بن سلمه العجلاني فأمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه صبرا. وخرج أبو نعيم [ (2) ] من طريق محمد بن السائب عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا عليه جبرانه أهل مكة كلهم، قال: وكان يكثر مجالسة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويعجبه حديثه، ويغلب عليه الشقاء، فقدم ذات يوم من سفره فصنع طعاما ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى طعامه، فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، قال: أطمعها يا ابن أخي قال: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول فشهد بذلك، فطعم من طعامه فبلغ ذلك أبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة؟ - وكان خليله- فقال: لا واللَّه ما
صبوت، ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم فشهدت له فطعم، قال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبدا حتى تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ على عنقه، قال: ففعل عقبة ذلك وأخذ رحما فألقاه بين كتفيه فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبرا، ولم يقتل من الأسارى يومئذ غيره، قتله ثابت بن أبي الأقلح. قال: ورواه جعفر أبي المغيرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أن ابن أبي معيط كان يجلس مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمكة لا يؤذيه، وكان رجلا حليما وكان يقيه من قريش، وكانت قريش إذا جلسوا معه آذوه وكان ابن أبيّ خلف غائب عنه بالشام فقالت قريش: صبأ ابن أبي معيط فقدم خليله من الشام ليلا، فقال لامرأته: ما فعل محمد فيما كان عليه؟ فقالت: هو أشد ما كان أمرا، فقال لها ما فعل خليلي؟ ابن أبي معيط؟ فحيّاه فلم يردّ عليه التحية، فقال: مالك لا ترد عليّ تحيتي؟ فقال: كيف أردّ عليك تحيتك وقد صبوت؟ قال: وقد فعلتها قريش؟ قال: نعم قال: يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟ قال: تأتيه على مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم، فلم يزد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على أن مسح وجهه من البزاق، ثم التفتت إليه فقال: لئن وجدتك خارجا من جبال مكة لأضربن عنقك صبرا، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه، أبي أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا فقال وعدني هذا الرجل إن أخذني خارجا من جبال مكة لضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جملا حمولا بدرك فإن كانت الهزيمة طرت، فخرج معهم، فلما هزم اللَّه المشركين وحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسيرا في سبعين من قريش، فيهم العباس بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، فجعل عليهم الفداء أربعين أوقية من ذهب، وجعل على العباس مائه أوقية، وعلى عقيل بن أبي طالب ثمانين أوقية، وقدم إليه ابن أبي معيط فقال: أتقتلني من بين هؤلاء، وأنا أكبرهم سنا وأكثرهم مالا؟ قال: نعم بما بزقت في وجهي، فأنزل اللَّه تعالى في ابن أبي معيط وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ
يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا [ (1) ] . فقال عباس: القرابة صنعت هذا، فو الّذي يحلف به العباس، لقد تركتني فقير قريش، وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل، ثم أقبلت إليّ فقلت لها: إن قتلت فقد تركتك غنية ما بقيت، وإن أرجع فلا يهمنك شيء، فقال: إني أشهد أن الّذي تقوله قد كان، وما اطلع عليه إلا اللَّه قال: فأنزل اللَّه تعالى على نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ [ (2) ] الآية فقال العباس حين نزلت [ (3) ] : لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافها، فأتاني اللَّه خيرا منها [ (4) ] .
وأما إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في نوفل بن خويلد [1]
وأما إجابة دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في نوفل بن خويلد [ (1) ] قال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] فحدثني معمر عن الزهري قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد، وأقبل نوفل يومئذ وهو مرعوب قد رأى قتل أصحابه، وكان في أول ما التقوا هم والمسلمون يصيح بصوت له زجل رافعا صوته: يا معشر قريش، إن هذا اليوم يوم العلاء والرفعة، فلما رأى قريشا قد انكشفت جعل يصيح بالأنصار: ما حاجتكم إلى دمائنا؟ أما ترون من تقتلون؟ أما لكم في اللبن من حاجة؟ فأسره جبار بن صخر فهو يسوقه أمامه، فجعل نوفل يقول لجبار- وقد رأى عليا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه مقبلا نحوه: يا أخا الأنصار، من هذا؟ واللات والعزى إني لأرى رجلا إنه ليريدني، قال: هذا عليّ بن أبي طالب، قال: ما رأيت كاليوم رجلا أسرع في قومه منه فيصمد له عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فيضربه فنشب سيف عليّ في جحفته ساعة، ثم نزعه فيضرب ساقيه ودرعه مشمرة فقطعهما، ثم أجهز عليه فقتله فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من له علم بنوفل بن خويلد؟ فقال علي أنا قتلته قال: فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: الحمد للَّه الّذي أجاب دعوتي فيه.
وأما إعلام النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس بما كان بينه وبين امرأته أم الفضل، لم يطلع عليه أحد
وأما إعلام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمه العباس بما كان بينه وبين امرأته أم الفضل، لم يطّلع عليه أحد فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني الحسن بم عمارة عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان الّذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن سلمة، ويقال: كعب بن عمرو بن مالك بن عمرو بن عباد بن عمر بن تميم بن شداد بن عثمان بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي، وكان أبو اليسر رجلا مجموعا [ (2) ] ، وكان العباس رجلا جسيما، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبا اليسر كيف أسرت العباس؟ فقال: يا رسول اللَّه لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده، وهيئته كذا وكذا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد أعانك عليه ملك كريم. وذكر الكلبي أن عبيد بن أوس بن مالك بن سواد بن كعب وهو ظفر ابن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أبا النعمان الأنصاري الظفري أسر العباس وعقيلا. وقال ابن عبد البر [ (3) ] : هو الّذي أسر عقيل بن أبي طالب ويقال: إنه أسر العباس ونوفلا وعقيلا فقرنهم في حبل وأتى بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لقد أعانك عليهم ملك كريم، وسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مقرنا، وبنو سلمة يدّعون أن أبا اليسر كعب بن عمرو أسر العباس وكذلك قال ابن إسحاق.
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد اللَّه بن موسى، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وذكر وقعة بدر، قتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين، قال: فجاء رجل من الأنصار فصير بالعباس أسيرا، فقال العباس: يا رسول اللَّه إن هذا واللَّه ما أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس أبلق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول اللَّه فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقد أيّدك اللَّه بملك كريم. ومن طريق عبد اللَّه بن المبارك قال: حدثني جرير بن حازم، عن على ابن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قلت لأبي: يا أبت كيف أسرك أبو اليسر ولو شئت لجعلته في كفك؟ قال: يا بني! لا تقل ذلك لقد لقيني وهو أعظم في عيني من الحندمة [ (2) ] . ومن طريق محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء عن ابن عباس قال: لما نزلت يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى [ (3) ] كان العباس يقول: في نزلت هذه الآية حين أخبرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بإسلامي فسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي أخذت مني فأبى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأعطاني بالعشرين أوقية عشرين عبدا كلهم تاجر بمال معه في يده معها أرجو مغفرة اللَّه ورحمته. وعن الكلبي، عن أبي صالح، عن بن عباس، عن جابر، عن عبد اللَّه ابن دياب قال: قال العباس في نزلت هذه الآية حين ذكرت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إسلامي فسألته أن يقاضيني بالعشرين الأوقية التي أخذت مني فأبي فعوضني اللَّه بها بعشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بماله، ومعها أرجو رحمة اللَّه تعالى ومغفرته [ (4) ] .
قال ابن إسحاق: حدثني بعض أصحابنا عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان الّذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو وكان أبو اليسر مجموعا وكان العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه رجلا جسيما فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للعباس: أفد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بلحارث بن فهر، فإنك ذو مال، قال: يا رسول اللَّه إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني، قال: اللَّه أعلم بإسلامك ولكن إن يك ما تقول حقا فاللَّه يجزيك به فأما ظاهر أمرك فكان علينا، فافد نفسك، وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ منه عشرين أوقية من ذهب، فقال العباس: يا رسول اللَّه أحسبها من فدائي، قال: لا ذاك شيء أعطاناه اللَّه منك، قال: فإنه ليس لي مال قال: فأين المال الّذي وضعت بمكة حين خرجت من عند أم الفضل ابنة الحارث، وليس معكما أحد؟ ثم قلت: إن أصبت في سفري فللفضل كذا، ولعبد اللَّه كذا؟ قال: والّذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول اللَّه، ففدى العباس نفسه وابني أخيه وحليفه. وقال جرير عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر أسر سبعون فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أربعين أوقية ذهب، وجعل على عمه العباس مائة، وعلى عقيل ثمانين، فقال العباس: ألقرابة صنعت هذا؟ والّذي يحلف به العباس لقد تركتني فقير قريش ما بقيت، قال: كيف تكون فقير قريش وقد استودعت أم الفضل بنادق الذهب؟ ثم أقبلت إليّ فقلت لها: إن قتلت تركتك غنية وإن رجعت فلا يهمنك شيء، فقال: إني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنك رسول اللَّه، ما أخبرك بهذا إلا اللَّه عز وجل، وأنزل اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (1) ] فقال حين نزلت: يا نبي اللَّه لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافها، وآتاني اللَّه خيرا منها [ (2) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عمير بن وهب بن خلف بن وهب ابن حذافة بن جمح الجمحي أبا أمية وهو المضرب بما هم به من قتله [رسول الله صلى الله عليه وسلم]
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عمير بن وهب بن خلف بن وهب ابن حذافة بن جمح الجمحيّ أبا أمية وهو المضرّب بما همّ به من قتله [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] فقال إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق [ (1) ] ، عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجمحيّ مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير وهو في الحجر، وكان عمر بن وهب شيطانا من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه به ويلقون منه عنتا وهم بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى أصحاب بدر. قال: فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان: واللَّه إن في العيش خير بعدهم، فقال له عمير: صدقت واللَّه أما واللَّه لولا دين عليّ ليس عندي قضاء له، وعيال أخشى عليهم الضّيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم علة: ابني أسير في أيديهم، فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: عليّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي [أو اسيهم] ، لا يسعني شيء ويعجز، عنهم قال له عمير: فأكتم عليّ شأني [وشأنك] ، قال: أفعل. ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر ابن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في نفر من المسلمين في المسجد يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم اللَّه به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا بالسيف، فقال: هذا الكلب عدو اللَّه عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر، وهو الّذي حرّش بيننا وحزرنا [للقوم] يوم بدر. ثم دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه! هذا عدو اللَّه عمير بن وهب قد جاء متوشحا بسيفه، قال: فأدخله عليّ، قال: فأقبل عمر حتى أخذ
بحمالة سيفه في عنقه فلبه بها، وقال لرجال ممن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول اللَّه فاجلسوا عنده، واحذروا [عليه من] هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. فلما رآه صلّى اللَّه عليه وسلم وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: أرسله يا عمر، ادن يا عمير، فدنا ثم قال: انعموا صباحا- وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم- فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد أكرمنا اللَّه بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة، قال: أما واللَّه يا محمد إن كنت لحديث عهد بها، قال فما أقدمك؟ قال: جئتك لهذا الأسير الّذي في أيديكم، فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها اللَّه من سيوف، وهل أغنت شيئا؟ قال: أصدقني ما الّذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك. قال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك حتى تقتلني له، واللَّه حائل بينك وبين ذلك. قال عمير: أشهد أنك رسول اللَّه، وقد كنا [يا رسول اللَّه] نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو اللَّه إني لأعلم إنه ما أتاك به إلا اللَّه، فالحمد للَّه الّذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم تشهد بشهادة الحق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره، قال: ففعلوا. ثم قال: يا رسول اللَّه، إني كنت جاهدا على إطفاء نور اللَّه، شديد الأذى لمن كان على دين اللَّه، وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم إلي اللَّه وإلى الإسلام، لعل اللَّه أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك. قال: فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلحق بمكة، وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه فحلف لا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا، فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى
الإسلام ويؤذي من خالفه إيذاء شديدا، وكان رجلا شهما منعيا، فأسلم على يديه ناس كثير، [فلما انقضى أمر بدر أنزل اللَّه فيه القرآن [سورة] الأنفال بأسرها] [ (1) ] . وقد ذكر قصة عمير بن وهب موسى بن عقبه رحمه اللَّه تعالى وذكرها الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] فقال: ثم قال: حدثني محمد بن أبي حميد عن عبد اللَّه بن عمرو بن أمية قال: لما قدم عمير بن وهب في أهله ولم يقرب صفوان بن أمية فأظهر الإسلام ودعا إليه، فبلغ صفوان فقال: قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله أنه قد ارتكس، وحلف باللات والعزى لا أكلمه من رأسي أبدا ولا أنفعه ولا عياله بنافعة أبدا، فوقف عليه عمير وهو في الحجر فأعرض عنه، فقال عمير: أنت سيد من ساداتنا أرأيت الّذي كنا عليه من عبادة حجر والذبح له، أهذا دين؟ أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، فلم يجبه صفوان بكلمة.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم قباث بن أشيم [1] بن عامر بن الملوح الكناني ويقال الليثي - بما قاله في نفسه، وقد انهزم فيمن انهزم يوم بدر
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم قباث بن أشيم [ (1) ] بن عامر بن الملوّح الكناني ويقال الليثي- بما قاله في نفسه، وقد انهزم فيمن انهزم يوم بدر فقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : وكان قباث بن أشيم الكنانيّ يقول: شهدت مع المشركين بدرا وإني لأنظر لقلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة ما منعنا من الخيل والرجال، فانهزمت فيمن انهزم، فلقد رأيتني وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه وإني لأقول في نفسي: ما رأيت مثل هذا الأمر فرّ منه إلا النساء، وصاحبني رجل، فبينما هو يسير معي إذ لحقنا من خلفنا، فقلت لصاحبي: أبك نهوض؟ قال: لا واللَّه، ما هو بي، قال: وعقر فترفعت، فلقد صبحت غيقة قبل الشمس، كنت هاديا بالطريق ولم أسلك المحاج وخفت من الطلب فتنكيت عنها، فلقيني رجل من قومي بغيقة [ (3) ] ، فقال: ما وراءك؟ قلت: لا شيء! قتلنا، وأسرنا، وانهزمنا، فهل عنك من حملان؟ قال: فحملني على بعير، وزودني زادا حتى لقيت الطريق بالجحفة، ثم مضيت حتى دخلت مكة،
وإني لأنظر إلى الحيسمان بن حابس الخزاعي بالغميم، فعرفت أنه تقدم ينعى قريشا بمكة، فلو أردت أن أسبقه لسبقته، فتكبت عنه حتى سبقني ببعض النهار، فقدمت وقد انتهى إلى مكة خبر قتلاهم وهم يلعنون الخزاعي ويقولون: ما جاءنا بخير، فمكث بمكة، فلما كان بعد الخندق قلت: لو قدمت المدينة فنظرت ما يقول محمد، وقد وقع في قلبي الإسلام فقدمت المدينة فسألت عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالوا: هو ذاك في ظل المسجد مع ملأ من أصحابه، فأتيته، وأنا لا أعرفه من بينهم، فسلمت، فقال: يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر ما رأيت مثل هذا الأمر فرّ منه إلا النساء؟ قلت: أشهد أنك رسول اللَّه وأن هذا الأمر ما خرج مني إلى أحد قط وما ترمرمت [ (1) ] به إلا شيئا حدثت به نفسي فلولا أنك نبي ما أطلعك اللَّه عليه، هلم حتى أبايعك. فعرض علي الإسلام فأسلمت.
وأما قيام سهيل بن عمرو [1] والمقام الذي خبر به النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه يوم بدر
وأما قيام سهيل بن عمرو [ (1) ] والمقام الّذي خبّر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم بدر فقال الواقدي [ (2) ]- رحمه اللَّه- ولما أسر سهيل بن عمرو يوم بدر، قال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه انزع ثنيته يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا أمثل به فيمثل اللَّه بي، وإن كنت نبيا، ولعله يقوم مقاما لا تكرهه، فقام سهيل بن عمرو حين جاءه وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخطبة أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين بلغه كلام سهيل: أشهد أنك رسول اللَّه، يريد حيث قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لعله يقوم مقاما لا تكرهه. وقال أبو عمر بن عبد البر: [ (3) ] سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤيّ بن غالب القرشي العامري، يكنى أبا يزيد، كان أحد أشراف قريش وساداتهم في الجاهلية أسر يوم بدر كافرا، وكان خطيب قريش، فقال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول، اللَّه انزع ثنيته فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده، وكان الّذي أسره مالك بن الدخشم، فقدم مكرز بن حفص بن الأحنف العامري فقاطعهم في فدائه، وقال: ضعوا أرجلى في القيد حتى يأتي الفداء، ففعلوا ذلك. وكان سهيل أعلم، أي مشقوق الشفة العليا، وهو الّذي جاء في الصلح يوم الحديبيّة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين رآه: قد سهل أمركم، وعقد مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الصلح يؤمئذ وهو كان يتولى ذلك دون سائر قريش. وكان المقام الّذي قام به في الإسلام الّذي قاله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده، فكان مقامه ذلك أنه لما هاج أهل مكة عند وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وارتدّ من ارتد من العرب، قام سهيل بن
عمرو خطيبا، فقال: واللَّه أعلم أن هذا الذين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم، يعنى أبا سفيان، فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكنه قد ختم على صدره حسد بنى هاشم، وأتى في خطبته بمثل ما جاء به أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالمدينة، فكان ذلك معنى قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه لعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أعلم. وقال أسد بن موسى عن سعيد بن عبد اللَّه الجمحيّ، عن عبد اللَّه بن عمير الليثي، عن أبيه قال: مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعلى مكة وعاملها عتاب بن أسيد، فلما بلغهم موت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ضج أهل المسجد، فبلغ عتاب، فخرج حتى دخل شعبا من شعاب مكة، وسمع أهل مكة الضجيج، فوافى رجالهم إلى المسجد، فقال سهيل بن عمرو: أين عتاب؟ وجعل يستدل عليه، حتى أتى عليه الشعب، فقال: مالك؟ قال: مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم! فقال: قم في الناس فتكلم، قال: لا أطيق الكلام مع موت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فاخرج معي فأنا أكفيكه، فخرجا، حتى أتيا المسجد، فقام سهيل خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه، وخطب مثل خطبه أبي بكر، لم يجزم منها شيئا وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب وسهيل في الأسرى يوم بدر: ما يدعوك إلى نزع ثناياه؟ دعه فعسى أن يقيمه اللَّه مقاما يسرك، فكان ذلك المقام الّذي قال، وضبط عتاب عمله وما حوله. وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق سفيان، عن عمر، عن الحسن قال: قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه دعني أنزع ثنية سهيل ابن عمرو، فلا يقوم خطيبا في قومه أبدا، فقال: دعها فلعلها أن تسرك يوما، قال سفيان: فلما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نفر منه أهل مكة فقام سهيل بن عمرو عند الكعبة فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، واللَّه حىّ لا يموت.
قال البيهقي [ (1) ] ثم لحق سهيل في أيام عمر بالشام مرابطا في سبيل اللَّه حتى مات بها في طاعون عمواس. وذكر ابن سعد أن سهيلا قال يومئذ: أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، وقد نعى اللَّه نبيكم إليكم، وهو بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم، فهو الموت الّذي لا يبقى أحدا، ألم تعلموا أن اللَّه قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (2) ] وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [ (3) ] وقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [ (4) ] ثم تلا: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ (5) ] فاتقوا اللَّه واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم فإن دين اللَّه قائم وكلمة اللَّه تامة، وإن اللَّه تعالى ناصر من نصره، ومعز لدينه، وقد جمعكم اللَّه على خيركم. فلما بلغ عمر كلام سهيل بمكة قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه وأن ما جاء به حق، هذا هو المقام الّذي تمنى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين قال لي: لعله يقوم مقاما لا تكرهه [ (6) ] .
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم لمن خرج معه إلى بدر وإجابة الله تبارك وتعالى دعاءه
وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم لمن خرج معه إلى بدر وإجابة اللَّه تبارك وتعالى دعاءه فقال الواقدي [ (1) ] : حدثني أبو بكر بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا إلى بدر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومعنا سبعون بعيرا وكانوا يتعاقبون الثلاثة والأربعة والاثنان على بعير، وكنت أنا من أعظم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم غناء، أرجلهم رجلة، وأرماهم بسهم، لم أركب خطوة ذاهبا ولا راجعا، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين فصل من بيوت السقيا: اللَّهمّ إنهم حفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأشبعهم، وعالة فأغنهم من فضلك. قال: فما رجع أحد منهم يريد أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل، البعير والبعيران، واكتسى من كان عاريا، وأصابوا طعاما من أزوادهم، وأصابوا فداء الأسرى. وأما قتل كعب بن الأشرف اليهودي أحد بني النضير بسؤال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ربه تعالى أن يكفيه إياه بما شاء فقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن رومان، ومعمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، وإبراهيم بن جعفر، عن أبيه عن جابر بن عبد اللَّه، فكل قد حدثني منه بطائفة، فكان الّذي اجتمعوا لنا عليه قالوا: إن ابن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، ويحرض عليهم كفار قريش في شعره. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط، منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام، فيهم أهل الحلقة والحصون، ومنهم حلفاء للحيين
جميعا، الأوس والخزرج، فأراد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم، وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة يؤذون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه أذى شديدا، فأمر اللَّه عز وجل نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم والمسلمين بالصبر على ذلك، والعفو عنهم، وفيهم أنزل اللَّه تعالى: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [ (1) ] وفيهم أنزل وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ (2) ] . فلما أبي ابن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأذى المسلمين وقد بلغ منهم، فلما قدم زيد بن حارثة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالبشارة من بدر بقتل المشركين، وأسر من أسر منهم، ورأى الأسرى مقرنين كبت وذل، ثم قال لقومه: واللَّه لبطن الأرض خير لكم من ظهرها اليوم، هؤلاء سراة الناس قد قتلوا وأسروا، فما عندكم؟ قالوا: عداوته ما حيينا. قال وما أنتم وقد وطئ قومه وأصابهم؟ ولكني أخرج إلى قريش فأحضها وأبكى قتلاهم، فلعلهم ينتدبون، وأخرج معهم. فخرج حتى قدم مكة ووضع رحله عند أبي وداعة بن ضميرة السهمىّ، فجعل يرثى قريشا يقول [ (3) ] : طحنت رحى بدر لتهلك أهلها ... ولمثل بدر تستهل وتدمع قتلت سراة الناس حول حياضه ... لا تبعدوا إن الملوك تصرع ويقول أقوام أذل بسخطهم ... إن ابن أشرف ظل كعبا يجزع صدقوا فليت الأرض ساعة قتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدع كم قد أصيب بها من أبيض ماجد ... ذي بهجة يأوي إليه الضّيّع
طلق الدين إذا الكواكب أخلفت ... حمال أثقال يسود ويربع نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدّعوا وابنا ربيعة عنده ومنبّه ... هل نال مثل المهلكين التبّع [ (1) ] صار الّذي أثر الحديث بطعنة ... أو عاش أمي مرعشا لا يسمع نبئت أن الحارث بن هشام ... في الناس يبنى الصالحات ويجمع ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يحمي على الحب الكريم الأروع نبئت أن بني كنانة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الوليد وجدّعوا قال فأجابه حسان بن ثابت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وقليلا قال: بكت عين كعب [ (2) ] ثم علّ بعبرة ... منه وعاش مجدعا لا يسمع ولقد رأيت ببطن بدر منهمو ... قتلى تسح لها العيون وتدمع وفأبكي فقد أبكيت عبدا رافعا ... شبه الكليب للكليبة يتبع ولقد شفى الرحمن منهم سيدا ... وأهان قوما قاتلوه وصرّعوا ونجا وأفلت منهم من قلبه ... شعف يظل لخوفه يتصدع [ (3) ] نجا وأفلت منهم متسرعا ... فلّ قليل هارب يتهزّع [ (4) ] ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حسان بن ثابت، فأخبره بنزول كعب على من نزل، فقال حسان: ألا أبلغا عني أسيدا رسالة ... فخالك عبد بالسراب مجرب لعمرك ما أوفي أسيد بجاره ... ولا خالد ولا المفاضة زينب وعتاب عبد غير موف بذمة ... كذوب شئون الرأس قرد مدرب [ (5) ]
فلما بلغها [ (1) ] هجاؤه نبذت رحله وقالت: ما لنا ولهذا اليهودي؟ ألا ترى ما يصنعه بنا حسان؟ فتحول، فكلما تحول عند قوم دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حسانا، فقال: ابن الأشرف نزل على آل فلان فلا يزال يهجوهم حتى نبذ رحله، فلما لم يجد مأوى قدم المدينة فلما بلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قدوم ابن الأشرف قال: اكفني ابن الأشرف بما شئت في إعلانه الشر وقوله الأشعار، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من لي بابن الأشرف؟ فقد آذاني، فقال محمد بن مسلمة أنا له يا رسول اللَّه وأنا أقتله، قال فافعل فمكث محمد بن مسلمة: أياما لا يأكل، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا محمد، تركت الطعام والشراب؟ قال: يا رسول اللَّه قلت لك قولا فلا أدري أفي لك به أم لا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنما عليك الجهد، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أشاور سعد بن معاذ في أمره. فاجتمع محمد بن مسلمة ونفر من الأوس، منهم عباد بن بشر وأبو نائلة سلكان بن سلامة وأبو عبس بن جبر، والحارث بن أوس، فقالوا: يا رسول اللَّه نحن نقتله، فأذن لنا فلنقتله فإنه لا بدّ لنا منه، قال: قولوا، فخرج أبو نائلة إليه فلما رآه كعب أنكر شأنه، وكاد يذعر، وخاف أن يكون وراءه كمين، فقال أبو نائلة: حدثت لنا حاجة إليك، قال وهو في نادي قومه وجماعتهم: أدن إليّ، فخبرني بحاجتك، وهو متغير اللون مرعوب وكان أبو نائلة ومحمد بن مسلمه أخويه من الرضاعة، فتحدثنا ساعة وتناشدا الأشعار وانبسط كعب وهو يقول بين ذلك: حاجتك وأبو نائلة يناشده الشعر، فقال كعب حاجتك، لعلك تحب أن يقوم من عندنا؟ فلما سمع ذلك القوم قاموا. قال أبو نائلة: إني كرهت أن يتسمع القوم ذرو [ (2) ] كلامنا فيظنون، كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاعت العيال، أخذنا الصدقة، ولا نجد ما نأكل، فقال كعب: قد كنت واللَّه أحدثك بهذا يا ابن سلامة، إن الأمر سيصير إليه.
وقال أبو نائلة: ومعي رجال على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك ثقة بهم، فنبتاع منك طعاما وتمرا وتحسن في ذلك إلينا، ونرهنك ما يكون لك فيه، قال كعب إما إن رفاقي تقصف تمرا من عجوة تغيب فيها الضرس، أما واللَّه يا أبا نائلة ما كنت أحب أني أرى هذه الخصاصة بك، وإن كنت من أكرم الناس عليّ، أنت أخي نازعتك الثدي. قال سلكان اكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد، قال كعب: لا أذكر منه حرفا ثم قال كعب: يا أبا نائلة اصدقني ذات نفسك، ما الّذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه، قال: سررتني يا أبا نائلة فما الّذي ترهنونني، أترهنونني أبناءكم ونساءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا وتظهر أمرنا، ولكنا نرهنك من الحلقة ما ترضى به، قال كعب: إن في الحلقة لوفاء وإنما يقول ذلك سلكان لئلا ينكرهم إذا جاءوا في السلاح، فخرج أبو نائلة من عنده على ميعاد فأتى أصحابه وأجمعوا أمرهم على أن يأتوه إذا أمسى لميعاده، ثم أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم عشاء، فأخبروه فمشى معهم، حتى أتى البقيع [ (1) ] ، ثم وجههم، ثم قال: امضوا على بركة اللَّه وعونه. ويقال: وجههم بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار، ليلة أربعة عشرة من ربيع الأول، على رأس خمسة وعشرين شهرا. قال: فمضوا حتى أتوا ابن الأشرف فلما انتتهوا إلى حصنه هتف به أبو نائلة، وكان ابن الأشرف حديث عهد بعرس، فأخذت امرأته بناحية ملحفته وقالت: أين تذهب؟ إنك رجل محارب، ولا ينزل مثلك في هذه الساعة، فقال: ميعاد، إنما هو أخى أبو نائلة، واللَّه لو وجدني نائما ما أيقظني، ثم ضرب بيده الملحفة وهو يقول: لودعي الفتي لطعنة لأجاب، ثم نزل إليهم فحياهم، ثم جلسوا فتحدثوا ساعة حتى انبسط إليهم، ثم قالوا له: يا ابن الأشرف هل لك أن نتمشى إلى شرج العجوز [ (2) ] فنتحدث فيه بقية ليلتنا؟ قال: فخرجوا يتماشون حتى وجهوا قبل الشرج فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب ثم قال: ويحك ما
أطيب عطرك هذا يا ابن الأشرف! وإنما كان كعب يدهن بالمسك الفتيت بالماء والعنبر حتى يتلبد في صدغيه، وكان جعدا جميلا، ثم مشى ساعة فعاد بمثلها حتى اطمأن إليه، وسلت يداه في شعره، فأخذ بقرون رأسه وقال لأصحابه: اقتلوا عدو اللَّه، فضربوه بأسيافهم، فالتفت عليه فلم تغن شيئا، ورد بعضها بعض ولحق بأبي نائلة. قال محمد بن مسلمة: فذكرت مغولا كان في سيفي فانتزعته فوضعته في سرته ثم تحاملت عليه فقططته [ (1) ] حتى انتهى إلى عانته، فصاح عدو اللَّه صيحة ما بقي أطم من آطام يهودي إلا أوقدت عليه نار فقال: ابن سنينة- يهودي من يهود بني حارثة وبينهما ثلاثة أميال- إني لأجد ريح دم بيثرب مسفوح وقد كان أصاب بعض القوم الحارث بن أوس بسيفه وهم يضربون كعبا، فكلمه في رجله فلما فرغوا احتزوا رأسه ثم حملوه معهم، ثم خرجوا يشتدون وهم يخافون من يهود الإرصاد، حتى أخذوا على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة، وإن نيرانهم في الآطام لعاليه، ثم على بعاث، حتى إذا كانوا بحرة العريض نزف الحارث فأبطأ عليهم فناداهم: أقرئوا رسول اللَّه مني السلام، فعطفوا عليه حتى أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا، وقد قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة يصلي، فلما سمع تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف أنهم قد قتلوه. ثم انتهوا يعدون حتى وجدوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واقفا على باب المسجد، فقال: أفلحت الوجوه، فقالوا: ووجهك يا رسول اللَّه، ورموا برأسه بين يديه فحمد اللَّه على قتله، ثم أتوا بصاحبهم الحارث فتفل في جرحه فلم يؤذه، فقال: صرخت به ولم يجفل لصوتي ... ووافى طالعا من فوق قصر فعدت فقال من هذا المنادي ... فقلت أخوك عباد بن بشر فقال محمد أسرع إلينا ... فقد جئنا لتشكرنا وتقري وترفدنا فقد جئنا سغابا ... بنصف الوسق من حب وتمر وهذه درعنا رهنا فخذها ... لشهر إن وفي أو نصف شهر
فقال معاشر سغبوا وجاعوا ... لقد عدموا الغني من غير فقر وأقبل نحونا يهوي سريعا ... وقال لنا لقد جئتم لأمر وفي أيماننا بيض حداد ... مجرية بها الكفار نفري فعانقه ابن مسلمة المرادي ... به الكفان كالليث الهزبر وشد بسيفه صلتا عليه ... فقطره أبو عبس بن جبر وصلت وصاحباني فكان لما ... قتلناه الخبيث كذبح عتر [ (1) ] ومر برأسه نفر كرام ... هم ناهوك من صدق وبر وكان اللَّه سادسا فأبنا ... بأفضل نعمة وأعز نصر [ (2) ] قال فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، [فخافت اليهود] فلم يطلع عظيم من عظمائهم، ولم ينطقوا، وخافوا أن يبيتوا كما بيّت ابن الأشرف، وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة، وكان حليفا لحويصة بن مسعود، وقد أسلم بعد. [فعدا محيّصة علي ابن سنية فقتله] . فجعل حويصة يضرب محيصة وكان أسنّ منه، يقول: أي عدوّ اللَّه أقتله؟ واللَّه لرب شحم في بطنك من ماله، فقال محيصة: واللَّه لو أمرني بقتلك الّذي أمرني بقتله لقتلتك، قال واللَّه لو أمرك محمد أن تقتلني لقتلتني؟ قال: نعم قال حويصة إن دينا يبلغ هذا لدين معجب فأسلم حويّصة يومئذ، فقال محيصة: يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه بأبيض فاضب حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما تضرب به فليس بكاذب ما سرني أني قتلت طائعا ... وما أن لي ما بين بصري ومأرب ففزعت يهود ومن معها من المشركين، فجاءوه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حين أصبحوا، فقالوا: قد طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة من غير جرم ولا حدث علمناه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: لو قر كما قر غيره من هو على مثل
رأيه ما اغتيل، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان له السيف. ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فكتبوا بينهم وبينه كتابا [تحت العذق] في دار رملة بنت الحارث فحذرت يهود وخافت [وذلت] من يوم قتل ابن الأشرف [ (1) ] . فحدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: قال مروان بن الحكم وهو على المدينة وعنده ابن يامين النضري: كيف كان قتل ابن الأشرف؟ قال ابن يامين: كان غدرا، ومحمد بن مسلمة جالس شيخا كبيرا، فقال: يا مروان، أيغدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [عندك] ؟ واللَّه [ما قتلناه إلا بأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] واللَّه لا يؤويني وإياك سقف بيت إلا المسجد، وأما أنت يا ابن يامين فلله عليّ إن أفلت وقدرت عليك وفي يدي سيف إلا ضربت به رأسك! فكان ابن يامين لا ينزل في بني قريظة حتى يبعث له رسولا ينظر محمد بن مسلمة، فإن كان في بعض ضياعة نزل فقضى حاجته ثم صدر وإلا لم ينزل. فبينا محمد بن مسلمة في جنازة وابن يامين بالبقيع فرأى محمد نعشا عليه جرائد رطبة لامرأة، فجاء فحله فقام إليه الناس فقالوا: يا أبا عبد الرحمن ما تصنع نحن نكفيك؟ فقام إليه فلم يزل يضربه بها جريدة جريدة حتى كسر ذلك الجريد على وجهه ورأسه حتى لم يترك فيه مصحا، ثم أرسله ولا طباخ به، ثم قال: واللَّه لو قدرت على السيف لضربتك به [ (2) ] . وقال موسى بن عقبة وكان كعب بن الأشرف اليهودي أحد بني النضير- أو فيهم- قد آذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالهجاء، وركب إلى قريش فقدم عليهم فاستغواهم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أناشدك اللَّه أديننا أحب إلى اللَّه أم دين محمد وأصحابه؟ وأينا أهدي في رأيك وأقرب إلى الحق؟ فإنا نطعم الجزور والكوماء [ (3) ] ، ونسقي اللبن على الماء، ونطعم ما هبت السماء، فقال
ابن الأشرف: أنتم أهدى منه سبيلا، ثم خرج مقبلا وقد أجمع رأى المشركين على قتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من لنا بابن الأشرف؟ قد استعلن بعد عداوتنا وهجائنا خرج إلى قريش فجمعهم علينا قد أخبرني اللَّه عز وجل بذلك ثم قدم على أخبث ما كان ينتظر قريشا أن تقدم فيقاتلنا معهم، ثم قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم علي المسلمين ما أنزل اللَّه فيه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا وآيات في قريش معها، وذكر لنا- واللَّه أعلم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت فقال له محمد بن مسلمة أنا يا رسول اللَّه أقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: نعم فقام محمد بن مسلمة منقلبا إلى أهله فلقى سلكان بن سلامة في المقبرة عامدا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال له محمد: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أمرني بقتل ابن الأشرف وأنت نديمه في الجاهلية، ولن يأمنن غيرك، فقال له سلكان: إن أمرني فعلت، فرجع معه ابن مسلمة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أمرت بقتل كعب بن الأشرف؟ قال: نعم قال سلكان: يا رسول اللَّه فاحللني فيما قلت لابن الأشرف فقال: أنت في حلّ مما قلت، فخرج سلكان، ومحمد بن مسلمة، وعباد بن بشر، وسلمة بن ثابت، وأبو عبس بن جبر، حتى أتوه في ليلة مقمرة فتواروا في ظلال جذوع النخل، وخرج سلكان فصرخ: يا كعب، فقال له كعب: من هذا؟ فقال له سلكان: هذا أبو ليلى يا أبا نائلة وكان كعب يكنى أبا نائلة، فقالت له امرأته: لا تنزل يا أبا نائلة إنه قاتلك، فقال ما كان أخي ليأتيني إلا بخير لو يدعى الفتى لطعنة أجاب، فخرج كعب، فلما فتح باب الرض قال من أنت؟ قال: أخوك، قال: فطأطئ لي رأسك، فطأطأ فعرفه، فنزل إليه فمشى به سلكان نحو القوم، وقال له سلكان: جعنا وأصابتنا شدة مع صاحبنا هذا، فجئتك لأن تحدث معك، ولأرهنك درعي في شعير، فقال له كعب قد حدثتكم أنكم ستلقون ذلك، ولكن نحن عندنا تمر وشعير وعبير، فأتونا، فقال: لعلنا أن نفعل، ثم أدخل سلكان يده في رأس كعب فشمها فقال: ما أطيب عبيركم هذا! صنع ذلك مرة أو مرتين حتى أمّنه، ثم أخذ سلكان برأسه أخذة فصأه منها، فجأر واللَّه جأرة رفيعة وصاحت امرأته، وقال يا صباحاه، فعانقه سلكان وقال: اقتلوا عدوّ اللَّه، فلم يزالوا يتخلصون
بأسيافهم حتى طعنه أحدهم في بطنه طعنة بالسيف، خرج مصرانه، وخلصوا إليه، فضربوه بأسيافهم، وكانوا في بعض ما يتخلصون إليه وسلكان معانقة، أصابوا عابد بن بشر في يده أو في رجله ولا يشعرون، وخرجوا يشتدون سراعا حتى إذا كانوا بجرف بعاث [ (1) ] فقدوا صحابهم، ونزفه الدم، فرجعوا فوجدوه من وراء الجرف، فاحتملوه حتى أتوا به أهلهم من ليلتهم، فقتل اللَّه ابن الأشرف، بعد أذيته اللَّه ورسوله، وهجائه إياه، وتأليبه قريشا، وإعلانه عليه قريشا بذلك. وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق سفيان قال: حدثنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قدم حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف مكة على قريش فحالفوهم على قتال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقالوا لهم أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب، فأخبرونا عنا وعن محمد، قالوا: ما أنتم وما محمد؟ قالوا نحن ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونفك العناة ونسقي الحجيج، ونصل الأرحام، قالوا: فما محمد؟ قالوا: صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار، قالوا: لا، بل أنتم خير منهم وأهدى سبيلا فأنزل اللَّه تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [ (3) ] إلى آخر الآية، قال سفيان: وكان غفار أهل سلة [في الجاهلية [ (4) ]] يعني سرقة.
وخرج البخاري [ (1) ] من حديث سفيان قال عمرو: سمعت جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من لكعب ابن الأشرف فإنه قد أذى اللَّه ورسوله؟ فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول اللَّه أتحب أن أقتله؟ قال: نعم، قال: فأذن لي أن أقول شيئا، قال، فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وأنه قد عنانا، وأني قد أتيتك استسلفك، قال: وأيضا واللَّه لتملنه، قال: إنّا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى تنظر إلي أي شيء يصير أمره، وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين فقال: أرهنوني، قال أي شيء تريد؟ قال: أرهنوني نساءكم! قال: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فأرهنوني أبنائكم، قال: كيف نرهنك
أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا ولكن نرهنك اللأمة، قال سفيان: يعني السّلاح، فواعده أن يأتيه فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة- فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة، وقال غير عمرو، قالت: أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم، قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لودعى إلى طعنة بليل لأجاب، قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه رجلين وقال غير عمرو، أبو عبس بن حيبر والحارث بن أوس وعباد بن بشر. قال عمرو: جاء برجلين فقال إذا جاء فإنّي شام شعره فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم: قال: فلما نزل وهو متوحش قال: إنا نجد منك ريح الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة، هي أعطر نساء العرب، قال: فتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم، فشمّ، فتناول فشم ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستكمنت من رأسه ثم قال: دونكم، قال: فقتلوه. قال: ابن إسحاق [ (1) ] فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة، حدثني عبد الأشهل وكان أخا لكعب من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش، وأبو عبس بن جبر، أخو بني حارثة. قال ابن إسحاق: فحدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال بعثني معهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم قال: انطلقوا على اسم اللَّه، اللَّهمّ أعنهم. قال مؤلفه: ولقتل كعب بن الأشرف طرق كثيرة، وقد تضمن أربعه أعلام من أعلام النبوة، وهي: إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن اللَّه تعالى بما كان من تحريض كعب قريشا بمكة على محاربة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ودعائه اللَّه تعالى بإعانة من بعثهم لقتله، وأعانهم اللَّه تعالى على ذلك إجابة لدعاء المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلم، وثالثها دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يكفيه كعبا فكفاه أمره، ثم نفثه صلّى اللَّه عليه وسلم في جرح الحارث بن أوس فلم يؤذه.
وأما كفاية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم دعثور بن الحارث إذ عزم على قتله وقد أمكنته الفرصة
وأما كفاية اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم دعثور بن الحارث إذ عزم على قتله وقد أمكنته الفرصة فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : حدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة، حدثنا زيد بن أبي عتاب، وحدثني عثمان بن الضحاك بن عثمان، وحدثني: عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن عبيد اللَّه بن أبي بكر، فزاد بعضهم على بعض في الحديث، وغيرهم قد حدثنا أيضا، قالوا: بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن جمعا من بني ثعلبة ومحارب بذي أمرّ [ (2) ] قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، جمعهم رجل منهم بقال له دعثور بن الحارث بن محارب، فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسلمين وخرج في أربعمائة رجل وخمسين، ومعهم أفراس، فذكر الخبر إلى أن قال: وهربت منه الأعراب فوق الجبال وقبل ذلك ما قد غيبوا سرحهم في ذرى الجبال، فلم يلاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أحدا، إلا أنه ينظر إليهم في رءوس الجبال، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذا أمر وعسكر معسكره، فأصابهم مطر شديد فذهب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه، وقد جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وادي ذي أمرّ بينه وبين أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة ثم اضطجع تحتها والأعراب ينظرون كل ما يفعل، فقالت الأعراب لدعثور- وكان سيدها وأشجعها-: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتى تقتل، فاختار سيفا من سيوفهم صارما، ثم أقبل مشتملا بالسيف حتى قام على رأس النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد! من يمنعك مني اليوم؟ قال: اللَّه! وقال: ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقام
به على رأسه، فقال: من يمنعك منى اليوم؟ قال: لا أحد، قال: فأنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، واللَّه لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سيفه، ثم أقبل بوجهه فقال: أما واللَّه لأنت خير مني، قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنا أحق بذلك منك، فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول؟ وقد أمكنك والسيف في يدك؟ فقال: قد واللَّه كان ذلك، ولكني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري، فوقعت لظهري فعرفت أنه ملك، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ولا أكثر عليه، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام ونزلت هذه الآية فيه، وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ [ (1) ] .. الآية، وكانت غيبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إحدى عشرة ليلة. [واستحلف النبي صلّى اللَّه عليه وسلم على المدينة عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه] . قال البيهقي: كذا قال الواقدي، وقد روي في غزوة ذات الرقاع [ (2) ] قصة أخرى في الأعرابي الّذي قام على رأسه بالسيف وقال: من يمنعك مني؟ فإن كان الواقدي حفظ ما ذكر في هذه الغزوة فكأنهما قصتان. قال المؤلف رحمه اللَّه: وذكر الواقدي قصة ثالثة في غزوة حنين [ (3) ] سيأتي ذكرها إن شاء اللَّه تعالى، والحمد اللَّه رب العالمين.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم باستشهاد زيد بن صوحان العبدي [1]
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باستشهاد زيد بن صوحان العبديّ [ (1) ] فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث الهذيل بن بلال المدائني الفزاري، عن عبد الرحمن بن مسعود العبديّ، عن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة سبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان. قال البيهقي: هذيل بن بلال غير قوي [ (3) ] . قال المؤلف: قال ابن معين ليس بشيء وقال البخاري: سمع منه ابن مهدي وأبو داود. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن عدي: وليس في حديثه حديث منكم. وقال أبو عمر بن عبد البر: وروى من وجوه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كان في مسير له فبينما هو يسير إذ هوّم فجعل يقول: زيد وما زيد، جندب وما جندب، فسئل عن ذلك فقال: رجلان من أمتي، أما أحدهما فتسبقه يده أو قال: بعض جسده إلى الجنة، ثم يتبعه سائر جسده، وأما الآخر فيضرب ضربة يفرق بها بين الحق والباطل. قال أبو عمر: أصيبت يد زيد يوم جلولاء [ (4) ] ثم قتل يوم الجمل مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وجندب قاتل الساحر.
وللبيهقي [ (1) ] من حديث إسحاق الأزرق قال: حدثنا عوف عن ابن سيرين قال: قال خالد بن الواشمة: لما فرغ من أصحاب الجمل ونزلت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- منزلها دخلت عليها فقلت: السلام عليك يا أم المؤمنين فقالت: من هذا؟ قلت: خالد بن الواشمة، قالت: ما فعل طلحة؟ قلت أصيب! قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، ورحمه اللَّه، قالت ما فعل الزبير؟ قلت أصيب! قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، يرحمه اللَّه، قلت: بل نحن للَّه وإنا إليه راجعون في زيد بن صوحان، قالت: وأصيب؟ قلت: نعم، قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون- يرحمه اللَّه- فقلت: يا أم المؤمنين ذكرت طلحة فقلت: يرحمه اللَّه، وذكرت الزبير فقلت: يرحمه اللَّه، وذكرت زيدا فقلت: يرحمه اللَّه، وقد قتل بعضهم بعضا، واللَّه لا يجمعهم اللَّه في الجنة أبدا، قالت: أو لا تدري أن رحمة اللَّه واسعة وهو على كل شيء قدير؟ وخرجه من طريق إسحاق، حدثنا ابن عون عن ابن سيرين عن خالد بن الواشمة بنحوه [ (2) ] . وقال ابن عبد البر [ (3) ] : روى إسماعيل بن عليه عن أيوب عن محمد بن سيرين قال أنبئت أن عائشة [أم المؤمنين] [ (4) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- سمعت [كلام] [ (5) ] خالد يوم الجمل فقالت: خالد بن الواشمة؟ قال: نعم، قالت: أنشدك اللَّه، أصادق أنت إن سألتك؟ قلت: نعم، وما يمنعني أن أفعل؟ قالت: ما فعل طلحة؟ قلت: قتل. قالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، قلت: بل
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بوقعة صفين
نحن للَّه ونحن إليه راجعون على زيد وأصحاب زيد، قالت: زيد بن صوحان؟ قلت: نعم، قالت: له خير، فقلت: واللَّه لا يجمع بينهم في الجنة أبدا، قالت: لا تقل [ (1) ] ، فإن رحمة اللَّه واسعة وهو على كل شيء قدير. وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقعة صفين فخرّج البخاري [ (2) ] من حديث شعيب، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما [ (3) ] واحدة وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل وحتى يكثر فيكم المال [فيفيض] [ (4) ] ، حتى يهم بهم صاحب [ (5) ] المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه فيقول الّذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنت أجمعون، فذلك حين لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً [ (6) ] أو لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة
وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه [ (1) ] ولتقومنّ الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها. هكذا ذكر البخاري هذا الحديث مجتمعا. وذكره مسلم [ (2) ] أو أكثره مفرقا في كتاب الفتن وغيره من كتابه، فخرج في كتاب الفتن من حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة. وخرجة البخاري [ (3) ] في كتاب استتابه المرتدين والمعاندين وقتالهم، من حديث سفيان، حدثنا أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة. وخرجه في باب علامات النبوة في الإسلام [ (4) ] من حديث شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة. ومن حديث عبد الرزاق [ (5) ] أنبأنا معمر عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان فتكون بينهما مقتلة عظيمة،
دعواهما واحدة، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول اللَّه. وخرج الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر من حديث عبد السلام عن حرب عن يزيد بن أبي خالد الدالاني، عن مالك بن الحويرث، عن أبي هريرة قال: بلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ذكر فتنة فقربها، قال: فأتيته بالبقيع وعنده أبو بكر، وعمر، وعليّ، وطلحة، والزبير، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، فقلت: يا رسول اللَّه بلغني أنك ذكرت.. قال: نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان دينهما واحد، وحجمهما واحد، قال أبو بكر: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال: اللَّه أكبر، قال عمر: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال: الحمد للَّه، قال عثمان: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: نعم وبك يبتلون، وبك يقتتلون، قال عليّ: أدركها يا رسول اللَّه؟ قال: نعم، تقود الخيل بأزمتها. وخرجه الحافظ أبو نعيم قال: حدثنا سليمان بن أحمد اللخمي، حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجده الحوطي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا ماعز التميمي قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار وهو ينتظرها، قال: كيف لو رأيتم خيلين من الناس يقتتلان دعواهما واحدة وأصلهما واحد؟ قال: يكون هذا؟ قال: نعم، قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أأدرك ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قال عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: أفأدرك أنا ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: بك يبتلون، قال عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أفأدرك أنا ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: أنت القائد لها والآخذ بزمامها. وذكر البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أبو اليمان، حدثنا صفوان بن عمرو، قال: كان أهل الشام ستين ألفا فقتل منهم عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا قتل منهم عشرون ألفا.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عمار بن ياسر رضي الله تبارك وتعالى عنه تقتله الفئة الباغية، فقتله أهل الشام بصفين
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن عمار بن ياسر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه تقتله الفئة الباغية، فقتله أهل الشام بصفين فخرج مسلم [ (1) ] من حديث محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن أبي مسلمة قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدريّ قال: أخبرني من هو خير مني، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمار بن ياسر حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية. ومن حديث خالد بن الحارث والنضر بن شميل عن شعبة، عن أبي مسلمة بهذا الإسناد نحوه، غير أن في حديث النضر قال: أخبرني من هو خير مني أبو قتادة. وفي حديث خالد بن الحرث قال: أراه يعني أبا قتادة. وفي حديث خالد ويقول: ويس أو يا ويس ابن سمية [ (2) ] . وخرج من حديث غندر وعبد الصمد بن عبد الوارث كلاهما قالا: حدثنا شعبه: قال: سمعت خالد الحذاء عن سعيد بن أبي الحسن والحسن، عن أمه عن أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية [ (3) ] . ومن حديث إسماعيل بن إبراهيم [ (4) ] عن ابن عون، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تقتل عمارا الفئة الباغية. وخرج البخاري [ (5) ] في كتاب الصلاة، في باب التعاون في بناء المسجد، من حديث مسدد قال: حدثنا عبد العزيز بن جمعان [ (6) ] قال: حدثنا خالد الحذاء
عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ولابنه عليّ: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثة، فانطلقنا، فإذا في حائط له يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا، حتى أتى على ذكر بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين [لبنتين] [ (1) ] ، فرآه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار! قال: يقول عمار: أعوذ باللَّه من الفتن. وخرجه في الجهاد [ (2) ] من حديث عبد الوهاب، حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعليّ بن عبد اللَّه: ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه. فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه، فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار، وقال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى اللَّه ويدعونه إلى النار!. وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يوسف الماجشون، عن أبيه، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن مولاة لعمار قالت: اشتكى عمار شكوى أرق منها فغشى عليه، فأفاق، ونحن نبكي حوله، فقال: ما تبكون،
أتخشون أن أموت على فراشي؟ أخبرنى حبيبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر أدمى من الدنيا مذقة من لبن. ومن حديث أبي نعيم [ (1) ] ومحمد بن كثير قالا: حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت، عن البحتري أن عمار بن ياسر أتى بشربة من لبن فضحك، فقيل له ما يضحك؟ فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: آخر شراب أشربه حتى أموت. وخرجه الحاكم [ (2) ] وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وللبيهقي [ (3) ] من حديث يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البحتري قال: لما كان يوم صفين، واشتد الحرب قال عمار: ائتوني بشراب أشربه، ثم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: آخر شراب تشربه من الدنيا شربة لبن، ثم تقدم فقتل. وخرج الحاكم [ (4) ] من طريق محمد بن عمر قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي عبيدة عن أبيه، عن لؤلؤة مولاة أم الحكم ابنة عمار بن ياسر قالت: لما كان اليوم الّذي قتل فيه عمار والراية يحملها أبو هاشم بن عتبة، وقد قتل أصحاب عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ذلك اليوم حتى كان العصر، ثم تقدم عمار بن ياسر ورأى أبا هاشم تقدمه، وقد جنحت الشمس للغروب، ومع عمار ضيح من لبن ينتظر وجوب الشمس أن يفطر فقال حين وجبت الشمس وشرب الضيح: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن، قال: ثم اقترب فقاتل حين قتل وهو ابن أربع وتسعين سنة.
قال ابن عمر [ (1) ] : وحدثني عبد اللَّه بن الحارث عن أبيه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم الجمل وهو لا يسلّ سيفا [وشهد صفين] [ (2) ] فقال: أن لا أضل أبدا بقتل عمار، قال خزيمة: قد حانت له الضلالة ثم اقترب فقاتل حتى قتل. وكان الّذي قتل عمار أبو غادية المزني، طعنه برمح فسقط، وكان يومئذ يقاتل وهو ابن أربع تسعين سنة، فلما وقع أكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان، كلاهما يقول: أنا قتلته، فقال عمرو بن العاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: واللَّه إن تختصمان إلا في النار، فسمعها منه معاوية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو: وما رأيت مثل ما صنعت يوم بذلوا أنفسهم دوننا، نقول لهم: إنكم تختصمان في النار، فقال له عمرو: واللَّه ذاك، واللَّه إنك لتعلمه، ولوددت أني مت من قبل هذا بعشرين سنة. يقال: إن الّذي قتلة ابن الحارث وشريك بن سميّ اشتركا فيه. وخرج الحاكم [ (3) ] وأحمد [ (4) ] من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أخبره قال: لما قتل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار وقد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: أنحن قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا، أو قال: سيوفنا. قال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة.
قال المؤلف- رحمه اللَّه: إن كان عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه هو الّذي قتل عمارا إلا أنه جاء به حتى قاتل فقتل، فقياسه أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هو الّذي قتل [حمزة] ، لأنه هو الّذي جاء به حتى قتل يوم أحد، ومعاذ اللَّه من ذلك، فما قتل عمارا إلا البغاة أهل الشام كما قتل حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء مشركو مكة. وخرّج الحاكم [ (1) ] من حديث عطاء بن مسلم الحلبي قال: سمعت الأعمش يقول: قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدت صفين فكنا إذا تواعدنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، ودخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: معاوية بن أبي سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول لأبيه عمرو: قد قتلنا هذا الرجل وقد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيه ما قال! قال: أي رجل؟ قال عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المسجد فكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين، وأنت ممن حضر، قال: أما إنك ستقتلك الفئة الباغية وأنت من أهل الجنة، فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل وقد قال فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قال؟ فقال: اسكت فو اللَّه ما تزال ترحض في بولك! أنحن قتلناه؟ إنما قتله عليّ وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بيننا. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: إني لأعجب كيف ذهل الحاكم أبو عبد اللَّه عن هذا الوهم؟ فإن عمرو بن العاص لم يحضر بناء مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بلا خلاف، فإنه كان يوم بنائه على دين قومه، وإنما أسلم بعد ذلك بسنتين في سنة ثمان قبل الفتح، وقيل: أسلم بين الحديبيّة وخيبر، وقيل: أسلم عام خيبر، والصحيح أنه أسلم في صفر سنة ثمان قبل الفتح بستة أشهر، ولا خلاف في أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بني مسجده عند قدومه إلى المدينة مهاجرا.
وخرج أيضا من حديث ابن وهب قال: أخبرني إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، سمعت عمار بن ياسر بصفين في اليوم الّذي قتل فيه وهو ينادي: أزلفت الجنة، وزوجت الحور العين، اليوم نلقي حبيبنا محمدا، عهد إليّ إن آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن [ (1) ] . قال الحاكم: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وخرج من حديث أبي أسامة، حدثنا مسلم بن عبد اللَّه الأعور عن حبة العرني قال: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان أساله عن الفتن فقال: دوروا مع كتاب اللَّه حيث دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية فاتبعوها فإنه يدور مع كتاب اللَّه حيث ما دار. قال: فقلنا له: ومن ابن سمية؟ قال: عمار بن ياسر فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول له لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية، تشرب شربة ضياح تكون آخر رزقك من الدنيا [ (2) ] . ولعبد الرزاق عن معمر، عن من سمع الحسن يحدث عن أبيه عن أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد فجعل أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يحمل كل رجل منهم لبنة [ويحمل عمار لبنتين] فقام إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمسح ظهره، وقال: ابن سمية لك أجران [ (3) ] وللناس أجر، آخر زادك شربة من لبن وتقتلك الفئة الباغية. وخرج البيهقي [ (4) ] من حديث عمار الذّهني عن سالم بن أبي الجعد قال جاء رجل إلى عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: يا أبا عبد الرحمن! إن اللَّه قد أمّننا من أن يظلمنا، ولم يؤمننا من أن يفتننا، أرأيت إن أدركت فتنة؟ قال: عليك بكتاب اللَّه، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بالحكمين اللذين حكما بين علي ومعاوية بعد صفين
كتاب اللَّه؟ قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا اختلفت الناس كان ابن سمية مع الحق. ومن طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن عيينة قال: أخبرني عمرو بن دينار عن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: أما علمت أنا كنا نقرأ: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ [ (1) ] «في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله» قال: فقال عبد الرحمن ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كان بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالحكمين اللذين حكما بين عليّ ومعاوية بعد صفّين فخرج البيهقي [ (3) ] من حديث قتيبة بن سعيد قال: حدثنا جرير عن زكريا بن يحيى [ (4) ] ، عن عبد اللَّه بن يزيد، وحبيب بن يسار عن سويد بن غفلة قال: إني لأمشي مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بشطّ الفرات، فقال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلّا وأضلّا، وأن هذه الأمة ستختلف، فلا يزال اختلافهم بينهم حتى
بعثوا حكمين فضلا وأضلّا، وأن هذه الأمة ستختلف، فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين، فضلّا وضلّ من اتبعهما [ (1) ] . وفي (كتاب صفين) ، حدثنا عبد الرحمن المسعودي عن صفوان بن موسى البارقي عن سويد بن غفلة، قال: كنت أساير أبا موسى الأشعري على شاطئ الفرات فقال: يا سويد حدثني، فقلت: أحدثك وأنت صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن الفتن لم تزل ببني إسرائيل تخفضهم وترفعهم، حتى حكموا حكمين ضلا وضل من اتبعهما، وإن الفتن لم تزل بهذه الأمة تخفضهم وترفعهم، حتى يحكما حكمين يضلان ويضل من تبعهما، قال سويد بن غفلة: فقلت: يا أبا موسى فلعل أحدهما، قال: فأخذ بأسفل ثوبه ثم قال: اللَّهمّ يوم يكون أبو موسي ذلك فلا تجعل له في السماء مصعدا ولا في الأرض مهبطا، فقال سويد: فما مات حتى رأيته أحدهما [ (2) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأن مارقة تمرق بين طائفتين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فخرجوا على علي رضي الله تبارك وتعالى الله عنه وقتلهم فاقتضي ذلك أنه رضي الله تبارك وتعالى عنه على الحق
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن مارقة تمرق بين طائفتين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فخرجوا على عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى اللَّه عنه وقتلهم فاقتضي ذلك أنه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه على الحق فخرج مسلم [ (1) ] من حديث القاسم بن الفضل الحداني قال: حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق. وخرج من حديث أبي عوانه [ (2) ] عن قتادة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تكون في أمتي فرقتان فتخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق. ومن حديث سفيان عن حبيب [ (3) ] بن أبي ثابت عن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في حديث ذكر فيه قوما يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحقّ. وخرج البيهقي [ (4) ] من طريق يعقوب بن سفيان الحميدي، حدثنا سفيان عن مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال: خطبنا الحسن بن على بالنخيلة حين صالح معاوية فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إن أكيس الكيس التّقي، وإن أعجز العجز الفجور، وإن هذا الأمر الّذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق أتركه لمعاوية
إرادة استصلاح المسلمين وحقن دماءهم، وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [ (1) ] أقول قولي هذا، وأستغفر اللَّه لي ولكم. وخرج من طريق حمّاد بن واصل قال: حدثتني فاطمة بنت الحارث عن أبيها أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يقول: الحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خالع سرباله. ومن طريق محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت يزيد بن حمير يحدث أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث عن أبيه قال: قلت للحسن بن علي: إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة قال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت تركتها ابتغاء وجه اللَّه وحقن دماء أمة محمد، ثم ابتزها بأتياس أهل الحجارة. قال المؤلف- رحمه اللَّه: كان أبو عبد اللَّه الحسن بن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أعلم باللَّه وأخوف له وأشحّ على دينه وأفقه من أن يأخذ بالإمامة التي وجبت له من اللَّه ورسوله عرضا من الدنيا، أو يعتاض بها شيئا من معاوية، وإنما كان الأمر في ذلك أنه ندب الناس إلي حرب معاوية وجهد فيه ووجّه قيس بن سعد وعبد اللَّه بن عباس على مقدمته، وأتبعهم بنفسه مرتحلا في عسكره فاختلف أصحابه عليه ميلا منهم إلى إيثار الدنيا، وغشوه وكاتبو معاوية، وسألوه الدنيا الخبيثة، ثم وثبوا على الحسن فانتبهوا رحله، فلما لم يجد رحمه اللَّه للحق ناصرا، ولا لدين اللَّه ثائرا، ولا معينا، إلا شرذمة قليلة، خاف إن هو حارب بهم أن يصطلموا فلم يبق لدين اللَّه ناصر، ولا داع إليه، ولا قائم بحقه، فضن بأهل بيته عن الهلكة، كما فعل أبوه أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، كرم اللَّه وجهه، فلما رأى الحسن رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من فعل من معه، ما استدل به على خلافهم له، وميلهم
عنه إلى الدنيا، وزهدهم في الآخرة، ورفضهم الحق، لم يسعه فيما بينه وبين اللَّه عز وجل إلا الإبقاء على نفسه وأهل بيته فراوغ حينئذ معاوية، ووثق في الشرط عليه، والأمان للناس جميعا، وأخذ عليه أشد ما أخذ اللَّه على أحد بالوفاء، إعطاء من نفسه، مثل ما دخل فيه عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من الشورى، فتنبه رحمك اللَّه لما أوضحته، ولا تكن كأحد اثنين: أحدهما يرى أن الحسن حين رغب، عن معاوية حتى أنبه وقال: يا مسود وجوه المؤمنين [ (1) ] ! والثاني لقلة تفطنه أن الحسن باع الإمامة بعرض من الدنيا حتى لقد جعل ذلك بعض من زعم أنه فقيه، دليلا على بيع الجند الإقطاعات، والفقهاء الوظائف، وما كان الأمر إلا ما أوضحته، فتنبه لعلل الحوادث، وافحص عن أسباب الموجود، أن تظفر بأسرار اللَّه الكامنة في طي مخلوقاته، واحذر أن تعدّ من الذين يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ [ (2) ] فتكون ممن انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ [ (3) ] نسأل اللَّه العصمة في القول والعمل، من الزيغ والزلل. [آمين] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بملك معاوية
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بملك معاوية فخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث عبد اللَّه بن نمير، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر [ (1) ] قال: سمعت عبد اللَّه بن عمير قال: قال معاوية: ما زلت أطمع في الخلافة مذ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ما قال: إن ملكت يا معاوية فأحسن. وخرج البيهقي [ (2) ] من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسماعيل، عن عبد اللَّه قال: قال معاوية: واللَّه ما حملني على الخلافة إلا قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن ملكت فأحسن. قال البيهقي: إسماعيل بن إبراهيم هذا ضعيف عند أهل المعرفة بالحديث غير أن لهذا الحديث شواهد. قال المؤلف- رحمه اللَّه: إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر البجلي كوفي: قال الدارميّ: سألت يحيى عنه فقال: هو ضعيف وقال عباس عنه: إبراهيم بن مهاجر ضعيف وابنه إسماعيل ضعيف. وقال عبد اللَّه بن أحمد: سألت أبي عنه عن إبراهيم بن مهاجر فقال: ليس به بأس وسألته عن ابنه إسماعيل فقال: أقوى في الحديث منه وقال البخاري: إسماعيل بن إبراهيم بن
مهاجر عن أبيه، وعبد اللَّه بن عمير سمع منه أبو نعيم، عنده عجائب وقال، مرة: فيه نظر، وقال ابن عدي: في حديثه بعض النكرة وأبوه خير منه [ (1) ] . وذكر البيهقي [ (2) ] من شواهد حديث إسماعيل بن مهاجر المذكور حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص عن جده سعيد، أن معاوية أخذ الاداوة وتبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنظر إليه وقال له: يا معاوية إن وليت أمرا فاتق اللَّه واعدل، قال: فما زلت أظن أني مبتلى بعمل لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] [حتى ابتليت] [ (4) ] . ومنها حديث راشد بن سعيد، عن معاوية قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إنك إن اتبعت عورات الناس أو عثرات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم يقول أبو الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: كلمة سمعها معاوية من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فنفعه اللَّه بها [ (5) ] . وخرج البيهقي من حديث يحيى بن معين، ومن حديث عمرو بن عون كلاهما قال: حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي سليمان [ (6) ] ، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: الخلافة بالمدينة والملك بالشام.
وخرج من طريق يعقوب بن سفيان [ (1) ] قال: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف حدثنا يحيى بن حمزه عن زيد بن واقد قال: حدثني بر بن عبد اللَّه قال: حدثني أبو إدريس عائذ اللَّه الخولانيّ، عن أبي الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصرى فعمد به إلى الشام، وأن الإيمان حين تقع الفتنة بالشام [ (2) ] . قال البيهقي: هذا إسناد صحيح وروي من وجه آخر فذكره من طريق عقبة بن علقمة قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن عطية بن قيس، عن عبد اللَّه بن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي فنظرت فإذا هو نور ساطع عمد به إلى الشام ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام. وذكره من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة، عن عبد اللَّه بن عمر. ومن حديث الوليد قال: حدثني عفير بن معدان أنه سمع سليم بن عامر يحدث عن أبي أمامة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكره [ (3) ] . ومن حديث أبي ضمرة محمد بن سليمان السلمي قال: حدثني عبد اللَّه ابن أبي قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي ساطعا حتى استقر بالشام [ (1) ] . وخرج عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن صفوان قال: قال رجل يوم صفين: اللَّهمّ العن أهل الشام فقال عليّ رضي اللَّه تبارك تعالى عنه: لا تسب أهل الشام جمّا غفيرا فإن بها الأبدال [ (2) ] ، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال. وروى أبو سعيد، عن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري من طريق يحيى بن عبد اللَّه بن بكير أخبرني عبد اللَّه بن سويد، عن عياش بن عباس الكنعي، عن أبي خارجة أنه خرج إلى عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في زمانه ليقاتل معه، فسمعته يقول: إنما أنا سبط من الأسباط أقاتل على حق، ولن يقوم والأمر لهم واللَّه تبارك وتعالى أعلم بالصواب.
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في موت ميمونة رضي الله تبارك وتعالى عنها بغير مكة
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في موت ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بغير مكة فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد ابن زياد حدثنا عبد اللَّه بن الأصم: نقلت ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بمكة وليس عندها من بني أختها أحد فقالت: أخرجوني من مكة فإنّي لا أموت بها، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة، فحملوها حتى أتوا بها سرف، إلى الشجرة التي بني بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تحتها، في موقع القبة، فماتت. ومن حديث عفان قال [ (2) ] : حدثنا عبد الواحد بن زياد فذكره وزاد: فماتت، فلما وضعتها في لحدها أخذت ردائي فوضعته تحت خدها في اللحد فأخذه ابن عباس فرمى به. وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في ركوب أم حرام البحر مع غزاة في سبيل اللَّه كالملوك على الأسرة فخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم،
كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أم حرام بنت ملحان تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه فنام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت يا رسول اللَّه ما يضحكك؟ قال: ناس من أمتي غزاة في سبيل اللَّه يركبون ثبج البحر
ملوكا على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة، تشك أيهما، قال: قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، قال: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه كما قال في الأول، قال: فقلت يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن يجعلني منهم، قال: أنت من الأولين، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر في زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث مالك بهذا الإسناد مثله أو نحوه ولم يقل: تشك أيهما، قال: ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. قال: وأم حرام بنت ملحان هي أخت أم سليم وهي خاله أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وترجم عليه البخاري باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء. وخرج في كتاب الاستئذان [ (2) ] من حديث مالك بهذا الإسناد: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام بنت ملحان فتطعمه ... الحديث. وخرجه أبو داود [ (3) ] عن مالك به وقال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام، وكانت تحت عبادة بن الصامت، فدخل يوما. الحديث. وخرجوه من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن أنس، وترجم عليه البخاري باب ركوب البحر [ (4) ] .
وخرجه البخاري [ (1) ] من حديث الليث، عن محمد بن يحيى بن حيان، عن أنس، عن أم حرام. ومن حديث أبي إسحاق عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري، عن أنس [ (2) ] . وخرجه في باب ما قيل في قتال الروم [ (3) ] من حديث ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العقبي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وهو نازل في ساحل حمص، وهو في بناء له، ومعه أم حرام، قال عمير: فحدثتنا أم حرام: أنها سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أول جيش من أمتى يغزون البحر قد أوجبوا، قالت أم حرام: قلت: يا رسول اللَّه أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم، قالت: ثم قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم، فقلت أنا فيهم يا رسول اللَّه؟ قال: لا. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: وكان ركوب أم حرام البحر مع زوجها عبادة بن الصامت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فلما وصلوا إلى جزيرة قبرس، خرجت من البحر فقربت إليها دابة لتركبها، فصرعتها، وماتت فذهبت في موضعها، وذلك في خلافة عثمان رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه سنة ثمان وعشرين، وأمير تلك الغزاة معاوية بن أبي سفيان، فقد تضمن هذا الخبر ضروبا من علامات النبوة منها: إعلامه ببقاء أمته بعده، وأن فيهم أصحاب قوة وشوكه ونكاية في العدو، وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزو البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون مع من يغزو البحر، وأنها تدرك زمان الغزوة.
قال ابن عبد البر: وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه فإنه أراد- واللَّه أعلم- أنه رأى الغزاة في البحر من أمته ملوكا على الأسرة في الجنة ورؤياه وحي، ويشهد لقوله: ملوكا على الأسرة، ما ذكر اللَّه تعالى في أهل الجنة عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [ (1) ] قال أهل التفسير: الأرائك السرر في الحجال، ومثله قوله تعالى: عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [ (2) ] وهذا الحديث إنما ورد تنبيها على فضل الجهاد في البحر وترغيبا فيه.
وأما ظهور صدقة في إخباره [بتكلم] رجل [من أمته] بعد موته [من خير التابعين فكان كما أخبر]
وأما ظهور صدقة في إخباره [بتكلم] رجل [من أمته] بعد موته [من خير التابعين فكان كما أخبر] فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن موسى قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن خراش، قال: أتيت فقيل لي: إن أخاك قد مات فجئت فوجدت أخى مسجّى، فأنا عند رأسه أستغفر له وأترحم عليه، إذا كشف الثوب عن وجهه فقال: السلام عليكم، فقلت: سبحان اللَّه أبعد الموت؟! قال: بعد الموت، إني قدمت على اللَّه عز وجل بعدكم، فتلقيت بروح وريحان، ورب غير غضبان، وكساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، ووجدت الأمر أيسر مما تظنون، وتتكلوا. إني استأذنت ربي أن أخبركم وأبشركم، فاحملوني إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقد عهد اليّ أن لا أبرح حتى ألقاه ثم طفى كما هو. قال البيهقي [ (2) ] هذا إسناد صحيح لا يشك حديثي في صحته. وخرج أيضا من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق [ (3) ] ، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن خراش، قال: توفى أخى وكان أصومنا في اليوم الحار، وأقومنا في الليلة الباردة، فسجيته [ (4) ] ، وخرجت في شراء كفنه، فرجعت إليه، أو قال: البيت، وقد كشف الثوب عن وجهه، وقال: السلام عليكم، فقلنا: بعد الموت؟! قال: نعم، إني قدمت على ربي بعدكم، فتلقاني بروح وريحان، ورب غير غضبان، وكساني ثيابا خضرا من سندس وإستبرق، وإني لقيت محمدا صلّى اللَّه عليه وسلم، وقد أقسم أن لا أبرح حتى آتيه،
فعجلوا بى، ولا تحبسونى [ (1) ] ، والأمر أيسر مما في أنفسكم، فلا تغتروا، قال: فما شبهت نفسه عند ذلك إلا حصاة ألقيتها في ماء فرسبت. قال: فذكرت ذلك لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: قد بلغنا أنه سيكون في هذه الأمة رجل يتكلم بعد موته [ (2) ] . ومن طريق أبي بكر بن أبي الدنيا قال: حدثنا شريح بن يونس، حدثنا خالد بن نافع، عن علي بن عبد اللَّه الغطفانيّ، وحفص بن يزيد، قالا: بلغنا أن ابن خراش حلف أن لا يضحك أبدا حتى يعلم أهو في الجنة أو في النار، فمكث كذلك لا يراه أحد يضحك حتى مات، فذكر نحو حديث عبد الملك بن عمير، غير أنه قال: فبلغ ذلك عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: صدق أخو بني عيسى رحمه اللَّه، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول يتكلم رجل من أمتي بعد الموت من خير التابعين [ (3) ] . ومن حديث شريك عن منصور [ (4) ] ، عن ربعي قال: مات الربيع فسجيته فضحك، فقلت يا أخى أحياة بعد الموت؟ قال: لا، ولكن لقيت ربي تبارك وتعالى فلقيني بروح وريحان، ووجه غير غضبان، فقلت: كيف رأيت الأمر؟ قال: يسر ولا تغتروا، قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: صدق ربعي، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من أمتي من يتكلم بعد الموت.
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في قتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء [1] من أرض الشام [فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم]
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في قتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء [ (1) ] من أرض الشام [فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم] [ (2) ] فخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا ابن بكير قال: حدثني ابن لهيعة، قال: حدثني الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن زرير الغافقي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، فقتل حجر وأصحابه، قال يعقوب: قال أبو نعيم: ذكر زياد بن سمية، على بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على المنبر، فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها، وحصبت من حوله زيادا، فكتب إلى معاوية يقول إن حجرا حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية: أن يحمل إليه حجرا، فلما قرب من الشام بعث من يتلقاهم فالتقى معهم بعذراء فقتلهم. قال البيهقي: لا يقول عليّ مثل هذا إلا بأن يكون سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وقد روى عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بإسناد مرسل مرفوعا فذكر من طريق يعقوب بن سفيان، قال: حدثني حرملة قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: ما حملك على قتل أهل
عذراء، حجر وأصحابه، فقال: يا أم المؤمنين، رأيت قتلهم صلاحا للأمة، وأن بقاءهم فساد للأمة، فقالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول سيقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم، وأهل السماء [ (1) ] . قال ابن عساكر: رواه ابن المبارك، عن ابن لهيعة فلم يرفعه. وذكر بإسناد آخر، فأخرجه من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن ابن لهيعة، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن معاوية حج فدخل على عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها فقالت: يا معاوية! قتلت حجر بن الأدبر وأصحابه؟ أما واللَّه لقد بلغني أنه سيقتل سبعة نفر يغضب اللَّه لهم وأهل السماء. وخرج البيهقي من طريق يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن مروان بن الحكم، قال: دخل معاوية على أم المؤمنين عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: سمعت يا معاوية أنك قتلت حجرا وأصحابه، وفعلت [ (2) ] ما فعلت، أما خشيت أنّ اختبأ لك رجل [ (3) ] فيقتلك؟ فقال: لا، إني في بيت أمان، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت: صالح، قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا.
وأما ظهور صدقه فيمن قتل عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي
وأما ظهور صدقه فيمن قتل عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي [ (1) ] فذكر الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر في (تاريخه) من طريق غياث بن إبراهيم، عن الأجلح بن عبد اللَّه الكندي، قال: سمعت زيد بن علي وعبد اللَّه بن الحسن وجعفر بن محمد، ومحمد بن عبد اللَّه ابن الحسن يذكرون تسمية من شهد مع عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، كلهم ذكره عن آبائه، وعمن أدرك من أهله، وسمعته أيضا من غيرهم فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: يا عمرو، أتحب أن أريك آية الجنة؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، فمرّ عليّ فقال هذا وقومه آية الجنة، فلما قتل عثمان وبايع الناس عليا رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لزمه، وكان معه حتى أصيب، ثم كتب معاوية في طلبه، وبعث من يأتيه به. قال الأجلح: فحدثني عمران بن سعيد البجلي، وكان مؤاخيا لعمرو بن الحمق، أنه خرج معه حين طلب، فقال لي: يا رفاعة، إن القوم قاتليّ، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخبرنى أن الجن والإنس تشترك في دمي، وقال لي: يا عمرو إن أمّنك رجل على دمه فلا تقتله فتلقى اللَّه بوجه غادر [ (2) ] ، قال رفاعة: فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته حية فلسعته، وأدركوه، فاحتزوا رأسه، فكان أول رأس أهدي في الإسلام. وذكر من طريق أبي سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري، قال: حدثنا موسى بن زياد أبي هارون الزيات قال: حدثنا على بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد اللَّه بن علي بن أبي رافع، عن عون بن عبيد اللَّه بن أبي
رافع عن أبيه عبيد اللَّه، قال: قال موسى بن زياد: حدثنا يحيى بن يعلى عن محمد بن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، عن جده، وعن ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، قال علي بن هاشم في حديثه وكان عبيد اللَّه بن أبي رافع كاتب عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه واللفظ لعبيد اللَّه بن كثير في تسمية من شهد مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من قريش، والأنصار، ومن مهاجري العرب، فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي، بقي بعد عليّ فطلبه معاوية ليقتله فهرب منه نحو الجزيرة ومعه رجل من أصحاب علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقال له زاهر، فلما نزلا الوادي نهشت عمرا حية من جوف الليل، فأصبح منتفخا، فقال لزاهر تنح عني فإن خليلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أخبرني أني سيشترك في دمي الجن والإنس، ولا بد لي أن أقتل، فقد أصابتنى بلية الجن بهذا الوادي، فبينما هما على ذلك إذ رأيا نواصي الخيل في طلبه، فأمر زاهرا يتغيب، فإذا قتلت فإنّهم يأخذون رأسي فارجع إلى جسدي فادفنه، فقال له زاهر: بل أنشر نبلى فأرميهم حتى إذا فنيت نبلى قتلت معك، قال: لا، ولكنى سأزودك مني بما ينفعك اللَّه به، فاسمع منى آيه الجنة، محمد صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلامتهم عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وتوارى زاهر، فأقبل القوم فنظروا إلى عمرو فنزل إليه رجل منهم أدم فقطع رأسه، وكان أول رأس في الإسلام نصب، وخرج زاهر إليه فدفنه، ثم بقي حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالطف.
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في إشارته إلى كيف يموت سمرة بن جندب [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في إشارته إلى كيف يموت سمرة بن جندب [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن أبي [مسلمة عن أبى] [ (3) ] نضرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال لعشرة في بيت من أصحابه: آخركم موتا في النار فيهم سمرة ابن جندب. قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا. قال البيهقي: رواته ثقات، إلا أن أبا نضرة العبديّ لم يثبت له عن أبي هريرة سماع. وروى من وجه آخر موصولا، عن أبي هريرة فذكره من طريق يونس ابن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبيّ قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فيسألنى فلا يبدأ بشيء حتى يسألنى عن سمرة، فإذا أخبرت بحياته وصحته فرح وقال: إنا كنا عشرة في بيت، وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قام علينا [ (4) ] فنظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: آخركم موتا في
النار، فقد مات منا ثمانية ولمن يبق غيري وغيره، فليس شيء أحب إليّ من أن أكون قد ذقت الموت وخرج أيضا من طريق حماد عن على بن زيد عن أوس بن خالد، قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة فقلت لأبى محذورة: مالك إذا قدمت عليك وسألتني عن سمرة؟ وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟ فقال إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: آخركم موتا في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة، ثم سمرة. قال البيهقي: بهذا وبصحبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، نرجو له بعد تحقيق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق، فصدق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. وبلغني عن هلال بن العلاء الرقى أن عبد اللَّه بن معاوية حدثهم عن رجل [قد] [ (2) ] سماه: أن سمرة استجمر فغفل عنه أهله، حتى أخذته النار [ (3) ] . وقال: ابن عبد البر [ (4) ] : وكان زياد يستخلفه على البصرة ستة أشهر، وعلى الكوفة ستة أشهر، فلما مات زياد استخلفه على البصرة، فأقره معاوية عليها، عاما أو نحوه، ثم عزله، وكان شديدا على الحرورية، وكان إذا أتى بواحد منهم قتله ولم يقله ويقول: شر قتلى تحت أديم الأرض [ (5) ] يكفرون المسلمين، ويسفكون الدماء، فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه. قال: وكانت وفاته بالبصرة [في خلافة معاوية] [ (6) ] سنة ثمان وخمسين، سقط في قدر مملوءة ماء حارا، كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز [شديد] [ (7) ]
أصابه فسقط في القدر الحارة فمات، فكان ذلك تصديقا [ (1) ] لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم له ولأبى هريرة، وثالث معهما: آخركم موتا في النار. وروى أبو سعيد بن يونس من حديث داود بن المحبر عن زياد بن عبد اللَّه بن سمرة بن جندب، كان أصابه كزاز شديد، وكان لا يكاد أن يدفأ، فأمر بقدر عظيمة فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا، وكان يصعد إليه بخارها فيدفئه، فبينا هو كذلك إذا خفت به. فظن أن ذلك الّذي قيل فيه [ (2) ] .
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في موت عبد الله بن سلام [1] على الإسلام من غير أن ينال الشهادة [فكان كما أخبر - توفي على الإسلام في أول أيام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وأربعين]
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في موت عبد اللَّه بن سلام [ (1) ] على الإسلام من غير أن ينال الشهادة [فكان كما أخبر- توفي على الإسلام في أول أيام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وأربعين-] فخرج البخاري [ (2) ] من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلّى ركعتين فتجوز فيها ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة! قال: واللَّه ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك، رأيت رؤيا على عهد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه، ورأيت كأنى في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها، وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارق، فرقيت، حتى كنت في أعلاه فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: تلك العروة الوثقى، فأنت تموت على الإسلام حين تموت وذلك الرجل عبد اللَّه ابن سلام.
وخرجه من حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن ابن سلام قال: وصيف مكان منصف. ذكره في كتاب التعبير، في باب التعلق بالعروة والحلقة [ (1) ] . ومن حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد اللَّه بن سلام، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها، قال: ورأيت في وسط تلك الروضة عمودا وفي أعلى العمود عروة فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، قال: فأتانى وصيف، فرفع ذلك الوصيف ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاه، فقيل لي: استمسك بالعروة، قال: فاستمسكت بتلك العروة فانتبهت وإنها لفي يدي وأنا متمسك بها، فلما استيقظت أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون بهذا الإسناد أو نحوا أو قريبا مما تقدم أولا. وخرجاه من حديث حرمي بن عمارة، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: قال قيس بن عباد فذكره. ولمسلم [ (4) ] من حديث جرير عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، قال: كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة قال: وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد اللَّه بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثا حسنا قال: فلما قام قال القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال:
فقلت: واللَّه لاتبعنه فلأعلمن مكان بيته قال: فتبعته، قال: فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقال: ما حاجتك يا ابن أخي؟ فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: اللَّه أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك ممّ قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ أتانى رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي، فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنّها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني فقال لي: خذها هنا، فأتى بي جبلا، فقال لي اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت ذلك مرارا، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد فوق هذا! قلت: كيف أصعد هذا ورأسه في السماء؟. قال: فأخذ بيدي فزج بي، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخرّ، قال: وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت. قال: فأتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت على يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال: وأما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منزل الشهداء، ولن تناله، وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال متمسكا بها حتى تموت. قال ابن عبد البر [ (1) ] : توفي في المدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين، وشهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعبد اللَّه بن سلام بالجنة.
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في إخباره لرافع بن خديج [ابن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد ابن جشم الأنصاري، البخاري، الخزرجي] بالشهادة
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره لرافع بن خديج [ابن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد ابن جشم الأنصاري، البخاريّ، الخزرجيّ] بالشهادة فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق الواشحي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد- يعني: ابن رافع- عن جدته أن رافع بن خديج رمى- قال عمرة: لا أدرى أيهما قال؟ يوم أحد أو يوم حنين- بسهم في ثندوته فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه انزع السهم؟ فقال له: يا رفع إن شئت نزعت السهم والقطبة جميعا، وإن شئت نزعت السهم وتركت القطبة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد، فقال رافع: يا رسول اللَّه، انزع السهم ودع القطبة واشهد لي يوم القيامة أنى شهيد قال: فعاش بعد ذلك حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حتى إذا كان خلافة معاوية انتقض ذلك الجرح فمات بعد العصر. قال كاتبه: وقد ذكر ابن عبد البر [ (2) ] أنه أصيب يوم أحد، انتقضت جراحته في زمن عبد الملك بن مروان، فمات قبل ابن عمر بيسير سنة أربع وسبعين، وكذا ذكره الحاكم [ (3) ] وغيره عن الواقدي في تاريخ وفاته.
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بهلاك أمته على يد أغيلمة من قريش فكان منذ ولي يزيد بن معاوية
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بهلاك أمته على يد أغيلمة من قريش فكان منذ ولّي يزيد بن معاوية فخرج البخاري [ (1) ] من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال: أخبرنى جدي قال: كنت جالسا مع أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في مسجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: «سمعت الصادق المصدوق صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: هلكت أمتى على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنة اللَّه عليهم غلمة، فقال أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لو شئت أن أقول بنى فلان بنى فلان لفعلت» ، فكنت أخرج مع جدي إلى بنى مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا: أن أعلم. وذكره أيضا في باب علامات النبوة [ (2) ] ، وخرج فيه أيضا من حديث شعبة عن أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يهلك الناس هذا الحي من قريش، قالوا فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم [ (3) ] .
وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب الفتن من حديث أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه: عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يهلك أمتى هذا الحي من قريش. الحديث. وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن يزيد المقرئ قال: حدثنا حيوة قال: أخبرنى بشير بن أبي عمرو الخولانيّ أن الوليد بن قيس الحسبي أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: وتلا هذه الآية: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [ (3) ] فقال: يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر. قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به. وخرجه الحاكم [ (4) ] وقال: هذا حديث صحيح رواته حجازيون وشاميون أثبات. قال البيهقي [ (5) ] : وقد روي عن علي عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ما يؤكد هذا التاريخ، فذكر من طريق أبي أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: لما رجع عليّ من صفين قال: يا أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه لو قد فقدتموه لقد رأيتم الرءوس تنزو من كواهلها كالحنظل.
ومن حديث العباس بن الوليد [ (1) ] بن مزيد البيروتي قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا ابن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه قال: كان أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يمشي في سوق المدينة وهو يقول اللَّهمّ لا تدركني سنة الستين، ويحكم! تمسكوا بصدغي معاوية: اللَّهمّ لا تدركني إمارة الصبيان. قال البيهقي [ (2) ] : وهما إنما يقولان مثل هذا الشيء سمعاه من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن أبي خلدة عن أبي العالية قال: لما كان يزيد بن أبي سفيان أميرا بالشام غزا الناس فغنموا وسلموا، فكان في غنيمتهم جارية نفيسة فصارت لرجل من المسلمين في سهمه، فأرسل إليه يزيد فانتزعها منه، وأبو ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ بالشام قال: فاستغاث الرجل بأبي ذر على يزيد، فانطلق معه، فقال ليزيد: ردّ على الرجل جاريته- ثلاث مرات-، قال أبو ذر: أما واللَّه لئن فعلت لقد سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية، ثم ولّى عنه، فلحقه يزيد فقال: أذكرك باللَّه أنا هو؟ قال: اللَّهمّ لا، وردّ على الرجل جاريته. قال البيهقي [ (4) ] : يزيد بن أبي سفيان كان من أمراء الأجناد بالشام في أيام أبي بكر وعمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ولكن سميه يزيد بن معاوية يشبه أن يكون هو، قال: وفي هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر، وقد روى من وجه آخر. فذكر من طريق يعقوب بن سفيان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني، حدثنا: محمد بن سليمان، عن ابن غنيم البعلبكي، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة بن الجراج رضي
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في أن قيس بن خرشة القيسي لا يضره بشر
اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية [ (1) ] . وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن قيس بن خرشة القيسي لا يضره بشر فخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ (2) ] من طريق ابن وهب قال: حدثني حرملة بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الكتابيين حتى إذا بلغا صفين وقف كعب، ثم نظر ساعة، قال: فقال لا إله إلا اللَّه، ليهرقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لم يهرق ببقعة من الأرض، فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا، فإن هذا من الغيب الّذي استأثر اللَّه به، فقال كعب: ما من شبر من الأرض إلا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل اللَّه على نبيه موسى بن عمران عليه السلام- ما يكون عليه إلى يوم القيامة، فقال: محمد بن يزيد: ومن قيس بن خرشة؟ فقال له رجل: تقول: ومن قيس بن خرشة؟ وما تعرفه وهو رجل من أهل بلادك؟ قال: واللَّه ما أعرفه، قال: فإن قيس بن خرشة قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أبايعك على ما جاءك من اللَّه، وعلى أن أقول بالحق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا قيس عسى إن مر بك
الدهر أن يليك بعدي ولاة لا تستطيع أن تقول لهم [ (1) ] الحق، قال قيس: لا واللَّه، لا أبايعك على شيء إلا وفيت به، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا لا يضرك بشر. قال: فكان قيس يعيب زيادا أو ابنه عبيد اللَّه بن زياد من بعده، فبلغ ذلك عبيد اللَّه بن زياد، فأرسل إليه فقال: أنت الّذي تفتري على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: [لا واللَّه، ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفتري على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: ومن هو؟ قال: من ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: [[ (2) ] ومن قال: من ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله، قال: ومن ذلك؟ قال: أنت، وأبوك، والّذي أمركما، قال: وأنت الّذي تزعم أنه لا يضرك بشر؟ قال: نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك كاذب، ائتوني بصاحب العذاب، فمال قيس عند ذلك فمات- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وخزي ابن مرجانة [ (3) ] .
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنهما
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بقتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث مؤمل قال: حدثنا عمارة بن زاذان، حدثنا ثابت عن أنس [بن مالك] [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن ملك القطر [ (3) ] استأذن [ربه] [ (2) ] أن يأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأذن له فقال لأم سلمة: املكي علينا الباب، لا يدخل علينا أحد، قال: وجاء الحسين [بن عليّ] [ (4) ] ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلى منكبه، وعلى عاتقه، قال: فقال الملك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: أتحبه؟ قال: نعم، قال [أما] [ (2) ] إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الّذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها، قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء. وخرجه البيهقي من حديث عبد الصمد بن حسان عن عمارة بن زاذان نحوه أو قريبا منه، إلا أنه قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذته أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها فصرته في طرف ثوبها، فكنا نسمع، أن يقتل بكربلاء، قال: وكذلك رواه سفيان بن فروخ، عن عمارة فذكره نحوه [ (5) ] . وقال أبو يعلي: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن ليث بن أبي سليم، عن جرير، عن الحسن العبسيّ، عن مولى لزينب، أو عن بعض أهله، عن زينب قالت: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتي وحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عندي حين درج، فغفلت عنه، فدخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجلس على بطنه فبال فانطلق لأخذه، فاستيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: دعيه، فتركته
حتى فرغ، ثم دعا بماء، فقال: إنه يصب من الغلام، ويغسل من الجارية، فصبوا صبا، ثم توضأ، فقام فصلى، فلما قام احتضنه إليه، فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فشكا، ثم مدّ يده فقلت حين قضى الصلاة: يا رسول اللَّه، إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن ابني هذا تقتله أمتي، فقلت: أرني تربته، فأراني تربة حمراء. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن شرحبيل بن مدرك الجعفي عن عبد اللَّه بن نجي الحضرميّ، عن أبيه، أنه صار مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى عليّ: صبرا أبا عبد اللَّه، بشط الفرات، فقلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي اللَّه أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفضيان؟ قال: بل قام جبريل من عندي قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال هل لك أن اشمك من تربته؟ قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا. وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث وكيع قال: حدثني عبد اللَّه بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة، أو أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال لإحداهما لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد اللَّه، عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: [وما هو] ؟ قالت: إنه شديد، قال: [وما هو] ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء اللَّه غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، فكان في حجري كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فدخلت يوما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تهريقان الدموع، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، مالك؟ قال: أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] [ولم يخرجاه] وخرج من طريق أبي نعيم قال: حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أوحى اللَّه إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلم أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] .
وخرّج من حديث قرة بن خالد قال: حدثنا عامر بن عبد الواحد، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين بن عليّ يقتل بالطف [ (1) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (2) ] من حديث يعلي بن عبيد، عن موسى الجهنيّ، عن صالح بن أربد النخعي، قال: قالت أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: دخل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأنا جالسة على الباب، فاطلعت فرأيت في كفّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا يقلبه وهو نائم على بطنه! فقلت: يا رسول اللَّه تطلعت فرأيتك تقلب شيئا في كفك، والصبي نائم على بطنك، ودموعك تسيل، فقال: إن جبريل عليه السلام أتاني بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرني أن أمتي يقتلونه. وخرّج أبو نعيم أحمد من حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني عبد بن زياد الأسدي، حدثنا عمرو بن ثابت عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: كان الحسين والحسن رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يلعبان بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وضمه إلى صدره، ثم قال: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقال: ريح كرب وبلاء، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: تحولين دما ليوم عظيم [ (3) ] . وخرج من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا سليمان بن بلال عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب، عن أم سلمة قالت: كان
النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا في بيتي ذات يوم، فقال: لا يدخلن عليّ أحد، فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يبكي، فاطلعت، فإذا الحسين في حجره، وإلى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي، فقلت: واللَّه ما علمت به حتى دخل، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن جبريل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حيث الدنيا فنعم، فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من ترابها فأراه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما أحيط بالحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حين قتل، قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض كربلاء، قال: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، أرض كرب وبلاء [ (1) ] . وخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم اضطجع ذات يوم للنوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في الكرة الأولى، ثم اضطجع واستيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق- للحسين- فقلت: يا جبريل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها. تابعه موسى الجهنيّ عن صالح بن زيد النخعي عن أم سلمة وأبان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة. وخرّج البيهقي [ (3) ] من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال: حدثني يحيى بن أيوب قال: حدثني ابن غزية وهو عمارة عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان لعائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها مشربة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا أراد لقي جبريل عليه السلام لقيه فيها، فرقاها مرة من ذلك، وأمر عائشة أن لا يطلع [إليهم] أحد، قال: وكان رأس الدرجة
في حجرة عائشة، فدخل الحسين بن علي فرقى ولم تعلم حتى غشيها، فقال جبريل: من هذا؟ قال: ابني، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجعله على فخذه، قال جبريل: سيقتل، تقتله أمتك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أمتي؟ قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها فأشار جبريل بيده إلى الطف بالعراق، فأخذ تربة حمراء، فأراه إياها. قال البيهقي [ (1) ] : هكذا رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية مرسلا. ورواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن عمارة موصولا فقال: عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة. وخرّجه الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث عطاء بن مسلم الخفاق، عن الأشعث بن سحيم، عن أبيه، عن أنس بن الحارث، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن أمتي تقتل هذا بأرض من أراضي العراق، فمن أدركه منكم فلينصره، قال: فقتل أنس مع الحسين بن علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] حدثنا: أحوص بن حبان عن يونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن نعجة قال: إن أول ذل دخل على العرب قتل الحسين بن علي وادّعاه زياد. وخرّج البيهقي [ (4) ] من حديث شبابة بن سوار، قال: حدثنا يحيى بن سالم الأسدي، قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قدم المدينة، فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه
طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن اللَّه عز وجل خيّر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلم بين الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم واللَّه لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها اللَّه عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا فأبى، وقال: هذه كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: استودعك اللَّه من قتيل. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الرحمن، قال: حدثنا: حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في المنام نصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتبع فيها شيئا، فقلت: ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم، قال: فحفظنا ذلك فوجدناه قتل ذلك اليوم. وخرج من حديث عفان، حدثنا حماد، حدثنا: عمار فذكره بنحو منه [ (2) ] . وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: حدثتنا أم شوق العبدية، قالت: حدثتني نضرة الأزدية قالت: لما قتل الحسين بن على أمطرت السماء دما فأصبحت وكل شيء [لنا] [ (4) ] ملآن [دماء] [ (5) ] . ومن حديث سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط [ (6) ] .
وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق نوح بن دراج عن محمد بن إسحاق، عن الزهري أن أسماء الأنصارية قالت: ما رفع حجر بإيليا ليلة قتل عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه إلا ووجد تحته دم عبيط. وخرجه البيهقي [ (2) ] من حديث ابن عفير، حدثنا فحص بن عمران عن السري بن يحيى، عن ابن شهاب قال: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو فأتيت عبد الملك يعنى ابن مروان لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش يفوق القائم، والناس تحته سماطان فسلمت وجلست، فقال: يا ابن شهاب أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ فقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم، قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، ولا يسمعن منك، قال: فما تحدثت به حتى توفى. قال البيهقي هكذا روى في قتل عليّ بهذا الإسناد، وروى بإسناد أصح من هذا عن الزهري، أن ذلك كان في قتل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. قال كاتبه: يريد ما تقدم ذكره من طريق سليمان بن حرب، عن حماد. وخرج من طريق أيوب بن محمد الرقى حدثنا: سلام بن سليمان الثقفي، عن زيد بن عمرو الطندي، قال: حدثتني أم حبان، قالت: يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثا: ولم يمس أحد منا من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجر في بيت المقدس إلا أصبح تحته دم عبيط.
ومن حديث علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي، قالت: كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أياما كأنها علقة [ (1) ] . ومن حديث أبي بكر الحميدي حدثنا سفيان، قال: حدثتني جدتي، قالت: لقد رأيت الورس عاد رمادا، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين [ (2) ] . ومن طريق سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثني جميل بن مرة، قال: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها قال: فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا [ (3) ] .
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بقتل أهل الحرة وتحريق الكعبة المشرفة
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بقتل أهل الحرة وتحريق الكعبة المشرفة فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب بن بشير المعافري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج من سفر من أسفاره، فلما مرّ بحرة زهرة وقف فاسترجع فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه! ما الّذي رأيت؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما إن ذلك ليس من سفركم هذا، قالوا: فما هو يا رسول اللَّه؟ فقال: يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي. قال البيهقي [ (2) ] : هذا مرسل وقد روي عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما في تأويل آيه من كتاب اللَّه تعالى ما يؤكده، فذكر من طريق ثور ابن يزيد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لأتوها [ (3) ] قال: لأعطوها، يعنى إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة. وخرج الإمام أحمد [ (4) ] من حديث شعبة بن أوس عن بلال العبسيّ، عن ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق؟. وذكر محمد بن الحسن بن زبالة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه قال: أمطرت السماء على عهد عمر بن الخطاب فقال لأصحابه: هل لكم في هذا
الماء الحديث العهد بالعرش لننزل به ونشرب منه؟ فلو جاء من مجيئه راكب لتمسحنا به، فخرجوا حتى أتوا حرة واقم، وشراجها تطرد، فشربوا منها وتوضأنا فقال كعب: واللَّه يا أمير المؤمنين ليسيلن هذا الشراج بدماء الناس كما تسيل بهذا الماء! فقال عمر: دعنا من أحاديثك، قال: فدنا منه عبد اللَّه بن الزبير فقال: يا أبا الحق ومتى ذلك؟ وفي أي زمان؟ قال: إياك أن يكون ذلك على يدك. وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان الواسطي، عن أبيه، عن كعب الأحبار قال: أفنجد في كتاب اللَّه حرة في المدينة تقتل بها مقتلة تضيء وجوههم يوم القيامة كما يضيء القمر ليلة البدر. وذكر من حديث زيد بن كثير عن المطلب بن عبد اللَّه، عن ابن أبي ربيعة أنه مر بعروة بن الزبير وهو يبنى قصره بالعقيق، فقال: أردت الحرث يا أبا عبد اللَّه؟ قال: لا، ولكنه ذكر لي أنه سيصيبها عذاب يعنى المدينة، فقلت: إن أصابها شيء كنت منتحيا عنها. قال كاتبه: وكان من خبر وقعة الحرة [ (1) ] أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل المدينة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان، بعث بوفد من أهل المدينة إلى يزيد فيهم عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل وعبد اللَّه بن عمرو بن أبي حفص، بن المغيرة المجذومي، والمنذر بن الزبير بن العوام، فأكرمهم يزيد وأعظم جوائزهم، فلما عادوا إلى المدينة أظهروا شيم يزيد، وعابوه بشرب الخمر، وعزف القيان، واللعب بالكلاب، وخلعوه، وبايعوا عبد اللَّه بن حنطلة في سنه اثنين وستين، فندب يزيد لحربهم مسلم بن عقبة المزني، ويسمى مسرفا، في اثنى عشر ألف، وعهد إليه إن ظهر عليهم أن يبيح المدينة، وقاتلهم بعد ما دعاهم إلى طاعة يزيد، وأجّلهم ثلاثا فلم يجيبوه، فهزمهم بعد قتال شديد قتل فيه عبد اللَّه بن حنظلة، وعبد اللَّه بن زيد المازني، ومعقل بن سنان الأشجعي، في سبعمائة من حملة القرآن وعدة كثيرة. قال أبو الهيثم: قتل يوم الحرة حرة واقم نحو من ستين ألف وخمسمائة.
وقال: أبو مخنف: المقتولون من وجوه قريش سبعمائة. وقال أبو جعفر الطبري: قتل من القراء سبعمائة ومن الصحابة أربعة: عبد اللَّه بن يزيد ابن عاصم، ومعقل بن يسار، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد اللَّه بن حنظلة الغسيل، وأنهب المدينة ثلاثا فانتهبت، وذلك يوم الأربعاء لثلاث أيام، افتضّ فيها ألف عذراء! وكان الّذي أدخل أهل الشام بنو حارثة من خلف الناس حينئذ، فانهزموا حينئذ، ودعا مسرف الناس إلى بيعة يزيد على أنهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء، وقتل من امتنع من ذلك حتى أسرف في القتل والظلم، فسموه مسرفا لذلك فبّحه اللَّه [ (1) ] . وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا ابن عون، عن خالد بن عبد الحويرث عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: الآيات خرزات منظومات في سلك، يقطع السلك فيتبع بعضها بعضا. قال ابن الحويرث: كنا نادين بالصباح وهناك عبد اللَّه بن عمرو وكان هناك امرأة من بني المغيرة يقال لها فاطمة، فسمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: ذاك يزيد بن معاوية، فقالت: أكذاك يا عبد اللَّه بن عمرو، تجده مكتوبا في الكتاب؟ قال: لا أجده باسمه ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية يسفك الدماء، ويستحل الأموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فإن كان ذلك وأنا حي، وإلا فاذكرينى، قال: وكان منزلها على أبي قبيس [ (3) ] فلما كان زمن الحجاج وابن الزبير ورأت البيت ينقض، قالت: رحم اللَّه عبد اللَّه بن عمرو قد كان حدثنا بهذا. قال كاتبه إنما أحرق البيت في حصار أيام يزيد بن معاوية وقال الليث: رمى الحجاج البيت بالنار فأحرقه، فجاءت سحابة فمطرت على البيت لم
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بذهاب بصر عبد الله بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه فكان كذلك وعمى قبل موته
تجاوزه وأطفأت النار، وجاءت صاعقة فأحرقت المنجنيق وما فيه، وانكسر الحجر الأسود حين رمى الحجاج البيت [ (1) ] . وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب بصر عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فكان كذلك وعمى قبل موته فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ عن ثور بن يزيد، عن موسى بن ميسرة، أن بعض بني عبد اللَّه سايره في طريق مكة، قال: حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حاجة فوجد عنده رجلا، فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل معه، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العباس بعد ذلك، فقال العباس: أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك، فرجع، قال: ورآه؟ قال: نعم!، قال: أتدري من ذلك الرجل؟ ذاك الرجل جبريل- عليه السلام-، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما. وخرّجه الحاكم [ (3) ] من حديث عاصم بن على، قال: حدثتنا زينب بنت سليمان بن عليّ بن عبد اللَّه بن عباس، قال: حدثني أبي قال: سمعت أبي يقول: بعث العباس ابنه عبد اللَّه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فنام وراءه، وعند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: متى جئت يا حبيبي؟ قال: مذ ساعة قال: هل رأيت عندي أحدا؟ قال: نعم، رأيت رجلا، قال: ذاك جبريل عليه السلام ولم يره خلق إلا عمى إلا أن يكون نبيا، ولكن عسى أن يجعل ذلك في آخر عمرك، ثم قال: اللَّهمّ علّمه التأويل، وفقهه في الدين، واجعله من أهل الإيمان. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم بالعمى فكان كذلك
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث صالح بن أبي الأسود، عن أبي الجارود، عن شوذب، عن عكرمة، قال: خرجت بابن عباس وهو على راحلته فلما أخرجها من الحرم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثني أنه سيذهب بصري وقد ذهب، وحدثني أنى سأغرق وقد غرقت في بحيرة طبرية، وحدثني أني سأهاجر من بعد فتنة، اللَّهمّ وأني أشهدك أن هجرتي اليوم إلى محمد بن علي بن أبي طالب. وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن أرقم بالعمى فكان كذلك فخرج البيهقي [ (2) ] من طريق المعتمر قال: حدثنا نباته بن بنت بريد، عن حمادة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل على زيد يعوده من مرض كان به، قال: ليس عليك من مرضك بأس، ولكن كيف بك إذا أعمرت بعدي فعميت؟ قال: إذا احتسب واصبر. قال: إذا تدخل الجنة بغير حساب قال، فعمي بعد ما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ردّ اللَّه عليه بصره ثم مات. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم من يأتي بعده من الكذابين [وإشارته إلى من يكون] منهم من ثقيف فكان كما أخبر فخرج مسلم [ (3) ] من حديث مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
خرجه أيضا من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن همام عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثله، غير أنه قال: ينبعث [ (1) ] . وخرج الحافظ [ (2) ] أبو أحمد بن عدي، من حديث أبي يعلي الموصلي قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا: شريك عن أبي الحق، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسيّ، والمختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أمه دومة بنت عمرو بن وهب بن معقبة بن مالك بن كعب بن عمرو بن عوف بن ثقيف، كان المختار خارجيا، ثم صار زبيريا، ثم صار رافضيا في ظاهره، وزعم أنه يوحى إليه فيسجع به سجعا. وولاه ابن الزبير الكوفة، ثم خرج يطلب بدم الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقتل عبيد اللَّه بن زياد في حرب، وقتل أناسا كثيرة، ثم قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، وشر قبائل العرب بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف. قال ابن عدي: وهذا لا أعلم رواه عن شريك إلا محمد بن الحسن الأسدي، وله إفرادات، وحدث عنه الثقات من الناس، ولم أجد بحديثه بأسا. قال البيهقي: ولحديث هذا المختار بن أبي عبيد الثقفي شواهد صحيحة. وذكر من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا الأسود بن سفيان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنها قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال: فقام عنها ولم يراجعها.
خرجه مسلم [ (1) ] في الصحيح من وجه آخر عن الأسود بن شيبان. وذكر من طريق عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا سفيان هو ابن عيينة حدثنا أبو المحياة عن أمه، قالت: لما قتل الحجاج بن يوسف عبد اللَّه بن الزبير، دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال لها: يا أمّه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم، ولكنى أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه يعنى المختار [ (2) ] ، وأما المبير فأنت، فقال الحجاج: مبير المنافقين. ومن طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شريك عن أبي علوان عبد اللَّه بن عصمة، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرا. قال كاتبه: المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي بن منبه، وقسي هو ثقيف، كان شابا مع عمه سعد بن مسعود الثقفي وهو على المدائن لعلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم نزل الكوفة وأنزله في داره، فأراد نصرته، فقبض عليه عبيد اللَّه بن زياد بعد ما ضرب وجهه بقضيب فشتر عينه، ثم حبسه حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، لأنه كان زوج أخته صفيه بنت أبي عبيد، وأخرجه إلى الحجاز، فأقسم ليأخذن بثأر الحسين وليقتلن بقتله عدة من على دم يحيى بن زكريا عليهما السلام، ونزل الطائف وزعم أنه مبيد الجبارين ثم تبع عبد اللَّه بن الزبير وقاتل معه، فلما مات يزيد بن معاوية مضى إلى الكوفة فكان لا يمر على مجلس إلّا سلّم عليه، قال: أبشروه بالنصر والفتح، أتاكم ما تحبون فأجمعت الشيعة إليه، فقال: لهم إن المهدي يعني محمد بن الحنيفة- بعثني إليكم أمينا ووزيرا، وأمرنى بقتال الملحدين، والطلب بدم أهل بيته، فبايعوه، فقبض عليه
وسجن، فلما قتل سليمان بن صرد أخرج من السجن، فأخذ يجمع الشيعة وخرج يظاهر الكوفة ليلا في ربيع الأول سنة ستة وستين، ونادى مناديه: يا منصور أمت، ونادى آخر: يا لثأرات الحسين، فملك الكوفة بعد حروب شديدة، وبايعه الناس، فأحسن السيرة، وسير بعوثة إلى أرمينية، وأذربيجان، والموصل، والمدائن، وغير ذلك، ثم وثب بمن في الكوفة من قتلة الحسين، وقد خرج عليه أهل الكوفة وقاتلوه فظهر بهم في ذي الحجة منها، وقتل منهم نحو الثمانمائة، وتجرد لقتلة الحسين حتى أفناهم، فكانوا ألوفا، فبعث عبد اللَّه ابن الزبير لقتاله أخاه مصعب بن الزبير، فكانت بينهم حروب عظيمة، قتل فيها المختار، وعمره سبع وستون سنة. قال البيهقي [ (1) ] : وقد شهد جماعة من أكابر التابعين على المختار بن أبي عبيد بما كان يستبطن، وأخبر بعضهم بأنه من جملة الكذابين الذين أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخروجهم بعده، فذكر عن أبي داود الطيالسي قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد، قال: كنت أبطن شيء بالمختار- يعنى: الكذاب- قال: فدخلت عليه ذات يوم، فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي! قال: فأهديت إلى قائم سيفي يعني لأضربه، حتى ذكرت حديثا حدثته عمرو بن الحمق الخزاعي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا أمن الرجل الرجل على دمه، ثم قلته رفع له لواء الغدر يوم القيامة، فكففت عنه، وقال زائدة عن السدي عن رفاعة القتباني: قال: كنت بالسيف على رأس المختار بن أبي عبيد، فسمعته ذات يوم يقول: قام جبريل من هذه النمرقة فأردت أن أسل سيفي فأضرب عنقه فذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرا، قال: فتركته.
قال البيهقي [ (1) ] وكذلك رواه سفيان الثوري وأسباط بن نصر، وغيرهما، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السندي. وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من طريق ابن نمير، حدثنا: عيسى [القاري] أبو عمر حدثنا السدي عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة فقال: لولا أخى جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثنيه [أخي] عمرو بن الحمق قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء. ومن طريق الحميدي [ (3) ] حدثنا: سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي قال: فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة، والأحنف ساكت لا يتكلم، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاءه بكتاب فقال لي: هاك اقرأ، فقرأته، فإذا فيه من المختار إليه يذكر أنه نبي فقال: يقول الأحنف: أنى فينا مثل هذا. قال البيهقي [ (1) ] : وقد روينا عن يحيى بن سعيد، عن مجالد، عن الشعبي قصة ما كان في الكتاب من موضوعة الّذي كان يعارض به القرآن. ومن طريق عبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، سمع مرة يعنى الهمذانيّ، قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: القرآن ما منه حرف، أو قال: آية- شك- إلا وقد عمل به قوم أو قال سيعملون بها، قال مرة: فقرأت: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [ (4) ] فقلت من عمل بهذه حتى كان المختار بن أبي عبيد.
قال البيهقي [ (1) ] : ولعكرمة مولى ابن عباس فيما يقال عن الوحي والموضوع [سئل] [ (2) ] يريدون ما كان المختار يدّعيه من أنه يوحى إليه، وأنّ عنده كتاب يسمى الموضوع. ومن طريق أبي داود حدثنا: عبد اللَّه بن الجراح عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال عبيدة السلماني يعنى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في خروج الكذابين، قال إبراهيم: فقلت له أترى هذا منهم؟ يعنى المختار بن أبي عبيد؟ قال عبيدة: أما إنه من الرءوس [ (3) ] . قال جامعه: وكانت سيرة المختار بن أبي عبيد في تتبع قتله الحسين وقتلهم، شاهدة بصدق على ما خرجه الحاكم [ (4) ] من حديث أبي يعلى محمد بن شداد المسمعي، حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أوحى اللَّه إلى نبيكم أني قتلت بيحيى سبعين ألفا، وأني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. قال الحاكم: قد كنت أحسب دهرا أن المسمعي تفرد بهذا الحديث عن أبي نعيم حتى حدثناه أبو محمد السبيعي الحافظ، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن ناجية حدثنا حميد بن الربيع، حدثنا أبو نعيم، فذكره بإسناد نحوه.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عبد الله بن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه بأمره وما لقي
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بأمره وما لقي فخرج الحاكم [ (1) ] ، وأبو نعيم [ (2) ] أحمد من طريق سعد أبي عاصم مولى سليمان بن عليّ، قال: زعم لي كيسان مولى عبد اللَّه بن الزبير قال: دخل سلمان على [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] وإذا عبد اللَّه بن الزبير معه طست بشرب ما فيها، فدخل عبد اللَّه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: فرغت؟ قال: نعم، قال سلمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: أعطيته غسالة محاجمى يهريق ما فيها، قال سلمان: ذاك شربة، والّذي بعثكم بالحق، قال: شربته؟ قال: نعم، قال: لم؟ قال: أحببت أن يكون دم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في جوفي فقال بيده على رأس ابن الزبير وقال: ويل للناس منك، وويل لك من الناس، لا تمسك النار إلا قسم اليمين. وخرجه من طريق الهنيد بن القاسم [ (3) ] بن عبد الرحمن بن ماعز قال: سمعت عامر بن عبد اللَّه بن الزبير يحدث أن أباه حدثه أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد اللَّه اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برزت عنه صلّى اللَّه عليه وسلم حسوته فلما رجعت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ما صنعت؟ قلت جعلته في مكان ظننت أنه خاف عن الناس، قال: فلعلك شربته؟ قلت: نعم، قال: ومن أمرك أن تشرب الدم؟ ويل لك من الناس وويل للناس منك.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بالمبير الذي يخرج من ثقيف فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم
وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق الأعمش عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: حدثني البريد الّذي أتى ابن الزبير برأس المختار فلما رآه قال ابن الزبير: ما حدثني كعب بحديث إلا وجدت مصداقة، إلا أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني، قال الأعمش: وما يدرى أن أبا محمد خذله اللَّه خبأ له. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالمبير الّذي يخرج من ثقيف فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج مسلم [ (2) ] من حديث يعقوب بن إسحاق الحضري قال: حدثنا الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل رأيت عبد اللَّه بن الزبير على عقبة المدينة، قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد اللَّه بن عمر فوقف عليه، فقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أما واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، أما واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، أما واللَّه لقد كنت أنهاك عن هذا، واللَّه إن كنت ما علمت صواما وصولا للرحم، أما واللَّه لأمة أنت أشرها، لأمة خير، ثم نفذ عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. فبلغ الحجاج موقف عبد اللَّه بن عمر وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه فألقى في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، فأبت أن تأتيه، فأعاد إليها الرسول لتأتين أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك قال: فأبت، وقالت: واللَّه لا آتيك حتى تبعث إلى من يسحبنى بقروني! قال: فقال: أرونى سبتي! فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها، فقال لها: كيف رأيتني صنعت بعدوّ اللَّه؟ قالت: رأيتك أفسدت
عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين، أنا واللَّه ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إياه، قال: فقام عنها ولم يراجعها. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث شريك عن عبد اللَّه بن عصم، عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في ثقيف كذاب ومبير. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك، وشريك يقول: عبد اللَّه بن عصم وإسرائيل يقول: عبد اللَّه بن عصمة قال: أبو عيسى يقال الكذاب المختار بن أبي عبيد، والمبير الحجاج بن يوسف. قال الترمذي: حدثنا أبو داود سليمان بن سلم البلخي أخبرنا النضر بن شميل، عن هشام بن حسان قال: أحصوا ما قتل الحجاج صبرا فبلغ مائه ألف وعشرين ألف قتيل. قال البيهقي: وقد حذر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ثم أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم شأن الحجاج بن يوسف، وأخبرا بخروجه، ولا يقولان ذلك إلا توقيفا، فذكر من طريق عثمان بن سعيد الدرامي قال: قرأت على أبي اليمان أن جرير بن عثمان حدثه عن عبد الرحمن بن ميسرة بن أزهر، عن أبي عذبة الحمصي قال: قدمت على عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه رابع أربعة من الشام، ونحن حجاج فبينا نحن عنده أتاه آت من قبل العراق فأخبرهم أنهم قد حصبوا إمامهم، وقد كان عوضهم به مكان إمام كان قبله فحصبوه، فخرج إلى الصلاة مغضبا فيها في صلاته ثم أقبل على الناس، فقال: من هاهنا من أهل الشام؟ فقمت أنا وأصحابي، فقال: يا أهل الشام، تجهزوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ، ثم قال: اللَّهمّ إن قد لبّسوا عليّ فألبس عليهم،
اللَّهمّ عجل لهم الغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم. قال: أبو اليمان: علم عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن الحجاج خارج لا محالة، فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة التي لا بدّ لهم منها، قال عثمان: وقلت له: إن هذا أحد البراهين على أمر الحجاج، قال: صدقت. وقد خرجه الدرامي من حديث عبد اللَّه بن صالح، أن معاوية بن صالح حدثه عن شريح بن عبيد، عن أبي عذبة، وذكر نحو ما تقدم أو قريبا منه، قال: عبد اللَّه: وحدثه ابن لهيعة بمثله قال: وما ولد الحجاج يومئذ. ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار عن الحسن، قال: قال علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لأهل الكوفة: اللَّهمّ كما ائتمنتهم فخانوني، ونصحت لهم فغشوني، فسلط عليهم فتى ثقيف الذيال، الميال، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها، ويحكم بحكم الجاهلية، قال: يقول الحسن: وما خلق الحجاج يومئذ. ومن طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أيوب بن مالك بن أوس ابن الحدثان عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: الشاب الذيال أمير المصرين يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف أهلها، يشتد منه الفرق، ويكثر منه الأرقّ، يسلطه اللَّه على شيعته. ومن طريق يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب قال: حدثني حبيب بن أبي ثابت قال: قال عليّ لرجل: لا متّ حتى تدرك فتى ثقيف، قيل له: يا أمير المؤمنين ما فتى ثقيف؟ قال: ليقالن له يوم القيامة أكفنا زاوية من زوايا جهنم، رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين لا يدع للَّه معصية إلا ارتكبها، حتى لو لم تبق إلا معصية واحدة، وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها، يقتل بمن أطاعه من عصاه [ (1) ] .
ومن طريق أبي حاتم الرازيّ: حدثنا: عبد اللَّه بن يوسف التنيسي، حدثنا هشام بن يحيى الغساني قال: قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئناهم بالحجاج لغلبناهم [ (1) ] . وقال: أبو بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود قال: ما بقيت للَّه حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج [ (2) ] . وقال: عبد الرزاق أخبرنا معمر، عن ابن طاووس، قال: دخل رجل على أبي فقال: مات الحجاج بن يوسف يا أبا عبد الرحمن! قال لأبى: أربعوا على أنفسكم حبس رجل عليه لسانه وعلم ما يقول، فقال له الرجل: يا أبا عبد الرحمن برح الخفاء هذه نساء وافد بن سلمة قد نشرن أشعارهن وخرقن ثيابهن ينحن عليه، قال: أفعلوا؟ قال: نعم، قال: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [ (3) ] . وخرج الحاكم [ (4) ] من طريق سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل قال: اختلفت أنا والمرهبي في الحجاج، فقال: مؤمن، وقلت، كافر. ومن طريق أبي بكر بن عياش قال: سمعت الأعمش يقول: واللَّه لقد سمعت الحجاج بن يوسف يقول: يا عجبا من عبد هذيل يزعم أنه يقرأ قرآنا من عند اللَّه، واللَّه ما هو إلا رجز من رجز الأعراب، واللَّه لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه [ (5) ] .
قال الحاكم: هذا بعد قتله عبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن الزبير، يتأسف على ما فاته من قتل عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وعن العبادلة ولعن من أبغضهم وخذلهم. وقيل للشعبى: الحجاج مؤمن؟ فقال: مؤمن بالجبت والطاغوت وكافر باللَّه، وسئل مجاهد عنه فقال: اسألوني عن الشيخ الكافر، وينقل عنه أنه قال- وقد رأى الناس حول قبر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم-: إنما يطوفون بأعواد ورمّة. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث إسحاق بن سعيد بن عمرو عن عبد اللَّه بن عمرو قال: أشهد باللَّه لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول يحلها وتحل به رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها. وخرجه البزار من حديث محمد بن كثير، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن عمرو، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يلحد رجل بمكة يقال له عبد اللَّه، عليه نصف عذاب العالم. قال البزار لم يتابع محمد بن كثير عليه. ورواه غيره عن الأوزاعي عن رجل من آل المغيرة، عن المغيرة بن شعبة، عن عثمان بن عفان. وخرجه الإمام أحمد أيضا [ (2) ] من حديث إسحاق بن سعيد، حدثنا سعيد بن عمرو، قال: أتى عبد اللَّه بن عمرو بن الزبير وهو جالس في الحجر، فقال: يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم اللَّه، فإنّي أشهد لسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يحلها وتحل به رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها، قال: فانظر ألا تكون هو، قال: يا ابن عمرو! فإنك قد قرأت الكتب وصحبت الرسول صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فإنّي أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهدا. ومن حديث إسحاق بن سعيد [ (3) ] عن أبيه قال: أتى عبد اللَّه بن عمرو بن الزبير فقال: يا ابن الزبير، إياك والإلحاد في حرم اللَّه فإنّي سمعت رسول اللَّه
وأما إخباره بأن معترك المنايا بين الستين إلى السبعين فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم
صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إنه سيلحد فيه رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت، قال فانظر ألا تكونه. وخرج من حديث جعفر بن أبي المغيرة [ (1) ] عن ابن أبزى، عن عثمان بن عفان، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال له عبد اللَّه بن الزبير عند حصره: إن عندي غائبة قد أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة، فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد اللَّه، عليه نصف أوزار الناس. وقال الزبير بن بكار: وحدثني محمد بن حسن يعنى ابن زبالة، عن إبراهيم بن محمد، عن نافع بن ثابت، عن محمد من كعب القرظي، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دخل على أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها حين ولد عبد اللَّه بن الزبير فقال: أو هو؟ تركت أسماء رضاع عبد اللَّه بن الزبير لما سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أهو هو، فقيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن أسماء تركت رضاع عبد اللَّه بن الزبير لما سمعتك تقول أهو هو؟ فقال: أرضعيه ولو بماء عينيك، كبش بين ذئاب، ليمنعن الحرم وليقتلن به. وأما إخباره بأن معترك المنايا بين الستين إلى السبعين فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج أبو يعلي الموصلي في مسندة، قال: حدثنا إسحاق بن موسى بن عبد اللَّه الأنصاري، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن إبراهيم بن الفضل بن سليمان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم معترك المنايا بين الستين إلى السبعين ورواته رواة الصحيح، إلا إبراهيم بن الفضل فهو ضعيف. واختلفت في تأويل هذا الحديث فذهب بعضهم إلى أن معناه الإشارة إلى الفتن الواقعة فيما بين الستين والسبعين من الهجرة النبويّة، وقال آخرون بل
ذلك يشير إلى أن أعمار هذه الأمة المحمدية في الغالب والأكثر تكون ما بين ستين سنة إلى سبعين، ولكل على ما ذهب إليه دليل، وشواهد الأحوال تصدق ذلك وتؤيده، فقد وقعت بين الستين إلى السبعين من سني الهجرة، فمنها: قتل الحسين وقتال الحرة، ومرج راهط، ويوم جبانة السبيع [ (1) ] ، ووقائع المختار بن أبي عبيد، ويوم جازر [ (2) ] ، وفتنة عبد اللَّه بن الزبير، والطاعون الجارف الّذي هلك فيه بالبصرة في ثلاثة أيام في كل يوم سبعون ألفا، ومات فيه لأنس بن مالك ثلاثة وثمانون ابنا، ويقال ثلاثة وسبعون، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابنا، ومات لصدقة بن عامر الحارثي سبعة بنين في يوم واحد، وطاعون الكوفة. ويؤيد ذلك ما خرجه الإمام أحمد [ (3) ] من حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا كامل أبو العلاء، قال: سمعت أبا صالح عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تعوذوا باللَّه من السبعين، ومن إمارة الصبيان، وقال: لا تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع، وله عنده طرق. والأكثر يتأول قوله: معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين، أن أكثر موت الناس وقد بلغوا من السنين ما بين الستين والسبعين، واحتجوا لذلك بما خرجه البخاري [ (4) ] من حديث معن بن محمد الغفاريّ عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال:
أعذر اللَّه إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة. تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري. وقال عبد الرزاق، عن معمر والثوري، عن أبي خثيم، عن مجاهد عن بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ قال: ستون سنة. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من أتت عليه ستون فقد أعذر اللَّه إليه في العمر. وعلق البخاري طريق ابن عجلان هذه. وخرجه أبو بكر بن مردويه في (التفسير) من طريق أبي معشر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: من عمر ستين أو سبعين سنة فقد عذر اللَّه إليه في العمر، وأبو معشر فيه ضعف. وخرج الترمذي [ (2) ] من حديث محمد بن ربيعة، عن كامل أبي العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: عمر أمتى من ستين إلى سبعين. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة. وخرجه في كتاب الدعاء [ (3) ] من حديث عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعمار أمتى ما بين ستين إلى سبعين، وأقلهم من يجوز ذلك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وزعم بعضهم أن التأويل الأول أليق بالحديث، لأن أكثر من الناس يموت في الصغر، ومن تأمل هذا في الأطفال والأحداث عرف الحقيقة. وقال المبرد في كتاب (الأزمنة) : تأمل حكيم إلى أخ له: لا تغتر بشبابك فإن أكثر من يموت الشباب، والدليل على ذلك أن الشيوخ أقل الناس. قال أبو الفتح البستي: لا تغترن بشباب رائع خضل ... فكم يعدم قبل الشيب شبان.
أما إخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع الشر بعد الخير الذي جاء به ثم وقوع الخير بعد ذلك الشر، ثم وقوع الشر بعد الخير، فكان كما أخبر
أما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقوع الشر بعد الخير الّذي جاء به ثم وقوع الخير بعد ذلك الشر، ثم وقوع الشر بعد الخير، فكان كما أخبر فخرج البخاري [ (1) ] في الفتن، ومسلم [ (2) ] في الإمارة، من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر حدثنا بسر بن عبيد اللَّه
الحضرميّ أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ يقول: سمعت حذيفة بن اليمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: كان الناس يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول اللَّه إنّا كنا في جاهلية وشرّ فجاءنا اللَّه بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك شر من خير قال: نعم؟ وفيه دخن، قال: قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يسنتون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتذكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول اللَّه، صفهم لنا، قال: نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول اللَّه، فما تأمرنى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت فإن لم يكن جماعة ولا إمام؟ قال: فتعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض [على أصل] شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. اللفظ لمسلم، ولم يقل فيه البخاري: يسنتون بغير سنتي. وذكر البخاري هذا الحديث أيضا في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] ، ولم يقل يستنون بغير سنتي، وفي رواية الأصيلي: قوم يهدون بغير هديي، وفي رواية أبي ذر: بغير هديي. وخرجه البخاري [ (2) ] أيضا من حديث يحيى بن سعيد عن إسماعيل، حدثني قيس عن حذيفة، قال: تعلم أصحابى الخير، وتعلمت الشر. ووجد بخط أبي إسحاق بن قرقول على هذا الحديث، قال أبو الحسن القابسي: ينبغي أن يتخذ هذا الحديث أصلا يرجع إليه عند نزول الحوادث. وقد خرجه مسلم [ (3) ] أيضا من حديث يحيى بن حسان قال: حدثنا معاوية بن سلام قال: حدثنا زيد بن سلام، عن أبي سلام قال: قال حذيفة:
قلت: يا رسول اللَّه إنّا كنا بشرّ، فجاء اللَّه بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم، قلت: فهل من وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي سيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين أئمة في إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركت ذلك؟ قال: نسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع. قال الدار الدّارقطنيّ [ (1) ] : هذا عندي مرسل، أبو سلام لم يسمع من حذيفة، ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق، لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد قال فيه: قال حذيفة، فهذا يدل على إرساله. وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرنى أبي قال: وسئل الأوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الشر الّذي يكون بعد ذلك الخير، قال الأوزاعي: هي الردة التي كانت بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم.
قال الأوزاعي: وفي مسألة حذيفة: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قال الأوزاعي: الخير الجماعة، وفي ولاتهم من تعرف سيرته، وفيهم من تنكر سيرته، قال: فلم يأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قتالهم ما صلوا الصلاة. وخرج من طريق أبي داود الطيالسي [ (1) ] قال: حدثنا داود الواسطي- وكان ثقة- قال: سمعت حبيب بن سالم قال: سمعت النعمان بن بشير بن سعد في حديث ذكره، قال: فجاء أبو ثعلبة، قال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الأمراء، وكان حذيفة قاعدا مع بشير، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إنكم في النبوة ما شاء اللَّه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ما شاء اللَّه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء، ثم تكون جبرية تكون ما شاء اللَّه أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، قال: فقدم عمر يعنى ابن عبد العزيز، ومعه يزيد بن النعمان فكتبت إليه أذكره الحديث، وكتبت إليه أني أرجو أن يكون أمير المؤمنين بعد الجبرية، فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسرّ به وأعجبه. وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق سعيد بن عامر قال: حدثنا أبو عامر صالح بن رستم عن حميد بن هلال، عن عبد الرحمن بن قرط قال: دخلت المسجد فإذا حلقة كأنما قطعت رءوسهم، وإذا فيهم رجل يحدث، فإذا حذيفة قال: كانوا يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أساله عن الشر كيما أعرفه فأتقيه، وعلمت أن الخير لا يفوتني، قال: فقلت: يا رسول اللَّه، هل بعد هذا الخير من شر؟ قال: يا حذيفة تعلم كتاب اللَّه واعمل بما فيه، ثم قال: في الثالثة: فتنه واختلاف، قلت: يا رسول اللَّه هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: يا حذيفة تعلّم كتاب اللَّه واعمل بما فيه قلت: يا رسول أبعد ذلك الشر من خير؟
قال: فتن على أبوابها دعاة إلى النار، فلأن تموت وأنت عاض على جذل [شجرة] خير لك من أن تتبع أحدا منهم. قال الحاكم [ (1) ] : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال كاتبه: هو معنى ما خرجاه في الصحيحين وتلك أحسن سياقة وأتم. وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا أبو عوانة عن قتادة، عن نضر بن عاصم، عن سبيع بن خالد قال: خرجت إلى الكوفة زمن فتحت تستر لأجلب منها بغالا، فدخلت المسجد، فإذا صدع من الرجال تعرف إذا رأيتهم أنهم من رجال الحجاز، قال: قلت من هذا؟ قال: فحدثني القوم بأبصارهم وقالوا: ما تعرف هذا؟ هذا حذيفة صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: فقال حذيفة: إن الناس كانوا يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر. قال: قلت يا رسول اللَّه! أرأيت هذا الخير الّذي أعطانا اللَّه يكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: نعم، قلت: يا رسول اللَّه فما العصمة من ذلك؟ قال: السيف، وقلت وهل للسيف من بقية؟ قال: نعم، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم هدنة على دخن، قال: جماعة على فرقة، فإن كان للَّه عز وجل يومئذ خليفة ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع، وإلا فمت وأنت عاضا بجذل شجرة، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال، ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره أجره وحط وزره، ومن وقع في نهره، وجب وزره، وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي قيام الساعة. وخرج الحاكم [ (2) ] من طريق أبي داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانه عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن سبيع بن خالد قال: خرجت إلى الكوفة زمن فتحت تستر لأجلب منها بغالا فدخلت المسجد فإذا صدع من الرجال تعرف إذا رأيتهم أنهم من رجال الحجاز، قال: قلت من هذا؟ قال: فحدقني القوم
بأبصارهم وقالوا: ما تعرف هذا هذا حذيفة صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: كان الناس سيألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر. قال: قلت: يا رسول اللَّه! أرأيت هذا الخير الّذي أعطانا اللَّه يكون بعده شر كما كان قبله؟ قال: نعم، قلت: يا رسول اللَّه فما العصمة من ذلك؟ قال: السيف، وقلت: وهل للسيف من بقية؟ قال: نعم، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم هدنة على دخن، قال: جماعة على فرقة، فإن كان للَّه عز وجل يومئذ خليفة ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع، وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال، ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره وحط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره، وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي قيام الساعة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث زيد بن أرطاة عن بعض إخوته عن أبي الدرداء عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: كل شيء ينقص إلا الشر، فإنه يزاد فيه. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. قال كاتبه: هو معنى ما خرجاه في الصحيحين وتلك أحسن سياقه وأتم.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بيزيد بن معاوية [1] وإحداثه في الإسلام الأحداث العظام
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بيزيد بن معاوية [ (1) ] وإحداثه في الإسلام الأحداث العظام فخرج الحاكم [ (2) ] من طريق مجاشع بن عمرو ومنصور بن عمارة قالا: حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل قال حدثني عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن معاذ بن جبل أخبره قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم متغير اللون فقال: أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم، فإذا ذهب بى فعليكم بكتاب اللَّه، أحلوا حلاله وحرموا حرامه، أتتكم الموتة، أتكلم بالروح والراحة، كتاب من اللَّه سبق، أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم كلما ذهب رسل جاء رسل تناسخت النبوة فصارت ملكا رحم اللَّه من أخذها بحقها وخرج منها كما دخلها، وذلك أن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أحد رءوس الكفر، جاء يزيد من قبل أبيه فإن أباه معاوية، أمه هند بنت عتبة هذا، وقتله اللَّه يوم بدر، فهو يقول في سفره أنه ينتفى من عتبة رأس الكفر إن لم يأخذ بثأره من أحمد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وينعق في شعره بأنه تشفى إذا أخذ بثأر عتبة لما قتل الحسين ابن بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكانت قتلة الحسين إحدى مصائب الإسلام التي انتهكت فيها بحرمات اللَّه. ومن شنائع يزيد أنه لما جهز الجيش إلى المدينة مع مسلم بن عقبة المري قال: خذها إليك أبا خبيب إنها كناصية الحصان الأشقر وادع إلهك في السماء فإنني داع إليك رجال سمر وأشعر. يريد بأبي خبيب عبد اللَّه بن الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ويستخف بدعائه إلى اللَّه تعالى فإنه كان قد عاذ بالبيت الحرام. فكانت وقعة الحرة [ (1) ] ، إحدى مصائب الإسلام الشنيعة ومضت جيوش يزيد بعدها من المدينة
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأن جبارا من جبابرة بني أمية يرعف على منبره فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم
إلى مكة لمحاربه ابن الزبير بمكة وقد رميت الكعبة بالمنجنيق واحترقت من شرارة هبت بها الريح. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن جبارا من جبابرة بني أمية يرعف على منبره فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الصمد قال: حدثنا حماد قال حدثني على بن زيد قال: أخبرنى من سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية، فيسيل رعافه. قال: فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حتى سال رعافه. وعمرو هذا هو أبو أمية عمرو الأشدق بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي القرشي أحد أشراف قريش، ولاه معاوية مكة ثم استعمله يزيد بن معاوية على المدينة في رمضان سنة ستين فباشرها، وكان عظيم الكبر حتى عزله في سنة إحدى وستين في ولايته، رعف على المنبر أول ما خطب، ثم شهد مع مروان بن الحكم مرج راهط [ (2) ] وحرب مصر، فلما قام عبد الملك بن مروان قتله في سنة سبعين أو قبلها، وقد ذكرته ذكرا شافيا في كتاب (التاريخ الكبير المقفى) [ (3) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بتمليك بني أمية
ولما رعف وهو يخطب قال: أعرابي جاء بالدم، وناوله إنسان عمامة فمسحه بها فقال أعرابي: عمّ الناس الدم، ثم ناوله إنسان عصا ذات شعبتين فقال أعرابي: شعب بين الناس [ (1) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتمليك بني أمية فخرج الإمام أحمد [ (2) ] والحاكم [ (3) ] من حديث حجاج بن محمد، حدثنا شعبة عن أبي حمزة قال: سمعت حميد بن هلال يحدث عن عبد اللَّه بن مطرف، عن أبي برزة الأسلمي، قال: كان أبغض الأحياء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج الحاكم [ (4) ] من حديث أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي مؤذن المسجد الحرام، قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إني رأيت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على
منبري كما تنزو القرود، قال: فما رئي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى توفى. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي داود الطيالسي حدثنا: القاسم بن الفضل الحداني عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما بعد ما بويع معاوية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: سوّدت وجوه المؤمنين! قال: لا تؤنبنى رحمك اللَّه، فإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أرى بنو أمية على منبره فساءه ذلك، فزلت: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [ (2) ] يا محمد يعنى نهرا في الجنة، ونزلت إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [ (3) ] تملكها بعدك بنو أمية يا محمد، قال القاسم: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا يزيد يوم ولا ينقص. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والقاسم بن الفضل الحداني هو ثقة، وثقه يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، ويوسف بن سعد مجهول، ولا نعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه. وقد خرج هذا الحديث البيهقي [ (4) ] من طريق أحمد بن زهير بن حرب حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا القاسم بن الفضل الحدانى. ومن طريق أبي داود يعنى الطيالسي حدثنا القاسم بن الفضل قال حدثنا يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي فقال: يا مسوّد وجه المؤمنين! فقال الحسن: لا تؤنبني رحمك اللَّه. الحديث.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث بقية بن الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد اللَّه خولا، ومال اللَّه نحلا، وكتاب اللَّه دغلا. وخرجه [ (2) ] من حديث بقية وعبد القدوس بن الحجاج قالا: حدثنا: أبو بكر ابن أبي مريم عن راشد بن سعد عن أبي ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد اللَّه خولا، ومال اللَّه نحلا، وكتاب اللَّه دغلا. قال أبو بكر بن أبي مريم: وحدثني عمار بن أبي عمار أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [يقول] هلاك هذه الأمة على يدي أغيلمة من قريش. [قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين] ، قال: ولهذا الحديث توابع وشواهد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وصحابته والأئمة من التابعين، لم يسعني إلا ذكرها، فذكرت بعض ما حضرني منها. فذكر من طريق عبد الرزاق بن همام [ (3) ] قال: حدثني أبي عن مينا مولى عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] الملعون.
وذكر أيضا من طريق إسحاق بن يوسف [ (1) ] ، حدثنا شريك بن عبد اللَّه، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن حلام بن جزل الغفاريّ قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاريّ يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللَّه دولا، وعباد اللَّه خولا ودين اللَّه دغلا، قال حلام: فأنكرت ذلك على أبي ذر، فشهد عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنى سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قاله. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وشاهده حديث أبي سعيد الخدريّ، فذكر عن طريق أبي صالح بن عمر [ (2) ] ، حدثنا مطرف بن طريف عن عطية عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا، ومال اللَّه دولا. قال وهكذا رواه الأعمش عن عطية، فذكره من طريق محمد بن حميد [ (3) ] حدثنا جرير عن الأعمش، عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللَّه دولا، ودين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا. قال كاتبه: وقد خرج هذا الحديث من طريق أبي بكر بن أبي إدريس، قال: حدثني سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا اتخذوا دين اللَّه دغلا، وعباد اللَّه خولا، ومال اللَّه دولا.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث أمية بن خالد عن شعبة، عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: سنّة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر، سنّة كسرى وقيصر، قال مروان: هو الّذي أنزل فيه وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما [ (2) ] الآية. قال: فبلغ عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، فقالت كذب واللَّه ما هو به، ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن أبا مروان، ومروان في صلبه، فمروان قصص من لعنة اللَّه. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج من طريق مسلم بن إبراهيم [ (3) ] ، حدثنا: جعفر بن سليمان الضبعي، حدثنا على بن الحكم البناني، عن أبي الحسن الجزري، عن عمرو ابن مرة الجهنيّ، وكانت له صحبة، أن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فعرف صوته وكلامه، فقال: ائذنوا له، عليه لعنة اللَّه، وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم، وقليل ما هم، يشرفون في الدنيا، ويوضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. [ولم يخرجاه] . وخرجه البيهقي [ (4) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، حدثنا سعيد بن زيد أخو حمّاد بن يزيد، عن علي بن الحكم عن أبي الحسن، عن عمرو بن مرة،
وكانت له صحبة، قال: جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فعرف كلامه، فقال: ائذنوا له، حية أو ولد حية، فذكره بنحو منه. قال الحاكم [ (1) ] : وشاهده، فذكر من حديث أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين، حدثنا إبراهيم بن منصور الخراساني حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن محمد بن سوقة، عن الشعبي، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لعن الحكم وولده. قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الحاكم [ (2) ] : ليعلم طالب العلم أن هذا باب لم أذكر فيه ثلث ما روى، وأن أول الفتن في هذه الأمة فتنتهم، ولم يسعني فيما بيني وبين اللَّه تعالى أن أخلى الكتاب من ذكرهم. وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث كامل بن طلحة، حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل أن ابن موهب أخبره أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان، فدخل عليه مروان، فكلمه في حاجته، فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فو اللَّه إن مئونتي لعظيمة، وإني أبو عشرة، وعم عشرة، وأخو عشرة، فلما أدبر مروان وابن عباس جالس [مع] [ (4) ] معاوية، على السرير، قال معاوية: أنشدك اللَّه [ (5) ] يا ابن عباس [ (6) ] ألم تعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال اللَّه بينهم دولا، وعباد اللَّه خولا، وكتاب اللَّه دغلا،
فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة؟ فقال [ابن عباس] [ (1) ] : اللَّهمّ نعم [ (2) ] . وذكر مروان حاجة له، فرد مروان عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية: أنشدك اللَّه يا ابن عباس! أما تعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذكر هذا؟ فقال: أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عباس: اللَّهمّ نعم. وخرج من حديث سفيان [ (3) ] عن على بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بني أمية على منابرهم فساءه ذلك، فأوحى اللَّه إليه إنما هي دنيا أعطوها، فقرت عينه، وهي قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (4) ] يعنى بلاء الناس. وخرج الحاكم [ (5) ] من حديث الفرياني حدثنا سفيان عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر عن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ قال: هم الأفخران من قريش، بنو أمية، وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة فقد قطع اللَّه دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا حتى حين، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] . ولأبى بكر بن أبي شيبة [ (6) ] من حديث هوذة بن خليفة عن أبي خلدة عن عوف، عن أبي العالية، عن أبي ذر، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية.
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام بالوليد وذمه له
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام بالوليد وذمّه له فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث بشر بن بكر، قال: حدثني الأوزاعي، قال حدثني الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، قال: ولد لأخي أم سلمة من أمها غلام فسموه [ (2) ] الوليد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تسمون بأسماء فراعنتكم؟ غيروا اسمه، فسموه عبد اللَّه، فإنه سيكون في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، هو شر لأمتي من فرعون وقومه قال البيهقي: هذا مرسل حسن. وخرجه الحافظ أبو نعيم [ (3) ] من حديث إسماعيل بن عياش، عن الأوزاعي بنحوه وزاد، قال الأوزاعي: قلت له: أيّ الوليد هو؟ إن استحلف الوليد بن يزيد فهو هو، وإلا فالوليد بن عبد الملك. وقد خرجه الإمام أحمد [ (4) ] من حديث الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث الأوزاعي عن الزهري عن ابن المسيب. عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، [قال الحاكم:] وهو الوليد بن يزيد بلا شكّ ولا مرية. وخرجه البيهقي [ (2) ] أيضا من حديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا أبو عمر الأوزاعي بنحوه وزاد في آخره: قال الأوزاعي: وكان الناس يرون أنه الوليد ابن عبد الملك بن مروان ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقتلوه، ففتحت الفتن على الأمة والهرج. قال كاتبه: كان الوليد بن عبد الملك بن مروان جبارا عنيدا قال: كنتم تسمون الخلفاء ومن سماني قتلته، قال: فكف الناس عن تسمية الخلفاء، وسمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خطبته: يا ليتها كانت القاضية [ (3) ] ، فقال: عليك وأراحتنا منك، وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك ماجنا، فاسقا، معلنا بالفسق، واقع جارية، ثم دعي إلى الصلاة، فأمرها فخرجت متلثمة فصلت بالناس، وأخذ القوس، ورمى المصحف، وخرقه، وقال: إذا لاقيت ربك يوم حشر فقل يا رب خرقني الوليد [ (4) ] ويقال: إنه كان يقول مقالة التنويه.
وأما إشارته صلى الله عليه وسلم إلى خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى خلافة عمر بن عبد العزيز رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عفان بن مسلم قال: حدثنا عثمان بن عبد الحميد بن لاحق، عن جويرة بنت أسماء، عن نافع، قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: إن من ولدي رجلا بوجهه شين يلي، فيملأ الأرض عدلا، قال نافع من قبله: لا أحسبه إلا عمر بن العزيز.
ومن طريق عثمان بن طالوت [ (1) ] ، قال: أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا مبارك بن فضالة عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول كثيرا: ليت شعرى! من هذا الّذي من ولد عمر بن الخطاب في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا؟ [فأمر ابن أيوب بالحديث] . ومن حديث عبد العزيز بن عبد اللَّه [ (2) ] بن أبي سلمة، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن دينار، قال: قال عمر: يا عجبا كيف يزعم الناس أن الدنيا لن تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر؟ قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد اللَّه بن عمر، قال: وكان بوجهه أثر قال: فلم يكن هو، وإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأمه ابنة عاصم بن الخطاب. ومن طريق أصبغ بن الفرج، قال: أخبرنى عبد الرحمن بن القاسم، قال: حدثني مالك عن سعيد بن المسيب أنه وجد نشطة، فقال لرجل: من الخلفاء؟ قال الرجل: أبو بكر، وعمر وعثمان، فقال سعيد: الخلفاء أبو بكر، والعمران، فقال: أبو بكر، وعمر، قد عرفناهما فمن عمر الآخر؟ قال يوشك إن عشت أن تعرفه، يريد عمر بن عبد العزيز، قال محمد بن أصبغ: الرجل عبد الرحمن بن حرملة [ (3) ] . قال البيهقي [ (4) ] : عن الحارث بن مسكين، عن ابن القاسم عن مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، وابن المسيب مات قبل عمر بن عبد العزيز بسنتين، ولا يقول إلا توقيفا. وخرج أيضا من حديث ابن وهب [ (5) ] قال: حدثني أسامه بن زيد، عن عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال: إنما ولى عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول اجعلوا هذا، كيف ترون
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأحوال وهب بن منبه وغيلان القدري
في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله، يتذكر من يضعه فيهم فلا يجده، فيرجع بماله، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس. قال البيهقي [ (1) ] : وفي هذه الحكاية تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من قوله: ولئن طالت بك حياة لترى الرجل يخرج ملء كفه ذهبا أو فضة فيلتمس من يقبله ولا يجد أحدا يقبله. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأحوال وهب بن منبّه وغيلان القدري فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث هشام بن عمار، والهيثم بن خارجة، قالا: حدثنا الوليد بن مسلم عن مروان بن سالم القرقساني، قال: حدثنا الأحوص بن حكيم، عن خالد بن معدان، عن عبادة بن الصامت، رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يكون في أمتي [رجل يقال له وهب يهب اللَّه له الحكمة، ورجل يقال له غيلان، هو أضر على أمتي من إبليس] . قال البيهقي: تفرد به مروان بن سالم الجزري وكان ضعيفا في الحديث. قال كاتبه: هو مروان بن سالم بن عبد اللَّه البغدادي الشامي سكن قرقيسياء [ (3) ] من الجزيرة، وروى عن عبد الملك بن أبي سليمان والأعمش وابن
جريج وأبى حنيفة وجماعة، وروى عنه بقية وعبد الصمد بن عبد الوارث وعبد المجيد بن أبي داود ونعيم بن حماد، وطائفة البخاري: منكر الحديث، وقال أحمد: ليس بثقة، وقال النسائي متروك الحديث، وقال: أبو حاتم: منكر الحديث جدا، وقال ابن عدي: ومروان هذا قريب من مروان بن نهيك، وليس بالمعروف [ (1) ] . وقال البيهقي [ (2) ] : وروى ذلك من وجه آخر أضعف من هذا، فذكره من حديث أحمد بن العباس، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر. قال البيهقي: وهذا إن صح، فيه إشارة إلى غيلان القدري، وما ظهر بالشام بسببه من التكذيب بالقدر حتى قتل [ (3) ] . قال كاتبه: وقد خرج ابن عساكر من حديث عبد بن حميد، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني الوليد بن مسلم، وعبد المجيد بن أبي داود، عن مروان بن سالم، عن خالد بن معدان، عن عبادة، فذكره، ثم قال: وقد أسقط من إسناده الأحوص بن حكيم، فذكره من طريق أحمد بن زهير ابن حرب ويعقوب بن كعب الأنطاكي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن مروان بن سالم، حدثنا الأحوض عن خالد عن عباده، فذكره ثم قال: وروى من وجه آخر عن خالد بن معدان، فذكره من حديث حسان بن إبراهيم بن يحيى بن زيان عن عبد اللَّه بن راشد، عن خالد بن معدان، عن عبادة، فذكره. قال: ورواه عليّ ابن المديني عن حسان فزاد في إسناده رجلا غير مسمى فأورد من حديث ابن المديني حسان بن إبراهيم، حدثنا يحيى بن زيان أخبرنا عبد اللَّه بن راشد، عن مولى لسعيد بن عبد الملك، قال: سمعت خالد بن معدان يحدث عن عبادة، فذكره. قال: وروي من وجه آخر مرسلا، فأورده من طريق أبي الجهم
أحمد بن الحسين بن طلاب حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الخلال، حدثنا مروان بن محمد، حدثنا محمد بن عبد اللَّه الشعيتي، قال: كنت جالسا عند مكحول، قال: ومعه غيلان، قال: إذ أقبل شيخ من أهل البصرة، قال: فجلس إلى مكحول، قال: فسلم عليه ثم قال له مكحول: كيف سمعت الحسن يقول في آية كذا أو كذا؟ فأخبره بشيء لم أحفظه، قال: ثم أقبل عليه ودع هذا عنك، فغضب مكحول، وكان شديد الغضب، ثم قال له: ويلك يا غيلان إنه قد بلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: سيكون في أمتي رجل يقال له غيلان هو أضرّ عليها من إبليس، فإياك أن تكون هو! ثم قام وتركه. قال المؤلف: فقد وجد لحديث مروان متابعات. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
وأما إشارته صلى الله عليه وسلم إلى حال محمد بن كعب القرظي [1]
وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى حال محمد بن كعب القرظي [ (1) ] فخرج البيهقي [ (2) ] وغيره من حديث ابن وهب قال: أخبرني أبو صخر، عن عبد اللَّه بن مغيث بن أبي بردة الظفري، عن جده، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يخرج في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده. ومن حديث يعقوب بن سفيان [ (3) ] حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا نافع ابن يزيد، حدثنا أبو صخر، عن عبد اللَّه بن معتب أن معتب بن أبي بردة. فذكره بإسناده نحوه. ومن حديث ابن وهب [ (4) ] ، قال: حدثني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره، قال: وكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي [قال أبو ثابت: الكاهنان قريظة والنضير] ، قال البيهقي: هذا مرسل، وروى من وجه آخر مرسلا، فذكره من طريق موسى ابن عقبة [ (5) ] قال: بلغني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يخرج من الكاهنين رجل أعلم الناس بكتاب اللَّه. قال سفيان: يرون أنه محمد بن كعب القرظي [ (6) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بانخرام قرنه الذي كان فيه على رأس مائة سنة، فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم
وقال عون بن عبد اللَّه: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من محمد بن كعب القرظي. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بانخرام قرنه الّذي كان فيه على رأس مائة سنة، فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاري في كتاب العلم [ (1) ] ، في باب السمر بالعلم، من حديث الليث، قال: حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن سالم وأبي بكر بن سليمان، عن أبي حثمة. وخرج في كتاب الصلاة [ (2) ] في باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء، من حديث شعيب، عن الزهري، قال: حدثني سالم بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: صلّى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد. فوهل الناس في مقالة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث على مائة سنة، وإنما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يبقى ممن هو اليوم عن ظهر الأرض. يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن. هذا لفظ حديث شعيب. وانتهى ابن مسافر إلى قوله: أحد [ (3) ] وقال فيه صلّى صلّى اللَّه عليه وسلم العشاء، وقال: فإن رأس مائة سنة منها.
وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب المناقب من حديث عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر عن الزهري، قال أخبرنى سالم بن عبد اللَّه، وأبو بكر بن سليمان، أن عبد اللَّه بن عمر، قال: صلى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. وخرجه أبو داود [ (2) ] في كتاب الملاحم من حديث عبد الرزاق. وخرج مسلم [ (3) ] من حديث ابن جريح أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر تسألونى عن الساعة وإنما علمها عند اللَّه، وأقسم باللَّه ما على الأرض من نفس منفوسة يأتى عليها مائة سنة. ومن حديث معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي قال: حدثنا نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال ذلك وقبل موته بشهر أو نحو
ذلك: ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة، وهي حية يومئذ [وعن عبد الرحمن صاحب السقاية عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمثل ذلك، وفسرها عبد الرحمن قال: نقص العمر] . ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا سليمان [ (1) ] بن حيان عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: لما رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من تبوك سألوه عن الساعة فقال: لا تأتى مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم. ومن حديث أبي عوانة، عن حصين، عن سالم، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة: فقال سالم: تذاكرنا ذلك عنده إنما هي كل نفس مخلوقة يومئذ [ (2) ] . وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الجريريّ، قال: كنت أطوف مع الطفيل فقال لي: لم يبق أحد ممن لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم غيري.... الحديث. قال البيهقي [ (4) ] وأبو الطفيل ولد عام أحد، ومات بعد المائة من الهجرة وقيل من وفاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فيكون موته على رأس المائة من إخباره النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بما أخبر. وقال الإمام أحمد [ (5) ] : حدثنا ثابت بن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو الطفيل، أدركت ثماني سنين من حياة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وولدت عام أحد.
وقال أبو عيسى الترمذي [ (1) ] : سمعت الحسن بن على الحلواني يقول: آخر من مات من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبو الطفيل، مات بعد المائة. قال البيهقي: يريد بعد المائة من الهجرة. قال كاتبه: ويؤيده أنه صلّى اللَّه عليه وسلم أراد بذلك انخرام قرنه الّذي هو فيه، ما خرجه البخاري [ (2) ] في كتاب الرقاق من حديث عبدة عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يسألونه متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم. قال هشام: يعني موتهم. وخرجه مسلم [ (3) ] في آخر كتاب الفتن من حديث أبي أسامه، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سألوه عن الساعة، متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم.
وخرجه من حديث يونس بن محمد [ (1) ] عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلا سأل رسول صلّى اللَّه عليه وسلم متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن يعش هذا الغلام لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. ومن طريق سليمان بن حرب [ (2) ] قال: حدثنا حماد يعنى ابن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي عن أنس بن مالك، أن رجلا سأل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هنية ثم نظر إلى غلام بين يديه من زد شنوءة، فقال: إن عمّر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. قال أنس: ذلك الغلام من أترابى يومئذ. ومن حديث عفان بن مسلم [ (3) ] قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أنس قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقرانى فقال النبي: إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. وخرجه البخاري [ (4) ] في كتاب الأدب من حديث عمرو بن عاصم، قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أنس، أن رجلا من أهل البادية أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول متى الساعة قائمة؟ قال: ويلك وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها إلا أنى أحب اللَّه ورسوله، قال: إنك مع من أحببت، فقلنا: ونحن كذلك؟
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في إخباره بعمر سماه لغلام وهلاك آخر أنذره سرعة هلاكه
قال: نعم ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمر غلام للمغيرة- وكان من أقراني- فقال: إن أخّر هذا فلم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة. قال المؤلف: ولم يبق بعد سنة مائة من الهجرة أحد رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في إخباره بعمر سماه لغلام وهلاك آخر أنذره سرعة هلاكه فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث حيوة بن شريح [بن يزيد الحضرميّ] [ (2) ] عن إبراهيم بن محمد بن زياد عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بسر، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال له: يعيش هذا الغلام قرنا، فعاش مائة سنة. ومن طريق البخاري وأبى حاتم الرازيّ حدثني داود بن رشيد حدثنا أبو حيوة عن إبراهيم بن محمد عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بسر فذكره. ومن طريق الواقدي حدثني شريح بن يزيد عن إبراهيم بن محمد بن زياد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن بسر قال: وضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يده على رأسي فقال: هذا الغلام يعيش [قرنا فعاش] [ (2) ] مائة سنة. قال الواقدي: يقول اللَّه عز وجل: وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [ (3) ] فكان بين نوح وآدم عشرة قرون، وبين إبراهيم ونوح عشرة قرون، فولد إبراهيم عليه السلام على رأس ألفي سنة من خلق آدم [ (4) ] .
ولابن مندة من طريق أحمد بن سليمان بن داود بن حذلم، حدثنا موسى بن أبي عوف، حدثنا سلمة بن جواس، حدثنا محمد بن القاسم الطائي، أن عبد اللَّه بن بسر كان معهم في قريته، فقال: هاجر أبي وأمي إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مسح رأسي بيده، وقال: ليعيش هذا الغلام قرنا، فقلت: بأبي وأمي يا رسول اللَّه! وكم القرن؟ قال: مائة سنة، قال عبد اللَّه: فلقد عشت خمسا وتسعين سنة وبقيت خمس سنين إلى أن أتم قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال محمد: فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم مات. وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق إبراهيم بن محمد الشافعيّ قال: قرأت على داود بن عبد الرحمن عن ابن أبي مليكة، عن حبيب بن سلمة الفهري أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو بالمدينة ليراه، فأدركه أبوه، فقال: يا رسول اللَّه، يدي ورجلي، فقال له: ارجع معه فإنه يوشك أن يهلك فهلك في تلك السنة.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بتملك بنى العباس [ابن عبد المطلب رضي الله تبارك وتعالى عنه]
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتملك بنى العباس [ابن عبد المطلب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه] فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث حماد عن عطاء بن السائب قال: سمعت عبد الرحمن بن العلاء الحضرميّ، قال: حدثني من سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم مثل أجر أولهم، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، يقاتلون أهل الفتن. ومن حديث الوليد بن مسلم [ (2) ] ، قال: حدثني أبو عبد اللَّه، عن الوليد بن هشام المعيطي، عن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، قال: قدم عبد اللَّه بن عباس على معاوية، وأنا حاضر، فأجازه فأحسن جائزته، ثم قال: يا أبا العباس، هل يكون لكم دولة؟ قال اعفنى يا أمير المؤمنين، قال: لتخبرني، قال: نعم، قال: فمن أنصاركم؟ قال أهل خراسان، ولبني أمية من بنى هاشم بطحات. ومن طريق يعقوب بن سفيان [ (3) ] قال: حدثني إبراهيم بن أيوب حدثنا الوليد حدثنا عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: سمعت عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونحن نقول: اثنى عشر أميرا، ثم لا أمير، واثنى عشر أميرا، ثم هي الساعة، فقال ابن عباس: ما أحمقكم إن منا أهل البيت بعد ذلك المنصور والسفاح والمهدي، يدفعها إلى عيسى ابن مريم.
ومن حديث أبي خيثمة [ (1) ] ، قال: حدثنا ميسرة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال كنت عند ابن العباس، فتذاكروا المهدي، فقال: يكون منا ثلاثة أهل البيت: سفاح، ومنصور، ومهديّ. ومن حديث أبي عوانة [ (2) ] ، عن الأعمش، عن الضحاك، عن ابن عباس يرويه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: منا السفاح، والمنصور، والمهدي. ومن حديث أحمد بن عبد الجبار [ (3) ] ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عطية العوفيّ، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن، يقال له: السفاح يكون عطاؤه حثيا [ (4) ] . ومن طريق عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن خالد الحذاء عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد خليفة، ولا يصير إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من خراسان، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم، ثم يجيء خليفة اللَّه المهدي. وفي رواية: فإذا رأيتموهم فبايعوهم ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة اللَّه المهدي. قال البيهقي: تفرد به عبد الرزاق عن الثوري، وروى من وجه آخر عن أبي قلابة وليس بالقوي، فذكره من حديث كثير بن يحيى، حدثنا شريك، عن عليّ بن زيد عن أبي قلابة عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا أقبلوا برايات سود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا فإن فيها خليفة اللَّه المهدي.
ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان موقوفا، قال: إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فأتوها فإن فيها خليفة اللَّه المهدي [ (1) ] . وخرجه الحاكم [ (2) ] بهذا السند موقوفا، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن يوسف، حدثنا رشد بن رشدين ابن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: تخرج رايات سود من خراسان لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء. قال البيهقي [ (4) ] : تفرد رشدين بن سعد [ (5) ] ، عن يونس بن يزيد، ويروى قريب من هذا اللفظ عن كعب الأحبار، ولعله أشبه، فذكره من طريق يعقوب بن سفيان، حدثنا محدث عن أبي المغيرة، عبد القدوس، عن ابن عياش عمن حدثه عن كعب، قال: تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا الشام ويقتل اللَّه على أيديهم كل جبار وعدوّ لهم. وروى في ذلك عن ابن عباس من قوله بإسناد ضعيف، فذكره من طريق أحمد بن المظفر البكري [ (6) ] ، حدثنا ابن أبي خثيمة حدثنا يحيى بن معين،
حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن أبي معبد، قال: قال ابن عباس: كما فتح اللَّه بأولنا أرجو أن يختمه بنا [ (1) ] . ومن حديث ابن أبي أويس، عن محمد بن إسماعيل بن دينار أبي فديك عن محمد بن عبد الرحمن العامري عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فيكم النبوة والمملكة [ (2) ] . قال البيهقي: تفرد به محمد بن عبد الرحمن العامري، عن سهيل وليس بالقوى. ومن حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني يحيى بن معين حدثنا عبيد ابن أبي قرة، حدثنا الليث بن سعد، عن أبي قبيل، عن أبي ميسرة، مولى العباس، قال: سمعت العباس يقول: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة فقال: انظر هل ترى في السماء من شيء؟ قلت: نعم، قال: ما ترى؟ قلت: الثريا، فقال: إنه يملك هذه الأمة بعددها من صلبك [ (3) ] . قال ابن عدي: سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: عن عبيد بن قرة سمع الليث بن سعد، بغدادي، لا يتابع في حديثه في قصة العباس. ومن طريق الحافظ أبي أحمد بن عدي، قال: حدثنا محمد بن عبدة بن حرب، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حجاج بن تميم، عن ميمون بن مروان، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: مررت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وإذا معه جبريل عليه السلام، وأنا أظنه دحية الكلبي، فقال جبريل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم إنه لوسخ الثياب، وسيلبس ولده من بعده السواد، فقلت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم: مررت وكان معك
دحية، قال: فذكره، وذكر قصة ذهاب بصره وردها عليه عند موته [ (1) ] . تفرد به حجاج بن تميم وليس بالقوى [ (2) ] . وخرج الحافظ أبو نعيم [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: حدثنا ابن لهيعة، قال حدثني واهب بن عبد اللَّه المعافري، قال: سمعت عقبة بن عامر الجهنيّ، يقول: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أخذ بيد عمه العباس، ثم قال: يا عباس إنه لا تكون نبوة إلا كانت بعدها خلافه، وسيلي من ولدك في آخر الزمان سبعة عشر: منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي، وليس بمهدي، ومنهم الجموح، ومنهم العاقب، ومنهم الراهن من ولدك، وويل لأمتي منه، كيف يعقدها ويهلكها، ويذهب بأمرها. ومن حديث محمد بن جابر عن الأعمش، عن أبي الوداك عن أبي سعيد، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: منا القائم، ومنا المنصور، ومنا السفاح، ومنا المهدي، فأما القائم فتأتيه الخلافة ولم يهرق فيها محجمة دم. وأما المنصور فلا ترد له راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، والمهدي يملأها عدلا كما ملئت ظلما. قال ابن جابر حسبت المنصور أبا جعفر، والسفاح المهدي. قال أبو نعيم رواه الأعمش عن الضحاك عن ابن عباس نحوه، فذكره من حديث أبي عوانة عن الأعمش عن الضحاك، عن ابن عباس نحوه. ومن طريق حفص بن عبد اللَّه بن الشخير قال: دخلنا على إسحاق بن عيسى بن على بن عبد اللَّه بن عباس داره، فحدثنا عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أقبل العباس يوما فنظر إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم أقبل على أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه متبسما، فقال: هذا العباس، قد أقبل وعليه ثياب بياض، وسيلبس ولده من بعده السواد، ويملك منهم اثنا عشر رجلا.
ومن حديث أحمد بن عمر بن يونس اليمامي، قال: حدثنا محمد بن شروين الصفاتى، حدثنا عبد الرحمن بن مينا، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لن تذهب الدنيا حتى يملك من ولدك يا عم في آخر الزمان عند انقطاع دولتهم، وهو الثامن عشر يكون معه فتنه عمياء صماء يقتل من كل عشرة آلاف تسعه آلاف وتسعمائة، لا ينجو منها إلا اليسير، ويكون قتالهم بموضع من العراق. ومن حديث أحمد بن [راشد] بن خيثم، حدثنا عمى سعيد بن خيثم، عن حنظلة، عن طاووس، عن ابن عباس، قال: حدثتني أم الفضل، قالت: مررت بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال إنك حامل بغلام، فإذا ولدت فأتينى به، قالت: يا رسول اللَّه، أنى ذلك؟ وقد تحالفت قريش أن لا يأتوا، النساء، قال: هو ما أخبرتك، قالت: فلما ولدته أتيت به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، والبأه [ (1) ] من ريقه، وسماه عبد اللَّه، وقال: اذهبي بأبي الخلفاء، فأخبرت العباس وكان رجلا لباسا فلبس ثيابه، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما بصر به قام، فقيل بين عينيه ثم قال: هذا عمي، فمن شاء فليباهي بعمه، قال: قلت: يا رسول اللَّه، أو بعض القول؟ قال: ولم لا؟ وأنت عمي وصنو أبي، قال ما شيء أخبرتني به أم الفضل؟ قال: هو ما أخبرتك، وهذا أبو الخلفاء، يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم [ (2) ] . قال المصنف رحمه اللَّه: هذا الحديث ينادي على نفسه، أنه موضوع، وذلك لأنه لا خلاف بين علماء الأخبار، ونقلة الحديث، وأهل الآثار، أن عبد اللَّه بن عباس ولد بمكة، وأن الأذان إنما ابتدئ به بالمدينة، فكانت ولادة عبد اللَّه في الشعب قبل خروج بنى هاشم منه، وذلك قبل الهجرة
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بما نزل بأهل بيته من البلاء
بثلاث سنين وقيل: غير ذلك، والأذان إنما أريه عبد اللَّه بن زيد بالمدينة بلا خلاف، وكان في السنة الأولى من الهجرة، فكيف يمكن أن تكون ولادة عبد اللَّه بمكة قبل الهجرة؟ ويؤذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في أذنه لما ولد، والأذان إنما كان بعد ولادته بأربع سنين أو نحوها، واللَّه الموفق، وهكذا عامة أحاديثه لا تكاد تثبت صحتها عند الانتقاد. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما نزل بأهل بيته من البلاء فخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نعيم بن حماد، حدثنا الوليد بن مسلم، عن أبي رافع إسماعيل بن رافع، عن أبي نضرة، قال: قال: أبو سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتى قتلا وتشديدا، إن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرج الحافظ أبو نعيم من حديث الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن خالد بن عبد اللَّه، قال: حدثني أبي عن يزيد بن زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللَّه قال: بينما نحن نجلس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، إذ أقبل فتية من قريش فتغير لونه، فقلنا: ما لنا نرى في وجهك أمرا تكرهه؟ قال: إنا أهل بيت اختار اللَّه لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتطريدا وتشديدا، حتى يأتى قوم من هاهنا- وأومأ بيده نحو المشرق- وأصحاب رايات سود، فيسألون الحق فلا يعطونه مرتين أو ثلاثا، فيقاتلون، فيضربون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلا، كما ملئت ظلما، فمن أدرك ذلك فليأتهم ولو حبوا على الثلج. قال أبو نعيم: رواه على بن صالح ومحمد بن فضيل عن يزيد نحوه.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بقيام اثنى عشر خليفة وبظهور الجور والمنكرات فكان كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بقيام اثنى عشر خليفة وبظهور الجور والمنكرات فكان كما أخبرنا صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج مسلم [ (1) ] من حديث جرير، عن حصين، عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول، ومن حديث خالد بن عبد اللَّه الطحان، عن حصين، عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفىّ عليّ، قال: فقلت لأبي ما كان؟ قال: قال: كلهم من قريش. ومن حديث سفيان عن عبد الملك بن عمير [ (2) ] ، عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا، ثم تكلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: كلهم من قريش. ومن حديث أبي عوانة عن سماك [ (3) ] ، عن جابر بن سمرة بهذا الحديث، ولم يذكر: لا يزال أمر الناس ماضيا. ومن حديث حماد بن سلمة عن سماك بن حرب [ (4) ] قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلهم من قريش. وخرجه أيضا من حديث أبي معاوية عن داود [ (5) ] ، عن الشعبي، عن جابر بن سمرة قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال الأمر عزيزا إلى اثني عشر خليفة، قال: ثم تكلم بشيء لم أفهمه فقلت لأبى: فقال: كلهم من قريش.
ومن حديث ابن عون عن الشعبي [ (1) ] ، عن جابر بن سمرة قال: انطلقت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومعى أبي فسمعته يقول لا يزال هذا [الدين] [ (2) ] عزيزا منيعا إلى اثنى عشر خليفة فقال كلمة صمنيها [ (3) ] الناس فقلت لأبى: ما قال؟ قال: كلهم من قريش. قال البيهقي [ (4) ] : وليس في إثباته هذا العدد نفى الزيادة عليه، وقد قيل: أراد اثنى عشر أميرا كلهم يجتمع عليه الأمة، ثم يكون الهرج، واستدل لذلك بما خرجه من حديث مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم يجتمع عليه الأمة، فسمعت كلاما من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لم أفهمه، فقلت لأبى: ما يقول؟ قال: كلهم من قريش. وبما رواه زهير بن معاوية [ (5) ] قال: حدثنا زياد بن خيثمة حدثنا الأسود بن سعيد الهمدانيّ، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تزال هذه الأمة مستقيم أمرها، ظاهرة على عدوها، أو على غيرها، حتى يمضى منهم اثنا عشر خليفة، قال: فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج. قال البيهقي [ (6) ] : ففي الرواية الأولى بيان العدد، وفي هذه الرواية الثانية بيان المراد بالعدد، وفي الرواية الثالثة بيان وقوع الهرج وهو القتل بعدهم،
وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة، كما أخبر في هذه الرواية، ثم ظهر ملك العباسيين كما أشار إليه في الباب قبله [وإنما] [ (1) ] يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصفة المذكورة فيه. أو وعدّ معهم من كان بعد الهرج المذكور فيه. وقد قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان [ (2) ] . فذكره من حديث عثمان بن سعيد الدارميّ، قال: حدثنا أبو الوليد، حدثنا عاصم بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وذكر حديث البخاري [ (3) ] من طريق الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن معاوية، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه [ (4) ] اللَّه على وجهه ما أقاموا الدين، قال: والمراد بإقامة الدين- واللَّه تبارك وتعالى أعلم- إقامة معالمه، وإن كان بعضهم يتعاطى بعد ذلك ما لا يحل. واستدل بحديث الأوزاعي عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: سيكون بعدي خلفاء يعملون ما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون وسيكون بعدهم خلفاء يعلمون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون،، فمن أنكر عليهم بريء، ومن أمسك يده سلم، ولكن من رضى وبايع [ (5) ] .
وبحديث الإمام أحمد [ (1) ] قال: حدثني عبد الرزاق قال: [أخبرنا معمر عن عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم] ، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد اللَّه قال: حدثنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يا كعب بن عجرة، أعيذك باللَّه من إرادة السفهاء، قال: وما ذاك يا رسول اللَّه؟ قال: أمراء سيكونون من بعدي، من دخل عليهم فصدقهم بحديثهم وأعانهم على ظلمهم فليسوا منى ولست منهم، وما يردوا على الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بحديثهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منى وأنا منهم، وأولئك يردون على الحوض. يا كعب بن عجرة، الصلاة قربان، والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، يا كعب بن عجرة، لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت، النار أولى به، يا كعب بن عجرة، الناس غاديان: فغاد بائع نفسه وموبق رقبته، وغاد مبتاع نفسه ومعتق رقبته. وخرجه الحاكم [ (2) ] وقال: حديث صحيح الإسناد. وبحديث الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إنه ستكون بعدي أثره وأمور تكرهوها، فقالوا: فما يصنع من أدرك منا
يا رسول اللَّه؟ قال: أدوا الحق الّذي عليكم، وسلوا اللَّه الّذي لكم. وخرجاه في الصحيح [ (1) ] . قال البيهقي [ (2) ] : وقد قيل إنه أراد اثنا عشر خليفة كلهم يعمل ثم يكونون متفرقين في الأمراء، فمن عدل منهم وعمل بالهدى ودين الحق فهو من جملة الاثني عشر، وقد قال أبو الجلد وكان ينظر في الكتب-: إن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، فمنهم رجلان من أهل بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أحدهما يعيش أربعين والآخر ثلاثين سنة. قال البيهقي [ (3) ] : معقول لكن من خوطب بما روينا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في اثنى عشر خليفة، وفي بعض الروايات اثنى عشر أميرا، أنه أراد خلفاء أو أمراء تكون لهم ولاية، وعدة، وقوة، وسلطة، والناس يطيعونهم وتجرى أحكامهم عليهم، فأما أناس لم تقم لهم راية، ولم تجز لهم على الناس ولاية، وإن كانوا
يستحقون الإمارة بما كان لهم من حق القرابة، والكفاية، فلا يتناولهم الخبر، ولا يجوز أن يكون المخبر بخلاف الخبر. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: يشير الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه اللَّه بهذا إلى ما زعمته الفرقة الإمامية من فرق الرافضة [ (1) ] ، الأئمة اثنا عشر، وهو مذهب محدث، ابتداء حدوثة بعد موسى بن جعفر الصادق. خرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث يحيى بن أبي بكير، حدثنا مطرف عن أبي الجهم مولى البراء، عن خالد بن وهبان، - أو وهبان- عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: كيف أنت وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟ فقلت إذا والّذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي، ثم أضرب به حتى ألقاك أو ألحق بك، قال: أولا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ تصبر حتى تلقاني.
وأما إشارته صلى الله عليه وسلم بأن قريشا إذا أحدثت في دين الله الأحداث سلط الله عليها شرار خلقه فنزعوهم من الملك ونزعوا الملك منهم حتى لم يبقوا لهم شيئا فكان كما أخبر، وصارت العرب بعد الملك همجا ورعاعا لا يعبأ الله بهم
وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم بأن قريشا إذا أحدثت في دين اللَّه الأحداث سلط اللَّه عليها شرار خلقه فنزعوهم من الملك ونزعوا الملك منهم حتى لم يبقوا لهم شيئا فكان كما أخبر، وصارت العرب بعد الملك همجا ورعاعا لا يعبأ اللَّه بهم فخرج البخاري من حديث شعيب عن الزهريّ قال: سمعت محمد بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهم عنده في وفد من قريش- أن عبد اللَّه بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان فغضب فقام، فأثنى على اللَّه بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون بأحاديث ليست في كتاب اللَّه، ولا تؤثر عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه اللَّه في النار على وجهه ما أقاموا الدين. تابعه أبو نعيم، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، ذكره في أول كتاب الأحكام [ (1) ] ، وفي مناقب قريش [ (2) ] بهذا الإسناد وقال فيه: إن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] من حديث أبي أسامة، عن عوف، عن زياد بن مخراف، عن أبي موسى، قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على باب فيه نفر من قريش، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: هل في البيت إلا قريش؟ قالوا: يا رسول اللَّه، غير فلان ابن أختنا، فقال: ابن أخت القوم منهم، ثم قال إن هذا
الأمر في قريش، ما داموا، إذا ما استرحموا رحموا، وإذا ما حكموا عدلوا، وإذا ما قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منهم صرف ولا عدل. وخرج أيضا من حديث الفضل بن دكين، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن الحارث بن القاسم، عن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لقريش: إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته، ما لم تحدثوا، فإذا فعلتم ذلك سلط اللَّه عليكم شرار خلفه يلتحونكم كما يلتحى القضيب [ (1) ] . وخرجه الحاكم [ (2) ] من طريق الحسين بن حفص قال: حدثنا سفيان بن أبي ثابت، عن القاسم بن الحارث، عن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر فيكم، وأنتم ولاته ما لم تحدثوا أعمالا تنزعه، فإذا فعلتم ذلك سلط اللَّه عليكم شرار خلفه، فالتحوكم كما يلتحى القضيب. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث هشام، عن قتادة، عن أبي الطفيل، قال: انطلقت أنا وعمرو بن صليع حتى أتينا حذيفة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن هذا الحي من مضر لا تدع للَّه في الأرض عبدا صالحا إلا فتنته وأهلكته، حتى يدركها اللَّه بجنود من عباده فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعه. وله عنده طرق.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد اللَّه بن بريدة، عن سلمان بن ربيعة قال: انطلقت في نفر من أصحابى حتى قدمنا مكة، فطلبنا عبد اللَّه بن عمرو فلم نوافقه، فإذا قريب من ثلاثمائة راحل، فرجعناه فلقيناه في المسجد، فإذا شيخ عليه بردان قطريان، وعمامة ليس عليه قميص، فقال: ممن أنتم؟ قلنا: من أهل العراق، قال: أنتم يا أهل العراق تكذبون وتكذبون وتسخرون، قلنا لا نكذب ولا نكذب ولا نسخر، قال: كم بينكم وبين الأيلة [ (2) ] ؟ قلنا: أربعة فراسخ، قال: يوشك بنو قنطوراء بن كركر أن يسوقكم من خراسان وسجستان سوقا عنيفا، ثم يخرجون حتى يربطوا ويربطون خيولهم بنهر دجلة، قوم صغار الأعين خنس الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم [ولم يخرجاه] . وخرج أبو نعيم الحافظ والإمام أحمد والحاكم [ (3) ] وصححه من حديث موسى بن إسماعيل وابن عائشة قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس بن
عبيد، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم يجعلهم أسد لا يفرون، فيضربون رقابكم، ويأكلون فيئكم. وخرج أيضا من حديث ابن أبي داود عن مروان بن سالم عن الأعمش، عن زيد بن وهب وأبى وائل شقيق بن سلمة، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة [ (1) ] . قال: أبو نعيم: رواه إبراهيم بن قتيبة، عن أبي داود فقال: زيد بن وهب عن حذيفة. وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعد بن إياس الجريريّ، عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال من قبل العجم يمنعون ذاك [ (3) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
وخرجه أبو داود [ (1) ] من حديث بشير بن بكر قال: حدثنا جابر قال: حدثني أبو عبد [السلام] [ (2) ] عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء [ (3) ] كغثاء السيل، ولينزعن اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن اللَّه في قلوبكم الوهن [ (4) ] ، فقال قائل: يا رسول اللَّه وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت. وخرجه الإمام أحمد [ (5) ] من حديث عبد الصمد بن حبيب الأزدي عن أبيه، عن شبيل بن عوف، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بنحوه أو قريب منه. وخرج البخاري [ (6) ] تعليقا من حديث سعيد بن عمر عن أبي هريرة قال: كيف أنتم إذ لم تجيبوا دينار أو درهما؟ فقيل وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟. قال: إي والّذي نفس أبي هريرة بيده، عن قول الصادق المصدوق صلّى اللَّه عليه وسلم قال: عمّ ذاك؟ قال: تنتهك ذمة اللَّه وذمة رسوله، فيشدّ اللَّه قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم.
وخرج مسلم [ (1) ] معنى هذا الحديث بلفظ آخر، أوجب تفريقه وإلا فهو في المعنى متفق عليه، وهو الحادي والتسعون من أفراد مسلم، وأوله: منعت العراق درهمها وقفيزها. قاله أبو نصر الحميدي. وخرج مسلم من حديث زهير عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبّها، ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه [ (2) ] . وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الجريريّ عن أبي نضرة، قال: كنا عند جابر بن عبد اللَّه فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا من أين ذاك؟ قال من قبل العجم، يمنعون ذلك، قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى اليهم دينار ولمدّ، قلنا من أين ذاك؟ قال من قبل الروم، ثم سكت هنية، ثم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في آخر أمتى خليفة يحثي المال حثيا، لا يعده عددا، قال: قلت لأبي نضرة، وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا. قال المؤلف رحمه اللَّه: هذا الحديث موقوف على جابر، ومثله لا يقال بالرأي، فيحمل على أنه سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكذا رواية الحاكم لهذا الحديث، فإنّها موقوفة أيضا على جابر، وقد منعت العجم جباية خراج
العراق، وتغلبوا عليه منذ عهد بني العباس، لما خرجت الديلم سنة بضع وعشرين وثلاثمائة. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث أبي بكر بن داود عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أقبل سعد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فلما رآه قال: إن في وجه سعد خيرا، قال: قتل كسرى: قال: يقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه كسرى إن أول الناس هلاكا العرب، ثم أهل فارس. وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث عبد اللَّه حدثني أبي حدثنا موسى بن داود قال حدثنا عبد اللَّه بن المؤمل: عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: «قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: يا عائشة أن أول من يهلك من الناس قومك، قالت: قلت: جعلني اللَّه فداءك، ابني تيم؟ قال لا، ولكن هذا الحي من قريش تستحليهم المنايا وتنفس عنهم أول الناس هلاكا، قلت: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال: هم صلب الناس فإذا هلكوا هلك الناس» . ومن حديث إسحاق بن سعيد [ (3) ] عن أبيه عن عائشة قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يقول: يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقا، قالت: فلما جلس، قلت: يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداءك لقد دخلت وأنت تقول كلام ذعرني، قال: وما هو؟ قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا، قال: نعم. قالت: ومم ذاك؟ قال: تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم، قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك؟ - أو عند ذلك- قال: دبي يأكل شداده ضعافه
حتى تقوم عليهم الساعة، قال أبو عبد الرحمن: فسره رجل هو الجنادب التي لم تنبت أجنحتها» . قال المؤلف- رحمه اللَّه-: ويؤيد ذلك كله ما خرجه البخاري [ (1) ] في باب أيام الجاهلية من آخر المناقب من حديث أبي عوانة عن بيان بن بشر أبي بشر عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال: ما لها لا تتكلم؟ قالوا: حجت مصمته قال لها: تكلمي فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش، قالت: من أي قريش أنت؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الّذي جاء اللَّه به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس. وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن طارق عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أسرع قبائل العرب فناء قريش، أن تمر المرأة بالنعل فتقول: هذا نعل قرشي. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد صدق اللَّه ورسوله فقد كان من بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خلفاء قضوا بالهدى ودين الحق، ثم قامت خلفاء خلطوا وبدلوا سنن الهدى، فسلط اللَّه عليهم أولا شيعة بنى العباس، وهم العجم أهل خراسان، فاجتاحوا بنى أمية الذين بدلوا نعمه اللَّه كفرا، واتخذوا دين اللَّه دغلا، ومال اللَّه دولا، وعبيد اللَّه خولا، حتى أفنوهم إلا قليلا مشردين في أقطار الأرض، جزاء بما كسبوا، فلما ملك بنو العباس عتوا وتجبروا وطغوا فسلط اللَّه تعالى عليهم مماليكهم الأتراك، فقتلوا المتوكل جعفر بن محمد، ثم قتلوا المستعين
أحمد بن محمد، وتحكموا في الدولة، وتلاعبوا بدين اللَّه، ثم بعث اللَّه على بني العباس الديلم بنو بويه، فتغلبوا على البلاد وساموا الناس بعتوهم سوء العذاب، وتحكموا في بني العباس، تحكم المالك في مماليكه، يقتلونهم ويسملون أعينهم، وأظهروا مع ذلك مذاهب رديئة، حتى أخرج اللَّه الأتراك فبطشت السلجوقية بطش الجبابرة، وتحكمت تحكم الفراعنة، إلى أن يأذن اللَّه بانقراض تحكم العرب، وأدال اللَّه العجم عليها، فقتل عدو اللَّه جنكيزخان وأشياعه الناس، حتى محوهم من المشرق، وأزالو كلمة الإسلام وشرائعه من تلك الجهات بأسرها، ثم قام حفيده عدو اللَّه هولاكو، فشمل قتله عامة أهل بغداد، والجزيرة، ودمر المعتصم باللَّه فلم يقم بعده قائم من قريش، وصار ممالك العالم شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، بأيدي العجم، ففي المشرق من حدود الصين إلى الجزيرة أشياع جنكيزخان، وفي المغرب بأسره البرابر في الشمال، والروم ثم الفرنجة إلا قليلا مع بنى عثمان وبنى فرمان، وهم أروام في مصر والشام، والحجاز، المماليك الأتراك، ثم المماليك الحراكسة، وفي اليمن بنو على بن عمر بن رسول الأكراد إلا قليلا مع الشريف الرضى صاحب صنعاء، والهند كله بأيدي العجم وأكثر الشمال بيد الفرنج، ومعظم الجنوب بأيدي الحبشة وكلا الفريقين نصارى، يأسرون من المسلمين ويعذبونهم أشد العذاب، فتحت أيديهم في الأسر، من المسلمين والمسلمات، عشرات الألوف، ويمر بهم من أنواع البلاء ما لا يمكن وصفه، ومع ذلك فأن جميع قبائل العرب، قيسها وتميمها، رعاع غوغاء لا يملكون دنيا، ولا يقيمون دينا، دأب ملوك الأرض يقتلونهم ويأسرونهم، جزاء بما كسبت أيديهم، وما ربك بظلام للعبيد، ولا يعترض بخلفاء مصر فإنّهم منذ أولهم الحاكم أحمد وإلى يومنا هذا ليس لأحد منهم أمر ولا نهى ولا نفوذ كلمة، وإنما هو واحد من عرض الناس، والسلاطين مع هذا تسجنهم وتنفيهم عن المدينة إلى الأطراف إذا تنكروا لهم، قد رضي الخليفة منهم من دينهم ودنياهم أن يقال له أمير المؤمنين، وحكم الملوك
الأقطار في رعاياهم، قد تساوى الناس في معرفتهم، فلا حاجة بنا إلى وصفه وتبيينه، وللَّه در أبي دعبل وهب بن ربيعة الجمحيّ [ (1) ] . حيث يقول: تبيت النشاوى منت أمية ... وبالطف قتلى ما ينام حميمها وما أهلك الإسلام إلا قلة ... تأمّر نوماها ودام نعيمها وصارت قناة الدين في كف ظالم ... إذا مال منها ظالم لا يقيمها واللَّه الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب [ (2) ] .
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا الذهب والحرير ويتنافسوا فيها ويقتل بعضهم بعضا
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام باتساع الدنيا على أمته حتى يلبسوا الذهب والحرير ويتنافسوا فيها ويقتل بعضهم بعضا فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث سليمان بن حيان قال: حدثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب، عن أبي الأسود الدؤلي، عن طلحة البصري قال: قدمت المدينة مهاجرا وكان الرجل إذا قدم المدينة فإن كان له عريف نزل عليه وإن لم يكن عريف نزل الصفة فقدمتها وليس لي بها عريف فنزلت الصفة وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يرافق بين الرجلين ويقسم بينها مدا من تمر، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم في صلاته إذا ناداه رجل فقال: يا رسول اللَّه أحرق بطوننا التمر وتخرقت عنا الخنف قال: وإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حمد اللَّه وأثنى عليه وذكر ما لقي من قومه ثم قال: لقد رأيتني وصاحبي مكثنا بضع عشرة ليلة ما لنا طعام غير البرير- والبرير تمر الأراك- حتى أتينا إخواننا من الأنصار فآسونا من طعامهم وكان جلّ طعامهم التمر- والّذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبز واللحم لأطعمتكموه سيأتي عليكم زمان- أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة ويغدا ويراح عليكم بالجفان قالوا: يا رسول اللَّه أنحن يومئذ خير أو اليوم قال: بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض. ومن حديث سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن أبي موسى يحنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض» ورواه أبو الربيع قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن
موسى بن عبيدة، حدثنا عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نحوه [ (1) ] . وخرجه الحافظ [ (2) ] أبو نعيم من حديث أبي معاوية الضرير، عن يحيى بن سعيد، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا مشت أمتى المطيطاء، وخدمتها أبناء الملوك، أبناء فارس والروم، سلط شرارهم على خيارهم. ومن حديث بقية [ (3) ] ، عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن عوف بن مالك قال: «قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أصحابه فقال: الفقر تخافون؟ أو تهمكم الدنيا؟ فإن اللَّه فاتح لكم أرض فارس والروم ويصب عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغكم بعدي إن زعمتم إلا هي.»
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بوقوع بأس أمته بينهم وأن السيف لا يرتفع عنها بعد وضعه فيها فيهلك بعضها بعضا
ومن حديث الحرث [ (1) ] بن أبي أسامة حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائد، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن يزيد بن وهب، عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أكلتنا الضبع- يعنى السنة- فقال: أنا لغير الضبع أخوف عليكم، أن تصب الدنيا على أمتي صبا، فليت أمتى لا يلبسون الذهب. ومن حديث هشام عن عبيدة، عن ربيع، عن حذيفة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أكلتنا الضبع فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الدنيا ستفتح عليكم فيا ليت أمتي لا تلبس الذهب. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بوقوع بأس أمته بينهم وأن السيف لا يرتفع عنها بعد وضعه فيها فيهلك بعضها بعضا فقد قال اللَّه تعالى: هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [ (2) ] عذابا من فوقكم كالصواعق، وكما أمطر على قوم لوط وأصحاب الفيل الحجارة. وأدخل على قوم نوح الطوفان، ومن تحت أرجلكم كالزلازل، ونبع الماء المهلك، وكما خسف بقارون. وقال السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير: من فوقكم أو من تحت أرجلكم، الرجم والخسف، وقال ابن عباس: مِنْ فَوْقِكُمْ، ولاة الجور، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، سفلة السوء وخدمته. أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً أي يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة من مشايعة لأخرى، ومعنى انسياب خلطهم: انتساب القتال بينهم، فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال.
وقال ابن عباس ومجاهد: يبث فيكم الأهواء المختلفة فتصيرون فرقا، وقيل: المعنى يقوى عدوكم حتى يخالطوكم وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ البأس: الشدة من قبله، والإذاقة: الإنالة والإصابة به. وهذا إخبار يتضمن الوعيد، وقد اختلف فيه، فذهب الطبري إلى أنه خطاب للكفار، وقال أبيّ وأبو العالية وجماعة: الآية خطاب للمؤمنين [ويؤيد قول من ذهب إلى ذلك] ما خرجه البخاري [ (1) ] في كتاب التوحيد، من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن اللَّه زوى [لي] الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ملكها. قال أبو داود: وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها فأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض وأنى سألت ربي لأمتى أن لا يهلكها بسنة عامة ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني
إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمعت عليهم من بين أقطارها، أو قال: بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حنى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتى الأوثان، وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق. قال أبو عيسى: «ظاهرين» ثم اتفقا «لا يضرهم من خالفهم حتى يأتى أمر اللَّه» . وخرجه الترمذي [ (1) ] إلى قوله: ويسبي بعضهم بعضا. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وبهذا الإسناد أيضا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنها إلى يوم القيامة وقال: هذا حديث حسن صحيح [ (2) ] . وبهذا الإسناد أيضا قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتى بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان وإنه سيكون في أمتى ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي [ (3) ] . وسألت ربي أن لا تهلك أمتى بالغرق فأعطانيها، وسألت أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. وخرج الترمذي [ (4) ] من حديث الزهري، عن عبد اللَّه بن الحرث، عن عبد اللَّه بن خباب بن الأرت، عن أبيه، قال: صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم صلاة
فأطالها، قالوا: يا رسول اللَّه صليت صلاة لم تكن تصليها! قال: أجل إنها صلاة رغبة ورهبة، إني سألت اللَّه فيها ثلاثا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وخرج الدمشقيّ من حديث حماد بن سلمة، عن يونس وثابت وحميد وحبيب، عن الحسن، عن خطاب بن عبد اللَّه، عن أبي موسي الأشعري رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: بين يدي الساعة الهرج، قالوا: يا رسول اللَّه! وما الهرج؟ قال: القتل، قالوا: أكثر مما يقتل؟ أن يقتل في العام الواحد أكثر من كذا ألفا، قال: إنه ليس يقتلكم المشركون ولكن يقتل بعضكم بعضا، قالوا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ قال: إنه ينتزع عقول أكثر أهل ذلك [الزمان] ويخلصوا له من الناس، يحسب أكثرهم أنه على شيء وليسوا على شيء. قال أبو موسى: والّذي نفسي بيده ولا أجد لي ولكم وإن أدركنا إلا أن نخرج منها كما دخلناها. لم يصب فيها دما ولا مالا. ومن حديث بشر بن شعيب، عن أبيه، عن الزهري قال: أخبرنى عروة بن الزبير أن كرز بن علقمة الخزاعي قال: بينا أنا جالس عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم جاءه رجل من أعراب نجد، قال: يا رسول اللَّه. هل للإسلام من منتهى؟ قال: نعم، أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد اللَّه بهم خيرا أو دخل عليهم الإسلام، قال الأعرابي: ثم ماذا يا رسول اللَّه؟ قال: ثم تجمع الفتن كأنها الظلل، قال الأعرابي: كلا يا رسول اللَّه، قال: والّذي نفس محمد بيده لتعودن فيها أساود ضبا بضرب بعضهم رقاب بعض. وخرجه الإمام أحمد من حديث الزهري.
وخرجه أبو نعيم [ (1) ] من طريق أبي داود والحميدي وسعيد بن منصور، وأبي بكر بن أبي شيبة، كلهم من حديث سفيان بن عيينة، حدثنا الزهري بنحوه وزاد في آخره: قال الزهري: والأسود الحية إذا أراد أن ينهس ينتصب هكذا ورفع الحميدي يده ثم انصبّ. وخرج من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: أبو نعيم: رواه عقيل وابن يسار ومعاوية بن يحيى عن الزهري مثله، ورواه عبد الواحد بن قيس عن عروة بن الزبير وأكثر من طريق يحيى وعبد اللَّه، قال: حدثني عبد الواحد بن قيس، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: حدثني كرز الخزاعي قال: أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال يا رسول اللَّه هل للإسلام منتهى؟ قال: نعم، فمن أراد اللَّه به خيرا من العرب والعجم أدخله عليه، ثم تقع الفتن كالظلل قال: كلا واللَّه يا رسول اللَّه [قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] : بلى والّذي نفسي بيده [ (2) ] لتعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض، وأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يتقى ربه ويدع الناس من شره [ (3) ] . ومن حديث الوليد بن مسلم حدثنا بن جابر قال: حدثني سليمان بن حبيب عن كرز الخزاعي أن أعرابيا قال: يا رسول اللَّه جاءنا اللَّه بهذا الإسلام فجعل له من منتهى؟ قال: نعم، فمن يرد اللَّه قال: خيرا يدخله عليه، ثم ماذا يا رسول اللَّه؟ قال: ثم تقع فتن كالظلل قال: كلا يا رسول اللَّه، قال: بلي، والّذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صبا يضرب بعضكم رقاب بعض، فخير الناس [ (4) ] يومئذ هو من يعتزل. وخرج أيضا من حديث الدمشقيّ، قال: قال أبو اليمان بن شعيب عن الزهري، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن أم حبيبة أن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أرأيت ما تلقى أمتى من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقا من اللَّه فسألته أن يوليني بشفاعة فيهم ففعل. وخرجه أبو محمد بن أحمد بن حماد والدولابي من حديث محمد بن عوف بن سفيان الطائي قال أبو اليمان: قال الزهري: قال أنس بن مالك: عن أم حبيبة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: أرأيت ما تلقى أمتى من بعدي؟ سفك بعضهم دماء بعض فأحزنني وشق ذلك عليّ، وسبق ذلك من اللَّه كما سبق الأمم قبلها فسألته أن يوليني الشفاعة فيهم يوم القيامة ففعل. وخرجه ابن موسى عن موسى بن عبيدة عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن أم سلمة قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد أريت ما تلقى أمتي من بعدي فأخرت لهم شفاعتي إلى يوم القيامة. وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرنى عمرو بن الحرث، عن سعيد بن هلال، عن أبان بن صالح، عن الشعبي، عن عون بن مالك الأشجعي قال: [بينا] نحن مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في قبة من أدم إذ مررت فسمع صوتي فقال: «يا عوف بن مالك ادخل» فقلت: يا رسول اللَّه أكلي أم بعضي؟ فقال: «بل كلك» قال: فدخلت، فقال: «يا عوف اعدد ستا بين يدي الساعة» فقلت: ما هن يا رسول اللَّه؟ قال: موت رسول اللَّه» فبكى عوف، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «قل: إحدى» قلت: إحدى، ثم قال: «وفتح بيت المقدس قل اثنتين» قلت اثنين، قال: «وموت يكون في أمتى كعقاص الغنم، قل: ثلاث، «قلت: ثلاث، قال: وتفتح لهم الدنيا حتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قل: أربع» وفتنه لا يبقى أحد من المسلمين إلا دخلت عليه بيته قل خمس «قلت: خمس» وهدنة تكون بينكم وبين بنى الأصفر يأتونكم على ثمانين غاية، كل غاية اثنا عشر ألفا ثم يغدرون بكم حتى حمل امرأة» ، فلما كان عام عمواس زعموا أن عوف بن مالك قال لمعاذ بن جبل: إن
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال لي: اعدد ستا بين يدي الساعة فقد كان منهن الثلاث وبقي الثلاث فقال معاذ: إن لهذا مدة ولكن خمس أظللنكم من أدرك منهن شيئا ثم استطاع أن يموت فليمت [قبل] أن يظهر التلاعن على المنابر، ويعطى مال اللَّه على الكذب والبهتان، وسفك الدماء بغير حق، وتقطع الأرحام، ويصح العبد لا يدرى أضال هو أم مهتد. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث وكيع حدثنا أبو جعفر عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [ (2) ] الآية، قال من أربع وكلهن رفع لا محالة مضت اثنتان بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، فألبسوا شيعا، وذاق بعضهم بأس بعض، وبقيت هنا فقال: لا محالة الحيف والرجم. وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث أنس، عن الأعمش فإنّي برءوس خوارج فكلما مروا عليه برأس، قال: إلى النار، فقال له عبد بن يزيد: أولا تدري، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: عذاب هذه الأمة جعل بأيديها في دنياها. قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، إنما أخرج مسلم وحده حديث طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسي: أمتى أمة مرحومة.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بظهور المعادن فيكون فيها شرار الناس فكان كما أخبر
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بظهور المعادن فيكون فيها شرار الناس فكان كما أخبر فخرج البيهقي [ (1) ] من حديث عاصم بن يوسف، قال سعير بن الخمس، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بقطعة من ذهب وكانت أول صدقة قد جاءت به بنو سليم من معدن لهم فقالوا: يا رسول اللَّه هذه من معدن لنا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تكون معادن ويكون فيها شرار خلق اللَّه. رواه محمد بن يوسف الفريابي قال: ذكر سفيان، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى سليم، عن جده، قال أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بشيء من فضة، من معدن لنا فقال أما إنه ستظهر معادن وسيحضرها شرار الناس. قال البيهقي: وهكذا رواه قبيصة بن عقبة، عن سفيان وقال أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن زيد بن أسلم عن رجل من بني سليم عن أبيه أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بفضة فقال هذا معدن لنا. فقال النبي: إنها ستكون معادن يحضرها شرار الناس. قال البيهقي: هذا هو المحفوظ من حديث زيد بن أسلم. وخرجه [ (2) ] الإمام أحمد من حديث سفيان، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بنى سليم، عن جده، أنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بفضة، فقال: هذه من معدن لنا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: ستكون معادن يحضرها شرار الناس.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بمجيء قوم بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات فكان كما أخبر
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بمجيء قوم بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات فكان كما أخبر فخرج مسلم [ (1) ] في آخر كتاب اللباس، وفي آخر كتاب بدء الخلق، من حديث جرير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. وخرجه من حديث زيد بن حباب، حدثنا أفلح بن سعيد: حدثنا عبد اللَّه ابن رافع مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب اللَّه، ويروحون في سخط اللَّه [ (1) ] . ومن حديث أبي عامر العقدي قال أفلح بن سعيد قال: حدثني عبد اللَّه بن رافع مولى أم سلمة، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن طالت به مدة أوشكت أن ترى قوما يغدون في سخط اللَّه، ويروحون في لعنته في أيديهم مثل أذناب البقر [ (2) ] . وخرجه الحاكم في (المستدرك) [ (3) ] من حديث أبى عبد اللَّه محمد بن يعقوب الشيباني، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي حدثنا مسدد من حديث بشر بن المفضل حدثنا عبد اللَّه بن بجير حدثنا سيار بن سلامة عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يخرج في هذه الأمة في آخر الزمان رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط اللَّه ويروحون في غضبه، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وخرج من حديث ابن وهب قال: أخبرنى عبد اللَّه بن عياش القتباني عن أبيه، عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: سيكون في هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم ونساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كاسنمة البخت العجاف العنوهن فإنّهنّ ملعونات لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمهم كما خدمكم نساء الأمم السابقة. فقلت لأبى: وما المياثر؟ قال سروجا عظاما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وأما إشارته صلى الله عليه وسلم إلى أن بغداد تبنى ثم تخرب [3] فكان كما أشار وأخبر صلى الله عليه وسلم
قال سروح: قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . قال الحافظ أبو نعيم [ (2) ] النساء المذكورات في هذا الحديث قيل: إنهن المغنيات بالعراق يتعممن بكارات كبار على رءوسهن ثم يتجلببن فوقهن. وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلم إلى أن بغداد تبنى ثم تخرب [ (3) ] فكان كما أشار وأخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث عمار بن سيف، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان المتعلج، عن جابر، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول تبنى مدينة بين دجلة، ودجيل وقطربُّل، والصراة، تجبى إليها خزائن الأرض وجبابرتها، لهى أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة [ (4) ] . ومن حديث محمد بن جابر، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي جرير قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تبنى مدينة بين دجلة، ودجيل، والصراة،
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن البصرة ومصير أمرها [3]
وقطربُّل يجتمع فيها خزائن الأرض، يخسف بها فلهى أسرع خسفا بأهلها من التيه في الأرض الصبخة والخوراة [ (1) ] . ومن حديث إسماعيل، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ستبنى مدائن بين نهرين من المشرق، وتحشر إليها خزائن الأرض وسروها، يسكنها أشر خلق اللَّه وخبأت أمتى يخسف اللَّه بها [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن البصرة ومصير أمرها [ (3) ] فخرج الحافظ أبو نعيم من حديث محمد بن عبد اللَّه الخزاعي قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص يوم جمعة فجلسنا إليه فقال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: والشام، تكون المسلمين بلدة أمصار ومقر بملتقى البحرين، ومقر بالحيرة، ومصر، بالشام فيخرج للمسلمين ثلاث فزعات. ومن حديث صالح المري عن المغيرة بن حبيب صهر مالك قال: قلت لمالك بن دينار: يا أبا يحيى لو ذهبت بنا إلى بعض جزائر البحر كنا فيها حتى تسكن بأمر الناس فقال: ما كنت بالذي أفعل. حدثني الأحنف بن قيس، عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إني لأعرف أرضا يقال لها: البصرة أقوفها قبلة، وأكثر مساجد ومؤذنين، يدفع عنها من البلاء ما يدفع عن سائر البلاد. ومن حديث صالح المري عن سعيد الريعي، عن صالح عن مالك بن دينار، عن الأحنف بن قيس، عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذكر أهل الكوفة فذكر أنهم سينزل بهم بلايا عظام، وذكر أهل البصرة وذكر أنهم أفضل من الأمصار.
ومن حديث إسماعيل بن أبي إسماعيل قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن جرهم بن الحارث، عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن جهمان، عن أبي بكرة قال: ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن أرضا تسمى البصرة أو البصيرة فنزلها أناس من المسلمين فبينما هم على ذلك إذا جاءهم بنو قنطور حتى ينزلوا بين دحلمة ذي نخل فنتصرف الناس عن ذلك ثلاث فرق فأما فرقة فتلحق بأصلها فتهلكها فتأخذ على نفسها وكفروا، وفرقة تقاتل قتالا شديدا فيفتح اللَّه عليهم. ومن حديث داود بن سعيد بن حيان، عن مسلم، عن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن ناسا من أمتى ينزلون بغائط موته البصرة عندهم نهر يقال له دجلة يكون لهم عليها جسر ويكون أهلها وتكون من أنصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطور عراض الوجوه صفن الأعين حتى ينزلوا على شاطئ البصرة فيضيق أهلها على ثلاث فذكر قتله. ومن حديث عبد الرحمن بن أبي غياث قال الحرث بن سليمان الكوفي، عن سالم بن أبي الجعد، قال: لما فرغ على بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من قتال أهل البصرة دخل المسجد فاستنزل حائط القبلة ثم أمر مناد ينادى: الصلاة جامعة وبرئت الذمة من رجل يحلق.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بما يكون في هذه الأمة من الفجور وتناول المال الحرام والتسرع إلى القتل [1]
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما يكون في هذه الأمة من الفجور وتناول المال الحرام والتسرع إلى القتل [ (1) ] فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث على بن عاصم، عن داود بن أبي هند، قال: نزلت الجديلة جديلة قيس فسمعت شيخا أعمى يقال له، أبو عمر يقول: سمعت أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليأتين على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز أو الفجور فمن أدرك ذلك الزمان منكم فليختر العجز على الفجور. وخرجه أحمد [ (3) ] والحاكم [ (4) ] من حديث سفيان عن داود بن أبي هند قال: أخبرني شيخ سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يأتى على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز على الفجور. قال الحاكم [ (5) ] هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأن الشيخ الّذي لم يسم سفيان الثوري عن داود بن أبي هند هو سعيد بن أبي جبيرة، رواه من حديث عباد بن العوام، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن أبي جبيرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فذكره. وخرج الحاكم [ (6) ] من حديث معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه، عن كعب بن عياض رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه قال سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول «إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال» قال: هذا حديث صحيح الإسناد. وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن صالح قال: أخبرنى معاوية بن صالح قال: حدثني أبو الزاهرية، عن كثير بن مرة عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل. قال [ (2) ] الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ومن حديث ابن أبي وهب قال أخبرني عمرو بن الحرث وابن لهيعة عن زيد أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل» . وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث عمرو بن محمد بن منصور العدل، حدثنا عمر بن حفص، حدثنا عاصم بن عليّ، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن النعمان بن بشير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: صحبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعناه يقول: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام خلاقهم فيها بعرض من الدنيا يسير» . قال الحسن: واللَّه لقد رأيناهم صورا بلا عقول أجساما بلا أحلام فراش نار وذبان طمع يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين يبيع أحدهم دينة بثمن العنز.
وخرجه أبو نعيم من حديث عاصم بن على قال: المبارك بن فضالة عن الحسن، عن النعمان بن بشير قال: صحبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وسمعناه يقول: إن من بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا ويبيع أقوام أخلاقهم في عرض أو بعرض من الدنيا [ (1) ] يسير، ومن حديث [ (2) ] حفص بن عمر، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن النعمان بن بشير أنه كتب إلى قيس بن سعد [أما بعد فإنكم إخواننا أسقافا وأما شهدنا ولم يشهدوا وسمعنا ولم يسمعوا] وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن بين يديّ فتنا كقطع الدخان يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع الرجل دينه بثمن عرض. قال الحسن: قد رأيناهم واللَّه. وخرج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة حدثنا يونس عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر أو قال: على الشوك قال حسن في حديثه: [ (3) ] خبط الشوك. ومن حديث شعبه عن محمد بن يعقوب سمعت شقيق بن حيان يحدث عن مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يقول: صلّى هذا الحي من محارب الصبح فلما صلوا قال شاب منهم: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وأن عمالها في النار إلا من اتقى اللَّه وأدى الأمانة [ (4) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن حال بقعة من الأرض فظهر صدق ما أخبر به
وخرج [ (1) ] مسلم من حديث أبي حازم، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتى على الناس يوم لا يدرى القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج، القاتل والمقتول في النار. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن حال بقعة من الأرض فظهر صدق ما أخبر به فخرج الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن مهندب، عن سفيان، عن عاصم بن عبيد اللَّه، عن عبيد مولى أبي، رهم، عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم نظر إلى بقعة من بقاع المدينة فقال: رب يمين لا يصعد إلى اللَّه بهذه البقعة فرأيت فيها النخاسين بعد. وخرجه الإمام أحمد [ (3) ] في (المسند) من حديث عبد الرحمن ولفظه: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول رب يمين لا تصعد إلى اللَّه بهذه البقعة فرأيت فيها النخاسين بعد.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن قوم يؤمنون به ولم يروه
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم عن قوم يؤمنون به ولم يروه فخرج مسلم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن جعفر قال: أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول اللَّه؟ قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول اللَّه؟ فقال: أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا بلى يا رسول اللَّه، قال: فإنّهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض ألّا ليزادن رجال من حوضي كما يزاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال أنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقا سحقا. وخرج مسلم [ (2) ] من حديث عبد العزيز الدراوَرْديّ، حدثنا مالك، جميعا عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون. بمثل حديث إسماعيل بن جعفر غير أن حديث مالك: فليذادن رجال عن حوضي.
وأخرجه النسائي [ (1) ] من حديث مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، وددت أنى قد رأيت إخواننا، قالوا: يا رسول اللَّه، ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض، قالوا: يا رسول اللَّه، كيف تعرف من يأتى بعدك من أمتك قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلين في خيل بهم دهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى، قال: فإنّهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض. وذكر ابن عبد البر من حديث عمرو بن خالد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد عن أبي حبيب عن بكير بن عبد اللَّه بن الأشج، عن عبد الرحمن بن أبي عمر عن أبيه قال: قلت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أرأيت من آمن بك ولم يرك؟ فقال: أولئك إخواننا معنا، طوبى لهم، طوبى لهم. ومن حديث ابن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وجاءه عمر فقال: يا عمر إني لمشتاق إلى إخواني، قال: عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: ألسنا بإخوانك يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكنكم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني. هكذا أورده ابن عبد البر بغير إسناد. وذكر من طريق موسى بن داود، عن همام، عن قتادة، عن أنس عن أبي أمامة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى سبع مرّات لمن لم يرني وآمن بي. قال: ورواه أبو داود الطيالسي عن همام، عن قتادة به مثله. ومن مسند أبي داود الطيالسي، عن محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: أتدرون أي الخلق أفضل إيمانا؟ قلنا: الملائكة، قال: فحق لهم بل غربتم، قلنا: الأنبياء، قال: حق لهم بل غربتم، ثم قال رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلم: أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجدون ورقا فيتعلمون فيه فهم أفضل الخلق إيمانا. وذكره ابن عبد البر من طريق زكريا بن يحيى الشامي، عن محمد بن المثنى بن أبي عدي، عن ابن أبي حميد، عن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عمر ابن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول ائتوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا قلنا الملائكة.... وذكر الحديث كما تقدم. قال المؤلف عفى اللَّه عنه وغفر ذنوبه: وقد خرجه [ (1) ] الحاكم من حديث أبي عامر العقدي، حدثنا محمد بن أبي حميد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم جالسا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «أتدرون أي أهل الإيمان أفضل إيمانا؟» قالوا: يا رسول اللَّه الملائكة؟ قال: هم كذلك ويحق ذلك لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم اللَّه المنزلة التي أنزلهم بها غيرهم، قالوا: يا رسول اللَّه فالأنبياء الذين أكرمهم اللَّه تعالى بالنّبوّة والرسالة؟ قال: «هم كذلك ويحق لهم ذلك وما يمنعهم وقد أنزلهم اللَّه المنزلة التي أنزلهم بها بل غيرهم» قال: قلنا فمن هم يا رسول اللَّه؟ قال: «أقوام يأتون من بعدي في أصلاب الرجال فيؤمنون بي ولم يروني ويجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا» ، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وقال ابن عبد البر: [ (2) ] وذكر سنين عن خلف بن خليفة عن عطاء بن السائب قال: قال ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لأصحابه يوما: أي الناس أعجب إيمانا قالوا: الملائكة، قال: وكيف لا تؤمن الملائكة والأمر فوقهم يرونه؟ قالوا: الأنبياء، قال: وكيف لا تؤمن الأنبياء والأمر منزل إليهم غدوة وعشية؟ قال: فنحن؟ قال: وكيف لا تؤمنون وأنتم ترون من رسول اللَّه ما ترون؟ ثم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أعجب الناس إيمانا قوم يأتون بعدي
يؤمنون بي ولم يروني، أولئك إخواني حقا، وكان سفيان بن عيينة يقول: تفسير هذا الحديث وما كان مثله بين في كتاب اللَّه تعالى وهو قوله تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [ (1) ] . قال ابن عبد البر: وروى مالك عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري في الأفق من المشرق أو المغرب لا يتفاضل بينهم، قيل: يا رسول اللَّه تلك منازل الأنبياء لا يلقاها غيرهم؟ قال: بلى والّذي نفسي بيده، رجال آمنوا باللَّه وصدقوا المرسلين [ (2) ] . وروى فليح بن سليمان عن هلال بن على عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم مثله، وقال: محمد بن يحيى كلاما غير مرفوع وذكر من حديث قاسم بن أصبغ، عن أحمد بن زهير، عن مروان بن عزوف، حدثنا عن مرزوق بن نافع، عن صالح بن حنز، عن أبي جمعة قال: قلنا: يا رسول اللَّه هل أحد خير منا؟ قال: نعم قوم يكونون بعدكم فيجدون كتابا بين لوحين يؤمنون بما فيه ويؤمنون بي ولم يروني [ (3) ] . قال جامعه- رحمه اللَّه وعفى عنه-: وقد خرج الحاكم [ (4) ] هذا الحديث من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي بحمص، حدثنا عبد القدوس بن الحجاج، حدثنا الأوزاعي، حدثنا أسيد ابن عبد الرحمن، حدثني صالح بن محمد، عن أبي جمعة قال: تغدينا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، قال: فقلنا: يا رسول اللَّه أحد خير
منا معك أسلمنا معنا وجاهدنا معك؟ قال: نعم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بى ولم يرونى. قال الحاكم [ (1) ] هذا حديث صحيح الإسناد. قال ابن عبد البر: قد عارض قوم هذه الأحاديث بما جاء عنه صلّى اللَّه عليه وسلم: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وهو حديث حسن المخرج، جيد الأسانيد، وليس ذلك عندي بمعارض لأن قوله: خير الناس قرني ليس على عمومه، بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول، وقد جمع قرنه من السابقين من المهاجرين والأنصار جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان، وأهل الكبائر الذين أقام عليهم وعلى بعضهم الحد، ردّ وقال: أنتم ما تقولون في الشارب والسارق والزاني وقال صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه. وقال عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ (2) ] قال: من فعل منكم فعلها كان مثلها وقال ابن عباس رضي اللَّه عنه: في قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ثم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدرا والحديبيّة وهذا كله يشهد أن خير قومه فضلاء أصحابه وقد قيل في قول اللَّه- عز وجل-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أمة محمد صلّى اللَّه عليه وسلم يعنى الصالحين منهم وأهل الفضل وكنتم شهداء على الناس يوم القيامة، قالوا: إنما صار أول هذه الأمة خير القرون لأنهم آمنوا به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه، ونصروه، وآووه وواسوه بأموالهم وأنفسهم وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوه في الإسلام. وقد قيل في توجيه أحاديث هذا الباب مع قوله خير الناس قرني في قوته إنما قيل: لأنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار وصبروا على إيذائهم وتمسكهم، وأن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على طاعة ربهم في حين ظهور الشر والفسق والهرج والكبائر، كانوا عند ذلك أيضا
غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الزمن، كما زكت أعمال من قبلهم، ومما يشهد لهذا قوله صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء، ويشهد له أيضا حديث أبي ثعلبة، ويشهد له قوله صلّى اللَّه عليه وسلم أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره. هذا حديث خرجه الإمام أحمد [ (2) ] من حديث رماد عن أبي عمرو عن الحسين عن عمار بن ياسر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره. وقد ذكر البخاري- رحمه اللَّه- قال: محمد بن بشار بن أبي عدي عن حميد، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة على أحد يقول في الأرض اللَّه [ (3) ] . قال ابن عبد البر: فما ظنك بعبادة اللَّه وإظهار دينه في ذلك الوقت ليس هو كالعاص على الجمر، لصبره على الذل والفاقة وإقامة الدين والسنة. وروينا أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد اللَّه ابن عمر أن أكتب إليّ سيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم أن عملت بسيرة عمر، وأنت أفضل من عمر، لأن لا زمانك كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر. قال: وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب إليه بمثل قول
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأن أقصى أماني من جاء بعده من أمته أن يروه فكان كما أخبر
سالم وقد عدل عن بعض الجملة من العلماء قوله صلّى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] «خير الناس قرني بقوله: خير الناس من طال عمره وحسن عمله» ، قال: وهذه الأحاديث تقتضي مع مواثر [صحة] طرقها وحسنها التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها، [والمقنع] في ذلك ما قدمنا ذكره من الإيمان والعمل الصالح في الزمن الفاسد الّذي يرفع فيه من أهله العلم والدين، وبكثر الهرج والفسق، ويذل المؤمن، ويعز الفاجر، ويعود الدين غريبا كما بدأ ويكون القائم فيه بدينه كالقابض على الجمر فيستوي أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبيّة واللَّه يؤتى فضله من يشاء. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن أقصى أماني من جاء بعده من أمته أن يروه فكان كما أخبر فخرج البخاري من حديث شعيب عن أبي حمزه عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر حتى تقابلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة وتجدون خير الناس أشدهم كراهة لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله.
وأخرجه أيضا من حديث صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث شعيب دون الزيادة مع تقديم وتأخير [ (1) ] . وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم من حديث شعيب عن أبي جمرة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: ليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله.
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والّذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني، ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم. قال أبو نصر الحميدي: تأولوه على أنه نعى مصيبة إليهم وعن فهم بما يحدث لهم بعده من تمنى لقائه عند فقدهم ما كانوا يشاهدون من بركاته صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرج مسلم [ (2) ] من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، حدثنا أبو هريرة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: والّذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم يوم ولا يراني ثم لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم قال أبو إسحاق: المعنى فيه عندي لأن يراني معهم أحب إليه من أهله وماله وهو عندي يقدم ويؤخر. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث أبي خالد الأجوري عن يحيى بن سعيد، عن أبي صالح، عن رجل من بني أسد، عن أبي ذر رضي اللَّه عنه
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بتبليغ أصحابه ما سمعوا منه حديثهم من بعده وخطبه من بعدهم فكان كما أخبر
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن من أشد أمتي حبا إليّ مؤمنين يأتون من بعدي يود أحدهم لو رآني أحب إليه من أهله كأنه يراني. وخرجه الإمام أحمد من حديث أبي صالح. وخرجه الحاكم من حديث عبد اللَّه بن مسلمة، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن ناسا من أمتى يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله. قال الحاكم هذا صحيح الإسناد. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتبليغ أصحابه ما سمعوا منه حديثهم من بعده وخطبه من بعدهم فكان كما أخبر فخرج أبو داود [ (1) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم. وخرجه الحرث عن أبي أسامة من حديث فضيل عن الأعمش به مثله. وخرج أبو نعيم [ (2) ] من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ثابت بن قيس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم. وخرج الترمذي [ (3) ] من حديث أبي داود الطيالسي قال: عن سماك بن حرب قال: سمعت عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود يتحدث عن أبيه قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: نضر اللَّه امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وبه رواه عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه.
قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: ووقع هذا الحديث في سنن أبي داود الطيالسي، عن شعبة وحماد بن سلمة، عن سماك بن حرب إلى آخره بمثله. وروى غافر بن مجد الدوري، عن يحيى بن معين أن عبد الرحمن بن عبد اللَّه وأخاه أبا عبيد لم يسمعا من أخيهم شيئا مما يحدث. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث أبي داود عن شعبة أخبرني عمر بن سليمان عن ولد عمر بن الخطاب قال: سمعت عبد الرحمن بن عثمان يحدث عن أبيه قال: خرج زيد بن ثابت من عند مروان نصف النهار، قلنا ما بعث إليه في هذه الساعة إلا لشيء فسألاه عنه، فقمنا فسألناه فقال: نعم، سألنا عن أشياء سمعناها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «نضر اللَّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه» . وخرجه أبو داود [ (2) ] في باب نشر العلم من كتاب العلم من حديث يحيى عن شعبة إلى آخره مثله. وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد السلام، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه: قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «نضر اللَّه عبدا سمع مقالتي هذه فحملها، فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهم صدر مسلم: إخلاص العمل للَّه- عز وجل-، ومناصحة أولى الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم [ (3) ] .
وخرج الترمذي من حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود، عن أبيه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: نضّر اللَّه امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهنّ قلب مسلم: إخلاص العمل للَّه، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم [ (1) ] . وخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] والنسائي من حديث عبد اللَّه بن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، ذكر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه- أو بزمامه- قال: أي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه. قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى. قال: فأى شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بذي الحجة؟ قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا. ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه.
وأما إنذاره عليه الصلاة والسلام بظهور الاختلاف في أمته
قال: ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا اللفظ لمسلم وهو أتم وزاد البخاري بعد قوله: ليبلغ الشاهد الغائب: فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه. وقال النسائي [ (1) ] : فليدعه أن يبلغ الشاهد من هو أوعى له منه ولم يذكر هو ولا البخاري قوله: ثم انكفأ إلى كبشين إلى آخره. وذكره مسلم في كتاب الديات وذكره البخاري والنسائي في كتاب العلم وقال فيه البخاري أي يوم هذا؟ وهكذا فسكتا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه وكذلك قال: في التفسير ولم يقل فيه: قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. وأخرجاه من حديث أبي عامر العقدي عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين. ذكره البخاري في كتاب الحج، وفي كتاب الفتن وأخرجاه من حديث أيوب، عن ابن سيرين ذكره البخاري في الأضاحي، وذكره مسلم في الديات. وخرجه البيهقي من حديث عباد بن العوام، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قال: مرحبا بوصية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوصينا بكم. وأما إنذاره عليه الصلاة والسلام بظهور الاختلاف في أمته فخرج أبو داود [ (2) ] من حديث صفوان، قال حدثني أزهر بن عبد اللَّه الجرازى، عن أبي عامر الهوزني، عن معاوية بن أبي سفيان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أنه قام فقال: ألا إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وأن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة.
وأنه سيخرج في أمتي أقوام تجاري بهم الأهواء كما يتجاري الكلب لصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله. وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: تفرقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتى على ثلاثة وسبعين فرقة. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح [ (2) ] . وخرج من حديث سفيان [الثوري] عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي عن عبد اللَّه بن يزيد، عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول اللَّه؟ قال: ما أنا عليه وأصحابى [ (3) ] . قال: أبو عيسى هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه. قال الترمذي: الإفريقي ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره. قال أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نعيم بن حماد، عن عيسى بن يونس عن جرير بن عثمان، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: تفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنه على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحلون الحرام، ويحرمون الحلال. وخرج البيهقي [ (2) ] من حديث بقية عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن أبي عمر السلمي، عن العرباض بن سارية. أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وعظهم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: يا رسول اللَّه هذه موعظة مودع فما تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين [من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ] [ (3) ] . حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان. قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: خرج أبو داود [ (4) ] هذا الحديث، قال: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ثور بن يزيد، قال: حدثني خالد بن معدان، قال: حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [ (5) ] فسلمنا، وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صلّى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها
القلوب فقال قائل: يا رسول اللَّه كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا [ (1) ] ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ [ (2) ] ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة [ (3) ] وكل بدعة ضلالة. وأخرجه الترمذي [ (4) ] من حديث بقية بن الوليد عن بجير بن سعد عن خالد ابن معدان، عن عبد الرحمن بن معن السلمي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوما بعد العصر موعظة بليغة إلى آخره بنحوه. وحديث
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم باتباع أمته سنن من قبلهم من الأمم فكان كما أخبر
أبي داود أتم، وقال الترمذي: إياكم ومحدثات الأمور فإنّها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي. قال الترمذي رحمه اللَّه: هذا حديث حسن صحيح. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باتباع أمته سنن من قبلهم من الأمم فكان كما أخبر فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، «عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب اتبعتموهم قلنا: يا رسول اللَّه اليهود والنصارى» قال: فمن؟ هذا لفظ مسلم. ولفظ البخاري عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا يا رسول اللَّه اليهود والنصارى! قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فمن؟. وخرج بقي بن مخلد عن أنس، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم باعا بباع وذراعا بذراع وشبرا بشبر حتى لو دخلوا في جحر ضب تبعتموهم، قلنا: يا رسول اللَّه اليهود والنصارى! قال فمن؟. وخرجه ابن ماجة [ (3) ] عن شيخ، عن يزيد، عن محمد بن عمرو.
وخرج البخاري [ (1) ] في كتاب الاعتصام من حديث محمد بن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع فقيل: يا رسول اللَّه كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟. قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: قد صدق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم فيها أخبره من أنباء الغيب التي يوجهها سبحانه إليه فاتفقوا في الخلافة الإسلامية كما اتفق في الملة الموسوية حذو القدوة بالقدوة، وذلك أن العرب كلها ترجع إلى قحطان وعدنان، فيقال لسائر قحطان: اليمن، ويقال لسائر بني عدنان المضرية والنزارية وهي قيس، والعرب كلها على طبقات شعوب وقبائل وعمائر وبطون وما بينها من الآباء يعرفها أهلها، وكما أن اللَّه تعالى جعل العرب شعوبا وقبائل فقد جعل بني إسرائيل قوم موسى عليه السلام أسباطا، فالسبط من بني إسرائيل كالقبيلة من العرب، وبنو إسرائيل بأسرهم اثنا عشر سبطا وهم: يوسف النبي، وبنيامين، وكاد، ويهوذا، وثعتالى، وزبولون، وشمعون، وروبيل، وبستاخار، ولاوى، وذان، وياشير، فكل واحد من هؤلاء الاثني عشر يقال له سبط ومنهم كلهم سائر بني إسرائيل، وجميع هؤلاء الاثني عشر سبطا هم أولاد يعقوب، وهو إسرائيل لصلبه، ويعقوب هو ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل، سلام اللَّه عليهم، فموسى عليه السلام هو ابن عمران بن قاهث ابن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فهو من سبط لاوى، وقد قام عليه السلام بأمر بني إسرائيل حتى مات فلم يخلفه على بني إسرائيل بعد موته أحد من سبط لاوى الذين هم قرابته القريبة، وإنما خلفه يوشع ابن نون بن أليشاماع ابن عم يهود بن لغدان بن تالخ بن راشف بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب، فيوشع من سبط أفرايم بن يوسف وهو بعيد بن سبط لاوى، وهكذا وقع في الإسلام، فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سيد بني هاشم هو محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب
ابن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، قام صلّى اللَّه عليه وسلم بأمر الأمة حتى توفاه اللَّه تعالى، فلم يخلفه في أمته أحد من بني هاشم الذين هم أعرب العرب إليه وإنما خلفه في أمته أبو بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو من تيم بن مرة بن كعب فإنه أبو بكر، واسمه عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن كعب. فانظر، كيف كان كان أبو بكر خليفة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في البعد من جذر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرة بن كعب بن لؤيّ بعد عدة آباء، وكذلك يوشع إنما يلتقى مع موسى في يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وكما أنه قام بأمر بني إسرائيل بعد يوشع خلف موسى جماعة مختلفو الأنساب بعضهم من سبط يهوذا، أو بعضهم من سبط يلخار وبعضهم من سبط بنيامين وبعضهم من منشّا بن يوسف وبعضهم من سبط عاش وبعضهم من سبط دان. وكذلك قام في الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه جماعة مختلفة أنسابهم بعضهم من بني عدي وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد اللَّه بن قرظ بن رزاح بن عدي بن كعب. وبعضهم من بني أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وهو أمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية. وبعضهم من بني هاشم، [وهو] أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وابنه أبو عبد اللَّه الحسن بن علي ابن أبي طالب رضوان عليهم. وبعضهم من بني حرب بن أمية بن عبد شمس وهو معاوية بن أبي سفيان ابن صخر بن حرب بن أمية وابنه يزيد بن معاوية وابنه معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. وبعضهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب وهو عبد اللَّه بن الزبير بن العوام بن أسد بن عبد العزى.
وبعضهم من بني الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، ثم مروان بن الحكم وابنه عبد الملك بن مروان بن الحكم وبنوه. وكما أن بني إسرائيل استقر أمرهم بعد من ذكرنا في القائمين من بني يهودا، كذلك استقرت الخلافة في بني العباس بعد من ذكرنا، وكما أن يهوذا عم موسى عليه السلام، كذلك العباس بن عبد المطلب بن هاشم هو عم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وكما أن يهوذا قدمه يعقوب على إخوانه وبشر هو مدحه كما هو مذكور في التوراة، كذلك العباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يجله ويكرمه ويثنى عليه كما هو مذكور في الأحاديث الصحيحة، وكما أن أمر بني إسرائيل افترق في دولة بنى يهودا فصاروا بعد موت سليمان بن داود عليه السلام فرقة بالقدس مع ابنه رحبعم بن سليمان بن داود وهم سبط يهوذا سبط بنيامين وفرقة بشمرون مع يربعام بن نياط وهم بقية الأسباط لذلك لما صارت الخلافة في بنى العباس افترق أمر الأمة المحمدية فصار في الأنبار، ثم في بغداد بنو العباس، وفي الأندلس عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم وبنوه من بعده فلم تدخل الأندلس تحت طاعة بني العباس كما لم تدخل شمرون تحت حكم سبط يهوذا. وكما أن مدينة القدس التي هي دار ملك بنى يهوذا كان تدعى بالعبرانية أورشليم، ومعناه دار السلام، كذلك بغداد دار ملك بني العباس كان يقال لها دار السلام، وكما أن دولة بربغام ومن معه بشمرون التي عرفت اليوم بنابلس انقرضت قبل دولة يهوذا بالقدس ذاتها لم يقم سوى مائتي سنة وإحدى وستين سنة، وكذلك دولة بني أمية بالأندلس انقرضت قبل انقراض دولة بني العباس فكانت دولتهم كدولة أصحاب شمرون وكما أن دولة بني يهوذا أقيمت بالقدس من عهد داود عليه السلام وهو أول من ملك منهم إلى أن انقرضت مدة تزيد على خمسمائة سنة، كذلك بنو العباس أقامت خلافتهم منذ أبي العباس عبد اللَّه السفاح أول قائم منهم إلى أن انقرضت أيامهم خمسمائة سنة وثلاثا وعشرين سنة، وكما أن يهوذا تميزوا بألقاب تخصهم لا تكون لأحد من رعيتهم، كذلك بنو العباس كانت لهم ألقاب يخص بها الخليفة كالسفاح، والمنصور، والمهدي، ونحو ذلك، وكما أن دولة بني بربغام بشمرون إذا لقي قوم من غير جنسهم،
ولا يتكلمون بلغتهم كذلك أزال بني أمية من الأندلس البربر وليسوا من جنسهم، ولغتهم تخالف لغة العرب وكما أن دولة بني يهوذا انقرضت من القدس على يد بخت نصّر فإنه صار إليهم من بلاد المشرق حتى قتلهم وهدم مدينة القدس دار ملكهم، وقتل رجاله بني إسرائيل، وسبي نساءهم وذرياتهم، وانتهبت أموالهم فكذلك زالت خلافتهم بالقدس من بعده، وكما أن بني إسرائيل قوم قطعهم اللَّه في الأرض أمما، وكذلك قريش قوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم تفرقوا في أقطار الأرض وصاروا رعية رعاعا ليس لهم ملك ولا دولة، وكما أن أنساب بني إسرائيل بأسرهم جهلت بينهم إلا بعض بنى يهوذا فإن نسبهم يصل عندهم بداود عليه السلام، كذلك قريش قد جهلت في هذه الأيام أنساب جميع بطونها إلا ما كان في بني حسن وحسين ابني على بن أبي طالب وبني جعفر بن أبي طالب فإن أنساب كثيرة منهم متصلة على مقالات في كثير منهم عند النساء بيّن، فانظر- أعزك اللَّه- كيف تشابه أمر هذه الأمة المحمدية بأمر الأمة الموسوية تصديقا لما أنذر به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من اتباع أمته سنن من كان قبلها، وهذا فضل اللَّه [منّ] به عليّ في كتابي (النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم) ولم أره لأحد قبلي، واللَّه يختص برحمته من يشاء من عباده، واللَّه ذو الفضل العظيم.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بذهاب العلم وظهور الجهل فظهر في ديننا مصداق ذلك في غالب الأقطار
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب العلم وظهور الجهل فظهر في ديننا مصداق ذلك في غالب الأقطار فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث عبد الوارث، عن قتادة، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر. ولفظها في المتن سواء. ذكره في العلم. وخرج البخاري من حديث يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: «لأحدثتكم حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يحدثتكم به أحد غيري، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد» . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث محمد بن جعفر قال شعبة: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت منه: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويفشو الزنا، ويشرب الخمر ويذهب الرجال وتبقي النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد.
وأخرجه مسلم [ (1) ] أيضا من حديث سعيد، بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وفي حديث ابن بشر وعبدة لا يحدثكموه أحد بعدي، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فذكر مثله. وأخرجه البخاري [ (2) ] أيضا في آخر كتاب النكاح من حديث هشام الدستواني وهمام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس، وأخرجه في كتاب الأشربة [ (3) ] وفي كتاب الحدود [ (4) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث وكيع عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا فقال: ذاك عند أوان ذهاب العلم قال: فقلت يا رسول اللَّه وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ العلم وتقرأه أبناؤنا وأبناؤهم إلى يوم القيامة قال: ثكلتك أمك زياد! إن كنت لأراك من أفقه رجال المدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا يعملون بشيء مما فيها. وخرجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القاري، وأبو الحسن أحمد بن محمد العنبري، قالا: حدثنا عثمان بن سعيد الدرامي، حدثنا عبد اللَّه بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير ابن نفير، عن أبيه جبير، عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: «هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء «قال: فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول اللَّه، وكيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن؟ فو اللَّه لنقرأنه ولتقرأنه نساؤنا وأبناؤنا، فقال: «ثكلتك أمك يا زياد، إني كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه
التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا يغنى عنهم ذلك؟ «قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت فقلت له: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ وأخبرته بالذي قال. قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعا. هذا إسناد صحيح من حديث البصريين. فيه شاهد رابع على صحة الحديث، وهو عبادة بن الصامت، ولعل متوهما أن جبير بن نفير رواه مرة عن عوف بن مالك الأشجعي، ومرة عن أبي الدرداء، فيصير به الحديث مطولا، وليس كذلك، فإن رواة الإسنادين جميعا ثقات، وجبير بن نفير الحضرميّ من أكابر تابعي الشام، فإذا صح الحديث عنه بالإسنادين جميعا فقد ظهر أنه سمعه من الصحابيين جميعا، والدليل الواضح على ما ذكرته أن الحديث قد روى بإسناد صحيح، عن زياد بن لبيد الأنصاري الّذي ذكر مراجعته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الحديثين. ومعاوية بن صالح له عند أهل الحديث ولا نعلم أحدا يتكلم فيه غير يحيى بن سعيد القطان. وخرج البخاري [ (1) ] من حديث مالك، وخرج مسلم [ (2) ] من حديث جرير كلاما عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا، بغير علم فضلوا، وأضلوا. وقال البخاري: ينتزعه من العباد، وقال: حتى إذا لم يبق عالما. وله عندهما طرق أخر.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم باتباع أهل الزيغ ما تشابه من القرآن
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث محمد بن مقاتل المروزي عن يوسف بن عطية، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان علماء جهال وقراء فسقة» . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باتباع أهل الزيغ ما تشابه من القرآن فخرج البخاري [ (2) ] ومسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] من حديث عبد اللَّه بن أبي مليكة عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: تلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الآية: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [ (5) ] . قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللَّه فاحذروهم. وقال أبو داود [ (6) ] : وقرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم هذه الآية ولم يقل مسلم ذكره البخاري في (التفسير) [ (7) ] وذكره مسلم [ (8) ] في كتاب القدر وذكره أبو داود [ (9) ] في
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم باكتفاء قوم بما في القرآن وردهم سنته صلى الله عليه وسلم فكان كما أخبر
شرح السنة، قال أيوب: لا أعلم أحدا من أصحاب الأهواء إلا وهو تعلل بالتشابه. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم باكتفاء قوم بما في القرآن وردهم سنته صلّى اللَّه عليه وسلم فكان كما أخبر فخرج بقي بن مخلد من حديث زائد بن الخباب قال: حدثني الحسن عن جابر أنه سمع المقدام بن معديكرب يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب اللَّه، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرّمناه، وإن ما حرّم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما حرم اللَّه عز وجل [ (1) ] . وخرجه الترمذي [ (2) ] أيضا من حديث معاوية بن صالح، عن الحسن بن جابر اللخمي، عن المقدام بن معديكرب قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب اللَّه فما وجدنا فيه حلالا أحلناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه، وإن ما حرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كما حرم اللَّه.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بظهور الروافض والقدرية
قال الترمذي هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، والأريكة السرير، يريد صلّى اللَّه عليه وسلم أهل الترف والدعة، الذين لزموا بيوتهم، ولم يطلبوا العلم من مظانه يحذر بذلك من مخالفة السنن التي سنها صلّى اللَّه عليه وسلم بما ليس له في القرآن ذكر. واللَّه سبحانه وتعالى أعلم. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بظهور الروافض والقدرية فخرج البيهقي [ (1) ] وأبو عبد اللَّه بن الحافظ من حديث الأسود بن عامر قال: أخبرني أبو سهل قال: أخبرني كثير النواء قال: أخبرنا إبراهيم بن الحسن عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يخرج قبل قيام الساعة قوم يقال لهم: الرافضة برءاء من الإسلام. ومن حديث المتوكل [ (2) ] عن كثير النواء عن إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبى طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في أمتي قوم في آخر الزمان يسمون الرافضة يرفضون الإسلام. قال البيهقي تفرد به كثير النواء وكان من الشيعة. وروي من وجه آخر ضعيف فذكره من حديث الحجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام ويلفظونه فاقتلوهم فإنّهم مشركون. يقال وروي في معناه من وجوه أخر كلها ضعيفة.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم
وقال الحافظ [ (1) ] أبو نعيم: غريب تفرد به الحجاج بن تميم عن ميمون، ورواه يوسف بن عدي، عن الحجاج بن تميم نحوه. وخرج من حديث سعيد بن أبي أيوب قال: أخبرنا أبو صخر، عن نافع، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إنه سيكون في أمتى أقوام يكذبون بالقدر. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالكذب عليه فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلم فخرج مسلم [ (2) ] من حديث سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو هانئ عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم. ومن طريق ابن وهب [ (3) ] قال: حدثني أبو شريح أنه سمع شراحيل بن يزيد يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم. ومن حديث أبي عوانة عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول إن بين يدي الساعة كذابين.
وعن عامر بن عبدة قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتى القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون» [ (1) ] فيقول الرجل منهم سمعت رجلا أحرقوا وجهه ولا أدرى اسمه يحدث. وقال مسلم عن معمر، عن ابن طاوس، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: إن في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا [ (2) ] . قال البيهقي [ (3) ] : وقد روى ذلك عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعا. وخرج البيهقي [ (4) ] من حديث عبد اللَّه بن يزيد المقري، عن سعيد بن أبي أيوب، عن ابن عجلان، عن عبد الواحد النصري، عن واثلة بن الأسقع قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في الأسواق ويقول حدثنا: فلان بن فلان بكذا وكذا. وقال ابن المبارك، عن سفيان حدثنا من رأى قاصا يقص في مسجد الخيف أو نحوه قال: فطلبته فإذا هو شيطان [ (5) ] . وقال الحافظ [ (6) ] أبو أحمد بن عدي، عن عمران بن موسى، عن محمد بن يوسف السراج، عن عيسى بن أبي فاطمة الفزاري يقول: كنت جالسا عند شيخ في المسجد الحرام أكتب عنه، فقال الشيخ الشيبانيّ: فقال رجل: حدثني الشيبانيّ فقال عن الشعبي فقال: حدثني الشعبي فقال: عن الحارث قد واللَّه
وأما ظهور صدقة فيما أخبر به عليه الصلاة والسلام من تغير الناس بعد خيار القرون
رأيت الحارث وسمعت منه قال عن علي قال: قد واللَّه رأيت عليا وسمعت منه وشهدت معه صفين فلما رأيت ذلك قرأت آية الكرسي فلما قلت: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما التفت فلم أر شيئا. وأما ظهور صدقة فيما أخبر به عليه الصلاة والسلام من تغير الناس بعد خيار القرون فخرج البخاري في كتاب الشهادات [ (1) ] وفي الفضائل [ (2) ] من حديث سفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللَّه رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم يجيء أقوام يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» . قال إبراهيم: «وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد» . وخرجه مسلم [ (3) ] في كتاب المناقب من حديث أبي الأحوص عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: ثم يتخلف من بعدهم خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته. وخرج البخاري [ (4) ] من حديث يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثني أبو حمزة، عن زهدم بن مضرب، سمعت عمران بن حصين يحدث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم-
قال عمران: لا أدرى أذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» . وخرجه في المناقب [ (1) ] وفي الشهادات [ (2) ] وفي الرقاق [ (3) ] كلها من حديث شعبة عن أبي حمزة. وخرجه مسلم من طرق عن شعبة، عن أبي حمزة. وخرج الترمذي [ (4) ] من حديث محمد بن فضل، عن الأعمش عن على بن مدرك، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «خير أمتي القرن الّذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم. قال: ولا أعلم ذكر الثالث أم لا، ثم ينشأ أقوام يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمون ويفشو فيهم السمن» . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، من حديث الأعمش، عن على بن مدرك، عن هلال بن يساف، عن عمران بن حصين، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فذكر نحوه، وقال: هذا أصح عندي من حديث محمد بن فضيل، قال: ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها إنما يعنى شهادة الزور يقول: يشهد أحدهم من غير أن يستشهد، وبيان هذا في حديث عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولا يشهد، ويحلف الرجل ولا يستحلف، ومعنى حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلم خير الشهداء
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته متمسكة بالدين إلى قيام الساعة
الّذي يأتى بشهادته قبل أن يسألها هو عندنا إذا أشهد الرجل على الشيء أن يؤدى شهادته ولا يمنع من الشهادة، واللَّه أعلم [ (1) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بأن طائفة من أمته متمسكة بالدين إلى قيام الساعة فخرج البخاري في كتاب [المناقب] [ (2) ] وفي كتاب التوحيد [ (3) ] من حديث الوليد بن مسلم، [قال] ابن جابر حدثني عمير بن هانئ أنه سمع معاوية يقول: «لا تزال طائفة من أمتي أمة قائمة بدين اللَّه لا يضرهم من كذبهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم على ذلك» . قال عمير: فقال مالك بن عامر سمعت معاذا يقول وهم بالشام: فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشام وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن حمزة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عمير بن هانئ حدثه قال: سمعت معاوية على المنبر يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللَّه لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون على الناس.
وخرج البخاري في كتاب المناقب [ (1) ] من حديث يحيى، عن إسماعيل، عن قيس، سمعت المغيرة بن شعبة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «لا يزال ناس من أمتى ظاهرين، حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرين» وخرجه في كتاب الاعتصام [ (2) ] من حديث عبيد اللَّه بن موسى، عن إسماعيل عن قيس، عن المغيرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرين.» وخرجه في كتاب التوحيد [ (3) ] من حديث إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل، عن قيس عن المغيرة قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر اللَّه» . وخرجه مسلم [ (4) ] من حديث وكيع عن ابن نمير حدثنا وكيع وعبدة كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي عمر «واللفظ له» : حدثنا مروان «يعنى الفزاري» عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم ظاهرين» . وخرج مسلم [ (5) ] من حديث شعبة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين
حتى تقوم الساعة. ومن حديث ابن جريح [ (1) ] أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد اللَّه يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة» . وخرج من حديث عبد اللَّه [ (2) ] بن وهب قال: حدثنا عمرو بن الحرث حدثني يزيد بن أبي حبيب حدثني عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فقال عبد اللَّه: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم من أهل الجاهلية، لا يدعون اللَّه بشيء إلا رده عليهم فبينما هم على ذلك إذ أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول عبد اللَّه فقال عقبة: هو أعلم وأما أنا فسمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر اللَّه قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك فقال عبد اللَّه: أجل ثم يبعث اللَّه ريحا كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة» . وخرج من حديث داود [ (3) ] بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة» . وخرجه البزار من حديث داود بهذا الإسناد ولفظه: لأقوام أهل الغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة» . قال وخرج مسلم [ (4) ] من حديث حماد بن زيد عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم كذلك.
قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى وعفا عنه-: هذا جزء من حديث فيه طول وقد جاء مسلم بجملة منه في كتاب الفتن، وجاء به أبو داود بكماله، وأوردته في وقوع بأس الأمة بينهم. وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث حماد، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيخ الدجال» . وخرج الترمذي [ (2) ] من حديث قتيبة بن سعيد، عن حماد بن يزيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبيّ، عن ثوبان قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين قال: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من يخذلهم حتى يأتي أمر اللَّه» . قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن صحيح سمعت محمد بن إسماعيل يقول: سمعت على بن المديني يقول وذكر هذا الحديث، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق. فقال علي: هم أهل الحديث، وذكره في الفتن.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بما يرويه بعده فوقع ما أنذرهم به
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بما يرويه بعده فوقع ما أنذرهم به فخرج البخاري في باب علامات النبوة [ (1) ] من حديث أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: «خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئا يضر فيه قوما وينفع آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم فكان آخر مجلس جلس فيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم. وخرجه في المناقب [ (2) ] وفي كتاب الجمعة [ (3) ] . وخرج البخاري من حديث زهير عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أنس ابن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دعا الأنصار ليكتب لهم بالبحرين، قالوا: لا واللَّه حتى تكتب لإخواننا من قريش بمثلها، فقال: ذاك لهم ما شاء اللَّه على ذلك يقولون له، قال: فإنكم سترون بعدي أثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض [ (4) ] . ترجم عليه باب ما أقطع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من البحرين. وخرجه في آخر كتاب الشرب من حديث حماد بن زيد عن يحيى
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام بخروج نار بالحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى فكان كما أخبر
بنحوه ولم يقل على الحوض، ترجم عليه باب القطائع، وخرجه في باب كتابة القطائع تعليقا وقال الليث، عن يحيى بن سعيد ووصله قاسم بن أصبغ فقال: مطلب بن شعيب، عن صالح قال: حدثني الليث عن يحيى، عن أنس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعا الأنصار. والحديث كما ذكره البخاري عن الليث. وأما إخباره عليه الصلاة والسلام بخروج نار بالحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى فكان كما أخبر وخرج من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري الأشهلي، عن حذيفة عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي عن جدي قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني ابن المسيب أخبرني أبو هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى [ (1) ] . وقال الحاكم [ (2) ] : وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في أشراط الساعة خروج النار من أرض الحجاز عاصم بن عدي الأنصاري، وأبو هريرة، وأبو ذر الغفاريّ وذكر ذلك بأسانيده وصححها. وروى أبو البداح بن عاصم الأنصاري، عن أبيه أنه قال: سألنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثان ما قدم فقال: «أين حبس سيل» [ (3) ] ؟ قلنا: لا ندري فمر بي رجل من بني سليم فقلت: من أين جئت؟ فقال: من حبس سيل، فدعوت بنعلي
فانحدرت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه سألتنا عن حبس سيل وأنه لم يكن لنا به علم وأنه مر بي هذا الرجل فسألته فزعم أن به أهله فسأله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: «أين أهلك» ؟ قال: بحبس سيل، فقال: «أخر أهلك فإنه يوشك أن تخرج منه نار تضيء أعناق الإبل ببصرى» . قال المؤلف [ (1) ]- رحمه اللَّه-: قد صدق اللَّه تعالى ما أنذر به رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم من ذلك فظهرت بأرض الحجاز إلى خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة من سنن الهجرة واستمرت شهرا شرقي المدينة النبويّة بناحية وادي شظا تلقاء جبل أحد حتى امتلأت تلك الأودية منها وصار يخرج منها شرر يأكل الحجارة وزلزلت المدينة بسببها وسمع الناس أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام أولها يوم الإثنين أول الشهر فلم تزل الأصوات ليلا ونهارا حتى ظهرت النار يوم الجمعة خامسه وقد انتجت الأرض عن نار عظيمة عند وادي شظا وامتدت أربعة فراسخ في أربعة أميال وعمق قامة ونصف فسال الصخر منها ثم صار فحما أسود وأضاءت بيوت المدينة منها في الليل حتى كأن في كل بيت مصباح ورأى الناس سناها بمكة وذكر غير واحد من الأعراب الذين كانوا بحاضرة بصرى من أرض الشام أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء النار المذكورة فالتجأ الناس بالمدينة النبويّة إلى قبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ودعوا واستغفروا اللَّه تعالى وأعتقوا عبيدهم وإماءهم وتصدقوا في هذه النار يقول: يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا ... لقد أحاطت بنا يا رب بأساء نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها ... حملا ونحن بها حقا أحقاء زلزال تخشع الصم الصلاب لها ... وكيف يقوى على الزلزال شماء [أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت ... عن منظر منه عين الشمس عشواء] بحر من النار تجرى فوقه سفن ... من الهضاب لها في الأرض أرساء كأنما فوقه الأجبال طافية ... موج عليه لفرط اليهج وعثاء ترمى لها شررا كالقصر طائشة ... كأنها ديمة تنصب هطلاء.
[تنشق منها قلوب الصخر إن زفت ... رعبا وترعد مثل السعف أضواء] منها تكاثف في الجو الدخان إلى ... أن عادت الشمس منه وهي دهماء قد أثرت سفعة في البدر لفحتها ... فليلة التيم بعد النور ليلاء تحدثت النيران السبع ألسنتها ... بما يلاقى بها تحت الثرى الماء وقد أحاط لظاها بالبروج إلى ... إن كاد يلحقها بالأرض إهواء فيا لها آية من معجزات رسول ... اللَّه يعقلها القوم الألباء [فباسمك الأعظم المكنون إن عظمت ... منا الذنوب وساء القلب أسواء] فاسمح وهب وتفضل وامح واعف وجد ... واصفح فكل لفرط الجهل خطاء [فقوم يونس لما آمنوا كشف العذاب ... عنهم وعم القوم نعماء] [ونحن أمة هذا المصطفى ولنا ... منه إلى عفوك المرجو دعاء] [هذا الرسول الّذي لولاه ما سلكت ... محجة في سبيل اللَّه بيضاء] [فارحم وصلّ على المختار ما خطبت ... على علا منبر الأوراق ورقاء] .
وأما أخباره عليه أفضل الصلاة والسلام بغرق أحجار الزيت بالدم فكان كذلك
وأما أخباره عليه أفضل الصلاة والسلام بغرق أحجار الزيت بالدم فكان كذلك فخرج أبو داود [ (1) ] لحديث حماد بن يزيد، عن أبي عمران الجوني، عن المشعث بن طريف، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا أبا ذر قلت: لبيك يا رسول اللَّه وسعديك، فذكر الحديث، قال فيه: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟ [يعنى القبر] قلت: اللَّه ورسوله أعلم، أو قال: من خار اللَّه لي ورسوله، قال: عليك بالصبر، أو قال: تصبر، ثم قال لي: يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك. قال: كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ قلت: ما خار اللَّه لي ورسوله، قال: عليك بمن أنت منه، قلت: يا رسول اللَّه أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي؟ قال: شاركت القوم إذن، قلت: فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك، قلت: فإن دخل عليّ بيتي قال: فإذا خشيت أن يبهرك شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه. وخرجه ابن ماجة [ (2) ] بنحوه في الفتن.
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث معمر وحماد بن سلمة قالا: حدثنا أبو عمران الجولى، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر فذكره بمعنى حديث أبي داود، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وقد خرجه البخاري [ (2) ] من حديث همام عن أبي عمران وقد زاد حماد بن زيد في إسناده بين أبي عمران الجوفى وعبد اللَّه بن الصامت المشعث بن طريق بزيادة في المتن وحماد بن زيد أثبت من حماد بن سلمة. قال المؤلف- رحمة اللَّه تعالى-: أحجار الزيت بالمدينة النبويّة [ (3) ] وعندها قيل محمد الملقب بالمهديّ وبالنفس الزكية ابن عبد اللَّه بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب رضوان اللَّه عليهم وذلك أن أبا جعفر عبد اللَّه بن المنصور بن على بن عبد اللَّه بن عباس ثانى خلفاء بنى العباس ألح في طلبه فطلب أخيه إبراهيم بن عبد اللَّه فقام محمد بالمدينة ليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين ومائة فلما بلغ المنصور ترك بالكوفة وسرح عيسى بن موسى بن محمد بن عبد اللَّه بن عباس لقتال محمد، فخندق محمد على المدينة ونزل عيسى الأعوض فتفرق أكثر الناس عن محمد وبقي في شرذمة قليلة فقاتل عيسى لأيام مضت من شهر رمضان إلى أن قتل عند أحجار الزيت في يوم الإثنين لأربع عشرة خلت منه وقتل معه كثير وأخذ عيسى المدينة وصلب من أهلها عالما كثيرا وبسبب محمد هذا ضرب موسى بن عيسى الإمام مالك بن أنس رحمه اللَّه. وقد قال كعب الأحبار: إني أجد أحجار الزيت في كتاب اللَّه تعالى وإنها ستكون بالمدينة ملحمة عندها.
وأما إخباره عليه أفضل الصلاة والسلام بالخسف الذي يكون من بعده فكان كما أخبر
وقال محمد بن عبد اللَّه لعبد اللَّه بن عامر السلمي: تغشانا سحابة فإن أمطرتنا ظفرنا وإن تجاوزتنا إليهم فانظر إلى دمي عند أحجار الزيت، قال: فو اللَّه لقد أظلتنا سحابة فلم تمطرنا وتجاوزتنا إلى عيسى بن موسى وأصحابه فظفروا وقتلوا محمدا ورأيت دمه عند أحجار الزيت. وأما إخباره عليه أفضل الصلاة والسلام بالخسف الّذي يكون من بعده فكان كما أخبر فخرج مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاريّ قال: اطلع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، قال: ما تذكرون؟ قالوا تذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. وخرجه من حديث شعبة عن فرات بنحوه وخرجه الحاكم [ (2) ] من حديث صدقة بن المنتصر الشعبانيّ عن عمرو بن عبد اللَّه الحضرميّ حدثتني واثلة بن الأسقع رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدجال، والدخان، ونزول عيسى ابن مريم، فيأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر وتحشر الذر والنمل، وقال الحاكم هذا حديث صحيح
الإسناد، وخرج من حديث يزيد بن هارون قال: أنبأنا سعيد بن إياس الجريريّ، عن أبي العلاء بن الشخير عن عبد الرحمن بن صحار العبديّ، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل من العرب» فيقال من بقي من بني فلان؟ قال: فعرفت حتى قال: قبائل أنها العرب لأن العجم تنسب إلى قراها [ (1) ] . قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد. ومن حديث عبد اللَّه بن نمير قال: الحسن بن عمرو الفقيمي عن أبي الزبير عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «في أمتي خسف ومسخ وقذف [ (2) ] قال الحاكم إن كان أبو الزبير سمع من عبد اللَّه بن عمر فإنه صحيح على شرط مسلم. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن يعنى بن زبالة، عن محمد ابن يعقوب بن عتبة، عن عبد اللَّه بن عكرمة بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير [أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم] قال: يكون في آخر أمتي مسخ وخسف وقذف، وذلك عند ظهور شيء من عمل لوط. قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: أما الخسف الّذي بالمغرب فذكر الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب (شذور العقود في تاريخ اليهود) أن في سنة سبع وثلاثين ومائة ورجعت للكتب من المغرب إن ثلاث عشرة قرن من صف بها فلم ينفج منها إلا اثنان وأربعون رجلا سود الوجوه وأن في سنة اثنين وأربعين ومائتين رجمت قرية السويداء بناحية مضر بخمسة أحجار وقع حجر منها على خيمة أعرابي فاحترقت، ووزن منها حجر فكال عشرة أرطال. وذكر أنه سنة خمس وعشرين وأربع مائة هدم نحو من نصف رملة لدى فلسطين بالزلزلة وخسف بقرى، وسقط بعض حائط بيت المقدس.
انتهى. وفي سنة إحدى وتسعين وسبعمائة خسف بمدينة نشاور من خراسان وهلك. وأنه في صفر هبت عندهم ريح عاصفة ارتجت الأرض من شدة هبوبها ثم زلزلت زلزلة مهولة اشتد اضطراب الأرض لها بحيث كان الإنسان والحيوان في غير ذلك يرتفع عن الأرض أكثر من عشرة أذرع وصارت الأرض تنقل من موضع إلى موضع حتى جميع مباني المدينة بأسرها اهتزت اهتزازا شديدا. أقامت كذلك أربعة أيام ثم سكتت في اليوم الرابع فاطمأن الناس قليلا وغدا بريح عاتية تعتعت كل ما هنالك تعتعه عنيفة جدا فانقلبت المدينة حتى صار عاليها سافلها وابتلعت الأرض ما كان بها من المباني على اختلافها فخسف بها وبأهاليها عن آخرهم فلم يسلم من الناس مع كثرتهم إلا النادر، وقد بسطت خبر هذا الخسف في كتاب (السلوك لمعرفة دول الملوك) . وفي سنة أربع وثلاثين وثمان مائة خسف بثلاث بلاد كبيرة في مرج مدينة أشجرباطه من جزيرة الأندلس وذلك أنه كانت زلزلة شديدة في شعبان منها بمرج غرناطة سقط بها مباني كثيرة جدا على سكانها فهلكوا بأجمعهم وابتلعت الأرض البلاد الثلاثة بأناسها وحيوانها وهي همدان. قال لورة ودارما وخسف أيضا بعدة مواضع من البلاد المجاورة تعليقا وأقامت الأرض عندهم بعد ذلك خمسة وأربعون يوما تعثر حتى يسكن الناس الصخر، ولهذه الحادثة مبسط في كتاب (السلوك) .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بولاية أمر الناس غير أهلها وما يترقب من مقت الله عند ذلك
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بولاية أمر الناس غير أهلها وما يترقب من مقت اللَّه عند ذلك فخرج البخاري [ (1) ] في كتاب العلم من حديث محمد بن فليح، عن أبي قال: حدثني هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: بينما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابى فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا يا رسول اللَّه قال: «فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» . قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» . وذكره أيضا في الرقاق [ (2) ] مختصرا، فخرج في باب الأمانة من حديث فليح بن سليمان، عن هلال بن على، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: كيف إضاعتها يا رسول اللَّه؟ قال: «إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» . وخرج الترمذي [ (3) ] من حديث المستلم بن سعيد، عن رميح الجذامي، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القينات والمعازف،
وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء، وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظم قطع سلكه فتتابع. قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وخرج من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري الأشهلي عن حذيفة بن اليمان رضي اللَّه وتبارك عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن عمرو [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث وكيع عن الوليد بن عبد اللَّه بن جميع عن الجهم بن أبي الجهم عن ابن نيار قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول «لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع بن لكع» . وخرج ابن حبان في (صحيحه) [ (3) ] من حديث أشهل، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني زفر بن عبد الرحمن ابن أردك، عن محمد بن سليمان بن والبة، عن سعيد ابن جبير، عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أنه قال: «والّذي نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، ويهلك الوعول، وتظهر التحوت» قالوا: يا رسول اللَّه، وما الوعول والتحوت؟ قال «الوعول: وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم» .
وخرج الترمذي [ (1) ] أيضا من حديث عمرو بن أبي عمرو بهذا السند أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «والّذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم» . قال أبو عيسى هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو. وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث عبد الملك بن عمرو حدثنا كثير بن زيد، عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما، فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، فجئت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولم آت الحجر، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن أبكوا عليه إذا وليه غير أهله. ومن حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وحميد في آخرين عن الحسن، عن أبي بكرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إنه قال: «إن اللَّه تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [ (3) ] . وروى أبو سعيد بن يونس. من حديث ابن وهب قال: حدثني ابن لهيعة، بكر بن سوادة عمن حدثه ابني خثيم قدموا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال لهم: ما رأيتم؟ قالوا: لا شيء، قال لتخبروني، وفي رواية: قالوا رأينا حمارا قد علته قوائمه قال: فماذا قلتم؟ قالوا قلنا تعلو سفلة الناس ويتضع سراتهم فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: فإنه كذلك. ومن طريق وهب قال: أخبرني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح، عن إسماعيل بن قاسم الرعينيّ أن عبد اللَّه بن مسعود قال: لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها.
ومن طريق ابن وهب قال: حدثني عبد اللَّه الرحمن بن شريح أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدث عن طلحة الخولانيّ، عن أبي ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: ستبتلى هذه الأمة رجلا وفي رواية تبلى هذه الأمة شرها رجلا قال: ابن يونس ما أعرف هذا إلا من حديث أبي شريح عبد الرحمن ابن شريح. وروى بن عباس وأبو بكر يعنى ابن عياش وجرير، عن عبد اللَّه بن العزيز بن رفيع، عن شداد بن معقل، قال: سمعت عبد اللَّه بن مسعود يقول: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما يبقى الصلاة وسيصلي قوم لا دين لهم.
أما إخباره صلى الله عليه وسلم بكثرة أولاد الزنا
أما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بكثرة أولاد الزنا فخرج الحاكم [ (1) ] من طريق ابن وهب قال: أخبرنى يحيى بن أيوب عن زبان بن فائد عن سهيل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لا تزال الأمة على شريعة ما لم تظهر فيهم ثلاث: ما لم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم ولد الخبث ويظهر فيهم السقارون قالوا: وما السقارون يا رسول اللَّه؟ قال بشر يكونون في آخر الزمان تكون تحيتهم بينهم إذا تلاقوا التلاعن. قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد اللَّه ابن عثمان عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة عن عبد اللَّه بن أبي رافع، عن ميمونة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: لا تزال أمتى بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذ فشا فيهم ولد الزنا فيوشك أن يعمهم اللَّه عز وجل بعقاب. وقد ظهر ولا قوة إلا باللَّه مع قلة العلم كثرة أولاد الزنا فإن تيمور لما أخذ بلاد فارس، وعراقي العجم، والعرب، وبلاد الجزيرة، وأرض الروم، والهند، وبلاد الشام، عاشت رجاله في نساء هذه الممالك وسبوهن فلم تكد ينج منهم إلا القليل الأقل من النساء فمعظم من في تلك البلاد إنما هم أولاد تلك النساء اللاتي زنى بهن التيمورية وقد قدم إلى مصر والحجاز واليمن من هؤلاء عالم كبير ما بين من تسمى بفقيه، ومظهر زي التصوف وتاجر واختلطوا بالناس، ونكحوا من نسائهم، فدلت أخلاقهم وطرائقهم في دينهم ودنياهم على خبث أصولهم وللَّه الأمر من قبل ومن بعد، وقد قالت أم سليم: يا رسول اللَّه أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. فسّره أهل العلم بأولاد الزنا فيا لها بطشة من اللَّه بعباده وأشنعها. توفاني اللَّه قبلها.
وأما إخباره عليه الصلاة وأتم التسليم بعود الإسلام إلى الغربة كما بدأ، وأنه تنقض عراه
وأما إخباره عليه الصلاة وأتم التسليم بعود الإسلام إلى الغربة كما بدأ، وأنه تنقض عراه فخرج مسلم [ (1) ] من حديث مروان عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء. ومن حديث عاصم بن محمد العمري، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن الإسلام بدأ غريبا فطوبى للغرباء. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود إنما نعرفه من حديث حفص بن خباب، عن الأعمش. وأبو
الأحوص اسمه عوف بن مالك بن نصله الجشمي تفرد به حفص. ومن حديث إسماعيل بن أبي فديك حدثني كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف بن يزيد بن مسلخه، عن أبيه عن جده أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: «إن [ (1) ] الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل إن الدين بدأ غريبا، وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس [من بعدي] من سنتي. قال ابو عيسى: هذا حديث حسن، وخرجه أبو بكر الآجري من حديث حفص بن غياث عن الأعمش، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل ومن هم يا رسول اللَّه؟ قال الذين يصلحون إذا فسد الناس. وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل ومن الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل، والّذي نفس أبي القاسم بيده ليأرزن الإسلام بين هذين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها. ومن حديث ابن لهيعة، عن الحرث بن يزيد، عن جندب بن عبد اللَّه أنه سمع سفيان بن وهب يقول: سمعت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: طوبى للغرباء فقيل من الغرباء يا رسول
اللَّه؟ قال: أناس صالحون في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم [ (1) ] . وقال عبد اللَّه بن أبي فروة، عن يوسف بن سليمان، عن جدته ميمونة، عن عبد اللَّه الرحمن بن شيته الأسلمي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: بدأ الإسلام غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل يا رسول اللَّه ومن الغرباء؟ قال الذين يصلحون إذ أفسد الناس، والّذي نفسي بيده ليأرزن الإسلام بين هذين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها. قال ابن عبد الرحمن بن شيبة الأسلمي روي عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم الإسلام بدأ غريبا الحديث وفي الإسناد عنه ضعف. وخرج [أبو عبد اللَّه الحاكم] [ (2) ] من حديث الوليد بن مسلم، حدثني عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد اللَّه أن سليمان بن حبيب حدثهم عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: لتنتقض عري الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبثت بالتي تليها، وأول نقضها الحكم، وآخرها الصلاة. قال الحاكم: والإسناد كله صحيح. ومن حديث هيثم بن خارجة، عن ضمرة، عن يحيى بن أبي عمرو، عن ابن هزور اليلمي، عن ابنه قال: قال صلّى اللَّه عليه وسلم: لتنقضوا [ (3) ] الإسلام عروة كما ينقض الحبل فوة فوة ومن حديث الأوزاعي حدثني أبو عمار قال حدثني جابر ابن عبد اللَّه قال: قدمت من سفر فجاءني جابر يسلم عليّ فجعلت أحدثه بافتراق الناس وما أحدثوا فجعل جابر يبكي ثم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن الناس دخلوا في دين اللَّه أفواجا وسيخرجون منه أفواجا والحمد للَّه رب العالمين على كل حال.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بتغلب الترك على أهل الإسلام فكان كما أخبر
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بتغلب الترك على أهل الإسلام فكان كما أخبر فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث بشير بن المهاجر قال: حدثني عبد اللَّه ابن بريدة، عن أبيه قال: كنت جالسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فسمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن أمتي يسوقها قوم عراض الأوجه، صغار الأعين كأن وجوههم مثل الحجف ثلاث مرات حتى يلحقوهم بجزيرة العرب أما السابقة الأولى: فينجو من هرب منهم، وأما الثانية: فينجو بعض ويهلك بعض، وأما الثالثة: فيصطلون كلهم من بقي منهم، قالوا: يا رسول اللَّه من هم؟ قال: هم الترك، قال أما والّذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين قال: وكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية بعد ذلك للهرب مما سمع من النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من البلاء من أمراء الترك. وخرجه الحاكم بنحو أو قريب منه وقال هذا حديث صحيح الإسناد. قال المؤلف عفا اللَّه عنه: وله شواهد تقدمت، وقد أوضح صحة هذا الحديث ما كان من خروج جنكيزخان وأولاده واستيلائهم من سنة بضع عشرة وستمائة على ممالك الشرق وعراقي العرب والعجم إلى حدود جزيرة العرب واصطلامهم أهل الإسلام من تلك الممالك. وذكر الحاكم من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين أن ابن مسعود قال: كأني بالروم قد أتتكم على براذين محدمة الأذان حتى تربطها بشط الفرات. ومن طريق قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: يوشك [ (2) ] بنو قنطوراء بن كركر أن يخرجوا أهل العراق من أرضهم. قلت: ثم يعودون؟ قال: إنك لتشتهي ذلك! قال: ويكون لهم سلوة من عيش.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بالزلازل
قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين، وبنو قنطور هم الترك. قال المؤلف- عفا اللَّه عنه-: قد أخرج الترك أهل العراق ونزلوا شاطئ الفرات في سنة ست وخمسين وستمائة. وذكر عبد اللَّه بن قتيبة من حديث عبد اللَّه بن وهب، عن حمزه بن عبد اللَّه، عن محمد بن حلجة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عبد اللَّه بن صفوان، عن حفصة أم المؤمنين أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا سمعتم بناس يأتون من قبل المشرق إلى زهاء يعجب الناس من زيهم، فقد أظلت الساعة. قوله إلى زهاء يريد إلى عدد كثير وهو من قولك هم زهاء ألف أي قدر ألف ويقال: كم زهاء القوم؟ أي كم حرزهم وقدرهم [ (1) ] واللَّه أعلم. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بالزلازل فاعلم أنه لم يأت عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من وجه صحيح، أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنّة، وأول زلزلة كانت في الإسلام في عهد عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فأنكرها. روى سفيان بن عيينة، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن نافع، عن صفية رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قال: زلزلت المدينة على عهد عمر رضي اللَّه وتبارك وتعالى عنه حتى اصطكت البيوت، فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: ما أسرع ما أحدثتم! واللَّه لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم. وخرج ابن حبان في [صحيحه] من حديث أرطاة بن المنذر قال: حدثني ضمرة بن حبيب قال: سمعت سلمة بن نفيل الكوفي قال: كنا جلوسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو يوحي إليه فقال: إني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا
قليلا وستأتوني أفنادا، يفني بعضكم بعضا، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث أرطاة من المنذر قال: حدثني ضمرة ابن حبيب قال: سمعت سلمة بن نفيل السكونيّ قال: قال قائل: يا رسول اللَّه هل أثبت بطعام من السماء؟ قال: نعم، قال: وبماذا؟ قال بسخنة، قالوا: فهل كان فيها فضل عنك؟ قال: نعم، قال: فما فعل به؟ قال رفع وهو يوحى إلى أني مكفوت غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلا، بل تلبثون حتى تقولوا متى، وستأتون أفنادا يفني بعضكم بعضا، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل. وخرج الحاكم من حديث محمد بن فضل بن غزوان حديثا صدقه ابن المثنى، عن رباح بن المثنى، عن أبي بردة قال: بينا أنا واقف في السوق في إمارة زياد إذ ضربت بإحدى يدي على الأخرى تعجبا! فقال رجل من الأنصار قد كانت لوالدي صحبة مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مما تعجب يا أبا بردة؟ قلت: أعجب من قوم دينهم واحد، ونبيهم واحد، ودعوتهم واحدة، وحجهم واحد، وغزوهم واحد، ويستحل بعضهم! قتل بعض قال: فلا تعجب فإنّي سمعت والدي أخبرني
أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة حساب ولا عذاب إنما عذابها في القتل والزلازل والفتن [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وخرجه أبو داود كما تقدم. وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث نعيم بن حماد، حدثنا بقية بن الوليد، عن يزيد بن عبد اللَّه الجهمي، عن أنس بن مالك رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: دخلت على عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها ورجل معها، فقال الرجل: يا أم المؤمنين حدثينا عن الزلزلة، فأعرضت عنه بوجهها. قال أنس: فقلت لها حدثينا يا أم المؤمنين عن الزلزلة. فقالت: يا أنس، إن حدثتك عنها عشت حزينا وبعثت حين تبعث وذلك الحزن في قلبك، فقلت: يا أماه حدثينا. فقالت: إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين اللَّه عز وجل من حجاب، وإن تطيبت لغير زوجها كان عليها نارا وشنارا، فإذا استحلوا الزنا، وشربوا الخمور بعد هذا، وضربوا المعازف، غار اللَّه في سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا وإلا هدمها عليهم. وفي الحديث قصة تركتها، وأول زلزلة كانت في الإسلام سنة عشرين على عهد عمر رضى اللَّه وتبارك عنه فأنكرها، وقال: أحدثتم، واللَّه لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم. رواه سفيان بن عيينة عن عبد اللَّه بن عمر عن صفية قال: زلزلت المدينة على عهد عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه حتى اصطكت البيوت، فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: ما أسمع ما أحدثتم، واللَّه لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم. قال المؤلف- رحمه اللَّه تعالى-: وفي سنة أربع وتسعين دامت الزلازل في الدنيا أربعين يوما فوقعت الأبنية الشاهقة وتهدمت أنطاكية.
وفي سنة أربع وعشرين ومائتين من الهجرة النبويّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحيات، وأجل الإكرام زلزلت فرغانة فمات منها خمسة عشر الفا. وفي سنة عشرين ومائتين جفت الأهواز فتصدعت الجبال ودامت ستة عشر يوما. وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين من الهجرة النبويّة رجفت دمشق رجفة انقضت منها البيوت وسقطت على من فيها، فمات خلائق كثيرة من ذلك، وانكفأت قرية بالغوطة على أهلها فلم ينج منهم سوى رجل واحد، وزلزلت أنطاكية فمات منها عشرون ألفا. وفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين زلزلت جرجار، وطبرستان، ونيسابور، وأصبهان، وقم، وقاشان، في وقت واحد، وزلزلت الافغان فهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفا وتقطعت الجبال ودنا بعضها من بعض وسمع للسماء والأرض أصوات عالية، وسار جبل لم يكن عليه مزارع حتى أتى مزارع قوم آخرين، ووقع طائر أبيض دون الرخمة وفوق الغراب على دابة بحلب لسبع سنين من شهر رمضان المعظم فصاح بصوت عال يسمعه الناس: يا معشر الناس اتقوا اللَّه، اللَّه، اللَّه، حتى صاح أربعين صوتا فكتب صاحب البريد بذلك إلى الخليفة ببغداد وأشهد على ذلك خمسمائة إنسان ممن سمعوه، وكتب أسماءهم إلى الخليفة. وفي سنة خمس وأربعين ومائتين من الهجرة النبويّة على صاحبها الصلاة والسلام وأزكى التحيات وأجلّ الاكرام، زلزلت أنطاكية فسقط منها ألف وخمسمائة دار ووقع من سورها بضع وتسعون برجا وسمعت أصوات هائلة من كبرى المنازل، وسمع بمدينة نبتيس صيحة هائلة دامت مدة فمات منها خلق كثير، وذهب جبلة بأهلها، وفي سنة ثمان وثمانين ومائتين من الهجرة والنبويّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وأزكى التحيات وأجل الإكرام، زلزلت دبيل ليلا ولم يبق منهم إلا اليسير، فأخرج من تحت الهدم من مات تحت الأماكن الساقطة بالزلزلة المذكورة خمسون ومائة ألف ميت.
وفي سنة أربع وثلاثين وأربع مائة من الهجرة النبويّة وقعت زلزلة بتبريز فهدمت قلعتها وأسواقها، ودورها، فهلك تحت الهدم نحو من خمسين الفا. وفي سنة أربع وأربعين أربع مائة كانت بأرّجان زلازل انقلعت منها الحيطان وانفرج إيوان دار، حتى رئيت السماء من وسطه ثم عاد إلى حاله الأول والتأم كما كان. وفي سنة ستين وأربعمائة زلزلت فلسطين، فهلك فيها خمسة عشر ألفا وانشقت صخرة بيت المقدس، ثم عادت والتأمت، وغار البحر مسيرة يوم، فساخ في الأرض، ثم رجع، فهلك به خلق كثير. وفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة، خسف بأيلة من زلزلة كانت بها. وفي سنة سبع وخمسمائة، زلزلت نواحي الشام فوقع ثلاثة عشر برجا من سور الزها، وخسف بسميساط وقلب بنصف القلعة. وفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، كانت زلزلة بحرة أتت علي مائة ألف وثلاثين ألف، فأهلكتهم، وكانت في مقدار عشرة فراسخ، ثم خسفت في سنة أربع وثلاثين فصار موضع البلد ماء أسود، وفيها زلزلت حلوان، فتقطع الجبل وهلك خلائق بها. وفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة كانت بالشام زلازل، هلك منها خلائق كثيرة، إلى غير ذلك من الأهوال. تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الثاني عشر ويليه الجزء الثالث عشر وأوله: وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بغلبة المسلمين على الأعمال الدنيوية
المجلد الثالث عشر
[المجلد الثالث عشر] بِسْمِ اللَّهِ الرّحمنِ الرّحِيم وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بغلبة المسلمين على الأعمال الدنيوية خرّج ابن يونس من طريق ابن وهب قال: حدثني عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن بكر بن سوادة أن موسى بن الشعب حدثهم أن الوليد بن عتبة حدثه أنه انطلق هو وأبيض [رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (1) ] إلى رجل يعوده قال: فدخلت المسجد، فرأيت الناس يصلون، فقلت: الحمد للَّه، جمع اللَّه بالإسلام بين الأحمر، والأبيض، والأسود، فقال: الأبيض والأسود فقال الأبيض: بصلاتكم وتجلسون مجالسكم وهو معكم في سوادكم، ولكل أمة منكم نصيب. قال المؤلف: مثل هذا لا يقال بالرأي، وإنما يعلم بخبر الصادق والمصدوق، فيحمل على السماع، ويفسره ما خرجه ابن يونس من طريق ابن وهب، قال: حدثني موسى بن أبي الغافقي، عن سليط بن معية، عن أبيه أنه كان مع تبيع بن عامر الكلاعي بالإسكندرية مقفله من رءوس فقال: يا معشر العرب إذا اعتدت مسلمة الأرض على أربعة آباء فعليكم بالهرب قالوا: يا أبا عطيف إلى أين الهرب؟ قال: إلى الآخرة، فإن مسلمة الأرض سيغلبون على الدنيا وأعمالها. وذكر ابن يونس أن معاوية بن خديج وفد على معاوية بن أبي سفيان فجعل يسأله عن أهل مصر ويخبره عنهم، فقال معاوية بن خديج: إني وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف، فثلث ناس، وثلث أشبه بالناس، وثلث لا ناس فقال ابن خديج: فسر لنا يا أمير المؤمنين هذا، قال: أما الثلث الذين هم الناس العرب، والثلث الذين يشبهون الناس الموالي، والثلث الذين هم لا ناس فالمسالمة. قال المؤلف: قد ظهر مصداق ما يقدم من غلبة المسلمة فإن الشرق بات إنما يليه حقطاي، وهم تيمور، وهم حديثو عهد بالإسلام، والمغرب بأيدي البربر، ولمصر والشام الجراكسة، وقد حكموا بأرض مصر القبط، وأنه ليذكر فيما أراه وأسمعه قول ابن بسام:
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بفتنة السفياني من الشام
إذا حكم النصارى إلى الفروج ... وباهت بالخيول والسروج وزالت دولة الأحرار طرا ... وصار الملك في ولد العلوج فقل للأعور والدجال هذا ... أوانك إن عزمت على الخروج وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتنة السفياني من الشام فخرّج الحاكم [ (1) ] من طريق نعيم بن حماد، عن يحيى بن سعيد عن الوليد ابن عياش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: قال ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أحذركم سبع فتن تكون بعدي، فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة تقبل من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة تقبل من المغرب، وفتنة من بطن الشام وهي السفياني. قال: فقال ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: منكم من يدرك أولها، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها، قال الوليد بن عياش: فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وفتنة مكة فتنة عبد اللَّه بن الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء. قال الحاكم- رحمه اللَّه-: هذا حديث صحيح الإسناد واللَّه أعلم.
وأما تأويله صلى الله عليه وسلم رؤيا زرارة فوقع كما قال
وأما تأويله صلّى اللَّه عليه وسلّم رؤيا زرارة فوقع كما قال فقال محمد بن سعد: زرارة بن قيس بن الحارث بن عداء بن الحارث بن عوف بن جشم بن كعب بن قيس بن سعد بن مالك بن النخع، وفد إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في وفد النخع، وهم مائتا رجل وكانوا آخر وفد قدموا من اليمن، فقدموا لنصف من المحرم سنة إحدى عشرة وهم مائتا رجل فنزلوا دار رملة بنت الحارث، ثم جاءوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مقرين بالإسلام، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن [ (1) ] فقال رجل منهم يقال له زرارة: يا رسول اللَّه، إني رأيت في سفري هذا عجبا فقال له: وما رأيت؟ قال: رأيت أتانا خلقها في أهلي ولدت جديا أسفع أحوى، وأريت النعمان بن المنذر عليه قرطان، ودملجان، ومسكتان، قال: ذلك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته. قال: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ورأيت عجوزا خرجت من الأرض! قال: تلك بقية الدنيا، قال: وأريت نارا خرجت من الأرض فحالت بيني وبين ابن لي يقال له: عمرو، وهي تقول: لظى لظى بصير وأعمى، أطعموني أكلكم وما لكم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تلك فتنة تكون في آخر الزمان، قال: يا رسول اللَّه وما الفتنة؟ قال: يقتل الناس إمامهم، ويشتجرون اشتجار أطباق الرأس، وخالف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أصابعه، يحسب المسيء فيها أنه محسن، ويكون دم المؤمن أحل من شرب الماء، إن مات ابنك أدركت الفتنة، وإن مت أنت أدركها ابنك، فقال: يا رسول اللَّه ادع اللَّه أن لا أدركها فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ لا تدركها، فمات، وبقي عمرو بن زرارة وكان أول خلق اللَّه خلع عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالكوفة وبايع عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
فصل في ذكر خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يشركه فيها غيره
فصل في ذكر خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التي لم يشركه فيها غيره اعلم أنه يقال: خصه بالشيء يخصه خصا وخصوصا وخصصه واختصه أفرده به دون غيره، والاسم الخصوصية، والخصية، والخاصة، والخصيصي، وهي تمد وتقصر، وفعلت به خصية، وخاصة، وخصوصية، والخاصة من تخصه لنفسك، والخصتان كالخاصة، وخاصّه بكذا أعطاه شيئا كثيرا. قاله أبو الحسن على بن سيده في (المحكم) [ (1) ] . اعلم أن أصحابنا- رحمهم اللَّه- قد أكثروا من ذكر هذا الفصل في أوائل كتب النكاح من مصنفاتهم، تأسيا، بالإمام أبي عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه ذكر طرفا من ذلك هنالك فقال: إن اللَّه- تعالى- لما خص به رسوله من وجد وأبان بينه وبين خلقه، بينما فرض عليهم من طاعته افترض علينا أشياء خففها عن خلقه، ليزيده بها إن شاء اللَّه حظها على خلقه زيادة في كرامته، وتنبيها لفضيلته صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: اقضى القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي- رحمه اللَّه تعالى- بعد إيراده هذا في كتاب (الحاوي) : هذا فصل نقله المزني مع بقية الباب من أحكام القرآن للشافعي، فأنكر بعض المعترضين عليه إيراد ذلك في مختصره، لسقوط التكليف عنا فيما خص به الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، من تخفيف وتغليظ، ولوفاة زوجاته المخصوصات بالأحكام، فلم يكن فيه إلا التشاغل بما يلزم، عما يجب ويلزم، فصوب أصحابنا ما أورده المزني على هذا المعترض بما ذكروه من غرض المزني من وجهين: أحدهما: أنه قدم مناكح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تبركا بها، والتبرك في المناكح مقصود كالتبرك بالخطب.
والثاني: أن يسبق العلم بأن الأمة لا تساوى نبيها صلّى اللَّه عليه وسلّم في مناكحه، وإن كانت تساويه في غيرها من الأحكام، حتى لا يقدم أحد على ما خطر عليه اقتداء به انتهى. وقد حكى الصيمري عن أبي علي بن خيران أنه منع من الكلام في خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أحكام النكاح وكذا في الإمامة، كما حكاه الماورديّ، وأطلق في (الروضة) [ (1) ] الحكاية، عن الصيمريّ عنه، ووجهه أن ذلك قد انقضى، فلا عمل يتعلق به، فلا معنى للكلام فيه، وإنما يسوغ الاجتهاد في النوازل التي تقع، أو نتوقع، ومال إلى هذا الشيخ أبو حامد الغزالي ونسبه إلى المحققين تبعا لإمامه، فقال: وليس يسوغ إثبات خصائص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالأقيسة التي تناط بها الأحكام العامة في الناس، ولكن الوجه ما جاء به الشرع من غير مزيد عليه. وقال إمام الحرمين: قال المحققون: وذكر الخلاف في مسائل الخصائص خبط غير مفيد، فإنه لا تعلق به حكم ناجز، تمس الحاجة إليه، وإنما يجزي الخلاف فيما [لا] [ (2) ] نجد بدا من إثبات حكم فيه، فإن الأقيسة لا مجال لها في ذلك، والأحكام الخاصة تتبع فيها النصوص، ما لم ينقل فيه فالخلاف فيه هجوم على غيب من غير فائدة. قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بعد حكاية ذلك: وهذا غريب بلبح، وقال: إنه قد انقضى فلا عمل يتعلق به، وليس فيه من دقيق العلم ما يقع به التدريب، فلا وجه لتضييع الزمان برجم الظنون فيه، وأما الجمهور فإنّهم جوّزوا ذلك لما فيه من العلم. وقال الثوري: وجه الصواب الجزم بجواز ذلك بل باستحبابه، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدا أن لم يمنع منه إجماع، لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتا في الصحيح فيعمل به أخذا بأصل الناس، فوجب بيانها لتعرف،
ولا يشاركه فيها أحد، وأي فائدة أعظم من هذه؟ وأما ما يقع في أثناء الخصائص مما لا فائدة فيه اليوم فقليل جدا، لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتدرب، ومعرفة الأدلة، وتحقيق الشيء على ما هو عليه. وقال ابن الرفعة في (المطلب) : قد يقال بالتوسط، فيتكلم فيما جرى في الصدر الأول من ذلك دون ما لم يجز منه، قال: وكلام الوسيط يرشد إليه، وأما جمهور الأصحاب فلم يعرجوا على ما ذكره ابن جبران وإمام الحرمين، بل ذكروا ذلك مستقصيا لزيادة العلم، لا سيما الإمام أبو العباس أحمد بن أحمد ابن القاضي الطبريّ صاحب كتاب (التلخيص) . وقد جاء في السنة ما بينه، وهو قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الفتح: إن اللَّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد رتب الحافظ أبو بكر البيهقيّ كلامه في ذلك في (سننه الكبير) [ (1) ] ولكن فرعوا كثيرا من ذلك على أحاديث فيها نظر، سيرد ذكرها إن شاء اللَّه- تعالى-، وقد رتبوا الكلام فيها على أربعه أنحاء: الأول: ما وجب عليه دون غيره. الثاني: ما حرم عليه دون غيره. الثالث: ما أبيح له دون غيره. الرابع: ما اختص به من الفضائل دون غيره. فذكروا في كل منها أحكام النكاح وغيرها ورتبها بعضهم على قسمين: أحدهما: ما اختص به عن سائر إخوانه من الأنبياء صلوات اللَّه عليه وعليهم أجمعين. الثاني: ما اختص به من الأحكام دون أمته.
النوع الأول: في الواجبات والحكمة في اختصاصه عليه السلام عن ازدياده الدرجات
النوع الأول: في الواجبات والحكمة في اختصاصه عليه السلام عن ازدياده الدرجات لما خرّج البخاريّ في كتاب (الرقاق) من- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ترفعه وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى من ما افترضته عليه الحديث ... ، وذكر الرافعي منه عبارة ولم يسنده، وعلم اللَّه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أقوم بها، وأصبر عليها من غيره، قال إمام الحرمين: قال بعض علمائنا: الفريضة يزيد ثوابها على ثواب النافلة سبعين درجة، واستأنس بما خرجه ابن خزيمة في (صحيحه) وعلق القول بصحته فقال: إن صح الحديث. وخرّجه البيهقيّ [ (1) ] في (شعب الإيمان) من حديث سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال في رمضان: من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيما كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، فقال: النفل فيه كالفرض في غيره، وقال: الفرض بسبعين فرضا في غيره فأشعر هذا بأن الفرض يزيد على النفل بسبعين درجة من طريق النحويّ. هذا كلام إمام الحرمين في (النهاية) . وتعقب بأنه لا يلزم وما ذكر، لأن هذه خصوصية لشهر رمضان لا يلزم منها أن كل فرض مفعول في غيره يزيد ثوابه على ثواب النافلة بسبعين درجة، وهذا النوع ينقسم إلى متعلق بالنكاح، وإلى غيره. وفي القسم الثاني مسائل:
المسألة الأولى: صلاة الضحى
المسألة الأولى: صلاة الضحى المسألة الثانية: صلاة الأضحى المسألة الثالثة: صلاة الوتر واستدل أصحابنا لذلك بما خرّجه الإمام أحمد في (مسندة) [ (1) ] والبيهقيّ في (سننه) [ (2) ] من حديث أبي جناب الكلبي واسمه يحيى بن أبي حبة عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ثلاث هنّ على فرائض وهي لكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى. وخرجه الدار الدّارقطنيّ وقال: ركعتا الفجر بدل الضحى [ (3) ] . وخرّجه الحافظ أبو حامد بن عدي [ (4) ] ولفظه: ثلاث عليّ فريضة ولكم تطوع: الوتر والأضحى وركعتا الفجر. وخرجه الحاكم في (المستدرك) [ (5) ] شاهدا بلفظ ثلاث هي على فريضة ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الفجر. ومدار هذا الحديث على أبي جناب
يحيى بن أبي حية الكلبي الكوفيّ قال يحيى القطان: لو استحللت، أن أروى عن جناب لرويت حديث عليّ في تكبيرات العيدين. وقال أبو نعيم: أبو جباب يدلس، وقال البخاريّ: كان يحيى القطان يضعفه، يقول: مات سنة خمسين ومائة. وقال السعديّ: يضعف حديثه، وقال ابن المثنى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن تحدثا عن ابن حبان بشيء. وقال ابن معين: ليس به بأس إلا أنه كان يدلس، مرة قال: هو صدوق، وقال الدارميّ: هو ضعيف، وقال الفلاس: متروك الحديث، وقال النسائيّ: ضعيف، وقال ابن عديّ: هو من جمله المتشيعين بالكوفة. وقد اختلف كلام ابن حبان فيه، فذكره في (ثقاته) (وضعفائه) ، وقال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير. وقال البيهقيّ في (خلافياته) : أبو جناب هذا ليس بالقوى. وقال في (سننه) : ضعيف. وقال ابن الصلاح: هذا حديث غير ثابت، ضعفه البيهقي في (خلافياته) ، فظهر من كلام الأئمة أن أبا جناب هذا ضعيف مدلّس وقد عنعن [ (1) ] . ولهذا الحديث طريق ثان من حديث جابر الجعفيّ، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم. رواه البزار: وجابر بن يزيد بن الحارث بن عبد يغوث بن الجعفيّ الكوفيّ أبو عبد اللَّه. وخرّجه الإمام أحمد ولم يذكر لفظة «عليكم» وقال بدلها: «ولم تكتب» ، وفي رواية له: «أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها، وأمرت بالضحى ولم تكتب عليكم» [ (2) ] .
وقيل أبو يزيد وقيل أبو محمد يروى عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الشعبي، ومجاهد وأبي الضحى، وعكرمة، وطائفة، ويروى عنه شعبة والسفيانان، وإسرائيل، وشريك، وأبو عوانة، وخلق، وكان من كبار علماء الشيعة. قال سلام بن أبي مطيع: حدثنا جابر الجعفيّ: عندي خمسون ألف باب من العلم ما حدثت به أحد فذكرت لأيوب ذلك فقال: أما الآن فهو كذاب. وقال إسماعيل بن أبي خالد: قال الشعبي: يا جابر، ما تموت حتى تكذب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال إسماعيل: مضت الأيام والليالي حتى أتهم بالكذب، وقال أبو حنيفة- رحمه اللَّه-: ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء قط من رآني إلا جاءني فيه بحديث، وزعم أن عنده كذا وكذا ألف حديث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لم يظهرها. وقال جرير عن ثعلبة: أردت جابر الجعفي فقال لي: كتب ابن أبي سليم لا تأته فإنه كذاب، وقال النسائي: جابر الجعفي متروك الحديث، قال جرير: أدركت جابر الجعفي وطلب الحديث وتوصي فلم أستحل أن أسمع منه حديثا، قال زائدة: كان كذابا يؤمن بالرجعة. وقال ابن معين: وكان جابر الجعفي كذابا لا يكتب حديثه ولا كرامة، ليس بشيء. قال أبو الأحوص: كنت إذا مررت بجابر الجعفي سألت ربي العافية، وكلام الأئمة فيه كثير، قد أورده ابن عدي، وله أيضا طريق ثالث من حديث وضاح بن يحيى عن مندل بن علي العتري، عن يحيى بن سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعا: ثلاث على فريضة وهن لكم تطوع الوتر، وركعتا الفجر، وركعتا الضحى، ويترك أسوأ حالا ممن تقدم. وله أحاديث أفراد وغرائب، ضعفه يحيى ووقع فيه شريك، وقال السعدي: واهي الحديث، وقال النسائيّ: ضعيف، وقال ابن حبان: لا يحتج بالوضّاح، كان يروى عن الثقات الأحاديث المقلوبة التي كأنها معمولة، وضعفه ابن الجوزي في (علله) وقال: هذا حديث لا يصح، وقال في (الأعلام) : إنه حديث لا يثبت. فتبين من هذا ضعف الحديث من جميع طرقه.
ومع ذلك ففي ثبوت خصوصية هذه الثلاثة برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نظر، فإن الّذي ينفي ولا يعدل قد جاء ما يعارض هذا الحديث، وما أخرجه الدار الدّارقطنيّ [ (1) ] من حديث قتادة عن أنس مرفوعا: أمرت بالوتر والأضحى، ولم يعزم عليّ. ورواه ابن شاهين في (ناسخه ومنسوخه) وقال: ولم يعرض عليّ ولكنه حديث ضعيف أيضا فيه عبد اللَّه بن مجرد العامريّ الجزريّ، قاضي الجزيرة لأبي جعفر المنصور، يروى عن نافع، والزهريّ، وقتادة، والحكم بن عيينة، وجماعة، ويروى عنه بقية، وأبو يوسف القاضي، وعبد الرزاق، وأبو نعيم وجماعة، وهو ضعيف بإجماعهم. قال ابن معين: ضعيف، ومره قال: ليس بتفة، وقال السعدي: هالك، وقال الفلاس: متروك الحديث، وقال البخاريّ: منكر الحديث، وقال ابن عديّ: ورواياته عمن يرويه غير محفوظه، وذكر ابن شاهين في (الناسخ والمنسوخ) حديث ابن عباس المتقدم من طريق الوضاح، وحديث أنس هذا، ثم قال: الحديث الأول أقرب إلى الصواب من الثاني، لأن فيه عبد اللَّه بن مجرد وليس بمرض عندهم، وقال: ولا أعلم الناتج منهما لصاحبه قال: ولكن الّذي عندي يشبه ان يكون حديث عبد اللَّه بن مجرد على ما فيه ناسخا للأول، لأنه ليس يثبت أن هذه الصلوات فرض وهذا كله كلام عجيب، فلا ناسخ ولا منسوخ، لأن النسخ أيضا يصار إليه عند تعارض الأدلة الصحيحة، ولا معارضة، إذا تم هاهنا أمور: أحدها: ما حكاه بعض الأصحاب عن أبي العباس الروياني أن الأضحية والوتر لم تجبا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد شهد للوتر فقط ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يوتر على البعير، وهذا من حجتنا على الحنفية في عدم وجوبه، لأنه لو كان واجبا لما فعله على الراحلة، فدل على أنه سنة في حقه شأن المندوب، لكن قال النوويّ في (شرح المهذب) : إنه كان من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم جواز هذا الواجب الخاص به على الراحلة.
وقال العوفيّ المالكي: فعل الوتر في السفر على الراحلة، والوتر لم يكن واجبا عليه إلا في الحضر، صرح به في (شرح المحصول) و (شرح التنقيح) وعز الدين في (القواعد) . وقال الشيخ تقيّ الدين بن الصلاح: تردد الأصحاب في وجوب الضحى والأضحى والوتر عليه، مع أن مسند الحديث الّذي ذكرنا ضعّفه، ولو تمكنوا فقطعوا بوجوب السؤال عليه، وتردد في الأمور الثلاثة لكان أقرب، ويكون مستند التردد فيها أن ضعفه من جهة، ولو أنه ابن جناب الكلبيّ، وفي ضعفه خلاف بين أئمة الحديث، وقد وثقه بعضهم، واللَّه أعلم بأنها الضحى. وخرّج البخاري [ (1) ] من حديث مالك عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. وخرّجه أبو دواد [ (2) ] من حديث وما يسبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسبحه الضحى قط وإني لأسبحها. ذكره في باب تحريض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب. وخرّجه في باب من لم يصلّ الضحى ورآه واسعا، من حديث ابن ذؤيب عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبّح سبحة الضحى وإني لأسبحها [ (3) ] .
وخرّجه مسلم من حديث مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: ما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلى بسبحة الضحى قط وإني لأسبحها وإن كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليدع العمل وهو يجب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. وخرّجه أبو داود [ (1) ] من حديث مالك بهذا الإسناد كما قال البخاريّ. وخرّج مسلم [ (2) ] من حديث سعيد الجريريّ، عن عبد اللَّه بن شفيق قال: قلت لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- هل كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه.
وخرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث عطية العوفيّ [ (2) ] عن أبي سعيد الخدريّ قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى حتى نقول: لا يدعها، ويدعها حتى نقول: لا يصليها، ثم قال: حسن غريب.
وهذا الحديث ظاهره مقتضى عدم الوجوب، وكذا حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلو كانت واجبة في حقه لكان مداومته عليها أشهر من أن تخفى. ونقل النووي في (شرح المهذب) أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يداوم على صلاة الضحى مخافة أن تفرض على الأمة فيعجزوا عنها، وكان ينفلها في بعض الأوقات، وذكر في (الروضة) أنها واجبة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر الماوردي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما صلاها يوم الفتح واظب عليها إلى أن مات، وفيه نظر، ففي البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ما أخبرني أحد أنه رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى إلا أم هانئ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فإنّها حدثت أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات ما رأيته صلى صلاة قط أخف منها، غير أنه كان يتم الركوع والسجود. وخرّجه الترمذي [ (3) ] وقال: فسبح ثماني ركعات.
وخرّج البخاريّ في باب صلاة الضحى في الحضر [ (1) ] ، من حديث شعبة، عن أنس بن سيرين، قال: سمعت أنس بن مالك [الأنصاري] قال: قال رجل من الأنصار- وكان ضخما- للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لا أستطيع الصلاة معك، فصنع للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم طعاما فدعاه إلى بيته ونضح له طرف حصير بماء، فصلى عليه ركعتين وقال: فلان بن فلان بن الجارود لأنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى؟ فقال: ما رأيته صلى غير ذلك اليوم. فلذلك اختلف الناس في صلاة الضحى، فذهبت طائفة من السلف إلى حديث عائشة المتقدم ولم يروا صلاة الضحى، حكاه ابن بطال، وأبعد بعضهم فقال: إنها بدعة كما يحكى عن ابن عمر. خرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث مسدد قال: حدثنا يحيى عن شعبة، عن توبة، عن مورّق قال: قلت لابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أتصلي الضحى؟ قال: لا، قلت فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فالنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال لا إخاله. وخرّج الفرياني من حديث سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: صلاة الضحى في السفر بدعة.
وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال سمعت ابن عمر يقول: ما صليت الضحى منذ أسلمت. وقال طاووس: أول من صلاها الأعراب. وروى عثمان: وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئا أحب إليّ منها. وحكى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، عن جماعة استحباب فعلها، وهو رواية عن أحمد. وخرّج الفريابي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يديموا صلاة الضحى كهيئة المكتوبة، كانوا يصلون ويدعون، وذهبت طائفة إلى أنها إنما تفعل بسبب، وإن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما فعلها لأجل الفتح، وقال أبو عمر بن عبد البر: وأما قول عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ما سبح رسول اللَّه سبحة الضحى قط، فما قلت لك إن من علم السنن علما خاصا يوجد عند بعض أهل العلم دون بعض، وليس أحد من الصحابة إلا وقد فاته من الحديث ما أحصاه غيره، إلا خاصة ممتنعة، وهذا ما لا يجهله إلا من لا عناية له بالعلم، وإنما حصل المتأخرون على علم داخله فليسوا في الحفظ كالمتقدمين، وإن كانوا قد حصل في كتب المقل منهم علم جماعة من العلماء، واللَّه ينور بالعلم قلب من يشاء. وقد روى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أثار كثيرة حسان في صلاة الضحى منها حديث أم هانئ، فذكره من حديث أم هانئ بنت أبي طالب، ومن حديث ابن طهمان، عن أبي الزبير، عن عكرمة بن خالد، عن أم هانئ، وذكره من حديث أم هانئ بنت أبي طالب أنها قالت: قدم [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الفتح- فتح مكة- فنزل بأعلى مكة، فصلى ثماني ركعات فقلت: يا رسول اللَّه! ما هذه الصلاة؟ قال: الضحى. قال أبو عمر الأسدي: إن أم هانئ قد علمت من صلاة الضحى ما لم تعلم عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، من الأمور ما يقضي وعليه المداد، وهو الأصل.
وقد روى إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن أم هانئ قالت: لما كان يوم الفتح اغتسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلى ثماني ركعات فلم ير أحد صلاهن بعد، فهذه أم هانئ لم تعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاهن بعد. وذكر من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة اغتسل في بيتها وصلى ثماني ركعات فلم يره أحد صلاها من بعد، وابن ليلى من كبار التابعين. وذكر من حديث إسحاق بن راشد عن الزهريّ، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه ابن الحارث، عن أبيه قال: سمعته يقول: سألت وحرصت على أحد يحدثني أنه رآه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلى الضحى، فلم أجد غير أم هانئ، حدثتني أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل عليها يوم فتح مكة، فأمر بماء فوضع له، فاغتسل ثم صلى في بيتها ثماني ركعات، تقول أم هانئ: لا أدري أقيامه أطول أم ركوعه؟ ولا أدري أركوعه أطول أم سجوده؟ غير أن ذلك مقارب يشبه بعضه بعضا. ورواه ابن عيينة، وعبد الكريم بن أبي أمية ويزيد بن أبي زياد عن عبد اللَّه بن الحارث قال: سألت عن صلاة الضحى في إمارة عثمان وأصحاب رسول اللَّه متوافرون، فلم أجد أحدا أثبت لي صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الضحى إلا أم هانئ، وذكر الحديث. قال: فهذه الآثار كلها حجة لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، في قولها [ (1) ] : ما سبح رسول اللَّه سبحة الضحى قط، لأن كثيرا من الصحابة قد شركها في علم ذلك، ومما يؤيد ذلك أيضا حديث سماك، قلت لجابر بن سمرة: أكنت [ (2) ] تجالس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: نعم كثيرا، فكان لا يقوم من مصلاه الّذي صلى فيه الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام.
وهذا حديث صحيح، رواه الترمذيّ وجماعة عن سماك، وذكر حديث عمر بن ذر، قال: سمعت مجاهد يقول: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى ركعتين وأربعا أو ستا. هذا حديث مرسل. وذكر حديث أحمد بن عبد اللَّه بن صالح، قال: حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا يونس، عن الزهريّ، عن محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى في بيته بسبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا [ (1) ] قال: وهذا حديث إنما حدث به عثمان بن عمر بن فارس، أو يونس بن يزيد على المعنى بتأويل تأوله، وإنما الحديث على حسب ما رواه مالك وغيره عن ابن شهاب. قال: والدليل على أنه لا يعرف في هذا الحديث ذكر صلاة الضحى، إنكار ابن شهاب لصلاة الضحى، فقد كان الزهريّ يعتنى بحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- هذا، ويقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يصل الضحى قط، قال: وإنما كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلونها بالهواجر، أو قال: بالهجير، ولم يكن عبد الرحمن بن عوف، وعبد اللَّه بن مسعود، وعبد اللَّه بن عمر، يصلون الضحى ولا يعرفونها. قال الواقدي: عن عائشة في صلاة الضحى حديث منكر، رواه معمر عن قتادة عن معاذة العدوية، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: سألت عائشة كم كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى؟ قالت: أربع ركعات ويزيد ما يشاء، وهذا عندي غير صحيح، وهو مردود بحديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب. قال مؤلفه: وقد خرّج مسلم هذا الحديث من طريق يزيد الرشاقي، قال: حدثتني معاذة أنها سألت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: كم
كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي الضحى؟ فقالت: أربع ركعات ويزيد ما يشاء [ (1) ] ، وفي لفظ: ويزيد ما يشاء. وخرّجه من حديث معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة بهذا الإسناد مثله [ (2) ] فهو إذا حديث صحيح، ونحوه حمله حينئذ على أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصليها كذلك إذا صلاها، وقد قدم من مغيبه، جمعا بين الحديثين واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. وخرّجه البيهقي [ (3) ] من حديث على بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سلمة بن رجاء عن الشعثاء امرأة من بنى أسد، قال: دخلت على عبد اللَّه بن أبي أوفى فرأيته صلى الضحى ركعتين، فقالت له امرأته: إنك صليت ركعتين! فقال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلى الضحى ركعتين حين بشر بالفتح، وحين جيء برأس أبي جهل. ثالثها: هل كان الواجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قلنا به أقل الضحى أو أكثرها؟ ففي رواية لأحمد: أمرت بركعتي الضحى، ولم تؤمروا بها؟. رابعها: هل كان الواجب عليه في الوتر أكثره أو أقله؟. خامسها: الأضحية في الحديث السالف وكلام أصحابنا المراد به الضحى كما قاله ابن الصلاح. وقال ابن سيده: وضحى بالشاة: ذبحها ضحى النحر، هذا هو الأصل، وقد تستعمل التضحية في جميع أوقات أيام النحر، والضحية ما ضحيت به، وهي الأضحى وجمعها أضاحي، يذكر ويؤنث، وقال يعقوب: سمى اليوم أضحى بجمع الأضحاء التي الشاة، والأضحية، كالضحية. انتهى.
فإذا يقال: أضحى في الواحد والجمع، ويقال أيضا: وضحايا، وأضحية، وأضاحىّ وبالتشديد. وهذا التقرير قد يفهم منه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان الواجب عليه ضحايا في كل سنة، وتقل الإشادة به إلى وجوب ذلك في العوام. وفي قوله- تعالى-: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ [ (1) ] دليل على وجوب الأضحية على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأن الإشارة في قوله- تعالى-: وَبِذلِكَ أُمِرْتُ إلى ما سبق من الصلاة، والنسك، والأضحية من النسك، فاقتضت الآية أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يؤديها، والأمر على الوجوب فهو خاص به، لا يتعدى إلى الأمة، وهذا أقعد من الاستدلال بالآية على وجوب الأضحية على الأمة فتأمله. وقد خرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث شعبة قال: حدثنا عبد العزيز بن صهيب، سمعت أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يضحى بكبشين وأنا أضحي بكبشين. وله من حديث شعبة حدثنا قتادة عن أنس، قال: ضحى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بكبشين أملحين فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده [ (3) ] . وخرّجه مسلم [ (4) ] ، ولفظه: ضحى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما. وخرّج النسائي [ (5) ] من حديث حفص عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: ضحى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكبش أقرن فحيل يمشي في سواد، ويأكل في سواد، وينظر في سواد.
وخرّجه الترمذيّ بهذا الإسناد مثله، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حفص بن غياث. وخرّجه أبو داود [ (1) ] من حديث حفص ولفظه: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يضحى بكبش أقرن فحيل، ينظر في سواد، ويأكل في سواد. وخرّج أبو بكر البزار من حديث أبي عامر، قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل، عن على بن حسين عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ضحى اشترى كبشين، سمينين، أقرنين، أملحين، فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو في مصلاه فذبحه، ثم يقول: اللَّهمّ هذا عن أمتي جميعا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه ويقول: هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعا المساكين، ويأكل هو وأهله ... الحديث. سادسها: أن الآمديّ وابن الحاجب، عدّا ركعتي الفجر من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولا خلاف كما في ذلك، ويشهد ما في حديث ابن عباس المتقدم، إلا أنه ضعيف.
المسألة الرابعة: التهجد كان واجبا عليه
المسألة الرابعة: التهجد كان واجبا عليه فقال القفال: هو ما يصلى بالليل وإن قل، قال اللَّه- تعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] أو زيادة على ثواب الفرائض بخلاف تهجد غيره، فإنه جائز للنقصان المتطرق إلى الفرائض، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم معصوم من تطرق الخلل إلى مفروضاته، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. حكاه إمام الحرمين. وذكر البغويّ في (تفسيره) نحوه، وقال الحسن وغيره: ليس لأحد نافلة. إلا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأن فرائضه كاملة، وأما غيره فلا يخلو عن نقص، فنوافله تكمل فرائضه، وأسنده البيهقيّ في (دلائل النبوة) عن مجاهد وكذا ابن المنذر في (تفسيره) ، وحكى ابن المنذر أيضا عن الضحاك نحوه، وذكره سليمان بن حبان، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، وذكر محمد بن نصر المروزي، عن أبي إسحاق أنه- تعالى- قال: نافِلَةً لَكَ قال: ليس هي نافلة لأحد إلا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن مجاهد قال: النافلة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل سوى المكتوبة فهو له نافلة، من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب، فهي نوافل له وزيادة، فالناس يعملون ما سوى المكتوبات لذنوبهم في كفارتها، فليس للناس نوافل وإنما هي للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة. وعن الحسن: لا تكون نافلة الليل إلا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن قتادة: نافِلَةً لَكَ قال: تطوعا وفضيلة لك. وخرّج من طريق وكيع: يعنى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ قال محمد بن نصر: قد سمى ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التطوع نوافل من الناس كلهم، لم يخص بذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دون غيره، وهذا المعروف في اللغة، أن كل تطوع نافلة من الناس كلهم. واستدل الرافعي وغيره بحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
قال: ثلاث هن على فرض، وهن لكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل [ (1) ] . وهو حديث ضعيف، أخرجه البيهقي في (السنن) و (الخلافيات) من حديث موسى بن عبد الرحمن الصنعاني عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ثلاث هن عليّ فرض وهن لكم سنّة: الوتر، والسواك، وقيام الليل. وموسى هذا هو موسى ابن عبد الرحمن الثقفي الصنعاني أبو محمد المفسّر. قال ابن عدي: منكر الحديث، وقد يقبل بابن جريح، عن عطاء، عن ابن عياش، وهذه الأحاديث بواطيل. وقال البيهقيّ: موسى هذا ضعيف جدا ولم يثبت في هذا إسناد. وقال الشيخ أبو حامد: إن الشافعيّ نص على أنه نسخ وجوب قيام الليل في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كما نسخ في حق الأمة فإنه كان واجبا في ابتداء الإسلام على الأمة كافة. قال ابن الصلاح، والنووي في (الروضة) : وهذا هو الصحيح تشهد له الأحاديث. قال مؤلفه: قال الشافعيّ: سمعت من أثق خبره وعمله، يذكر أن اللَّه- عز وجل- أنزل فرضا في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس، قال: كأنه يعنى قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا* نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [ (2) ] ، ثم نسخه في [آخر] السورة بقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ [ (3) ] فينسخ قيام الليل، أو نصفه، أو أقل، أو أكثر بما تقدم. قال: ويقال: نسخ ما وصفت في المزمل بقول اللَّه- تعالى-: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة، والفرائض فيما ذكر من ليل ونهار، وقال: ففرائض الصلوات خمس، وما سواها تطوع. انتهى، فهذا ما أشار إليه الشيخ أبو حامد من نصّ الشافعيّ. وقال محمد بن نصير المروزي في كتاب (قيام الليل) وقد حكاها عن الشافعيّ: فذهب الشافعيّ في الحكاية التي حكاها وغيره، إلى أن اللَّه- تعالى- افترض قيام الليل في أول سورة المزمل على المقادير التي ذكرها، ثم نسخ ذلك في آخر السورة، وأوجب قراءة ما تيسر في قيام الليل فرضا، ثم نسخ فرض قراءة ما تيسر بالصلوات الخمس.
وأما سائر الأخبار التي ذكرناها عن عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها وابن عباس وغيرهما فإنها دلت على أن آخر السورة نسخ أولها فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضيته بنزول آخر السورة
وأما سائر الأخبار التي ذكرناها عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها وابن عباس وغيرهما فإنّها دلت على أن آخر السورة نسخ أولها فصار قيام الليل تطوعا بعد فرضيته بنزول آخر السورة فذهبوا إلى أن قوله- تعالى-: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ [ (1) ] اختيار لا إيجاب فرض. قال محمد بن نصر: وهذا أولى القولين عندي بالصواب، وكيف يجوز أن تكون الصلوات الخمس مفروضات في أول الإسلام، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمكة، فرضت عليه ليلة أسرى به، والأخبار التي ذكرناها تدل على أن قوله- تعالى-: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ إنما نزل بالمدينة، ونفس الآية تدل على ذلك؟ قوله: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [ (2) ] والقتال في سبيل اللَّه إنما كان بالمدينة، وكذلك قوله- تعالى-: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ* والزكاة إنما فرضت بالمدينة. وفي حديث جابر: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثهم في الجيش وقد كان كتب عليهم قيام الليل، وبعثه الجيوش لم يكن إلا بعد قدوم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، قال- تعالى-: ما تَيَسَّرَ*، يدل على أنه ندب واختيار وليس بفرض. انتهى. قال مؤلفه: وقال عمر بن نصر: لم يخف على الشافعيّ شيء مما قلت، وإنما أرادوا- واللَّه أعلم- أن هذه الآية نسخت بنزولها قيام الليل، أو بقول اللَّه- تعالى- فيها: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، فتأمله تجده كذلك.
وخرّج مسلم [ (1) ] من حديث سعيد، عن قتادة، عن زرارة، أن سعيد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو في سبيل اللَّه فقدم المدينة، فأراد أن يبيع عقارا بها، فيجعله في السلاح والكراع، ويجاهد الروم حتى يموت، فلما قدم المدينة أتى أناسا من أهل المدينة، فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطا ستة أرادوا ذلك في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنهاهم نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: أليس لكم فيّ أسوة؟. فلما حدثوه بذلك راجع امرأته وقد كان طلقها، وأشهد على رجعتها، فأتى ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فسأله عن وتر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال ابن عباس: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض بوتر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: من؟ قال: عائشة، فأتها فاسألها، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك، فانطلقت إليها فأتيت على حكيم بن أفلح فاستخلفته إليها، فقال: ما أنا بمقاربها لأني نهيتها إلى أن تقول في هاتين الشعبتين شيئا، فأبت فيهما إلا مضيا. قال: فأقسمت عليه، فجاء، فانطلقنا إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فأستأذنا عليها، فأذنت لنا، فدخلنا عليها، فقالت: أحكيم؟ فعرفته، فقال: نعم، فقالت: من معك؟ قال: سعد بن هشام، ثم قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر، فترحمت عليه، وقالت: خيرا، قال قتادة: وكان أصيب يوم أحد، فقلت: [يا] أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان القرآن، فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدا عن شيء من أمره [ (2) ] ، ثم بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالت: ألست تقرأ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [ (3) ] ؟ قلت: بلى، قالت: فإن اللَّه- عز وجل- افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه حولا، وأمسك اللَّه- عز وجل- خاتمتها
اثنى عشر شهرا في السماء، حتى أنزل اللَّه [عز وجل] في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه اللَّه ما يشاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر اللَّه، ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر اللَّه- عز وجل- ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذ اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان. قال: فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت، لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني به، قال: قلت: لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها. وخرّجه أيضا من حديث هشام، عن أبيه، عن قتادة، من حديث معمر عن قتادة، وأخرجه النسائي [ (1) ] من حديث سعيد عن قتادة مختصرا. وخرّج أبو داود [ (2) ] من طريق يزيد النحويّ عن عكرمة، عن ابن عباس، قال في المزمل: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ [ (3) ] نسختها الآية التي فيها: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [ (4) ] وناشئة الليل:
أوله، كانت صلاتهم أول الليل، يقول: هو أجدر أن تحصوا ما فرض اللَّه عليكم من قيامكم، وذلك أن الإنسان إذا نام لا يدري متى يستيقظ. وقوله- تعالى-: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [ (1) ] هو أجدر أن يفقه القول، وقوله- تعالى-: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا [ (2) ] يقول فراغا طويلا. وخرّج من طريق وكيع [ (3) ] ، عن مسعود، عن سماك الخثعميّ عن ابن عباس، قال: لما نزلت أول المزمل، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها سنة. ترجم عليه باب نسخ قيام الليل والتيسير فيه. وذهب بعضهم إلى أن الناسخ قوله- تعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ وقوله- تعالى-: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ الآية، وأن ذلك ناسخ لقيام الليل في حق الأمة فقط، وفي هذا نظر، فإن الخطاب في أول السورة للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد شركته الأمة في ذلك، فالخطاب في آخرها يتوجه لمن يتوجه إليه الخطاب في أولها، وقد قيل: إنّ المنسوخ من قيام الليل ما كان مقدرا، وأما الواجب فهو باق لقوله- تعالى-: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وهذا بناء على أن المراد بالقراءة الصلاة، فسماها- تعالى- ببعض أجزائها، فتكون الآية كقوله- تعالى-: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إذ لا بد من الهدى، فكذلك لا بد من صلاة الليل. وحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، المخرج في (الصحيحين) [ (4) ] كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا رسول اللَّه! أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة! أفلا أكون عبدا شكورا؟. وأخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن صخر، عن أبي قسيط، عن عروة وأخرجاه من وجه آخر عن المغيرة بن شعبة، وهو من جملة ما يدل على عدم وجوب قيام الليل عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن عبد البر في كتاب (التمهيد) : وأوجب بعض التابعين قيام الليل فرضا، ولو كان كقدر حلب شاة، وهو عبيدة السلماني، وهو قول شاذ متروك لإجماع العلماء على أن قيام الليل منسوخ عن الناس بقوله- عز وجل-:
عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ ... فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ والفرائض لا تثبت إلا بتقدير وتحصيل. وذكر محمد بن نصر المروزي في كتاب (قيام الليل) بسنده إلى أبي رجاء، قلت للحسن: ما تقول في رجل حدثنا القرآن كله عن ظهر قلب، ولا يقول به، إنما يصلي المكتوبة؟ فقال: لعن اللَّه ذاك إنما [القيام] للقرآن، قلت: قال اللَّه تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ قال: نعم ولو خمسين آية، ونقل أبو محمد بن حزم في (المحلى) [ (1) ] أن الخمسين [آية] تقول: إن الوتر فرض وإن تهجد الليل فرض.
تنبيهات
تنبيهات الأول: أن قبل قوله- تعالى-: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ [ (1) ] يقتضي أن التهجد غير واجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن النافلة غير الواجب. قال ابن سيده: العطية عن بدء، والنفل ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ قلنا بها أن النافلة فيها بمعنى الزيادة. ومنه قوله- تعالى-: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً [ (2) ] ، وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا [ (3) ] أن إسحاق ويعقوب زيادة، لأن إبراهيم عليه السلام لما سأل اللَّه- سبحانه- ولدا بقوله: هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [ (4) ] استحباب دعاءه ووهب له إسحاق، وزاده يعقوب بن إسحاق، من غير زيادة، فكان يعقوب نافلة لإبراهيم، عند الولد، قال ابن سيده: النافلة ولد، وهو من ذلك يعني من العطية امتدادا، فإذا تقرر أن النافلة الزيادة، ولا يأتونكم منا غير واجبة. وخرّج مسلم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل المزني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: هو خليل على جابر بن عبد اللَّه ... فذكر حديث جابر الطويل في الحج إلى أن قال جابر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد صلى بنا المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينها شيئا، ثم اضطجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى طلع الفجر فصلى حين تبين له الصبح. الحديث، وهذا يدل على عدم وجوب الوتر والتهجد لأن الظاهر أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يفعلها تلك الليلة. وقد يجاب عن التهجد بأنه لعله إذ ذاك صار منسوخا في هذا الحديث وعلى ما جزم به الدارميّ.
والّذي نص عليه الشافعيّ في (الأم) وغيره: أن السنة ترك التنفل بعد العشاء. كما يسن تركه بعد المغرب، وصرح به الماوردي، والقاضي حسين، وغيرهما، وأبعد البحلي فقال: إنه يأتي بسنة المغرب بعد العشاء ثم بسنة العشاء، ثم بالوتر، وهو مصادم للنص. الثاني: قال الرافعيّ: مقتضى الحديث المروي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- الّذي سلف، وكلام الأئمة هنا كون الوتر غير التهجد المأمور به، وذلك مخالف لما مرّ في باب صلاة التطوع أنه يشبه أن يكون الوتر هو التهجد، ويعتضد به الوجه المذكور هناك عن رواية الروياني. قال وكان التغاير أظهر، وكذا قال في (تذييله على الشرح) : من أنه الأظهر وتبعه صاحب (الحاوي) . لكن خرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، كيف كانت صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا، فلا تسل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثم يصلى ثلاثا، قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فقلت: يا رسول اللَّه أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي. وهذا يدل على أن التهجد هو غير الوتر. وما خرّجه مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] والترمذي [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من طريق هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها. يقابل الحديث الأول، والّذي يلزم من كلامهم أن يكون كل وتر تهجدا، مأمورا به. ولفظ الشافعيّ- رحمه اللَّه-: وأوكد النوافل الوتر ويشبه أن يكون صلاة التهجد، والظاهر أن الوتر والتهجد يفرقان، فالوتر لا يعتبر في حقيقته أن يكون بعد النوم، بخلاف التهجد. قال ابن سيده: هجد يهجد هجودا، وأهجد نام، والهاجد والهجود المصلي بالليل، والجمع هجود وهجد. قال: وتهجد القوم، واستيقظوا للصلاة أو لغيرها، وقال الأزهري: المتهجد القائم لصلاة الليل من النوم، فكأنه قيل له متهجد لإلقائه الهجود عن نفسه، كما يقال للعابد: متحنث لإلقائه الحنث عن نفسه، فيمكن تأويل كلام الشافعيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على أن يقال: إن الّذي يتبع الوتر في التأكيد هو التهجد. وذكر محمد بن نصر المزروي، عن الحجاج بن عمر بن غزية الأنصاري أنه قال: يحسب أحدكم أنه إذا قام من الليل فصلى حتى يصبح، أنه قد تهجد؟ إنما التهجد الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، قال: فتلك كانت صلاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
المسألة الخامسة: صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل
المسألة الخامسة: صلاته صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل وكانت ثمانية أنواع: النوع الأول: أن يصلي ثنتي عشرة ركعة يسلم في كل ركعتين، ثم يصلي ركعة واحدة، ويسلم. وخرّج أبو داود [ (1) ] من طريق مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين. النوع الثاني: أن يصلي ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين، ثم يصلي خمس ركعات متصلات لا يجلس إلا في آخرهن [ (2) ] . خرّج النسائي [ (3) ] وغيره من طريق عبدة بن سليمان، قال: حدثنا هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر بينهن بخمس ركعات لا يجلس في شيء من الخمس إلا في آخرهن، ثم يجلس ويسلم. النوع الثالث: أن يصلي عشر ركعات يسلم في آخر كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة. خرّج مسلم [ (4) ] من طريق ابن وهب قال: أخبرني وهب، أخبرني عمرو ابن الحارث عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين
- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي في ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء- وهي التي تدعو الناس العتمة- إلى الفجر، إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين، ويوتر لواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر، وجاء المؤذن، قام، فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة. النوع الرابع: أن يصلي ثماني ركعات لا يجلس في شيء منهن جلوس تشهد إلا في آخرها، فإذا جلس في آخرهن وتشهد قام دون أن يسلم، فأتى بركعة واحدة، ثم يجلس ويتشهد ويسلم. خرّج مسلم [ (1) ] من حديث سعد بن هشام المتقدم، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فيذكر اللَّه ويحمده، ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد، فيذكر اللَّه- عز وجل-، ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض، ثم يسلم. الحديث. وخرّج النسائي [ (2) ] من طريق حماد عن أبي حمزه، عن الحسن، عن سعد ابن هشام، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يوتر بتسع ركعات يقعد في الثامنة، ثم يقوم فيركع ركعة. النوع الخامس: أن يصلي سبع ركعات لا يجلس ولا يتشهد إلا في آخر السادسة منهن، ثم يقوم دون تسليم، فيأتي بالسابعة، ثم يجلس ويتشهد ويسلم. خرّج النسائي [ (3) ] من طريق معاذ بن هشام الدستوائي، حدثنا أبي عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام بن عامر، عن عائشة- رضي
اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما كبر وضعف، أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة، ثم ينهض، ولا يسلم، فيصلي السابعة، ثم يسلم تسليمة ... الحديث. النوع السادس: أن يصلي سبع ركعات لا يجلس جلوس تشهد إلا في آخرهن، جلس وتشهد وسلم. خرّج النسائي [ (1) ] من طريق سعيد، حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، أن عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما أسنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخذه اللحم، صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن، ثم يصلي ركعتين بعد أن يسلم. النوع السابع: أن يصلي خمس ركعات متصلات، لا يجلس ولا يتشهد إلا في آخرهن. خرّج النسائي [ (2) ] من حديث سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن. النوع الثامن: أن يصلي ثلاث ركعات يجلس في الثانية، ثم يقوم دون أن يسلم، ويأتي بالثالثة، ثم يجلس، ويتشهد، ويسلم كصلاة المغرب. خرّج النسائي [ (3) ] من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة ابن أوفى، عن سعد بن هشام، أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- حدثته أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يسلم في ركعتي الوتر. قال محمد بن نصر المروزي: فأما الوتر بثلاث ركعات فإنا لم نجد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرا ثابتا مفسرا أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن كما وجدنا عنه أخبارا أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوتر بثلاث، لا ذكر التسليم فيها. فذكر من طريق يونس عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يوتر بثلاث،
يقرأ في الأولى ب- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [ (1) ] وفي الثانية قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [ (2) ] وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (3) ] . قال مؤلفه: وذكر في الباب عن عمران بن حصين وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وعبد الرحمن بن أبزى، وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أسند ذلك محمد بن نصر عنهم من طريق عديدة، ثم قال: فهذه أخبار منهم، تحتمل أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سلم في الركعتين من هذه التي روى أنه أوتر بها، جائز أن يقال لمن صلى عشر ركعات يسلم بين كل ركعتين: فلا نصلي عشر ركعات، وكذلك إن لم يسلم إلا في آخرهن، جاز أن يقال: يصلي عشر ركعات، والأخبار المفسرة التي لا تحتمل إلا معنى واحدا أولى أن تتبع، ويحتج بها، غير أنا روينا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه خيّر الموتر بين أن يوتر بخمس أو بثلاث، أو بواحدة. وروينا عن بعض أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه أوتر بثلاث لم يسلم إلا في آخرهن، فالعمل بذلك جائز عندنا، والاختيار ما بينا. فأما الحديث الّذي حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يسلم في ركعتي الوتر. وفي رواية قد أسندها أيضا: كان لا يسلم في الركعتين الأولين من الوتر قال: فهذا عندنا قد اختصره سعيد من الحديث الطويل الّذي ذكرناه، ولم يقل في هذا الحديث أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أوتر بثلاث لم يسلم في الركعتين الوتر، وصدق في ذلك الحديث، فكان يكون حجة لمن أوتر بثلاث بلا تسليمة في الركعتين، إنما قال: لم يسلم في ركعتي الوتر، وصدق في ذلك الحديث، أنه لم يسلم في
الركعتين، ولا في الست، ولم يجلس أيضا في الركعتين، كما لم يسلم فيهما، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. وقال ابن عبد البر: وأهل العلم يقولون: إن الاضطراب عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في أحاديثها في الحج، وأحاديثها في الرضاع، وأحاديثها في صلاة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالليل، وأحاديثها في قصر صلاة المسافر، ولم يأت ذلك إلا منها، لأن الذين يروون ذلك عنها حفاظ أثبات: القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والأسود بن يزيد، ومسروق، ونظراؤهم، وقد أجمع العلماء على أن لا حد ولا شيئا مقدرا في صلاة الليل، وأنها نافلة، فمن شاء أطال فيها القيام، وقلت ركعاته، ومن شاء أكثر الركوع والسجود، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم.
المسألة السادسة: في السواك وكان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم على الصحيح
المسألة السادسة: في السواك وكان واجبا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الصحيح واستدل له بحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- المتقدم، وقد تبين ضعفه لكن خرّج أبو داود [ (1) ] والبيهقي [ (2) ] في (سننهما) ، وابن خزيمة [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا أو غير طاهر، فلما شقّ ذلك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرنا بالسواك لكل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث.
وأخرجه الحاكم [ (1) ] في (مستدركه) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه. وقد اختلف في هذا الحديث على ابن إسحاق، فقيل: عنه عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر، وقيل: عن محمد بن طلحة، عن محمد بن يحيى، عن بن إسحاق، فالظاهر من هذا الحديث أنه أوجب عليه السواك، وهو الصحيح عند الأصحاب قاله النووي: ومال إلى قوله ابن الصلاح، ويؤيده ما خرّجه البيهقيّ [ (2) ] من حديث أم سلمة مرفوعا: ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت على أضراسي. قال البخاريّ: هذا حديث حسن [ (3) ] . قال عبد اللَّه بن وهب: حدثنا يحيى بن عبد اللَّه بن سالم، عن عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد لزمت السواك حتى تخوفت يتدردني. رواه البيهقي [ (4) ] وفيه انقطاع بين المطلب وعائشة. وقال محمد بن يوسف الفريابي: قال ابن عيينة: سمعت أبا الحويرث الدرقي يذكر عن نافع بن جبير بن مطعم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد أمرت بالسواك حتى خفت أن يدردني. هكذا ذكره مرسلا، وحدثنا إسرائيل، وحدثنا
أبو إسحاق عن التميمي واسمه أربدة قال: قلت لابن عباس: أرأيت السواك؟ فقال: ما زال يذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ظن أنه سينزل عليه فيه شيء. وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق ليث عن أبي بردة عن أبي المليح بن أسامة عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليّ. وخرّجه الطبراني في (المعجم الكبير) من طريقين مدارهما على ليث بن أبي سليم بن زنيم أبي بكر القرشي مولاهم. ضعفه ابن معين والنسائي. وخرّجه ابن ماجة [ (2) ] من حديث أبي أمامة أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى خشيت أن يفرض عليّ وعلى أمتي، ولولا خشيت أن أشق على أمتي لفرضته عليهم، وإني لأستاك حتى أني تخشيت أن يدرد مقادم فمي إلا أن في سنده من تكلم فيه. وخرّج الإمام أحمد [ (3) ] من طريق شريك عن أبي إسحاق عن التميمي، عن ابن عباس قال: قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر السواك حتى رأينا أو خشينا أنه ينزل عليه. وخرّج الطبراني في (الأوسط) من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- بلفظ غير هذا. وخرّج البزار من طريق عمران بن خالد الخياط، عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمرت بالسواك حتى خشيت ادرادا وحتى خشيت على أمتي وأسناني.
تنبيه
واستدل من رأى أن السواك لم يكن واجبا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنما كان مستحبا برواية أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليّ، وطرقها كلها معلولة فتأملها. تنبيه هل المراد بوجوب السواك في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنسبة إلى الصلاة المفروضة؟ أو في النافلة أيضا؟ أو في الأحوال التي أكدها في حقنا؟ أو ما هو أعم من ذلك؟ وساق حديث عبد اللَّه بن حنظلة المتقدم أولا، يقول بوجوبه عليه مطلقا، وقال ابن الرفعة في (الكفاية) : إنه لم يصح أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعل السواك إلا عند القيام إلى الصلاة، وعند تغيير الفم، ثم قال: فإن قلت: قد روى مسلم عن شريح بن هانئ سألت عائشة عن أي شيء كان يبدأ به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك [ (1) ] ولفظه كان يؤذن بالدوام، ثم أجاب يحتمل أن يكون فعل ذلك لأجل تغيير حصل في فمه، ثم استبعده بأن في رواية النسائي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يصلي ركعتين، ثم ينصرف فيستاك.
المسألة السابعة: مشاورة ذوي الأحلام في الأمور
المسألة السابعة: مشاورة ذوي الأحلام في الأمور قال ابن سيده: وأشار عليه بأمر كذا، أمره به، وهي الشورى، والمشورة مفعلة، ولا تكون مفعولة لأنها مصدر، والمصادر لا تجيء على مثال مفعول، وإن جاءت على مثال مفعول، وكذلك المشورة، وشاور مشاورة وشوارا، واستشاره طلب منه المشورة. وقال الراغب [ (1) ] : والمشاورة واستخراج صائب الرأي عن الغير، واشتقاقه من شرت العسل وشورته إذا أظهرت ماله من الجري. قلت اختلف في مشاورة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، هل كانت واجبة عليه، أو مستحبة؟ فالصحيح عند أصحابنا أنها كانت واجبة عليه لقوله- تعالى-: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [ (2) ] وظاهر الأمر الوجوب وذهب قوم إلى أنها كانت مستحبة، وقاسوا ذلك على غيره، وقالوا: الأمر للاستحباب من أجل استمالة قلوب أصحابه وحكى ذلك ابن القشيري عن نص الشافعيّ- رحمه اللَّه-، وأنه جعله كقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: والبكر تستأمر تطبيبا لقلبها، إلا أنه واجب، وهو قول الحسن، فإنه قال: قد [فعله حتى] يستن به من بعده. وفي رواية: لقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غنيا عن المشاورة، ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده. وقال الشافعيّ- رحمه اللَّه-: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهريّ، قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما رأيت أحدا أكثر
مشورة لأصحابه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . ورواه الإمام أحمد وعبد الرزاق، وفي (سنن البيهقيّ) ، وفي إسناده انقطاع. وروى أبو عبد الرحمن السلمي، من طريق محمد بن يزيد بن عبادة بن كثير، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: لما نزلت هذه الآية: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [ (2) ] ، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه ورسوله غنيان عنها، ولكن جعلها رحمة في أمتي، فمن شاور منهم لم يعدم رشدا، ومن ترك المشورة منهم لم يعدم غيا، فعلى هذا لا تبقى المشورة من الخصائص. وقال الراغب: وقيل: كان سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم، فأمر اللَّه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم، قال- تعالى-: فَإِذا عَزَمْتَ [ (3) ] أي قطعت الرأي على شيء بعد الشورى فتوكل على اللَّه في إمضاء أمرك وقرئ: فَإِذا عَزَمْتَ [ (4) ] بضم التاء أي عزمت لك على شيء فتوكل عليّ ولا تشاور بعد ذلك أحدا، والعزم ثبات الرأي على الأمر، نحو اجتماع الرأي، والتوكل على اللَّه الثقة به، والوقوف حيثما وقف، ونبه- تعالى- بقوله: فَبِما رَحْمَةٍ [ (5) ] على نعمته علي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أولا، وعلى أمته ثانيا، وأمر بالعفو عن تقصيرهم فيما يلزمهم له، وأن يستغفر لهم من ذلك، ثم أمره بإجراء نفسه أحدهم في الرأي، الّذي هو خاص بالإنسان، وقال- تعالى-: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [ (6) ] أي فإن قاربتهم هذه المقاربة فليكن اعتمادك على اللَّه [وتوكلك عليه] ، ومشاورته صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه ليقتدي به غيره، وقيل: تطيبا لقلوبهم.
وأما ما استشار فيه فهو الأمور الممكنات المتقاربة باختيار الفاعل
وأما ما استشار فيه فهو الأمور الممكنات المتقاربة باختيار الفاعل قال جامعه: قال الماورديّ: واختلف فيما يشاور فيه، فقال قوم: في الحروب ومكايدة العدوّ خاصة، وقال آخرون: في أمور الدنيا دون الدين، وقال آخرون: في أمور الدين بينها لهم على علل الأحكام، وطريق الاجتهاد، وقال الثعلبي: اختلف في المعنى الّذي أمر اللَّه- تعالى- نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمشاورة لهم فيه، مع كمال عقله، وجزالة رأيه، وتتابع الوحي عليه، ووجوب طاعته على أمته، فيما أحبوا أو كرهوا. فقيل: هو خاص في المعنى، وإن كان عاما في اللفظ، ومعنى الآية: ومشاورتهم فيما ليس عندك فيه من اللَّه- تعالى- عهد، يدل عليه قراءة ابن مسعود: «وشاورهم في بعض الأمر» ، وقال ابن الكلبي: ناظرهم لقاء العدو، ومكايد الحروب عند الغزو، وقال الراغب: وأما القصد بالاستشارة فتارة لاستضاءة المستشير برأي المستشار، أو لئلا يلزم إن استبد فيتفق وقوعه بخلاف إيراده، ولهذا قيل: الاستشارة حصن من الندامة، وأمن من الملامة، وتارة طلبا لهداية المستشار، إما لأن يبين له خطأ رأيه إن كان له رأي خطأ في ذلك الأمر، وإما أن لا يعتقد هو أو غيره أن الاستبداد فضيلة فيستبد رأيه فيما ربما يؤدي إلى فساد، وإما لإكرامه وتعظيمه، فإذا تقرر هذا فأمور النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تنفعك من أن يكون شيئا دنياويا، أو كان دينيا فمعلوم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غير محتاج إلى الاستضاءة برأي غيره من البشر، لما أمده اللَّه- تعالى- به من النور الإلهي، وما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يستشيرهم في شيء من أصول الشريعة، ولكن ربما كان يستشيرهم في بعض فروعها، التي هي مسائل الاجتهاد، نحو ما روي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم استشارهم في شعار يرفع للصلاة، ومثل ذلك تشريف لهم أولا، وتنبيه على أن ما سبيله الاجتهاد فحقه الاستعانة فيه بالآراء الكثيرة الصحيحة، لينقدح منها الصواب.
وأما ما كان من الأمور الدنياوية كالمساحة، والكتاب، والحساب
وأما ما كان من الأمور الدنياوية كالمساحة، والكتاب، والحساب فمعلوم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مستعينا بغيره في كثير منها، بل صرح في ذلك بكونهم أعرف بها منه، فيما روى أنه لما ورد المدينة وجد أهلها يأبرون نخيلهم فقال: ما أرى أن ذلك ينفع فتركوه، فتبين نقص ثمارهم في تركه، فعاودوه، فقال: ما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به، وأنا أعلم بأمور آخرتكم [ (1) ] . واعترض العلامة شرف الدين أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد المرسي، على الراغب في هذا المثال، فقال: هذا الأمر من الأمور التي لا يستشار فيها، لأنها راجعة إلى ما أجرى اللَّه- تعالى- العادة فيها، فمن لم يعلم جري العادة في أن الثمار إذ لم تؤبر يسقط ثمرها، فإن الإبار لا ينفع، ومن علم جري العادة فيها قال: إن ذلك نافع، وإذا كان كذلك فلا معنى للاستشارة في ذلك، وإنما صلّى اللَّه عليه وسلّم لما لم يعلم جري العادة في ذلك قال: ما أرى أن ذلك ينفع، ثم قال لهم: أنتم أعلم بأمر دنياكم، قلت: والراغب يبعد من الصواب، فإن منعه لهم من الثابت، إن لم يكن رأيا أشار به فإنه في معناه، بدليل أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجع عن قوله الأول في المنع، وأقرهم على التأبير ولو لم يكن منعه لهم أشار به، لما رجع عنه. قال الراغب: وعلى هذا ما يتعلق بأمر الحرب، مثل تهييجها تارة، وتليينها أخرى، والمن والافتداء تارة [ (2) ] ، ولذلك لما هم صلّى اللَّه عليه وسلّم بمصالحة عيينة بن حصن على ثلث ثمار المدينة، قيل له: إن كان ذلك بوحي فسمعا وطاعة، وإن
كان برأي رأيته فليس ذلك بصواب، فترك رأيه لرأيهم، فثبت أن ما يتعلق بالأمور الدنيوية، فحال الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وغيره فيه، سواء، والمشاورة فيه مستحسنة له ولغيره. قال المرسي: الأمور الممكنة على ضربين، منها ما جعل اللَّه- تعالى- فيه عادة مطردة تنخرم، فهذا مما لا يستشار فيه، بل من علم العادة كان أعلم ممن لا يعلمها. والضرب الثاني: ما كانت العادة فيه أكثر، ورأيه فيها أصوب، ألا ترى أن من حاول التجارة علم وقت رخصها، وغلائها، وما يصلح، فيستشار فيها لعلمه بالأكثر وقوعا من الصلاح فيها، ولهذا ينبغي أن يستشار أرباب كل فن في فنهم، والاستشارة لا تعدو هذا، واللَّه- تبارك وتعالى- أعلم. قلت: صحيح ما أورده المرسيّ، ومع صحته فلا يمنع كون مصالحة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عيينة أو همّه بمصالحته، كان رأيا من عند نفسه، بحسب ما رآه من مصلحة الناس، وهو مأخوذ من المشورة، فكأنه أشاد بهذا، بل الحديث مصرح به فتأمله [ (1) ] .
المسألة الثامنة: كان يجب عليه صلى الله عليه وسلم مصابرة العدو وإن كثر عددهم، والأمة إنما يلزمهم الثبات إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف
المسألة الثامنة: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم مصابرة العدو وإن كثر عددهم، والأمة إنما يلزمهم الثبات إذا لم يزد عدد الكفار على الضعف ولم يبوب البيهقيّ- رحمه اللَّه- على هذه الخصوصية في (سننه) ، ولكن يستدل لذلك بقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم لعروة في جملة كلامه لما خرج إليه يوم الحديبيّة: فإن أبوا فو اللَّه لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي، يريد صلّى اللَّه عليه وسلّم قريشا. ويستدل أيضا بما وقع في يوم أحد فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد في اثنى عشر رجلا أو نحوهم، والعدو إذ ذاك نحو ثلاثة آلاف، ومثل ذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أفرد يوم حنين كما هو مشهور في السير ومرّ ذكره، وسيمر إن شاء اللَّه- تعالى-. ومن ذلك ما ذكره الماورديّ في كتاب (الحاوي) أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا بارز رجلا في الحرب لم يكفّ عنه قبل قتله. ومنه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم ينفر من الزحف وثبت بإزاء عدوّه وإن كثروا، ويمكن أن يستدل لذلك بأن الفرار والتولي من الزحف إنما هو تخوف القتل، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم معصوم من ذلك.
المسألة التاسعة: كان يجب عليه صلى الله عليه وسلم إذا رأى منكرا أن ينكره ويغيره إنما يلزمه ذلك عند الإمكان
المسألة التاسعة: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رأى منكرا أن ينكره ويغيّره إنما يلزمه ذلك عند الإمكان ووجهه أن اللَّه- تعالى- وعده بالعصمة والحفظ، فقال- سبحانه-: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [ (1) ] الآية. وقد ثبت في (الصحيحين) [ (2) ] وغيرهما من حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: ما خيّر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أمرين إلا أحب أيسرهما ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة اللَّه، فينتقم للَّه بها. ووجوب تغيير المنكر سببه أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا مرّ عليه يظن جوازه، وقد قرر الآمديّ ذلك، فقال: وفرق ما إذا كان الفعل الصادر من كافر أو مسلم، فإن كان من كافر لم يدل على الجواز لما تقرر من كفره، وإن كان من مسلم فإن كان سبق منه تحريم ذلك الفعل، فسكوته يدل على النسخ، وإن لم يسبق، فيدلّ على الجواز، وأورد النووي في (الروضة) [ (3) ] سؤالا، فقال: قد يقال: هذا ليس من الخصائص، بل كل مكلف يتمكن من إزالة المنكر يلزمه تغييره، ثم أجاب
المسألة العاشرة: كان يجب عليه صلى الله عليه وسلم قضاء دين من مات من المسلمين معسرا عند اتساع المال [1]
بأن المراد أنه لا يسقط عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم للخوف، فإن معصوم بخلاف غيره، واللَّه- تعالى- أعلم. المسألة العاشرة: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم قضاء دين من مات من المسلمين معسرا عند اتساع المال [ (1) ] خرّج البخاريّ في آخر كتاب الكفالة [ (2) ] ، وفي آخر كتاب النفقات [ (3) ] ، من طريق يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب. وخرّج مسلم في آخر كتاب الفرائض [ (4) ] من طريق ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة
- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يؤتى بالرجل عليه الدين فيسأل: هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن حدّث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح اللَّه- تعالى- الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعلى قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته، قال البخاريّ: فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته. وخرّج البخاريّ في كتاب الفرائض [ (1) ] من طريق يونس عن ابن شهاب، حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته. وخرّجه في باب الاستقراض [ (2) ] ، ولفظه: ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ (3) ] فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك دينا أو ضياعا
المسألة الحادية عشر:
فليأتني فأنا مولاه. وخرّجاه من طريق آخر، وحكى الإمام وجها أنه لم يكن واجبا عليه، بل كان يفعله تكرما. وبه جزم الماورديّ. وقال النووي في (شرح مسلم) [ (1) ] كان يقضيه من مال المصالح وقيل: من خالص ماله، وقال الإمام في (النهاية) : أشعر قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من ترك ضياعا، أو دينا فعليّ بالوجوب عليه، ومن قال: كان ذلك تكرما فهو غير سديد، لأن وعده صلّى اللَّه عليه وسلّم حق وصدق، فلا يجوز تقدير خلافه. انتهى، على القول الأول: هل يجب ذلك على الأئمة بعده فيقومون به من مال المصالح؟ وجهان، وقد جاء في رواية قيل: يا رسول اللَّه وعلى كل إمام بعدك؟ قال: وعلى كل إمام بعدي حكاية الوجهين وفي الإطلاق نظر، لأن من استدان وبقي معسرا حتى مات، لم يقض دينه من بيت المال. واللَّه- تعالى- أعلم. المسألة الحادية عشر: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا رأى شيئا يعجبه أن يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة [ (2) ] ذكره الرافعي بصيغة قيل، وجزم به ابن القاصّ في (تلخيصه) لكن لفظه فيه: كان إذا رأى شيئا يعجبه قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة. وقال البيهقيّ في كتاب (السنن) [ (3) ] كان إذا رأى شيئا يعجبه، ثم قال: هذه كلمة صدرت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أنعم حاله يوم حجه بعرفة، ثم ساقه بإسناده، وفي أشد حاله يوم الخندق، ثم ساقه بإسناده.
خرّج البخاريّ من طريق قتيبة، حدثنا عبد العزيز، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب على أكتافنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار. ذكره في غزوة الخندق [ (1) ] كذلك، وذكره في كتاب المناقب [ (2) ] ، وفي أول كتاب الرقاق [ (3) ] ، ولفظه فيهما: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة. وخرّجه مسلم [ (4) ] من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعيد قال: جاءنا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ونحن نحفر الخندق وننقل التراب على أكتافنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار. وأخرجاه من حديث أنس، وفيه زيادة. وقال الشافعيّ: أخبرنا سعيد، عن ابن جريج، أخبرني حميد الأعرج، عن مجاهد أنه قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يظهر التلبية: لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، قال: حتى إذا كان ذات يوم والناس منصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه، فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة. قال ابن جريج: وأحسب أن ذلك كان يوم عرفة. قال مؤلفه: ليس في هذين الحديثين ما يقتضي الوجوب، وغاية ما فيهما استحباب مثل ذلك، وقد قيل به في حق المكلفين، ومع هذا الحديث فقول مجاهد مرسل، وقول ابن جريج منقطع.
المسألة الثانية عشر: كان يجب عليه صلى الله عليه وسلم إذا فرض الصلاة [صلاها] كاملة لا خلل فيها
المسألة الثانية عشر: كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا فرض الصلاة [صلاها] كاملة لا خلل فيها قاله القاضي الماوردي. المسألة الثالثة عشر: كان يلزمه صلّى اللَّه عليه وسلّم إتمام كل تطوع يبتدأ به حكاه البغوي عن بعضهم. المسألة الرابعة عشر: أنه كان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يدفع بالتي هي أحسن قاله ابن القاصّ، ودليله قوله- تعالى-: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ (1) ] قال ابن عطية: آية جمعت مكارم الأخلاق، وأنواع الحلم، والمعنى: ادفع أمورك وما يعرضك مع الناس ومخالطتك لهم بالفعلة، أو باليسيرة التي هي أحسن السير والفعلات. فمن ذلك السلام، وحسن الأدب، وكظم الغيظ، والسماحة في العطاء، والاقتضاء وغير ذلك. قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: إذا فعل المؤمن هذه الفضائل عصمه اللَّه من الشيطان، وخضع له عدوه. وفسر مجاهد وعطاء هذه الآية بالسلام عند اللقاء، ولا شك أن السلام مبدأ الدفع بالتي هي أحسن، وهو جزء منه.
المسألة الخامسة عشر: أنه صلى الله عليه وسلم كلف وحده من العلم ما كلف الناس بأجمعهم
المسألة الخامسة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلف وحده من العلم ما كلف الناس بأجمعهم ذكره ابن القاصّ، واستشهد له بما خرّجه البيهقيّ من طريق يونس، عن الزهريّ قال: أخبرني حمزة بن عمر، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه، حتى أني لأرى الريّ يخرج في أظفاري، ثم أعطيت فضلي يعني عمر قال: فما أولته يا رسول اللَّه؟ قال: العلم [ (1) ] ، وسيأتي بطرقه إن شاء اللَّه- تعالى- في المنامات النبويّه. المسألة السادسة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يغان على قلبه فيستغفر اللَّه ويتوب إليه في اليوم سبعين مرة خرّج مسلم [ (2) ] من طريق حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر، وكانت له صحبة- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر اللَّه في اليوم مائة مرة.
قال أبو زكريا النووي: والمراد به هنا ما يتغشى القلب. قال القاضي يعني أبا الفضل عياض-: قيل: المراد الفترات والغفلات عن الذكر الّذي شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه أو غفل عدّ ذلك ذنبا واستغفر منه، قال: وقيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته، وأمورهم، ومحاربة العدوّ ومداراته، وتألف المؤلفة، ونحو ذلك، فيشتغل بذلك عن عظيم مقامه، فيراه ذنبا بالنسبة إلى عظيم منزلته، وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات، وأفضل الأعمال، فهي نزول عن عالي درجته، ورفيع مقامه، في حضوره مع اللَّه- تعالى-، ومشاهدته، ومراقبته وفراغه مما سواه، فيستغفر لذلك. وقيل: إن هذا الغين هي السكينة التي تغشي قلبه لقوله- تعالى-: فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ [ (1) ] ويكون استغفاره إظهارا للعبودية والانقياد، وملازمة الخضوع، وشكرا لما أولاه، وقد قال المحاسبي: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام، وإن كانوا آمنين من عذاب اللَّه. وقيل: يحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام، تغشي القلب، ويكون استغفاره شكرا كما سبق، وهو شيء يعتري القلوب الصافية، كما تتحدث به النفس فهو يشبهها.
المسألة السابعة عشر: أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ عن الدنيا عند تلقى الوحي وهو مطالب بأحكامها عند الأخذ عنها [1]
المسألة السابعة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يؤخذ عن الدنيا عند تلقى الوحي وهو مطالب بأحكامها عند الأخذ عنها [ (1) ] وقد تقدم الكلام في كيفية تلقي الوحي. المسألة الثامنة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام [ (2) ]
وأما الواجب المتعلق بالنكاح وهو القسم الأول من الواجبات فكان يجب عليه صلى الله عليه وسلم تخيير زوجاته بين اختيار زينة الدنيا ومفارقته وبين اختيار الآخرة والبقاء في عصمته ولا يجب ذلك على غيره
وأما الواجب المتعلق بالنكاح وهو القسم الأول من الواجبات فكان يجب عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تخيير زوجاته بين اختيار زينة الدنيا ومفارقته وبين اختيار الآخرة والبقاء في عصمته ولا يجب ذلك على غيره قال اللَّه- جل جلاله-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (1) ] . ومعنى الآية: أن اللَّه- تعالى- يقول لنبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا محمد قل لأزواجك: إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن، يقول: فإنّي أمتعكن ما أوجب اللَّه على الرجال لنسائهم، من المتعة عند فراقهم إياهن بالطلاق، بقوله- تعالى-: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [ (2) ] وقوله- تعالى-: وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [ (3) ] يقول: وأطلقكن على ما أذن اللَّه به، وأدّب به عباده بقوله- تعالى-: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [ (4) ] ، إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (5) ] ، وإن كنتن تردن طاعة اللَّه وطاعة رسوله، ورضى اللَّه، ورضى رسوله، فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (6) ] .
إحداها: أن عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من عرض الدنيا إما زيادة في النفقة أو غير ذلك فاعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا فيما ذكر ثم أخبره الله تعالى أن يخيرهن بين الصبر عليه والرضي بما
وقد اختلف سلف الأمة في سبب نزول هذه الآية على أقوال تسعة: إحداها: أن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا من عرض الدنيا إما زيادة في النفقة أو غير ذلك فاعتزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه شهرا فيما ذكر ثم أخبره اللَّه تعالى أن يخيرهن بين الصبر عليه والرضي بما قسم لهن، والعمل بطاعة اللَّه تعالى وبين أن يمتعهن ويفارقهن إن لم يرضين بالذي يقسم لهن خرّج محمد بن جرير الطبريّ من طريق ابن علية عن أيوب عن أبي الزبير أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يخرج صلوات فقالوا: ما شأنه؟ فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن شئتم لأعلمن لكم ما شأنه، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعل يتكلم ويرفع صوته، حتى أذن له، قال: فجعلت أقول في نفسي: أي شيء أكلم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعله ينبسط أو كلمة نحوها؟ فقلت: يا رسول اللَّه! لو رأيت فلانة وسألتني النفقة وصككتها صكة، فقال: ذاك حبسني عنكم، قال: فأتى حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال: لا تسألي رسول اللَّه شيئا، ما كانت لك من حاجة فإليّ، ثم تتبع نساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعل يكلمهن، فقال لعائشة: أيغرك أنك امرأة حسناء وأن زوجك يحبك؟ لتنتهينّ أو لينزلنّ اللَّه فيكنّ القرآن. قال: فقالت له أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا ابن الخطاب: أو ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وبين نسائه؟ فمن تسأل المرأة إلا زوجها؟ قال: ونزل القرآن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [ (1) ]
ثانيها: في غيرة كانت غارتها عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها
إلى قوله- تعالى-: أَجْراً عَظِيماً قال: فبدأ بعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فخيرها وقرأ عليها القرآن، فقالت: هل بدأت بأحد من نسائك قبلي؟ قال: لا، قالت: فإنّي أختار اللَّه ورسول والدار الآخرة، ولا تخيرهن بذلك، قال: ثم تتبعهن، فجعل يخبرهن ويقرأ عليهنّ القرآن، ويخبرهن بما صنعت عائشة، فتتابعن على ذلك. وخرّج من طريق سعيد عن قتادة قال: قال الحسن وقتادة: خيرهن بين الدنيا والآخرة، والجنة والنار، في كل شيء كن أردنه من الدنيا. ثانيها: في غيرة كانت غارتها عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: وقال عكرمة: في غيرة كانت غارتها عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة ابنة أبي سفيان، وسودة ابنة زمعة، وأم سلمة ابنة أبي أمية، وكانت تحته صفية ابنة حيي الخيبرية، وميمونة ابنة الحارث الهلالية، وزينب ابنة جحش الأسدية، وجويرية ابنة الحارث، فاختارت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اللَّه ورسوله والدار الآخرة، رئي الفرج في وجهه، فتتابعن كلهن على ذلك، واخترن اللَّه ورسوله والدار الآخرة. وخرّج من طريق عبد الأعلى قال: حدثنا سعيد عن قتادة، عن الحسن وهو قول قتادة قالا: أمره أن يخيرهن بين الدنيا، والآخرة، والجنة، والنار قال قتادة: وهي غيرة من عائشة في شيء أرادته من الدنيا وكانت تحته تسع نسوة، فذكرهن. قال: فبدأ بعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وكانت أحبهن إليه، فلما اختارت اللَّه ورسوله والدار الآخرة، رئي الفرج في وجهه فتتابعن على ذلك.
ثالثها: أن نسائه يغايرن عليه
ثالثها: أن نسائه يغايرن عليه خرّج أبو جعفر من طريق ابن وهب، قال: قال ابن زيد كان أزواجه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد تغايرن عليه [ (1) ] فهجرهن شهرا، ثم نزل التخيير من اللَّه فيهن، فخيرهن بين أن يخترن أن يخلي سبيلهن ويسرحهن، وبين أن يخترن إن أردن اللَّه ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين لا نتكحن [بعده] أبدا، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن لمن وهبت نفسها له، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجي من يشاء حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممن هي عنده وعزل، فلا جناح عليه، ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ [ (2) ] . قال: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ [ (3) ] من ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه، فخيرهن بين أن يرضين بهذا أو يفارقهن، فاخترن اللَّه ورسوله، إلا امرأة. شرط اللَّه له هذا الشرط ما زال يعدل بينهن حتى لقي اللَّه، قال الغزالي: لأن الغيرة توغر الصدور، وتنفر القلب، وتوهن الاعتقاد. رابعها: أنهن أجمعن وقلن: نريد كما تريد النساء من الحلي والثياب فطالبنه بذلك، وليس عنده فتأذى، والزامهنّ الصبر على الفقر يؤذيهن، ومطالبتهن له بذلك يؤذيه، فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بإلقاء زمام الأمر إليهن ليفعلن ما يخترنه، ونزه اللَّه- تعالى- منصبه العالي عن التأذي والإيذاء. خامسها: أن بعض نسائه التمست منه خاتما من ذهب فاتخذ لها خاتم فضة وصفّره بالزعفران فتسخّطت
سادسها: أن الله سبحانه امتحنهن بالتخيير ليكون لرسول صلى الله عليه وسلم خير النساء
سادسها: أن اللَّه سبحانه امتحنهن بالتخيير ليكون لرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم خير النساء سابعها: أن اللَّه تعالى خيره صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الغنى والفقر فأمره تعالى بتخيير نسائه لتكون من اختارته موافقة لاختياره وعبارة الرافعي أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم آثر لنفسه الفقر والصبر عليه، فأمر بتخييرهن لئلا يكون مكرها لهن على الفقر والصبر. وقال الشافعيّ [ (1) ] : إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يخير نساءه فاخترنه، وحمله ذلك أن اللَّه- تعالى- خير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أن يكون نبيا ملكا، وعرض عليه مفاتيح خزائن الدنيا، وبين أن يكون نبيا مسكينا، فشاور جبرئيل، فأشار عليه بالمسكنة، فاختارها فلما اختارها وهي أعلى المنزلتين، وأمره اللَّه- تعالى- أن يخير زوجاته فربما كان فيهن من يكره المقام معه على الشدة تنزيها له. ثامنها: أن سبب نزول الآية قصة مارية في بيت حفصة
تاسعها: أن سبب شربه صلى الله عليه وسلم العسل في بيت زينب بنت جحش
تاسعها: أن سبب شربه صلّى اللَّه عليه وسلّم العسل في بيت زينب بنت جحش وتواطؤ عائشة وحفصة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما على أن يقولا له: إنا نجد منك ريح مغافير ونزل فيهما إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [ (1) ] ويترجح من هذه الأقوال ما خرّجه مسلم [ (2) ] من طريق روح بن عبادة قال: حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: دخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستأذن على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فوجد الناس جلوسا ببابه، لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فدخل، ثم أقبل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأستأذن، فأذن له، فوجد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا حوله نساؤه، واجما، ساكنا، فقال: لأقولن شيئا أضحك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة: فقمت إليها فوجأت عنقها!! فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة. فقام أبو بكر إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يجأ عنقها، وقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يجأ عنقها، يقول: تسألن رسول اللَّه ما ليس عنده؟ قلن: لا واللَّه لا نسأل رسول اللَّه شيئا أبدا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرا، أو تسعا وعشرين يوما، ثم نزلت عليه هذه الآية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَ
وهنا فوائد أخر:
تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (1) ] . قال: فبدأ بعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا، أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول اللَّه؟ فتلا عليها الآية، فقالت: أفيك يا رسول اللَّه أستشير أبوي؟ بل اختار اللَّه ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبره امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن اللَّه- عز وجل- لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا. قال مؤلفه: في هذا الحديث دليل على أن نساء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طلبن منه عرض الدنيا وإن تغير عليهنّ لذلك، فنزلت آية التخيير [ (2) ] ، وحكى الحناطيّ وجها: أن التخيير لم يكن واجبا عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنما كان مندوبا. وفي آية التخيير [ (1) ] فوائد: وهي أن الزوج إن اعتبر بالنفقة، كان لها خيار الفسخ، وأن المتعة تجب للمدخول بها إذا طلقت، وجواز تعجيلها قبل الطلاق، وأن السراح صريح في الطلاق، وأن المتعة غير مقدرة شرعا، حكى هذه القواعد الخمس الماوردي، وزاد أبو بكر الخفاف في كتاب (الأقسام والخصال) : أن التخيير ليس بطلاق، وأنها متى اختارت فراقه وجب عليه الطلاق، وأن الخيار على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دون سائر أمته، وأنه غير جائز أن يتزوج صلّى اللَّه عليه وسلّم كافرة، وأن أزواجه محرمات على التأبيد، إلا أن تكون مطلقة غير مدخول بها. وهنا فوائد أخر:
أحدها: من اختارت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الحياة الدنيا هل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار؟
أحدها: من اختارت من أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحياة الدنيا هل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار؟ وفيه وجهان لأصحابنا: أحدهما: يحصل، كما لو خير غيره زوجته، ونوى تفويض الطلاق إليها، فاختارت نفسها، وأصحهما: لا يحصل، لقوله- تعالى-: فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [ (1) ] ولو حصل الفراق باختيارها لما كان للتسريج معنى، لأنه تخيير بين الدنيا والآخرة، فلا يحصل الفراق باختيار الدنيا، كما لو خير واحد من الأمة زوجته فاختارت الفراق. وفي السراح الجميل تأويلات: أحدها: أن تطلق دون الثلاث، والثاني: أن يوفي فيه المهر والمتعة، والثالث: أنه الصريح من الطلاق دون الكناية، والرابع: حكاه ابن القشيري في (تفسيره) ، وهو أن يكون في مستقبل العدة في طهر لم يجامع فيه. قال الماوردي: هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة؟ أو بين الطلاق والمقام؟ فيه قولان للعلماء، أشبههما بقول الشافعيّ الثاني، ثم قال: إنه الصحيح، فعلى الأول لا شيء حتى تطلق، وعلى الثاني فيه وجهان: أحدهما: أن تخييره كتخيير غيره، يرجع فيه إلى نيته ونيتها، وثانيها: أنه صريح في الطلاق لخروجه مخرج التغليظ. وعن أبي عباس الروياني حكاية وجهين، في أن قولها: اخترت نفسي، هل يكون صريحا في الطلاق؟ حكاهما الرافعي عنه، والظاهر أنه ما حكاه الماوردي، فإن قلنا: تحصل الفرقة بالاختيار أو بوقوع الطلاق فطلقها دون الثلاث، ففي كونه رجعيا كما في حق غيره، أو بائنا تغليظا، لأن اللَّه- تعالى- غلظ عليه في التخيير، فيغلظ عليه الطلاق، وجهان: أحدهما: لا يكون السراح جميلا، وثانيهما: نعم لاختيارها الدنيا على الآخرة، فلم تكن من
ثانيهما: هل يعتبر أن يكون جوابهن على الفور؟
أزواجه في الآخرة، حكاهما الرافعي عن أبي العباس الروياني أيضا، وهما في (الحاوي) لأبي الحسن الماوردي. ثانيهما: هل يعتبر أن يكون جوابهن على الفور؟ فيه وجهان: أصحهما في أصل (الروضة) [ (1) ] ، لا يجوز فيه التراخي، وبه قطع القاضي ابن كج، ونقل ابن الرفعة في (المطلب) تصحيحه عن (النهاية) ولم يتردد فيه، ودليل ذلك قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، واعترض الشيخ أبو حامد بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم صرح بتراخي خيارها إلى مراجعة أبويها، والكلام في التخيير المطلق. قال الرافعي: وحكاه الإمام عن الأصحاب وهما مبنيان على الوجهين في حصول الفراق، وبنفس الاختيار، فإن قلنا به، وجب على الفور، وإن قلنا: لا، جاز فيه التراخي. قال الإمام: لا يجوز كما لو قال الواحد منا لزوجته: طلقي نفسك، ففي كون جوابها على الفور أو على التراخي قولان. قال الإمام: وبناء هذا الخلاف السابق عندنا في غاية الضعف، لأجل الخبر، وإن قال متكلف: ما جرى من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تخييرا ناجزا في حقها، قلنا: نعم، فلم اكتفي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم باختيارها اللَّه ورسوله، ورآه جوابا عن التخيير، فلا حاصل فيه لذكر الخلاف. وحكى النوراني، والماورديّ، الخلاف في اعتبار الفور وعدمه مع جزمه بحصول الفراق بالاختيار، لكنه بناه على أن الفرقة فرقة طلاق أو فسخ، فيه وجهان، فإن قلنا: فرقة طلاق فهو على الفور، وإلا فعلى التراخي، فإن
ثالثها: هل كان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم طلاق من اختارته؟
فعلناه على الفور فيمتد بامتداد المجلس، أو يعتبر فيه الفورية المعتبرة في الإيجاب والقبول؟ فيه وجهان، حكاهما الرافعي عن الهرويّ. ثالثها: هل كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم طلاق من اختارته؟ فيه وجهان لأصحابنا، أحدهما: وبه قطع الماوردي ونص عليه الشافعيّ في (الأم) نعم، كما يحرم إمساكها لو رغبت عنه، ومكافأة لهن على صبرهن، وبه يشعر قوله- تعالى-: وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ [ (1) ] فإن التبدل فراقهن، وتزوج غيرهن، ففي تحريمه تحريم مفارقتهن، وأظهرها ما عند الإمام والرافعي في (الشرح الصغير) ، والنووي في (أصل الروضة) [ (2) ] ، لا كما لو أراد واحد من الأمة طلاق زوجته لا يمنع منه، وإن رغبت فيه، ولأن التبدل معناه مفارقتهن أولا، والتزويج بأمثالهن بدلا عنهن، وذلك مجموع أمرين، فلا يقتضي المنع من أولهما. قال الإمام: وادعاء الحجر على الشارع في الطلاق بعيد، وفيه وجه ثالث، أنه يحرم عقب اختيارهن، ولا يحرم إذا انفصل عنه. فإن قلت: يستدل للوجه الأظهر بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم طلق حفصة وراجعها، وعزم على طلاق سودة، فوهبت يومها لعائشة، قلنا: ذكر الماورديّ أن ذلك كان قبل التخيير، وكذا قصة الإفك، وقول عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لما استشاره النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فراق أهله: لم يضيق اللَّه عليك، النساء كثير سواها، لعله كان قبل نزول آية التخيير. وقد قال ابن الجوزي: كان إيلاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم منهن سنة تسع، والتخيير بعدها، لكن اصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم صفية بنت حيي من سبي خيبر سنة سبع وتزوجها.
ونقل الماوردي أن تزويجها كان بعد نزول آية التخيير ولا يصح ذلك، لأن التخيير كان بعد الفتح، ففي (صحيح البخاريّ) من طريق مروان بن معاوية قال: حدثنا أبو يعفور، قال: تذكرنا عند أبي الضحى، قال: حدثنا عبد اللَّه بن عباس، قال: أصبحنا يوما ونساء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يبكين وعند كل امرأة منهن أهلها، فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من الناس، فجاء عمر بن الخطاب فصعد إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في غرفة له، فسلم، فلم يجبه أحد، ثم سلم، فلم يجبه أحد، ثم سلم، فلم يجبه أحد، فناداه، فدخل على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أطلقت نساءك؟ فقال: لا، ولكن آليت منهن شهرا، فمكث تسعا وعشرين [ليلة] ، ثم دخل على نسائه. ترجم عليه باب هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نساءه في غير بيوتهن [ (1) ] .
رابعها: لما خير صلى الله عليه وسلم زوجاته فاخترنه كافأهن الله تعالى على حسن صنيعهن بالجنة
فتأمل هذا الحديث تجده دليلا على أن هجره عليه السلام نساءه وإيلاءه منهن كان بعد الفتح، وبيان ذلك أن ابن عباس لم يقدم المدينة إلا مع أبيه بعد الفتح، وقد صرح في هذا الحديث بحضوره القصة. رابعها: لما خير صلّى اللَّه عليه وسلّم زوجاته فاخترنه كافأهن اللَّه تعالى على حسن صنيعهن بالجنة فقال: فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً [ (1) ] أي في الجنة، وبأن حرم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التزويج عليهنّ، والاستبدال بهن، فقال- تعالى-: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ لكن نسخ ذلك لتكون المنّة لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بترك التزويج عليهنّ بقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] . الآية. وذهب محمد بن جرير الطبريّ إلى أنه كان لرسول اللَّه أن يتزوج من شاء من النساء اللاتي أحلهن اللَّه له على نسائه اللاتي كنّ عنده، ثم نزلت عليه لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ [ (3) ] فلم ينهه فيها، إلا أن يفارق من كان عنده منهن بطلاق، إرادة استبدال غيرها لها، ولإعجاب بحسن المستبدلة بها إياه، إذ كان اللَّه- تعالى- قد جعلهن أمهات المؤمنين، وخيرهن فاخترن اللَّه ورسوله، فحرمن على غيره، ومنع من فراقهن بطلاق.
وأما نكاح غيرهن: فلم يمنع منه بل أحله الله له على ما بين في كتابه
وأما نكاح غيرهن: فلم يمنع منه بل أحله اللَّه له على ما بيّن في كتابه وقد روى أبو عاصم عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحل له النساء، يعنى أهل الأرض. وقال سفيان: عن عمرو عن عطاء، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحل له النساء [ (1) ] . وقال وهيب: عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد اللَّه بن عمير الليثي، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحلّ اللَّه له أن يتزوج من النساء ما شاء [ (2) ] . وقال عمر بن شيبة: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: أحسب عبيد بن عمير حدثني، قال أبو زيد عمر بن شبة، وقال أبو عاصم مرة: عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما مات
خامسها: إذا ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أحل له التزويج فهل ذلك عام في جميع النساء؟
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أحلّ له النساء [ (1) ] ، قال: وقال أبو الزبير: شهدت رجلا يحدثه عن عطاء، وقال: الآية، ولأن قوله- تعالى-: إِنَّا أَحْلَلْنا يقتضي تقدم لحظر، والثاني أنه قال فيها: وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ ولم يكن في المخيرات أحد من هؤلاء، كما قاله الشافعيّ- رحمه اللَّه- في الآية. وأجيب بأن الإحلال يقتضي تقدم حظر، وزوجاته اللاتي اخترنه لم يكنّ محرمات عليه، وإنما كان حرم عليه أن يتزوج بالأجنبيات، فانصرف الإحلال إليهن، ولأنه قال في سياق الآية: وَبَناتِ عَمِّكَ الآية، ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه، ولا بنات عماته، ولا من بنات خاله، ولا من بنات خالاته، فثبت أنه أحل له التزويج بهذا ابتداء. خامسها: إذا ثبت أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحل له التزويج فهل ذلك عام في جميع النساء؟ فيه وجهان، حكاهما الماورديّ وغيره: أحدهما: أن ذلك يختص ببنات الأعمام والعمات، وبنات الأخوال والخالات، المهاجرات معه لظاهر الآية. وقد روى البيهقي [ (2) ] وغيره من طريق السدي، عن أبي صالح، عن أم هانئ قالت: خطبني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاعتذرت إليه، فعذرني، ثم أنزل اللَّه- تعالى- عليه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ
إلى قوله- تعالى-: اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ [ (1) ] ، قالت: فلم أكن أحلّ له، لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء. وخرّجه الترمذيّ [ (2) ] وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وخرّجه الحاكم [ (3) ] وقال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: وبنات خالاتك واللاتي هاجرن معك بواو. وقال الضحاك في هذه القراءة: يعنى بذلك كل شيء هاجر معه، ليس من بنات العم والعمة، ولا من بنات الخال والخالة، وردّ ذلك بأن السدي ضعيف. وقال ابن [العربيّ] : هو ضعيف جدا، ولم يأت هذا الحديث من طريق صحيح.
سادسها: قال الماوردي: تحريم طلاق من اختارته صلى الله عليه وسلم منهن إذا قلنا به كما سلف لم ينسخ بل بقي إلى الموت
وقراءة ابن مسعود لا تعارض ما ثبت بالتواتر، ومع هذا فإنه جائز أن يكون بمعنى القراءة المتواترة، فإن العرب تدخل الواو في نعت من تقدم ذكره أحيانا، كما قال الشاعر: فإن رشيدا وابن مروان لم يكن ... يفعل حتى يصدر الأمر مصدرا ورشيد هو ابن مروان. والثاني: وهو الأظهر، أنه عام في جميع النساء لأن الإباحة رفعت ما تقدم في الحظر، فاستباح ما كان يستبيح قبلها، ولأنه في استباحة النساء أوسع من أمته، فلم يجز أن ينقص عنهم. وقال القاضي حسين: إن تحريم النسوة عليه، هل بقي مؤبدا أم ارتفع؟ فيه وجهان. سادسها: قال الماوردي: تحريم طلاق من اختارته صلّى اللَّه عليه وسلّم منهن إذا قلنا به كما سلف لم ينسخ بل بقي إلى الموت وبه استدل أبو حنيفة- رحمه اللَّه- على بقاء تحريم نكاح غيرهن أيضا، وكلام الإمام يشير إلى خلافه. سابعها: هل كان يجوز له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجعل الاختيار لهن قبل المشاورة معهن؟ فيه وجهان، حكاهما الرافعي في (الجرجانيات) لأبي العباس الروياني، ولم يذكرهما في (الروضة) .
النوع الثاني: ما اختص به الرسول صلى الله عليه وسلم من المحرمات
النوع الثاني: ما اختص به الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من المحرمات وذلك تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن تأخير ترك المحرم، أكثر من تأخير ترك المكروه، وفعل المندوب، إذ الحرام في المنهيات كالواجب في المأمورات، وهو أيضا قسمان: القسم الأول: المحرمات في غير النكاح وفيه مسائل: الأولى: الزكاة، فإنّها حرام عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا تحل له بإجماع العلماء على ذلك وشاركه في ذلك ذو القربى بسببه أيضا، فالخاصة عائدة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنّها أوساخ الناس، وتحريم ذلك عليه وعلى آله، أشهر عند أهل العلم من أن يحتاج فيه إلى إكثار. كما خرّجه مسلم من طريق مالك، عن الزهريّ أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، حدثه فذكر الحديث إلى أن قال: ثم قال: - يعنى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس [ (1) ] وذكره أيضا من طريق
يونس بن يزيد، عن ابن شهاب ولفظه: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لا لمحمد، ولا آل محمد [ (1) ] . وخرّج ابن أبي شيبة [ (2) ] من طريق سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن موسى بن أبي رزين، عن عليّ قال: قلت للعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يستعملك على الصدقة، فسأله، فقال: ما كنت لأستعملك على غسالات ذنوب الناس. واعلم أن منصب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منزه عن ذلك، وأيضا فإن الزكاة تعطى على سبيل التكرم، المبني على ذلّ الآخذ، فأبدلوا عنها بالغنيمة المأخوذة بطريق العز والشرف، والمبني على عزّ الآخذ وذلّ المأخوذ منه. وقد اختلف علماء السلف، هل الأنبياء عليهم السلام تشارك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك؟ أم يختص به صلّى اللَّه عليه وسلّم دونهم؟ فذهب الحسن إلى أن الأنبياء تشاركه في ذلك، وذهب سفيان بن عيينة إلى اختصاصه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك دونهم.
وأما صدقة التطوع ففي تحريمها على النبي صلى الله عليه وسلم وتحريمها على آله أربعة أقوال:
وأما صدقة التطوع ففي تحريمها على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحريمها على آله أربعة أقوال: أحدها: تحرم، حكاه الشيخ أبو حامد، والقفال، قال ابن الصلاح: وخفي على إمام الحرمين، والغزاليّ، والصحيح الأول. والثاني: لا تحرم، إنما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يمتنع منها ترفعا. والثالث: تحرم عليه دونهم، وهذا القول أصحهما، قال ابن عبد البر: الّذي عليه جمهور أهل العلم وهو الصحيح عندنا: أن صدقة التطوع لا بأس بها لبني هاشم ومواليهم، ومما يدل على صحة ذلك، أن عليا والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وغيرهما تصدقوا، وأوقفوا أوقافا على جماعة من بني هاشم، وصدقاتهم الموقوفة معروفة مشهورة، لا خلاف بين العلماء، أن بني هاشم وغيرهم، في قبول الهدايا والمعروف سواء، وقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: كل معروف صدقة. والرابع: محرم عليهم الجهة الخاصة دون العامة، كالمساجد، ومياه الآبار، وأبدى الماوردي وجها آخر اختاره: أن ما كان منها أموالا متقومة كانت محرمة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم دون ما كان منها غير متقوم، فتخرج صلاته في المساجد، وشربه ماء زمزم، وبئر رومة، ويخرج من هذا الوجه أنه كان يحرم عليه أن يوقف عليه معينا، لأن الوقف صدقة تطوع. وحكى الرافعي في هذا الخلاف وجهين، فقال: وفي المحرمات الصدقة في أظهر الوجهين على ما سبق في قسم الصدقات، وتبع في حكاية الخلاف لذلك الإمام هنا، والطبري صاحب (العدة) وكذا حكاه العجليّ في شرح (الوسيط) والجرجاني في (الشافي) .
ولكن الّذي سبق في كلام الرافعي: أن في الخلاف قولان، وهو الصواب في بعض نسخ الرافعي، و (الروضة) [ (1) ] ، أيضا فقد قال الماوردي في كتاب (الوقف) : إنها منصوصة في (الأم) [ (2) ] . وقد ثبت ما يقوي تحريم الصدقة عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم مطلقا، زكاة مفروضة كانت أو تطوعا، وهو قول أكثر أهل العلم. خرّج البخاريّ في آخر كتاب الجهاد [ (3) ] ، في باب من تكلم بالفارسية والرطانة من طريق شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- أن الحسن بن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كخ، كخ! أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة؟ وخرّجه في كتاب الزكاة [ (1) ] ، وترجم عليه باب ما يذكر في الصدقة للنّبيّ وآله. وخرّجه مسلم في آخر كتاب الزكاة به، ولفظه عن محمد- وهو ابن زياد، سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أخذ الحسن بن عليّ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كخ، كخ! ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة [ (2) ] ؟ وفي لفظ له قال: إنا لا تحل لنا الصدقة [ (3) ] ، وفي لفظ البخاريّ: إن آل محمد لا يأكلون الصدقة. وخرّجاه أيضا من حديث معمر عن همام بن أمية، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها، ذكره البخاريّ في كتاب اللقطة في باب إذا وجد تمرة في الطريق [ (4) ] .
وخرّجه مسلم في الزكاة [ (1) ] ، وخرجاه من حديث سفيان، عن منصور، عن طلحة، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: مر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بتمرة في الطريق فقال: لولا أنني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها. ذكره البخاريّ في البيوع [ (2) ] ولفظة، عن أنس قال: مرّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بتمرة مسقوطة، فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها، وقال همام عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: أجد تمرة ساقطة على فراشي، هكذا ذكر هذا متصلا بحديث أنس، وترجم عليهما باب ما يتنزه عنه من الشبهات. وخرّجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] وخرّج البخاريّ [ (5) ] في كتاب الهبة في باب قبول الهدية من طريق معن قال: حدثني إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة، قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، فإن قيل: هدية ضرب بيده صلّى اللَّه عليه وسلّم فأكل معهم.
وخرّجه مسلم [ (1) ] في كتاب (الزكاة) من طريق الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان إذا أتي بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها. وخرّجه النسائي [ (2) ] من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتي بشيء سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل صدقة لم يأكل، وإن قيل هديه بسط يده. ذكره في آخر كتاب الزكاة. وفي حديث سليمان: إنها لا تحل لنا الصدقة. وترجم عليه الهدية للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم. واستبعد إمام الحرمين ثبوت الخلافة في جواز أخذه صلّى اللَّه عليه وسلّم صدقة التطوع لنفسه، وحكى ابن الصلاح عن (أمالي أبي الفرج السرخسي) ، أن في صرف الكفارة والنذر إلى الهاشمي قولين، والظاهر جريانهما في المطلبيّ أيضا لأنه في معناه.
الثانية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل البصل، والثوم، والكراث، وما له رائحة كريهة من البقول
الثانية: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يأكل البصل، والثوم، والكراث، وما له رائحة كريهة من البقول خرّج البخاري [ (1) ] من طريق يونس عن ابن شهاب، زعم عطاء أن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، زعم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من أكل ثوما، أو بصلا، فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته، وأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أتى بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا، فسأل، فأخبر بما فيه من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه كان معه، فلما رآه أكلها، وقال: كل، فإنّي أناجي من لا تناجي.
وخرّجه مسلم [ (1) ] وأبو داود [ (2) ] ، وقال مالك: عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يأكل الثوم، ولا الكراث، ولا البصل، من أجل الملائكة، ومن أجل أنه يكلم جبريل- عليه السلام-. قال ابن عبد البر: في هذا الحديث من الفقه إباحة أكل الثوم لسائر الناس، لأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنما امتنع من أكل الثوم والبصل والكراث لعلة ليست موجودة في غيره، فصار ذلك خصوصا له. وقد اختلف هل كان ذلك حراما عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فيه لأصحابنا وجهان: أحدهما: يحرم، وبه جزم الماوردي كيلا يتأذى به الملك، وأشبههما لا يحرم عليه، بل كان أكل ذلك مكروها في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنما كان يمتنع منه ترفعا. والدليل على ذلك ما خرّجه مسلم من طريق شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن أبي أيوب الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى بطعام أكل منه، وبعث بفضلة إليّ، وأنه بعث إليّ يوما بفضلة لم يأكل منها، لأن فيها ثوما فسألته: أحرام هو؟ قال: لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه، قال: فإنّي أكره ما كرهت. وخرّجه الترمذيّ [ (3) ] وقال: هذا حديث حسن صحيح. وخرّجه مسلم [ (4) ] أيضا من طريق عاصم، عن عبد اللَّه بن الحارث، عن أفلح مولى أبي أيوب، عن أبي أيوب، وفيه قصة، وفي آخره: وكان
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يؤتي- يعني مجيء الملك - وهذا صريح في نفي التحريم، وإثبات الكراهة، وعلى هذا الجادة، قال ابن الصلاح: وهذا يبطل وجه التحريم. وخرّج أبو داود [ (1) ] من حديث بقية عن بجير، عن خالد، عن أبي زياد، عن خيار بن سلمة أنه سأل عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن البصل، فقالت: إن آخر طعام أكله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم طعام فيه بصل. وخرّجه أحمد [ (2) ] أيضا وهو سند صالح واعترض صاحب (المطلب) بأن حديث أبي أيوب كان في ابتداء الهجرة، والنهي عن أكل الثوم كان عام خيبر كما رواه البخاريّ في (صحيحه) . وأجيب بما خرّجه مسلم [ (3) ] من طريق إسماعيل بن علية، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في تلك البقلة، الثوم، والناس جياع، فأكلنا منها أكلا شديدا، ثم رحنا إلى المسجد، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الريح فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا فلا يقربنا في المسجد، فقال الناس: حرمت! حرمت! فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا أيها الناس! إنه ليس لي تحريم ما أحل اللَّه لي، ولكنها شجرة أكره ريحها.
الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل متكئا
الثالثة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يأكل متكئا خرّج البخاريّ [ (1) ] من طريق مسعر عن عليّ بن الأقمر، سمعت أبا جحيفه قال: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لرجل: لا آكل متكئا. وخرّجه ابن أبي خيثمة بهذا الإسناد مثله، وخرّجه أبو داود [ (2) ] من طريق سفيان، عن عليّ بن الأقمر بهذا الإسناد مثله سواء. وخرّج البخاريّ [ (3) ] من طريق جرير بن منصور، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي جحيفة، قال: كنت عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال لرجل عنده: لا آكل وأنا متكئ. وخرّجه النسائي من طريق شريك عن عليّ بن الأقمر، عن أبي جحيفة، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما أنا فلا آكل متكئا. وخرّج عبد الرزاق عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد، وخرّجه البيهقي في (شعب الإيمان) [ (4) ] وفي (دلائل النبوة) . وخرّج ابن سعد [ (5) ] ، عن أبي النضر، عن أبي معشر، عن سعيد [المقبري] ، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها: يا عائشة إن شئت لسارت معي جبال الذهب، أتاني ملك وإن حجزته لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت
[كنت] [ (1) ] نبيا [مليكا] [ (2) ] ، وإن شئت [نبيا] عبدا، فأشار إليّ جبريل [أن] ضع نفسك، فقلت: نبيا عبدا، فكان بعد ذلك لا يأكل متكئا، ويقول: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد. وخرّج النسائي من طريق بقية الزبيدي قال: حدثني الزهريّ، عن محمد بن عبد اللَّه بن عباس قال: كان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يحدث أن اللَّه- تعالى- أرسل إلى بيته صلّى اللَّه عليه وسلّم ملكا من الملائكة، ومعه جبريل- عليه السلام-، فقال له الملك: إن اللَّه يخيّرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى جبريل كالمستشير، فأشار جبريل بيده أن تواضع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا بل أكون عبدا نبيا، فما أكل بعد هذه الكلمة طعاما متكئا. ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهريّ، قال: جاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ملك لم يأته قبلها ولا بعدها، فقال: إن اللَّه يخيرك بين أن تكون نبيا ملكا، أو نبيا عبدا ... الحديث بنحوه. وعن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد. خرّجه البزار وقال: لا نعلمه يروي بإسناد متصل إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن ابن عمر إلا نافعا، ولا عنه إلا عبيد اللَّه، ولا عنه إلا مبارك، تفرد به حفص وقال: ومبارك كان مدلسا، وقد اختلف في ذلك، هل كان حراما عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو مكروها؟ فيه وجهان: أشبههما كما قال الرافعي وغيره: أنه كان مكروها فإنه لم يثبت فيه ما يقتضي
التحريم واجتناب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الشيء واختياره غيره، لا يدل على كونه محرما عنده. وقال النووي [ (1) ] : والصحيح أنه كان مكروها في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لا حراما، وقال ابن شاهين: لم يكن محرما عليه وإنما هو أدب من الآداب. والثاني: أنه كان حراما عليه وجزم به صاحب (التلخيص) لما فيه من الكبر والعجب، فعلى أنه ليس بحرام لا يبقى من باب الخصائص، فإنه يكره لغيره أيضا الأكل متكئا على كل من تفسيريه، وإذا تقرر ذلك فما المراد بالمتكئ؟ فيه خلاف، قال ابن سيده: توكأ على الشيء واتكأ تحمل واعتمد، والتكأة العصا يتكأ عليها في المشي، واتكأ الرجل جعل له متكأ، وضربه فاتكأه، ألقاه على جانبه الأيسر [ (2) ] ، وفسر الخطّابيّ المتكئ هنا بالمتمكن في جلوسه من التربع، وشبهه المعتمد على الوطاء تحته، قال: وكل من استوى
الرابعة: تعليم الشعر
قاعدا على وطئ فهو متكئ، ومعناه لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ويقعد له متكئا بل أقعد مستوفزا [ (1) ] ، وآكل قليلا، فيكون الاتكاء على هذا التفسير التربع، ورجحه جماعة لما فيه من التجبّر والتعاظم، وأنكر ابن الجوزي هذا التفسير، وقال: المراد به المائل على جنب، فيكون الاتكاء على هذا التفسير الاضطجاع، وهو المتبادر إلى أفهام كثيرين، لما قد يحصل به من الأذى كما نهى عن الشرب قائما. وقال القاضي عياض [ (2) ] : وليس هو الميل على شق عند المحققين، واختيار ما فسره الخطابي وإليه ذهب ابن دحية أيضا فقال: الاتكاء في اللغة هو التمكن في الأكل. الرابعة: تعليم الشّعر قال اللَّه تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (3) ] يقول- تعالى-: وما علمنا محمدا الشعر وما ينبغي له أن يكون شاعرا، فجعل اللَّه- تعالى- ذلك علما من أعلام نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم لئلا تدخل الشبهة على من أرسل إليهم، فيظن به أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر. قال سعيد: عن قتادة، قيل لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- هل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان أبغض الحديث إليه غير أنه كان يتمثل بيت أخي بني قيس فيجعل آخره أوله، وأوله آخره، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنه ليس هكذا، فقال نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني واللَّه ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي.
وقال الزجّاج: معنى وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] أي ما يتسهل له. وخرّج أبو داود [ (2) ] من حديث ابن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا، أو تعلقت تميمة، أو قلت الشعر من قبل نفسي. فلهذا قال أصحابنا: إنه كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم تعلم الشعر. قال الرافعي: وإنما يتجه القول بتحريمهما- يعنى الشعر والخط- ممن يقول: إنه كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يحسنها، وقد اختلف فيه، فقيل: يحسنهما ويمتنع منهما، والأصحّ أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يحسنهما. قال النووي في (الروضة) [ (3) ] : ولا يمتنع تحريمهما وإن لم
يحسنهما، ويكون المراد تحريم التوصل إليهما، ودليل التحريم أن اللَّه- تعالى- أخبر عن حال نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم وردّ قول من قال من الكفار: إنه شاعر، وأن القرآن شعر بقوله- تعالى-: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] . ولذلك كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقول الشعر، ولا يزنه، وكان إذا حاول إنشاء بيت قديم متمثلا به كسر وزنه، وإنما كان يحرر المعاني فقط، من ذلك أنه انشد بيت طرفة [ (2) ] :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك من لم تزوره بالأخبار وأنشد يوما، وقد قيل له: من أشعر الناس؟ فقال: الّذي يقول: ألم ترياني كلما جئت طارقا* وجدت بها وإن لم تطبني طبيبا وأنشد يوما: أتجعل نهبي ونهب العب ... يد بين الأقرع وعيينة [ (1) ] وربما أنشد صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت المستقيم في النادر.
وروى البيهقيّ من طريق عليّ بن عمرو الأنصاري، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهريّ عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما سمعت من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بيت شعر قط إلا بيتا واحدا: تفاءل بما تهوى يكن ... فلقل ما يقال بشيء كان ألّا يحقق وثبت في الصحيح أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق تمثل شعر عبد الله بن رواحة: اللَّهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا الشعر بتمامه لكن قال أبو الحجاج المزني في حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: هذا حديث منكر. وأما بشعر ابن رواحة فإنه تارة يروى برحاف، وتارة بغير رحاف، فاللَّه أعلم كيف قاله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وذكر الأمويّ في (مغازيه) أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يوم بدر يدور بين القتلى يقول: فعلق هاما من رجال أعزّة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما وقال الحربي: ولم يبلغني أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنشد بيتا تاما على وزنه، بل الصدر، كقول لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل أو العجز كقوله طرفة: ويأتيك بالأخبار من لم تزود فإن أنشد بيتا كاملا غيّره، قال يوما: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين الأقرع وعيينة [ (1) ] فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول اللَّه، ثم قرأ: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [ (2) ] : الآية، وقال عمر بن شبّة [ (3) ] في كتاب (أخبار مكة) : حدثنا أبو داود، حدثنا
شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت رجلا اسمه سعد قال مرة، عن سعد ولم يذكر مرة سعدا، قال: ذكرت بنو ناجية عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإما أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: عين، فأبكى أسامة بن لؤيّ فقال رجل: علقت بأسامة العلاقة، وإما أن يكون الرجل قال، فأتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت. وذكر السهيليّ أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال للعباس بن مرادس: أنت القائل: أتجعل نهبي العب ... يد بين الأقرع وعيينة وتكلم السهيليّ على ما تقدم الأقرع على عيينة بمناسبات غريبة، وتكلموا على قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين وهو في وجوه العدو: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب بما حاصله أنه لم يخرج مخرج الشعر، وإنما وقع سجعا من غير قصد. وقال الحسن بن أبي الحسن: أنشد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كفي بالإسلام والشيب للمرء ناهيا فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه إنما قال الشاعر: هريرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفي بالشيب والإسلام للمرء ناهيا فقال أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: أشهد أنك رسول اللَّه، يقول اللَّه عز وجل: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (1) ] ، وقال الخليل بن أحمد: كان الشعر أحب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كثير الكلام، ولكن لا يأتي له. واعلم أن إصابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وزن الشعر أحيانا لا يوجب أنه لا يعلم الشعر وكذلك ما يأتي له أحيانا من نثر كلامه مما يدخل في وزن الشعر كقوله: هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل اللَّه ما لقيت؟ وقوله:
أنا النبي لا كذب ... أن ابن عبد المطلب فقد تأتى مثل ذلك في آيات القرآن الكريم، بل في كل كلام، وليس كل ذلك بشعر، ولا في معناه، كقوله- تعالى-: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [ (1) ] ، وقوله- تعالى-: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [ (2) ] وقوله- تعالى-: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [ (3) ] ، إلى غير ذلك من الآيات، لأن ما وافق وزنه وزن الشعر، ولم يقصد به الشعر، ليس بشعر، إذ لو كان شعرا لكان كل من نطق بكلام موزون من عامة الناس الذين لا يعرفون الوزن، يصدق عليه أنه شاعر، ولم يقل بهذا أحد من العقلاء. وقال أبو حسن الأخفش في قوله- عليه السلام-: أنا النبي لا كذب ليس بشعر، وقال في كتاب (العين) : ما جاء من السجع على جزأين لا يكون شعرا، وروى عن الأصمعي أنه من منهوك الرجز، وقد قيل: لا يكون من منهوك الرجز إلا بالوقوف على الباء من قوله: «لا كذب» ، ومن قوله: «عبد المطلب» ، ولم يعلم كيف قاله صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ثابت: قال الخليل: المشطور ليس من الشعر، وكذلك المنهوك، قيل: فما هما؟ قال أنصاف مسجعة، فرد ذلك عليه، فقال: لأحتجن عليهم بحجة، إن لم يقرءوا بها كفروا، لو كان شعرا ما جرى على لسان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن اللَّه- تعالى- يقول: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ [ (4) ] .
وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: الأظهر من حاله صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: «لا كذب» ، الباء مرفوعة، ويخفض الباء من عبد المطلب على الإضافة. وقال النحاس عن بعضهم: إنما الرواية بالإعراب، وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا، لأنه إذا فتح الباء من البيت الأول، أو ضمها، أو نونها، وكسر الباء من البيت الثاني، خرج على وزن الشعر. وقال بعضهم: ليس هذا الوزن من الشعر، ورد بأن أشعار العرب على هذا الوزن، قد رواها الخليل وغيره، وأما قوله- عليه السلام-: هل أنت إلا إصبع دميت ... [وفي سبيل اللَّه ما لقيت] ؟ [ (1) ] فإنه من بحر السريع، إذا كسرت التاء من دميت، فإن سكنت لم يكن شعرا، لأن ما بين الكلمتين على هذه الصفة لا يكون فعولن، ويصير فعلن، ولا مدخل لفعلن في بحر السريع. فلعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالها ساكنة، أو متحركة التاء، من غير إشباع، وعلى تسليم أنه شعر لا يلزم منه أن يكون صلّى اللَّه عليه وسلّم عالما بالشعر، ولا شاعرا، لأن التمثل بالبيت النادر وإضافة القافيتين من الرجز وغيره لا يوجب أن يكون قائل ذلك عالما بالشعر، ولا يسمى شاعرا باتفاق العقلاء، كما أن من خاط مرة لا يكون خياطا. وقال أبو إسحاق الزجاج: معنى وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ [ (2) ] وما علمناه أن يشعر، أي ما جعلناه شاعرا، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئا من الشعر. وقد قيل: إنما أخبر اللَّه- تعالى- أنه ما علمه الشعر ولم يخبر أنه لا ينشد شعرا، وقالوا مع ذلك: كل من قال قولا موزونا لا يقصد به الشعر فإنه ليس بشعر، وإنما وافق الشعر، فالذي نفاه اللَّه- تعالى- عن نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إنما هو العلم بالشعر، وأصنافه، وأعاريضه، وقوافيه، والاتصاف بقوله، ولم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم موصوفا بذلك من أحد بالاتفاق، ألا ترى أن قريشا لما تراوضت فيما تقول العرب فيه إذا قدموا عليهم في الموسم، فلما قال بعضهم: نقول: إنه
الخامسة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحسن الكتابة
شاعر، قال أهل الفطنة منهم: واللَّه لتكيدنكم العرب، فإنّهم يعرفون أصناف الشعر، فو اللَّه ما يشبهه شيئا منها، وما قوله بشعر. وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فلم يلتئم أنه شعرا. وقال: عتبة بن ربيعة لما كلمه: واللَّه ما هو بشعر، ولا كهانة، ولا سحر. وقد سقت هذه كلها بأسانيدها في موضعها من هذا الكتاب. الخامسة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن يحسن الكتابة قالوا: وكان يحرم عليه ذلك، قال اللَّه- تعالى-: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [ (1) ] قال ابن كيسان: واحد الآيتين أميّ، كان منسوبا إلى أمة، والأمة لا تكتب بالجملة، إنما يكتب بعضها، وقيل نسب إلى أمه، لأن الكتاب كان في الرجال، ولم يكن في النساء [ (2) ] .
وقال ابن النحاس: منسوب إلى أمه كما ولد، وقيل: نسب إلى أم القرى، وقال- تعالى-: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [ (1) ] يقول اللَّه- جل ذكره-: وما كنت يا محمد تتلو يعنى تقرأ قبله يعني من قبل هذا القرآن الّذي أنزلته إليك من كتاب ولا تخطه بيمينك يقول: ولم تكن تكتب بيمينك، ولكنك كنت أميا، إذا لارتاب المبطلون، يقول: ولو كنت من قبل أن يوحى إليك تقرأ الكتب أو تخطها بيمينك، إذا لارتاب، يقول: إذا لشكّ بسبب ذلك في أمرك وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الّذي تتلوه عليهم المبطلون القائلون: أنه سجع وكهانة، وأنه أساطير الأولين. قال ابن عباس: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميا لا يقرأ شيئا ولا يكتب. وقال سعيد عن قتادة: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يقرأ كتابا قبله، ولا يخطه بيمينه، ظقال: كان أميا، والأمي الّذي لا يكتب، وقال أبو إدريس الأوردي، عن الحكم، عن مجاهد: كان أميا، والأميّ الّذي لا يكتب، قال: وكان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخط، ولا يقرأ كتابا، فنزلت هذه الآية: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ [ (2) ] قال سعيد: إذا لقالوا: إنما هذا شيء تعلمه محمد وكتبه. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: المبطلون قريش، وقد زعم بعضهم أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يمت حتى تعلم الكتابة، وهذا قول لا دليل عليه، فهو مردود. وتمسك القائل بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحسن الكتابة بما خرّجه البيهقيّ من طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل، عن مجاهد، عن عون بن عبد اللَّه، عن أبيه، قال: لم يمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كتب وقرأ. وقال مجاهد: فذكرت ذلك للشعبي، فقال: قد صدق، قد سمعت من بعض أصحابنا يذكرون ذلك.
قال البيهقيّ: إنه حديث منقطع، وفي روايته جماعة من الضعفاء والمجهولين [ (1) ] . قال مؤلفه: يحيي بن المتوكل أبو عقيل المدني الحذاء الضرير [ (2) ] مولى آل عمر وصاحب بهيمة، روى عنهما، وعن محمد بن المنكدر، والقاسم بن عبد اللَّه العمري، وجماعة، وروى عنه ابن المبارك، ووكيع، وجماعة. قال ابن معين: ليس بشيء، ومرة قال: ليس به بأس، ومرة قال: ضعيف، وقال الدارميّ: هو ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه عن بهيمة، عن عائشة منكرة، لم يرو عن بهيمة شيء وما روى عنها إلا هو واهي الحديث، ومرة قال: يروي عن قوم لا أعرف منهم واحدا، ولم يحل عنهم. وقال الفلاس: هو ضعيف، ومرة قال: فيه ضعيف، وقال السعديّ: أحاديثه منكرة، وقال النسائي: ضعيف وقال ابن عدي: وعامة أحاديثه غير محفوظة، ومجالد بن سعيد بن عمير بن ذي يزن، أبو عمير الهمدانيّ، الكوفي، ضعفه يحيى القطان، وابن معين، والسعديّ، والنسائي، وقال ابن عدي: وعامة ما يروونه غير محفوظ. وذكر النقاش في (تفسيره) عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى كتب، وأسند من حديث أبي كبشة السلوليّ أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قرأ صحيفة لعيينة بن حصن. قال ابن عطية: وهذا كله ضعيف، وتمسك أيضا بما خرّجه البخاري [ (3) ] في كتاب الصلح في عمرة القضاء من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق، عن
البراء، قال: اعتمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذي القعدة، فأبي أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه، فقالوا: لا نقرّبها، فلو نعلم أنك رسول اللَّه ما منعناك، لكن أنت محمد بن عبد اللَّه، فقال: أنا رسول اللَّه، وأنا محمد بن عبد اللَّه، ثم قال لعليّ بن أبي طالب: امح رسول اللَّه، قال: لا واللَّه لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكتاب - وليس بحسن يكتب- فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه. وذكر الحديث. ووقع في (أطراف أبي مسعود الدمشقيّ) أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب، فكتب: مكان «رسول اللَّه» : «محمدا» وكتب: «هذا ما قاضى عليه محمد» . وأخرجه الإسماعيلي، وقال ابن دحية في كتاب (التنوير) بعد أن عزاها إلى أبي مسعود: هي زيادة متلوّة ليست في (الصحيحين) ، وغفل- رحمه اللَّه- عن وقوعها في (صحيح البخاريّ) ، كما بيّنا، وليس في هذه الزيادة
دليل، فقد تقرر في موضعه أن المقيد يقضي على المطلق، ففي الرواية الأخرى: فأمر عليا فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللَّه، وله طرق عديدة في (الصحيحين) وغيرهما. قال ابن دحية: وذكر عمر بن شبة في كتاب (الكتاب) له، أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب يوم الحديبيّة بيده، ونحى في قوله إلى أنه قصر الكتاب عالما به في ذلك الوقت، ولم يعلمه قبله، وإن ذلك من معجزاته صلّى اللَّه عليه وسلّم، أن تعلم الكتاب في وقته، لأن ذلك خرق للعادة. وقال بهذا القول بعض المحدثين، منهم أبو ذرّ الهروي، وأبو الفتح النيسابورىّ، والقاضي أبو الوليد الباجي، وصنف في ذلك كتابا، وقيل: إنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب ذلك اليوم غير عالم بالكتابة، ولا مميز لحروفها، لكنه أخذ العلم بيده، فخط به ما لم يميزه هو فإذا هو كتاب ظاهر بين على حسب المراد. قال: وذهب إلى ذلك القاضي أبو جعفر السمنانيّ الأصوليّ، قال الباجي: كان من أوكد معجزاته صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يكتب من غير تعلم، قال ابن دحية: وهذا كله ليس بشيء، وقد ردّ على الباجي فيما ذهب إليه من ذلك ابن معوذ، وسمّع عليه بسبب المقالة، وتبعه كثير من فقهاء الأندلس وغيرهم بموافقته، منهم. محمد بن إبراهيم الكناني، وأجاد فيما كتب، وبين أن ذلك لا يبطل المعجزة، واستأنس بمفهوم وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ وحكى في أثناء ذلك عن بعض أهل الأدب أنه زعم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يحسن الشعر ولكنه كان لا يتعاطاه، قال: وإن ذلك أتم وأكمل مما لو قلنا إنه كان لا يحسنه. وحكى البغوي في (التهذيب) الخلاف، فقال: وقيل: كان يحسن الخط ولا يكتب، ويحسن الشعر ولا يقوله، والأصح أنه كان لا يحسنهما، ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئة. وقال القضاعي في (عيون المعارف) : أن من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لم يكن له أن يقول شعرا، ولا أن ينقله، وألحق الماوردي بقول الشعر روايته وبالكتابة والقراءة أي في كتاب لقوله- تعالى-: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ قال موسعة والصواب أن اللَّه- تعالى- إنما سأل نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما فضّل به ملائكته
مع إعلاء ذكره وما خصّه به من بين أنبيائه إلا لما هو أفضل منه وأقوم بحجته على الكافرين به، وهو أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث في زمن الفصاحة والبلاغة، فلو كان ممن يقرأ ويكتب لتوجه للطاعن الطعن مع أنه مع شدة فصاحة أهل بيته وتميزهم فيها على فصاحة قريش كلها وإتقان المعرفة بالكتابة والخط أن يأتي بما أتى به من القرآن فيتبع لقريش الحجة بذلك، وحاش له معرفة الكتابة ليكون له ذلك معجزا يبطل به دعواهم، ويحصن، حجتهم ويكذب أقوالهم، إذ كان قد أتى العرب من رجل أي ما أنجزه، ومنعهم عن الإتيان بمثله.
السادسة: كان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يلقى العدو
السادسة: كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتله لحديث يوم أحد لما أشار عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم جماعة من المؤمنين بالخروج إلى عدوه إلى أحد فدخل فلبس لأمته فلما خرج عليهم قالوا: يا رسول اللَّه إن أبيت أن ترجع فقال: ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل هكذا في رواية يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن شهاب وغيره، وفي رواية موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب وأذن بالخروج إلى العدو أن يرجع حتى يقاتل. وقال الواقدي [ (1) ] في روايته: عن الزهريّ عن عروة، عن المستورد بن مخرمة: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه، [وكانت الأنبياء قبله إذا لبس النبي لأمته لم يضعها حتى يحكم اللَّه بينه وبين أعدائه] [ (2) ] . وفي سنن البيهقيّ مرسلا [ (3) ] : لا ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب وأذن في الناس بالخروج إلى العدوّ أن يرجع حتى يقاتل، ثم قال: وقد كتبناه موصولا
بإسناد حسن، فذكره من رواية ابن عباس وأخرجه الإمام أحمد [ (1) ] من حديث أبي الزبير عن جابر. وذكره البخاريّ في (صحيحه) [ (2) ] في باب المشاورة بغير إسناد. وقوله في الحديث: لأمته هو بالمحركة قيده صاحب (المشارق) ، وقال أبو الخطاب ابن دحية في كتاب (نهاية السؤول في خصائص الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم) كذا سمعته. قال ابن فارس في (المحل) اللأمة مهمون الزرع قال: كذا قيدتها بالتمييز في كتاب (فقه اللغة) إلا أنه جعلها الزرع التام وكذا قيده في (كفاية المتحفظ) وقال ابن سيدة في مادة لأم: أو اللأمة الزرع وجمعها لأم وهذا على غير قياس وإسلام لأمته وتلاءم منها لبسها وجاء ملاء ما عليه لأمة والأمة سلاح كلها، عن بن الأعرابيّ وقد استلأم بها، وقد اختلف في هذه المسألة فاشتهر الجمهور بأنه كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم التسرع حتى يقاتل ويمكن تقرير دليله بأن نزع اللأمة بعد لبسها يشعر بالجبن وهو من ضعف النفس وذلك ممتنع على الأنبياء غير جائز عليهم، وعن رواية الشيخ أبي على: إن ذلك كان مكروها لا محرما، وقال الإمام: وهذا بعيد غير موثوق به قال: وقد قيل بناء عليه: إنه كان لا يبتدي تطوعا إلا لزمه إتمامه، فإذا كان ذلك في القتال الّذي هو
السابعة: كان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم خائنة الأعين أي لم يكن له أن يومئ بطرفه خلاف ما يظهره بكلامه
فرض وهذا التفريع ضعيف لما قام من أكله صلّى اللَّه عليه وسلّم الحيس بعد ما أصبح صائما وقد ضعف هذا التفريع النووي- رحمه اللَّه-. السابعة: كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم خائنة الأعين أي لم يكن له أن يومئ بطرفه خلاف ما يظهره بكلامه وقد اختلف في المراد بخائنة الأعين فقيل: نفى الإيماء بالعين وقيل: مقاربة النظر. وقال الرافعي: هي الإيماء إلى مباح من ضرب أو قتل وغيره على خلاف ما يظهره وما يشعر به الحال [ (1) ] دائما، قيل لها: خائنة الأعين، تشبهها بالخيانة من حيث أنه يخفى خلاف ما يظهر، ولا يحرم ذلك على غير الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم. خرّج النسائي [ (2) ] من حديث أسباط بن نصر قال: زعم السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، عكرمة بن أبي جهل، وعبد اللَّه بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي السرح، فأما عبد اللَّه بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة، فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمارا وكان أشبه الرجلين فقتله، وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا، فقال عكرمة: واللَّه لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللَّهمّ إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه
عفوّا كريما، فجاء فأسلم، وأما عبد اللَّه بن سعد بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس إلى البيعة جاء حتى أوقفه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا رسول اللَّه بايع عبد اللَّه، قال: فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، فقالوا: وما يدرينا يا رسول اللَّه ما في نفسك؟ هل أومأت إلينا بعينك، قال: إنه لا ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة أعين. وخرّجه أبو داود [ (1) ] بهذا الإسناد يوم كان فتح مكة: اختبأ عبد اللَّه بن سعد ابن أبي السرح عند عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء به حتى أوقفه على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللَّه بايع عبد اللَّه، الحديث ... إلى آخره ولم يذكر أوله، ذكره في الحدود. أخرجه الحاكم [ (2) ] وقال حديث صحيح على شرط مسلم، وروى بن سعد [ (3) ] من طريق سعيد بن المسيب، قال: أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل ابن أبي السرح ومقيس بن صبابة والحويرث بن نقيذ وعبد اللَّه [بن هلال] بن خطل، فأما ابن خطل [الأدرمي] وهو متعلق بأستار الكعبة فبقر بطنه وكان رجل من الأنصار نذر إن رأى ابن أبي السرح أن يقتله، فجاء عثمان- وكان أخا لابن أبي السرح من الرضاعة- فشفع له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد أخذ الأنصاريّ يقلم السيف ينتظر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم متى ينوي إليه أن يقتله فشفع له عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى تركه، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم للأنصاريّ قد انتظرتك أن توفي بنذرك، قال: يا رسول اللَّه هبتك، أفلا أومأت إليّ؟ قال: إنه ليس لنبي أن يومئ. رواه
البيهقيّ في دلائل النبوة [ (1) ] من طريق قتادة، عن أنس نحوه في قصة ابن أبي السرح، قد حكى سبط بن الجوزي في (مرآة الزمان) أن هذا الأنصاريّ عباد بن بشر، واستدل صاحب (التلخيص) بهذا على أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن له أن يجزع في الحرب. قال الرافعي: احتج بما خرّجه البخاريّ من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن ابن مالك أن عبد اللَّه بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك حين تخلف عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يكن يريد رسول اللَّه غزوة إلا ورّى بغيرها، ومن طريق عبد اللَّه بن المبارك، عن الزهريّ قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال: سمعت كعب بن مالك يقول كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قل ما يريد غزوة إلا ورّى بغيرها حتى كانت غزوة تبوك فغزاها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا واستقبل غزو عدو كبير فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الّذي يريد. وعن يونس، عن الزهريّ، أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك كان يقول: لقل ما كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس. هكذا وقع هذا الحديث في صحيح البخاريّ [ (2) ] ، عن يونس،
عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال سمعت كعب بن مالك يقول، وإن كعب بن مالك كان يقول، والحديث منقطع لأنه لم يسمع عبد الرحمن بن عبد اللَّه من عمه عبيد اللَّه عن ابنهما كعب بن المبارك وعدد ذلك من أوهام عبد اللَّه بن المبارك، لأن ابن سعد وعبد اللَّه بن وهب. روياه عن يونس، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده كعب بن مالك، ورواه الليث عن عقيل عن الزهريّ بهذا الإسناد أيضا متصلا، وروى مسلم قوله: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قل ما يريد غزوة إلا ورّى [بغيرها] [ (1) ] ، من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، ومن حديث محمد ابن عبد اللَّه ابن أخى بن شهاب، عن عمه، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك وهو حديث طويل وله طرق عديدة. واحتجوا أيضا بما خرّجه البخاريّ ومسلم وغيرهما من حديث معمر، عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحرب خدعة [ (2) ] .
وبما خرّجاه من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابر بن عبد اللَّه قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحرب خدعة، وبما خرّجه أبو بكر بن أبي شيبة [ (1) ] من حديث زكريا عن أبي إسحاق، عن سعد بن ذي حدان، عن عليّ قال: إن اللَّه سمّي على لسان نبيه إن الحرب خدعة. واحتجوا بما فعله صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأحزاب من أمره نعيم بن مسعود أن يوقع بين قريش وقريظة وفعل ما فعل، حتى فرق اللَّه شملهم على يديه، وألقى بينهم العداوة، وقلل اللَّه جمعهم بذلك وبغيره، وسيرد خبر نعيم في ذكر رسله عليهم السلام، والفرق بين الرّنو بالعين والخداع بالحرب: أن الرّنو يزرى بالرامز بخلاف الإبهام في الأمور العظام فإنه يدل على الحزم واللَّه أعلم.
الثامنة: اختلف أصحابنا هل كان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم أن يصلي على من عليه دين؟ على وجهين، وفي جوازه مع وجود الضامن على طريقتين
الثامنة: اختلف أصحابنا هل كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يصلي على من عليه دين؟ على وجهين، وفي جوازه مع وجود الضامن على طريقتين حكاهما أبو العباس في (الجرجانيات) ، يثاب على ما حكاه الرافعي عنه، قال النووي في (الروضة) [ (1) ] بعد أن حكى الخلاف في الثانية وجهين على خلاف الرافعي، من كونه طريقتين: والصواب الجزم بجوازه مع الضامن نسخ التحريم، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك يصلي على من عليه دين ولا ضامن له ويوفيه من عنده والأحاديث الصحيحة [مصرحة بما ذكرته] ، ففي الباب حديث أبي سلمى، عن أبي هريرة في (الصحيحين) ، وعن سلمة بن الأكوع، في البخاريّ، وعن أبي قتادة في الترمذيّ، وعن جابر عند أبي داود، وعن أبي سعيد، عند البيهقيّ، وعن ابن عمر، عند الطبراني، قال في (الأوسط) : عن أبي أمامة وأسماء بنت يزيد وعنده في (الكبير) ، وعن ابن عياش في (الناسخ) للبخاريّ. وفي حديث سلمة يعني الضامن أنه قتادة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفي حديث أبي سعيد أن الضامن عليّ فتكون القصة تكررت وكل ذلك لا يدل على التحريم فقيل في امتناعة صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه تأديب للأحياء لئلا يأكلوا أموال
التاسعة: كان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم أن يستكثر ومعناها: أن يعطي شيئا ليأخذ أكثر منه
الناس وقيل: هي عقوبة في أمور الدين أصلها المال، وحديث سلمة عند البخاريّ مصرح بمسألة الصلاة إذا وجد الضامن. التاسعة: كان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يستكثر ومعناها: أن يعطي شيئا ليأخذ أكثر منه وقد اختلف في تأويل ذلك، فعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لا يعطي عطية يلتمس بها أفضل منها. وقال أرطاة عن ضمرة بن حبيب وأبي الأحوص: لا يعطي شيئا له معطي أكثر منه. وقال أبو دجانة عن عكرمة: لا يعطي شيئا لأن يعطى أكثر منه، وعنه أيضا قال: لا تعطي العطية لتريد أن تأخذ أكثر منها، وقال منصور عن إبراهيم: لا تعطي فيما يزداد، وقال مغيرة عن إبراهيم: لا تعطي شيئا تأخذ أكثر منه، وفي رواية عنه: لا تعطي شيئا ليزداد، وفي رواية: لا تعط أكثر منه، وقال سلمة عن الضحاك: لا تعطى وتعطي أكثر منه، وقال وكيع عن أبي داود عن الضحاك قال: هو الربا الحلال، قال: للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة. وفي رواية: هما ربا، إن حلال أو حرام، وقلنا: الحلال فالهدايا، وأما الحرام فالربا، وقال سعيد عن قتادة: قال: لا تعط شيئا لشيء أكثر منه، وقاله أيضا طاووس، قال: ونقل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: لا تعط مالا مصانعة رجاء أفضل من الثواب في الدنيا. وقال سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: لا تعط لتزداد، قال سفيان عن رجل عن الضحاك بن مزاحم: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [ (1) ] قال: للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، وللناس عامة موسع عليهم.
قال سفيان بن حسين، عن الحسن قال: لا تمنن عملك تستكثره على ربك وفي رواية لا تمنن تستكثر عملك الصالح، وعن الربيع بن أنس قال لا تكثرن عملك في عينك فإنه فيما أنعم اللَّه عليك وأعطاك قليل، وقال حصبة عن مجاهد: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قال: لا تمنن في كلام العرب تضعف من قولهم حبل متين إذا كان ضعيفا، وقال ابن وهب عن أبي زيد قال: لا تمنن بالنّبوّة والقرآن الّذي أرسلناك به تستكثرهم به لتأخذ عليه عرضا من الدنيا. واختار أبو جعفر محمد بن جرير الطبري من هذه الأقوال: ولا تمنن على ربك من أن تستكثر عملك الصالح لأنه في سياق آيات فيه أمره- تعالى- عليه السلام للجد في الدعاء إليه والصبر على ما يلقاه من الأذى في فكانت أشبه بذلك من غيرها، واختار القرطبي: لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت من المال. وقال: يقال: مننت فلانا كذا أي أعطيته، ويقال: العطية المن، فكأنه أمر بأن يكون عطاياه صلّى اللَّه عليه وسلّم للَّه- عز وجل- لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يجمع الدنيا، ولهذا قال: ما لي مما أفاء اللَّه عليكم إلا هذا الخمس، والخمس مردود فيكم كان ما يفضل من نفقة عياله مصروفا إلى مصالح المسلمين، ولهذا لم يورث لأنه كان لا يدخر، ولا يقتني، وقد عصمه اللَّه- تعالى- عن الرغبة في شيء من الدنيا، ولهذا حرمت عليه الصدقة، وأبيحت له الهدية، فكان يتقبلها ويثيب عليها، وقال: لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو دعيت إلى كراع لقبلت، قال ابن العربيّ: وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبلها سنّة، ولا يستكثرها شريعة، وإذا كان لا يعطي عطية يستكثر بها فالأغنياء أولى بالاجتناب، لأنها باب من أبواب المذلة، وذكر قول من قال: معناه لا تعط عطية تنتظر ثوابها فإن الانتظار يعلق الأطماع، وذلك في حيرة بحكم الامتناع وقد قال اللَّه- تعالى-: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ
زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] وذلك جائز لسائر الخلق، لأنه متاع الدنيا، وطلب الكسب، والتكاثر بها [ (2) ] . قال القرطبي: وأما من قال: أنه أراد به العمل، أي لا تمنن على اللَّه بعملك فتستكثر فهو صحيح، فإن ابن آدم لو أطاع اللَّه عمره من غير معصية لم يبلغ نعم اللَّه بعد شكرها. خرّج البيهقي [ (3) ] من طريق زكريا بن عدي حدثنا ابن المبارك، عن الأوزاعيّ، عن عطاء، وقال زكريا: أراه عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله تعالى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [ (4) ] قال: هو الربا الحلال أن يهدي يريد أكثر منه فلا أجر فيه ولا وزر، ونهي عنه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ.
العاشرة: أمره الله - تعالى - أن يختار الآخرة عن الأولى
العاشرة: أمره اللَّه- تعالى- أن يختار الآخرة عن الأولى فكان يحرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يمد عينيه إلى ما متع به المترفون من إقبال الدنيا قال تعالى: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى [ (1) ] .
القسم الثاني: المحرمات المتعلقة بالنكاح
القسم الثاني: المحرمات المتعلقة بالنكاح وفيه مسائل: الأولى: إمساك من كرهت نكاحه ورغبت عنه محرم عليه على الصحيح بخلاف غيره من يخير امرأته فإنّها لو اختارت فراقه لما وجب عليه فراقا، وقال بعضهم: بل كان يفارقها تكرما. [وهو] [ (1) ] حديث غريب كما قاله الرافعي [ (2) ] . واستند من قال بالتحريم بما خرّجه البخاريّ من طريق الأوزاعي [ (3) ] ، سألت الزهريّ: أي أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن ابنة الجون لما أدخلت على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودنا منها، قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال لها: لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك. وخرّج أيضا من طريق حمزة بن أبي أسيد [ (4) ] ، عن أبي أسيد [- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-] [ (5) ] قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلسوا ها هنا ودخل، وقد أتى بالجونية فأنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت
النعمان بن شراحبيل ومعها دايتها حاضنة لها فلما دخل عليها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: هبي نفسك لي قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ باللَّه منك قال: قد عذت بمعاذ ثم خرج علينا فقال: يا أبا أسيد، اكسها رازقين وألحقها بأهلها. وقال الحسين بن الوليد النيسابورىّ: عن عبد الرحمن، عن عباس، عن سهل عن أبيه وأبي أسيد قالا: تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميمة بنت شراحيل فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك، فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقين. ترجم عليه البخاريّ باب [باب من طلق] [ (1) ] ، هل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟.
وخرّج البخاريّ في كتاب الأشربة في باب الشرب من قدح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وآنيته، من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ذكر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم امرأة من العرب فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها، فأرسل إليها فقدمت، فأنزلت في أجم بني ساعدة فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاءها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة رأسها فلما كلمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: أعوذ باللَّه منك، فقال: قد أعذتك مني، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ فقالت: لا فقالوا: هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جاءك ليخطبك فقالت: كنت أنا أشقى من ذلك. قال سهيل: فأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ حتى جلس في سقيفة بني ساعدة هو وأصحابه، ثم قال: اسقنا يا سهل، فأخرجت لهم هذا القدح فأسقيتهم فيه، قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح فشربنا فيه [ (1) ] ، قال: ثم استوهبه بعد ذلك عمر بن عبد العزيز فوهبه له [ (2) ] . وخرّجه مسلم وهذه سياقته [ (3) ] .
وقال البخاريّ: اسقنا يا سهل، وقد قيل: إنّ بين القصتين تغاير فلعلهما قضيتان لامرأتين إحداهما مخطوبة، والأخرى نزولها معقود عليها، وفيه بعد، وفي رواية لابن سعد: علمها نساؤه ذلك وإسناده ضعيف. وذكره الحاكم في المستدرك [ (1) ] وسيأتي في ذكر أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مزيد بيان لذلك، وفيها مما ذكرنا أنه حرم عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم نكاح كل امرأة كرهت صحبته، وجدير أن يكون الأمر كذلك لما فيه من الإيذاء، ويشهد لذلك إيجاب التخيير كما تقدم، وينبغي أن يفرق بالكراهة فإن كانت كراهة المرأة لذاته صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنّها تكفر بذلك، وإن كانت كراهتها لأجل الغيرة فلا. وقد قال بعضهم: ينبغي أن ينظر في التاريخ، وعلى تقدير أن تكون قصة المستعيذة بعد آية التخيير. ففي سبب نزول آية التخيير أقوال منها: تغاير نسائه عليه. يقول: لم يكرهن صحبته وإنما رغبتهن فيه أوجبت تغايرهن عليه،
الثانية: نكاح الحرة الكتابية حرام عليه
وحصل بذلك ضيق، فأنزل اللَّه- تعالى- الآية، فعلى هذا ونحوه لا تحريم، وهذا قويّ ودليل التحريم غير منهض قائله. الثانية: نكاح الحرة الكتابية حرام عليه قال إمام الحرمين: وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه، قال ابن العربيّ [ (1) ] : والصحيح عندي تحريمها عليه، وبهذا يتميز علينا فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر، وما كان من جانب النقائص فجانبه عنها أظهر فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات وقصر هو صلّى اللَّه عليه وسلّم لجلالته على المؤمنات، وإذا كان لا يحل له من لم تهاجر لنقصان فضل الهجرة، فأحرى ألا تحل له الكتابية الكافرة لنقصان الكفر. انتهى [ (2) ] . وخرّج الحاكم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن أبي أوفى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سألت ربي- عز وجل- أن لا أزوج أحدا من أمتي ولا أتزوج إلا كان معي في الجنة فأعطاني، قال الحاكم صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] .
خرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال لامرأته: أن سرّك أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم على أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة. وإذا تقرر ذلك، فالجنة محرمة على الكافرين ولأن الكافرة تكره صحبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة، قال القاضي حسين: لا يجوز له أن ينزع ماؤه في رحمها، خالفه أبو إسحاق من أصحابنا فقال: لا يحرم عليه نكاحها كما في موالاته وحكمه صلّى اللَّه عليه وسلّم في النكاح إن سعى من حكم أمته وهي حلال لهم وله أولى وهذا القائل يقول: لو نكح كتابية لهديت إلى الإسلام كرامة له، وفي (الحاوي) للماورديّ أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم استمتع بأمته ريحانة بنت عمر بملك اليمين وكانت يهودية من بني قريظة بعد أن عرض عليها الإسلام فأبت ثم أسلمت بعد ذلك، وهذا دليل القائل على الأمة الكتابية كما سيأتي إن شاء اللَّه- تعالى-. قال مؤلفه فيما نقله الماورديّ نظر، فقد نقل الواقدي [ (2) ] أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أخذها من سبي بني قريظة لنفسه صفية عرض عليها الإسلام فأبت فعزلها
حتى أسلمت، فسر بذلك ثم قال: فحدثني عبد الملك بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أيوب بن بشير المعاوي، قال: أرسل بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، وكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضتها فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن أحببت إن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطؤك بالملك فعلت، فقالت: يا رسول اللَّه إني أخفّ عليك وعليّ أن أكون في ملكك، فكانت في ملك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يطؤها حتى ماتت عنده. وحدثني بن أبي ذئب قال: سألت الزهريّ عن ريحانة فقال: كانت أمة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعتقها وتزوجها فكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يراني أحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال الواقدي [ (1) ] : فهذا أثبت الحديثين عندنا. فتبين أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يطأ ريحانة إلا بعد أن أسلمت ويظل الاستدلال على جواز التسري بالأمة الكتابية وقد خرجوا على القول بجواز ذلك هل عليه تخييرها بين أن تسلم فيمسكها أم تقيم على دينها فيفارقها؟ فيه وجهان حكاهما الماورديّ أحدهما: عليه تخييرها لتصبح من أزواجه في الآخرة، والثاني ليس ذلك عليه لأنه لما خير ريحانة وقد عرض عليها الإسلام فأقام على الاستمتاع بها.
الثالثة: في تسريه بالأمة الكتابية
الثالثة: في تسريه بالأمة الكتابية وفيه الخلاف المذكور قبله، وقال الرافعيّ: الأظهر هنا أجل، وبه أجاب الشيخ أبو حامد، وهو اختيار الماورديّ في ريحانة، ولا ينهض دليل ذلك عنه إلا التعقب والابتعاد [ (1) ] . الرابعة: في تحريم نكاحه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأمة المسلمة اختلف أصحابنا في ذلك على وجهين: أحدهما: عن أبي هريرة: لا يحرم عليه نكاحها كما في حق أبيه وأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوسع نكاحا من أمته، وأصحهما، يحرم لأن جواز نكاح الأمة مشروط بخوف العنت، وكونه صلّى اللَّه عليه وسلّم معصوم ويفقد أن طول الحرة ونكاحه صلّى اللَّه عليه وسلّم غير مفتقر إلى المهر، ولأن من نكح أمة كان ولده رقيقا، ومنصبه صلّى اللَّه عليه وسلّم منزه عن ذلك
وبهذا قطع جماعة، وجمع الماورديّ هذه المسألة مفرعة على جواز الاجتهاد في الخصائص، وذهب الجمهور إلى الجواز ليتوصل به إلى معرفة الأحكام، ثم ذكر الماورديّ اختلافهم في نكاح الكتابية، ثم قال: وأما الأمة فلم يختلف أنه لم يكن له أن يتزوجها. قال الرافعي: لكن من جوز ذلك قال: خوف العنت إنما يشترط في حق الأمة وفي اشتراط فقدان الطول تردد عن الشيخ أبي محمد وغيره على وجه الجواز. قال الإمام فإن شرطناه لم تجز الزيادة على أمة واحدة وإلا جازت وقد فرعوا على القول بأن نكاح الأمة جائز فروعا منها إذا أتت بولد هل يكون رقيقا أم لا؟ وفي لزوم قيمة هذا الولد لسيدها وجهان، وهل يقدر في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم نكاح غرر؟ وكل هذا مما يجب أن يصان جانبه العليّ عنه، والإمساك في حقه إضرار إلى نكاح الأمة لأنه لو أعجبته أمة وجب على مالكها بذلها له هبة قياسا على ما ذكروه في الطعام. واللَّه اعلم.
النوع الثالث: ما اختص به من المباحات والتخفيفات توسعة وتنبيها على [أن] ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الإباحة لا يلهيه عن طاعة الله تعالى وهذا النوع قسمان أيضا: متعلق بغير النكاح ومتعلق به
النوع الثالث: ما اختص به من المباحات والتخفيفات توسعة وتنبيها على [أنّ] ما اختص به صلّى اللَّه عليه وسلّم من الإباحة لا يلهيه عن طاعة اللَّه تعالى وهذا النوع قسمان أيضا: متعلق بغير النكاح ومتعلق به واعلم أن معظم المباحات لم يفعلها مع إباحتها له، وليس المراد المباح هنا ما استوى طرفاه بل ما لم يحرج في فعله ولا في تركه فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم واصل، [وكان له] [ (1) ] الاستبداد بالخمس، قد يكون راجحا لفعل يصرفه في المصالح، وقد يكون راجح الترك لفقد هذا المعنى، ودخوله مكة بغير إحرام قد يترجح فعله، وقد يترجح تركه، وكذا الزيادة على الأربع لا يساوي فيه فإن أفعاله صلّى اللَّه عليه وسلّم وأقواله كلها راجحة مثاب عليها، حتى في أكله وشربه، لأن كل واحد من أمته يكون له أن يقصد وجه اللَّه- تعالى- بذلك، وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم أولى بذلك. القسم الأول: المباحات له صلّى اللَّه عليه وسلّم في غير النكاح وفيه مسائل: الأولى: الوصال في الصوم أبيح له صلّى اللَّه عليه وسلّم قال القضاعي: أبيح له دون غيره من الأنبياء، وقد اختلف في ذلك، فقيل: يكره فيما قاله الشافعيّ، وعند الجمهور أنه من المباحات، وأحاديث وصال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والنهي عنه لغيره ثابتة في الصحيحين، من حديث أنس
ابن مالك [ (1) ] ، وفي البخاريّ من حديث أبي سعيد [ (2) ] ، وفي الصحيحين أيضا من حديث عبد اللَّه بن عمر [ (3) ] ، ومن حديث أبي هريرة [ (4) ] ، ومن حديث عائشة [ (5) ]
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، ولأحمد [ (1) ] من وجهين صحيحين: إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني.
حدثنا أمية به بتخصيصه بأنه ليس كهيئاتهم، إن اللَّه يطعمه ويسقيه، قال النووي [ (1) ] : قوله يطعمني ويسقيني: معناه يجعل اللَّه لي قوة الطاعم والشارب، وقيل هو على ظاهره أنه يطعم من طعام الجنة كرامة له، والأول أصح، لأنه لو أكل حفيفة لم يكن مواصلا، وقد قال في رواية ابن عمر: إني في الظل
يطعمني ربي ويسقيني، ولنفسه ظل لا يكون إلا في النهار، ولا يجوز الأكل الحقيقي في النهار بلا شك فثبت ما قلناه. وأجيب بأنه لو أكل من طعام الجنة لم يفطر أو بأن طعام اللَّه- تعالى- لا يفطر بدليل القاضي وقد علل بقوله: إنما أطعمه اللَّه وسقاه وقيل: يعان على الصوم ويقوى عليه فكأنه أطعم أو يخلق له اللَّه من الشبع الّذي كالطاعم والشارب. وقيل: كان الإطعام والإسقاء حقيقة في المنام وقال الإمام: الوصال قربة في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإنما يثبت خصوصية الوصال للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا قلنا بأنه حرام على الأمة. وقد نص الشافعيّ- رحمه اللَّه- على كراهيته، وفي ذلك وجهان، قيل: كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه، أصحهما أنه كراهة تحريم في النهي عنه. قال جمهور العلماء: قاله النووي واستدل به على تحريم الوصال بما خرّجه البخاريّ من حديث أبي حازم، عن يزيد بن الهاد، عن عبد اللَّه بن حباب، عن أبي سعيد الخدريّ أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا تواصلوا فأيكم إذا كان يواصل فليواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول؟ اللَّه قال: لست كهيئتكم إني أبيت مطعم يطعمني وساق يسقيني [ (1) ] . والنهي يقتضي التحريم، وقال القاضي عياض: قيل: النهي عنه رحمه وتخفيف فمن قدر فلا حرج، وقد واصل جماعة من السلف لأيام، وأجازه ابن وهب وأحمد وإسحاق إلى السحر ثم حكى عن الأكثرين كراهته. وقد كانت أخت أبي سعيد تواصل وهي صحابية، وكان عبد اللَّه بن الزبير يواصل سبعة أيام، فإذا كان الليلة السابعة دعي بإناء من سمن فشربه ثم يأتي بثريدة فيها عرقان ويؤتي الناس بالجنان فيقول: هذا من خالص مالي، وهذا من بيت مالكم، وكان ابن وضاح يواصل أربعة أيام. وقال عطاء وأبيّ وغيرهم من أصحابنا: هو من الخصائص التي أبيحت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وحرمت على الأمة واحتج لمن أباحه بقوله في بعض طرق مسلم: نهاهم عن الوصال- رحمه اللَّه-.
الثانية: اصطفاؤه صلى الله عليه وسلم فيما يختاره من الغنيمة قبل قسمها من جارية أو غيرها بشيء ما اختاره من ذلك الصفي والجمع الصفايا
وفي طرق بعضهم: لما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما ثم زاد الهلال فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم. وفي بعضها لو مدّ لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم [ (1) ] . ولو كان حراما ما فعله صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه، وقد اشتهر عن كثير من الصلحاء الوصال، فلعل وصالهم جاء من غير قصد إليه، بل اتفق ترك تناولهم المفطر بفعله عنهم، أو لاشتغاله بالاستغراق بالمعارف، ونحن نشاهد الترك عند اشتغال القلب بما يسرّ أو يحزن فكيف بذاك؟ وعلى هذا تكون الخصوصية له صلّى اللَّه عليه وسلّم على كل أمته لا على أحد من أفرادها. الثانية: اصطفاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما يختاره من الغنيمة قبل قسمها من جارية أو غيرها بشيء ما اختاره من ذلك الصفيّ والجمع الصّفايا خرّج أبو داود [ (2) ] من طريق سفيان بن مسروق [حدثنا محمود بن خالد السلمي، حدثنا عمر- يعني ابن عبد الواحد- عن سعيد- يعني ابن بشير، عن قتادة، قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذه من حيث
شاء، فكانت صفية من ذلك السهم وكان إذا لم يغز [بنفسه] ضرب له بسهم ولم يخير. وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كانت صفية من الصّفي [ (1) ] . وخرّج أبو بكر بن أبي شيبة من حديث وكيع، حدثنا قرة بن خالد، عن أبي العلام يزيد بن عبد اللَّه بن الشخير قال: كنا جلوسا بهذا المربد بالبصرة فجاء أعرابي معه قطعة من أديم أو قطعة جراب فقال: هذا كتاب كتبه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذته فقرأته على القوم فإذا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، كتاب من محمد رسول اللَّه لبني زهير بن أقيش، إنكم إن أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغنم الخمس، وسهم النبي والصفيّ فإنكم آمنون بأمان اللَّه وأمان الرسول، قال: قلنا للأعرابي: أنت سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: نعم يقول صوم شهر الصبر- يعني رمضان- وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن من حرّ الصدر، تم انصاع مدبرا، فقال: تروني أكذب على رسول اللَّه؟. وخرّجه أبو محمد بن داود من حديث وكيع، عن قرة بن خالد بنحوه إلى قوله: وأمان رسول اللَّه، وبعد هذا قال: قلنا له: هل سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: شيئا؟ قال: سمعته يقول صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن في حرّ الصدر قال: قلت: إنك سمعت رسول اللَّه؟ قال: أتروني أكذب على رسول اللَّه؟ ثم أخذ العتاب وانصاع مدبرا. وخرّجه أبو داود [ (2) ] من حديث مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا قرة قال: سمعت يزيد بن عبد اللَّه [ (3) ] قال: كنا بالمربد [ (4) ] ، فجاء رجل أشعث الرأس بيده قطعة أديم أحمر، فقلنا: كأنك من أهل البادية، فقال: أجل، قلنا: ناولنا هذه
القطعة الأديم التي في يدك، فناولناها [فقرأناها] [ (1) ] ، فإذا فيها: من محمد رسول اللَّه إلى بني زهير بن أقيش، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه، وأقم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصّفيّ فأنتم آمنون بأمان اللَّه ورسوله، فقلنا: من كتب لك هذا الكتاب؟ قال: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، خرّجه قاسم بن أصبغ من طريق مسلم بن إبراهيم، عن قرة إلى آخره نحوه [ (3) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: سهم الصّفيّ مشهود في صحيح الآثار. معروف عند أهل العلم، ولا يختلف أهل السير في أن صفيّ من الصّفا، وأجمع العلماء على أن سهم الصّفيّ ليس لأحد بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرّج البخاريّ ومسلم من طريق حماد بن يزيد، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، وقصة صفية. خرجها البخاريّ من حديث عمرو بن أبي عمرو، عن أنس، قدمنا خيبر فلما فتحنا الحصن ذكر له جمال صفية، وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها لنفسه [ (4) ] ، الحديث.
وله من حديث ثابت عن أنس كان في السبي صفية، فصارت إلى دحية، ثم صارت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . خرّج البخاريّ ومسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس في قصة خيبر، فجمع السبي، فجاء دحية فقال: أعطنى جارية من السبي، قال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء رجل فقال: يا نبيّ اللَّه! أأعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك، قال: أدعوه بها، فجاء بها، فلما نظر إليها [النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم] قال: خذ جارية من السبي غيرها، الحديث [ (2) ] . وعن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس أنه اشتراها من دحية بسبعة أرؤس [ (3) ] .
تتمة
وذكر الرافعي أن ذا الفقار [ (1) ] كان من الصفيّ، واعترض عليه بأن غنائم بدر كانت للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم كلها لأنها كانت قبل فرض الخمس، والكلام في الصفيّ بعد فرض الخمس وعلى هذا المعنى يحمل ما خرّجه الترمذيّ، وابن ماجة، والحاكم، عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر. وخرّجه الواقدي عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، وعن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: تنفّل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سيفه ذا الفقار يومئذ، وكان لمنبه بن الحجاج، ومعناه أخذه لنفسه لم يعطيه أحدا. تتمّة قد عد الإمام أبو حامد الغزالي- رحمه اللَّه- إعطاءه [تميم] الداريّ بنت ميمونة فتجرى من الخصائص النبويّة، وجعل ذلك من الصفايا المختصة به صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلا يكون لأحد من الأئمة بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقطع أحدا من الرعية شيئا لم يدخل في ملك المسلمين. وتردد القاضي أبو الحسن الماوردي في ما أخذ الإقطاع الّذي وقع لتميم الداريّ، وجوز أن تكون من الخصائص بعد أن حكى الخلاف، هل لغير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يفعل ذلك؟ وسيرد كلامه في ذلك إن شاء- اللَّه تعالى-. قال القاضي أبو بكر أبو محمد بن العربيّ المعافري الإشبيلي المالكي في شرح (الموطأ) لما تكلم على حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال في (صحيحه) : وإنما تركها من تركها لقولهم: إنها غير مسموعة، وهذا لا يمنع من الاحتجاج، وقد كان عند أولاد تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كتاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في قطعة أديم [ (2) ] : بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا
ما أنطى [ (1) ] محمد رسول اللَّه تميما الدارميّ قطعة قرية حبرون وبيت عينون بلد الخليل، فبقي ذلك في يده ويد أهله إلى أن غلب الفرنجة على القدس سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، قال: ولقد اعترض بعض الولاة على تميم الداريّ أيام كان بالشام وأراد انتزاعها فحضر القاضي حامد الهرويّ الحنفي، فاحتج الدارميّ بالكتاب، فقال القاضي: هذا الكتاب ليس بلازم لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقطع تميما ما لم يملك، فاستدعى الوالي الفقهاء، وكانت الرواية التي رويت إلى الأرض كلها، وكان يقطع الجنة فيقول: قصر كذا لفلان، فوعده صدق، وعطاؤه حق، قال: فحضره القاضي والوالي، وأبقي الدارميين على ما في أيديهم.
وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربيّ- رحمه اللَّه- هذه القصة في كتاب سماه (قانون التأويل) [ (1) ] وهو كان جمعة من قوام يد الشيخ أبي حامد محمد بن محمد الغزالي- رحمه اللَّه- ونصه ما قوله أدام اللَّه علوه: فما أقطع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تميم الداريّ من الشام قبل أن يملكه أهل الإسلام ما وجه صحته مع أنه جرى قبل الملك، ولم يتصل به القدر، ولم يجر تحديد محل الإقطاع، هل يجوز لإمام أن ينزع ذلك من يد تميم؟ ومتى يحصل الملك للمقطع؟ فأجاب على ذلك بأن الإقطاع صحيح لتميم ومنتقل إلى أعقابه وقت حصول الملك عند تسليم الإمام المستولى على تلك الأرض له ذلك، ووجه صحته أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مختصا بالصفايا من المغنم حتى كان يختار من المغنم ما يريد، ويدفع ملك المسلمين عنه بعد استيلائهم عليه، فلذلك كان له أن يستثنى تبعة من ذيلة الكفر عن ملك المسلمين ويعينها لبعض المسلمين فتصير ملكا له، ويكون سبب الملك تسليم الإمام وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويستثنى من التخصيصات، وليس ذلك لغيره من الأئمة، فإنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان مطلعا بالوحي على من سيملك في المستقبل، وعلى وجه المصلحة في التخصيص والاستثناء وغير ذلك ولا يطلع غيره عليه. وأما قول من قال لا يصح إقطاعه لأنه قبل الملك، فهو كفر محض، لأنه يقال له: هل حل لرسول اللَّه ما فعل أو كان ظالما بتصرفه ذلك؟ فإن جعله ظالما كفر، وإن قال بل حل له ذلك، قيل له: أتعلم أن ذلك يحصل أو لا فإن جهله كفر، وإن قال: إنه علم، لكن علم أنه لا يحصل، قيل له: فلا يبقى إلا أنه قد قدم عليه مع علمه مبطلاته [ (2) ] . هذا كلام الشيخ أبي حامد الغزالي، كما ترى أن عطاء ذلك لتميم الداريّ منن الخصائص النبويّة وجعله من الصفايا المختصة به صلّى اللَّه عليه وسلّم فلا يكون لأحد من
الأئمة بعد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقطع أحدا من الرعية [شيئا] لم يملكه المسلمون واختلف كلام القاضي أبي الحسن على الماورديّ، فجزم في (الأحكام السلطانية) بجواز ذلك عموما. وقال في كتاب (الحاوي) : وأما الإقطاع فإنه لا يصح إلا في ما لم يستقر عليه ملك، وعلى هذا كانت قطائع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكر قال: فعلى هذا كانت قطائع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا ما كان من شأن تميم الداريّ، وأبى ثعلبة، فذكرها احتمل ذلك من فعله أن يكون أقطعهما ذلك إقطاع تقليد لا إقطاع تمليك، ويجوز أن يكونا مخصوصين بتصديق إخبار وتحقيق إعجاز، وأما الأئمة بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن أبا بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- لم يقطعا الأموات لم يجز عليه ملك واصطفى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من أرض سواد أموال كسرى لأهل بيته، وما وهب عنه أربابه أو تملكوا، وكان مبلغ ذلك تسعة آلاف ألف، وكان ينفقها في مصالح المسلمين، ولم يقطع شيئا منها، ثم إن عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أقطعها لأنه رأى إقطاعها أوفر لعلتها من تعطيلها، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق ألف، فكان ذلك منه إقطاع إجارة، قال بذلك الماورديّ، هذا، وقال في قوله: إقطاع إجارة إلى أمرائهم أن يؤجروها بأجرة معلومة ينتفعوا بها مع بقاء الرقبة. انتهى. وقد جمع الفقهاء الخصائص، ولم يعدوا منها ما ذكره الغزاليّ.
الثالثة: كان له صلى الله عليه وسلم الاستبداد بخمس خمس الفيء والغنيمة وبأربعة أخماس الفيء فينفرد صلى الله عليه وسلم بذلك
الثالثة: كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم الاستبداد بخمس خمس الفيء والغنيمة وبأربعة أخماس الفيء فينفرد صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك قال ابن سيده: والغنم والغنيمة والمغنم، الفيء، وغنم الشيء غنما، فاز به وتغنمه واغتنمه، وانتهز غنمه واغتنمه الشيء جعله له غنيمة [ (1) ] ، قال: والفيء الغنيمة، وقد فيئت فيئا واستفأت. وكانت الغنيمة لغة: ما يناله الرجل والجماعة بسعي، غير أنهم جعلوا على أن المراد بقوله- تعالى-: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فإنما هو مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، وهذا التخصيص لا تقتضيه اللغة [ (2) ] ، لكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع، وسمى الشرع ما يصل من أموال الكفار باسمين: هما الغنيمة، والفيء ما ناله المسلمون من عدوهم بسعي كما تجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفيا، وكل مال دخل على المسلمين من غير حرب، ولا إيجاف، فخراج الأرضين وجزية الجماجم، وخمس الغنيمة، ونحو ذلك مما يؤخذ من المشركين عفوا يسمى فيئا.
وقال عطاء بن السائب: الغنيمة ما ظهر عليها من أموال المشركين والفيء ما ظهر عليه من الأرضين، والأصل في الغنيمة قول اللَّه- تعالى-: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [ (1) ] والأصل في الفيء قوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [ (2) ] وقد كانت الغنيمة محرمة على الأنبياء وأحلها اللَّه- تعالى- لرسوله محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعلها اللَّه- تعالى- ملكا له صلّى اللَّه عليه وسلّم خالصا دون غيره لقوله- تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ [ (3) ] والأنفال هي الغنائم، والنفل هو الزيادة من الخير، فسميت الغنائم أنفالا لأنها زيادة، ثم نسخ اللَّه- تعالى- هذه الآية بقوله- تعالى-: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [ (4) ] الآية. وقال أبو عمر بن عبد البر: وأجمع على أن هذه الآية نزلت بعد قوله- تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ [ (5) ] وإن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين، وعن قوله- تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ [ (6) ] نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر، انتهى. فلما أضاف- تعالى- مال الغنيمة إلى الغانمين، ثم استثنى منه خمسه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومن سمى معه من أهل الخمس بقوله- تعالى-: لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ دل على أن الباقي من بعد أخماسه ملك الغانمين، فصار مال الغانمين مقسوما على خمسة وعشرين سهما منها لأهل الخمس، وهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذي القربى،
وأما مال الفيء وهي الأموال الواصلة من المشركين بغير قتال ولا إيجاف بخيل ولا ركاب
واليتامى، والمساكين وابن السبيل، وفيه خلاف ذكر في موضعه، وصار أربعة أخماس، وهو عشرون سهما تقسم بين الغانمين لا يشاركهم فيها غيرها. وأما مال الفيء وهي الأموال الواصلة من المشركين بغير قتال ولا إيجاف بخيل ولا ركاب كالذي أجلى عنه المشركون خوفا ورغبا، والأموال التي يضحون بها عن أنفسهم، ودمائهم وأموالهم، المأخوذ من عشور أموالهم إذا دخلوا تجارا، والجزية التي تقربهم بها إلى دارنا، ومال الخراج المقربون على أراضيهم، والأرضين المأخوذة عفوا منهم، ومال من مات في دارنا ولا وارث له منهم، كل ذلك فيء لأنه واصل بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، هذا هو المنصوص من مذهب الشافعيّ في الجديد. وقوله في القديم: أن الفيء من جميع ذلك ما انجلى عنه المشركون خوفا ورعبا، وما سواه من الجزية، والخراج، وعشور التجارة، ومال من مات ولا وارث له، ليس بفيء ولا يخمس والأول أصح، وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في صدر الإسلام يملك جميع الفيء كما ملك جميع الغنيمة، لذلك ملك أموال بني النضير، فكانت مما أفاء اللَّه- تعالى- لم يشاركه فيها أحد، وصارت من صدقاته التي تصدق بها إلى أن أنزل اللَّه- تعالى- في الفيء قوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فاختلف الناس حينئذ فيما استقر حكم الفيء عليه على ثلاثة مذاهب: أحدها: إن مال الفيء مصروف في وجوه المصالح لا يخمس، وهو قول أبي حنيفة. الثاني: إن مال الفيء مقسوم على خمسة أسهم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منها سهم كأحد أهل الخمس وهو قول مالك. الثالث: أن خمسه مقسوم على خمسة، منها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سهم، وأربعة أخماس الفيء له أيضا خاصة، فيكون جميع مال الفيء مقسوما على
خمسة وعشرين سهما منها واحد وعشرين سهما لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأربعة أسهم هي لأربعة أصناف هم ذوو القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وهذا هو مذهب الشافعيّ، ولكل على قوله دليل إذا تكرر ما وصفنا، فالذي ملك اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم مال الغنيمة، ومال الفيء، خمس الخمس من الفيء والغنيمة، وأربعة أخماس الفيء، ذلك سوى الصفيء من الغنيمة، فصار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مالكا لأربعة أموال: مالين من الغنيمة هما خمس الخمس، والصفيّ، ومالين من الفيء هما خمس الخمس، وأربعة أخماسه، واستدل أصحابنا على ذلك بقوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فأضاف اللَّه- تعالى- الفيء إلى رسوله، كما أضاف الغنيمة إلى الغانمين، ثم من استثناه في سهم الغانمين، فوجب أن يكون إطلاق ما جعل لهم من الفيء محمول على المقدار المحصول من الغنيمة، ويكون الخمس، ويكون الباقي بعده لمن أضاف المال إليه وهو الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم كما كان الباقي من الغنيمة لما أضافها إليه وهم الغانمون. وقال الشافعيّ: سمعت ابن عيينة يحدث عن الزهريّ أنه سمع مالك بن أوس بن الحدثان يقول: سمعت عمر بن الخطاب، والعباس بن عبد المطلب، وعلى بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يختصمان إليه في أموال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر: كانت أموال بنى النضير مما أفاء اللَّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل، ولا ركاب، فكانت لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دون المسلمين، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينفق منها على أهله نفقة سنة، فما فضل منها جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل اللَّه، ثم توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوليها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بمثل ما وليها به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم وليها عمر بمثل ما ولى به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ثم سألها في أن أوليكما هذا على أن تعملانها بمثل ما وليهما به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم وليها أبو بكر، ثم وليتها، ثم حينما تختصمان تريدان أن أدفع إلى كل واحد منكما نصفا، أتريدان منى قضاء غير ما قضيت بينكما أولا
والّذي بإذنه تقوم السموات والأرض لا أقضي بينكما قضاء غير هذا، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ أكفيكماها. وهذا الحديث خرّجه البخاريّ [ (1) ] ، ومسلم [ (2) ] من حديث جويرية، عن معمر، عن الزهريّ، وعن عقيل، عن ابن شهاب، وعن شعيب عن الزهريّ. وخرّجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] ، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الزهريّ. وخرّجه أبو داود [ (5) ] عن أسامة بن زيد، عن الزهريّ، عن مالك بن أوس، وفي بعضها طول، وفي بعضها اختصار. ووجه الدلالة أن هذا الخبر اقتضى ظاهره الفيء جميعه ملك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، واقتضى ظاهر الآية أن الفيء كله يقسم على خمسة، فوجب الجمع بينهما على وجه لا تنافي فيه ليستويا جميعا، وهو أن يكون معنى الخبر أن أربعة
أخماس الفيء خالص لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومعنى الآية أن خمسه مقسوم على خمسة. واللَّه أعلم. وخرّج أبو داود [ (1) ] والحاكم [ (2) ] من حديث عمرو بن عبسة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس، والخمس مردود فيكم. قال الحاكم: وهو على شرط البخاريّ، ولنا وجه يشير إليه كلام الفورانى أن الخمس من الخمس يصرف بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خليفة الزمان [ (3) ] . قال الإمام: ولم يصح عندي نسبته إلى أحد من الأصحاب، وعلى هذا الوجه إن صح لا تبقى خصوصية [ (4) ] . قال مؤلفه: نقل ابن عبد البر أن مذهب أبي بكر، وعمر، في سهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفيما كان له خاصة من صفاياه، وما لم يوجف عليه بخيل، ولا ركاب، كأموال بني النضير، وفدك، وخيبر، أن ذلك في سبيل اللَّه على حسب ما كان سبيله في حياته، كان ينفق منه على عياله، وعامله سنة، ثم يجعل باقيه عدة في سبيل اللَّه، وأن هذا مذهب جمهور أهل الحديث والرأى، ومذهب عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن ذلك لقيامهم بأمر المسلمين يصرفه فيما وليّ من مصالح المسلمين، ولذلك أقطعه مروان، وهو قول قتادة، والحسن.
الرابعة: دخوله صلى الله عليه وسلم مكة بلا إحرام
الرابعة: دخوله صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة بلا إحرام نقله صاحب (التلخيص) وغيره: أنه كان مباحا له صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي جوازه لغيره من غير غدر خلاف، ودليل ذلك ما خرّجه مسلم من حديث ابن الزبير، عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، وفي رواية دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء. وذكر ابن عبد البر في (الكفاية) : أنه من دخل مكة مقاتلا لباغ أو قاطع طريق أو خائفا من ظالم يلزمه الإحرام. واستدل بدخوله صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر، لو كان محرما لم يلبسه، وقد كان خائفا من غدر الكفار، وعدم قبولهم الصلح الواقع بينه وبين أبي سفيان، وقد علمت ما في هذا الاستدلال؟ فإن دخوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير إحرام خاص به، وقوله: «لو كان محرما لم يلبسه، وقد كان خائفا من غدرهم» كلام غير مستقيم لأن المحرم الخائف يباح له اللبس قطعا، وكيف يقال: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يومئذ خائفا من غدر قريش؟ واللَّه- تعالى- قد وعده بأن يعصمه منهم، ومن غيرهم بقوله- تعالى-: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، ويترك الخوض عند ذلك فيما بينه.
الخامسة: أبيحت له مكة يوما واحدا
الخامسة: أبيحت له مكة يوما واحدا ودخلها كما تقدم بغير إحرام، وقتل من أهلها يومئذ نحو عشرين، منهم: ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة [ (1) ] ، وقال القضاعي: إنه خصّ به سائر الأنبياء. وخرّج البخاريّ ومسلم من حديث جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا، وقال يوم فتح مكة: إن هذا البلد حرمه اللَّه يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة اللَّه، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة. الحديث [ (2) ] .
السادسة: أنه صلى الله عليه وسلم لا يورث وأن ما تركه صدقة
وللبخاريّ من حديث خالد عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما حلت لي ساعة من نهار، والحديث له طرف آخر [ (1) ] ، وهذا صريح في اختصاصه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك دون من قبله من الأنبياء عليهم السلام. السادسة: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يورث وأن ما تركه صدقة وبه قطع أبو العباس الروياني، وقال الرافعي في (الشرح الصغير) : أنه المشهور، وعلى هذا هل يكون وقفا على ورثته؟ فيه وجهان: حكاهما الروياني في أيضا، فإن جعلناه وفقا، فهل هو الواقف؟ فيه وجهان لقوله عليه السلام: ما تركنا صدقة. وأصحهما عند الإمام أنه باق على ملكه، ينفق منه على أهله كما كان صلّى اللَّه عليه وسلّم ينفقه في حياته، ووجه الإمام بأن الأنبياء- عليهم السلام- أحياء، قال: وكذلك كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ينفق منه على أهله، وخدمه، ويصرفه فيما كان يصرفه في حياته. قال النووي في (الروضة) [ (2) ] : وهذا ضعيف، والصواب الجزم بأنه زال ملكه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه، وأن ما تركه فهو صدقه على المسلمين لا يختص به الورثة، وكيف يصح غير [ما ذكرته مع قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة] [ (3) ] فإنه نص على زوال الملك. ثم إن الرافعي ذكر في قسم الفيء والقسمة، أن خمس الفيء كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم ينفق منه على نفسه، وأهله، وفي مصالحه، ولم يكن يملكه، ولا ينقل منه إلى غيره أبدا، وهذا حكم منه بأن جهة الإنفاق غير مملوكة، خلاف ما ذكر هنا، ومن الغريب ما ذكره صاحب
(البيان) في آخر (إحياء الموات) عن الشيخ أبي حامد أن بعضهم قال: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما كان يملك شيئا ولا يأتي منه الملك، وإنما أبيح له ما يأكله، وما يحتاج إليه، وغلطه أبو حامد لقوله- تعالى-: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ الآية، وقد أعتق صلّى اللَّه عليه وسلّم صفيه، واستولد مارية، وقد عد الغزالي- رحمه اللَّه- هذه الخصلة من هذا الضرب. قال الرافعي: كان المعنى فيه إن جعلها صدقة تورث زيادة القربة، ورفع الدرجات، وعدها الأكثرون من المكرمات، وعلى هذا يجوز له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتصدق بجميع ماله بعد موته بخلاف أمته، وهذا ليس خاصا به صلّى اللَّه عليه وسلّم بل الأنبياء- عليهم السلام- لا تورث، لكنه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمتاز به من بين أمته، ولما ذكر القضاعيّ ما اختص به- عليه السلام- من بين الأنبياء. قال: ومنها أن ماله كان بعد موته قائما على نفقته وملكه، فجعل الخصوصية، من هذه الحيثية. واعلم أن ما ملكه صلّى اللَّه عليه وسلّم في حياته كأموال بني النضير، والنصف من فدك، والثلث من وادي القرى، وثلاثة حصون من خيبر، [وأطم] الكتيبة، و [حصن] الوطيح، و [حصن] السّلالم فإنّها بعد وفاته كلها صدقة تصدق بها في حياته لا تورث عنه [ (1) ] .
وأما سهمه صلى الله عليه وسلم من خمس الخمس من الفيء والغنيمة
وأما سهمه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خمس الخمس من الفيء والغنيمة فإنه مصروف بعده في المصالح، من الكراع، والسلاح، وأرزاق المقاتلة، والقضاة، والأئمة، وعمارة المساجد، وقناطر السابلة. وأما سهمه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أربعة أخماس الفيء [ (1) ]
وأما الصفي فقد سقط حكمه فلا يستحقه أحد بعده صلى الله عليه وسلم
ففي تصرفه قولان: أحدهما: في المقاتلة، فعلى هذا يصرف جميعه فيهم خاصة. ثانيهما: أنه يصرف جميعه في المصالح كلها. وأما الصفيّ فقد سقط حكمه فلا يستحقه أحد بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد خرّج البخاري ومسلم وأبو داود من حديث مالك عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: إن أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين توفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسألنه ميراثهن من النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت عائشة لهن: أليس قد قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا نورث ما تركنا صدقة؟ [ (1) ] .
ولأبي داود من حديث أسامة بن زيد عن ابن شهاب بإسناده نحوه قالت: قلت ألا تتقين اللَّه؟ ألم تسمعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورث ما تركنا فهو صدقة؟ وإنما هو المال لآل محمد، لنا بينهم ولضيفهم، فإذا مت فإلى من يلي الأمر من بعدي. ذكره في كتاب الفيء [ (1) ] . وخرّج البخاريّ ومسلم من طريق معمر عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة والعباس آتيا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يلتمسان ميراثهما عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك، وسهمهما من خيبر، فقال أبو بكر: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال. قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واللَّه لا أدع أمرا رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بصنعة فيه إلا صنعته، قال: فهجرته فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلم تكلمه حتى ماتت [ (2) ] . اللفظ للبخاريّ، خرّجه في الفرائض، وخرجه في المغازي في حديث بني النضير من طريق معمر بهذا الإسناد بمعناه وقال في آخره: إنما يأكل آل محمد في هذا المال واللَّه لقرابة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أحب إليّ أن أصل من قرابتي. وخرّجه من حديث عقيل وصالح بن كيسان ومعمر بأطول من هذا وأشبع، وهي كلها مما اتفق عليه. ولهما أيضا من حديث ابن المبارك عن يونس، عن الزهري، عن الذهبيّ، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا نورث ما تركنا صدقة.
ومن حديث سفيان الثوري، عن أبي الزياد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مثله سواء. ومن حديث حماد بن سلمة [ (1) ] ، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: جاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي أبي بكر فقالت: من يرثك؟ قال: أهلي وولدي قالت: فما لي لإرث أبي؟ فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا نورث، ولكني أعول من كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوله، وأنفق على من كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينفق عليه. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة، حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما أسنده حماد بن سلمة وعبد الوهاب بن عطاء بن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحدا رواه عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، إلا حماد بن سلمة، قال أبو عيسى: وروى عبد الوهاب بن عطاء عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة نحو حديث حماد بن سلمة فذكره، ولفظه: أن فاطمة جاءت أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- تسأل ميراثها من رسول اللَّه فقالا: سمعنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إني لا أورث، قالت: واللَّه لا أكلمكما أبدا فماتت ولم تكلمهما. قال علي بن عيسى: معنى لا أكلمكما: يعني في هذا الميراث أنتما صادقان. قال مؤلفه: تأويل عليّ بن عيسى بن يزيد البغدادي هذا غير موافق عليه، فقد روي الليث، عن عقيل، عن أبي شهاب، عن عروة، عن عائشة
طلبت فاطمة ميراثها في أبيها من أبي بكر، وفي الحديث: فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت. اتفق البخاري ومسلم على إخراج هذا الحديث وهذه اللفظة فيه. وروى إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب هذا الحديث بهذا الإسناد وفيه: فغضبت فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، واتفقا أيضا على هذا الحديث وانفرد البخاريّ بهذا اللفظ دون مسلم. وخرّج البخاريّ [ (1) ] في فرض الخمس والوصايا في الفرائض. وخرج مسلم [ (2) ] في الجهاد وأبو داود في كتاب الفيء من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة، فقال أبو داود: ومؤنة عاملي يعني اكرة الأرض. وخرّجه مسلم أيضا من حديث سفيان عن أبي الزناد بهذا الإسناد نحوه [ (3) ] ، وخرّج أبو عمر يوسف بن عبد البر حديث لا نورث من طرق عديدة، ثم قال: فإن قال قائل لو سلمت فاطمة وعلي والعباس ذلك لقول أبي بكر ما أتى على والعباس في ذلك عمر بن الخطاب في خلافته يسألانه ذلك، وقد علمت أنهما أتيا عمر يسألانه ذلك وذلك معلوم.
قيل له: أما تشاجر علي والعباس وإقبالهما إلى عمر فمشهود، ولكنهما لم يسألا ذلك ميراثا، إنما سألا ذلك عن عمد ليكون بأيديهما منه ما كان بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه أيام حياته، ليعملا في ذلك بالذي كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعمل به في حياته، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأخذ منه قوت عامه ثم يجعل ما فضل في الكراع، والسلاح، عدة في سبيل اللَّه، وكذلك صنع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأراد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذلك لأنه موضع يسوغ فيه الاختلاف، وأما الميراث والتمليك فلا يقوله أحد إلا الروافض، وأما علماء الإسلام فعلى قولين: أحدهما: وهو الأكثر، وعليه الجمهور، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يورث وما ترك صدقة. والآخر: أن بيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يورث، لأنه خصه اللَّه- عز وجل- بأن جعل ما له صدقه زيادة في فضله. كما خصه في النكاح بأشياء حرمها عليه أباحها لغيره، وأشياء أباحها له حرمها على غيره، وهذا القول قاله بعض أهل البصرة، منهم ابن علية، وسائر علماء المسلمين على القول الأول. وأما الروافض فليس قولهم مما يشتغل به، ولا يحكى مثله، لما فيه من الطعن على السلف، والمخالفة لسبيل المؤمنين. وخرج أيضا من حديث عبد اللَّه بن أبي أمية قال: قرئ على مالك، عن ابن شهاب، عن ابن مالك بن أوس بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: حدثنا أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول إنا معشر الأنبياء ما تركنا صدقة، ومن حديث الحميدي [ (1) ] ، حدثنا سفيان عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي.
السابعة: كان له صلى الله عليه وسلم أن يقضي بعلمه وفي غير خلاف مشهود حاصله ثلاثة أقوال لجواز المنع، وفي غير الحدود، وشاهد حكمه عليه السلام بعلمه حديث هند بنت عتبة
وقد خرّج هذا الحديث أبو عبد الرحمن النسائي في (السنن الكبير) من حديث الزبير وغيره. السابعة: كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقضي بعلمه وفي غير خلاف مشهود حاصله ثلاثة أقوال لجواز المنع، وفي غير الحدود، وشاهد حكمه عليه السلام بعلمه حديث هند بنت عتبة خرّج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى
النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: واللَّه يا رسول اللَّه ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ من أن يذلهم اللَّه، وقال البخاريّ: أن يذلوا من أهل خبائك، وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزهم اللَّه من أهل خبائك، وقال البخاريّ: إن يعزوا من أهل خبائك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا والّذي نفسي بيده، ثم قالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل ممسك، وقال البخاريّ: مسيك، فهل عليّ من حرج أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف. وقال البخاريّ: فهل عليّ من حرج من أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال لها: لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف ولم يقل في الحديث: وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا والّذي نفسي بيده. وخرّجه البخاريّ في الأحكام، وترجم عليه باب القضاء على الغائب وحكم القاضي بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهمة، كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وذلك إذا كان مشهودا. وخرّجه في كتاب النذور والإيمان وفي كتاب المناقب وذكره في كتاب النفقات [ (1) ] مختصرا. وخرّجاه أيضا من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. وخرّجه النسائي أيضا [ (2) ] ، واستدل به البيهقيّ [ (3) ] قد اختلف في قوله عليه السلام خذي من ماله ما يكفيك بالمعروف وهل هو قضاء أو إفتاء جزم الرافعي والنووي في (الروضة) [ (4) ] على أنه قضاء، ذكره النووي في القضاء على
الغائب، وذكره في نفقة الأقارب أنه إفتاء وهو مبني على أنه كان أبو سفيان حاضرا أو غائبا وفيه قولان [ (1) ] . قال الخطابي [ (2) ] وقد ذكر الحديث: وفيه جواز الحكم بعلمه وذلك أنه لم يكلفها البينة فيما ادعته من ذلك، إذ كان قد علم صلّى اللَّه عليه وسلّم ما بينهما من الزوجية، وأنه كان كالمستفيض عندهم بخل أبي سفيان، وما كان ينسب إليه من الشح، وظاهر إطلاق الأصحاب أن له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يقضي بعلمه مطلقا سواء الحدود وغيرها.
الثامنة: كان له صلى الله عليه وسلم أن يحكم لنفسه ولولده على الأصح لأنه معصوم وفي من عداه صلى الله عليه وسلم وجه في حكمه لولده
الثامنة: كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحكم لنفسه ولولده على الأصح لأنه معصوم وفي من عداه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجه في حكمه لولده حكاه الماوردي وحكى معه وجها آخر أنه يجوز، وجعل القضاعي هذا الخصوصية والآتية بعدها مما خصّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بهما من بين سائر الأنبياء، ويستدل لذلك بقوله- تعالى-: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (1) ] فإنه يشمل قضاءه لنفسه، ولولده، ومن ذلك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان لا يكره له الفتوى والحكم في حال الغضب، لأنه لا يخاف عليه من الغضب ما يخاف علينا، ذكره النووي في (شرح مسلم) في كتاب اللقطة [ (2) ] . التاسعة: كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبل شهادة من يشهد له خرَّج أبو داود [ (3) ] من حديث أبي اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري، عن عمارة بن خزيمة أنّ عمه حدثه- وهو من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ليقضيه ثمن الفرس، فأسرع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المشي وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي، فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ابتاعه، فنادى الأعرابي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته؟ فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين سمع نداء الأعرابي. فقال: أو ليس قد ابتعته منك؟ قال: لا واللَّه ما بعتكه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بلى قد ابتعته منك، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدا، فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته، فأقبل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على خزيمة فقال: بم تشهد؟ فقال: بتصديقك يا رسول اللَّه، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شهادة خزيمة بشهادة رجلين. ترجم عليه باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يقضي به. وفي صحيح البخاريّ ما يؤيد قصة خزيمة هذه، قال في تفسير سورة الأحزاب [ (1) ] : حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب، عن الزهريّ قال: أخبرني
خارجة بن زيد بن ثابت قال: لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت كثيرا أسمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأها، لم أجدها عند أحد إلا مع خزيمة الأنصاريّ الّذي جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شهادته شهادة رجلين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وفي هذا الحديث التصريح بأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل شهادة من شهد له. ومقتضى إطلاق صاحب (الحاوي الصغير) أن من خصائصه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيضا قبول شهادة من شهد لولده أيضا وبه صرح المروذيّ في (توضيحه الكبير) وله أيضا أن يشهد لنفسه ولولده [ (1) ] صلّى اللَّه عليه وسلّم: فلو قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لفلان على فلان كذا، فيه وجهان.
العاشرة: كان له صلى الله عليه وسلم أن يحمي لنفسه ولم يقع ذلك وليس للأئمة بعده ولا لغيره أن يحموا لأنفسهم
العاشرة: كان له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحمي لنفسه ولم يقع ذلك وليس للأئمة بعده ولا لغيره أن يحموا لأنفسهم ذكر القضاعي هذه الخصيصة بما خص به صلّى اللَّه عليه وسلّم دون من قبله من الأنبياء، وقد اختلف فيما حماه صلّى اللَّه عليه وسلّم للمسلمين، فالصحيح أنه لا ينقض بحال لأنه نص، وقيل إن بقيت الجماعة التي حمى لها لم ينقض، وإن زالت فوجهان: أصحهما المنع أيضا، لأنه تغيير للمقطوع بصحته باجتهاد محتمل للخطإ، وأما الإمام بعده فله نقض ما حماه للحاجة على الأصح [ (1) ] .
الحادية عشر: له صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج صلى الله عليه وسلم إليهما وعلى مالكهما البذل ويفدي مهجة الرسول صلى الله عليه وسلم بمهجته صيانة لمهجة الرسول صلى الله عليه وسلم ووقاية لنفسه الكريمة
الحادية عشر: له صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهما وعلى مالكهما البذل ويفدي مهجة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بمهجته صيانة لمهجة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم ووقاية لنفسه الكريمة بالأموال والأرواح قال اللَّه- جل جلاله-: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ [ (1) ] قال ابن قتيبة: يريد إذا دعاهم إلى أمر ودعتهم أنفسهم إلى خلاف ذلك الأمر كانت طاعته أولى بهم من طاعتهم لأنفسهم. وذكر الفورانيّ وإبراهيم المروذيّ وغيرهما، أنه لو قصده صلّى اللَّه عليه وسلّم ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، ودليله وقاية طلحة بن عبيد اللَّه له بنفسه يوم أحد، وعد القضاعيّ هذه الخصوصية مما خصّ به دون غيره من الأنبياء، وفي هذه المسألة نظر فإن قاصد نفس المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم إما كافر، وإما مسلم، فإن كان كافرا فذلك ليس من الخصوصيات، إلا على طريقه ذكرها الإمام عن الأصوليين، هي أضعف الطرق، وإن كان مسلما فهو بنفس هذا القصد كافر، فتأمله.
المسألة الثانية عشر: أنه يجب على أمته صلى الله عليه وسلم أن يحبوه
المسألة الثانية عشر: أنه يجب على أمته صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يحبوه قال اللَّه- تعالى-: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ [ (1) ] ، قال القاضي عياض: يكفي بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ قرّع تعالى من كان ماله، وأهله، وولده، أحب إليه من اللَّه ورسوله، وأوعدهم بقوله: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، ثم [فسقهم] [ (2) ] بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده اللَّه [ (3) ] .
خرّج مسلم [ (1) ] من حديث إسماعيل بن علية، وعبد الوارث كلاهما عن عبد العزيز، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يؤمن عبد، وفي حديث عبد الوارث: الرجل، حتى أكون أحب إليه من أهله، وماله، والناس أجمعين. وخرّج من حديث شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين [ (2) ] .
وخرّج البخاريّ من حديث ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده، وولده، والناس أجمعين [ (1) ] . ذكره في باب حب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم من الإيمان، وخرّج فيه من طريق شعيب قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده [ (2) ] .
وخرّج في كتاب الأيمان والنذور [ (1) ] من طريق ابن وهب قال: أخبرني حيوة قال: حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد، أنه سمع جده عبد اللَّه بن هشام، قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال عمر: يا رسول اللَّه، لأنت أحبّ إليّ من كل شيء إلا نفسي، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا والّذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن واللَّه لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: الآن يا عمر. وذكره أيضا بهذا الإسناد في مناقب عمر [ (2) ] ، وفي كتاب الاستئذان [ (3) ] ، وانتهى منه إلى قوله: بيد عمر بن الخطاب. وخرّج البخاريّ ومسلم من حديث عبد الوهاب الثقفي عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان اللَّه ورسوله أحب عليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا
يحبه إلا للَّه، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه اللَّه منه، كما يكره أن يقذف في النار [ (1) ] . وقال البخاريّ [ (2) ] : أن يكون اللَّه ورسوله، ولم يقل: بعد أن أنقذه اللَّه منه. وأخرجاه من حديث شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان، من كان يحب المرء لا يحبه إلا للَّه، ومن كان اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواها، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه اللَّه منه [ (3) ] . وقال البخاريّ: وجد حلاوة الإيمان، ومن كان اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا اللَّه، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اللَّه كما يكره أن يلقى في النار. ترجم عليه باب من كره أن يعود في الكفر، كما يكره أن يلقى في النار، في كتاب الإيمان [ (4) ] . وخرّجه في كتاب الأدب، في باب الحب في اللَّه من حديث شعبة [ (5) ] ، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يجد أحد حلاوة
الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا اللَّه، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه اللَّه، وحتى يكون اللَّه ورسوله أحب إليه مما سواهما. ولمسلم من حديث النضر بن شميل قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنحو حديثهم غير أنه قال من رجع يهوديا أو
نصرانيا، وقال سهل بن عبد اللَّه: من لم ير ولاية الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في جميع الأحوال، ويرى نفسه في ملكه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يذوق حلاوة سنته لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه. وخرّج البخاريّ من حديث شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: المرء مع من أحب [ (1) ] . وخرّجاه من حديث جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه كيف ترى رجلا؟ [ (2) ] . وقال البخاريّ: كيف تقول في رجل أحب قوما، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: المرء مع من أحب [ (3) ] . وخرّج أبو داود من حديث يونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ما رأيت أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فرحوا بشيء أشد منه، قال رجل: يا رسول اللَّه الرجل يحب العمل من الخير يعمل به، ولا يعمل مثله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: المرء مع من أحب. ولمسلم [ (4) ] من حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن أعرابيا قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: متى الساعة؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما أعددت لها؟ قال: أحب اللَّه ورسوله، قال: أنت مع من أحببت. وخرّجه البخاريّ [ (5) ] من طرق. وقد أجمع الحافظ أبو نعيم طرق هذا الحديث، وسماه كتاب (المحبين مع المحبوبين) ، عدّ الصحابة فيه نحو العشرين، وقد قال بعض الحفاظ قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: المرء مع من أحب، أو ما هذا معناه
مشهور جدا يكاد يبلغ درجة التواتر، رواه عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنس بن مالك، وعبد اللَّه بن مسعود، وأبو موسي الأشعريّ، وعليّ بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدريّ، وأبو ذر الغفاريّ، وصفوان بن عسال، والبراء بن عازب، وأبو أمامة الباهليّ، وأبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وأبو قتادة الأنصاري، وعبادة الصامت، وجابر بن عبد اللَّه، وأم المؤمنين عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال مؤلفه: فانظر ما أعظم أجر محبة اللَّه تعالى ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ كل محب مع محبوبه، وانظر إلى سيرة السلف في محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم كيف كانت؟ فعن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: ما كان أحد أحبّ إليّ من رسول اللَّه. وعن عبدة بنت خالد بن سعد، أنها قالت: ما كان خالد يأوى إلى فراش إلا وهو يذكر من شوقه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وإلى أصحابه من المهاجرين والأنصار، ويقول: هم أصلي، وفصلي، وهم بحق قلبي، طال شوقي إليهم فعجّل ربّ قبضي إليك، حتى يغلبه النوم. وروى عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه، يعنى أباه أبا قحافة، ذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينك، وعن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال للعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن تسلم أحب إليّ من أن يسلم الخطاب لأن ذاك أحب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وعن هند بنت عمرو بن حرام [ (1) ]- وقد قتل زوجها عمرو بن الجموح وابنها خلاد بن عمرو بن الجموح، وأخوها عبد اللَّه بن عمرو بن حرام- فحملتهم على بعير تريد خيم المدينة فلقيتها عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وقد خرجت تستروح الخبر-[فقالت] : فما وراءك؟ قالت هند: أما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصالح، وكل مصيبة بعده جلل واتخذ اللَّه من المؤمنين شهداء
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [ (1) ] . وسئل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كيف كان حبكم لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: كان واللَّه أحب إلينا من أموالنا، وأولادنا، وأبنائنا، وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ. وقيل لزيد بن الدّثنّة [ (2) ] لما أخرجه أهل مكة من الحرم ليقتلوه، قالوا: أيسرك أن محمدا في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟ قال: ما يسرني أن محمدا أشيك بشوكة وأني في بيتي، قال: يقول سفيان بن حرب: لا، ما رأينا أصحاب رجل قط أشد له حبا من أصحاب محمد بمحمد [ (3) ] . وقال القاضي حسين: يجب على المرء أن يكون حزنه على فراق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الدنيا أكثر من حزنه على فراق أبويه، كما يجب عليه أن يكون عنده أحب إليه من نفسه، وأهله، وماله، والآثار في هذا عن السلف كثيرة جدا. وقال القاضي عياض: من أحب شيئا آثره، وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه، وكان مدعيا، فالصادق في حب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من تظهر علامات [ (4) ] ذلك عليه، وأولها الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله،
وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره، ويسره، ومنشطه ومكرهه. وشاهد هذا قوله- تعالى-: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [ (1) ] . وإيثار ما شرعه، وحض عليه على هوى نفسه، وموافقة شهوته، قال اللَّه- تعالى-: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [ (2) ] . وإسخاط العباد في رضي اللَّه قال، فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة للَّه، ورسوله، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة، ولا يخرج عن اسمها، ودليله قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم للذي حده في الخمر، فلعنه بعضهم، وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا تلعنه فإنه يحب اللَّه ورسوله، ومن علامات محبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كثرة ذكره له، فمن أحب شيئا أكثر ذكره، ومنها كثرة شوقه إلى لقائه، فكل حبيب يحب لقاء حبيبه، ومن علامات ذلك كثرة ذكره وتعظيمه له، وتوقيره عند ذكره، وإظهار الخشوع، والانكسار مع سماع اسمه [ (3) ] . قال إسحاق التجيبيّ: كان أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا، واقشعرت جلودهم، وبكوا، وكذلك كثير من التابعين، منهم من يفعل ذلك محبة له، وشوقا إليه، ومنهم من يفعله تهيبا، وتوقيرا، ومنها محبته لمن أحب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ومن هو بسببه من آل بيته، وصحابته من المهاجرين، والأنصار، وعداوة من عاداهم، وبغض من أبغضهم، وسبهم، فمن أحب شيئا أحب من يحب، ومن قال أحب شيئا، أحب كل شيء يحبه، ومنها بغض من أبغض اللَّه ورسوله، ومعاداة من عاداه، ومجانبة من خالف سنته، وابتدع في دينه، واستقالة كل أمر يخالف شريعته، قال- تعالى-:
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (1) ] وهؤلاء أصحابه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد قتلوا أحبّاءهم، وقاتلوا آباءهم وأبناءهم في مرضاته. وقال له عبد اللَّه بن أبيّ: لو شئت لأتيتك برأسه يعني أباه، ومنها أن يحب القرآن ويحب تلاوته والعمل به، وتفهمه، ويحب سنته، ويقف عند حدودها، ومن علامة حبه للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم شفقته على أمته، ونصحه لهم، وسعيه في مصالحهم، ودفع المضار عنهم، كما كان عليه السلام بالمؤمنين رءوفا رحيما. ومن علامة تمام محبته زهد مدّعيها في الدنيا، وإيثاره الفقر، وإنصافه به. قال: اختلف الناس في تفسير محبة اللَّه، ومحبة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال سفيان: المحبة اتباع الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال بعضهم: محبة الرسول اعتقاد نصرته والذّب عن سنته والانقياد لها، وهيبة مخالفته، وقال بعضهم: المحبة دوام الذكر للمحبوب، وقال بعضهم: المحبة مواطأة القلب لمراد الرب يحب ما أحب، ويكره ما كره. وقال آخر: المحبة ميل القلب إلى موافق له، وأكثر العبارات المتقدمة إشارة إلى ثمرات المحبة دون حقيقتها، وحقيقة المحبة الميل إلى ما يوافق الإنسان، وتكون موافقته له إما لاستلذاذه [بذكره] [ (2) ] بإدراكه كحب الصور الجميلة، والأصوات الحسنة، والأطعمة، والأشربة اللذيذة، وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله، وقلبه معاني باطنة شريفة كمحبة الصالحين، والعلماء، وأهل المعروف، والمأثور عنهم السير الجميلة، والأفعال الحسنة، فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء، حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم، والتشيّع من أمة في آخرين ما يؤدي إلى الجلاء عن الأوطان، وهتك الحرم، واخترام النفوس، أو يكون حبه إياه لموافقة له من جهة إحسانه له، وإنعامه عليه، فقد جبلت النفوس على حب
أما جمال الصورة والظاهر، وكمال الأخلاق والباطن
من أحسن إليها، فإذا تقرر لك هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلمت أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة [ (1) ] . أما جمال الصورة والظاهر، وكمال الأخلاق والباطن فقد قررنا منها قبل فيما مر من الكتاب ما لا يحتاج إلى زيادة [ (2) ] . وأما إحسانه وإنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف اللَّه- تعالى- من رأفته بهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، وشفقته عليهم، واستنقاذهم به من النار، وأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، ورحمة للعالمين، مبشرا، ونذيرا، وداعيا إلى اللَّه بإذنه، ويتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويهديهم إلى صراط مستقيم، فأي إحسان أجل قدرا، وأعظم خطرا، من إحسانه إلى جميع المؤمنين، وأي إفضال أعم منفعة، وأكثر فائدة، من إنعامه على كافة المؤمنين، وداعيهم إلى الفلاح، والكرامة، ووسيلتهم إلى ربهم، وشفيعهم، والمتكلم عنهم، والشاهد لهم، والموجب لهم البقاء الدائم، والنعيم السرمد، فقد استبان لك أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعا، بما قدمناه من صحيح الآثار، وعادة وجبله، بما ذكرناه آنفا لإفاضة الإحسان، وعمومة الإجمال، فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفا، أو استنقذه من هلكه أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع، فمن منحه ما لا يغني من عذاب الجحيم أولى بالحب [ (3) ] ، وإذا كان يحب بالطبع ملكا لحسن سيرته، أو حاكما لما يؤثر من قوام طريقته، أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه، أو كرم
المسألة الثالثة عشر: أنه صلى الله عليه وسلم لا ينقض وضوؤه بالنوم بخلاف غيره
شيمته [ (1) ] ، فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب، وأولى بالميل [ (2) ] . المسألة الثالثة عشر: أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا ينقض وضوؤه بالنوم بخلاف غيره ودليله ما خرّجه البخاريّ من حديث سفيان، عن عمرو قال: أخبرنى كريب، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نام حتى نفخ، ثم صلى، وربما قال: اضطجع حتى نفخ، ثم قام فصلى، ثم حدثنا به سفيان مرة بعد مرة، عن معمر، عن كريب، عن ابن عباس قال: بتّ عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الليل، فلما كان في بعض الليل قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتوضأ من شنّ معلقة وضوءا خفيفا يخففه عمرو، ويقلله، وقام يصلي، فتوضأت نحوا مما توضأ، ثم جئت، فقمت عن يساره، وربما قال سفيان: عن شماله، فحولني فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء اللَّه، ثم اضطجع، فنام حتى نفخ، ثم أتاه المنادي، فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلى ولم يتوضأ، قلنا لعمرو: إنّ أناسا يقولون: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عينيه، ولا ينام قلبه، قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [ (3) ] .
ذكره البخاريّ في أول الوضوء، وترجم عليه باب التخفيف في الوضوء [ (1) ] . وذكره في كتاب [الآذان] في باب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل، والطهور [ (2) ] . وخرّجه مسلم في كتاب الصلاة به مثله أو نحوا منه، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه بلال فأذنه بالصلاة، فخرج، فصلى الصبح، ولم يتوضأ، قال سفيان: وهذا للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم خاصة لأنه بلغنا أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تنام عيناه، ولا ينام قلبه [ (3) ] . وخرّجه البخاريّ ومسلم من طرق عديدة. وخرّج الترمذي [ (4) ] من حديث مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول اللَّه أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة إن عينيّ تنامان ولا ينام قلبي. قال ابن عبد البر: وأما قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم إن عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي، فتلك من علياء مراتب الأنبياء [قال:] تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا. واللَّه أعلم. قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رؤيا الأنبياء وحي لأن الأنبياء يفارقون سائر البشر في نوم القلب، ويساوونهم في نوم العين، فلو سلط النوم على قلوبهم كما يصنع بغيرهم، لم تكن رؤياهم أكثر من سواهم، وقد خصهم اللَّه- تعالى- من فضله بما شاء أن يخصهم به، ومن هنا كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينام حتى ينفخ، ثم يصلي ولا يتوضأ، لأن الوضوء إنما يجب بغلبة
النوم على القلب لا على العين، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يساوي أمته في الوضوء من الحدث، ولا يساويهم في الوضوء من النوم، كما لم يساويهم في وصال الصوم وغيره مما جرت عادتهم به، فإن قيل كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتوضأ، قيل له: كان يتوضأ لكل صلاة وما جاء عنه قط أنه قال: وضوئي هذا من النوم، وليس ببعيد أن يتوضأ إذا خامر النوم قلبه، وذلك نادر، كنومة في سفره عن صلاة الصبح، ليس لأمته أن الصلاة لا يسقطها خروج الوقت، وإن كان مغلوبا بنوم، أو نسيان، وهذا واضح. روى حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نام حتى سمع غطيطه، ثم صلى ولم يتوضأ [ (1) ] . قال عكرمة: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محفوظا، وإن ذلك منه كان نادرا ليس لأمته كما سنّ في من نام، أو نسي كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني لأسن. وذكر عند عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قيل لي: لتنم عينك، ولتغفل، فقال: يا أمير المؤمنين ما يذكر من شأن ذاك أو ذاك، فقال عمر: هبلتك أمك أدركه! مرتين، أو ثلاثا، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لنا: إن رجلا يقال له أويس من قرن من أمره كذا، فلما قدم الرجل لم يبدأ بأحد قبله، فدخل عليه، قال: استغفر لي، فقال: ما بدا لك، قال: إن عمر قال لي كذا وكذا، قال: ما [أنا] بمستغفر لك حتى تجعل لي ثلاثا، قال: وما هن؟ قال: لا تؤذيني فيما بقي، ولا تخبر بما قال لك عمر أحدا من الناس، ونسي الثالثة. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: وقد روى من وجوه أن أويسا [ (2) ] قتل بصفين مع على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بصلة بن أشيم [1]
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بصلة بن أشيم [ (1) ] فخرّج البيهقيّ [ (2) ] من حديث ابن المبارك، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول: يكون في أمتي رجل يقال له: صلة بن أشيم يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا [ (3) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه بولادة غلام له يسميه باسمه صلى الله عليه وسلم
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بولادة غلام له يسميه باسمه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقي [ (1) ] من طريق عون بن سلام، قال قيس: عن ليث، عن محمد بن بشر، عن محمد ابن الحنيفة، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي [ (2) ] . وخرّجه الحافظ أبو نعيم أحمد من طريق عبد العزيز بن الخطاب عن قيس ابن الربيع، عن ليث، عن محمد بن بشر عن محمد ابن الحنفية، عن عليّ قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سيولد لك ولد قد نحلته اسمي وكنيتي [ (3) ] . وفي رواية: حدثنا عليّ: سيولد لك، وخالفهما غيرهما، عن قيس، فقال محمد بن الأشعث: خرّجه الحافظ أبو بكر الخطيب من طريق الحسن بن بشر، عن قيس، عن ليث، عن محمد بن الأشعث، عن ابن الحنفية، عن عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يولد لك ابن قد نحلته اسمي قال: وكلا الحديثين غريب. والمحفوظ عن ابن الحنفية، فذكر حديث وكيع، حدثنا فطر عن
منذر، عن ابن الحنفية قال: قال على: يا رسول اللَّه أرأيت إن ولد لي بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: نعم، فكانت رخصة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ورواه أيوب بن واقد عن فطر، عن منذر الثوريّ، عن محمد ابن الحنفية، عن أبيه عليّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن ولد لك غلام فسمه باسمي، وكنه بكنيتي، وهو رخصة لك دون الناس. ورواه يحيى بن سعيد، عن فطر، عن منذر الثوري، عن محمد ابن الحنفية، عن علي أنه استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن ولد له بعده أن يسميه باسمه، ويكنيه بكنيته، قال: وكانت رخصة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وسماني محمدا وكنيته أبو القاسم. ورواه أبو نعيم، عن فطر هو ابن خليفة، عن منذر الثوري، قال: سمعت ابن الحنفية يقول: كانت رخصة لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: يا رسول اللَّه إن ولد لي بعدك أسميه باسمك، وأكنيه بكنيتك، قال: نعم وكذا رواه على بن قادم، عن فطر. وروى ابن عساكر من طريق محمد بن الصلت الأسدي، قال ربيع بن منذر الثوري، عن أبيه أظنه عن ابن الحنفية، قال: وقع بين طلحة، وبين عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- كلام، قال: فقال لعليّ: إنك تسمى باسمه، وتكنى بكنيته، وقد نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك أن يجمعا لأحد من أمته، فقال على إن الجريء من اجترأ على اللَّه، وعلى رسوله، يا فلان ادع له فلانا وفلانا، فجاء نفر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قريش فشهدوا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رخص لعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يجمعهما، وحرمهما على أمته من بعده. ومن طريق محمد بن سعد [ (1) ] أن محمد بن الصلت، وخالد بن مخلد قالا: عن الربيع بن المنذر، والثوري، عن أبيه قال: وقع بين عليّ وطلحة كلام، فقال له طلحة: ما أجرأك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سميت باسمه، وكنيت بكنيته، وقد نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يجمعهما أحد من أمته بعده، فقال عليّ: إن الجرى
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام أم ورقة [1] بأنها ستدرك الشهادة فكان كما أخبر
من اجترأ على اللَّه وعلى رسوله، اذهب يا فلان فادع لي فلانا وفلانا لنفر من قريش، قال: فجاءوا، فقال: بم تشهدوا؟ قالوا: نشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنه سيولد لك بعدي غلام، فقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا يحل لأحد من أمتي بعده. ومن حديث ابن أبي خثيمة، عن محمد بن الصلت الأسديّ، عن الربيع ابن منذر، عن أبيه قال: كان بين عليّ وطلحة كلام، فقال عليّ: إن الجريء من افترى على اللَّه، وعلى رسوله، يا فلان ادع لي فلانا وفلانا، فدعا نفرا من قريش، فقال: بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: سمّ يا عليّ [باسمي] وكن بكنيتي، ولا تحل لأحد بعدك. وأما إخباره عليه الصلاة والسلام أمّ ورقة [ (1) ] بأنها ستدرك الشهادة فكان كما أخبر فخرّج البيهقيّ [ (2) ] وغيره من طريق أبي نعيم، قال الوليد بن جميع: قال حدثتني جدتي عن أم ورقة بنت عبد اللَّه بن الحارث، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
يزورها ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين غزا بدرا قالت: تأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم، وأمرّض مرضاكم لعل اللَّه- تعالى- يهدي لي شهادة، قال: إن اللَّه- تعالى- مهد لك شهادة، فكان يسميها الشهيدة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أمرها أن تؤم أهل دارها، وأنها غمتها جارية لها، وغلام كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقيل: إن أم ورقة قتلتها جاريتها، وغلامها، وأنهما هربا، فأتى بهما فصلبهما، فكانا أول مصلوبين بالمدينة، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: صدق رسول اللَّه كان يقول: انطلقوا نزور الشهيدة [ (1) ] . وخرّجه أبو داود [ (2) ] من حديث وكيع بن الجراح، حدثنا الوليد بن عبد اللَّه ابن جميع، قال: حدثتني جدتي، وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاريّ، عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما غزا بدرا قالت له: يا رسول اللَّه ائذن لي في الغزو معك أمرّض مرضاكم لعل اللَّه أن يرزقني شهادة، قال: قري في بيتك، فإن اللَّه يرزقك الشهادة، قال: فكانت تسمى الشهيدة، فاستأذنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يتخذ في دارها مؤذنا، فأذن لها، قال: وكانت دبرت غلاما لها، وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها بقطيفة لها حتى ماتت ودفناها، فأصبح عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقام في الناس، فقال: من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما فجيء بهما فصلبا، فكانا أول مصلوب بالمدينة.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بالطاعون الذي يأتي بعده
قال أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] : أم ورقة بنت عبد اللَّه بن الحارث بن عويمر الأنصاريّ، وقيل: أم ورقة بنت نوفل وهي مشهورة بكنيتها، واضطرب أهل الخبر في نسبها. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالطاعون الّذي يأتي بعده فخرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث بسر بن عبيد اللَّه أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ قال: سمعت عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: اعدد ستا بين يدي الساعة: موتى، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من بيوت المدينة إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم، وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا.
ذكره في كتاب الجزية والموادعة، في باب ما يحذر من الغدر. وخرّجه البيهقي [ (1) ] بهذا السند، ولفظه قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في خباء من أدم، فجلست بفناء الخباء فسلمت، فرد وقال: ادخل يا عوف، فقلت: أكلي أم بعضي؟ قال: كلك، فدخلت، فرأيته يتوضأ وضوءا مكيثا، ثم قال: يا عوف احفظ خلالا ستا بين يدي الساعة: إحداهن موتى، قال عوف: فوجمت عندها وجمة شديدة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قل إحدى، فقلت: إحدى، ثم قال: فتح بيت المقدس، أظنه قال: ثم موتان يظهر فيكم يستشهد اللَّه به ذراريكم، وأنفسكم، ويزكى به أموالكم، ثم استفاضة المال بينكم، وذكر الحديث. وهذه الستة قد وقع بعضها، فمات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفتح بيت المقدس في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ووقع الطاعون، ثم استفاض المال في خلافة عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال الوليد بن مسلم، قال سعيد بن عبد العزيز: زاد عثمان الناس عامة مائة دينار، ومائة دينار في عطياتهم، قالوا: وكانت الفتنة الرابعة من الآيات الستة مقتل بالشام، والعراق، وخرسان بين الفرق والعصبية، ولا نزال متتابعة حتى تقع فتنة الروم. ومن طريق ابن وهب قال [ (2) ] : أخبرني ابن لهيعة، عن عبد اللَّه بن حبان أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة، فقام عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا أيها الناس إنما هذا الوجه رجس فتنحوا منه، فقال شرحبيل بن حسنة: يا أيها الناس إني قد سمعت قول صاحبكم، وإني واللَّه لقد أسلمت، وصليت وإن عمرا لأضلّ من بعير أهله، وإنما هو بلاء أنزله اللَّه فاصبروا، فقام معاذ بن جبل، فقال: يا أيها الناس إني قد سمعت قول صاحبيكم هذين، وإن هذا الطاعون رحمة ربكم،
ودعوة بينكم، وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنكم ستقدمون الشام، فتنزلون أرضا يقال لها جسر عموسة [ (1) ] ، فتخرج لكم فيها جرجان لها ذباب كذباب الدمل يستشهد اللَّه به أنفسكم، وذراريكم، ويزكى به أموالكم، اللَّهمّ إن كنت تعلم أني سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فارزق معاذا، وآل معاذ من ذلك الحظ الأوفى، ولا تعافه منه، قال: فطعن في السبابة، فجعل ينظر إليها ويقول: اللَّهمّ بارك فيها فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيرا، ثم طعن ابنه، فدخل عليه، فقال: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [ (2) ] ، قال: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [ (3) ] . قال المؤلف- رحمة اللَّه عليه-: وقوله في هذا الحديث: وأن هذا الطاعون رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، يشير إلى حديث يحيى بن أبي بكير، قال: عن أبي بكر النهشلي، عن رماد بن علابة عن أسامة بن شريك، قال: خرجنا في اثنى عشر من بني ثعلبة، فبلغنا أن أبا موسى نزل منزلا، فأتيناه، فسمعناه يحدث عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: اللَّهمّ اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون، قلنا: يا رسول اللَّه هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون؟ قال: وخز أعدائكم وذراريكم من الجن، وفي كل شهداء [ (4) ] . وخرج ابن عساكر من طريق هشام بن خالد الأزرق عن الحسن بن يحي، عن ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن بشر بن مرة، عن معاذ بن جبل،
قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تنزلون منزلا يقال له: الجاثية، يصيبكم فيه ذباب مثل عدة الجمل يستشهد اللَّه به أنفسكم، ودراركم، ويزكى أبدانكم. وخرجه الطبراني إلا أنه قال: كما يستشهد اللَّه به أنفسكم ودراركم، ويزكى به أعمالكم. وقال سيف بن عمر: قالوا: ووقع الطاعون بالشام، ومصر، والعراق، واستقر في الشام، ومات فيه الناس الذين هم في أهل الأمصار، وفي المحرم، وصفر، يعني سنة سبع عشرة وارتفع عن الناس، وكتبوا إلى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بإخلاء الشام، قالوا: وكان ذلك الطاعون موتانا لم ير مثيله طمع له العدو في [الناس] وتخوفت له قلوب المسلمين [لما] كثر موته، وطال مكثه، حتى [ما] تكلم في ذلك اثنان فاختلفوا، فأمر معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالصبر حتى ينجلي، وأمر عمر بن عبسة بالتنحي، ثم ذكر سيف كلامهم في ذلك.
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بفتن تموج كموج البحر وأنها تكون بعد قتل عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتن تموج كموج البحر وأنها تكون بعد قتل عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرج البخاريّ من حديث حفص بن غياث، عن الأعمش، عن شقيق سمعت حذيفة يقول: بينا نحن جلوس عند عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إذ فقال: * يكم يحفظ قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره، يكفرها الصلاة، والصدقة والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر، فقال: ليس عليك منها يا أمير المؤمنين بأس، إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال عمر: أيكسر الباب أم يفتح؟ قال: بل يكسر، قال عمر: إذن لا يغلق الباب أبدا، قلت: أجل، قلت لحذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقا فسأله، فقال: من الباب؟ قال عمر [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، قال: كنا عند عمر، فقال: أيكم يحفظ حديث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الفتنة كما قال؟ قال: قلت: أنا، قال: إنك لجريء، وكيف قال؟ قلت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: فتنة الرجل في أهله، وماله، ونفسه، وولده وجاره، يكفرها الصلاة، والصيام، والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقال عمر: ليس هذا أريد إنما أريد، التي تموج كموج البحر، قال: فقلت:
مالك، ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال: أفيكسر الباب، أو يفتح؟ قال: قلت: لا بل يكسر، قال: ذلك أحرى أن لا يغلق أبدا، قال: فقلنا لحذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: هل كان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد ليلة، إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط قال: فهبنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سله، فسأله، فقال: عمر [ (1) ] . وخرّجه من حديث وكيع، وجرير، وعيسى بن يونس، ويحيى بن عيسى كلهم، عن الأعمش، بهذا الإسناد نحو حديث أبي معاوية، وفي حديث عيسى، عن الأعمش، عن شقيق، قال: سمعت حذيفة يقول [ (2) ] . وخرّجه من حديث سفيان، عن جامع بن أبي راشد والأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قال عمر: من يحدثنا عن الفتنة، واقتص بنحو حديثهم [ (3) ] . وخرّجه البخاريّ في كتاب الصلاة، وفي كتاب الزكاة، وفي أول المناقب، وفي أبواب علاماتها النبويّة. وخرّج الإمام أحمد [ (4) ] حديث أبي عوانة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عزرة بن قيس، عن خالد بن الوليد، قال: كتب إليّ أمير المؤمنين حين ألقى الشام، بوانية بثينة وعسلا- وشك عفان، مرة قال: حين ألقى الشام كذا وكذا- فأمرني أن أسير إلى الهند والهند، في أنفسنا يومئذ البصرة، قال: وأنا لذلك كاره، قال: فقام رجل فقال لي: يا أبا سليمان، اتّق اللَّه فإن الفتن قد
ظهرت، قال: فقال: وابن الخطاب حيّ؟! إنما تكون بعده، والناس بذي بليان- أو بذي بليان- بمكان كذا وكذا، فينظر الرجل فيتفكر، هل يجد مكانا لم ينزل به ما نزل بمكانه الّذي هو فيه من الفتنة والشر، فلا يجده، قال: وتلك الأيام التي ذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين يدي الساعة أيام الهرج، فنعوذ باللَّه أن تدركنا وإياكم تلك الأيام.
وأما إنذاره عثمان بن عفان رضي الله تبارك وتعالى عنه بالبلوى التي أصابته فقتل فيها
وأما إنذاره عثمان بن عفان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالبلوى التي أصابته فقتل فيها خرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيب قال: أخبرنى أبو موسى الأشعريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه توضأ في بيته، ثم خرج، فقلت: لألزمنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأكوننّ معه يومي هذا، قال: فجاء المسجد فسأل عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقالوا: خرج ووجه هاهنا. قال: فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس، قال: فجلست عند الباب- وبابها من جريد- حتى قضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاجته، وتوضأ، فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه، ودلاهما في البئر، قال: فسلمت عليه، ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اليوم، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، قال: فذهبت، فقلت: يا رسول اللَّه هذا أبو بكر يستأذن، قال: ائذن له وبشره بالجنة. قال: فأقبلت حتى قلت لأبى بكر: ادخل ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبشرك بالجنة، قال: فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القف، ودلى رجليه في البئر كما صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد اللَّه بفلان يريد أخاه خيرا يأت
به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسلمت عليه، وقلت: هذا عمر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فجئت عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقلت له ادخل ويبشرك رسول اللَّه بالجنة، قال: فدخل، فجلس مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد اللَّه بفلان خيرا يعنى أخاه يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، قال: وجئت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فقال: ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه. وقال البخاريّ: على بلوى تصيبه، قال: فجئت، فقلت: ادخل ويبشرك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالجنة مع بلوى تصيبك، قال: فدخل، فوجد القفّ قد مليء، فجلس، وجاههم من الشقّ الآخر، قال شريك: قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم [ (1) ] ، ذكره البخاريّ في مناقب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرّجه مسلم [ (2) ] من حديث سليمان بن بلال، قال: أخبرني شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر قال: سمعت سعيد بن المسيب بنحوه أو قريب منه. وخرّجاه من حديث محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن شريك، وخرجاه أيضا من حديث عثمان بن غياث، قال: حدثني أبو النهدي، عن أبي موسى، ومن حديث حماد، عن أيوب، عن أبي عثمان النهديّ [ (3) ] . وخرّجه الترمذيّ [ (4) ] من طريق حماد به، وقال: هذا حديث صحيح، وقد روى من غير وجه، عن أبي عثمان النهديّ، وقال الحافظ أبو القاسم بن
عساكر: والحديث محفوظ من مسند أبي موسى، رواه عن صفية، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهديّ وابنه أبو بردة. وخرّجه البيهقيّ [ (1) ] من طريق عبد الأعلى بن أبي المساور، عن إبراهيم بن محمد بن حاطب، عن عبد الرحمن بن بجير، عن زيد بن أرقم قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر، فتجده في داره جالسا محتبيا، فقل: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أبشر بالجنة، ثم انطلق حتى تأتي الثنية، فتلقى عمر راكبا على حمار تلوح صلعته، فقل إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ عليك السلام، ويقول: أبشر بالجنة، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق، وهو يبيع ويبتاع، فقل: إن النبي يقرأ عليك السلام، ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد، قال: فانطلقت حتى أتيت أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فوجدته في داره جالسا محتبيا كما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقلت: إن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقرأ عليك السلام، ويقول: أبشر بالجنة، قال: فأين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قلت: في مكان كذا وكذا قال: فقام، فانطلق إليه، قال: ثم أتيت الثنية، فإذا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- راكب على حمار [ (2) ] تلوح صلعته كما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: إن نبي اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول أبشر بالجنة، قال: فأين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقلت: في مكان كذا وكذا، فانطلق له قال: ثم انطلقت إلى السوق فأجد عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فيها يبيع ويبتاع كما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: إن نبي اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول أبشر بالجنة بعد بلاء شديد، قال: فأين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فقلت: في مكان كذا وكذا، قال: فأخذ بيدي وأقبلنا جميعا حتى أتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا نبيّ اللَّه إن زيدا أتاني فقال: إن نبي اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول:
أبشر بالجنة بعد بلاء شديد! وأي بلاء يصيبني يا رسول اللَّه؟ والّذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك، فأيّ بلاء يصيبني؟ فقال: هو ذاك. قال البيهقيّ: عبد الأعلى [ (1) ] بن أبي المساور ضعيف في الحديث، فإن كان حفظ هذا فيحتمل أن يكون النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث زيد بن أرقم وأبو موسى لم يعلمه فقعد على الباب، فلما جاءوا راسلهم على لسان أبي موسى بمثل ذلك. قال المؤلف- رحمه اللَّه وعفى عنه- قد خرّج ابن عساكر حديث البئر من طريق بكر بن المختار ومن طريق عبد الأعلى عن أبي المساور وكلاهما عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. ومن طريق المبارك بن فلفل أخي المختار عن أنس، ومن طريق أبي معاوية، عن عمرو بن سلمة، عن أبي حازم، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرّج معناه من حديث إسماعيل بن قيس، عن أبيه قيس بن زيد بن ثابت، ومن حديث زيد بن أبي أنيسة، عن محمد بن عبد اللَّه، عن المطلب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرّج البيهقيّ [ (2) ] من من حديث يحيى بن سعيد القطان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة مولى عثمان بن عفان، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ادع لي أو ليت عندي رجل من أصحابي، قالت: قلت: أبو بكر؟ قال: لا، قالت:
قلت: عمر؟ قال: لا، قلت: ابن عمك علي؟ قال: لا، قلت: فعثمان؟ قال: نعم، قال: فجاء عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: قومي، قال: فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يسر إلى عثمان ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار [ (1) ] قلنا: ألا تقاتل؟ قال: لا، إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عهد إليّ أمرا فأنا صابر نفسي عليه [ (2) ] . وخرّجه الترمذيّ من حديث يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن خالد، عن قيس [بن أبي حازم] حدثني أبو سهلة قال: قال عثمان يوم الدار: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد عهد إليّ عهدا فأنا صابر عليه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن أبي خالد [ (3) ] . وللبيهقي من حديث إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمر مولى المطلب [ (4) ] ، عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم «لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دنياكم شراركم» [ (5) ] . وقد خرّجه أبو عيسى من حديث عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عبد اللَّه وهو ابن عبد الرحمن الأنصاري الأشهليّ، عن حذيفة بن اليمان أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمثله، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو [ (6) ] .
وخرج البيهقيّ من طريق عبد اللَّه بن الحكم [المصري] وشعيب بن الليث، قالا: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط التجيبيّ، عن عبد اللَّه بن حوالة [الأسديّ] ، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من نجا من ثلاث فقد نجا، قالوا: ماذا يا رسول اللَّه؟ قال: موتى، وقتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه، ومن الدجال [ (1) ] . وخرّج الترمذيّ من طريق حجين بن المثنى، عن الليث بن سعد، عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الملك بن عامر، عن النعمان بن بشير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا عثمان إنه لعل اللَّه يقمّصك قميصا، فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم. قال: وفي الحديث قصة طويلة. قال: هذا حديث حسن غريب [ (2) ] . وخرّجه البيهقيّ من حديث عبد اللَّه بن صالح قال: حدثني الليث قال: حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف أنه حدثه أنه جلس يوما مع شفيّ الأصبحي فقال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: سيكون فيكم اثنا عشر خليفة: أبو بكر الصديق لا يلبث خلفي [ (3) ] إلا قليلا، وصاحب رحى دار العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا، فقال رجل: يا رسول اللَّه! ومن هو؟ قال: عمر بن الخطاب، ثم التفت إلى عثمان فقال: وأنت يسألك الناس أن تخلع
قميصا كساكه اللَّه- عز وجل- والّذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى بلج الجمل في سمّ الخياط [ (1) ] . وخرّجه الطبراني من طريق بقية عن صفوان بن عمرو بن يزيد عن النعمان بن بشير قال: حججت فأتيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: من أنت فقلت أنا النعمان فقالت ابن بشير؟ فقلت: نعم فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال يوما لعثمان: إن كساك اللَّه ثوبا فأرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه. قال النعمان: فقلت: غفر اللَّه لك يا أم المؤمنين ألا ذكرت هذا حين جعلوا يختلفون إليك؟ فقالت فقلت: أنسيته حتى بلغ اللَّه فيه أمره. وخرّجه الإمام أحمد من طريق الوليد بن سليمان قال: حدثني ربيعة بن يزيد عن عبد اللَّه بن عامر، عن النعمان بن بشير، عن عائشة قالت: أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عثمان بن عفان فأقبل عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما رأينا رسول اللَّه أقبلت إحدانا على الأخرى فكان من آخر كلام كلمه، أن ضرب منكبه وقال: يا عثمان إن اللَّه- عز وجل- عسى أن يلبسك قميصا فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني ثلاثا فقلت لها: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك؟ قالت: أنسيته واللَّه فما ذكرته، قال فأخبرته معاوية بن أبي سفيان فلم يرض بما أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين، أن اكتبى إليّ به، فكتبت به إليه كتابا [ (2) ] . قال المؤلف- رحمه اللَّه- ورواه فرج بن فضالة عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهريّ، عن عروة عن عائشة.
ورواه محمد بن عبد الأعلى بن كناسة الأسدي أبو يحيى، عن إسحاق بن سعيد، عن عمرو بن سعيد بن العاص، عن ابنه قال: بلغني أن عائشة قالت: ورواه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وحماد بن سلمة كلاهما عن هشام بن عروة، عن ابنه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. ورواه يحيى بن سعيد عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي سلمة، عن عائشة. ورواه أبو معاوية محمد بن حازم الضرير، عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. ورواه سفيان بن عيينة وزيد بن أبي أنيسة، عن إسماعيل بن أبي خالد، فجعله من مسند عثمان. وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث أرطاة بن المنذر، أخبرني أبو عون الأنصاري أن عثمان بن عفان قال لابن مسعود: هل أنت منته عما بلغني عنك؟ فاعتذر إليه بعض العذر، فقال عثمان: ويحك! إني قد سمعت وحفظت وليس كما سمعت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنه سيقتل أمير وينتزى منتز وإني أنا المقتول، وليس عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنما قتل عمر واحد وإنه يجتمع عليّ. وقال موسى بن عقبة [ (2) ] : حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستأذن عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الكلام، فأذن له، فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنكم ستلقون بعدي فتنة، واختلافا، أو قال: اختلافا وفتنة، فقال قائل من الناس: فمن لنا يا رسول اللَّه؟ أو ما تأمرنا به؟ قال:
عليكم بالأمين، وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بذلك. وقال يعقوب بن سفيان عن عبيد اللَّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن منصور عن ربعيّ بن خراش عن البراء بن ناجية الكاهليّ، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تدور رحى الإسلام عند رأس خمس، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإلا تروحى عنهم سبعين سنة، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أمن هذا؟ أو من مستقبله؟ قال: من مستقبله. قال البيهقيّ: تابعه الأعمش، وسفيان الثوريّ، عن منصور [ (1) ] . وخرّج الحاكم من حديث قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن ربعيّ، عن البراء بن ناجية، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: تدور رحى الإسلام على خمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن بقي لهم دينهم سبعين عاما، فقال عمر: يا رسول اللَّه بما بقي؟ أو بما مضى؟ قال: بما بقي، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ولم يخرجاه] [ (2) ] . وخرجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث مسدد، عن يزيد بن مروان، عن العوام بن حوشب، عن سليمان بن أبي عبلة، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن مسعود، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: تدور رحى
الإسلام على خمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من هلك، وإن بقوا بقي لهم دينهم سبعين سنة [ (1) ] .
قال البيهقيّ: وبلغني أن في هذا إشارة إلى الفتنة التي كان فيها قتل عثمان سنة خمس وثلاثين، ثم إلى الفتن التي كانت في أيام على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأراد بالسبعين- واللَّه أعلم- ملك بني أمية، فإنه بقي ما بين أن استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان، وضعف أمر بنى أمية، ودخل الوهن فيه نحوا من سبعين سنة [ (1) ] . وخرّج البيهقيّ من حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة أن رجلا حدثه، عن عبد الرحمن بن عديس [ (2) ] أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يخرج أناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون في جبل لبان، أو الجليل، أو جبل لبنان [ (3) ] . وخرّجه ابن يونس من حديث ابن لهيعة، عن عياش بن عياش، عن الهيثم بن شفيّ، عن عبد الرحمن بن عديس قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يخرج ناس من أمتي يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلون في جبل لبنان والخليل [ (4) ] . ومن حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن معاوية بن أبي سفيان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخذ ابن عديس في زمن أهل مصر، فجعله في بعلبكّ، فهرب منه، فطلب سفيان بن مجيب فأدركه رجل رام من قريش،
فأشار إليه بنشابة، فقال ابن عديس: أنشدك اللَّه في دمي، فإنّي ممن بايع تحت الشجرة، فقال: إن الشجر كثير في الجبل، أو قال: الجليل فقتله، قال ابن لهيعة: كان عبد الرحمن بن عديس البلويّ سار بأهل مصر إلى عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقتلوه، ثم قتل ابن عديس بعد ذلك [ (1) ] [بعام أو اثنين بجبل لبنان أو بالجليل] [ (2) ] . قال البيهقيّ: ورواه عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عياش بن عياش، عن أبي الحصين، عن عبد الرحمن بن عديس بمعنى الحديث المرفوع ثمّ في قتله، ورواه عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد الرحمن بمعنى الحديث المرفوع [ (3) ] . قال البيهقيّ: وبلغني عن محمد بن يحيى الذّهليّ أنه قال: عبد الرحمن البلويّ هو رأس الفتنة لا يحل أن يحدّث عنه بشيء، وبلغني عن أبي حامد بن الشرقي أنه قال: حدثونا أن عبد الرحمن البلويّ هذا خطب حين حصر عثمان، فقال ابن مسعود يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: عثمان أضلّ عيبة بفلاة عليها قفل ضل مفتاحها، فبلغ ذلك عثمان فقال: كذب البلويّ ما سمعها من عبد اللَّه بن مسعود، ولا سمعها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (4) ] . قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد روى الشاميون عدة أحاديث في مقتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أورد منها الحافظ أبو القاسم بن عساكر جملة في تاريخ دمشق، ولما كلم على عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عند ما بدأ الناس يعينونه، كان مما قاله لعثمان: وإني أحذرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة.
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بأقوام يؤخرون الصلاة
وقال عبد اللَّه بن محمد بن عقيل: قتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سنة خمس وثلاثين، فكانت الفتنة خمس سنين منها أربعة أشهر للحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. قاله الإمام أحمد في (المسند) [ (1) ] . وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأقوام يؤخرون الصلاة فخرّج مسلم [ (2) ] عن حماد بن زيد، عن أبي عمران الجونيّ، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صلّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلّ، فإنّها لك نافلة. وخرّج مسلم [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا ذر إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة، فصلّ الصلاة لوقتها، فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك. وخرّج مسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا شعبة، عن بديل قال: سمعت أبا العالية يحدث عن عبد اللَّه بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضرب فخذي: كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: فما تأمر؟ قال: صلّ الصلاة لوقتها، ثم اذهب لحاجتك، فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد، فصل.
وخرّجاه [ (1) ] من حديث إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب عن أبي العالية البراء قال: أخر ابن زياد الصلاة، فجاءني عبد اللَّه بن الصامت، فألقيت له كرسيا، فجلس عليه، فذكرت له صنيع ابن زياد، فعض على شفته وضرب على فخذي وقال: إني سألت أبا ذرّ كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: إني سألت رسول اللَّه ص كما سألتني، فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: صلّ الصلاة لوقتها فإن أدركتك الصلاة معهم فصلّ ولا تقل: إني قد صليت، فلا أصلي. وخرّجاه [ (2) ] من حديث خالد بن الحارث قال: عن شعبة، عن أبي نعامة، عن عبد اللَّه بن الصامت، عن أبي ذر قال: كيف أنتم؟ أو قال: كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ فصلّ الصلاة لوقتها، ثم إن أقيمت الصلاة فصلّ معهم فإنّها زيادة خير. وخرّج مسلم [ (3) ] من طريق مطر، عن أبي العالية البراء قال: قلت لعبد اللَّه بن الصامت: نصلي يوم الجمعة خلف أمراء، فيؤخرون الصلاة، قال: فضرب فخذي ضربة أوجعتني وقال: سألت أبا ذر عن ذلك، فضرب فخذي، وقال: سألت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذلك، فقال: صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة. ولابن الجارود من حديث أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زرّ بن حبيش، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم، فصلوا في بيوتكم الوقت الّذي تعرفون، ثم صلوا معهم، واجعلوها تسبيح.
وقال ابن عبد البر: وقد روى الخبر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عبادة بن الصامت، وعامر بن ربيعة، وقبيصة بن وقاص، ومعاذ بن جبل، كما رواه أبو ذر، وابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهي آثار صحاح كلها ثابتة. خرّج البيهقيّ من طريق عبد اللَّه بن عثمان بن خيثم، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه سيلي أمركم قوم يطفئون السنة، ويحدثون البدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. قال ابن مسعود: فكيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركتهم؟ قال: يا ابن أم عبد لا طاعة لمن عصى اللَّه، قالها ثلاثا [ (1) ] . ومن طريق ابن خثيم، عن القاسم بن عبد الرحمن أن أباه أخبره أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة بالكوفة وأنا جالس مع أبي في المسجد، فقام عبد اللَّه بن مسعود، فثوب بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل الوليد إليه: ما حملك على ما صنعت، أجاءك من أمير المؤمنين أمر؟ فسمع وطاعة، أم ابتدعت الّذي صنعت؟ قال: لم يأتنا من أمير المؤمنين أمر، ومعاذ اللَّه أن أكون ابتدعت أبى اللَّه علينا ورسوله أن ننتظرك في صلاتنا ونتبع حاجتك [ (2) ] . وروى ابن يونس من طريق عيسى بن حماد، عن ابن وهب، عن عمرو بن مالك، وحيوة بن شريح، عن ابن الهاد، قال: خرجت أنا وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن القاسم، فقال ربيعة: سأل رجل القاسم بن محمد وأنا وعبد الرحمن معه، وذلك في إمرة ابن حبان، وكان ابن حبان يؤخر الصلاة، وكان الناس يومئذ لا يصلون الصلاة معهم حتى يذهب وقتها، فقال له رجل: يا أبا محمد صليت قبله؟ - يعني ابن حبان- قال: نعم، قال: وتصلي معهم أيضا؟ قال: نعم، قال: تصلي مرتين؟ فقال القاسم: نعم أصلى مرتين أحب إليّ من أن لا أصلي.
وقال عيسى بن حماد: قلت لعبد اللَّه بن وهب: فما كان يمنعهم أن يصلوا في منازلهم، ولا يحضروا معهم؟ قال: لم يكن يمكنهم ذلك، كان من تخلف عنهم عوقب أشد العقوبة. قال ابن وهب: حدثني الحارث بن نبهان، عن سليمان بن عمرو عن محمد بن إسماعيل قال: كنت بين عطاء، وسعيد بن جبير، والحجاج بن يوسف يخطب، وقد أخر الصلاة حتى كادت تفوت، قال: فرأيت عطاء، وسعيد بن جبير يصليان إيماء. وذكر ابن عبد البر من حديث حفص بن غياث، عن عقبة بن معتب، قال: كنا نصلي مع الحجاج الجمعة، ثم ننصرف فنبادر مسجد سماك نصلي العصر. وعن ابن جريح، عن عطاء قال: أخّر الوليد مرة الجمعة حتى أمسى، قال: فصلينا الظهر قبل أن أجلس، ثم صليت العصر وأنا جالس وهو يخطب، قال أضع يدي على ركبتي، وأومى إيماء برأسي. وعن الثوري، عن محمد بن إسماعيل قال: رأيت سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، أخّر الوليد بن عبد الملك الصلاة، فرأيتهما يومئان إيماء وهما قاعدان. وعن الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق وأبى عبيدة أنهما كانا يصليان الظهر إذا حانت الظهر، وإذا حانت العصر صليا العصر في المسجد مكانهما، وكان ابن زياد يؤخر الظهر والعصر. وعن إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن شقيق قال: كان يأمرنا أن نصلي الجمعة في بيوتنا، ثم نأتي المسجد وذلك أن الحجاج كان يؤخر الصلاة. وقال أبو زرعة عن أبي مسهر، عن سعيد بن عبد العزيز قال: كانوا يؤخرون الصلاة في أيام الوليد بن عبد الملك، ويستحلون الناس أنهم ما صلوا، فأتى عبد اللَّه بن أبي زكريا، فاستحلف أنه ما صلى، وقد كان صلى، وأتى مكحول، فقال: فلما جئنا إذن؟ فترك. قال ابن عبد البر: وكانت ملوك بنى أمية على تأخير الصلاة، كان ذلك شأنهم قديما من زمن عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد كان الوليد
ابن عقبة يؤخرها في زمن عثمان، وكان ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ينكر ذلك عليه، ومن أجل ذلك حدث ابن مسعود بالحديث في ذلك، وكانت وفاة ابن مسعود في خلافة عثمان، قال: وإنما صلّى من صلّى إيماء وقاعدا لخوف خروج الوقت، وللخوف على نفسه القتل والضرب، ومن كان شأنه التأخير لم يؤمن عليه فوات الوقت من المدينة والشام إلا على إنكاره عليهم تأخير الصلاة، ولا يصح عندي إخراجه من المدينة ذلك، وإنما حمل العلماء- واللَّه أعلم- الصلاة معهم أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك، وحضه على لزوم الجماعة، وفي قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي ذر: كيف بك يا أبا ذر إذا كان عليك أمراء؟ ويقوله لكبار الصحابة الذين رووا الحديث: يكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة، دليل على تأخير الصلاة عن وقتها، وقد كان قبل زمن الوليد بن عبد الملك لأن أبا ذر توفى في خلافة عثمان بالربذة [ (1) ] ، ودفن بها على قارعة الطريق، وصلّى عليه ابن مسعود منصرفه من الكوفة إلى المدينة، وتوفى ابن مسعود بالمدينة بعد ذلك بيسير، وفي قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في حديث أبي ذر وغيره: سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، ولم يقل: خلفا، دليل على أن عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لم يكن يؤخر الصلاة، ولا يظن ذلك مسلم به لأن عثمان من الخلفاء لا من الأمراء، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، فسماهم خلفاء، وقال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم إمارة، وملكا، وجبروتا، فتضمنت الخلافة هذه الأربعة.
وأما ظهور صدقة صلى الله عليه وسلم فيما قال لعقبة بن أبي معيط في صبيته
وأما ظهور صدقة صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما قال لعقبة بن أبي معيط في صبيته فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم قال: أراد الضحاك بن قيس أن يستعمل مسروقا، فقال له عمارة بن عقبة: عن أبي معيط تستعمل رجلا من بقايا قتله عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقال له مسروق: عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وكان في أنفسنا موثوق الحديث، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أراد قتل أبيك قال: من للصبية قال: النار، فقد رضيت لك ما رضي لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال الإمام أحمد [ (2) ] : عن فياض بن محمد الرقى، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج الكلابي، عن عبد اللَّه الهمدانيّ، عن الوليد بن عقبة قال: لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيمسح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رءوسهم، ويدعو لهم، فجيء بي إليه وإني مطيب بالخلوق فلم يمسح على رأسي ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني بالخلوق فلم يمسني من أجل الخلوق. قال الإمام أحمد [ (3) ] وقد روي أنه مسح يومئذ فقذره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلم يمسه ولم يدع له الخلوق ولا يمنع من الدعاء لطفل في فعل غيره لكنه منع بركة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لسابق علم اللَّه فيه. قال المؤلف- رحمه اللَّه وعفى عنه-: عبد اللَّه الهمزاني على الشك أبو موسى قال ابن عدي: لا يصح حديثه، قال البخاريّ [ (4) ] : قال ابن عدي
وعبد اللَّه الهمدانيّ: لم ينسب ولم أعرفه إلا هكذا، وقال ابن عبد البر وأبو موسى: هذا محمول والحديث منكر مضطرب لا يصح، ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقا في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم صبيا يوم الفتح، ويدل أيضا على فساد ما رواه أبو موسى مجهول، إن الزبير وغيره من أهل العلم اليسير والخبر، ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة وكانت هجرتها في الهدنة بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبين أهل مكة ومن كان غلاما مخلقا يوم الفتح يجيء منه مثل هذا وذلك واضح والحمد للَّه.
وقال عبد الرزاق [ (1) ] : عن معمر، عن قتادة في قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [ (2) ] قال: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الوليد بن عقبة إلى بنى المصطلق، فأتاهم الوليد بن عقبة فخرجوا يتلقونه، ففرقهم فرجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ارتدوا، فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد، فلما دنا منهم، بعث عيونا ليلا فإذا هم يصلون وينادون فأتاهم خالد، فلم ير منهم إلا طاعة وخيرا، فرجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فأنزل اللَّه الآية- وقال ابن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله- عز وجل- إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ نزلت في الوليد بن عقبة وذكر ذلك عن مجاهد وقتادة وابن أبي ليلى. ومن حديث الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة في قصة ذكرها أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [ (3) ] . قال ابن عبد البر [ (4) ] : وكان الأصمعي وأبو عبيدة وابن الكلبي وغيرهم يقولون: كان الوليد بن عقبة فاسقا شريب خمر وكان شاعرا كريما [تجاوز اللَّه عنا وعنه] قال أبو عمر بن عبد البر: أخباره في شرب الخمر ومنادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة يسمج بنا ذكرها هنا، وله أخبار فيها نكارة وشناعة بقطع على سوء حاله، وقبح أفعاله، غفر اللَّه لنا وله، فلقد كان من رجالات قريش ظرفا وحلما وشجاعة وأدبا وكان من الشعراء المطبوعين، وتذكر منها طرفا: ذكر عمر بن شبة قال: عن هارون بن معروف عن ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال: صلى الوليد [ابن عقبة] بأهل الكوفة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال عبد اللَّه بن مسعود: ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم.
قال: وحدثنا محمد بن حميد، عن جرير، عن الأجلح، عن الشعبي في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه فقال الخطيئة: في ذلك: شهد الخطيئة يوم يلقي ربه ... أن الوليد أحق بالغدر نادي وقد تمت صلاتهم ... أأزيدكم سكرا وما يدري فأبوا أبا وهب ولو أذنوا ... لقرنت بين الشفع والوتر كفّوا عنانك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري وقال أيضا: تكلم في الصلاة وزاد فيها ... علانية وجاهر بالنفاق ومج الخمر في سنن المصلي ... ونادي والجميع إلى افتراق أزيدكم على أن تحمدوني ... فما لكم وما لي من خلاق قال ابن عبد البر: وخبر صلاته بهم وهو سكران، وقوله لهم: أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعا، مشهورة من رواية الثقات من نقل أهل الحديث وأهل الإخبار. وقد روى فيما ذكر الطبري: أنه تعصب عليه قوم من أهل الكوفة بغيا وحسدا وشهدوا عليه زورا أنه تقيأ الخمر، وذكر القصة، قال ابن عبد البر: وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار لا يصح عند أهل الحديث: ولا له عند أهل العلم أصل، والصحيح عندهم في ذلك ما رواه عبد العزيز بن المختار وسعيد بن أبي عروبة، عن عبد اللَّه الداناج، عن حصين بن المنذر أبي ساسان، أنه ركب إلى عثمان فأخبره بقصة الوليد، وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر، وأنه صلى صلاة الغداة بالكوفة أربعا، ثم قال: أزيدكم؟ فقال أحدهما: رأيته يشربها، وقال الآخر: رأيته يتقيأها، فقال عثمان: إنه لم يتقيأها حتى شربها. وقال لعلي: أقم عليه الحد، فقال عليّ لابن أخيه عبد اللَّه بن جعفر أقم عبد اللَّه بن جعفر أقم عليه الحد، فأخذ السوط، فجلده وعثمان يعد، حتى بلغ أربعين، فقال عليّ: أمسك، جلد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخمر أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة. قال ابن عبد البر: وكان معاوية لا يرضاه، وهو الّذي حرضه على قتال عليّ، فرب حريص محروم.
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بالفتن من بعده فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم ووقعت الفتنة في آخر أيام عثمان وفي أيام علي رضي الله تبارك وتعالى عنهما
وذكر له ابن عبد البر [ (1) ] في تحريضه معاوية على قتال عليّ أتركها طلبا للاختيار. وقد سمع أبو جعفر محمد بن جرير الطبري- رحمه اللَّه- فيما ذكر من تعصب القوم، قال الوليد: وإنهم شهدوا عليه بالزور، سيف بن عمر فإنه أورد ذلك في كتاب (الردة) له، ولولا خوف الإطالة لنقلت ما رواه من ذلك. وقد خرّج البيهقيّ حديث عبد اللَّه الداناج من طريق سعيد بن أيوب قال يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة، عن عبد اللَّه الداناج فذكره. وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بالفتن من بعده فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم ووقعت الفتنة في آخر أيام عثمان وفي أيام علي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فخرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث ابن عيينة أنه سمع الزهريّ، عن عروة، عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة، عن زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من النوم محمرا وجهه يقول: لا إله إلا اللَّه ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه- وعقد سفيان تسعين أو مائة- قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.
وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بهذا الإسناد ولفظه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استيقظ من نومه وهو يقول لا إله إلا اللَّه ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه- وعقد سفيان بيده عشرة- قلت: يا رسول اللَّه أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. وخرّجه مسلم [ (2) ] من حديث يونس عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أن زينب بنت جحش قالت: خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما فزعا محمرا وجهه يقول لا إله إلا اللَّه ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها فقلت: يا رسول اللَّه أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. وخرّجه من حديث الليث [ (3) ] قال: حدثني عقيل بن خالد، ومن حديث إبراهيم بن سعد قال أبي: عن صالح كلاهما عن ابن شهاب بمثل حديث يونس، عن الزهريّ بإسناده. وخرّجه البخاريّ في كتاب الأنبياء [ (4) ] من حديث الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة.
وخرّجه في كتاب الفتن [ (1) ] من حديث محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن عروة مثل حديث عقيل. وخرّجه في باب علامات النبوة [ (2) ] في الإسلام من حديث شعيب، عن الزهريّ قال: أخبرني عروة نحو حديث عقيل، ولأبي داود [ (3) ] من حديث عقيل، ولأبي داود من حديث سلام بن سلام بن سليم، عن منصور، عن هلال بن سياف، عن سعيد بن زيد، قال: كنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر فتنة فعظم أمرها أو قالوا: يا رسول اللَّه لئن أدركتنا هذه لتهلكنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا، إن بحسبكم القتل، قال سعيد: فرأيت إخواني قتلوا. وله من حديث الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويل للعرب من شر قد اقترب، موتوا إن استطعتم. وخرّج الحاكم [ (4) ] من حديث عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ويل للعرب من شر قد اقترب، على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة، والصدقة غرامة، والشهادة بالمعرفة، والحكم بالهوى [ (5) ] .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه بهذه الزيادات. وقال سليمان بن حرب عن يزيد بن إبراهيم التستري قال: سمعت الحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال الزبير: لما نزلت وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [ (1) ] ما كنا نشعر أنها وقعت. ولأبي داود الطيالسي من حديث الصلت بن دينار قال: حدثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردي قالا: سمعنا الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو يتلو هذه الآية: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً قال: وقعت حيث وقعت [ (2) ] . وقال الإمام أحمد [ (3) ] : حدثنا أبو سعيد- مولى بني هاشم، عن شداد يعني ابن سعيد، عن غيلان بن جرير، عن مطرف قال: قلنا للزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا أبا عبد اللَّه ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟، قال الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إنا قرأناها على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأبي بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً قال: لقد تلوت هذه الآية زمانا وما أراني من أهلها فأصبحنا من أهلها. وخرّجه من حديث أسود بن عامر حدثنا جرير سمعت الحسن قال: قال الزبير: فذكر معناه. وخرّج البخاريّ [ (4) ] من حديث شعيب عن الإمام، ومن حديث محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب، عن هند بنت الحارث الرواسية أن أم سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: استيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة فزعا يقول سبحان اللَّه ماذا أنزل
اللَّه من الخزائن وماذا أنزل من الفتن [ (1) ] ؟ من يوقظ صواحب الحجرات- يريد أزواجه- لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة. ذكره في الفتن، وذكره في كتاب الأدب من حديث شعيب عن الزهريّ، حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: استيقظ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال سبحان اللَّه ماذا أنزل من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجر- يريد أزواجه- حتى يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، وخرّجه في كتاب (العلم) [ (2) ] وفي كتاب (اللباس) [ (3) ] من حديث معمر عن الزهريّ. وخرّج البخاريّ [ (4) ] ومسلم [ (5) ] كلاهما من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، عن عروة، عن أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أشرف على أطم من آطام المدينة فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا، قال: فإنّي لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كوقع القطر. وقال البخاريّ: على أطم من الآطام وقال: إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر. وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث معمر عن الزهريّ بهذا الإسناد نحوه. وخرّج البخاريّ [ (2) ] في آخر كتاب الحج من حديث سفيان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة قال سمعت أسامة قال: أشرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على أطم من آطام المدينة فقال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر، قال الحافظ أبو نعيم: فكان تحقيق هذا الخبر ما وقع بالمدينة وقتل عثمان وما وقع يوم الحرة في أيام يزيد بن معاوية. وخرّج مسلم [ (3) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب أن أبا إدريس الخولانيّ كان يقول: قال حذيفة بن اليمان: واللَّه إني لأعلم الناس بكل فتنة فهي كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي إلا أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أسرّ إلى في ذلك شيئا لم يحدثه غيري ولكن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال:
وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يعد الفتن: منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري. قال البيهقيّ [ (1) ] : ومات حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد الفتنة الأولى يقتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقيل الفتنتين الأخريين في أيام علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فهن ثلاث لم يكدن يذرن شيئا وهن المراد بالمذكورات في الخبر فيما نعلم. واللَّه أعلم. وله من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: عن إبراهيم بن سعد عن سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن محمود بن لبيد، عن محمد بن مسلمة أنه قال: يا رسول اللَّه كيف أصنع إذا اختلف المصلون قال: تخرج بسيفك إلى الحرة ونفر فتضرب بها ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة. ولأبي داود [ (2) ] من حديث عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن الأشعث بن سليم، عن أبي بردة، عن ثعلبة بن ضبيعة، قال: دخلنا على حذيفة، فقال: إني لأعرف رجلا لا تضره الفتن شيئا، فخرجنا، فإذا فسطاط مضروب، فإذا فيه محمد بن مسلمة، فسألناه عن ذلك، فقال: ما أريد أن يشتمل على شيء من أمصارهم حتى تنجلي عما انجلت. حدثنا مسدد [ (3) ] ، عن أبي عوانه، عن أشعث بن سليم، عن أبي بردة عن ضبيعة بن حصين الثعلبي، بمعناه. خرّج مسلم [ (4) ] من حديث حماد بن زيد قال عثمان السحام: انطلقت أنا وفرقد السبخي إلى مسلم بن أبي بكرة وهو في أرضه فدخلنا عليه فقلنا: هل
سمعت أباك يحدث، قال: سمعت أبا بكرة يحدث قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت، فمن كان له أرض فليلحق بأرضه، قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللَّهمّ هل بلغت، اللَّهمّ هل بلغت، اللَّهمّ هل بلغت؟ قال: فقال رجل: يا رسول اللَّه أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار. وخرّجه من حديث وكيع [ (1) ] وابن أبي عدي كلاهما، عن عثمان الشحام بهذا الإسناد حديث ابن أبي عدي نحو حديث حماد إلى آخره، وانتهى حديث وكيع عند قوله إن استطاع النجاء. ولم يذكر ما بعده.
وأما صدق إخباره صلى الله عليه وسلم بأن إحدى نسائه تنبح عليها كلاب الحوأب [1]
وأما صدق إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن إحدى نسائه تنبح عليها كلاب الحوأب [ (1) ] وماء الحوأب ينسب إلى الحوأب ابنة كلب بن وبرة أم ثعلبة وهو ظاعنه ومحارب بن مر بن أو بن طابخة بن إلياس بن نضر بن نزار بن معد بن عدنان. خرّج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث محمد بن جعفر قال: عن شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة إني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لنا: أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ فقال الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ترجعين عسى اللَّه أن يصلح بك بين الناس.
وخرّجه أيضا من حديث يحيى عن إسماعيل عن قيس قال: لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح اللَّه- عز وجل- ذات بينهم، قالت: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب [ (1) ] . وخرّجه بقي بن مخلد من حديث أبي أسامة عن إسماعيل، عن قيس قال لما بلغت عائشة بعض مياه بني عامر ليلا نبحت عليها الكلاب فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، فوقفت وقالت: ما أظنني إلا أني راجعة سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لنا ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب [ (2) ] . وخرّج البيهقيّ [ (3) ] من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين قال: عن عبد الجبار بن الورد، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خروج بعض نسائه أمهات المؤمنين فضحكت عائشة وقال: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت ثم التفت إلى علي فقال: يا علي وليت من أمرها شيئا فأرفق بها. قال المؤلف- رحمه اللَّه- عمار الدهني هو عمار بن معاوية ويقال: ابن أبي معاوية ويقال: ابن صالح ويقال: ابن حبان البجلي الكوفيّ مولى الحكم بن نفيل وأحمد وابن معين وأبو حاتم: ثقة، إلا أنه كان شيعيا، قطع بشر بن مروان عن عرقوبيه في التشيّع [ (4) ] . وقال البيهقيّ [ (5) ] وحذيفة بن اليمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- توفى قبل مسير عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وقد أخبرنا الطفيل
وعمرو بن ضليع بمسير إحدى أمهات المؤمنين في كتيبة ولا يقوله إلا عن سماع. وذكر من حديث عبد اللَّه بن رجاء قال: عن همام بن يحيى قال: عن قتادة، عن أبي الطفيل قال: انطلقت أنا وعمرو إلى حذيفة فذكر الحديث وقال فيه: لو حدثتكم أن أم أحدكم تغزوه في كتيبة تضربه بالسيف ما صدقتموني، قال: رواه أيضا أبو الزاهرية عن حذيفة [ (1) ] . وخرّج الحاكم [ (2) ] من حديث هلال بن العلاء الرقي، عن عبد اللَّه بن جعفر، عن عبيد اللَّه بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: كنا عند حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: بعضنا حدثنا يا أبا عبد اللَّه ما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو فعلت لرجمتموني، قال: قلنا: سبحان اللَّه أنحن نفعل ذلك؟ قال: أرأيتكم لو حدثتكم أن بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها، شديد بأسها، صدقتم به؟ قالوا: سبحان اللَّه! ومن يصدق بهذا، ثم قال حذيفة: أتتكم الحميراء في كتيبة يسوقها أعلاجها حيث تسوء وجوهكم ثم قام فدخل مخدعا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. [ولم يخرجاه] . وقال البيهقيّ [ (3) ] عن جعفر بن عون، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: وددت أني ثكلتك عشرة مثل ولد الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري الّذي سرت.
وقال حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا محمد بن يوسف، قال: ذكر سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لوددت إذا مت وكنت نسيا منسيا [ (1) ] . أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، قال حدثنا أبي، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت وائلا قال: لما بعث عليّ عمارا والحسن إلى الكوفة يستنفرهم خطب عمار، فقال: أني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن اللَّه- تبارك وتعالى- ابتلاكم لتتبعوه أو إياها [ (2) ] . وخرّجه البخاريّ في كتاب الفتن [ (3) ] من حديث أبي بكر، عن عياش، عن ابن عباس، عن ابن حصين، عن أبي مريم عبد اللَّه بن زياد الأسدي قال: لما صار طلحة، والزبير، وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- إلى البصرة بعث عليّ عمار بن ياسر والحسن بن علي فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه، فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة واللَّه إنها لزوجة نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم في الدنيا والآخرة ولكن اللَّه ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي. وذكره في كتاب (الفتن) من حديث ابن أبي غنيّة، عن الحكم، عن أبي وائل قال: قام عمّار على منبر الكوفة، فذكر عائشة وذكر مسيرها وقال: إنها زوجة نبيكم صلّى اللَّه عليه وسلّم في الدنيا الآخرة، ولكنها مما ابتليتم [ (4) ] .
ذكر خبر وقعة الجمل تصديقا للفقرة السابقة
وخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق أبي نعيم قال: عن عبد الجبار بن العباس الشامي الكوفي، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن الهجنع، عن أبي بكرة، قال: قيل له: ما يمنعك ألا تكون قاتلت على بصيرتك يوم الجمل؟ قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: يخرج قوم هلكى لا يفلحون، قائدهم امرأة قادئهم في الجنة. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد وقع حديث أبو بكرة في البخاريّ من حديث عوف، عن الحسن، عن أبي بكرة قال: لقد نفعني اللَّه بكلمة سمعتها من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيام الجمل بعد ما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم. قال: لما بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يصلح قوم ولّوا أمرهم امرأة. ذكره في آخر كتاب المغازي [ (2) ] وفي كتاب الفتن [ (3) ] . ذكر خبر وقعة الجمل تصديقا للفقرة السابقة [خرجت [ (4) ] عائشة ومن معها من مكة وتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فبكوا على الإسلام، فلم ير يوم كان أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم، فكان يسمى يوم النحيب، فلما بلغوا ذات عرق لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بها فقال: أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم؟ يعني عائشة وطلحة والزبير، اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم. فقالوا: نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا. فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال: إن
ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني. قالا: نجعله لأحدنا أينا اختاره الناس، قال: بل تجعلونه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه. فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام! قال: فلا أراني أسعى إلا لإخراجها من بني عبد مناف. فرجع ورجع عبد اللَّه بن خالد بن أسيد، وقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما قال سعيد، من كان هاهنا من ثقيف فليرجع. فرجع ومضى القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان، وأعطى يعلي بن منية عائشة جملا اسمه عسكر اشتراه بثمانين دينارا فركبته، وقيل: بل كان جملها لرجل من عرينة. قال العرني: بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال: أتبيع جملك؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بألف درهم، قال: أمجنون أنت؟. قلت: ولم؟ واللَّه ما طلبت عليه أحدا إلا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد إلا فته، قال: لو تعلم لمن نريده! إنما نريده لأم المؤمنين عائشة! فقلت: خذه بغير ثمن. قال: بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم، قال: فرجعت معه فأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة، وقالوا لي: يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق؟ قلت: أنا من أدل الناس. قالوا: فسر معنا، فسرت معهم فلا أمر على واد إلا سألوني عنه، حتى طرقنا الحوأب، وهو ماء، فنبحتنا كلابه، فقالوا: أي ماء هذا؟ فقلت هذا ماء الحوأب، فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت: إن للَّه وإن إليه راجعون، إني لهيه، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول وعنده نساؤه: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب، ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت: ردوني، أنا واللَّه صاحبة ماء الحوأب، فأناخوا حولها يوما وليلة، فقال لها عبد اللَّه بن الزبير: إنه كذب، ولم يزل بها وهي تمتنع، فقال لها: النجاء النجاء! قد أدرككم عليّ بن أبي طالب، فارتحلوا نحو البصرة، ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وكان رجل عامة، وألزّه بأبي الأسود الدئلي، وكان رجل خاصة، وقال لهما: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها، وعلم من معها. فخرجا فانتهيا إليها بالحفير، فأذنت لهما، فدخلا وسلما وقالا: إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: واللَّه ما مثلي يعطي لبنيه الخبر، إن الغوغاء ونزاع القبائل غزوا حرم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأحدثوا فيه
وآووا المحدثين فاستوجبوا لعنة اللَّه ولعنة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام وسفكوه، وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتي هؤلاء وما الناس فيه وراءنا، وما ينبغي لهم من إصلاح هذه القصة، وقرأت: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ [ (1) ] الآية، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به، ومنكر ننهاكم عنه. فخرج عمران وأبو الأسود من عندها فأتيا طلحة وقالا: ما أقدمك؟ فقال: الطلب بدم عثمان، فقالا: ألم تبايع عليا؟ فقال: بلى والسيف على عنقي وما أستقيل عليا البيعة إن هو لم يحل بيننا وبينا قتلة عثمان. ثم أتيا الزبير فقالا: له مثل قولهما لطلحة، وقال لهما مثل قول طلحة، فرجعا إلى عثمان بن حنيف ونادى مناديها بالرحيل. فقال عثمان: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان تزيف، فقال عمران: إي واللَّه لتعركنكم عركا طويلا قال: فأشر عليّ يا عمران، قال: اعتزل فإنّي قاعد، قال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين. فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بلبس السلاح، فاجتمعوا إلى المسجد وأمرهم بالتجهز، وأمر رجلا دسه إلى الناس خدعا كوفيا قيسيا فقام فقال: أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي، إن هؤلاء القوم إن كانوا جاءوا خائفين فقد أتوا من بلد يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان، فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا. فأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد فدخلوا من أعلاه ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، فاجتمع القوم بالمربد، فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد، وعثمان في ميسرته، فأنصتوا له، فحمد اللَّه وأثنى عليه، وذكر عثمان وفضله وما استحل منه، ودعا إلى الطلب بدمه وحثهم عليه وكذلك الزبير، فتكلمت عائشة، وكانت جهورية الصوت، فحمدت اللَّه وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون
على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبرونا عنهم، فننظر في ذلك فنجده بريئا تقيا وفيا، ونجدهم فجرة غدرة كذبة، وهم يحاولون غير ما يظهرون، فلما قووا كاثروه، واقتحموا عليه داره، واستحلوا الدم الحرام، والشهر الحرام، والبلد الحرام، بلا ترة ولا عذر، إلا أن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره، أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب اللَّه، وقرأت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ [ (1) ] الآية، فافترق أصحاب عثمان فرقتين، فرقة قالت: صدقت وبرت، وقال الآخرون: كذبتم واللَّه ما نعرف ما جئتم به! وأقيل جارية بن قدامة السعدي وقال: يا أم المؤمنين واللَّه لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح! إنه قد كان لك من اللَّه ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك! إنه من رأى قتالك يرى قتلك! لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس وأقبل حكيم بن جبلة العبديّ وهو على الخيل، فأنشب القتال، وأشرع أصحاب عائشة رماحهم، وأمسكوا ليمسك حكيم وأصحابه، فلم ينته وقاتلهم وأصحاب عائشة كافون يدفعون عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها، فاقتتلوا على فم السكة، وأمرت عائشة أصحابها فتيمانوا إلى مقبرة بني مازن وحجز الليل بينهم ورجع عثمان إلى القصر، وأتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبون وبات الناس يأتونهم، واجتمعوا بساحة دار الرزق، فغاداهم حكيم بن جبلة العبديّ وهو يسب وبيده الرمح، فقال له رجل من عبد القيس: من هذا الّذي تسبه؟ قال: عائشة، قال: يا ابن الخبيثة ألأمّ المؤمنين تقول هذا؟ فطعنه حكيم فقتله، ثم مر بامرأة وهو يسبها أيضا، فقالت له: الأمّ المؤمنين تقول هذا يا ابن الخبيثة؟ فطعنها فقتلها، ثم سار فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا إلى أن زال النهار وكثر القتل في أصحاب عثمان بن حنيف وكثر الجراح في الفريقين، فلما عضتهم الحرب تنادوا إلى الصلح وتوادعوا، فكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسأل أهلها، فإن كان طلحة والزبير أكرها خرج عثمان بن حنيف عن
البصرة وأخلاها لهما، وإن لم يكونا أكرها خرج طلحة والزبير، وكتبوا بينهم كتابا بذلك وسار كعب بن سور إلى أهل المدينة يسألهم. فقدم الكتاب على عثمان، وقدم كعب بن سور، فأرسلوا إلى عثمان ليخرج، فاحتج بالكتاب وقال: هذا أمر آخر غير ما كنا فيه، فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر، ثم قصدا المسجد فوافقا صلاة العشاء، وكانوا يؤخرونها، فأبطأ عثمان، فقدّما عبد الرحمن بن عتاب، فشهر الزط والسيابجة السلاح، ثم وضعوه فيهم، فأقبلوا عليهم فاقتتلوا في المسجد فقتلوا، وهم أربعون رجلا، فأدخلا الرجال على عثمان فأخرجوه إليهما، فلما وصل إليهما توطئوه وما بقيت في وجهه شعرة، فاستعظما ذلك وأرسلا إلى عائشة يعلمانها الخبر، فأرسلت إليهما أن خلو سبيله. وقد قيل في إخراج عثمان غير ما تقدم، وذلك أن عائشة وطلحة والزبير لما قدموا البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان: من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا، فإن لم تفعل فخذل الناس عن عليّ، فكتب إليها: أما بعد فأنا ابنك الخالص، لئن اعتزلت ورجعت إلى بيتك وإلا فأنا أول من نابذك. وقال زيد: رحم اللَّه أم المؤمنين! أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فتركت ما أمرت به وأمرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه، وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف فقال: لست أخاف اللَّه إن لم أنصره! فجاء في جماعة من عبد القيس ومن تبعه من ربيعة وتوجه نحو دار الرزق، وبها طعامه أراد عبد اللَّه بن الزبير أن يرزقه أصحابه! فقال له عبد اللَّه: ما لك يا حكيم؟ قال: نريد أن نرتزق من هذا الطعام، وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم عليّ، وأيم اللَّه لو أجد أعوانا عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم، ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم، أما تخافون اللَّه؟ بم تستحلون الدم الحرام؟ قال: بدم عثمان، قال: فالذين قتلتم هم قتلوا عثمان، أما تخافوا مقت اللَّه؟ فقال له عبد اللَّه: لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان حتى تخلع عليا. فقال حكيم: اللَّهمّ إنك حكم عدل فاشهد، وقال لأصحابه: لست في شك من قتال هؤلاء القوم، فمن كان في شك
فلينصرف. وتقدم فقاتلهم. فقال طلحة والزبير: الحمد للَّه الّذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة، اللَّهمّ لا تبق منهم أحدا فاقتتلوا قتالا شديدا، ومع حكيم أربعة قواد، فكان حكيم بحيال طلحة، وذريح بحيال الزبير، وابن المحترش بحيال عبد الرحمن بن عتاب، وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلاثمائة، فضرب رجل رجله فقطعها، فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه، فصرعه وأتاه فقتله ثم اتكأ عليه، فأتى عليه رجل وهو رثيث رأسه على آخر، فقال: ما لك يا حكيم؟ قال: قتلت، قال: من قتلك؟ قال: وسادتي، فاحتمله وضمه في سبعين من أصحابه، وقيل: قتله رجل فقال له ضخيم وقتل معه ابنه الأشرف وأخوه الرعل بن جبلة، ولما قتل حكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف، فقال لهم: أما إن سهلا بالمدينة فإن قتلتموني انتصر، فخلوا سبيله، فقصد عليا. وقتل ذريح ومن معه، وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه، فلجئوا إلى قومهم، فنادى منادى طلحة والزبير: من كان فيهم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم، فجيء بهم فقتلوا ولم ينج منهم إلا حرقوص بن زهير، فإن عشيرته بني سعد منعوه، وكان منهم، فنالهم من ذلك أمر شديد، وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان منهم وتأمرهم أن يثبطوا الناس عن علي وتحثهم على طلب قتلة عثمان، وكتبت إلى أهل اليمامة وإلى أهل المدينة بما كان منهم أيضا، وسيرت الكتب، وكانت هذه الوقعة لخمس ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين. قال الشعبي: ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة نفر بدريون ما لهم سابع، وقال سعيد بن زيد: ما اجتمع أربعة من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لخير يعلمونه إلا وعليّ أحدهم، قيل: وقال أبو قتادة الأنصاري لعلي: يا أمير المؤمنين إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلدني هذا السيف وقد أغمدته زمانا وقد حان تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لا يألون الأمة غشا وقد أحببت أن تقدمني فقدمني: وقالت أم مسلمة: يا أمير المؤمنين لولا أن أعصي اللَّه وأنك لا تقبله مني لخرجت معك، وهذا ابن عمي، وهو واللَّه أعز عليّ من نفسي، يخرج معك ويشهد مشاهدك، فخرج معه وهو لم يزل معه، واستعمله عليّ على البحرين، ثم عزله، واستعمله النعمان بن عجلان الزرقيّ، فلما أراد عليّ المسير إلى
البصرة وكان يرجو أن يدرك طلحة والزبير فيردهما قبل وصولهما إلى البصرة أو يوقع بهما، فلما سار أستخلف على المدينة تمّام بن العباس، وعلى مكة قثم ابن العباس، وقيل: أمر على المدينة سهل بن حنيف، وسار علي من المدينة في تعبئته التي تعبأها لأهل الشام آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في تسعمائة، وسار حتى انتهى إلى الرَّبَذَة، فلما انتهى إليها أتاه خبر سبقهم، فأقام بها يأتمر ما يفعل، وأتاه ابنه الحسن في الطريق، فقال له: لقد أمرتك فعصيتني فتقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك. فقال له علي: إنك لا تزال تخن خنين الجارية، وما الّذي أمرتني فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها، ثم أمرتك يوم قتل أن لا تبايع حتى تأتيك وفود العرب وبيعة أهل كلّ مصر فإنّهم لن يقطعوا أمرا دونك، فأبيت عليّ، وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد كان على يد غيرك، فعصيتني في ذلك كله. ولما قدم الرَّبَذَة وسمع بها خبر القوم أرسل منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن جعفر وكتب إليهم: إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث، فكونوا لدين اللَّه أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا، فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا، فمضيا وبقي عليّ بالربذة، وأرسل إلى المدينة فأتاه ما يريده من دابة وسلاح وأمر أمره وقام في الناس فخطبهم وقال: إن اللَّه- تبارك وتعالى- أعزنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء اللَّه، الإسلام دينهم والحق فيهم والكتاب إمامهم، حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزع بين هذه الأمة! ألا إن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلها، فنعوذ باللَّه من شر ما هو كائن. فلما أراد المسير من الرَّبَذَة إلى البصرة قام إليه ابن لرفاعة بن رافع فقال: أمير المؤمنين، أي شيء تريد وأين تذهب بنا؟ فقال: أما الّذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه، قال: فإن لم يجيبونا إليه؟ قال: ندعهم
بعذرهم ونعطيهم الحقّ ونصبر، قال: فإن لم يرضوا؟ قال: ندعهم ما تركونا قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتنعنا منهم، قال: فنعم إذا. وسار علي من الرَّبَذَة وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح، والراية مع محمد بن الحنفية، وعليّ على ناقة حمراء يقود فرسا كميتا، فلما انتهى إلى ذي قار أتاه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعرة، وقيل: أتاه بالربذة، وكانوا قد نتفوا شعر رأسه ولحيته، على ما ذكرناه، فقال: يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وقد جئتك أمرد، فقال: أصبحت أجرا وخيرا، إن الناس وليهم قبلي رجلان فعملا بالكتاب والسنة، ثم وليهم ثالث فقالوا وفعلوا، ثم بايعوني وبايعني طلحة والزبير، ثم نكثا بيعتي وألبّا الناس علي، ومن العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر وعثمان وخلافهما عليّ، واللَّه إنهما ليعلمان أني لست بدون رجل ممن تقدم، اللَّهمّ فاحلل ما عقدا ولا تبرم ما أحكما في أنفسهما، وأرهما المساءة فيما قد عملا! وأقام بذي قار ينتظر محمدا ومحمدا، فأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس. وقيل: إن عليا أرسل الأشتر بعد ابنه الحسن وعمار إلى الكوفة فدخل والناس في المسجد وأبو موسى يخطبهم ويثبطهم والحسن وعمار معه في منازعة، وكذلك سائر الناس، كما تقدم، فجعل الأشتر لا يمر بقبيلة فيها جماعة إلا دعاهم، ويقول: اتبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة الناس، فدخله وأبو موسى في المسجد يخطبهم ويثبطهم والحسن يقول له: اعتزل عملنا لا أم لك! وتنح عن منبرنا! وعمار ينازعه، فأخرج الأشقر غلمان أبي موسى من القصر، فخرجوا يعدون وينادون: يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا. فنزل أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر: اخرج لا أم لك أخرج اللَّه نفسك! فقال: أجلني هذه العشية فقال: هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة، ودخل الناس ينهبون متاع أبي موسى، فمنعهم الأشتر وقال: أنا له جار، فكفوا عنه. فنفر الناس في العدد المذكور، وقيل: إن عدد من سار من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل، قال أبو الطفيل: سمعت عليا يقول ذلك قبل وصولهم، فقعدت فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا. وكان على كنانة وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار
الرياحي، وكان على سبع قيس سعد بن مسعود الثقفي عم المختار، وعلى بكر وتغلب وعلة بن محدوج الذهلي، وكان على مذحج والأشعرين حجر بن عدي، وعلى بجيلة وأنمار وخثعم والأزد مخنف بن سليم الأزدي، فقدموا على أمير المؤمنين بذي قار، فلقيهم في ناس معه فيهم ابن عباس فرحب بهم وقال: يا أهل الكوفة أنتم قاتلتم ملوك العجم وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فمنعتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوهم، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن يرجعوا فذاك الّذي نريد، وإن يلجوا داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بظلم، ولم ندع أمرا فيه صلاح إلا أثرناه على ما فيه الفساد إن شاء اللَّه. وكان رؤساء الجماعة من الكوفيين: القعقاع بن عمرو، وسعد بن مالك، وهند بن عمرو، والهيثم بن شهاب، وكان رؤساء النفار: زيد بن صوحان، والأشتر، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجبة، ويزيد بن قيس، وأمثال لهم ليسوا دونهم، إلا أنهم لم يؤمروا، منهم حجر بن عدي، فلما نزلوا بذي قار دعا علي القعقاع فأرسله إلى أهل البصرة وقال: الق هذين الرجلين، وكان القعقاع من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فادعهما إلى الألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة، وقال له: كيف تصنع فيما جاءك منهما وليس عندك فيه وصاة [مني] ؟ قال: نلقاهم بالذي أمرت به، فإذا جاء منهم ما ليس عندنا منك فيه رأى اجتهدنا رأينا وكلمناهم كما نسمع ونرى أنه ينبغي قال: أنت لها. فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة فسلم عليها وقال: أي أمه ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني الإصلاح بين الناس. قال: فأبعثني إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامها، فبعثت إليهما، فجاءا، فقال لهما: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها، فقالت: الإصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان، قال: فأخبراني ما وجه هذه الإصلاح؟ فو اللَّه لئن عرفناه لنصلحن ولئن أنكرناه لا نصلح. قال: قتلة عثمان، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن. قال: قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة، وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة رجل فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم
حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف، فإن تركتموهم كنتم تاركين لما تقولون، وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكم، فالذي حذرتم وقويتم به هذا الأمر أعظم مما أراكم تكرهون، وإن أنتم منعتم مضر وربيعة من هذه البلاد اجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحديث العظيم والذنب الكبير. قالت عائشة: فماذا تقول أنت؟ قال: أقول: إن هذا الأمر دواؤه التسكين، فإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير، وتباشير رحمة، ودرك بثأر، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر، وذهاب هذا المال، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم، ولا تعرضونا للبلاء فتعرضوا له فيصرعنا وإياكم، وأيم اللَّه إني لأقول هذا القول وأدعوكم إليه! وإني لخائف أن لا يتم حتى يأخذ اللَّه حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الّذي حدث أمر ليس يقدر، وليس كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة الرجل، قالوا: قد أصبت وأحسنت فارجع، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر، فرجع إلى عليّ فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه، وأقبلت وفود العرب من أهل البصرة نحو عليّ بذي قار قبل رجوع القعقاع لينظروا ما رأى إخوانهم من أهل الكوفة وعلى أي حال نهضوا إليهم وليعلموهم أن الّذي عليه رأيهم الإصلاح ولا يخطر لهم قتالهم على بال. فلما لقوا عشائرهم من أهل الكوفة قال لهم الكوفيون مثل مقاتلهم وأدخلوهم على عليّ فأخبروه بخبرهم، وسأل على جرير بن شرس، عن طلحة والزبير، فأخبره بدقيق أمرهما وجليله وقال له: أما الزبير فيقول: بايعنا كرها. وأما طلحة فيتمثل الأشعار، فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير. وأما عليّ فلم نعرف رأيه إلى اليوم، ورأى الناس فينا واحد، فإن يصطلحوا مع علي فعلى دمائنا، فهلموا بنا نثب على عليّ فنلحقه بعثمان فتعود فتنة، يرضى منا فيها بالسكون، فقال عبد اللَّه بن السوداء: بئس الرأي رأيت،
أنتم يا قتلة عثمان بذي قار ألفان وخمسمائة أو نحو من ستمائة، وهذا ابن الحنظلية، يعني طلحة، وأصحابه في نحو من خمسة آلاف بالأشواق إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلا، فقال علباء بن الهيثم: انصرفوا بنا عنهم ودعوهم، فإن قلوا كان أقوى لعدوهم عليهم، وإن كثروا كان أحرى أن يصطلحوا عليكم، دعوهم وارجعوا فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تقوون به وامتنعوا من الناس، فقال ابن السوداء: بئس ما رأيت، ودّ واللَّه الناس أنكم انفردتم ولم تكونوا مع أقوام برآء، ولو انفردتم لتخطفكم الناس كل شيء، وأصبح عليّ على ظهر ومضى، ومضى معه الناس حتى نزل على عبد القيس فانضموا إليه، وسار من هناك فنزل الزاوية يريد البصرة، وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة، فالتفوا عند موضع قصر عبيد اللَّه بن زياد، فلما نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرحوم العبديّ أن اخرج فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر علي فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل فعدلوا إلى عسكر عليّ، فقال الناس: من كان هؤلاء معه غلب، وأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال، فكان يرسل عليّ إليهم يكلمهم ويدعوهم، وكان نزولهم في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، ونزل بهم عليّ وقد سبق أصحابه وهم يتلاحقون به، وقام عليّ فخطب الناس، فقام إليه الأعور بن بنان المنقري فسأله عن إقدامهم على أهل البصرة، فقال له عليّ: على الإصلاح وإطفاء النائرة [ (1) ] لعل اللَّه يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم، قال: فإن لم يجيبونا؟ قال: تركناهم ما تركونا، قال: فإن لم يتركونا؟ قال: دفعناهم عن أنفسنا، قال: فهل لهم من هذا مثل الّذي عليهم؟ قال: نعم، وقام إليه أبو سلامة الدالاني فقال: أترى لهؤلاء القوم حجة فيما طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا اللَّه بذلك؟ قال: نعم، قال: أفترى لك حجة بتأخير ذلك؟ قال: نعم، إن الشيء إذا كان لا يدرك فإن الحكم فيه أحوطه وأعمه نفعا، قال: فما حالنا وحالهم إن ابتلينا غدا؟ قال: إني لأرجو أن لا يقتل منا ومنهم أحد نقي قلبه للَّه إلا أدخله اللَّه الجنة، فلما قدم علي أتاه الأحنف فقال له: إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم
غدا قتلت رجالهم وسبيت نساءهم، قال: ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحل هذا إلا لمن تولى وكفر، وهم قوم مسلمون؟ قال: اختر مني واحدة من اثنتين، إما أن أقاتل معك، وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف، قال فكيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال؟ قال: إن من الوفاء للَّه قتالهم، قال: فاكفف عنا عشرة آلاف سيف: فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود ونادى: يا آل خندف! فأجابه ناس، ونادى: يا آل تميم! فأجابه ناس، ثم نادى: يا آل سعد! فلم يبق سعدي إلا أجابه، فاعتزل بهم ونظر ما يصنع الناس، فلما كان القتال وظفر علي دخلوا فيما دخل فيه الناس وافرين، فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعلي: هذا الزبير، فقال: أما إنه أحرى الرجلين إن ذكر باللَّه- تعالى- أن يذكر. وخرج طلحة فخرج إليهما عليّ حتى اختلفت أعناق دوابهم، فقال عليّ: لعمري قد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند اللَّه عذرا فاتقيا اللَّه ولا تكونا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً [ (1) ] ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دمكما، فهل من حدث أحل لكما دمي؟ قال طلحة: ألبت على عثمان، قال علي: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ [ (2) ] يا طلحة، تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان! يا طلحة، أجئت بعرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت! أما بايعتني؟ قال: بايعتك والسيف على عنقي، فقال عليّ للزبير: يا زبير ما أخرجك؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا، فقال له عليّ: ألست له أهلا بعد عثمان؟ قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك السوء ففرق بيننا، وذكره أشياء، وافترق أهل البصرة ثلاث فرق: فرقة مع طلحة والزبير، وفرقة مع علي، وفرقة لا ترى القتال، منهم الأحنف وعمران بن حصين وغيرهما، وجاءت عائشة فنزلت في مسجد الحدان في الأزد، ورأس الأزد يومئذ صبرة بن شيمان، فقال له كعب بن سور: إن الجموع إذا تراءت لم
تستطع، إنما هو بحور تدفق فأطعني ولا تشهدهم واعتزل بقومك فإنّي أخاف أن لا يكون صلح، ودع مضر وربيعة فهما أخوان، فإن اصطلحا فالصلح أردنا وإن اقتتلا كنا حكاما عليهم غدا. ولما خرج طلحة والزبير نزلت مضر جميعا وهم لا يشكون في الصلح، ونزلت ربيعة فوقهم وهم لا يشكون في الصلح، ونزلت اليمن أسفل منهم ولا يشكون في الصلح، وعائشة في الحدان، والناس بالزابوقة على رؤسائهم هؤلاء، وهم ثلاثون ألفا، وردّوا حكيما ومالكا إلى عليّ إننا على ما فارقنا عليه القعقاع، ونزل علي بحيالهم، فنزلت مضر إلى مضر، وربيعة إلى ربيعة، واليمن، فكان بعضهم يخرج إلى بعض لا يذكرون إلا الصلح، وكان أصحاب علي عشرين ألفا، وخرج علي وطلحة والزبير فتواقفوا فلم يروا أمر أمثل من الصلح ووضع الحرب، فافترقوا على ذلك، وبعث علي من العشي عبد اللَّه بن عباس إلى طلحة والزبير، وبعثا هما محمد بن أبي طلحة إلى عليّ، وأرسل عليّ إلى رؤساء أصحابه، وطلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما بذلك، فباتوا بليلة لم يبيتوا بمثلها للعافية التي أشرفوا عليها والصلح، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة وقد أشرفوا على الهلكة، وباتوا يتشاورون، فاجتمعوا على إنشاب الحرب، فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم، فخرجوا متسللين وعليهم ظلمة، فقصد مضرهم إلى مضرهم، وربيعتهم إلى ربيعتهم، ويمنهم إلى يمنهم، فوضعوا فيهم السلاح، فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه أصحابهم الذين أتوهم، وبعث طلحة والزبير إلى الميمنة، وهم ربيعة، أميرا عليها عبد الرحمن بن الحارث، وإلى الميسرة عبد الرحمن ابن عتّاب، وثبتا في القلب وقالا: ما هذا؟ قالوا: طرقنا أهل الكوفة ليلا، فقالا: قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء وأنه لن يطاوعنا، فرد أهل البصرة أولئك الكوفيين إلى عسكرهم، وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال: أدركي فقد أبى القوم إلا القتال لعل اللَّه أن يصلح بك. فركبت وألبسوا هودجها الأدراع، فلما برزت من البيوت وهي على الجمل بحيث تسمع الغوغاء وقفت واقتتل الناس وقاتل الزبير فحمل عليه عمار بن ياسر فجعل يحوزه بالرمح والزبير كاف عنه يقول: أتقتلني يا أبا اليقظان؟
فيقول: لا يا أبا عبد اللَّه، وإنما كف الزبير عنه لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تقتل عمارا الفئة الباغية، ولولا ذلك لقتله، وبينما عائشة واقفة إذ سمعت ضجة شديدة فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجة العسكر، قالت: بخير أو بشر؟ قالوا: بشر، فما فجأها إلا الهزيمة، فمضى الزبير من وجهه إلى وادي السباع، وإنما فارق المعركة لأنه قاتل تعذيرا لما ذكر له عليّ، وأما طلحة فأتاه سهم غرب فأصابه فشك رجله بصفحة الفرس وهو ينادي: إليّ، إليّ عباد اللَّه! الصبر الصبر! فقال له القعقاع بن عمرو: يا أبا محمد إنك لجريح وإنك عما تريد لعليل، فأدخل البيوت، فدخل ودمه يسيل وهو يقول: اللَّهمّ خذ لعثمان مني حتى ترضى، فلما امتلأ خفه دما وثقل قال لغلامه: أردفني وأمسكني وأبلغني مكانا أنزل فيه. فدخل البصرة، فأنزله في دار خربة فمات فيها، وكان الّذي رمى طلحة مروان بن الحكم وقيل: غيره. وقالت عائشة: لما انجلت الوقعة وانهزم الناس لكعب بن سور: خلّ عن الجمل وتقدم بالمصحف فادعهم إليه. وناولته مصحفا، فاستقبل القوم والسبئية أمامهم، فرموه رشقا واحدا فقتلوه، ورموا أم المؤمنين في هودجها، فجعلت تنادي: البقية البقية يا بنيّ! ويعلو صوتها كثرة: اللَّه اللَّه! اذكروا اللَّه والحساب! فيأبون إلا إقداما، فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت: أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم وأقبلت تدعو، وضج الناس بالدعاء. فسمع عليّ فقال: ما هذه الضجة؟ قالوا: عائشة تدعوا على قتلة عثمان وأشياعهم، فقال عليّ: اللَّهمّ العن قتلة عثمان! فأرسلت إلى عبد الرحمن بن عتاب وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن أثبتا مكانكما، وحرضت الناس حين رأت القوم يريدونها ولا يكفون، فحملت مضر البصرة حتى قصفت مضر الكوفة حتى زحم عليّ فنخس قفا ابنه محمد، وكانت الراية معه، وقال له: أحمل! فتقدم حتى لم يجد متقدما إلا على سنان رمح، فأخذ عليّ الراية من يده وقال: يا بني بين يدي، وحملت مضر الكوفة، فاجتلدوا قدام الجمل حتى ضرسوا والمجنبتان على حالهما لا تصنع شيئا، ومع علي قوم من غير مضر، منهم زيد بن صوحان طلبوا ذلك منه، فقال له رجل: تنح إلى قومك، مالك ولهذا الموقف؟ ألست تعلم أن مضر بحيالك والجمل بين يديك وأن الموت دونه؟ فقال: الموت خير من الحياة، الموت أريد، فأصيب هو
وأخوه سيحان وارتث صعصعة أخوهما واشتدت الحرب، فلما رأى علي ذلك بعث إلى ربيعة وإلى اليمن أن أجمعوا من يليكم، فقام رجل من عبد القيس من أصحاب عليّ فقال: ندعوكم إلى كتاب اللَّه، فقالوا: وكيف يدعونا إليه من لا يستقيم ولا يقيم حدود اللَّه وقد قتل كعب بن سور داعي اللَّه! ورمته ربيعة رشقا واحدا فقتلوه، فقام مسلم بن عبد اللَّه العجليّ مكانه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه، ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم، وأبى أهل الكوفة القتال ولم يريدوا إلا عائشة، فذكرت أصحابها فاقتتلوا حتى تنادوا فتحاجزوا، ثم رجعوا فاقتتلوا وتزاحف الناس وظهرت يمن البصرة على يمن الكوفة فهزمتهم، وربيعة البصرة على ربيعة الكوفة فهزمتهم، ثم عاد يمنّ الكوفة فقتل على رايتهم عشرة، خمسة من همدان وخمسة من سائر اليمن ورجعت ربيعة الكوفة فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل على رايتهم، وهم في المسيرة: زيد وعبد اللَّه بن رقبة وأبو عبيدة بن راشد بن سلمى وهو يقول: اللَّهمّ أنت هديتنا من الضلالة واستنقذتنا من الجهالة، وابتليتنا بالفتنة فكنا في شبهة وعلى ريبة، وقتل واشتد الأمر حتى لزقت ميمنة أهل الكوفة بقلبهم وميسرة أهل البصرة بقلبهم ومنعوا ميمنة أهل الكوفة بميمنة أهل البصرة، فلما رأى الشجعان من مضر الكوفة والبصرة الصبر تنادوا: طرفوا إذا فرغ الصبر، فجعلوا يقصدون الأطراف الأيدي والأرجل، فما رئي وقعة كانت أعظم منها قبلها ولا بعدها ولا أكثر ذراعا مقطوعة ولا رجلا مقطوعة، وأصيب يد عبد الرحمن بن عتّاب قبل قتله، فنظرت عائشة من يسارها فقالت: من القوم عن يساري؟ قال صبرة بن شيمان: بنوك الأزد، فقالت: يا آل غسان حافظوا اليوم على جلادكم الّذي كنا نسمع به، فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون: بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك، وقالت لمن عن يمينها: من القوم عن يميني؟ قال: بكر بن وائل، قالت: إنما بإزائكم عبد القيس، فاقتتلوا أشد من قتالهم قبل ذلك، وأقبلت على كتيبة بين يديها فقالت: من القوم؟ قالوا: بنوا ناجية، قالت: بخ بخ سيوف أبطحية قرشية! فجالدوا جلادا يتفادى منه، ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت: ويها جمرة الجمرات! فلما رقوا خالطهم بنو عدي بن عبد مناة وكثروا
حولها، فقالت: من أنتم؟ قالوا: بنو عدي خالطنا إخوتنا، فأقاموا رأس الجمل وضربوا ضربا شديدا ليس بالتعذير ولا يعدلون بالتطريف، حتى إذا كثر ذلك وظهر في العسكرين جميعا راموا الجمل وقالوا: لا يزال القوم أو يصرع الجمل، وصار مجنبتا علي إلى القلب، وفعل ذلك أهل البصرة، وكره القوم بعضهم بعضا، وأخذ عميرة بن يثربي برأس الجمل وكان قاضي البصرة قبل كعب بن سور، فشهد الجمل هو وأخوه عبد اللَّه، فقال علي: من يحمل على الجمل؟ فانتدب له هند بن عمر الجمليّ المراديّ، فاعترضه ابن يثربي فاختلفا ضربتين، فقتله ابن يثربي، ثم حمل علباء بن الهيثم فاعترضه ابن يثربي فقتله وقتل سيحان بن صوحان وارتث صعصعة. ولم يزل الأمر كذلك حتى قتل على الخطام أربعون رجلا، قالت عائشة: ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة، قال: وأخذ الخطام سبعون رجلا من قريش كلهم يقتل وهو آخذ بخطام الجمل، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة، وقال: يا أمتاه مريني بأمرك، قالت: آمرك أن تكون خير بني آدم إن تركت، فجعل لا يحمل عليه أحد إلا حمل عليه، وقال: حاميم لا ينصرون، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله، المكعبر الأسديّ، والمكعبر الضبيّ، ومعاوية بن شداد العبسيّ، وعفّار السعديّ النصريّ، فأنفذه بعضهم بالرمح، وأخذ الخطام عمرو بن الأشرف فجعل لا يدنو منه أحد إلا خبطه بالسيف، فأقبل إليه الحارث بن زهير الأزدي، فاختلفا ضربتين فقتل كل واحد منهما صاحبه، وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة، فكان لا يأخذ الخطام أحد إلا قتل، وكان لا يأخذه والراية إلا معروف عند المطيفين بالجمل فينتسب: أنا فلان بن فلان، فو اللَّه إن كان ليقاتلون عليه وإنه للموت لا يوصل إليه إلا بطلبة وعنت، وما رامه أحد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت ثم لم يعد، وحمل عدي بن حاتم الطائي عليهم ففقئت عينه، وجاء عبد اللَّه بن الزبير ولم يتكلم فقالت: من أنت؟ فقال: ابنك ابن أختك، قالت: وا ثكل أسماء! وانتهى إليه الأشتر، فاقتتلا، فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا، وضربه عبد اللَّه ضربة خفيفة، واعتنق كل رجل منهما صاحبه وسقطا إلى الأرض يعتركان، وأخذ الخطام الأسود بن أبي البختري فقتل، وهو قرشي
أيضا، وأخذه عمرو بن الأشرف فقتل، وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته، وهو أزدي، وجرح مروان بن الحكم، وجرح عبد اللَّه بن الزبير سبعا وثلاثين جراحة من طعنة ورمية، قال: وما رأيت مثل يوم الجمل، ما ينهزم منا أحد وما نحن إلا كالجبل الأسود، وما يأخذ بخطام الجمل أحد إلا قتل حتى ضاع الخطام، ونادى علي: اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا، فضربه رجل فسقط فما سمعت صوتا قط أشد من عجيج الجمل، وكانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مخنف بن سليم فقتل وأخذها الصقعب، وأخوه عبد اللَّه بن سليم فقتل، وأخذها العلاء بن عروة، فكان الفتح وهي بيده، وكانت راية عبد القيس من أهل الكوفة مع القاسم بن سليم فقتل، وقتل معه زيد وسيحان ابنا صوحان، وأخذها عدة نفر، فقتلوا، منهم عبد اللَّه بن رقية، ثم أخذها منقذ بن النعمان فرفعها إلى ابنة مرة بن منقذ فانقضت الحرب وهي في يده، وكانت راية بكر بن وائل في بني ذهل مع الحارث بن حسان الذهلي، فأقدم وقال: يا معشر بكر لم يكن أحد له من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مثل منزلة صاحبكم فانصروه، فتقدم وقاتلهم فقتل ابنه وخمسة من بني أهله، وقتل الحارث، وقتل رجال من بني محدوج، وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلا، وقال رجل لأخيه وهو يقاتل: يا أخي ما أحسن قتالنا إن كنا على الحق! قال: فإنا على الحق، إن الناس أخذوا يمينا وشمالا، وان تمسكنا بأهل بيت نبينا فقاتلا حتى قتلا، وجرح يومئذ عمير بن الأهلب الضبي، فقال له الرجل: قل لا إله إلا اللَّه، قال: أدن مني فلقني فيّ صمم، فدنا منه الرجل، فوثب عليه فعض أذنه فقطعها. وقيل في عقر الجمل: إن القعقاع لقي الأشتر وقد عاد من القتال عند الجمل، فقال: هل لك في العود؟ فلم يجبه، فقال: يا أشتر بعضنا أعلم بقتال بعض منك، وحمل القعقاع والزمام مع زفر بن الحارث، وكان آخر من أخذ الخطام، فلم يبق شيخ من بني عامر إلا أصيب قدام الجمل، وقيل: لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه عمار فاحتملا الهودج فنحياه، فأدخل محمد يده فيه، فقالت: من هذا؟ فقال: أخوك البر، قالت: عقق، قال: يا أخيّه هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت وذاك؟ قال: فمن إذا الضلال؟ قالت: بل الهداة، وقال لها عمار: كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أماه؟ قالت: لست
لك بأم، قال: بلى وإن كرهت، قالت: فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل الّذي نقمتم، هيهات واللَّه لن يظفر من كان هذا دأبه-! فأبرزوا هودجها فوضعوها ليس قربها أحد، وأتاها عليّ فقال: كيف أنت يا أمه؟ قالت: بخير، قال: يغفر اللَّه لك، قالت: ولك، وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين المجاشعي حتى اطلع في الهودج، فقالت: إليك لعنك اللَّه، فقال: واللَّه ما أرى إلا حميراء، فقالت له: هتك اللَّه سترك وقطع يدك وأبدى عورتك، فقتل بالبصرة، وسلب، وقطعت يده، ورمى عريانا في خربة من خربات الأزد، فلما كان الليل أدخلها أخوها محمد بن أبي بكر البصرة فأنزلها في دار عبد اللَّه بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار، وهي أم طلحة الطلحات بن عبد اللَّه بن خلف، وتسلل الجرحى من بين القتلى ليلا فدخلوا البصرة، فأقام على بظاهر البصرة ثلاثا، وأذن للناس في دفن موتاهم، فخرجوا إليهم فدفنوهم، وجعل كلما مر برجل فيه خير قال: زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء وهذا العابد المجتهد فيهم، وصلى عليّ على القتلى من أهل البصرة والكوفة، وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء، وأمر فدفنت الأطراف في قبر عظيم، وجمع ما كان في العسكر من شيء وبعث به إلى مسجد البصرة وقال: من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان، وكان جميع القتلى عشرة آلاف نصفهم من أصحاب عليّ ونصفهم من أصحاب عائشة، وقيل غير ذلك. ثم دخل على البصرة يوم الاثنين فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة، وأتاه عبد الرحمن بن أبي بكرة في المستأمنين أيضا فبايعه، ثم راح إلى عائشة وهي في دار عبد اللَّه بن خلف، وهي أعظم دار بالبصرة، فوجد النساء يبكين على عبد اللَّه وعثمان ابني خلف وكان عبد اللَّه قتل مع عائشة وعثمان قتل مع علي، وكانت صفية زوج عبد اللَّه مختمرة تبكي، فلما رأته قالت له: يا على يا قاتل الأحبة! يا مفرق الجمع! أيتم اللَّه منك بنيك كما أيتمت ولد عبد اللَّه منه! فلم يرد عليها شيئا، ودخل على عائشة فسلم عليها، وقعد عندها، فلما خرج عليّ أعادت عليه القول، فكف بغلته وقال: لقد هممت أن أفتح هذا الباب، وأشار إلى باب في الدار، وأقتل من فيه، وكان فيه ناس
من الجرحى فأخبر عليّ بمكانهم فتغافل عنهم فسكت، وكان مذهبه أن لا يقتل مدبرا لا يذفف على جريح ولا يكشف سترا ولا يأخذ مالا، ثم جهز علي عائشة بكل ما ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك وبعث معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الّذي ارتحلت فيه أتاها عليّ فوقف لها، وحضر الناس فخرجت وودعتهم وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه واللَّه ما كان بيني وبين عليّ في القديم إلا ما يكون بين المرأة وبين أحمائها، وإنه على معتبي لمن الأخيار، وقال عليّ: صدقت، واللَّه ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة. وخرجت يوم السبت غرة رجب وشيعها أميالا وسرح بنيه معها يوما، فكان وجهها إلى مكة، فأقامت إلى الحج، ثم رجعت إلى المدينة، وقال لها عمار حين ودعها: ما أبعد هذا المسير من العهد الّذي عهد إليك! قالت: واللَّه إنك ما علمت لقوال بالحق، قال: الحمد للَّه الّذي قضى على لسانك لي] [ (1) ] .
وأما إخبار الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بما عزم عليه عمرو بن جحاش من إلقاء صخرة عليه حتى قام من مكانه
وأما إخبار اللَّه تعالى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بما عزم عليه عمرو بن جحاش من إلقاء صخرة عليه حتى قام من مكانه فقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن جعفر، ومحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى بن سهل، وابن أبي حبيبة، ومعمر بن راشد في رجال ممن لم أسمهم، فكل قد حدثني ببعض هذا الحديث، وبعض القوم كان أوعى له من بعض، وقد جمعت كل الّذي حدثوني، قالوا: أقبل عمرو بن أمية من بئر معونة حتى كان بقناة، فلقى رجلين من بنى عامر فنسبها، فانتسبا، فقابلهما حتى إذا ناما وثب عليهما فقتلهما، ثم خرج حتى ورد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ساعته في قدر حلب شاة، فأخبره خبرهما، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بئس ما صنعت، قد كان لهما منا أمان وعهد! فقال: ما شعرت، كنت أراهما على شركهما، وكان قومهما قد نالوا منا ما نالوا من الغدر بنا، وجاء بسلبهما، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعزل سلبهما حتى بعث به مع ديتها، وذلك أن عامر بن الطفيل بعث إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن رجلا من أصحابك قتل رجلين من قومي، ولهما منك أمان وعهد، فابعث بديتهما إلينا، فسار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني النضير يستعين في ديتهما، وكانت بنو النضير حلفاء لبني عامر، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم السبت فصلى في مسجد قباء ومعه رهط من المهاجرين والأنصار، ثم جاء بني النضير فيجدهم في ناديهم، فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فكلمهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يعينوه في دية الكلابيين الذين قتلهما عمرو بن أمية، فقالوا: نفعل، يا أبا القاسم، ما أحببت قد أني لك أن تزورنا وإن تأتينا، أجلس حتى نطعمك! ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستند إلى بيت من بيوتهم، ثم خلا بعضهم إلى بعض فتناجوا، فقال: حيي بن أخطب: يا معشر اليهود، قد جاءكم محمد في نفير من أصحابه لا يبلغون عشرة- ومعه أبو بكر، وعمرو، وعلي، والزبير، وطلحة، وسعد بن معاذ، وأسيد بن خضير، وسعد بن عبادة- فأطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت الّذي هو تحته فاقتلوه، فلن تجدوه أخلى منه الساعة!! فإنه إن قتل تفرق أصحابه، فلحق من كان معه من قريش بحرمهم، وبقي من ها هنا من
الأوس والخزرج حلفاؤكم، فما كنتم تريدون أن تصنعوا يوما من الدهر فمن الآن! فقال عمرو بن جحاش: أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة، قال سلام بن مشكم: يا قوم، أطيعوني هذه المرة وخالفوني الدهر! واللَّه إن فعلتم ليخبرن بأن قد غدرنا به، وإن هذا نقض العهد الّذي بيننا وبينه، فلا تفعلوا! ألا فو اللَّه لو فعلتم الّذي تريدون ليقومن بهذا الدين منهم قائم إلى يوم القيامة، يستأصل اليهود ويظهر دينه! وقد هيأ الصخرة ليرسلها على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويحدرها، فلما أشرف بها جاء رسول اللَّه الخبر من السماء بما هموا به فنهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سريعا كأنه يريد حاجة، وتوجه إلى المدينة، وجلس أصحابه يتحدثون وهم يظنون أنه قام يقضي حاجة. فلما يئسوا من ذلك قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما مقامنا ها هنا بشيء، لقد وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأمر فقاموا، فقال حيي: عجل أبو القاسم قد كنا نريد أن نقضي حاجته ونغذيه، وندمت اليهود على ما صنعوا، فقال لهم كنانة بن صويراء: هل تدرون لم قام محمد؟ قالوا: لا واللَّه، ما ندري وما تدري أنت! قال: بلى والتوراة، أني لأدري قد أخبر محمد ما هممتم به من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم، واللَّه إنه لرسول اللَّه وما قام إلا أنه أخبر بما هممتم به من الغدر، وإنه لآخر الأنبياء، كنتم تطمعون أن يكون من بني هارون فجعله اللَّه حيث شاء وإن كتبنا والّذي درسنا في التوراة التي لم يغير ولم تبدل أن مولده بمكة ودار هجرته يثرب، وصفته بعينها ما تخالف حرفا هما في كتابنا، وما يأتيكم [به] أولى من محاربته إياكم، ولكأنّي انظر إليكم ظاعنين، يتضاغى صبيانكم، قد تركتم دوركم خلوفا وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثالثة لا خير فيها!. قالوا: ما هما؟ قال: تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم وأولادكم، وتكونون من عليه أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجوا من دياركم، قالوا: لا نفارق التوراة وعهد موسى! قال: فإنه مرسل إليكم: اخرجوا من بلدي، فقالوا: نعم- فإنه لا يستحل لكم دما ولا مالا- وتبقى أموالكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم، قالوا: أما هذا فنعم، قال: أما واللَّه إن الأخرى خيرهن لي، قال: أما واللَّه لولا أني أفضحكم لأسلمت، ولكن
واللَّه لا تعير شعثاء بإسلامي أبدا حتى يصيبني ما أصابكم- وابنته شعثاء التي كان حسان ينسب بها. فقال سلام بن مشكم: قد كنت لما صنعتم كارها، وهو مرسل إلينا أن اخرجوا من داري، فلا تعقب يا حيي كلامه، وأنعم له بالخروج، فاخرج من بلاده، قال: أفعل، أنا أخرج! فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة تبعه أصحابه، فلقوا رجلا خارجا من المدينة فسألوه: هل لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ قال: لقيته بالجسر داخلا، فلما انتهى أصحابه إليه وجدوه قد أرسل إلى محمد بن مسلمة يدعوه، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه قمت ولم نشعر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: همت اليهود بالغدر بي، فأخبرني اللَّه بذلك فقمت [ (1) ] ، وقد ذكر موسى بن عقبة القصة بمعنى ما تقدم.
وأما تصديق الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله عن أبي بن خلف: أنا أقتله، فقتله يوم أحد
وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في قوله عن أبيّ بن خلف: أنا أقتله، فقتله يوم أحد فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن أبيّ بن خلف قال حين افتدى: واللَّه إن عندي فرسا أعلفها كل يوم فرق ذرة ولأقتلن عليها محمدا، فبلغت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حلفته فقال: بل أنا أقتله إن شاء اللَّه، فلما كان يوم أحد طعنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في عنقه بحربته، فوقع أبيّ عن فرسه، فلما رجع إلى فرسه وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم، قال: قتلني واللَّه محمد! قالوا: ذهب واللَّه فؤادك إن بك بأس، فقال: إنه قد قال لي بمكة: أنا أقتلك إن شاء اللَّه، واللَّه لو بصق لقتلني، فمات عدو اللَّه بسرف وهم قافلون إلى مكة. وقال ابن إسحاق [ (2) ] : حدثنا ابن شهاب، وقال قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أن أبي بن خلف الجمحيّ أسر ببدر، فلما افتدي من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن عندي العوذ فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها، فيقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه، فلما كان يوم أحد أقبل أبي بن خلف يركض على فرسه تلك حتى دنا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاعترض رجال من المسلمين ليقاتلوه فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: استأخروا استأخروا! فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحربة في يده فرمى بها أبي بن خلف فكسرت الحربة ضلعا من أضلاعه، فرجع إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه حتى ولوا به، فطفقوا يقولون له: لا بأس بك، فقال لهم أبي: ألم يقل لي: بل أنا أقتلك إن شاء اللَّه؟ فانطلق به أصحابه، فمات ببعض الطريق فدفنوه، قال سعيد بن المسيب: وفيه أنزل اللَّه- تبارك وتعالى-: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ (3) ] .
قال أبو نعيم [ (1) ] : ورواه حماد بن سلمة عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، وقال محمد بن سعيد: حدثني ابن شهاب الزهريّ عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال: كان كعب أول من عرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد الهزيمة، وقول الناس قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال كعب: عرفت عينيه تزهران من تحب المغفر، فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأشار إليّ أن أنصت، فلما عرفوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهضوا به معهم، ونهض به معهم نحو الشّعب ومعه أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، والحارث بن الصمة في رهط من المسلمين، فلما أسند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الشّعب أدركه أبيّ بن خلف وهو يقول: يا محمد لا نجوت إن نجوت فقال القوم: أيعطف عليه يا رسول اللَّه رجل منا؟ فقال: دعوه، فلما دنا تناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، يقول بعض القوم فيما ذكر لي: فلما أخذها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشّعر [ (2) ] من ظهر البعير إذ انتفض، ثم استقبله، فطعنه بها طعنة تدأدأ [ (3) ] منها عن ظهر فرسه مرارا. وقال ابن لهيعة: حدثت أبو الأسود، عن عروة بن الزبير قال: كان أبيّ ابن خلف أخو بني جمح حلف وهو بمكة ليقتلن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما بلغت حلفته رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا أقتله إن شاء اللَّه، فأقبل أبيّ مقنعا في الحديد يقول لا نجوت إن نجا محمد، فحمل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد قتله فاستقبله مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار يتقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بنفسه، فقتل مصعب بن عمير، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ترقوة أبيّ بن خلف من فرجه بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه بحربته فوقع أبي عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، فأتوه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور، فقالوا: ما
أجزعك؟ إنما هو خدش، فذكر لهم قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: [أقتل أبيا] ثم قال: والّذي نفسي بيده لو كان الّذي بى بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين، فمات [ (1) ] . وقال موسى بن عقبة: عن ابن شهاب فيمن ذكرهم من قتلى المشركين يوم أحد. قال: وأبيّ بن خلف مات بمكة أو بالطريق من طعنة، طعنه إياها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال عبد الرزاق: عن معمر بن عثمان الجزري، عن مقسم قال معمر: وحدثني الزهريّ ببعضه أنّ عقبة بن أبي معيط وأبيّ بن خلف التقيا، فقال عقبة لأبيّ: لا أرضى عنك حتى تأتي محمدا فتتفل في وجهه، وتشتمه وتكذبه، فلما كان يوم أحد خرج أبيّ بن خلف مع المشركين فأخذ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بحربة فخرج له بها فتقع في ترقوته، فخر يخور كما يخور الثور، فأقبل أصحابه حتى احتملوه وهو يخور، فقالوا ما هذا؟ فو اللَّه ما بك إلا خدش فقال: واللَّه لو لم يصبني إلا ريقه لقتلني أليس قد قال: أنا أقتله؟ فو اللَّه لو كان الّذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم فما لبث إلا يوما أو نحو ذلك حتى مات. وقال الواقدي: في (مغازيه) فحدثني يونس بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمرو، عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال: كان أبيّ بن خلف قدم في فداء ابنه وكان أسر يوم بدر فقال: يا محمد إن عندي فرسا لي أعلفها كل يوم فرقا من ذرة كي أقتلك عليها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه، ويقال: قال: ذلك بمكة فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمته بالمدينة فقال: أنا أقتله عليها إن شاء اللَّه، قالوا: وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القتال لا يلتفت وراءه، وكان يقول لأصحابه إني أخشى أن يأتي أبيّ بن خلف من خلفي فإذا رأيتموه فآذنوني به، فإذا بأبيّ يركض على فرسه وقد رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرفه، فجعل يصيح بأعلى صوته يا محمد لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: يا رسول اللَّه ما كنت صانعا حين يغشاك؟ فقد جاءك، وإن شئت عطف بعضنا عليك فأبىّ رسول اللَّه ودنا أبي، فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم انتفض بأصحابه كما ينتفض البعير، فتطايرنا عنه تطاير الشعر من
ظهر البعير، ولم يكن أحد يشبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جد الجد، ثم أخذ الحربة فطعنه بالحربة في عنقه وهو على فرسه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويقول له أصحابه: أبا عامر! واللَّه ما بك بأس، ولو كان هذا الّذي بك يعين أحدنا ما ضره، قال: لا واللات والعزى لو كان هذا الّذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون، أليس قال: لأقتلنك؟ فاحتملوه، وشغلهم ذلك عن طلب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولحق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعظم أصحابه في الشعب، ويقال: تناول الحربة من الزبير بن العوام. كان ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: مات أبيّ بن خلف ببطن رابغ فإنّي لأسير ببطن رابغ بعد هوي من الليل إذ نار تأجج لي، فهبتها وإذا رجل يخرج منها في سلسلة يجتذ بها يصيح: العطش، وإذا رجل يقول: لا تسقه فإن هذا قتيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هذا أبيّ بن خلف، فقلت: ألا سحقا، ويقال: مات بسرف، ويقال: لما تناول الحربة من الزبير حمل أبيّ علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليضربه، فاستقبله مصعب بن عمير يجود بنفسه دون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فضرب مصعب بن عمير وجهه، وأبصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجة بين سابغة البيضة والدرع، فطعنه هناك فوقع وهو يخور [ (1) ] . وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن مروان عن عمارة بن أبي حصينة، عن عكرمة، قال: شجّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في وجهه يوم أحد وكسرت رباعيته وذلق لسانه من العطش حتى جعل يقع على ركبتيه، وتركه أصحابه، فجاء أبيّ بن خلف يطلبه بدم أخيه أمية بن خلف، فقال: أين هذا الّذي يزعم أنه نبيّ؟ فليبرز لي فإنه إن كان نبيا قتلني، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أعطوني الحربة، فقالوا: يا رسول اللَّه وبك حراك فقال: إني قد استسقيت اللَّه دمه، فأخذ الحربة، ثم مشى إليه فطعنه فصرعه عن دابته، وحمله أصحابه فاستنقذوه، فقالوا له: ما نرى بك بأسا، قال: إنه قد استسقى اللَّه دمي، إني لأجد لها ما لو كانت على ربيعة، ومضر لوسعتهم [ (2) ] .
وأما إجابة الله تعالى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم على عتبة بن أبي وقاص
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عتبة بن أبي وقاص فخرّج عبد الرزاق عن معمر، عن الزهريّ، عن عثمان الجزري، عن مقسم أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين كسر رباعيته، ودمي وجهه، وقال: اللَّهمّ لا يحل عليه الحول حتى يموت كافرا، فما حال عليه الحول حتى مات كافرا إلى النار. وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ابن قميئة ومن وافقه في ضيعه فخرّج أبو نعيم [ (1) ] من حديث بن جريح، عن إبراهيم بن ميسرة، عن نافع بن عاصم، قال: الّذي دمي وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن قميئة رجل من هذيل، فسلط اللَّه عليه تيسا فنطحه حتى قتله. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ]- وقد ذكر غزوة أحد-: وكان أربعة من قريش قد تعاهدوا وتعاقدوا على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعرفهم المشركون بذلك عبد اللَّه بن شهاب، وعتبة بن أبي وقاص، وابن قميئة [ (3) ] ، وأبيّ بن خلف، ورمى عتبة يومئذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأربعة أحجار وكسرت رباعيته- أشظى [ (4) ] باطنها اليمنى السفلى وشج وجنتيه حتى غاب حلق المغفر في وجنته، وأصيبت ركبتاه فجحشتا، وكان حفر حفرها أبو عامر الفاسق كالخنادق للمسلمين، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واقفا على بعضها ولا يشعر به، والثبت عندنا أن الّذي رمى في وجنتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ابن قميئة والذي رمى في شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص،
وأقبل ابن قميئة وهو يقول: دلوني على محمد، فو الّذي يحلف به، لئن رأيته لأقتلنه! فعلاه السيف ورماه عتبة بن أبي وقاص مع تجليل السيف، وكان عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم درعان، فوقع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحفرة التي أمامه فجحشت ركبتاه، ولم يصنع سيف بن قميئة شيئا، إلا وهن الضربة بثقل السيف، فقد وقع لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وانتهض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وطلحة يحمله من ورائه، وعلي آخذ بيديه حتى استوى قائما. حدثني الضحاك بن عثمان عن ضمرة بن سعيد، عن أبي بشير المازني، قال: حضرت يوم أحد وأنا غلام، فرأيت ابن قميئة علا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيف، فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقع على ركبتيه في حفرة أمامه حتى توارى، فجعلت أصيح- وأنا غلام- حتى رأيت الناس ثابوا إليه، قال: فانظر إلى طلحة بن عبيد اللَّه آخذا بحضنه حتى قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ويقال: إن الّذي شج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جبهته ابن شهاب، والّذي أشظى رباعيته وأدمى شفتيه عتبة بن أبي وقاص، والّذي رمى وجنتيه، حتى غاب الحلق في وجنتيه ابن قميئة، وسال الدم من في شجته التي في جبهته حتى أخضل الدم لحيته صلّى اللَّه عليه وسلّم. وكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجه رسول اللَّه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى اللَّه- عز وجل-؟ فأنزل اللَّه- عز وجل-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [ (1) ] الآية. وقال سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سمعته يقول: اشتد غضب اللَّه على قوم أدموا وجه رسول اللَّه، اشتد غضب اللَّه على رجل قتله رسول اللَّه! قال سعد: فقد شفاني من عتبة أخي دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لقد حرصت على قتله حرصا ما حرصته على شيء قط، وإن كان ما علمته لعاقا بالوالد سيّئ الخلق، ولقد تخرقت صفوف المشركين مرتين أطلب أخي لأقتله، ولك راغ مني روغان الثعلب، فلما كان الثالثة قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا عبد اللَّه ما تريد؟ تريد أن تقتل نفسك؟ فكففت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:
اللَّهمّ لا يحولنّ الحول على أحد منهم! قال: واللَّه، ما حال الحول على أحد ممن رماه أو جرجه! مات عتبة. وأما ابن قميئة فإنه اختلف فيه، فقائل يقول: قتل في المعرك، وقائل يقول: إنه رمى يوم أحد بسهم، فأصاب مصعب بن عمير، فقال: خذها وأنا ابن قميئة! فقتل مصعبا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أقمأه اللَّه، فعمد إلى شاة يحتلبها فنطحته بقرنها وهو معتقلها فقتلته، فوجد ميتا بين الجبال، لدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكان عدو اللَّه قد رجع إلى أصحابه، فأخبرهم أنه قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو رجل من بني الأدرم من بني فهر.
وأما تغسيل الملائكة حنطلة بن أبي عامر رضي الله تبارك وتعالى عنه لما قتل بأحد وظهور الماء بقطر من رأسه تصديقا لإخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
وأما تغسيل الملائكة حنطلة بن أبي عامر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه لما قتل بأحد وظهور الماء بقطر من رأسه تصديقا لإخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك فقال ابن إسحاق [ (1) ] : فحدثني يحيى بن عبد اللَّه، عن جده وقد التقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان، فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شداد بن الأسود وهو ابن شعوب، وقد علا أبا سفيان فضربه شداد بالسيف حتى قتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن صاحبكم- يعني حنظلة- لتغسله الملائكة، فسألوا أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب سمع الهاتفة. وذكر الواقدي [ (2) ] في (مغازيه) قصة حنظلة قال: وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبد اللَّه بن أبي بن سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحد، وكان قد استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى الصبح غدا يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولزمته جميلة فعاد فكان معها، فأجنب منها ثم أراد الخروج، وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد: لم أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كان السماء فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة! فأشهدت عليه أنه قد دخل بها، وتعلق بعبد اللَّه بن حنظلة، ثم تزوجها ثابت بن قيس بعد فولدت له محمد بن ثابت بن قيس. وأخذ حنظلة بن أبي عامر سلاحه، فلحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأحد وهو يسوي الصفوف، قال: فلما انكشف المشركون اعترض حنظلة بن أبي عامر لأبي سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فاكتسعت الفرس، ويقع أبو سفيان إلى الأرض! وحنظلة يريد ذبحه بالسيف، فأسمع الصوت رجالا لا يلتفتون إليه من الهزيمة، حتى عاينه الأسود بن شعوب، فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه،
فمشى حنظلة إليه بالرمح وقد أثبته، ثم ضربه الثانية فقتله، وهرب أبو سفيان يعدو على قدميه فلحق ببعض قريش، فنزل عن صدر فرسه وردف وراء أبي سفيان- فذلك قول أبي سفيان- فلما قتل حنظلة مر عليه أبوه، وهو مقتول جنب حمزة بن عبد المطلب وعبد اللَّه بن جحش، فقال: إن كنت لأحذرك هذا الرجل من قبل هذا المصرع، واللَّه إن كنت لبرا بالوالد، شريف الخلق في حياتك، وإن مماتك لمع سراة أصحابك وأشرافهم، وإن جزى اللَّه هذا القتيل- لحمزة- خيرا، أو أحدا أمن أصحاب محمد فجزاك اللَّه خيرا، ثم نادي يا معشر قريش حنظلة لا يمثل به وإن كان خالفني وخالفكم فلم يأل لنفسه فيما يرى خيرا، ثم نادى: يا معشر قريش، حنظلة لا يمثل به وإن كان خالفني وخالفكم، فلم يأل لنفسه فيما يرى خيرا، فمثل بالناس وترك فلم يمثل به. وكانت هند أول من مثل بأصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمرت النساء بالمثل- جدع الأنوف والآذان- فلم تبق امرأة إلا عليها معضدان ومسكتان وخدمتان، ومثل بهم كلهم إلا حنظلة. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة، قال أبو أسيد الساعدي: فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء، قال أبو أسيد: فرجعت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته، فأرسل إلى امرأته فسألها، فأخبرته أنه خرج وهو جنب. وقال ابن عبد البر [ (1) ] : وذكر أهل السيرة أن حنظلة الغسيل كان قد ألم بأهله في حين خروجه إلى أحد، ثم هجم عليه من الخروج في النفير ما أنساه الغسل، وأعجله عنه، فلما قتل شهيدا أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن الملائكة غسلته. وروى حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لأمرأة حنظلة بن أبي عامر الأنصاري: ما كان شأنه؟ قالت: كان جنبا وغسلت أحد شقي رأسه، فلما سمع الهيعة خرج فقتل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد رأيت الملائكة تغسله.
وابنه عبد اللَّه بن حنظلة، ولد على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قد ذكرناه في باب العبادلة من هذا الكتاب [ (1) ] . حدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم أصبغ، حدثنا محمد بن عبد السلام الخشي، قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم البغدادي الدورقي قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: افتخرت الأوس فقالوا: منا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب، ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومنا من اهتز بموته عرش الرحمن سعد بن معاذ، فقال الخزرجيون: منا أربعة قرءوا القرآن على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يقرأه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب. قال ابن عبد البر [ (2) ] : يعني لم يقرأه كله أحد منكم يا معشر الأوس، ولكن قد قرأه جماعة من غير الأنصار منهم: عبد اللَّه بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة. وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وغيرهم.
وأما غشي النعاس المؤمنين يوم أحد
وأما غشي النعاس المؤمنين يوم أحد فقال اللَّه تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [ (1) ] الأمن وهو نقيض الخوف، يقال أمن أمنا وأمنه، وقيل الأمنة الأمن وهو نقيض الخوف إنما تكون من استباق الخوف، والأمن يكون مع عدم الخوف، وكان في ذلك علم من أعلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فإن المسلمين كانوا في غم شديد، وقد انهزموا من عدوهم، وخرج الشيطان فيهم قبل محمد، واستشهد منهم سبعون، فما نزل اللَّه- سبحانه وتعالى- عليهم مع هذه الشدائد العظيمة النعاس حتى نام أكثرهم، وإنما ينعس من يأمن، والخائف لا ينام. خرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث حسين بن محمد عن شيبان، عن قتادة، حدثنا أنس بن أبا طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه. وخرّج الترمذيّ [ (3) ] من حديث سعيد عن قتادة، عن أنس أن أبا طلحة قال: غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد، حدث أنه كان فيمن غشيه النعاس يومئذ قال: فجعل سيفي يسقط من يدي، وآخذ، ويسقط من يدي وآخذه، والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرغبه، وأخذ له للحق. قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. وخرّج أبو نعيم [ (4) ] والبيهقيّ [ (5) ] من طريق حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس، عن أبي طلحة قال: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت انظر وما منهم أحد
إلا وهو يميد تحت حجمته من النعاس، فذلك قوله- تعالى عز وجل-: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [ (1) ] الآية. وخرّج أبو نعيم [ (2) ] من حديث هشام بن عروة عن أبيه، عن الزهريّ أنهم كانوا جلوسا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد في أصل الجبل حتى أرسل اللَّه عليهم النعاس أمنة منه، وأنهم ليغطون حتى إن حجفهم لتنتطح في أيديهم والعدو تحتهم. وقال ابن إسحاق [ (3) ] : حدثني يحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن الزبير قال: واللَّه إني لأسمع قول معتب بن قشير أخي بني عمرو بن عوف والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم حين قال: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا [ (4) ] . وخرّج البيهقيّ من حديث ابن شهاب عن عبد الرحمن بن مصور بن محرقة، عن عابية، عن عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله- تعالى-: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [ (5) ] قال: ألقى علينا النوم يوم أحد.
وذكر الواقدي [ (1) ] في (مغازيه) قصة أحد، ثم قال أبو أسيد الساعدي: لقد رأيتنا قبل أن يلقى علينا النعاس، وإنا لسلم لمن أرادنا، لما بنا من الحزن، فألقى علينا النعاس فنمنا حتى تناطح الحجف، وفزعنا وكأنا لم تصبنا قبل ذلك نكبة. وقال طلحة بن عبيد اللَّه: غشينا النعاس حتى كان حجف القوم تناطح. وقال الزبير بن العوام: غشينا النعاس فما منا رجل إلا وذقنه في صدره من النوم، فأسمع معتب بن قشير يقول: وإني لك لكالحالم لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا [ (2) ] ، فأنزل اللَّه- تعالى- فيه. وقال أبو اليسر: لقد رأيتني يومئذ في أربعة عشر رجلا من قومي إلى جنب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد أصابنا النعاس أمنة منه، ما منهم رجل إلا يغط غطيطا حتى إن الحجف لنناطح، ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر به، وأخذه بعد ما تثلم وإن المشركين لتحتنا.
وقال أبو طلحة: ألقى علينا النعاس فكنت أنعس حتى يسقط سيفي من يدي، وكان النعاس لم يصب أهل النفاق والشك يومئذ، فكان منافق يتكلم بما في نفسه، وإنما أصاب النعاس أهل اليقين والإيمان. وقال أبو نعيم [ (1) ] : ما غشيهم من النعاس مع قرب العدو منهم، وما يوجب في العادة أن لا يناموا فلما كان فيما وقع شيئا خارجا عن العادة ثبتت الدلالة فيه واللَّه أعلم.
وأما ظهور صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في إخباره أن قزمان في النار
وأما ظهور صدق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في إخباره أن قزمان في النار فقال الواقدي [ (1) ] : وكان قزمان من المنافقين، وكان قد تخلف عن أحد، فلما أصبح عيره نساء بنى ظفر فقلن: يا قزمان، قد خرج الرجال وبقيت! يا قزمان، ألا تستحي مما صنعت؟ ما أنت إلى إلا امرأة، خرج قومك فبقيت في الدار! فأحفظته، فدخل بيته فأخرج قوسه وجعبته وسيفه- وكان يعرف بالشجاعة- فخرج يعدو حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يسوي صفوف المسلمين، فجاء من خلف الصفوف حتى انتهى الصف الأول فكان فيه، وكان أول من رمى بسهم من المسلمين، فجعل يرسل نبلا كأنها الرماح، وإنه ليكت كتيت الجمل، ثم صار إلى السيف ففعل الأفاعيل، حتى إذا كان آخر ذلك قتل نفسه، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا ذكره قال: من أهل النار، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار! يا آل أوس، قاتلوا على الأحساب واصنعوا مثل ما اصنع! قال: فيدخل بالسيف وسط المشركين حتى يقال: قد قتل، ثم يطلع ويقول: أنا الغلام الظفري! حتى قتل منهم سبعة، وأصابته الجراحة وكثرت به فوقع، فمر به قتادة بن النعمان فقال: أبا الغيداق! قال له قزمان: يا لبيك! قال: هنيئا لك الشهادة! قال قزمان: إني واللَّه ما قاتلت يا أبا عمرو على دين، ما قاتلت إلا على الحفاظ، أن قريش إلينا حتى تطأ سعفنا، فذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم جراحته فقال: من أهل النار، فأندبته الجراحة، فقتل نفسه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وقال الواقدي [ (2) ] في موضع آخر: وكان قزمان عديدا في بني ظفر لا يدري ممن هو، وكان لهم حائطا محبا، وكان مقلا لا ولد له ولا زوجة، وكان شجاعا يعرف بذلك في حروبهم، تلك التي كانت تكون بينهم، فشهد أحدا فقاتل
قتالا شديدا فقتل ستة أو سبعة، وأصابته الجراح فقيل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: قزمان قد أصابته الجراح، فهو شهيد! قال: من أهل النار، فأتى إلى قزمان فقيل له: هنيئا لك يا أبا الغيداق الشهادة! قال: بم تبشرون؟ واللَّه ما قاتلنا إلا على الأحساب، قالوا: بشرناك بالجنة، قال: جنة من حرمل، واللَّه ما قاتلنا على جنة ولا نار، إنما قاتلنا على أحسابنا! فأخرج سهما من كنانته، فجعل يتوجأ به نفسه، فلما أبطأ عليه المشقص أخذ السيف فاتكأ عليه حتى خرج من ظهره، فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أهل النار. حدثنا يونس [ (1) ] بن محمد الظفري، عن أبيه، قال: أقبل قزمان يشد على المشركين، وتلقاه خالد بن الأعلم، وكل واحد منهما راجل، فاضطربا بأسيافهما، فيمر بهما خالد بن الوليد فحمل الرمح على قزمان، فسلك الرمح في غير مقتل، شطب الرمح، ومضى خالد وهو يرى أنه قد قتله، فضربه عمرو بن العاص وهما على تلك الحال، وطعنه أخرى فلم يجهز عليه، فلم يزالا يتجاولان حتى قتل قزمان خالد بن الأعلم، ومات قزمان من جراحة به من ساعة، وعثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة قتله الحارث بن الصمة خمسة. فقال الواقدي [ (2) ] في (مغازيه) : قال جابر بن عبد اللَّه: لما قتل سعد بن ربيع بأحد رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المدينة، ثم مضى إلى حمراء الأسد، وجاء أخو سعد بن ربيع فأخذ ميراث سعد، وكان لسعد ابنتان وكانت امرأته حاملا، وكان المسلمون يتوارثون على ما كان في الجاهلية حتى قتل سعد بن ربيع، فلما قبض عمهن المال- ولم تنزل الفرائض- وكانت امرأة سعد امرأة حازمة، صنعت طعاما- ثم دعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- خبزا ولحما وهي يومئذ بالأسواف [ (3) ] ، فانصرفنا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الصبح، فبينا نحن عنده جلوس ونحن نذكر وقعة أحد ومن قتل من المسلمين، ونذكر سعد بن ربيع إلى أن قال رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قوموا بنا، فقمنا معه ونحن عشرون رجلا حتى انتهينا إلى الأسواف، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ودخلنا معه فنجدها قد رشت ما بين صورين، وطرحت خصفة [ (1) ] . قال جابر بن عبد اللَّه: واللَّه ما ثم وسادة ولا بساط، فجلسنا ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدثنا عن سعد بن ربيع، يترحم عليه ويقول: لقد رأيت الأسنة شرعت إليه يومئذ حتى قتل، فلما سمع ذلك النسوة بكين، فدمعت عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وما نهاهن عن شيء من البكاء. قال جابر: ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، قال: فتراءينا من يطلع، قال فطلع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقمنا فبشرناه بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سلم ثم ردوا عليه، ثم جلس. ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فتراءينا من يطلع من خلال السعف، فطلع عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقمنا فبشرناه بما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلم ثم جلس. ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فنظرنا من خلال السعف، فإذا علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد طلع، فقمنا فبشرناه بالجنة، ثم جاء فجلس فسلم ثم جلس، ثم أتي بالطعام. قال جابر: فأتى من الطعام بقدر ما يأكل رجل واحدا واثنان، فوضع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يده فيه، فقال: خذوا بسم اللَّه! فأكلنا منها حتى نهلنا، واللَّه ما أرانا حركنا منها شيئا، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارفعوا هذا الطعام! فرفعوه، ثم أتينا برطب في طبق في باكورة أو مؤخر قليل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بسم اللَّه، كلوا! قال: فأكلنا حتى نهلنا، وإني لأرى في الطبق نحوا مما أتى به، وجاءت الظهر فصلى بنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يمس ماء، ثم رجع إلى مجلسه فتحدث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم جاءت العصر فأتى ببقية الطعام يتشبع به، فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلى بنا العصر، ولم يمس ماء.
ثم قامت امرأة سعد بن ربيع فقالت: يا رسول اللَّه، إن سعد بن ربيع قتل بأحد، فجاء أخوه فأخذ ما ترك، وترك ابنتين ولا مال لهما، وإنما ينكح- يا رسول اللَّه- النساء على المال، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ أحسن الخلافة على تركته، لم ينزل عليّ في ذلك شيء، وعودي إليّ إذا رجعت! فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيته جلس على بابه وجلسنا معه، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برحاء حتى ظننا أنه أنزل عليه، قال: فسرى عنه والعرق يتحدر عن جبينه مثل الجمان، فقال: عليّ بامرأة سعد قال: فخرج أبو مسعود عقبة بن عمرو حتى جاء بها، قال: وكانت امرأة حازمة جلدة، فقال: أين عم ولدك؟ قالت: يا رسول اللَّه في منزله، قال: أدعية لي، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اجلسي، فجلست وبعث رجلا يعدو إليه فأتى به وهو في بلحارث بن الخزرج، فأتى به وهو متعب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادفع إلى بنات أخيك ثلثي ما ترك أخوك فكبرت امرأته تكبيرة سمعها أهل المسجد، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادفع إلى زوجة أخيك الثمن وشأنك وسائر ما بيدك، ولم يورث الحمل يومئذ، وهي أم سعد بنت سعد بن ربيع امرأة زيد بن ثابت أم خارجة بن زيد، فلما ولى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد تزوج زيد أم سعد بنت سعد وكانت حملا، فقال: إن كانت لك حاجة أن تكلمي في ميراثك من أبيك، فإن أمير المؤمنين قد ورّث الحمل اليوم، وكانت أم سعد يوم قتل أبوها سعد حملا، فقالت: ما كنت لأطلب من أخي شيئا.
وأما حماية الدبر عاصم بن ثابت حتى لم تمسه أيدي المشركين تكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلما من أعلام نبوته
وأما حماية الدبر عاصم بن ثابت حتى لم تمسه أيدي المشركين تكرمة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعلما من أعلام نبوته فخرّج البخاريّ من حديث الزهريّ قال: أخبرني عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي- وهو حليف لبني زهرة- وكان من أصحاب أبي هريرة إن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرة رهط سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري- جد عاصم بن عمرو بن الخطاب- فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة- وهو بين عسفان ومكة- ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا. فقال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فو اللَّه لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللَّهمّ أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاريّ وابن دثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم، فأوثقوهم. فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، واللَّه لأصحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوة- يريد القتلى- وجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى، فقتلوه، فانطلقوا بخبيب، وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا، فأخبرني عبيد اللَّه بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته، فأخذ ابنا لي وأنا غافله حين أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموس بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت
لأفعل ذلك، واللَّه ما رأيت أسيرا قط خير من خبيب، واللَّه لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول إنه لرزق من اللَّه رزقه خبيبا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنون أن بى جزع ... اللَّهمّ أحصهم عددا ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان للَّه مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سنّ الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا، فأستجاب اللَّه لعاصم بن ثابت يوم أصيب، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث اللَّه على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسولهم، فلم يقدر على أن يقطع من لحمه شيئا. ذكره البخاريّ في كتاب الجهاد [ (1) ] ، وترجم عليه: هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، ومن ركع ركعتين عند القتل. وذكره في غزوة الرجيع [ (2) ] بنحوه أو قريب منه، وذكر بعقبه من طريق سفيان، عن عمرو سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: الّذي قتل خبيبا هو أبو سروعة. وذكره أيضا في غزوة بدر [ (3) ] ، وذكر موسى بن عقبة هذا الحديث، وقصة من قتل منهم ومن أسر بنحو حديث أبي هريرة.
وذكره عروة بن الزبير أيضا، وزاد فيه قول خبيب: اللَّهمّ إني لا انظر في وجه عدوك، اللَّهمّ إني لا أجد رسولك، فبلغه عنى السلام، فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره ذلك، وزاد موسى بن عقبة: وزعموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو جالس في ذلك اليوم الّذي قتلا فيه: وعليكما أو عليك السلام، خبيب قتلته قريش، ولا أدري أذكر زيد الدّثنّة معه أم لا؟ قال: وزعموا أنهم رموا ابن الدّثنّة بالنبل وأرادوا قتله، فلم يزدد إلا إيمانا وتثبيتا. وزاد عروة وموسى بن عقبة جميعا: أنهم لما رفعوا خبيبا على الخشبة نادوه يناشدونه: أتحب أن محمدا مكانك؟ قال: لا واللَّه العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدميه، فضحكوا منه، وزاد بيانا قالها. وذكر الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] في غزوة الرجيع بأتم سياقه قال: حدثني موسى بن يعقوب، عن أبي الأسود عن عروة قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحاب الرجيع عيونا إلى مكة ليخبروه خبر قريش، فسلكوا على النجدية حتى كانوا بالرجيع، فاعترضت لهم بنو لحيان. حدثني محمد بن عبد اللَّه، ومعمر بن راشد، وعبد الرحمن بن عبد العزيز، وعبد اللَّه بن جعفر، ومحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، ومعاذ بن محمد، في رجال من لم أسمّ، وكل قد حدثني ببعض الحديث، وبعض القوم كان أوعى له من بعض، وقد جمعت الّذي حدثوني، قالوا: لما قتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي مشت بنو لحيان إلى عضل والقارة، فجعلوا لهم فرائض على أن يقدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيكلموه، فيخرج إليهم نفرا من أصحابه يدعونهم إلى الإسلام، فنقتل من قتل صاحبنا، ونخرج بسائرهم إلى قريش بمكة فنصيب بهم ثمنا، فإنّهم ليسوا لشيء أحب إليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمد، يمثلون به ويقتلونه بمن قتل منهم ببدر.
فقدم سبعة نفر من عضل والقارة- وهما حيان إلى خزيمة- مقرين بالإسلام، فقالوا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا فينا إسلاما فاشيا، فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئوننا القرآن، ويفقهوننا في الإسلام، فبعث معهم سبعة نفر: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وخالد بن أبي البكير، وعبد اللَّه بن طارق البلوي حليف في بنى ظفر، وأخاه لأمه معتب بن عبيد، حليف في بني ظفر، وخبيب بن عديّ بن بلحارث بن الخزرج، وزيد بن الدّثنّة من بني بياضة، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ويقال: كانوا عشرة وأميرهم مرثد بن أبي مرثد، ويقال أميرهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح. فخرجوا حتى إذا كانوا بماء لهذيل- يقال له الرجيع قريب من الهدة- خرج النفر فاستصرخوا عليهم أصحابهم الذين بعثهم اللحيانيون، فلم يرع أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا بالقوم، مائة رام وفي أيديهم السيوف، فاخترط أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أسيافهم، ثم قاموا، فقال العدو: ما نريد قتالكم، وما نريد إلا أن نصيب منكم من أهل مكة ثمنا، ولكم عهد اللَّه وميثاقه لا نقتلكم. فأما خبيب بن عدي، وزيد بن الدّثنّة، وعبد اللَّه بن طارق فاستأسروا، وقال خبيب: إن لي عند القوم يدا، وأما عاصم بن ثابت، ومرثد، وخالد بن أبي البكير، ومعتب بن عبيد، فأبوا أن يقبلوا جوارهم ولا أمانهم، وقال عاصم بن ثابت: إني نذرت ألا أقبل جوار مشرك أبدا، فجعل عاصم يقاتلهم وهو يقول: ما علتي وأنا جلد نابل ... النبل والقوس لها بلابل نزلّ عن صفحتها المعابل ... الموت حق والحياة باطل وكل ما حم الإله نازل ... بالمرء والمرء إليه آئل إن لم أقاتلكم فأمي هابل [ (1) ] قال الواقدي: ما رأيت من أصحابنا أحدا يدفعه، قال: فرماهم بالنبل حتى فنيت نبله، ثم طعنهم بالرمح حتى كسر رمحه، وبقي السيف فقال: اللَّهمّ حميت دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره! وكانوا يجردون كل من قتل من
أصحابه، قال: فكسر غمد سيفه، ثم قاتل حتى قتل، وقد جرح رجلين وقتل واحد، فقال عاصم وهو يقائل: أنا أبو سليمان ومثلي رامي ... ورثت مجدا معشرا كراما أصبت مرثدا وخالدا قياما ثم شرعوا فيه الأسنة حتى قتلوه، وكانت سلافة بنت سعد بن الشهيد قد قتل زوجها وبنوها أربعة، قد كان عاصم قتل منهم اثنين، الحارث، ومسافعا، فندرت لئن أمكنها اللَّه منه أن تشرب في قحف رأسه الخمر، وجعلت لمن جاء برأس عاصم مائة ناقة، قد علمت ذلك العرب وعلمته بنو لحيان فأرادوا أن يحتزوا رأس عاصم ليذهبوا به إلى سلافة بنت سعد ليأخذوا منها مائة ناقة. فبعث اللَّه- تبارك وتعالى- عليهم الدبر فحمته فلم يدن إليه أحد إلا لدغت وجهه، وجاء منها شيء كثير لا طاقة لأحد به، فقالوا: دعوه إلى الليل، فإنه إذا جاء الليل ذهب عنه الدبر، فلما جاء الليل بعث اللَّه عليه سيلا- وكنا ما نرى في السماء سحابا في وجه من الوجوه- فاحتمله فذهب به فلم يصلوا إليه، فقال: عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو يذكر عاصما- وكان عاصم نذر ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك تنجسا به، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن اللَّه- عز وجل- ليحفظ المؤمنين، فمنعه اللَّه- عز وجل- أن يمسوه بعد وفاته كما امتنع في حياته. وقاتل معتب بن عبيد حتى جرح فيهم، ثم خلصوا إليه فقتلوه، وخرجوا بخبيب، وعبد اللَّه بن طارق، وزيد بن الدّثنّة حتى إذا كانوا بمر الظهران، وهم موثقون بأوتار قسيهم، قال عبد اللَّه بن طارق: هذا أول الغدر! واللَّه لا أصاحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوة- يعني القتل، فعالجوه فأبى، ونزع يده من رباطه، ثم أخذ سيفه، فانحازوا عنه، فجعل يشد فيهم وينفرجون عنه، فرموه بالحجارة حتى قتلوه- فقبره بمر الظهران، وخرجوا بخبيب بن عدي، وزيد بن الدّثنّة حتى قدموا بهما مكة، فأما خبيب فابتاعه حجير بن أبي إهاب بثمانين مثقال ذهب، ويقال اشتراه بخمسين فريضة، ويقال اشترته ابنة الحارث بن عامر بن نوفل بمائة من الإبل، وكان حجير إنما اشتراه لابن أخيه عقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه- قتل يوم بدر-، وأما زيد بن الدّثنّة،
فاشتراه صفوان بن أمية بخمسين فريضة فقتله بأبيه، ويقال إنه شرك فيه أناس من قريش، فدخل بهما في شهر حرام، وفي ذي القعدة، فحبس حجير خبيب بن عدي في بيت امرأة، يقال لها ماوية، مولاة لبني عبد مناف، وحبس صفوان بن أمية زيد بن الدّثنّة عند ناس من بني جمح، ويقال عند نسطاس غلامه، وكانت ماوية قد أسلمت بعد فحسن إسلامها، وكانت تقول: واللَّه ما رأيت أحدا خيرا من خبيب، واللَّه لقد أطلعت عليه من صير الباب وإنه لفي الحديد، وما أعلم في الأرض حبة عنب تؤكل، وإن في يده لقطف عنب مثل رأس الرجل يأكل منه، وما هو إلا رزق رزقه اللَّه، وكان خبيب يتهجد بالقرآن، وكان يسمعه النساء فيبكين ويرققن عليه، قالت: فقلت له: يا خبيب، هل لك من حاجة؟ قال: لا، إلا أن تسقيني العذب، ولا تطعميني ما ذبح على النصب، وتخبريني إذا أرادوا قتلي، قالت: فلما انسلخت الأشهر الحرم وأجمعوا على قتله أتيته فأخبرته، فو اللَّه ما رأيته اكترث لذلك، وقال: ابعثي لي بحديدة أستصلح بها، قالت: فبعثت إليه موسى مع ابني أبي حسين، فلما ولى الغلام قلت: أدرك واللَّه الرجل ثأره، أي شيء صنعت؟ بعثت هذا الغلام بهذه الحديدة، فيقتله ويقول: «رجل برجل» فلما أتاه ابني بالحديدة تناولها منه، ثم قال ممازحا له: وأبيك إنك لجريء! أما خشيت أمك غدري حين بعثت معك بحديدة وأنتم تريدون قتلي؟ قالت ماوية: وأنا أسمع ذلك فقلت: يا خبيب، إنما أمنتك بأمان اللَّه وأعطيتك بإلهك، ولم أعطك لتقتل ابني، فقال خبيب: ما كنت لأقتله، وما نستحل في ديننا الغدر، ثم أخبرته أنهم مخرجوه فقاتلوه بالغداة، قال: فأخرجوه بالحديد حتى انتهوا به إلى التنعيم، وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة، فلم يتخلف أحد، إما موتور فهو يريد أن يتشافي بالنظر من وتره، وأما غير موتور فهو مخالف للإسلام وأهله، فلما انتهوا به إلى التنعيم، ومعه زيد بن الدّثنّة، فأمروا بخشبة طويلة فحفر لها، فلما انتهوا بخبيب إلى خشبته قال: هل أنتم تاركي فأصلي ركعتين؟ قالوا: نعم، فركع ركعتين أتمهما من غير أن يطول فيهما. فحدثني معمر، عن الزهريّ، عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن العلاء، عن أبي هريرة، قال: أول من سن الركعتين عند القتل خبيب.
قالوا: ثم قال: أما واللَّه لولا أن تروا أني جزعت من الموت لاستكثرت من الصلاة، ثم قال: اللَّهمّ أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا. فقال معاوية بن أبي سفيان: لقد حضرت دعوته ولقد رأيتني وإن أبا سفيان ليضجعني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب، ولقد جبذني يومئذ أبو سفيان جبذة، فسقطت على عجب ذنبي فلم أزل أشتكي السقطة زمانا. وقال حويطب بن عبد العزى: لقد رأيتني أدخلت إصبعي في أذني وعدوت هربا فرقا أن أسمع دعاؤه. وقال حكيم بن حزام: لقد رأيتني أتوارى بالشجر فرقا من دعوة خبيب منهم أحدا. فحدثني عبد اللَّه بن يزيد قال: حدثني بن عمرو قال: سمعت جبير بن مطعم يقول: لقد رأيتني يومئذ أتستر بالرجال فرقا من أن أشرف لدعوته. وقال الحارث بن برصاء: واللَّه ما ظننت أن تغادر دعوة خبيب منهم أحد وحدثني عبد اللَّه، قال: سمعت عمرو بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سعيد بن عامر بن حذيم الجمحيّ على حمص، وكانت تصيبه غشية وهو بين ظهري أصحابه، فذكر ذلك لعمر بن الخطاب فسأله في قدمة قدم عليه من حمص فقال: يا سعيد ما الّذي يصيبك؟ أبك جنة؟ قال: لا واللَّه يا أمير المؤمنين، ولكني كنت فيمن حضر خبيبا حين قتل وسمعت دعوته، فو اللَّه ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس إلا غشي علي، قال: فزادته عند عمر خيرا. وحدثني قدامة بن موسى، عن عبد العزيز بن رمانة، عن عروة بن الزبير، عن نوفل بن معاوية الديليّ، قال: حضرت يومئذ دعوة خبيب، فما كنت أرى أن أحدا ممن حضر ينفلت من دعوته، ولقد كنت قائما فأخلدت إلى الأرض فرقا من دعوته، ولقد مكثت قريش شهرا أو أكثر وما لها حديث في أنديتها إلا دعوة خبيب. قالوا: فلما صلى ركعتين حملوه إلى الخشبة، ثم وجهوه إلى المدينة وأوثقوه رباطا، ثم قالوا: أرجع عن الإسلام، نخل سبيلك! قال: لا واللَّه ما أحب أني رجعت عن الإسلام وأن لي ما في الأرض جميعا! قالوا: فتحب أن
محمدا في مكانك وأنت جالس في بيتك؟ قال: واللَّه ما أحب أن يشاك محمد بشوكة وأنا جالس في بيتي، فجعلوا يقولون: ارجع يا خبيب! قال: لا أرجع أبدا! قالوا: أما واللات والعزى، لئن لم تفعل لنقتلنك! فقال: إن قتلي في اللَّه لقليل! فلما أبى عليهم وقد جعلوا وجهه من حيث جاء، قال: أما صرفكم وجهي عن القبلة فإن اللَّه يقول: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ (1) ] ، ثم قال: اللَّهمّ إني لا أرى إلا وجه عدو، اللَّهمّ أنه ليس ها هنا أحد يبلغ رسولك السلام عني، فبلغه أنت عني السلام. فحدثني أسامة بن زيد، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان جالسا مع أصحابه، فأخذته غمية كما كان يأخذه إذا أنزل عليه الوحي، قال: ثم سمعناه يقول: وعليه السلام ورحمة اللَّه، ثم قال: هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام، قال: ثم دعوا أبناء من أبناء من قتل ببدر فوجدوهم أربعين غلاما، فأعطوا كل غلام رمحا، ثم قالوا: هذا الّذي قتل آباءكم، فطعنوه برماحهم طعنا خفيفا، فاضطرب على الخشبة فانقلب، فصار وجهه إلى الكعبة، فقال: الحمد للَّه الّذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبيه وللمؤمنين! وكان الذين أجلبوا على قتل خبيب: عكرمة بن أبي جهل، وسعيد بن عبد اللَّه بن قيس، والأخنس بن شريق، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن الأوقص السلميّ، وكان عقبة بن الحارث بن عامر ممن حضر، وكان يقول: واللَّه ما أنا قتلت خبيبا إن كنت يومئذ لغلاما صغيرا، ولكن رجلا من بني عبد الدار يقال له أبو ميسرة من عوف بن السباق أخذ بيدي فوضعها على الحربة، ثم أمسك بيدي، ثم جعل يطعن بيده حتى قتله، فلما طعنه بالحربة أفلت، فصاحوا: يا أبا سروعة، بئس ما طعنه أبو ميسرة! فطعنه أبو سروعة حتى أخرجها من ظهره، فمكث ساعة يوحد اللَّه ويشهد أن محمدا رسول اللَّه. يقول الأخنس بن شريق: لو ترك ذكر محمد على حال لتركه على هذه الحال، ما رأينا قط والدا يجد بوالده ما يجد أصحاب محمد بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم.
قالوا: وكان زيد بن الدّثنّة عند آل صفوان بن أمية محبوسا في حديد، وكان يتهجد بالليل ويصوم بالنهار، ولا يأكل شيئا مما أوتي به من الذبائح، فشق ذلك على صفوان، وكانوا قد أحسنوا إساره، فأرسل إليه صفوان: فما الّذي تأكل من الطعام؟ قال: لست آكل مما ذبح لغير اللَّه، ولكني أشرب اللبن، وكان يصوم، فأمر له صفوان بعس من اللبن عند فطره فيشرب منه حتى يكون مثلها من القابلة، فلما خرج به وبخبيب في يوم واحد التقيا، ومع كل واحد منهما فئام من الناس، فالتزم كل منهما صاحبه، وأوصى كل واحد منهما صاحبه بالصبر على ما أصابه، ثم افترقا، وكان الّذي ولى قتل زيد نسطاس غلام صفوان، خرج به إلى التنعيم فرفعوا له جزعا، فقال: أصلي ركعتين فصلى ركعتين، ثم حملوه على الخشبة، ثم جعلوا يقولون لزيد: أرجع عن دينك المحدث وأتبع ديننا، ونرسلك! قال: لا واللَّه، لا أفارق ديني أبدا! قالوا: أيسرك أن محمدا في أيدينا مكانك وأنت في بيتك؟ قال: ما يسرني أن محمد أشيك بشوكة وأني في بيتي! قال: يقول أبو سفيان بن حرب: لا، ما رأينا أصحاب رجل قط أشد له حبا من أصحاب محمد بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال حسان بن ثابت، صحيحة سمعتها من يونس بن محمد الظفري: فليت خبيبا لم تخنه أمانة ... وليت خبيبا كان بالقوم عالما شراه زهير بن الأغر وجامع ... وكانا قديما يركبان المحارما أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكناف الرجيع اللهازما وقال حسان بن ثابت، ثبته قديمة: لو كان في الدار قرم ذو محافظة ... حامي الحقيقة ماض في خاله أنس إذن حللت خبيبا منزلا فسحا ... ولم يشد عليك الكبل والحرس ولم تقدك إلى التنعيم زعنفة ... من المعاشر ممن قد نفت عدس فأصبر خبيب فإن القتل مكرمة ... إلى جنان نعيم ترجع النفس دلوك غدرا وهم فيها أولو خلف ... وأنت ضيف لهم في الدار محتبس وقد ذكر يونس بن بكير بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة هذه القصة وزاد فيها أن قدوم النفر من القادة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة بعد أحد وزاد أن خبيبا قال: حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا على صلبه أبياتا:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وكلهم مبري العداوة جاهد ... علي لأني في وثاق بمضجع وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جزع طويل ممنع إلى اللَّه أشكو غربتي ثم كربتي ... وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي فذا العرش، صبرني على ما يراد بي ... فقد بضعوا لحمي وقد بأس مطمعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع وقد خيروني الكفر والموت دونه ... وقد هملت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذاري حجم نار ملفع فو اللَّه ما أرجو إذا مت مسلما ... على أي جنب كان في اللَّه مصرعي فلست بمبد العدو تخشعا ... ولا جزعا إني إلى اللَّه مرجعي وذكر عبد اللَّه بن وهب قال: حدثنا عمر بن الحرث بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه الزهريّ أخبره عن بريدة بن سفيان الأسلمي، فذكر القصة، وزاد فيها رفع خبيب على الخشبة أستقبل الدعاء. قال رجل: فلما رأيته يدعوا لبثت بالأرض، فلم يحل الحول ومنهم أحد غير ذلك الرجل الّذي لبث بالأرض. وقال يونس عن إبراهيم بن إسماعيل: حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمريّ أن أباه حدثه عن جده- وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثه عينا وحده- قال: جئت إلى خشبة خبيب، فرقيت فيها وأنا أخوف العيون، فأطلقته، فوقع بالأرض، ثم اقتحمه فانتبذت قليلا، ثم التفت فكأنما ابتلعته الأرض. ذكره جعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل، فذكره بمعناه إلا أنه قال: فانتبذت غير بعيد، فلم أر خبيبا فكأنما ابتلعته الأرض، فلم يذكر لخبيب رمة حتى الساعة. قال كاتبه: قد تضمن هذا الخبر عشرة أعلام من أعلام النبوة: أن الدبر جمعت عاصما حتى لم تمسه أيدي المشركين، ومنها أن السيل غيبه، ومنها أكل خبيب العنب في غير أوانه، وهي كرامة كما قصه اللَّه- تعالى- من شأن
مريم كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً [ (1) ] ومنها ثباته، وثبات زيد على دين الإسلام، ومحبة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عظيم ما جمع فيه من المحبة العظيمة في ذلك، ومنها تغييب رمة خبيب عن المشركين بعد صلبه، ومنها توجيه اللَّه تعالى له إلى نحو الكعبة بعد صرفهم إياه عنها، ومنها إعلام اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما نزل بالقوم، وإبلاغه تعالى سلام خبيب له، ومنها إجابة اللَّه دعوة خبيب، وهلاك من شهد قتله من عامة كل ذلك تكرمة من اللَّه لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وأما حماية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ممن بعثه أبو سفيان بن حرب ليقتله وتخليصه تعالى عمرو بن أمية الضمري ومن معه من فتك المشركين وتأييدهما عليهم حتى قتلا منهم وأسرا
وأما حماية اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم ممن بعثه أبو سفيان بن حرب ليقتله وتخليصه تعالى عمرو بن أمية الضمريّ ومن معه من فتك المشركين وتأييدهما عليهم حتى قتلا منهم وأسرا قال الواقدي [ (1) ] : حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه قال: وحدثنا عبد اللَّه بن أبي عبيدة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمريّ، قال: وحدثنا عبد اللَّه بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون، وزاد بعضهم على بعض قال: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة: ما أحد يغتال محمدا فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا، فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله، وقال له: إن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله فإنّي هاد بالطريق خريت، ومعي خنجر مثل خافية النسر، قال: أنت صاحبنا فأعطاه بعيرا ونفقة وقال: أطو أمرك فإنّي لا آمن أن يسمع هذا أحد فينمه إلى محمد، قال العربيّ: لا يعلم به أحد. فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا وصبح ظهر الحرة، صبح سادسة، ثم أقبل يسأل عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أتى المصلي، فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل، فخرج يقود راحلته حتى انتهى إلى بنى عبد الأشهل، فعقل راحلته، ثم أقبل يؤم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجدهم، فدخل، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدرا واللَّه حائل بينه وبين ما يريد. فوقف، فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا ابن عبد المطلب، فذهب ينحني على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كأنه يساره، فجبذه أسيد بن الحضير، وقال له: تنح عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجبذ بداخله إزاره، فإذا الخنجر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا غادر، وسقط في يدي العربيّ، وقال: دمي دمي يا محمد، وأخذ أسيد يلبب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اصدقني: ما أنت؟ وما أقدمك؟
فإن صدقتني نفعك الصدق، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به، قال العربيّ: فأنا آمن؟ قال فأنت آمن، فأخبره بخير أبي سفيان وما جعل له، فأمر به فحبس عند أسيد، ثم دعا به من الغد فقال: قد أمنتك، فأذهب حيث شئت، أو خير لك من ذلك، قال: وما وهو؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأني رسول اللَّه، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك رسول اللَّه، واللَّه يا محمد ما كنت أفرق الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي، وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به مما سبقت به الركبان، ولم يعلمه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يتبسم، وأقام أياما ثم استأذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج من عنده فلم يسمع له بذكر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمرو بن أمية الضمريّ، ولسلمة بن أسلم بن حريش: أخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب، فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه، قال عمرو: فخرجت أنا وصاحبي حتى أتينا بطن [يأجج] فقيدنا بعيرنا، فقال لي صاحبي: يا عمرو هل لك في أن نأتي مكة ونطوف بالبيت سبعا، ونصلي ركعتين؟ فقلت: إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق، وأنهم أن رأوني عرفوني، وأنا أعرف أهل مكة إنهم إذا أمسوا أنفجعوا بأفنيتهم، فأبى أن يطيعني، فأتينا مكة فطفنا سبعا وصلينا ركعتين، فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني وقال عمرو بن أمية: [وأحزناه] فأخبر أباه فنيد بنا أهل مكة، فقالوا: ما جاء عمرو في خير- وكان عمرو رجلا فاتكا في الجاهلية- فحشد أهل مكة، وتجمعوا، وهرب عمرو، وسلمة، وخرجوا في طلبهما، واشتدوا في الجبل قال عمرو: فدخلت غارا فتغيبت عنهم، حتى أصبحت وباتوا يطلبون في الجبل، وعمى اللَّه عليهم طريق المدينة أن يهتدوا لراحلتنا فلما كان الغد ضحوة أقبل عثمان بن مالك بن عبيد اللَّه التيمي يختلي لفرسه حشيشا، فقلت لسلمة بن أسلم: إن أبصرنا أشعر بنا أهل مكة، وقد أقصروا عنا فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف علينا وخرجت فطعنته طعنة تحت الثدي بخنجري فسقط وصاح، وأسمع أهل مكة، فأقبلوا بعد تفرقهم، ودخلت الغار فقلت لصاحبي: لا تحرك وأقبلوا حتى أتوا عثمان بن مالك، فقالوا: من قتلك؟
قال عمرو بن أمية قال أبو سفيان: وما علمنا أنه لم يأت بعمرو خير، ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا كان بآخر رمق ومات، وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم يحملونه، فمكثنا ليلتين في مكاننا، ثم خرجنا، فقال صاحبي: يا عمرو بن أمية، هل لك في خبيب بن عدي ننزله؟ فقلت له: أين هو؟ قال: هو ذاك مصلوب حوله الحرس، فقلت: أمهلني وتنح عني فإن خشيت شيئا فانح إلى بعيرك فأقعد عليه وأت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره الخبر، ودعني فإنّي عالم بالمدينة، ثم اشتددت عليه حتى حللته فحملته على ظهري فما مشيت به إلا عشرين ذراعا حتى استيقظوا فخرجوا في طلب أثري، فطرحت الخشبة، فما أنسي وقعها دب، يعني صوتها، ثم أهلت عليه من التراب برجلي فأخذت بهم طريق الصفراء فأعبوا فرجعوا وكنت لا أدرك مع بقاء نفس، فأنطلق صاحبي إلى البعير فركبه، وأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، وأقبلت حتى أشرفت على الغليل: غليل ضجنان فدخلت في غار فيه معي قوس وأسهم وخنجر، فبينا أنا فيه إذ أقبل رجل من بني بكر من بني الدئل أعور طويل يسوق غنما ومعزى، فدخل على الغار، فقال: من الرجل؟ فقلت: من بني بكر، فقال: وأنا من بني بكر، ثم اتكأ، فرفع عقيرته يتغنى يقول: فلست بمسلم ما دمت حيا ... ولست أدين دين المسلمينا فقلت في نفسي: واللَّه إني لأرجو أن أقتلك، فلما نام قمت إليه، فقتلته شر قتلة قتلها أحد قط، ثم خرجت حتى هبطت، فلما أسهلت في الطريق إذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان الأخبار، فقلت: استأسرا فأبى أحدهما فرميته فقتلته، فلما رأى ذلك الآخر استأسر فشددته وثاقا، ثم أقبلت به إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما قدمت المدينة رآني صبيان وهم يلعبون وسمعوا أشياخهم يقولون: هذا عمرو، فاشتد الصبيان إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخبروه، وأتيته بالرجل قد ربطت إبهاميه بوتر قوسي، فلقد رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يضحك، ثم دعا لي بخير، وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو بثلاثة أيام.
وأما رفع عامر بن فهيرة بعد قتله في بعث بئر معونة
وأما رفع عامر بن فهيرة بعد قتله في بعث بئر معونة فخرّج البخاريّ قصة بئر معونة في (المغازي) [ (1) ] من حديث يزيد بن زريع حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، ومن حديث همام، عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أنس بن أبي طلحة، حدثني أنس. ومن حديث مالك عن إسحاق بن عبد اللَّه، عن أنس، وخرّجها في غزوة الرجيع من حديث أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، ثم قال: وعن أسامة قال: قال هشام بن عروة: فأخبرني أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة، وأسر عمرو بن أمية الضمريّ قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ وأشار إلى قتيل، فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة، فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه، وبين الأرض، ثم وضع فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم، فنعاهم الحديث. وذكر الواقدي خبر بعث بئر معونة، ثم قال عامر بن الطفيل لعمرو بن أمية: هل تعرف أصحابك؟ قال: قلت: نعم، قال: فطاف فيهم، وجعل يسأله عن أنسابهم، فقال: هل تفقد منهم عن أحد؟ قال: أفقد مولى لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقال له عامر بن فهيرة، فقال: كيف كان فيكم؟ قال: قلت: كان من أفضلنا، ومن أول أصحاب نبينا إسلاما. قال: ألا أخبرك خبره؟ وأشار إلى رجل، فقال: هذا طعنه برمحه، ثم انتزع رمحه، فذهب بالرجل علوا في السماء حتى واللَّه ما أراه، قال عمرو، فقلت ذلك عامر بن فهيرة كان الّذي قتله من بني كلاب يقال له جبار بن سلمي، ذكر أنه لما طعنه قال: سمعته يقول: فزت واللَّه، قال: فقلت في نفسي: ما قوله فزت؟ قال: فأتيت الضحاك بن سفيان الكلابي، فأخبرته بما كان، وسألته عن قوله: فزت، فقال: الجنة، قال: وعرض علي الإسلام، قال: فأسلمت، ودعاني إلى الإسلام ما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة، ورفعه إلى السماء
وأما إعلام الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم يهاجم به المشركون من الميل على المسلمين إذ أضلوا ليقتلوهم
علوا قال: وكتب الضحاك إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبره بإسلامي، وما رأيت من مقتل عامر بن فهيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإن الملائكة وارت جثته! وأنزل عليين. وأما إعلام اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم يهاجم به المشركون من الميل على المسلمين إذ أضلوا ليقتلوهم فخرّج مسلم [ (1) ] من حديث زهير، حدثنا أبو الزبير، عن جابر قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوما من جهينة فقاتلونا قتالا شديدا، فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك، فذكر ذلك لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وقالوا: إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد، فلما حضرت العصر قال: صفنا صفين والمشركين بيننا وبين القبلة، قال: فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكبرنا وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول، وتقدم الصف الثاني، فقاموا مقام الأول فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكبرنا، وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني، ثم جلسوا جميعا سلم عليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال أبو الزبير: ثم خص جابر أن قال: كما يصلي أمراؤكم هؤلاء. وخرّج أبو داود [ (2) ] من حديث سعيد بن منصور، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي عياش الزرقيّ قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلينا الظهر، فقال
المشركون: لقد أصبنا غرة، لقد أصبنا غفلة، لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة، فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مستقبل القبلة، والمشركون أمامه، فصف خلف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صف، وصف بعد ذلك الصف صف آخر، فركع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وركعوا جميعا، ثم سجد وسجد الصف الذين يلونه، وقام الآخرون يحرسونهم فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الّذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وركعوا جميعا، ثم سجد وسجد الصف الّذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والصف الّذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعا، فسلم عليهم جميعا، فصلاها بعسفان، وصلاها يوم بني سليم. قال أبو داود: روى أيوب، وهشام عن أبي الزبير، عن جابر هذا المعنى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك رواه داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس وكذلك عبد الملك، عن عطاء، عن جابر، وكذلك قتادة، عن الحسن، عن حطان، عن أبي موسى فعله، وكذلك عكرمة بن خالد، عن مجاهد، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك هشام بن عروة، عن أبيه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال كاتبه: في رواية أبي داود زيادة ذكر الموضع الّذي صلى فيه، وقول أبي عياش: وعلى المشركين خالد بن الوليد، وهو قول الثوري. وذكر الواقدي، عن خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قصة إسلامه قال: فلما خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الحديبيّة خرجت في خيل المشركين، فلقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه بعسفان، فقمت بإزائه، وتعرضت له فصلى بأصحابه الظهر أمامنا، فهممنا أن نغير عليه، ثم لم يعزم لنا فأطلع اللَّه نبيه على ما في أنفسنا من الهم به، فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو هشام عن أبي الزبير، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأصحابه الظهر بنخل، فهم بهم المشركون، ثم قالوا: دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه أحب إليهم
وأما حماية الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من غورث بن الحارث، وكفايته أمره
من أبنائهم، قال: فنزل جبريل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فصلى العصر، وصفهم صفين ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين أيديهم، والعدو بين يديّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكبروا جميعا، وركعوا جميعا، ثم سجد الذين يلونه، والآخرون قيام، فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون، ثم تقدم هؤلاء، وتأخر هؤلاء، وكبروا جميعا، وركعوا جميعا، ثم سجد الذين يلونهم والآخرون قيام، فلما رفعوا رءوسهم سجد الآخرون. وأما حماية اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم من غورث بن الحارث، وكفايته أمره فخرّج البخاريّ من حديث شعيب، ومحمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن سنان، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أنه غزا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل نجد، فلما قفل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قفل معه، فأدركتهم القافلة في واد كثير العضاة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفرق الناس في العضاة يستظلون بالشجر، ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت الشجرة، فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فأستيقظت وهو في يده صلتا فقال لي: من يمنعك منى؟ قلت: اللَّه، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . وقال: أبان حدثنا يحيي بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاء رجل من المشركين، وسيف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم معلق بالشجرة. فاخترطه، فقال له: تخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: اللَّه فتهدده أصحاب النبي
صلّى اللَّه عليه وسلّم وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع، وللقوم ركعتان. وقال مسدد: عن أبي عوانة، عن أبي بشر أسم الرجل غورث بن الحارث، وقاتل فيها محارب خصفة [ (1) ] . وخرج البخاريّ أيضا من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوة نجد، فلما أدركته القائلة وهو في واد كثير العضاة، فنزل تحت شجرة، وأستظل بها، وعلق سيفه فتفرق الناس في الشجرة يستظلون، وبينا نحن كذلك إذ دعانا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجئنا فإذا أعرابى قاعد بين يديه، فقال: إن هذا أتانى وأنا نائم، فأخترط سيفي، فأستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط سيفي صلتا، قال: من يمنعك مني؟ قلت: اللَّه، فشامه، ثم قعد، فهو هذا، قال: ولم يعاقبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . ذكره في غزوة ذات الرقاع [ (3) ] ، وغزوة المريسيع [ (4) ] . وخرّجه النسائي [ (5) ] وخرّجه البيهقيّ [ (6) ] من طريق أبي بكر الإسماعيليّ قال: أخبرنا محمد بن يحيي المروزي، قال: حدثنا عاصم هو ابن عليّ، قالا: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر، قال: قاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم محارب خصفة بنخل، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل يقال له غورث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسيف، فقال:
من يمنعك مني؟ قال: اللَّه، قال: فسقط السيف من يده، قال: فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم السيف، فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن خير آخذ، قال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وإني رسول اللَّه؟ قال: لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى أصحابه وقال: جئتكم من عند خير الناس، ثم ذكر صلاة الخوف، وأنه صلى أربع ركعات، لكل طائفة ركعتين. قال البيهقيّ: هذا لفظ حديث عاصم، وفي رواية عارم قال الأعرابي: أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال: فخلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه، فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس، فلما حضرت الصلاة صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صلاة الخوف، فكان الناس طائفتين بإزاء عدوهم، وطائفة تصلي مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فصلى بالطائفة الذين معه ركعتين، ثم انصرفوا فكانوا مع أولئك الذين بإزاء عدوهم، وجاء أولئك، فصلى بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ركعتين، فكانت للناس ركعتين ركعتين وللنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أربع ركعات.
وأما إشارة الرسول صلى الله عليه وسلم حين ضرب بالفأس في حفر الخندق وإلى ما فتحه الله من المدائن لأمته
وأما إشارة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ضرب بالفأس في حفر الخندق وإلى ما فتحه اللَّه من المدائن لأمته فخرج أبو نعيم [ (1) ] من طريق ابن وهب، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خرج يوم الخندق وهم محدقون حول المدينة فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الفأس فضرب بها ضربة فقال: هذه الضربة يفتح اللَّه- تعالى- بها كنوز الروم، ثم ضرب الثانية فقال: هذه الضربة يفتح اللَّه- تعالى- بها كنوز فارس، ثم ضرب الثالثة فقال: هذه الضربة يأتيني اللَّه- عزّ وجلّ- بأهل اليمن أنصارا وأعوانا. وخرجه البيهقيّ [ (2) ] من طريق محمد بن عبد اللَّه الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن علّون المقري ببغداد، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يونس القرشيّ، قال: حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: حدثنا كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف المزنيّ قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخندق عام الأحزاب من أجم السّمر طرف بني حارثة حين بلغ المداد، ثم قطع أربعين ذراعا بين كل عشرة، فاختلف المهاجرون والأنصار- في سلمان الفارسيّ- وكان رجلا قويا- فقالت الأنصار: سلمان منا، وقالت المهاجرون: سلمان منا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سلمان منا أهل البيت. قال عمر بن عوف: فكنت أنا، وسلمان، وحذيفة بن اليمان، والنعمان ابن مقرّن، وستة من الأنصار في أربعين ذراعا، فحضرنا حتى إذا بلغنا الثديّ أخرج اللَّه من بطن الخندق صخرة بيضاء مدورة، فكسرت حديدنا، وشقّت
علينا، فقلنا: يا سلمان، ارق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره خبر هذه الصخرة، فإنا إن نعدل عنها فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه، فرقى سلمان حتى أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول اللَّه، بأبينا أنت وأمنا، خرجت لنا صخرة بيضاء من الخندق مروه فكسرت حديدنا، وشقت علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك، فهبط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع سلمان في الخندق، ورقينا عن الشقة في شقة الخندق، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المعول من سلمان فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها- يعني لابتي المدينة- حتى لكأن مصباحا في جوف ليل مظلم، فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تكبيرة فتح، فكبر المسلمون. ثم ضربها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الثانية، فكسرها، وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تكبيرة فتح، فكبر المسلمون. ثم أخذ بيد سلمان فرقى، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! لقد رأيت شيئا ما رأيته قط، فالتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى القوم، فقال: هل رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول اللَّه، بأبينا أنت وأمنا، قد رأيناك تضرب، فخرج برق كالموج فرأيناك تكبر، ولا نرى شيئا غير ذلك، فقال: صدقتم، ضربت ضربتي الأولى، فبرق الّذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق الّذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق منها، الّذي رأيتم، أضاءت منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر.
فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد اللَّه موعود صادق بأن اللَّه وعدنا النصر بعد الحصر، فطلعت الأحزاب، فقال المسلمون: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً [ (1) ] . وقال المنافقون: ألا تعجبون!؟ يحدثكم ويمنيكم، ويعدكم بالباطل، يخبركم أنه بصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق، ولا تسطيعون أن تبرزوا!!. فأنزل القرآن: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [ (2) ] . وله من حديث هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف عن ميمون، قال: حدثني البراء بن عازب قال: لما كان حين أمرنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة لا تأخذ فيها المعاول، فشكونا ذلك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاء فلما رآها ألقى ثوبة، وأخذ المعول، فقال: بسم اللَّه، ثم ضرب ضربة فكسر ثلثها، فقال: اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح الشام واللَّه إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، وقال: بسم اللَّه، فقطع ثلثا آخر، فقال: اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح فارس، واللَّه إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال بسم اللَّه، فقطع بقية الحجر، فقال: اللَّه أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، واللَّه إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة [ (3) ] . ومن طريق محمد بن إسحاق قال: حدثنا سعيد بن يحيى قال: حدثني أبي قال: ابن إسحاق: فحدثني من سمع حميلا يتحدث، عن أنس بن مالك قال: قسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخندق بين المهاجرين والأنصار، وظل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومه ذلك بعمل فضرب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمعوله ضربة، وبرقت برقة، فخرج نور من قبل اليمن، ثم ضرب أخرى فخرج نور من قبل فارس، فعجب سلمان من
ذلك فقال رسول اللَّه: أرأيت؟ قلت: نعم، قال: لقد أضاء لي أبيض المدائن، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه قد بشرني في مقامي هذا بفتح اليمن، والروم، وفارس. وقال: محمد بن إسحاق، عن الكلبي عن أبي صالح، عن سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ضربت في ناحية الخندق فعصت عليّ صخرة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قريب مني فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان [جاء] فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة، ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت برقة أخرى، قال: فقلت: بأبي أنت وأمي! ما هذا الّذي رأيت تحت المعول؟ قال: وقد رأيت ذلك يا سلمان؟ قلت: نعم، قال: أما الأولى فإن اللَّه فتح بها عليّ اليمن، وأما الثانية فإن اللَّه فتح بها عليّ الشام والمغرب، وأما الثالثة فإن اللَّه فتح بها عليّ المشرق. ومن طريق الحسن بن سفيان قال: حدثنا عبد الرحمن بن المتوكل، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا محمد بن أبي يحيى عن العباس بن سهل، بن سعد، عن أبيه قال: كنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الخندق، فأخذ الكرزن [ (1) ] فحفره، فصادف حجرا فضحك، فقيل: لم ضحكت يا رسول اللَّه؟ قال: ضحكت من ناس يؤتي بهم من قبل المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة، وهو كارهون. قال أبو نعيم: فأخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم بانتشار المسلمين وظهورهم حتى يسبوا سبايا الأمم مقيدين مسوقين إلى بلاد الإسلام يسترقون فيسلمون. وقال الواقدي في (مغازيه) : وحدثني أبيّ بن عباس بن سهل عن أبيه، عن جده قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الخندق، فأخذ الكرزن [ (2) ] ، وضرب
به، [فصادف حجرا] ، فصلّ الحجر فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقيل: يا رسول اللَّه مم تضحك؟ قال: أضحك من قوم يؤتي بهم من المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة وهم كارهون [ (1) ] . وحدثني عاصم بن عبد اللَّه الحكمي، عن عمر بن الحكم قال: كان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يضرب يومئذ بالمعول، فصادف حجرا صلدا، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المعول وهو عند جبل بني عبيد، فضرب ضربة فذهبت أولها برقة إلى اليمن، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة إلى الشام، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة نحو المشرق، وكسر الحجر عند الثالثة، فكان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: والّذي بعثه بالحق لصار كأنه سهلة [ (2) ] ، وكان كلما ضرب ضربه تبعه سليمان ببصره فيبصر عند كل ضربه برقة، فقال سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه رأيت المعول كلما ضربت به أضاء ما تحته، فقال: أليس قد رأيت ذلك؟ قال: نعم. قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إني رأيت في الأولى قصور الشام، ثم رأيت في الثانية قصور اليمن، ورأيت في الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن، وجعل يصفه لسلمان، فقال: صدقت والّذي بعثك بالحق إن هذه لصفته، وأشهد أنك رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه فتوح يفتحها اللَّه عليكم بعدي يا سليمان، لتفتحن الشام ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد، ولتفتحن اليمن، ولتفتحن هذا المشرق، ويقتل كسرى فلا يكون [كسرى] بعده، قال سلمان: فكل هذا قد رأيت [ (3) ] .
وأما إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المشركين بعد الخندق لا يغزون المسلمين، وكان كذلك
وأما إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن المشركين بعد الخندق لا يغزون المسلمين، وكان كذلك فخرّج البخاريّ من حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صرد قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يوم الأحزاب نغزوهم، ولا يغزوننا [ (1) ] . ومن حديث إسرائيل قال: سمعت أبا إسحاق يقول: سمعت سليمان بن صرد يقول: «سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول حين أجلي الأحزاب عنه: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم» [ (2) ] . وذكر يونس عن ابن إسحاق- رحمة اللَّه عليه- قال: انصرف أهل الخندق عن الخندق، قالوا: يا رسول اللَّه فما ندمنا لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم فلم تغزهم قريش بعد ذلك، وكان هو يغزوهم صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى فتح اللَّه- تعالى- عليه مكة شرفها اللَّه- تعالى- وعظمها [ (3) ] .
وأما قذف الله عز وجل الرعب في قلوب بني قريظة
وأما قذف اللَّه عز وجل الرعب في قلوب بني قريظة فخرّج البخاريّ [ (1) ] من حديث ابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: لما رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من الخندق، ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام، فقال: قد وضعت السلاح! واللَّه ما وضعناه فاخرج إليهم. قال: فإلى أين؟ قال: هاهنا، وأشار إلى قريظة، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم. وخرّجه مسلم. وخرّج البخاريّ في الجهاد من طريق عبدة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما رجع يوم الخندق، ووضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال: وضعت السلاح؟ فو اللَّه ما وضعته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأين؟ قال: ها هنا وأومأ إلى بني قريظة، قال: فخرج إليهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ترجم عليه باب الغسل بعد الحرب والغبار [ (2) ] . وخرّج من طريق جرير بن حازم عن حميد بن هلال، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كأني انظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بني قريظة [ (3) ] . وذكر ابن إسحاق أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار، ونزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم
فيهم إلى سعد بن معاذ الأوسي الأشهلي، فحكم فيهم بأن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبي الذراري والنساء [ (1) ] . وخرّج البيهقيّ من طريق بشر عن أبيه قال حدثنا الزهري: قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك أن عمه عبيد اللَّه بن كعب أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما رجع من طلب الأحزاب وضع عنه اللأمة، واغتسل، واستجمر فتبدّى له جبريل- عليه السلام- فقال: عذيرك [ (2) ] من محارب ألا أراك قد وضعت اللأمة، وما وضعناها بعد، قال: فوثب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزعا، فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا بني قريظة، قال: فلبس الناس السلاح، فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، فاختصم الناس عند الغروب، فقال بعضهم: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، فإنما نحن في عزيمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فليس علينا إثم، وصلى طائفة من الناس احتسابا، وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس، فصلوا حين جاءوا بني قريظة احتسابا، فلم يعنف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واحدا من الفريقين [ (3) ] .
وخرّج أيضا من حديث عبد اللَّه بن نافع قال: حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن أخيه عبيد اللَّه بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كان عندها، فسلم علينا رجل ونحن في البيت، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فزعا فقمت في أثره، فإذا بدحية الكلبي. فقال: هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة، فقال: قد وضعتم السلاح لكنا لا نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الأسد [ (1) ] ، وذلك حين رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الخندق، فقام النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فزعا، فقال لأصحابه: عزمت عليكم أن لا تصلوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة، فغربت الشمس قبل أن يأتوهم، فقالت طائفة من المسلمين: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يرد أن ندع الصلاة، فصلوا. وقالت طائفة: واللَّه إنا لفي عزيمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وما علينا من إثم، فصلت طائفة إيمانا واحتسابا، وتركت طائفة إيمانا واحتسابا فلم فلم يعب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واحدا من الفريقين [ (2) ] .
وخرج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بمجالس بينه وبين بني قريظة، فقال: هل مرّ بكم من أحد؟ قالوا مرّ علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج. فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس ذلك بدحية، ولكن جبريل أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب، فحاصرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر أصحابه أن يستتروا بالجحف حتى يسمعهم كلامه، فناداهم: يا إخوة القردة والخنازير، قالوا: يا أبا القاسم لم تك فحاشا، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وكانوا حلفاءه فحكم فيهم أن يقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم ونساؤهم. وقال يونس عن ابن إسحاق: وحدثني والدي إسحاق بن يسار، عن معبد ابن كلب بن مالك السلمي أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، وقذف اللَّه- عز وجل- في قلوبهم الرعب [ (1) ] .
وأما إجابة الله تعالى دعاء سعد بن معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه في جراحته وإجابة الله تعالى إياه في دعوته وما ظهر في ذلك من كرامته
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء سعد بن معاذ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في جراحته وإجابة اللَّه تعالى إياه في دعوته وما ظهر في ذلك من كرامته فخرج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من طريق ابن نمير قال: حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل قريش يقال له ابن العرقة. قال البخاريّ: يقال له حبان بن العرقة رماه في الأكحل، فضرب عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيمة في المسجد، ليعوده من قريب، فلما رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الخندق، وضع السلاح، فاغتسل، فأتاه جبريل- عليه السلام- وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: قد وضعت السلاح فو اللَّه ما وضعناه اخرج إليهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأين؟ فأشار إلى بنى قريظة، فقاتلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنزلوا على حكمه، فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحكم فيهم إلى سعد، قال: فإنّي أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وتسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم. وقال مسلم بعد هذا: حدثنا أبو كريب عن ابن نمير، عن هشام قال: قال أبي: فأخبرت أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه عزّ وجل [ (3) ] . وقال البخاريّ متصلا بقوله: وأن تقسم أموالهم. قال هشام: أخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال: - وتحجّر كلمه للبرء- فقال: اللَّهمّ إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهد فيك من قوم
كذبوا رسولك وأخرجوه، اللَّهمّ فإن كان بقي من حرب قريش فأبقني أجاهدهم فيك، اللَّهمّ فإنّي أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها، فانفجرت من لبته فلم يرعهم- وفي المسجد خيمة من بني غفار- إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة! ما هذا الّذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات منها. وقال مسلم متصلا بقوله: لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه، وعن أبي كريم قال: عن نمير، عن هشام، قال: أخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال: وتحجّر كلمه للبرء، فقال: اللَّهمّ إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهد فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللَّهمّ فإن كان بقي من حرب قريش شيء، فأبقني أجاهدهم فيك اللَّهمّ فإنّي أظن أنك وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها، واجعل موتى فيها، فانفجرت من ليلته، فلم يرعهم- وفي المسجد معه خيمة من بنى غفار- إلا والدم يسيل إليهم. فقالوا: يا أهل الخيمة! ما الّذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد جرحه يغذو دما، فمات منها. [ (1) ] وخرّج البيهقيّ من حديث الليث قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: رمى سعد بن معاذ يوم الأحزاب فقطعوا أكحله، فحسمه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالنار فانتفخت يده، فتركه، فنزف الدم، فحسمه أخرى، فانتفخت يده فلما رأى ذلك قال: اللَّهمّ لا تخرج نفسي حتى تقرّ عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه، فما قطرت منه قطره، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأرسل إليه رسول
وأما إسلام ثعلبة وأسيد بني سعية وأسد بن عبيد وما في ذلك من آثار النبوة
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحكم أن تقتل رجالهم، وتسبي نساؤهم، وذراريهم، يستعين بهم المسلمون، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يا سعد: أصبت حكم اللَّه فيهم، وكانوا أربع مائة، فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه، فمات- رحمه اللَّه-[ (1) ] . وأما إسلام ثعلبة وأسيد بني سعية وأسد بن عبيد وما في ذلك من آثار النبوة فخرج البيهقيّ من طريق جرير بن حازم، عن طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر عن شيخ من بنى قريظة قال: قدم علينا من الشام رجل يهودي يقال له: ابن الهيبان، واللَّه ما رأينا رجلا قط خيرا منه، فأقام [ (2) ] بين أظهرنا، وكنا نقول له إذا احتبس المطر: استسق لنا، فيقول: لا واللَّه، حتى تخرجوا أمام مخرجكم صدقة. فيقولون [ (3) ] : ماذا؟ فيقول: صاع [ (4) ] من تمر أو مد من شعير، فنفعل [ (5) ] ، فيخرج بنا إلى ظاهر حرّينا، فو اللَّه ما يبرح مجلسه حتى تمر بنا الشعاب تسيل، قد فعل ذلك غير مرة، ولا مرتين، فلما حضرته الوفاة قال: يا معشر يهود أما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع! قلنا: أنت أعلم، قال: أخرجني نبي
أتوقعه يبعث الآن فهذه البلدة مهاجره، وأنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذرية، فلا يمنعنكم ذلك منه، ولا تسبقن إليه، ثم مات [ (1) ] . وخرّج من طريق يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن شيخ من بنى قريظة أنه قال: هل تدري عما كان إسلام ثعلبة، وأسيد ابني سعية، وأسد بن عبيد نفر من هزل لم يكونوا من بني قريظة، ولا نضير، كانوا فوق ذلك، فقلت: لا، قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان. فذكر القصة بمعنى رواية جرير، وزاد قال: فلما كان تلك الليلة التي افتتحت فيها قريظة، قال: أولئك الفتية الثلاثة، وكانوا شبابا أحداثا يا معشر يهود هذا الّذي كان ذكر لكم ابن الهيبان، قالوا: ما هو؟ قال: بلى إنه لهو يا معشر يهود هذا يهود، إنه واللَّه بصفته، ثم نزلوا، وخلوا أموالهم، وأولادهم، وأهاليهم، قالوا: وكانت أموالهم في الحصن مع المشركين، فلما فتح رد ذلك عليهم [ (2) ] . وقال الواقدي في (مغازيه) [ (3) ] : فحدثني صالح بن جعفر، عن محمد بن عقبة، عن ثعلبة بن أبي مالك قال: قال ثعلبة، وأسيد ابنا سعيّة، وأسيد بن عبيد عمهم: يا معشر بني قريظة، واللَّه إنكم لتعلمون أنه رسول اللَّه، وأن صفته عندنا، حدثنا بها علماؤنا، وعلماء بنى النضير، هذا أولهم يعني حييّ بن أخطب مع جبير بن الهيبان أصدق الناس عندنا، هو خبّرنا بصفته عند موته. قالوا: لا نفارق التوراة، فلما رأى هؤلاء النفر إباءهم نزلوا في الليلة التي في صبحها نزل بنو قريظة [ (4) ] ، فأسلموا فأمنوا على أنفسهم وأهلهم وأموالهم.
وقال أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] : أسيد بن سعية القرظي من بني قريظة أسلم وأحرز ماله، وحسن إسلامه. وذكر من طريق يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما أسلم عبد اللَّه بن سلام وثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد، ومن أسلم من يهود فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أخبار يهود: ما أتى محمد إلا شرارنا، فأنزل اللَّه- عز وجل-: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [ (2) ] . وذكر الطبري عن ابن حميد، عن سلمة [بن الفضل] ، عن ابن إسحاق قال: ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد وهم من بني هذيل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك، وهم بنوا عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال البخاريّ توفي أسيد بن سعية ثعلبة بن سعية في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (3) ] .
وأما امتناع عمرو بن سعدى القرظي من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما امتناع عمرو بن سعدى القرظيّ من الغدر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ابن إسحاق [ (1) ] : وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظيّ، فمرّ بحرس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة، فلما رآه قال: من هذا؟ قال: أنا عمرو بن سعدى القرظيّ، وكان عمرو قد أبي أن يدخل مع بنى قريظة في غدرهم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال: لا أغدر بمحمد أبدا. فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللَّهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله، فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب فلم يدر أين ذهب من الأرض إلى يومه هذا، فذكر شأنه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ذلك رجل نجاه اللَّه بوفائه، وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمّة فيمن أوثق من بني قريظة حتى نزلوا على حكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأصبحت رمته ملقاه، ولا يدري أين يذهب. [فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه تلك المقالة] . وقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : فحدثني الضحاك بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان قال: قال عمرو بن سعدى وهو رجل منهم: يا معشر اليهود إنكم قد حالفتم محمدا على ما حالفتموه عليه ألا تنصروا عليه أحدا من عدوه، وأن تنصروه ممن دهمه، فنقضتم ذلك العهد الّذي كان بينكم، وبينه، فلم أدخل فيه، ولم أشرككم في غدركم، فإن أبيتم أن تدخلوا معه، فأثبتوا على اليهودية، وأعطوا الجزية، فو اللَّه لا أدرى يقبلها أم لا، قالوا: نحن لا نقر للعرب بخرج في رقابنا يأخذوننا به، القتل خير من ذلك، قال: فإنّي بري منكم، وخرج في تلك الليلة مع بني سعية، فمر بحرس النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعليهم محمد بن مسلمة.
وأما قتل أبي رافع بن أبي الحقيق واسمه عبد الله وقيل سلام
فقال محمد بن مسلمة: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدى، فقال محمد: مرّ! اللَّهمّ لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، فخل سبيله، وخرج حتى أتى مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبات به حتى أصبح، فلما أصبح غدا، فلم يدر أين هو حتى الساعة، فسئل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه، فقال: ذاك نجاه اللَّه بوفائه، ويقال أنه لم يطع أحدا [ (1) ] منهم، ولم يبادر للقتال. وأما قتل أبي رافع بن أبي الحقيق واسمه عبد اللَّه وقيل سلام فقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، لما انقضى شأن [ (2) ] الخندق، وأمر بني قريظة، وكان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق فيمن كان حزّب الأحزاب على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف في عداوته لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وتحريضه عليه، فاستأذنت الخزرج ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتل [سلام] بن أبي الحقيق، وهو بخيبر، فأذن لهم فيه. قال ابن إسحاق: حدثني الزهريّ عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك قال: كان مما صنع اللَّه به لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن هذين الحيين من الأنصار: الأوس، والخزرج، كانا يتصاولان معه تصاول الفحلين لا تصنع أحد منهما شيئا إلا صنع الآخر مثله، فلما قتلت الأوس كعب بن الأشرف تذكرت الخزرج رجلا هو في العداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مثله. فذكروا ابن أبي الحقيق بخير، فاستأذنوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتله، فأذن لهم، فخرج له عبد اللَّه بن عتيك، وأبو قتادة، وعبد اللَّه بن أنيس، ومسعود ابن سنان، وخزاعيّ [ (3) ] بن أسود حليف [لهم] [ (4) ] من أسلم.
قال ابن إسحاق: وحسبت أن فيهم فلان ابن سلمة، فخرجوا إليه، فلما جاءه، وصعد إليه في علية له [طلعت منها] امرأته، فصيّحت، وكان قد نهاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بعثهم عن قتل النساء، والولدان، فجعل الرجل يرفع عليها السيف، ثم يذكر نهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيمسك يده، قال: فابتدروه بأسيافهم، فتحامل عليه عبد اللَّه بن أنيس في بطنه حتى قتله. وروى عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، عن أبيه، عن أمه، عن عبد اللَّه بن أنيس أنه قتل ابن عتيك، وابن أنيس وقف عليه، وقيل فيه: أنه قتله ابن أنيس وابن عتيك وقف عليه [ (1) ] . والصحيح ما خرّجه البخاريّ من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبي رافع اليهوديّ رجالا من الأنصار، وأمرّ عليهم عبد اللَّه بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه، وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم. قال عبد اللَّه لأصحابه: اجلسوا مكانكم فإنّي منطلق، ومتلطف بالبواب لعلي أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، فتقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد اللَّه إن كنت تريد أن تدخل، فادخل، فإنّي أريد أن أغلق الباب، فدخلت، فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأعاليق على ود [ (2) ] قال: فقمت إلى الأقاليد، فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان في علاليّ له، فلما ذهب عنه أهل سمره، صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت عليّ من داخل، قلت: إن القوم نذروا بي، لم يخلصوا إليّ حتى أقتله، فانتهيت إليه، فإذا هو في بيت مظلم
وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، قلت: أبا رافع؟ قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش، فما أغنيت شيئا وصاح، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمّك الويل، إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف قال: فأضربه ضربة فأثخنته، ثم وضعت صبيب [ (1) ] السيف ولم أقتله، ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامتي، ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته؟ فلما صاح الديك قام الناعي على السور، فقال: أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء فقد قتل اللَّه أبا رافع فانتهيت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فحدثته فقال: ابسط رجلك فبسطت رجلي، فمسحها فكأنما لم اشتكها قط. وكرره البخاريّ من غير طريق كلها تدور على البراء بن عازب [ (2) ] . وقال الواقدي [ (3) ]- رحمه اللَّه- في (مغازيه) : حدثني أبو أيوب بن النعمان، عن أبيه، عن عطية بن عبد اللَّه بن أنيس، عن أبيه قال: خرجنا من
المدينة حتى أتينا خيبر. قال: وقد كانت أم عبد اللَّه بن عتيك بخيبر يهودية أرضعته، وقد بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خمسة نفر: عبد اللَّه بن عتيك، وعبد اللَّه ابن أنيس، وأبو قتادة، والأسود بن خزاعيّ ومسعود بن سنان. قال: فانتهينا إلى خيبر، وبعث عبد اللَّه بن عتيك إلى أمه فأعلمها بمكانه، فخرجت إلينا بجراب مملوء تمرا كبيسا وخبزا، فأكلنا منه ثم قال لها: يا أماه إنا قد أمسينا، بيتينا عندك فادخلينا خيبر، فقالت أمه: وكيف تطيق خيبر وفيها أربعة آلاف مقاتل؟ ومن تريد فيها، قال: أبا رافع، قالت: لا تقدر عليه. قال: واللَّه لأقتلنه أو لأقتلن دونه قبل ذلك، فقالت: فادخلوا علي ليلا: فدخلوا عليها فلما ناما أهل خيبر، وقد قالت لهم: أدخلوا في خمر الناس، فإذا هدأت الرجل فأكمنوا! ففعلوا ودخلوا عليها، ثم قالت: إن اليهود لا تغلق عليها أبوابها فرقا أن يطرقها ضيف، فيصبح أحدهم بالفناء لم يضف فيجد الباب مفتوحا فيدخل فيتعشى، فلما هدأت الرجل قالت: انطلقوا حتى تستفتحوا على أبي رافع فقولوا: إنا جئنا لأبي رافع بهداه فإنّهم سيفتحون لكم. ففعلوا ذلك، ثم خرجوا لا يمرون بباب من بيوت خيبر إلا أغلقوه، حتى أغلقوا بيوت القرية كلها، حتى انتهوا إلى عجلة عند قصر سلام، قال: فصعدنا، وقدمنا عبد اللَّه بن عتيك، لأنه كان يرطن باليهودية، ثم استفتحوا على أبي رافع فجاءت امرأته فقالت: ما شأنك؟ فقال: عبد اللَّه بن عتيك ورطن باليهودية: جئت أبا رافع بهداه ففتحت له، فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح. قال عبد اللَّه بن أنيس: وازدحمنا على الباب أينا يبدر إليه، فلما أرادت أن تصيح. قال: فأشرت إليهما السيف قال: وأنا أكره أن يسبقني أصحابي إليه. قال: فسكنت ساعة. قال: ثم قلت لها: أين أبو رافع؟ وإلا ضربتك بالسيف! فقالت: هو ذاك في البيت فدخلنا عليه فما عرفناه إلا بياضة كأنه قطنة ملقاه فعلوناه بأسيافنا، فصاحت امرأته، فهمّ بعضنا أن يخرج إليها، ثم ذكرنا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نهانا عن قتل النساء، قال: فلما انتهينا جعل سمك البيت يقصر علينا، وجعلت سيوفنا ترجع. قال ابن أنيس: وكنت رجلا أعشى لا أبصر بالليل إلا بصرا ضعيفا، قال: فتأملته كأنه قمر، قال: فاتكئ بسيفي على بطنه حتى سمعت خشه في الفراش، وعرفت أنه قد قضى، قال: وجعل القوم يضربونه جميعا، ثم نزلنا
ونسي أبو قتادة قوسه، فذكرها بعد ما نزل، فقال أصحابه: دع القوس، فأبى فرجع فأخذ قوسه، فانفكت رجله فاحتملوه بينهم، فصاحت امرأته فتصايح أهل الدار بعد ما قتل فلم يفتح أهل البيوت عن أنفسهم ليلا طويلا، واختبأ القوم في بعض مناهر خيبر، وأقبلت اليهود وأقبل الحارث أبو زينب، فخرجت إليه امرأته فقالت: خرج القوم الآن، فخرج الحارث في ثلاثة آلاف في آثارنا يطلبوننا بالنيران في شعل السعف، ولربما وطئوا في النهر، فنحن في بطنه وهم على ظهره فلا يرونا، فلما أوعبوا في الطلب فلم يروا شيئا رجعوا إلى امرأته فقالوا لها: هل تعرفين منهم أحدا؟ فقالت: سمعت منهم كلام عبد اللَّه بن عتيك، فإن كان في بلادنا هذه فهو معهم. فكروا الطلب الثانية، وقال القوم فيما بينهم: لو أن بعضنا أتاهم فنظر هل مات الرجل أم لا؟ فخرج الأسود بن خزاعيّ حتى دخل مع القوم وتشبه بهم، فجعل في يده شعله كشعلهم حتى كر القوم الثانية إلى القصر وكر معهم، ويجد الدار قد شحنت، قال: فأقبلوا جميعا ينظرون إلى أبي رافع ما فعل، قال: فأقبلت امرأته معها شعلة من نار، ثم أحنت عليه تنظر أحي أم ميت هو فقالت: فاظ وإله موسى! قال: ثم كرهت أن أرجع إلا بأمر بين، قال: فدخلت الثانية معهم، فإذا الرجل لا يتحرك منه عرق، قال: فخرجت اليهود في صحيحة واحدة وأخذوا في جهازه يدفنونه، وخرجت معهم وقد أبطأت على أصحابي بعض الإبطاء، قال: فانحدرت عليهم في النهر فخبرتهم، فمكثنا في مكاننا يومين ترميم حتى سكن عنا الطلب، ثم خرجنا مقبلين إلى المدينة، كلنا يدعي قتله، فقدمنا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على المنبر، فلما رآنا قال: أفلحت الوجوه! فقلنا: أفلح وجهك يا رسول اللَّه، قال: أقتلتموه؟ قلنا: نعم، وكلنا يدعي قتله، قال: عجلوا عليّ بأسيافكم، فأتيناه بأسيافنا، ثم قال: هذا قتله هذا أثر الطعام في سيف الطعام في سيفه عبد اللَّه بن أنيس. قال: وكان ابن أبي الحقيق قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي من العرب جعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبعث إليهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هؤلاء النفر. فحدثني أيوب بن النعمان قال: حدثني خارجة بن عبد اللَّه قال: فلما انتهوا إلى أبي رافع تشاجروا في قتله. قال: فاستهموا عليه فخرج سهم عبد
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عبد الله بن أنيس إذا رأى سفيان بن خالد نبيح فرق منه فكان كذلك
اللَّه بن أنيس. وكان رجلا أعشى فقال لأصحابه: أين موضعه؟ فقالوا له: ترى بياضه كأنه قمر. قال: قد رأيت قال: وأقبل عبد اللَّه بن أنيس وقام النفر مع المرأة يفرقون أن تصيح قد شهروا سيوفهم عليها، ودخل عبد اللَّه بن أنيس، فضرب بالسيف، فرجع السيف عليه لقصر السمك فاتكأ عليه وهو ممتلئ خمرا حتى سمع خش السيف وهو في الفراش. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن عبد اللَّه بن أنيس إذا رأى سفيان بن خالد نبيح فرق منه فكان كذلك خرّج أبو داود [ (1) ] من حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر، عن ابن عبد اللَّه بن أنيس، عن أبيه قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خالد بن سفيان ابن نبيح الهذلي، وكان نحو عرنة وعرفات، فقال: أذهب فأقتله، فرأيته وقد حضرت صلاة العصر، فقلت: إني أومئ أخاف أن يكون بيني وبينه ما إن أؤخر الصلاة فانطلقت أمشى وأنا أصلي أمشي إيماء نحوه، فلما دنوت منه قال: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، فمشيت معه ساعة، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد. وقال الواقدي [ (2) ]- رحمه اللَّه-: حدثنا إسماعيل بن عبد اللَّه بن جبير، عن موسى بن جبير قال بلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي، ثم اللحياني، وكان نزل عرنة وما حولها في ناس من قومه وغيرهم، فجمع الجموع لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس، فدعا رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن أنيس، فبعثه سرية وحده إليه ليقتله، وقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: انتسب إلى خزاعة فقال عبد اللَّه بن أنيس: يا رسول اللَّه ما أعرفه فصفه لي فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان، وكنت لا أهاب الرجال، فقلت يا رسول اللَّه: ما فرقت من شيء قط، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بلى، آية بينك وبينه أن تجد له قشعريرة إذا رأيته، واستأذنت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أقول، فقال: قل ما بدا لك، قال: فأخذت سيفي لم أزد عليه، وخرجت أعتزي إلى خزاعة، فأخذت على الطريق حتى انتهيت إلى قديد فأجد بها خزاعة كثيرا، فعرضوا علي الحملان والصحابة، فلم أرد ذلك وخرجت حتى أتيت بطن سرف، ثم عدلت حتى خرجت على عرنة، وجعلت أخبر من لقيت أني أريد سفيان بن خالد لأكون معه، حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي، ووراءه الأحابيش ومن استجلب وضوى إليه فلما رأيته هبته، وعرفته بالنعت الّذي نعت لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورأيتني أقطر فقلت: صدق اللَّه ورسوله! وقد دخلت في وقت العصر حين رأيته، فصليت وأنا أمشي أومئ إيماء برأسي فلما دنوت منه قال: من الرجل؟ فقلت: رجل من خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك، قال: أجل أني لفي الجمع له، فمشيت معه، وحدثته فاستحلى حديثي، وأنشدته شعرا، وقلت: عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث، فارق الآباء وسفه أحلامهم قال: لم يلق محمد أحد يشبهني! قال: وهو يتوكأ على عصى يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه، وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم مطيفون به، فقال: هلم يا أخا خزاعة! فدونت منه لجاريته: احلبي! فحلبت، ثم ناولتني، فمصصت ثم دفعته إليه، فعب كما يعب الجمل حتى غاب أنفه في الرغوة، ثم قال: اجلس، فجلست معه، حتى إذا هدأ الناس وناموا وهدأ، اغتررته فقتلته وأخذت رأسه، ثم أقبلت وتركت نساءه يبكين عليه، وكان النجاء مني حتى صعدت في جبل فدخلت غارا، وأقبل الطلب من الخيل والرجال توزع في كل وجه، وأنا مختف في غار الجبل، وضربت العنكبوت على الغار، وأقبل رجل معه إداوة ضخمة ونعلاه في يده، وكنت حافيا، وكان أهم أمري عندي العطش، كنت أذكر تهامة وحرها، فوضع إداوته ونعله وجلس يبول على باب الغار، ثم قال
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم الحارث بن أبي ضرار بأمور فكانت كما أمره صلى الله عليه وسلم
لأصحابه: ليس في الغار أحد، فانصرفوا راجعين، وخرجت إلى الإداوة فشربت منها وأخذت النعلين فلبستهما، فكنت أسير الليل وأتوارى النهار حتى جئت المدينة فوجدت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في المسجد، فلما رآني قال: أفلح الوجه، قلت: أفلح وجهك يا رسول اللَّه! فوضعت رأسه بين يديه، وأخبرته خبري، فدفع إليّ عصا، فقال: تخصر بهذه في الجنة، فإن المتحضرين في الجنة قليل، فكانت عند عبد اللَّه بن أنيس حتى إذا حضره الموت أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه، وكان قتله في المحرم على رأس أربعة وخمسين شهرا. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم الحارث بن أبي ضرار بأمور فكانت كما أمره صلّى اللَّه عليه وسلّم قال ابن إسحاق [ (1) ] : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لم قسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فو اللَّه ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها: وعرفت أنه سيرى منها صلّى اللَّه عليه وسلّم ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول اللَّه، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، سيد قومه وقد أصابني من البلاء، ما لم يخف عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي، قال: فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول اللَّه؟ قال: أقضى عنك كتابتك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول اللَّه، قال: قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار، فقال الناس: أصهار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأرسلوا ما
بأيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها. قال ابن هشام: ويقال: لما انصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث، وكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة، وأمره بالاحتفاظ بها، وقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته، فلما بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء، فرغب في بعيرين منها، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق، ثم أتى إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا محمد، أصبتم ابنتي، وهذا فداؤها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق، في شعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأنك محمد رسول اللَّه فو اللَّه ما اطلع على ذلك إلا اللَّه، فأسلم الحارث، وأسلم معه ابنان له، وناس من قومه، وأرسل إلى البعيرين، فجاء بهما فدفع الإبل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ودفعت إليه ابنته جويرية، فأسلمت، وحسن إسلامها، فخطبها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أبيها فزوجه إياها، وأصدقها أربعمائة درهم. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: قد نقدمه في موضعه من هذا الكتاب الاختلاف في نكاح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جويرية هل هو بأداء ما كتبت عليه أو بغير ذلك.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بموت منافق عند هبوب الريح فكان كما أخبر
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بموت منافق عند هبوب الريح فكان كما أخبر فخرج الواقدي [ (1) ] : في (مغازيه) عن عبيد اللَّه بن الهرير، عن أبيه، عن رافع بن خديج قال: لما رحنا من المريسيع قبل الزوال كان الجهد بنا يومئذ وليلتنا، ما أناخ منا رجل إلا لحاجته، أو لصلاة يصليها وأن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستحث راحلته، ويخلف بالسوط في مراقها حتى أصبحنا ومددنا يومنا حتى انتصف النهار، أو كرب، ولقد راح الناس وهم يتحدثون بمقالة ابن أبي، وما كان منه، فما هو إلا أن أخذهم السهر والتعب بالمسير، فما نزلوا حتى ما يسمع لقول ابن أبي في أفواههم- يعنى ذكرا- إنما أسرع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس ليدعوا حديث ابن أبي، فلما نزلوا وجدوا مس الأرض وقعوا نياما، ثم راح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس مبردا، فنزل من الغد ماء، يقال له بقعاء فوق النقيع، وسرح الناس كله ظهرهم، فأخذتهم ريح شديدة حتى أشفق الناس منها، وسألوا عنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وخافوا أن يكون عيينة بن حصين خالف إلى المدينة، وقالوا: لم تهج هذه الريح إلا من حدث! وإنما بالمدينة الذراري والصبيان، وكانت بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعيينة مدة، فكان ذلك حين انقضائها فدخلهم أشد الخوف، فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خوفهم فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ليس عليكم بأس منها ما بالمدينة من نقب إلا عليه ملك يحرسه وما كان ليدخلها عدو حتى تأتوها ولكنه مات اليوم منافق عظيم النفاق بالمدينة، فلذلك عصفت الريح وكان موته للمنافقين غيظا شديدا وهو زيد بن رفاعة بن التابوت مات ذلك اليوم. فحدثني خارجة بن الحارث، عن عباس بن سهل، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: كانت الريح يومئذ أشد ما كانت قط إلى أن زالت الشمس، ثم سكنت آخر النهار.
وقال جابر: فسألت حين قدمت قبل أن أدخل بيتي: من مات؟ فقالوا: زيد ابن رفاعة بن التابوت وذكر أهل المدينة أنهم وجدوا مثل ذلك من شدة الريح حتى دفن عدو اللَّه فسكتت الريح. وحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه قال: قال عبادة بن الصامت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يومئذ لابن أبي: أبا حباب، مات خليلك! قال: أي أخلائي؟ قال: من موته فتح الإسلام وأهله. قال من قال زيد بن رفاعة بن التابوت قال: يا ويلاه كان واللَّه وكان! وكان فجعل يذكر، فقلت: اعتصمت واللَّه بالذنب الأبتر قال: من أخبرك يا أبا الوليد بموته؟ قلت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرنا الساعة أنه مات هذه الساعة، قال: فأسقط في يديه وانصرفت كئيبا حزينا، قال: وسكنت الريح آخر النهار فجمع الناس ظهورهم وقد ذكر هذه القصة موسى بن عقبة في (مغازيه) ومحمد بن إسحاق بن يسار. وخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق محمد بن إسحاق الثقفي، قال: حدثنا أبو كريب من حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قدم من سفر فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب، فزعم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بعثت هذه الريح لموت منافق، قال: فقدم المدينة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات، وفي رواية أبي معاوية قال: هبت ريح شديدة والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض أسفاره فقال: هذه لموت منافق قال: فلما قدمنا المدينة إذا هو قد مات عظيم من عظماء المنافقين رواه مسلم [ (2) ] في (الصحيحين) ، عن أبي كريب.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بموضع ناقته لما فقدت وإخباره بما قال المنافق في ذلك
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بموضع ناقته لما فقدت وإخباره بما قال المنافق في ذلك فقال الواقدي [ (1) ] : فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن ابن رومان، ومحمد ابن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قالا: فقدت ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم القصواء من بين الإبل، فجعل المسلمون يطلبونها في كل وجه، فقال زيد بن اللصيت- وكان منافقا وهو في رفقة قوم من الأنصار، منهم عباد بن بشر بن وقش، وسلمة بن سلامة بن وقش، وأسيد بن حضير-، فقال: أين يذهب هؤلاء في وجه قالوا: يطلبون ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ضلت، قال: أفلا يخبره اللَّه بمكان ناقته؟ فأنكر القوم ذلك عليه فقالوا: قاتلك اللَّه يا عدو اللَّه، نافقت!. ثم أقبل عليه أسيد بن حضير فقال: واللَّه لولا أني لا أدري ما يوافق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك لأنفذت خصيتك بالرمح يا عدو اللَّه، فلما خرجت معنا وهذا في نفسك؟ قال: خرجت لأطلب من عرض الدنيا، ولعمري أن محمد ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة، يخبرنا عن أمر السماء، فوقعوا به جميعا وقالوا: واللَّه، لا يكون منك سبيل أبدا ولا يظلنا وإياك ظل أبدا ولو علمنا ما في نفسك ما صحبتنا ساعة من نهار، ثم وثب هاربا منهزما منهم أن يقعوا به ونبذوا متاعه فعمد لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجلس معه فرارا من أصحابه متعوذا به وقد جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبر ما قال: من السماء. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والمنافق يسمع أن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ألا يخبره بمكانها؟ فلعمري أن محمد ليخبرنا بأعظم من شأن الناقة! ولا يعلم الغيب إلا اللَّه وأن اللَّه- تعالى- قد أخبرني بمكانها وأنها في هذا الشعب مقابلكم، قد تعلق زمامها بشجرة، فأعمدوا عمدها فذهبوا فأتوا بها من حيث قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فلما نظر المنافق إليها قام سريعا إلى رفقائه الذين كانوا معه، فإذا رحله منبوذ، وإذ هم جلوس لم يقم رجل من مجلسه، فقالوا له حين دنا: لا تدن منا!
وأما نفث الرسول صلى الله عليه وسلم شجة عبد الله بن أنيس فلم تقح
قال: أكلمكم! فدنا فقال: أذكركم باللَّه، هل أتى أحدا فأخبره بالذي قلت؟ قالوا: لا واللَّه ولا قمنا من مجلسنا هذا. قال: فإنّي قد وجدت عند القوم ما تكلمت به، وتكلم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأخبرهم بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنه قد أتى بناقته وأني قد كنت في شك من شأن محمد فأشهد أنه رسول اللَّه، واللَّه لكأنّي لم أسلم إلا اليوم قالوا له: فاذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستغفر لك، فذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فاستغفر له واعترف بذنبه، ويقال: أنه لم يزل فسلا حتى مات، وصنع مثل هذا في غزوة تبوك. وقد ذكر قصة الناقة موسى بن عقبة بنحو بما تقدم وزاد فرعون أن ابن اللصيب. وقال الحافظ أبو نعيم وقد ذكر فقد الناقة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في منصرفه من تبوك وليس ببعيد وقوع الأمرين جميعا. وأما نفث الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم شجة عبد اللَّه بن أنيس فلم تقح فقال الواقدي [ (1) ] فحدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أسير بن زارم رجلا شجاعا، فلما قتل أبو رافع أمرت يهود أشير بن زارم، فقام في اليهود فقال: أنه واللَّه ما سار محمد إلى أحد من اليهود وإلا بعث أحدا من أصحابه فأصاب منهم ما أراد، ولكني أصنع ما لا يصنع أصحابي، فقالوا: وما عسيت أن تصنع ما لم يصنع أصحابك؟ قال: أسير في غطفان فأجمعهم. فسار في غطفان فجمعها، ثم قال: يا معشر اليهود نسير إلى محمد في عقر داره فإنه لم يغز أحد في داره إلا أدرك منه عدوه بعض ما يريد قالوا: نعم ما رأيت فبلغ ذلك النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وقدم عليه خارجة بن حسيل الأشجعي، فاستخبره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما وراءه فقال: تركت أسير بن زارم يسير إليك في
كتائب اليهود، قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس، فانتدب له ثلاثون رجلا. قال عبد اللَّه بن أنيس: فكنت فيهم: فاستعمل علينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن رواحة: قال: فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا إلى عبد اللَّه بن رواحة: قال: فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا إلى أسير: إنا آمنون حتى نأتيك فنعرض عليك ما جئنا له؟ فقال: نعم، ولي مثل ذلك منكم؟ قلنا: نعم، فدخلنا عليه، فقلنا: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعثنا إليك أن تخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك، فطمع في ذلك، وشاور اليهود فخالفوه في الخروج وقالوا: ما كان محمد يستعمل رجلا من بني إسرائيل، فقال: بلى، قد مللنا الحرب، قال: فخرج معه ثلاثون رجلا من اليهود مع كل رجل رديف من المسلمين، قال: فسرنا حتى إذا كنا بقرقرة ثبار ندم أسير حتى عرفنا الندامة فيه. قال عبد اللَّه بن أنيس: وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له، قال: فدفعت بعيري فقلت: غدرا أي عدو اللَّه! ثم تناومت فدنوت منه لأنظر ما يصنع، فتناول سيفي، فغمزت بعيري وقلت: هل من رجل ينزلق فيسوق بنا؟ فلم ينزل أحد، فنزلت عن بعيري فسقت بالقوم حتى أنفرد أسير، فضربته بالسيف فقطعت مؤخرة الرجل وأندرت عامة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره، وفي يده مخرش من شوحط، فضربني فشجني مأمومة، وملنا على أصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شدا، ولم يصب من المسلمين أحد، ثم أقبلنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث أصحابه إذا قال لهم: تمشوا بنا إلى الثنية نتحسب من أصحابنا خبرا، فخرجوا معه، فلما أشرفوا على الثنية، فإذا هم بسرعان أصحابنا، قال: فجلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه، قال: وانتهينا إليه فحدثناه الحديث، فقال: نجاكم اللَّه من القوم الظالمين!. قال عبد اللَّه بن أنيس: فدنوت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فنفث في شجتي، فلم تقح بعد ذلك اليوم، ولم تؤذني، وقد كان العظم فل، ومسح على وجهي، ودعا لي، وقطع قطعة من عصاه فقال: أمسك هذا معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها، فإنك تأتي يوم القيامة متحضرا، فلما دفن جعلت معه تلي جسده دون ثيابه.
قال: فحدثني خارجة بن الحارث، عن عطية بن عبد اللَّه بن أنيس، عن أبيه قال: كنت أصلح قوسي، قال: فجئت فوجدت أصحابي قد وجهوا إلى أسير بن زارم، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أرى أسير بن زارم! أي أقتله، قال: ثم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد اللَّه بن عتيك في ثلاثين راكبا فيهم عبد اللَّه بن أنيس إلى أسير بن زارم اليهودي حتى أتوه بخيبر وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتوه فقالوا: إنا أرسلنا إليك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليستعملك على خيبر، فلم يزالوا يخدعونه، حتى أقبل معهم في ثلاثين راكبا مع كل رجل منهم رديف من المسلمين، فلما بلغوا قرقرة، وهي من خيبر على ستة أميال، ندم أسير بن زارم فأهوى بيده إلى السيف، سيف عبد اللَّه بن أنيس، ففطن له عبد اللَّه بن أنيس فزجر راحلته، واقتحم عبد اللَّه بن أنيس حتى استمكن من أسير بن زارم في يده محرث من شوحط، فضرب عبد اللَّه بن أنيس فشجه شجة مأمومة [ (1) ] ، وانكفأ كل رجل من المسلمين إلى رديفه، فقتله غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا، ولم يصب من المسلمين أحد، وقدموا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فبصق في شجة عبد اللَّه بن أنيس، فلم تقح ولم تؤذه، هكذا ذكر ابن لهيعة أن المبعوث عبد اللَّه بن عتيك وخالفه ابن شهاب، وابن إسحاق فقالا: عبد اللَّه بن رواحة، كما ذكر الواقدي.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى الحديبية بأن قريشا لا ترى نيرانهم وإخباره صلى الله عليه وسلم بمجيء أهل اليمن وبشقاوة الأعرابي فكان كما أخبر
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى الحديبيّة بأن قريشا لا ترى نيرانهم وإخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بمجيء أهل اليمن وبشقاوة الأعرابي فكان كما أخبر فخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث عبد اللَّه بن وهب قال: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام الحديبيّة حتى إذا كنا بعسفان قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيكم يعرف ثنية ذات الحنضل، فإن عيون قريش على ضجنان ومر الظهران، فأخذنا حين أمسينا على جبال يقال لها: سراوع، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلا رجل يسعى أمام الركب، فنزل رجل فجعل تنكبه الحجارة، وتتعلق به الشجرة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اركب، فركب، ثم قال لنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلا رجل يسعى أمام الركب، فنزل رجل آخر تنكبه الحجارة وتعلق به الشجرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: خذوا هاهنا، وأشار إلى ناحية فأصبنا الطريق، فسرنا حتى أتينا في آخر الليلة على عقبة ذات الحنظل فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مثل هذه الثنية الليلة كمثل الباب الّذي قال اللَّه- عز وجل- لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ [ (1) ] ما هبط أحد من الثنية الليلة إلا غفر له، فاطلعت في آخر الليل الناس التمس أخي قتادة بن النعمان بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعل الناس يركب بعضهم بعضا حتى وجدت أخي في آخر الناس، فلما هبطنا نزلنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من كان معه ثقل [ (2) ] فليصطنع قال أبو سعيد: رأينا الّذي معه ثقل [ (3) ] ، فقلت: يا رسول اللَّه عسى أن ترى قريش نيراننا، فقال: لن يروكم، فلما أصبحنا صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح، وصلينا معه، ثم قال: والّذي نفسي بيده
لقد غفر للركب الليلة أجمعين، إلا رويكبا واحدا، التقت عليه رحال القوم ليس منهم، فذهبنا ننظر، فإذا أعرابي بين ظهرانيّ القوم قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالهم مع أعمالهم، فقلنا: من هم يا رسول اللَّه، أقريش؟ قال: لا، لكن أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، قلنا: أهم خير منا يا رسول اللَّه؟ قال: لو كان لأحدكم جبل ذهب فأنفقه ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه، إلا أن هذا فصل ما بيننا وبين الناس لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ (1) ] . وخرّج الحاكم من حديث أبي عامر العقديّ، حدثنا قرة بن خالد، حدثنا أبو الزبير، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من صعد ثنية المرار، فإنه يحط عمله ما حط عن بني إسرائيل، فكان أول من صعدها جبل بني الخزرج، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلهم مغفور لهم، إلا صاحب الجمل الأحمر، قال: فإذا هو أعرابي ينشد ضالة له، فقلنا: يستغفر لك رسول اللَّه، فقال: لأن أجد ضالتي أحب إليّ مما يستغفر لي صاحبكم، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. وقال الواقدي في كتاب (المغازي) [ (2) ] : قالوا: فلما أمسى قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تيامنوا في هذا العضل، فإن عيون قريش يمر بظهران، أو بضجنان، فأيكم يعرف ثنية ذات الحنظل؟ فقال بريدة بن الحصيب الأسلمي: أنا يا رسول اللَّه عالم بها، قال: اسلك أمامنا فأخذ به بريدة في العضل قبل جبال سراوع قبل المغرب، فسار قليلا تنكبه الحجارة، وتعلقه الشجر، وحار حتى كأنه لم يعرفها قط، قال: فو اللَّه إن كنت لأسلكها في الجمعة مرارا، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يتوجه، قال: اركب، فركبت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يدلنا على طريق ذات الحنظل؟ فنزل حمزة بن عمرو الأسلمي فقال: أنا يا رسول اللَّه أدلك، فقال: انطلق امامنا، فانطلق عمرو أمامهم حتى نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى
الثنية فقال: هذه ثنية ذات الحنظل؟ فقال عمرو: نعم يا رسول اللَّه، فلما وقف به على رأسها تحدّر به، قال عمرو: واللَّه إن كان لا يهمني نفسي وحدي إنما كانت مثل الشراك فاتسعت لي حتى برزت فكانت محجة لا حبة [ (1) ] ، ولقد كان النفر يسيرون تلك الليلة جميعا معطفين من سعتها يتحدثون، وأضاءت تلك الليلة حتى كأنا في قمر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده ما مثل هذه الليلة إلا مثل الباب الّذي قال اللَّه- تعالى- لبني إسرائيل: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ قالوا: ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يجوز هذا الثنية أحد إلا غفر له. قال أبو سعيد الخدريّ: وكان أخي لأمي قتادة بن النعمان في آخر الناس، فقال: فوقفت على الثنية فجعلت أقول للناس: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لا يجوز هذه الثنية هذه الليلة أحد إلا غفر له، فجعل الناس يسرعون حتى جاز أخي في آخر الناس، وفرقت أن يصبح قبل أن نجوز، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين نزل: من كان معه ثقل فليصطنع، قال أبو سعيد: وأينا معه ثقل، إنما كان عامة زادنا التمر، فقلنا: يا رسول اللَّه إنا نخاف من قريش أن ترانا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنهم لن يروكم، إن اللَّه سيعينكم عليهم، فأوقدوا النيران، واصطنع من أراد أن يصطنع، فلقد أوقدوا أكثر من خمسمائة نار، فلما أصبحنا صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصبح، ثم قال: والّذي نفسي بيده لقد غفر اللَّه للركب أجمعين إلا رويكبا واحدا على جمل أحمر التفت عليه رجال القوم ليس منهم، فطلب في العسكر وهو يظن أنه من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فإذا هو به ناحية إلى ذرى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل من بني ضمرة من أهل سيف البحر، فقيل السعيد: إنّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كذا وكذا، قال سعيد: ويحك اذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يستغفر لك، قال: بعيري واللَّه أهم [ (2) ] إليّ من أن يستغفر لي وإذ هو قد أضلّ بعيرا له يتبع العسكر يتوصل بهم ويطلب بعيره وإنه لفي عسكركم فأدّوا إليّ بعيري، قال سعيد: تحوّل عني لا حياك اللَّه، ألا لا أرى قربي إلا
داهية وما أشعر به، فانطلق الأعرابي يطلب بعيره بعد أن استبرأ العسكر، فبينما هو في جبال سراوع، إذ زلقت نعله فتردى فمات، فما علم به حتى أكلته السباع [ (1) ] . وحدثني هشام بن سعد [ (2) ] ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه سيأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، فقيل يا رسول اللَّه: قريش؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن فإنّهم أرق أفئدة، وألين قلوبا، قلنا: يا رسول اللَّه هم بخير منا؟ فقال بيده هكذا ويصف، وأخذ هشام في الصفة كأنه يقول: سواء إلا أن فضل ما بيننا وبين الناس لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ [ (3) ] .
وأما إجابة الله تعالى دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح خيبر
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بفتح خيبر فروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد اللَّه بن بكر بن حزم، عن بعض أسلم أن بني سهم من أسلم أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بخيبر فقالوا: واللَّه يا رسول اللَّه لقد جهدنا وما بأيدينا شيء، فلم يجدوا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا يعطهم إياه، فقال: اللَّهمّ إنك قد عرفت حالهم وأن ليس بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء وأكثرها طعاما وودكا، فغدا الناس، ففتح اللَّه عليهم حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر منه طعاما وودكا، فلما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من حصونهم ما افتح، وحاز من الأموال ما حاز، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم، وكانا آخر حصون أهل خيبر افتتاحا، فحاصرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بصنع عشرة ليلة [ (1) ] . وقال الواقدي- رحمه اللَّه- وكان حصن الصعب بن معاذ في النطاة، وكان حصن اليهود فيه الطعام، والودك، والماشية، والمتاع، وكان فيه خمسمائة مقاتل، وكان الناس قد أقاموا أياما يقاتلون وليس عندهم طعام إلا العلف. قال معتب الأسلمي: أصابنا معشر أسلم خصاصة حين قدمنا خيبر وأقمت عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح ساقيه طعام، فأجمعت أسلم أن يرسلوا أسماء بن حارثة فقالوا: ائت محمدا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقل: إن أسلم يقرئونك السلام، ويقولون: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف، فقال بريدة بن الحصيب: واللَّه إن رأيت كاليوم قط أمرا بين العرب يصنعون منه هذا الخير، فقام هند بن حارثة فقال: إنا لنرجو أن تكون البعثة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مفتاح خيبر، فجاءه أسماء بن حارثة فقال: يا رسول اللَّه إن أسلم تقول: إنا قد جهدنا من الجوع والضعف فادع اللَّه لنا، فدعا لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: واللَّه ما بيدي ما أقريهم، ثم صاح بالناس فقال: اللَّهمّ افتح عليهم أعظم حصن فيه، أكثره طعاما، وأكثره ودكا، ودفع اللواء إلى الحباب بن المنذر بن الجموح
وندب الناس فما رجعنا حتى فتح اللَّه علينا الحصن، حصن الصعب بن معاذ، فقالت أم مطاع الأسلمية: وكانت قد شهدت خيبر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نساء، قالت: لقد رأيتهم حين شكوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما شكوا من شدة الحال فندب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنهضوا، فرأيت أسلم أول من انتهى إلى حصن الصعب بن معاذ وإن عليه لخمسمائة مقاتل فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتحه اللَّه، وكان عليه قتال شديد برز رجل من اليهود يقال له: يويشع يدعو إلى البراز فبرز إليه الحباب بن المنذر فاختلفا ضربتين فقتله الحباب، وبرز آخر يقال له: الذيال فبرز له عمارة بن عقبة الغفاريّ فبدره الغفاريّ فيضربه ضربة على هامته [ (1) ] وهو يقول: خذها وأنا الغلام الغفاريّ! فقال الناس: بطل جهاده، فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: ما بأس به يؤجر ويحمد [ (2) ] .
وأما طول عمر أبي اليسر بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما طول عمر أبي اليسر بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال الواقدي [ (1) ] : وكان أبو اليسر يحدث أنهم حاصروا حصن الصعب بن معاذ ثلاثة أيام، وكان حصنا منيعا، وأقبلت غنم لرجل من اليهود ترتع وراء حصنهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟ فقلت: أنا يا رسول اللَّه، فخرجت أسعى مثل الظبي فلما نظر إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم موليا قال: اللَّهمّ متعنا به، فأدركت الغنم وقد دخل أولها الحصن فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت أعدو كأن ليس معي شيء حتى أتيت بهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأمر بهما فذبحتا، ثم قسمهما فما بقي أحد من أهل العسكر الذين هم معه محاصرين الحصن إلا أكل منها، فقيل لأبي اليسر: وكم كانوا؟ قال: كانوا عددا كبيرا، فيقال: أين بقية الناس؟ فيقول: بالرجيع في العسكر، فسمع أبو اليسر- وهو شيخ كبير- وهي يبكي في شيء غاظه من بعض ولده فقال: لعمري بقيت بعد أصحابي ومتعوا بي، وما أمتّع بهم، لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ متعنا به، فبقي فكان من آخرهم. قال المؤلف- رحمه اللَّه- أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمر بن غزية بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي شهد العقبة وبدرا وهو الّذي أسر العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يوم بدر مات سنة خمس وخمسين بالمدينة [ (2) ] .
وأما رجيف الحصن بخيبر لما رماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكف من حصا
وأما رجيف الحصن بخيبر لما رماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكفّ من حصا فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : فحدثني موسى بن عمر الحارثي، عن أبي عفير محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: لما تحول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الشق وبه حصون ذوات عدد، فكان أول حصن بدأ به منها حصن أبيّ، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على قلعة يقال لها سموان، فقاتل عليها أهل الحصن قتالا شديدا، وخرج رجل من اليهود يقال له: غزّال فدعا إلى البراز فبرز له الحباب بن المنذر واختلفا ضربات، ثم حمل الحباب عليه فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزّال فكان أعزل. فبادر راجعا منهزما إلى الحصن، وتبعه الحباب فقطع عرقوبه فوقع فذفّف عليه [ (2) ] ، فخرج آخر فصاح من يبارز؟ فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش فقتل الجحشيّ وقام مكانه يدعو إلى البراز فبرز له أبو دجانة قد عصب رأسه بعصابة حمراء فوق المغفر يختال في مشيته، فبدره أبو دجانة فضربه فقطع رجليه، ثم ذفّف عليه وأخذ سلبه، درعه، وسيفه، فجاء به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فنفله رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك. وأحجموا عن البراز، فكبر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة، فوجدوا فيه أثاثا، ومتاعا، وغنما، وطعاما، وهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحموا الجدر كأنهم الظباء حتى صاروا إلى حصن النزار بالشق. وجعل يأتي من بقي من قلل النطاة إلى حصن البزار فعلقوه وامتنعوا فيه أشد الامتناع. وزحف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه فقاتلهم فكانوا أشد أهل الشق رميا للمسلمين بالنبل والحجارة ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معهم، حتى أصابت النبل ثياب
وأما ما صنعه الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم حتى فرت غطفان وتركت يهود خيبر
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلقت به، فأخذ النبل فجمعها، ثم أخذ لهم كفا من حصا، فحصب به حصنهم فرجف الحصن بهم، ثم ساخ في الأرض. قال إبراهيم بن جعفر: استوى بالأرض حتى جاء المسلمون فأخذوه أهله أخذا وكانت فيه صفية بنت حيي وابنة عمها وصبيات من حصن النزار [ (1) ] . وأما ما صنعه اللَّه سبحانه وتعالى لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى فرت غطفان وتركت يهود خيبر فذكر الواقديّ [ (2) ] وغيره: أن كنانة بن أبي الحقيق، خرج من خيبر في ركب إلى غطفان يدعوهم إلى نصرهم، ولهم نصف تمر خيبر سنة، وذلك أنه بلغهم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سار إليهم، قالوا: وكان رجل من بني مرة يكنى أبا شيم يقول: أنا في الجيش الذين كانوا مع عيينة من غطفان، أقبل: مدد اليهود، فنزلنا بخيبر ولم ندخل حصنا، فأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى عيينة بن حصن وهو رأس غطفان وقائدهم أن ارجع بمن معك، ولك نصف تمر خيبر هذه السنة، إن اللَّه وقد وعدني خيبر. فقال عيينة: لست بمسلم حلفائي وجيراني، فأقمنا على ذلك مع عيينة إذ سمعنا صائحا لا ندري من السماء أو من الأرض: أهلكم، أهلكم بحيفاء [ (3) ]- صيح ثلاثة- فإنكم قد خولفتم إليهم!!. وقال الواقدي- رحمه اللَّه-: إنه لما سار كنانة بن أبي الحقيق فيهم، حلفوا معه وارتأسهم عيينة بن حصن، وهم أربعة آلاف، فدخلوا مع اليهود في حصون النطاة قبل قدوم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثلاثة أيام، فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر أرسل إليهم سعد بن عبادة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهم في
الحصن، فلما انتهى سعد إلى الحصن ناداهم: إني أريد إن أكلم عيينة بن حصن، فأراد عيينة أن يدخله الحصن، فقال مرحب: لا ندخله فيرى خلل حصننا، ويعرف نواحيه التي يؤتي منها ولكن تخرج إليه، فقال عيينة: وقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عددا كبيرا، فأبى مرحب أن يدخله، فخرج عيينة إلى باب الحصن. فقال سعد: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسلني إليك يقول: إن اللَّه قد وعدني خيبر، فارجعوا، وكفوا فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة، فقال عيينة: بلغه عني أنا واللَّه ما كنا لنسلم حلفاءنا لشيء، وإنا لنعلم ما لك، ولمن معك، بما ها هنا طاقة، هؤلاء قوم أهل حصون منيعة، ورجال عددهم كثير وسلاح، إن أقمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجلوا عليك بالرجال والسلاح ولا واللَّه، ما هؤلاء كقريش، قوم ساروا إليك، فإن أصابوا غرة منك فذاك الّذي أرادوا، وإلا انصرفوا، وهؤلاء قوم يماكرونك الحرب، ويطاولونك حتى تملهم. فقال له سعد بن عباده: أشهد ليحضرنك في حصنك هذا حتى تطلب الّذي عبادة عرضنا عليك، فلا نعطيك إلا السيف، ولقد رأيت يا عيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب، كيف مزقوا كل ممزق! فرجع سعد إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره بما قال، وقال سعد: يا رسول اللَّه إن اللَّه منجز لك ما وعدك، ومظهر دينه، فلا تعطه [ (1) ] تمرة واحدة يا رسول اللَّه، لئن أخذه السيف ليسلمنهم وليهربن إلى بلاده، كما فعل قبل ذلك اليوم في الخندق، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه أن يوجهوا إلى حصنهم الّذي فيه غطفان، وذلك عشية وهم في حصن ناعم. فنادى منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن أصبحوا على رايتكم عند حصن ناعم الّذي فيه غطفان، قال: فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم، فلما كان بعد هذه من تلك الليلة سمعوا صائحا يصيح، لا يدرون من السماء أو الأرض: يا معشر غطفان أهلكم، أهلكم، الغوث، الغوث بحيفاء صيح ثلاثة لا تربة ولا مال.
قال: فخرجت غطفان على الصعب والذّلول، وكان أمرا صنعه اللَّه- عزّ وجل- لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أصبحوا أخبر كنانة بن أبي التحقيق وهو في الكتيبة بانصرافهم، فسقط في يديه [ (1) ] ، وذلّ، وأيقن بالهلكة وقال: كنا من هؤلاء الأعراب في باطل، إنا سرنا فيهم فوعدونا النصر، وغزوّنا، ولعمري لولا ما وعدونا من نصرهم ما نابذنا محمدا بالحرب، ولم نحفظ كلام سلام بن أبي الحقيق إذ قال: لا تستنصروا بهؤلاء الأعراب أبدا فإنا قد بلوناهم، وجلبهم لنصر بني قريظة ثم غروهم، فلم نر عندهم وفاء لنا، وقد سار فيهم حييّ بن أخطب، وجعلوا يطلبون الصلح من محمد، ثم زحف محمّد إلى بني قريظة، وانكشفت غطفان راجعة إلى أهلها. قالوا: فلما انتهى الغطفانيون إلى أهلهم بحيفاء، وجدوا أهلهم على حالهم، فقالوا: هل راعكم شيء؟ قالوا: لا واللَّه، فقالوا ولقد ظننا أنكم قد غنمتم، فما نرى معكم غنيمة ولا خيرا. فقال عيينة لأصحابه: هذا واللَّه من مكائد محمد وأصحابه خدعنا واللَّه، فقال له الحارث بن عوف: بأي شيء؟ قال عيينة: إنّا في حصن النطاة بعد هدأة [ (2) ] ، إذا سمعنا صائحا يصيح، لا ندري من السماء أو من الأرض! أهلكم، أهلكم بحيفاء، صيح ثلاثة فلا تربة، ولا مال. فقال الحارث بن عوف: يا عيينة واللَّه لقد غبرت أن انتفعت واللَّه إن الّذي سمعت لمن السماء، واللَّه ليظهرن محمد على من ناوأه، حتى لو ناوأته الجبال لأدرك منها ما أراد، فأقام عيينة أياما في أهله، ثم دعا أصحابه للخروج إلى نصر اليهود، فجاءه الحارث بن عوف، فقال: يا عيينة أطعني، وأقم في منزلك، ودع نصر اليهود، [محمد أحب إلينا من اليهود] مع أني لا أراك ترجع إلى خيبر، إلا وقد فتحها محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا آمن عليك، فأبى عيينة أن يقبل قوله، وقال: لا أسلم حلفائي لشيء، ولما ولي عيينة إلى أهله، هجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الحصون حصنا حصنا، فلقد انتهى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حصن
ناعم ومعه المسلمون، وحصون ناعم عدة، فرمت اليهود يومئذ بالنّبل، وترّس أصحاب صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رسول اللَّه، وعلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ درعان ومغفر وبيضة وهو على فرس يقال له الظرب، في يده قناة وترس، وأصحابه محدقون به، وقد كان دفع لواءه إلى رجل من أصحابه من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا، ثم دفع إلى آخر فرجع ولم يصنع شيئا، ودفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لواء الأنصار إلى رجل منهم، فخرج ورجع ولم يعمل شيئا، فحث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسلمين، وسالت كتائب اليهود، امامهم الحارث أبو زينب يقدم اليهود يهد الأرض هدّا، فأقبل صاحب راية الأنصار فلم يزل يسوقهم حتى انتهوا إلى الحصن فدخلوه، وخرج أسير اليهوديّ يقدم أصحابه معه عاديته، وكشف راية أصحاب الأنصار حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في موقفه، ووجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نفسه حدة شديدة، وقد ذكر لهم الّذي وعدهم اللَّه، فأمسى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مهموما، وقد كان سعد بن عبادة رجع مجروحا وجعل يستبطئ أصحابه، وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطئ أصحابه ويقول: أنتم، وأنتم! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنّ اليهود جاءهم الشيطان فقال لهم: إنّ محمدا يقاتلكم على أموالكم! نادوهم: قولوا لا إله إلا اللَّه، ثم قد أحرزتم بذلك أموالكم ودماءكم، وحسابكم على اللَّه، فنادوهم بذلك فنادت اليهود: إنا لا نفعل ولا نترك عهد موسى والتوراة بيننا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه على يديه، ليس بفرّار، أبشر يا محمد بن مسلمة غدا، إن شاء اللَّه يقتل قاتل أخيك وتولى عادية اليهود، فلما أصبح أرسل إلى عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو أرمد، فقال: ما أبصر سهلا ولا جبلا. قال: فذهب إليه فقال: افتح عينيك. ففتحهما فتفل فيهما. قال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: فما رمدت حتى الساعة، ثم دفع إليه اللواء، ودعا له ومن معه من أصحابه بالنصر، فكان أول من خرج إليهم الحارث أخو مرحب في عاديته، فانكشف المسلمون وثبت عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاضطربا ضربات فقتل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن فدخلوه وأغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى موضعهم، فخرج مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب أضرب أحيانا وحينا أضرب فحمل عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقطره على الباب وفتح الباب، وكان للحصن بابان. وحدثني ابن أبي سبرة، عن خالد بن رباح، عن شيوخ من بني ساعدة قالوا: قتل أبو دجانة الحارث أبا زينب، وكان يومئذ معلما بعمامة حمراء، والحارث معلم فوق مغفره، وياسر وأسير وعامر معلمين. قال وحدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد اللَّه قال: لما نظر عيينة بن حصن إلى حصن الصعب بن معاذ، والمسلمون ينقلون منه الطعام، والعلف، والبرّ، قال: ما أحد يعلف لنا دوابنا ويطعمنا من هذا الطعام الضائع، فقد كان أهله عليه كراما، فشتمه المسلمون وقالوا: لك الّذي جعل لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذو الرقيبة فأمسكت [ (1) ] .
وأما إعلام الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بما رآه عيينة بن حصن في منامه وبالصياح الذي أنفره إلى أهله
وأما إعلام اللَّه سبحانه وتعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما رآه عيينة بن حصن في منامه وبالصياح الّذي أنفره إلى أهله فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : قالوا: وكان أبو شييم المزني- قد أسلم، فحسن إسلامه- يحدث بقول لما نفرنا أهلها بحيفاء مع عيينة، قدمنا عليهم وهم قارون هادئون لم يهجهم هائج، رجع بنا عيينة فلما كان دون خيبر بمكان يقال له الحطام عن عرّسنا من الليل ففزعنا. فقال عيينة: أبشروا إني أرى الليلة في النوم، أني أعطيت ذا الرقيبة- جبلا بخيبر- قد واللَّه أخذت برقبة محمد. قال: فلما قدمنا خيبر قدم عيينة، فوجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد فتح خيبر وغنمه اللَّه ما فيها، فقال عيينة: أعطنى يا محمد مما غنمت من حلفائي فإنّي انصرفت عن قتالك وخذلت حلفائي ولم أكثر عليك، ورجعت عنك بأربعة آلاف مقاتل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، ولكن الصياح الّذي سمعت أنفرك إلى أهلك، قال: أجزني يا محمد، قال: لك ذو الرقيبة! قال عيينة: وما ذو الرقيبة؟ قال: الجبل الّذي رأيته في النوم، أنك أخذته. فانصرف عيينة فجعل يتدسس إلى اليهود ويقول: ما رأيت كاليوم أمرا، واللَّه ما كنت أرى أحد يصيب محمدا غيركم، قلت: أهل الحصون والعدّة، والثروة، أعطيتم بأيديكم وأنتم في هذه الحصون المنيعة، وهذا الطعام الكثير ما يوجد له آكل، والماء الواتن، قالوا: قد أردنا الامتناع في قلعة الزبير، ولكن الدبول قطعت عنا، وكان الحر، فلم يكن لنا بقاء على العطش، قال: فقد وليتم من حصون الناعم منهزمين حتى صرتم إلى حصن قلعة الزبير، وجعل يسأل عمن قتل منهم فيخبر، قال: قتل واللَّه أهل الجد والجلد، لا نظام ليهود بالحجاز أبدا. ويسمع كلامه ثعلبة بن سلام بن أبي الحقيق وكانوا يقولون: إنه
ضعيف العقل مختلط، فقال: يا عيينة أنت غررتهم وخذلتهم وتركتهم وقتال محمد، وقبل ذلك ما صنعت ببني قريظة. فقال عيينة: إن محمد كادنا في أهلنا فنفرنا إليهم حيث سمعنا الصريخ ونحن نظن أن محمدا قد خالف إليهم، فلم نر شيئا فكررنا إليكم لننصركم. قال ثعلبة: ومن بقي تنصره، قد قتل من قتل، وبقي من بقي، فصار عبدا لمحمد وسبانا وقبض الأموال. قال: يقول رجل من غطفان لعيينة: لا أنت خلفاءك فلم يعدوا عليك حلفنا ولا أنت حيث وليت، كنت أخذت تمر خيبر من محمد سنة، واللَّه إني لأرى أمر محمد أمرا ظاهرا، ليظهر على من ناوأه فانصرف عيينة إلى أهله يفتل يديه، فلما رجع إلى أهله جاءه الحارث بن عوف فقال: ألم أقل لك إنك توضع في غير شيء، واللَّه ليظهرن محمد على من بين المشرق والمغرب، اليهود كانوا يخبروننا هذا. أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول: إنا لنحسد محمدا على النبوة حيث خرجت مكن بني هارون وهو نبي مرسل، واليهود لا تطاوعني على هذا، ولنا منه ذبحان: واحد بيثرب وآخر بخيبر قال الحارث: قلت لسلام: يملك الأرض جميعا؟ قال: نعم، والتوراة التي أنزلت على موسى بن عمران، وما أحب أن تعلم يهود بقولي فيه. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: كانت بنو فزارة ممن قدم على أهل خيبر ليعينوهم، فراسلهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن لا يعينوهم، وسألهم أن يخرجوا عنهم ولكم من خيبر كذا وكذا، هنالك من بني فزارة فقالوا: أحطنا والّذي وعدتنا، فقال: حطكم أو قال: لكم ذا الرقيبة جبل من جبال خيبر فقالوا: إذا نقاتلك، فقال: موعدكم حقا، فلما سمعوا ذلك خرجوا هاربين، وحقا ماء من مياه بني فزاره.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن رجل كان يقاتل معه بخيبر أنه من أهل النار، فقتل نفسه وصار من أهل النار
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن رجل كان يقاتل معه بخيبر أنه من أهل النار، فقتل نفسه وصار من أهل النار فخرّج البخاريّ من حديث أبي غسان قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا، فأتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مسرعا فقال: أشهد أنك رسول اللَّه، قال: وما ذاك؟ قال: قلت لفلان: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ذلك: إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم. ذكره في (القدر) [ (1) ] وفي كتاب (الرقاق) [ (2) ] . وخرّج في كتاب (القدر) [ (3) ] من حديث معمر، عن الزهريّ حدثنا سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: شهدنا
مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لرجل ممن معه يدعي الإسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال فكثرت به الجراح فأثبتته، فجاء رجل من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه، أرأيت الّذي تحدثت أنه من أهل النار قاتل في سبيل اللَّه من أشد القتال فكثرت به الجراح فأثبتته، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما إنه من أهل النار فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينا هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه، صدق اللَّه حديثك، قد انتحر فلان فقتل نفسه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا بلال قم فأذن: لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإنّ اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر. وخرّجه في غزوة خيبر من حديث شعيب، عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيّب أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: شهدنا خيبر ... إلى آخره بنحو حديث معمر وقال فيه: الجراحة في الموضعين وقال: فاستخرج منها سهما فنحر بها نفسه، وقال بعده تابعه معمر عن الزهري [ (1) ] . وقال شبيب عن يونس، عن ابن شهاب أخبرني ابن المسيب وعبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب أنّ أبا هريرة قال: شهدنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حنينا وقال ابن المبارك: عن يونس، عن الزهريّ، عن سعيد، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تابعه صالح عن الزهريّ. وقال الزبيدي: أخبرني الزهريّ أن عبيد الرحمن بن كعب أخبره أن عبيد اللَّه بن كعب قال: أخبرني من شهد مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر قال الزهريّ: وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه وسعيد عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] . وخرّج مسلم حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: شهدنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حنينا، فقال الرجل: ممن يدعي بالإسلام هذا من أهل
النار، فلما حضر القتال، قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابه جراحة، فقيل: يا رسول اللَّه الّذي قلت له آنفا أنه من أهل النار، فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا، وقد مات، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إلى النار، فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينما هم على ذلك إذ قيل: فإنه لم يمت ولكن به جراحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّه أكبر أشهد أني عبد اللَّه ورسوله، ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [ (1) ] . وخرّجه البخاريّ من حديث شعيب، عن الزهريّ ومعمر عن الزهريّ إلى آخره بنحوه ولم يذكر حنينا ولا قال: آنفا وقال: ليؤيده، ذكره في كتاب الجهاد [ (2) ] . وخرّجا من حديث أبي حازم، عن سهل بن معبد الساعدي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم التقى هو والمشركون فاقتتلوا ... الحديث. ولم يذكر فيه بخيبر [ (3) ] .
وأما إطلاع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما غله من شهد خيبر معه
وأما إطلاع اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما غلّه من شهد خيبر معه فخرّج مسلم [ (1) ] والترمذي [ (2) ] من حديث عكرمة بن عمار قال: حدثني سماك الحنفي أبو زميل قال: حدثني عبد اللَّه بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أوفى عباءة، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، قال: فخرجت فناديت في الناس: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، اللفظ لمسلم وهو أتم، ذكره في كتاب الإيمان، وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب صحيح. وخرّج مسلم في كتاب الإيمان من حديث ابن وهب، عن مالك، عن ابن أنس عن ثور بن زيد الدؤليّ، ومن حديث عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى خيبر ففتح اللَّه علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا، غنمنا المتاع، والطعام، والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد له وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه، فقلنا: هنيئا له الشهادة يا رسول اللَّه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا والّذي نفسي بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من المغانم يوم خيبر لم تصبها المقاسم، قال: ففزع
الناس فجاء رجل بشراك، أو شراكين، فقال: يا رسول اللَّه أصبت يوم خيبر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شراك من نار أو شراكان من نار [ (1) ] . وخرّجه البخاريّ في كتاب الأيمان والنذور من حديث مالك، عن ثور بن زيد الدئلي، عن أبي الغيث مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة إلا الأموال، والثياب، والمتاع، فأهدى رجل من بني الضبيب يقال له: رفاعة بن زيد غلاما يقال له مدعم، فوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى وادي القرى، حتى إذا كان بوادي القرى، بينما مدعم بحط رحلا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا سهم عائر فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا والّذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا، فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: شراك من نار أو شراكان من نار [ (2) ] .
وخرّجه أبو داود في الجهاد، عن مالك بهذا الإسناد، وخرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام خيبر، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع والأموال قال: فوجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نحو وادي القرى وقد أهدى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد أسود يقال له: مدعم، حتى إذا كانوا بوادي القرى فبينما مدعم يحط رحل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا جاءه سهم فقتله.. الحديث إلى آخره نحوه [ (1) ] . وخرّج في كتاب الجهاد من حديث سفيان، عن عمرو عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل يقال له: كركرة فمات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلّها [ (2) ] .
وخرّج أبو داود [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث يحيى بن سعيد الأنصاريّ، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أبي عمرة، عن زيد بن خالد الجهنيّ أن رجلا من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم توفى يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال: إن صاحبكم غلّ في سبيل اللَّه ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين، اللفظ لأبي داود، وخرّجه ابن الجارود به بنحوه. وقال الواقدي في غزاة خيبر [ (3) ] : وكان رجل أسود مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يمسك دابته عند القتال فقال له: كركرة فقتل يومئذ، فقيل يا رسول اللَّه استشهد كركر فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلها، فقال رجل من القوم: يا رسول اللَّه أخذت شراكين يوم كذا وكذا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شراكان من نار، وتوفى يومئذ رجل من أشجع وإنهم ذكروه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن صاحبكم غلّ في سبيل اللَّه، قال زيد بن خالد الجهنيّ: ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يسوى درهمين. وقال في غزوة وادي القرى [ (4) ] ، وكان أبو هريرة [يحدث] [ (5) ] قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من خيبر إلى وادي القرى، وكان رفاعة بن زيد بن
وهب الجذاميّ قد وهب لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبدا أسود يقال له: مدعم، وكان يرحل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما نزلوا بوادي القرى انتهينا إلى اليهود وقد ضوى إليها أناس من العرب فبينما مدعم يحط رحل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد استقبلتنا اليهود بالرمي حيث نزلنا، ولم يكن على تعبئة وهم يصيحون في آطامهم، فيقبل سهم عائر [ (1) ] فأصاب مدعما فقتله، فقال الناس: هنيئا لك الجنة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كلا والّذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لتشتعل عليه نارا فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشراك أو بشراكين فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شراك [ (2) ] من نار، أو شراكان من نار. وقال في غزوة حنين [ (3) ] : [أن رجلا] قاتل قتالا شديدا حتى اشتد به الجراح فذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: من أهل النار، فارتاب المسلمون في ذلك، ووقع في أنفسهم ما اللَّه به عليهم، فلما اشتدّ به الجراح أخذ مشقصا [ (4) ] من كنانته فانتحر به، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا ينادي: ألا لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن اللَّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر. قال المؤلف- رحمه اللَّه-: فدخل الواقدي- رحمه اللَّه- بما ذكر وجه البيان بأن الغالين أربعة: أحدهم: الّذي نحر نفسه من شدة ألم الجراحة بحنين. والثاني: الّذي لم يصلّ عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما مات بخيبر وهو رجل من أشجع. والثالث: كركرة قتل بخيبر. والرابع: مدعم قتل بوادي القرى.
وأما نطق ذراع الشاة المسمومة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تخبره بما فيها من السم
وأما نطق ذراع الشاة المسمومة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تخبره بما فيها من السم فخرّج الحاكم [ (1) ] من حديث أبي قلابة الرقاشيّ، حدثنا أبو عتّاب سهل بن حماد، عن عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يهودية أهدت شاة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سميطا، فلما بسط القوم أيديهم قال لهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: كفوا أيديكم، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة قال: فأرسل إلى صاحبتها: أسممت طعامك هذا؟ قالت: نعم، أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت صادقا علمت أن اللَّه سيطلعك عليه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: «اذكروا اسم اللَّه وكلوا، فأكلنا، فلم يضر أحدا منا شيئا» قال: هذا حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (2) ] . وخرّج البيهقيّ [ (3) ] من حديث عبد الملك بن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يهودية أهدت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إما شاة مسمومة وإما برقا مسموطا مسموما، فلما قربته إليه وبسط القوم أيديهم، قال: أمسكوا، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة، فدعا صاحبتها فقال: أسممت هذا؟ قالت: نعم، قال: ما حملك عليه؟ قالت: أحببت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت رسولا أنك ستطلع عليه، فلم يعاقبها. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر، عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شاة مصلية بخيبر فقال: ما
هذه؟ قالت: هدية، وحذرت أن تقول من الصدقة فلا يأكل، قال: فأكل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأكل أصحابه، ثم قال: أمسكوا، ثم قال للمرأة: هل سممت هذه الشاة؟ قالت: من أخبرك هذا؟ قال: هذا العظم لساقها، وهو في يده، قالت: نعم، [قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] لم، قالت: أردت إن كنت كاذبا أن يستريح الناس منك، وإن كنت نبيا لم يضرك، قال: فاحتجم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على الكاهل وأمر أصحابه فاحتجموا، فمات بعضهم، قال الزهريّ: فأسلمت، فتركها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال معمر: وأما الناس فيقولون قتلها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] . قال البيهقيّ: هذا مرسل ويحتمل أن يكون عبد الرحمن حمله، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] . وخرّج أبو داود من طريق ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد اللَّه يحدث أن يهودية من أهل خيبر سممت شاة مصلية، ثم أهدتها لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ارفعوا أيديكم، وأرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى اليهودية، فدعاها، فقال: أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية: من أخبرك، قال: أخبرتني هذه التي في يدي للذراع، قالت: نعم، قال: فما أردت إلى ذلك؟ قالت: قلت إن كان نبيا فلم يضره [شيئا] [ (3) ] ، وإن لم يكن نبيا استرحنا منه، فعفا عنها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يعاقبها، وتوفى بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كاهله من أجل الّذي أكل من الشاة، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة، وهو مولى لبني بياضة من الأنصار [ (4) ] .
ومن طريق وهب بن بقية قال: حدثنا خالد عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهدت له يهودية شاة مصلية بخيبر، نحو حديث جابر قال: فمات بشر بن البراء بن معرور، فأرسل إلى اليهودية، [وقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] ما حملك على الّذي صنعت فذكر نحو حديث جابر، فأمر بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتلت. ولم يذكر أمر الحجامة [ (1) ] . قال البيهقيّ: ورويناه عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ويحتمل أنه لم يقتلها [في الابتداء] ، ثم لما مات
بشر بن البراء أمر بقتلها، وقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير [ (1) ] . وقال إسماعيل بن إبراهيم عن عمه موسى بن عقبة وقال محمد بن فليح: حدثنا عقبة عن ابن شهاب قال: لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر وقتل من قتل منهم أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاة مصلية وسممتها، وأكثرت في الكتف والذراع لأنه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الكتف وانتهش منها، وتناول بشر بن البراء عضوا فانتهش منه، فلما استرطها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أرفعوا أيديكم فإن كتف هذه الشاة تخبرني أن قد بغيت فيها، فقال بشر بن البراء: والّذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلما أسغت ما في فيك، لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها بغي، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول إلا ما حول [ (2) ] . [قال جابر] : وفي رواية ابن فليح عن موسى، قال الزهري: قال جابر بن عبد اللَّه: واحتجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الكاهل يومئذ حجمه مولى بني بياضه بالقون والشفرة وبقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الّذي توفى فيه فقال: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطع الأبهر مني فتوفى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شهيدا [ (3) ] . وقد ذكر ابن إسحاق [ (4) ] والواقدي قصة سم الشاة، وسياق الواقدي أنه قال في (مغازيه) [ (5) ] : لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيبر واطمأن جعلت زينب ابنة
الحارث اليهودية تسأل: أي الشاة أحب إلى محمد؟ فيقولون: الذراع والكتف، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها، ثم عمدت إلى سم لا بطيّ، قد شاورت اليهود في سموم فأجمعوا لها على هذا السم بعينه، فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتفين، فلما غابت الشمس صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المغرب وانصرف إلى منزله، وجد زينب جالسة عند رحله فيسأل عنها فقالت: أبا القاسم، هدية أهديتها لك، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأمر صلّى اللَّه عليه وسلّم بالهدية فقبضت منها ووضعت بين يديه، ثم قال لأصحابه وهم حضور أو من حضر منهم: ادنوا فتعشوا، فدنوا فقمدوا أيديهم، وتناول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الذراع وتناول بشر بن البراء عظما فانتهش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منها نهشا وانتهش بشر، فلما ازدرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ازدرد بشر. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ضعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبره أنها مسمومة، فقال بشر بن البراء: قد واللَّه يا رسول اللَّه وجدت ذلك من أكلتي التي أكلتها، فما منعني أن ألفظها إلا كراهية أن أنغص إليك طعامك، فلما تسوغت ما في يدك، لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ازدرتها وفيها بغى، فلم يرم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حوّل، ثم مات منه، ويقال: لم يرم مكانه حتى مات. وعاش رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد ذلك ثلاث سنين، ودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بزينب، فقال: سمعت الذراع؟ فقالت: من أخبرك؟ قال: الذراع، قالت: نعم، [قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] وما حملك على ذلك؟ قالت: قتلت أبي، وعمي، وزوجي، ونلت من قومي ما نلت، فقلت: إن كان نبيا فستخبره الشاة بما صنعت، وإن كان ملكا استرحنا منه. فاختلف علينا فيها، فقال قائل: أمر بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتلت، ثم صلبت، وقال قائل: عفى عنها، وكان نفر ثلاثة قد وضعوا أيديهم في الطعام ولم يسيغوا منه شيئا، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه فاحتجموا أوساط رءوسهم
من الشاة، واحتجم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحت كتفه اليسرى، ويقال: احتجم على كاهله، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة. قالوا: فكانت أم بشر بن البراء تقول: دخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مرضه الّذي مات فيه وهو محموم فمسسته فقلت: ما وجدت مثل [ما] وعك عليك على أحد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كما يضاعف لنا الأجر كذلك يضاعف لنا البلاء، زعم الناس أن برسول اللَّه ذات الجنب، ما كان اللَّه ليسلطها عليّ، إنما هي همزة من الشيطان ولكنه من الأكلة الّذي أكلت أنا وابنك يوم خيبر، ما زال يصيبني منها عداد [ (1) ] حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري [ (2) ] ، فمات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شهيدا. ويقال: إن الّذي مات من الشاة مبشر بن البراء، وبشر أثبت عندنا، وهو المجتمع عليه. قال الواقدي: سألت إبراهيم بن جعفر عن قول زينب ابنة الحارث قتلت أبي؟ قال: قتل يوم خيبر أبوها الحارث وعمها يسار، وكان أجبن الناس، وكان الحارث أشجع اليهود، وأخوها زبير قتل يومئذ وكان زوجها سيدهم وأشجعهم سلام بن مشكم، كان مريضا، فقتل وهو مريض، وهو أبو الحكم كان صاحب حربهم، ولكن اللَّه شغله بالمرض [ (3) ] .
وأما أن الأرض أبت أن تقبل ميتا قتل موحدا
وأما أن الأرض أبت أن تقبل ميتا قتل موحّدا روى محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة وشعيب، عن ابن شهاب الزهريّ قال: حدثنا عبد اللَّه بن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب قال: أغار رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على سرية من المشركين فانهزمت، فغشى رجل من المسلمين رجلا من المشركين وهو منهزم فلما أراد أن يعلوه بالسيف قال: لا إله إلا اللَّه، فلم ينزع عنه حتى قتله، ثم وجد في نفسه من قتله، فذكر حديثه لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فهل لا نقبت عن قلبه؟ يريد أن يعبر عن القلب اللسان، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى توفى ذلك الرجل القاتل، فأصبح على وجه الأرض فجاء أهله فحدثوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ادفنوه، فدفنوه، فأصبح على وجه الأرض، فجاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحدثوه ذلك، فقال: إن الأرض قد أبت أن تقبله فاطرحوه في غار من الغيران. وروى يونس بن بكير عن البراء بن عبد اللَّه، عن الحسن قال: بلغنا أن رجلا كان على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتال المشركين، فذكر معنى ما ذكر قبيصة، يزيد وينقص، ومما زاد، قال: فأنزل اللَّه فيه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً، فبلغنا أن الرجل مات فقيل: يا رسول اللَّه مات فلان فدفناه، فأصبحت الأرض قد لفظته، ثم دفناه فلفظته، فقال: أما إنها تقبل من هو شر منه ولكن اللَّه- عز وجل- أراد أن يجعله موعظة لكم لكي لا يقدم رجل على قتل من يشهد أن لا إله إلا اللَّه ويقول: إني مسلم، اذهبوا به إلى شعب بني فلان فادفنوه، فإن الأرض ستقبله، فدفنوه في ذلك الشعب، ذكر ذلك البيهقيّ [ (1) ]- رحمة اللَّه عليه.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو خالد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن القعقاع بن عبد اللَّه بن أبي حدرد الأسلمي، عن أبيه قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سرية إلى إضم، فلقينا عامر بن الأضبط فحيانا بتحية الإسلام، فحمل عليه المحلم بن جثامة فقتله وسلبه، فلما قدمنا جئنا بسلبة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرناه، فنزلت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً [ (1) ] .. الآية. وقال في غزوة حنين: قالوا: وصلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الظهر يوما بحنين، ثم تنحى إلى [ظل] شجرة فجلس إليها فقام عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي وهو يومئذ سيد قيس ومعه الأقرع بن حابس يدفع عن محلم ابن جثامة لمكان خندف، فاختصما بين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وعيينة، يقول: يا رسول اللَّه، لا واللَّه لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تأخذ الدية؟ فأبى عيينة حتى ارتفعت الأصوات وكثر اللغط إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له: مكيتل قصد مجتمع، عليه سلة كاملة وذرقة في يده، فقال: يا رسول اللَّه إني لم أجد لهذا القتيل شبها غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفرت أخراها، أسنن اليوم وغير غدا [ (2) ] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا
إلى المدينة؟ فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية، قال قوم محلّم: ائتوا به حتى يستغفر له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجاء رجل طوال ضرب للحم في حلة قد تهيأ فيها للقتل، فقام بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ لا تغفر لمحلم، قالها ثلاثا فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه. قال محمد بن إسحاق: زعم قومه أنه استغفر له بعد كذا في كتابي عن ابن حدرد، عن أبيه، وقيل: عن حجاج بن منهال عن حماد في هذا الإسناد عن أبي حدرد عن أبيه [ (1) ] . عن عبد الرحمن بن الحارث، عن الحسن البصري قال: لما مات محلم بن جثامة دفنه قومه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، فطرحوه بين قزحين فأكلته السباع. وذكر الطبري عن نافع، عن ابن عمر أن محلم بن جثامة مات في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدفنوه، فلفظته الأرض مرة بعد أخرى، فأمر به فألقى به بين جبلين، وألقيت عليه حجارة، قال ابن عبد البر: وقال مثل ذلك أيضا قتادة. وروى أنه مات بعد سبعة أيام ودفنوه فلفظته الأرض، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن الأرض لتقبل من هو شرّ منه ولكن اللَّه أراد أن يريكم آية في قتل المؤمن. قال ابن عبد البر: وقد قيل: أن هذا ليس بمحلم بن جثامة، وأن محلّم بن جثامة ترك حمص بآخره، ومات بها في إمارة ابن الزبير. قال ابن عبد البر: ومعلوم أن قتله كان خطأ لا عمدا لأن قاتله لم يصدقه في قوله واللَّه- تعالى- أعلم.
وأما تصديق الله تعالى رؤيا رسوله صلى الله عليه وسلم بدخوله المسجد الحرام
وأما تصديق اللَّه تعالى رؤيا رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بدخوله المسجد الحرام قال اللَّه- تبارك وتعالى-: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً [ (1) ] . قال ابن عطية: روى في تفسير هذه الآية: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم رأى في منامه عند خروجه من العمرة أنه يطوف بالبيت هو وأصحابه بعضهم محلقين وبعضهم مقصرين. وقال مجاهد أرى ذلك بالحديبية فأخبر الناس بهذه الرؤيا ووثقه الجميع أن ذلك يكون إن شاء اللَّه- تعالى- لكن ليس في تلك الوجهة. وروى أن رؤياه إنما كانت أن ملكا جاءه فقال: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللَّه آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين، وأنه بهذا أعلم الناس فلما قضى اللَّه- تعالى- بالحديبية بأمر بالصلح وأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الصدر [ (2) ] ، قال المنافقون: أين الرؤيا؟ ووقع في نفوس المسلمين من ذلك، فأنزل اللَّه- تعالى-: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ قال: ولما نزلت هذه الآية علم المسلمون أن تلك الرؤيا ستخرج فيما يستأنفونه من الزمن، واطمأنت قلوبهم بذلك وسكنت فخرجت في العام المقبل، فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى مكة في ذي القعدة سنة سبع، ودخلها ثلاثة أيام هو وأصحابه، وصدقت رؤياه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقوله: فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا يريد ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة، ودخول الناس فيه، وما كان أيضا بمكة من المؤمنين الذين دفع اللَّه بهم. وقوله- تعالى-: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي من قبل ذلك وفيما يدنوا إليكم، واختلف في الفتح القريب، قيل: هو بيعة الرضوان، وعن مجاهد وابن إسحاق: أنه الفتح بالحديبية، وقال عبد اللَّه بن زيد: الفتح القريب: خيبر،
وقال قوم: الفتح القريب: مكة، وهذا ضعيف لأن فتح مكة كان بعد ذلك، قال ابن عطية: ويحسن أن يكون الفتح هذا اسم جنس يعم كل ما وقع للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه ظهور وفتح عليه. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : قالوا: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد رأى في النوم أنه دخل البيت، وحلق رأسه، وأخذ مفتاح البيت وعرّف مع المعرفين [ (2) ] ، فاستنفر أصحابه إلى العمرة، فأسرعوا وتهيأ للخروج، وخرج أصحابه معه لا يشكون في الفتح للرؤيا التي رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وساق قصة الحديبيّة إلى أن قال: فلما وقعت هذه القضية أسلم في الهدنة أكثر ممن كان أسلم من يوم دعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يوم الحديبيّة، وما كان في الإسلام فتح أعظم من يوم الحديبيّة، وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكرهون الصلح لأنهم خرجوا لا يشكون في الفتح لرؤيا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه حلق رأسه، وأنه دخل البيت، وأخذ مفتاح الكعبة، وعرف مع المعرفين فلما رأوا الصلح، دخل الناس من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا يهلكوا. وقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورجال معه من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا رسول اللَّه ألم تكن حدثتنا أنك ستدخل المسجد الحرام، وتأخذ مفتاح الكعبة، وتعرف مع المعرفين، وهدينا لم يصل إلى البيت ولا نحر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: قلت لكم في سفركم هذا؟ قال عمر: لا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما إنكم ستدخلونه وآخذ مفتاح الكعبة، وأحلق رأسي ورءوسكم ببطن مكة وأعرف مع المعرفين، ثم أقبل على عمر فقال: أنسيتم يوم أحد وأنا أدعوكم: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ؟ أنسيتم يوم الأحزاب: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ؟ أنسيتم يوم كذا؟ وجعل يذكرهم أمورا، فقال المسلمون: صدق اللَّه ورسوله، يا رسول اللَّه ما فكرنا فيما فكرت فيه، لأنت أعلم باللَّه وبأمره منا، فلما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عام القضية
وحلق رأسه قال: هذا الّذي وعدتكم، فلما كان يوم الفتح أخذ المفتاح فقال: ادعوا لي عمر بن الخطاب، فقال: هذا الّذي قلت لكم: فلما كان في حجة الوداع وقف بعرفة فقال: أي عمر، هذا الّذي قلت لكم، قال: أي رسول اللَّه، ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبيّة. وكان الناس قصر رأيهم يومئذ عما كان بين محمد وبين ربه، والعباد يعجلون، واللَّه لا يعجل كعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد، لقد نظرت إلى سهيل بن عمر في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بدنه، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ينحرها بيده، ودعا الحلاق فحلق رأسه، وانظر إلى سهيل يلتقط من شعره، وأراه يضعه على عينيه، وأذكر إباءه أن يقر يوم الحديبيّة بأن يكتب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ويأبى أن يكتب أن محمدا رسول اللَّه، فحمدت اللَّه الّذي هداه للإسلام، وصلوات اللَّه وبركاته على نبي الرحمة الّذي هدانا به، وأنقذنا به من الهلكة.
وأما إطلاع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم على ما قاله المشركون في عمرة القضية
وأما إطلاع اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على ما قاله المشركون في عمرة القضية فخرّج أبو داود [ (1) ] من حديث مسدد قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن سعيد بن جبير أنه حدثه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم وقد وهنتهم الحمى ولقوا منها شرا، فأطلع اللَّه- تعالى- نبيه على ما قالوه، فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، فلما رأوهم رملوا قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد منا، قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ولم يأمرهم أن يرملوا الأشواط إلا إبقاء عليهم. وخرّجه البخاريّ أيضا في باب كيف كان بدء الرّمل [ (2) ] ، وفي عمرة القضاء [ (3) ] من حديث سليمان بن حرب، وحماد بن زيد.
وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث أبي الربيع الزهراني قال حماد: يعني ابن زيد عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: يقدم عليكم غدا قوم وهنتهم الحمى ولقوا منها شدة، فجلسوا مما يلي الحجر وأمرهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركون جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا. قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم. اللفظ لمسلم، وهو أتم، فلم يذكر
وأما تعيين أمراء غزوة مؤتة واحدا بعد واحد وكان ذلك إشارة إلى أنهم سيستشهدوا
فيما خرّجه البخاريّ ومسلم الاطلاع، وله عندهما طرق، واللَّه- تعالى- أعلم. وأما تعيين أمراء غزوة مؤتة واحدا بعد واحد وكان ذلك إشارة إلى أنهم سيستشهدوا فخرّج البخاريّ [ (1) ] من حديث مغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد اللَّه بن سعيد، عن نافع عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد اللَّه بن رواحة، قال عبد اللَّه: كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (2) ] : حدثني ربيعة بن عثمان، عن عمر بن الحكم قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الحارث بن عمير الأزدي، ثم أحد بني لهب إلى ملك بصري بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغسانيّ فقال: أين تريد؟ قال: الشام، قال: لعلك من رسل محمد؟ قال: نعم أنا
رسول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمر به، فأوثق رباطا، ثم قدمه فضرب عنقه صبرا، ولم يقتل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رسول غيره، فبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر، فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث ومن قتله، فأسرع الناس وخرجوا فعسكروا بالجرف، ولم يبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأمر، فلما صلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الظهر جلس، وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مهض [ (1) ] اليهودي، فوقف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع الناس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل زيد بن حارثة، فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب جعفر، فعبد اللَّه بن رواحة، فإن أصيب عبد اللَّه بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه عليهم، فقال النعمان بن مهض [ (2) ] : أبا القاسم إن كنت نبيا فسميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا، إن الأنبياء في بني إسرائيل إذا استعملوا الرجل على القوم، ثم قالوا: إن أصيب فلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا، ثم جعل اليهود يقولون لزيد بن حارثة: أعهد فلا ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا، فقال زيد: فأشهد أنه نبي صادق بارّ، وذكر الخبر في قتل الأمراء بمؤتة.
وأما نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا وجعفرا وعبد الله بن رواحة يوم قتلوا بمؤتة قبل أن يأتي خبرهم إلى الناس
وأما نعي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم زيدا وجعفرا وعبد اللَّه بن رواحة يوم قتلوا بمؤتة قبل أن يأتي خبرهم إلى الناس فخرّج البخاريّ من حديث حماد بن زيد عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم قال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان، حتى أخذ الراية سيف من سيوف اللَّه، حتى فتح اللَّه عليهم. ذكره في غزوة مؤتة [ (1) ] وفي المناقب [ (2) ] والإسناد واحد. وخرّج في كتاب الجهاد [ (3) ] من طريق ابن علية، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
خطب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد اللَّه بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة، ففتح اللَّه عليه وما يسرني- أو قال: وما يسرهم- أنهم عندنا وقال: وإن عينية لتذرفان، ترجم عليه باب من تأمر في الحرب من غير إمرة. وخرّجه في الجنائز [ (1) ] في الرجل يعني إلى أهل الميت بنفسه من حديث عبد الوارث عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد اللَّه بن رواحة فأصيب- وإن عيني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لتذرفان- ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له. وقال موسى بن عقبة: وقدم يعلي بن منبه على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبر أهل مؤتة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرتك، قال: بل أخبرني يا رسول اللَّه، فأخبره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهم كله ووصف له، فقال: والّذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا لم تذكره، وإن أمرهم كما ذكرت، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم.
وخرّج الحاكم [ (1) ] من حديث الحسن بن بشر حدثنا سعدان بن الوليد، عن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ ردّ السلام، ثم قال: يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل، وميكائيل وإسرافيل، سلموا علينا فردي عليهم السلام، وقد أخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بثلاث أو أربع فقال: لقيت المشركين فأصبت في جسدي في مقاديمي ثلاثا وسبعين بين رمية وطعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذت باليد اليسرى فقطعت، فعوضني اللَّه من يدي جناحين أطير بهما أخذت مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت وآكل من ثمارها ما شئت، فقالت أسماء: هنيئا لجعفر ما رزقه اللَّه من الخير، ولكن أخاف أن لا يصدق الناس فأصعد المنبر فأخبر به، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إن جعفر مع جبريل وميكائيل، له جناحان عوضه اللَّه من يديه سلّم عليّ، ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين، فاستبان للناس بعد اليوم الّذي أخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن جعفر لقيهم، فلذلك سمي الطيار في الجنة. وخرّج البيهقي [ (2) ] من طريق أبي خليفة الفضل بن حباب الجمحيّ قال: حدثنا سليمان بن حرب، عن الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير قال: قدم علينا عبد اللَّه بن رباح الأنصاري، وكانت الأنصار تفقهه فغشيه الناس فغشيته فيمن غشيه من الناس، فقال: حدثنا أبو قتادة فارس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جيش الأمراء وقال عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد، فجعفر، فإن أصيب جعفر، فعبد اللَّه بن رواحة، فوثب جعفر فقال: يا رسول
اللَّه!: ما كنت أرهب أن تستعمل زيدا عليّ، قال: امض فإنك لا تدري أي ذلك خير، فانطلقوا فلبثوا ما شاء اللَّه فصعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المنبر فأمر فنودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: أخبركم عن جيشكم هذا، إنهم انطلقوا فلقوا العدو فقتل زيد شهيدا فاستغفر له، ثم أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا شهد له بالشهادة واستغفر له، ثم أخذ اللواء عبد اللَّه بن رواحة فأثبت قدميه حتى قتل شهيدا فاستغفر له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء وهو أمر نفسه، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره. فمن يومئذ سمى خالد: سيف اللَّه. وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] : حدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وحدثني عبد الجبار بن عمارة، عن عبد اللَّه بن أبي بكر زاد أحدهما على صاحبه في الحديث قالا: لما التقى الناس بمؤتة جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام، فهو ينظر إلى معتركهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أخذ الراية زيد بن حارثة، فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة وكرّه إليه الموت وحبب إليه الدنيا، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبب إليّ الدنيا، فمضى قدما حتى استشهد، فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: استغفروا له فقد دخل الجنة وهو يسعى، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة وكره إليه الموت، ومناه الدنيا، فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا، ثم مضى قدما حتى استشهد. فصلى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال: استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة. فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة، ثم أخذ الراية بعده عبد اللَّه بن رواحة فاستشهد، ثم دخل الجنة فشق ذلك على الأنصار فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أصابته الجراح معترضا قيل: يا رسول اللَّه ما اعتراضه؟ قال: لما أصابته الجراح فكل فعاتب نفسه، فشجع فاستشهد، فدخل الجنة، فسرى عن قومه.
وخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من طريق ابن إسحاق، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر، عن أم عيسى، عن أم جعفر ابنة محمد بن جعفر بن أبي طالب، عن جدتها أسماء ابنة عميس قالت: لما أصيب جعفر وأصحابه دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [وقد دبغت أربعين منيئة، وعجنت عجيني، وغسلت بنيّ، ودهنتهم، ونظفتهم] ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ائتيني ببني جعفر، قالت: فأتيته بهم، فشمّهم وذرفت عيناه، فقلت: يا رسول اللَّه! بأبي أنت وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم، أصيبوا هذا اليوم [قالت: فكنت أصيح، واجتمع النساء إليّ وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أهله، فقال: لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما فأنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم] .
وأما إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك الأشجعي بقصة الجزور المنحور في غزاة ذات السلاسل
وأما إخبار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عوف بن مالك الأشجعيّ بقصة الجزور المنحور في غزاة ذات السلاسل فقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: حدثت عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنت في الغزوة التي بعث فيها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- غزوة ذات السلاسل، فصبحت أبا بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فمررت بقوم وهم على جزور قد نحروها، وهم لا يقدرون على أن يعضوها، وكنت أمرأ جزارا، فقلت لهم: تعطوني منها عشيرا على أن أقسمها بينكم؟ فقالوا: نعم، فأخذت الشفرتين، فجزيتها مكاني وأخذت جزاء، فحملته إلى أصحابي، فأطعمنا، وأكلنا. فقال أبو بكر وعمر: أني لك هذا اللحم يا عوف؟ فأخبرتهما، فقالا: لا واللَّه ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيئان ما في بطونهما منه، فلما قفل الناس من ذلك السفر كنت أول قادم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجئته وهو يصلي في بيته، فقلت: السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته، فقال عوف بن مالك؟ فقلت: نعم بأبي أنت وأمي، فقال صاحب الجزور؟ ولم يزدني على ذلك شيئا [ (1) ] . قال البيهقيّ [ (2) ] : قصر بإسناده محمد بن إسحاق، ورواه سعيد بن أبي أيوب، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط أخبره عن مالك قال: غزونا وعلينا عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفينا عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فأصابتنا مخمصة شديدة، فانطلقت ألتمس المعيشة، فالتقيت قوما
يريدون ينحرون جزورا لهم، فقلت: إن شئتم كفيتم نحرها، وعملها، واعطوني منها، ففعلت، فأعطوني منها شيئا، فصنعته، ثم أتيت عمر بن الخطاب، فسألني من أين هو؟ فأخبرته، فقال: أسمعك قد تعجلت أجرك، وأبى أن يأكله، فلما رأيت ذلك تركتهما، ثم أبردوني في فتح لنا، فقدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: صاحب الجزور؟ ولم يزد على ذلك. وذكره البيهقيّ [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا ابن عثمان، عن عبد اللَّه بن المبارك، ومن طريق عمرو، وحدثني يعقوب بن الربيع، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، فذكره. وقال الواقدي- رحمه اللَّه- في (مغازيه) [ (2) ] : وكان عوف بن مالك الأشجعيّ رفيقا لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في رحلهما، فخرج يوما عوف في العسكر، فمر بقوم في أيديهم جزور، وقد عجزوا عن عملها، وكان عوف هذا عالما بالجزر، فقال: أتعطوني عليها، وأقسمها بينكم؟ قالوا: نعم نعطيك عشيرا منها، فنحرها، ثم جزأها بينهم، وأعطوه منها جزءا، فأخذه، فأتى به أصحابه، فطبخوه، وأكلوا منه، فلما فرغوا قال أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: من أين لك هذا اللحم؟ فأخبرهما، فقالا: واللَّه ما أحسنت حين أطعمتنا هذا، ثم قاما يتقيئان، فلما فعل ذلك أبو بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فعل ذلك الجيش. قال أبو بكر وعمر لعوف: تعجلت أجرك، ثم أتى أبا عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال له: مثل ذلك. وكان عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين قفلنا احتلم في ليلة باردة كأشد ما يكون من البرد، فقال لأصحابه: ما ترون؟ قد واللَّه احتملت وإن اغتسلت مت، فدعا بماء، فتوضأ، وغسل فرجه، وتيمم، ثم قام، فصلى بهم، فكان أول من بعث عوف بن مالك بريدا.
وأما إغاثة الله تعالى سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم برزق أخرجه لها من البحر وقد جهدها الجوع تكرمة له صلى الله عليه وسلم
قال عوف: فقدمت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في السّحر، وهو يصلى في بيته، فسلمت عليه، فقال عوف بن مالك؟ فقلت: عوف بن مالك يا رسول اللَّه، قال صاحب الجزور؟ قلت: نعم، فلم يزد على هذا شيئا، وذكر الخبر. وأما إغاثة اللَّه تعالى سرية بعثها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برزق أخرجه لها من البحر وقد جهدها الجوع تكرمة له صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البخاريّ في كتاب الصيد والذبائح [ (1) ] ، وفي كتاب المغازي [ (2) ] من حديث ابن جريج، أخبرنى سفيان عن عمرو أنه سمع جابرا يقول: غزونا جيش الخبط، وأمّر أبو عبيدة بن الجراح، فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له: العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه، فمر الراكب تحته. زاد في المغازي: أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر يقول: فقال أبو عبيدة: كلوا، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: كلوا، رزقا أخرجه اللَّه، أطعمونا إن كان معكم، فأتاه بعضهم ببعضه، فأكله. وخرّج مسلم [ (3) ] من حديث زهير قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، ومن حديث أبي خثيمة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: بعثنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأمّر علينا أبا عبيدة يتلقى عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، قال: قلت: كيف كنتم تصنعون؟ قال:
نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط، ثم نبله بالماء، فنأكله، قال: وانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه، فإذا هو دابة تدعى العنبر، قال: قال أبو عبيدة: ميتة، ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وفي سبيل اللَّه، وقد اضطررتم، فكلوا، قال: فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن، ونقتطع منه القدر كالثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينة وأخذ ضلعا من أضلاعه، فأقامها، ثم رحل أعظم بعير معنا، فمر من تحتها، وتزودنا من لحمه ووشايق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرنا ذلك له فقال: هو رزق أخرجه اللَّه لكم، فهل معكم شيء من لحمه فتطعمونا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم منه فأكله. وخرجه البخاريّ ومسلم من حديث سفيان، عن عمرو: سمعت جابرا يقول، ومن حديث مالك، عن وهب بن كيسان، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وأما نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه بأرض الحبشة
وأما نعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النجاشيّ في اليوم الّذي مات فيه بأرض الحبشة فخرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم، وأبو داود، والنسائي من حديث مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نعى للناس النجاشي في اليوم الّذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات، وقال النسائي: فصف عليه، وكبر أربع تكبيرات، ذكره في باب الصفوف على الجنازة، وذكره البخاريّ في باب التكبير على الجنازة أربعا، وذكره أبو داود في باب الصلاة على المسلم يليه أهل الشرك في بلد آخر. وخرّج مسلم من حديث الليث بن سعد قال: حدثني عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبى سلمة بن عبد الرحمن أنهما حدثاه عن أبي هريرة أنه قال: نعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النجاشيّ صاحب الحبشة في اليوم الّذي مات فيه، فقال: استغفروا لأخيكم. قال ابن شهاب: وحدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صفّ بهم بالمصلى، فكبر عليه أربع تكبيرات. وقال البخاريّ: أربعا، وأخرجاه من حديث صالح، عن ابن شهاب، فخرّجه مسلم كرواية عقيل بالإسنادين جميعا.
وخرّجه البخاريّ في هجرة الحبشة وموت النجاشيّ، عن صالح، عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن المسيب أن أبا هريرة أخبرهما أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نعى لهم النجاشيّ صاحب الحبشة في اليوم الّذي مات فيه، وقال: استغفروا لأخيكم، وعن صالح، وعن ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبرهم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صف لهم في المصلى، فصلى عليه، وكبر عليه أربعا. وخرّج النسائي من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن ابن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال: نعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم النجاشي لأصحابه، فذكره. وخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق مسدد قال: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم قالت: لما تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أم سلمة قال: إني قد أهديت إلى النجاشي أواق من مسك، وحلة، وإني لا أراه إلا قد مات، وإني لا أرى الهدية إلا سترد على، فإن ردّت عليّ أظنه قال: قسمتها بينكن أو فيكن قالت: فكان كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مات النجاشي، وردت عليه، أعطى كل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك، وأعطى سائره أم سلمة، وأعطاها الحلة. وخرّج الإمام أحمد [ (2) ]- رحمه اللَّه- من حديث يزيد بن هارون، عن مسلم بن خالد، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قال: لما تزوج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أم سلمة قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشيّ حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشيّ إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودة عليّ، فإن ردت عليّ فهي لك، وكان كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وردت عليه
هديته، فأعطنى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة. وخرّجه ابن حبان في (صحيحه) [ (1) ] من حديث موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم، عن أم سلمة قالت: لما تزوجني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إني أهديت إلى النجاشي حلة، وأواقي مسك، ولا أراه إلا قد مات، وسترد الهدية، فإن كان كذلك فهي لك، قالت: فكان كما قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مات النجاشي، وردت الهدية، فدفع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، ودفع الحلة وسائر المسك إلى أم سلمة. قال البيهقيّ [ (2) ] قوله: ولا أراه إلا قد مات، يريد واللَّه أعلم قبل بلوغ الهدية إليه، وهذا القول صدر منه قبل موته، ثم لما مات نعاه في اليوم الّذي مات فيه، وصلى عليه.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بنصر بني كعب على بني بكر فكان كذلك وإجابة الله تعالى دعاءه في تعمية خبره عن قريش بمكة
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بنصر بني كعب على بني بكر فكان كذلك وإجابة اللَّه تعالى دعاءه في تعمية خبره عن قريش بمكة فقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أنهما حدثاه جميعا قالا: كان في صلح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الحديبيّة بينه وبين قريش، أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعهده دخل، ومن يشاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه، فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرا، ثم بنى بكر الذين كانوا دخلوا في عقد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعهده وأن عمرو بن سالم الخزاعي أحد بني كعب ركب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند ما كان من أمر خزاعة، وبني بكر بالوتيرة [ (1) ] حتى قدم المدينة على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يخبره الخبر، وقد قال أبيات شعر، فلما قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنشده إياها فقال: يا رب إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا قد كنتم ولدا وكنا والدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر هداك اللَّه نصرا اعتدا ... وادع عباد اللَّه يأتوا مددا فيهم رسول اللَّه قد تجردا ... إن سيم خسفا وجهه تربّدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكّد ... وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا ... وهم أذلّ وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجّدا ... وقتلونا ركعا وسجّدا فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نصرت يا عمرو بن سالم فما برح حتى مرت عنان [ (2) ] من السماء فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذه السحابة تستهل بنصر بني كعب، وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الناس بالجهاد وكتمهم فخرجوا، وسأل اللَّه
- تعالى- أن يعمي على قريش خبره حتى يتبعهم في بلادهم، فذكر خبر فتح مكة بطوله [ (1) ] . وقال الواقدي: فحدثني يحيى بن خالد بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وحدثني داود بن خالد بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وحدثني داود بن خالد، عن المقبري، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالا: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لأرى السحاب تستهل بنصر بني كعب [ (2) ] . وخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المدينة فنادى مناديه: من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر وصام! رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال: وحدثني مالك بن أنس، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن رجل رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالعرج يصب الماء على رأسه ووجهه من العطش. قال: وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن حكيم بن حكيم، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: لما كنا بالكديد بين الظهر والعصر أخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إناء من ماء في يده حتى رآه المسلمون، ثم أفطر تلك الساعة. وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن قوما صاموا فقال: أولئك العصاة! وقال أبو سعيد الخدريّ: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم! قال ذلك بمر الظهران. فلما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العرج، والناس لا يدرونن أين توجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى قريش، أو إلى هوازن أو إلى ثقيف! فهم يحبون أن يعلموا، فجلس في أصحابه بالعرج وهو يتحدث، فقال كعب بن مالك: آتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعلم لكم علم وجهه. فجاء كعب فبرك بين يدي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ركبتيه، ثم قال:
قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبر ثم أجمعنا السيوفا نسائلها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوسا أو ثقيفا فلست لحاضر إن لم تروها ... بساحة داركم منها ألوفا فننتزع الخيام ببطن وج ... ونترك دورهم منهم خلوفا أنشدنيها أيوب بن النعمان، عن أبيه. قال: فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يزد على ذلك، فجعل الناس يقولون: واللَّه ما بين لك رسول اللَّه شيئا، ما ندري بمن يبدي، بقريش أو ثقيف أو هوازن. قال: حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم قال لما نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقديد قيل: هل لك في بيض النساء وأدم الإبل؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن اللَّه- تعالى- حرمها عليّ بصلة الرحم ووكزهم في لبأت الإبل. قال: حدثني الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إن اللَّه حرمهم عليّ ببر الوالد ووكزهم في لبأت الإبل.
وأما إطلاع الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالمسير إليهم
وأما إطلاع اللَّه تعالى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالمسير إليهم فروى يونس بن بكير، عن بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة قال: لما أجمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسير إليهم، ثم أعطاه امرأة من مزينة وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها، ثم قفلت عليه فروتها وخرجت به، فأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال: أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا في أمرهم فذكر الحديث [ (1) ] . وخرج البخاريّ في آخر كتاب الجهاد [ (2) ] من طريق هشيم حدثنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن- وكان عثمانيا- فقال لابن عطية- وكان علويا- إني لأعلم الّذي جرّأ صاحبك على الدماء، سمعته يقول بعثني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير فقال: ائتوا روضة كذا، تجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتابا فأتينا الروضة فقلنا: الكتاب، فقالت: لم يعطني، قلنا: لتخرجن أو لأجردنك، فأخرجت من حجزتها، فأرسل إلى حاطب فقال: لا تعجل واللَّه ما كفرت ولا أزددت للإسلام إلا حبّا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع اللَّه به عن أهله وماله، ولم يكن لي أحد فأحببت أن أتخذ عندهم يدا فصدقه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال عمرو: دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق، فقال: ما يدريك لعل اللَّه اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فهذا الّذي جرأه.
وخرّجه أيضا في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، في باب ما جاء في المتأولين من حديث أبي عوانة عن فلان قال: تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت ما الّذي جرّأ صاحبك على الدماء يعنى عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: ما هو لا أبا لك، قال: شيء سمعته يقول، قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم والزبير وأبا مرثد وكلنا فارس قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج، [قال البكري: خاخ بخاء معجمة بعد الألف، موضع] [ (1) ] ، قال أبو سلمة: قال أبو عوانة: حاج، فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأتوني بها، فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تسير على بعير لها وقد كان كتب إلى أهل مكة بمسير رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليهم، فقلنا أين الكتاب الّذي معك؟ فقالت: ما معي كتاب، فأنخنا بها بعيرها فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئا، فقال صاحباي: ما نرى معها كتابا، قال: فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم حلف عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والّذي يحلف به لتخرجن الكتاب وإلا لأجردنك، فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة، فأتوا بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر: يا رسول اللَّه قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فأضرب عنقه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رسول اللَّه ما لي أن لا أكون مؤمنا باللَّه ورسوله ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي، وليس من أصحابك أحد إلا له هناك من قومه من يدفع اللَّه به عن أهله وماله، قال: صدق، ولا تقولوا له إلا خيرا، قال: فعاد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه، قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، دعني فلأضرب عنقه، فقال: أو ليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل اللَّه اطلع
عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة، فاغرورقت عيناه، فقال: اللَّه ورسوله أعلم [ (1) ] . قال أبو عبد اللَّه خاخ أصح ولقد قال أبو عوانة: أنه حاج وحاح تصحيف وهو موضع، وهشيم يقول: حاح. وخرّجه أيضا من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن عبيد اللَّه بن أبي رافع، عن على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومن حديث حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو مما اتفقا على إخراجه.
وأما وحي الله تعالى بما قالته الأنصار يوم فتح مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما وحي اللَّه تعالى بما قالته الأنصار يوم فتح مكة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج مسلم من حديث سفيان بن فروخ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة قال ثابت البناني: عن عبد اللَّه بن رباح، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: وفدت وفود إلى معاوية وذلك في رمضان، فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام، وكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحلة، فقلت: إلا أضع طعاما فأدعوهم إلى رحلي، قال: فأمرت بطعام يصنع، ثم لقيت أبا هريرة من العشي، فقلت: الدعوة عندي الليلة، فقال: سبقتني؟ فقلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة، فقال: أقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في كتيبة قال: فنظر فرآني فقال: أبو هريرة قلت: نعم لبيك يا رسول اللَّه، فقال: لا يأتيني إلا أنصاري. زاد غير شيبان فقال: اهتف لي بالأنصار قال: فأطافوا به ووبشت قريش أوباشا وأتباعا فقالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الّذي سئلنا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال: حتى توافوني بالصفا، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا يقتل أحد إلا قتله، وما أحد منا يوجه إلينا شيئا، قال: فجاء أبو سفيان فقال يا رسول اللَّه: أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثم قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته. قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحي، لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى ينقضي الحي فلما انقضى الوحي قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول اللَّه، قال: قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، قالوا: قد كان ذاك قال: كلا إني عبد اللَّه ورسوله، هاجرت إلى اللَّه
وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم، فأقبلوا الليلة يبكون ويقولون: واللَّه ما قلنا الّذي قلنا إلا الضن باللَّه ورسوله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه ورسوله يصدقانكم ويعذر انكم، قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى أقبل إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، قال: فإنّي على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، وفي يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه ويقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلى عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يده فجعل يحمد اللَّه ويدعو بما شاء اللَّه أن يدعو [ (1) ] . قال: وحدثنيه عبد اللَّه بن هاشم قال: عن بهز، عن سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد وزاد في الحديث، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى: أحصدوهم حصدا، وقال في الحديث قالوا: قلنا ذاك يا رسول اللَّه قال: فما اسمى إذا كلا إني عبد اللَّه ورسوله [ (2) ] . وخرّجه من طريق يحيى بن حسان، قال حماد بن سلمة: قال: حدثنا ثابت، عن عبد اللَّه بن رباح قال: وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكان كل رجل منا يصنع طعاما يوما لأصحابه فكانت نوبتي، فقلت: يا أبا هريرة اليوم نوبتي، فجاءوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا، فقلت: يا أبا هريرة لو حدثنا عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى يدرك طعامنا، فقال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمني، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبو عبيد على البياذقة وبطن الوادي، فقال: يا أبا هريرة أدع لي الأنصار، فدعوتهم، فجاءوا يهرولون، فقال يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم، قال: انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا، وأخفى بيده ووضع يمينه
على شماله وقال: موعدكم الصفا، قال: فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه، قال: وصعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصفا، وجاءت الأنصار فأطافوا بالصفا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول اللَّه أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، فقالت الأنصار: أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته، ورغبة في قريته، ألا فما اسمى إذا، ثلاث مرات، أنا محمد عبد اللَّه ورسوله، هاجرت إلى اللَّه وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم، قالوا: واللَّه ما قلنا إلا ضنا باللَّه ورسوله، قال: فإن اللَّه ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم [ (1) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأن مكة شرفها الله تعالى لا تغزى بعد فتحه لها، ولا تكون دار كفر فكان كذلك
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بأن مكة شرفها اللَّه تعالى لا تغزى بعد فتحه لها، ولا تكون دار كفر فكان كذلك فخرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث يحيى بن سعيد، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن الحارث بن مالك بن البرصاء قال: سمعت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم فتح مكة يقول: لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وهو حديث زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي لا نعرفه إلا من حديثه. وقال البيهقيّ: وإنما أرادوا- واللَّه أعلم- أنها لا تغزى بعده على كفر أهلها وكان كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقال الواقدي: وحدثني يزيد بن فارس، عن عراك بن مالك، عن الحارث بن برصاء قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة يعني على كفر [ (2) ] .
وخرّج مسلم من حديث علي بن مسهر ووكيع عن زكريا، عن الشعبي قال: أخبرني عبد اللَّه بن مطيع، عن أبيه قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول يوم فتح مكة: لا يقتل قرشيّ صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة. قال البيهقيّ- رحمه اللَّه- هذا وإن كان على طريق الخير فالمراد به واللَّه أعلم النهي وفيه أيضا إشارة إلى إسلام أهل مكة وإنها لا تغزي بعدها أبدا كما في حديث الحارث بن مالك بن برصاء [ (1) ] . وقال الواقدي- رحمه اللَّه- وحدثني عبد اللَّه بن يزيد الهذلي، عن أبي حصين الهذلي قال: لما قتل النفر الذين أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتلهم سمع النوح عليهم بمكة وجاء أبو سفيان بن حرب، فقال: فداك أبي وأمي، البقية في قومي فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم- يعني على الكفر-[ (2) ] .
وأما تصديق الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي طلحة أنه يأخذ مفتاح الكعبة ويضعه حيث شاء
وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم عثمان بن أبي طلحة أنه يأخذ مفتاح الكعبة ويضعه حيث شاء فقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] ثم نزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [يعني من الكعبة يوم فتح مكة [ (2) ]] ومعه المفتاح ناحية من المسجد فجلس، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قبض السقاية من العباس وقبض المفتاح من عثمان، فلما جلس قال: ادعوا لي عثمان فدعى له عثمان بن أبي طلحة، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لعثمان يوما [بمكة] وهو يدعوه إلى الإسلام ومع عثمان المفتاح، [فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم:] لعلك سترى هذا المفتاح [يوما] بيدي أضعه حيث شئت، فقال عثمان: لقد هلكت إذا قريش وذلت، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل عمرت وعزّت يومئذ، فلما دعاني [رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] بعد أخذه المفتاح صلّى اللَّه عليه وسلّم ذكرت [من] قوله ما كان قال. فأقبلت، فاستقبلته صلّى اللَّه عليه وسلّم ببشر، واستقبلني [عليه الصلاة والسلام] ببشر، ثم قال: خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها [منكم] إلا ظالم، يا عثمان إن اللَّه- تعالى- استأمنكم على بيته فكلوا بالمعروف. قال عثمان: فلما وليت ناداني فرجعت إليه، فقال: ألم يكن الّذي قلت لك؟ قال: فذكرت قوله لي بمكة فقلت: بلى، أشهد أنك رسول اللَّه، فأعطاه المفتاح، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مضطبع [ (3) ] بثوبه وقال: أعينوه، وقال: قم على الباب وكل بالمعروف.
وأما إعلام الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بما قالته قريش لما سمعوا أذان بلال رضي الله تبارك وتعالى عنه يوم فتح مكة
وأما إعلام اللَّه تعالى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما قالته قريش لما سمعوا أذان بلال رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يوم فتح مكة فروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار قال: حدثني بعض آل حمير بن مطعم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما دخل مكة أمر بلالا فعلا على الكعبة على ظهرها فأذن عليها بالصلاة، فقال بعض بني سعد بن العاص: لقد أكرم اللَّه سعدا إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة. وقال يونس: عن هشام بن عروة، عن أبيه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمر بلالا عام الفتح فأذن على ظهر الكعبة ليغيظ به المشركين. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب قال: قال ابن مليكة أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا يوم الفتح فأذن فوق الكعبة، فقال رجل من قريش للحارث بن هشام: ألا ترى إلى هذا العبد أين صعد؟ فقال: دعه فإن يكن اللَّه- تعالى- يكرهه فسيغيره. وقال الواقدي في (مغازيه) - رحمة اللَّه عليه- وقد ذكر فتح مكة: قالوا: وجاء وقت الظهر فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا أن يؤذن الظهر فوق ظهر الكعبة يومئذ وقريش فوق رءوس الجبال، وقد فر وجوههم وتغيبوا خوفا أن يقتلوا، فمنهم من يطلب الأمان ومنهم من قد أومن، فلما أذن بلال ورفع صوته كأشد ما يكون، فلما بلغ: أشهد أن محمدا رسول اللَّه، تقول جويرية بنت أبي جهل: قد لعمري رفع لك ذكرك، أما الصلاة فسنصلي، واللَّه لا نحب من قتل الأحبة أبدا، ولقد كان جاء أبي الّذي جاء محمدا من النبوة فردها ولم يرد خلاف قومه. وقال خالد بن أسيد: الحمد للَّه الّذي أكرم أبي قبل أن يسمع هذا اليوم.
وأما عفوه صلى الله عليه وسلم عن سهيل بن عمرو يوم فتح مكة وبره له مع سوء أثره يوم الحديبية
وقال الحارث بن هشام: وا ثكلاه ليتني متّ قبل هذا اليوم قبل أن أسمع بلالا ينهق فوق الكعبة، فقال الحكم بن أبي العاص: هذا واللَّه الحدث العظيم أن يصبح عبد بني جمح على بنية أبي طلحة، وقال سهيل بن عمرو: إن كان هذا سخط فسيغيره، وإن كان رضا فسيقره. وقال أبو سفيان بن حرب: أما أنا فلا أقول شيئا، لو قلت شيئا لأخبرته هذه الحصباء فأتى جبريل- عليه السلام- رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره خبرهم. وأما عفوه صلّى اللَّه عليه وسلّم عن سهيل بن عمرو يوم فتح مكة وبرّه له مع سوء أثره يوم الحديبيّة فقال الواقدي [ (1) ]- رحمه اللَّه-: فحدثني موسى بن محمد، عن أبيه قال: قال سهيل بن عمرو: لما دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة وظهر انقحمت [ (2) ] بيتي وأغلقت عليّ بابي وأرسلت إلى ابني عبد اللَّه بن سهيل أن اطلب لي جوارا من محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم فإنّي لا آمن أن أقتل، قال: وجعلت أتذكر أثري عند محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، فليس أحد أسوأ أثرا مني، وإني لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الحديبيّة بما لم يلقه أحد، وكنت الّذي كاتبته مع حضوري بدرا وأحدا، وكلما تحركت قريش كنت فيها، فذهب عبد اللَّه بن سهيل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! أبي تؤمنه؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم هو آمن بأمان اللَّه- تعالى- فليظهر، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لمن حوله: من لقي سهيل بن عمرو فلا يشد النظر إليه، فلعمري إن سهيلا له عقل وشرف وما مثل سهيل جهل الإسلام، ولقد رأى ما كان يوضع فيه أنه لم يكن له بنافع! فخرج عبد اللَّه إلى أبيه فخبره بمقالة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال سهيل: كان واللَّه برا صغيرا وكبيرا، وكان سهيل
وأما إخباره بإسلام عبد الله بن الزبعرى حين نظر إليه مقبلا
يقبل ويدبر، وخرج إلى حنين مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على شركه، حتى أسلم بالجعرانة. وأما إخباره بإسلام عبد اللَّه بن الزّبعرى حين نظر إليه مقبلا قال الواقدي في فتح مكة من (مغازيه) [ (1) ] : وهرب هبيرة بن أبي وهب وهو يومئذ زوج أم هانئ بنت أبي طالب، وهو ابن الزبعري جميعا حتى انتهيا إلى نجران فلم يأمنا من الخوف حتى دخلا حصن نجران فقيل لهما: ما وراءكما؟ فقالا: أما قريش فقد قبلت ودخل مكة ونحن واللَّه نرى أن محمدا سائر إلى حصنكم هذا فجعلت بلحارث وكعب يصلحون ما رثّ من حصنهم، وجمعوا ماشيتهم، فأرسل حسان بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أبياتا يريد بها ابن الزبعريّ: [أنشدتها ابن أبي الزناد] : لا تعدمن رجلا أحلك بغضه ... نجران في عيش أحذّ لئيم [ (2) ] بليت قناتك في الحروب فألقيت ... خمانه [ (3) ] خوفاء ذات وصوم [ (4) ] غضب الآله على الزبعري وابنه ... وعذاب سوء في الحياة مقيم فلما جاء ابن الزبعري شعر حسان تهيأ للخروج فقال هبيرة بن أبي وهب أين تريد يا ابن عم؟ قال: أردت واللَّه محمدا، قال: أتريد أن تتبعه قال: إي واللَّه، قال: يقول هبيرة: يا ليت أني كنت رافقت غيرك واللَّه! ما ظننت أنك تتبع محمدا أبدا. قال ابن الزبعري: هو ذاك، فعلى أي شيء أقيم مع بني الحارث بن كعب، وأترك ابن عمي وخير الناس وأبرّهم ومع قومي وداري، فانحدر ابن
الزبعري حتى جاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس وأصحابه، فلما نظر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إليه قال: هذا ابن الزبعري ومعه وجه فيه نور الإسلام، فلما وقف على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: السلام عليكم أي رسول اللَّه شهدت أن لا اللَّه إلا اللَّه، وأنك عبده ورسوله، والحمد للَّه الّذي هداني للإسلام، لقد عاديتك، وأجلبت عليك، وركبت الفرس والبعير، ومشيت في عداوتك، ثم هربت منك إلى نجران وأنا أريد ألا أقرب الإسلام أبدا، ثم أرادني اللَّه منه بخير فألقاه في قلبي وحببه إليّ، وذكرت ما كنت فيه من الضلالة، واتباع ما لا ينفع ذا عقل من حجر يعبد ويذبح له، لا يدري من عبده ومن لا يعبده، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: الحمد للَّه الّذي هداك للإسلام، إن الإسلام يجب ما كان قبله.
وأما صنع الله تعالى له في إلقاء محبته صلى الله عليه وسلم في قلب هند بنت عتبة بعد مبالغتها في شدة عداوته
وأما صنع اللَّه تعالى له في إلقاء محبته صلّى اللَّه عليه وسلّم في قلب هند بنت عتبة بعد مبالغتها في شدة عداوته فقال الواقدي [ (1) ] : فحدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن عقبة، عن أبي حبيبة مولى الزبير، عن عبد اللَّه بن الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة، وأسلمت أم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل، وأسلمت امرأة صفوان بن أمية البغوم بنت المعذل بن كنانة، وأسلمت فاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وأسلمت هند بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد اللَّه بن عمرو بن العاص في عشر نسوة من قريش فأتين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بالأبطح فبايعنه، فدخل عليه وعنده زوجته وابنته فاطمة، ونساء من نساء بني عبد المطلب، فتكلمت هند بنت عتبة فقالت: يا رسول اللَّه الحمد للَّه الّذي أظهر الدين الّذي اختاره لنفسه لتمسني رحمتك، يا محمد إني امرأة مؤمنة باللَّه مصدقة، ثم كشفت عن نقابها فقالت: هند بنت عتبة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرحبا بك، فقالت: واللَّه يا رسول اللَّه ما كان على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وزيادة أيضا، ثم قرأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عليهنّ القرآن وبايعهن فقالت هند من بينهن: يا رسول اللَّه فما نماسحك، فقال: إني لا أصافح النساء إن قولي لمائة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة، ويقال: وضع على يده ثوبا ثم مسحن على يده يومئذ، ويقال: كان يؤتي بقدح من ماء فيدخل يده فيه ثم يدفعه إليهن فيدخلن أيديهن فيه والقول الأول أثبت عندنا: إني لا أصافح النساء. قال كاتبه: وقد ثبت في الصحيحين وسنن النسائي، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: لا واللَّه ما مست يده يد امرأة قط في
المبايعة، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتكن على ذلك، وفي لفظ: واللَّه ما مست يد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يد امرأة قط غير أنه بايعهن بالكلام. وخرّج النسائي من طريق مالك، عن محمد بن المنكدر، عن أميمة بنت رفيقة قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نسوة نبايعه على الإسلام، فقلت: يا رسول اللَّه نبايعك على أن لا نشرك باللَّه شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، قال: فيما استطعتن وأطقتن، فقلت: اللَّه ورسوله أرحم بنا من أنفسنا نبايعك يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو كمثل قولي لامرأة واحدة، ترجم عليه بيعة النساء، وذكره أيضا في التفسير. وقد خرّج البخاريّ ومسلم قول هند، فخرجه البخاريّ في الأحكام من حديث أبي اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يعزهم اللَّه. وقال البخاريّ: أن يعزوا من أهل خبائك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا والّذي نفسي بيده، ثم قالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل ممسك، وقال البخاري: مسيك فهل عليّ حرج أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف، وقال البخاريّ: فهل عليّ حرج من أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ فقال لها: لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف. ولم يقل في الحديث: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأيضا والّذي نفسي بيده [ (1) ] . وخرّج البخاريّ في كتاب النذور في باب كيف كانت بمين النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من حديث يحيى بن بكير، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير، وخرّجه في آخر كتاب المناقب تعليقا وقال عبدان: حدثنا يونس، عن الزهري قال حدثني عروة.
وخرّج مسلم من حديث يعقوب بن إبراهيم، عن ابن أخي الزهريّ، عن عمه قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة فقالت: يا رسول اللَّه ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يغزوا من أهل خبائك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأيضا، الّذي نفسي بيده قالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل مسيك، فهل عليّ حرج أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال لها: لا، إلا بالمعروف، وقال البخاريّ: قال: إلا بالمعروف وقال في حديث الليث: وأيضا والّذي نفس محمد بيده، وقال فيه: أهل خباء من أهل خبائك أو أخبائك في الموضعين. وذكره في كتاب (النفقات) مختصرا محذوفا من حديث يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة فقالت: يا رسول اللَّه إن أبا سفيان رجل مسيك فهل عليّ حرج أن أطعم من الّذي له عيالنا؟ قال: لا، إلا بالمعروف [ (1) ] . وخرّجاه مختصرا من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وخرجه كذلك النسائي فظهر صحة حديث الواقدي. تم بحمد اللَّه تعالى الجزء الثالث عشر ويليه الجزء الرابع عشر وأوله: وأما إخبار الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا سفيان بن حرب بما حدث به نفسه يوم الفتح من عوده إلى المحاربة وبما قاله لهند
المجلد الرابع عشر
[المجلد الرابع عشر] بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم وأما إخبار الرسول صلى اللَّه عليه وسلم أبا سفيان بن حرب بما حدث به نفسه يوم الفتح من عوده إلى المحاربة وبما قاله لهند فقال [البيهقي: وقرأت في كتاب] محمد بن سعد عن محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن خالد، عن أبي إسحاق السبيعي أن أبا سفيان بن حرب كان جالسا فقال في نفسه: لو جمعت لمحمد جمعا إنه ليحدث نفسه بذلك إذ ضرب النبي صلى اللَّه عليه وسلم بين كتفيه وقال: إذا يخزيك اللَّه. قال: فرفع رأسه فإذا النبي صلى اللَّه عليه وسلم قائم على رأسه فقال: ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة، إن كنت لأحدث نفسي بذلك [ (1) ] . وخرجه البيهقي من حديث محمد بن يوسف الفرياني قال: حدثنا يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي السفر، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: رأى أبو سفيان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يمشي والناس يطئون عقبه فقال بينه وبين نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال! فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى ضرب بيده في صدري فقال: إذا يخزيك اللَّه، قال: أتوب إلى اللَّه وأستغفر اللَّه مما تفوهت به [ (2) ] . ومن حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبى حامد بن الشرقي قالا: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، عن محمد بن موسى بن أعين يعني الجزري، عن أبي، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال:
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بمجيء عكرمة بن أبي جهل مؤمنا قبل قدومه فكان كذلك
لما كان ليلة دخل الناس مكة ليلة الفتح لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا، فقال أبو سفيان لهند: أترين هذا من اللَّه؟ ثم أصبحوا، فغدا أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قلت لهند: أترين هذا من اللَّه؟ قالت نعم هو من اللَّه، فقال أبو سفيان: أشهد أنك عبد اللَّه ورسوله، والّذي يحلف به أبو سفيان ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا اللَّه- عز وجل- وهند [ (1) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم بمجيء عكرمة بن أبي جهل مؤمنا قبل قدومه فكان كذلك فقال الواقدي [ (2) ] : ثم قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل: يا رسول اللَّه قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمّنه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: هو آمن، فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي من عك [ (3) ] ، فاستعانتهم عليه [ (4) ] ، فأوثقوه رباطا، وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، فركب البحر، فجعل نؤتي السفينة يقول له: أخلص، فقال: أي شيء أقول؟ قال: قل: لا إله إلا اللَّه قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام، فجعلت تلحّ إليه وتقول: يا ابن عم جئتك من عند أوصل الناس، وأبر الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته، فقالت: إني قد استأمنت لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم أنا كلمته فأمنك، [قال: وكيف يؤمنني وقد صنعنا به أنا وأبي ما صنعناه؟
قالت: بلى إنه خير الناس] [ (1) ] ، فرجع معها وقال: ما لقيت من غلامك الروميّ؟ فخبرته خبره، فقتله عكرمة وهو يومئذ لم يسلم، فلما دنا من مكة، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لأصحابه: يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحيّ ولا يبلغ الميت، قال: وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها فتأبى عليه، وتقول: إنك كافرا وأنا مسلمة، فيقول: إن أمرا منعك مني لأمر كبير، فلما رأى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عكرمة وثب إليه- وما على النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رداء- فرحا بعكرمة، ثم جلس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فوقف بين يديه ومعه امرأته منتقبة، فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال: صدقت، فأنت آمن، فقال عكرمة: فإلى ما تدع يا محمد؟ قال: أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل حتى عدّ خصال الإيمان [ (2) ] ، فقال عكرمة: واللَّه ما دعوت إلا إلى الحق وإلى أمر حسن جميل، قد كنت فينا واللَّه قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا، وأبرّنا برا، ثم قال عكرمة: فأني أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه [ (3) ] ، فسر بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه علمني خير شيء أقوله، قال: خير شيء تقوله: أشهد من حضر أني مسلم مهاجر، فقال عكرمة: ذلك ثم ماذا؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: تقول أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد من حضر أني مسلم مهاجر، فقال عكرمة ذلك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه، قال عكرمة: فإنّي أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك، أو وأنت غائب عنه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له وما نال مني من عرض في وجهي، أو وأنا غائب عنه، فقال عكرمة: رضيت يا رسول اللَّه، ثم قال عكرمة: أما
وأما تيقن صفوان بن أمية نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
واللَّه يا رسول اللَّه لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل اللَّه إلا أنفقت ضعفها في سبيل اللَّه، ولا قتالا كنت أقاتل في صدّ عن سبيل اللَّه إلا أبليت ضعفه في سبيل اللَّه، ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيدا، فرد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم امرأته بذلك النكاح الأول. وأما تيقن صفوان بن أمية نبوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال الواقدي في ذكر فتح مكة [ (1) ] : وأما صفوان بن أمية فهرب حتى أتى الشعيبة [ (2) ] وجعل يقول لغلامه يسار وليس معه غيره: ويحك! انظر من ترى؟ قال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير؟ واللَّه ما جاء إلا يريد قتلي، قد ظاهر محمدا عليّ فلحقه، فقال: يا عمير، ما كفاك ما صنعت بي؟ حملتني دينك وعيالك، ثم جئت تريد قتلي! فقال أبو وهب: جعلت فداءك جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس، وقد كان عمير قال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه، سيد قومي خرج هاربا ليقذف نفسه في البحر، وخاف ألا تؤمنه فأمنه، فداك أبي وأمي! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: قد أمنته. فخرج في أثره فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قد أمنك، فقال صفوان: لا واللَّه لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه جئت صفوان هاربا يريد أن يقتل نفسه فأخبرته بما أمنته، فقال: لا أرجع حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: خذ عمامتي، قال: فرجع عمير إليه بها، وهو البرد الّذي دخل فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يومئذ معتجرا [ (3) ]
به، برد حبرة [ (1) ] ، فخرج عمير في طلبه الثانية حتى جاءه بالبرد، فقال: أبا وهب، جئتك من عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبرّ الناس، وأحلم الناس، مجده مجدك، وعزه عزك، وملكه ملكك، ابن أمك وأبيك، أذكرك اللَّه في نفسك، قال له: أخاف أن أقتل، قال: قد دعاك إلى أن تدخل في الإسلام، فإن رضيت وإلا سيّرك شهرين، فهو أوفى الناس وأبرهم، وقد بعث إليك ببرده الّذي دخل به معتجرا، تعرفه؟ قال: نعم، فأخرجه، فقال: نعم هو هو! حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي بالمسلمين العصر بالمسجد، فوقفا، فقال صفوان: كم تصلون في اليوم والليلة؟ قال: خمس صلوات، قال: يصلي بهم محمد؟ قال: نعم، فلما سلم صاح صفوان: يا محمد! إن عمير بن وهب جاءني ببردك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرا وإلا سيرتني شهرين، قال: انزل أبا وهب. قال: لا واللَّه حتى يتبين لي، قال: بل تسير أربعة أشهر، فنزل صفوان، وخرج رسول اللَّه قبل هوازن، وخرج معه صفوان وهو كافر، وأرسل إليه يستعيره سلاحه، فأعاره سلاحه، مائة درع بأداتها، فقال صفوان: طوعا أو كرها؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: [بل] عارية مؤداه، فأعاره، فأمره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فحملها إلى حنين، فشهد حنينا والطائف، ثم رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى الجعرّانة، فبينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها، ومعه صفوان بن أمية، فجعل صفوان ينظر إلى شعب ملي نعما، وشاء، ورعاء، فأدام إليه النظر ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يرمقه، فقال: أبا وهب يعجبك هذا الشعب؟ قال: نعم، قال: هو لك وما فيه، فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، وأسلم مكانه [ (2) ] .
قال الواقدي [ (1) ] : فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، قال: أسلم أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، ومخرمة بن نوفل قبل نسائهم، ثم قدموا على نسائهم في العدة، فردهن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك النكاح، وأسلمت امرأة صفوان وامرأة عكرمة قبل زوجيهما، ثم أسلما، فردّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم نساءهم عليهم، وذلك أن إسلامهم كان في عدتهم. وخرّج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون، عن شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أمية بن صفوان بن أمية، عن أبيه: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا، فقال: اغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة، فضاع بعضها، فعرض عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أن يضمنها له، فقال: أنا اليوم يا رسول اللَّه في الإسلام أرغب [ (2) ] . وخرّج الترمذي من حديث يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن يونس ابن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية [ (3) ] : أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إليّ. قال أبو عيسى: حديث صفوان، رواه معمر وغيره، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكأن هذا الحديث أصح وأشبه، وإنما هو «سعيد بن المسيب عن صفوان» [ (4) ] .
وخرجه الإمام أحمد من حديث زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى صار وإنه لأحب الناس إليّ [ (1) ] .
وأما إنجاز الله تعالى وعده لرسوله صلى الله عليه وسلم بدخول الناس في دين الله أفواجا بعد فتح مكة
وأما إنجاز اللَّه تعالى وعده لرسوله صلّى اللَّه عليه وسلم بدخول الناس في دين اللَّه أفواجا بعد فتح مكة فخرّج البخاريّ في غزوة الفتح [ (1) ] من حديث حماد بن زيد، عن أيوب عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته، فقال: كنا بما ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن اللَّه أرسله، أوحى إليه، أو أوحى اللَّه بكذا فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يقرّ في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق. فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال: جئتكم واللَّه من عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حقا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني لما كنت أتلقى من الركبان، فقدّموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليّ بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا
وأما تصديق الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن العزى قد يئست أن تعبد بأرض العرب فلم تعبد بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم بحمد الله تبارك وتعالى
عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. وخرّجه أبو داود [ (1) ] وسياقة البخاريّ أتم. وأما تصديق اللَّه تعالى رسوله صلى اللَّه عليه وسلم بأن العزى قد يئست أن تعبد بأرض العرب فلم تعبد بعد مقدمه صلى اللَّه عليه وسلم بحمد اللَّه تبارك وتعالى فقال الواقدي [ (2) ] : حدثني عبد اللَّه بن يزيد، عن سعيد بن عمرو الهذلي قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكة يوم الجمعة لعشر ليال بقين من رمضان، فبث السرايا في كل وجه، وأمرهم أن يغيروا على من لم يكن على الإسلام، فخرج هشام بن العاص في مائتين، قبل يلملم [ (3) ] ، فخرج خالد بن سعيد بن العاص في ثلاثمائة قبل عرنة، وبعث خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا من أصحابه [إلى]
[العزى] انتهى إليها فهدمها، ثم رجع إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هدمت العزى؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل رأيت شيئا؟ قال: لا، قال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها، فرجع خالد وهو متغيظ، فلما انتهى إليها جرد سيفه، فخرجت امرأة سوداء عريانة ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، قال خالد: وأخذني اقشعرار في ظهري، فجعل يصيح: أيا عزّ شدى شدة لا تكذّبي ... على خالد ألقى القناع وشمّري أيا عزّ إن لم تقتلي المرء خالدا ... فبوئي بذنب عاجل أو تنصري يا عزّ كفرانك لا سبحانك ... إني وجدت اللَّه قد أهانك قال: وأقبل خالد بالسيف وهو يقول: كفرانك لا سبحانك ... إني وجدت اللَّه قل أهانك فضربها بالسيف فجزلها باثنتين، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأخبره، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم تلك العزّى وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا، ثم قال خالد: أي رسول اللَّه، الحمد للَّه الّذي أكرمنا بك وأنقذنا من الهلكة، ولقد كنت أرى أبي يأتي العزى بحترة [ (1) ] مائة من الإبل والغنم، فيذبحها للعزى ويقيم عندها ثلاثا، ثم ينصرف إلينا مسرورا، فنظرت إلى ما مات عليه أبي، ذلك الرأي الّذي كان يعاش في فضله، كيف خدع حتى صار يذبح لحجر لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا الأمر إلى اللَّه فمن يسره للهدى تيسّر ومن يسره للضلالة كان فيها. وكان هدمها لخمس ليال بقين من رمضان سنة ثمان، وكان سادنها أفلح ابن النضر الشيبانيّ من بني سليم، فلما حضرته الوفاة دخل عليه وهو حزين، فقال له أبو لهب: ما لي أراك حزينا؟ قال: أخاف أن تضيع العزى من بعدي، قال له أبو لهب: لا تحزن، فأنا أقوم عليها بعدك، فجعل كل من لقي قال: إن تظهر العزى كنت قد اتخدت يدا عندها بقيامي عليها، وإن يظهر محمد على العزى- ولا أراه يظهر- يا ابن أخي، فأنزل اللَّه- تعالى-: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ويقال: إنه قال هذا في اللات.
وخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق أحمد بن عليّ بن المثنى، قال: حدثنا أبو كريب، عن محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما فتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة، بعث خالد بن الوليد إلى نخلة وكانت بها العزى، فأتاها خالد بن الوليد، وكانت على ثلاث سمرات، فقطع السمرات [ (2) ] ، وهدم البيت الّذي كان عليها، ثم أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئا، فرجع خالد فلما نظرت إليه السدنة وهم حجابها، أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى خبليه [ (3) ] ، يا عزى عوريه، وإلا فموتي برغم، قال: فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها فعممها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره فقال: تلك العزى. وخرّج البيهقيّ [ (4) ] من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون، ولكنه في التحريش بينهم. ومن حديث وكيع [ (5) ] عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن التحريش [ (6) ] .
وأما كفاية الله تعالى أمر الذي أراد قتله قريب أوطاس
وأما كفاية اللَّه تعالى أمر الّذي أراد قتله قريب أوطاس فقال الواقدي [ (1) ] : حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت ذات أنواط شجرة عظيمة، أهل الجاهلية يذبحون لها [ (2) ] ويعكفون عليها يوما، وكان من حج منهم وضع رداءه عندها، ويدخل بغير رداء تعظيما لها، فلما سار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حنين، قال له رهط من أصحابه فيهم الحارث بن مالك: يا رسول اللَّه اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط، فكبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثلاثا، وقال: هكذا فعل قوم موسى بموسى. قال: قال أبو بردة بن نيار: لما كنا دوين أوطاس نزلنا تحت شجرة، ونظرنا إلى شجرة عظيمة، فنزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تحتها، وعلق بها سيفه وقوسه، قال: وكنت من أقرب أصحابه إليه، قال: فما أفزعني إلا صوته: يا أبا بردة! فقلت: لبيك، وأقبلت سريعا، فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جالس وعنده رجل جالس، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن هذا الرجل جاء وأنا نائم، فسل سيفي، ثم قام به على رأسي، ففزعت منه وهو يقول: يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ قلت: اللَّه، قال أبو بردة: فوثبت إلى سيفي فسللته، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: شمّ سيفك، قال: قلت يا رسول اللَّه، دعني أضرب عنق عدو اللَّه، فإن هذا من عيون المشركين، فقال لي: اسكت يا أبا بردة، قال: فما قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا، ولا عاقبه، قال: فجعلت أصيح به في العسكر ليشهده الناس فيقتله قاتل بغير أمر رسول اللَّه، فأما أنا فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد كفني عن قتله، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّه عن الرجل يا أبا بردة! قال: فرجعت إلى
وأما كفاية الله تعالى له كيد شيبة بن عثمان بن أبي طلحة يوم حنين وهدايته إلى الإسلام بدعائه وإخباره صلى الله عليه وسلم شيبة بما هم به
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أبا بردة إن اللَّه مانعي وحافظي حتى يظهر دينه على الدين كله [ (1) ] ، وقد تقدم وقوع مثل هذا في مرتين: إحداهما: من دعثور في غزوة ذي أمر. والأخرى: من ابن غورث في ذات الرقاع. وأما كفاية اللَّه تعالى له كيد شيبة بن عثمان بن أبي طلحة يوم حنين وهدايته إلى الإسلام بدعائه وإخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم شيبة بما هم به فقال ابن إسحاق [ (2) ] : وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، أخو بنى عبد الدار: قلت: اليوم أدرك ثأرى، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمدا، قال: فأدرت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشي فؤادي، فلم أطق ذاك فعرفت أنه ممنوع [مني] . وقال الواقدي [ (3) ] : وكان شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قد تعاهد هو وصفوان بن أمية حين وجّه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى حنين، وكان أمية بن خلف قتل يوم بدر، وكان عثمان بن أبي طلحة قتل يوم أحد، فكانا تعاهدا إن رأيا على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دائرة أن يكونا عليه وهما خلفه، قال شيبة: فأدخل اللَّه الإيمان قلوبنا، قال شيبة، لقد هممت بقتله، فأقبل شيء حتى تغشي فؤادي فلم أطق ذلك، وعلمت أنه قد منع مني. وقال: قد غشيتني ظلمة حتى لا أبصر، فعرفت أنه ممتنع مني، وأيقنت بالإسلام.
وقال الواقدي [ (1) ] : وقد سمعت في قصة شيبة وجها آخر، كان شيبة بن عثمان يقول: لما رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم غزا مكة فظفر بها، وخرج إلى هوازن، قلت: أخرج لعلي أدرك ثأرى، وذكرت قتل أبي يوم أحد، قتله حمزة، وعمي قتله عليّ، قال: فلما انهزم أصحابه جئته عن يمينه، فإذا العباس قائم عليه درع بيضاء كالفضة ينكشف عنها العجاج [ (2) ] ، فقلت: عمه لن يخذله! فجئته عن يساره، فإذا بأبي سفيان ابن عمه، فقلت: ابن عمه ان يخذله! فجئته من خلفه، فلم يبق إلا أن أسوره بالسيف إذ رفع لي فيما بيني وبينه شواظ [ (3) ] من نار كأنه برق، وخفت أن يمحشني [ (4) ] ، ووضعت يدي على بصري، ومشيت القهقرى والتفت إليّ وقال: يا شيب يا شيب، أدن مني، فوضع يده على صدري وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الشيطان، قال: فرفعت إليه رأسي، وهو أحب إليّ من سمعي، وبصري، وقلبي، ثم قال: يا شيب، قاتل الكفار! قال: فتقدمت بين يديه أحب واللَّه أن أقيه بنفسي وبكل شيء، فلما انهزمت هوازن، رجع إلى منزله، ودخلت عليه فقال: الحمد للَّه الّذي أراد بك خيرا مما أردت، ثم حدثني بما هممت به. وخرّج الإمام أبو بكر البيهقيّ [ (5) ] هذه القصة من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثني عبد اللَّه بن المبارك، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن شيبة بن عثمان، قال: لما رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين قد عرى، ذكرت أبي وعمي، وقتل علي وحمزة إياهما، فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، قال: فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائم عليه درع بيضاء، كأنها فضة يكشف عنها العجاج، فقلت: عمه
ولن يخذله، قال: ثم جئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، قال: ثم جئت من خلفه فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت تمحشني، فوضعت يدي على بصري، ومشيت القهقرى، والتفت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: يا شيب، يا شيب ادن مني، اللَّهمّ أذهب عنه الشيطان، قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إليّ من سمعي، وبصري وقال: يا شيب قاتل الكفار. وخرّج من طريق محمد بن يعقوب قال: حدثنا العباس بن محمد، عن محمد بن بكير الحضرميّ، عن أيوب بن جابر عن صدقة بن سعيد، عن مصعب بن شيبة، عن أبيه قال: خرجت مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم حنين، واللَّه ما أخرجني إسلام ولا معرفة به، ولكن أيقنت أن تظهر هوازن على قريش، فقلت وأنا واقف معه: يا رسول اللَّه إني أرى خيلا بلقا، قال: يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر، فضرب بيده على صدري، ثم قال: اللَّهمّ اهد شيبة، ثم ضربها الثانية، ثم قال: اللَّهمّ اهد شيبة، ثم ضربها الثالثة، فقال: اللَّهمّ اهد شيبة، فو اللَّه ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق اللَّه أحب إليّ منه، وذكر الحديث [ (1) ] [في التقاء الناس وانهزام المسلمين، ونداء العباس، واستنصار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى هزم اللَّه المشركين] [ (2) ] .
وأما إعلام الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بما قاله عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر لأهل الحصن بالطائف
وأما إعلام اللَّه- تعالى- رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم بما قاله عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر لأهل الحصن بالطائف فخرج البيهقيّ [ (1) ] من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: وأقبل عيينة بن بدر حتى جاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ائذن لي أن أكلمهم لعلّ اللَّه أن يهديهم، فأذن له، فانطلق حتى دخل عليهم الحصن، فقال: بأبي أنتم تمسكوا بمكانكم، واللَّه لنحن أذل من العبيد، وأقسم باللَّه لئن حدث به حدث، لتملكن العرب عزا ومنعة، فتمسكوا بحصنكم، وإياكم أن تعطوا بأيديكم، ولا يتكاثرون عليكم قطع هذا الشجر، ثم رجع عيينة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ماذا قلت لهم يا عيينة؟ قال: قلت لهم وأمرتهم بالإسلام ودعوتهم إليه، وحذرتهم النار، ودللتهم على الجنة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، بل قلت لهم: كذا وكذا فقصّ عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديثه، فقال: صدقت يا رسول اللَّه، أتوب إلى اللَّه- عز وجل- وإليك من ذلك، فلما أخذ الناس في القطع قال عيينة بن بدر ليعلى بن مرة: حرام عليّ أن أقطع حظي من الكرم، فقال يعلي بن مرة: إن شئت قطعت نصيبك، فماذا ترى؟ قال عيينة: أرى أن تدخل جهنم، فكانت هذه ريبة من عيينة في دينه، وسمع بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فغضب منه، وأوعد عيينة، وقال: أنت صاحب العمل أولى لك فأولى. وقال الواقدي [ (2) ] في غزوة الطائف: قالوا: وقال عيينة: يا رسول اللَّه ائذن لي حتى أتي حصن الطائف فأكلمهم، فأذن له، فجاءه فقال: أدنو منكم
وأنا آمن؟ قالوا: نعم، وعرفه أبو محجن فقال: ادن، فدنا، قال لي: ادخل، فدخل عليهم الحصن، فقال: فداءكم أبي وأمي، واللَّه لقد سرني ما رأيت منكم، واللَّه أني إلى العرب أحدا غيركم! واللَّه ما لاقي محمد مثلكم قط ولقد ملّ المقام فأثبتوا في حصنكم فإن حصنكم حصين، وسلاحكم كثير وماءكم، واتن لا تخافون قطعه، فلما خرج قالت ثقيف لأبي محجن: فإن كرهنا دخوله وخشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه فينا أو في حصننا. قال أبو محجن: أنا كنت أعرف له، ليس منا أحد أشدّ على محمد وإن كان معه، فلما رجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: ما قلت لهم؟ قال: قلت لهم ادخلوا في الإسلام، فو اللَّه لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا، فخذوا لأنفسكم أمانا قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم قينقاع، والنضير، وقريظة، وخيبر أهل الحلقة، والعدة، والآطام، فخذّلتهم ما استطعت. ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ساكت عنه حتى إذا فرغ من حديثه قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت! قلت لهم كذا وكذا للذي قال، فقال عيينة: استغفر اللَّه، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه دعني أقدمه فأضرب عنقه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، ويقال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أغلظ له يومئذ وقال: ويحك يا عيينة إنما أنت أبدا توضع في الباطل، كم لنا منك من يوم بني النضير، وقريظة، وخيبر، تجلب علينا عدونا، وتقاتلنا بسيفك، ثم أسلمت كما زعمت، فتحرض علينا عدونا! قال: أستغفر اللَّه يا أبا بكر، وأتوب إليه، لا أعود أبدا.
وأما تسبيح سارية مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف
وأما تسبيح سارية مصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالطائف فقال الواقدي [ (1) ] : وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ضرب لزوجتيه قبتين، ثم كان يصلي بين القبتين حصار الطائف كله، وقد اختلف علينا في حصاره، فقال قائل: ثمانية عشر يوما، وقال قائل: تسعة عشر يوما، وقال قائل: خمسة عشر يوما، وكل ذلك وهو يصلي بين القبتين ركعتين، فلما أسلمت ثقيف، بنى أمية ابن عمرو بن وهب بن معتب بن مالك، على مصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسجدا، وكان فيه سارية لا تطلع الشمس عليها من الدهر إلا يسمع لها نقيض [ (2) ] أكثر من عشر مرار، فكانوا يرون أنّ ذلك تسبيحا. وأما إجابة دعائه صلّى اللَّه عليه وسلّم على رجل يقوم على حصن الطائف فقال الواقدي [ (3) ] : وكان رجل يقوم على الحصن فيقول: روحوا رعاء الشاء! روحوا جلابيب محمد! روحوا عبيد محمد! أترونا نتباءس على أحبل أصبتموها من كرومنا؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ روح مروّحا إلى النار، قال سعد بن أبي وقاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: فأهوى له بسهم فوقع في نحره، فهوى من الحصن ميتا، قال: فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد سرّ بذلك.
وأما إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في هداية ثقيف ومجيئهم إليه
وأما إجابة دعائه صلى اللَّه عليه وسلّم في هداية ثقيف ومجيئهم إليه فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أقبلت امرأة من المهاجرات كانت مع زوجها في الجيش يقال لها: خولة بنت حكيم، كانت ممن بايع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكانت قبل ذلك تحت عثمان بن مظعون قبل بدر، فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف، قال: لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم، وما أظن أن نفتحها الآن، فأقبل عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلقيها خارجة من عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: هل ذكر لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا بعد؟ قالت: أخبرني أنه لم يؤذن له في قتال أهل الطائف بعد، فلما رأى ذلك عمر ابن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اجترأ على كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ألا تدعو على أهل الطائف فتنهض إليهم لعل اللَّه- عزّ وجلّ- يفتحها فإن أصحابك كثير، وقد شق عليهم الحبس، ومنعهم معايشهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لم يؤذن لنا في قتالهم، فلما رأى ذلك عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أفلا آمر الناس فلا يسرحوا ظهرهم حتى يرتحلوا بالغداة؟ قال: بلى، فانطلق عمر حتى أذن في الناس بالقفول وأمرهم أن لا يسرحوا ظهرهم، فأصبحوا وارتحل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه، ودعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حين ركب قافلا: اللَّهمّ اهدهم واكفنا مئونتهم. وقال الواقدي [ (2) ] : وجاءت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص السلمية وهي امرأة عثمان بن مظعون، فقالت: يا رسول اللَّه أعطني إن فتح اللَّه عليك حلي الفارعة بنت الخزاعي، أو بادية بنت غيلان، وكانتا من أجمل نساء
ثقيف، فقال لها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة؟ قال: فخرجت خولة فذكرت ذلك لعمر، فدخل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على رسول اللَّه ولم يؤذن لك فيهم؟ قال: لا، قال: أفلا أؤذن في الناس بالرحيل؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بلى، فأذن عمر بالرحيل، فجعل المسلمون يتكلمون، يمشي بعضهم إلى بعض، فقالوا: ننصرف ولا نفتح الطائف! لا نبرح حتى تفتح علينا، واللَّه إنهم أذل وأقل من لاقينا، قد لقينا جمع مكة، وجمع هوازن، ففرق اللَّه تلك الجموع، وإنما هؤلاء ثعلب في جحر لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا، وكثر القول بينهم والاختلاف، فمشوا إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكلموه [ (1) ] ، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] : اللَّه ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء. فكلموا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأبى وقال: قد رأينا الحديبيّة وداخلني في الحديبيّة من الشك ما لا يعلمه إلا اللَّه، وراجعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يومئذ بكلام، ليت أني لم أفعل وأن أهلي ومالي ذهبا، ثم كانت الخيرة لنا من اللَّه فيما صنع، فلم يكن فتح كان خيرا للناس من صلح الحديبيّة بلا سيف، دخل فيه من أهل الإسلام مثل من كان دخل من يوم بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، إلى يوم كتب الكتاب، فاتهموا الرأي، والخيرة فيما صنع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولن أراجعه في شيء من ذلك الأمر أبدا، والأمر أمر اللَّه، وهو يوحي إلى نبيه ما يشاء. وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد قال لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إني رأيت، أني أهديت لي قعبة [ (3) ] مملوءة زبدا، فنقرها ديك فأهراق ما فيها، قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما أظن أن تدرك منهم يا رسول اللَّه يومك هذا ما تريد، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وأنا لا أرى ذلك.
[قال الواقدي] [ (1) ] حدثني كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما مضت خمس عشرة ليلة من حصارهم استشار رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نوفل بن معاوية الديليّ فقال: يا نوفل ما [تقول أو] ترى؟ فقال: يا رسول اللَّه ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك شيء، قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ولم يؤذن لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في فتحها. قال وأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عمر فأذن في الناس بالرحيل، فجعل الناس يضجون من ذلك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فاغدوا على القتال، فغدوا، فأصابت المسلمين جراحات، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنا قافلون إن شاء اللَّه، فسروا بذلك وأذعنوا [ (2) ] ، وجعلوا يرحلون، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يضحك، فلما استقل الناس لوجههم نادى سعد بن عبيد بن أسيد بن عمرو بن علاج الثقفي قال: ألا إن الحي مقيم. قال: يقول عيينة بن حصن: أجل واللَّه مجدة كرام، فقال له عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قاتلك اللَّه، تمدح قوما مشركين بالامتناع من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد جئت تنصره؟ فقال: إني واللَّه ما جئت معكم أقاتل ثقيفا، ولكن أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب جارية من ثقيف فأطأها لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفا قوم مباركون. قال: فأخبر عمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بمقالته فتبسم صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم قال: هذا الأحمق [ (3) ] المطاع، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا: قولوا: لا إله إلا اللَّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فلما ارتحلوا واستقلوا قال: قولوا آئبون إن شاء اللَّه تائبون، عابدون
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن ذي الخويصرة بأنه وأصحابه يمرقون من الدين فكان كما أخبر
لربنا حامدون، ولما ظعن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الطائف قيل: يا رسول اللَّه ادع اللَّه على ثقيف فقال: اللَّهمّ اهد ثقيفا وائت بهم [ (1) ] . وقال ابن إسحاق [ (2) ] : حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم وعبد اللَّه بن المكرم عمن أدركوا من أهل العلم، قالوا: حاصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا من ذلك، ثم انصرفوا عنهم ولم يؤذن فيهم، فقدم المدينة فجاءه وفدهم في رمضان فأسلموا. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن ذي الخويصرة بأنه وأصحابه يمرقون من الدين فكان كما أخبر يروي قتيبة بن سعيد وأبو خيثمة وإسحاق بن إبراهيم الحنظليّ وعثمان ابن أبي شيبة قالوا جميعا: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه يعني ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالوا: لما كان يوم حنين آثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى ناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: واللَّه إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه اللَّه! قال: فقلت: واللَّه لأخبرن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتيته فأخبرته بما قال الرجل، فتغيّر وجهه حتى صار كالصرف، قال: فمن يعدل إذا لم يعدل اللَّه
ورسوله؟ ثم قال: يرحم اللَّه موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر، قال: فقلت: لا جرم، لا أرفع إليه بعد هذا حديثا [ (1) ] . لفظ أبي خيثمة: وقال إسحاق مثل ذلك إلا أنه قال: وآثر ناسا من أشراف العرب، وقال: أو ما أريد به وجه اللَّه، وحديث قتيبة وعثمان على لفظ أبي خيثمة إلا أنهما قالا: أو ما أريد به وجه اللَّه- تعالى-، رواه البخاريّ [ (2) ] ، في (الصحيح عن قتيبة) ، ورواه مسلم [ (3) ] ، عن أبي خيثمة وإسحاق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة، وذكر الواقدي أن المتكلم بهذا معتب ابن قشير العمري [ (4) ] . وقال يحيى بن بكير ومحمد بن رمح: حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أتى رجل بالجعرانة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد: اعدل، فقال: ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: دعني يا رسول اللَّه فأقتل هذا المنافق، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: معاذ اللَّه أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا
وأصحابه يقرءون القرآن، لا يجاوز خناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية، لفظ حديث ابن رمح، خرّجه عنه مسلم [ (1) ] . وقال يونس بن بكير: عن ابن إسحاق قال: حدثني أبو عبيدة بن محمد ابن عمار بن ياسر عن مقسم أبي القاسم مولى عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل قال: خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي، فلقينا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يطوف بالكعبة معلقا نعليه في يده، فقلنا له: هل حضرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وعنده ذو الخويصرة التميمي يكلمه؟ قال: نعم، ثم حدثنا فقال: أتى ذو الخويصرة التميمي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقسم المقاسم بحنين، فقال: يا محمد! قد رأيت ما صنعت قال: وكيف رأيت؟ قال: ما رأيتك عدلت، فغضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه ألا أقوم إليه فأضرب عنقه؟ فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعه عنك، فإنه سيكون لهذا شيعة يتعمقون في الدين حتى يمرقوا كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل فلا تجد شيئا، وتنظر في القدح فلا تجد شيئا، ثم تنظر في الفوق فلا تجد شيئا، سبق الفرث والدم [ (2) ] . وروي بشر بن شعيب بن أبي حمزة، عن أبيه، عن الزهريّ قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بينا نحن عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقسم قسما إذ أتاه ذو الخويصرة- رجل من بني تميم- فقال: يا رسول اللَّه! اعدل، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟ وقد خبت وخسرت إن لم أعدل. قال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه ائذن لي فيه أضرب عنقه، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم، صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن، لا
يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافة فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد فيه شيء، ثم في قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأشهد أن عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاتلهم وأنا معه، وأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي نعت [ (1) ] . خرّجه البخاريّ عن أبي اليمان، عن شعيب، وأخرجاه من وجه آخر عن الزهريّ، فأخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم بخروج قوم فيهم رجل مخدّج اليد، عند افتراق يكون بين المسلمين، وأنه يقتلهم أولى الطائفتين بالحق فكان كذلك، وخرجوا حين وقعت الفرقة بين أهل العراق وأهل الشام، وقتلهم أولى الطائفتين بالحق، وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ووجدوا المخدّج كما وصف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكان ذلك علم من أعلام النبوة ظهر بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، وسيأتي مزيد بيان لهذا إن شاء اللَّه تعالى.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي بأن قومه يقتلونه فكان كذلك
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عروة بن مسعود الثقفيّ بأن قومه يقتلونه فكان كذلك فقال ابن لهيعة: عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير قال: فلما صدر أبو بكر وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأقاما [ (1) ] للناس الحج، قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مسلما [ (2) ] ، وقال موسى بن عقبة: وأقام أبو بكر للناس حجتهم [ (3) ] ، وقدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم استأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليرجع إلى قومه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائما ما أيقظوني، فأذن له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجع إلى الطائف وقدم الطائف عشيا، فجاءته ثقيف فحيوه، ودعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فاتهموه، وعصوه، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه، فخرجوا من عنده حتى إذا أسحر [ (4) ] وطلع الفجر قام على غرفة له في داره، فأذن بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فزعموا أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين بلغه قتله، قال: مثل عروة مثل صاحب ياسين حين دعا قومه إلى اللَّه فقتلوه [ (5) ] . وقال الواقدي [ (6) ] :
قالوا: كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات [ (1) ] والمنجنيق [ (2) ] ، ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فعمل المنجنيق والدبابات والعرادات [ (3) ] ، وأعد ذلك حتى قذف اللَّه في قلبه الإسلام. فقدم المدينة على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه ائذن لي فأتي قومي فأدعوهم إلى الإسلام، فو اللَّه ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب، فأقدم على أصحابي وقومي بخير قادم، وما قدم وافد قط على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به، وقد سبقت يا رسول اللَّه في مواطن كثيرة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنهم إذا قاتلوك، قال: يا رسول اللَّه لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم. ثم استأذنه الثانية، فأعاد عليه الكلام الأول، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنهم إذا قاتلوك. فقال: يا رسول اللَّه لو وجدوني نائما ما أيقظوني، واستأذنه الثالثة فقال: إن شئت فاخرج. فخرج إلى الطائف فسار إليها خمسا، فقدم على قومه عشاء فدخل منزله، فأنكر قومه دخوله منزله من قبل أن يأتي الربة [ (4) ] ، ثم قالوا: السفر قد حصره [ (5) ] ، فجاءوا منزله، فحيوه بتحية الشرك، فكان أول ما أنكر عليهم تحية الشرك، فقال: عليكم تحية أهل الجنة، ثم دعاهم إلى الإسلام وقال: يا قوم أتتهمونني؟ ألستم تعملون أني أوسطكم نسبا، وأكثركم مالا، وأعزكم نفرا؟ فما حملني على الإسلام إلا أني رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب، وأقبلوا
فما حملني على الإسلام إلا أن رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب، وأقبلوا نصحي ولا تستعصوني، فو اللَّه ما قدم وافد قط على قوم بأفضل مما قدمت به عليكم، فاتهموه، واستغشوه، وقالوا: قد واللات وقع في أنفسنا حيث لم تقرب الربة، ولم تحلق رأسك عندها أنك قد صبوت فآذوه ونالوا منه، وحلم عليهم، فخرجوا من عنده يأتمرون كيف يصنعون به حتى إذا طلع الفجر أوفى على غرفة له، فأذّن بالصلاة، فرماه رجل من رهطه من الأحلاف يقال له: وهب ابن جابر، ويقال: الّذي رماه أوس بن عوف بن بني مالك، وهذا أثبت عندنا. وكان عروة رجل من الأحلاف فأصاب أكحله [ (1) ] فلم يرقأ دمه [ (2) ] وحشد قومه في السلاح وجمع الآخرون وتجايشوا، فلما رأى عروة ما يصنعون قال: لا تقتتلوا فيّ، فإنّي قد تصدقت بدمي على صاحبه ليصلح بذلك نبيكم، فهي كرامة اللَّه أكرمني بها، الشهادة ساقها اللَّه إليّ، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، واللَّه خبرني عنكم هذا أنكم تقتلونني، ثم قال لرهطه: ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يرتحل عنكم، قال: فدفنوه معهم، وبلغ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قتله، فقال: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى اللَّه- تعالى- فقتلوه. ويقال: إن عروة لم يقدم المدينة وإنما لحق رسول اللَّه بين مكة والمدينة فأسلم، ثم انصرف، والقول الأول أثبت عندنا، فلما قتل عروة قال ابنه أبو مليح بن عروة بن مسعود وابن أخيه قارب بن الأسود بن مسعود لأهل الطائف: لا نجامعكم على شيء أبدا، وقد قتلتم عروة، ثم لحقا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلما، فقال لهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: توليا من شئتما، قالا: نتولى اللَّه ورسوله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: وخالكما أبو سفيان بن حرب، حالفاه ففعلا، ونزلا على المغيرة بن شعبة، فأقاما بالمدينة حتى قدم وفد ثقيف في رمضان سنة تسع واللَّه- تعالى- أعلم.
وأما إجابة الله تعالى دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم على حارثة بن عمرو
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله صلى اللَّه عليه وسلم على حارثة بن عمرو فقال الواقدي [ (1) ] : حدثني رشيد أبو موهوب، عن جابر بن أبي سلمى وعنبسة بن أبي سلمى قالا: كتب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى حارثة بن عمرو بن قريظ يدعوهم إلى الإسلام فأخذوا صحيفته فغسلوها، ورقعوا بها است دلوهم، وأبوا أن يجيبوا، فقالت أم حبيب بنت عامر بن خالد بن عمرو بن قريط بن عبد بن أبي بكرة وخاصمتهم في بيت لها فقالت فيه شعرا. قالوا: فلما فعلوا بالكتاب ما فعلوا، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: ما لهم أذهب اللَّه بعقولهم فهم أهل رعدة وعجلة، وكلام مختلط، وأهل سفه، وكان الّذي جاءهم بالكتاب رجل من عرينة يقال له: عبد اللَّه بن عوسجة، لمستهل ربيع الأول سنة تسع. قال الواقدي- رحمه اللَّه-: رأيت بعضهم عييا لا يبين الكلام، واللَّه تعالى أعلم.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر - رضى الله تبارك وتعالى عنه - بما قال المنافقون في مسيرهم إلى تبوك
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عمار بن ياسر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما قال المنافقون في مسيرهم إلى تبوك فقال الواقدي [ (1) ] : قالوا: وكان رهط من المنافقين يسيرون مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في تبوك، منهم وديعة بن ثابت، أحد بني عمرو بن عوف، والجلاس بن سويد بن الصامت، ومخشيّ بن حميّر من أشجع، حليف لبني سلمة، وثعلبة ابن حاطب، فقال ثعلبة: تحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم؟ واللَّه لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال إرجافا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وترهيبا للمؤمنين، فقال وديعة بن ثابت: ما لي أرى قرءانا هؤلاء أوعبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء؟ وقال الجلاس بن سويد- وكان زوج أم عمير وكان ابنها عمير يتيما في حجره-: هؤلاء سادتنا وأشرافنا وأهل الفضل منا، واللَّه لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! فقال مخشيّ بن حمير: واللَّه لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وأنا ننفلت من أن ينزل فينا القرآن بمقالتكم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لعمار بن ياسر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أدرك القوم فإنّهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قد قلتم كذا وكذا، فذهب إليهم عمار فقال لهم، فأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على ناقته قد أخذ بحقب ناقة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ورجلاه تنسفان الحجارة وهو يقول: يا رسول اللَّه إنما كنا نخوض ونلعب، ولم يلتفت إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأنزل اللَّه- تعالى- فيه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [ (2) ] إلى قوله- تعالى-: كانُوا مُجْرِمِينَ [ (3) ] ، ورد عمير على الجلاس ما قال حين قال: لنحن شر من
الحمير، قال: فأنت شر من الحمار، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الصادق وأنت الكاذب، وجاء الجلاس إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فحلف ما قال من ذلك شيئا فانزل اللَّه- تعالى- على نبيه فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (1) ] ونزلت فيه أيضا: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ... الآية، وكان للجلاس دية في الجاهلية على بعض قومه وكان محتاجا، فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة أخذها له فاستغنى بها، وقال مخشي بن حمير: قد واللَّه يا رسول اللَّه قعد بي اسمي واسم أبي، فكان الّذي عفى عنه في هذه الآية مخشيّ بن حميّر فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عبد الرحمن أو عبد اللَّه وسأل اللَّه- تعالى- أن يقتل شهيدا ولا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر. ويقال في الجلاس بن سويد: إنه كان ممن تخلف من المنافقين في غزوة تبوك فكان يثبط الناس عن الخروج، وكانت أم عمير تحته وكان عمير يتيما في حجره ولا مال له، فكان يكفله ويحسن إليه، فسمعه وهو يقول: واللَّه لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير! فقال له عمير: يا جلاس قد كنت أحب الناس إليّ، وأحسنهم عندي أثرا، وأعزهم عليّ أن يدخل عليه شيء نكرهه، واللَّه لقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك، ولئن كتمتها لأهلكن، وإحداهما أهون عليّ من الأخرى! فذكر للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم الجلاس، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أعطى الجلاس مالا من الصدقة لحاجته وكان فقيرا فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الجلاس فسأله عما قال عمير فحلف باللَّه ما تكلم به قط، وأن عميرا لكاذب- وهو عمير بن سعيد- وهو حاضر عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقام وهو يقول: اللَّهمّ أنزل على رسولك بيان ما تكلمت به، فأنزل اللَّه- تعالى- على نبيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ إلى قوله: أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ، للصدقة التي أعطاها النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال الجلاس: اسمع! اللَّه قد عرض علي التوبة، واللَّه لقد قلت ما قال عمير ولما اعترف بذنبه وحسنت توبته ولم يمتنع عن خير كان يصنعه إلى عمير بن سعيد، فكان ذلك مما قد عرفت به توبته. واللَّه- سبحانه وتعالى- أعلم.
وأما إخباره لأبى ذر [الغفاري] بأنهم يخرجون من المدينة فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم
وأما إخباره لأبى ذر [الغفاريّ] بأنهم يخرجون من المدينة فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث هاشم، عن عبد الحميد، عن شهر حدثتني أسماء [بنت يزيد] أن أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا فرغ من خدمته آوى إلى المسجد فكان هو بيته يضطجع فيه، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ليلة فوجده منجدلا في المسجد فنكته برجله حتى استوى جالسا، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا أراك نائما في المسجد؟ قال أبو ذر: يا رسول اللَّه وأين أنام؟ وهل لي بيت غيره؟ فجلس إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: كيف أنت إذا أخرجوك منه قال: إذا ألحق بالشام، فإن الشام أرض الهجرة، وأرض المحشر، وأرض الأنبياء، فأكون رجلا من أهلها، فقال: كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟ قال: إذا أرجع إليه فيكون بيتي ومنزلي، قال: فكيف بك إذا أخرجوك منه الثانية؟ قال: إذا آخذ سيفي فأقاتل عني [حتى أموت قال:] فكشر إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأثبته بيده، فقال: أدلك على خير من ذلك؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه قال: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك، حتى تلقاني وأنت على ذلك. قال جامعه: قد صدق اللَّه- تعالى- ورسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما أخبر به أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من إخراجهم له من الشام والمدينة، وذلك أنه أخرج من المدينة أولا في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الشام لإنكاره أشياء من سيرته، فأقام بها، فأنكر على معاوية بن أبي سفيان وهو يومئذ أمير الشام، فشكاه إلى عثمان، فأمره بحمله إليه، فحمله إلى المدينة، فأخذ يطعن على عثمان، فأخرجه من المدينة، وأسكنه
الرَّبَذَة حتى مات، وقد ذكرته في كتاب (التاريخ الكبير المقفى [ (1) ] ) ذكرا مستوفي. وخرّج ابن حبان في (صحيحه) من حديث النضر بن شميل، عن كهمس بن الحسن [القيسيّ] ، عن أبي السليل ضريب بن نقير القيسيّ قال: قال أبو ذر: جعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتلو هذه الآية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [ (2) ] [فجعل يرددها] حتى نعست فقال: يا أبا ذر لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم، ثم قال: يا أبا ذر كيف تصنع إذا أخرجت من المدينة؟ قلت: إلى السعة والدعة، أكون حماما من حمام مكة، قال: فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة؟ قلت: إلى السعة والدعة، إلى أرض الشام والأرض المقدسة، قال: فكيف تفعل إذا أخرجت منها؟ قال: [إذا] والّذي بعثك بالحق آخذ سيفي فأضعه على عاتقي، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أو خير من ذلك، تسمع وتطيع لعبد حبشيّ مجدّع [ (3) ] ، واللَّه- تعالى- أعلم.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن أبي ذر رضي الله تبارك وتعالى عنه بأنه يموت وحده فكان كما قال
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أبي ذر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بأنه يموت وحده فكان كما قال فروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان الأسلميّ، عن محمد بن كعب القرظيّ، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما نفى عثمان أبا ذرّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- إلى الرَّبَذَة [ (1) ] ، وأصابه بها قدره، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه، فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا ذلك به، ثم وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد اللَّه ابن مسعود في رهط من أهل العراق عمار، فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق، قد كادت الإبل تطؤها، وقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعينونا أعلى دفنه، قال فاستهل عبد اللَّه بن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، تمشى وحدك، وتموت وحدك، وتبعث
وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد اللَّه بن مسعود حديثه، وما قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى تبوك [ (1) ] . ثم قال ابن إسحاق [في خبر أبي ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في غزوة تبوك] : ثم مضى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سائرا، فجعل يتخلف عنه الرجل، فيقولون: يا رسول اللَّه، تخلف فلان، فيقول: دعوه، فإن بك فيه خير فسيلحقه اللَّه- تعالى- بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه، حتى قيل: يا رسول اللَّه! قد تخلف أبو ذرّ، وأبطأ به بعيره، فقال: إن يك فيه خير فسيلحقه اللَّه بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم اللَّه منه. وتلوم [ (2) ] أبو ذر على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ماشيا، ونزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول اللَّه، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول اللَّه هو واللَّه أبو ذرّ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كن [ (3) ] أبا ذرّ، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رحم اللَّه أبا ذرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده [ (4) ] . قال الواقدي في (مغازيه) : وكان أبو ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري كان نضوا أعجف [ (5) ] ، فقلت: أعلفه أياما، ثم ألحق برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فعلفته أياما، ثم خرجت، فلما كنت في ذي المروة عجز بي فتلومت عليه يوما فلم أر به حركة، فأخذت متاعي فحملته [ (6) ] على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ماشيا في حرّ شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحدا يلحقنا من المسلمين، فطلعت على رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نصف النهار وقد بلغ مني العطش فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول اللَّه! إن هذا الرجل يمشي وحده، فجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: كن أبا ذر، فلما تألمني القوم قالوا: يا رسول اللَّه! هذا أبو ذر، فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى دنوت منه فقال: مرحبا بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعزّ أهلي عليّ تخلفا، لقد غفر اللَّه لك يا أبا ذرّ بكل خطوة ذنبا إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى [ (1) ] فأتي بإناء من ماء فشربه. فلما أخرجه عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الرَّبَذَة وأصابه قدره، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما فقال: غسلاني وكفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق إذا أنا مت. وأقبل ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رهط من أهل العراق عمارا، فلم يرعهم إلا بالجنازة على قارعة الطريق قد كادت الإبل تطؤها، فسلم القوم، فقام إليهم غلامه فقال لهم: هذا أبو ذر صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأعينوني عليه، فاستهل ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يبكي ويقول: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يمشي أبو ذر وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ثم نزل هو وأصحابه حتى واروه، ثم حدثهم ابن مسعود حديثه وما قال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسيره إلى تبوك [ (2) ] . وذكر أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر، حديث عليّ بن المديني قال: حدثنا يحيى بن سليم [الطائفي] [ (3) ] قال: حدثني عبد اللَّه بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذرّ زوجة أبي ذر قالت: لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت، فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا لي ولا لك؟ ولا يد لي للقيام بجهازك، قال: فأبشري لا تبكي، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول:
لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران يحتسبان فيريان النار أبدا، وقد مات لنا ثلاثة من الولد، وإني سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، فأنا ذلك الرجل، فو اللَّه ما كذبت ولا كذبت، فأبصري الطريق، قلت: أنّي وقد ذهب الحاجّ وتقطعت الطريق؟ قال: اذهبي فتبصري، قالت: فكنت أشتدّ إلى الكثيب فأنظر، ثم أرجع إليه فأمرضه، فبينا أنا كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرّخم [ (1) ] تحث بهم رواحلهم، فأسرعوا إليّ حتى وقفوا عليّ فقالوا: يا أمة اللَّه! مالك؟ قالت: امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه؟ قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت: نعم، قالت: ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم: أبشروا فإنّي سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة واللَّه ما كذبت ولا كذبت، ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها، وإني أنشدكم اللَّه أن يكفني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار فقال: أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا، وفي ثوبين من عيبتي من غزل أمي، قال: أنت تكفنني [يا بني] [ (2) ] ، قال: فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان [ (3) ] .
وأما خرصه صلى الله عليه وسلم حديقة المرأة وإخباره بهبوب ريح شديدة فكان كما قال
وقد خرّجه الحاكم في (مستدركه) [ (1) ] أيضا من حديث ابن المديني نحوه سواء، واللَّه أعلم. وأما خرصه صلّى اللَّه عليه وسلّم حديقة المرأة وإخباره بهبوب ريح شديدة فكان كما قال فخرّج البخاريّ في كتاب الزكاة في باب خرص
التمر [ (1) ] وفي كتاب الجزية [ (1) ] من حديث سهل بن بكار، عن وهيب، عن عمر بن يحيي، عن
عباس الساعدي، عن أبي حميد الساعدي [ (1) ] قال: غزونا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لأصحابه: اخرصوا، وخرص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرة أوسق، وقال لها: أحصي ما يخرج منها فلما أتينا تبوك قال: أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد، ومن كان معه بعير فليعقله، فعقلناها، وهبت ريح شديدة، فقام رجل فألقته بجبل طيِّئ، وأهدى ملك أيلة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكنت له ببحرهم، فلما أتى وادي القرى قال للمرأة: كم جاء حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق خرص رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني متعجل إلى المدينة، فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل. فلما- قال ابن بكار: كلمة معناها- أشرف على المدينة قال: هذه طابة، فلما رأى أحدا قال: هذا جبل يحبنا ونحبه، ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟ قالوا: بلى، قال: دور بني النجار، ثم دور بني عبد الأشهل، ثم دور بني ساعدة، أو دور بني الحارث بن الخزرج، وفي كل دور الأنصار يعني خيرا، وقال سليمان بن بلال: حدثني عمرو، ثم دور بني الحارث، ثم بني ساعدة. وقال سليمان: عن سعد بن سعيد، عن عمارة بن غزية، عن عباس، عن أبيه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أحد جبل يحبنا ونحبه، قال أبو عبد اللَّه: كل بستان عليه حائط فهو حديقة، وما لم يكن عليه حائط لم يقل حديقة [ (2) ] .
لم يذكر منه في كتاب الجزية غير قوله: غزونا مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تبوك، وأهدى ملك أيلة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم ولم يزد على ذلك [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي حميد قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم غزوة تبوك، فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اخرصوها فخرصناها، وخرصها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عشرة أوسق، قال: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء اللَّه، وانطلقنا حتى أتينا تبوك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيِّئ، وجاء رسول ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بكتاب وأهدي له بغله بيضاء، فكتب إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأهدى له بردا، ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى، فسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها؟ فقالت: عشرة أوسق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع معي ومن شاء فليمكث، فخرجا حتى أشرفنا على المدينة، فقال: هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه، ثم قال: إن خير دور الأنصار دار بني النجار، ثم دار بني عبد الأشهل، ثم دار بني عبد الحارث بن الخزرج، ثم دار بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير، فلحقنا سعد بن عبادة فقال أبو أسيد: ألم تر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيّر دور الأنصار فجعلنا آخرا! فأدرك سعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال يا رسول اللَّه: خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخرا! فقال: أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار [ (2) ] .
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر حزم، عن العباس بن سهل بن سعيد الساعدي، أو عن العباس، عن سعد بن سهل- الشك مني- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين مر بالحجر ونزلها واستسقى الناس من بئرها فلما راحوا منها قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم للناس: لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له، ففعل الناس ما أمرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلا رجلين من بني ساعدة، خرج أحدهم لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الّذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الّذي ذهب في طلب بعيره فاحملته الريح حتى طرحته بجبلي طيِّئ، فأخبر بذلك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد [ (1) ] إلا ومعه صاحبه، ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفى، وأما الآخر الّذي وقع بجبلي طيِّئ فإن طيِّئا أهدته إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم من تبوك [ (2) ] . قال عبد اللَّه بن أبي بكر: قد سمي إليّ العباس الرجلين، ولكنه استودعني إياهما فأبى أن يسميهما لنا [ (3) ] . وقال الواقدي في (مغازيه) [ (4) ] : قال أبو حميد الساعدي: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى تبوك، فلما جئنا وادي القرى مررنا على حديقة لامرأة فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اخرصوها، فخرصها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وخرصناها معه، عشرة أو ساق ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: احفظي ما خرج منها حتى نرجع إليك، فلما أمسينا بالحجر قال: إنها ستهبّ الليلة ريح شديدة فلا يقومن منكم أحد إلا معه صاحبه، ومن كان له بعير فليوثق عقاله، قال: وهاجت ريح شديدة، قال:
ولم يقم أحد إلا مع صاحبه إلا رجلين من بني ساعدة، خرج أحدهما لحاجته، وخرج الآخر في طلب بعيره، فأما الّذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الّذي ذهب في طلب بعيره، فاحتملته الرياح فطرحته بجبليّ طيِّئ، فأخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خبرهما، فقال: ألم أنهكم أن يخرج أحد إلا ومعه صاحب، ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفى، وأما الآخر الّذي وقع بجبليّ طيِّئ فإن طيِّئا أهدته للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة، واللَّه- تعالى- أعلم.
وأما صلاته صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك على معاوية بن معاوية وقد مات بالمدينة
وأما صلاته صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو بتبوك على معاوية بن معاوية وقد مات بالمدينة فروى الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ (1) ] ، والحافظ أبو بكر البيهقيّ [ (2) ] من حديث عثمان بن الهيثم، عن محبوب بن هلال، عن [ابن] أبي ميمونة، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: نزل جبريل- عليه السلام- على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا محمد مات معاوية بن معاوية المزني، [أفتحب] أن تصلي عليه؟ قال: نعم، فضرب بجناحه الأرض فلم تبق شجرة، ولا أكمة إلا تضعضعت، ورفع إليه سريره حتى نظر إليه فصلّى عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لجبريل: يا جبريل [بم نال] هذه المنزلة [من اللَّه] ؟ قال: بحبه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ (3) ] وقراءته إياها جائيا، وذاهبا، وقائما، وقاعدا، وعلى كل حال. السياق لابن عبد البر. وزاد البيهقي من حديث الحسن بن محمد الزعفرانيّ قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن العلاء أبي محمد الثقفي، قال: سمعت أنس بن مالك قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور، ولم أرها طلعت فيما مضى، [فأتى جبريل- عليه السلام- رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا جبريل ما لي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت فيما مضى] ؟ قال: ذلك أن معاوية بن معاوية الليثي مات اليوم بالمدينة، فبعث اللَّه سبعين ألف ملك يصلون عليه، قال: وفيم ذاك قال: كان يكثر قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بالليل وبالنهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول
اللَّه أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال: نعم، قال: فصلّى عليه، ثم رجع. قال أبو عمر: العلاء أبو محمد الثقفي هو العلاء بن يزيد الثقفي أبو محمد، يروي عن أنس، روى عن يزيد بن هارون وعثمان بن مطيع، في حديثه مناكير، كان محمد يتكلم فيه. وخرّجه أيضا من حديث بقية بن الوليد قال: حدثنا محمد بن زياد، عن أبي أمامة الباهلي قال: أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جبريل- عليه السلام- وهو بتبوك فقال: يا محمد اشهد جنازة معاوية بن مقرن المزني، قال: فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في أصحابه، ونزل جبريل في سبعين ألفا من الملائكة، فوضع جناحه الأيمن على الجبال فتواضعت، ووضع جناحه الأيسر على الأرض فتواضعت، حتى نظر إلى مكة والمدينة، فصلّى عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجبريل والملائكة، فلما فرغ قال: يا جبريل بم بلغ معاوية بن مقرن هذه المنزلة، قال: بقراءته: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قائما، وقاعدا، وراكبا، وماشيا [ (1) ] . قال أبو عمر بن عبد البر: أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية، ولولا أنها في [غير] [ (2) ] الأحكام لم يكن في شيء منها حجة، ومعاوية بن مقرن المزني وإخوته: النعمان، وسويد، ومعقل، وسائرهم وكانوا سبعة معروفون في الصحابة مذكورون في كبارهم، وأما معاوية بن معاوية فلا أعرفه بغير ما ذكرت في هذا [الكتاب] [ (3) ] ، وفضل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ لا ينكر. قال أبو عمير: معاوية بن معاوية المزني، ويقال: الليثي، ويقال: معاوية بن مقرن المزني، وهو أولى بالصواب إن شاء اللَّه، توفي في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، روى حديثه أنس بن مالك وأبو أمامه واختلفت الآثار في ذلك.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين بعثه إلى أكيدر بدومة الجندل بأنه يجده يصيد البقر فوجده كما قال
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد حين بعثه إلى أكيدر بدومة الجندل بأنه يجده يصيد البقر فوجده كما قال فروى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق [ (1) ] قال: حدثني يزيد بن رومان وعبد اللَّه بن أبي بكر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة كان ملكا على دومة وكان نصرانيا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر، فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين في ليلة مقمرة صافية وهو على سطح ومعه امرأته، فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر، فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا واللَّه، قالت: فمن يترك مثل هذا؟ قال: لا أحد، فنزل فأمر بفرسه فأسرج وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له: حسان، فخرجوا معهم بمطاردهم فتلفقتهم خيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأخذته وقتلوا أخاه حسان، وكان عليه قباء من ديباج مخوّص بالذهب، فاستلبه خالد بن الوليد، فبعث به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل قدومه به عليه، ثم إن خالدا قدم بالأكيدر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحقن له دمه وصالحه على الجزية، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته، فقال رجل من طيِّئ يقال له: بجير بن بجرة يذكر قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته لتصديق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تبارك سائق البقرات إني ... رأيت اللَّه يهدي كل هاد ومن يك عائدا عن ذي تبوك ... فإنا قد أمرنا بالجهاد زاد فيه غيره: فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا يفضض اللَّه، فاك فأتى عليه تسعون سنة فما تحرك له ضرس ولا سن.
وقال الواقدي في (مغازيه) [ (1) ] حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومحمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، ومعاذ بن محمد، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة، وإسماعيل ابن إبراهيم، عن موسى بن عقبة، فكل قد حدثني من هذا الحديث بطائفة، وعماده حديث ابن أبي حبيبة. قالوا: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خالد بن الوليد من تبوك في أربعمائة وعشرين فارسا إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل- وكان أكيدر من كندة قد ملكهم وكان نصرانيا- فقال خالد: يا رسول اللَّه، كيف لي به وسط بلاد كلب، وإنما أنا في أناس يسير؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ستجده يصيد البقر فتأخذه. قال: فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة، وهو على سطح له ومعه امرأته الرباب بنت أنيف بن عامر من كندة، وصعد على ظهر الحصن من الحر، وقينته تغنبه، ثم دعا بشراب فشرب، فأقبلت البقر تحك بقرونها باب الحصن، فأقبلت امرأته الرباب فأشرفت على الحصن فرأت البقر، فقالت: ما رأيت كالليلة في اللحم، هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا، ثم قالت: من يترك هذا؟ قال: لا أحد. قال: يقول أكيدر: واللَّه ما رأيت جاءنا بقر غير تلك الليلة ولقد كنت أضمّر لها الخيل إذا أردت أخذها شهرا أو أكثر، ثم أركب بالرجال وبالآلة. قال: فنزل، فأمر بفرسه فأسرج، وأمر بخيل فأسرجت، وركب معه نفر من أهل بيته، معه أخوه حسان ومملوكان، فخرجوا من حصنهم بمطاردهم [ (2) ] ، فلما فصلوا من الحصن وخيل خالد تنتظرهم لا يصهل منها فرس ولا يتحرك، فساعة فصل أخذته الخيل، فاستأسر أكيدر، وامتنع حسان فقاتل حتى قتل، وهرب المملوكان ومن كان معه من أهل بيته، فدخلوا
الحصن، وكان على حسان قباء ديباج مخوّص بالذهب، فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مع عمرو بن أمية الضمريّ حين قدم عليهم فأخبرهم بأخذهم أكيدر. قال أنس بن مالك وجابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: رأينا قباء حسان أخي أكيدر حين قدم به إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فجعل المسلمون يتلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: تعجبون من هذا؟ والّذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا. وقد كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لخالد بن الوليد: إن ظفرت بأكيدر فلا تقتله، وائت به إليّ فإن أبي فاقتلوه، فطاوعهم. فقال بجير بن بجرة من طيِّئ، يذكر قول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لخالد: إنك تجده يصيد البقر وما صنع البقر تلك الليلة بباب الحصن تصديق قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال شعرا. وقال خالد لأكيدر: هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على أن تفتح لي دومة؟ قال: نعم، ذلك لك، فلما صالح خالد أكيدر، وأكيدر في وثاقه انطلق به خالد حتى أدناه من باب الحصن ونادى أكيدر أهله: افتحوا باب الحصن فأرادوا ذلك فأبى عليهم أخو أكيدر، فقال أكيدر لخالد: تعلم واللَّه لا يفتحون لي ما رأوني في وثاقك، فخل عني فلك اللَّه والأمانة أن أفتح لك باب الحصن إن أنت صالحتني على أهله، قال خالد: فإنّي أصالحك، فقال أكيدر: إن شئت حكمتك، وإن شئت حكمتني، قال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت فصالحه على ألفي بعير، وثماني مائة رأس وأربعمائة درع، وأربعمائة رمح، على أن ينطلق به وأخيه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فيحكم فيهما حكمه. فلما قاضاه خالد على ذلك خلى سبيله ففتح الحصن فدخل خالد وأوثق مضادا أخا أكيدر، وأخذ ما صالح عليه من الإبل والرقيق والسلاح، ثم خرج قافلا إلى المدينة ومعه أكيدر، فلما قدم بأكيدر على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صالحه على
الجزية، وحقن دمه ودم أخيه، وخلى سبيلها، وكتب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتابا فيه أمانهم وما صالحهم، وختمه يومئذ بظفره [ (1) ] . وذكر ابن الكلبي أن أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منع أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما صالح عليه فأخرج من جزيرة العرب من دومة ولحق الحيرة وابتنى بها بناء وسماه دومة، بدومة الجندل، وفي (كتاب الفتوح) : أن خالد بن الوليد لما خرج إلى دومة الجندل وبها أكيدر هذا والجودي بن ربيعة جمع كثير قال أكيدر: لا أحد فمن نقيه من خالد ولا يرى وجهه أحد إلا انهزم فلا تقاتلوا، فعصوه فتركهم، وخرج فأخذته خيل خالد فقتلته، ثم قتل خالد الجودي وفتح دومة.
وأما أكل طائفة من سبع ثمرات غير مرة حتى شبعوا - وهم بتبوك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وإذا هي لم تنقص
وأما أكل طائفة من سبع ثمرات غير مرة حتى شبعوا- وهم بتبوك مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وإذا هي لم تنقص فقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعيد، عن عرباض بن سارية قال: كنت ألزم باب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحضر والسفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك، وذهبنا لحاجة، فرجعنا إلى منزل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وقد تعشى ومن عنده من أضيافه ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريد أن يدخل في قبته ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية، فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة؟ فأخبرته، فطلع جعال بن سراقة، وعبد اللَّه بن مغفل المزني، وكنا ثلاثة، كلنا جائع، إنما نعيش بباب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم البيت، فطلب شيئا نأكلها فلم يجده، فخرج إلينا فنادى بلالا: يا بلال، هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ قال: لا والّذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا [ (1) ] وحمتنا [ (2) ] ، قال: انظر عسى أن تجد شيئا، فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا، فتقع التمرة والتمرتان، حتى رأيت بين يديه سبع تمرات، ثم دعا بصحفة فوضع فيها التمر، ثم وضع يده على التمرات وسمى اللَّه، وقال: كلوا بسم اللَّه، فأكلنا فأحصيت أربعا وخمسين تمرة أكلتها أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع وشبعنا، وأكل كل واحد منا خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي، فقال: يا بلال، ارفعها في جرابك فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل شبعا، قال: فبتنا حول قبة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فكان يتهجد من الليل، فقام تلك الليلة يصلي، فلما طلع الفجر ركع ركعتي الفجر، وأذّن بلال وأقام، فصلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالناس، ثم انصرف إلى فناء قبته، فجلس وجلسنا حوله، فقرأ من المؤمنين عشرا، فقال: هل لكم في الغداء؟
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم لذي البجادين أن يحرم الله تعالى دمه على الكفار فمات حتف أنفه مع عزمه على القتل في سبيل الله
قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي أي غداء؟ فدعا بلال بالتمر، فوضع يده عليه في الصفحة، ثم قال: كلوا بسم اللَّه، فأكلنا- والّذي بعثه بالحق- حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعا، وإذا التمرات كما هي! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لولا أني أستحيي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد المدينة عن آخرنا، وطلع غليم من أهل البلد، فأخذ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم التمرات بيده فدفعها إليه، فولى الغلام يلوكهن [ (1) ] . وأما دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم لذي البجادين أن يحرم اللَّه تعالى دمه على الكفار فمات حتف أنفه مع عزمه على القتل في سبيل اللَّه فقال الواقدي في (مغازيه) : قالوا: وكان عبد اللَّه ذو البجادين [ (2) ] من مزينة وكان يتيما لا مال له، مات أبوه فلم يورثه شيئا، وكان عمه ميّلا [ (3) ] فأخذه وكفله حتى كان قد أيسر، وكانت له إبل وغنم ورقيق، فلما قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، كانت نفسه تتوق إلى الإسلام، ولا يقدر عليه من عمه، حتى مضت السنون والمشاهد كلها، فانصرف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من فتح مكة راجعا إلى المدينة، فقال عبد اللَّه لعمه: يا عم إني قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا، فأذن لي في الإسلام، فقال: واللَّه لئن اتبعت محمدا لا أترك بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا نزعته منك حتى ثوبيك، فقال عبد العزى وهو يومئذ اسمه: وأنا واللَّه متبع محمدا ومسلم، وتارك عبادة الحجر والوثن وهذا ما بيدي فخذه، فأخذ كل ما أعطاه حتى جرده من إزاره، فأتى أمه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر، ثم أقبل إلى المدينة وكان بورقان- جبل بالمدينة- فاضطجع في المسجد في السحر، ثم صلّى مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
الصبح، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح فنظر إليه، فأنكره، فقال: من أنت؟ فانتسب له فقال: أنت عبد اللَّه ذو البجادين، ثم قال: انزل مني قريبا. فكان يكون في أضيافه ويعلمه القرآن، حتى قرأ قرآنا كثيرا، والناس يتجهزون إلى تبوك. وكان رجلا صيتا، فكان يقوم في المسجد فيرفع صوته بالقراءة، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه! ألا تسمع هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن حتى قد منع الناس القراءة؟ فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعه يا عمر فإنه خرج مهاجرا إلى اللَّه ورسوله. قال: فلما خرج إلى تبوك قال: يا رسول اللَّه، ادع اللَّه لي بالشهادة، فقال: أبلغني لحاء سمرة [ (1) ] ، فأبلغه لحاء سمرة، فربطها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على عضده وقال: اللَّهمّ إني أحرم دمه على الكفار، فقال: يا رسول اللَّه ليس هذا أردت، قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك إذا خرجت غازيا في سبيل اللَّه فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد، أو وقصتك دابتك فأنت شهيد، لا تبال بأية كان. فلما نزلوا تبوك أقاموا بها أياما، وتوفى عبد اللَّه ذو البجادين، فكان بلال ابن الحارث يقول: حضرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومع بلال المؤذن شعله من نار عند القبر واقفا بها، وإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في القبر، وإذا أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يدليانه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يقول: أدنيا إليّ أخاكما، فلما هيئاه لشقه، قال: اللَّهمّ إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه، قال: فقال عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يا ليتني كنت صاحب اللحد [ (2) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم [بطلوع] وفد عبد القيس [قبل قدومهم]
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم [بطلوع] وفد عبد القيس [قبل قدومهم] فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من طريق قيس بن حفص الدارميّ، عن طالب بن حجير العبديّ، قال: حدثنا هود بن عبد اللَّه بن سعيد أنه سمع [جده] [ (2) ] مزيدة العصري قال: بينما النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يحدث أصحابه إذ قال لهم: سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتوجه نحوهم فلقى ثلاثة عشر راكبا، فقال: من القوم؟ قالوا: من بني عبد القيس، فقال: فما أقدمكم هذه البلاد؟ أتجارة؟ قالوا: لا، قال: أما إنّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ذكركم آنفا، فقال: خيرا، ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال عمر للقوم: هذا صاحبكم الّذي تريدون، فرمي القوم بأنفسهم عن ركائبهم، فمنهم من مشى، ومنهم من هرول، ومنهم من سعى، حتى أتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخذوا بيده فقبلوها، وتخلف الأشج في الركاب حتى أناخها، وجمع متاع القوم، ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقبلها، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن فيك خلتين يحبهما اللَّه ورسوله، فقال جبل جبلت عليه أم تخلقا مني؟ قال: بل جبل، قال: الحمد للَّه الّذي جبلني على ما يحب اللَّه ورسوله [ (3) ] .
قال كاتبه: قد خرّج البخاريّ ومسلم حديث وفد عبد القيس بغير هذه السياقة، فخرّجه مسلم [ (1) ] من طريق شعبة، عن أبي جمرة قال: كنت أترجم
بين يدي ابن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر فقال: إن وفد عبد القيس أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من الوفد أو من القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا الندامى، قال: فقالوا: يا رسول اللَّه إنا نأتيك من شقة بعيدة، وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وأنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر الحرام، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة، قال: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع قال: أمرهم بالإيمان باللَّه وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان باللَّه؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمسا من المغنم، ونهاهم عن الدباء والحنتم، والمزفت، قال شعبة: وربما قال النقير، قال شعبة:
وربما قال: المقير، وقال: احفظوه وأخبروا به من وراءكم، وقال أبو بكر: يعني ابن أبي شيبة في روايته من وراءكم وليس في روايته المقير. وخرّجه البخاري وفي روايته: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فقال: إن وفد عبد القيس، لم يذكر المرأة، وقال: غير حزايا ولا ندامي، وقال: في شهر حرام وقال: تعطوا الخمس من المغنم وقال: وأخبروه من وراءكم، ذكره في كتاب العلم [ (1) ] ، وفي كتاب الإيمان [ (2) ] ، وفي إجازة خبر الواحد الصدوق بألفاظ متقاربة. وأخرجاه من حديث قرة بن خالد، عن أبي حمزة، ومن حديث حماد بن يزيد، وعباد بن عباد، عن أبي جمرة. وأخرجه البخاريّ في كتاب الأدب [ (3) ] من حديث أبي التياح، عن أبي جمرة، عن ابن عباس. وأخرجه مسلم [ (4) ] من حديث سعيد، عن قتادة، عن أبي سعيد الخدريّ.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم بأمور فرآها عدي بعد ذلك كما أخبر
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عديّ بن حاتم بأمور فرآها عديّ بعد ذلك كما أخبر فخرّج البخاريّ في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] من حديث إسرائيل، عن سعد الطائي، عن محل بن خليفة، عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها، قال: فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا اللَّه، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيِّئ الذين الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك الحياة لتفتحن كنوز كسرى قال: كسرى بن هرمز! ولئن: طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه، وليلقين اللَّه أحدكم يوم يلقاه ليس بينه وبين ترجمان يترجم له، فيقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم. قال عدي: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا اللَّه، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى ابن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلّى اللَّه عليه وسلّم: يخرج الرجل ملء كفه. وخرّج الإمام أحمد [ (2) ] من حديث شعبة قال: سمعت سماك بن حرب قال: سمعت عباد بن حبيش يحدث عن عدي بن حاتم قال: جاءت خيل رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم- أو قال: رسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وأنا بعقرب، فأخذوا عمتي وناسا، قال: فلما أتوا بهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فصفوا له، قلت: يا رسول اللَّه نأى الوافد وانقطع الولد، وأنا عجوز كبيرة ما بى من خدمة، فمنّ عليّ منّ اللَّه عليك. قال: من وافدك؟ قالت: عديّ بن حاتم الّذي فر من اللَّه ورسوله، قالت: فمنّ عليّ! قالت: فلما رجع ورجل إلى جنبه نرى أنه علي قال: سليه حملانا، قال: فسألته، فأمر لها، قالت فأتني، فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها. قالت: ائته راغبا أو راهبا فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال فأتيته، فإذا عنده امرأة وصبيان- أو صبيّ- فذكر قربهم من النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر، فقال له: يا عدي بن حاتم! ما أفرك أن يقال: لا إله إلا اللَّه؟ فهل من إله إلا اللَّه؟ ما أفرك أن يقال: اللَّه أكبر؟ فهل شيء هو أكبر من اللَّه عزّ وجلّ؟ قال: فأسلمت فرأيت وجهه استبشر وقال: إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى. ثم سألوه فحمد اللَّه- تعالى- وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فلكم أيها الناس أن ترضخوا من الفضل، ارتضخ امرؤ بصاع، ببعض صاع، بقبضة، ببعض قبضة، قال شعبة: وأكثر علمي أنه قال: بتمرة، بشق تمرة، وإن أحدكم لا في اللَّه- عزّ وجلّ- فقائل ما أقول: ألم أجعلك سميعا بصيرا؟ ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فماذا قدمت؟ فينظر من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، فلا يجد شيئا، فما يتقى النار إلا بوجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوه فبكلمة لينة، إني لا أخشى عليكم الفاقة، لينصركم اللَّه- تعالى- وليعطينكم أو ليفتحن لكم حتى تسير الظعينة بين الحيرة ويثرب أو أكثر، ما تخاف السرق على ظعينتها. [قال محمد بن جعفر: حدثناه شعبة ما لا أحصيه وقرأته عليه] [ (1) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بقدوم أهل اليمن
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بقدوم أهل اليمن فخرّج البخاريّ من حديث شعيب أبى الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث حماد قال: حدثنا أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمنية [ (2) ] . ومن حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد قالها أبي عن صالح، عن الأعرج قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية [ (3) ] . ومن حديث أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهريّ قال: حدثني سعيد ابن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة، وأضعف قلوبا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، السكينة في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في الفدادين، أهل الوبر قبل مطلع الشمس [ (4) ] . والبخاريّ ومسلم من حديث ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة، وألين قلوبا، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم [ (5) ] .
وخرّج مسلم من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا، وأرق أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، رأس الكفر في المشرق [ (1) ] .
ولأبي بكر بن أبي شيبة من حديث يزيد بن هارون، عن ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: كنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسير له، فقال: يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب هم خير من في الأرض، فقال رجل من الأنصار: إلا نحن يا رسول اللَّه؟ فقال كلمة ضعيفة: إلا أنتم [ (1) ] . وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسندة من حديث ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن إلى آخره بمعناه. وللطبراني في كتاب (الأوائل) من حديث علي بن عثمان اللاحقي حدثنا حماد بن سلمة، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا، وهم أول من جاء بالمصافحة.
وأما إجابة الله تعالى دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم في قدوم معاوية بن حيدة بن معاوية بن حيدة ابن قشير بن كعب القشيري [1]
وأما إجابة اللَّه تعالى دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في قدوم معاوية بن حيدة بن معاوية بن حيدة ابن قشير بن كعب القشيري [ (1) ] فخرّج البيهقيّ من طريق داود الوراق، عن سعد بن حكيم، عن أبيه، عن جده معاوية بن حيدة القشيري، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فلما دفعت إليه قال أما إني سألت اللَّه- عز وجل- أن يعينني عليكم بالسّنة نحفيكم [ (2) ] ، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم قال: فقال بيديه جميعا، أما إني قد خلقت هذا وهكذا أن لا أومن بك ولا أتبعك فما زالت السنة تحفيني، وما زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك، أفبالله الّذي أرسلك بما تقول؟ قال: نعم، قال: وهو أمرني بما تأمر؟ قال: نعم، قال: فما تقول في نسائنا؟ قال: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [ (3) ] ، وأطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، ولا تضربون، ولا تقبحون، قال: أفينظر أحدنا إلى عورة أخيه إذا اجتمعنا؟ قال: لا، قال: فإذا تفرقا، قال: فضم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إحدى فخذيه على الأخرى، ثم قال: اللَّه أحق أن تستحيوا، قال: وسمعته يقول: يحشر الناس يوم القيامة عليهم الفدام [ (4) ] ، وأول ما ينطق من [ (5) ] الإنسان كفه وفخذه [ (6) ] .
وأما شهادة الأساقفة للمصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه النبي الذي كانوا ينتظرونه وامتناع من أراد ملاعنته من ذلك
وأما شهادة الأساقفة للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم بأنه النبي الّذي كانوا ينتظرونه وامتناع من أراد ملاعنته من ذلك فقال يونس عن إسحاق: وفد على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفد نصارى نجران بالمدينة، حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: لما قدم وفد نجران على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوهم، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم. حدثني بريدة بن سفيان، عن ابن السلماني، عن كرز بن علقمة قال: قد قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفد نصارى نجران [ (1) ] ستون راكبا، منهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، و [في الأربعة عشر] منهم [ثلاثة] نفر إليهم يؤول أمرهم: العاقب، أمير القوم وذو رأيهم، وصاحب مشورتهم، والذين لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره واسمه عبد المسيح والسيد لهم، ثمالهم [ (2) ] وصاحب رحلهم ومجتمعهم، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة، أحد بني بكر بن وائل، أسقفهم وحبرهم وإمامهم، وصاحب مدراسهم [ (3) ] . وكان أبو حارثة قد شرف فيهم، ودرس كتبهم، حتى حسن عمله في دينهم، وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه، ومولوه، وأخدموه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من عمله واجتهاده في دينهم. فلما رجعوا [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من نجران جلس أبو حارثة على بغله له موجها إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وإلى جنبه أخ له يقال له: كرز بن علقمة حتى إذا
عثرت بغلة أبي حارثة، فقال كرز [ (1) ] : تعس الآبعد: يريد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له أبو حارثة: وأنت تعست! فقال له: ولم يا أخى؟ فقال: واللَّه إنه للنبيّ الّذي كنا ننتظر، قال له كرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا، ومولونا، وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كما ترى، فأضمر علينا منه أخوه كرز بن علقمة، حتى أسلم بعد ذلك. [فهو كان يحدث عنه هذا الحديث فيما بلغني] [ (2) ] . حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني سعيد بن جبير عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: اجتمعت نصارى نجران، وأحبار يهود عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى، ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل اللَّه- عز وجل- فيهم: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [ (3) ] فقال أبو رافع القرظي حين اجتمع عنده النصارى والأحبار: فدعاهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الإسلام، [قالوا] أتريد منايا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس: وذلك تريد يا محمد، وإليه تدعو؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معاذ اللَّه أعبد غير اللَّه أو آمر بعبادة غيره! ما بذلك بعثني ولا أمرني، فأنزل اللَّه- عز وجل- في ذلك قوله تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ* وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ (4) ] ،
ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه إذا هو جاءهم وإقرارهم به على أنفسهم، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. حدثني محمد بن أبي أمامه قال: لما وقد أهل نجران على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يسألونه عن عيسى ابن مريم- عليه السلام- نزلت فيهم فاتحة آل عمران إلى رأس الثمانين [ (1) ] . وقال يونس بن بكير، عن سلمة بن عبد يشوع، عن أبيه، عن جده، قال يونس- وكان نصرانيا فأسلم-: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كتب إلى أهل نجران قبل أن تنزل عليه: طس* تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ [ (2) ] باسم إليه إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبي رسول اللَّه إلى أسقف نجران وأهل نجران: إن أسلمتم، فإنّي أحمد إليكم اللَّه، إليه إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أما بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة اللَّه من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية اللَّه من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد أذنتكم بحرب آذنتكم. والسلام. فلما أتى الأسفل الكتاب وقرأه فظع به وذعره ذعرا شديدا، فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له: شرحبيل بن وداعة، وكان من همدان ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت معضلة قبله لا الأيهم، ولا السيد، ولا العاقب، فدفع الأسقف كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى شرحبيل فقرأه، فقال للأسقف: يا أبا مريم! ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد اللَّه إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة، فما يؤمن من أن يكون هذا هو ذلك الرجل، ليس لي في النبوة رأي،
لو كان أمر من أمر الدنيا أشرت عليك فيه، وجهدت لك، فقال له الأسقف: تنحّ فاجلس، فتنحّى شرحبيل فجلس ناحية. فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له: عبد اللَّه بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرأي فيه، فقال مثل قول شرحبيل وعبد اللَّه، فأمره الأسقف فتنحى، فجلس ناحية. فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل وعبد اللَّه، فأمره الأسقف فتنحى، فجلس ناحية. فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جمعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به، ورفعت المسوح في الصوامع، وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار، وإذا كان فزعهم ليلا ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع، فاجتمع حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله، وطول الوادي يوم للراكب السريع وفيه ثلاث وسبعون قرية ومائة وعشرون ألف مقاتل، فقرأ عليهم كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وسألهم عن الرأي فيه، فاجتمع رأي أهل الوادي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمدانيّ، وعبد اللَّه بن شرحبيل الأصبحي، وحبار بن فيض الحارثي، فيأتونهم بخبر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم، ولبسوا حللا لهم يجرونها من حبرة، وخواتيم الذهب، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسلموا عليه، فلم يرد عليهم السلام، وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحال والخواتيم الذهب، فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وكانا معرفة لهم، كانا يجدعان العتائر إلى نجران في الجاهلية فيشتري لهما من بزّها وتمرها وذرتها، فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن! إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا، وتصدينا لكلامه نهارا طويلا، فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأي منكما؟ أنعود أم نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو في القوم-: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان ولعبد الرحمن: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم، ويلبسوا ثياب سفرهم، ثم يعودون إليه، ففعل وفد نجران ذلك فوضعوا حللهم
وخواتيمهم، ثم عادوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسلموا فرد سلامهم، ثم قال: والّذي بعثني بالحق لقد آتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم. ثم ساءلهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى ابن مريم؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرنا إن كنت نبيا أن نعلم ما نقول فيه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركما بما يقال في عيسى. فأصبح الغد، وقد أنزل اللَّه- تعالى- هذه الآية: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [ (1) ] . فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشى عند ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: يا عبد اللَّه بن شرحبيل ويا جبار بن فيض قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي وإني واللَّه أرى أمرا مقبلا، إن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنا أول العرب طعن في عينه، ورد عليه أمره، لا يذهب لنا من صدر ولا من صدور قومه حتى يصيبونا بجائحة وإنا لأدنى العرب منهم جوارا، وإن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك، فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقد وضعتك الأمور على ذراع، فهات رأيك، فقال: رأيي أن أحكمه فإنّي أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا، فقالا له: إذا أنت وذاك. فتلقى شرحبيل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك، فقال: وما هو؟ قال شرحبيل: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلي الصباح فمهما حكمت فينا جائز، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لعل وراءك أحد يثرّب عليك، فقال شرحبيل: سل صاحبيّ، فسألهما، فقالا له: ما يرد الوادي أحد منا ولا يصدر إلا عن رأي شرحبيل، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كافر، أو قال: جاحد موفق.
فرجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يلاعنهم [ (1) ] حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما كتب محمد النبي رسول اللَّه لنجران إذا كان عليهم حكمة في كل ثمرة، وكل صفراء، وبيضاء، وسوداء، ورقيق وأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حلة، حلل الأواقى في كل رجب ألف حلة وفي كل صفر، ألف حلة لكل حلة أوقية من الفضة فما زادت الخراج أو نقصت على حال الأواقى فبالحساب وما قضوا من دروع أو خيل أو ركاب أو عروض أخذ منهم بالحساب، وعلى نجران مؤنة رسلي ومتعتهم ما بين عشرين فدونه ولا يحبسنّ رسلي فوق شهر، وعليهم عارية ثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، إذا كان كيد ومعرة وما هلك مما أعاروا رسلي من دروع أو خيل أو ركاب فهو ضمان على رسلي حتى يؤدوه إليهم، ولنجران وحاشيتها جوار اللَّه وذمة محمد النبي على أنفسهم، وملتهم، وأراضيهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعهم وأن لا يغيروا مما كانوا عليه ولا يغيّر حق من حقوقهم، ولا ملتهم، ولا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا واقها من وقيهاه، وكل ما ما تحت أيديهم من قليل أو كثير وليس عليهم دنية، ولا دم جاهلية، ولا يحشرون، ولا يعشرون، ولا يطأ أراضيهم جيش، ومن سأل فيهم حقا فبينهم النّصف غير ظالمين، ولا مظلومين بنجران، ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر، وعلى ما في هذه الصحيفة جوار اللَّه وذمة محمد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أبدا حتى يأتي اللَّه بأمره، وما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم. شهد أبو سفيان بن حرب، وغيلان بن عمرو، ومالك بن عوف من بني نصر، والأقرع بن حابس الحنظليّ، والمغيرة [ (2) ] ، وكتب. حتى إذا قبضوا كتابهم انصرفوا إلى نجران فتلقاهم الأسقف ووجوه نجران على مسيرة ليلة من نجران، ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له: بشر
ابن معاوية وكنيته: أبو علقمة، فدفع الوفد كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم إلى الأسقف فبينما هو يقرأه وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته فتعّس بشر غير أنه لا يكنى عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، فقال له الأسقف، عند ذلك: قد واللَّه تعست نبيا مرسلا، فقال بشر: لا جرم واللَّه لا أحل عنها عقدا حتى آتية، فضرب وجه ناقته نحو المدينة وثني الأسقف ناقته عليه، فقال له: افهم عني، إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب مخافة أن يروا أنا أخذنا حقه أو نصرته بضربة أو بخعنا لهذا الرجل بما لم تبخع به العرب، ونحن أعزهم وأجمعهم دارا، فقال له بشر: واللَّه ما أقبل ما خرج من رأسك أبدا فضرب بشر ناقته وهو مولّي الأسقف ظهره وهو يقول فيه شعرا. حتى أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأسلم ولم يزل مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى استشهد أبو علقمة بعد ذلك. ودخل وفد نجران فأتى الراهب ليث بن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعة، فقال له: إن نبيا بعث بتهامة، وأنه كتب إلى الأسقف، فأجمع رأي أهل الوادي على أن يسيروا إليه شرحبيل بن وداعة، وعبد اللَّه بن شرحبيل، وحبّار بن فيض فيأتونهم بخبره، فساروا حتى أتوا النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فدعاهم إلى الملاعنة، فكرهوا ملاعنته، وحكّمه شرحبيل فحكم عليهم حكما وكتب لهم به كتابا، ثم أقبل الوفد بالكتاب حتى دفعوه إلى الأسقف، فبينما الأسقف يقرؤه وبشر معه إذ كبت ببشر ناقته فتعّسه، فشهد الأسقف له أنه نبيّ مرسل، فانصرف أبو علقمة نحوه يريد الإسلام، فقال الراهب: أنزلوني وإلا رميت نفسي من هذه الصومعة، فأنزلوه، فانطلق الراهب بهدية إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم معها هذا البرد الّذي يلبسه الخلفاء، والقعب، والعصا، وأقام الراهب بعد ذلك يسمع كيف ينزل الوحي، والسنن، والفرائض، والحدود، وأبي اللَّه للراهب الإسلام فلم يسلم، واستأذن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الرجعة إلى قومه فأذن له وقال له صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا راهب لك حاجتك إذا أبيت الإسلام، فقال له الراهب: إن لي حاجة ومعاذ اللَّه إن شاء اللَّه، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن حاجتك واجبة يا راهب فاطلبها إذا كان أحبّ إليك، فرجع إلى قومه فلم يعد حتى قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وأن الأسقف أبا الحارث أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ومعه السيد والعاقب ووجوه قومه، فأقاموا عنده يسمعون ما ينزل اللَّه- عزّ وجلّ- عليه، فكتب للأسقف هذا الكتاب ولأساقفة نجران: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث وكل أساقفة نجران، وكنهتهم، ورهبانهم، وبيعهم، وأهل
بيعهم، ورقيقهم، وملتهم، ومتواطئهم، وعلى كل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، جوار اللَّه ورسوله، ولا يغير أسقف من أسقفته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ولا يغيّر حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا مما كانوا عليه، على ذلك جوار اللَّه ورسوله أبدا ما نصحوا للَّه أو أصلحوا غير مثقلين بظلم ولا ظالمين، وكتب المغيرة بن شعبة. فلما قبض الأسقف الكتاب استأذن في الانصراف إلى قومه ومن معه، فأذن لهم، فانصرفوا حتى قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (1) ] قال: وقد تقدم حديث يونس بن بكير في ذكر الكتب النبويّة. قال كاتبه قد وقع في (صحيحي البخاريّ ومسلم) من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جاء السيد والعاقب صاحبا نجران إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يريدان أن يلاعناه، فقال: أحدهما لصاحبه: لا تفعل فو اللَّه إن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال: لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين، فاستشرف له أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا أمين هذه الأمة [ (2) ] . ولهما من طريق شعبة [ (3) ] قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن صلة بن زفر عن حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جاء أهل نجران إلى رسول
اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: ابعث إلينا رجلا أمينا، فقال لأبعثن إليكم رجلا أمينا حق أمين قال فاستشرف له الناس، قال: فبعث أبو عبيدة بن الجراح، قال البخاريّ: حق أمين مرة واحدة. وخرجه مسلم من حديث سفيان عن أبي إسحاق بهذا الإسناد نحوه، واللَّه- سبحانه وتعالى- أعلم بالصواب.
وأما تيقن عبد الله بن سلام رضي الله تبارك وتعالى عنه صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في رسالته
وأما تيقن عبد اللَّه بن سلام رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في رسالته فخرج الحاكم [ (1) ] من حديث هوذة بن خليفة حدثنا عوف بن أبي جميلة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن عبد اللَّه بن سلام- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما ورد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة انجفل الناس إليه وقيل: قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: وجئت في الناس لأنظر فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء سمعته يتكلم أن قال: يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. [ولم يخرجاه] . وخرّج البخاريّ من حديث عبد اللَّه بن منبر [سمع عبد اللَّه بن بكر] حدثنا حميد بن أنس قال سمع: عبد اللَّه بن سلام- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بمقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في أرض يخترف، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمن إلا نبي فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفا، قال: جبريل؟ قال: نعم. قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الآية قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [ (2) ] أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أنك رسول اللَّه. يا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أي رجل عبد اللَّه بن سلام فيكم؟ قالوا:
خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبد اللَّه بن سلام فقالوا: أعاذه اللَّه من ذلك فخرج عبد اللَّه فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه، قالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه، قال: فهذا الّذي كنت أخاف يا رسول اللَّه. في ذكره في التفسير [ (1) ] . وذكره في المناقب من طريق بشر بن المفضل حدثنا حميد عن أنس إلى آخره بنحوه ولم يقل فيه: وهو في أرض يخترف، ولم يقل فيه: فقرأ هذه الآية، وقال فيه: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أرأيتم إن أسلم عبد اللَّه بن سلام؟ قالوا: أعاذه اللَّه من ذلك، فأعاد عليهم، فقالوا: مثل ذلك فخرج إليهم عبد اللَّه، الحديث إلى آخره [ (2) ] . وذكره في أول كتاب الأنبياء من حديث الفزاري، عن حميد، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بلغ عبد اللَّه بن سلام مقدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكلها أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله، الحديث. وقال فيه: فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه به، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها، وفيه جاءت اليهود، ودخل عبد اللَّه البيت فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أي رجل فيكم عبد اللَّه؟ قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخبرنا وابن أخبرنا، الحديث إلى قوله: شرنا
وابن شرنا، ووقعوا فيه [ (1) ] . ولم يزد على هذا ولم يقل فيه: فقرأ هذه الآية: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ. وذكر البيهقيّ [ (2) ] من طريق يونس بن بكير، عن أبي معشر المدني، عن سعيد المقبري قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أتى قباء أمر مناديه فنادى بالصلاة، فذكر الحديث في مجيء عبد اللَّه بن سلام وجلوسه عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ورجوعه إلى عمته فقالت له: يا ابن أخي لم احتبست؟ فقال: يا عمة كنت عند رسول اللَّه فقالت: عند موسى بن عمران؟ فقال لم أكن عند موسى بن عمران، فقالت: عند النبي الّذي يبعث قبيل قيام الساعة! قال: نعم، من عنده جئت، فرجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسأله عن ثلاث، فذكر الحديث الأول إلا أنه سأله عن السواد الّذي في القمر بدل أول أشراط الساعة، قال: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أول نزل ينزله، قال أهل الجنة بلام ونون، فقال: ما بلام ونون؟ فقال: ثور وحوت يأكل من زائدة كبد، أحدهما سبعون ألفا، ثم يقومان يزفنان لأهل الجنة، وأما الشبه فأي النطفتين سبقت إلى الرحم من الرجل أو المرأة فالولد به أشبه. وأما السواد الّذي في القمر فإنه ما كان شمسين فقال اللَّه- تعالى-: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً [ (3) ] ، والسواد الّذي رأيت هو المحو فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ، فقال عبد اللَّه بن سلام: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. ثم ذكر الحديث في قصة اليهود الذين دخلوا عليه وسألهم عن عبد اللَّه وما أجابوا به، وقول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في آخره: أجزنا الشهادة الأولى وأما هذه فلا.
وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الرحمن ابن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: انطلق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود، فقال: يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه يحط اللَّه عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الّذي غضب عليهم قال: فأسكتوا، ما أجابه أحد منهم، ثم ردّ عليهم فلم يجبه منهم أحد، فقال: أبيتم! فو اللَّه لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا النبيّ المصطفى، أبيتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنت يا محمد، فقال ذلك الرجل: أي رجل أعلم بكتاب اللَّه منك ولا أفقه منك، ولا من أبيك قبلك، ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإنّي أشهد له باللَّه أنه نبي اللَّه الّذي تجدونه في التوراة، فقالوا: كذبت، ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرا، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبتم لن يقبل قولكم أما آنفا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذا آمن فكذبتموه وقلتم فيه ما قلتم، فلن نقبل قولكم، قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وعبد اللَّه بن سلام، وأنا، وأنزل اللَّه- تعالى- فيه: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ الآية [ (2) ] . قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه انما اتفقا على حديث حميد، عن أنس أي رجل عبد اللَّه بن سلام فيكم مختصرا.
وأما معرفة الحبر من أحبار اليهود بإصابة الرسول صلى الله عليه وسلم في جوابه عما سأله وصدقه في نبوته
وأما معرفة الحبر من أحبار اليهود بإصابة الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم في جوابه عما سأله وصدقه في نبوته فخرج مسلم [ (1) ] من حديث الربيع بن نافع، قال: حدثنا معاوية بن سلام، عن زيد يعني أخاه أنه سمع أبا سلام قال: حدثني أبو أسماء الرحبيّ أن ثوبان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حدثه قال: كنت قائما عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد! فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول اللَّه؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الّذي سماه به أهله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اسمي محمد الّذي سماني به أهلي، فقال اليهودي: جئتك أسالك؟ فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أينفعك شيء إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، فنكت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بعود معه فقال: سل؟ فقال اليهودي: أين يكون الناس يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ [ (2) ] ؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هم في الظلمة دون الجسر، قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: فقراء المهاجرين، قال: اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد الحوت، قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الّذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا [ (3) ] ، قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: ينفعك إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، قال: جئت اسألك عن الولد؟ قال: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا [ (4) ] بإذن اللَّه، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا [ (5) ]
بإذن اللَّه، فقال اليهودي: لقد صدقت، إنك لنبيّ، ثم انصرف فذهب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد سألني هذا عن الّذي سألني وما لي علم بشيء منه حتى أتاني اللَّه به، واللَّه- تعالى- أعلم. وخرّجه من حديث يحيى بن حسان قال معاوية بن سلام في هذا الإسناد بمثله، غير أنه قال: كنت قاعدا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: زائده كبد الحوت، وقال أذكر وآنث ولم يقل أذكرا وأنثا [ (1) ] . وخرّجه النسائي من حديث مروان بن محمد، قال معاوية بن سلام: قال: أخبرني أخي أنه سمع جده أبا سلام يقول: حدثني أبو أسماء الرحبيّ، عن ثوبان قال: كنت قاعدا ... الحديث، وفيه: زيادة كبد الحوت وفيه: من أين يكون شبه الولد؟ قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر. وخرّجه الحاكم من حديث ابن أبي توبة الربيع بن نافع، عن معاوية بن سلام به نحوه، ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وخرّج البيهقيّ من حديث يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني المختار بن أبي المختار، عن أبي ظبيان قال: حدثنا أصحابنا أنهم بيناهم مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر لهم، فاعترضهم يهودي جعد أحمر متلفف بطيلسان، فقال: فيكم أبو القاسم؟ فيكم محمد؟ فقلنا: إياك، فلما انتهى إليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا أبا القاسم، إني سائلك عن مسألة لا يعلمها إلا نبي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: سأل عما شئت، فقال: من أي الفحلين يكون الولد فصمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى لوددنا أنه لم يسأله، ثم عرفنا أنه قد بين له فقال: من كل يكون، فقال: ما من ماء الرجل؟ وما من ماء المرأة؟ فصمت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى لوددنا أنه لم يسأله، ثم عرفنا أنه قد بين له، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما نطفة الرجل فبيضاء غليطة، فمنها العظام والعصب وأما نطفة المرأة فحمراء رقيقة فمنها اللحم والدم. فقال: اشهد إنك رسول اللَّه [ (2) ] .
وأما معرفة عصابة من اليهود إصابة مقالته صلى الله عليه وسلم
وأما معرفة عصابة من اليهود إصابة مقالته صلى اللَّه عليه وسلم فخرّج أبو داود الطيالسي من حديث عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب قال: حدثني ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: حضرت عصابة من اليهود يوما النبي صلى اللَّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللَّه! حدثنا عن خلال نسألك عنهما لا يعلمها إلا نبي، قال: سلوا عم شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة اللَّه، وما أخذ يعقوب على بنيه، إن أنا حدثتكم بشيء تعرفونه صدقا لتبايعني على الإسلام، قالوا: لك ذلك، قال: فسلوني عما شئتم، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك: أخبرنا عن الطعام الّذي حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ [ (1) ] ، وأخبرنا عن ماء الرجل كيف يكون الذكر منه حتى تكون الأنثى؟ وأخبرنا كيف هذا الشيء في النوم؟ ومن وليّك من الملائكة؟. قال: فعليكم عهد اللَّه لئن أنا حدثتكم لتبايعني، فأعطوه ما شاء اللَّه من عهد وميثاق. قال: أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، تعلمون أن إسرائيل- يعقوب- مرض مرضا شديدا طال سقمه، فنذر للَّه نذرا: لئن شفاه اللَّه من سقمه ليحرمنّ أحب الشراب إليه، وأحب الطعام إليه، وكان أحب الشراب إليه ألبان الإبل، وكان أحب الطعام إليه لحمان الإبل؟ قالوا اللَّهمّ نعم. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ اشهد عليهم، قال: أنشدكم باللَّه الّذي لا إله إلا هو الّذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا، كان له الولد والشبه بإذن اللَّه، وإن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن اللَّه، إن علا ماء المرأة ماء الرجل كانت أنثى بأذن اللَّه؟ قالوا: اللَّهمّ: نعم!. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ اشهد عليهم، قال: أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا:
اللَّهمّ نعم! قال: اللَّهمّ اشهد عليهم، قالوا: أنت الآن حدثنا من وليّك من الملائكة؟ فعندها نجامعك أو نفارقك. قال: وليّي جبريل، ولم يبعث اللَّه نبيا قط إلا وهو وليّه، قالوا: فعندها نفارقك لو كان وليّك غيره من الملائكة لتابعناك وصدقناك، قال فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا من الملائكة، فأنزل اللَّه- عزّ وجلّ-: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ... [ (1) ] ، ونزلت: فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ [ (2) ] .
وأما معرفة اليهوديين صدقه صلى الله عليه وسلم في نبوته
وأما معرفة اليهوديّين صدقه صلّى اللَّه عليه وسلّم في نبوته فخرّج البيهقيّ من طريق يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة [بن الحجاج] ، عن عمرو بن مرة، عن عبد اللَّه بن سلمة، عن صفوان بن عسال قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فنسأله، فقال الآخر: لا تقل نبي فإنه إن سمعك تقول: نبي كانت له أربعة أعين، فانطلقا إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسألاه عن قول اللَّه- عز وجل- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ [ (1) ] ، قال: لا تشركوا باللَّه شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الربا، ولا تفروا يوم الزحف، ولا تقذفوا محصنة- شك شعبة- وعليكم خاصة اليهود- أن لا تعدوا في السبت. فقبلا يديه ورجليه وقالا: نشهد إنك نبي، قال: فما يمنعكما أن تسلما قالا: إن داود سأل ربه أن لا يزال في ذريته نبيّ، ونحن نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود.
وأما اعتراف اليهود بنبوته صلى الله عليه وسلم إذ جاءوه يسألوه عن حد الزاني وشهادة ابن صوريا على يهود
وأما اعتراف اليهود بنبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاءوه يسألوه عن حد الزاني وشهادة ابن صوريا على يهود فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث محمد بن مقاتل المروزيّ قال: حدثنا عبد اللَّه ابن المبارك حدثنا معمر عن الزهري قال: كنت جالسا عند سعيد بن المسيب وعند سعيد رجل وهو يوقره، فإذا هو رجل من مزينة وكان أبوه شهد الحديبيّة، وكان من أصحاب أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كنت جالسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ جاء نفر من يهود وقد زنا رجل منهم وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف فإن أفتانا حدا دون الرجم فعلناه، واحتججنا عند اللَّه حين نلقاه بتصديق نبيّ من أنبيائك! قال مرّة عن الزهري: وإن أمرنا بالرجم عصيناه، فقد عصينا اللَّه فيما كتب علينا من الرجم في التوراة، فأتوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل منا زنا بعد ما أحصن؟ فقام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يرجع إليهم شيئا، وقام معه رجلان من المسلمين حتى أتوا بيت مدراس اليهود، فوجدهم يتدارسون التوراة، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا معشر اليهود أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: نجبه، والتجبية أن يحملوا اثنين على حمار فيولون ظهر أحدهما ظهر الآخر، قال: فسكت حبرهم وهو فتى شاب، فلما رآه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم صامتا ألظ النشدة، فقال حبرهم: أما إذ نشدتهم فإنا نجد في التوراة الرجم على من أحصن، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: فما أول من ترخصتم أمر اللَّه؟ فقال: زنا رجل منا ذو قرابه بملك من
ملوكنا فأخر عنه الرجم، فزنى بعده آخر في أسرة من الناس، فأراد ذلك الملك أن يرجمه، فقام قومه دونه فقالوا: لا واللَّه لا ترجمه حتى يرجم فلان ابن عمه فاصطلحوا بينهم على هذه العقوبة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإنّي أحكم بما في التوراة، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بهما فرجما. قال الزهري: وبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا [ (1) ] . ومن طريق يونس بن بكير عن إسحاق قال: حدثني الزهريّ، قال: سمعت رجلا من مزينة يحدث عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة حدثهم فذكر معنى هذا الحديث يزيد وينقص، فمما زاد أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لابن صوريا: أنشدك باللَّه وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل، هل تعلم أن اللَّه حكم فيمن زنا بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ فقال: اللَّهمّ نعم، أما واللَّه يا أبا القاسم إنهم يعرفون أنك نبي مرسل، ولكنهم يحسدونك. فخرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأمر بهما فرجما عند باب مسجد بني غنم بن مالك ابن النجار، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا، فأنزل اللَّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قوله: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ [ (2) ] يعني الذين لم يأتوه، تغيبوا وتخلفوا وأمروهم بما أمروهم به من تحريف الكلم عن مواضعه، قال: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ للتجبية وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [ (3) ] إلى آخر القصة [ (4) ] . قال كاتبه: قد وقعت هذه القصة من رواية البخاريّ، ومسلم، وأبي داود، والنسائيّ، واختلفوا في سياقها.
فخرّج البخاريّ [ (1) ] ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث مالك عن نافع، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد اللَّه بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد اللَّه بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجما، فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة. وهذه سياقة البخاري في باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام [ (2) ] . وخرّجه أيضا في كتاب المناقب [ (3) ] ، وذكره النسائي في الحدود [ (4) ] ، وخرّجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع أن عبد اللَّه بن عمر أخبره أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أتي بيهوديّ ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى جاء يهود فقال: ما تجدون في التوراة على من زنى؟ قالوا: تسود وجوههما ونحملهما، ونخالف بين وجوههما، ويطاف بهما، قال: فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، فجاءوا بها، فقرءوها حتى إذا مروا بآية الرجم، وضع الفتى الّذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبد اللَّه بن سلام وهو مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرة فليرفع يده، فرفعها، فإذا تحتها
آية الرجم فأمر بهما رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجما، قال عبد اللَّه بن عمر: كنت فيمن رجمهما، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه [ (1) ] . وأخرجاه أيضا من حديث أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، فخرجه البخاريّ في آخر كتاب التوحيد [ (2) ] ، وأخرجاه من حديث موسى بن عقبة، عن نافع عن بن عمر [ (3) ] ، وخرّجه البخاري في الحدود من حديث سليمان: حدثني عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر سياقة مختصرة [ (4) ] . وخرّج مسلم [ (5) ] وأبو داود [ (6) ] والنسائي من حديث معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة، عن البراء بن عازب، قال: مر عليّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم بيهوديّ محمم مجلو، فدعاهم فقال: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: اللَّهمّ لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك. نجد حدّ الزاني في كتابنا: الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم.
فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: اللَّهمّ إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل اللَّه- عز وجل-: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [ (1) ] إلى قوله تعالى: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا في اليهود. يقول ائتوا محمدا، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل اللَّه- تعالى-: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ (2) ] في اليهود، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [ (3) ] في اليهود وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (4) ] . وخرّج أبو داود من حديث مجالد، حدثنا عامر، عن جابر بن عبد اللَّه قال: جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا، فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم، فأتوه بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم برجمهما [ (5) ] . ومن حديث هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم والشعبي، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، نحوه، لم يذكر فدعا بالشهود فشهدوا [ (6) ] .
ومن حديث هشيم، عن ابن شبرمة، عن الشعبي بنحو منه [ (1) ] . وخرّج أيضا من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهريّ قال: حدثنا رجل من مزينة من حديث يونس قال: قال محمد بن مسلم: سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه، ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وهذا حديث معمر وهو أتمّ، قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها، واحتججنا بها عند اللَّه، قلنا: فتيا نبيّ من أنبيائك! قالوا: فأتوا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال: أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما. قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سكت ألظّ به النشدة، أنشده فقال: اللَّهمّ إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة آية الرجم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فما أول ما ارتخصتم أمر اللَّه- عز وجل-؟ قال: زنا ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم، ثم زنا رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا: لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: فإنّي أحكم بما في التوراة فأمرهما فرجما [ (2) ] . قال الزهريّ: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم [ (3) ] .
ومن حديث محمد بن إسحاق عن الزهريّ سمعت رجلا من مزينة يحدث عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: زنا رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم المدينة، وقد كان الرجم مكتوبا عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبية، يضرب مائة بحبل مطليّ بقار، ويحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار، فاجتمع أحبار من أحبارهم فبعثوا قوما آخرين إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: سلوه عن حد الزاني وساق الحديث، قال فيه: ولم يكونوا من أهل دينه فيحكم بينهم فخير في ذلك، قال: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [ (1) ] .
وأما اعتراف اليهودي بصفته صلى الله عليه وسلم في التوراة
وأما اعتراف اليهودي بصفته صلّى اللَّه عليه وسلّم في التوراة فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فمرض، فأتاه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يعوده فوجد أباه عند رأسه يقرأ التوراة، فقال له رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا يهودي أنشدك باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة نعتي وصفتي ومخرجي؟ قال: لا، قال الفتى: يا رسول اللَّه إنا نجد لك في التوراة نعتك، وصفتك، ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أقيموا هذا من عند رأسه ولوا أخاكم. ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عثمان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبيد، عن أبيه قال: إن اللَّه- عز وجل- بعث نبيه لإدخال رجال الجنة، فدخل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كنيسة فإذا هو بيهود وإذا بيهودي يقرأ التوراة، فلما أتى على صفته أمسك، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبيّ فأمسكوا، ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة، وقال: ارفع يدك فقرأ حتى أتى على صفته فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنك رسول اللَّه، ثم مات، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لوا أخاكم [ (2) ] . ومن طريق صالح بن عمر، قال: حدثنا عاصم يعني ابن كليب، عن أبيه، عن الفلتان بن عاصم، قال: كنا جلوسا عند النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ شخص بصره إلى رجل فدعاه، فأقبل رجل من اليهود مجتمع عليه قميص وسراويل ونعلان، فجعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أشهد أني رسول اللَّه؟ قال: فجعل لا يقول شيئا إلا قال: يا رسول اللَّه، فيقول: أتشهد أني رسول اللَّه؟ فيأبى، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتقرأ التوراة؟ قال: نعم، والإنجيل؟ قال: نعم، والفرقان
وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم اليهود إلى تمني الموت وإخبارهم أنهم لا يتمنوه أبدا فصدق قوله، ولن يتمنوا الموت
ورب محمد لو شئت لقرأته، قال: فأنشدك بالذي أنزل التوراة، والإنجيل وأشياء حلفه بها تجدني فيهما؟ قال: نجد مثل نعتك يخرج من مخرجك كنا نرجو أن يكون فينا، فلما خرجت رأينا أنك هو، فلما نظرنا إذا أنت لست به، قال: من أين؟ قال: نجد من أمتك سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وإنما أنتم قليل، قال: فهلل وكبر، وهلل وكبر، ثم قال: والّذي نفس محمد بيده إني لأنا هو، إن أمتي لأكثر من سبعين ألفا وسبعين وسبعين [ (1) ] . وأما دعاؤه صلى اللَّه عليه وسلم اليهود إلى تمني الموت وإخبارهم أنهم لا يتمنوه أبدا فصدق قوله، ولن يتمنوا الموت فقد قال اللَّه- تعالى-: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [ (2) ] فتضمنت هذه الآية معجزا نبويا، وأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبر اليهود بأنهم لا يتمنون الموت بعد أن تحداهم به، وقد كان يمكنهم أن يبطلوا دعواه بكلمة، وهي أن يقولوا: تمنينا الموت، فلم يفعلوا، فدل على علمهم بصدقة، فصرفهم عن تكذيبه مع سهولته ظاهرا، وتوفر الدواعي عليه. وذلك أن اليهود ادعت أشياء باطلة كقولهم: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً، وقولهم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى، وقولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فأكذبهم اللَّه- تعالى- في ذلك وألزمهم، فقال: يا محمد قل إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنة فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في دعواكم لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا لما يصير إليه من نسيم الجنة، ويزول عنه من
نصب الدنيا، وإذا خافوها فأحجموا عن تمني الموت خوفا وفرقا من اللَّه- تعالى-، العالم يقبح فعالهم وسوء أعمالهم، ولمعرفتهم بكفرهم في قولهم: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ولحرصهم على الدنيا فلما علم اللَّه- سبحانه- منهم ذلك أخبر عنهم بقوله- تعالى-: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يحقق- تعالى- كذبهم للناس فلم يقدم أحد منهم على تمني الموت معجزة من اللَّه- تعالى- لنبيه ولو تمنوه لأظهروه بألسنتهم ليردوا بإظهاره صدق المخبر لهم بذلك، وليبطلوا حجته فيكون تمنيهم للموت أعظم ما يدفعون به نبوته، ويشنعون به عليه من إخباره بما وقع في الوجوه خلافه، لكن اللَّه- سبحانه صرفهم عن تمني الموت وحرصهم على الإمساك يجعل ذلك آية للمصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد روى أنهم لو تمنوا الموت لماتوا، لأنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار. وحكى عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أن المراد ادعوا بالموت على الكاذب من الفريقين منا ومنكم، فلم يدعوا لعلمهم بكذبهم. وقال الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن كنتم في مقالتكم صادقين فقولوا: اللَّهمّ أمتنا، فو الّذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه، فأبوا أن يفعلوا فكرهوا ما قال لهم فنزل: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني عملته أيديهم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ أنهم لن يتمنوه، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند نزول هذه الآية: واللَّه لا يتمنونه أبدا، والّذي نفسي بيده لو تمنوا الموت لماتوا، فكره أعداء اللَّه الموت فلم يتمنوا جزعا أن ينزل بهم الموت. وقال في قوله- تعالى-: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً [ (1) ] قال: وإذا ناديتم إلى الصلاة بالأذان والإقامة اتخذوها هزوا ولعبا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ أمر اللَّه. قال: وكان منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إلى الصلاة، قالت اليهود والنصارى: قد قاموا، لا قاموا، فإذا رأوهم ركعا سجدا استهزءوا بهم وضحكوا منهم.
وأما اعتراف نفر من اليهود بموافقة سورة يوسف - عليه السلام - ما في التوراة
قال: وكان رجل من اليهود تاجر إذ سمع المنادي ينادي بالأذان قال: أحرق اللَّه الكاذب، قال: فبينا هو كذلك إذا دخلت جاريته بشعلة من نار فطارت شرارة منها في البيت فالتهبت في البيت فأحرقته [ (1) ] . وأما اعتراف نفر من اليهود بموافقة سورة يوسف- عليه السلام- ما في التوراة فروى محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أن حبرا من أحبار اليهود دخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم وكان قارئا للتوراة فوافقه وهو يقرأ سورة يوسف كما أنزلت على موسى في التوراة فقال له الحبر: يا محمد! من علمكها؟ قال: اللَّه علمنيها. فتعجب الحبر لما سمع منه فرجع إلى اليهود فقال لهم: أتعلمون واللَّه إن محمدا ليقرأ القرآن كما أنزل في التوراة؟ فانطلق بنفر منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة، ونظروا إلى خاتم النبوة فجعلوا يستمعون إلى قراءته لسورة يوسف- عليه السلام- فتعجبوا منه، وقالوا: يا محمد من علمكها؟ فقال علمنيها اللَّه ونزل: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ [ (2) ] يقول: لمن سأل عن أمرهم فأراد أن يعلم علمهم، فأسلم القوم عند ذلك [ (3) ] .
وأما تصديق يهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم في إخباره بأسماء النجوم [التي سجدت] ليوسف عليه السلام في منامه
وأما تصديق يهودي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في إخباره بأسماء النجوم [التي سجدت] ليوسف عليه السلام في منامه فروى الحكم بن ظهير، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أتى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم رجل يقال له بستاني [ (1) ] اليهودي، فقال: يا محمد أخبرني! عن النجوم التي رآها يوسف- عليه السلام- أنها ساجدة له، ما أسماؤها؟ قال: فلم يجبه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بشيء، فنزل جبريل- عليه السلام- فأخبره، فبعث نبي اللَّه إلى اليهودي، فلما جاءه قال: وأنت تسلم إن أخبرتك؟ قال: نعم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: حرثان أو قال حرثال، وطارق، والذيال، وذو الكنفات، وذوا القرع، ووثاب، وعمودان، وقابس، والضّروح، والمصبّح، والفيلق، والضياء، والنور، رآها في أفق السماء أنها ساجدة له، فلما قص يوسف- عليه السلام- رؤياه على يعقوب قال له: هذا أمر متشتت يجمعه اللَّه من بعد، فقال اليهودي: هذه واللَّه أسماؤها. قال الحكم: الصبا هو الشمس، وهو أبوه والنور هو القمر، وهي أمه. قال البيهقيّ [ (2) ] : تفرد به الحكم ظهير بن وهو عند بعض أهل التفسير. واللَّه- تعالى- أعلم. وأما هلاك من خالف أمر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرّج البيهقيّ [ (3) ] من طريق عثمان بن سعيد الدارميّ قال: حدثنا الربيع ابن نافع أبو توبة وأبو الجماهير محمد بن عثمان التنوخي قالا: حدثنا الهيثم بن حميد قال: أخبرني راشد بن داود الصنعاني، حدثنا أبو أسماء الرحبيّ، عن
ثوبان مولى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال في مسير له أنا مدلجون الليلة فلا يرحلن معنا مضعف ولا مصعب، فارتحل رجل على ناقة له صعبة، فسقط فاندقت فخذه فمات، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بلالا فنادى: إن الجنة لا تحل لعاص ثلاثا [ (1) ] . وقال الواقدي [ (2) ] في- غزوة تبوك-: فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخرجن معنا إلا مقو، فخرج رجل على بكر صنعت فصرعه، فقال الناس: الشهيد الشهيد، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مناديا ينادي: لا يدخل الجنة إلا مؤمن أو إلا نفس مؤمنة، ولا يدخل الجنة عاص، وكان الرجل طرحه بعيره بالسويداء [ (3) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بهلاك المشرك الذي سال عن كيفية الله - تعالى -
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بهلاك المشرك الّذي سال عن كيفية اللَّه- تعالى- فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق ديلم بن غزوان قال: حدثنا ثابت عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أرسل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا من أصحابه إلى رأس من رءوس المشركين يدعوه إلى اللَّه- عز وجل-، فقال المشرك: هذا الإله الّذي تدعو إليه من ذهب هو أو من فضة أو من نحاس؟! فتعاظم مقالته في صدر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره فقال: ارجع إليه، فرجع إليه فقال له مثل ذلك، فأنزل اللَّه- عز وجل- صاعقة من السماء، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في الطريق لا يدري، فرجع إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه قد أهلك صاحبك وأنزل اللَّه- تعالى- على رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ [ (2) ] الآية، قال كاتبه: هذا المشرك هو أربد بن قيس.
وأما هلاك من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره بأن رسله إليه لا تدركه فكان كذلك
وأما هلاك من كذب على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإخباره بأن رسله إليه لا تدركه فكان كذلك فقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن رجل، عن سعيد بن جبير، قال: جاء رجل إلى قرية من قرى الأنصار فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أرسلني إليكم وأمركم أن تزوجوني فلانة، قال: فقال رجل من أهلها: جاءنا هذا بشيء ما نعرفه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أنزلوا الرجل وأكرموه حتى آتيكم بخبر ذلك، فأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر ذلك له، فأرسل عليا والزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: اذهبا فإن أدركتماه فاقتلاه، ولا أراكما تدركانه، قال: فذهبا فوجداه قد لدغته حية فقتلته، فرجعا إلى النبي فأخبراه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من كذب علي فليتبوَّأ مقعده من النار [ (1) ] . قال البيهقي [ (2) ] هذا مرسل، وقد روى من وجه آخر، فذكره من طريق يحيى ابن بسطام قال: حدثني عمر بن فرقد البزار، حدثنا عطاء بن السائب، عن عبد اللَّه بن الحارث أن جد جد الجندعي كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقربه، فأتى اليمن، فعشق فيهم امرأة فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أمرني أن تبعثوا إلي بفتاتكم، فقالوا: عهدنا برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يحرم الزنا، ثم بعثوا رجلا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فبعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عليا فقال: ائته، فإن وافقته حيا فأقتله، وإن وجدته ميتا فحرقه بالنار. قال: فخرج جدجد من الليل يستسقي من الماء فلدغته أفعى فقتلته، فقدم علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فوافقه وهو ميت، فحرقه بالنار، فمن ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من كذب علي متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار [ (3) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم رجلا بما يحدث به نفسه وما يؤول إليه أمره
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلا بما يحدث به نفسه وما يؤول إليه أمره فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث بشر بن بكر، عن الأوزاعي، قال: حدثني الرقاشيّ، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ذكروا رجلا عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فذكروا قوته في الجهاد واجتهاده في العبادة، فإذا هم بالرجل مقبل، قالوا: هذا الّذي كنا نذكر، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: والّذي نفسي بيده إني لأرى في وجهه سنعة من الشيطان، ثم أقبل فسلم عليهم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل حدثت نفسك أن ليس في القوم أحد خير منك؟ قال: نعم، ثم ذهب فاختط مسجدا وصف بين قدميه يصلي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من يقوم إليه فيقتله؟ قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنا، فانطلق إليه فوجده قائما يصلي، فهاب أن يقتله فانصرف، فقال: يا رسول اللَّه، وجدته قائما يصلي فهبت أن أقتله، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أيكم يقوم إليه قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنا، فانطلق إليه فصنع كما صنع أبو بكر، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أيكم يقوم إليه فيقتله؟ قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أنا، قال: أنت إن أدركته فذهب فوجده قد انصرف، فرجع إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذا أول قرن خرج في أمتي، لو قتلته ما اختلف أثناه بعده من أمتي، ثم قال: إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة [ (2) ] ، قال يزيد الرقاشيّ: هي الجماعة.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم امرأة صامت بما كان منها في صومها
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم امرأة صامت بما كان منها في صومها فخرج البيهقي من طريق جعفر بن عون، قال: أخبرنا مسعر عن عمرو ابن مرة عن أبي البختري، قال: كانت امرأة في لسانها ذرابة [ (1) ] ، فأتت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أمست دعاها إلى طعامه فقالت له: إني كنت صائمة، فقال: ما صمت، فلما كان اليوم الآخر تحفظت بعض التحفظ، فلما أمست دعاها إلى طعامه، فقالت: أما إني كنت اليوم صائمة، قال: كذبت! فلما كان اليوم الآخر تحفظت ولم يكن منها شيء، فلما أمست دعاها إلى طعامه، قالت: أما إني كنت صائمة. قال اليوم صمت، هذا حديث مرسل [ (2) ] .
وأما استغناء أبي سعيد الخدري رضي الله تبارك وتعالى عنه ببركة اقتدائه في التعفف بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم
وأما استغناء أبي سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ببركة اقتدائه في التعفف بقول المصطفى صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرج البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أنس قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: أصابنا جوع ما أصابنا مثله قط في جاهلية ولا إسلام! فقالت لي أختي فريعة: اذهب إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسله لنا، فو اللَّه يخيب سائله إنك منه بإحدى اثنتين: إما أن يكون عنده فيعطيك، وإما أن لا يكون عنده، فيقول: أعينوا أخاكم، فلم أكره ذلك، فلما دنوت من المسجد وهو يومئذ ليس له جدار، سمعت صوت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: إن هذا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخطب، فكان أول ما فهمت من قوله من يستعف يعفه اللَّه ومن يستغن يغنه اللَّه، فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك، واللَّه لكأنك أردت بهذا. لا جرم والّذي بعثك بالحق لا أسألك شيئا بعد ما سمعت منك، فجلست، فلما فرغ رجعت وفريعة تقبل وتدبر أقصى الآجام إلى بابه قد أدامها الجوع. قال: فلما حصلت ببقيع الزبير أبصرت ليس معى شيء، فلما جئت قالت: مالك؟ فو اللَّه ما يخيب سائله، فأخبرتها بالذي سمعت منه. قالت: فسألته بعد ذلك؟ قلت: لا، قالت: أحسنت، فلما كان من الغد فإنّي واللَّه لأتعب نفسي تحت الأجم إذ وجدت من دراهم يهود فابتعنا به وأكلنا منه، ثم واللَّه ما زال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محسنا [ (1) ] . قال: رواه هلال بن حصن، عن أبي سعيد إلا أنه قال: فرجعت فما سألت أحدا بعده شيئا، فجاءت الدنيا فما من أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم وابصة الأسدي بما جاء يسأله عنه قبل أن يسأله
ومن حديث عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي [ (1) ] سلمة، عن أبي سعيد الخدريّ قال: جئت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا أريد أن أسأله فوجدته جالسا على المنبر يخطب الناس: من يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه، فرجعت وقلت: لا أسأله فلانا أكثر قومي مالا. واللَّه تعالى اعلم [ (2) ] . وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم وابصة الأسدي بما جاء يسأله عنه قبل أن يسأله فخرّج البيهقيّ من حديث ابن وهب قال: حدثني معاوية، عن أبي عبد اللَّه محمد الأسدي، أنه سمع وابصة الأسدي قال: جئت لأسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن البر والإثم فقال من قبل أن أسأله: جئت يا وابصة تسألني عن البرّ والإثم؟ قلت: إي، والّذي بعثك بالحق إنه للذي جئت أسألك عنه، فقال: البر ما انشرح له صدرك، والإثم ما حاك في نفسك، وإن أفتاك عنه الناس [ (3) ] . ومن طريق الحارث بن أبي أسامة قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد ابن سلمة، عن الزبير أبي عبد السلام، عن أيوب بن عبد اللَّه- يعني ابن مكرز- عن وابصة، قال: أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه. فجعلت أتخطى الناس، فقالوا: إليك يا وابصة عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم! فقلت: دعوني أدن منه [فإنه من أحب الناس إليّ أن ادنو]
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم رجلين عن ما أتيا يسألانه عنه قبل أن يسألاه
[منه] [ (1) ] ، فقال: أدن يا وابصة، أدن يا وابصة، فدنوت حتى مست ركبتي ركبته فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا وابصة أخبرك بما جئت تسألني عنه، فقلت: أخبرني يا رسول اللَّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: جئت تسألني عن البر والإثم؟ قلت: نعم، فجمع أصابعه فجعل ينكت بها في صدري ويقول: يا وابصة استفت قلبك، استفت نفسك، البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم رجلين عن ما أتيا يسألانه عنه قبل أن يسألاه فخرج البيهقي من طريق خلاد بن يحيى قال: حدثنا عبد الوهاب، عن مجاهد، وخرجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث القاسم بن الوليد، عن سنان بن الحارث بن مصرف، عن طلحة بن مصرف، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كنت جالسا عند نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجاءه رجلان، أحدهما أنصاري، والآخر ثقفي، فابتدر المسألة للأنصاريّ، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أخا ثقيف، إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة، فقال الأنصاري: يا رسول اللَّه فإنّي أبدأ به، فقال: سل عن حاجتك، وإن شئت أنبأناك بالذي جئت تسأل عنه، قال: ذاك أعجب إلى يا رسول اللَّه! قال: فإنك جئت تسألني عن صلاتك بالليل، وعن ركوعك، وعن سجودك، وعن صيامك، وعن غسلك من الجنابة، فقال: والّذي بعثك بالحق إن ذلك الّذي جئت أسأل عنه. قال: أما صلاتك بالليل فصل أول الليل وآخر الليل، ونم وسطه. قال: أفرأيت يا رسول اللَّه إن صليت وسطه؟ قال: فأنت ذا إذا. قال: وأما ركوعك فإذا أردت فاجعل كفيك على ركبتيك، وأفرج بين أصابعك، ثم ارفع رأسك فانتصب قائما حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، فإذا سجدت فأمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر، وأما صيامك فصم الليالي البيض: يوم ثلاثة عشر، ويوم أربعة عشر، ويوم خمسة عشرة.
ثم أقبل الأنصاري فقال: يا أخا الأنصار سل عن حاجتك وإن شئت أنبأناك بالذي جئت تسأل عنه. قال: فذلك أعجب، إلي يا رسول اللَّه! قال: فإنك جئت تسأل عن خروجك من بيتك تؤم البيت العتيق وتقول: ماذا لي فيه؟ وعن وقوفك بعرفات، وتقول: ماذا لي فيه؟ وعن حلقك رأسك، وتقول: ماذا لي فيه؟ وعن طوافك بالبيت، وتقول: ماذا لي فيه؟ وعن رميك الجمار، وتقول ماذا لي فيه؟ قال: إي والّذي بعثك بالحق، إن هذا الّذي جئت أسألك عنه. قال أما خروجك من بيتك تؤم البيت، فإن لك بكل موطأة تطؤها راحلتك أن تكتب لك حسنة وتمحى عنك سيئة، وإذا وقفت بعرفات، فإن اللَّه- تعالى- ينزل إلى السماء الدنيا فيقول للملائكة: هؤلاء عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، وهم لم يروني فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج ذنوبا أو قطر السماء أو عدد أيام الدنيا، غسلها عنك، وأما رميك الجمار فإن ذلك مدخور لك عند ربك، فإذا حلقت رأسك، فإن لك بكل شعرة تسقط من رأسك أن تكتب لك حسنة وتمحى عنك سيئة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك ليس عليك منها شيء [ (1) ] . قال البيهقي: وله [شاهد بإسناد] حسن فذكر من طريق القاسم بن الوليد الجندعي، عن سنان بن الحارث بن مصرف، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمر، قال: جاء رجل من الأنصار وأظنه رجل من ثقيف إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا نبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كلمات أسألك عنهن تعلمنيهن، فذكر الحديث بمعناه إلا أنه قال: وإذا رمى الجمر فإن أحدا لا يدري ماله حتى يوفاه يوم القيامة، وقال في الطواف: خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه [ (2) ] . قال: روى ذلك عن أنس بن مالك، فذكره من طريق مسدد قال: حدثنا عطاف بن خالد المخزومي، حدثنا إسماعيل بن رافع، عن أنس بن مالك-- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[صاحب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (3) ] قال: كنت جالسا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في مسجد الخيف فأتى رجل من الأنصار ورجل من
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم رجالا من أهل الكتاب عن ذي القرنين قبل أن يسألوه
ثقيف فسلما عليه ودعوا له دعاء حسنا، ثم قالا: جئناك يا رسول اللَّه نسألك، قال: إن شئتما أن أخبركما بما تسألاني عنه، فعلت وإن شئتما أن أسكت وتسألاني فعلت، قالا: أخبرنا يا رسول اللَّه نزدد إيمانا أو نزدد يقينا- شك إسماعيل- فذكر الحديث في إخباره بما أرادا أن يسألا عنه بنحو من حديث ابن عمر إلا أنه زاد ذكر الطواف الأول فقال:. وأما طوافك، بالبيت فإنك لا تضع رجلا ولا ترفعها إلا وكتب اللَّه لك بها حسنة، ومحا عنك بها خطيئة، ويرفع لك بها درجة، وأما ركعتان بعد الطواف، فإنّها كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، ثم ذكر الوقوف، ثم قال: وأما رميك الجمار، فلك بكل حصاة ترميها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات، وأما نحرك، فمدخور لك عند ربك، ثم ذكر ما بعده وقال: فقال الثقفي: أخبرني يا رسول اللَّه قال: جئت تسألني عن الصلاة، فإذا غسلت وجهك، انتثرت الذنوب عن رأسك، فإذا غسلت رجليك انتثرت الذنوب من أظفار قدميك، ثم إذا قمت إلى الصلاة فاقرأ من القرآن ما تيسر، ثم إذا ركعت فأمكن يديك من ركبتيك، وافرق بين أصابعك حتى تطمئن راكعا، ثم سجدت فأمكن وجهك من السجود حتى تطمئن ساجدا، وصل من أول الليل وآخره قال: يا رسول اللَّه، أفرأيت إن صليت الليل كله قال: فإنك إذا أنت [ (1) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم رجالا من أهل الكتاب عن ذي القرنين قبل أن يسألوه فخرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي قال: حدثنا عبد اللَّه ابن عمر بن حفص بن عاصم، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن سعد ابن مسعود، عن رجلين من كندة من قومه، قالا: استطلنا يوما فانطلقنا إلى عقبة بن عامر الجهنيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فوجدناه في ظل داره جالسا، فقلنا: إنا استطلنا يوما فجئنا نتحدث عندك فقال: وأنا استطلت يومي فخرجت إلى هذا الموضع.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بما دفن مع أبي رغال
قال: ثم أقبل علينا فقال: كنت أخدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فخرجت ذات يوم فإذا أنا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف فقالوا: من يستأذن لنا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فدخلت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبرته فقال: ما لي ولهم يسألوني عما لا أدري؟ أنا عبد لا أعلم إلا ما علمني ربي، ثم قال: أبغني وضوءا، فأتيته بوضوء، فتوضأ، ثم خرج إلى المسجد فصلّى ركعتين، ثم انصرف فقال لي وأنا لا أرى السرور والبشر في وجهه: أدخل القوم علي ومن كان من أصحابي فأدخله أيضا علي، فأذنت لهم فدخلوا فقال: إن شئتم أخبرتكم عما جئتم تسألونني عنه من قبل أن تكلموا وإن شئتم، فتكلموا قبل أن أقول، قالوا: بل أخبرنا. قال: جئتم تسألونني عن ذي القرنين، إن أول أمره أنه كان غلاما من الروم أعطي ملكا، فسار حتى أتى ساحل أرض مصر فابتنى مدينة يقال لها الإسكندرية، فلما فرغ من شأنها بعث اللَّه إليه ملكا، ففزع به فاستعلى بين السماء، ثم قال له: انظر ما، تحتك؟ فقال: أرى مدينتين، ثم استعلا به ثانية، ثم قال: انظر ما تحتك؟ فنظر فقال: ليس أرى شيئا، فقال له: المدينتين وهو البحر المستدير، وقد جعل اللَّه لك مسلكا تسلك به فعلم الجاهل وثبت العالم. قال: ثم جوزه فابتنى السد جبلين زلقين لا يستقر عليهما شيء، فلما فرغ منهما سار في الأرض فأتي على أمة أو على قوم وجوههم كوجوه الكلاب، فلما قطعهم أتى على قوم قصار، فلما قطعهم أتى على قوم من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة، ثم أتى على الغرانيق وقرأ هذه الآية: وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً [ (1) ] ، فقالوا: هكذا نجده في كتابنا [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بما دفن مع أبي رغال فخرج البيهقي من حديث يحيى بن معين قال حدثنا وهب بن جرير: قال: أخبرني أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: سمعت رسول اللَّه
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن أمر السفينة
صلّى اللَّه عليه وسلّم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال: هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من! ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه، فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن [ (1) ] . ومن حديث يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، عن عبد اللَّه بن عمرو، أنهم كانوا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في سفر أو مسير، فمروا بقبر فقال: هذا قبر أبي، رغال كان من قوم ثمود، فلما أهلك اللَّه قومه بما أهلكهم به منعه بمكانه من الحرم، فخرج حتى بلغ ذا المكان أو الموضع فمات، فدفن معه قضيب من ذهب فابتدرناه، فاستخرجناه [ (2) ] . وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن أمر السفينة فخرج البيهقي من حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر قال: بلغني أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان جالسا في أصحابه يوما، فقال: اللَّهمّ أنج أصحاب السفينة، ثم مكث ساعة فقال: قد استمرت، فلما دنوا من المدينة قال: قد جاءوا يقودهم رجل صالح، قالوا: والذين كانوا في السفينة، قالوا: الأشعريون والّذي قلدهم عمرو بن الحمق الخزاعي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أين جئتم؟ قالوا: من زبيد قال: بارك اللَّه في زبيد قالوا: وفي رمع [ (3) ] قال: بارك اللَّه في زبيد، قالوا: وفي رمع يا رسول اللَّه، قال: في الثالثة وفي رمع. قال البيهقي: وفي هذا إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم عن احتباس السفينة وإشرافها على الغرق، ثم دعاؤه لها إيابا بالنجاة، ثم إخباره عن استمرارها ونجاتها، ثم بقدومها، ثم بمن يقودهم فكان الجميع كما قال صلّى اللَّه عليه وسلّم [صلاة لا تنقطع] [ (4) ] . قال كاتبه: هذه سبعة أعلام من أعلام النبوة.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بإسلام أبي الدرداء عند ما أقبل
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بإسلام أبي الدرداء عند ما أقبل خرج البيهقي [ (1) ] من طريق عبد اللَّه بن وهب قال: أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال: كان أبو الدرداء يعبد صنما في الجاهلية، وأن عبد اللَّه بن رواحة، ومحمد بن مسلمة دخلا بيته فكسرا صنمه، فرجع أبو الدرداء فجعل يجمع صنمه ويقول: ويحك! هلا دفعت عن نفسك؟ فقالت أم الدرداء: لو كان ينفع أحدا أو يدفع عن أحد دفع عن نفسه ونفعها، فقال أبو الدرداء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أعدي شيئا في المغتسل، فجعلت له ماء فاغتسل وأخذ حلته فلبسها، ثم ذهب إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فنظر إليه ابن رواحة مقبلا فقال: هذا أبو الدرداء، وما أراه جاء إلا في طلبنا، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا، إنما جاء يسلم فإن ربي [عز وجل] [ (2) ] وعدني بأبي الدرداء أن يسلم.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بحال من نحر نفسه
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بحال من نحر نفسه فخرج أبو داود [ (1) ] من حديث زهير، حدثنا سماك، حدثني جابر بن سمرة، قال: مرض رجل فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له: إنه قد
وأما إشارته صلى الله عليه وسلم إلى ما صار إليه أمر ماعز بن مالك الأسلمي
مات، قال: وما يدريك؟ قال: أنا رأيته، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنه لم يمت، قال: فرجع فصيح عليه، فجاء إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: إنه قد مات، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنه لم يمت، فرجع، فصيح عليه، فقالت امرأته: انطلق إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره، فقال الرجل: اللَّهمّ العنة، قال ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشاقص معه فانطلق إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره أنه قد مات، فقال: وما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه بمشقص، معه، قال: أنت رأيته؟ قال نعم، قال: إذا لا أصلّي عليه. فانطلق إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره. وأما إشارته صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ما صار إليه أمر ماعز بن مالك الأسلمي فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق حديث الفيد بن القاسم قال: سمعت الجعد بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن ماعز حدثه أن ماعزا أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فكتب له كتابا أن ماعزا أسلم آخر قومه، وأنه لا يجني عليه إلا يده، فبايعه على ذا. قال كاتبه: وماعزا هذا هو الّذي اعترف على نفسه بالزنا تائبا منيبا، وكان محصنا، فرجم رحمة اللَّه عليه، وكانت هذه القصة هي التي أشار إليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بقوله في الحديث: وأنه لا يجني عليه إلا يده، وحديث رجم ماعز في (الصحيحين) وغيرهما [ (2) ] .
وأما إخباره [صلى الله عليه وسلم] رجلا قال في نفسه شعرا بما قال في نفسه
وأما إخباره [صلّى اللَّه عليه وسلّم] رجلا قال في نفسه شعرا بما قال في نفسه فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي دجانة أحمد بن الحكم المعافري، حدثنا عبيد بن خلصة، حدثنا عبد اللَّه بن عمر المدني، عن المنكدر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه! إن أبي يريد أن يأخذ مالي، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ادعه ليه، قال: فجاء، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إن ابنك يزعم أنك تأخذ ماله، فقال: سله، هل هو إلا عماته، أو قراباته، أو ما أنفقه على نفسي وعيالي؟ قال: فهبط جبريل الأمين- عليه السلام-، فقال: يا رسول اللَّه! إن الشيخ قد قال في نفسه شيئا لم تسمعه أذناه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، قلت في نفسك شيئا لم تسمعه أذناك؟ قال: لا يزال يزيدنا بك بصيرة ويقينا، نعم قلت قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: هات، فأنشأ يقول فيه شعرا. قال: فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وأخذ بتلبيب ابنه، وقال: أنت ومالك لأبيك. وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم لأبي شهم بما كان منه فخرج البيهقي [ (2) ] من طريق هريم بن سفيان، عن بيان، عن قيس بن أبي سهم قال: مرت بي امرأة بالمدينة فأخذت بكشحها قال: فأصبح الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم يبايع الناس، قال: فأتيته [فسلمت عليه] فلم يبايعني، وقال: صاحب الجبيذة بالأمس؟ قال: قلت: واللَّه لا أعود فبايعني.
وخرجه الحاكم [ (1) ] من طريق هريم به نحوه، وقال: هذا حديث صحيح [الإسناد] على شرط الشيخين [ولم يخرجاه] . ومن طريق محمد بن أبان الواسطي قال: حدثنا يزيد بن عطاء، عن بيان ابن بشر، عن قيس بن أبي حازم، عن شهم [ (2) ] ، قال: رأيت جارية في بعض طرق المدينة فأهويت بيدي إلى خاصرتها، فلما كان من الغد أتى الناس إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ليبايعوه فبسطت يدي فقلت: بايعني يا رسول اللَّه، قال: أنت صلحب الجبذة أمس؟ أما إنك صاحب الجبذة أمس، قال: قلت: يا رسول اللَّه بايعني فو اللَّه لا أعود أبدا، قال: فنعم إذا [ (3) ] . وقد خرج البخاري من حديث أبي نعيم قال: حدثنا سفيان، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خشية أن ينزل فيها شيء فلما توفي تكلمنا وانبسطنا [ (4) ] . وفي رواية محمد بن يوسف الفريابي قال: ذكر حصن، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا مخافة أن ينزل فينا القرآن، فلما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تكلمنا [ (5) ] . ولابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: تاللَّه لقد كان أحدنا يكف عن
وأما إطلاعه صلى الله عليه وسلم على شاة دعي لأكلها وهو يأكلها أنها أخذت بغير حق
الشيء مع امرأته، وهو وإياها في ثوب واحد، تخوفا أن ينزل فيهم شيء من القرآن [ (1) ] ، وهذا يؤيد حديث أبي شهم ويقويه. وأما إطلاعه صلّى اللَّه عليه وسلّم على شاة دعي لأكلها وهو يأكلها أنها أخذت بغير حق فخرّج أبو داود من حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في جنازة فرأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء، وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يلوك لقمة في فيه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، فأرسلت المرأة: يا رسول اللَّه إني أرسلت إلى البقيع تشتري لي شاة، فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل بها إليّ بثمنها فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليّ بها. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أطعميه للأسارى [ (2) ] . وخرّج الإمام أحمد [ (3) ] من حديث حماد، عن حميد، عن أبي المتوكل، عن جابر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاة واتخذت لهم طعاما فلما رجع قالت: يا رسول اللَّه إنا اتخذنا لكم طعاما فادخلوا فكلوا، فدخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه- وكانوا لا يبدءون حتى يبتدئ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم- فأخذ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لقمة فلم يستطع أن يسيغها، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: هذه الشاة ذبحت بغير إذن أهلها؟ فقالت المرأة: يا رسول اللَّه إنا لا نحتشم من آل سعد بن معاذ ولا يحتشمون منا، فنأخذ منهم ويأخذون منا.
وعند النسائي بعضه، وخرّجه الحاكم [ (1) ] بطوله من حديث حماد به نحوه وقال: حديث صحيح على شرط مسلم.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بوقعة ذي قار في يوم الوقعة وأن نصرة العرب على فارس كانت به [1]
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بوقعة ذي قار في يوم الوقعة وأن نصرة العرب على فارس كانت به [ (1) ] ذكر عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه لما بلغه ما كان من هزيمة ربيعة جيش كسرى، قال: هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا. وهو يوم قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العجرم، ويوم الغذوان، ويوم البطحاء، بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار. فحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: حدثني أبو المختار فراس ابن خندق- أو خندقة- وعدة من علماء العرب قد سماهم، أن الّذي جر يوم ذي قار، قتل النعمان بن المنذر اللخمي عدي بن زيد العبادي، وكان عدي من تراجمة أبرويز كسرى بن هرمز. وكان سبب قتل النعمان بن المنذر عدي بن زيد، ما ذكر لي عن هشام بن محمد، قال: سمعت إسحاق بن الجصاص- وأخذته من كتاب حماد وقد ذكر أبي بعضه- قال: ولد زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ثلاثة: عديا الشاعر، وكان جميلا شاعرا خطيبا، وقد قرأ كتب العرب والفرس، وعمارا- وهو أبي- وعمرا- وهو سمي- ولهم أخ من أمهم، يقال له عدي بن حنظلة من طيِّئ، وكان عمار يكون عند كسرى، فكان أحدهما يشتهي هلاك عدي بن زيد، وكان الآخر يتدين في نصرانيته، وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة لهم معهم أكل [ (2) ] وناحية، يقطعونهم القطائع، [ويجزلون صلاتهم] [ (3) ] ، وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي، فهم الذين أرضعوه [وربوه، وكان المنذر ابن آخر يقال له «الأسود» ، أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب، فأرضعه] [ (4) ] ، ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم: بنو
مرينا، ينسبون إلى لخم، وكانوا أشرافا. وكان للمنذر بن المنذر سوى هذين من الولد عشرة، وكان يقال لولده كلهم الأشاهب [ (1) ] ، من جمالهم، فذلك قول الأعشى: وبنو المنذر الأشاهب بالحيرة ... يمشون غدوة بالسيوف وكان النعمان أحمر أبرش [ (2) ] قصيرا، وكانت أمه يقال لها: سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك، وكانت أمة للحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب من كلب، وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان وإخوته، بعث كسرى بن هرمز بعديّ بن زيد وإخوته، فكانوا في كتّابه يترجمون له، فلما مات المنذر بن المنذر، وترك ولده هؤلاء الثلاثة عشر، جعل على أمره كله إياس بن قبيصة الطائي [وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى رأيه] فكان عليه أشهرا، وكسرى في طلب رجل يملكه على العرب، ثم إن سكره بن هرمز دعا عدي بن زيد، فقال له: من بقي من بني المنذر؟ وما هم؟ وهل فيهم خير؟ فقال: بقيتهم في ولد هذا الميت المنذر بن المنذر، وهم رجال، فقال: ابعث إليهم، فكتب فيهم فقدموا عليه، فأنزلهم على عدي ابن زيد، فكان عدي يفضل إخوة النعمان عليه في النزل، وهو يريهم أنه لا يرجوه، ويخلو بهم رجلا رجلا، ويقول لهم: إن سألكم الملك: أتكفونني العرب؟ فقولوا: نكفيكهم إلا النعمان، وقال للنعمان: إن سألك الملك: عن إخوتك فقل له: إن عجزت عنهم، فأنا عن غيرهم أعجز، وكان من بني مرينا رجل يقال له عدي بن أوس بن مرينا، وكان ماردا شاعرا، وكان يقول للأسود [بن المنذر] [ (3) ] : إنك قد عرفت أني لك راج، وأن طلبتي ورغبتي إليك أن تخالف عديّ بن زيد، فإنه واللَّه لا ينصح لك أبدا، فلم يلتفت إلى قوله. فلما أمر كسرى عدي بن زيد أن يدخلهم عليه، جعل يدخلهم عليه، جعل يدخلهم عليه رجلا رجلا، فيكلمه، فكان يرى رجالا فلما رأى مثلهم، فإذا
سألهم هل تكفونني ما كنتم تلون؟ قالوا: نكفيك العرب إلا النعمان. فلما دخل عليه النعمان رأى رجلا دميما فكلمه، وقال له: أتستطيع أن تكفيني العرب؟ قال: نعم، قال: فكيف تصنع في بإخوتك؟ قالوا: إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز. فمكله وكساه، وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم، فيه اللؤلؤ والذهب. فلما خرج- وقد ملك- قال عدي بن أوس بن مرينا للأسود: دونك فإنك قد خالفت الرأى. ثم إن عديّ بن زيد صنع طعاما في بيعة، ثم أرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت، فإن لي حاجة، فأتاه في ناس فتغدّوا في البيعة، وشربوا، وقال عديّ [بن زيد] لعدي بن مرينا: يا عدي إن أحق من عرف الحق، ثم لم يلم عليه، من كان مثلك، أنى قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا أحب ألا تحقد عليّ شيئا لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيتك من نفسي، فإن نصيبي من هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك، فقام عديّ بن زيد إلى البيعة فحلف ألا يهجوه ولا يبغيه غائلة أبدا، ولا يزوي عنه خبرا أبدا، فلما فرغ عديّ بن زيد قام عدي بن مرينا، فحلف على مثل يمينه ألا يزال يهجوه أبدا، ويبغيه الغوائل ما بقي، وخرج النعمان حتى نزل منزله بالحيرة، فقال عديّ بن مرينا لعديّ بن زيد فقال فيه شعرا. وقال عدي بن مرينا للأسود: [أما] إذ لم تظفر فلا تعجز أن تطلب بثأرك من هذا المعدى، الّذي عمل بك ما عمل فقد كنت أخبرك أن معدا لا ينام مكرها، أمرتك أن تعصيه فخالفتني، قال: فما تريد؟ قال: أريد ألا يأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها عليّ، ففعل. وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة، فلم يك في الدهر يوم إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا، فصار من أكرم الناس عليه، وكان لا يقضي في ملكه شيئا إلا بأمر عدي بن مرينا، وكان إذا ذكر عدي بن زيد عنده أحسن عليه الثناء، وذكر فضله، وقال: إنه لا يصلح المعدي إلا أن يكون فيه مكر وخديعة، فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه: إذا رأيتموني أذكر عديّ بن زيد عند الملك بخير فقولوا: إنه لكما تقول، ولكنه لا يسلم عليه أحد، وإنه ليقول: إن الملك- يعني النعمان- عامله، وإنه ولاه ما ولاه، فلم يزالوا بذلك حتى
أضغنوه عليه، وكتبوا كتابا على لسان عدي إلي قهرمان [ (1) ] لعدي، ثم دسوا له، حتى أخذوا الكتاب، ثم أتى به النعمان فقرأه، فأغضبه، فأرسل إلى عدي بن زيد: عزمت عليك إلا زرتني، فإنّي قد اشتقت إلى رؤيتك! وهو عند كسرى فاستأذن كسرى، فأذن له، فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبس في محبس لا يدخل عليه فيه أحد، فجعل عدي بن زيد يقول الشعر وهو في السجن، فكان أول ما قال في السجن من الشعر: ليت شعري عن الهمام ويأتيك ... بخبر الأنباء عطف السؤال فقال أشعارا، وكان كلما قال عدي من الشعر، بلغ النعمان وسمعه ندم على حبسه إياه، فجعل يرسل إليه ويعده ويمنيه ويفرق أن يرسله فيبغيه الغوائل، فقال عدي: أرقت لمكفهر بات فيه ... بوارق يرتقين رءوس شيب وقال أيضا: «طال ذا الليل علينا واعتكر [ (2) ] » وقال أيضا: «ألا طال الليالي والنهار» وقال حين أعياه ما يتضرع إلى النعمان أشعارا، يذكره فيها الموت، ويخبره من هلك من الملوك قبله، فقال: «أرواح مودع أم بكور [ (3) ] » وأشعارا كثيرة. قال: وخرج النعمان يريد البحرين، فأقبل رجل من غسان، فأصاب في الحيرة ما أحب. ويقال: الّذي أغار على الحيرة فحرق فيها، جفنة بن النعمان الجفني، فقال عدي:
سما صقر فأشعل جانبيها ... وألهاك المروح والعزيب [ (1) ] فلما طال سجن عدي كتب إلى أخيه أبي، وهو مع كسرى بشعر فقال فيه شعرا. فزعموا أن أبيا لما قرأ كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه، فكتب وبعث معه رجلا، وكتب خليفة النعمان إليه: إنه قد كتب إليك [في أمره] ، فأتاه أعداء عدي من بني بقيلة [ (2) ] من غسان، فقالوا: اقتله الساعة، فأبى عليهم وجاء الرجل، وقد تقدم أخو عدي إليه ورشاه، وأمره أن يبدأ بعدي، فدخل عليه وهو محبوس بالصنين، فقال: ادخل عليه فانظر ما يأمرك به، فدخل الرسول على عدي، فقال: إني قد جئت بإرسالك، فما عندك؟ قال: عندي الّذي تحب، ووعده عدة، وقال: لا تخرجن من عندي، وأعطنى الكتاب حتى أرسل به، فإنك واللَّه إن خرجت من عندي لأقتلن، فقال: لا أستطيع إلا أن آتى الملك بالكتاب، فأدخله عليه، فانطلق مخبر حتى أتى النعمان، فقال: إن رسول كسرى قد دخل على عدي وهو ذاهب به، وإن فعل واللَّه لم يستبق منا أحدا، أنت ولا غيرك. فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات، ثم دفنوه. ودخل الرسول على النعمان بالكتاب، فقال: نعم وكرامة! وبعث إليه بأربعة آلاف مثقال وجارية، وقال له: إذا أصبحت فادخل عليه، فأخرجه أنت بنفسك،. فلما أصبح ركب، فدخل السجن، فقال له الحرس: إنه قد مات منذ أيام، فلم نجترئ على أن نخبر الملك للفرق منه، وقد علمنا كراهته لموته. فرجع إلى النعمان فقال: إني قد دخلت عليه وهو حي، [وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني. وذكر له أنه قد مات منذ أيام] فقال له النعمان: يبعثك الملك إلي فتدخل إليه قبلي! كذبت، ولكنك أردت الرشوة والخبث. فتهدده، ثم زاده جائزة وأكرمه، واستوثق منه ألا يخبر كسرى، إلا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه. فرجع الرسول إلى كسرى، فقال: إنه قد مات قبل أن أدخل عليه، وندم النعمان على موت عدي، واجترأ أعداء عدي على النعمان، وهابهم النعمان هيبة شديدة، فخرج النعمان في بعض صيده ذات يوم، فلقى ابنا لعدي، يقال
له زيد، فلما رآه عرف شبهه، فقال: من أنت؟ قال: أنا زيد بن عدي بن زيد فكلمه فإذا غلام ظريف، فرح به فرحا شديدا، وقربه وأعطاه، واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه، ثم كتب إلى كسرى: إن عديا كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبه، فأصابه ما لا بد منه، وانقضت مدته، وانقطع أكله، ولم يصب به أحد أشد من مصيبتي، وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل اللَّه له منه خلفا، لما عظم اللَّه له من ملكه وشأنه، وقد أدرك له ابن ليس من دونه، وقد سرحته إلى الملك، فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه، فليفعل. فلما قد الغلام على كسرى جعله مكان أبيه، وصرف عمه إلى عمل آخر، فكان هو الّذي يلي ما كتب به إلى أرض العرب، وخاصة الملك. وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة: مهران أشقران والكمأة الرطبة في حينها واليابسة، والأقط والأدم وسائر تجارات العرب، فكان زيد بن عدي بن زيد يلي ذلك، وكان هذا عمل عدي. فلما وقع عند الملك بهذا الموقع، سأله كسرى عن النعمان، فأحسن عليه الثناء، فمكث سنوات بمنزلة أبيه، وأعجب به كسرى، وكان يكثر الدخول عليه، وكانت لملوك الأعاجم صفة من النساء مكتوبة عندهم، فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة، [فإذا وجدت حملت إلى الملك] غير أنهم لم يكونوا يتناولون أرض العرب بشيء من ذلك، ولا يريدونه. فبدأ الملك في طلب النساء فكتب بتلك الصفة، ثم دخل على كسرى فكلمه فيما دخل فيه، ثم قال: إني رأيت الملك كتب في نسوة يطلبن له، فقرأت الصفة، وقد كنت بآل المنذر عالما، وعند عبدك النعمان من بناته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين. امرأة على هذه الصفة. قال: فتكتب فيهن. قال: أيها الملك، إن شر شيء في العرب وفي النعمان [خاصة] أنهم يتكرمون- زعموا في أنفسهم- عن العجم، فأنا أكره أن يغيبهن [عمن تبعث إليه، أو يعرض عليه غيرهن] وإن قدمت أنا عليه لم يقدر أن يغيبهن، فابعثنى وابعث معى رجلا من حرسك يفقه العربية، [حتى أبلغ ما تحبه] فبعث معه رجلا جليدا، فخرج به زيد، فجعل يكرم ذلك الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة. فلما دخل عليه أعظم الملك، وقال: إنه قد احتاج إلى نساء لأهله وولده، وأراد كرامتك [بصهره] ، فبعث إليك. فقال: وما هؤلاء النسوة؟ فقال: هذه صفتهن قد جئنا بها.
وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جارية، كان أصابها إذا أغار على الحارث الأكبر الغساني بن أبى شمر، فكتب إلى أنوشروان يصفها له، [وقال: إني قد وجهت إلى الملك جارية] معتدلة الخلق، نقية اللون والثغر، بيضاء، قمراء، وطفاء، [كحلاء] دعجاء، حوراء، عيناء، قنواء، شماء، زجاء، برجاء، أسيلة الخد، شهية القد، جئلة الشعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء عريضة الصدر، كاعب الثدي، ضخمة مشاشة المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكف، سبطة البنان، لطيفة طى البطن، خميصة الخصر، غرثى الوشاح، رداح القبل، رابية الكفل، لفاء الفخذين، ريا الروادف، ضخمة المأكمتين، عظيمة الركبة، مفعمة الساق، مشبعة الخلخال، لطيفة الكعب والقدم، قطوف المشي، مكسال الضحى، بضة المتجرد، سموعا للسيد، ليست بخنساء، ولا سعفاء، ذليلة الأنف، عزيزة النفر، لم تغد في بؤس، حيية رزينة، حليمة ركينة، كريمة الخال، تقتصر بنسب أبيها دون فصيلتها، وبفصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها الأمور في الأدب، فرأيها رأى أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفين، قطيعة اللسان، رهوة الصوت، تزين البيت، وتشين العدو، إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت، تحملق عينها، وتحمر وجنتها، وتذبذب شفتاها، وتبادرك الوثبة، [ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست] [ (1) ] .
فقبلها كسرى، وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه، فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز، فقرأ عليه زيد هذه الصفة، فشق عليه، فقال زيد- والرسول يسمع-: أما في عين السوداء وفارس ما تبلغون حاجتكم! فقال الرسول لزيد: ما العين؟ قال: البقر، فقال زيد للنعمان: إنما أراد كرامتك، ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به. فأنزلهما يومين، ثم كتب إلى كسرى: إن الّذي طلب الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرنى عنده، فلما رجع إلى كسرى، قال زيد للرسول الّذي جاء معه: اصدق الملك الّذي سمعت منه، فإنّي سأحدثه بحديثك ولا أخالفك فيه. فلما دخلا على كسرى، قال زيد: هذا كتابه، فقرأه عليه، فقال له كسرى: فأين الّذي كنت تخبرني [به] ؟ قال: قد كنت أخبرتك بضنهم بنسائهم على غيرهم، وأن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعرى على الشبع والرياش، واختيارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه، حتى إنهم ليسمونها السجن،
فسل هذا الرسول [الّذي كان] معى عن الّذي قال، فإنّي أكرم الملك عن الّذي قال ورد عليه أن أقوله، فقال للرسول: وما قال؟ قال: أيها الملك، أما في بقر السواد [وفارس] ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا! فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع، ولكنه قد قال: رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا، فيصير أمره إلى التباب. وشاع هذا الكلام، فبلغ النعمان، وسكت كسرى على ذلك أشهرا، وجعل النعمان يستعد ويتوقع، حتى أتاه كتابه: أن أقبل فإن الملك إليك حاجة، فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوى عليه، ثم لحق بجبلي طيِّئ. وكانت فرعة ابنة سعد بن حارثة بن لأم عنده، وقد ولدت له رجلا وامرأة وكانت أيضا عنده زينب ابنة أوس بن حارثة، فأراد النعمان طيِّئا على أن يدخلوه [بين الجيلين] ويمنعوه، فأبوا ذلك عليه، وقالوا: لولا صهرك لقاتلناك، فإنه لا حاجة لنا في معاداة كسرى، [ولا طاقة لنا به] فأقبل [يطوف على قبائل العرب] ليس أحد من الناس يقبله، غير أن بني رواحة بن سعد بمن بنى عبس قالوا: إن شئت قاتلنا معك- لمنة كانت له عندهم في أمر مروان القرظ- فقال لا أحب أن أهلككم، فإنه لا طاقة لكم بكسرى. فأقبل حتى نزل بذي قار في بنى شيبان سرا، فلقى هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان سيدا منيعا، والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين، لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي يالجدين. وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلة، فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك، وعلم أن هانئا مانعه مما يمنع منه نفسه. وتوجه النعمان إلى كسرى، فلقى زيد بن عدي على قنطرة ساباط، فقال: أنج نعيم [إن استطعت النجاء] ، فقال: أنت يا زيد فعلت هذا! أما واللَّه لئن انفلت لأفعلن بك ما فعلت بأبيك! فقال له زيد: امض نعيم، فقد واللَّه وضعت لك عنده أخية [ (1) ] لا يقطعها المهر الأرن [ (2) ] . فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث
إليه، فقيده وبعث به إلى خانقين، فلم يزل في السجن حتى وقع الطاعون فملت فيه، والناس يظنون أنه مات بساباط لبيت قاله الأعشى: فذاك وما أنجى من الموت ربه بساباط حتى مات، وهو محرزق [ (1) ] وإنما هلك بخانقين، وهذا قبيل الإسلام، فلم يلبث إلا يسيرا حتى بعث اللَّه نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان سبب وقعة ذي قار بسبب النعمان [ (2) ] . قال البيهقي [ (3) ] هذا مرسل وروى أيضا حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلا بعض معناه. قال كاتبه: قد تقدم حديث حصين، وتقدم حديث مسلم: رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب [ (4) ] . وخرج الإمام أحمد [ (5) ] والحاكم [ (6) ] وصححه من حديث صفوان، حدثني سليم بن عامر، عن تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
وأما إخباره بمعاونة القبط المسلمين فكان كما أخبر
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك اللَّه بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللَّه هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز اللَّه به الإسلام وذلا يذل اللَّه به الكفر، وكان تميم الداريّ يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية. وله من حديث الوليد بن مزيد [ (1) ] ، حدثني ابن جابر، سمعت سليم بن عامر يقول: سمعت المقداد بن الأسود الكندي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لا يبقى على ظهر الأرض نبت مدر ولا وبر إلا أدخل كله الإسلام عليهم، يعز عزيز أو يذل ذليل. وخرّجه ابن حبان في (صحيحه) وقوله: إما يعز عزيزا أو يذل ذليلا، ما يعرفهم فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فيدينون بها. وأما إخباره بمعاونة القبط المسلمين فكان كما أخبر فخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث بدار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- وقد أوصى عند وفاته فقال-: اللَّه، اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل اللَّه [ (2) ] .
وخرّجه أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عبد الحكم في كتاب (فتوح مصر) من حديث إسماعيل بن عباس، عن عبد الرحمن بن زياد، عن مسلم ابن يسار، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: استوصوا بالقبط خيرا فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم من حديث ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوصى، عند وفاته أن تخرج اليهود من جزيرة العرب وقال: اللَّه اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل اللَّه، كذا أورده موقوفا على أبي سلمة. وخرّج أيضا من حديث ابن وهب، عن موسى بن أيوب الغافقي، عن رجل من الزبد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مرض فأغمى عليه، ثم أفاق، فقال: استوصوا بالأدم الجغد، ثم أغمى عليه الثانية، ثم أفاق فقال مثل ذلك ثم أغمى عليه الثالثة، فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من الأدم والجعد، فأفاق فسألوه فقال: قبط مصر، فإنّهم أخوالكم، وهم أعوانكم، على عدوكم، وأعوانكم على دينكم، قالوا: كيف يكونون أعوانا على ديننا يا رسول اللَّه؟ قال: يكفونكم أعمال الدنيا، وتتفرغون للعبادة فالراضى بهما يؤتي إليهم كالفاعل بهم، وإنكاره لما يؤتي إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم. ومن حديث ابن وهب عن أبي هانئ الخولانيّ، عن أبي عبد الرحمن الحبلى وعمرو بن حريث وغيرهما، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنكم ستقدمون على قوم جعد رءوسهم، فاستوصوا بهم خيرا فإنّهم قوة لكم وبلاغ إلى عدوكم بإذن اللَّه تعالى، قبط مصر. وخرّج الحافظ أبو نعيم من حديث موسى بن عقبة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن ابنة الهاد، عن العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يظهر الدين حتى يجاوز البحار وحتى يخاض البخار بالخيل في سبيل اللَّه ثم يأتي قوم يقرءون القرآن يقولون قد قرأنا من أقوامنا، منا أفقه؟ من أعلم منا؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال هل في أولئك من خير وأولئك هم وقوم النار. ومن حديث شعبة، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن مسعود عن أبيه، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إنكم منصورون ومفتوح لكم
ومصيبون، فمن أدرك منكم ذلك فليتق اللَّه وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار. ومن حديث بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن أبي على الهمذاني قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ستفتح لكم الأرض وتكفون الموتة فلا يعجزن أحدكم أن يلهو بأسهمه. ومن حديث هشام بن عمارة قال: حدثنا محمد بن حرب، عن أبي سلمة ابن سليم، عن يحيى بن جابر، عن ابن فألح عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إنها ستفتح عليكم الأمصار وسيضرب عليكم فيها بعوث ينكر الرجل البعث فيتخلص من قومه ويعرض نفسه على القبائل يقول: من أكفنه بعث كذا إلا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه.
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في قتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء [1] من أرض الشام [فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم] [2]
وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلّم في قتل نفر من المسلمين ظلما بعذراء [ (1) ] من أرض الشام [فكان كما أخبر صلّى اللَّه عليه وسلّم] [ (2) ] فخرج البيهقي [ (3) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا ابن بكير قال: حدثني ابن لهيعة، قال: حدثني الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن زرير الغافقي، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود، فقتل حجر وأصحابه، قال يعقوب: قال أبو نعيم: ذكر زياد بن سمية، على بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على المنبر، فقبض حجر على الحصباء ثم أرسلها، وحصبت من حوله زيادا، فكتب إلى معاوية يقول: إن حجرا حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية: أن يحمل إليه حجرا، فلما قرب من الشام بعث من يتلقاهم فالتقى معهم بعذراء فقتلهم. قال البيهقي: لا يقول عليّ مثل هذا إلا بأن يكون سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقد روى عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بإسناد مرسل مرفوعا فذكر من طريق يعقوب بن سفيان، قال: حدثني حرملة قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على
عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء، حجر وأصحابه، فقال: يا أم المؤمنين، رأيت قتلهم صلاحا للأمة، وأن بقاءهم فساد للأمة، فقالت: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول سيقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم، وأهل السماء [ (1) ] . قال ابن عساكر: رواه ابن المبارك، عن ابن لهيعة فلم يرفعه. وذكر بإسناد آخر، فأخرجه من حديث عبد اللَّه بن المبارك، عن ابن لهيعة، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن معاوية حج فدخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: يا معاوية! قتلت حجر ابن الأدبر وأصحابه؟ أما واللَّه لقد بلغني أنه سيقتل سبعة نفر يغضب اللَّه لهم وأهل السماء. وخرج البيهقي من طريق يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حماد ابن سلمة، عن على بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن مروان بن الحكم، قال: دخل معاوية على أم المؤمنين عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: سمعت يا معاوية أنك قتلت حجرا وأصحابه، وفعلت [ (2) ] ما فعلت، أما خشيت أنّ اختبأ لك رجل [ (3) ] فيقتلك؟ فقال: لا، إني في بيت أمان، سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ قالت: صالح، قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا.
وأما ظهور صدقه فيمن قتل عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي [1]
وأما ظهور صدقه فيمن قتل عمرو بن الحمق بن الكاهن ابن حبيب بن عمرو بن القين بن رزاح بن عمرو ابن سعد بن كعب بن عمرو الخزاعي الكعبي [ (1) ] فذكر الحافظ أبو القاسم على بن الحسن بن هبة اللَّه بن عساكر في (تاريخه) من طريق غياث بن إبراهيم، عن الأجلح بن عبد اللَّه الكندي، قال: سمعت زيد بن علي وعبد اللَّه بن الحسن وجعفر بن محمد، ومحمد بن عبد اللَّه ابن الحسن يذكرون تسمية من شهد مع عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، كلهم ذكره عن آبائه، وعمن أدرك من أهله، وسمعته أيضا من غيرهم فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال له: يا عمرو، أتحب أن أريك آية الجنة؟ قال: نعم يا رسول اللَّه، فمرّ عليّ فقال هذا وقومه آية الجنة، فلما قتل عثمان وبايع الناس عليا رضي- اللَّه تبارك وتعالى عنه- لزمه، وكان معه حتى أصيب، ثم كتب معاوية في طلبه، وبعث من يأتيه به. قال الأجلح: فحدثني عمران بن سعيد البجلي، - وكان مؤاخيا لعمرو بن الحمق- أنه خرج معه حين طلب، فقال لي: يا رفاعة، إن القوم قاتليّ، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبرنى أن الجن والإنس تشترك في دمي، وقال لي: يا عمرو إن أمّنك رجل على دمه فلا تقتله فتلقى اللَّه بوجه غادر [ (2) ] ، قال رفاعة، فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل فودعته وواثبته حية فلسعته، وأدركوه، فاحتزوا رأسه، فكان أول رأس أهدي في الإسلام. وذكر من طريق أبي سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري، قال: حدثنا موسى بن زياد أبي هارون الزيات قال: حدثنا على بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبد اللَّه بن علي بن أبي رافع، عن عون بن عبد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه عبيد اللَّه، قال: قال موسى بن زياد: حدثنا يحيى بن يعلى عن محمد
ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، عن جده، وعن ابن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن أبيه، قال علي بن هاشم في حديثه وكان عبيد اللَّه بن أبي رافع كاتب عليّ ابن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه واللفظ لعبيد اللَّه بن كثير في تسمية من شهد مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه من قريش، والأنصار، ومن مهاجري العرب، فذكرهم، وذكر فيهم عمرو بن الحمق الخزاعي، بقي بعد عليّ فطلبه معاوية ليقتله فهرب منه نحو الجزيرة ومعه رجل من أصحاب علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقال له زاهر، فلما نزلا الوادي نهشت عمرا حية من جوف الليل، فأصبح منتفخا، فقال لزاهر: تنح عني فإن خليلي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أخبرني أني سيشترك في دمي الجن والإنس، ولا بد لي أن أقتل، فقد أصابتنى بلية الجن بهذا الوادي، فبينما هما على ذلك إذ رأيا نواصي الخيل في طلبه، فأمر زاهرا يتغيب، فإذا قتلت فإنّهم يأخذون رأسي فارجع إلى جسدي فادفنه، فقال له زاهر: بل أنشر نبلى فأرميهم حتى إذا فنيت نبلى قتلت معك، قال: لا، ولكنى سأزودك مني بما ينفعك اللَّه به، فاسمع منى آية الجنة، محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، وعلامتهم عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وتوارى زاهر، فأقبل القوم فنظروا إلى عمرو فنزل إليه رجل منهم أدم، فقطع رأسه، وكان أول رأس في الإسلام نصب، وخرج زاهر إليه فدفنه، ثم بقي حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بالطف.
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في إشارته إلى كيف يموت سمرة بن جندب [1] رضي الله تبارك وتعالى عنه
وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلم في إشارته إلى كيف يموت سمرة بن جندب [ (1) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث سفيان قال: حدثنا عبيد اللَّه بن معاذ حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن أبي [مسلمة عن أبى] [ (3) ] نضرة، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال لعشرة في بيت من أصحابه: آخركم موتا في الناس فيهم سمرة ابن جندب. قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا. قال البيهقي: رواته ثقات، إلا أن أبا نضرة العبديّ لم يثبت له عن أبي هريرة سماع. وروى من وجه آخر موصولا، عن أبي هريرة فذكره من طريق يونس ابن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبيّ قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فيسألنى فلا يبدأ بشيء حتى يسألنى عن سمرة، فإذا أخبرت بحياته وصحته فرح وقال: إنا كنا عشرة في بيت، وإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قام
علينا [ (1) ] فنظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: آخركم موتا في النار، فقد مات منا ثمانية ولمن يبق غيري وغيره، فليس شيء أحب إليّ من أن أكون قد ذقت الموت. وخرج أيضا من طريق حماد عن على بن زيد عن أوس بن خالد، قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة فقلت لأبي محذورة: مالك إذا قدمت عليك سألتني عن سمرة؟ وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟ فقال إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: آخركم موتا في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة، ثم سمرة. قال البيهقي: بهذا وبصحبة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم، نرجو له بعد تحقيق قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في الحريق، فصدق قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم. وبلغني عن هلال بن العلاء الرقى أن عبد اللَّه بن معاوية حدثهم عن رجل [قد] [ (3) ] سماه: أن سمرة استجمر فغفل عنه أهله، حتى أخذته النار [ (4) ] . وقال: ابن عبد البر [ (5) ] : وكان زياد يستخلفه على البصرة ستة أشهر، وعلى الكوفة ستة أشهر، فلما مات زياد استخلفه على البصرة، فأقره معاوية عليها، عاما أو نحوه، ثم عزله، وكان شديدا على الحرورية، وكان إذا أتى بواحد منهم قتله ولم يقله ويقول: شر قتلى تحت أديم الأرض [ (6) ] يكفرون المسلمين، ويسفكون الدماء، فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه.
قال: وكانت وفاته بالبصرة [في خلافة معاوية] [ (1) ] سنة ثمان وخمسين، سقط في قدر مملوءة ماء حارا، كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز [شديد] [ (2) ] أصابه فسقط في القدر الحارة فمات، فكان ذلك تصديقا [ (3) ] لقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم له ولأبى هريرة، وثالث معهما: آخركم موتا في النار. وروى أبو سعيد بن يونس من حديث داود بن المحبر عن زياد بن عبد اللَّه ابن سمرة بن جندب، كان أصابه كزاز شديد، وكان لا يكاد أن يدفأ، فأمر بقدر عظيمة فملئت ماء وأوقد تحتها واتخذ فوقها مجلسا، وكان يصعد إليه بخارها فيدفئه، فبينا هو كذلك إذا خفت به. فظن أن ذلك الّذي قيل فيه [ (4) ] .
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في موت عبد الله بن سلام [1] على الإسلام من غير أن ينال الشهادة [فكان كما أخبر - توفى على الإسلام في أول أيام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وأربعين]
وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلّم في موت عبد اللَّه بن سلام [ (1) ] على الإسلام من غير أن ينال الشهادة [فكان كما أخبر- توفى على الإسلام في أول أيام معاوية بن أبي سفيان سنة ثلاث وأربعين-] فخرج البخاري [ (2) ] من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، عن قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين فتجور فيها ثم خرج وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة! قال: واللَّه ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك، رأيت رؤيا على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها، وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارق، فرقيت، حتى كنت في أعلاه فأخذت بالعروة، فقيل لي: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: تلك العروة الوثقى، فأنت تموت على الإسلام حين تموت، وذلك الرجل عبد اللَّه ابن سلام.
وخرجه من حديث ابن عون عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن ابن سلام. قال: وصيف مكان منصف. ذكره في كتاب التعبير، في باب التعلق بالعروة والحلقة [ (1) ] . ومن حديث ابن عون، عن محمد [بن سيرين] ، حدثنا قيس بن عباد، عن عبد اللَّه بن سلام، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كأنى في روضة ذكر من سعتها وخضرتها، قال: ورأيت في وسط تلك الروضة عمودا وفي أعلى العمود عروة فقيل لي: ارقه، قلت: لا أستطيع، قال: فأتانى وصيف، فرفع ذلك الوصيف ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاه، فقيل لي: استمسك بالعروة، قال: فاستمسكت بتلك العروة فانتبهت وإنها لفي يدي وأنا متمسك بها، فلما استيقظت أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، فقال: تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال مستمسكا بالإسلام حتى تموت [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث عبد اللَّه بن عون بهذا الإسناد أو نحوا أو قريبا مما تقدم أولا. وخرجاه من حديث حرمي بن عمارة، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين قال: قال قيس بن عباد فذكره. ولمسلم [ (4) ] من حديث جرير عن الأعمش، عن سليمان بن مسهر، عن خرشة بن الحر، قال: كنت جالسا في حلقة في مسجد المدينة قال: وفيها شيخ حسن الهيئة وهو عبد اللَّه بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثا حسنا قال: فلما قام قال القوم: من سرة أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا،
قال: فقلت: واللَّه لاتبعنه فلأعلمن مكان بيته قال: فتبعته، قال: فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقال: ما حاجتك يا ابن أخى؟ فقلت له: سمعت القوم يقولون لك لما قمت: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: اللَّه أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك ممّ قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ أتانى رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي، فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنّها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني فقال لي: خذ هاهنا، فأتى بى جبلا، فقال لي: اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت ذلك مرارا، قال: ثم انطلق بى حتى أتى بى عمودا رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: أصعد فوق هذا! قلت: كيف أصعد هذا ورأسه في السماء؟. قال: فأخذ بيدي فزج بى، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخرّ، قال: وبقيت متعلقا بالحلقة حتى أصبحت. قال: فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت على يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال: مر، أما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل فهو منزل الشهداء، ولن تناله، وأما العمود فهو عمود الإسلام، وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال متمسكا بها حتى تموت. قال ابن عبد البر [ (1) ] : توفى في المدينة في خلافة معاوية سنة ثلاث وأربعين، وشهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لعبد اللَّه بن سلام بالجنة.
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في إخباره لرافع بن خديج [ابن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد ابن جشم الأنصاري، النجاري، الخزرجي] بالشهادة
وأما ظهور صدقه صلى اللَّه عليه وسلّم في إخباره لرافع بن خديج [ابن رافع بن عدي بن زيد بن عمرو بن زيد ابن جشم الأنصاري، النجاري، الخزرجي] بالشهادة فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن مرزوق الواشحي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد- يعني: ابن رافع- عن جدته أن رافع بن خديج رمى- قال عمرة: لا أدرى أيهما قال؟ - يوم أحد أو يوم حنين- بسهم في ثندوته فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه انزع السهم؟ فقال له: يا رفع إن شئت نزعت السهم والقطبة جميعا، وإن شئت نزعت السهم وتركت القطبة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد، فقال رافع: يا رسول اللَّه، انزع السهم ودع القطبة واشهد لي يوم القيامة أنى شهيد قال: فعاش بعد ذلك حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلّم حتى إذا كان خلافة معاوية انتقض ذلك الجرح فمات بعد العصر. قال كاتبه: وقد ذكر ابن عبد البر [ (2) ] أنه أصيب يوم أحد، انتقضت جراحته في زمن عبد الملك بن مروان، فمات قبل ابن عمر بيسير سنة أربع وسبعين، وكذا ذكره الحاكم [ (3) ] وغيره عن الواقدي في تاريخ وفاته.
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بهلاك أمته على يد أغيلمة من قريش فكان منذ ولي يزيد بن معاوية
وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلّم بهلاك أمته على يد أغيلمة من قريش فكان منذ ولّي يزيد بن معاوية فخرج البخاري [ (1) ] من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال: أخبرني جدي قال: كنت جالسا مع أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: «سمعت الصادق المصدوق صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: هلكت أمتى على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنه اللَّه عليهم غلمة، فقال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لو شئت أن أقول: بنى فلان وبنى فلان لفعلت «فكنت أخرج مع جدي إلى بنى مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا: أنت أعلم. وذكره أيضا في باب علامات النبوة [ (2) ] ، وخرج فيه أيضا من حديث شعبة عن أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: يهلك الناس هذا الحي من قريش، قالوا فما تأمرنا؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم [ (3) ] .
وخرج مسلم [ (1) ] في كتاب الفتن من حديث أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه: عن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قال: يهلك أمتى هذا الحي من قريش. الحديث. وخرج البيهقي [ (2) ] من طريق عبد اللَّه بن يزيد المقرئ قال: حدثنا حيوة قال: أخبرنى بشير بن أبي عمرو الخولانيّ أن الوليد بن قيس الحسبي أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدريّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: وتلا هذه الآية: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [ (3) ] فقال: يكون خلف من بعد ستين سنة، أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدون تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر. قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به وخرجه الحاكم [ (4) ] وقال: هذا حديث صحيح رواته حجازيون وشاميون أثبات. قال البيهقي [ (5) ] : وقد روي عن علي عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما ما يؤكد هذا التاريخ، فذكر من طريق أبي أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: لما رجع عليّ من صفين قال: يا أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه لو قد فقدتموه لقد رأيتم الرءوس تنزو من كواهلها كالحنظل.
ومن حديث العباس بن الوليد [ (1) ] بن مزيد البيروتي قال: أخبرنا أبي قال: حدثنا ابن جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه قال: كان أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يمشي في سوق المدينة وهو يقول اللَّهمّ لا تدركني سنة الستين، ويحكم! تمسكوا بصدغي معاوية: اللَّهمّ لا تدركني إمارة الصبيان. قال البيهقي [ (2) ] : وهما إنما يقولان مثل هذا الشيء سمعاه من النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق هوذة بن خليفة قال: حدثنا عوف بن أبي خلفة عن أبي العالية قال: لما كان يزيد بن أبي سفيان أميرا بالشام غزا الناس فغنموا وسلموا، فكان في غنيمتهم جارية نفيسة فصارت لرجل من المسلمين في سهمه، فأرسل إليه يزيد فانتزعها منه، وأبو ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ بالشام قال: فاستغاث الرجل بأبي ذر على يزيد، فانطلق معه، فقال ليزيد: ردّ على الرجل جاريته- ثلاث مرات-، قال أبو ذر: أما واللَّه لئن فعلت لقد سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم يقول: أن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية، ثم ولّى عنه، فلحقه يزيد فقال: أذكرك باللَّه أنا هو؟ قال: اللَّهمّ لا، وردّ على الرجل جاريته. قال البيهقي [ (4) ] : يزيد بن أبي سفيان كان من أمراء الأجناد بالشام في أيام أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ولكن سميه [ (5) ] يزيد بن معاوية يشبه أن يكون هو، قال: وفي هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر، وقد روى من وجه آخر. فذكر من طريق يعقوب بن سفيان قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني، حدثنا: محمد بن سليمان، عن ابن غنيم البعلبكي، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة بن الجراح رضي
وأما ظهور صدقه صلى الله عليه وسلم في أن قيس بن خرشة القيسي لا يضره بشر
اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية [ (1) ] . وأما ظهور صدقه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن قيس بن خرشة القيسي لا يضره بشر فخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ (2) ] من طريق ابن وهب قال: حدثني حرملة بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب الكتابيين حتى إذا بلغا صفين وقف كعب، ثم نظر ساعة، قال: فقال لا إله إلا اللَّه، ليهرقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لم يهرق ببقعة من الأرض، فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا؟، فإن هذا من الغيب الّذي استأثر اللَّه به، فقال كعب: ما من شبر من الأرض إلا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل اللَّه على نبيه موسى بن عمران- عليه السلام- ما يكون عليه إلى يوم القيامة، فقال: محمد بن يزيد: ومن قيس بن خرشة؟ فقال له رجل: تقول: ومن قيس بن خرشة؟ وما تعرفه وهو رجل من أهل بلادك؟ قال: واللَّه ما أعرفه، قال: فإن قيس بن خرشة قدم على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أبايعك على ما جاءك من اللَّه، وعلى أن أقول بالحق، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا قيس عسى إن مرّ بك الدهر أن يليك بعدي ولاة لا تستطيع أن تقول لهم [ (3) ] الحق، قال قيس: لا واللَّه، لا أبايعك على شيء إلا وفيت به، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا لا يضرك بشر.
قال: فكان قيس يعيب زيادا أو ابنه عبيد اللَّه بن زياد بن بعده، فبلغ ذلك عبيد اللَّه بن زياد، فأرسل إليه فقال: أنت الّذي تفترى على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ فقال: [لا واللَّه، ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفترى على اللَّه وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم، قال: ومن هو؟ قال: من ترك العمل بكتاب اللَّه وسنة رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم، قال] [ (1) ] : ومن ذلك؟ قال: أنت، وأبوك، والّذي أمركما، قال: وأنت الّذي تزعم أنه لا يضرك بشر؟ قال: نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك كاذب، ائتوني بصاحب العذاب، فمال قيس عند ذلك فمات- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وخزي ابن مرجانة [ (2) ] .
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنهما
وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث مؤمل قال: حدثنا عمارة بن زاذان، حدثنا ثابت عن أنس [بن مالك] [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن ملك القطر [ (3) ] استأذن [ربه] [ (2) ] أن يأتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأذن له فقال لأم سلمة: أملكى علينا الباب، لا يدخل علينا أحد، قال: وجاء الحسين [بن عليّ] [ (4) ] ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، وعلى منكبه، وعلى عاتقه، قال: فقال الملك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أتحبه؟ قال: نعم، قال [أما] [ (2) ] إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الّذي يقتل فيه، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة فصرتها في خمارها، قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء. وخرجه البيهقي من حديث عبد الصمد بن حسان عن عمارة بن زاذان نحوه أو قريبا منه، إلا أنه قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر فأخذته أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها فصرته في طرف ثوبها، فكنا نسمع، أن يقتل بكربلاء، قال: وكذلك رواه سفيان بن فروخ، عن عمارة فذكره نحوه [ (5) ] . وقال أبو يعلى: حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، عن ليث بن أبي سليم، عن جرير، عن الحسن العبسىّ، عن مولى لزينب، أو عن بعض أهله، عن زينب قالت: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتي وحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه عندي حين درج، فغفلت عنه، فدخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجلس على بطنه، فبال فانطلق لأخذه، فاستيقظ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: دعيه، فتركته حتى فرغ، ثم دعا بماء، فقال: إنه يصب من الغلام، ويغسل من الجارية،
فصبوا صبا، ثم توضأ، فقام فصلّى، فلما قام احتضنه إليه، فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فشكا، ثم مدّ يده فقلت حين قضى الصلاة: يا رسول اللَّه، إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك تصنعه؟ قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن ابني هذا تقتله أمتي، فقلت: أرني تربته، فأراني تربة حمراء. وخرج الإمام أحمد [ (1) ] وأبو بكر بن أبي شيبة من حديث محمد بن شرحبيل ابن مدرك الجعفي عن عبد اللَّه بن نجي الحضرميّ، عن أبيه، أنه صار مع عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى عليّ: صبرا أبا عبد اللَّه، بشط الفرات، فقلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان، قلت: يا نبي اللَّه أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تقضيان؟ قال: بل قام جبريل من عندي قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك أن اشمك من تربته؟ قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيّ أن فاضتا. وخرج الإمام [ (2) ] أحمد من حديث وكيع قال: حدثني عبد اللَّه بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة، أو أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال لإحداهما لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء. وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد اللَّه، عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللَّه
صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللَّه إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: [وما هو] ؟ قالت: إنه شديد، قال: [وما هو] ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء اللَّه غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، - فكان في حجري كما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فدخلت يوما إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تهريقان الدموع، قالت: فقلت: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي، مالك؟ قال: أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] [ولم يخرجاه] وخرج من طريق أبي نعيم قال: حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: أوحى اللَّه إلى محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم: أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . وخرّج من حديث قرة بن خالد قال: حدثنا عامر بن عبد الواحد، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين ابن عليّ يقتل بالطف [ (3) ] . وخرج أبو بكر بن أبي شيبة [ (1) ] من حديث يعلى بن عبيد، عن موسى الجهنيّ، عن صالح بن أربد النخعي، قال: قالت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنها-: دخل الحسين بن عليّ رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا جالسة على الباب، فاطلعت فرأيت في كف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا يقلبه وهو نائم على بطنه! فقلت: يا رسول اللَّه تطلعت فرأيتك تقلب شيئا في كفك، والصبي نائم على بطنك، ودموعك تسيل، فقال: إن جبريل عليه السلام أتانى بالتربة التي يقتل عليها، وأخبرنى أن أمتى يقتلونه [ (1) ] . وخرّج أبو نعيم أحمد بن حديث عبد اللَّه بن أحمد، قال: حدثني عبد بن زياد الأسدي، حدثنا عمرو بن ثابت عن الأعمش، عن أبي وائل شفيق بن سلمة، عن أم سلمة قالت: كان الحسين والحسن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يلعبان بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتي، فنزل جبريل فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وضمه إلى صدره، ثم قال: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: ريح كرب وبلاء، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل، قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: تحولين دما ليوم عظيم [ (2) ] . وخرج من حديث يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا سليمان بن بلال عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنظب، عن أم سلمة قالت: كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جالسا في بيتي ذات يوم، فقال: لا يدخلن عليّ أحد، فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يبكى، فاطلعت، فإذا الحسين في حجره، وإلى جنبه يمسح رأسه وهو يبكى، فقلت: واللَّه ما علمت به حتى دخل، قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن جبريل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حيث الدنيا فنعم، فقال إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من ترابها فأراه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما أحيط بالحسين- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- حين قتل، قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض كربلاء، قال: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، أرض كرب وبلاء [ (1) ] . وخرّج البيهقي [ (2) ] من حديث موسى بن يعقوب عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن عبد اللَّه بن وهب بن زمعة، قال: أخبرتني أم سلمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اضطجع ذات يوم النوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في الكرة الأولى، ثم اضطجع فرقد، ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول اللَّه؟ قال: أخبرنى جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق- للحسين- فقلت: يا جبريل أرنى تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها. تابعه موسى الجهنيّ عن صالح بن زيد النخعي عن أم سلمة وأبان، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة. وخرّج البيهقي [ (3) ] من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال: حدثني يحيى بن أيوب قال: حدثني ابن غزية وهو عمارة عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان لعائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها مشربة، فكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أراد لقي جبريل عليه السلام لقيه فيها، فرقاها مرة من ذلك، وأمر عائشة أن لا يطلع [إليهم] أحد، قال: وكان رأس الدرجة في حجرة عائشة، فدخل الحسين بن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فرقى ولم تعلم حتى غشيها، فقال جبريل: من هذا؟ قال: ابني، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعله على فخذه، قال جبريل: سيقتل، تقتله أمتك، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمتى؟ قال: نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها فأشار جبريل بيده إلى الطف بالعراق، فأخذ تربة حمراء، فأراه إياها.
قال البيهقي [ (1) ] : هكذا رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية مرسلا. ورواه إبراهيم بن أبي يحيى، عن عمارة موصولا فقال: عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن عائشة. وخرّجه الحافظ أبو نعيم [ (2) ] من حديث عطاء بن مسلم الخفاق، عن الأشعث ابن سحيم، عن أبيه، عن أنس بن الحارث، قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إن أمتى تقتل هذا بأرض من أراضى العراق، فمن أدركه منكم فلينصره، قال: فقتل أنس مع الحسين بن على رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وذكر أبو بكر بن أبي شيبة [ (3) ] حدثنا- أحوص بن حبان عن يونس، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن نعجة قال: إن أول ذل دخل على العرب قتل الحسين بن علي وادّعاه زياد. وخرّج البيهقي [ (4) ] من حديث شبابة بن سوار، قال: حدثنا يحيى بن سالم الأسدي، قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قدم المدينة، فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة، فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن اللَّه عز وجل خيّر نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم بين الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة، ولم يرد الدنيا وإنكم بضعة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم واللَّه لا يليها أحد منكم أبدا، وما صرفها اللَّه عنكم إلا للذي هو خير لكم، فارجعوا فأبى، وقال: هذه كتبهم وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: استودعك اللَّه من قتيل.
وخرج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث عبد الرحمن، قال: حدثنا: حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: رأيت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في المنام نصف النهار، أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه، أو يتبع فيها شيئا، فقلت: ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم، قال: فحفظنا ذلك فوجدناه قتل ذلك اليوم. وخرج من حديث عفان، حدثنا حماد، حدثنا عمار فذكره بنحو منه [ (2) ] . وخرج البيهقي [ (3) ] من حديث مسلم بن إبراهيم، قال: حدثتنا أم شوق العبدية، قالت: حدثتني نضرة الأزدية قالت: لما قتل الحسين بن على أمطرت السماء دما فأصبحت وكل شيء [لنا] [ (4) ] ملآن [دماء] [ (5) ] . ومن حديث سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن على؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط [ (6) ] .
وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق نوح بن دراج عن محمد بن إسحاق، عن الزهري أن أسماء الأنصارية قالت: ما رفع حجر بإيليا ليلة قتل عليّ رضي- اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا ووجد تحته دم عبيط. وخرجه البيهقي [ (2) ] من حديث ابن عفير، حدثنا حفص بن عمران عن السري بن يحيى، عن ابن شهاب قال: قدمت دمشق وأنا أريد الغزو فأتيت عبد الملك يعني ابن مروان لأسلم عليه، فوجدته في قبة على فرش يفوق القائم، والناس تحته سماطان، فسلمت وجلست، فقال: يا ابن شهاب أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هلم، فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة وحوّل وجهه فأحنى عليّ فقال: ما كان؟ فقلت: لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم، قال: فقال: لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك، ولا يسمعن منك، قال: فما تحدثت به حتى توفي. قال البيهقي هكذا روي في قتل عليّ بهذا الإسناد، وروى بإسناد أصح من هذا عن الزهري، أن ذلك كان في قتل الحسين بن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما. قال كاتبه: يريد ما تقدم ذكره من طريق سليمان بن حرب، عن حماد. وخرج من طريق أيوب بن محمد الرقى حدثنا: سلام بن سليمان الثقفي، عن زيد بن عمرو الطندى، قال: حدثتني أم حبان، قالت: يوم قتل الحسين
أظلمت علينا ثلاثا: ولم يمس أحد منا من زعفرانهم شيئا فجعله على وجهه إلا احترق، ولم يقلب حجر في بيت المقدس إلا أصبح تحته دم عبيط. ومن حديث علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي، قالت: كنت أيام الحسين جارية شابة فكانت السماء أياما كأنها علقة [ (1) ] . ومن حديث أبي بكر الحميدي حدثنا سفيان، قال: حدثتني جدتي، قالت: لقد رأيت الورس عاد رمادا، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين [ (2) ] . ومن طريق سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثني جميل بن مرة، قال: أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها قال: فصارت مثل العلقم، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا [ (3) ] .
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بقتل أهل الحرة وتحريق الكعبة المشرفة
وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بقتل أهل الحرة وتحريق الكعبة المشرفة فخرج البيهقي [ (1) ] من طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب بن بشير المعافري، أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خرج في سفر من أسفاره، فلما مرّ بحرة زهرة وقف فاسترجع فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا رسول اللَّه! ما الّذي رأيت؟ فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أما إن ذلك ليس من سفركم هذا، قالوا: فما هو يا رسول اللَّه؟ فقال: يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي. قال البيهقي [ (2) ] : هذا مرسل وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في تأويل آية من كتاب اللَّه تعالى ما يؤكده، فذكر من طريق ثور ابن يزيد عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لأتوها [ (3) ] قال: لأعطوها، يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة. وخرج الإمام أحمد [ (4) ] من حديث شعبة بن أوس عن بلال العبسيّ، عن ميمونة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة واختلف الإخوان، وحرق البيت العتيق؟. وذكر محمد بن الحسن بن زبالة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه قال: أمطرت السماء على عهد عمر بن الخطاب فقال لأصحابه: هل لكم في هذا الماء الحديث العهد بالعرش لننزل به ونشرب منه؟ فلو جاء من مجيئه راكب
لتمسحنا به، فخرجوا حتى أتوا حرة واقم، وشراجها تطرد، فشربوا منها وتوضأنا فقال كعب: واللَّه يا أمير المؤمنين ليسيلن هذا الشراج بدماء الناس كما يسبل بهذا الماء! فقال عمر: دعنا من أحاديثك، قال: فدنا منه عبد اللَّه بن الزبير فقال: يا أبا الحق ومتى ذلك؟ وفي أي زمان؟ قال: إياك أن يكون ذلك على يدك. وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان الواسطي، عن أبيه، عن كعب الأحبار قال: أفنجد في كتاب اللَّه حرة في المدينة تقتل بها مقتلة تضيء وجوههم يوم القيامة كما يضيء القمر ليلة البدر؟ وذكر من حديث زيد بن كثير عن المطلب بن عبد اللَّه، عن ابن أبي ربيعة أنه مر بعروة بن الزبير وهو يبنى قصره بالعقيق، فقال: أردت الحرث يا أبا عبد اللَّه؟ قال: لا، ولكنه ذكر لي أنه سيصيبها عذاب يعنى المدينة، فقلت: إن أصابها شيء كنت متنحيا عنها. قال كاتبه: وكان من خبر وقعة الحرة [ (1) ] أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان عامل المدينة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان، بعث بوفد من أهل المدينة إلى يزيد فيهم عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل وعبد اللَّه بن عمرو بن أبي حفص، بن المغيرة المجذومي، والمنذر بن الزبير بن العوام، فأكرمهم يزيد وأعظم جوائزهم، فلما عادوا إلى المدينة أظهروا شيم يزيد، وعابوه بشرب الخمر، وعزف القيان، واللعب بالكلاب، وخلعوه، وبايعوا عبد اللَّه بن حنظلة في سنة اثنتين وستين، فندب يزيد لحربهم مسلم بن عقبة المزني، ويسمى مسرفا، في اثنى عشر ألف، وعهد إليه إن ظهر عليهم أن يبيح المدينة، وقاتلهم بعد ما دعاهم إلى طاعة يزيد، وأجّلهم ثلاثا فلم يجيبوه، فهزمهم بعد قتال شديد، قتل فيه عبد اللَّه بن حنظلة، وعبد اللَّه بن زيد المازني، ومعقل بن سنان الأشجعي، في سبعمائة من حملة القرآن وعدة كثيرة. قال أبو الهيثم: قتل يوم الحرة- حرة واقم نحو- من ستين ألف وخمسمائة.
وقال: أبو مخنف: المقتولون من وجوه قريش سبعمائة. وقال أبو جعفر الطبري: قتل من القراء سبعمائة ومن الصاحبة أربعة: عبد اللَّه بن يزيد ابن عاصم، ومعقل بن يسار، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد اللَّه بن حنظلة الغسيل، وأنهب المدينة ثلاثا فانتهبت، وذلك يوم الأربعاء لثلاث أيام، افتضّ فيها ألف عذراء! وكان الّذي أدخل أهل الشام بنو حارثة من خلف الناس حينئذ، فانهزموا حينئذ، ودعا مسرف الناس إلى بيعة يزيد على انهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما يشاء، وقتل من امتنع من ذلك حتى أسرف في القتل والظلم، فسموه مسرفا لذلك، فبّحه اللَّه [ (1) ] . وخرج الحاكم [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، أخبرنا ابن عون، عن خالد ابن عبد الحويرث عن عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: الآيات خرزات منظومات في سلك، يقطع السلك فيتبع بعضها بعضا. قال ابن الحويرث: كنا نادين بالصباح وهناك عبد اللَّه بن عمرو وكان هناك امرأة من بنى المغيرة يقال لها فاطمة، فسمعت عبد اللَّه بن عمرو يقول: ذاك يزيد بن معاوية، فقالت: أكذاك يا عبد اللَّه بن عمرو، تجده مكتوبا في الكتاب؟ قال: لا أجده باسمه، ولكن أجد رجلا من شجرة معاوية يسفك الدماء، ويستحل الأموال، وينقض هذا البيت حجرا حجرا، فإن كان ذلك وأنا حي، وإلا فاذكريني، قال: وكان منزلها على أبي قبيس [ (3) ] فلما كان زمن الحجاج وابن الزبير ورأت البيت ينقض، قالت: رحم اللَّه عبد اللَّه بن عمرو قد كان حدثنا بهذا. قال كاتبه إنما أحرق البيت في حصار أيام يزيد بن معاوية، وقال الليث: رمى الحجاج البيت بالنار فأحرقه، فجاءت سحابة فأمطرت على البيت لم
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بذهاب بصر عبد الله بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه فكان كذلك، وعمى قبل موته
تجاوزه وأطفأت النار، وجاءت صاعقة فأحرقت المنجنيق وما فيه، وانكسر الحجر الأسود حين رمى الحجاج البيت [ (1) ] . وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم بذهاب بصر عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فكان كذلك، وعمى قبل موته فخرج البيهقي [ (2) ] من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ عن ثور بن يزيد، عن موسى بن ميسرة، أن بعض بني عبد اللَّه سايره في طريق مكة، قال: حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد اللَّه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في حاجة فوجد عنده رجلا، فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل معه، فلقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العباس بعد ذلك، فقال العباس: أرسلت إليك ابني فوجد عندك رجلا فلم يستطع أن يكلمك، فرجع، قال: ورآه؟ قال: نعم!، قال: أتدري من ذلك الرجل؟ ذاك الرجل جبريل- عليه السلام-، ولن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما. وخرّجه الحاكم [ (3) ] من حديث عاصم بن على، قال: حدثتنا زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللَّه بن عباس، قال: حدثني أبي قال: سمعت أبي يقول: بعث العباس ابنه عبد اللَّه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فنام وراءه، وعند النبي صلّى اللَّه عليه وسلم رجلا فالتفت النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: متى جئت يا حبيبي؟ قال: مذ ساعة قال: هل رأيت عندي أحدا؟ قال: نعم، رأيت رجلا، قال: ذاك جبريل عليه السلام ولم يره خلق إلا عمي إلا أن يكون نبيا، ولكن عسى أن يجعل ذلك في آخر عمرك، ثم قال: اللَّهمّ علّمه التأويل، وفقهه في الدين، واجعله من أهل الإيمان، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم زيد بن أرقم بالعمى فكان كذلك
وخرج أبو نعيم [ (1) ] من حديث صالح بن أبي الأسود، عن أبي الجارود، عن شوذب، عن عكرمة، قال: خرجت بابن عباس وهو على راحلته فلما أخرجها من الحرم قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثني أنه سيذهب بصري وقد ذهب، وحدثني أنى سأغرق وقد غرقت في بحيرة طبرية، وحدثني أنى سأهاجر من بعد فتنه، اللَّهمّ وإني أشهدك أن هجرتي اليوم إلى محمد بن علي ابن أبي طالب. وأما إنذاره صلّى اللَّه عليه وسلم زيد بن أرقم بالعمى فكان كذلك فخرج البيهقي [ (2) ] من طريق المعتمر قال: حدثنا نباته بن بنت بريد، عن حمادة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها: أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم دخل على زيد يعوده من مرض كان به، قال: ليس عليك من مرضك بأس، ولكن كيف بك إذا أعمرت بعدي فعميت؟ قال: إذا احتسب وأصبر. قال: إذا تدخل الجنة بغير حساب قال: فعمى بعد ما مات النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ثم ردّ اللَّه عليه بصره ثم مات.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم من يأتى بعده من الكذابين [وإشارته إلى من يكون] منهم من ثقيف فكان كما أخبر
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلم من يأتى بعده من الكذابين [وإشارته إلى من يكون] منهم من ثقيف فكان كما أخبر فخرج مسلم [ (1) ] من حديث مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم. خرجه أيضا من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا معمر، عن همام عن أبي هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بمثله، غير أنه قال: ينبعث [ (2) ] . وخرج الحافظ [ (3) ] أبو أحمد بن عدي، من حديث أبي يعلي الموصلي قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن الحسن، حدثنا: شريك عن أبي الحق، عن عبد اللَّه بن الزبير رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: قال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا منهم مسيلمة والعنسيّ، والمختار ابن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي، وهو ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور ابن عكرمة ابن خصفة بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، أمه دومة بنت عمرو بن وهب بن معقبة بن مالك بن كعب بن عمرو بن عوف بن ثقيف، كان المختار خارجيا، ثم صار زبيريا، ثم صار رافضيا في ظاهره، وزعم أنه يوحى إليه فيسجع به سجعا. وولاه ابن الزبير الكوفة، ثم خرج يطلب بدم الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقتل عبيد اللَّه بن زياد في حرب، وقتل أناسا كثيرة، ثم قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، وشر قبائل العرب بنو أمية، وبنو حنيفة، وثقيف.
قال ابن عدي: وهذا لا أعلم رواه عن شريك إلا محمد بن الحسن الأسدي، وله إفرادات، وحدث عنه الثقات من الناس، ولم أجد بحديثه بأسا. قال البيهقي: ولحديث هذا المختار بن أبي عبيد الثقفي شواهد صحيحة. وذكر من طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا الأسود بن سفيان، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنها قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه قال: فقام عنها ولم يراجعها. خرجه مسلم [ (1) ] في الصحيح من وجه آخر عن الأسود بن شيبان. وذكر من طريق عبد اللَّه بن الزبير الحميدي قال: حدثنا سفيان هو ابن عيينة حدثنا أبو المحياة عن أمه، قالت: لما قتل الحجاج بن يوسف عبد اللَّه بن الزبير، دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال لها: يا أمّه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة؟ فقالت: لست لك بأم، ولكنى أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير، فأما الكذاب فقد رأيناه يعنى المختار [ (2) ] ، وأما المبير فأنت، فقال الحجاج: مبير المنافقين. ومن طريق أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شريك عن أبي علوان عبد اللَّه بن عصمة، عن ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرا. قال كاتبه: المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف ابن عقدة بن غيرة بن عوف بن قسي بن منبه، وقسي هو ثقيف، كان شابا مع عمه سعد بن مسعود الثقفي وهو على المدائن لعلي رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم نزل الكوفة وأنزله في داره، فأراد نصرته، فقبض عليه عبيد اللَّه بن
زياد بعد ما ضرب وجهه بقضيب فشتر عينه، ثم حبسه حتى قتل الحسين رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، لأنه كان زوج أخته صفيه بنت أبي عبيد، وأخرجه إلى الحجاز، فأقسم ليأخذن بثأر الحسين وليقتلن بقتله عدة من على دم يحيى بن زكريا عليهما السلام، ونزل الطائف وزعم أنه مبيد الجبارين ثم تبع عبد اللَّه بن الزبير وقائل معه، فلما مات يزيد بن معاوية مضى إلى الكوفة فكان لا يمر على مجلس إلّا سلّم عليه، قال: أبشروه بالنصر والفتح، أتاكم ما تحبون فأجمعت الشيعة إليه، فقال: لهم إن المهدي يعني محمد بن الحنيفة- بعثني إليكم أمينا ووزيرا، وأمرنى بقتال الملحدين، والطلب بدم أهل بيته، فبايعوه، فقبض عليه وسجن، فلما قتل سليمان بن حرد أخرج من السجن، فأخذ يجمع الشيعة وخرج يظاهر الكوفة ليلا في ربيع الأول سنة ستة وستين، ونادى مناديه: يا منصور أمت، ونادى آخر: يا لثأرات الحسين، فملك الكوفة بعد حروب شديدة، وبايعه الناس، فأحسن السيرة، وسير بعوثة إلى أرمينية، وأذربيجان، والموصل، والمدائن، وغير ذلك، ثم وثب بمن في الكوفة من قتلة الحسين، وقد خرج عليه أهل الكوفة وقاتلوه فظهر بهم في ذي الحجة منها، وقتل منهم نحو الثمانمائة، وتجرد لقتلة الحسين حتى أفناهم، فكانوا ألوفا، فبعث عبد اللَّه ابن الزبير لقتاله أخاه مصعب بن الزبير، فكانت بينهم حروب عظيمة، قتل فيها المختار، وعمره سبع وستون سنة. قال البيهقي [ (1) ] : وقد شهد جماعة من أكابر التابعين على المختار بن أبي عبيد بما كان يستبطن، وأخبر بعضهم بأنه من جملة الكذابين الذين أخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بخروجهم بعده، فذكر عن أبي داود الطيالسي قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد، قال: كنت أبطن شيء بالمختار- يعني: الكذاب- قال: فدخلت عليه ذات يوم، فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي! قال: فأهديت إلى قائم سيفي يعني لأضربه، حتى ذكرت حديثا حدثته عمرو بن الحمق الخزاعي، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إذا أمن الرجل الرجل على دمه، ثم قلته رفع له لواء الغدر يوم القيامة، فكففت عنه،
وقال زائدة عن السدي عن رفاعة القتباني: قال: كنت بالسيف على رأس المختار بن أبي عبيد، فسمعته ذات يوم يقول: قام جبريل من هذه النمرقة فأردت أن أسل سيفي فأضرب عنقه فذكرت حديثا حدثنيه، عمرو بن الحمق الخزاعي أنه سمع النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول: من أمن رجلا على نفسه فقتله فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرا، قال: فتركته. قال البيهقي [ (1) ] وكذلك رواه سفيان الثوري وأسباط بن نصر، وغيرهما، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السندي. وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من طريق ابن نمير، حدثنا: عيسى [القاري] أبو عمر حدثنا السدي عن رفاعة القتباني قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة فقال: لولا أخى جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، فذكرت حديثا حدثنيه [أخي] عمرو بن الحمق قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله، فأنا من القاتل بريء. ومن طريق الحميدي [ (3) ] حدثنا: سفيان بن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي قال: فأخرت أهل البصرة فغلبتهم بأهل الكوفة، والأحنف ساكت لا يتكلم، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاءه بكتاب فقال لي: هاك اقرأ، فقرأته، فإذا فيه من المختار إليه يذكر أنه نبي فقال: يقول الأحنف: أني فينا مثل هذا. قال البيهقي [ (1) ] : وقد روينا عن يحيى بن سعيد، عن مجالد، عن الشعبي قصة ما كان في الكتاب من موضوعة الّذي كان يعارض به القرآن. ومن طريق عبيد اللَّه بن معاذ، حدثنا أبي حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، سمع مرة يعنى الهمذانيّ، قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: القرآن ما منه
حرف، أو قال: آية- شك- إلا وقد عمل به قوم أو قال سيعملون بها، قال مرة: فقرأت: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ [ (1) ] فقلت من عمل بهذه حتى كان المختار بن أبي عبيد. قال البيهقي [ (2) ] : ولعكرمة مولى ابن عباس فيما يقال عن الوحي والموضوع [سئل] [ (3) ] يريدون ما كان المختار يدّعيه من أنه يوحى إليه، وأن عنده كتاب يسمى الموضوع. ومن طريق أبي داود حدثنا: عبد اللَّه بن الجراح عن جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال عبيدة السلماني يعنى عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في خروج الكذابين، قال إبراهيم: فقلت له أترى هذا منهم؟ يعنى المختار بن أبي عبيد؟ قال عبيدة: أما إنه من الرءوس [ (4) ] . قال جامعه: وكانت سيرة المختار بن أبي عبيد في تتبع قتله الحسين وقتلهم، شاهدة بصدق على ما خرجه الحاكم [ (5) ] من حديث أبي يعلى محمد بن شداد المسمعي، حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: أوحى اللَّه إلى نبيكم أني قتلت بيحيى سبعين ألفا، وأني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.
قال الحاكم: قد كنت أحسب دهرا أن المسمعي تفرد بهذا الحديث عن أبي نعيم حتى حدثناه أبو محمد السبيعي الحافظ، حدثنا عبد اللَّه بن محمد بن ناجية حدثنا حميد بن الربيع، حدثنا أبو نعيم، فذكره بإسناد نحوه.
أما ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن الحطم بن هند الكبري فكان كما أخبر
أما ما أخبر به صلى اللَّه عليه وسلّم عن الحطم بن هند الكبريّ فكان كما أخبر فذكر أبو زيد عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) بسنده إلى عبد اللَّه ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: كان شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمرو مرثد سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس يغزو ببكر بن وائل في الجاهلية وابن أبي رميض العتري ارتجز به في مسيره: قد لفها الليل بسواق حطم ... ليس براعي إبل ولا غنم فسماه الناس الحطم وأنه أتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمدينة فقال يا محمد! إني سيد قومي، وداعية قومي، وإني إن أسلمت دعوت إليك الناس وإن تركت دينك صرفت عنك من بعدي، فما دينك يا محمد؟ قال: ديني الإسلام، قال: وما الإسلام؟ فذكر له، وقال: لا تشرب الخمر، فقال يا محمد! ولا نشرب الخمر؟! قال: نعم، قال: إن في دينك لغلظ وشدة، أذهب فأعرضه على قومي، فإن قبلوا قبلت معهم وأن أدبروا كنت معهم، قال: اذهب فاعرض عليهم ما بدا لك، فلما أدبر، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد دخل عليّ بوجه كافر وخرج من عندي بعقبي غادر، ولن يسلم أبدا فخرج حتى أتى سرح المسلمين، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا أقبل من سفر سرح الناس ظهرهم، وإن عدو اللَّه اطرد سرح المسلمين هو وأصحابه، وطلبه المسلمون فسبقهم إلى اليمامة فنزلها، وأهل اليمامة مشركون فلما دخلت شهور الحرم علم أن الناس قد وضعوا السلاح، فباع تلك الإبل واشترى تجارة، فعهد بها إلى مكة يريد الحج والتجارة، وأهل مكة مشركون، فبلغ ذلك أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللَّه إن الحطم عدد وختر وباع إبلنا، واشترى تجارات بأثمانها، وتوجه إلى مكة، أفلا نعرض له فنضرب عنه وننزع ما في يده؟ فقال: بلى، فجمع رجالا ودعا رجلا يستعمله عليهم، إذ نزل عليه الوحي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً [ (1) ] فكف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنه فلم يعرض له.
قال أبو زيد: أما الهدي: فهي البدن، كانت تهدى إلى البيت فيعلق في أعناقها النعال وعليها جلالها فتمر بالمشركين وهم يأكلون الميتة والجلد، ولقد واللَّه لهذا هو أخبث ما أكل الناس، كان يبلغ بهم الجوع أن يحلقوا أوبار الإبل فيجمعونها بالدم، فيأكلونه، وكانوا لا يعرضون للبدن تعظيما لها، وأما القلائد فكان الرجل إذا توجه إلى مكة حاجا جعل في عنقه قلائد من لحاء السمر [ (1) ] أو من شعر أسود فيمر بالكفار، فلا يعرضون له وإن كانوا يطلبونه بدم، فيقولون: هذا يريد بيت اللَّه، وإذا صدر من مكة راجعا جعل في عنقه قلادة من إذخر [ (2) ] مكة، فقالوا: شجر الحرم في عنقه، إياكم وإياه وأما آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ فهو من كان توجه يريد مكة يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا. قال أبو بكر حدثنا محمد بن بلال بن أبي بردة- وهو أمير البصرة يومئذ: فأرسل إلى الحسن في الليل فأتيته فقال: أرأيت قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً الفضل والرضوان؟ قلت: الفضل: التجارة، والرضوان: الأجر. قال: الكفار يدرون ما الأجر ويريدونه؟ قلت: نعم، قد كانوا يعتقون الرقاب ويصلون الأرحام ويحجون، وأنشد أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل. فأنشدني. قوله: أن النشد يعني فرس أو ناقة، وقوله: قد لفها الليل بسواق حطم فهو الّذي لا يبقى من السير شيئا ويقال: رجل حطم للذي يأتي شيئا على الزاد لشدة أكله، يقال للنار التي لا تبقى حطمة! وقوله: على ظهر وضم، الوضم: كل ما قطع اللحم. [عليه] .
وأما ظهور صدقة صلى الله عليه وسلم في إخباره بغلبة الروم وفارس بعد ما غلبت منها
وأما ظهور صدقة صلّى اللَّه عليه وسلّم في إخباره بغلبة الروم وفارس بعد ما غلبت منها فقال اللَّه- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [ (1) ] . اعلم أن عامة القرآن على ضم الغين من قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ بمعنى أن فارس غلبت الروم، وروى عن ابن عمر وأبي سعيد الخدريّ وعليّ بن أبي طالب ومعاوية بن قرة أنهم قرءوا: غُلِبَتِ الرُّومُ بفتح الغين اللام. يا قالوا: أبا عبد الرحمن على أي شيء غلبوا؟ قال: على ريف الشام، قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: والصواب الّذي لا يجوز غيره الم* غُلِبَتِ بضم الغين لإجماع الحجة من القراءة عليه، قال: وتأويل الكلام غلبت فارس والروم في أدنى الأرض، ومن أرض الشام إلى فارس، وهم من بعد غلبهم، يقول والروم من بعد غلبة فارس إياهم سَيَغْلِبُونَ فارس فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ غلبهم، ومن بعد غلبهم إياهم، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من يشاء منهم على من أحب إظهاره عليه وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يقول: ويوم يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون باللَّه ورسوله بنصر اللَّه إياهم على المشركين، ونصرة الروم على فارس، يَنْصُرُ اللَّه- تعالى [ذكره [ (2) ]]- مَنْ يَشاءُ من خلقه على، من يشاء، وهو نصره المؤمنين على المشركين ببدر وَهُوَ الْعَزِيزُ يقول: واللَّه الشديد في انتقامه من أعدائه لا يمنعه من ذلك مانع، ولا يحول بينه وبينه حائل الرحيم بمن تاب من خلقه، وراجع طاعته أن يعذبه. انتهى [ (3) ] . وفي قوله تعالي: أَدْنَى الْأَرْضِ، قراءات، إحداها: أداني بألف بعد دال مفتوحة، وبمعنى أقرب الأرض، وفيها قولان، أحدهما: في أداني أرض فارس، حكاه النقاش، والثاني، في أداني أرض الروم، قاله الجمهور،
والقراءة الثانية: أدنى بسكون الدال، وهي إجماع القراء، ومعناه أقرب، وفي أدنى أربعة أقوال، أحدها: طرف الشام، قاله ابن عباس، والثاني: الجزيرة فيما بين العراق والشام، وهي أقرب أرض الروم إلى فارس، قاله مجاهد، والثالث: الأردن وفلسطين، قاله السّدي ومقاتل، والرابع: أذرعات، قاله عكرمة ويحيى بن سلام. ويقال: إن قيصر بعث رجلا يدعى يحنس وبعث كسرى شهربراز فالتقيا بأذرعات وبصرى [ (3) ] ، وهي أدنى بلاد الشام إلى أرض العرب والعجم. قال ابن عطية: فإن كانت الوقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة. وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي أدنى الأرض بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي إلى أدنى أرض الروم. فلما جرى ذلك وغلبت الروم شرّ الكفار فبشّر اللَّه عباده المؤمنين بأن الروم سيغلبون، وتكون الدولة لهم في الحرب، وكان في هذا الإخبار دليل على نبوة محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأن الروم غلبت من فارس، فأخبر اللَّه نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، وأن المؤمنين يفرحون بذلك لأن الروم نصارى أهل كتاب وهو الإنجيل، فكان هذا من علم الغيب الّذي أخبر اللَّه- تعالى- به مما لم يكن، فكان كما أخبر. قال الزجاج وهذا يدل على أن القرآن من عند اللَّه، لأنه أنبأ بما سيكون، وهذا لا يعلمه إلا اللَّه. وقد اختلف في البضع فقال ابن سيده: البضع أو البضع ما بين الثلاث إلى العشر أولها من الثلاثة إلى العشر مضاف إلى ما تضاف إليه الآحاد، كقوله- تعالى-: فِي بِضْعِ سِنِينَ وقوله: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ [ (1) ] ويبني مع العشرة كما يبني سائر الآحاد، فيقال: بضعة عشر رجلا، وبضع عشرة امرأة، ولم يسمع بضعة عشر ولا بضع عشرة رجلا، وبضع عشر امرأة. ولا يمتنع ذلك. وقيل: البضع من الثلاث إلى التسع وقيل هو ما بين الواحد إلى الأربعة وقال الهرويّ: العرب تستعمل البضع فيما بين الثلاث إلى التسع، والبضع والبضعة واحد ومعناهما القطعة من العدد.
وحكى عن أبي عبيدة أنه قال: البضع ما دون نصف العقد، يريد ما بين واحد إلى أربعة، وهذا ليس بشيء، لأن في الحديث أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: يا أبا بكر، هل احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع. وحكى الثعلبي أن أكثر المفسرين على أن البضع سبع، وقال الماوردي: وهو قول لأبي بكر الصديق، وقال مجاهد: من ثلاث إلى تسع، وقال الأصمعي: من ثلاث إلى عشر، وحكى الزجاج: ما بين الثلاث إلى الخمس [ (1) ] .
وقد روى أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر، وروى أنه كان يوم الحديبيّة، وأن الخبر وصل يوم بيعة الرضوان، قاله عكرمة وقتادة. قال ابن عطية: في كلا اليومين كان نصر من اللَّه- تعالى- للمؤمنين، وقد قيل: إن سبب فرح المؤمنين بغلبة الروم وهمهم أن يغلبوا، لأن الروم أهل الكتاب كالمسلمين، فهم أقرب من أهل الأوثان، وقيل: فرحوا لإنجاز اللَّه وعده، إذ فيه دليل على النبوة، ولأنه- تعالى- أخبر بما يكون في بضع سنين، فكان كذلك، وقيل، لأن الفطرة جبلت على محبة أن يغلب العدو الأصغر، لأنه أيسر مئونة، بخلاف العدو الأكبر إذا كان الغلب له فإن الخوف يكثر منه. وقيل: فرحوا بنصر الرسول على المشركين يوم بدر، قال القرطبي: ويحتمل أن يكون سرورهم بالجموع من ذلك فسروا بظهورهم على عدوهم، وبظهور الروم، وبإنجاز وعد اللَّه- تعالى-. خرّج أبو عيسى الترمذي من حديث نصر بن عليّ الجهضميّ قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت الم* غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله: يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ اللَّه قال: ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، هكذا قرأ نصر بن علي: غُلِبَتِ الرُّومُ [ (2) ] . وخرّج من حديث معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى
الأرض قال: غلبت وغلبت، كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل كتاب فذكروه لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فذكره أبو بكر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: أما إنهم سيغلبون، فذكره أبو بكر لهم فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين فلم يظهروا، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ألا جعلته إلى دون؟ قال: أراه العشر، قال أبو سعيد: والبضع ما دون العشر، قال: ثم ظهرت الروم بعد. قال: فذاك قوله- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قوله: يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ، قال سفيان: سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر [ (1) ] . قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة. وخرّجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . وخرّج الترمذي من حديث محمد بن خالد بن عثمة قال: حدثني عبد اللَّه ابن عبد الرحمن الجمحيّ، قال: حدثني ابن شهاب الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لأبي بكر في مناحبة الم* غُلِبَتِ الرُّومُ: ألا احتطت يا أبا بكر، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع [ (3) ] . وخرّجه بقي من حديث معن بن عيسى قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عبيد الرحمن الجمحيّ، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما نزلت: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ ناحب أبو بكر قريشا، ثم ذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا أبا بكر هلا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع [ (4) ] .
وخرّج الترمذي من حديث ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، عن نيار بن مكرم الأسلميّ قال: لما نزلت: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ فكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وذلك قول اللَّه- تعالى-: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ فكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان يبعث، فلما أنزل اللَّه هذه الآية خرج أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصيح في نواحي مكة الم* غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ. قال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ قال بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: كم تجعل؟ البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسمّ بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه، قال: فسموا بينهم ست سنين قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن اللَّه- تعالى- قال: في بضع سنين، قال: وأسلم عند ذلك ناس كثيرة [ (1) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن غريب من حديث نيار بن مكرّم لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد [ولا نعرف النيار بن مكرم، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم غير هذا الحديث] [ (2) ] . وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن أبي الضحاك، عن مسروق، عن ابن مسعود قال: مضت آية الروم، وقد مضى فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [ (3) ] واللزام القتل يوم بدر، وقد مضت البطشة الكبرى يوم بدر.
وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق وقال: قال عبد اللَّه: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والفرس والروم. وكان من خبر هذه الحادثة أن كسرى أبرويز بن هرمز ملك فارس تزوج مريم ابنة موريق قيصر ملك الروم فإنه من القسطنطينية دار ملك الروم في تحمل عظيم ومعها عسكر عدته سبعون ألفا نجدة له على أعدائه، فسار بهم إلى أذربيجان، وحارب عدوه بهرام جوهين وهزمه، وعاد إلى المدائن دار ملك الأكاسرة، فنوطه ملكه وأعاد عساكر الروم إلى بلادهم بالحباء والكرامة فلما كان بعد أربع عشرة سنة من ملكه ثار على موريق قائد له يقال له: فوقاص وقتله، وملك بعده على الروم ودعي قيصر وتتبع أولاد موريق فقتلهم إلا واحدا منهم فرّ إلى كسرى أبرويز وأعلمه بما كان من قتل أبيه وإخوته، فغضب لذلك وندب فرحان يقال له شهربراز لمحاربة الروم على عساكر كثيرة، وأخرج معه قائد من قواده، فمضى أحدهما في طائفة من العسكر إلى الشام فخرب معابد الروم وقتل رجالهم وأسروهم وسبي ونهب الأموال وتهبط القدس، وبعث بخشبة الصليب إلى كسرى، ومضى القائد الآخر إلى مصر، وملك الإسكندرية وقد صالحه أهل مصر وسار فرحان شهربراز فوطئ الشلم ولقي جيوش الروم بأذرعات وبصري فهزمها وظفر، وسبى، وغنم، ومضى إلى بلاد الروم فقتل وسبي وخرب المدائن، وقطع الأشجار حتى نزل على خليج القسطنطينية، وبعث إليهم أهل صلوقية بعدة سفن تحمل المير، وعليها هرقل بن هرقل التونيس أحد البطارقة فسرّوا بقدومه، وجاءه الأعيان [فرضوا] منه عقلا رصينا، وحزما وافرا، وسياسة جيدة ورأيا صائبا، فكلمهم بما نزل بهم من الفتن والشدائد وطعن على الملك فوقاص قيصر وما زال بهم حتى رضوا به ملكا عليهم وخلفوا له فثار بهم على فوقاص وقبله واستبد بملك الروم، وكتب إلى كسرى أن يلتزم في كل سنة بحمل ألف قنطار من ذهب، وألف قنطار من فضة، وألف جارية بكر، وألف فارس، وألف ثوب أطلس، وأن يعجل قطيعة سنة، فالتزم ذلك وسأل أن يفرج عن حصاره وأن يمهله ستة أشهر حتى يخرج إلى الأعمال، ويحيى ذلك منها كل ذلك خديعة منه، فمشى على كسرى ذلك وأمرنا بالإفراج عنه فتنحت العساكر إلى بعض المروج وخرج هرقل من القسطنطينية بعد ما أقام عليها أخاه قسطنطين، وانتخب معه خمسة آلاف فارس، فأوغل في بلاد أرمينية، وقصد الجزيرة ونزل على نصيبين، وقائل أهلها حتى ملكها، وقتل
الفرس أفدح قتل، وأسر، وسبى، وخرب المدائن، فبعث كسرى بعسكر إلى الموصل، وكتب يستدعي فرخان شهربراز لمحاربة هرقل فاتفق في أثناء ذلك ينكر كسرى أبرويز على فرخان شهربراز وعزمه على قتله، فلما بلغه ذلك انحرف عنه إلى هرقل، وكتب إليه بدخوله في حملته وسار إليه حتى لقيه إلى نصيبين، فقوى به، ومضى يريد كسرى وأوقع بجنوده حتى قاربا المدائن فأخذ كسرى أبرويز في الحيلة على هرقل ومكر به حتى أوقع بينه وبين فرخان شهربراز، ورجع إلى بلاده. وفي هذه الحادثة أنزل اللَّه- تعالى-: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ يعني أذرعات وبصرى، فإنّها أدنى أرض الروم إلى الفرس، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين، فساء النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وأصحابه ظفر الفرس بالروم لأنهم أهل كتاب وفرح المشركون بذلك لأن المجوس إخوانهم في الشرك باللَّه، فلما نزلت هذه الآية راهن أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أبيّ بن خلف على مائة بعير بأن الظفر يكون للروم بعد تسع سنين، فغلب أبو بكر أبيّ بن خلف، وجاء الخبر إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بظفر الروم بفارس يوم الحديبيّة.
وأما إعلامه صلى الله عليه وسلم بالفتن [1] قبل كونها
وأما إعلامه صلى اللَّه عليه وسلم بالفتن [ (1) ] قبل كونها فخرّج البخاريّ من حديث سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة [ (2) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لقد خطبنا النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه وجهله من جهله إن
كنت لأرى الشيء قد نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه ذكره في أول كتاب القدر [ (1) ] . وخرّجه مسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة قال: قام فينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدّث به، حفظه من حفظه ونسبه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء وأنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه. وخرّجه من طريق سفيان، عن الأعمش بهذا الإسناد إلى قوله: ونسيه من نسيه، ولم يذكر ما بعده [ (4) ] . وخرّج مسلم من حديث حجاج، عن عاصم، عن عزرة بن ثابت قال: حدثنا علباء بن أحمر، قال: حدثني [يعني عمرو بن أخطب] [ (5) ] قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا [ (6) ] . ومن حديث شعبة عن عدي بن ثابت، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن حذيفة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: أخبرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بما هو كائن
إلى أن تقوم الساعة فما منه شيء إلا قد سألته إلا إني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة [ (1) ] . وخرّج أبو داود من حديث ابن فروخ [ (2) ] ، قال: حدثنا أسامة بن زيد قال: أخبرني ابن لقبيصة بن ذؤيب، عن أبيه قال: قال حذيفة بن اليمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واللَّه ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ واللَّه ما ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته [ (3) ] . وخرّج الترمذي [ (4) ] من طريق حماد بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما صلاة العصر بنهار ثم قام خطيبا فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، وفي الحديث قصة ذكرها [ (5) ] .
وقال: وفي الباب عن حذيفة وأبي مريم وأبي زيد بن أخطب والمغيرة بن شعبة [وذكروا أن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حدثهم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة] [ (1) ] وهذا حديث حسن [ (2) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بإتمام الله تعالى أمره وإظهار دينه
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بإتمام اللَّه تعالى أمره وإظهار دينه فقال اللَّه- تعالى-: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [ (1) ] وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث إسماعيل، عن قيس، عن خبّاب بن الأرتّ قال: شكونا إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو اللَّه لنا؟ قال: كان الرجل في من قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق بأثنين وما يصده عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه، واللَّه ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون. ذكره في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] . وخرجه في كتاب مناقب الأنصار [ (4) ] من طريق بيان وإسماعيل قالا: سمعنا قيسا يقول: سمعت خبّابا يقول: أتيت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة- وقد لقينا من المشركين شدة- فقلت: يا رسول اللَّه ألا تدعو اللَّه لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه. وليتمنّ اللَّه هذا الأمر حتى يسير
الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا اللَّه. زاد بيان والذئب على غنمه. وذكره في كتاب الإكراه [ (1) ] . قال كاتبه: قد صدق اللَّه ورسوله فأعلى اللَّه- تعالى- دين نبيه محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم على أهل الأديان كلهم فغلبت ملته ملة اليهود، وأخرجهم أصحابه من بلاد العرب، وغلبوا النصارى على بلاد الشام، ومصر، إلى ناحية الروم والمغرب، وغلبوا المجوس على ملكهم بالعراق، وبلاد فارس، وغلبوا عبّاد الأصنام على كثير من بلادهم، فيما يلي الترك، والهند، وكذلك سائر الأديان، وأطلع اللَّه- تعالى- مع ذلك نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم على شرائع الدين، حتى لا يخفي عليه شيء منه. قال الشافعيّ- رحمه اللَّه-: قد أظهر اللَّه جل ثناؤه دينه الّذي بعث [به] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الأديان، بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق، وما خالفه من الأديان باطل، وأظهر بيان جماع الشرك دينان: دين أهل الكتاب، ودين الأميين. فقاتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الأميين حتى دنوا بالإسلام طوعا وكرها، وقتل من أهل الكتاب، وسبى، حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعضهم الجزية صاغرين، وجرى عليهم حكمه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهذا ظهور الدين كله.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بما يفتح الله تعالى لأمته من الفتوح بعده
وأما إخباره صلّى اللَّه عليه وسلّم بما يفتح اللَّه تعالى لأمّته من الفتوح بعده قوله- تعالى-: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [ (1) ] . فخرج مسلم من حديث شعبة، عن أبي مسلمة قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن اللَّه مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة من بني إسرائيل كانت في النساء. ذكره في آخر كتاب الذكر والدعاء [ (2) ] . وخرجه النسائيّ في آخر كتاب العشرة وقال: لننظر كيف تعملون [ (3) ] . وخرّج البيهقيّ [ (4) ] من طريق زيد بن الحباب، قال: حدثنا سفيان، عن المغيرة الخراسانىّ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن ابن كعب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: بشر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، وبالتمكين في الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب.
وخرجه من طريق إسحاق بن سليمان الرازيّ، عن المغيرة بن مسلم السراج، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب قال: جاء جبريل إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: بشر هذه الأمة ... الحديث [ (1) ] . ومن طريق أبي سعيد بن الأعرابي، عن محمد بن إسماعيل [الصائغ] [ (2) ] عن عفان، عن عبد العزيز بن مسلم، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بشر هذه الأمة بالسناء، والنصر، والتمكين، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب. قال الصائغ: رواه رجلان: عبد العزيز بن مسلم والمغيرة بن مسلم [ (3) ] . وأخرجه الفرياني من حديث سفيان، عن المغيرة بمكة، وقال سيف بن عمر عن عبيدة، عن يزيد الضخم قال: قال قائل لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يعني في قتال أهل الردة: وما أراك تتحايز لما قد بلغ من الناس ولما يتوقع في إغارة العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق ولا دخلني الدين، ومنه إلى أحد بعد ليلة القار فإن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين قال لي: هون عليك، اللَّه عز وجل قد [وعدني] لهذا الأمر بالنصر والتمام. وخرّج الحاكم من حديث سفيان، عن المغيرة، عن الربيع بن أنس كما تقدم وقال: حديث صحيح [الإسناد ولم يخرجاه] [ (4) ] . وخرّج البخاري في غزوة بدر من حديث معمر ويونس عن الزهري وعروة [ (5) ] .
وخرّج مسلم [ (1) ] والنسائي [ (2) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير أنه أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف- وهو حليف لبني عامر بن لؤيّ وكان شهد بدرا مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم العلاء ابن الحضرميّ فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما صلّى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين رآهم، ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ فقالوا: أجل يا رسول اللَّه، قال: فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فو اللَّه ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم. لفظهم فيه متقارب. وقال النسائيّ فيه: فو اللَّه ما من الفقر أخشى عليكم، وقال فتنافسوا فيها كما تنافسوا، وخرّجه البخاري في أول كتاب الجزية [ (3) ] وفي كتاب الرقاق [ (4) ] .
وخرّج البخاريّ في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] من حديث ابن مهدي عن سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل لكم من أنماط؟ قلت: وأنّي يكون لنا الأنماط؟ قال: أما وإنها ستكون لكم الأنماط، فأنا أقول لها- يعني امرأته- أخري عنا أنها أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بأنها ستكون لكم الأنماط فأدعها. وخرجه في كتاب النكاح [ (2) ] من حديث قتيبة، عن سفيان بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم هل اتخذتم الأنماط؟ قلت: يا رسول اللَّه! وأنّي لنا الأنماط؟ قال: إنها ستكون. وخرّجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] من حديث سفيان، عن ابن المنكدر، عن جابر قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما تزوجت: اتخذت أنماط؟ قلت: وأني لنا أنماط؟ قال: أما إنها ستكون. وقال أبو داود: أما إنها ستكون لكم أنماط ولم يقل: لما تزوجت. وخرّج البخاريّ من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا ابن جريح، قال: أخبرني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن
أبي زهير [النميري] قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون [ (1) ] فيتحملون [ (2) ] بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح الشام فيأتي قوم فيبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وقال البخاري: إنه قال: سمعت رسول اللَّه. وقال: وتفتح الشام، قال: وتفتح العراق، لم يذكرهم [ (3) ] . وخرّجه النسائيّ من حديث مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول ... الحديث بمثله أو نحوه. ولمسلم من حديث وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: يفتح الشام
فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسّون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعملون، ثم يفتح العراق فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبسون، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون [ (1) ] . وخرّج البخاري من حديث ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا قالوا: يا رسول اللَّه وفي نجدنا؟ قال: اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول اللَّه وفي نجدنا قال: فأظنه قال في الثالثة: هنالك بالزلازل والفتن وبها يطلق قرن الشيطان [ (2) ] . قال ابن عبد البر: دعاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم للشام يعني أهلها؟ لأهل الشام سينتقل إليها الإسلام وكذلك وقت لأهل نجد قرنا علما منه بأن العراق ستكون كذلك وهذا من أعلام نبوته صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرّج البخاريّ من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد اللَّه بن العلاء بن زبير قال: سمعت بسر بن عبيد اللَّه أنه سمع أبا إدريس الخولانيّ قال: سمعت عوف ابن مالك قال: أتيت النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: أعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا تبقى بيت من بيوت العرب إلا دخلته، ثم هدنة بينكم وبين بني الأصفر فيعذرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا. ذكره في آخر الجزية [ (3) ] .
الموتان بضم الميم وسكون الواو: هو الموت الكثير السريع وقوعه وكذلك شبهه كقعاص الغنم وهو يأخذ الغنم لا يلبسها أن تموت والعقص أن يضرب الإنسان فيموت مكانه سريعا فشبه الموتان به. وخرّج مسلم من طريق حرملة بن عمران التجيبي، عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: سمعت أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان في موضع لبنة فاخرج منها قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن بني شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها [ (1) ] - ومن حديث حرملة، عن عبد الرحمن بن شماسة، عن أبي بصرة، عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فإذ فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما أو قال: ذمة وصهرا، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها قال: فرأيت عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وأخاه ربيعة يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها [ (2) ] / وروى ابن يونس من حديث ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميري، عن بحير بن داخل المعافري، عن عمرو بن العاص حدثني عمر أمير المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه سمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: إذا فتح اللَّه عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولم يا رسول اللَّه؟ قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة [ (3) ] . قال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد بن وضاح، عن محمد بن مصفى حدثنا بقية، عن ابن أبي مريم قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن
أبيه، عن أصحاب محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: إنكم ستفتحون أرضا يقال لها الشام فإذا افتتحتموها فخير ثم منازلها. فعليكم بأرض دمشق فإنّها غير مدائن الشام، وهي معقل المسلمين من الملاحم، ونشاطهم بأرض منها يقال لها الغوطة [ (1) ] . وخرجه الإمام [ (2) ] أحمد من حديث أبي اليمان، حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: حدثنا رجل من أصحاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: ستفتح عليكم الشام فإذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنّها معقل المسلمين في الملاحم، وفسطاطها منها بأرض يقال لها الغوطة. [وقد تقدم حديث علي بن حاتم: ولئن طالت بك حياة ليفتحن كنوز كسرى] [ (3) ] . وخرّج مسلم [ (4) ] من حديث المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: فكتب إليّ: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم جمعة عشية رجم الأسلميّ، فقال: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش وسمعته يقول: عصيبة من المسلمين يفتحون البيت الأبيض بيت كسرى [ (5) ] ، أو آل كسرى وسمعته يقول: إن بين يدي الساعة كذا بين فاحذروهم، وسمعته يقول: إذا أعطى اللَّه أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته، وسمعته يقول: أنا فرطكم [ (6) ] على الحوض.
وخرّج البخاريّ في باب علامات النبوة في الإسلام [ (1) ] من حديث الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: وأخبرني ابن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والّذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه. وخرجه في كتاب الأيمان والنذور، في باب كيف كانت يمين النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم [ (2) ] ، من حديث شعيبة، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والّذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه عز وجل. وخرّج البخاريّ في كتاب الجهاد، في باب الحرب خدعة [ (3) ] ، من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: هلك كسرى، ثم لا يكون كسرى بعده. وقيصر ليهلكن، ثم لا يكون قيصر بعده ولتقسمنّ كنوزهما في سبيل اللَّه، وسمي الحرب خدعة. وخرجه مسلم في كتاب الفتن [ (4) ] من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكر أحاديث منها، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، الحديث بمثله
ولم يذكر قوله: وسمى الحرب خدعة، وقال: ولتنفقن، وفي بعض النسخ وتقسمن، كما قال البخاري. وخرّج البخاريّ في كتاب فرض الخمس [ (1) ] من حديث إسحاق، سمع جريرا، عن عبد الملك، عن جابر بن سمرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، فذكر بمثل حديث أبي هريرة سواء. وخرّجه في باب علامات النبوة في الإسلام [ (2) ] من حديث سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة يرفعه، قال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده- وذكر قال: لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه. قال قاسم بن ثابت: معنى هذا الحديث- واللَّه تعالى أعلم- أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أجابهم على نحو مسألتهم، وذلك أن أهل مكة كانوا تجارا يرحلون إلى الشام والعراق ويضطربون في المعاش. قال ابن دريد: سمى العراق بعراق السفرة وهو الخرز المحيط بها، فقيل عراق لأنه استكف أرض العرب، وقيل سمي عراق بتواشح الشجر كناية، أراد عرقا وجمع عراقا، وقال الأصمعي: كانت العراق تسمى إران فعربوها فقالوا: العراق، وقال الخليل: شاطئ البحر، لأنه على شاطئ دجلة والفرات، حتى يتصل بالبحر، فلما افتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة شكوا إليه كساد تجارتهم، وقلة مكسبهم، وانقطاعهم عن البلدان التي منها يميرون، وبها يتجرون، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، يريد لا يكون بعده بالعراق كسرى، ولا بالشام قيصر، بظهور الملة [المحمدية] [ (3) ] ويقال في نحو هذا الحديث: أنزل اللَّه- تبارك وتعالى-: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ
نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [ (1) ] وقال الأصمعي: كسرى بكسر الكاف. وخرّج مسلم [ (2) ] من حديث أبي عوانة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: لتفتحن عصابة من المسلمين أو من المؤمنين [كنز آل كسرى] [ (3) ] الّذي في الأبيض. قال قتيبة: من المسلمين ولم يشك. وخرجه من حديث شعبة، عن سماك بمعنى حديث أبي عوانة [ (4) ] ذكرهما [ (5) ] في الفتن. قال البيهقي [ (6) ] : وإنما أراد هلاك قيصر الّذي كان ملك الشام وتنحية ملك القياصرة عنها، فصدق اللَّه- تعالى- قول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ونحن عن الشام ملك القياصرة، ونحى عن الدنيا ملك الأكاسرة، وبقي للقياصرة ملك الروم، لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: ثبت اللَّه ملكه حين أكرم كتاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى أن يقضى اللَّه- تعالى- فتح القسطنطينية، ولم يبق للأكاسرة ملك لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: مزق ملكه حين مزق كتابه [ (7) ] . قال: وفي قوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: لتنفقن كنوزهما في سبيل اللَّه إشارة إلى صحة خلافة أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- لأن كنوزهما نقلت إلى المدينة، بعضها في زمان أبي بكر، وأكثرها في زمان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، وقد أنفقاها في [مصالح] المسلمين، فعلمنا أن من
أنفقها كان له إنفاقها، وكان ولي الأمر في ذلك مصيبا فيما فعل من ذلك. وباللَّه التوفيق. وذكر البيهقيّ من طريق حماد حدثنا يونس، عن الحسن أن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أتى بفروة كسرى فوضعت بين يديه وفي القوم سراقة بن مالك بن جعشم قال: فألقى إليه سواري كسرى بن هرمز فجعلهما في يديه فبلغا منكبيه، فلما رآهما في يدي سراقة قال: الحمد للَّه! سواري كسرى بن هرمز في يدي سراقة بن مالك بن جعشم أعرابي من بني مدلج! وذكر الحديث [ (1) ] . قال الشافعيّ- رحمة اللَّه عليه- وإنما ألبسهما سراقة لأن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم قال لسراقة ونظر إلى ذراعيه: كأني بك قد لبست سواري كسرى، قال الشافعيّ: وقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين أعطاه سواري كسرى: البسهما، ففعل، ثم قال: قل: اللَّه أكبر! قال: اللَّه أكبر، قال: الحمد للَّه الّذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم أعرابيا [ (2) ] من بني مدلج [ (3) ] . وخرّج البيهقيّ من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي في (المعجم) لشيوخه قال: حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن هارون بن زياد القطيعي، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي خالد، عن قيس، عن عدي بن حاتم، قال: قال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: مثلت إليّ الحيرة كأنياب الكلاب وأنكم ستفتحونها فقام رجل فقال: يا رسول اللَّه [هب] [ (4) ] لي ابنة بقيلة، قال: هي لك، فأعطوها إياها، فجاء أبوها فقال: أتبيعها؟ قال: نعم، قال: بكم؟ قال: احكم ما شئت، قال: ألف درهم قال: قد أخذتها، قالوا له: لو قلت ثلاثين ألفا لأخذها، قال: وهل عدد أكثر من ألف؟ [ (5) ] .
وخرّجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث محمد بن يحيى بن أبي عمر هكذا وقع في هذه الرواية أن الشيماء اشتراها أبوها والمشهور أن الّذي اشتراها عبد المسيح أخوها [ (1) ] . وخرّج الطبراني من حديث أبي السكين زكريا بن يحيى قال: حدثني عمها زجر بن حصن، عن جدي حميد بن منهب قال: قال خزيم بن أوس هذه لأم الطائي بن حارثة بن لام الطاي سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي وهذه الشيماء بنت بقيلة الأزدية على بغلة سوداء بخمار أسود كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فعلقت بها وقلت: هذه وهبها لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فدعاني خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عليها فأتيته بها فسلمها إليّ ونزل إلى أخيها عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حبان بن بقيلة فقال لي: يعنيها، فقلت لا أنقصها واللَّه من عشر مائة شيئا، فدفع إليّ ألف درهم فقيل لي: لو قلت مائة ألف لدفعتها إليك، فقلت: ما كنت أحسب أن مالها أكثر من عشر مائة قال وبلغني في غير هذا: أن الشاهدين كانا محمد بن مسلمة وعبد اللَّه بن عمرو. وقال كاتبه: وقد أخبرني بشير بن سعد بدل ابن عمر هذا الحديث غريبا أخرجه ابن شاهين في الصحابة من هذا الوجه وأبو السكين من رجال البخاريّ وحميد لا بأس به، وزخر معروف النسب مجهول الحال وخزيم طائي شيبانيّ فأعله. وخرّج البيهقيّ من طريق سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني مكحول، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن حوالة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إنكم ستجندون أجنادا: جند بالشام، وجند بالعراق وجند باليمن، قال: فقلت: يا رسول اللَّه خر لي، قال: عليك بالشام، فمن أتى فليلحق بيمنه فليسق من غدره، فإن اللَّه قد تكفل لي بالشام وأهله [ (2) ] .
ومن طريق سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول وربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن عبد اللَّه بن حوالة الأزدي قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إنكم ستجندون أجنادا: جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن، فقلت: خر لي يا رسول اللَّه، قال عليك بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن اللَّه قد تكفل لي بالشام وأهله. فسمعت أبا إدريس يقول: من تكفل اللَّه به، فلا ضيعة عليه [ (1) ] . ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا عبد اللَّه بن يوسف، عن يحيى بن حمزة، قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة يرد الحديث إلى جبير بن نفير، قال: قال عبد اللَّه بن حوالة: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فشكونا العرى والفقر وقلة الشيء، قال: أبشروا فو اللَّه لأنا بكثرة الشيء أخوفني عليه من قلته، واللَّه لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح اللَّه أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حمير، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة: جندا بالشام، وجندا بالعراق، وجندا باليمن وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قال ابن حوالة: قلت يا رسول اللَّه! ومن يستطيع الشام وبه الروم ذات القرون؟ قال: واللَّه ليفتحنها عليكم وليستخلفنكم فيها حتى تظل العصابة البيض منكم قمصهم الملحمة، أقفاؤهم قياما على الرويجل الأسود منكم المخلوق، وما أمرهم من شيء فعلوه، وذكر الحديث [ (2) ] . قال أبو علقمة: فسمعت عبد الرحمن بن جبير يقول فعرف أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي وكان على الأعاجم في ذلك الزمان، فكان إذا راحوا إلى مسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله، فعجبوا لنعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيه وفيهم [ (3) ] . ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية ابن صالح أن حمزة بن حبيب حدثه عن ابن زغب الإيادي، قال: نزل بي عبد اللَّه ابن حوالة صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد بلغنا أنه فرض له المائتين فأبى إلا مائة وقال: قلت له: واللَّه ما منعته قال: قلت له: أحق ما بلغنا أنه فرض لك في مائتين فأبيت إلا مائة، واللَّه ما منعه وهو نازل على أن يقول لا أم لك أو لا
يكفي ابن حوالة مائة في كل عام؟ ثم أنشأ يحدثنا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثنا على أقدامنا حول المدينة لنغنم، فقدمنا ولم نغنم شيئا فلما رأى الّذي بناه من الجهد قال: اللَّهمّ لا تكلهم إليّ فأضعف عنهم ولا تكلهم الناس إلى الناس فيهونوا عليهم أو يستأثروا عليهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولكن بأرزاقهم [ (1) ] . ثم قال: ليفتحن لكم الشام، ثم لتقسمن كنوز فارس والروم، وليكونن لأحدكم من المال كذا وكذا، وحتى إن أحدكم ليعطي مائة دينار فيسخطها، ثم وضع يده على رأسي فقال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد أتت الزلازل والبلايا والأمور العظام، الساعة أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك [ (2) ] . قال البيهقيّ: أراد بالساعة انخرام ذلك القرن واللَّه- تعالى- أعلم. وأراد بكنوز فارس والروم ما كان منهم بالشام حين يفتح الشام يوجد كنوزهم بها، وقد وجد ذلك [ (3) ] . قال كاتبه: وأراد بنزول الخلافة الأرض المقدسة: ملك بني أمية. وخرّج مسلم [ (4) ] من حديث يحيى بن آدم حدثنا زهير بن معاوية، عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه. وذكره البيهقيّ من حديث آدم بهذا السند نحوه إلا أنه قال: منعت العراق ولم يقل: إذا، وقال: ومنعت مصر إردبها ودينارها، وقال: قال يحيى:
يريد من هذا الحديث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذكر القفيز والدرهم قبل أن يضعه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على الأرض [ (1) ] . وقال [أبو عبيد] الهروي [ (2) ] في هذا الحديث: قد أخبر النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بما لم يكن، وهو في علم اللَّه- تعالى- كائن، فخرّج لفظه على لفظ الماضي، لأنه ماض في علم اللَّه عزّ وجلّ، وفي إعلامه بهذا قبل وقوعه ما دلّ على إثبات نبوته صلى اللَّه عليه وسلم ودل على رضاه من عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ما وظفه على الكفرة من الجزية في الأمصار. وفي تفسير المنع وجهان: أحدهما: أن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم علم أنهم سيسلمون وسيسقط عنهم ما وظّف عليهم بإسلامهم فصاروا مانعين بإسلامهم ما وظف عليهم بإسلامهم، والدليل على ذلك قوله في الحديث: «وعدتم من حيث بدأتم» لانه بدأهم في علم اللَّه وفيما قدر وفيما قضى أنهم سيسلمون فعادوا من حيث بدءوا. وقيل في قوله صلى اللَّه عليه وسلم: منعت العراق درهمها «أنهم يرجعون عن الطاعة، وهذا يعني أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين. [وهذا وجه، والأول أحسن] [ (3) ] . قال البيهقيّ [ (4) ] : وتفسيره، فذكر ما خرجه مسلم من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن الجريريّ، عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يوشك أهل العراق لا يجني إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال: من قبل العجم يمنعون
ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام ألا يجبي إليهم دينار ولا مدي، قلنا: مما ذاك؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هنية، ثم قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا. لا يعده عدا، قال: قلت لأبي نضرة وأبي أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا [ (1) ] . وخرّجه البيهقيّ [ (2) ] من حديث محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا ابن بشار وأبو موسى قالا: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد قال بندار بن أبي إياس الجريريّ وقالا: عن أبي نضرة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: يوشك أهل العراق لا يجبي إليهم درهم ولا قفيز، قالوا: مما ذاك يا أبا عبد اللَّه؟ قال: من العجم. وقال بندار: من قبل العجم. وقال: يمنعون ذاك، ثم سكت هنية، فقالا: ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبي إليهم دينار ولا مدي، قال: مم ذاك؟ قال: من قبل الروم يمنعون ذاك. ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يكون في أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده عدا. ثم قال: والّذي نفسي بيده ليعودن الأمر كما بدأ، ليعودن كل إيمان إلى المدينة كما بدأ بها، حتى يكون كل إيمان بالمدينة، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا يخرج من المدينة رهبة عنها إلا أبد لها اللَّه خيرا منه، وليسمعنّ ناس برخص من أسعار ورزق فيتبعونه، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وخرّج البخاري من حديث سفيان عن عمرو قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه يقول: حدثنا أبو سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم من صحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح عليه، ثم يأتي على الناس زمان فيغرون فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صحب أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان يغزون فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صحب من صاحب أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم. ذكره في علامات النبوة [ (3) ] وفي الجهاد.
وخرّجه مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة قال: سمع عمرو جابرا يخبر عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ بمعناه، في آخره: فيكم من رأى من صحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟. وخرّجه من حديث يحيى بن سعيد [ (2) ] حدثنا ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر [ (3) ] قال: زعم أبو سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث، فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيكم من رأى أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فيفتح لهم، ثم يبعث البعث الثالث فيقولون هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيقال: انظروا، هل ترون فيكم من رأى من رأى أصحاب النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع، فيقال: انظروا هل ترون فيكم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به. وذكره في آخر المناقب بعد حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو. وخرّج البيهقيّ [ (4) ] من حديث يعقوب بن سفيان، قال: حدثني محمد بن مقاتل المروزي، حدثنا أوس بن عبد اللَّه بن بريدة، عن أخيه، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ستبعث بعوث فكن في بعث يأتي خراسان، ثم اسكن مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين، ودعا لها بالبركة وقال: لا يصيب أهلها سوء.
وخرّجه من طريق الحسين بن حريث [ (1) ] حدثنا أوس، فقال: هذا حديث تفرد به أوس بن عبد اللَّه لم يرو غيره. قال كاتبه: أوس بن عبد اللَّه بن حصيب الأسلمي سكن مرو، فيه نظر، قاله البخاريّ، وقال ابن عدي [ (2) ] : وفي بعض أحاديثه مناكير. قال البيهقيّ [ (3) ] : وقد روى في فتح فارس أحاديث صحيحة، وزعم بعض أهل العلم أن ذلك إشارة إلى جميع من يتكلم بالفارسية، إلى أقصى خراسان وفي بعضها غنيمة عن حديث أوس بن عبد اللَّه، وباللَّه التوفيق. وخرّج البخاريّ في التفسير [ (4) ] وخرج مسلم [ (5) ] من حديث ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنا جلوسا عند النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم إذ أنزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ فقال: قلت: من هؤلاء يا رسول اللَّه؟ فلم يراجعه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا. وقال البخاري: حتى سأله ثلاثا، قال: وفينا سلمان الفارسيّ، قال: فوضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريّا لنا له رجال من هؤلاء. وقال بعده: حدثني عبد اللَّه بن عبد الوهاب حدثنا عبد العزيز، أخبرني ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: لناله رجال من هؤلاء.
وخرّج الترمذيّ [ (1) ] من حديث عليّ بن حجر، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر، حدثني ثور بن زيد الديليّ عن أبي الغيث، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها. فلما بلغ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ، قال له رجل: يا رسول اللَّه! من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلمه، قال: وسلمان الفارسيّ فينا قال: فوضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على سلمان يده فقال: والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء. ثور بن زيد مدنيّ، وثور بن يزيد شاميّ، وأبو الغيث اسمه سالم مولى عبد اللَّه بن مطيع، مدنيّ ثقة. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وعبد اللَّه بن جعفر هو والد عليّ بن المديني، ضعفه يحيى بن معين. وخرّج من حديث عليّ بن حجر، أنبأنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا عبد اللَّه ابن جعفر بن نجيح، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنه قال: قال ناس من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه! من هؤلاء الذين ذكر اللَّه إن تولينا استبدلوا بنا ثم لم يكونوا أمثالنا؟. قال: وكان سلمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بجنب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخذ سلمان، قال: هذا وأصحابه، والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثّريّا لتناوله رجال من فارس [ (2) ] . قال أبو عيسى: وعبد اللَّه بن جعفر بن نجيح هو والد عليّ بن المديني. وقد روى عليّ بن حجر عن عبد اللَّه بن جعفر الكثير، وحدثنا عليّ بهذا الحديث عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد اللَّه بن جعفر، وحدثنا بشر بن معاذ، حدثنا عبد اللَّه بن جعفر عن العلاء نحوه، إلا أنه قال: معلق بالثريا [ (3) ] .
وخرّج البيهقيّ من طريق عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق عن عبد اللَّه بن بسر قال: أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم شاة والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: أصلحوا هذه الشاة وانظروا إلى هذا الخبز، فأثردوا واغرفوا عليه، وكانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال، فلما أصبحوا وسجدوا الضحى، أتي بتلك القصعة فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال أعرابيّ: ما هذه الجلسة؟ قال: إن اللَّه- عزّ وجلّ- جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا، كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك فيها، ثم قال: خذوا كلوا، فو الّذي نفس محمد بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه اسم اللَّه عزّ وجلّ [ (1) ] . وخرّج مسلم من حديث عبد اللَّه بن وهب، أخبرني الليث بن سعد، حدثني موسى بن عليّ عن أبيه قال: قال المستورد القرشيّ عبد عمرو بن العاص: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو: أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربع: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك [ (2) ] . ومن حديث ابن وهب قال: حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدّثه أن المستورد القرشيّ قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: ما هذه الأحاديث التي تذكر عنك أنك تقولها عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال له المستورد: قلت الّذي سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فقال عمرو: لئن قلت ذلك، إنهم أحلم الناس عند فتنة، وأجبر الناس عند مصيبة، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم، ذكره في الفتن [ (3) ] .
وذكر البيهقيّ من حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير قال: سمعت المستورد، ثم قال: لعله إذا كان صحيحا إنما زجره عمرو عن روايته لئلا يعرض المسلمون عن قتالهم، فإنّ الّذي تدل عليه الأحاديث إنما أراد به القسطنطينية، واللَّه تعالى أعلم. ثم أورد حديث عمرو بن مرزوق قال: أخبرنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال: كان يقال فتح القسطنطينية مع الساعة [ (1) ] . وخرّج البخاريّ [ (2) ] من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوذا وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر. ذكره في باب علامات النبوة. وذكر البيهقيّ [ (3) ] من طريق أبي بكر الإسماعيلي قال: حدثنا المنيعى قال: قال أبو عبد اللَّه يعني محمد بن عباد: بلغني أن أصحاب بابل كانت نعالهم الشعر. قال البيهقيّ: هم قوم من الخوارج خرجوا في ناحية الري، فأكثروا الفساد والقتل في المسلمين، حتى قوتلوا وأهلكهم اللَّه- عزّ وجلّ-. وخرّج البخاري [ (4) ] من حديث شعيب قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، وتجدون من خير الناس، أشدهم كراهية لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن تكون له مثل أهله وماله.
وخرجه مسلم [ (1) ] من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين ذلف الآنف. وخرّج البخاريّ في الجهاد [ (2) ] من حديث صالح، عن الأعرج، قال: قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك، صغار الأعين حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطرقة، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر. وخرجه من حديث سفيان، قال الزهريّ: عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . وخرّجه مسلم بهذا السند [ (4) ] . وخرّجه أيضا من حديث ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبيّ [ (5) ] . وخرّجه مسلم بهذا السند [ (6) ] أيضا. وخرجه أيضا من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوما وجوههم كالمجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر [ (7) ] . وخرجاه من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تقاتلون بين يدي الساعة قوما نعالهم الشعر كأن وجوههم المجان المطرقة حمر الوجوه صغار الأعين [ (1) ] .
وخرّج البخاريّ من حديث سفيان قال إسماعيل: أخبرني قيس، قال: أتينا أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صحبت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث سنين لم أكن في سني أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن صبحت سمعته يقول- وقال هكذا بيده-: بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر وهو هذا البارز [ (1) ] ، وقال سفيان مرة: وهم أهل البازر [ (2) ] . وخرجه من حديث جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: حدثنا عمرو ابن تغلب، قال: قال النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر، وإن من أشراط أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة. ذكره في كتاب الجهاد [ (3) ] في باب علامات النبوة [ (4) ] . وخرّج البيهقيّ [ (5) ] من حديث مسدد، حدثنا هشيم، عن سيار أبي الحكم، عن جبر بن عبيدة، عن أبي هريرة، قال: وعدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غزوة الهند فإن أدركتها أنفق فيها مالي ونفسي، فإن استشهدت كنت من أفضل الشهداء، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرّر. ومن حديث الأعمش، عن أبي عمارة، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني رأيت الليلة كأنما يتبعني غنم سود، ثم أردفتها غنم بيض حتى لم تر السواد فيها، فقصها على أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه هي العرب تتبعك، ثم أردفتها العجم حتى لم يروا فيها قال: أجل، كذلك عبرها الملك سحرا.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بقيام الخلفاء بعد بأمر أمته
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بقيام الخلفاء بعد بأمر أمته فخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن فرات القزاز قال: سمعت أبا حازم يحدث قال: قاعدة أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك بني خلف نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم فإن اللَّه سائلهم عما استرعاهم ذكره البخاريّ في باب ما جاء عن نبي إسرائيل وأما إخباره بقيام ملوك بعد الخلفاء. فخرج مسلم [ (3) ] من حديث صالح بن كيسان، عن الحارث، عن جعفر ابن عبد اللَّه بن الحكم، عن عبد الرحمن ابن المسور، عن أبي رافع، عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه اللَّه في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. قال أبو رافع فحدثه عبد اللَّه بن عمر فأنكره علي فقده ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه بن عمر يعوده فانطلقت معه فلم أجلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر قال صالح: وقد تحدث بنحو عن
أبى رافع. وخرجه أيضا من حديث ابن أبي مريم، عن عبد العزيز ابن محمد قال: أخبرني الحارث بن فضيل الخطميّ، عن جعفر عبد اللَّه بن الحكم، عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبي رافع مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن عبد اللَّه بن مسعود أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما كان من نبي إلا كان له حواريون يهتدون بهدية ويتسنون بسنته بمثل حديث صالح ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه. وخرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحيّ، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب اللَّه ويعدلون في عباد اللَّه، ثم يكون بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر، ويقتلون الرجال ويصطفون الموال، فمغير بيده، ومغير بلسانه، ومغير بقلبه، ليس وراء ذلك من الإيمان شيء [ (1) ] ومن حديث جرير بن حازم، عن ليث، عبد الرحمن بن سليط، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة الجراح، ومعاذ بن جل، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إن اللَّه بدأ هذه الأمة نبوة ورحمته، وكائنا خلافه ورحمة وكائنا ملكا عضوضا، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة: يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدا حتى يلقوا اللَّه عز وجل [ (2) ] وقال أبو نعيم ورواه عبد الملك ابن ميس وعمرو بن مرة، عن أسباط، عن أبي ثعلبة، عن أبي سيدة من حديث من دون معاذ. وخرجه أبو نعيم من حديث ابن وهب قال: حدثنا ابن لهيعة، عن خالد ابن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن هذا الأمر بدأ نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة ثم كائن ملكا غضوضا، ثم كائن عتوا وجبرية وفسادا في الأمة، يستحلون الفروج والحرير والخمور، يرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا اللَّه عز وجل [ (3) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن مدة الخلافة بعده ثم يكون ملكا فكان كما أخبر
وخرج الإمام أحمد من حديث إسرائيل، عن سماك عن ثروان بن ملحان قال: كنا جلوسا في المسجد فمر علينا عمار بن ياسر فقلنا له: حدثنا سمعت من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الفتنة؟ فقال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: يكوى بعدي عن قوم يأخذون الملك يقتل عليه بعضهم بعضا. قال: قلنا له: لو حدثنا غيرك غيرك ما صدقناه قال: فأنه سيكون [ (1) ] . وخرج الحاكم من حديث سفيان، عن الأعمش عن عمارة بن عمير، عن أبي عمار، عن حذيفة، قال يكون عليكم أمراء يعذبوكم ويعذبهم اللَّه [ (2) ] . وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم عن مدة الخلافة بعده ثم يكون ملكا فكان كما أخبر خرج أبو داود من حديث حوشب، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتى اللَّه الملك من يشاء أو قال: ملكة من يشاء [ (3) ] . قال سعيد قال: حدثنا سفينة: أمسك عليك أبو بكر سنتين، وعمر عشرا وعثمان أثنى عشر، وعلي كذا، قال: سعيد: قلت: لسفينة إن هؤلاء لا يزعمون أن عليا عليه السلام لم يكن بخليف، قال: كذت أستاه بني الزرقاء يعني مروان [ (4) ] . وخرج أيضا من طريق قبيصة بن عتبة أن عباد السماك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر، وعثمان، وعلى وعمر ابن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-[ (5) ] .
وخرج الترمذي [ (1) ] من حديث حشرج بن نباتية، عن سعيد بن جمهان قال: حدثني سفينة: قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم بعد ذلك، ثم قال لي سفينة، لأمسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ثم قال لي: أمسك خلافة علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: فوجدناها ثلاثين سنة قال سعيد: فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم قال: كذبوا بنوا الزرقاء بل هم ملوك من شر الملوك. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر وعلي قالا: لم يعهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في الخلافة شيئا. وهذا الحديث حسن قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن جمهان. وخرجه أبو نعيم من حديث الحماني قال: حدثني سعيد بن جمهان، قال: حدثني سفينة، قال خطبنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة أبي بكر وعمر ثنتا عشرة سنة وستة أشهر، وخلافة عثمان ثنتا عشرة سنة وستة أشهر، ثم خلافة علي تكملة الثلاثين. قلت: معاوية؟ قال: أول الملوك [ (2) ] وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي الجرجاني سمعت ابن جماد يقول: قال البخاري [ (3) ] حشرج بن نباته، عن سعيد بن جمهان. عن سفينة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: لأبي بكر وعمر وعثمان هؤلاء الخلفاء بعدي وهذا لم يتابع عليه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لم يستخلف النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقال النسائي: حشرج عن سعيد بن جمهان ليس بالقوى، وسئل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل عن حشرج بن نباته، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: لما بني النبي صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضح حجرا ثم قال: ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري، ثم قال: ليضع عمر حجره إلى جنب أبي بكر، ثم قال ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر، ثم قال هؤلاء خلفاء من بعدي وهو أهل الحديث الّذي أنكره البخاريّ على حشرج هذا وهذا الحديث قد روي بغير هذا الإسناد،
حدثنا محمد بن إبراهيم السراج، حدثنا يحيي الحماني، حدثنا ابن نباته، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: لما بني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضع حجرا ثم قال: ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري، ثم قال ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر، ثم قال: ليضع عثمان حجره إلى جنب [حجر] عمر، ثم قال: هؤلاء الخلفاء من بعدي. قال ابن عدي: وهذا الّذي أنكره البخاريّ على حشرج هذا الحديث، وهذا الحديث قد روي بغير هذا الإسناد حدثناه على بن إسماعيل بن أبي النجم، حدثنا عقبة بن موسى بن عقبة، عن أبيه عن محمد بن الفضل بن عطية عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك وهو عم ابن زياد بن علاقة: لما بني صلى اللَّه عليه وسلم المسجد وضع حجرا [ (1) ] فذكر هذه القصة. وخرجه البيهقي من طريق مؤمل قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي ابن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن ابنية قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: خلافة نبوة ثلاثين عاما ثم يؤتي اللَّه الملك من يشاء. فقال معاوية: قد رضينا بالملك [ (2) ] . وخرجه أبو نعيم من حديث أبي داود الطيالسي، حدثنا حماد ابن سلمة، حدثنا على بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: وفدنا مع زياد ومعنا أبو بكر فدخلنا عليه فقال له معاوية: حدثنا حديثا سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عسى اللَّه أن ينفعنا به، قال: نعم- كان نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها، فقال رجل: يا رسول اللَّه إني رأيت رؤيا، كان ميزانا دلى من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت يا أبا بكر، ثم وزن أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وعمر فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان فاستاء لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال خلافة نبوة، ثم يؤتى اللَّه الملك من يشاء، فغضب معاوية وزج في أقفائنا فأخرجنا فقال زياد لا أبا لك: أما وجدت من
حديث رسول اللَّه حديثا تحدثه غير هذا؟ فقال: واللَّه لا أحدثه إلا به حتى أفارقه، فلم يول زياد يطلب الإذن حتى أذن لنا فأدخلنا فقال معاوية: يا أبا بكر حدثنا بحديث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعل اللَّه ينفعنا به، قال: فحدثه أيضا مثل حديثه الأول فقال له معاوية: لا أبا لك تخبرنا أنا ملوك قد رضينا أن نكون ملوكا. قال أبو نعيم: ورفع الميزان بعد وزن الثلاثة يدل على رفع اعتدال الأحوال وزوالها عن الاستواء بما حدث من الفتن تصل عثمان وتشتت الكلم وليس ذلك بقادح في خلافة علي ولا إهانته، إذ يوجب الخلافة استحقاق خالصها وشرائطها لائتلاف الرغبة وارتفاع الفتن، ثم إن وقع اختلاف في الأمر فعلى الإمام أن يجتهد في إزالته بما يقتضيه حكم الشريعة، فإن استقام فهو الغرض المقصود والأمر المحمود، وإن امتنع استقامته وتعذر فعلى اللَّه حساب المعتدين والتالفين. ونظير هذا الحديث تسبيح الحصا في يد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ثم لم يسمع لهن تسبيح فهو أيضا دليل على وقوع الفتن وتغيير الأمور بقتل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وليس ذلك من استحقاق الخلافة أو سقوطها في شيء، ثم ذكر حديث موسى ابن عقبة: حدثنا أبي عن محمد بن الفضل، عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك قال: مررت برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وهو يؤسس مسجد قباء فقلت: يا رسول اللَّه تبني هذا البناء وإنما معك هؤلاء الثلاثة؟ قال: إن هؤلاء أولياء الخلافة، وذكره من طريق إسحاق الأزرق، عن موسى بن كثير عن زياد بن علاقة، عن قطبة قال: مررت بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وهو يبني مسجد المدينة ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فقلت يا رسول اللَّه هؤلاء الثلاثة نفر في بناء هذا المسجد قال: نعم- إنهم ولاة الخلافة بعدي. ومن طريق موسى الجوني حدثنا عبد الرحمن بن وهب، حدثنا يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أول من حمل صخرة بمسجد قباء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ثم حمل أبو بكر أخرى، ثم حمل عمر أخرى، ثم حمل عثمان أخرى، فقلت يا رسول اللَّه انظر إلى هؤلاء يتبعونك حيث رأوك قال: أما إنهم أمراء الخلافة بعدي. قال
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم باختيار الله تعالى والمؤمنين خلافة أبي بكر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - فكانت كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
كاتبة: لم تكن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بالمدينة لما أسس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجد قباء. وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم باختيار اللَّه تعالى والمؤمنين خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكانت كما أخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاريّ من حديث يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا رأساه: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: وذلك لو كان وأنا حي فاستغفر لك وأدعو لك فقالت عائشة: وا ثكلياه، واللَّه إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم بل أنا وا رأساه، لقد همت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] . وخرجه مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث يزيد بن هارون، قال: حدثنا إبراهيم ابن سعيد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، في مرضه: ادعى لي أباك أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن ويقول، قائل: أنا أولى. ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر ولأبى داود الطيالسي من حديث عبد العزيز بن رفيع، عن أبي مليكة عن عائشة قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي
وأما رؤيته صلى الله عليه وسلم في منامه مدتي خلافة أبي بكر وعمر - رضي الله تبارك وتعالى عنهما - فكان كما رأى لأن رؤياه وحي
مات فيه: ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد. وفي بعض الطرق ادعي لي أباك أبا بكر وأخاك، حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر، ومعناه أن يقول أنا أحق وليس كما يقول: سل يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر. هكذا في بعض النسخ وفي بعضها أنا أولى أي أنا أحق بالخلافة ورواه بعضهم أنا ولي بتخفيف النون وكسر اللام أي أنا أحق، والخلافة لي، وبعضهم قال: أنا ولاه. وفي البخاريّ لقد هممت أن أوجه إلى أبي بكر وابنه واعتمد رواية مسلم أخاك، وقد وقع ذكر الاستخلاف في الإيمان عند ذكر الوفاة فراجعه. وأما رؤيته صلى اللَّه عليه وسلم في منامه مدتي خلافة أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكان كما رأى لأن رؤياه وحي فخرج البخاريّ [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث يونس، عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول:
وأما إشارته [1] صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع في الفتنة في آخر عهد عثمان ثم في أيام علي - رضي الله تبارك وتعالى عنه -
سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء اللَّه ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، واللَّه يغفر له ضعفه. ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر، حتى ضرب الناس بعطن. لفظهما فيه متقارب، وقد تقدم هذا الحديث بطرقه في ذكر المنامات النبويّة. وقال الشافعيّ رحمه اللَّه: رؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي، قوله: في نزعه ضعف: قصر مدته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الّذي بلغه عمر في طول مدته. وقال الطيبي: أراد صلى اللَّه عليه وسلم إثبات خلافتهما والإخبار عن مدة ولايتهما، والإبانة عما جرى عليه أحوال أمته في أيامها فشبه أمر المسلمين بالقليب وهي البئر العادية لما فيها من الماء الّذي هو الحياة وشبه الوالي عليهم بالنازع الّذي يستقي الماء ويسقيه. وأما إشارته [ (1) ] صلى اللَّه عليه وسلم إلى ما وقع في الفتنة في آخر عهد عثمان ثم في أيام علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فخرج البخاري من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه أن ابن عباس كان يحدث أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة [ (2) ] . وخرج مسلم [ (3) ] من حديث الزبيدي قال: أخبرني الزهيري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عباس وأبا هريرة كان يحدث أن رجلا أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم. ومن
حديث ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة أخبره أن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يحدث أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فالمستكثرون والمستقل وأرى شيئا وأصلا من السماء إلى الأرض فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجلا من بعدك فعلا ثم أخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر. فانقطع به ثم وصل له فعلا. قال أبو بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يا رسول اللَّه بأبي أنت واللَّه لتدعني فلأعبرنها قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: اعبرها قال أبو بكر أما الظلة فظلة الإسلام وأما الّذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته ولينه وأما ما يكتف الناس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الّذي أنت عليه فيعلو به، ثم يأخذ به رجل أخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني أصبت أم أخطأت؟ يا رسول اللَّه يا أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال: فو اللَّه يا رسول اللَّه لتحدثني ما الّذي أخطأت قال: لا تقسم. لفظهما فيه متقارب. وخرجه مسلم من حديث سفيان، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منصرفة من أحد فقال: يا رسول اللَّه إني رأيت هذه الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل بمعنى حديث يونس [ (1) ] . ومن حديث عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس أو أبي عن أبى هريرة قال: عبد الرازق كان معمر أحيانا يقول عن ابن عباس وأحيانا يقول عن هريرة أن رجلا أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إني أرى الليلة ظلة بمعنى حديثهم [ (2) ] ومن حديث سليمان بن كثير عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس
أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه. من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له قال: فجاء رجل فقال: يا رسول اللَّه رأيت ظلة بنحو حديثهم [ (3) ] قال أبو سليمان [ (4) ] الخطابي: اختلف الناس في تأويل قوله صلى اللَّه عليه وسلم قد أصبت بعضا وأخطأت بعضا. فقال بعضهم: إنما صوبه في تأويل الرؤيا وخطأه في الافتيات بالتعبير بحضرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وقال بعضهم: موضع الخطأ في ذلك أن المذكور في الرؤيا شيئان وهما السمن والعسل فعبرهما على شيء واحد وهو القرآن وكان حقه أن يعبر كل واحد منها على انفراده وإنما هما الكتاب والسنة لأنهما بيان الكتاب الّذي أنزل عليه، قال: وبلغني هذا القول أو قريب من معناه، عن أبي جعفر الطحاوي. ولأبي داود من حديث الأشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: قال ذات يوم: من رأى منكم رويا؟ فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو كر فرجحت أنت بأبي بكر ووزن عمر، وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فرأيت الكراهة في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ومن حديث حماد، عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابنه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال ذات يوم: أيكم رأى رؤيا فذكر مثله ولم يذكر الكراهية. فاستاءها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعني ساءه ذلك فقال: خلافة نبوة ثم يؤتي اللَّه الملك من يشاء. ولابن وهب من حديث يونس، عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد اللَّه يحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أرى الليلة رجل صالح أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نيط برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ونيط عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأبي بكر ونيط عثمان ابن عفان بعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال جابر: فلما قمنا من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قلنا أما الرجل الصالح فرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم لجماعة فيهم عمر وعثمان - رضي الله تبارك وتعالى عنهما - أن فيهم شهيدان فاستشهدا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما ما ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من نوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الّذي بعث اللَّه عز وجل به نبيه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . قال البيهقي [ (2) ] : تابعه ابن أبي حمزة عن الزهري هكذا وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن ابن شهاب عن عمرو بن أبان بن عثمان عن جابر بن عبد اللَّه أنه كان يحدث. فذكر الحديث بمثله. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن علي علي الروذباري، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سمرة بن جندب رجلا قال: يا رسول اللَّه إني رأيت كان دلوا دلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيبها فشرب شربا ضعيفا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيبها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيبها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيبها فانتشطت فانتضح عليه منه شيء قلت: ضعف شرب أبي بكر: قصر مدته والانتضاح منه علي ما أصابه من المنازعة في ولايته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قصر مدته والانتضاح منه على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما أصابه من المنازعة في ولايته. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم لجماعة فيهم عمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن فيهم شهيدان فاستشهدا كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج البخاري [ (3) ] والترمذي من حديث سعيد، عن قتادة، أن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حدثهم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير شهداء فكان كذلك وقتلوا شهداء رضوان الله عليهم
وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فرجف بهم فقال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، وقد تقدم هذا الحديث بطرقه في ذكر تحرك الجبل لأجله وسكونه بأمره [ (1) ] . وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بأن عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير شهداء فكان كذلك وقتلوا شهداء رضوان اللَّه عليهم فخرج مسلم [ (2) ] والترمذي [ (3) ] من حديث سهيل أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. وقد تقدم بطرقه. وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلم ثابت بن قيس بأنه شهيد وما كان من ذلك فخرج عبد الرزاق [ (4) ] من حديث معمر، عن الزهري، عن ثابت بن قيس ابن شماس قال لما نزلت: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ قال: يا نبي اللَّه لقد خشيت أن أكون قد هلكت نهانا اللَّه أن نرفع أصواتنا فوق صوتك،
وأنا امرؤ جهير الصوت. ونهى اللَّه المرء أن يحمد بما لم يفعل، وأجدني أحب الحمد. ونهى اللَّه عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم يا ثابت ألا ترضي أن تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة؟ فعاش حميدا، وقتل يوم مسيلمة. وخرجه الحاكم [ (1) ] في (المستدرك) من حديث يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي، عن ابن شهاب قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن ثابت الأنصاري، عن أبيه أن ثابت بن قيس قال: قلت يا رسول اللَّه لقد خشيت أن أكون قد هلكت، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: نهانا اللَّه أن نحب أن نحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب الحمد ونهانا عن الخيلاء، وأجدني أحب الجمال، ونهانا ان نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا جهير الصوت فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا ثابت ألا ترضي أنت تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟. قال: بلي يا رسول اللَّه. قال: فعاش حميدا، وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما أخرج مسلم وحده حديث حماد بن سلمة، وسليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: لما أنزلت لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [ (2) ] جاء ثابت بن قيس وذكر الحديث مختصرا. قال المؤلف: وخرجه الطبراني في الأوسط، عن أحمد بن محمد بن محمد بن حمزة، عن أبيه، عن جده، عن الأوزاعي، عن الزهري قال: حدثني ابن ثابت الأنصاري قال: قلت يا رسول اللَّه فذكر الحديث بمعناه وخرج الحاكم [ (3) ] من حديث موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن ثابت، عن أنس أن ثابت بن قيس. جاء يوم اليمامة، وقد تحنط ولبس أكفانه، وقد انهزم أصحابه
وقال: اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، فبئس ما عودتم أقرانكم خلوا بيننا وبين أقراننا ساعة، ثم حمل فقاتل ساعة فقتل وكانت درعه قد سرقت فرآه رجل فيما يرى النائم. فقال: إن درعي في قدر تحت أكاف بمكان كذا وكذا وأوصي بوصايا فطلب الدرع فوجد حيث قال فأنفذوا وصيته وفيها قصة عجيبة، فذكرها من طريق عطاء الخراساني قال: لما قدمت المدينة فأتيت ابنة ثابت بن قيس بن شماس فذكرت قصة أبيها قالت: لما أنزل اللَّه على رسوله صلى اللَّه عليه وسلم لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [ (1) ] الآية وآية وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (2) ] جلس أبي في بيته يبكي ففقده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسأله عن أمره فقال: إني امرؤ جهير الصوت، وأخاف أن يكون قد حبط عملي، فقال: بل تعيش حميدا وتموت شهيدا ويدخلك اللَّه الجنة بسلام فلما كان يوم اليمامة مع خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- استشهد فرآه رجل من المسلمين في منامه فقال: إني لما قتلت انتزع درعي رجل من المسلمين وخبأه في أقصي العسكر وهو عنده وقد أكب على الدرع برمة وجعل على البرمة رجلا فأتت الأمير فأخبره وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه وإذا أتيت المدينة فأت قفل لخليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن علي من الدين كذا وكذا وغلامي فلان من رقيقي عتيق، وإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه. قال: فأتاه. فأخبره الخبر فوجد الأمر على ما أخبره، وأتى أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأخبره فأنفذ وصيته، فلا نعلم أحدا بعد ما مات أنفذ وصيته غير ثابت بن قيس بن شماس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (3) ] . وقال الحافظ أبو عمرو النمري، وروى هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن عامر قال: حدثني عطاء الخراساني، قال حدثتني ابنة ثابت بن قيس بن شماس قالت: لما نزلت:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآية دخل أبوها بيته وأغلق علي بابه ففقده النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأرسل إليه يسأله، فأخبره، فقال: أنا رجل شديد الصوت أخاف أن يكون قد حبط عملي، قال: لست منهم بل تعيش بخير وتموت بخير. قال: ثم أنزل اللَّه تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [ (1) ] فأغلق عليه بابه وطفق يبكي، ففقده النبي صلى اللَّه عليه وسلم إليه فأخبر، وقال: يا رسول اللَّه إني أحب الجمال، وأحب أن أسود قومي، فقال: لست منهم بل تعيش حميدا، وتقتل شهيدا، وتدخل الجنة قالت: فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فلما التقوا انكشفوا فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم حفز كل واحد منهما حفزة، فثبتا فقاتلا حتى قتلا، وعلي ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين. فأخذها، فبين رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال له إني أوصيك بوصية: فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي، ومنزله في أقصي الناس، وعند خباية فرس يسترني في طوله، وقد كفى على الدرع برمة، وفوق البرمة رجل، فأت خالد فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها. وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعنى أبا بكر فقل له: إن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق. فأتى الرجل خالد- رضي اللَّه وتبارك عنه- فأخبره فبعث إلي الدرع فأتى بها. وحدث أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- برؤياه فأجاز وصيته قال: ولا نعلم أحد أجيزت وصيته بعد موته غير ثاب بن قيس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال المؤلف رحمه اللَّه: الرجل الّذي زار ثابت بن قيس في منامه هو بلال بن رباح مؤذن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وأما إنذار رسول الله صلى الله عليه وسلم بارتداد قوم ممن آمن عن إيمانهم فكان كما أنذر وارتدت العرب بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
وأما إنذار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بارتداد قوم ممن آمن عن إيمانهم فكان كما أنذر وارتدت العرب بعد وفاته صلى اللَّه عليه وسلم قال اللَّه تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (1) ] وهذه الآية يعرض اللَّه فيها بارتداد من ارتد وانقلابهم على أعقابهم. بعد موت الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وفيها معنى قوله صلى اللَّه عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا بضرب بعضكم رقاب بعض [ (2) ] . وعن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال المراد بالشاكرين: أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأصحابه، وعنه أيضا: أبو بكر أمين الشاكرين وأمير من أحب اللَّه. وعنه: السن أن أبا بكر كان واللَّه إمام الشاكرين، هو واللَّه إمام الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [ (3) ] . قال الحسن علم اللَّه قوما يرجعون عن الإسلام بعد نبيهم فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه. فقوله: مَنْ يَرْتَدَّ جملة شرطية مستقبلية وهي إخبار عن الغيب وقع الخبر على وقعة فيكون معجزا لأنه من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل كونها. وقال الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قال: حصت وعمت
أبناءهم وجدودهم ومن أظهر غير ما ستر فهو حشو في المؤمنين، فأخبرهم بما هم لاقون إن فعلوا بارتداد من ارتد منهم في عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكاتبهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرسل، وماثلهم من بعده بأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومن أقام معه في الدار فهم جنود اللَّه الذين أقامهم على أمره وأصحاب نبيه صلى اللَّه عليه وسلم، الذين قاتلوا بني قينقاع، والنضير، وقريظة، وخيبر، فبدأ القوم بسعد بن عبادة، ثم أبواب الشام، ثم ثلثوا ببني أسد، وغطفان، ثم أثبتوا في نواحي جزيرة العرب حتى ضربوا البحرين من قبل عدن، وحضرموت من قبل عمان، والبحرين من قبل الشام والعراق حتى أدخلوا الناس في الباب الّذي خرجوا منه. فأتى اللَّه تعالي بفلولهم المرتدة في دورهم، فكانوا أذل أهل رأفة على المؤمنين من تلك القبائل، أهل غلظة وانتقام على المرتدة لا يجعلوا في جهادهم بلوم من لام في ذلك، هذا ما خصهم اللَّه تعالى به فأتى من رجع عن دين محمد صلى اللَّه عليه وسلم بأصحاب محمد صلى اللَّه عليه وسلم في بيوتهم. وعن سعيد بن مسلم وسعيد بن أبي عروبة. عن الحسن في قوله تعالى: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [ (1) ] الآية، قال أبو بكر وأصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبره أنه يأتيهم به في دورهم، وحيث كانوا فهم أحباء اللَّه. وقال طلحة بن الأعلم، عن ماهان، عن ابن عباس قال: كانت منازل الناس على عهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم: مسلم خالص، ومنافق، وكافر، فمن دخل من أهل الكفر في الإسلام فهو مسلم. ومن خرج من المسلمين إلى الكفار فهو منهم. ومن أسر الكفر وأظهر الإسلام حقن بذلك دمه حتى يظهره، وعلى هذا قابل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العرب. وقابل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- العرب من بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منهم خاصة أو عامة، ما خلا أهل مكة، وأهل الطائف، والقبائل التي أجابت النبي صلى اللَّه عليه وسلم عام الحديبيّة ممن حول مكة، والقبائل التي عاقب اللَّه يوم الحديبيّة منهم، وفائت عبد القيس، وحضرموت بعد الريب وحسن إسلامهم واستفاقوا من نومهم. قال هشام بن عروة، عن أبيه: ما مات
النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى قل أهل الردة، وذلوا ودخلوا عامتهم في الباب الّذي خرجوا منه فلما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يبق حي إلا ارتاب منهم خاصة أو عامة، ما خلا أهل مكة، وأهل الطائف. وقد جاء أهل الطائف لموافاتهم عثمان بن أبي العاص من غير ظان تموت على دينهم فاستيقظوا، ولم يبق أحد على دينه في عبد القيس وحضرموت فإنّهم نزعوا عن دينهم ثم استقاموا. وقال مجاهد عن سعيد عن الشعبي: لما فصل أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- تضرمت الأرض وارتدت من كل قبيلة وعامة إلا قريش وثقيف. وقال هشام بن عروة، عن أبيه. لما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفصل أسامة، ارتدت العرب خواص وعوام، وتروخي عن مسيلمة وطليحة فاستغلظ أمرهما. واجتمعت على طلحة عوام طيِّئ وأسد. وارتدت غطفان إلا ما كان من أشجع وخواص من الأفناء فبايعوه وقدمت هوازن رجلا وأخرت أخرى، أمسكوا الصدقة إلا ما كان من ثقيف ومن إليهم فإنّهم أقيدوا بهم عوام جذيلة والأعجار، وارتدت خواص من سليم وكذلك سائر الناس من كل مكان. وقدمت رسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من اليمن واليمامة وبلاد بني أسد مع وفود من كان كاتبه النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأمر أمره في الأسود ومسيلمة وطليحة بالأخبار والكتب، فدفعوا كتبهم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأخبره الخبر، فقال لهم: لا تبرحوا حتى تجيء رسل أمرائكم وغيرهم بأوهى مما وصفهم، فلم يلبثوا أن قدمت كتب أمراء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من كل مكان بأنقاض العرب عامة وخاصة وتبسطهم بأنواع المثل على المسلمين، فجاءهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاءهم بالرسل، فردوا رسلهم بأمره واتبع الرسل وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة، وكان أول من صادم عبس، وذبيان، عاجلهم وأعجلوه فقاتلهم قبل رجوع أسامة وقدوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمثل ذلك.
فخرج البخاري في أول كتاب الفتن [ (1) ] من حديث بشر بن السري، عن نافع عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤذن بناس من دوني فأقول: أمتي فيقال: لا تدري، مشوا على القهقرى. قال ابن أبي مليكة: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن. وخرج مسلم في كتاب المناقب [ (2) ] من حديث داود بن عمر الضبي قال: حدثنا نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص الحديث. قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني على الحوض حتى انظر من يرد علي منكم وسيؤخذ أناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ واللَّه ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم قال: فكان ابن أبي مليكة يقول: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا. وخرج مسلم من حديث وهب قال: سمعت عبد العزيز بن صهيب يحدث قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتم ورفعوا إلى اختلجوا دوني فلأقولن: أي رب أصحابي فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ذكره في المناقب [ (3) ] وخرجه البخاري في الرقاق [ (4) ] من حديث وهب حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم
اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك. وله من حديث جرير وشعبة، عن مغيرة، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه. وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] . ومسلم في المناقب [ (4) ] من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول. أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليردن على أقوام أعرفهم، ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم. قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدريّ لسمعته يزيد فيه قال: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي. لفظهما فيه متقارب وقد تداخلت بعض ألفاظهم. وخرجه مسلم [ (5) ] من حديث ابن وهب قال: حدثنا أسامة، عن أبي حازم، عن سهل، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وعن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث يعقوب. وخرجه البخاري بمثله في آخر كتاب الرقاق [ (6) ] . وخرج فيه من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه كان يحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى [ (1) ] .
قال المؤلف عفي الله تبارك وتعالى عنه
ومن حديث ابن فليح قال: حدثنا هلال، عن عطاء، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بسياقه أخرى. قال المؤلف عفي اللَّه تبارك وتعالى عنه وللردة أخبار كثيرة قد صنف المتقدمون فيها كتبا، وهي في الجملة كانت في إحدى عشرة فرقة: ثلاثة على عهد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وسبعة في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وواحدة في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فالتي في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فبنو مذجح، قاموا مع الأسود ذي الخمار بسهلة بن كعب وقد ثنيا. وينوا حنيفة قاموا بأمر مسلمة وقد ثنيا. وبنو أسد قاموا بأمر طليحة بن خويلد وقد ثنيا. وأما السبع التي في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فهم فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم هبيرة بن سلمة العشري. وبنو سليم قوم الفجاءة، واسمه بجير بن غياث بن عبد اللَّه بن عبد ياليل بن سلمة بن عميرة بن خفاق بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفه بن قيس غيلان بن مضر. وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر، وكندة قوم الأشعث بن قيس. وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحكم بن يزيد. وأما التي في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فهو ابن الأيهم. وسأورد نبذة من أخبارهم إن شاء اللَّه تعالي فأقول:
فأما قيام مذجح بأمر الأسود العنسي
فأما قيام مذجح بأمر الأسود العنسيّ واسمه عيهلة بن كعب بن عوف العنسيّ، بالنون وعنس بطن مذحج، وكان يلقب ذا الخمار لأنه كان معتمدا متخمرا أبدا. وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد جمع لباذان حين أسلم وأسلم أهل اليمن عمل اليمن جميعه وأمره على جميع مخالفيه، فلم يزل عاملا عليه حتى مات. فلما مات باذان فرق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمراءه في اليمن، فاستعمل عمرو بن حزم على نجران، وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين نجران وزبيد، وعامر بن شهر على همدان، وعلي صنعاء شهر بن باذان، وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة، وعلى مأرب أبا موسى، وعلى الجند يعلي بن أمية، وكان معاذ معلما ينتقل في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت، واستعمل على أعمال حضرموت زياد ابن لبيد الأنصاري، وعلي السكاسك والسكون عكاشة بن ثور، وعلي بني معاوية بن كندة عبد اللَّه أو المهاجر، فاشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلم يذهب حتى وجهه أبو بكر، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهؤلاء عمالة على اليمن وحضرموت وكان أول من اعترض الأسود الكاذب شهر وفيروز وداذويه وكان الأسود العنسيّ لما عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من حجة الوداع وتمص [ ... ] من السفر غير مرض موته بلاغه ذلك، بلغه النبوة، وكان مشعبذا يريهم الأعاجيب، فاتبعه مذحج، وكانت ردة الأسود أول ردة في الإسلام على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وغزا نجران فأخرج عنها عمرو بن حزم وخالد بن سعيد، ووثب قيس بن عبد يغوث، ابن مكشوح على فروة بن مسيك، وهو على مراد، فأجلاه ونزل منزله، وسار الأسود عن نجران إلى صنعاء، وخرج إليه شهر بن باذان فلقيه، فقتل شهر لخمس وعشرين ليلة من خروج الأسود، وخرج معاذ هاربا حتى لحق بأبي موسي وهو بمأرب فلحقا بحضرموت، ولحق بفروة من قم على إسلامه من مذجح. واستب للأسود ملك اليمن، ولحق أمراء اليمن إلى الطاهر بن أبي هالة إلا عمرا وخالدا، فإنّهما رجعا إلى المدينة، والطاهر بجبال عك وجبال صنعاء، وغلب الأسود على ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والإحساء إلى عدن واستطار أمره كالحريق، وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهرا سوى الركبان، واستغلظ أمره، وكان خليفته في مذجح عمرو بن
معديكرب، وكان خليفته على جنده قيس بن عبد يغوث، وأمر الأنباء إلى فيروز وداذويه. وكان الأسود تزوج امرأة شهر بن باذان بعد قتله، وهي ابنة عم فيروز وخاف من بحضرموت من المسلمين أن يبعث إليهم جيشا، أو يظهر بها كذاب مثل الأسود، فتزوج معاذ إلى السكون، فعطفوا عليه. وجاء إليهم وإلي من باليمن من المسلمين كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرهم بقتال الأسود، فقام معاذ في ذلك وقويت نفوس المسلمين، وكان الّذي قدم بكتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وبر بن يحنس الأزدي قال حنش الديلميّ: فجاءتنا كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنا بقتاله إما مصادقة أو غيلة، بعثني إليه وإلى فيروز وداذويه، وأن نكاتب من عنده دين. فعلمنا في ذلك، فرأينا أمرا كثيفا، وكان قد تغير لقيس بن عبد يغوث، فقلنا: إن قيسا يخاف على دمه فهو لأول دعوة، فدعوناه وأبلغناه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكأنما نزلنا عليه من السماء، فأجبنا وكاتبنا الناس. فأخبره الشيطان شيئا من ذلك، فدعا قيسا فأخبره أن شيطانه يأمره بقتله لميله إلى عدوه، فخلف قيس: لأنت أعظم في نفسي من أن أحدث نفسي بذلك. ثم أتانا فقال: يا جنش ويا فيروز ويا داذويه، فأخبرنا بقول الأسود فبينا نحن معه يحدثنا إذا أرسل إلينا الأسود فتهددنا، واعتذرنا إليه ونجونا منه ولم نكد وهو مرتاب بنا ونحن نحذره فبينا نحن على ذلك إذا جاءتنا كتب عامر بن شهر وذي زود وذي مران وذي الكلاع وذي ظليم يبذلون لنا النصر، فكاتبناهم وأمرناهم أن لا يفعلوا شيئا حتى نبرم أمرنا أيضا إلى نجران فأجابوه، وبلغ ذلك الأسود وأحسن بالهلاك قال: فدخلت على آزار، وهي امرأته التي تزوجها بعد قتل شهر بن باذان، فدعوتها إلى ما نحن عليه وذكرتها قتل زوجها شهر وإهلاك عشيرتها وفضيحة النساء. فأجابت وقالت: واللَّه ما خلق اللَّه شخصا أبغض إلى منه، ما يقوم للَّه على حق ولا ينتهي عن محرم، فأعلموني أمركم أخبركم بوجه الأمر. قال: فخرجت وأخبرت فيروز وداذويه وقيسا. قال: وإذ قد جاء رجل فدعا قيسا إلى الأسود، فدخل في عشرة من مذحج وهمذان فلم يقدر على ما قتله معهم وقال له: ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب؟ إنه، يعني شيطانه، يقول لي: إلا تقطع من قيسي يده يقطع رقبتك. فقال قيس: إنه ليس من الحق أن أهلك وأنت رسول اللَّه فمرني بما أحببت أو اقتلني، فموته أهون من موتنا. فرق له وتركه، وخرج قيس فمر بنا وقال: اعلموا عملكم. ولم يقعد عندنا- فخرج علينا الأسود في جمع، فقمنا له وبالباب مائة ما بين بقرة وبعير، فنحرها ثم
خلاها ثم قل: أحق ما بلغني عنك يا فيروز؟ - وبوأ له لحرية- لقد هممت أن أنحرك. فقال: اخترتنا لصهرك وفضلته فلو لم تكن نبيا لما بعنا نصيبك منك بشيء فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر الدنيا والآخرة! فقال له: أقسم هذه، فقسمها، ولحق به وهو يسمع سعاية رجل بفيروز وهو يقول له: أنا قاتله غدا وأصحابه، ثم التفت فإذا فيروز فأخبره بقسمتها، ودخل الأسود ورجع فيروز فأخبرنا الخبر، فأرسلنا إلي قيس فجاءنا. فاجتمعنا على أن أعود إلي المرأة فأخبرها بعزيمتها ونأخذ رأيها، فأتيتها فأخبرتها فقالت: هو متحرز وليس من القصر شيء إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت فإن ظهره إلى مكان كذا وكذا، فإذا أمسيتم فانقلبوا عليه فإنكم من دون الحرس وليس دون قتله شيء، وستجدون فيه سراجا وسلاحا. فتلقاني الأسود خارجا من بعض منازله فقال: ما أدخلك علي؟ ووجأ رأسي حتى سقطت، وكان شديدا، فصاحت المرأة فأدهشته، وقالت: جاءني ابن عمي زائرا ففعلت به هذا؟ فتركني، فأتيت أصحابي فقلت: النجاء! الهرب! وأخبرتهم الخبر. فإنا علي ذلك حياري إذ جاءنا رسولهم يقول: لا تدعن ما فارقتك منها- فعمل، فلما أخبرته قال: ننقب علي بيوت مبطنة، فدخل فاقتلع البطانة وجلس عندها كالزائر، فدخل عليها الأسود فأخذته غيره، فأخبرته برضاع وقرابة منها عنده محرم، فأخرجه، فلما أمسينا عملنا في أمرنا أعلمنا أشياعنا وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين فنقبنا البيت ودخلنا، وفيه سراج تحت جفنة، واتقينا بفيروز كان أشدنا، فقلت: انظر ماذا ترى، فخرج ونحن بينه وبين الحرس. فلما دنا من باب البيت سمع غطيطا شديدا والمرأة قاعدة، فلما قام على باب البيت أجلسه الشيطان وتكلم على لسانه وقال: ما لي ولك يا فيروز! فخشي إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل فأخذ برأسه فقتله ودق عنقه وضع ركبته في ظهره فدقه ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه وهي تراه انه لم يقتله فقال: قد قتلته وأرحتك منه، وخرج فأخبرنا، فدخلنا معه، فخار كما يخور الثور، فقطعت رأسه بالشفرة، وابتدر الحرس المقصورة يقولون: ما هذا؟ فقالت المرأة: النبي يوحى إليه!
فخمدوا، وقعدنا نأتم بيننا، فيروز ودوادويه وقيس، كيف نخبر أشياعنا، فاجتمعنا على النداء. فلما طلع الفجر نادينا بشعارنا الّذي بيننا وبين أصحابنا، ففزع المسلمون والكافرون، ثم نادينا بالأذان فقلت: أشهد ان محمد رسول اللَّه وأن عيهلة كذاب! وألقينا إليهم رأسه، وأحاط بنا أصحابه وحرسه وشنوا الغارة وأخذوا صبيانا كثيرة وانتبهوا. فنادينا أهل صنعاء من عنده منهم فأمسكه، ففعلوا. فلما خرج أصحابه فقدوا سبعين رجلا، فراسلونا وأرسلناهم على أن يتركوا لنا ما في أيديهم ونترك ما في أيدينا، ففعلنا، ولم يظفروا منا بشيء، وترددوا ما بين صنعاء ونجران. وتراجع أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى أعمالهم، وكان يصلي بنا معاذ بن جبل، وركبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، بخبره، وذلك في حياته. وأتاه الخبر من ليلته، وقدمت رسلنا، وقد توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأجابنا أبو بكر. قال ابن عمر: أتي الخبر من السماء إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم، في ليلته التي قتل فيها، فقال: قتل العنسيّ، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين، قيل: من قتله؟ قال: قتله فيروز. قيل: كان أول أمر العنسيّ إلي آخره ثلاثة أشهر، وقيل قريب من أربعة أشهر، وكان قدوم البشير بقتله في آخر ربيع الأول بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فكان أول بشارة أتت أبا بكر وهو بالمدينة. قال فيروز: لما قتلنا الأسود عاد أمرنا كما كان وأرسلنا إلى معاذ بن جبل فصلى بنا ونحن راجون مؤمنون لم يبق شيء نكرهه إلا تلك الخيول من أصحاب الأسود فأتي موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فانتقضت الأمور واضطربت الأرض [ (1) ] .
وأما قيام حنيفة بأمر مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب ابن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة يكنى أبا ثمامة وقيل أبو هارون [2]
وأما قيام حنيفة بأمر مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب ابن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة يكنى أبا ثمامة وقيل أبو هارون [ (2) ] عن رافع بن خديج قال: قدمت علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وفود العرب فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ولا أحرى أن يكون الإسلام لم يقر في قلوبهم من بني حنيفة، وقد يقوم ذكر قدوم مسيلمة وأنه ذكر لرسول اللَّه، فقال: أما إنه ليس بشركم مكانا! لما كانوا أخبروه به من أنهم تركوه في رجالهم حافظا لها. ويروى من حديث ابن عباس: أن مسيلمة قال عند ما قدم في قومه: لو جعل لي محمد الخلافة من بعده لا تبعته، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منحية من نخل فوقف عليه ثم قال: لئن أقبلت ليفعلن اللَّه بك ولئن أدبرت ليقطعن اللَّه دابرك وما أراك إلا الّذي رأيت فيه ما رأيت، ولئن سئلت هذه الشطبة- لشطبة من المنحية التي في يده- ما أعطيكما- وهذا ثابت يجيبك. قال ابن عباس: فسألت أبا هريرة عن قول النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما أراك إلا الّذي رأيت فيه ما رأيت. قال: كان رسول اللَّه قال: بينا أنا نائم رأيت سوارين من ذهب فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والآخر باليمن. قيل: ما أولتهما يا رسول اللَّه؟ قال: أولتهما كذابين يخرجان من بعد. ولما انصرف مسيلمة في قومه إلى اليمامة ارتد عدوا اللَّه وأدعي الشركة في النبوة مع النبي وقال للوفد الذين كانوا معه: ألم يقل لكم حين ذكرتموني له: أما إنه ليس يشركم مكانا! ما ذاك إلا علم أني أشركت في الأمور معه! وكتب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من مسيلمة رسول اللَّه إلى محمد رسول اللَّه أما بعد فإنّي قد أشركت في الأمر معك. وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون.
وقدم علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بهذا الكتاب رسولا لمسيلمة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين قرأ كتابه: فما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال! فقال أما واللَّه لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما، ثم كتب إلى مسيلمة: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللَّه إلى مسيلمة الكذاب: أما بعد فإن الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين. قال ابن إسحاق: وكان ذلك في آخر سنة 10 هـ. وذكر غيره أن ذلك كان بعد انصراف النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حجة الوداع ووقوعه في المرض الّذي توفاه اللَّه فيه، فاللَّه تعالي أعلم. وجد لعدو اللَّه الضلال بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأصفقت معه حنيفة علي ذلك إلا أفراد من ذوي عقولهم ومن أراد اللَّه به الخير منهم. وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الرجال أنه قدم مع قومه وافدا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقرأ القرآن وتعلم السنن قال ابن عمر: وكان من أفضل الوفد عندنا، قرأ البقرة وآل عمران، وكان يأبى أبيا يقرأه، فقدم اليمامة وشهد لمسيلمة على رسول اللَّه أنه أشركه في الأمر من بعده، فكان أعظم على أهل اليمامة فتنة من غيره لما كان يعرف به قال رافع بن خريج: كان بالرجال الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير في ما نري شيء عجيب، خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما وهو معنا جالس مع نفر فقال أحد هؤلاء النفر في النار. قال رافع فنظرت في القوم فإذا بأبي هريرة وأبي أروي الدوسيّ وطفيل بن عمرو الدوسيّ والرجال بن عنفوة، فجعلت انظر واجب وأقول: من هذا الشقي؟ فلما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجعت بنو حنيفة، فسألت ما فعل الرجال؟ فقالوا: أفتن، هو الّذي شهد لمسيلمة علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه أشركه في الأمر عبده. فقلت: ما قال رسول اللَّه فهو حق. قالوا: وسمع الرجال يقول: كبشان انتطحا فأحبهما إلينا كبشنا. وكان ابن اليشكري من سراة أهل اليمامة وأشرافهم وكان مسلما يكتم إسلامه وكان صديقا للرجال، فقال شعرا فشا في اليمامة حتى كانت المرأة والوليدة والصبي ينشدونه فقال: سعاد الفواد بنت أثال طال ليلي بفتنة الرجال إنها يا سعاد من حدث الدهر عليكم كفتنة الرجال فتن القوم بالشهادة وله عزيز
ذو قوة ومحال لا يساوي الّذي يقول من الأمر قبالا وما احتذي به من نعال أن ديني دين النبي وفي القوم رجال على الهدي امثالي أهلك القوم محكم بن طفيل ورجال ليسوا لنا برجال بزهم أمرهم مسيلمة اليوم فلن يرجعوه أخرى الليالي قلت للنفس إذ تعاظمها الأمر له فرجة كحل العقال إن تكن ميتي على فطرة اللَّه حنيفا فأنني لا أبالي فبلغ ذلك مسيلمة ومحكما وأشراف أهل اليمامة فطلبوه ففاتهم ولحق بخالد بن الوليد فأخبره بحال أهل اليمامة ودله على عوراتهم. وقالوا إن رجلا من نبي حنيفة كان أسلم وأقام عند رسول اللَّه فحسن إسلامه فأرسله رسول اللَّه إلى مسيلمة ليقدم به عليه. وقال الحنفي: إن أجاب أحدا من الناس أجابني وعسي أن يجيئه اللَّه. فخرج حتى أتاه فقال: إن محمدا قد أحب أن تقوم عليه، فإنك لو جئته فيلقي هذه المقالة إليه فلما أكثر عليه قال: انظر في ذلك، فشاور الرجال بن عنفوة وأصحابه فقالوا: لا تفعل إن قدمت عليه قتلك، ألم تسمع كلامه وما قال؟ فأبي مسيلمة أن يقوم معه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبعث معه رجلين ممن يصدق ب ليكلماه ويخبراه بما قال للحنفي. فخرج الرسولان حتى قدما علي رسول اللَّه مع رسوله فتشهد أحدهما برسول اللَّه وحده ثم كلمه بما بدأ له، فلما قضي كلامه تشهد الآخر فذكر رسول اللَّه وذكر مسيلمة فقال رسول اللَّه: كذبت، خذوا هذا فاقتلوه، فثار المسلمون إليه يلببونه وأخذ صاحبه بحجزته وجعل يقول: يا رسول اللَّه أعف عنه بأبي أنت وأمي فيجاذبه المسلمون؟ فلما أرسلوه تشهد بذكر رسول اللَّه وحده وأسام هو وصاحبه. فلما توفي رسول اللَّه خرجا فقدما علي أهليهما باليمامة. وقد فتن الّذي أمسك. بجحرة صاحبه ذلك فقتل مع مسيلمة وثبت الممسك بحجزته وكان بعد يخبر خالد بن الوليد بعورة بني حنيفة وأخبر رسول اللَّه رسوله إلي مسيلمة كيف رفق به حتى أراد أن يقدم لولا أن الرجال نهاه، فقال رسول اللَّه: يقتله اللَّه ويقتل الرجال معه، ففعل اللَّه ذلك بهما وأنجز وعده فيهما [ (1) ] .
وأما قيام بني أسد بما كان من أمر طليحة
وأما قيام بني أسد بما كان من أمر طليحة وكان طليحة بن خويلد الأسدي من بني أسد بن خزيمة قد تنبأ في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجه إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ضرار ابن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه، فضربه بسيف فلم يصنع فيه شيئا، فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه. ومات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهم على ذلك، فكان طليحة يقول: عن جبرائيل يأتيني. وسجع للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: إن اللَّه لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئا، اذكروا اللَّه أعفة قياما، إلى غير ذلك، وتتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيِّئ. فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة، وأقامت طيِّئ على حدود أراضيهم وأسد بسميراء، واجتمعت عبس وثعلبة ابن سعد ومرة بالأبرق من الربدة، واجتمع إليهم ناس من نبي كنانة، فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، أقامت فرقة بالأبرق، وسارت فرقة إلي ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، فكان عليهم وعلي من معهم من الدئل وليث ومدلج، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: واللَّه لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم، فرجع وفدهم فأخبروهم بقلة من في المدينة وأطمعوهم فيها. وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب [ (2) ] المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلقوا بعضهم بذي حسي ليكونوا لهم رداء، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسي، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال، ثم دهدهوها على الأرض، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت
بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلم. وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليهم، وبات أبو بكر يعبي الناس، وخرج علي تعبية يمشي وعلي ميمنته النعمان بن مقرن وعلى مسيرته عبد اللَّه بن مقرن وعلى أهل الساقة سويد ابن مقرن. فما طلع الفجر إلا وهم العدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل رجال، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة، وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة، فذل له المشركون. فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم، فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، وازداد المسلمون قوة وثباتا. وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس، بهم صفوان والزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة، وقدم أسامة بعد ذلك بأيام، وقيل: كانت غزوته وعوده في أربعين يوما. فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فناشده المسلمون ليقيم، فأبي وقل: لأواسينكم بنفسي. وسار إلي ذي حسي وذي القصة حتى نزل بالأبراق فقاتل من به، فهزم اللَّه المشركين وأخذ الخطبة أسيرا، فطارت عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر بالأبراق أياما، وغلب علي بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم. ولما انهزمت عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو بزاخة، وكان رحل من سميراء إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر إلى المدينة. فلما استراح أسامة وجنده، وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليهم، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء، عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة ابن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن قام له، وعقد لعكرمة ابن أبي أمية وأمره بجنود العنسيّ ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح، ثم يمضي إلي كندة بحضرموت، وعقد لخالد بن سعيد وبعثه إلي مشارف الشام،
وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلي قضاعة، وعقد لحذيفة بن محصن الغفاني وأمره بأهل دبا، وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهما ان يجتمعا وكل واحد منهما علي صاحبه في عمله. وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال: إذا فرغ من اليمامة فالحق بقضاعة وأنت علي خيلك تقاتل أهل الردة. وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، وعقد لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن، وعقد للعلاء بن الحضرميّ وأمره بالبحرين، ففضلت الأمراء من ذي القصة ولحق بكل أمير جنده، وعهد إلي كل أمير وكتب إلي جميع المرتدين نسخة واحدة واحدة يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم، وسير الكتب إليهم مع رسله. ولما اهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلي طليحة ببزاخة أرسل إلي جديلة والغوث من طيِّئ يأمرهم باللحاق به فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم باللحاق بهم، فقدموا علي طليحة. وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلي طيِّئ بالبطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له. وأظهر أبو بكر للناس أنه خارج إلي خيبر بجيش حتى يلاقي خالدا، يرهب به العدو بذلك. وقدم عدي علي طيِّئ فدعاهم وخوفهم، فأجابوه وقالوا له: استقبل الجيش فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم. فاستقبل عدي خالدا وأخبره بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيِّئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم، فعادت طيِّئ إلى خالد بإسلامهم، ورحل خالد يريد جديلة، فاستمهله عدي عنهم، ولحق بهم عدي يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم، ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم، وكان خير مولود في ارض طيِّئ وأعظمه بركة عليهم. وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن قرم النصارى طليعة، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتا ورجعا.
وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فخرج لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيِّئ، فقالت له طيِّئ: نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا علي الذين [هم] أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم [ (1) ] عليه، واللَّه لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم. فقال له خالد. إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبي لقتالهم، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من تكون الدائرة، قال: فاقتتل الناس على بزاخة. وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كبر عيينة على طليحة وقال له: هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال لا، فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال: لا. فقال عيينة: حتى متى؟ قد واللَّه بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟ قال: نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إن رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة: قد علم اللَّه أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس. وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه ان أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر. وكان خرج معتمرا [في إمارة أبي بكر] ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة! فقال: مال أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتي عمر فبايعه حين استخلف. فقال له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ واللَّه لا أحبك أبدا! فقال: يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلي أكرمهم اللَّه بيدي ولم يهني بأيديهما!
وأما ردة عيينة بن حصن الفزاري
فبايعه عمر وقال له: ما بقي من كهانتك؟ فقال: نفخة أو نفختان [بالكير] . ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلي العراق. ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم علي أبي بكر، فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو اللَّه أكفرت بعد إيمانك؟ فيقول: واللَّه ما آمنت باللَّه طرفة عين. فتجاوز عنه أبو بكر وحق دمه. وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالما به، فسأله خالد عما يقول فقال: إن مما أتى به: والحمام واليمام، والصرد والصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام. قال: ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشية على عيالاتهم، فأمنهم. حبال بكسر الحاء المهملة، وفتح الباء الموحدة، وبعد الألف لام. وذو القصة بفتح القاف، والصاد المهملة. وذو حسي بصم الحاء المهملة والسين المهملة المفتوحة. ودبا بفتح الدال المهملة، وبالباء الموحدة. وبزاخة بضم الباء الموحدة، وبالزاي، والخاء المعجمة [ (1) ] وأما ردة عيينة بن حصن الفزاري وكنيته أبو مالك فإنه كان من الأعراب الجفاة. وأسلم واستعمله النبي صلى اللَّه عليه وسلم على فزارة والتقى مع طليحة الأسدي بمكان يقال له: بزاخة ووقف أحياء كثيرة من الأعراب ينظرون على من تكون الدائرة، وجاء طليحة فيمن معه من قومه ومن التف معهم وانصاف غليهم، وقد حضر معه عيينة بن حصن في سبعمائة من قومه، بني فزارة، واصطف الناس، وجلس طليحة ملتفا في كساء له يتنبأ لهم ينظر ما يوحي إليه فيما يزعم، وجعل عيينة يقاتل ما يقاتل، حتى إذا ضجر من القتال يجيء إلى طليحة وهو ملتف في كسائه فيقول: أجاءك جبريل؟ فيقول: لا، فيرجع فيقاتل، ثم يرجع فيقول له مثل ذلك ويرد عليه
مثل ذلك، فلما كان في الثالثة قال له: هل جاءك جبريل؟ قال: نعم، قال: فما قال لك؟ قال: قال لي إن لك رحاء كرحاه، وحديثا لا تنساه، قال يقول عيين، أظن ان قد علم اللَّه سيكون لك حديث لا تنساه، ثم قال: يا بني فزارة انصرفوا، انهزم وانهزم الناس على طليحة، فلما جاءه المسلمون ركب على فرس قد أعدها له، وأركب امرأته النوار على بعير له، ثم انهزم بها إلي الشام وتفرق جمعه، وقد قتل اللَّه طائفة ممن كان معه، فلما أوقع اللَّه بطليحة وفزارة ما أوقع قالت بنو عامر وسليم وهوازن ندخل فيما خرجنا منه، ونؤمن باللَّه ورسوله، ونسلم لحكمة في أموالنا وأنفسنا. قلت: وقد كان الأسدي ارتد عن الإسلام، وقال لقوله: واللَّه لنبي من بني أسد أحب إلي من نبي من نبي هاشم، وقد مات محمد وهذا طليحة فاتبعة، فوافق قومه بنو فزارة على ذلك، فلما كسرهما خالد هرب طليحة بامرأته إلي الشام، فنزل على بني كلب وأسر خالد عيينة بن حصن، وبعث به إلي المدينة مجموعة يداه إلي عنقه، فدخل وهو كذلك فجعل الولدان والغلمان يطعنونه بأيديهم، ويقولون: أي عدو اللَّه، ارتددت عن الإسلام؟ فيقول: واللَّه ما كنت آمنت قط، فلما وقف بين يدي الصدّيق استتابه وحقن دمه، ثم حسن إسلامه بعد فأسره مع عيينة، وأما طليحة فإنه راجع الإسلام بعد ذلك أيضا، وذهب إلي مكة معتمرا أيام الصديق، واستحيي أن يواجهه مدة حياته، وقد رجع فشهد القتال مع خالد، وكتب الصديق إلي خالد: أن استشره في الحرب ولا تؤمره- يعني معاملته له بنقيض ما كان قصده من الرئاسة في الباطن- وهذا من فقه الصديق- رضي اللَّه تبرك وتعالي عنه وأرضاه-، وقد قال خالد بن الوليد لبعض أصحابه طليحة ممن أسلم وحسن إسلامه: أخبرنا عما كان يقول لكم طليحة من لوحي، فقال: إنه كان يقول: الحمام واليمام والصرد والصوام، قد ضمن قبلكم بأعلام ليبلغن ملكنا العراق والشام، إلي غير ذلك من الخرافات والهنديانات [ (1) ] .
وأما ردة قرة بن هبيرة بن مسلمة القشيري في غطفان
وأما ردة قرة بن هبيرة بن مسلمة القشيري في غطفان فإنه اجتمع له عسكر من بني عامر على أن لا يؤدي الزكاة وذلك بعد موت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وصارت وبنو عامر تقدم رجلا وتؤخر أخرى، وتنظر ما صنع أسد وغطفان فلما أحيط بهم وبنو عامر علي قادتهم وسادتهم: قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها. فلما مر عمرو بن العاص بقرة منصرفه من عمان بعد وفاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنزله وأكرمه. فلما أراد أن يرحل قال له: يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم أنفسا بالإتاوة فإن أنتم أغنيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم فقال عمرو: أكفرت يا قرة؟ وخوله بنو عامر فكره أن تبوح لمتابعتهم فيكفروا، أو بمتابعته فينفروا، فيقول: لنردنكم إلي فئتكم، وكلما سأله عمرو: أكفرت يا قرة؟ يقول: لنردنكم إلي فئتكم، واجعلوا بيننا وبينكم موعدا. فقال عمرو: أتوعدنا بالعرب ونحو فئاتها، موعدك حشف أمك، فو اللَّه لأوطنه عليك الحبل. وقدم علي أبي بكر والمسلمين، فأخبرهم خبر ما بين عمان إلي المدينة فلما كان يوم البزاخة أقبلت بنو عامر إلي خالد بن الوليد يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، فبايعهم علي الإسلام. وأما ردة بني يربوع قوم مالك بن نويرة ابن حمزة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة ابن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم لما رجعت سجاح إلي الجزيرة ارعوى مالك بن نويرة وندم وتحير في أمره، وعرف وكيع وسماعة قبح ما أتيا فراجعا رجوعا حسنا ولم يتجبرا، وأخرجا الصدقات فاستقبلا بها خالدا وسار خالد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان
وأسد وطيِّئ يريد البطاح وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا: ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن نحن فرغنا من بزاخة أن نقيم حتى يكتب إلينا، فقال خالد: قد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير ولو لم يأت كتاب بما رأيته فرصة، وكنت إن أعلمته فاتتني لم أعلمه وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس فيه منه عهد لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، فأنا قاصد إلي مالك ومن معي ولست أكرههم، ومضي خالد، وندمت الأنصار وقالوا: إن أصاب القوم خيرا حرمتوه، وإن أصيبوا ليجتنبنكم الناس، فلحقوه ثم سار حتى قدم البطاح فلم يجد بها أحدا، وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال: يا بني يربوع إنا دعينا إلي هذا الأمر، فأبطأنا عنه، فلم نفلح، وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتي لهم بغير سياسة وإذا الأمر لا يسوسه الناس فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وأدخلوا في هذا الأمر فتفرقوا علي ذلك. ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام، وأن يأتوه بكل من لم يحب وإن امتنع أن يقتلوه، وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلا، فإن أذن القوم فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فاقتلوه وانهبوا وإن أجابوكم إلي داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم، وإن أبوا فقاتلوهم. قال: فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلب بن يربوع فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا، فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء، فأمر خالد مناديا فنادى: ادفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكا. وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم. فقال إذا أراد اللَّه أمرا أصابه، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك فقال عمر لأبي بكر: إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك، فقال: هيه يا عمر، تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد، فإنّي لا أشيم سيفا سله اللَّه على الكافرين، وودى مالكا، وكتب إلي خالد أن يقدم عليه، ففعل ودخل عليه المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر
فنزعها وحطمها، وقال قتلت امرأ مسلما، ثم نزوت علي امرأته، واللَّه لأرجمنك بأحجارك، وخالد لا يكلمه، يظن أن رأي أبي بكر مثله، ودخل علي أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الّذي كانت عليه العرب من كراهة أيام الحرب فخرج، وعمر جالس فقال هلم إلي يا ابن أم سلمة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه وقيل: إن المسلمين لما غشوا مالكا وأصحابه ليلا أخذوا السلاح فقالوا: نحن المسلمين، فقال أصحاب مالك: ونحن المسلمين، فقالوا لهم: ضعوا السلاح، فوضعوه، ثم صلوا وكان يعتذر في قتله أنه قال: ما إخال صاحبكم إلا قال كذا وكذا، فقال له أو ما تعده لك صاحبا؟ ثم ضرب عنقه وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم، فأمر أبو بكر برد السبي وودى مالكا من بيت المال. ولما قدم على عمر قال له: ما بلغ بك الوجد على أخيك؟ قال بكيته حولا حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة، وما رأيت نارا قط إلا كدت أنقطع أسفا عليه، لأنه كان يوقد ناره إلي الصبح مخافة أن يأتيه ضيف ولا يعرف مكانه، قال: فصفه لي، قال كان يركب الفرس الحرون، ويقود الجمل الثقال وهو بين المزادتين النضوختين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت، معتقلا، رمحا خطلا، فيسري ليلته ثم يصبح وكأن وجهه فلقة قمر. قال: أنشدني بعض ما قلت فيه، فأنشد مرثيته التي يقول فيها: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا فقال عمر: لو كنت أقول الشعر لرثيت أخي زيدا، فقال متمم: ولا سواء يا أمير المؤمنين لو كان أخي صرع مصرع أخيك لما بكيته. فقال عمر: ما عزائي أجد بأحسن مما عزيتني به، وفي هذه الوقعة قتل الوليد وأبو عبيدة ابنا عمارة بن الوليد وهما ابنا أخي خالد، لهما صحبة [ (1) ] .
وأما سجاح بنت الحارث بن سويد ابن عقفان التميمية
وأما سجاح بنت الحارث بن سويد ابن عقفان التميمية قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة، وكانت ورهطها في أخوالها من تغلب تقود أفناء ربيعة، معها الهزيل بن عمران في بني تغلب، وكان نصرانيا فترك دينه، وتبعها، وعقبة بن هلال في النمر، وزياد بن فلان أياد، والسليل ابن قيس في شيبان، فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم. وكانت سجاح تريد غزو أبي بكر، فأرسلت إلي مالك بن نويرة تطلب الموادعة، فأجابها وردها من غزوها وحملها على أحياء من بني تميم، فأجابته وقالت: أنا امرأة من بني يربوع، فإن كان ملك فهو لكم. وهرب منها عطارد ابن حاجب وسادة بني مالك وحنظلة إلي بني العنبر، وكرهوا ما صنع وكيع وما صنع مالك بن نويرة، واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم سجاح وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا علي الرباب فليس دونهم حجاب. فساروا إليهم، فلقيهم حنبة وعبد مناة فقتل بينهم قتلى كثيرة وأسر بعضهم من بعض ثم تصالحو، وقال قيس بن عاصم شعرا ظهر فيه ندمه على تخلفه عن أبي بكر بصدقته. ثم صارت سجاح في جنود الجزيرة حتى بلغت النياح، فأغار عليهم أوس بن خزيمة الهجيمي في بني عمرو فأسر الهزيل وأعتقه، ثم اتفقوا على أن يطلق أسرى سجاح ولا يطأ أرض أوس ومن معه. ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة وقالت: عليكم باليمامة، ودفوا دفيف الحمامة، فإنّها غزوة حرامه، لا يلحقكم بعدها ملامة. فقصدت ابن حنيفة، فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثمامة وشرحبيل بني حسنة والقبائل التي حولهم على حجر، وهي اليمامة، فأهدى لها ثم أرسل إليها يستأمنها علي نفسه حتى يأتيها، فأمنته، فجاءها في أربعين من بني حنفية فقال مسيلمة: لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد اللَّه عليك النصف الّذي ردت قريش. وكان مما شرع لهم أن من أصاب ولدا واحدا ذكرا لا يأتي النساء يموت ذلك الولد فيطلب الولد حتى يصيب ابنا ثم ينسك، وقيل: بل تحصن منها،
فقالت له: انزل، فقال لها: أبعدي أصحابك ففعلت، وقد ضرب لها قبة وجحرها لتذكر بطيب الريح الجماع، واجتمع بها فقالت له: ما اوحي إليك ربك؟ فقال ألم تر إلي ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى بين صفاق وحشي. قالت: وماذا أيضا؟ قال: إن اللَّه خلق النساء أفواجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فتولج فيهن قعسا إيلاجا، ثم تخرجها إذا تشاء إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا. قالت: أشهد أنك نبي. قال هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب؟ قالت: نعم. قالت: بذلك أوحي إلي فأقامت عنده ثلاثا ثم انصرف إلي قومها، فقالوا لها: ما عندك؟ قالت: كان علي الحق فتبعته وتزوجته. قالوا: هل أصدقك شيئا؟ قالت: لا. قالوا: فارجعي فاطلبي الصداق، فرجعت. فلما رآها أغلق باب الحصن وقال: ما لك؟ قالت: أصدقني. قال: من مؤذنك؟ قالت: شبث بن ربعي الرياحي، فدعاه وقال له: ناد في أصحابك أن مسيلمة رسول اللَّه قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد: صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة. فانصرفت ومعها أصحابها، منهم: عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبث بن ربعي، فقال عطارد بن حاجب: أمست نبيتنا أنثى نطوف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا وصالحها مسيلمة على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك عنده من يأخذ النصف، فأخذت النصف وانصرفت إلي الجزيرة وخلقت الهذيل وعقة وزيادا لأخذ النصف الباقي، فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فارفضوا. فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها، وانتقلت إلي البصرة وماتت بها وصلي عليها سمرة ابن جندب وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد اللَّه بن زياد من خراسان وولايته البصرة. وقيل: إنها لما قتل مسيلمة سارت إلي أخواله تغلب بالجزيرة فماتت عندهم ولم يسمع لها ذكر [ (1) ] .
وأما ردة الأشعث بن قيس بن معديكرب
وأما ردة الأشعث بن قيس بن معديكرب ابن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة بن عفير بن الحارث بن مرة بن أزد بن زيد يستحث بني عدي بن مهد بن كهلان بن سبإ بن يعرب بن قحطان الكندي، فإنه كان مطاعا في الجاهلية يقوم بأمر كندة، فارتد فيمن ارتد وخرج في بني الحارث ابن معاوية إلي المحاجر ونزل محجرا وقد طابقت معاوية كلها على منع الصدقة وأجمعوا على الردة إلا قليلا، فجمع بني الحارث بن معاوية، وبني عمرو بن معاوية، ومن أطاعه من السكاسك وغيرهم فانضم المهاجر بن أبي أمية إلي زياد بن لبيد، فكانت وقعة بينهم وبين كندة، وعليهم الأشعث بمحجر الزرقان، فانهزمت كندة إلي الجحيم فقدم عكرمة بن أبي جهل على المهاجر وزياد، وحصروا المير وقطعوا المواد عنه، ثم اقتتلوا حتى كثرت القتلى، فخرج الأشعث إلي عكرمة بأمان فأرسله المهاجر إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فعفا عنه. وأما الحكم بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة فإنه خرج لما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم في من اتبعه من بكر بن وائل فاجتمع إليه من غير المرتدين ممن لم يزل مشركا حتى نزل القطيف وهجر واستغووا الخط ومن بها من الزط والسبابجة وبعث بعثا إلي دارين وبعث إلي جواثا فحصر المسلمين فاشتد الحصر علي من بها، فقال عبد اللَّه بن حذف وقد قتلهم الجوع: ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا فهل لكم إلي قوم كرام ... تعود في جواثا محصرينا كأن دماؤهم في كل فج ... شعاع الشمس يغشى الناظرينا توكلنا علي الرحمن إنا ... وجدنا النصر للمتوكلينا
وكان سبب استنفاذ العلاء بن الحضرميّ من إياهم أن أبا بكر كان قد بعثه علي قتال أهل الردة بالبحرين فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال الحنفي أيضا لحقه في مثل عدته فسلك الدهناء حتى إذا كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل فنفرت إبلهم بأحمالها فما بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا اللَّه وأوصي بعضهم بعضا فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه فقال: ما هذا الّذي غلب عليكم من؟ الغم فقالوا كيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحم الشمس حتى نهلك فقال لن تراعوا أنتم المسلمون وفي سبيل اللَّه وأنصار اللَّه فأبشروا فو اللَّه لن تأخذوا فلما صلوا الصبح دعا العلاء ودعوا معه فلمع لهم الماء فمشوا إليه وشربوا واغتسلوا فما تعالي النهار حتى أقبلت الإبل تجمع من كل وجه فأناخت إليهم فسقوها وكان أبو هريرة فيهم فلما ساروا عن ذلك المكان قال لمنجاب بن راشد كيف علمك بموضع الماء؟ قال عارف به فقال له كن معي حتى تقيمني عليه قال فرجعت به إلي ذلك المكان فلم نجد إلا غدير الماء فقلت له واللَّه لولا الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان وما رأيت بهذا المكان ماء قبل اليوم، وإذا إداوة مملوة ماء فقال أبو هريرة هذا وللَّه المكان ولهذا رجعت بك وملأت إدواتي تم وضعتها على شفير الغدير وقلت: إن كان منا من المن عرفته وإن كان عنا عرفته فإذا من من المن فحمد اللَّه ثم ساروا فنزلوا بهجر وأرسل العلاء إلي الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه وسار هو فيمن معه حتى نزل عليه مما يلي هجر فاجتمع المشركون إلي العلاء وخندق المسلمون علي أنفسهم والمشركون وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلي خندقهم فكانوا كذلك شهرا فبينما هم كذلك سمع المسلمون ضوضاء هزيمة أو قتال فقال العلاء من يأتينا بخبر القوم فقال عبد اللَّه بن حذف أنا فخرج حتى دنا من خندقهم فأخذوه وكانت أمه عجيلة فجعل ينادي يا أبجراه فجاء أبجر بن بحير فعرفه فقال ما شأنك؟ فقال علام أقبل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وغيرهما؟ فخلصه فقال له واللَّه إني لأظنك بئس بن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال دعني من هذا وأطعمني فقد مت جوعا فقرب له طعاما فأكل ثم قال زودني واحملني يقول هذا الرجل قد غلب عليه السكر فحمله علي بعير وزوده وجوزه فدخل عسكر المسلمين
وأما ردة جبلة بن أبي المنذر بن الأيهم بن الحارث
فأخبرهم ان القوم سكارى فخرج المسلمون عليهم فوضعوا فيهم السيف كيف شاءوا وهرب الكفار فمن بين متردد وناج ومقتول ومأسور، واستولي المسلمون على العسكر ولم يفلت رجل إلا بما عليه فأما أبجر فأفلت، وأما الحكم فقتل قتله قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التميمي رجله وطلبهم المسلمون فأسر عفيف بن المنذر النعمان بن المنذر الغرور فأسلم وأصبح العلاء فقسم الأنفال ونفل رجالا من أهل البلاء ثيابا فأعطى ثمامة بن أثال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحكم يباهي بها، فلما رجع ثمامة بعد فتح دارين رآها بنو قيس بن ثعلبة: فقالوا له أنت قتلت الحطم؟ فقال لم أقتله ولكني اشتريها من المغنم فوثبوا عليه فقتلوه [ (1) ] . وأما ردة جبلة بن أبي المنذر بن الأيهم بن الحارث وهو جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر واسمه المنذر بن الحارث وهو ابن مارية ذات القرطين وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة واسمه كعب أبو عامر بن حارثة بن امرئ القيس ومارية بنت أرقم بن ثعلب بن عمرو ابن جفنة ويقال غير ذلك في نسبه وكنيته جبلة أبو المنذر الغساني الجفني وكان ملك غسان وهم نصارى العرب أيام هرقل وغسان أولاد عم الأنصار أوسها وخزرجها وكان جبلة آخر ملوك غسان فكتب إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتابا مع شجاع بن وهب يدعوه إلي الإسلام فأسلم وكتب بإسلامه إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال ابن عساكر: إنه لم يسلم قط وهكذا صرح به الواحدي وسعيد بن عبد العزيز وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمرو فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني فدفعه أصحاب جبلة إلي أبي عبيدة فقالوا: هذا لطم جبلة قال أبو عبيدة فيلطمه جبلة فقالوا: أوما يقتل؟ قال: لا، قالوا: فكنا تقطع يده؟ قال لا إنما
أمر اللَّه بالقود فقال جبلة أترون أني جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانبا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام فقال إنا للَّه: وإنا إليه راجعون ثم قال: ولم؟ قال لطمة رجل من مزينة فقال وحق له فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس ساق ذلك بأسانيده إلي جماعة من الصحاب وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثير من قومه قيل مائة وخمسين راكبا وقيل خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلي المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلئ والجواهر، وفيه قرطا مارية جدته. وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم علي عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السنة فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزاري إلي عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة فاستحضره عمر فاعترف جبلة فقال له عمر اقتدته منك فقال كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى. فقال جبلة: قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال عمر: دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك فقال: إذا أتنصر. فقال: إن تنصرت ضربت عنقك. فلما رأى الحد قال: سأنظر في أمري هذه الليلة فانصرف من عند عمر. فلما أدلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه، فسار إلي الشام ثم دخل الروم ودخل علي هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة. وأهدى إليه هدايا جميلة. وجعله من سمّاره فمكث عنده دهرا وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمر. فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني فدفعه أصحاب جبلة إلي أبي عبيدة فقالوا:
هذا لطم جبلة، قال أبو عبيدة، فيلطمه جبلة، فقالوا: أوما يقتل؟ قال لا قالوا فما تقطع يده؟ قال لا إنما أمر اللَّه بالقود، فقال جبلة أترون أني جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانبا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام فقال إنا للَّه وإنا راجعون، ثم قال ولم؟ قال لطمة رجل من مزينة فقال وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس ساق ذلك بأسانيده إلي جماعة من الصحابة، وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثيرة من قومه قيل: مائة وخمسين راكبا. وقيل: خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلي المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلي والجواهر وفيه قرطا مارية جدته وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم علي عمر رحب به عمرو أدنى مجلسه وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل! ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزاري إلي عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة فاستحضر عمر فاعترف جبلة فقال له عمر أقتد منه فقال كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى فقال جبلة قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية فقال عمر دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك فقال إذا أتنصر! فقال إن تنصرت ضربت عنقك فلما رأى الحد قال سأنظر في أمري هذه الليلة فانصرف من عند عمر فلما أدلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلي الشام ثم دخل الروم ودخل علي هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة وأهدى إليه هدايا جميلة وجعله من سماره فمكث عنده دهرا ثم إن عمر كتب كتابا إلي هرقل مع رجل يقال له جثامة بن مساحق الكناني. فلما بلغ
هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له هرقل: هل لقيت ابن عمك جبلة؟ قال: لا قال فألقه فذكر اجتماعه به وما هو فيه من النعمة والسرور والحبور الدنيوي في لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه حواليه حسان من الخدم والقيان ومطعمه وشرابه وسروره وداره التي تعوض بها عن دار الإسلام وذكر انه دعاه إلي الإسلام والعود إلي الشام فقال أبعد ما كان مني من الارتداد؟ فقال نعم إن الأشعث بن قيس ارتد وقاتلهم بالسيوف ثم لما رجع إلي الحق منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة قال فتلهى عنه بالطعام والشراب وعرض عليه الخمر فأبي عليه وشرب جبلة من الخمر شيئا كثيرا حتى سكر ثم أمر جواريه المغنيات فغنينه بالعيدان من قول حسان بن ثابت فينا وفي ملكنا وفي منازلنا بأكناف غوطة دمشق قال سكت طويلا ثم قال لهن أبكينني فوضعن عيدانهن ونكسن رءوسهن وقلن: تنصرت الأشرف من عار لطمة ... وما كان لو صبرت لها ضرر تكنفني فيها اللجاج ونخوة ... وبعت بها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلي القول الّذي قاله عمر وياليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر وياليت لي بالشام أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يصبر العود الكبير على الدبر قال فوضع يده على وجهه فبكى حتى بل لحيته بدموعه وبكيت معه ثم أستدعي بخمسمائة دينار هرقلية فقال خذ هذه فأوصلها إلي حسان بن ثابت وجاء بأخرى فقال خذ هذه لك فقلت لا حاجة لنا فيها ولا أقبل منك شيئا وقد ارتددت عن الإسلام فيقال إنه أضافها إلي التي لحسان فبعث بألف دينار هرقلية ثم قال له أبلغ عمر بن الخطب مني السلام وسائر المسلمين فلما قدمت على عمر أخبرته فقال ورأيته يشرب الخمر؟ قلت: نعم قال: أبعده اللَّه تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته، ثم قال وما الّذي وجه به لحسان؟ قلت خمسمائة دينار هرقلية فدعا حسانا فدفعها إليه فأخذها وهو يقول: إن ابن جفنة من بقية معشر ... لم يغرهم آباؤهم باللوم لم ينس بالشام إذ هو ربها ... كلا ولا منتصرا بالروم
يعطي الجزيل ولا يراه عنده ... إلا كبعض عطية المحروم وأتيته يوما فقرب مجلس ... وسقى فرواني من المذموم ثم لما كان في هذه السنة من أيام معاوية بعث معاوية عبد اللَّه بن مسعدة الفزاري رسولا إلي ملك الروم فاجتمع بجبلة بن الأيهم فرأى ما هو فيه من السعادة الدنيوية والأموال من الخدم والحشم والذهب والخيول فقال له جبلة لو أعلم أن معاوية يقطعني أرض البثينة فإنّها منازلها وعشرين قرية من غوطة دمشق ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا لرجعت إلي الشام فأخبر عبد اللَّه بن مسعدة معاوية بقوله فقال معاوية: أنا أعطيه ذلك وكتب إليه كتابا مع البريد بذلك فما أدركه البريد إلا وقد مات قبحة اللَّه وذكر أكثر هذه الأخبار الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظر وأرخ وفاته هذه السنة أعني سنة ثلاث وخمسين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه فأكال الترجمة وأفاد ثم قال في آخرها بلغني أن جبلة توفي في خلافة معاوية بأرض الروم بعد سنة أربعين من الهجرة [ (1) ] . وذكر ابن سعد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتب إلي جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلي الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأهدى له هدية ولم يزل مسلما حتى كان في زمان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فبينما هو في سوق دمشق إذ وطئ رجلا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطلق به إلي أبي عبيدة الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة، قال: فليطمه، قالوا: وما يقتل؟ قال: لا قالوا: فما تقطع يده قال: لا، إنما أمر اللَّه- تبارك وتعالي- بالقود، قال جبلة: أو ترون إني جاعل وجهي ندا لوجه جدي جاء من عمق! بئس الدين هذا: ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان ابن ثابت: أبا الوليد، أما علمت ان صديقك وجبلة بن الأيهم ارتد نصرانيا؟ قال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون قال، ولم؟ قال: لطمة رجل من مزينة،
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بسوء عاقبة الرجال بن عنفوة فشهد لمسيلمة وقاتل معه حتى قتل
قال: وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه بها [ (2) ] قال الدولابي: لما قتل أهل الردة فسارعوا إلى الدخول في الإسلام فخيرهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بين خطة مخزية أو حرب مجلية، فاختاروا المخزية، وهي أن يشهدوا على قتلاهم أنهم في النار، وقتلى المسلمين في الجنة. وما أصابوا من أموال المسلمين ردوه، وما أصاب المسلمون لم يردوه، وأن يدو قتلى المسلمين ولا يدو قتلاهم وأن يأخذ منهم الحلقة ولكراع، فلما ولي عمر ابن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إنه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضا وقد وسع اللَّه واستثار في سبايا العرب في الجاهلية وفي الإسلام أيام الردة إلا امرأة ولدت وجعل فداء كل إنسان سبعة أبعرة وستة، وإلا حنيفة وكندة خفف عنهم، وقال: لا ملك على عربي، وأجمع عليه المسلمون. وبقي في قريش بعد ما ندي السبي عدة. وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بسوء عاقبة الرجّال بن عنفوة فشهد لمسيلمة وقاتل معه حتى قتل وقد كان الرجال هذا وقد وفد إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقرأ البقرة، وجاء زمن الردة إلى أبي بكر فبعثه إلى أهل اليمامة يدعوهم إلى اللَّه ويثبتهم على الإسلام، فارتد مع مسيلمة وشهد له بالنّبوّة قال سيف بن عمر عن طلحة عن عكرمة عن أبى هريرة: كنت يوما عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم في رهط معنا الرجال بن عنفوة، فقال: أن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من أحد، فهلك القوم وبقيت أنا والرجال وكنت متخوفا لها، حتى خرج الرجال مع مسيلمة وشهد بالنّبوّة، فكانت فتنة الرجال أعظم من فتنة مسيلمة، رواه إسحاق عن شيخ، عن أبي هريرة، وقرب خالد وقد جعل على المقدمة شرحبيل بن حسنة، وعلى المجنبتين زيدا وأبا حذيفة، وقد مرت المقدمة في الليل بنحو من أربعين ظن وقيل ستين فارسا عليهم مجاعة بن مرارة، وكان قد ذهب لأخذ ثأر له في بنى تميم وبنى عامر
وأما أن لعنته صلى الله عليه وسلم أدركت الملوك الأربعة وأختهم
وهو راجع إليه فلم يصدقهم، وأمر بضرب أعناقهم كلهم، سوى مجاعة فإنه استبقاه مقيدا عنده- لعلمه بالحرب والمكيدة- وكان سيدا في بني حنيفة، شريفا مطاعا، ويقال: إن خالدا لما عضوا عليه قال لهم: ماذا تقولون يا بني حنيفة؟ قالوا: نقول منا نبي ومنكم نبي، فقتلهم غلا واحدا واسمه سارية، فقال له، أيها الرجل إن كنت تريد عدا بعدول هذا خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل- يعني مجاعة بن مرارة- فاستبقاه خالد مقيدا، وجعله في الخيمة، مع امرأته، وقال: استوصي به خيرا، فلما تواجه الجيشان قال مسيلمة لقومه: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تستنكح النساء سبيات، وينكحن غير حظيات فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم، وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد علي كثيب يشرف على اليمامة، فضرب به عسكره ورواية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماسي، والعرب على راياتها، ومجاعة بن مرارة مقيد في الخيمة مع أم تميم امرأة خالد، فاصطدم المسلمون والكفار فكانت جولة وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد بن الوليد وهموا بقتل أم تميم، حتى أجارها مجاعة وقال: نعمت الحرة هذه، وقد قتل الرجال بن عنفوة لعنة اللَّه في هذه الجولة، قتله زيد بن الخطاب [ (1) ] . وأما أن لعنته صلى اللَّه عليه وسلم أدركت الملوك الأربعة وأختهم فقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، عن صفوان بن عمرو قال: حدثني شرحبيل بن عبيد، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزردي، عن عمرو بن عبسة، قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعرض خيلا يوما وعنده عيينة بن حصن الفزاري، فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنا أعلم بالخيل منك، فقال عيينة: وأنا أفرس بالرجال منك، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: وكيف ذاك؟ قال خير الرجال
يحملون سيوفهم على عوائقهم جاعلين على رماحهم على مناسج خيولهم، لابسو البرود من أهل نجد، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كذبت، بل خير الرجال رجال أهل اليمن، والإيمان يمان إلي لخم وجذام وعاملة ومأكول خمير خير من آكلها وحضرموت خير من بني الحارث بن كندة، وقبيلة خير من قبيلة، شر من قبيلة. واللَّه ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما لعن اللَّه الملوك الأربعة: جمداء، وفحوساء، ومشرخاء، وأبضعة. وأختهم العمردة. ثم قال: أمني ربي ان ألعن قريشا مرتين، فلعنتهم، وأمرني أن أصلي عليهم مرتين، فصليت عليهم مرتين، ثم قال: عصية عصت اللَّه ورسوله غير قيس وجعدة وعصية، ثم قال: لأسلم وغفار ومزينة وأخلاطهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند اللَّه عز وجل يوم القيامة، ثم قال: شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب، وأكثر القبائل في الجنة مذحج مأكول [ (1) ] .
وخرجه أيضا من حديث زهران بن معاوية
وخرجه أيضا من حديث زهران بن معاوية حدثنا يزيد بن جابر، عن رجل عن عمرو بن عبسة فذكر نحوه باختصار وفيه: وأنا يمان وحضرموت خير من بني الحارث وما أبالي يهلك الحيان [ (2) ] كلاهما. فلا قيل ولا ملك إلا للَّه عز وجل. وذكر سيف في كتاب (الردة) أن المهاجر بن أبي أمية لما ذرع من نجران وأوثق عمرو بن معديكرب وقيس بن عبد يغوث وبعث بهما إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سار إلي اللحجبة العنسيّ ومعه زياد بن لبيد فما زال زياد بحضرموت والسكون حتى سكن بعضهم عن بعض بعد ما نادوا بمنع الصدقة. فخرج بنو عمرو بن معاوية إلي المحاجر ونزل حمد محجرا ومسرح محجرا وبضعة محجرا وأختهم العمردة محجرا وكانوا رؤساء على بني عمرو بن معاوية ونزلت بنو الحارث بن معاوية محاجرها فنزل الأشعث بن قيس منزلا محجي ولسمط بن الأسود محجرا وطابقت معاوية كلها على منع الصدقة وأجمعوا على الردة إلا شرحبيل بن السمط وابنه فإنّهما خرجا إلي زياد بن لبيد في آخرين وجمعوا جمعهم وطرقوا معاوية في محاجرهم وأكبوا على بني عمرو بن معاوية وهم عند القوة وشوكتهم من خمسة أوجه في خمس فرقا، فأصابوا مشرحاء وفحوساء وأبضعه وأختهم العمردة أدركتهم اللعنة وقتلوا فأكثروا واقترب من الطاق الهرب وذهبت بنو عمرو بن معاوية فلم يأتوا لخير بعدها. واكتفي زياد بالسبي والأموال يريد الأشعث بن قيس. ويقال: إن العمردة كانت تأتي المؤمنين فتركلهم برجلها.
وخرجه الحاكم [1] من حديث ابن وهب
وخرجه الحاكم [ (1) ] من حديث ابن وهب أخبرني معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن عابد الأزردي، عن عائذ، عن عمرو بن عبسة فذكره بنحو أو قريب منه، ثم قال القرد بن الحرث: محوس ومشرح، وجحح وأبضعة بنو معديكرب بن وليعة بن شرحبيل بن حجر القرد وهم الملوك الأربعة كانوا قد وفدوا على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ارتدوا فقتلوا يوم البخير وسموا ملوكا لأنه كان لكل واحد منهم واد يملكه بما فيه قال: ومسرون بن الحالبي بن معديكرب قتل يوم النحير. ولهم تقو ادنا نحير يا عين بكى للملوك الأربعة. محوس. ومشرح. وحمد. وابضعة، والخالتي انني لن ادعه. وقال: في الجمهرة وهو كتاب كندة لخالتي وهو باطل والفحيح الخالي بن معديكرب. وفي (أخبار الردة) أن زياد بن لبيد كان على صدقات بني معاوية فوسم ناقة لرجل لم تكن عليه صدقة، فأتاه أخوه فقال: خذ مكان الناقة جملا، فلا صدقة على أخي فرأى زياد أنه اعتلال واتهمه بالكفار فقال قد وسمت ولا ترد، فنادى صاحب الناقة أبا الرياض اصام الدليل من أكل في داره. فأتي حارثة بن سراقة فقال: أطلق بكرة الفتي وخذ بعيرا مكانها فأبي. فأطلق حارثة عقالها فأمر به زياد بن لبيد فأخذ، وكتف هو وأصحابه فغضب بنو حارثة وغضب السكون وحضرموت لزياد، وعسكر فوافاهم زياد وخلي عن حارثة وأصحابه فلما رجعوا دمروهم، ثم خرج بنو عمرو بن معاوية خصوصا إلي المحاجر وهي أحماء حموها فنزل جمد ومخوص. ومشرح وأبضعة والعمردة، والمحاجر ونزل الأشعث بن قيس الكندي محجرا، فارتدوا إلا شرحبيل بن السمط وابنه، فيتهم زياد بن لبيد فقتل مشرحا ومخوصا وجمدا وأبضعة والعمردة أختهم وأدركتهم اللعنة، وأخذ زياد بالسبي والأموال علي عسكر
الأشعث بن قيس، فاستغاثوه فتقدمهم، وعلم أن زياد بن لبيد لا يقلع عنه فنجا الأشعث إلي النحير بعد أن هزم فأتي المهاجر بن أبي أمية وزياد بن لبيد وعكرمة بن أبي جهل، فاستأمن لنفسه وعلي تسعة من قبل أن يفتح الباب، فكتب التسعة ونسي نفسه، وفتح الباب فقتلت المقاتلة وسرح من كان في الكتاب. وقال المهاجر بن أبي أمية للأشعث أخطأك نوؤك يا عدوّ اللَّه، قد كنت اشتهي ان تخزى وأوثقه وبعثه إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فكان، يلعنه المسلمون والسبي وسموه غرف النار، وهو اسم الغادر، ولما وصل إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أراد قتله، فقال: أنا أرضيت لقوم كيما يحل دمي؟ قال: نعم، قال: إنما وجب الصلح بعد الختم فخشي القتل، فقال: احتسب في خيرا أو اقتلني، ورد عليّ زوجتي وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- زوجة أخته أم فروة، فقبل منه ورد عليه أهله، ولم يكن قد بني بها، واللَّه تبارك وتعالي أعلم.
وأما إجابة الله تعالي دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم في مجيء ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد ابن ثعلبة بن يربوع بن الدؤل بن حنيفة الحنفي [1]
وأما إجابة اللَّه تعالي دعاء رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم في مجيء ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد ابن ثعلبة بن يربوع بن الدؤل بن حنيفة الحنفي [ (1) ]
فقال سيف: عن طلحة، عن عكرمة قال: كان من حديث ثمامة بن أثال وسبب إسلامه أن ثمامة كان يتعرض لرسل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يخيف طريقهم، وكان المنذر بن ساوي والي قبائل ممن حولهم، فأخذه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فهم بقتله فخلصه عامر بن مسلمة، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اللَّهمّ أمكني ثمامة بغير عهد ولا عقد. فلما كان الحج خرج ثمامة حاجا. وخرج رجل من مكة يريد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فضل ثمامة، فلما دنا من المدينة لقيه ذلك الرجل فتساءلا، فأخذه الرجل، فقال ثمامة: الحمد للَّه إذ رماني بخليل ولم يرمني برفيق، ما أبالي متى بت، فانتهي به إلي المدينة، فأتي به إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: ما أبالى ميتي بت، فانتهي به إلي المدينة، فأتي به إلي النبي فقال: أنت سيد أهل اليمامة يا
وقال سيف عن طلحة بن الأعلم
ثمامة؟ فقال: أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، فقال: ما كني رجل رجلا إلا كان منه في ذمة، قال: وكيف؟ قال: إنها ملاطفة، قال: إذا أنسى في عمري بيدهم فقال: أقتلك! أحب من يد، أم سليم، أو أعتقك وتسلم؟ أو أفاديك وتسلم؟ فقال تقتل تقتل ذا دم، وإن بعتني أن تفاديني عظيما، فأما ان أسلم قرا فو اللَّه لا أسلم أبدا! فقال: إني قد أعتقتك، قال: فإنّي أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، فأقر، ثم مضى، فقضى حجته، ثم كتب إلي أهل مكة- وهم يومئذ مشركون حاربوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت مادة أهل مكة في بعض الحالات من اليمامة- أنه فقال: واللَّه الّذي لا إله إلا هو، لا تمروا أبدا من قبل اليمامة حتى تؤمنوا باللَّه ورسوله فأضر ذلك بأهل مكة، فكتبوا إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يشكون إليه فكتب لهم إلي أبي أمامة: أن لا تقطع عنهم موادتهم التي كانت تأتيهم من قبلك، فجعل ذلك أبو أمامة وخلي عنهم، وثبت على إسلامه وكان خير ما كان حين تغير الناس وأقام على إسلامه وقاتل أهل الردة. وقال سيف عن طلحة بن الأعلم عن رجل من بني الحارث بن نيار عن أبيه وكان مع ثمامة بن أثال وبدى إسلامه، أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لما بعث العلاء بن المنذر إلي أهل البحرين داعية استجاب له المنذر ودخل في الإسلام ورجع العلاء فمر بجنبات اليمامة فأخذه ثمامة، فلما قدم على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أخبره فقال: اللَّهمّ اهد عامرا وأمكن ابن عامر، فخرج حاجا فتحير حين دنا من المدينة وقد خرج إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيما كان يخرج إليه وكان سمع بالذي كان من ثمامة وبدعاء النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فسأل أحدهما صاحبه، فأخذه العباس فأدخله المدينة فأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: قد أمكن اللَّه منك يا ثمامة وحبسه، ثم عرضه فقال: ما أصنع بك يا ثمامة؟ أفديك أو أقتلك؟ أو أطلقك؟ ومع واحدة منهن أو تسلم! فقال: إن تفاد تفاد عظيما، وإن تقتل تقتل عظيما ذا ذنب، وإن تطلق تطلق عظيما شاكرا. قال: أسلم، قال: أما دمت في يدك فلا، فمن عليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على حجك. فأتي أهل مكة، فلما قضي نسكه قال: يا معشر قريش إنكم تكذبون محمدا، وتقاتلونه،
وخرج البخاري من حديث الليث
وقد عرفتم أن ميركم من اليمامة، وأنتم واللَّه لا يأتيكم ثمرة ولا برة حتى تؤمنوا بمحمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وتصدقوه، فجس عنهم ميرة اليمامة فبعثوا أبا سفيان إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فساءله أن يبعث إلي ثمامة بأمره أن يخلي بينهم وبين الميرة ففعل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وخرج البخاري من حديث الليث قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد: أنه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلي نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا رسول اللَّه. ذكره في الصلاة [ (1) ] في باب الأسير يربط في المسجد، وخرجه في المغازي [ (2) ] .
وخرج البخاري [1] ومسلم [2] من حديث الليث قال:
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] من حديث الليث قال: حدثني سعيد انه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له
ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فقال: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال عندي يا محمد خير، إن تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم علي شاكر. وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كان بعد الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كان من الغد، فقال ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم علي شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أطلقوا ثمامة. فانطلق إلي نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يا محمد! واللَّه ما كان على وجه الأرض أبغض علي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي. واللَّه ما كان دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إلي واللَّه ما كان أبغض بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا، ولكني أسلمت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولا واللَّه لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وذكره البخاري في وفد بني حنيفة [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري انه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خيلا له نحو أرض نجد، فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة. وساق الحديث بمثل حديث الليث إلا انه قال: إن تقتلني تقتل ذا دم. قال المؤلف: ولثمامة في محاربة مسيلمة بلاء حسن.
وأما إنذاره صلى الله عليه وسلم بما كان بعده من محاربة أصحابه وقتل بعضهم بعضا
وأما إنذاره صلى اللَّه عليه وسلم بما كان بعده من محاربة أصحابه وقتل بعضهم بعضا فخرج محمد من حديث محمد بن نور، عن معتمر، عن قتادة أنه تلى هذه الآية: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ [ (1) ] . فقال أنس: ذهب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبقيت النقمة ولم ير اللَّه تعالي نبيه صلى اللَّه عليه وسلم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم. قال الحاكم [ (2) ] : صحيح الإسناد. وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] من حديث شعبة، عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة بن عمر بن جرير، عن جده تجمير. قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع استنصت الناس، ثم قالوا: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
وذكره في كتاب الديات [ (1) ] عن شعبة بهذا الإسناد، قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم في حجة الوداع استنصت الناس، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. ورواه أبو بكر، وابن عباس، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وذكره في حجة الوداع، عن شعبة عن علي ابن مدرك بهذا الإسناد نحوه. وخرجه مسلم [ (2) ] أيضا من طريق شعبة كذلك. وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] من حديث شعبة. قال: اخبرني واقد، عن أبيه، عن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- انه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: لا ترجعوا بعدي كفار يضرب بعضكم رقاب بعض. وخرجه في كتاب الديات [ (4) ] وذكره في كتاب الأدب [ (5) ] عن شعبة به وقال فيه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: ويلكم- أو ويحكم قال شعبة: شك هو لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وخرجه مسلم عن شعبة، عن واقد بن محمد زيد أنه سمع أباه يحدث عن عبد اللَّه بن عمر أنه قال في حجة الوداع: ويحكم أو قال: ويلكم- لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض [ (6) ] . ومن حديث عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني عمر بن محمدا أن أباه حدثه، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث
شعبة، عن واقد [ (1) ] . وخرج البخاري [ (2) ] من حديث محمد بن فضيل عن أبيه عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. وذكره من حديث أبي بكرة وفيه قصة [ (3) ] .
قال البيهقي [ (1) ] وبلغني عن موسي بن هارون وكان من الحفاظ أنه سال عن هذا الحديث فقال: هؤلاء أهل الردة، قتلهم أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال بعض أهل العلم: معناه لا ترجعوا بعدي كفارا أي فرقا مختلفين، ويضرب بعضكم رقاب بعض، فتكونوا في ذلك مضاهين للكفار، فإن الكفار متعادون يضرب بعضهم رقاب بعض. والمسلمون متآخون بحقن بعضهم رقاب [ (2) ] بعض. وقيل معناه: لا ترجعوا بعدي كفارا، أي متكفرين بالسلاح [ (3) ] . وقال: الإمام أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه العكبريّ [ (4) ] : قوله: يضرب إذا رفعته كان موضع الجملة نصبا صفة لكفار، فيكون النهي
عن كفرهم وضرب بعضهم رقاب بعض. فإنّهم فعلوا. فقد وجد المنهي عنه إلا أنهما إذا اجتمعنا كان المنهي أشد. وقال بعض العلماء: النهي يكون عن الصفة الناشئة ونظيره: قول الرجل لزوجته: إن كلمت رجلا طويلا فأنت طالق، فكلمت رجلا قصيرا، لم تطلق، فكذلك إذا رجعوا كفارا ولم يضرب بعضهم رقاب بعض. وهذا القول فيه بعد، وذلك ان الكفر قد علم النهي عنه بدون أن يضرب بعضهم رقاب بعض، ويجوز أن يروى يضرب بالجزم على تقدير شرط مضم، أي ترجعوا كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض. هذا الحديث من باب قوله تعالي فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي بالرفع والجزم إلا أن أكثر المحققين من النحويين لا يجيزون الجزم في مثل هذا الحديث لئلا يصير المعني. ألا ترجعوا كفارا ويضرب، وهذا قيد المعني، بل قال: لا ترجعوا بعدي كفارا تسلموا وتوادوا كان مستقيما، لأن التقدير: ألا ترجعوا كفارا تسلموا. ونظير ذلك قولك لا تدن من الأسد تنج، أي ألا تدن فجعل التباعد من الأسد شيئا في السلامة، وهذا صحيح. ولو قلت لا تدن من الأسد يأكلك، كان فاسدا، لأن التباعد منه ليس بسبب في الأكل، فإن قلت: فلم لا يقدر أن يقال بغير لأن قيل: ينبغي أن يكون المعدود من جنس الملفوظ. وقد ذهب قوم إلى جواز الجزم هاهنا على هذا التقدير، وعليه يجوز الجزم في هذا بالحديث. وقيل: ليس المراد النهي عن الكفر، بل النهي عن الاختلاف المؤدي إلى القتل فعلي هذا يكون يضرب مرفوعا، ويكون تغييرا، للكفر المراد بالحديث. انتهى. وخرج مسلم من حديث يحيي بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عن عقبة بن عامر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قام: صلى اللَّه عليه وسلم علي قتلي أحد، ثم صعد المنبر كالمودع للأحياء والأموات، فقال: إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة إلي الجحفة، وإني لست أخشى عليكم
أن تشركوا، بعدي ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم. قال عقبة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: وكان آخر ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر، ذكره في المناقب [ (1) ] وذكره البخاري في المغازي [ (2) ] من حديث ابن المبارك عن حيوة، عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلي المنبر فقال: إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم، وإني لأنظر إلي حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني واللَّه ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها.
وخرجه في كتاب الجنائز في باب الصلاة علي الشهيد [ (1) ] وفي آخر كتاب الرقاق [ (2) ] . وفي آخر غزوة أحد [ (3) ] ، وفي باب علامات النبوة في الإسلام [ (4) ] وقال: مفاتيح خزائن الأرض من غير شك. وخرجه أبو داود [ (5) ] من حديث الليث بهذا الإسناد وانتهى من الحديث إلي قوله: ثم انصرف. وخرجه النسائي [ (6) ] وانتهى إلي قوله: وأنا شهيد عليكم.
وخرج ابن حبان [ (1) ] من حديث مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن عبيد سنوطا. عن خولة بنت قيس، ان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: إذا مشت أمتي المطيطاء [ (2) ] وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم علي بعض [ (3) ]
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام فاطمة الزهراء - رضي الله تبارك وتعالى عنها - بأنها أول أهل بيته لحوقا به فكان كذلك.
وأما إخباره عليه الصلاة والسلام فاطمة الزهراء- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بأنها أول أهل بيته لحوقا به فكان كذلك. فخرج البخاري [ (1) ] من حديث مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: جاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي كان مشيتها مشي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها: لم تبكين، ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى قبض فسألتها فقالت: أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي فبكت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة؟ أو نساء المؤمنين؟ فضحكت لذلك، وسيرد هذا الحديث إن شاء اللَّه تعالي.
فصل في ذكر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر غنم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم مائة، وكان له منائح سبع وقيل عشر. خرج الحاكم من حديث لقيط بن صبرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: لنا غنم مائه [ (1) ] وسيأتي بطوله إن شاء اللَّه تعالى. وخرجه البخاري في (الأدب المفرد) من حديث إسماعيل، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه، قال ابن سعد عن الواقدي، عن إبراهيم بن سويد الأسلمي، عن عباد بن منصور، عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كانت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم سبعة أعنز ترعاهن أم أيمن [ (2) ] وقال الواقدي: عن عبد الملك بن سليمان بن أبي المغيرة، عن محمد بن عبد اللَّه بن الحصين قال: كانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ترعى بأحد وتروح في كل ليلة على البيت الّذي يدور فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ، قالوا: وكانت منائح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغنم سبعا: عجوة، وزمزم، وسقيا، وبركة، وورسة، وإطلال، وإطراف. وعن وجيهة: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أعنز سبع، فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماز. ومرة أحدا، وتروح علينا. وقد روي أنه كان له صلى اللَّه عليه وسلم شاة يختص بشرب لبنها ترعى عيينة، وكان له ديك أبيض، ولم ينقل أنه اقتنى من البقر شيئا. وقيل: كانت له شاة تسمى غوثة، وعنز تسمى اليمن، وشاه تسمى قمر، ماتت. فقال: ما فعلتم بإهابها قالوا: ميتة! قال: دباغها طهورها [ (4) ] .
فصل في ذكر حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر حمى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج البخاري من حديث ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله، وقال: بلغنا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع، وأن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حمى السرف والرَّبَذَة. ذكره في كتاب الشرب [ (1) ] . وخرجه أبو داود قبله، وفي لفظ آخر له: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه عز وجل [ (2) ] ، وخرجه النسائي ولفظه: لا حمى إلا للَّه ولرسوله. وقال الحافظ أبو نعيم: صحيح متفق عليه، رواه عن الزهري صفوان، أن ابن سليم، وعمرو بن دينار، ومحمد بن عمرو، ومعمر، وعقيل، ويونس الزبيدي، وإسحاق ابن راشد، وعبد الرحمن بن عبد اللَّه ابن خالد، وأبو المغيرة بن عبد الرشيد الخزامي في آخر، يرويه عن الزهري. ولابن حبان من حديث عبد اللَّه بن نافع، حدثنا عاصم ابن عمر، عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمران، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين. وقال الواقدي: حدثني ابن أبى سبرة، عن شعيب بن شداد، قال: لما مر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنقيع منصرفه من المريسيع، ورأى سعة، وكلا، وغدرا كثيرة تتناخس، وخبر بمراءته وبراءته، فسأل عن الماء فقيل: يا رسول اللَّه، إذا صفنا قلت المياه، وذهبت الغدر، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة أن يحفر
بئرا، وأمر بالنقيع أن يحمى، واستعمل عليه بلال بن الحارث المزني، فقال بلال: يا رسول اللَّه، وكم أحمى منه؟ قال: أقم رجلا صيتا إذ اطلع الفجر على هذا الجبل- يعنى مقملا- فحيث انتهى صوته فاحمه لخيل المسلمين وإبلهم التي يغزون عليها. قال بلال: يا رسول اللَّه، أفرأيت ما كان من سوائم المسلمين؟ فقال: لا تدخلها. قلت: يا رسول اللَّه، أرأيت المرأة والرجل الضعيف تكون له الاشية اليسيرة وهو يضعف عن التحول؟ قال: دعه يرعى. فلما كان زمان أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حماه على ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حماه، ثم كان عمر فكثرت به الخيل، وكان [زمن] عثمان فحماه أيضا [ (1) ] . وقال عمر بن شيبة: حدثنا معن، حدثنا عبد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع للخيل، وحمى الرَّبَذَة للصدقة. وحدثنا هارون ابن معروف قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن جميل أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى وادي نخلة للخيل المضمرة [ (2) ] . وخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن الحارث بن عبد اللَّه بن عباس بن أبى ربيعة، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حمى النقيع وقال: لا حمى إلا للَّه ولرسوله [ (3) ] . قال: وهو صحيح الإسناد. بلال بن الحارث [ (4) ] بن عصم بن سعد بن قرة المزني، أبو عبد الرحمن وفد سنة خمس في وفد مزينة، وكان أحد من حمل ألوية مزينة يوم الفتح وهو في الطبقة الثالثة من المهاجرين، وله سماع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورواية عنه، روى عنه. ابنه الحارث [ (5) ] بن بلال وعلقمة بن وقاص وغيرهما، وخرج له أبو داود،
فصل في ذكر ديك رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث
والترمذي، والنسائي وابن ماجة. توفى سنة ستين من ثمانين سنه. والنقيع بالنون [ (1) ] على عشرين فرسخا عن المدينة عرضه ميل في طول يزيد رقبة شجر وهو أخصب واد هناك، وهو عور في صدر وادي العقيق، قال الخطابي: من قاله بالباء، فقد صحفه، وقال الكبرى: وهو بالباء مثل بقيع الغرقد، ووقع في كتاب (الأصيل) بالفاء بدلا من القاف بعد النون وهو تصحيف ومعنى حمى النقيع جعله محظورا ألا يقرب مرعاه. فصل في ذكر ديك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن صح الحديث قال عبد المنعم بن شيرانا بن وهب حدثنا عبد اللَّه بن سعيد، حدثنا أبي، حدثنا أبو الدرداء، حدثنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما زلت بالأشواق وإلى الديك الأبيض مذ رأيت ديك اللَّه تعالى تحت عرشه ليلة أسرى بى ديكا أبيض زغبة أخضر كالزبرجد، وعرفه ياقوتة حمراء، وعيناه من ياقوتتين حمراءين، ورجلاه من ذهب أحمر في تخوم الأرض السفلى، وتحت العرش عنقه، أحسن هي، رأينه ومنقاره من ذهب يتلألأ نورا، فإذا كان في الثلث الأول نشر جناحيه يخفق بهما، وقال: سبحان ذي الملك والملكوت، يقول ذلك ثلاث مرات من أول الليل، فإذا خفق خفقت الديوك في الأرض، وصرخت كصراخه، فإذا كان في الثلث الأوسط فعل مثل ذلك، وقال: سبحان من هو دائم قيوم، سبحان من نامت العيون وعين سيدي لا تنام، سبحان الدائم القيوم، سبحان من خلق الصباح بإذنه، لا إله إلا هو سبحانه. قال: فاتخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ديكا أبيض، قال: الديك الأبيض صديقي، وصديق صديقي، وعدوه عدوى، واللَّه تعالى يحرس دار صاحبه وعشرا عن يمينها، وعشرا عن يسارها، وعشرا من بين يديها، وعشرا من خلفها، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيته معه في البيت [ (2) ] .
فصل في ذكر مآكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشئونه فيها
فصل في ذكر مآكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وشئونه فيها اعلم أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أكل على مائدة، وعلى الأرض، وكانت له قصعة كبيرة، وأكل خبز الشعير، وائتدم بالخل، وأكل القثاء، والدباء، والتمر، والأقط، والحيس، والثريد، واللحم، والقديد، والشواء، ولحم الدجاج، ولحم الحباري، وأكل الخبيص، والهريسة وعافى أكل الضبّ، واجتنب ما تؤذى رائحته، وأكل الجمار، والتمر، والعنب، والرطب، والبطيخ، وكان يحب الحلواء والعسل، وجمع بين إدامين ولم يأكل متكئا، ولا صدقة. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم على مائدة وسفرة فقد خرج البخاري من حديث الحسين بن مهران قال: سمعت فرقدا [ (1) ] صاحب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأكلت على مائدته. ومن حديث قتادة، عن أنس قال: ما علمت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل لي سكرجة قط، ولا خبز له مرقق قط، ولا أكل على خوان قط. قيل لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على السفر. ذكره في الأطعمة [ (2) ]
وأما قصعته صلى الله عليه وسلم
وخرّج ابن حبان من حديث مسلم الأعور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، قال الحكيم الترمذي: الخوان هو المرتفع عن الأرض بقوائمه والمائدة ما مدّ وبسط، والسفر ما أسفر عما في جوفه وذلك أنها مضمومة معاليقها. وأما قصعته صلى اللَّه عليه وسلم فخرّج ابن حبان من حديث عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، حدثنا محمد ابن عبد الرحمن الحمصي. قال: سمعت عبد اللَّه بن بشر قال: كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جفنة لها أربع حلق. قال مؤلفه: سيأتي ذكر القصعة الغراء في المعجزات عند ذكر إخباره صلى اللَّه عليه وسلم بما يفتح اللَّه لأمته إن شاء اللَّه تعالى. وأما خبزه صلى اللَّه عليه وسلم فخرّج البخاري في كتاب الأطعمة [ (1) ] من حديث محمد بن فضيل، عن أبيه، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من طعام منذ قدم المدينة ثلاث أيام حتى قبض. وخرّجه مسلم من حديث يزيد بن كيسان، عن أبى حازم، عن أبى هريرة قال: والّذي نفسي بيده ما أشبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا [ (2) ] . وللترمذىّ في (الشمائل) من حديث قتادة، عن أنس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف [ (3) ] قال عبد اللَّه بن عبد الرحمن: قال بعضهم: هو
كثرة الأيدي: وقال مالك بن دينار: سألت رجلا من أهل البادية: ما الضفف؟ قال: يتناول مع الناس. وللبخاريّ من حديث ابن أبى ذئب، عن سعيد المقبري عن أبى هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه، فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. ذكره في الأطعمة [ (1) ] في باب ما كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه يأكلون. وللترمذي من حديث هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا هو وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير [ (2) ] . قال: هذا حديث حسن صحيح. وخرج البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث هشام الدستوائى، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه مشى إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة، ولقد رهن النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهوديّ وأخذ منه شعيرا لأهله. ولقد سمعته يقول: ما أمسى عند آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم صاع برّ ولا صاع حب وإن عنده لتسع نسوة. ذكره البخاري في كتاب البيوع في باب شراء النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالنسيئة، وخرجه الترمذي [ (5) ] وقال: هذا حديث حسن صحيح. وللبخاريّ من حديث همام بن يحيى حدثنا قتادة قال: كنا نأتي أنس بن مالك وخبّازه قائم وقال: كلوا، فما أعلم النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم رأى رغيفا مرفقا حتى لحق
باللَّه، ولا أرى شاة سميطا بعينه قط، ذكره في الرقاق [ (1) ] ، في باب كيف كان عيش النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من الدنيا. وذكره بهذا الإسناد في كتاب الأطعمة في باب شاة [ (2) ] مسموطة والكتف والجنب وذكره في الأطعمة أيضا في باب الخبز المرقق والأكل [ (3) ] على الخوان والسفرة، ولفظه: ما أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا مرققا، ولا شاة مسموطة، حتى لقي اللَّه. وللبخاريّ والنسائي من حديث عبد الوارث حدثنا سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزا مرققا حتى مات، ذكره البخاري في باب [ (4) ] فضل الفقر، وذكره النسائي في كتاب الوليمة [ (5) ] . وللبخاريّ من حديث أبى حازم قال: سألت سهل بن سعد فقلت: هل أكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقي؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النقي من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه. قال: فقلت: هل كانت لكم في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مناخل؟ قال: ما رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منخلا من حين ابتعثه اللَّه حتى قبضه اللَّه. قال: قلت: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي نثريه فأكلناه. ذكره في الأطعمة [ (6) ] . وذكره من حديث جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض [ (7) ] . ذكره في الأطعمة، وفي الرقاق [ (8) ] ،
وخرّجه مسلم من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما شبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله [ (1) ] . ومن حديث أبى إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وللبخاريّ [ (3) ] ومسلم [ (4) ] من حديث سفيان، عن عبد الرحمن بن عباس، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما شبع آل محمد من خبز البرّ فوق ثلاث ليال. ولمسلم به قال: ما شبع آل محمد من خبز برّ فوق ثلاث ليال. وله من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ما شبع آل محمد بن خبز البر ثلاثا حتى مضى لسبيله. وللبخاريّ من حديث مسعر بن كدام عن هلال، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر [ (5) ] . وخرجه مسلم ولفظه: ما شبع آل محمد يومين من خبز بر إلا وأحدهما تمر [ (6) ] .
وأما ائتدامه بالخل
وأما ائتدامه بالخلّ فخرج ابن حبان من حديث ياسين بن معاذ، وعن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أحب الصباغ إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخل. وللترمذي من حديث أبى بكر بن عياش، عن أبى حمزة الثمالي، عن الشعبىّ، عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، إلا اكسر يابسه وخلّ، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قربيه فما أقفر بيت من أدم فيه خلّ. قال هذا حديث حسن غريب من حديث أم هانئ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو حمزة الثمالي اسمه ثابت بن أبى صفية، وأم هانئ ماتت بعد عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بزمان [ (1) ] . ولمسلم من حديث أبى عوانة، عن أبى بشر، عن أبى سفيان، عن جابر بن عبد اللَّه أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سأل أهله الأدم فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل، به ويقول: نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل [ (2) ] .
ومن حديث إسماعيل بن علية، عن المثنى بن سعيد قال: حدثنا طلحة بن نافع أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: أخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيدي ذات يوم إلى منزله، فأخرج إليه فلقا من خبز فقال: ما من أدم؟ قالوا: إلا شيء، من خل، قال: فإنّ الخل نعم الأدم. قال جابر: فما زلت أحبّ الخلّ منذ سمعتها من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقال طلحة: ما زلت أحب الخل منذ سمعتها من جابر. [ (1) ] ومن حديث يزيد بن هارون قال: حدثنا حجاج بن أبى زينب قال: حدثني أبو سفيان طلحة بن نافع قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت جالسا في داري فمرّ بي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأشار إليّ فقمت إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا حتى أتى بعض حجر نسائه فدخل، ثم أذن لي فدخلت الحجاب عليها، فقال: هل من غداء؟ فقالوا: نعم، فأتى بثلاثة أقرصة فوضعن على نبي [ (2) ] ، فأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ
وأما أكله القثاء
قرصا آخر فوضعه بينه ثم أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه، ونصفه بين يديى ثم قال: هل من أدم؟ فقالوا: لا، إلا شيء من خل قال: هاتوه، فنعم الأدم هو [ (1) ] . وأما أكله القثاء فخرج البخاري [ (2) ] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر بن أبى طالب عنهما قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء وخرجه مسلم [ (3) ] بهذا السند ولفظه رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب وخرجه أبو داود [ (4) ] مثله سواء. وللترمذي [ (5) ] من حديث محمد بن إسحاق، عن أبى عبيدة بن [محمد] بن
وأما أكله صلى الله عليه وسلم الدباء
عمار بن ياسر، عن الربيع بن معوذ بن عفراء قالت: بعثني معاذ بن عفراء بقناع من رطب وعليه أجر من قثاء زغب وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحب القثاء، فأتيته به وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين فملأ يده منها فأعطانيه. ولابن حبان من حديث معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عنها قالت: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يجمع البطيخ بالرطب [ (1) ] [والقثاء بالبلح] [ (2) ] وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الدّباء فخرج البخاري من حديث ابن عون حدثنا ثمامة بن عبد اللَّه بن أنس عن أنس رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كنت غلاما أمشى مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على غلام له خياط فأتاه بقصعة فيها طعام وعليها دباء فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء، وقال: فلما رأيت ذلك جعلت أجمعه بين يديه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: فأقبل الغلام على عمله. قال: أنس لا أزال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صنع ما صنع. ترجم عليه باب من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله [ (3) ] ، أخرجه في باب الدباء. [ (4) ]
وخرّجه مسلم من حديث أبي أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، قال: دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رجل فانطلقت معه فجيء بمرقة فيها دبّاء فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل من ذلك الدباء وتعجبه، قال: فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه. قال: فقال أنس: فما زلت بعد ذلك يعجبني الدّبّاء [ (1) ] . ومن حديث عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن ثابت البنانيّ وعاصم الأحول، عن أنس، أن رجلا خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فذكره، وزاد ثابت: سمعت أنسا يقول فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دباء إلا صنع [ (2) ] . وخرّجه مالك في (الموطأ) [ (3) ] ، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: إن خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الطعام، فقرّب إليه خبزا من شعير ومرقا فيه دبّاء قال أنس: فرأيت رسول اللَّه
وأما أكله صلى الله عليه وسلم السمن والأقط
صلى اللَّه عليه وسلم يتتبع الدباء من حول القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم. قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عند جميع رواته فيما علمت بهذا الإسناد، وزاد بعضهم في ذكر القديد. قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيته وعنده هذه الدباء فقلت: أي شيء هذا؟ قال: هذا القرع، هو الدباء تكثر به طعامنا [ (1) ] . وخرجه النسائيّ [ (2) ] ولفظه: فرأيت عنده دباء يقطع فقلت: ما هذا؟ قال: نكثر به طعامنا. وللترمذي [ (3) ] من حديث الليث عن معاوية بن أبي صالح، عن أبي طالوت، قال: دخلت على أنس بن مالك وهو يأكل القرع وهو يقول: يا لك [من] شجرة ما أحبك إلا لحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إياك. قال: وفي الباب عند حكيم بن جابر، عن أبيه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال ابن عبد البر: من صريح الإيمان حبّ ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحبه، واتباع ما كان يفعله، ألا ترى إلى قول أنس: فلم أزل أحب الدباء بعد ذلك اليوم؟، وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم السمن والأقط فخرج البخاري [ (4) ] من حديث شعبة قال: حدثنا جعفر بن إياس قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
أهدت أم حفيد- خالة ابن عباس- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبّا، فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الأضبّ تقذرا قال ابن عباس: فأكل على مائدة رسول صلى اللَّه عليه وسلم ولو كان حراما ما أكل على مائدة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وخرجه أبو داود [ (1) ] بهذا الإسناد وقال: إن خالته أهدت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره البخاري في كتاب الهبة [ (2) ] . وخرجه مسلم [ (3) ] من حديث شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير- قال: سمعت ابن عباس يقول: أهدت خالتي أم حفيد [ (4) ] إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الحديث بنوه. وذكره البخاري أيضا في كتاب الأطعمة [ (5) ] ، وفي كتاب الاعتصام [ (6) ] ، ومن حديث أبي عوانه، عن أبي بشر.
وأما أكله صلى الله عليه وسلم الحيس [1]
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الحيس [ (1) ] فخرج أبو داود [ (2) ] من حديث عمر بن سعيد، عن رجل من أهل البصرة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من الخبز والثريد من الحيس. وخرجه ابن حبان ولفظه: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد من التمر وهو الحيس. وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث أبي الأحوص، عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوما فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال: فإنّي صائم، ثم مرّ بى بعد ذلك اليوم وقد أهدى إليّ حيس فخبأت له منه- وكان يحب الحيس- قلت: يا رسول اللَّه إنه أهدى لنا حيس فخبأت لك منه، قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه، ثم قال: إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها. وأما حبّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد. فقال أبو بكر بن أبي شيبة عن السدي: أول من ترد الثريد إبراهيم الخليل عليه السلام [ (4) ] . وخرج الحاكم من حديث عباد بن العوام [ (5) ] ، عن حميد، عن أنس، أن
النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم كان يعجبه الثفل، قال: فسمعت أبا محمد يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: الثفل هو الثريد. ومن حديث المبارك بن سعيد [ (1) ] ، عن عمر بن سعيد كذا، عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الثريد. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، فإن عمر بن سعيد هذا هو أخو سفيان والمبارك ابنا سعيد. وخرجه ابن حبان من حديث المبارك هذا عن عمر عن عكرمة قال: صنع سعيد بن جبير طعاما، ثم أرسل إلى ابن عباس: ائتني أنت ومن أحببت من مواليك، فجاءوا وجئنا معه، قالوا له: ائتنا بالثريد، فإنه كان أحب الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، الثريد من الخبز. وللترمذي [ (2) ] من حديث العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبى سوية أبو الهذيل، قال: حدثنا عبيد اللَّه بن عكراش عن أبيه عكراش بن ذؤيب، قال: بعثني بنو مرّة بن عبيد بصدقات أموالهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدمت عليه المدينة فوجدته جالسا بين المهاجرين والأنصار، قال: ثم أخذ بيدي فانطلق بي إلى بيت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال: هل من طعام؟ فأتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر [ (3) ] وأقبلنا نأكل منها، فخبطت بيدي من
نواحيها، وأكل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى ثم قال: يا عكراش! كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد، ثم أتينا بطبق فيه ألوان من الرطب أو من التمر- شك عبيد اللَّه- قال: فجعلت آكل من بين يديه، وجالت يد رسول اللَّه. ص) في الطبق وقال: يا عكراش! كل من حيث شئت، فإنه غير لون واحد، ثم أتينا بماء فغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يديه ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: يا عكراش هذا الوضوء مما غيّرت النار. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث العلاء بن الفضل، وقد تفرد العلاء بهذا الحديث ولا نعرف لعكراش عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلا هذا الحديث. وقال زيد بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لم يدخل منزل النبي صلى اللَّه عليه وسلم هدية، أول هدية دخلت بها عليه قصعة مثرورة خبزا وسمنا ولبنا فأضعها بين يديه، فقلت: يا رسول اللَّه، أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال عبادة: على رأس غلام بارك اللَّه فيك، فدعا أصحابه فأكلوا، فلم أرم البيت حتى جاءت قصعة سعد بن عبادة على رأس غلام مغطاة، فوضعت على باب أبي أيوب، وأكشف غطاءها لأنظر، فرأيت عراق لحم، فدخل بها على رسول اللَّه فقال زيد: فلقد كنا بني النجار لا تمر ليلة إلا على باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم منا الثلاثة يخلفون الطعام يتناوبون بينهم، حتى تحرك رسول اللَّه من بيت أبي أيوب، وكان مقامة فيه تسعة أشهر، وكانت [لا] تخطئه جفنة سعد بن عبادة، وجفنة سعد بن زرارة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- كل ليلة.
وأما أكله صلى الله عليه وسلم اللحم
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم اللحم فقد اتفقا على حديث الزهريّ عن جعفر بن أمية عن أبيه، أنه رأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يحتز من كتف شاة في يده فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ [ (1) ] . وفي لفظ: أنه رأى رسول اللَّه يحتز من كتف شاة يأكل منها، ثم صلى ولم يتوضأ [ (2) ] . وفي آخر: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل ذراعا يحتز منها فدعى إلى الصلاة، فقام، فطرح السكين ولم يتوضأ [ (3) ] . ولمسلم من حديث بكير بن الأشج عن كريب عن ميمونة- رضى اللَّه تعالى عنها- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أكل عندها كتفا ثم صلى ولم يتوضأ [ (4) ] . ومن حديث سعيد بن أبي هلال عن عبد اللَّه [بن عبيد اللَّه] بن أبي رافع عن أبي غطفان عن أبي رافع، قال: أشهد لكنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ [ (5) ] . ولأبي داود من حديث مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن المغيرة بن عبد اللَّه عن المغيرة بن شعبة قال: ضفت النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذات ليلة فأمر بحنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ بها منها، قال فجاء بلال فآذنه
بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له؟ تربت يداه وقام يصلي [ (1) ] . ولأبي داود من حديث ابن عليه عن عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الرحمن بن معاوية عن عثمان بن أبي سليمان عن صفوان بن أمية، قال: كنت آل مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم فآخذ اللحم من العظم فقال ادن العظم من فيك، فإنه أهنأ وأمرأ [ (2) ] وخرجه الحاكم وقال حديث صحيح [ (3) ] . ومن حديث زهير عن أبي إسحاق عنه سعيد بن عياض عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: كان أحب العراق إلى رسول اللَّه عراق الشاة [ (4) ] . وبهذا الإسناد قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم تعجبه الذراع [ (5) ] .
وللدارميّ من حديث سفيان قال: حدثنا مسعد قال: سمعت رجلا من بني فهم قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- يقول: كنا عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتي بلحم فجعل القوم يلقمونه اللحم، فقال صلى اللَّه عليه وسلم أطيب اللحم لحم الظهر [ (1) ] . ومن حديث خالد بن عبد اللَّه، عن أبى حيان [التيمي عن أبي زرعة، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتى بلحم فرفعت إليه الذراع وكانت تعجبه [ (2) ] . وللترمذيّ من حديث زبان بن يزيد، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد، قال طبخت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم قدرا وكان يعجبه الذراع فناولته الزراع، ثم قال: ناولني الذراع فناولته، ثم قال: ناولني الذراع فقلت: يا رسول اللَّه! وكم للشاة من ذراع؟ فقال: والّذي نفسي بيده لو سكتّ لنا ولتني الذراع ما دعوت [ (3) ] . ولابن حبان من حديث طالوت بن عباد قال: حدثنا سعيد بن راشد حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إلا الكتف. وخرج الحاكم من حديث العباس عبدان قال: أخبرنا الفضل بن موسى. حدثنا عبد اللَّه ابن كيسان حدثنا عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أتوا بيت أبي أيوب فلما أكلوا وشبعوا
قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: خبز ولحم وتمر وبسر ورطب! إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فكلوا بسم اللَّه وبركة اللَّه. قال: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . ومن حديث مسدد حدثنا يحيى بن سليم المكيّ، حدثنا إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: كنت وافد بني المنتفق إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فأمرت لنا بحريرة فصنعت لنا، وأتينا بقناع- والقناع الطبق فيه تمر- ثم جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: هل أصبتم شيئا؟ أو آمر لكم بشيء؟ فقلنا: نعم يا رسول اللَّه. قال: فبينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جلوس قال: فدفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة ينفر، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما ولدت يا فلان؟ قال: بهمة، قال: فاذبح لنا مكانها شاة، ثم أقبل علينا، فقال: لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة ولا نريد أن تزيد فإذا ولدت بهمة ذبحنا مكانها شاة! يا رسول اللَّه! إن لي امرأة فذكر من طول لسانها وبذائها، فقال: طلقها، فقلت إن لي منها ولدا، قال: فمرها، يقول: عظها فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أمتك. قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرني عن الوضوء، قال: أسبغ الوضوء، وخلل الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (2) ] . ومن حديث عفان بن مسلم حدثنا أبو عوانة، عن أسود بن قيس، عن نبيح العنزي، عن جابر بن عبد اللَّه- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه-، قال: لما قتل أبي ... فذكر الحديث بطوله، وقال فيه: قلت لامرأتى: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يجيئنا اليوم نصف النهار، فلا تؤذي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا تكلميه. قال: فدخل وفرشت له فراشا ووسادة، فوضع رأسه ونام، فقلت لمولى لي: اذبح هذه العناق
- وهي داجن سمينة- والوحا والعجل، افرغ قبل أن يستيقظ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا معك، فلم نزل فيها حتى فرغنا [منها] وهو نائم: فقلت له: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا استيقظ يدعو بالطهور، وإني أخاف إذا فزع أن يقوم فلا يفرغن من وضوئه حتى نضع العناق بين يديه، فلما قام قال: يا جابر ائتني بطهور، فلم يفرغ من طهوره [ (1) ] حتى وضعت العناق بين يديه، فنظر إليّ فقال: كأنك قد علمت حبنا اللحم [ (2) ] ! أدع لي أبا بكر، ثم دعا حواريه الذين معه فدخلوا فضرب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده وقال: بسم اللَّه كلوا، فأكلوا حتى شبعوا وفضل منها لحم كثير، وذكر باقي الحديث. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (3) ] . وخرجه ابن حبان في (صحيحه) من حديث يحيى بن مسلم به [ (4) ] . وخرج الحاكم [ (5) ] من حديث حبيب بن الشهيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: أمرني أبي بخزيرة فصنعت، ثم أمرني فحملتها إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هو في منزله فقال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ قلت: لا يا رسول اللَّه ولكنها خزيرة أمرنى بها أبي فصنعت، ثم أمرني فحملتها إليك، ثم رجعت إلي أبي فقال: هل رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال: فما قال لك؟ قلت:
وأما أكله عليه السلام القلقاس
قال: ألحم هذا يا جابر؟ قال أبي: عسى أن يكون رسول اللَّه اشتهى اللحم!! فقام إلى داجن له فذبحها وشواها، ثم أمرني بحملها إليه، فقال: حملتها إليه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: جزى اللَّه الأنصار عنا خيرا، ولا سيما عبد اللَّه بن عمرو بن حرام، وسعد بن عبادة. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ومن حديث علي بن عاصم حدثنا عبيد اللَّه بن أبي بكر بن أنس قال: سمعت أنسا يقول: أنفجت أرنبا بالبقيع فاشتدّ في أثرها فكنت فيمن اشتدّ فسبقته إليها، فأخذتها، فأتيت بها أبا طلحة، فأمر بها فذبحت ثم شويت، فأخذ عجزها، فأرسل به معي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ قلت عجز أرنب بعث بها أبو طلحة إليك فقبله مني. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد [ (1) ] . وأما أكله عليه السلام القلقاس فقال الدولابي: أهدى أهل أيلة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم القلقاس، فأكله وأعجبه وقال: ما هذا؟ فقالوا: شحمة الأرض، فقال: إن شحمة الأرض لطيبة [ (1) ] . وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم القديد فخرج البخاري من حديث مالك، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة أنه سمع أنسا يقول: إن خياطا دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لطعام صنعه له، قال أنس: فذهبت مع رسول اللَّه إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد.. الحديث. ترجم عليه باب من ناول أو قدّم إلى صاحبه على المائدة شيئا [ (2) ] وذكره في باب من تتبع حوالي القصعة مع
صاحبه [ (1) ] إذا لم يعرف منه كراهة، وذكره في البيوع في باب الخياط [ (2) ] وفي الأطعمة، في باب المرق [ (3) ] . وخرجه مسلم [ (4) ] وأبو داود [ (5) ] بنحوه أو قريبا منه. ولابن حبان من حديث الحسين بن واقد، قال: أخبرنا أبو الزبير، عن جابر قال: أكلنا القديد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] . وقد أورد مالك رحمه اللَّه هذا الحديث كما تقدم أولا، وليس فيه إلا: فقرب له خبزا من شعير ومرقا فيه دباء [ (7) ] .. الحديث. قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث في (الموطأ) عنه، جميع رواته القعنبي، وابن بكير، في حديث مالك هذا عن إسحاق، عن أنس ذكر القديد فقالا: بطعام فيه دباء وقديد، وتابعهم على ذلك قوم منهم أبو نعيم.
وأما أكله صلى الله عليه وسلم المن [1]
وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم المنّ [ (1) ] فخرج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون حدثنا سفيان، عن حسين بن علي، عن زيد، عن أنس قال: أهدي الأكيدر لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جرة من منّ فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الصلاة مرّ على القوم فجعل يعطي كل رجل منهم قطعة، فأعطى جابرا قطعة، ثم إنه رجع إليه فأعطاه قطعة أخرى، فقال: إنك قد أعطيتني مرة! فقال: هذه لبنات عبد اللَّه [ (2) ] . وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الجبن فخرج الإمام أحمد من حديث شريك، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم يحبنة في غزاة، فقال: أين صنعت هذه؟ فقالوا: بفارس، ونحن نرى أنه يجعل فيها ميتة فقال صلى اللَّه عليه وسلم: اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه، وكلوا [ (3) ] . ومن حديث وكيع حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أتي بجبنة فجعل أصحابه يضربونها بالعصي، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا السكين واذكروا اسم اللَّه وكلوا [ (4) ] . وقال الواقدي وأتي رسول اللَّه بجنبة بتبوك، فقالوا: يا رسول اللَّه! إن هذا طعام تصنعه فارس وإنا نخشى أن يكون فيه ميتة. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا فيه السكين، واذكروا اسم اللَّه [ (5) ] .
وخرّج أبو داود من حديث إبراهيم بن عيينة، عن عمرو بن منصور، عن الشعبي، عن ابن عمر قال: أتي النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين، فسمي وقطع [ (1) ] . ولفظ ابن حبان قال: أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بجبنة من جبن تبوك، فدعا بالسكين فسمى وقطع [ (2) ] . قال الخطّابي [ (3) ] : إنما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم الكفار لا تحل ذكاتهم، وكانوا يعقدونها بالنافح، وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن، فأباحه النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم على ظاهر الحال ولم يمتنع من أكله من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه. قال: مؤلفه: في دعوى أبي سليمان [ (4) ] رحمة اللَّه أن من المسلمين من كان يشارك المشركين في عمل الجبن يتوقف على النقل ولم يكن إذ ذاك بفارس ولا بالشام أحد من المسلمين فتأمله [ (5) ] .
وأما أكله صلى الله عليه وسلم الشواء [1]
وقد خرج هذا الحديث أبو حاتم البستي، وقال أبو حاتم الرازيّ: الشعبيّ لم يسمع من ابن عمر، وقال غير واحد: إنه سمع، قلت: وإبراهيم بن عيينة أخو سفيان بن عيينة، قال أبو حاتم الرازيّ: شيخ يأتي يمينا وسئل عنه أبو داود فقال: صالح. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الشواء [ (1) ] فقد تقدم حديث أبى رافع: أشهد لكنت أشوى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطن الشاة، وحديث المغيرة: صنعت للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم فأمر بجنب فشوى، وحديث أنس: أنفجت أرنبا وفيه: فذبحت ثم شوبت. وخرج الترمذي من حديث ابن أبى لهيعة عن سليمان بن ذوبان عن عبد اللَّه بن الحارث قال: أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شواء في المسجد. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الدجاج فخرج البخاري من حديث عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة [والقاسم التميمي] عن زهدم بن الحارث عن أبي موسى قال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكل دجاجا لم يأكل غير هذا. ذكره بطوله في باب لا تحلفوا بآبائكم [ (2) ] ، وفي كتاب [فرض] الخمس [ (3) ] . وذكره مسلم من طرق [ (4) ] .
وأما أكله صلى الله عليه وسلم الحبارى [2]
وخرجه الدارميّ [ (1) ] بهذا السند ولفظه. قال: كنا عند أبي موسى فقدم في طعامه لحم دجاج وفي القوم رجل من بنى تميم أحمر فلم يدن فقال له أبو موسى: فإنّي رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأكل منه. وفي رواية عن ابن موسى أنه ذكر الدجاج فقال: رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأكله. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الحبارى [ (2) ] فخرج أبو داود [ (3) ] والترمذي [ (4) ] من حديث برية بن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده قال: أكلت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحم الحباري. ورواه عن بريّه هذا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهديّ، فعبد الرحمن هذا يروى عن برية بن عمر، وجعفر بن سليمان، وعبد السلام بن حرب، وسفيان بن عيينة، وأبى بكر بن عياش، وعن الفضل بن سهل الأعرج، وأبى أمية محمد بن إبراهيم الطرسوى، ويعقوب الفسوي، وجماعة. قال ابن عدي: روي عن الثقات أحاديث مناكير ولم أر له حديثا منكرا يحكم من أجله على ضعفه، وأما برية فقال البخاري: إسناده مجهول. وقال ابن عدي: رأيت أحاديثه لا يتابعه عليها الثقات، وأرجو أنه لا بأس به [ (5) ] .
وأما أكله صلى الله عليه وسلم الخبيص
وقال النسائي في قضاء علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في كتابه (المجتبى) : حدثنا زكريا بن يحيي قال: حدثنا الحسن بن حماد قال أخبرنا بشر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر، عن السّدّيّ، عن أنس بن مالك- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان عنده طائر فقال: اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معى من هذا الطير، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، رضي فردّه، وجاء عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فردّه، ثم جاء على- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأذن له، كان الطائر حبارى أهدى للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم. قلت: حديث أنس هذا روي من طرق وقد روي أيضا عن جاب ابن عبد اللَّه عن على بن أبي طالب وعبد اللَّه بن عباس وعن سفينة. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الخبيص فخرج الحاكم من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن حمزه بن عبد اللَّه ابن سلام عن أبيه، عن جده- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بعض أصحابه إذا أقبل عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقود بعيرا عليه غرارتان محتجزا بعقال ناقته، فقال له النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ما معك؟ قال: دقيق وسمن وعسل فقال له: أنخ، فأناخ، فدعا النبي صلى اللَّه عليه وسلم ببرمة عظيمة فجعل فيها من ذلك الدقيق والسمن والعسل، ثم أنضجه فأكل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأكلوا، ثم قال لهم: كلو فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس [ (1) ] . قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. قلت: محمد بن حمزة من يوسف بن عبد اللَّه بن سلام هذا يروي عنه معمر ابن راشد والوليد بن مسلم وعبد اللَّه بن سالم الحمصيّ، قال أبو حاتم: لا يوثق به، له حديث واحد، يعني حديث الخبيص هذا، وخرج له ابن ماجة، وقد روي له هذا الحديث عن محمد بن حمزة والوليد بن مسلم، وعنه محمد بن عبد العزيز الرمليّ، وكلاهما خرجا له في الصحيحين، خرج الحافظ أبو بكر بن
وأما أكله صلى الله عليه وسلم الهريسة والطفشل
ثابت من حديث داود ابن رشيد حدثنا الهيثم بن عمران قال: سمعت عبيد اللَّه بن أبي عبد اللَّه قال: صنع عثمان بن عفان خبيصا بالعسل والسمن والبرّ، فأتي به في قصعة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هذا؟ قال: هذا يا نبي اللَّه شيء تصنعه الأعاجم من البر والعسل والسمن، تسميه الخبيص [ (1) ] قال: فأكل. عبد اللَّه بن أبى عبد اللَّه العنسيّ من أفاضل أهل دمشق، يروي أحاديث مراسيل، حدث عنه الهيثم بن عمران. قلت: وخرجه الحارث بن أبي أمامة في مسندة عن داود بن رشيد بن سواء. وأما أكله صلى اللَّه عليه وسلم الهريسة والطفشل قال الواقدي: ولما نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وادي القرى أهدي له بنو عريض اليهودي هريسا فأكلها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] وأطعم ما كنا نعهد فقال: كلا ورب المشارق والمغارب لا يأتون بخير ما كنت أعلم، وكان مالك بن أنس- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كلهم على منبر من طين يقول: إن أول من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- كلهم على منبر من طين بناه كثير بن الصلت. وللبخاريّ من حديث أبي عمرو قال: حدثني نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يغدو إلى المصلى والعنزة بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلي إليها، ترجم عليه حمل العنزة أو الحربة بين يدي الإمام يوم العيد [ (3) ] ، وذكره في باب الصلاة إلى [ (4) ] الحرية،
من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يركز الحربة قدامه يوم الفطر، ويوم النحر يصلي إليها. وخرجه أبو داود بهذا السند ولفظه: عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر فمن، ثم اتخذها الأمراء [ (1) ] . وخرّجه مسلم من حديث عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء [ (2) ] . ومن حديث أبى بكر بن أبي شيبة وابن نمير قالا: حدثنا أبو خالد، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر. أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يصلي إلى راحلته. وقال ابن نمير: إن النبي (ص) صلى إلى بعير [ (3) ] . والبخاري من حديث فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن جابر ابن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق [ (4) ] . وخرّجه أبو داود من حديث عبد اللَّه- يعني ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق، ثم رجع من طريق آخر [ (5) ] .
وخرّج عمر بن شبّة من حديث خالد بن إلياس، عن يحيي بن عبد اللَّه بن الرحمن، عن أبيه، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كان يأتى العيد ماشيا على باب سعد بن أبي وقاص، ويرجع على أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرّج البخاري من حديث الليث، عن ابن فرقد، عن نافع، أن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أخبره قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذبح بالمصلي [ (1) ] . ولعمر بن أبى شيبة من حديث عبد العزيز بن عمران، عن ابن قسط الليثي، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا قدم من سفر فمرّ بالمصلي استقبل القبلة، ووقف يدعو. وله من حديث يزيد بن هارون قال: أنبأنا ابن أبي ذؤيب، عن الزهري أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من منزلة حتى يأتى المصلى وحتى يفرغ من الصلاة، فإذا فرغ من الصلاة قطع. ومن حديث حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن عبيد اللَّه بن الهزيل- أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى الفجر في مسجده، ثم ذهب إلى المصلي فقعد يحثهم ويذكرهم، فلما بسطت الشمس- قال: لو صلينا، فصلى ثم خطب. وخرّج البخاري من حديث سفيان بن عيينة، عن عبيد اللَّه بن أبي بكر سمع عباد بن تميم، عن عمه قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المصلى يستسقي واستقبل القبلة. فصلى ركعتين وقلب رداءه- قال سفيان: فأخبرني المسعودي، عن أبي بكر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جعل اليمين على الشمال. ترجم عليه باب الاستسقاء في المصلى [ (2) ] ، وذكره في باب تحويل الرداء في الاستسقاء [ (3) ] . وخرّجه مسلم ولفظه: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلي المصلي فاستسقي واستقبل. القبلة وقلب رداءه وصلي ركعتين [ (4) ] .
فصل في ذكر أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم دار ينزل بها للوفود، ويقال لها اليوم: دار الضيافة
فصل في ذكر أنه كان لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دار ينزل بها للوفود، ويقال لها اليوم: دار الضيافة ذكر الواقدي، عن حبيب بن عمر السلاماني كان يحدث قال: قدمنا وفد سلامان علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونحن سبعة نفر، فانتهينا إلى باب المسجد، فصادفنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعي إليها، فلما رأيناه قلنا: السلام عليكم يا رسول اللَّه ... فذكر القصة: وفيها: أنه أمر ثوبان بإنزالهم في دار رملة بنت الحارث، وأنهم لما سمعوا الظهر أتوا المسجد فصلوا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه سأل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، ما أفضل الأعمال؟ قال: الصلاة في وقتها. وأنه سأل عن رقية العين وذكرها، فأذن له فيها [ (1) ] . وذكر ابن إسحاق، والواقدي في خبر بنى قريظة أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حبسهم في دار رملة بنت الحارث النجاريّة. وذكر الواقدي أن وفد تميم نزل على رملة بنت الحارث وهم عيينة بن حصن وخارجة بن حصين، وقيس بن الحارث، وذلك حين قدموا المدينة علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسلمين. وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري أن وفد بني كلاب وهم ثلاثة عشر، فيهم لبيد بن ربيعة، إذ وفدوا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنزلوا على رملة [ (2) ] هذه.
وذكر عمر بن شيبة في كتاب (أحياء المدينة) أن الدار التي يقال لها الدار الكبرى إنما سميت بذلك لأنها أول دار بناها أحد من المهاجرين بالمدينة وكان عبد الرحمن بن عوف ينزل فيها ضيفان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكانت أيضا تسمى دار الضيفان، وقد بنى فيها النبي صلى اللَّه عليه وسلم بيده. وذكر السهيليّ أن وفد بني حنيفة نزلوا في دار كبشة بنت الحارث.
فصل في ذكر من كان يلي أمر الوفود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجازته الوفد [1]
فصل في ذكر من كان يلي أمر الوفود على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإجازته الوفد [ (1) ] اعلم أنه ولي أمر الوفود لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غير واحد، منهم: خالد بن
سعيد بن العاصي [ (1) ] ، وبلال المؤذن [ (2) ] ، وثوبان [ (3) ]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-.
ذكر ما كان صلى الله عليه وسلم يجيز به الوفود
فذكر ابن إسحاق والواقدي أن خالد بن سعيد بن العاصي كان يمشي بين وفد ثقيف وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى كتبوا كتابهم بيده، وأنهم كانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم. وذكر في وفد ثقيف أيضا أن بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يأتيهم بفطرهم ويخيل إليهم أن الشمس لم تغب فيقولون: ما هذا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا لننظر كيف إسلامنا؟ فيقولون: يا بلال ما غابت الشمس بعد؟ فيقول بلال ما جئتكم حتى أفطر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يأتيهم بسحورهم [ (1) ] . وقد تقدم خبر ثوبان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في وفد سلامان أنه أنزلهم في دار رملة. ذكر ما كان صلى اللَّه عليه وسلم يجيز به الوفود قال ابن دريد: الجائزة [ (2) ] كلمة إسلامية محدثة، أصلها أن أميرا قالها
لعدوّ بينه وبينهم جائزة، فقال: من جاز هذا النهر فله كذا، وكان الرجل يعبر فيأخذه، فيقال: أخذ جائزة. وقال ابن أبي طاهر: كان أمير الجيش فطن [ (1) ] بن عوف الهيلاني، كان عبد اللَّه بن عامر استعمله علي كرمان وكان فطن أعطي على جواز النهر أربعة آلاف ألف. فأتى ابن عامر أن تحسها له، فكتب إليه عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يحسبها أجبها، وقتل في ذلك، فدى للأكرس بن بني هلال على علاتهم أهلي ومالي هم سبوا الجوائز في معد فصارت سنة في إحدى الليالي. وقال ابن قتيبة: أصل الجائزة أن وطنا هذا ولي فارس لعبد اللَّه بن عامر فمر به الأحنف في حبسه غازيا فوقعه لهم على قنطرة الكرّ فيعطي الرجل على قدره فلما كثروا قال: أجيزوهم، فأجيزوا فهو أول من سنّ الجوائز. خرج أبو نعيم، عن محمد بن عمر الواقدي قال: قدم وفد بني مرة بن [ (2) ] قيس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في المسجد فقال الحارث بن عوف: يا رسول اللَّه نحن قومك وعشيرتك من بني لؤيّ بن غالب، فتبسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال للحارث بن عوف: أين تركت أهلك؟ قال: بسلام [ (2) ] ، وما والاها، قال: وكيف البلاد؟ قال: واللَّه إنا لمسنتون [ (3) ] وما في المال مح [ (4) ] ، فادع اللَّه تبارك وتعالى لنا قال: فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اللَّهمّ اسقهم الغيث [ (5) ] ، فأقاموا أياما، ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم، فجاءوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مودعين له، فأمر بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يجيزهم فأجازهم بعشر أواق من فضة لكل واحد، وفضّل الحارث بن عوف فأعطاه اثنتي عشرة أوقية، ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة، فسألوا: متى مطرتم؟ فإذا هو ذلك اليوم الّذي دعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لهم، فقدم عليه قادم وهو يتجهز لحجة الوداع فقال:
يا رسول اللَّه رجعنا إلى بلادنا فوجدناها مضبوبة مطرا في ذلك اليوم الّذي دعوت لنا فيه، مما قلد بنا أقلاد الزرع في كل خمس عشرة مطرا جوذا، ولقد رأيت الإبل تأكل وهي تروك، وإن غنمنا ما تواري بين أبنائنا، فرجع فيقبل في أهلها، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الحمد للَّه الّذي صنع ذلك. قال: وذكر الواقدي بإسناده أيضا أن وفد سلامان قدم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم في شوال سنة عشر، فقال لهم: كيف البلاد عندكم؟ قالوا: مجدبة فادع اللَّه تعالى أن يسقينا في بلادنا، فنقر في أوطاننا. فقال بيده: اللَّهمّ اسقهم الغيث في دارهم، فقالوا: يا رسول اللَّه ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب، فتبسم ورفع يديه حتى بدا بياض إبطيه. قالوا: فأقمنا ثلاثا، وضيافته تجري علينا، ثم جئنا فودعناه، فأمر لنا بالجوائز فأعطانا خمس أواق. كل واحد منا، وتعذر بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلينا وقال: ليس عندنا اليوم مال؟ فقالوا: ما أكثر هذا وأطيبه قالوا: ثم رحلنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في ذلك اليوم الّذي دعا فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تلك الساعة. وقال سيف: عن أبي حباب الكلبي، عن زياد بن لقيط، عن الحارث بن حسان الذهلي، ثم العامري [ (1) ] قال: وقع بيننا وبين تميم أمرا بالبحرين
اعترضنا فيه على العلاء بن الحضرميّ، وجلسنا عنده، فبعث رجل من بني تميم إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأن ربيعة قد كفرت ومنعت الصدقة فبلغ ذلك ربيعة فبعثوا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بطاعتهم فمررت بالربذة فإذا أنا بامرأة من بني تميم قد بقيت [ (1) ] راحلتها تريد النبي صلى اللَّه عليه وسلم فحملتها حتى أدخلتها المدينة وسبقني التميمي إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فحملتها حتى أدخلتها المدينة وسبقني التميمي إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة يخبر العلاء، فأمر عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعقد له لواء وخرج إلى منبره يحث الناس على غزو ربيعة بالبحرين، فانتهى إلى المسجد وإذا اللواء تزكون، وإذا النبي صلى اللَّه عليه وسلم على المنبر عصب رأسه بخرقة حمراء شال، وهو يقول: إن العلاء والمنذر كتبا إليّ أن ربيعة قد كفرت وضعت الزكاة، فمن ينتدب مع عمرو بن العاص؟ فناديته والناس بيني وبينه: أبا الحرث بن حسان، رسول ربيعة إليك بالطاعة، فأعوذ باللَّه أن أكون كوافد عاد، فنزل واديا ينبت منه، فوضع يده على منكبي، وذهب في نحو منزله ووضع البعث وسرح عمرا، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، في وجه غيره وقال لي: ما وافد عاد؟ فحدثته بحديثهم، فأدخلنى فسألني، فأخبرته، فقال لي: ما يصلح بينكم وبين تميم؟ فقلت له: إن الدهناء وفلانة وفلانة كانت لنا في أمن الدهر فدخلوا علينا فيهن، ولا يصلح ما بيننا وبينهم حتى نجد لنا ولهم حدا لا يجوزه أحد من الفريقين إلى الآخر، الا ناد به، فدعا بلالا- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- برق وإداوة، واستأذنت التميمة [......] وإن الكتاب ليكتب: أن لبني تميم ما دون الدهناء ولم يبعه ما وراءها إلى البحرين، فقالت: إن ما بين الدهناء والبحرين لبني تميم في الجاهلية، وأسلموا عليها فأين تضيق يا محمد على مضرك؟ فعاد النبي صلى اللَّه عليه وسلم لصفة أخرى، قالته المرأة وصدقت، وكتب ما بين البحرين إلى الشام من بياض العراق، فناديت فوددت أن لا أكون تركتها حتى تأكلها السباع! ألا أرى كحامل جيفة في طلعة، فضحك النبي صلى اللَّه عليه وسلم مني ومنها وقال: أذكرا حاجتكما فقضي [ (1) ] لنا حوائجنا وأجازوا إجازتي بفراش من ذهب وفضة وكساءها، وأجاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم العلاء بفراش من ذهب وفضة وكساءه، ثم رجعنا بالعافية [ (2) ] . وذكر الواقدي وفد بني تميم، قال: حدثني ربيعة بن عثمان، عن شيخ أخبره أن امرأة من بني النجار قالت: أنا انظر إلى الوفد يومئذ يأخذون جوائزهم من عند بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اثنتي عشرة أوقية ونشا، وقالت: وقد رأيت غلاما أعطاه يومئذ وهو أصغرهم خمس أواق ونشّا قلت: وما النشّ؟ قالت: نصف أوقية [ (3) ] .
فصل في ذكر ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد الظفري، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر، عن أبيه قال: رأيت تحته من زوجة صاحب أيلة يوم أتي به النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ذهب وهو معقود الناصية فلما رأي النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفّر [ (1) ] وأومأ برأسه فأومأ إليه صلى اللَّه عليه وسلم: ارفع رأسك، وصالحة يومئذ وكساه برد يمنة، وأمر له بمنزل بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصل في ذكر ضيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن سيدة: والضيف المضيف يكون للواحد والجمع كعدل وخصم [ (2) ] ، وفي التنزيل: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [ (3) ] . وفيه: قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [ (4) ] . وقد كان أبو أيوب [ (5) ] خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصاري النجّاريّ ضيف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في خروجه صلى اللَّه عليه وسلم من بني عمرو بن عوف، حين قدم المدينة مهاجرا من مكة، فلم يزل عنده حتى بني مسجده ومساكنه، فانتقل إليها. قال الليث. عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، عن أبي رهم السماعيّ قال: إن أبا أيوب الأنصاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- حدثه قال: نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتنا الأسفل وكنت في الغرفة، فأمر يوما في الغرفة فقمنا أنا وأم أيوب بقطيفة نتبع الماء شفقه أن يخلص إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ونزلت إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه إنه ليس ينبغي أن نكون فوقك! انتقل إلى الغرفة، فأمر صلى اللَّه عليه وسلم بمتاعه أن ينقل، ومتاعه قليل. وذكر الحديث، وتوفي أبو أيوب- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- غازيا بالقسطنطينية من بلاد الروم سنة اثنين وخمسين، وقيل غير ذلك، وكان مع عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حروبه كله [ (6) ] .
فصل في ذكر من استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج
فصل في ذكر من استعمله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الحج اعلم أن مكة لما فتحها اللَّه عز وجل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سنة ثمان من الهجرة واستعمل عليها عتاب بن أسيد حجّ ناس من المسلمين، وحجّ المشركون على مدتهم على ما كانوا عليه من استعمال النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وذلك أن العرب في جاهليتها، كانت في الحجّ على حالتين: إحداهما الفرقة التي كانت متمسكة بعهد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكان حجّهم على نحو ما يعمله أهل الإسلام، والفرقة الثانية التي أنشأت اليهود، يعني أخّرتها، وذلك أنها أرادت أن يكون الحج في وقت إدراك الثمار، وأن ينبت حالة واحدة في أطيب الأزمنة، فتعلموا لبس الشهور من اليهود المجاورين، وذلك قبل الهجرة بنحو مائتي سنة، وعملوا بها كما عمل اليهود من إلحاق فصل ما بين سنينهم القمرية وبين السنة الشمسية، وتولى عمل ذلك للعرب السادة المعروفون بالقلامس من بني كنانة، واحدهم قلمس، وكان يقوم بعد انقضاء الحج فيخطب وينسئ الشهور ويسمي الشهر الثاني له باسمه، فيقبل الجميع
قوله، ويسمون هذا الفصل النسيء، لأنهم كانوا ينسئون أول السنة في كل سنتين أو ثلاث أشهر علي حسب ما يستحقه التقدم، وكان النسيء الأول للمحرم، فيسمى صفر باسمه، ويسمي ربيع الأول باسم صفر، ثم قالوا: بين أسماء الشهور، وكان النسيء الثاني لصفر، فسمي الشهر الّذي يتلوه بصفر أيضا، وكذلك حتى دار النسيء في الشهور الاثني عشر، وعاد إلى المحرم، فعادوا بها فعلهم الأول، وكانوا يعدون إذا رأوا النسيء ويحدّون بها الأزمنة فيقولون قد دارت السنون من لدن زمان كذا إلى زمان كذا وكذا دورة، فإن ظهر لهم مع ذلك تقدم شهر عن فصل من الفصول الأربعة، لما يجتمع من كسور سنة الشمس، وبقية فصل ما بينهما وبين سنة القمر الّذي ألحقوه بها، كبسوه كبيسا زائدا، فلما هاجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم كانت نوبة النسيء بلغت شعبان فسمي محرّما، وسمي رمضان صفرا فانتظر صلى اللَّه عليه وسلم حتى دار النسيء وعادت الشهور، فبعث أبا بكر- الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- علي الحج في سنة تسع من الهجرة، وقد وافق الحج في ذي العقدة، فلما كانت سنة عشر، عادت الشهور إلى مواضعها الحقيقية، فحج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حينئذ حجة الوداع وقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق اللَّه السموات والأرض، يعني أن الشهور قد عادت إلي مواضعها، وزال عنه فعل العرب الّذي أحدثوه من النسيء، وأنزل اللَّه عليه تحريم النبي فقال سبحانه وتعالي إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ [ (1) ] الآية. ويقال: إن القلمّس- وهو سدم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة- قال: أري شهور الأهلة ثلاثمائة يوم وخمسة وستين يوما، فبيننا وبينهم أحد عشر يوما ففي كل ثلاث سنين شهر، فهذا نسيء، والنسيء المؤخر، فكان إذا جاءت ثلاث سنين قدم الحجّ في ذي القعدة، فإذا جاءت ثلاث سنين أخّرها في المحرم وكان الناسئ من بني ثعلبة بن مالك بن كنانة يقوم على باب الكعبة فيقول: إن إلهتكم العزّي قد أنسأت صفر الأول، وكان يحله عاما ويحرمه عاما. وعن طاوس أنه قال: شهر اللَّه الّذي انتزعه من الشيطان المحرم، قال الزبير ابن بكار: وتفسيره أن أهل الجاهلية كانوا يقولون صفر، وكانوا يحلون صفر عاما، ويحرمونه عاما، فجعل اللَّه تعالى المحرم
أول من ابتدع النسيء [1]
أول من ابتدع النسيء [ (1) ] ذكر محمد بن إسحاق أن العرب كانوا إذا فرغوا من حجّهم اجتمعوا إلى القلمس [ (2) ] ، فأحل لهم من الشهور، وحرم، فأحلوا ما أحل، وحرموا ما حرم، وكان إذا أراد أن ينسئ منها شيئا أحلّ المحرم فأحلوه، وحرم مكانه صفرا فحرموه، ليواطئوا عدة الأربعة [الأشهر الحرم] [ (3) ] ، فإذا أرادوا الهدى اجتمعوا إليه، فقال: اللَّهمّ إني لا احاب [ (4) ] وو لا أعاب [ (5) ] في أمري، والأمر لما قضيت، اللَّهمّ إني قد حللت، وما المحلين من طيِّئ، وجعلتم فأمسكوهم حيث ثقفتموهم، اللَّهمّ إني قد أحللت، أحد الصّفرين، الصّفر الأول، ونسأت الآخر من العام المقبل وإنما أحل دم حلى، وخثعم، من أجل أنهم كانوا يعدون على الناس في الشهر الحرام من بين العرب، فلذلك أحل دماءهم، وكانوا يحجون في ذي القعدة عامين، يحجون في ذي القعدة، ثم يحجون كل العام، والآخر
في ذي القعدة، ثم يحجون العام الآخر في ذي الحجة، فلما حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وافى ذا الحجة فحج، وقال للناس: إن الزمان قد استدار [كهيئته] [ (1) ] يوم خلق اللَّه السموات والأرض، السنة اثني عشر شهرا منها أربعة حرم، فصار الحج في ذي الحجة، فلا شك في الحج. وعن مجاهد: كانوا يعدون فيسقطون المحرم ثم يقولون: صفران لصفر، وربيع الأول، ثم يقولون جماد ثان لجمادى الآخرة ورجب، ثم يقولون لشعبان: رجب، ويقولون لرمضان: شعبان، ثم يقولون لشوال: شهر رجب، ثم يقولون لذي الحجة ذو القعدة شوال، ثم يقولون للمحرم ذو الحجة، فيحجون في المحرم، ثم يستأنفون فيعدون ذلك عدة مستقبلة على وجه ما ابتدءوا، فيقولون المحرم وصفر وشهرا ربيع، فيحجون في كل شهر مرتين فيسقطون شهرا آخر فيعدون على العدة الأولى، يقولون: صفران وشهرا ربيع على نحو عدتهم في نحو ما أسقطوا. عن مجاهد قال: حجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، حتى وافقت حجة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من العامين في ذي القعدة، قبل حجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسنة، ثم حج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من قابل في ذي الحجة، فبذلك حين يقول: إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض. وخرج الترمذي من حديث الحكم بن عتيبة، عن مقسم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره أن ينادى بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه-، فبينا أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم القصوى. فخرج أبو بكر فزعا فظن أنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإذا عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى-، فدفع إليه كتاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأمر
بهؤلاء الكلمات، فانطلقا، فحجا، فقام عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أيام التشريق فنادى: ذمة اللَّه ورسوله بريئة من كل مشرك، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر، ولا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن. وكان علي ينادي، فإذا عيي قام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- فنادى بها [ (1) ] .
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه، وقد خرجا في الصحيحين طرقا من ذلك. فخرّج البخاري في الحج [ (1) ] من حديث يحيي بن بكير، قال: أنبأنا الليث قال يونس: قال ابن شهاب: حدثني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أن أبا بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنه بعثه في الحجة التي أمّره عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وخرّج في التفسير [ (2) ] من حديث صالح، عن ابن شهاب، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث أبو بكر في تلك الحجة مؤذنين، بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ يوم النحر في أهل مني ببراءة، وأن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وذكره في التفسير أيضا من حديث عقيل [ (3) ] بهذا الإسناد نحوه. وخرّجه مسلم من حديث ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعثني أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الحجة التي أمّره عليها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. قال ابن
شهاب: فكان. حميد بن عبد الرحمن يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة [ (1) ] . وخرجه أبو داود من حديث شعيب عن الزهري قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: بعثني أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فيمن يوذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأكبر الحج [ (2) ] . وأخرجه البخاري أيضا من هذه الطريق وقال يونس بن بكير: قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول اللَّه (ص) أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أميرا على الحج في سنة تسع ليقيم للمؤمنين حجّهم والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجّهم. فخرج أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- والمؤمنون، ونزلت بَراءَةٌ
في نقض ما بين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والمشركين من العهد الّذي كانوا عليه. قال ابن إسحاق: فخرج عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى- على ناقة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم العصباء حتى أدرك أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- بالطريق، فلما رآه أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أميرا أو مأمورا؟ قال: لا، بل مأمورا، ثم مضي، فأقام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للناس حجهم، حتى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب عند الجمرة فأذّن في الناس بالذي أمره به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فهو له إلى مدته، وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم من جاء منهم من بلادهم، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة، إلا أحد كان له عند رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عهد، فهو له إلى مدّته. وقال عباد بن العوام: أخبرنا سفيان بن حسين عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم بعث بسورة بَراءَةٌ مع أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم بعث عليا- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه! هل ترك من شيء؟ قال: لا، ولكنه لا يبلغ عني غيري أو رجل من أهل بيتي، فكان أبو بكر على الموسم وكان عليّ ينادي بهؤلاء الكلمات: لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، واللَّه ورسوله بريئان المشركين أو قال: مشرك: وخرج الحاكم من حديث النضر بن شميل قال: أنبأنا شعبة، عن سليمان الشيبانيّ، عن الشعبي، عن المحرز بن أبي هريرة، عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كنت في البعث الذين بعثهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مع علي- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- ب بَراءَةٌ إلى مكة فقال له ابنه أو رجل آخ: فيم كنتم تنادون؟ قال: كنا نقول: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عهد فإن أجله أربعة أشهر، فناديت حتى صحل صوتي [ (1) ] قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد.
فصل في ذكر الذين عادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر الذين عادوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال اللَّه تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [ (1) ] وقال تبارك وتعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً [ (2) ] وهم قريش بمكة، فإن الذين كانوا يبدون صفحتهم في عداوته صلّى اللَّه عليه وسلم وأذاه، ويسخرون به، ويخاصمون، ويجادلون، ويردون من أراد الإسلام عنه، فهم: أبو جهل بن هشام، وأبو لهب، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف ابن زهرة وهو ابن خال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم والحارث بن قيس بن عدي السهمي، وهو ابن العيطلة والوليد بن المغيرة، وأمية وأبي ابنا خلف الجمحيين، وأبو قيس ابن الفاكهة بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث العبدري، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميين، وزهير بن أبي أمية المخزومي، والعاصي بن سعيد بن العاصي، وعدي بن الحمراء الخزاعي، وأبو البحتري العاصي بن هاشم بن أسد عبد العزى، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية، والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن الأصداء الهذلي- وهو الّذي نطحته الأروى- والحكم بن العاص بن أمية، وهؤلاء كانوا جيرانه صلّى اللَّه عليه وسلم. وأما الذين تنتهي إليهم عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [فهم] [ (3) ] : أبو جهل، وأبو لهب، وعقبة، وكان أبو سفيان بن حرب بن أمية، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ذوي عداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولكنهم لم يكونوا يفعلون كما فعل هؤلاء، وكانوا كجملة قريش. أما أبو جهل- لعنه اللَّه- فتقدم ذكره في الأصهار، وتقدم أيضا في الأعمام، وتقدم ذكر أبي لهب بن عبد يغوث في أبناء الخال.
وأما الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو وائل السهمي الّذي يقال له ابن العيطلة، والعيطلة أم أولاد قيس بن عدي، نسبوا إليها، إنه أحد المستهزءين المؤذين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وهو الّذي كان كلما رأى حجرا أحسن من الّذي عنده أخذه وألقي ما عنده [ (1) ] وفيه نزلت: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [ (2) ] إلى آخر الآية. وكان يقول: لقد غرّ محمد نفسه وأصحابه، وعدهم أن يحيوا بعد الممات! واللَّه ما يهلكنا إلا الدهر ومرور الأيام والأحداث، فأكل حوتا مملوحا، فلم يزل يشرب عليه الماء حتى مات. ويقال: إنه أصابته الذبحة فقتل، امتحض رأسه قيحا. والوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم أبو عبد شمس، والد خالد بن الوليد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان يقال له: العدل لأنه فيما يقال: كان يعدل قريشا كلها. ويقال: إن قريشا كانت تكسو الكعبة فيكسوها هو مثل ما يكسوها هم، ويقال له العدل [ (3) ] وجمع قريشا في دار الندوة، ثم قال لهم: إن العرب يأتوكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد فتختلفون، يقول هذا: ساحر، ويقول هذا: شاعر، ويقول هذا: مجنون، ويقول هذا: كاهن، والناس يعلمون أن هذه الأشياء لا تجتمع، فقالوا: نسميه شاعرا! قال الوليد: سمعت الشعر وسمعناه، فما يشبه ما يجيء به شيئا من ذلك. قالوا: كاهن! قال: صاحب الكهانة يصدق ويكذب، وما رأينا محمدا كذب قط! قالوا: فمجنون! قال: المجنون يخنق ومحمد لا يخنق، ثم مضى الوليد إلى بيته، فقالوا: صبأ، قال: ما صبأت، ولكني فكرت فقلت: أولى ما يسمي ساحرا، لأن الساحر يفرق بين المرأة وزوجها، والأخ وأخيه، فتنادوا بمكة: إن محمدا ساحر، فنزلت فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [ (4) ] إلي قوله: تِسْعَةَ عَشَرَ، فقال: أبو الأشدّين- واسمه كلدة بن أسيد بن خلف الجمحي-: أنا أكفيكم، خمسة علي ظهري، وأربعة بيدي [ (5) ] ، فألقوا في جهنم، فنزلت:
وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [ (1) ] وقال الوليد: لئن لم ينته محمد عن سب آلهتنا لنسبن إلهه! فقال أبو جهل: نعم ما قلت، ووافقهم الأسود بن عبد يغوث، فنزلت: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [ (2) ] واعترض الوليد بن المغيرة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ومع الوليد عدة من قريش منهم الأسود بن عبد المطلب بن أسد ابن عبد العزي، والعاص بن وائل السهمي، وأمية بن خلف، فقال: يا محمد هلم فنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في الأمر كله، فإن كان ما تعبد خيرا كنا أخذنا منه بحظنا، وإن كان ما نعبده خيرا كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل اللَّه سورة: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ [ (3) ] ، يقول لهم: لا أعبد الآن ما تعبدون، ولا أنتم الآن تعبدون ما أعبد، ولا أنا عابد أبدا ما عبدتم، ولا أنتم عابدون أبدا ما أعبد، لكم كفركم ولي إيماني [ (4) ] . وقال الوليد لأبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية- وكان نديمه-[ (5) ] : لولا أنزل هذا القرآن الّذي يأتي به محمد على رجل من أهل مكة أو من أهل الطائف مثلك أو مثل أمية بن خلف؟ فقال له أبو أحيحة: أو مثلك يا أبا عبد شمس؟ أو على رجل من ثقيف مثل مسعود بن عمرو؟ أو كنانة بن عبد ياليل؟ أو مسعود بن معتب؟ أو ابنه عروة بن مسعود؟ فأنزل اللَّه تعالى: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ* أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [ (6) ] . ولم يصف اللَّه تعالى أحدا وصف الوليد بن المغيرة، ولا
أبلغ من ذكره عقوقه ما بلغ من ذكرها منه، لأنه وصفه بالحلف، والمهانة، والغيب للناس، والمشي بالنمائم، والبخل، والظلم، والإثم، والجفاء والدعوة، وألحق بدعاء لا يفارقه في الدنيا ولا في الآخرة، كالوسم على الخرطوم. قال تبارك وتعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ* أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ* إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [ (1) ] ، ولا خلاف أنها نزلت في الوليد بن المغيرة. روي سفيان عن زكريا، عن الشعبيّ قال: العتلّ الشديد، والزنيم الّذي له زنمة من الشر يعرف بها كما تعرف الشاة [ (2) ] ، أراد الشعبي أنه قد لحقته شية [ (3) ] في الدعوة عرف بها كزنمة الشاة. وقال الواقدي: مات الوليد بعد الهجرة بثلاثة أشهر أو نحوها وهو ابن خمس وسبعين [ (4) ] سنة، ودفن بالحجون، وابنه قيس بن الوليد من المعادين، وكان الوليد أحد المستهزءين فمر برجل يقال له حراث بن عامر بن خزاعة ويكنى أبا قصاف، وهو يريش نبلا له، فوطئ على سهم منها فخدش أخمص رجله خدشا يسيرا، ويقال: علق بأداة فخدش ساقه خدشا خفيفا، فأهوى إليه جبريل عليه السلام فانتقض الخدش وضربته الأكلة في رجله أو ساقه فمات، وأوصى بنيه وقال: اطلبوا خزاعة بالسهم الّذي أصابني فأعطت خزاعة ولده العقل [ (5) ] وقال: انظروا عقرى عند أبي أزهر الدوسيّ، فلا يفوتكم فداء هشام بن الوليد على أبي أزيهر بعد بدر، فقتله بذي المجاز، ولقتل أبي أزيهر خبر مذكور. والعاصي بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم أخو أبي جهل، وأميّة وأبيّ ابنا خلف، كان على شرّ ما يكون عليه أحد من أذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وتكذيبه، وجاء أبيّ بعظم نخر ففتته في يده، ثم قال: زعمت
يا محمد أن ربك يحيي هذا العظم؟ ثم نفخة فنزلت: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [ (1) ] . الآية. وقال سفيان الثوريّ، عن أبي السوداء، عن أبي سابط أن أبيّا صنع طعاما، ثم أتي به إلى حلقة فيها النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فدعاهم ودعاه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لا أقوم حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه، ففعل، فقام صلّى اللَّه عليه وسلم فلقيه عقبة بن أبي معيط فقال: قلت كذا وكذا؟ فقال: إنما قلت ذلك لطعامنا، فنزلت: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ [ (2) ] الظالم: عقبة، وقوله فلانا يعني أبيا ويقال: الظالم أبيّ، و (فلانا) عقبة، وقد قيل: إن الّذي دعي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فيمن دعا عقبة بن أبي معيط فأنكر أبيّ ذلك عليه، وكان صديقا له ونديما، وقال: اتبعت محمدا؟ فقال: لا واللَّه، ولكني قد تذممت أن لا أدعو وإن دعوته أن لا يأكل من طعامي، فقلت له قولا لم أعتقده، فقال له: وجهي من وجهك حرام إن لم تكفر به، وتتفل في وجهه، ففعل، ورجع، ما خرج فيه إلى وجهه! فأنزل اللَّه تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يعني عقبة. وقوله فُلاناً يعني أبيّ بن خلف، وهي في قراءة عبد اللَّه بن مسعود: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا وبعض الرواة يقول: إن أمية بن خلف فعل هذا ولا يذكر أبيّا، وقتل أمية يوم بدر، فقتله حبيب بن إساف، وقيل: اشترك حبيب وبلال في قتله، ويقال: قتله رفاعة بن رافع الأنصاري، وقتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أبيا يوم أحد، أخذ حربته أو حربة غيره فقتله بها كما تقدم في خير يوم أحد. وأبو قيس بن الفاكة بن المغيرة وكان من المؤذين لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم المعروفين في أذاه، يعين أبا جهل على صنعه، قتله حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يوم بدر، ويقال: قتله الحباب بن المنذر. والعاصي بن وائل السهمي، والد عمرو، وكان من المستهزءين، ولما مات عبد اللَّه [ (3) ] ولد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن محمدا أبتر، لا يعيش له ولد
[ذكر] [ (1) ] ، فأنزل اللَّه فيه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [ (2) ] ، فركب حمارا، ويقال: بغلة له بيضاء، فلما صار بشعب من الشعاب وهو يريد الطائف، ربض به الحمار أو البغلة على شبرقة فأصابت رجله شوكة منها فانتفخت حتى صارت كعنق البعير، ومات. ويقال: إنه لما ربض به حماره أو بغلته لدغ فمات مكانه، وكان ابنه عمرو بن العاص يقول: لقد مات أبي وهو ابن خمس وثمانين سنة، وإنه يركب حمارا له من هذه الديانة إلى ماله بالطائف فتمشى عنه أكثر مما ركبه. وقال الواقدي: مات العاصي بعد هجرة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة بأشهر، وهو ابن خمس وثمانين سنة، وكان يكنى أبا عمرو، وقال ابن سعد: قلت للواقدي: قال اللَّه عز وجل: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وهذه السورة مكية [ (3) ] ، فقال: قد سألت مالكا وابن أبي ذؤيب عن هذا فقالا: كفاه إياهم، فبعضهم مات وبعضهم عمي، فشغل عنه، وبعضهم كفاه إياه، أذهب ما له من أسباب مفارقته بالهجرة هاهنا. وقال غيرهما: كفاه أمرهم فلم يضروه بشيء مما كادوه. والنضر بن الحرث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار أبو قائد، وكان أشدّ قريش معاداة بالأذى لرسول اللَّه [ (1) ] والتكذيب، فأسر ببدر وضربت عنقه، وقد تقدم ذكره. وأبو أحيحة سعيد بن العاصي بن أمية كان، يقول: دعوا محمدا ولا تعرضوا له فإن كان ما يقول حقا كان فينا دون غيرنا من قريش، وإن كان كاذبا قامت به قريش دونكم، وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يمر عليه فيقول: إنه ليتكلم من السماء، حتى أتاه النضر بن الحارث- فقال: بلغني أنك تحسن القول في محمد! وكيف ذاك؟ وهو يسب آلهتنا، ويزعم أن آباءنا في النار، ويتوعد من لم يتبعه بالعذاب، فأظهر أبو أحيحة عداوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وذمّة وعيّب ما جاء به، وجعل يقول: ما سمعنا بمثل ما جاء به في يهودية ولا نصرانية، وكان أبو أصيحة ذا شرف بمكة، وكان إذا اعتمّ لم يعتم أحد بمكة، إذ لم يعتم أحد بعمامة على لون عمامته إعظاما له. فقويت أنفس المشركين حين رجع عن
قوله الأول، فأتاه النضر شاكرا له على ذلك، لإعظام قريش إياه، ومات أبو أحيحة في ماله بالطائف سنة اثنتين من الهجرة. ويقال: في أول سنة من الهجرة، وله تسعون سنة، فلما غزا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الطائف رأى قبر أبي أحيحة مشرفا، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لعن اللَّه صاحب هذا القبر، فإنه كان ممن يحاد اللَّه ورسوله، فقال ابناه: عمرو وأبان: لعن اللَّه أبا قحافة [ (1) ] فإنه كان لا يقرى الضيف، ولا يرفع الضيم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سب الأموات يؤذي الأحياء، فإذا سببتم فعموا. ومنبه ونبيه ابنا الحجاج السّهميان، كانا على مثل ما عليه أصحابهما من أذى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم والطعن عليه، وكانا يلقيانه فيقولان: أما وجد اللَّه من يبعثه غيرك؟ إن هاهنا من هو أسنّ منك، وأيسر، فإن كنت صادقا فائتنا بملك يشهد لك، ويكون معك، وإذا ذكر لهما قال: معلم مجنون، يعلمه أهل الكتاب ما يأتي، فكان صلّى اللَّه عليه وسلم يدعو عليهما، فأما منبه فقتله عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ويقال: أبو اليسر الأنصاري ويقال: أبو أسيد الساعدي، وأما نبيه فقتله أيضا عليّ، وقتل العاصي بن منبه أيضا، وكان صاحب ذي الفقار [ (2) ] ، وقيل: كان يف نبيه. وزهير بن أبي أمية وحذيفة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، وهو أخو أم المؤمنين أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لأبيها، وكان ممن يظهر تكذيب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وينكر ما جاء به، ويطعن عليه ويردّ الناس عنه، وهو ابن عمة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب، وقد اختلف فيه فقيل: إنه شخص يريد بذرا فسقط عن بعيرة فمرض ومات، وقيل: أسر يوم بدر فأطلقه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فلما صار بمكة مات. وقيل: حضر وقعة أحد ومات بعدها بسهم أصابه، وقيل: شخص إلى اليمن بعد الفتح فمات هناك كافرا، وقيل أتي الشام فمات هناك. وعبد اللَّه بن أبي أمية كان منهم، وأتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في قوم من المشركين فقال له بعضهم: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، فإن ماء زمزم ملح. وقال آخر: إن لم تفعل هذا فإنا لن نؤمن لك حتى يكون لك بمكة جنان
كجنان آل فارس، ذات نخيل وأعناب، وقال آخر: لن نؤمن لك حتى تسقط السماء علينا كسفا، أو تأتي بربك وملائكتك فنراهم، وقال عبد اللَّه بن أبي أميّة: لن تؤمن لك حتى نرى لك بيتا من ذهب يحدثه لك ربك، أو ترقى في السماء ثم لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب ونحن نراك فنقرأه فأنزل اللَّه تعالى حكاية قولهم، وقال: قال لهم: سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [ (1) ] وأسلم عبد اللَّه، وقتل يوم الطائف. والثابت أن عبد اللَّه قال هذا القول من بينهم، وكان خطيب القوم ومتكلمهم. والسائب بن أبي السائب صيفي بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمران بن مخزوم ممن كان يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقتله الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ببدر. والأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم وكان ممن يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان حلف يوم بدر ليكسرن حوض النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقاتل حتى وصل إلى الحوض فأدركه حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء. وعديّ بن الحمراء الخزاعي، كان ممن يعادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولدغ وهو يريد بدرا فمات. والعاصي من سعيد بن العاصي بن أمية، قتل يوم بدر كافرا، وأبو البحتريّ العاصي بن هاشم بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ، كان أقلهم أذى لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على أنه كان يكذبه ويعيب ما جاء به، قتل يوم بدر كافرا وقيل: قتله عمير بن عامر المازنيّ، وفي أبي البحتريّ نزلت: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [ (1) ] . الآية. خرج أبو نعيم من حديث محمد بن إسحاق قال: حدثني الأجلح، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- أنه قال: بينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في المسجد وأبو جهل بن هشام، وشيبة، وعتبة ابنا ربيعة، وعقبة بن معيط وأمية بن خلف، قال أبو إسحاق: ورجلان آخران لا أحفظ أسميهما، كانوا سبعة، وهم في الحجر، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم يصلي فلما سجد أطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتي جزور بني فلان فيأتينا بفرثها فيلقيه على ظهر محمد؟ فانطلق أشقاهم
وأسفلهم عقبة بن أبي معيط، فأتي به فألقاه على كتفه، ورسول اللَّه (ص) ساجد، قال ابن مسعود: وأنا قائم لا أستطيع أن أتكلم، ليس عندي عشيرة تمنعني، فأنا أرهب، إذ سمعت فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بذلك، فأقبلت حتى ألقت ذلك عن أبيها، ثم استقبلت قريشا فشتمتهم، فلم يرجعوا إليها شيئا، ورفع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم رأسه كما كان يرفع عند تمام سجوده، فلما قضى صلاته قال: اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بعقبة، وعتبة، وأبي جهل وشيبة، وذينك الرجلين، ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم من المسجد ولقيه أبو البختري ومع أبي البختري سوط. يتخصر به، فلما لقيه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنكر وجهه فأخذه فقال: تعالى، مالك؟ قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: خل عني، قال: على اللَّه أن لا أخلي عنك أو تخبرني ما شأنك فلقد أصابك شيء، فلما علم النبي صلّى اللَّه عليه وسلم أنه غير مخل عنه أخبره فقال: إن أبا جهل أمر أن يطرح عليّ فرث، فقال أبو البختري: هلم إلى المسجد، فأبى فأخذه أبو البختري، فأدخله إلي المسجد، ثم أقبل علي أبي جهل، فقال: يا أبا الحكم أنت الّذي أمرت بمحمد فطرح عليه الفرث؟ قال: نعم، فرفع السوط فضرب رأسه، فثارت الرجال بعضها إلى بعض، فصاح أبو جهل فقال: ويحكم من له؟ إنما أراد محمد أن يلقى بيننا العداوة وينجو هو وأصحابه [ (1) ] . وعقبة بن أبي معيط [بن] [ (2) ] زبان بن [أبى] [ (2) ] عمرو بن أمية أبو
الوليد، كان أشد الناس عداوة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وأذى، فعمد إلى مكتل فحول فيه عذرة، ثم ألقاه على باب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ونصرته طليب بن عمير بن وهب بن قصيّ بن كلاب، وأمه أروى بنت عبد المطلب فأخذ المكتل نفسه وضرب به رأسه، وأخذ باديته وتشبث به. ويروي: وتشبث به عقبة وذهب به إلى أمه أروي، فقال لها: ألا ترين إلى ابنك قد صار عرضا دون محمد، فقالت: ومن أولي منه بذلك؟ ابن خاله، أموالنا وأنفسنا دون محمد، وجعلت تقول: إن طليبا نصر ابن خاله وآساه في ذي دمه وماله، وجاء بسلا جزور فقذفه على ظهر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة، حتى جاءت فاطمة فأخذته عن ظهره صلّى اللَّه عليه وسلم. فلما كان يوم بدر أسر عقبة عبد اللَّه بن سلمة بن مالك العجلاني فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فضرب عنقه كما تقدم ذكره. الأسود بن المطلب [ (1) ] بن أسد بن عبد العزى أبو زمعة زاد الراكب، كان من المستهزءين، وكان وأصحابه يتغامزون بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم وأصحابه ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر، ثم يحكون، ويصفرون، ويصفقون وكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بكلام شق عليه، فدعا عليه أن يعمي اللَّه بصره، ويثكله ولده. فخرج يستقبل ابنه وقد قدم من الشام فلما كان في بعض طريقه فجلس في ظل شجرة فجعل جبرائيل عليه السلام يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها، وبشوكها حتى عمي، وقيل: أومأ إلى عينيه فعمي فشغله عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وقتل ابنه معه ببدر كافرا، قتله أبو دجانة وقتل ابن ابنه عتيب، قتله حمزة وعليّ اشتركا في قتله، وقتل ابن ابنه الحارث بن زمعة بن الأسود، قتله عليّ، وقيل: هو الحارث بن الأسود، والأول أصحّ، وهو القائل: أتبكي أن يضل لها بعير ... ويمنعها من النوم السهود وقال الواقدي: ومات الأسود بمكة وهم يتجهزون لأحد، وكان الأسود يجلس معه قوم من المشركين فيقولون: ما نرى ما جاء به محمد! ما هو إلا سجع كسجع الكهان، فنزلت فيهم: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [ (2) ] وقيل: نزلت في أهل الكتاب وكانوا إذا سئلوا عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم يقول بعضهم: ساحر، ويقول
بعضهم: شاعر، ويقول بعضهم: مجنون، ويقول بعضهم: ساحر، ويتكذبون عليه، فيصدون الناس عنه، فأنزل اللَّه تعالى فيهم: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [ (1) ] ، يقول أثقال من يصدونه عن الإلسام. وذكر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عاقرا الناقة فقال: كان عزيزا منيعا كأبي زمعة الأسود بن المطلب فيكم. وابنه زمعة بن الأسود وابن الأصداء الهذليّ، كان يؤذي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ويقول له: إنما يعلمك أهل الكتاب بأساطيرهم، ويقول للناس: هو معلم مجنون، فدعا عليه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فإذا هو على جبل إذ اجتمعت عليه الأروى فنطحته حتى قتلته. والحكم بن أبي العاصي بن أمية [ (2) ] ، كان مؤذيا لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وكان
يمشى ذات يوم وهو خلفه، فخلج بأنفه وفمه فبقي على ذلك، وأظهر الإسلام يوم فتح مكة، وكان مغموصا عليه في دينه، فاطلع على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالمدينة في بعض حجر نسائه، فخرج إليه يعيره فقال: من عدا يرى من هذه الودعة؟ لو أدركته لفقأت عينه، وغربة عن المدينة، فلم يزل خارجا منها إلى أن استخلف أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فرده وولده، ومات في خلافة عثمان، فضرب على قبره فسطاطا، وقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت لمروان بن الحكم: إن اللعين أباك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجا مجنونا يمسي [ (1) ] خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن الوليد، لقي رسول اللَّه فقال له: إن أردت الشرف شرفناك وإن كنت تريد المال أعطيناك منه
ما تحب، فقال: يا أبا الوليد اسمع: فقرأ عليه حم [ (1) ] السجدة فقال: هذا كلام ما سمعت مثله، ثم التفت إلي جماعة قريش فقال: دعوه، وخلوا بينه وبين العرب، فليس بتارك أمره، وأتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ابن أم مكتوم وعتبة يكلمه، وقد طمع فيه أن يسلم، فشغل عنه، فأنزل اللَّه تعالى: عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى [ (2) ] وقوله: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى [ (3) ] يعني عتبة [ (4) ] ويقال: بل الّذي شغل النبي صلّى اللَّه عليه وسلم به عن ابن أم مكتوم قال له: علمني مما علمك اللَّه، فأقبل على أمية بن خلف وتركه، وقتل عتبة يوم بدر وله خمسون سنة، وكان أبو حذيفة بن عتبة [ (5) ] مع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مسلما.
وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس [ (1) ] أبو هاشم، كان يجتمع مع قريش فيما يكيد به النبي صلّى اللَّه عليه وسلم من الأذى، ولا يتعاطى ذلك بيده، وقتله عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف يوم بدر ووقف عليه حمزة وعليّ- رضي اللَّه تبارك عنهما- وكان شيبة أسنّ من عتبة بثلاث سنين وكان شيبة وعتبة متثاقلين عن الخروج لبدر حتى أتاهما أبو جهل فخرجا، ولما قتلوا ببدر قالوا: ومشى نساء قريش إلى هند بنت عتبة وهي أم معاوية بن أبي سفيان فقلن لها: ألا تبكين على أبيك وعمك وأخيك وأهل بيتك؟ فقالت: حلقي، أنا لا أبكيهم فيبلغ محمدا وأصحابه، فيشمتوا بنا، ونساء بني الخزرج! لا واللَّه، حتى أثأر من محمد وأصحابه، وحرمت على نفسها الدهن والكحل وقالت: واللَّه، لو أعلم أن الحزن يذهب من قلبي لبكيت، ثم قالت: للَّه عينا من رأى هلكا هلك رحالته ... يا رب بارك لي غدا في النايحات وباكيه كم غادروا يوم القليب غداة تلك الواعية ... من كل عيب في السنن إذا الكواكب جارية قد كنت أحذر ما أرى فاليوم حل جدار به ... يا رب قابله غدا يا ويح أم معاوية وأنس بن معير بن لودان بن سعد بن جمح، أخو أبي محذورة [ (2) ] ومطعم
بان عدي بن نوفل بن عبد مناف أبو وهيب [ (1) ] ، كان أقل أصحابه أذى للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، لكنه كان ينكر عليه ما أنكروا، وهو الّذي قام بأمر بني هاشم وبني المطلب حتى خرجوا من الشعب، وأجاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم كما رجع من الطائف حتى مات بالبيت، ومات في صفر سنة اثنين من الهجرة قبل بدر، وهو ابن بضع وتسعين سنة، ودفن بالحجون، وأقيم النوح عليه سنة، وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: لابنه جبير بن مطعم يوم بدر: لو كان أبوك حيا واستوهبني هؤلاء الأسرى أبوك لوهبتهم له، وشفعته فيهم. وطعيمة بن عدي بن نوفل بن المطلب، أبو الريان، وكان ممن يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فيبالغ في أذاه، ويشتمه، ويسمعه، ويكذبه، فأسر يوم بدر، وقتل صبرا كما تقدم [ (2) ] والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، فيه نزلت: وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [ (3) ] لكنه كان ممن أعان على نقض الصحيفة وقتل يوم بدر كافرا، قتله خبيب بن إساف [ (4) ] .
ومالك بن الطلاطلة بن عمرو بن عبسان، واسمه الحارث بن عمرو بن مزيقياء كان من المستهزءين وكان سفيها، فدعى عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واستعاذ باللَّه من شره فعصر جبريل عليه السلام بطنه حتى خرج خلاه من بطنه فمات وقيل: بل أشار إليه فامتخض رأسه قبحا [ (1) ] ، وقتل به عمرو بن الطلاطلة، وهو باطل. وقيل: الحارث بن الطلاطلة وليس بشيء، وهم يغلطون بابن الغيطلة وابن الطلاطلة فيجعلون هذا ذلك، وذاك هذا. قاله ابن الكلبي [ (2) ] . وقيل: إن المستهزءين ماتوا في وقت واحد، وما تقدم ذكره أثبت. وركانة الشديد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، قدم من سفر له فأخبر خبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلقيه في بعض جبال مكة فقال: يا ابن أخى! قد بلغني عنك أمر وما كنت عندي بكذاب، فإن صرعتني علمت أنك صادق، فصرعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا فأتى قريشا فقال: يا هؤلاء! صاحبكم ساحر فاسحروا به من شئتم. وقال هشام بن الكلبيّ [ (3) ] : حدثني أبي عن أبي صالح، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنهما- قال: لقي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد وكان أشد العرب لم يصرعه أحد قط، فدعاه إلى الإسلام فقال: واللَّه لا أسلم حتى تدعو هذه الشجرة- وكانت سمرة أو طلحة- فقال رسول صلّى اللَّه عليه وسلم: أقبلي بإذن اللَّه، فأقبلت تخدّ الأرض خدا، فقال ركانة: ما رأيت كاليوم سحرا أعظم، فأمرها فلترجع، فقال: ارجعي بإذن اللَّه، فأقبلت تخذ الأرض خدا فقال: ويحك! أسلم، قال: إن صرعتني أسلمت، وإلا فغنمي لك، وإن
ومن أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم
صرعتك كففت عن هذا الأمر، فأخذه النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فصرعه ثلاثا، فقال: يا بن عم العود، فصرعه أيضا ثلاثا، فقال: أسلم، قال: لا، قال: فإنّي آخذ غنمك، قال: فما تقول لقريش؟ قال: أقول صارعته، فصرعته، فأخذت غنمه، قال: فضحتني وأخبتني! قال: فما أقول لهم؟ قال: قل: قامرته، قال: إذا أكذب؟ قال: ألست في كذب من حين تصبح إلى حين تمس؟ قال: خذ غنمك، قال: أنت واللَّه خير مني وأكرم، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: وأحق بذلك منك. وابن أبي وهب المخزوميّ، كان فمن يؤذي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فقتل يوم الخندق وقيل: بقي إلى الفتح فهرب إلى اليمن وما هناك كافرا وهو أثبت [ (1) ] . ومن أعداء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه بن شهاب بن عبد اللَّه بن الحارث بن زهرة الزهري وهو عبد اللَّه الأصفر، فإن أخاه ابن شهاب الأكبر من مهاجرة الحبشة، ومات بمكة قبل الهجرة [ (2) ] ، وكان يسمى عبد الجان، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم عبد اللَّه. وعتبة بن أبي وقاص [ (3) ] ، ومالك بن أهيب بن عبد مناف، وعبد اللَّه بن شهاب الزهريّ [ (4) ] ، وعمرو بن قمئة الأدمي من بني تميم بن غالب [ (5) ] ، وعبد اللَّه بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وذلك أنه لما كان يوم أحد تعاقد هؤلاء مع أبيّ بن خلف على قتل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، وأما عتبة بن أبي وقاص فرماه بأربعة أحجار، فكسر رباعيته اليمنى [السفلى] ، وشقّ شفته السفلى وأما ابن قمئة فكلم وجنتيه صلّى اللَّه عليه وسلم وغيّب حلق
المغفر [ (1) ] فيهما، وعلاه بالسيف، فلم يقطع، وسقط رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فجحشت ركبته. وأما أبيّ بن خلف فشدّ بحربة فأعان اللَّه عز وجل رسوله صلّى اللَّه عليه وسلم فقتله، وأما عبد اللَّه بن حميد فأقبل يريد النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فشدّ عليه أبو دجانة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فضربه، وقال: خذها وأنا ابن خرشة فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ ارض عن ابن خرشة فإنّي عنه راض [ (2) ] . قال الواقدي: دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم على الذين تعاقدوا على قتله فقال: اللَّهمّ لا تحل على أحد منهم الحول، فمات عتبة من وجع أليم أصابه، فتعذب به، وأصيب ابن قمئة في المعركة، ويقال: إنه لما رمى مصعب بن عمير فقتله، قال: خلاها وأنا ابن قمئة، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم أقمأه اللَّه، فعهد إلى شاة ليحلبها بعد الوقعة فنطحته وهو معتقلها فقتلته، ووجد ميتا بين الجبال [ (3) ] . ولم يذكر الواقدي منبه بن شهاب وكان ابن أبيّ وابن حميد ما قد ذكرنا، بعضهم يذكر أن عبد اللَّه بن حميد قتل يوم بدر والثابت أنه قتل يوم أحد. ذكره البلاذري، وقال: حدثني بعض قريش أن أفعى نهشت عبد اللَّه بن شهاب في طريقه إلى مكة فمات، قال: وسألت بني زهرة، عن خبره فأنكر أن يكون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم دعا عليه، أو يكون شجّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وقالوا: الّذي شجع في جبهته عبد اللَّه بن حميد الأسدي [ (4) ]
وأما المنافقون وكانوا من الخزرج والأوس
وأما المنافقون وكانوا من الخزرج والأوس قال ابن سيده: النفاق الدخول في الإسلام من وجه والخروج عنه من آخر مشتق من نافق اليربوع، إسلامية، وقد نافق منافقه ونفاقا [ (1) ] . قال اللَّه تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ [ (2) ] فدل على أن المنافقين شر من كفر به، وأولادهم عقبة، وأبعدهم من الإثابة إليه، لأنه شرط عليهم في التوبة والإصلاح والاعتصام، ولم يشرط ذلك على غيرهم، ثم شرط الإخلاص، لأن النفاق ذنب القلب، والإخلاص توبة القلب، ثم قال: فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [ (3) ] ولم يقل: فأولئك هم المؤمنون، ثم قال: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [ (4) ] ولم يقل: وسوف يؤتيهم اللَّه بعضها لهم وإعراضا عنهم وحيدا، فالكلام عن ذكرهم، وقال تعالى يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ [ (5) ] فدل على خبثهم واستشرافهم بكل ما عرف من هرج علي الإسلام وأهله. خرج مسلم من حديث محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد قال: قلنا لعمار: رأيت قتالكم أرأيا رأيتموه فإن الرأي يخطئ ويصيب، أو عهدا عهده إليكم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ما عهد إلينا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس كافة، وقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم قال: إن في أمتي- قال شعبة وأحسبه قال حدثني حذيفة- وقال غندر: أراه
قال في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم [ (1) ] . وخرج من حديث الوليد بن جميع، حدثنا أبو الطفيل قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون من الناس، فقال: أنشدك باللَّه كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذا سألك، قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد باللَّه أن اثني عشر منهم حرب للَّه ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا منادي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ولا علمنا بما أراد القوم، وقد كان في حرة فمشى فقال: إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد فوجد قوما قد سبقوه فلعنهم يومئذ [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني يونس بن محمد، عن يعقوب بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، أنه قال له: هل كان الناس يعرفون أهل النفاق فيهم؟ فقال: نعم واللَّه، وإن كان الرجل ليعرفه من أبيه وأخيه وبني عمه- سمعت جدك قتادة بن النعمان يقول: تبعنا في دارنا قوم منا منافقون [ (3) ] . وللبيهقي من حديث سفيان عن سلمة، عن عياض بن عياض، عن أبي، عن أبي مسعود قال: خطبنا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خطبة، فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن فيكم منافقين، فمن سميت فليقم، ثم قال: قم يا فلان، قم يا فلان قم يا فلان، حتى سمي ستة وثلاثين رجلا، ثم قال: إن فيكم أو منكم فاتقوا اللَّه، قال: فمر عمر على رجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه- قال مالك: قال: فحدثه بما قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: بعدا لك سائر اليوم [ (4) ] .
والمنافقون من الخزرج
والمنافقون من الخزرج هم: عبد اللَّه بن أبيّ بن سلول، وسلول بنت الحارث الخزاعية، أمه [وبها يعرف] ، وقيل: بل هي جدته وهو عبد اللَّه بن أبي بن مالك بن الحارث ابن عبيد اللَّه بن مالك بن سالم الجبليّ بن غنم بن عوف بن الخزرج وهو ابن رأس المنافقين القائل لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [ (1) ] ، وقد تقدمت عدة من أخباره في المريسيع وغيرها وروى الدارقطنيّ قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم مر على جماعة فيهم عبد اللَّه بن أبي فسلم عليهم، ثم ولي، فقال: لقد عثا ابن أبي كبشة في هذه البلاد، فسمعها ابنه عبد اللَّه فاستأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في أن يأتيه برأس أبيه فقال صلّى اللَّه عليه وسلم: ولكن برّ أباك، وأبو مالك جد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة [ (2) ] وهو القائل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم- وقد ندب الناس إلى غزوة تبوك وذكر بنو
الأصفر-: ائذن لي ولا تفتني ببنات الأصفر، وقال [ (1) ] رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم لبني سلمة: من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجدين ابن قيس إلا أن فيه بخلا، قال: وأي داء أدوى من البخل بل سيدكم بشر بن البراء بن معرور. وذكر الواقدي بإسناده من طريق أسيد بن أبي أسيد عن أبي قتادة الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما نزلنا علي الحديبيّة، والماء قليل، سمعت الجد بن قيس يقول: ما كان خروجنا إلي هؤلاء القوم بشيء؟ أنموت من العش من آخرنا؟ فقلت: لا تقل هذا. يا أبا عبد اللَّه، فلم خرجت؟ قال: خرجت مع قومي، قلت: فلم تخرج معتمرا؟ قال: لا واللَّه، ما أحرمت؟ قال أبو قتادة ولا نويت العمرة؟ قال: لا! فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم الرجل فنزل بالسهم، وتوضأ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في الدلو ومج فاه فيه، ثم رده في البئر، فجاشت البئر بالرواء. قال أبو قتادة: فرأيت الجد مادا رجليه على شفير البئر في الماء، فقلت أبا عبد اللَّه: أين ما قلت؟ قال: إنما كنت أمزح معك، لا تذكر لمحمد مما قلت شيئا. قال أبو قتادة: وقد كنت ذكرته قبل ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، قال: فغضب الجد وقال: بقينا مع صبيان من قومنا لا يعرفون لنا شرفا ولا سنا، لبطن الأرض اليوم خير من ظهرها! قال أبو قتادة: وقد كنت ذكرت قوله صلّى اللَّه عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: ابنه خير منه. قال أبو قتادة: فلقيني نفر من قومي فجعلوا يؤنبونني ويلومونني حين رفعت مقالته إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم، فقلت لهم: بئس القوم أنتم! ويحكم» عن الجد بن قيس تذبون؟ قالوا: نعم، كبيرنا وسيدنا. فقلت: قد واللَّه طرح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم سؤدده عن بني سلمة، وسوّد علينا بشر بن البراء بن معرور، وهدمنا المنامات التي كانت على باب الجد، وبنيناها على باب بشر بن البراء، فهو سيدنا إلى يوم القيامة.
قال أبو قتادة: فلما دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم إلى البيعة فر الجد بن قيس فدخل تحت بطن البعير، فخرجت أعدو، وأخذت بيد رجل كان يكلمني، فأخرجناه من تحت بطن البعير، فقلت: ويحك! ما أدخلك هاهنا؟ أفرارا مما نزل به روح القدس؟ قال: لا، ولكني رعبت وسمعت الهيعة [ (1) ] . قال الرجل: لا نضحت عنك [ (2) ] أبدا، وما فيك خير. فلما مرض الجد بن قيس ونزل به الموت لزم أبو قتادة بيته فلم يخرج حتى مات ودفن، فقيل له في ذلك فقال: واللَّه ما كنت لأصلي عليه وقد سمعته يقول يوم الحديبيّة كذا وكذا، وقال في غزوة تبوك كذا وكذا، واستحييت من قومي يرونني خارجا ولا أشهده. ويقال: خرج أبو قتادة إلى ماله بالواديين فكان فيه حتى دفن، ومات الجد في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (3) ] . ومرارة بن [ (4) ] الربيع وهو الّذي ضرب بيده على عاتق عبد اللَّه بن أبيّ، ثم قال: تمطي، والنعيم لنا من بعده كائن نقتل الواحد المفرد، فيكون الناس عامة بقتله مطمئنين، بدعاء رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال له: ويحك ما حملك على أن تقول الّذي قلت؟ فقال: يا رسول اللَّه إن كنت قلت شيئا من ذلك إنك لعالم به، وما قلت شيئا من ذلك [ (5) ] . وعبد اللَّه بن عيينة وهو الّذي قال لأصحابه: اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله، فو اللَّه ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل، فدعاه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فقال: ويحك ما كان ينفعك من قتلي لو أني قتلت، فقال عدو اللَّه: يا نبي، اللَّه! واللَّه لا تزال بخير ما أعطاك اللَّه النصر على عدوك، إنما نحن باللَّه وبك فتركه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم [ (6) ] .
والمنافقون من الأوس
وعدي بن ربيعة كان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم ورماه بقدر، وكان أعمى وابنه سويد بن عدي [ (1) ] . وقيس [ (2) ] بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار، هو جد يحيي بن سعيد [ (3) ] ، وقال ابن حزم: يقال إنه كان من المنافقين ولم يصح، وتبعه زرارة. كان يدخل على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم بالشعر. وزيد بن عمرو، وعقبة بن كريم بن خليف. وأبو قيس بن الأسلم أتي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة فقال: ما أحسن ما يقول ويدعو إليه، وسأنظر في أمري وأعود إليك، ولقيه ابن أبيّ فقال له: كرهت واللَّه حرب الخزرج، فقال: لا أسلم، فمات في ذي الحجة سنة إحدى. والمنافقون من الأوس هم الجلاس بن سويد بن الصامت قتل المجدر بن زياد البلوي يوم أحد كما تقدم ذكره، وكان الجلاس ممن تخلف في غزوة تبوك، ويقال: بل هو إلي قال: لا ينتهي حتى يرمي محمدا من العقبة، ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي، ولا عقل لنا وهو العاقل، قال: لئن كان الرجل صادقا لنحن شر من الحمير، فبلغ النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ذلك، فحلف باللَّه إنه ما قاله، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (4) ] الآية.
قال ابن إسحاق: فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير، والحارث [ (1) ] بن سويد أخوه يقال: هو الّذي قتل المجذر بن زياد، فقتله رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم به. فإن الجلاس كان ممن تخلف عن غزاة تبوك، والقول الأول قول الكلبي، وكان أخوه خلاد [ (2) ] بن سويد من فضلاء المسلمين، وعمرو بن
حزم [ (1) ] ، وزوي بن الحارث ويقال روي بن الحارث من بني لوذان بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وعثمان بن [ (2) ] عامر، ونبتل بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة ابن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوسي [ (3) ] ، وفيه قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر
إلى نبتل، وكان أدلم ثائر الشعر، أحمر العينين، أسفع الخدين، وكان ينقل حربة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى المنافقين، وهو الّذي قال: إنما محمد أذن فأنزل اللَّه فيه وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [ (1) ] الآية. والنبتل الصلب الشديد. وأخوه أبو سفيان بن الحارث بن قيس [ (2) ] شهيد بدر وعبد اللَّه بن نبتل [ (3) ] وهو الّذي كان ينقل حديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال الواقدي: وكان خارجة بن زيد بن ثابت يسقي الناس من الماء المبرد بالعسل، وكان أبو عبد اللَّه بن القراد [الزيادي] [ (4) ] وهو فارس [.....] في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء ذات يوم وقد حضر رجل من ولد عبد اللَّه بن نبتل فجعل يهزأ به وكان القراد عظيم الرأس والأذنين له خلقة منكره، فقال له: من أنت يا فتى؟ قال: رجل من الأنصار، قال: مرحبا بالأنصار، من أنت منهم؟ قال: أنا فلان ابن الحارث بن عبد اللَّه ابن نبتل، فقال: أما جدك فلم ينصر، علمت ما نزل فيه من القرآن؟ أما يدري ما صنعت به يداه؟ فضحته واللَّه هي الفاضحة. وقيس بن زيد، قتل يوم أحد منافقا [ (5) ] ، وقيل: خرج مع المسلمين، فلما
التقى الناس عدا على أسيرين فقتلهما، ثم لحق بقريش. وأبو حبيبة بن الأزعر، وكان ممن بني في مسجد الضرار [ (1) ] . وثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عتبة [ (2) ] ، قيل نزلت فيه لما منع الزكاة وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ [ (3) ] . الآية. ومنع ذلك لأنه ممن شهد بدرا، ومعتب ويقال: عتاب بن أبي قشير وثعلبة. [ (4) ] ومعتب هو الّذي قال، يوم أحد: لو كان لي من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا [ (5) ] ، وهو القائل يوم الأحزاب: يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على إتيان الغائط! عاهد إلا غرورا [ (6) ] .
ويقال: إن حمد بن قيس أو جدّ بن قيس القائل ذلك فأنزل اللَّه تعالي: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [ (1) ] . قال ابن هشام: مصعب بن قشير وثعلبة والحارث ابنا حاطب من أهل بدر ليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم [ (2) ] . وقد نسب ابن إسحاق ثعلبة والحارث بن أمية بن زيد في أسماء أهل بدر [ (3) ] . ورافع بن زيد، وفيه وفي معتب ونفر من أصحابهما نزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [ (4) ] ، وكان خصماؤهم دعوهم في خصومتهم إلي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأبوا ذلك وقالوا: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم طاغوتا [ (5) ] ، ويقال: إنهم دعوهم إلى الكاهن.
وجارية بن عامر وبنوه، يزيد، وزيد، ومجمع، وهم ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع بن جارية لم يكن منافقا، ويقال: إنه منافق، ثم صحّ إسلامه، وعنى بالقرآن حتى حفظه، وقال النقاش: حسن إسلامهم مجمع وبعثه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الكوفة، فعلمهم القرآن فتعلم منهم عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بقية القرآن [ (1) ] . ومربع بن فيظي [ (2) ] ، القائل للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حين أجاز في حائطه وقد خرج إلى أحد: لا أحلّ لك يا محمد، إن كنت نبيا أن تمر في حائطي! وأخذ في يده حفنة من تراب، ثم قال: واللَّه لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك [ (3) ] لرميتك به، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: دعوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر. [ (4) ] وأخوه أوس بن قيظي [ (5) ] ، وهو القائل يوم الخندق: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [ (6) ] فأذن لنا في المقام، ويقال: قائل ذلك معتب بن قشير،، ومربع هذا عم عرانة بن أوس بن قيظي الجواد، وهو ممن بنى مسجد الضرار من داره، ويقال: إن الّذي أخرجه من داره وديعة بن حزام، ورافع وبشر ابنا زيد
وقيس بن رفاعة الشاعر [ (1) ] ، وكان يختلف هو والضحاك بن خليفة [ (2) ] بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل [إلى بيت شويكر اليهودي] [ (3) ] فأصاب عينه قنديل فذهبت [ (4) ] . وحاطب بن أمية بن رافع بن سويد [ (5) ] الّذي قيل لابنه- وحمل جريحا-: أبشر بالجنة، فقال: يا ابن حاطب، أبشر بالجنة، فقال حاطب: جنّة من حرمل، لا يغرنك هؤلاء يا بنيّ. وبشير بن أبيرق الظفري [ (6) ] وهو أبو طعمة، واسم الأبيرق الحارث بن
عمرو بن حارثة بن الهيثم بن ظفر- واسم ظفر كعب- قال: سرق ابن أبيرق أدرعا من حديد، ثم رمى بها رجلا بريئا، فجاء قومه إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فعزروه عنده، فأنزل اللَّه- عز وجل- فيه قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً إلى قوله تعالى: وَساءَتْ مَصِيراً [ (1) ] فلما أنزل فيه هذه الآية لحق بالمشركين ومكث بمكة، ثم بعث على قوم بينهم فسرق متاعهم فألقى اللَّه عليه صخرة فشدخته وكانت قبره، ويروي أن الحائط سقط عليه بالطائف وقتل بخيبر، وروى محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة الظفري عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق: بشر، وبشير ومبشر [ (2) ] ، وكان بشر منافقا يهجو أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم سحله بعض العرب، فإذا سمعه أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: واللَّه ما قاله إلا الخبيث بشر فقال: أو كلما قال الغواة قصيدة ... أصموا إليها وقالوا ابن الأبيرق قالها [ (3) ] قال: فابتاع رفاعة بن زيد بن زيد بن عامر حملا من درمك من ضابطة قدمت من الشام، وإنما كان طعام الناس بالمدينة الشعير والتمر وكان الموسر منهم يبتاع من الدرمك [ (4) ] ما يخص به نفسه، فجعل عمر ذلك الدرمك في
مشربة وفيها درعان وسيفان وما يصلحها، فعدى عليه من بحث بالليل فنقب المشربة وأخد الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني فقال: يا ابن أخي تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا، فذهبت بطعامنا وسلاحنا؟ قال: فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق واستوطروا في أبيرق في هذه الليلة، ولا نرى ذلك الأمر طعامنا، قال: وجعل بنو أبيرق ونحن نبحث ونسأل في الدار يقولون: واللَّه ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل بن الحارث بن عروة بن عبد بن رزاح بن ظفر، رجل منا له صلاح وإسلام- فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فو اللَّه ليخالطنكم هذا السيف أو لتبيننّ هذه السرقة قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمى: يا ابن أخى، لو أتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له. قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمى رفاعة بن زيد فنقّبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه فليردّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم سآمر في ذلك، فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له: أشير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول اللَّه، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت. قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة. قال: فرجعت ولوددت أنى خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك. فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخى ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: اللَّه المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [ (1) ] بني أبيرق وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ فما قلت لقتادة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً* يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا*
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [ (1) ] أي لو استغفروا اللَّه لغفر لهم وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً* وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً - قولهم للبيد- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [ (2) ] . فلما نزل القرآن أتي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسلاح فردّه إلى رفاعة فقال قتادة لما أتيت عمي بالسلاح- وكان شيخا قد عشا أو عسا [ (3) ]- الشك من أبي عيسى- في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولا، فلما أتيته قال: يا ابن أخي هو في سبيل اللَّه، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللَّه تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً* إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [ (4) ] . فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتينى بخير [ (5) ] . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحرانيّ. وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا، لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده. وقتادة بن النعمان هو أخو أبي سعيد الخدريّ لأمه. وأبو سعيد اسمه
سعد بن مالك بن سنان] [ (1) ] . والضّحاك بن خليفة الأشهليّ [ (2) ] ، وفرحان حليف بني ظفر لا يعرف نسبه
ويكنى أبا الغيراق، رمي يوم أحد [ (1) ] . وزرارة بن عمير العبدري، ويقال أبو زيد [ (2) ] بن عمير، وقيل: قاسط بن شريح العبدري وقطع يد صؤاب الحبشيّ مولى بني عبد الدار. ثم رماه فقتله وكان قزمان قد امتنع من الخزرج يوم أحد حتى عيّرته النساء وقلن: إنما أنت امرأة! فأخذ سيفه وقوسه، وقاتل حيّة
وأنفة لقومه، وجعل يقول: قاتلوا معشر الأوس عن أحسابكم، فالموت خير من العار والفرار! وكان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: قزمان في النار، فأثبت يوم أحد، فحمل إلى دار بين ظفر، فقيل له: أبشر أبا الفيراق بالجنة! فقد أبليت اليوم وأصابك ما ترى، فقال: أي جنة؟ واللَّه ما قاتلت إلا حمية لقومي، فلما اشتدّ به الوجع أخرج سهما من كنانته فقطع به رواهش يده فقتل نفسه، وفيه يقول صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [ (1) ] . وأبو عامر [عبد] [ (2) ] عمرو بن صيفي [بن مالك] [ (2) ] بن نعمان بن ضبيعة بن زيد [ (3) ] وقيل: هو أبو عامر عمر بن صيفي بن زيد بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس. وقال مكي: أصله من الروم، كان يناظر أهل الكتاب، ويميل إلى النصرانية، ويتبع الرهبانية ويألفهم، ويكثر الشخوص إلى الشام، فسمي الراهب، فلما ظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسده، ففرّ إلى مكة وقاتل مع قريش يوم أحد، فسماه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أبا عامر الفاسق، فلما فتحت مكة لحق بهرقل هاربا إلى الروم بالشام، فمات هناك فتخاصم في ميراثه كنانة بن عبد ياليل الثقفيّ، وكان ممن حسد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فشخص إلى الشام.
وعلقمة بن علاثة [ (1) ] ، وكان بالشام أيضا وكان مسلما، ويقال: بل كان مشركا، ثم إنه أسلم، فحكم صاحب الروم بدمشق بسرار، أي لعامر ولكنانة ابن عبد ياليل لأنه من أهل المدر، وحرمه علقمة لأنه بدوي. وقال الهيثم بن عدي: كان أبو عامر يهم بالنّبوّة فلما ظهر أمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهاجر وحسده، فهرب إلي مكة فقاتل، ثم أتى الشام. وقال الواقدي [ (2) ] : هرب أبو عامر إلى مكة، وكان يقاتل مع المشركين، فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف، فلما أسلموا هرب إلى الشام، فدفع ميراثه إلى كنانة بن عبد ياليل الثقفي [ (3) ] ، وكان ممن هرب أيضا. وذكر ابن إسحاق أن أبا عامر أتى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حين قدم المدينة قبل أن يخرج إلى مكة فقال: ما هذا الدين الّذي بعث به؟ فقال: جئت بالحنفية دين إبراهيم قال: فأنا عليها، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنك لست عليها؟ قال: بلى أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس فيها قال: ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية، قال الكاذب، أماته اللَّه طريدا غريبا وحيدا- يعرض برسول اللَّه-: أي أنك جئت بها كذلك، قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجل فمن كذب فعل اللَّه تعالى
ذلك به فكان هو ذلك عدو اللَّه، خرج إلى مكة فلما افتتح رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم مكة خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها سنة تسع، وقيل: سنة عشر من الهجرة، طريدا وحيدا غريبا [ (1) ] وابنه حنظلة العبد استشهد يوم أحد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] وذكر المعتمر بن سليمان، عن أبيه- وقد ذكر حديث الهجرة- قال: فلما عدنا المدينة لقي أبا عامر وهو يسيح في الأرض وهو الراهب، وكان يدعى الراهب من شدة تعبده وتألهه، فقال لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من أنت؟ قال: أنا رسول اللَّه، فقال يا محمد لقد حدّثت عنك قبل أن أراك حديثا ما أدري لعله سيكون كذلك! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما هو؟ قال: حدّثت أنك تفرق بين الاثنين، ولي ابن يقال له حنظلة، فهبه لي ولا تفرق بيني وبينه، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أنا لست كذلك، ولكن جئتك يا أبا عامر وقومك بالهدى، والبصيرة من
العمى، فقال له أبو عامر: ليس كما تقول، فادع اللَّه على الكذاب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أمات اللَّه الكذاب ضالا ذليلا تائها في الأرض. وقال حماد بن زيد: أخبرنا أيوب بن سعيد بن جبير بن بني عمرو بن عوف، ابتنوا مسجدا فصلّى بهم فيه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فحسدهم إخوتهم بنو غنم ابن عوف فقالوا: لو بنينا أيضا مسجدا وبعثنا إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بنا فيه كما صلّى في مسجد أصحابنا، ولعلّ أبا عامر أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلّي بنا فيه كما صلّى في مسجد أصحابنا، فلما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لينطلق إليه أتاه الوحي فنزل فيهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (1) ] قال: هو أبو عامر. وقال حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه قال في هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ قال: كان سعيد بن حسمة بنى مسجدا فينا وكان موضعه لليلة تربط فيه حمارها فقال: أهل مسجدا النفاق أنحن نسجد في موضع يربط فيه حمار له؟ لا ولكننا نتخذ مسجدا نصلي فيه حتى يجيئنا أبو عامر فيصلي بنا فيه، وكان أبو عامر قد فرّ من اللَّه ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصّر، فأنزل اللَّه تعالى فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ [ (1) ] يعني أبا عامر، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما نزل القرآن إلى ذلك المسجد قالوا: حفره قوم من المنافقين، مسجد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجعلوا يضحكون، ويلعبون، ويهربون، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بإخراجهم.
طرد المنافقين من المسجد [1]
طرد المنافقين من المسجد [ (1) ] فقام أبو أيوب إلي قيس بن عمر بن قيس فجرّ برجله حتى أخرجه من المسجد، وقام عمارة بن حزم إلي زيد بن عمرو وكان طويل اللحية فأخذ بلحيته فقاده بها قودا عميقا حتى أخرجه، وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى زويّ بن الحارث فأخرجوا جميعا (المرجع السابق: 56، (البداية والنهاية) 3/ 292) . ووديعة بن ثابت أحد بني عمرو بن عوف ممن بني مسجد الضرار، وهو الّذي قال: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فأنزل اللَّه عز وجل فيه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
وأما اليهود
لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [ (1) ] الآية. وعبد اللَّه بن أبيّ، وهؤلاء النفر هم الذين كانوا ينتسبون إلى بني النضير حين حاصرهم رسول اللَّه أن اثبتوا، فنزل فيهم: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [ (2) ] إلى قوله تعالى: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ [ (3) ] ، ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة، إلا أن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة [ (4) ] أحد بني كعب [ (5) ] كان كاتبهم بذلك. وأما اليهود من هاد يهود، إذا رجع، فسموا يهود لأنهم رجعوا عن الحق ويقال أيضا: هاد يهود. إذا رجع إلى الحق ومنه: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [ (6) ] ويقال: سموا يهود لأنهم نسبوا إلى اليهود الناعور وقيل: لأنهم يهودون يوم السبت، أي يسكنون من هود القوم إذا هدوا فإنّهم كانوا أهل يثرب،
ويثرب [ (1) ] اسم رجل من العماليق، وكانوا يسمون المنازل التي ينزلونها بأسمائهم وهو يثرب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عوض بن عبيل بن إرم بن سام بن نوح. وقيل: يثرب بن قائن بن عبيل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق بن لاوذ بن إرم، فلما أقبلت العماليق من مكة أخرجت عبيل من يثرب وأنزلتهم الجحفة فجاءهم سيل فأجحفهم فسميت الجحفة بذلك وفي ذلك يقول رجل منهم: عيني جودا على عبيل ... وهل يرجع ما فات فيضها بانسجام عمرو يثربا وليس بها ... تعود ولا صارخ ولا ذو وسام عرسوا إليها بمجرى معين ... ثم حقوا النخيل بالأجسام ويقال سميت يثرب بيثرب بن قائن بن عبيل بن مهلائيل بن عوض بن عملاق لاوى بن إرم فلما كانت أيام بني إسرائيل، جعلت العماليق تغير عليهم من أرض الحجاز ومساكنهم يومئذ يثرب والجحفة إلى مكّة، وكانوا أهل عزّ ومنعة وشديدة وكان ساكنو يثرب منهم بنو هنب وبنو سعد، وبنو الأزرق، وبنو مطروق، فشكت بنو إسرائيل ذلك إلى موسى عليه السلام، فوجه اليهم جيشا وأمّر عليهم أن يقتلوهم، ولا يبقوا منهم أحدا، وكان ملك العماليق آنذاك الأرقم بن أبى الأرقم، يقوم
ما بين تيماء [ (1) ] إلي فدك، ولهم بها نخل كثير وزرع فسأل بنو إسرائيل وواقعوا لهم وتركوا منهم ابن ملك لهم كان غلاما حسنا فرقوا له ثم رجعوا إلي الشام، وقد مات موسى عليه السلام فقالت بنو إسرائيل لهم: قد عصيتم وخالفتم الآباء فقالوا نرجع إلي البلاد التي غلبنا عليها فنكون بها، فرجعوا إلي يثرب فاستوطنوها وتناسلوا بها، إلي أن نزلت عليهم الأوس والخزرج بعد سيل العرم كما تقدم ذكره عند ذكر الأنصار. ويقال: بل كان نزولهم أولا من نواحي العالية [ (2) ] ، وانحدر بها الآطام والأموال والمزارع، فلبثوا في نواحيه زمانا طويلا حتى ظهرت الروم على بني إسرائيل وخرج بنو قريظة، والنضير، وبنو هذيل من يثرب ونزلوا الغابة [ (3) ] ثم تحولوا عنها لوبائها إلى عدة مواضع من نواحي يثرب والحدم [ (4) ] . ويقال: بل كان نزول اليهود بيثرب حين وطئ بخت نصّر بلادهم بالشام وخرب بيت المقدس، فحينئذ لحق من لحق منهم بالحجاز، كقريظة، والنضير، وسكنوا خيبر، ويثرب، حتى قدمت الأوس والخزرج عليهم، وكانت لهم معهم حروب ظهرت عليهم اليهود كما مر ذكره، فلما هاجر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حاربته
فمن بني النضير
اليهود وعادته، وحمله من كان منهم بالمدينة وخيبر، إنما هم قريظة، والنضير، وبنو القينقاع، وهذيل، إلا أن في الأوس والخزرج من تهوّد وكان من نسائهم من ستنذر إذا ولدت إن عاش ولدها أن تهوّده لأن اليهود كانوا عندهم أهل علم وكتاب في هؤلاء الأبناء الذين تهودوا، ونزلت فيهم: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ [ (1) ] حين أراد آباؤهم إكراههم على الإسلام. قال ابن إسحاق: ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم العداوة بغيا، وحسدا، وضغنا، لما خصّ اللَّه تعالي العرب من أخذه رسوله صلّى اللَّه عليه وسلّم منهم وانضاف إليهم من رجال من الأوس والخزرج ممن كان عسا على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه، فظهروا بالإسلام، واتخذوه جنّة من القتل، ونافقوا في السر، وكان هواهم مع يهود لتكذيبهم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وجحودهم الإسلام، وكانت أحبار يهود هم الذين يسألون رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويتعنتونه، ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه، إلا قليلا من المسائل في الحلال والحرام، وكان المسلمون يسألون عنها. فمن بني النضير حيي بن أخطب وأخوه وأبو ياسر بن أخطب وجدي بن أخطب، وفيهم وفي نظرائهم، نزل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
[ (1) ] إلي قوله: عَذابٌ عَظِيمٌ وسلامة بن مشكم نزل عليه أبو سفيان بن حرب وقال فيه أشعارا: سقاني فرواني عقارا سلامة ... على ظمأ مني سلام بن مشكم كذلك أبو عمرو يجود وداره ... بيثرب مأوى كل أبيض حصرم وامرأة سلام هذا هي زينب بنت الحارث التي أهدت إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شاة مسمومة. وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق. والربيع بن أبي الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبى الحقيق. وكعب بن الأشرف الطائي، من بنى نبهان حليف بني النضير وأمه عقيلة بنت أبى الحقيق، وكان أبوه أصاب دما في قومه، فأتى المدينة، وكان كعب طوالا جسيما ذا بطن وهامة ضخمة، وهو الّذي قال يوم بدر: بطن الأرض خير من ظهرها، هؤلاء ملوك الناس وسراتهم يعني قريشا قد أصيبوا، وخرج إلي مكة فنزل علي أبي وداعة بن صبرة وجعل يهجوا المسلمين، ورثى قتلي بدر، فأمر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حسان بن ثابت بهجاء من نزل كعب عنده حتى رجع المدينة. وحجاج ومجدي ابنا عمرو، حليفا كعب بن الأشرف، وأبو رافع سعد بن حنيف كان متعوذا بالإسلام، وكان أعور، قتله المسلمون بخيبر، ورفاعة بن قيس، وفنحاص، سمع قول اللَّه تعالى: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [ (2) ] فقال: أراني أغنى من ربّ محمد حين استقرض منا فنزلت فيه: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا [ (3) ] ومحمود بن دحية، وعمرو بن جحاش، وعزيز بن أبي عزيز، ونباش بن قيس، وسعية بن عمرو، ونعمان بن أوفى، ومسكين بن أبى مسكين، وزيد بن الحارث، ورافع بن خارجة، وأسير بن زارم، ويقال: ابن رام، كان يحرض على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ويبسط لسانه فيه، ثم أتي خيبر، فبعث رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من قتله وعدة من اليهود معه.
ومن بني قينقاع
ومخيريق أسلم وقاتل مع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم أحد وأعطاه ماله فوقفه ويقال: إنه من بني قينقاع. ومن بني قينقاع كنانة بن صوير أو يقال: صوريا، وزيد بن اللصيت. قال الوقدى: كان يهوديا فأسلم فنافق، وكان فيه خبث اليهود وغشهم وكان مظاهرا لأهل النفاق وهو الّذي قال: زعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وقد ضلت ناقته فليس يدرى أين هي! فدله اللَّه عليها فوجدها وقد تعلق خطامها بشجرة، ويقال: إنه تاب من النفاق، وكان خارجة بن زيد بن ثابت ينكر توبته ويقول: لم يزل فسلا حتى مات. وسويد وداعي كانا منافقين يتعوذان بالإسلام، ومالك بن أبي نوفل، كان متعوذا بالإسلام، ينقل أخبار النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى يهود وهو حبر من أحبارهم!! ومن بني قريظة الزبير بن باطا بن وهب، وكعب بن أسد، وهو صاحب عقد بني قريظة الّذي نقض عام الأحزاب. وعزّال بن شموأل، وسهل، ويقال: شمويل بن زيد، ووهب بن زيد، وعدي بن زيد، وكردم بن كعب وأسامة بن حبيب، وقتل كردم ابن قيس حليف كعب بن الأشرف، ورافع بن رميلة، وكان متعوذا بالإسلام، وهو الّذي قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيه يوم مات: لقد مات اليوم منافق عظيم النفاق. ولبيد بن أعصم، كان يتعاطى السحر، وهو الّذي سحر النبي صلّى اللَّه عليه وسلم متعوذا بالإسلام، ورفاعة بن زيد بن التابوت ومعاوية بن التابوت وفيه قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه، لأنه كان نذر أن يقذّر المنبر، أو قذّره، والحارث بن عوف، وشعبة بن عمرو البصري. ومن بني حارثة ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس بن شيبة: كنانة بن صوريا.
ومن بني عبد الأشهل
ومن بني عبد الأشهل يوشع وكان سيّر بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فلما بعث آمن به بنو عبد الأشهل سواء، وفيه وفي صريانه نزل: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ إلى قوله تعالى: وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبد اللَّه بن صوريا الأعور ولم يكن بالحجاز في زمانه أحد أعلم بالتوراة منه وذكر النقاش أنه أسلم، وابن صلوبا، ويقال: كان مخيريق منهم، وكان حبرهم أسلم. ومن بني قينقاع أيضا سعد بن حنيف بن سنحان، وعبد اللَّه صف ورفاعة بن قيس وفنحاص، وأشيع ونعمان بن آصا، وساس بن قيس وساس بن عدي وزيد بن الحارث، ونعمان بن عمرو، ومسكين بن أبى مسكين، وعدي بن زيد، ونعمان بن أبي أوفى، وو محمود بن دحية، ومالك بن أصيف، وكعب بن راشد، وعازر، ورافع بن أبي، رافع، وخلد، وآزار بن أبى أزار، ويقال: أزر بن أبي أزر، ويقال: آزر بن أبي أزر، ورافع بن حارثة، ورافع بن حريملة، ورافع بن خارجة، ومالك بن عوف. ومن بني قريظة أيضا جبل بن عمرو بن سكينة، والنحام بن زيد، ونافع بن أبى نافع، وأبو نافع وكردم بن زيد، وأسامة بن حبيب، وجبل بن أبي قشير، ووهب بن يهوذا. قال ابن إسحاق- وقد ذكر عدة ممن أوردت- ذكر هاهنا تتمة مفيدة وهي: إن قال قائل: لم قبل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من المنافقين إسلامهم مع علمه بنفاقهم؟ قيل له: قبلهم عليه الصلاة والسلام لحكم منها: استجلاب من عاداهم من الكفار، وتأليف قلوبهم، وإيثار لعدم تنافر خواطرهم عنه، ومنها: الترجي
فصل في ذكر من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو آذاه أو تنقصه أو وقع فيه
لدخول أهل النفاق في الإسلام حقيقة، وذلك أنهم إذا دخلوا في الإسلام ظاهرا رأوا أدلته وبراهينه، وشاهدوا محاسنة مشاهدة لم تكن تحصل لهم مع عداوتهم للإسلام أصلا، فربما قادهم ذلك إلى الإخلاص في إيمانهم، ومنها: أنهم قد تولد لهم في الإسلام أولاد، فيكون ذلك راغبا لإسلامه على الحقية، وهذا يشاهد في ذرية من أسلم في زماننا. وقيل للإمام مالك- رحمه اللَّه-: لم يقتل الزنديق، ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقتل المنافقين وقد عرفهم؟ فقال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لو قتلهم بعلمه فيهم وهم يظهرون الايمان لكان ذلك ذريعة إلي أن يقول الناس: يقتلهم للضغائن، أو لما شاء اللَّه تعالى غير ذلك، فيمتنع الناس من الدخول في الإسلام. وقد روى عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه عوتب في المنافقين فقال: لا يتحدث الناس أنى أقتل أصحابى. فصل في ذكر من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو آذاه أو تنقصه أو وقع فيه خرج أبو داود من حديث عباد بن موسى الختّليّ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر المدني عن إسرائيل، عن عثمان الشحام، عن عكرمة، قال: حدثنا ابن عباس، أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها، واتكأ عليها فقتلها. فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فجمع الناس فقال: أنشد اللَّه رجلا فعل ما فعل، لي عليه حق إلا قام، فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل، حتى قعد بين يدي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه أنا صاحبها: كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر، ولى منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة،
فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فجعلته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: ألا اشهدوا أن دمها هدر. وخرجه الحاكم من حديث إسرائيل به نحوه وقال: حديث صحيح الإسناد. وقال ابن الكلبي: وعمير بن عدي بن خرشة القارئ، ناصر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم كانت امرأة هجت النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فأتاها فقتلها في منزلها وقال ابن عبد البر: عمير الخطميّ القاري من بني خطمه من الأنصار، وكان أعمى كانت له أخت تشتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتلها فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: أبعدها اللَّه. قال المؤلف: هذا هو الّذي ذكره ابن الكلبي، فإن عمير بن عدي بن خرشة من بني خطمة وهو عبد اللَّه بن جشم بن مالك بن دوس. ولأبي داود من طريق جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن يهودية كانت تشتم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم دمها. وخرج الشيبانيّ من حديث شعبة، عن نبيح العنزي، عن عبد اللَّه بن قدامة ابن عنزة، عن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل الصديق فقلت: أقتله، فانتهرني وقال: ليس هذا لأحد بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. ومن حديث يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن حميد بن هلال، عن عبد اللَّه بن مطرف بن الشخير، عن أبي برزة الأسلمي أنه قال: كنت عند أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتغيظ على رجل فاشتد عليه، فقلت تأذن لي يا خليفة رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل فأرسل إليّ فقال: ما الّذي قلت آنفا؟ قلت: ائذن لي اضرب عنقه، قال: أكنت فاعلا لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا واللَّه، ما كانت لبشر بعد محمد صلّى اللَّه عليه وسلّم وله عنده طرفا أخر. وقال محمد بن سهل: سمعت عليّ بن المديني يقول: دخلت على أمير
المؤمنين فقال لي: أتعرف حديثا مسندا فيمن سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيقتل؟ قلت: نعم، فذكرت له حديث عبد الدار، عن معمر، عن سماك بن الفضل، عن عروة بن محمد، عن رجل ممن لقيني قال: كان رجل يشتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من يلقني عدوا لي فقال خالد بن الوليد: أنا، فبعثه إليه فقتله فقال أمير المؤمنين ليس هذا بسند، أهو عن رجل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين بهذا تعرف هذا الرجل، وقد بايع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو معروف، فأمر لي بألف دينار، قال ابن حزم: هذا صحيح يدين به من كفر من سب الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: كل كفر شرك، وكل شرك كفر وهما اسمان شرعيان أوقعهما اللَّه تعالى على معنى واحد، ونقلهما عن موضوعهما في اللغة إلى كل من أنكر شيئا من دين الإسلام يكون بإنكاره معاندا للرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم بعد بلوغ النذارة. وقال الشيخ تقى الدين أبو الفتح السبكى وإيذاؤه صلّى اللَّه عليه وسلّم موجب القتل بدليل الحديث، فذكره، ثم قال: وهو حديث صحيح ولكن الأذى على قسمين: أحدهما: يكون فاعله قاصدا لأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا شك أن هذا يقتضي القتل وهذا كأذى عبد اللَّه بن أبيّ في قصة الافك، فالإجماع منعقد على أنه كفر، فلذلك يستحق القتل، ولكن الحق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فله تركه. والآخر: لا يكون فاعله قاصدا لأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، مثل كلام مسطح، وحمنة في الافك، فهذا لا يقتضي قتل، قال: ومن الدليل على أن الأذى لا بد أن يكون مقصودا، قوله تعالى: إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ وهذه الآية نزلت في ناس صالحين من الصحابة فلم يقتض ذلك الأذى كفر، وكل معصية فاعلها مؤذ ومع ذلك فليس بكفر فالتفصيل في الأذى الّذي ذكرناه يتعين. قال: الاستهزاء به صلّى اللَّه عليه وسلّم كفرا، قال اللَّه تبارك وتعالى قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: فمن حفظ سطر بيت مما هجى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو كفر وقد ذكر بعض من
السلف في الإجماع، إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجى به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم. وقال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا يوجب القتل دون عدة من الناس، وكذلك إذا كان مقصودا سواء كان الأذى حقيقيا أو غير حقيقي ولا شيء من قصد أو أذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم محتمل، بل كله كفر موجب للقتل، للحديث الّذي قال: من يكفي عدوى؟ فانتدب له خالد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والأشهر أنه كفر للآية الكريمة، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من سبّ نبيا فاقتلوه، وإن يتب فهو عمدة في أن قتله جدا لا يسقط بالتوبة، كما يقوله المالكي، لكن هذا الحديث لا نعلمه إلا بالإسناد المذكور، يعنى من طريق ذكرها القاضي عياض، عن الدارقطني، فذكره عن عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة، حدثنا عبد اللَّه بن موسى ابن جعفر، عن على بن موسى، عن أبيه، عن جده محمد بن على بن الحسين عن أبيه، عن الحسين بن على، عن أبيه قال: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: من سب نبيا فاقتلوه ومن سب أصحابه فاضربوه، قال فلم يظهر لنا من حاله شيء فلا يصح الاحتجاج بعمومه، وجعل مناط القتل من غير توبة ولا استتابة، وإن تاب هذا إنما يصحّ لو صحّ الحديث وذلك الوقت يحتمل أن يقال: إنه مشروط معدوم التوبة، وإذا لم يصح فالقول بعدم التوبة لا ينتهى الكلام فيه، فإن الجانبين خطران. قال المؤلف: وقد رأيت أن أورد ما للفقهاء والمالكية في هذه المسألة، وأحكى كلام القاضي الفقيه أبى الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي رحمه اللَّه في كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) صلّى اللَّه عليه وسلّم قال القاضي عياض: وقد تقدم من الكتاب والسنة وإجماع الأمة ما يجب من الحقوق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يتعين له من بر وتوقير وتعظيم وإكرام وبحسب هذا حرم اللَّه تعالى أذاه في كتابه وأجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه، قال اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً وقال عز وجل وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وقال تبارك وتعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً وقال جل وعلا في تحريم
التعريض له يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا الآية وذلك أن اليهود كانوا يقولون: راعنا يا محمد أي ارعنا سمعك واسمع منا ويعرضون بالكلمة يريدون الرعونة، فنهى اللَّه تعالى المؤمنين عن التشبه بهم، وقطع الذريعة بنهي المؤمنين عنها لئلا يتوصل بها الكافر والمنافق إلى شبه الاستهزاء به وقيل: بل لما فيها من مشاركة اللفظ لأنها عند اليهود بمعنى اسمع لا سمعت، وقيل: بل لما فيها من قلة الأدب وعدم توقير النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتعظيمه لأنه في لغة الأنصار بمعني ارعنا نرعك، فنهوا عن ذلك مضمنه إذ أنهم لا يرعونه إلا برعايته لهم وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم واجب الرعاية بكل حال، وهذا هو قول صلّى اللَّه عليه وسلّم قد أنهى عن التكني بكنيته فقال: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، صيانة لنفسه وحماية عن أذاه إذا كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم استجاب لرجل نادى: يا أبا القاسم، فقال لم أعنك إنما دعوت هذا فنهى صلّى اللَّه عليه وسلّم حينئذ عن التكني بكنيته لئلا يتأذى بإجابة دعوة غيره ممن لم يدعه، ويجد بذلك المنافقون والمستهزءون ذريعة إلى أذاه والإزراء به فينادونه، فإذا التفت قالوا: إنما أردنا هذا لسواه، تعنيتا له واستخفافا بحقه على عادة المجان والمستهزءين، فحمى صلّى اللَّه عليه وسلّم حمى أذاه بكل وجه فحمل محققو العلماء نهية عن هذا على مدة حياته وأجازوه بعد وفاته، لارتفاع العلة قال: وقد روى أنس ما يدل على كراهة التسمي باسمه وتنزيهه عن ذلك إذا لم يوقر فقال: يسمون أولادكم محمدا ثم تلعنوهم!! وروى أن عمر كتب إلى أهل الكوفة: لا يسمى أحد باسم الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم حكاه أبو جعفر الطبري. وحكى محمد بن سعد أن عمر نظر إلى رجل اسمه محمد ورجل يسبه ويقول: فعل اللَّه بك يا محمد وصنع، فقال عمر لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب: آلا أرى محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم يسب بك واللَّه لا تدعى محمدا ما دمت حيا وسماه عبد الرحمن، وأراد أن يمنع لهذا أن يسمى أحد بأسماء الأنبياء، إكراما بذلك وغير أسماءهم، وقال لا تسموا بأسماء الأنبياء، ثم أمسك، قال والصواب جواز هذا كله بعده صلّى اللَّه عليه وسلّم بدليل إطباق الصحابة على ذلك وقد سمى جماعة منهم ابنه محمدا وكناه بأبي القاسم. قال: اعلم أن جميع من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو
نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض أو شبّهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير بشأنه أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له والحكم فيه حكم الساب يقتل ولا يستثنى فصلا من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا يمترى فيه تصريحا كان أو تلويحا، وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو غيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه أو غمصة ببعض العوارض البشرية الجائزة المعهودة لديه، وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة عنهم إلى هلم جرّا. قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم أن من سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتل وممن قال ذلك مالك بن أنس والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعيّ رحمة اللَّه تبارك وتعالى عليهم، قال القاضي: هو مقتضى قول أبي بكر الصديق ولا تقبل توبته عند هؤلاء وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلمين لكنهم قالوا: هي ردة وروى مثله الوليد بن مسلم عن وحكى الطبري مثله عن أبى حنيفة وأصحابه فيمن ينقصه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو بريء منه أو كذبة. قال سحنون فيمن سبه: ذلك ردة كالزندقة ولعل هذا أوقع الخلاف في استتابته وتكفيره وهل قتله حد أو كفر لا يعلم خلافا في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره وأشار بعض الظاهرية وهو أبو محمد على بن أحمد الفارسيّ إلى الخلاف في تكفير المستخف به والمعروف ما قدمناه. قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم المنتفص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب اللَّه تعالى له، وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر. احتج إبراهيم بن حسين بن خالد الفقيه في مثل هذا بقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة لقوله عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: صاحبكم. قال أبو سليمان الخطابي: لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في قتله إذا كان مسلما.
قال ابن القاسم عن مالك في (كتاب ابن سحنون) و (المبسوط) و (العتبية) : وحكاه مطرف عن مالك في (كتاب ابن حبيب) من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسلمين قتل ولم يستتب قال أبو القاسم في (العتبية) : من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه، فإنه يقتل وحكمة عند الأمة القتل كالزنديق، وقد فرض اللَّه تعالى توقيره وبره صلّى اللَّه عليه وسلّم. وفي (المبسوط) عن عثمان بن كنانة: من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من المسلمين قتل أو صلب حيا ولم يستتب، والإمام مخير في صلبه حيا أو قتله. ومن رواية أبي المصعب وابن أبى أويس، سمعنا مالكا يقول: من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قتل، مسلما كان أو كافرا، ولا يستتاب. وفي (كتاب محمد) : أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره من البشر من مسلم أو كافرا قتل ولم يستتب. وقال أصبغ: قتل على كل حال، أسر ذلك أو أظهره، ولا يستتاب، لأن توبته لا تعرف. وقال عبد اللَّه بن الحكم: من سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من مسلم أو كافرا قتل ولم يستتب. وحكى الطبري مثله عن مالك. وقال بعض علمائنا: أجمع العلماء على أن من دعي على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة. وأفتى أبو الحسن القابسي فيمن قال في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الحمال يتيم أبى طالب، بالقتل. وأفتى أبو محمد بن أبى زيد بقتل رجل سمع قوما يبكون يتذاكرون صفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، إذ مرّ بهم رجل قبيح الوجه واللحية فقال لهم: تريدون تعرفون صفته؟ هي صفة هذا الماشي في خلقة ولحيته! قال: ولا تقبل توبته. وقد كذب لعنه اللَّه، وليس يخرج هذا من قلب سليم الإيمان. قال أحمد بن أبى سليمان صاحب سحنون: من قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أسود يقتل. وقال في رجل قيل له: لا وحقّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: فعل اللَّه برسول اللَّه كذا وذكر كلاما قبيحا فقيل له: ما تقول يا عدو اللَّه؟ فقال: أشد من كلامه الأول، ثم قال: إنما أردت برسول اللَّه العقرب، فقال ابن أبى سليمان للذي سأله: أشهد عليه، وأنا شريكك، يريد في قتله وثواب ذلك.
قال حبيب بن الربيع: لأن إعادة التأويل في لفظ صراح لا يقبل، لأنه امتهان وهو غير معزر لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولا موقر له فوجب إباحة دمه. وأفتى أبو عبد اللَّه بن عتاب في عشّار قال لرجل: أدّ واشتك إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقال: إن سألت أو جهلت فقد جهل، وسأل النبي بالقتل. وأفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقي الطليطلي وصلبه بما شهد عليه به من استخفافه بحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وختن حيدرة، وزعمه أن زهده لم يكن قصدا، ولو قدر على الطيبات أكلها، إلى أشباه لهذا، وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعرا متفننا في كثير من العلوم وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبى العباس ابن أبى طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء باللَّه وأنبيائه ونبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم فأحضر له القاضي يحيى بن عمر وغيره من الفقهاء وأمر بقتله وصلبه فطعن بالسكين وصلب منكسا ثم أنزل وأحرق بالنار. حكى بعض المؤرخين: أنه لما رفعت خشبته وزالت عنها الأيدي استدارت وحولته عن القبلة فكان آية للجميع، وكبرّ الناس، وجاء كلب فولغ في دمه، فقال يحيى بن عمر: صدق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر حديثا عنه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه قال: لا يلغ الكلب في دم مسلم. وقال القاضي أبو عبد اللَّه بن المرابط: من قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم هزم يستتاب، فإن تاب وإلا قتل لأنه ينتقصه. إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصته صلّى اللَّه عليه وسلّم إذ هو على بصيرة من أمره، ويعلن عن عصمته. وقال حبيب بن ربيع القروي: مذهب مالك وأصحابه: أن من قال فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما فيه نقص قتل دون استتابة، وقال ابن عتاب: الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بأذى أو نقص معرضا أو مصرحا وإن قلّ فقتله واجب. فهذا الباب كله مما عده العلماء سبا وتنقصا يجب قتل قائله، لم يختلفوا في ذلك، متقدمهم ولا متأخرهم، وإن اختلفوا في حكم قتله، وكذلك أقول: حكم من غمصه أو غيره برعاية الغنم، أو السهو، أو النسيان، أو السحر، أو ما أصابه من جرح، أو هزيمة لبعض جيوشه، أو أذى من عدوه، أو شدة من زمنة أو بالميل إلى نسائه، فحكم هذا كله بمن قصد به نقصه، القتل.
فصل في الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه صلى الله عليه وسلم
فصل في الحجة في إيجاب قتل من سبه أو عابه صلّى اللَّه عليه وسلّم فمن القرآن لعنته تعالى لمؤذيه في الدنيا والآخرة. وقرانه تعالى أذاه بأذاه ولا خلاف في قتل من سب اللَّه تعالى وأن اللعن إنما يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل، فقال تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً. [ (1) ] وقال في قاتل المؤمن بمثل ذلك فمن لعنته في الدنيا القتل، قال اللَّه تعالى: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [ (2) ] . وقال في المحاربين وذكر عقوبتهم: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا [ (3) ] وقد يقع القتل بمعنى اللعن في الدنيا والآخرة ولأنه الفرق بين أذاهما وأذى المؤمنين في ما دون القتل من الضرب والنكال فكان حكم من يؤذى اللَّه تعالى ونبيه أشد من ذلك وهو القتل، وقال عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ (4) ] فسلب اسم الإيمان عمن وجد في صدره حرجا من قضائه ولم يسلم له، ومن تنقصه فقد ناقض هذا. وقال تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [ (5) ] ولا يحبط العمل إلا الكفر، والكافر يقتل. قال تبارك وتعالى: وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ [ (6) ] ثم قال: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [ (7) ] وقال عز وجل: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [ (8) ] ثم قال: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ (9) ] وقال جل وعلا: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [ (10) ] قال أهل التفسير: كفرتم بقولكم في رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم.
وأما الإجماع فقد ذكرناه، وأما الآثار فقد ذكر حديث من سبّ نبيا فاقتلوه، وفي الحديث الصحيح: أمر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بقتل كعب بن الأشرف، وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذى اللَّه تعالى ورسوله، ووجه إليه من قتله غيلة دون دعوة، بخلاف غيره من المشركين، وعلل بأذاه له، فدل أن قتله إياه لغير الإشراك، بل للأذى. وكذلك قتل أبا رافع، قال البراء: وكان يؤذي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويعيش عليه وكذلك أمره يوم الفتح بقتل ابن خطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان في سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم وفي حديث آخر: أن رجلا كان يسبه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يكفيني عدوى؟ فقال خالد: أنا فبعثه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقتله، وكذلك أمر بقتل جماعة منهم ممن كان يؤذية من الكفار ويسبه كالنضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط، وعهد بقتل جماعة منهم قبل الفتح وبعده فقتلوا إلا من بادر بإسلامه قبل القدرة عليه. وقد روى البزار عن ابن عباس قال: إن عقبة بن أبي معيط نادى: يا معشر قريش ما لي أقتل من بينكم صبرا، فقال له النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: بكفرك وافترائك على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، وذكر عبد الرزاق أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم سبه رجل فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير: أنا، فبارزه، فقتله الزبير. وروي أيضا أن امرأة كانت تسبه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من يكفيني عدوي؟ فخرج إليها خالد بن الوليد فقتلها، ويروى أن رجلا كذب على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فبعث علي والزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- إليه ليقتلاه، وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللَّه! سمعت أبى يقول فيك قولا قبيحا فقتلته، فلم يشق ذلك على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن امرأة هناك في الردة غنت بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقطع يدها ونزع ثنيتها، فبلغ أبا بكر ذلك فقال له: لولا ما فعلت لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود. وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: هجت امرأة من خطمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من لي بها؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول اللَّه، فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: لا ينتطح فيها عنزان.
وعن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن أعمى كانت له امرأة تسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فتشتمه فقتلها، وأعلم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بذلك فأهدر دمها. وذكر حديث أبي برزة الأسلميّ. وقال القاضي أبو محمد بن نصر ولم يخالف عليه فاستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بكل ما أغضبه أو أذاه أو سبه. ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عامله بالكوفة، وقد استشاره في قتل رجل سب عمر فكتب عمر: إنه لا يحل قتل امرئ يسب أحد من الناس إلا رجلا سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، فمن سبه فقد حل دمه. وسأل الرشيد مالكا في رجل شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك وقال: يا أمير المؤمنين! ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟ من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم جلد. قال القاضي أبو الفضل: كذا وقع في هذه الحكاية رواها غير واحد من أصحاب مناقب مالك ومؤلفي أخباره، وغيرهم، ولا أدري من هؤلاء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد بما ذكر؟ فقد ذكرنا مذهب العراقيين بقتله ولعلهم ممن لم يشهر بعلم أو من لا يوثق بفتواه، أو يميل به هواه، أو يكون ما قاله يحمل على غير السب، فيكون الخلاف: هل هو سب أو غير سب؟ أو يكون رجع وتاب عن سبه فلم يقله لمالك على أصله، وإلا فالإجماع على قتل من سبه كما قدمناه. ويدل على قتله من جهة النظر والاعتبار من سبه أو نقّصه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقد ظهرت علامة مرض قلبه، وبرهان سر طويته وكفره، ولهذا ما حكم عليه كثير من العلماء بالردة وهي رواية الشاميين عن مالك والأوزاعي، وقول الثوري وأبي حنيفة والكوفيين. والقول الآخر: أنه دليل على الكفر فيقتل حدا، وإن لم يحكم له بالكفر إلا أن يكون متماديا على قوله غير منكر له، ولا يقلع عنه، فهذا كافر.
وقوله إما صريح كفر كالتكذيب ونحوه، أو من كلمات الاستهزاء والذم فاعترافه بها، وترك توبته عنها دليل استحلاله لذلك وهو كفر أيضا، فهذا كافر بلا خلاف، قال تعالى في مثله: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ [ (1) ] قال أهل التفسير: هي قوله: إن كان ما يقول محمد حق لنحن شر من الحمير. وقيل بل قول بعضهم: ما مثلنا أو مثل محمد إلا قول القائل: سمن كلبك يأكلك لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [ (2) ] وقد قيل: إن قائل مثل هذا إن كان مستترا به فإن حكمه حكم الزنديق يقتل، ولأنه غير دينه، وقال صلّى اللَّه عليه وسلّم من غير دينه فاضربوا عنقه، ولأن حكم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحرمة مزية على أمته، وساب الحر من أمته يحد، فكانت العقوبة لمن سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم القتل، لعظيم قدره، وشفوف منزلته على غيره. فإن قلت: فلم لم يقتل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم اليهودي الّذي قال له: السام عليكم؟ وهذا دعاء عليه، ولا قتل الآخر الّذي قال له: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه اللَّه، وقد تأذى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك؟ وقال: قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر، ولا قتل المنافقين الذين كانوا يؤذونه في أكثر الأحيان؟ فاعلم وفقنا اللَّه وإياك أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان أول الإسلام يستألف عليه الناس، ويستميل قلوبهم إليه ويحبب إليهم الإيمان، ويزينه في قلوبهم، ويدارئهم ويقول لأصحابه: إنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا منفرين، ويقول: يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا ويقول: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يداري الكفار والمنافقين، ويجمل صحبتهم، ويفضي عنهم ويحتمل من أذاهم، ويصبر على جفائهم، ما لا يجوز لنا اليوم الصبر لهم عليه وكان يرفقهم بالعطاء والإحسان، وبذلك أمره اللَّه تعالى، فقال: وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ (3) ] قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [ (1) ] وذلك لحاجة الناس للتألف أول الإسلام، وجمع الكلمة عليه، فلما استقر، وأظهره اللَّه تعالى على الدين كله قتل من قدر عليه واشتهر أمره كفعله بابن خطل، ومن عهد بقتله يوم الفتح، ومن أمكنه قتله غلبة من يهود وغيرهم، أو غلبة ممن لم ينتظمه قبل سلك صحبته، والانخراط في جملة مظهر الإيمان به، ممن كان يؤذيه، كابن الأشراف وأبي رافع والنضر، وعقبة، وكذلك ندر دم جماعة سواهم، ككعب بن زهير، وابن الزبعري، وغيرهما ممن أذاه حتى ألقوا بأيدهم ولقوة مسلمين، وبواطن المنافقين مستترة، وحكمه صلّى اللَّه عليه وسلّم على الظاهر، وأكثر تلك الكلمات إنما كان يقولها القائل منهم خفية، ومع أمثاله، ويحلفون عليها إذا نميت وينكرونها ويَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (2) ] وكان مع هذا يطمع في فيئتهم ورجوعهم إلى الإسلام وتوبتهم فيصبر صلّى اللَّه عليه وسلّم على هناتهم وجفوتهم كما صبر أولو العزم من الرسل، وفاء كثير منهم باطنا وظاهرا وأخلص سرا كما أظهر جهرا ونفع اللَّه بعد بهم وقام منهم للدين، وزراء، وأعوان، وحماة، وأنصار، كما جاءت به الأخبار. وبهذا أجاب بعض أئمتنا عن هذا السؤال، وقال: لعله لم يثبت عنده صلّى اللَّه عليه وسلّم من أقوالهم ما رفع، وإنما نقله الواحد، ومن لم يصل رتبة الشهادة في هذا الباب من صبي أو عبد أو امرأة، والدماء لا تستباح إلا بعدلين، وعلى هذا يحمل أمر اليهودي في السلام، وأنهم لووا به ألسنتهم ولم يبينوه، ألا ترى كيف نبهت عليه عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-؟ ولو كان صرح بذلك لم ينفرد بعلمه، ولهذا نبه النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أصحابه على فعلهم، وقلة صدقهم في سلامهم، وخيانتهم في ذلك ليا بألسنتهم، وطعنا في الدين، فقال: إن اليهود إذا سلّم أحدهم فإنما يقول: السام عليكم، فقولوا: وعليكم وكذلك قال بعض أصحابنا البغداديين: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يقتل المنافقين بعلمه فيهم ولم يأت أنه قامت بينة على نفاقهم فلذلك تركهم، وأيضا فإن الأمر كان سرا وباطنا، وظاهرهم الإسلام والإيمان، وإن كان من أهل الذمة بالعهد والجوار
والناس قريب عهدهم بالإسلام لم يتميز بعد الخبيث من الطيب، وقد شاع عن المذكورين في العرب كون من يتهم بالنفاق من جملة المؤمنين، وصحابة سيد المرسلين، وأنصار الذين يحكم بظاهرهم، فلو قتلهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم لنفاقهم وما يبدر منهم، وعلمه بما أسروا في أنفسهم، لما وجد المعاند ما يقول، ولا ارتاب الشارد، وأرجف المعاند، وارتاع من صحبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والدخول في الإسلام غير واحد ولزعم الزاعم وظن العدو الظالم أن القتل إنما كان للعداوة وطلب أخذ الترة، وقد رأيت معنا ما حررته منسوبا إلى مالك بن أنس، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، وقال: أولئك الذين نهاني اللَّه تعالى عن قتلهم، وهذا بخلاف إجراء الأحكام الظاهرة عليهم من حدود الزنا، والقتل، وشبهه، لظهورها، واستواء الناس في علمها. وقال القاضي أبو الحسن بن القصار: وقال قتادة في تفسير قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [ (1) ] قال: معناه إذا أظهروا النفاق. وحكى محمد بن مسلمة في (المبسوط) عن زيد بن أسلم قال: إن قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ* [ (2) ] نسخها ما كان قبلها، وقال بعض مشايخنا: علل القائل: هذه قسمة ما أريد وجه اللَّه، وقوله: اعدل، لم يفهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم منه الطعن عليه، والتهمة له، وإنما رآها من وجه الغلط في الرأي، وأمور الدنيا، والاجتهاد، وفي مصالح أهلها، فلم ير ذلك سبا، ورأى أنه من الأذى الّذي كان له العفو عنه، والصبر عليه، فلذلك لم يعاقبه. وكذلك يقال في اليهود إذا قالوا: السام عليكم، ليس في صريح سبّ ولا دعاء إلا بما لا بد منه من الموت الّذي لا بد من لحاقه جميع البشر. وقيل: بل المراد، تسأمون، دينكم والسآمة الملال، وهذا دعاء على سآمة الدين، ليس
بصريح سب، وبهذا ترجم البخاري على هذا الحديث: باب إذا عرّض الذميّ أو غيره بسب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم. وقال بعض علمائنا: ليس هذا بتعرض بالسب، وإنما هو تعرض بالأذى. قال القاضي عياض: الأذى والسب في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم سواء، قال القاضي أبو محمد بن نصر مجيبا عن هذا الحديث ببعض ما تقدم، ثم قال ولم يذكر في الحديث هل كان هذا اليهودي من أهل العهد والذمة أو الحرب، ولا يترك موجب الأدلة المحتملة كله، والأظهر من هذه الوجوه مقصد الاستئلاف والمداراة على الدين، لعلهم يؤمنون. ولذلك ترجم البخاري على حديث القسمة والخوارج باب: من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس عنه، وقد صبر لهم صلّى اللَّه عليه وسلم على سحره، وسمه، وهو أعظم من سبه، إلى أن نصره اللَّه تعالى عليهم وأذن له في قتل من عينه منهم، وإنزالهم من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب، وكتب على من شاء منهم الجلاء، وأخرجهم من ديارهم، وخرب بيوتهم بأيديهم، وأيدي المؤمنين وكاشفهم بالسب فقال: يا إخوة القردة والخنازير، وحكم فيهم سيوف المسلمين، وأجلاهم من جوارهم، فإن قتله فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما انتقم لنفسه في شيء يؤثر إليه قط إلا أن تنتهك حرمة اللَّه فينتقم للَّه. فاعلم أن هذه لا تقتضي أنه لم ينتقم ممن سبه أو آذاه وكذبه، وأن هذه من حرمات اللَّه التي انتقم لها، وإنما يكون ما لا ينتقم له فيما تعلق بسوء أدب أو معاملة من القول والفعل، بالنفس والمال، مما لم يقصد فاعله به أذاه، ولكن مما جبلت عليه الأعراب من الجفاء، والجهل، أو جبل عليه البشر من السفه، كجبذ الأعرابي بإزاره حتى أثر في عنقه، وكرفع صوت الآخر عنده، وكجحد الأعرابي في شرائه منه فرسه التي شهد فيها خزيمة بن ثابت وكما كان من تظاهر زوجيه عليه، وأشباه هذا مما يحسن الصفح عنه، أو يكون هذا مما أذاه به كافر، وجاء بعد ذلك إسلامه كعفوه عن اليهودي الّذي سحره، وعن اليهودية التي سمته، وعن الأعرابيّ الّذي أراد قتله.
الوجه الثاني: لاحق به في البيان والجلاء، وهو أن يكون القائل، لما قال في جهته صلّى اللَّه عليه وسلّم غير قاصد للسب والإزراء، ولا معتقد له، ولكنه تكلم في جهته صلّى اللَّه عليه وسلّم بكلمة الكفر من لعنه، أو سبه، أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه، أو نفى ما يجب له مما هو في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم نقيصه، مثل أن ينسب إليه إتيان كبيرة أو مداهنة في تبليغ الرسالة، أو في حكم بين الناس، أو بعض من مرتبته، أو شرف نسبه، وفور علمه، أو يكذب بما استمر من أمور أخبر بها صلّى اللَّه عليه وسلّم وتواتر الخبر بها عنه قصد لرد خبره أو يأتى نسقه من القول، وقبيح من الكلام ونوع من السب في جهته، وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ولم يقصد سبه أو لجهالة جملته على ما قاله لضجر أو سكر اضطره إليه، أو قلة مراقبة، وضبط للسانه وعجرفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه حكم الوجه الأول: القتل دون تلعثم، إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة، ولا بدعوى زلل اللسان ولا بشيء مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته سليما إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [ (1) ] وبهذا أفتى الأندلسيون على ابن حاتم في نفيه الزهد عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم الّذي قدمناه. وأفتى أبو الحسن القابسي في من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في سكره: يقتل لأنه يظن به أنه يعتقد هذا ويفعله في صحوة، وأيضا فإنه حد لا يسقطه السكر كالقذف، والقتل وسائر الحدود لأنه أدخله على نفسه، لأن من شرب الخمر على علم من زوال عقله بها وإتيان ما ينكر فهو كالعامد لما يكون بسبه، وعلى هذا ألزمناه الطلاق، والعتاق، والقصاص، والحدود، لا يعترض على هذا بحديث حمزة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقوله للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: هل أنتم إلا عبيد لأبي قال فعرف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه ثمل فانصرف، لأن الخمر كانت حينئذ غير محرمه، فلم يكن في جناياتها إثم، وكان حكم ما يحدث عنها معفوا عنه، كما يحدث من النوم، وشرب الدواء المأمون. الوجه الثالث: أن يقصد إلى تكذيبه فيما قاله، وأتى به، أو ينفي نبوته أو رسالته، أو وجوده، أو يكفر به، انتقل بقوله ذلك إلى دين آخر غير ملته أم لا، فهذا كافر بإجماع يجب قتله، ثم ينظر، فإن كان مصرحا بذلك كان
حكمت أشبه بحكم المرتد، وقوى الخلاف في استتابته وعلى القول الآخر لا يسقط القتل عنه بتوبته لحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إن كان ذكره بنقيصة فيما قاله من كذب أو غيرة، وإن كان متسترا بذلك فحكمه حكم الزنديق لا يسقط قتله بالتوبة عندنا كما سنبينه. قال ابن القاسم: دعا إلى ذلك: سرا أو جهرا. وقال أصبغ: وهو كالمرتد لأنه قد كفر بكتاب اللَّه مع الفرية على اللَّه، وقال أشهب في يهودي تنبأ أو زعم أنه أرسل إلى الناس، أو قال: بعد نبيكم نبي، إنه يستتاب إن كان معلنا بذلك فإن تاب وإلا قتل، وذلك لأنه مكذب للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فهو كافر جاحد، وقال: من كذب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان حكمه عند الأمة القتل، وقال أحمد بن أبى سليمان صاحب سحنون: من قال إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أسود، لأن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لم يكن صلّى اللَّه عليه وسلّم بأسود. وقال نحوه: أبو عثمان الحداد: قال: لو قتل لأن هذا نفى، وقال حبيب بن ربيع: تبديل صفته ومواضعه كفر والمظهر له كافر، وفيه الاستتابة الوجه الرابع: أن يأتى من الكلام بمجمل أو بلفظ من القول بمشكل يمكن حمله على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره، أو يتردد في المراد به من سلامته من المكروه أو شره. فهاهنا متردد النظر وحيرة العبر ومظنة اختلاف المجتهدين ووقعه استبراء المقلدين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينه، فمنهم من غلب حرمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وحمى عرضه، فجسر على القتل، ومنهم من عظم حرمة الدم ودرء الحد بالشبهة لاحتمال القول، وقد اختلف أئمتنا في رجل أغضبه غريمه، فقال له: صل على النبي محمد فقال له الطالب: لا صلّى اللَّه على من صلّى عليه، فقيل لسحنون: هل هو كمن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم؟ أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه؟ قال: لا، إذا كان على ما وصفت من الغضب لأنه لم يكن مضمرا الشتم. ذهب الحارث بن مسكين القاضي وغيره في مثل هذا إلى القتل، وتوقف أبو الحسن القابسي في قتل رجل قال: كل صاحب فندق قرنان ولو كان نبيا مرسلا! فأمر بشده بالقيود والتضييق عليه حتى يستفهم بالبينة من جملة ألفاظه وما يدل على مقصده، هل أراد أصحاب الفنادق الآن! فمعلوم أنه ليس
فيهم نبي مرسل، فيكون أمره أخف، قال: ولكن ظاهر لفظه العموم لكل صاحب فندق من المتقدمين والمتأخرين، وقد كان فيمن تقدم من الأنبياء والرسل من اكتسب المال. قال: ودم المسلم لا يقدم عليه إلا بأمر بين، وما ترد إليه التأويلات لا بد من إمعان النظر فيه، هذا معنى كلامه. وحكى عن محمد بن أبي زيد فيمن قال: لعن اللَّه العرب، ولعن اللَّه بني إسرائيل، ولعن اللَّه بني آدم وذكر أنه لم يرد الأنبياء وإنما أراد الظالمين منهم، أن عليه الأدب بقدر اجتهاد السلطان، وكذلك أفتى فيمن قال: لعن اللَّه من حرم المسكر وقال: لم أعلم من حرمه وفيمن لعن، حديث لا يبيع حاضر لباد، ولعن من جاء به أنه إن كان يعذر بالجهل وعدم معرفة السنن، فعليه الأدب الوجيع وذلك أن هذا لم يقصد بظاهر حاله سب اللَّه، ولا سب رسوله، وإنما لعن من حرمه من الناس، على نحو فتوى سحنون وأصحابه في المسألة المتقدمة، ومثل هذا يجري في كلام سفهاء الناس، من قول بعضهم لبعض: يا ابن ألف خنزيرة، وابن مائة كلب، وشبهه من هجر القول، ولا شك أنه يدخل في مثل هذا العدد من آبائه وأجداده جماعة من الأنبياء، ولعل بعض هذا العدد منقطع إلى آدم عليه السلام فينبغي الزجر عنه ويتبين ما جهل قائله منه، وشدة الأدب فيه، ولو علم أنه قصد سب من في آبائه من الأنبياء على علم لقتل. وقد يضيق القول في نحو هذا لو قال لرجل هاشمي «: لعن اللَّه بنى هاشم، وقال أردت الظالمين منهم، أو قال لرجل من ذرية النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم تكن قرينة في المسألتين تقتضي تخصيص بعض آبائه، وإخراج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ممن سبه منهم، وقد كان اختلف شيوخنا فيمن قال لشاهد شهد عليه بشيء ثم قال: تتهمني، فقال له الآخر: الأنبياء يتهمون فكيف أنت؟ وكان شيخنا أبو إسحاق بن جعفر يرى قتله لبشاعة ظاهر اللفظ، وكان القاضي أبو محمد بن منصور يتوقف عن القتل لاحتمال اللفظ عنده، أن يكون خبرا عمن اتهمهم من الكفار، وأفتى فيها قاضي قرطبة أبو عبد اللَّه بن الحاج بنحو من هذا، وشدد القاضي أبو محمد تصفيده وأطال سجنه، ثم استخلفه بعد على تكذيب ما شهد به عليه أو دخل
في شهادة بعض من شهد عليه، وشاهدت شيخنا القاضي أبا عبد اللَّه بن عيسى أيام قضائه، أتى برجل هاتر رجلا اسمه محمد، ثم قصد إلى كلب فضربه برجله، وقال له: قم يا محمد، فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك وشهد عليه، ومن ثم أطلقه لفيف من الناس، فأمر به إلى السجن وتقصى عن حاله وهل يصحب من يستراب بدينه؟ فلما لم يجد ما يقوى الريبة باعتقاده، ضربه بالسوط وأطلقه. الوجه الخامس: أن لا يقصد بقصد ولا يذكر عيبا ولا سبا ولكنه ينزع بذكر بعض أوصافه أو يستشهد ببعض أحواله صلّى اللَّه عليه وسلّم الجائزة عليه في الدنيا على طريق ضرب المثل، والحجة لنفسه أو لغيره، أو على التشبه به، أو عند هضيمة نالته، أو لغضاضة لحقته، لنفسه أو لغيره، أو على سبيل التمثيل، وعدم التوقير لنبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو قصد الهزل، والتنذير بقوله كقول القائل: إن قيل في السوء فقد قيل في النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، أو إن كذبت فقد كذب الأنبياء أو إن أذنبت فقد أذنبوا وأنا أسلم من ألسنة الناس لم يسلم منهم أنبياء اللَّه ورسوله، أو قد صبرت كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، أو كصبر أيوب، أو قد صبر نبي اللَّه عن عداه، وحلم عليّ أكثر مما صبرت، وكقول المتنبي: أنا في أمة تداركها اللَّه ... غريب كصالح في ثمود ونحوه من أشعار المتعجرفين في القول المتساهلين في الكلام، كقول المعري: كنت موسى وافته بنت شعيب ... غير أن ليس فيكما فقير على أن آخر البيت شديد، وداخل في باب الإزراء والتحقير بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وتفضيل حال غيره عليه. وكذلك قوله: لولا انقطاع الوحي بعد محمد ... قلنا محمد بأبيه بديل هو مثله في الفضل إلا أنه ... لم يأته برسالة جبريل فصدر البيت الثاني في هذا الفصل شديد، لتشبيه غير النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في فضله، والعجز محتمل لوجهين، أحدهما: أن هذه الفضيلة نقصت الممدوح، والآخر
استغناؤه عنها، وهذه أشد ونحو منه قول الآخر: وإذا ما رفعت راياتها ... صفقت بين جناحي جبرين وقول الآخر من أهل العصر: فر من الخلد واستجار بنا ... فصبر اللَّه قلب رضوان كقول حسان المصيصي من شعراء الأندلس في محمد بن عباد المعروف بالمعتمد ووزيره أبي بكر بن زيدون: كأن أبا بكر أبو بكر الرضى ... وحسان حسان وأنت محمد إلى أمثال هذا. وإنما أكثرنا بشاهدها مع استثقالنا حكايتها، لتعرف أمثلتها، ولتساهل كثير من الناس في ولوج هذا الباب الضنك، واستخفافهم فادح في هذا العبء وقلة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر وكلامهم فيه بما ليس لهم به علم، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [ (1) ] ، لا سيما الشعراء، وأشدهم فيه تصريحا، وللسانه تسريحا، ابن هانئ الأندلسي [ (2) ] وأبي سليمان المغربي، بل قد خرج كثير من كلامهم إلى حد الاستخفاف، والنقص، وصريح الكفر. قال: فإن هذه كلها، وإن لم تتضمن سبا ولا أضافت إلى الملائكة والأنبياء نقصا ولست أعنى عجزي بيتي المعري، ولا قصد قائلها إزراء وغضبا، فما وقر النبوة، ولا عظم الرسالة، ولا عزر حرمة الاصطفاء، ولا عزر حظوة الكرامة، حتى شبه من شبه في كرامة نالها، أو معرة قصد الانتفاء منها، أو ضرب مثل لتطييب مجلسه، أو إغلاء في وصف لتحسن كلامه بمن عظم اللَّه تعالى خطره، وشرف قدره، وألزم توقيره وبره، ونهى عن جهر القول له، ورفع الصوت عنده، فحق هذا إن دري عنه القتل، الأدب والسجن، وقوة تعزيره، بحسب شنعة مقاله، ومقتضى قبح ما نطق به، ومألوف عادته لمثله، أو ندوره، وقرينة كلامه، أو ندمه على ما سبق منه، ولم يزل المتقدمون ينكرون
مثل هذا ممن جاء به، وقد أنكر الرشيد على أبي نواس قوله: فإن يك باق سحر فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب قال له: يا بن اللخناء، أنت المستهزئ بعصا موسى؟ وأمر بإخراجه عن عسكره من ليلته. وذكر القتبي: أن مما أخذ عليه أيضا أو كفر به أو قارب، قوله في محمد الأمين، تشبيهه إياه بالنبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم حيث قال: تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها ... خلقا كما قد الشراكان وقد أنكروا أيضا قوله: كيف لا بد فيك من أمل ... من رسول من نفره لأن حق الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم وموجب تعظيمه، وأناقة منزلته، أن يضاف إليه ولا يضاف، فالحكم في أمثال هذا ما بسطناه في طريق الفتيا على هذا المنهج جاءت فتيا إمام مذهبنا مالك بن أنس وأصحابه، ففي (النوادر) من رواية ابن أبي مريم عنه في رجل عيّر رجلا بالفقر، فقال: تعيرني بالفقر وقد رعى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الغنم؟ فقال مالك: قد عرض بذكر النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في غير موضعه، أرى أن يؤدب، قال: ولا ينبغي لأهل الذنوب إذا عوتبوا أن يقولوا: قد أخطأت الأنبياء قبلنا. وقال عمر بن عبد العزيز- رحمه اللَّه- لرجل: انظر لنا كاتبا يكون أبوه عربيا، فقال كاتب له: قد كان أبو النبي كافرا! فقال: جعلت هذا مثلا؟ فعزله وقال: لا تكتب لي أبدا، وقد كره سحنون أن يصلّى على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عند التعجب إلا على طريق الثواب والاحتساب توقيرا له وتعظيما كما أمرنا اللَّه تعالى. وسأل القابسيّ عن رجل قال لرجل قبيح: كأنه وجه نكير، ولرجل عبوس: كأنه وجه مالك الغضبان! فقال أبي شيء أراد بهذا؟ ونكير أحد فتاني القبر، وهما ملكان، فما الّذي أراد؟ أروع دخل عليه حين رآه من وجهه؟ أم خاف النظر إليه لدمامة خلقه؟ قال: فإن قال هذا فهو شديد لأنه جرى مجرى
التحقير والتهوين، فهو أشد عقوبة، وليس فيه تصريح بالسب للملك، وإنما السبّ واقع على المخاطب، وفي الأدب بالسوط والسجن نكال للسفهاء. قال وأما ذكر مالك وخازن النار فقد جفا الّذي ذكره عند ما أنكر حاله من عبوس الآخر، إلا أن يكون المعبس له يد فمرهب الملك بعبسته، فيشبه القائل على طريق الذم لهذا في فعله ولزومه في ظلمه صفة لمالك الملك لربه في فعله، فيقول: كأنه للَّه يغضب مالك فيكون أخف، وما كان ينبغي له التعرض لمثل هذا، ولو كان أثنى على العبوس بعبسته، واحتج بصفة مالك كان أشد، ويعاقب المعاقبة الشديدة، وليس في هذا ذم للملك على قصد ذمه يقتل. وقال أبو الحسن أيضا في شاب معروف بالخير، قال لرجل شيئا، فقال له: اسكت فإنك أمي، فقال الشاب: أليس كان النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميا؟ فشنع عليه مقاله، وكفره الناس، وأشفق الشاب مما قال، وأظهر الندم عليه، فقال أبو الحسن: أما إطلاق الكفر عليه فخطأ، لكنه مخطئ في استشهاده فصفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أميا آية له، وكون هذا أميا نقيصة فيه، وجهالة، ومن جهالته احتجاجه بصفة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولكنه إذا استغفر وتاب واعترف ولجأ إلى اللَّه فيترك، لأن قوله لا ينتهى إلى حدّ القتل وما طريقه الأدب، فطوع فاعله بالندم عليه يوجب الكف عنه. ونزلت أيضا مسألة استفتى فيها بعض قضاه الأندلس شيخنا القاضي أبا محمد بن منصور- رحمه اللَّه- في رجل تنقصه آخر بشيء فقال له: إنما تريد نقصي بقولك وأنا بشر، وجميع البشر يلحقهم النقص، حتى النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم! فأفتاه بإطالة سجنه وإيجاع أدبه، إذ لم يقصد السب، وكان بعض فقهاء الأندلس أفتى بقتله. الوجه السادس: أن يقول القائل ذلك حاكيا عن غيره، وآثرا له عن سواه، فهذا ينظر في صورة حكايته، وقرينة مقالته، ويختلف الحكم باختلاف ذلك على أربعة وجوه: الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، فإن كان أخبر به على وجه الشهادة، والتعريف بقائله، والإنكار والإعلام بقوله، والتنفير منه، والتجريح له: فهذا مما ينبغي امتثاله ويحمد فاعله.
وكذلك إن حكاه في كتاب أو في مجلس على طريق الرد له والنقص على قائله، والفتيا بما يلزمه، وهذا منه ما يجب، ومنه ما يستحب، بحسب حالات الحاكي لذلك، والمحكي عنه، فإنه كان القائل لذلك ممن تصدى لأن يؤخذ عنه العلم، أو رواية الحديث، أو يقطع بحكمه، أو شهادته، أو فتياه في الحقوق، وجب على سامعه الإشادة بما سمع منه، والتنفير للناس عنه والشهادة عليه بما قاله، ووجب على من بلغه ذلك من أئمة المسلمين إنكاره وبيان كفره، وفساد قوله، لقطع ضرره عن المسلمين، وقياما بحق سيد المرسلين صلّى اللَّه عليه وسلّم، وكذلك إن كان ممن يعظ العامة، أو يؤدب الصبيان، فإن من هذه سريرته لا يؤمن على إلقاء ذلك في قلوبهم، فيتأكد في هؤلاء الإيجاب لحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ولحق شريعته. وإن لم يكن القائل بهذه السبيل فالقيام بحق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم واجب، وحماية عرضه متعين، ونصرته على الأذى حيا وميتا، مستحق على كل مؤمن، ولكنه إذا قام بهذا من ظهر به الحق وفصلت به القضية، وبان به الأمر، سقط عن الباقي الفرض، وبقي الاستحباب في تكثير الشهادة، والتحذير منه. وقد أجمع السلف على بيان حال المتهم في الحديث، فكيف، بمثل هذا؟ وقد سئل أبو محمد بن أبي زيد عن الشاهد يسمع مثل هذا في حق اللَّه تعالى أيسعه أن يؤدي شهادته؟ قال: إن رجا نفاذ الحكم بشهادته فليشهد، وكذلك إن علم أن الحاكم لا يرى القتل بما يشهد به ويرى الاستتابة والأدب فليشهد، ويلزمه ذلك، وأما الإباحة لحكاية قوله لغير هذين المقصدين، فلا أرى لها مدخلا في هذا الباب، فليس التفكه بعرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم والتمضمض بسوء ذكره لأحد لا ذاكرا ولا آثرا لغير غرض شرعي بمباح، وأما للأغراض المتقدمة فمتردد بين الإيجاب والاستحباب، وقد حكى اللَّه تعالى مقالات المفترين عليه وعلى رسله في كتابه على وجه الإنكار لقولهم، والتحذير من كفرهم، والوعيد عليه، والرد عليهم بما تلاه اللَّه علينا في محكم كتابه، وكذلك وقع من أمثاله في أحاديث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم الصحيحة على الوجوه المتقدمة، وأجمع السلف والخلف من أئمة الهدى على حكايات مقالات الكفرة والملحدين
في كتبهم ومجالسهم، ليبيّنوها للناس، وينقضوا شبهها عليهم وإن كان ورد لأحمد بن حنبل رحمه اللَّه إنكار لبعض هذا على الحارث بن أسد، فقد صنع أحمد مثله في رده على الجهمية، والقائلين بالمخلوق، وهذه الوجوه السابقة الحكاية عنها، وأما ذكرها على هذا من حكاية سبه صلى اللَّه عليه وسلم والإزراء بمنصبه على وجه الحكايات والأسمار والطرف، وأحادث الناس، ومقالاتهم في الغث والسمين، ومضاحك المجان، ونوارد السخفاء، والخوض في قيل وقال: وما لا يعني، فكل هذا ممنوع وبعضه أشد في المنع والعقوبة من بعض، فما كان من قائله الحاكي له على غير قصد أو معرفة بمقدار ما حكاه أو يكن الكلام من البشاعة حيث هو ولم يظهر على حاكيه استحسانه واستصوابه، ونهى عن العودة إليه، وإن قوّم ببعض الأدب فهو مستوجب له، وإن كان لفظه من البشاعة حيث هو كان الأدب أشدّ. وقد حكي أن رجلا سأل مالكا رحمه اللَّه عمن يقول: القرآن مخلوق، فقال مالك: كافر فاقتلوه، فقال إنما حكيته عن غيري. فقال مالك: إنما سمعناه منك، وهذا من مالك- رحمه اللَّه- على طريق الزجر والتغليظ بدليل أنه لم ينفذ قتله، وإن أتاهم هذا الحاكي فيما حكاه أنه اختلقه ونسبه إلى غيره، أو كانت تلك عادة له، أو ظهر استحسانه لذلك، أو كان مولعا بمثله، والاستخفاف له، أو التحفظ لمثله، وطلبه، ورواية أشعار هجوه صلى اللَّه عليه وسلم، وسبّه، فحكم هذا حكم الساب نفسه، يؤاخذ بقوله، ولا ينفعه نسبته إلى غيره، فيبادر بقتله، وتعجل إلى الهاوية أمه. وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام في من حفظ شطر بيت مما هجي به النبي صلى اللَّه عليه وسلّم: فهو كفر، وقد ذكر بعض من ألف في الإجماع، إجماع المسلمين على تحريم رواية ما هجي به النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وكتابته، وقراءته، وتركه متى وجد دون محو. ورحم اللَّه أسلافنا المتقين المحرزين لدينهم، فقد أسقطوا من أحاديث المغازي والسير ما كان هذا سبيله، وتركوا روايته، إلا أشياء ذكروها يسيرة وغير مستبشعة على نحو الوجوه الأول، ليروا نقمة اللَّه من قائلها، وأخذه المفترى عليه بذنبه.
الوجه التاسع: أن يذكر ما يجوز على النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو يختلف في جوازه عليه وما يطرأ من الأمور البشرية به، ويمكن إضافتها إليه، أو يذكر ما امتحن به وصبر في ذات اللَّه تعالى على شدته من مقاساة أعدائه، وأذاهم له ومعرفة ابتداء حاله وسيرته، وما لقيه من بؤس زمنه، ومر عليه من معاناة عيشه، كل ذلك على طريق الرواية ومذاكرة العلم ومعرفة ما صحت منه العصمة للأنبياء وما يجوز عليهم، فهذا من خرج عن هذه الفنون الستة، إذ ليس فيه غمص ولا نقص، ولا إزراء ولا استخفاف ولا في ظاهر اللافظ ولا في مقصد اللفظ، لكن يجب أن يكون الكلام فيه مع أهل العلم، وفهم طلبة الدين ممن يفهمون مقاصده، ويحققون فوائده ويجنب ذلك من عساه لا يفقه، أو يخشى به فتنته، فقد كره بعض السلف تعليم النساء سورة يوسف، لما انطوت عليه من تلك القصص، لضعف معرفتهن، ونقص عقولهنّ وإداركهن، فقد قال صلّى اللَّه عليه وسلّم مخبرا عن نفسه باستئجاره لرعاية الغنم في ابتداء حاله، فقال: ما من نبي إلا وقد رعى الغنم. وأخبرنا اللَّه تعالى بذلك عن موسى عليه السلام، وهذا لا غضاضة فيه جملة واحدة، لمن ذكره على وجهه، بخلاف من قصد به الغضاضة والتحقير بل كانت عادة جميع العرب ترى في ذلك للأنبياء حكمة بالغة، وتدريج للَّه تعالى إلى كرامته وتدريب برعايتها لسياسة أممهم من خليقته، بما سبق لهم من الكرامة في الأزل، ومتقدم العلم، وكذلك ذكر اللَّه تعالى يتمه وعيلته على طريق المنة عليه، والتعريف بكرامته له، فذكر الذاكر لها على وجه تعريف حاله والخبر عن مبتدئه، والتعجب من منح اللَّه تعالى قبله، وعظيم منته عنده، ليس فيه غضاضة بل فيه دلالة على نبوته، وصحة دعوته، إذ أظهره اللَّه تعالى بعد هذا على صناديد العرب ومن ناوأه من أشرافهم، شيئا فشيئا، ونمى أمره حتى قهرهم، وتمكن من ملك مقاليدهم، واستباحة ممالك كثير من الأمم غيرهم، بإظهار اللَّه، تعالى له، وتأييده بنصره وبالمؤمنين، وألف بين قلوبهم، وإمداده بالملائكة المسومين، ولهذا قال هرقل حين سأل أبا سفيان عنه: هل في آبائه من ملك؟ ثم قال: ولو كان في آبائه ملك لقلنا رجل يطلب ملك أبيه! وإذا آليتم من صفته وإحدى علاماته في الكتب المتقدمة، وأخبار الأمم
السالفة، وكذا وقع ذكره في كتاب أرمياء، وبهذا وصفه ابن ذي يزن لعبد المطلب، وبحيرا لأبي طالب. وكذلك إذا وصف بأنه أميّ كما وصفه اللَّه تعالى به، فهي مدحة له، وفضيلة ثابتة فيه، وقاعدة معجزته، إذ معجزته العظمى من القرآن العظيم إنما هي متعلقة بطريق المعارف والعلوم، مع ما منح صلّى اللَّه عليه وسلّم وفضل به من ذلك، ووجود مثل ذلك من رجل لم يقرأ، ولم يكتب ولم يدارس، ولا قن، ومقتضى العجب! ومنتهى العبر، ومعجزة البشر، وليس في ذلك نقيصه إذ المطلوب من الكتابة والقراءة والمعرفة إنما هي آله لها واسطة موصّلة إليها غير مرادة في نفسها فإذا حصلت الثمرة والمطلوب استغنى عن الواسطة والسّبب. والأمية في غيره نقيصة، لأنها سبب الجهالة وعنوان الغباوة فسبحان من باين أمره من أمر غيره وجعل شرفه فيما فيه محطة سواه، وحياته فيما فيه هلاك من عداه، ففي شق قلبه وإخراج حشوته، كان تمام حياته، وغاية قوة نفسه، وثبات روعه، وهو فيمن سواه منتهى هلاكه وحتم موته وفنائه، وهلم جرّا، إلى سائر ما روي من أخباره وسيره وتقلّله من الدنيا من الملبس، والمطعم والمركب، وتواضعه، ومهنته نفسه في أموره. وخدمة بيته، زهدا ورغبة عن الدنيا، وتسوية بين حقيرها وخطيرها، لسرعة فناء أمورها، وتقلب أحوالها كل هذا من فضائله، ومآثره، وشرفه فمن أورد شيئا منها مورده، وقصد بها مقصده. ورحم اللَّه مالكا، فلقد كره التحدث بمثل ذلك من الأحاديث الموهمة للتشبيه، والمشكلة المعنى، وقال: ما يدعو الناس إلى التحدث بمثل هذا؟ فقيل له: إن ابن عجلان يحدث بها، فقال: لم يكن من الفقهاء، ليت الناس وافقوه على ترك الحديث بها، وساعدوه على طيها، فأكثرها ليس تحته عمل، وقد حكى عن جماعة من السلف بل عنهم على الجملة أنهم كانوا يكرهون الكلام فيما ليس تحته عمل، والنبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أوردها قوما عربا يفهمون كلام العرب على وجهه وتصرفاتهم في حقيقته، ومجازه، واستعارته، وبليغة وإيجازه، فلم تكن في حقهم مشكلة، ثم جاء من غلبت عليه العجمة وداخلته الأمية، فلا يكاد يفهم
من مقاصد العرب إلا نصها وصريحها، ولا يتحقق إشاراتها إلى غرض الإيجاز، ووحيها وتبليغها، وتلويحها، فتفرقوا في تأويلها شذر مذر، من آمن منهم ومن كفر. فأما ما لا يصح من هذه الأحاديث فواجب أن لا يذكر منها شيء في حق اللَّه تعالى ولا في حق أنبيائه، ولا يتحدث بها ولا يتكلف الكلام على معانيها، والصواب طرحها، وترك الشغل بها، إلا أن يذكر على وجه التعريف بأنها ضعيفة المفاد، واهية الإسناد، وقد أنكر الأشياخ على أبي بكر بن فورك تكلفه في مشكله الكلام على أحاديث ضعيفة موضوعة لا أصل لها، أو منقولة عن أهل الكتاب الذين يلبسون الحق بالباطل، كان يكفيه طرحها ويغنيه على الكلام عليها التنبيه على ضعفها، إذ المقصود بالكلام على مشكل ما فيها، أزال اللبس بها واجتثاثها من أصلها وطرحها، أكشف للبس، وأشفى للنفس. قال: ومما يجب على المتكلم فيما يجوز على النبي وما لا يجوز والمذاكر أن يلتزم في كلامه عند ذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم وذكر تلك الأحوال الواجبة من توقيره وتعظيمه، ويراقب حال لسانه، ولا يهمله وتظهر عليه علامات الأدب عند ذكره صلّى اللَّه عليه وسلّم فإذا ذكر ما قاساه من الشدائد ظهر عليه الإشفاق والغيظ على عدوه، ومودة الفداء للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم والنصرة له لو أمكنه، وإذا أخذ في أبواب العصمة وتكلم على مجاري أعماله وأقواله صلّى اللَّه عليه وسلّم، يجرى أحسن اللفظ، وأدب العبارة ما أمكنه، وهجر من العبارة ما يقبح كلفظة الجهل، والكذب، والمعصية. فإذا تكلم في الأقوال قال: هل يجوز عليه الخلف في القول والإخبار بخلاف ما وقع سهوا أو غلطا؟ ونحوه من العبارة ويتجنب لفظه الكذب جملة واحدة، وإذا تكلم على العلم قال: هل يجوز أن لا يعلم إلا ما علم؟ وهل يمكن أن لا يكون عنده علم من بعض الأشياء حتى يوحى إليه؟ ولا يقول بجهل لقبح اللفظ وبشاعته، وإذا تكلم في الأفعال قال: هل يجوز منه المخالفة في بعض الأوامر والنواهي ومواقعة الصغائر؟ فهو أولى وأدب من قوله: هل يجوز أن يعصي أو يذنب؟ أيفعل كذا وكذا من أنواع المعاصي؟ فهذا من حق توقيره صلّى اللَّه عليه وسلّم وما يجب له من تعزيز وإعظام.
قال: وإذا كان مثل هذا بين الناس مستعملا في آدابهم وحسن معاشرتهم وخطابهم ومطالبهم، فاستعماله في حقه صلّى اللَّه عليه وسلّم أوجب، والتزامه آكد، فجودة العبارة تفج الشيء أو تحسنه، وتحريرها وتهذيبها يعظم الأمر أو يهونه، ولهذا قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إن من البيان لسحرا. فأما ما أورده على جهة النفي عنه والتنزيه فلا حرج في تسريح العبارة وتصريحها فيه، كقوله: لا يجوز عليه الكذب جملة ولا إتيان الكبائر بوجه، ولا الجور في الحكم على حال ولكن مع هذا يجب ظهور توقيره، وتعظيمه، وتعزيزه عند ذكره مجردا، فكيف عند ذكر مثل هذا؟ قال في حكم سابّه، وشانئه، ومنتقصه ومؤذيه: وعقوبته أن مشهور مذهب مالك وأصحابه وقول السلف وجمهور العلماء قبله حدا لا كفرا إن أظهر التوبة منه ولهذا لا يقبل عندهم توبته، لا تنفعه استقالته ولا فيأته فيه، وحكمه حكم الزنديق، ومسّر الكفر، وسواء كانت توبته على هذا بعد القدرة عليه، والشهادة على قوله، أو جاء تائبا من قبل نفسه، لأنه حد واجب لا تسقطه التوبة. قال أبو الحسن القابسي: إذا أقر بالسب وتاب منه وأظهر التوبة قتل بالسب لأنه هو حده. قال القاضي عياض: وهذا قول أصبغ، ومسألة سابّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أقوى، لا يتصور فيها الخلاف على الأصل لأنه حق متعلق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ولأمته بسببه لا تسقطه التوبة كسائر حقوق الآدميين، والزنديق إذا تاب بعد القدرة عليه فعند مالك والليث وإسحاق وأحمد لا تقبل توبته، وعند الشافعيّ تقبل، واختلف فيه عن أبي حنيفة وأبي يوسف. وحكى ابن المنذر عن علي بن أبى طالب يستتاب، وقال محمد بن سحنون: ولم يزل القتل عن المسلم بالتوبة من سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم، لأنه لم ينتقل من دين إلى غيره، وإنما فعل شيئا حده عندنا القتل لا عفو فيه لأحد كالزنديق، لأنه لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر. وقال القاضي أبو محمد بن نصر محتجا لسقوط اعتبار توبته: والفرق بينه وبين من سبّ اللَّه تعالى على مشهور القول باستتابته أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم بشر،
والبشر جنس تلحقهم المعرة إلا من أكرمه اللَّه تعالى بنبوته، والبارئ تعالى منزه عن جميع المعايب قطعا، وليس من جنس تلحق المعرة بجنسه، وليس سبه صلّى اللَّه عليه وسلّم كالارتداد المقبول فيه التوبة، لأن الارتداد معنى ينفرد به المرتد لا حق فيه لغيره من الآدميين، فقبلت توبته ومن سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم تعلق فيه حق لآدميّ فكان كالمرتد ويقتل حين ارتداده، أو يقذف، فإن توبته لا تسقط عنه حدّ القتل والقذف. وأيضا فإن توبة المرتد إذا قبلت لا تسقط ذنوبه من زنا وسرقة وغيرها ولم يقتل سابّ النبي لكفره لكن لمن يرجع إلى تعظيم حرمته، وزوال المعرّة به، وذلك لا تسقطه التوبة. قال القاضي عياض: يريد- واللَّه أعلم- أن سبّه لم يكن بكلمة تقتضي الكفر، ولكن بمعنى الإزراء أو الاستخفاف أو لأن بتوبته وإظهار إنابته ارتفع عنه اسم الكفر ظاهرا، واللَّه تعالى أعلم بسريرته، وبقي حكم السب عليه. وقال أبو عمران القابسيّ: من سبّ النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم ارتد عن الإسلام قتل، ولم يستتب، لأن السبّ من حقوق الآدميين التي لا تسقط عن المرتد. قال القاضي عياض: وكلام شيوخنا هؤلاء مبني على القول بقتله حدا لا كفرا وهو يحتاج إلى تفصيل، وأما على رواية الوليد بن مسلم، عن مالك ومن وافقه على ذلك ممن ذكرناه، وقال به من أهل العلم، فقد حرروا أنه ردة، قالوا: ويستتاب منها، فإن تاب نكل به، وإن أبى قتل، فحكم بحكم المرتد مطلقا في هذا الوجه الأول أشهر وأظهر لما قدمناه. ونحن نبسط الكلام فيه فنقول: من لم يره ردة فهو يوجب القتل وفيه حدا، وإنما نقول ذلك مع فصلين، إما مع إنكاره ما شهد عليه به، أو إظهاره الإقلاع والتوبة عنه، فنقتله حدا لثبات كلمة الكفر عليه في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وتحقيره ما عظم اللَّه تعالى من حقه، وأجرينا حكمه في ميراثه وغير ذلك حكم الزنديق إذا ظهر عليه، وأنكر أو تاب. فإن قيل: فكيف تثبتون عليه الكفر ويشهد عليه بكلمة الكفر ولا تحكمون
عليه بحكمه من الاستتابة وتوابعها؟ قلنا: نحن وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل فلا يقطع عليه بذلك لإقراره بالتوحيد والنبوة، وإنكاره ما شهد به عليه أو زعمه أن ذلك كان منه ذهلا ومعصية، وأنه مقلع عن ذلك نادم عليه ولا يمتنع إثبات بعض أحكام الكفر على شخص وإن لم تثبت له خصائصه كقتل تارك الصلاة. وأما من علم أنه سبه معتقدا لاستحلاله، فلا شك في كفره بذلك، وكذلك إن كان سبه في نفسه كفر كتكذيبه، أو تكفيره، ونحوه، فهذا مما لا إشكال فيه، ويقتل وإن تاب منه، لأنا لا نقبل توبته ونقتله بعد التوبة حدا، لقوله ومتقدم كفره، وأمره بعد إلى اللَّه تعالى المطلع على صحة إقلاعه، العالم بسره وكذلك من لم يظهر إلى التوبة واعترف بما شهد به عليه، وصمم عليه، فهذا كافر بقوله وباستحلاله، هتك حرمة اللَّه تعالى وحرمة نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتل كافرا بلا خلاف، فعلى هذه التقصيلات يؤخذ كلام العلماء ونزل مختلف عبارتهم في الاحتجاج عليها وأخذ اختلافهم في الموارثة وغيرها على ترتيبها، يتضح لك مقاصدهم، إن شاء اللَّه تعالى. حكى ابن القصار أنه إجماع من الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على تصويب قول عمر في الاستتابة ولم ينكره واحد منهم، وهو قول عثمان، وعلي وابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح، والنخعي، والثوري ومالك، وأصحابه والأوزاعيّ والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وذهب طاووس، وعبيد بن عمير، والحسن في إحدى الروايتين عنه، أنه لا يستتاب، وقاله عبد العزيز بن أبي شيبة، وذكره معاذ، وأنكر سحنون عن معاذ، وحكاه الطحاوي عن أبي يوسف، وهو قول أهل الظاهر. قالوا: وتنفعه توبته عند اللَّه تعالى ولكن لا ندرأ القتل عنه لقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم: من بدل دينه: فاقتلوه، وحكى أيضا عن عطاء أنه إن كان ممن ولد في الإسلام لم يستتب، ويستتاب الإسلامي، وجمهور العلماء على أن المرتد والمرتدة في ذلك سواء روى عن عليّ لا تقتل المرتدة وتسترق، وقال عطاء وقتادة، وروي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: لا تقتل النساء في الردة،
وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك: والحر والعبد والذكر والأنثى في ذلك سواء. وأما مدتها: فمذهب الجمهور، وروى عن ابن عمر أنه يستتاب ثلاثة أيام يحبس فيها، وقد اختلف فيه عن عمر وهو أحد قولي الشافعيّ، وقول أحمد وإسحاق، واستحسنه مالك. وقال لا يأتي الاستظهار إلا بخير، وليس عليه جماعة الناس. قال ابن أبي زيد: يزيد في الاستتابة ثلاثا، وقال مالك أيضا: الّذي آخذ به في المرتد قول ابن عمر يحبس ثلاثة أيام ويعرض عليه كل يوم فإن تاب وإلا قتل، وقال ابن القصار: في تأخيره ثلاثا روايتان عن مالك: هل ذلك واجب أو مستحب؟ واستحسن الاستتابة والاستيناء ثلاثا أصحاب الرأي، وروى عن أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه استتاب امرأة فلم تتب فقتلها، وقال الشافعيّ مرة: إن لم يتب مكانه وإلا قتل، واستحسنه المزني وقال الزهري: يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات، فإن أبى قتل، وروى عن علي: يستتاب شهرين، وقال النخعي: يستتاب أبدا وبه أخذ الثوري ما رجيت توبته، وحكى ابن القصار عن أبي حنيفة أنه يستتاب ثلاث مرات، فإن أبى ضربت عنقه، واختلف على هذا، هل يهدد أو يشدد عليه أيام الاستتابة ليتوب أم لا؟ فقال مالك: ما علمت في الاستتابة تجويعا ولا تعطيشا ويؤتى من الطعام بما لا يضره. قال أصبغ: وأي المواضع حبس فيها من السجون مع الناس أو وحده إذا استوثق منه سواء، ويوقف ماله إذا أخيف أن يتلفه على المسلمين ويطعم منه ويسقى، وكذلك يستتاب أبدا كلما رجع وارتد. وهو قول الشافعيّ وأحمد. وقاله ابن القاسم، وقال إسحاق: يقتل في الرابعة. وقال أصحاب الرأي: وإن لم يتب في الرابعة قتل دون استتابة، وإن تاب ضرب ضربا وجيعا. ولم يخرج من السجن حتى يظهر عليه خشوع التوبة. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدا أوجب على المرتد في المرة الأولى أدبا إذا رجع وهو على مذهب مالك والشافعيّ والكوفي.
قال القاضي عياض: هذا، وحكم من ثبت عليه بما شهد عليه ذلك بما يجب ثبوته من إقرار أو عدول لم يدفع منهم فأما من لم تتم الشهادة عليه بما شهد عليه الواحد أو اللفيف من الناس، أو ثبت قوله، لكن احتمل ولم يكن صريحا وكذلك إن من تاب على القول بقبول توبته، فهذا يدرأ عنه القتل، ويتسلط عليه اجتهاد الإمام بقدر شهرة حاله، وقوة الشهادة عليه وضعفها، وكره السماع عنه، وصورة حاله من التهمة في الدين والتميز بالسفه والمجون، فمن قوى أمره أذاقه من شديد النكال من التضييق في السجن، والشد في القيود، إلى الغاية التي منتهى طاقته، مما لا يمنعه القيام لضرورته ولا يقعده عن صلاته، وهو حكم كل من وجب عليه القتل. قال القابسي في مثل هذا: ومن كان أقصى أمره القتل فعاق عائق أشكل في القتل لم ينبغ أن يطلق من السجن ويستطال سجنه، ولو كان فيه من المدة ما عسى أن يقيم، ويحمل عليه من القيد ما يطيق، وقال في مثلها مما أشكل أمره، فشد في القيود شدا ويضيق عليه في السجن حتى ينظر فيما يجب عليه فقال في مسأله أخرى مثلهما: ولا يهراق الدم إلا بالأمر الواضح، وفي الأدب بالسوط، والسجن، نكال للسفهاء، ويعاقب عقوبة شديدة فأما إن لم يشهد عليه سوى شاهدين، فأثبت من عدولهما أو جرحهما، ما أسقطهما عنه، ولم يسمع ذلك من غيرهما، فأمره أخف، لسقوط الحكم عنه، وكأنه لم يشهد عليه إلا أن يكون ممن يليق به ذلك ويكون الشاهدان من أهل التبريز فأسقطهما بعداوة فهو وإن لم ينفذ الحكم عليه بشهادتهما، فلا يدفع الظن صدقها، للحاكم هنا في تنكيله موضع اجتهاد، واللَّه ولى الإرشاد.
فصل في حكم الذمي إذا صرح بسب النبي صلى الله عليه وسلم أو عرض أو استخف بقدره
فصل في حكم الذميّ إذا صرح بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم أو عرّض أو استخفّ بقدره قال القاضي عياض: أما الذمّيّ إذ صرّح بسبّه أو عرض أو استخف بقدره، أو وصفه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير الوجه الّذي كفر به فلا خلاف عندنا في قتله إن لم يسلم، لأنا لم نعطه العهد على هذا، وهو قول عامة العلماء إلا أبا حنيفة، والثوري، وأتباعهما من أهل الكوفة، فإنّهم قالوا: لا يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم، ولكن يؤدب ويعذر. واستدل بعض شيوخنا على قتله بقوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [ (1) ] . ويستدل أيضا بقتل النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لابن الأشرف وأشباهه، ولأنا لم نعاهدهم ولم نعطهم الذمة على هذا ولا يجوز لنا أن نفعل ذلك معهم، فإذا أتوا ما لم يعطوا عليه العهد ولا الذمة، فقد نقضوا ذمتهم، وصاروا كفارا أهل حرب يقتلون لكفرهم. وأيضا فإن ذمتهم لا تسقط، حدود الإسلام عنهم، من القطع في سرقة أموالهم والقتل لمن قتلوه منهم وإن كان ذلك حلالا عندهم فكذلك سبهم للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يقتلون به وردت لأصحابنا ظواهر تقتضي الخلاف إذا ذكره الذمي بالوجه الّذي كفر به ستقف عليها من كلام ابن القاسم وابن سحنون بعد. وحكى أبو المصعب الخلاف فيها عن أصحابه المدنيين، واختلفوا إذا سبه ثم أسلم فقيل: يسقط إسلامه قتله، لأن الإسلام يجب ما قبله، بخلاف المسلم إذا سبه ثم تاب لأنا نعلم باطنه الكافر في بغضه له، وتنقصه بقلبه، لكنا منعناه من إظهاره، فلم يزدنا ما أظهر إلا مخالفة للأمر ونقضا للعهد، فإذا
رجع عن ذنبه الأول إلى الإسلام سقط ما قبله. قال اللَّه تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ [ (1) ] والمسلم بخلافه إذ كان ظننا بباطنه حكم بظاهره وخلاف ما بدا منه الآن، فلم يقبل بعد رجوعه، ولا استنمنا الي باطنه إذ قد بدت سرائره وما ثبت عليه من الأحكام باقية عليه لم يسقطها شيء. وقيل: لا يسقط إسلام الذمي الساب قتله لأنه حق للنّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم وجب عليه لانتهاكه حرمته وقصده إلحاق النقيصة والمعرة به فلم يكن رجوعه إلي الإسلام بالذي يسقطه كما وجب عليه من حقوق المسلمين من قبل إسلامه من قتل وقذف، وإذا كنا لا نقبل توبة المسلم فإن لا نقبل توبة الكافر أولي. قال مالك في كتاب ابن حبيب (المبسوط) وابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ فيمن شتم نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم من أهل الذمة أو أحدا من الأنبياء عليهم السلام: قتل إلا أن يسلم وقاله ابن القاسم في (العتبية) وعند محمد وابن سحنون وقال سحنون وأصبغ: لا يقال له أسلم ولا تسلم ولكن إن أسلم فذلك له توبة. وفي كتاب محمد أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب وروي لنا عن مالك: إلا أن يسلم الكافر. وقد روى ابن وهب عن ابن عمر أن راهبا تناول النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال ابن عمر: فهلا قتلتموه؟ وروى عيسى عن ابن القاسم في ذميّ قال: إن محمدا لم يرسل إلينا إنما أرسل إليكم وإنما نبينا موسى أو عيسى ونحو هذا لا شيء عليهم لأن اللَّه تعالى أقرهم على مثله. وأما إن سبه فقال: ليس بنبي، أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن وإنما هو شيء تقوله أو نحو هذا فيقتل. قال ابن القاسم: وإذا قال النصراني ديننا خير من دينكم إنما دينكم دين الحمير ونحو هذا من القبيح، أو سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمد رسول اللَّه فقال: كذلك يعطيكم اللَّه، ففي هذا الأدب الموجع والسجن الطويل. قال: وأما إن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شتما يعرف فإنه يقتل إلا أن يسلم، قاله مالك غير مرة، ولم يقل: يستتاب.
قال ابن القاسم: ومحمل قوله عندي إن أسلم طائعا. وقال ابن سحنون في سؤالات سليمان بن سالم في اليهودي يقول للمؤذن إذا تشهد: كذبت، يعاقب العقوبة الموجعة مع السجن الطويل. وفي (النوادر) من رواية سحنون عنه: من شتم الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الّذي به كفروا ضربت عنقه إلا أن يسلم. قال محمد بن سحنون: فإن قيل: لم قتلت في سب النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ومن دينه سبه وتكذيبه؟ قيل: لأنا لم نعطهم العهد على ذلك، ولا علي قتلنا، وأخذ أموالنا، فإذا قتل واحدا منا قتلناه، وإن كان من دينه استحلاله فكذلك إظهاره لسب نبينا صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال سحنون: كمال بذل لنا أهل الحرب الجزية على إقرارهم على سبه لم يجز لنا ذلك في قول قائل، كذلك ينتقض عهد من سب منهم، ويحل لنا دمه، وكما لم يحصن الإسلام من سبه من القتل كذلك لا تحصنه الذمة. قال القاضي أبو الفضل: ما ذكره ابن سحنون عن نفسه وعن أبيه مخالف لقول ابن القاسم فيما خفف عقوبتهم فيه مما به كفروا فتأمله ويدل على أنه خلاف ما روى عن المدنيين في ذلك، فحكى أبو المصعب الزهري قال: أتيت بنصرانيّ قال: والّذي اصطفي عيسى على محمد فاختلف عليه فيه فضربته حتى قتلته أو عاش يوما وليلة وأمرت من جرّ برجله، وطرح علي مزبلة فأكلته الكلاب. وسئل أبو المصعب عن نصرانيّ قال: عيسى خلق محمدا فقال: يقتل وقال ابن القاسم: سألنا مالكا عن نصراني بمصر شهد عليه أنه قال: مسكين محمد! يخبركم أنه في الجنة! ما له لم ينفع نفسه؟ إذ كانت الكلاب تأكل ساقيه؟ لو قتلوه استراح منه الناس. قال مالك: أري أن تضرب عنقه، قال ولقد كدت أن لا أتكلم فيها بشيء، ثم رأيت أنه لا يسعني الصمت. قال ابن كنانة في (المبسوطة) : من شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من اليهود والنصارى فأري للإمام أن يحرقه بالنار وإن شاء قتله، ثم حرق جثته، وإن شاء أحرقه بالنار حيا إذا تهافتوا في سبه. ولقد كتب إلي مالك من مصر وذكروا مسألة ابن القاسم المتقدمة قال:
فصل في ميراث من قتل في سب النبي صلى الله عليه وسلم وغسله والصلاة عليه
فأمرني مالك فكتبت بأن يقتل وتضرب عنقه، فكتبت، ثم قلت: يا أبا عبد اللَّه واكتب: ثم يحرق بالنار، فقال: إنه لحقيق بذلك، وما أولاده به كتبته بيدي بين يديه فما أنكره ولا عابه ونفذت الصحيفة بذلك، فقتل وحرق. وأفتي عبيد اللَّه بن يحيي وابن لبابة في جماعة من سلف أصحابنا الأندلسيين بقتل نصرانية استهلت بنفي الربوبية ونبوة عيسى للَّه وتكذيب محمد في النبوة وبقبول إسلامها ودرء القتل عنها به، قال غير واحد من المتأخرين منهم القابسي وابن الكاتب وقال أبو القاسم بن الجلاب في كتابه: من سب اللَّه ورسوله من مسلم أو كافر قتل ولا يستتاب. وحكي القاضي أبو محمد في الذمي يسب ثم يسلم روايتين في درء، القتل عنه بإسلامه، وقال ابن سحنون: وحد القذف وشبهه من حقوق العباد لا يسقطه عن الذمي إسلامه وانما يسقط عنه بإسلامه حدود اللَّه، فأما حد القذف فحق للعباد كان ذلك لنبي أو غيره، فأوجب على الذميّ إذا قذف النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم أسلم حد القذف ولكن انظر ماذا يجب عليه، هل حد القذف في حق النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وهو القتل لزيادة حرمة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم على غيره؟ أم هل يسقط القتل بإسلامه ويحد ثمانين؟ فتأمله. فصل في ميراث من قتل في سب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وغسله والصلاة عليه اختلف العلماء في ميراث من قتل بسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فذهب سحنون إلي أنه لجماعة المسلمين من قبل أن شتم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كفر يشبه كفر الزنديق. وقال أصبغ: ميراثه لورثته من المسلمين ان كان مستسرا بذلك. وإن كان مظهرا له مستهلا به، فميراثه للمسلمين، ويقتل على كل حال ولا يستتاب. قال أبو الحسن القابسي: إن قتل وهو منكر للشهادة عليه فالحكم في ميراثه على ما أظهر من إقراره يعني لورثته والقتل حد ثبت عليه ليس من الميراث في شيء وكذلك لو أقر بالسب وأظهر التوبة لقتل إذ هو حده وحكمه في ميراثه،
وسائر أحكامه حكم الإسلام، ولو أقر بالسب وتمادى عليه وأبى التوبة منه فقتل على ذلك كان كافرا، وميراثه للمسلمين، ولا يغسل، ولا يصلّى عليه، ولا يكفن وتستر عورته ويوارى كما يفعل بالكفار. وقول الشيخ أبى الحسن في المجاهر المتمادي بين لا يمكن الخلاف فيه لأنه كافر، مرتد، غير تائب، ولا مقلع، وهو مثل قول أصبغ وكذلك في كتاب ابن سحنون في الزنديق: يتمادى على قوله، ومثله لابن القاسم في (العتبية) ولجماعة من أصحاب مالك في كتاب ابن حبيب فيمن أعلن كفره مثله قال ابن القاسم: وحكمه حكم المرتد، لا ترثه ورثته من المسلمين، ولا من أهل الدين الّذي ارتد إليه، ولا يجوز وصاياه، ولا عتقه، وقاله أصبغ، قبل ذلك أو مات عليه. وقال أبو محمد بن أبى زيد وإنما يختلف في ميراث الزنديق الّذي يستهل بالتوبة فلا تقبل منه، فأما المتمادي فلا خلاف أنه لا يورث. وقال أبو محمد فيمن سب اللَّه تعالى ثم مات ولم تعدل عليه بينة أو لم تقبل إنه يصلّى عليه وروى أصبغ عن ابن القاسم في كتاب ابن حبيب فيمن كذب برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أو أعلن دينا مما يفارق به الإسلام إن ميراثه للمسلمين وقال بقول مالك إن ميراث المرتد للمسلمين ولا ترثه ورثته ربيعة والشافعيّ وأبو ثور وابن ليلى واختلف فيه عن أحمد. وقال على بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابن مسعود، وابن المسيب، والحسن، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والحكم والأوزاعي، والليث وإسحق، وأبو حنيفة: يرث ورثته من المسلمين. وقيل: ذلك فيما كسبه قبل ارتداده، وما كسبه في الارتداد فللمسلمين. وتفصيل أبي الحسن في باقي جوابه حسن بين، وهو على رأى أصبغ، وخلاف قول سحنون، واختلافهما على قولي مالك في ميراث الزنديق، فمرة ورثه ورثته من المسلمين قامت عليه بذلك بينة فأنكرها، أو اعترف بذلك وأظهر التوبة، وقاله أصبغ، ومحمد بن مسلمة، وغير واحد من أصحابه لأنه مظهر للإسلام بإنكاره أو توبته، وحكمه حكم المنافقين الذين كانوا على عهد
فصل في حكم من سب الله تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وصحبه
رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. وروى ابن نافع عنه في (العتبية) وكتاب محمد أن ميراثه لجماعة المسلمين لأن ماله تبع لدمه، وقال به أيضا جماعة من أصحابه. وقاله أشهب، والمغيرة، وعبد الملك، ومحمد، وسحنون، وذهب ابن قاسم في (العتبية) إلي أنه إن اعترف بما شهد عليه به وتاب فقتل فلا يورث، وإن لم يقر حتى مات أو قتل ورث. قال: وكذلك كل من أسرّ كفرا فإنّهم يتوارثون بوراثة الإسلام، وسئل أبو القاسم بن الكاتب عن النصراني يسب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فيقتل، هل يرثه أهل دينه أم المسلمون؟ فأجاب: إنه للمسلمين ليس على جهة الميراث لأنه لا توارث بين أهل ملتين، ولكن لأنه من فيئهم لنقضه العهد. هذا معنى قوله واختصاره. فصل في حكم من سب اللَّه تعالى وملائكته وأنبياءه وكتبه وآل النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأزواجه وصحبه قال القاضي عياض: لا خلاف أن سابّ اللَّه تعالى من المسلمين كافر، حلال الدم، واختلف في استتابته، فقال ابن القاسم في المبسوط. وفي كتاب ابن سحنون ومحمد ورواها ابن القاسم عن مالك في كتاب إسحاق بن يحي: من سب اللَّه تعالى من المسلمين قتل ولم يستتب الا أن يكون افتراء على اللَّه بارتداده إلى دين دان به وأظهره فيستتاب وإن لم يظهره لم يستتب. وقال في (المبسوطة) مطرف وعبد الملك مثله وقال المخزومي ومحمد بن مسلمة وابن أبي حازم لا يقتل المسلم بالسب حتى يستتاب وكذلك اليهودي والنصراني فإن تابوا قبل منهم وإن لم يتوبوا قتلوا، ولا بد من الاستتابة وذلك كله كالردة وهو الّذي حكاه القاضي ابن نصر عن المذهب. وأفتي أبو محمد بن أبي زيد فيما حكي عنه في رجل لعن رجلا ولعن اللَّه، فقال: إنما أردت أن ألعن الشيطان فزل لساني فقال: يقتل بظاهر كفره ولا يقبل عذره، وأما فيما بينه وبين اللَّه تعالى فمعذور، واختلف فقهاء قرطبة في مسألة هارون بن حبيب
أخي عبد الملك الفقيه، وكان ضيق الصدر كثير التبرم، وكان قد شهد عليه بشهادات منها أنه قال استقلاله من مرض: لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر لم أستوجب هذا كله، فأفتى إبراهيم بن حسين بن خالد بقتله وإن ضمّن قوله تجوير للَّه تعالى وتظلم منه والتعريض فيه كالتصريح. وأفتى أخوه عبد الملك بن حبيب وإبراهيم بن حسين بن عاصم وسعيد بن سليمان القاضي بطرح القتل عنه إلا أن القاضي رأى عليه التثقيل في الحبس والشدة في الأدب لاحتمال كلامه وصرفه إلي التشكي، فوجه من قال في ساب اللَّه بالاستتابة أنه كفر وردة محضة، لم يتعلق بها حق لغير اللَّه فأشبه قصد الكفر بغير سب اللَّه، وإظهار الانتقال إلى دين آخر من الأديان المخالفة للإسلام. ووجه ترك استتباته أنه لما ظهر منه ذلك بعد إظهار الإسلام قبل اتهمناه وظننا أن لسانه لم ينطق به إلا وهو معتقد له إذ لا يتساهل في هذا أحد فحكم له بحكم الزنديق ولم تقبل توبته، وإذا انتقل من دين إلي دين آخر وأظهر السب بمعنى الارتداد فهذا قد أعلم أنه خلع ربقة الإسلام من عنقه بخلاف الأول المستمسك به، وحكم هذا حكم المرتد يستتاب علي مشهور مذاهب أكثر العلماء، وهو مذهب مالك وأصحابه، على ما بيناه قبل وذكرنا الخلاف في فصوله. وأما من أضاف إلي اللَّه تعالى ما لا يليق به ليس علي طريق السب ولا الردة وقصد الكفر ولكن على طريق التأويل والاجتهاد والخطأ المفضي إلى الهوى ولبدعة من تشبيه أو نعت بجارحة أو نفي صفة كمال فهذا مما اختلف السلف والخلف في تكفير قائله ومعتقده. واختلف قول مالك وأصحابه في ذلك ولم يختلفوا في قتالهم إذا تحيزوا فئة وأنهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا وإنما اختلفوا في المنفرد منهم فأكثر قول مالك وأصحابه ترك القول بتكفيرهم وترك قتلهم والمبالغة في عقوبتهم وإطالة سجنهم حتى يظر إقلاعهم وتستبين توبتهم كما فعل عمر رضي اللَّه عنه بصبيغ. وهذا قول محمد بن المواز في الخوارج وعبد الملك بن الماجشون وقول سحنون في جميع أهل الأهواء وبه فسر قول مالك في الموطأ وما رواه عن عمر
ابن عبد العزيز وجده وعمه من قولهم. في القدرية يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا، وقال عيسى بن القاسم في أهل الأهواء من الإباضية والقدرية وشبههم ممن خالف الجماعة من أهل البدع والتحريف لتأويل كتاب اللَّه: يستتابون أظهروا ذلك أو أسروه، فإن تابوا وإلا قتلوا وميراثهم لورثتهم. وقال مثله أيضا ابن القاسم في كتاب محمد في أهل القدر وغيرهم قال: واستتابتهم أن يقال لهم اتركوا ما أنتم عليه ومثله في المبسوط في الإباضية والقدرية وسائر أهل البدع قال: وهم مسلمون، وإنما قتلوا لرأيهم السوء وبهذا عمل عمر بن عبد العزيز. قال ابن القاسم: من قال إن اللَّه لم يكلم موسى تكليما استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وابن حبيب وغيره من أصحابنا يرى تكفيرهم وتكفير أمثالهم من الخوارج والقدرية والمرجئة. وقد روي أيضا عن سحنون مثله فيمن قال: ليس للَّه كلام، أنه كافر، واختلفت الروايات عن مالك فأطلق في رواية الشاميين أبي مسهر ومروان بن محمد الطاطري الكفر عليهم وقد شوور في زواج القدري فقال: لا تزوجه، قال اللَّه تعالي: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وروي عنه أيضا: أهل الأهواء كلهم كفار: وقال: من وصف شيئا من ذات اللَّه تعالى وأشار إلي شيء من جسده يد أو سمع أو بصر قطع ذلك منه، شبه اللَّه بنفسه. وقال فيمن قال: القرآن مخلوق فاقتلوه، وقال أيضا في رواية ابن نافع: يجلد ويوجع ضربا ويحبس حتى يتوب، وفي رواية بشر بن بكر التنيسي عنه يقتل ولا تقبل توبته. قال القاضي أبو عبد اللَّه البرنكاني والقاضي أبو عبد اللَّه التستري من أئمة العراقيين: جوابه مختلف، قتل المستبصر الداعية وعلى هذا الخلاف اختلف قوله في إعادة الصلاة خلفهم، وحكي ابن المنذر عن الشافعيّ: لا يستتاب القدريّ، وأكثر أقوال السلف تكفيرهم، وممن قال به الليث وابن عيينة وابن لهيعة، وروي عنهم ذلك فيمن قال بخلق القرآن، وقال ابن المبارك والأودي ووكيع وحفص بن غياث وأبو إسحاق الفزاري وهشيم وعلي بن عاصم في آخرين وهو من قول أكثر المحدثين والفقهاء والمتكلمين فيهم.
فصل في ذكر مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته
فصل في ذكر مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته خرج مسلم من حديث يزيد عن أبى بردة، عن أبي موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: إن اللَّه عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوا أمره، ذكره في المناقب. وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه سليمان في كتاب (مغازي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم) ثم قدم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يعني من حجة الوداع فأقام بقية ذي الحجة والمحرم واثنين وعشرين ليلة من صفر ثم مرض مرضه الّذي توفي فيه وبدأ وجعه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود وكان أول يوم مرض فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم السبت اشتد به وجعه يومه وليلته ثم أصبح فأذن المؤذن بالصلاة ثم ثوب فلما رأى المسلمون أن نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يخرج أمروا مؤذنا فدخل عليه فإذا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شديد الوصب فقال الصلاة يا رسول اللَّه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لا أستطيع الصلاة خارجا، وسأله من على الباب فأخبره من كان عليه فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: مر عمر بن الخطاب فليصل بالناس. فخرج بلال المؤذن وهو يبكي فقال له المسلمون: ما وراءك يا بلال؟ فقال إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يستطيع الصلاة خارجا فبكى بكاء شديدا وقال. لعمر ابن الخطاب إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يأمرك أن تصلي بالناس، قال: ما كنت لأتقدم بين يدي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأبدا فادخل على نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فأخبره أن أبا بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وبالذي قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: نعم ما رأى مر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصل بالناس فخرج إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأمره فصلّى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس ثمانية أيام واشتد برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه في تلك الأيام فدخل عليه العباس بن عبد المطلب عمه- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- وقد أغمي عليه فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لأزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وسلّم لو لددتنه! قلن: إنا لا نجترئ على ذلك وأخذ العباس- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- فلده. فأفاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من لدني؟ فقد أقسمت ليلدن إلا أن يكون العباس فإنكم لددتمونى وأنا صائم، قلن: إن العباس هو لدك، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم وما حملكم على اللدود وما خفتن علي؟ قالوا: خفنا عليك ذات الجنب، قال: إن اللَّه تعالى لم يكن ليسلطه علي فيجاف رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجعه ذلك يومه، فخرج من العدد هو اليوم العاشر الّذي مات فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فصلّى بالناس صلاة الغداة ورأى المؤمنون أنه قد برأ ففرحوا به فرحا شديدا ثم جلس في مصلاه يحدثهم ويقول: لعن اللَّه أقواما اتخذوا قبورهم مساجدهم يعني اليهود والنصارى وحدثهم حتى أضحى ثم أقام صلّى اللَّه عليه وسلم إلى بيته فلم يتفرق الناس من مجلسهم حتى سمعوا صياح النساء وهن يقلن الماء الماء، ترين أنه قد غشي قلبه، وابتدر المسلمون الباب فسبقهم العباس صلّى اللَّه عليه وسلّم فدخل وأغلق الباب دونهم فلم يلبث إلى أن خرج إلى الناس فنعى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لهم نفسه فقالوا: يا عباس ما أدراك منه؟ قال: أدركته وهو يقول جلال ربي الرفيع قد بلغت، ثم قضي، فكان هذا آخر شيء تكلم به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وكانت وفاته صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة فقال رجل من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: كيف يموت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ولم يظهر على الدين؟ إنما أغمي على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فأتوا الباب فقالوا: لا تدفنوه فإنه حي، فخرج العباس صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: أيها الناس هل عند أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في شأن وفاته؟ قالوا: قال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أحمد اللَّه أنا أشهد أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد ذاق الموت ولقد أخبره اللَّه تعالى بذلك وهو بين أظهركم فقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [ (1) ] . فعرف الناس أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قد توفي فخلوا بينه وبين أهله فغسلوه وكفنوه فقال بعضهم: ادفنوه عند المقام في مصلاه فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إنما عهدكم برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قبل أن يموت بساعة وهو يقول:
لعن اللَّه قوما اتخذوا قبورهم مساجدا وإنما ذكر ذلك لكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم لكيلا تدفنوه في مصلاه، فقالوا: فيدفن إذا بالبقيع، قال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لعمر: واللَّه لا ندفنه بالبقيع قالوا: لم؟ قال لأنه لا يزال عبدا وأمره يعود إلى بيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فتأتيه سيدة فتحتجه قالوا: فأين ندفنه قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: حيث نزع اللَّه عز وجل نفسه، ففعلوا فلما فرغوا من غسله وتكفينه وضعوه حيث توفى، فصلّى الناس عليه يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ودفن الأربعاء، وكانت صلاة الناس عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم بغير إمام فبدأ المهاجرون فجعلوا يدخلون البيت ما وسع منهم فيصلون عليه صلّى اللَّه عليه وسلّم ويستغفرون له بغير إمام ثم يخرجون ويدخل آخرون فيفعلون مثل ذلك فلما فرغ المهاجرون دخلت الأنصار ففعلوا مثل ما فعل المهاجرون، ثم نساء المهاجرين ثم نساء الأنصار بعد، ولما أخذوا في دفنه صاحت الأنصار وقالوا: اجعل لنا نصيبا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم عند موته فإنا قد كنا منه بمنزلة في حياته، ففعلوا فأدخلوا أوس بن خولي من الأنصار من بني الحبلي فكان فيمن دفن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم. قال المعتمر بن سليمان سمعت أبى يقول ما لا أحصي: ما أعلم بعد القرآن كتابا أصح من هذه السيرة واللَّه تعالى أعلم. ذكر سيف بن عمر التميمي في كتاب (الردة) عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- قال: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم لسبع بقين من ذي الحجة أو ثمان فوجد صداعا يوم قدم وفترة وقدم عليه في أول يومه ذلك خلع من البحرين من ربيعة وقدم وافدهم في أثره بالسلم فوافق النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد ندب الناس إليهم فوضع البعث وأمضى عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى عثمان إلى صفر بن الجليدى يدعوه فمضى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دعوة النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم من ذلك الصداع وتلك الفترة لأيام بقين من ذي الحجة وكان المتحلل من الشعر. عن الشعبي عن نفر من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قالوا: قدم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرجعه من حجته فتخلل به السير فما زال مجلوطا حتى استقر به الوجع وقام به خطيبا
ذكر نعي النبي صلى الله عليه وسلم وإنذاره بذلك قبل موته عليه السلام
في آخر يوم من ذي الحجة فقال: ألا ما تتركوا في جزيرة العرب دينين، انبذوا إلى كل ذي دين خالف الإسلام أن يخرجوا من جزيرة العرب: ألا لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ويتخذون آبارهن معاطن، إن أهل الكتاب خالفوا أنبيائهم واتخذوا قبورهم مساجد، وآبارهم معاطن فلا تضلوا عن سنتي به. ذكر نعي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وإنذاره بذلك قبل موته عليه السلام اعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم لما أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (1) ] كانت علامة لاقتراب، أجله وعارضه جبريل عليه الصلاة والسلام بالقرآن في ذلك العام مرتين فكانت علامة أخرى لأجله وخيره اللَّه تعالى بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، فكانت علامة أخرى لآخر أجله، إلى غير ذلك. فأما نزول إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فخرج البخاري في غزوة الفتح [ (2) ] من طريق موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر
يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حديث علمتم، فدعا ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قوله اللَّه تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس.
وخرج البيهقي من طريق عباد بن العوام، عن هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ دعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: إنه قد نعيت إلي نفسي. فبكت، ثم ضحكت، قالت: وأخبرني أنه نعي إليه نفسه فبكيت، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم لي: اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت [ (1) ] وقال سيف بن عمر: حدثنا محمد بن عون عن يحيى بن معمر الوسقي، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أنزل اللَّه عز وجل علي نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فنعى إليه نفسه فيها، والفتح فتح مكة والنصر على العرب قاطبة ورأينا الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجا وذلك أن الهجرة انقطعت إلى المدينة بعد الفتح، وكانت القبيلة بأسرها تسلم ويقيم مكانها وكان دخولهم قبل ذلك الرجل بعد الرجل والعدة بعد ولاتهم فنقلت فإذا كان ذلك فسبح وأكثروا حمد اللَّه تعالى واستغفروه للأموات من أمتك والأحياء إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً لمن تاب منهم، ففعل صلوات اللَّه وسلامه عليه فأكثروا قال حدثني عطية بن الحارث عن أبي أيوب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يكثر الدعاء للأحياء والأموات ويكثر الاستغفار للأموات ولا سيما من استشهد قبل الفتح حتى إذا حج حجة التمام، فهي حجة الإسلام، زادني ذلك وعرف أن الأمر قد أظله، فكان في ذلك
منصرفه من حجته كالرجل الّذي ينذر الغارة ويقول: اسم اسم صبحتم أو مسيتم ويأتي البقيع كل خميس ويستغفر لأهله. وقال سيف عن عطية عن الضحاك. عن ابن عبّاس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان اللَّه عز وجل قد عهد إلى نبيه صلّى اللَّه عليه وسلّم أنه متوفيه على حين فراغة من الّذي نعته به، وأمره أن ينعي إلى أمته نفسه بعزته لكيلا يفتتنوا من بعده فقرأ عليهم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقص عليهم رؤيا رآها أن القمر ولي إليه ثم رفع وقال لهم غداة عرفات: إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. وعن محمد بن كريب، عن أمية، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قد نعى لنا نبي اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نفسه مرارا لو علمنا عنه، فكره أن يفجعنا فلم نعرف ما ذاك حتى كان من أمره حين أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وحين قال: إني رأيت بأن القمر ولي لي بامرأتين فركبته ثم رفعت إلي السماء حين قال: إني لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا أبدا وقوله صلّى اللَّه عليه وسلّم على المنبر: إن عبدا خيره اللَّه تعالى أن يكون ملكا مخلدا في الدنيا ما بقيت، ثم الجنة وبين ما عنده. فاختار ما عند اللَّه عزّ وجلّ. وقال سيف: عن الوليد بن عبد اللَّه عن أبيه، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: آخر من بعث النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى الملوك عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- منصرفه من حجته وكان كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذلك آخر حجة أصبح بها علي من يليه إلي من وراءه حتى يجاز عليه فتمت حجة اللَّه وكمل الدين فأوضح النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم شأن موته عند تكامل الأحكام فأدرج الأمور إدراجا وما ندري لم ذلك حتى وقع الأمر. وخرج البيهقي من طريق راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكونيّ أن معاذ بن جبل صلّى اللَّه عليه وسلّم راكب ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري. فبكى معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: البكاء أو إن البكاء من الشيطان [ (1) ] .
وأما نعيه نفسه صلى الله عليه وسلم إلى ابنته فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها بأنه عارضه جبريل عليه الصلاة والسلام القرآن مرتين
وأما نعيه نفسه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى ابنته فاطمة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها بأنه عارضه جبريل عليه الصلاة والسلام القرآن مرتين فخرج البخاري في علامات النبوة في الإسلام من طريق زكريا، عن فراس الشعبي، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال أقبلت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم مرحبا يا ابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثا فبكت فقال لها: لا تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقالت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن: فسألتها عما قال فقالت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: ما كنت لأفشي سر رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى قبض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فسألتها فقالت اسر إلي أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضي العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي وأنك أول أهل بيتي لحاقا بى، فبكيت. فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة! أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك [ (1) ] وخرجه مسلم من حديث زكريا عن فراس بنحوه أو قريب منه [ (2) ] وأخرجاه من حديث أبي عوانة، عن فراس، عن عامر عن مسروق قال: حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إنا أزواج النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم عنده لم يغادر منهن واحدة فأقبلت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي ما تخطىء مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم شيئا. وقال البخاري لا واللَّه ما تخطئ مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فلما رآها رحب بها فقال: مرحبا يا بنيتي، ثم أجلسها عن يمينه أو شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت فقلت لها: خصك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من بين نسائه بالسرار،
ثم أنت تبكين، فلما قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم سألتها: ما قال لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قالت: ما كنت أفشي على رسول صلّى اللَّه عليه وسلّم سرّه قالت: فلما توفي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قلت؟ لها عزمت عليك بمالي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقالت: أما الآن فنعم: أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضه الآن مرتين. وقال البخاري: وإنه قد عارضني به العام مرتين وإني لا أري الأجل إلا قد اقترب فاتقى اللَّه تعالى واصبري فإنه نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت، فلما رأي جزعي سارني في الثانية فقال: صلّى اللَّه عليه وسلّم يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ قالت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فضحكت ضحكي الّذي رأيت [ (1) ] . أخّر عند البخاري: هذه الأمة، وقال فيه: فقلت لها أيّا من نسائه خصك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم بالسر بيننا ثم أتيت تبكين؟ وقال فيه مسلم: في كل سنة مرة أو مرتين. وخرجه النسائي [ (2) ] وقال فيه: فجاءت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تمشي ولا واللَّه أن تخطي مشيتها من مشية رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم حتى انتهت إليه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: مرحبا يا بنيتي. أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان [ (3) ] في باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به. وخرج في باب علامات النبوة في الإسلام (سبق تخريجه) وفي آخر المغازي (المرجع السابق: 8/ 171، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، حديث رقم (4433- 4434) .) وفي باب مرض النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ووفاته، من حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دعا النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم فاطمة ابنته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في شكواه الّذي قبض فيه صلّى اللَّه عليه وسلّم فسارّها بشيء
فبكيت، ثم دعاها فسارها بشيء فضحكت، فسألنا عن ذلك فقالت: سارني النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الّذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول أهله يتبعه فضحكت. وخرجه البيهقي من طريق سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا يونس بن يزيد قال: حدثنا ابن غزية، عن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، أن فاطمة بنت الحسين، حدثته أن عائشة، حدثتها أنها كانت تقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال في مرضه الّذي قبض فيه لفاطمة: يا بنية أحني علي، فأحنت عليه، فناجاها ساعة، ثم انكشفت عنه، وهي تبكي وعائشة حاضرة ثم قال رسول اللَّه بعد ذلك بساعة: أحني علي بنية فأحنت عليه فناجاها ساعة، ثم انكشفت تضحك. قال: فقالت عائشة. أي بنية أخبرينى ماذا
ناجاك أبوك؟ قالت فاطمة، أوشكت رأيته ناجاني على حال سر! وظننت أني أخبر بسره وهو حي! قال: فشق ذلك على عائشة أن يكون سرا دونها. فلما قبضه اللَّه إليه، قالت عائشة لفاطمة: ألا تخبريني بذلك الخبر؟ قالت: أما الآن، فنعم، ناجاني في المرة الأولى، فأخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة، وأنه عارضني بالقرآن العام مرتين. وأخبرنى أنه لم يكن نبي كان بعده إلا عاش بعده نصف عمر الّذي كان قبله، وأخبرنى أن عيسى ابن مريم عليه السلام، عاش عشرين ومائة سنة، فلا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين، فأبكاني ذلك. وقال: يا بنية إنه ليس أحد من نساء المسلمين أعظم رزية منكم، فلا تكوني من أدنى امرأة صبرا- وناجاني في المرة الآخرة. فأخبرني أني أول أهله لحوقا به. وقال: إنك سيدة نساء أهل الجنة. إلا ما كان من البتول مريم بنت عمران، فضحكت لذلك [ (1) ] . خرجه مسلم في المناقب قال البيهقي: كذا في هذه الرواية [ (2) ] وقد روى عن ابن المسيب قال: إن عيسى ابن مريم عليه السلام حين رفع إلى السماء كان ابن ثلاث وثلاثين سنة، وعن وهب بن منبه اثنان وثلاثون سنة، فإن صح قول ابن المسيب ووهب فالمراد من الحديث واللَّه أعلم بما يبقى في الأرض بعد نزوله من السماء. قال المؤلف: هذا حديث حسن فإنه متن رواية يحيي بن أيوب أبي زكريا العلاف المصري، قال النسائي: صالح ورواه يحيى عن سعيد بن أبي مريم عن سعد بن الحكم بن محمد بن سالم الجمحيّ أبو محمد الحافظ الثقة الفقيه ورواه ابن أبي مريم، عن نافع بن يزيد الكلاعي بن يزيد قال أحمد بن صالح كان من ثقات الناس وعمارة بن غزية بن الحارث بن عمرو الأنصاري ومعه أحمد وأبو زرعة.
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بما خيره الله تعالى بين الدنيا والآخرة
وأما إخباره صلى اللَّه عليه وسلّم بما خيره اللَّه تعالى بين الدنيا والآخرة فخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير وإبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال حدثني عبد اللَّه بن عمر بن ربيعة عن عبيد مولى الحكم عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة [ (1) ] مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أنبهنى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من الليل فقال: يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فخرجت معه حتى أتينا البقيع فرفع يديه فاستغفر لهؤلاء ثم قال: ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى: يا أبا مويهبة إني قد أعطيت مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة، فقلت يا رسول اللَّه بأبي أنت وأمي، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا، والخلد فيها، ثم الجنة، فقال صلى اللَّه عليه وسلّم: يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم فلما أصبح ابتدئ بوجعه الّذي قبضه اللَّه تعالي فيه [ (2) ] وذكره الواقدي من حديث معمر وجماعة قالوا: قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وثب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم من مضجعه من جوف الليل فقلت: أين بأبي وأمي أي رسول اللَّه قال: أمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فخرج حتى جاء البقيع فاستغفر لهم ليلا طويلا ثم قال. ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضا، يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى ثم قال: يا أبا مويهبة، إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد، ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فقلت: بأبي وأمي، فخذ خزائن الدنيا والخلد، ثم الجنة فقال: يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم انصرف، وذلك ليلة الأربعاء، فأصبح صلى اللَّه عليه وسلّم محموما لليلتين بقيتا من صفر، وتوفي صلى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول.
وقد خرج الحاكم حديث أبي مويهبة من طريق إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق كما تقدم، وقال: صحيح علي شرط مسلم إلا أنه عجيب بهذا الإسناد [ (1) ] وخرج البيهقي من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: نصرت بالرعب، وأعطيت الخزائن، وخيرت بين أن أبقي حتى أري ما يفتح علي أمتي وبين التعجيل، فاخترت التعجيل. قال: هذا مرسل وهو شاهد لحديث أبي مويهبة [ (2) ] وخرج سيف عن مبشر بن الفضيل، عن عبيد بن حنين، عن أبي مويهبة قال: أهبني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم في المحرم مرجعه من حجته، وما أدرى أما مضى من الليل أكثر أو ما بقي منه فقلت: أين تريد بأبي وأمي؟ فقال: يا أبا مويهبة انطلق فإنّي قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع، قال: فخرج وخرجت معه حتى إذا جاءه استغفر لهم طويلا قائما وقاعدا، ثم قال: إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد فيها فخيرت بين ذلك والجنة، وبين لقاء ربي قال: قلت والجنة. قال: قلت بأبي أنت وأمي، خذ خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة قال: لا واللَّه يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة. قال: ثم وجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم واشتكى بعد ذلك بأيام.
وخرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والترمذي [ (3) ] ، من حديث مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد اللَّه عن عبيد- يعني ابن حنين- عن أبى سعيد الخدريّ صلى اللَّه عليه وسلّم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم جلس علي المنبر فقال: إن عبدا خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا له. وقال الناس: انظروا إلي هذا الشيخ يخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن عبد خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا. فعجبنا له. وقال الناس: انظروا إلي هذا الشيخ يخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم عن عبد خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم هو المخيّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا به. وقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم: إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلا، إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر.
ذكر مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته عليه السلام
ذكر مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته عليه السلام ابتدأ به صلى اللَّه عليه وسلّم صداع في أواخر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة. وقال الواقدي: وحدثني أبو معمر عن محمد بن قيس قال: اشتكى صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- شكوى شديدة حتى قيل هو مجنوب يعني ذات الجنب واجتمع إليه نساؤه كلهن، اشتكى ثلاثة عشرة وتوفي صلّى اللَّه عليه وسلّم في يوم الاثنين لليلتين مضيتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. قالوا: بدئ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتوفى صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وهو الثّبت عندنا. وحدثني معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: بدئ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة زوجته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وخرج البخاري من حديث يحيي بن أبي زكريا، أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: وا رأساه. فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: ذلك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا ثكلياه، واللَّه إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا وا رأساه، لقد همت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون. ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] .
خرج النسائي من حديث محمد بن مسلمة، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رجع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من جنازة وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم أنا وا رأساه، ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: وما ضرك لو مت قبلك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك، ثم دفنتك، قالت: لكأنّي بك لو فعلت ذلك ثم رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم بدئ في مرضه الّذي مات فيه. وخرجه أيضا من طريق محمد بن مسلمة عن بن إسحاق عن يعقوب عن الزهري، وعن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عروة ابن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رجع النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا يا عائشة وا رأساه. ثم قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: واللَّه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنك وصليت عليك ثم دفنتك؟ قالت: لكأنّي بك واللَّه لو فعلت ذلك قد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم بدئ بوجعه الّذي مات به، يعنى فيه. ورواه من حديث إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل علي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم
في اليوم الّذي بدئ فيه، فقلت: وا رأساه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنك، فقلت: كأني بك ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك! قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا وا رأساه، أدعو إلي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا، فإنّي أخاف أن يقول قائل أو يتمنى متمن ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني يعقوب بن عتبة ابن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وا رأساه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه، ثم قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك؟ فقلت: واللَّه إني لأحسب أنه لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي آخر النهار فأعرست بها، فضحك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم تمادى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه، فاستقر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فاجتمع إليه أهله، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إنا لنرى برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات الجنب فهلموا فلنلده، فلدوه، وأفاق رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم فقال: من فعل هذا؟ قالوا: عمك العباس، تخوف أن يكون بك ذات الجنب، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها من الشيطان، وما كان اللَّه تعالى ليسلطه عليّ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فلدّ أهل البيت كلهم حتى ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وإنها لصائمة يومئذ، وذلك بعين رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ثم أستأذن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم نسائه أن يمرض في بيتي، فخرج صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيتي فهو صلّى اللَّه عليه وسلّم بين العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبين رجل آخر لم تسمه قدماه تخطان الأرض إلى بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قال عبيد اللَّه: فحدثت هذا الحديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: تدري من الرجل الآخر الّذي كان مع العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قلت: لا
قال: هو عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه. وقال سيف: عن سعيد عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: اشتكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وجعه الّذي ألمه في ليلة صفر واشتكيت في تلك الليلة شكوى فجاءني النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم وأنا في صرة أنادي: وا عماه، وا رأساه، عاصبا صلّى اللَّه عليه وسلّم رأسه يعودني، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: لقد طرقني يا عائشة طارق من صداع فما برح بي، ولكن وجهك صوري فكيف بحديثك؟ قالت: والّذي بعث محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم بالحق لقد فزعت فزعة طار عني ما أحذرني حتى ما أخشى منه شيئا، وقربت إليه فالتزمته وأنا أقول: وا ويلاه، فقال: وأخبراه، لا تدعى بالويل، وأقبل يمازحني حتى سكنني وإنه لمثبت، وفزع الناس بضحكي فأقبلوا فقال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم: إليكم فإنه لم يحدث إلا خيرا، فتراجع الناس ولزمه النسوة ودرن معه دورة ثم استأذنهن في بيتي، فأذن له. وقال سيف: عن محمد بن إسحاق، عن الزهريّ ويزيد بن رومان وأبي بكر بن عبد اللَّه: أن الّذي كان ابتدئ به رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم من وجعه الّذي لزمه أن دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم يجد صداعا فوجدها بصداع وتقول: وا رأساه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه فو اللَّه لقد طاوعني ما لقد ولدت أن استطار، فسكنني صلّى اللَّه عليه وسلّم بالمزاح عليّ بحسم منه فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: ما ضرك يا عائشة لو مت قبلي فأقوم عليك وأصلّى عليك؟ فقالت له: لكأنّي بك قد فعلت وأعرست مع نسائك في آخر ذلك اليوم! فتبسم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم تمادى به وجعه وهو صلّى اللَّه عليه وسلّم في ذلك يدور على نسائه حتى استقر برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وهو في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. قالت: فلما رأوا ما به اجتمع رأي من في البيت علي أن يلدّوه وتخوفوا أن يكون به ذات الجنب، ففعلوا، ثم فرج عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وقد لدوّه، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم من صنع بى هذا؟ فهبنه، واعتللن بالعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاتخذ جميع من في البيت العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سببا، ولم يكن له في ذلك رأي، فقالوا: يا رسول اللَّه: عمك العباس-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بذلك، وتخوفنا أن يكون ذلك ذات الجنب فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: إنها من الشيطان ولم يكن اللَّه- عز وجل- يسلطه علي ولكن هذا عمل النساء، لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس فلدوا كلهم ولدت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وكانت صائمة لقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ثم خرج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم إلي بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنها وكان يومها بين العباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعاله عنه- ممسك بظهره ورجلاه صلّى اللَّه عليه وسلّم تخطان في الأرض حتى دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلم يزل عندها مغلوبا لا يقدر على الخروج، وغير مغلوب وهو لا يقدر على الخروج من بيتها إلى غيره. وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كره رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم ما صنع به في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: غدا في بيت عائشة فهل تطبن إلى المقام في بيت إحداكن حتى يقضي اللَّه تعالى في قضاءه؟ فقلن: نعم فأتاني في بيتي وفي يومي، وكان آخر أيامه يومي، كان صلّى اللَّه عليه وسلّم يدور علينا. وقال الواقدي: حدثني عاصم بن عبد اللَّه بن عمرو بن الحكم قال: قام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- سبعة أيام يبعث إلى نسائه أسماء بنت عميس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يقول: إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يشق عليه أن يدور عليكن فأحللنه فكن يحللنه. وحدثني إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: كانت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم تدور على نسائه وتقول: أحللنه فيحللنه. وحدثني ابن أبي سبرة عن يحيى بن سهل، عن أبي جعفر قال: كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل في ثوب ويطاف به على نسائه، وذلك أن زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كلمته في ذلك فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم: فأنا أدور عليكن، فكان صلّى اللَّه عليه وسلّم يحمل في ثوب ويحمل جوانبه الأربع، يحمله أبو رافع مولاه وأبو مويهبة، وشقران، وثوبان، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم
حتى يقسم لهن كما يقسم، فجعل صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: أين أنا غدا؟ فيقولون: عند فلانة فعرف أزواجه أنه يريد عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلن: يا رسول اللَّه قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة. قال سيف: عن سبط، عن نعيم بن أبي هند، عن شقيق بن سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: لما اشتكى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم جعل يدور بين نسائه ويتحامل، فقال صلّى اللَّه عليه وسلّم يوما لهن وهن مجتمعات عنده: قد ترين ما أصابنى من الشكوى وهو يستند علي أن أدور بينكن فلو أذنتن لي في بيت إحداكن حتى أعلم ما يصنع اللَّه تعالى، فقالت إحداهن: أي نبي اللَّه، قد أذناك وعرفنا البيت الّذي تريد، فتحول إليه فالزمه، فإنا لو قدرنا أن نفديك بأنفسنا فديناك وسررناك، فقال: فأي بيت هو؟ قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى- عنها: لا تعدل به فتحول إلي بيتي. وقال سيف: عن هشام بن عروة، عن أبيه أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم كان يقول في وجعه وهو يدور على نسائه: أين أنا غدا؟ فنقول: عند فلانة، فإذا كان الغد قال: أين أنا غدا؟ فما زال ذلك من قوله كل يوم حتى قيل: عند عائشة في اليوم الّذي استأذن نساءه فيه في المقام في بيت إحداهن، ففرح حتى عرف القوم فيه ألحقه. وقال سيف، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال: إن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم قال وهو في مرضه، وهو عند نسائه: أين أنا غدا؟ قالوا عند فلانة، ثم سأل صلّى اللَّه عليه وسلّم أيضا فقال: أين أنا غدا؟ فكذلك حتى قال بعض نسائه: إنما يريد يوم بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فأذن له، قلن له: يا رسول اللَّه إنما نحن أخوات فأنت في حل، قال صلّى اللَّه عليه وسلّم: أجل، فسر بذلك. قال الواقدي: فحدثني عاصم بن عبد اللَّه عن عمرو بن الحكم قال: فنقل صلّى اللَّه عليه وسلّم إلى بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يوم الأربعاء الآخر حتى توفي، فأقام صلّى اللَّه عليه وسلّم في بيتها، قال: وقالوا: لما مرض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم أخذته بحة شديدة مع حمى معظمة.
وقال سيف: عن الوليد بن كعب عن أبيه، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: طلب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يمرضه فقال، صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا بكر، هو ابتلاء لأهلي أن يمرضوني، وقد وقع أجرك على اللَّه، فوليت تمريضه ما دام الرجال يدخلون عليه، فلما ارتفعوا خاليته والنسوة. وقال البخاري: وقال يونس عن الزهري: قال عروة: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقول في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه قال: لأن أحلف تسعا أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قتل قتلا أحب إليّ من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل. وذلك أن اللَّه تعالى اتخذه نبيا واتخذه شهيدا. [ (2) ] وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه، عن ابن أبي مليكة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخلت أم شريك على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يجد غما ونفسا فقال: يا أم بشر هذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من الأكلة التي أكلتها أنا وأبوك يوم خيبر. قالت: وكانت امرأة من أهل خيبر أتتهما بشاة مصلية مسمومة، فأهوى أبوها إلى اللقمة ونهش النبي صلى اللَّه عليه وسلم الذراع، فقالت الذراع: لا تأكل فإنّي مسمومة، فرمي بها وتعقبه منها ما تعقب. وقال الواقدي: فحدثني معمر ومالك عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ على
نفسه بالمعوذات، فلما مرض وثقل كنت أقرأها في يديه وأمسح بهما جسده وألتمس بذلك بركة يديه، ودخلت عليه في مرضه أم بشر بنت البراء بن معرور فقالت: يا رسول اللَّه ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد! فقال صلى اللَّه عليه وسلم وما كان اللَّه تعالى ليسلطها على رسوله إنها همزة من الشيطان، ولكنها من الأكلة التي أكلت أنا وابنك بخيبر من الشاة، كان يصيبني منها عداد مرة فكان هذا أوان انقطاع أبهري، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شهيدا. وخرج البخاري [ (1) ] من حديث الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: إن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين العباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد اللَّه: فأخبرت عبد اللَّه بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد اللَّه بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الّذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي، وكانت عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم تحدث أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن، لعلي أعهد إلى الناس، وأجلسناه في مخضب لحفصة زوجة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن. قالت: ثم خرج صلى اللَّه عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم وخطبهم. وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: إن عائشة وعبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة اللَّه على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا. وأخبرني عبيد اللَّه أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لقد راجعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا يقوم مقامه أبدا، وإلا كنت أرى أنه لن
يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هكذا ذكر البخاري هذا الحديث في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . قال الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد أن دخل بيتها واشتد وجعه قال: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فأجلسناه في مخضب لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل الأيرن من صفر وطفقنا نصب عليه تلك القرب حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج صلى اللَّه عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم وخطبهم، قالوا: وكانت تلك القرب من بئر أبي أيوب الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرج البيهقي حديث: «وإن اللَّه خير عبدا» ، ثم قال: وهذا الّذي رواه أبو سعيد الخدريّ وأبو يعلي الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في خطبة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، إنما كان ذلك حين خرج في مرضه بعد ما اغتسل ليعهد الي الناس والّذي يدل على ذلك فذكر ما خرجه البخاري من حديث وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يعلي بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد على المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي
قحافة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ذكره في كتاب الصلاة، في باب الخوخة والممر في المسجد [ (1) ] . وخرجه في المناقب مختصرا من حديث وهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-[ (2) ] . وخرج النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد اللَّه بن الحارث، قال: قال لي خبّاب: إنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يتوفى يقول: قد كان إخوة وأصدقاء فأراني أبرأ إلي كل خليل من خلّته، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلا، كما اتخذ أبي إبراهيم خليلا، ألا ولا تتخذوا القبور مساجد، فإنّي أنهاكم عن ذلك، ذكره في تفسير سورة النساء. قال البيهقيّ: وفي هذه الخطبة، قال: فذكر ما خرجه البخاري في علامات النبوة في الإسلام من حديث أبي نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة الغسيل حدثنا، عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه في ملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس كالملح في الطعام فمن ولي منكم شيئا يضرّ فيه قوما وينفع آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فكان آخر مجلس جلس فيه النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . وذكر من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن أيوب بن بشير قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال في مرضه: أفيضوا عليّ سبع قرب
من سبع آبار شتّى، حتى أخرج وأعهد إلي الناس، ففعلوا، فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد اللَّه تعالى والثناء على أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا لهم، ثم قال: يا معشر المهاجرين، إنكم قد أصبحتم تزيدون والأنصار علي هيئتها لا يزيدون، وإنهم عيبتي التي آويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: أيها الناس إن عبدا من عباد اللَّه تعالى قد خيّره اللَّه تعالى بين الدنيا وبين ما عند اللَّه تعالى فاختار ما عند اللَّه عز وجل ففهمها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من بين الناس فبكى، ثم قال: نفديك بأنفسنا وآبائنا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، انظروا إلى هذه البيوت الشارعة في المسجد فسدوها، الا ما كان من بيت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- فإنّي لا أعلم أحدا أفضل عندي يدا في الصحبة منه [ (1) ] قال البيهقي: هذا وإن كان مرسلا ففيه ما في حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من تاريخ هذه الخطبة وأنها كانت بعد ما اغتسل ليعهد إلي الناس، وينعي نفسه إليهم. وخرج من طريق الواقدي. قال حدثني فروة بن زبيد طوسا، عن عائشة بنت سعد، عن أم ذرّة، عن أم سلمة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عاصبا رأسه بخرقة، فلما استوى علي المنبر أحدق الناس بالمنبر واستكفوا، فقال: والّذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض ساعة، ثم تشهّد فلما قضي تشهده، كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: إن عبدا من عباد اللَّه تعالى خيّر بين الدنيا وبين ما عند اللَّه عز وجل، فاختار العبد ما عند اللَّه تعالى، فبكى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعجبنا لبكائه. وقال: بأبي وأمي، نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا، فكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هو المخيّر وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أعلمنا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: على رسلك. [ (1) ] وخرجه الواقدي عن عروة به، قال في آخره: قال عمر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- يا رسول اللَّه دعني افتح كوّة فأنظر إليك حين تخرج إلى الصلاة فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لا. وقال سيف: عن محمد بن إسحاق، [ (1) ] عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن نغسّله من سبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك وصببنا عليه فوجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم راحة فخرج يصلى بالناس واستغفر لأهل أحد ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون، وأصبحت الأنصار على هيئتها التي هي عليها اليوم، إلا أن الأنصار عيبتي التي آويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال: إن عبدا من عباد اللَّه تعالى خيّره ما بين الدنيا وبين ما عند اللَّه عزّ وجل، فاختار ما عند اللَّه تعالى فبكى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وظنّ أنه يريد نفسه، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنّي لا أعلم امرأ أفضل عندي في الصحبة من أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفع يومئذ صوته حتى أسمع من وراء المسجد، فقال: أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت فتن كقطع الليل المظلم وإنها آكلة من وجدت على رأس خمس وثلاثين سنة، إلا من تمسّك بالثقلين من كتاب اللَّه تعالى وسنتي وإني لم أحلّ إلا ما أحل القرآن ولم أحرّم إلا ما حرّم القرآن، والمسلمون شهود اللَّه فيما لم يكن فيه كتاب ولا سنة فما حسنوه فحسن وما قبحوه فقبيح، فالزموا الجماعة والطاعة، فأما الجماعة فالسنة، وأما الطاعة فالعصمة، ثم دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيته وقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس. وقال الواقدي: قالت أم ذرّة: فسمعت أبا سعيد- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- يقول: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ مشتملا قد طرح طرفي ثوبه على عاتقه عاصبا رأسه بعصابة، وقال بعد التشهد: يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد علي هيئتها التي هي عليها اليوم وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها فاحفظوني فيهم، فأكرموا كريمهم، وأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. قال: واعترض رجل فقال يا رسول اللَّه: ما بال أبواب أمرت فيها أن تفتح وأبواب أمرت بها أن تغلق؟ فقال صلى اللَّه عليه وسلم ما فتحتها ولا أوصدتها عن أمرى. وخرج البيهقي من حديث معن بن عيسى القزاز عن الحارث بن عبد الملك ابن عبد اللَّه بن إياس الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: أتانى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا وقد عصب رأسه فقال: خذ بيدي يا فضل، قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: ناد في الناس يا فضل، فناديت: الصلاة جامعة، قال: فاجتمعوا فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خطيبا. فقال: أما بعد، أيها الناس، وإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم، ولن تروني في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا، فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت أخذت له مالا، فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد، ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن من أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له عليّ وحللني، فلقيت اللَّه تعالى وليست عندي لأحد مظلمة [ (1) ] . قال: فقام رجل فيهم: فقال: يا رسول اللَّه! لي عندك ثلاثة دراهم فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أما أنا فلا أكذّب قائلا ولا مستحلفه على يمين، فيم كانت لك عندي؟ قال: أما تذكر أنه مرّ بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم؟ قال
صلى اللَّه عليه وسلم أعطه يا فضل. قال: قال: فأمر به فجلس [ (1) ] . ثم عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مقالته الأولى، ثم قال أيها الناس من كان عنده من الغلول شيء فليرده، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه! عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل اللَّه، قال صلى اللَّه عليه وسلم: ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجا فقال صلى اللَّه عليه وسلم خذها منه يا فضل [ (2) ] . ثم عاد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مقالته الأولى وقال: أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو اللَّه عز وجل ذكره له، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه: إني لمنافق، وإني لكذوب، وإني لنؤوم، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ويحك أيها الرجل! لقد سترك اللَّه تعالى، لو سترت على نفسك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللَّهمّ ارزقه صدقا، وإيمانا، وأذهب عنه النوم إذا شاء، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عمر معى، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه ... [ (3) ] . وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: لما رأت الأنصار أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد فدخل العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاعلمه بمكانهم ثم دخل عليه الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأعلمه بمثل ذلك، فمد يده فقال: هنا فيتناولوه، فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون نخشى أن تموت وفضائح نسائهم لاجتماع رجالهم إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فثار النبي صلى اللَّه عليه وسلم فخرج متوكئا على علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أمامه والنبي صلى اللَّه عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجله حتى جلس على أسفل مرقاه من المنبر وثاب الناس إليه فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس بلغني أنكم تخافون عليّ الموت كافة استنكارا منكم للموت وما تنكرون من موت.
نبيكم؟ ألم أنع لكم وتنعي لكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي ممن بعث إليه فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق وإنكم لاحقون به، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصى المهاجرين فيما بينهم، وإن اللَّه عزّ وجلّ قال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [ (1) ] إلي آخرها، وإن الأمور تجري بإذن اللَّه تعالى، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن اللَّه عز وجل لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب اللَّه غلبه، ومن خادع اللَّه خدعه فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [ (2) ] وأوصيكم بالأنصار خيرا فإنّهم الذين يتبوءوا الدار والإيمان، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يتوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن إن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وأنا فرط لكم وأنتم لاحقون بي، ألا وإن موعدكم الحوض حين أعرض مما بين، بصري الشام، وصنعاء اليمن، فصب فيه ميزاب الكعبة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، من يشرب منه لم يظمأ أبدا، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كلّه، ألا فمن أحب أن يرد عليّ غدا فليكفف يده ولسانه إلا مما ينبغي. فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا نبيّ اللَّه، أوص بقريش، فقال: إنما أوصى بهذا الأمر قريشا، الناس تبع لقريش من أبرهم وفاجرهم فاستوصوا، إن قريشا بالناس خيرا، يا أيها الناس، إن الذنوب تغير النعم، وتبدل القسم، وإذا برّ الناس برّهم أئمتهم، وإذا فجروا عقوهم. قال اللَّه عز وجل: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (3) ] .
ذكر إرادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتابا لأصحابه وقد اشتد به الوجع
ذكر إرادة الرسول صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب كتابا لأصحابه وقد اشتد به الوجع خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس قال لما حضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب اللَّه، واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر: فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال قوموا عني. قال عبيد اللَّه: فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم. لفظهم فيه متقارب وذكر البخاري في كتاب المرض، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه [ (4) ] ، وفي آخر المغازي، وذكره مسلم في الوصايا، وأخرجه البخاري في كتاب العلم [ (5) ] في باب كتابة العلم من حديث يونس عن الزهري
قال: لما اشتد بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب اللَّه حسبنا، فاختلفوا وأكثروا اللغط: قال صلى اللَّه عليه وسلم قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين كتابه. وخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان. بن عيينة، عن سليمان بن أبي مسلم أنه سمع سعيد بن جبير. قال: إنه سمع ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بلى دمعه، فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه فأمرهم بثلاث: فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، والثالثة إما أن سكت عليها وإما أن
قالها فنسيتها. قال سفيان: هذا من قول سليمان. اللفظ للبخاريّ. ذكره في كتاب الجزية، وذكره مسلم في كتاب الوصايا ولم يقل فكيف؟ ولا قال: مما تدعوا إليه. وقال: لا تضلوا بعدي، وقال: أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجزهم، قال: وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها، ولم يقل: قول سفيان. وذكره البخاري في آخر المغازي [ (1) ] من حديث ابن عيينة، عن سليمان الأحول بهذا الإسناد. ولم يقل: في هذا، ثم بكي حتى بلّ دمعه الحصى، ولا قال: يكتب، وقال: لن تضلوا بعده، وقال: أوصاهم. بثلاث، وقال: سكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها. وذكره في كتاب الجهاد. [ (2) ] وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث سفيان قال: سمعت سليمان يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس. وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ائتوني بكتف والدواة واللوح أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هجر [ (4) ] . وقال الإمام أحمد حدثنا معاوية، [ (5) ] حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة. عن عائشة قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبى بكر كتابا لا يختلف عليه، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: أبى اللَّه والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر. وقال الواقدي: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟ ثم
بكى حتى بل دمعه الحصى، قيل: وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدة أبدا فتنازعوا ولا ينبغي التنازع عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال بعضهم: ما له؟ أهجر؟ فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنده. قال: دعوني فما أنا فيه خير مما تألونني، فأوصاهم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما تروني أجيزهم، وأنفذوا جيش أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قوموا. وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم [ (1) ] . وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه وعبد الملك بن جرير، عن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وعن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه عن أبيه قال: كان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول لما كانت ليلة الخميس وما يوم الخميس، وما يوم الخميس، قال ليلة الخميس وما ليلة الخميس؟ قلت: ليلة الخميس وما ليلة الخميس ويوم الخميس؟ ثم سكت وإذا ذكر الخميس قلت: وما ذاك؟ فقال: هي الليلة التي ثقل فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثقلا ثقل مثله، وهو اليوم التي ثقل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تختلفون بعده. وأغمي عليه فدعا العباس بالدواة والصحيفة، فقال رجل من أهل البيت: رسول اللَّه هجر، فأناق، فقال يا رسول اللَّه إلا نأتيك بالصحيفة التي طلبت والدواة لتكتب لها فيها ما لا نختلف بعده؟ فقال: الآن بعد ما قلتم يهجر؟ فلم نفعل، فأنا مقنع على ما فاته من ذلك. ورواه عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- مثل ذلك قال: وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
يقول: ما ضياع ما ضيع من إضاعة الرأى. قال سيف: عن وائل بن داود، عن يزيد النهي، عن النبي قال: لتؤتونى بكتف وداوة، أكتب لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كتابا لا يختلف عليه معه اثنان من بعدي فأتي بهما قال صلى اللَّه عليه وسلم: ألا معاذ اللَّه لأبي بكر من ذلك، ومعاذ اللَّه أن تختلفوا على أبي بكر. قال البيهقي رحمة اللَّه: وإنما قصد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما قال في التخفيف على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين رآه قد غلب عليه الوجع، ولو كان ما يريد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن يكتب لهم شيئا مفروضا، لا يستغنون عنه أم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول اللَّه عز وجل: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ (1) ] كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وإنما أراد فيما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير اللَّه تعالى ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وا رأساه، ثم بدا له صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يكتب، وقال: يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر، ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها، وإن كان المراد به رفع الخلاف في الدين، قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: علم أن اللَّه تعالى قد أكمل دينه بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ (2) ] وعلم انه لا يحدث واقعه إلى يوم القيامة إلا وفي كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله صلى اللَّه عليه وسلم بيانها، نصا ودلالة وفي نصّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على جميع ذلك في مرض موته مع شدة وعكه، مما يشق عليه، فرأى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الاقتصار على ما سبق بيانه نصا أو دلالة، تخفيفا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولكيلا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول، بما دلّ الكتاب والسنة عليه، وفيما سبق من قوله صلى اللَّه عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، دليل على أنه وكل بيان بعض
الأحكام إلى اجتهاد العلماء، وأنه أحرز من أصاب منهم الأجرين الموعودين: أحدهما بالاجتهاد والآخر بإصابة العين بما عليها من الدلالة في الكتاب والسنة وإنه أحرز من اجتهد فأخطأ أجرا واحدا باجتهاده، ورفع إثم الخطأ عنه وذلك في أحكام الشريعة التي لم يأت بيانها نصا، وإنما ورد خفيا [ (1) ] . فأما مسائل الأصول فقد ورد بيانها جليا، فلا عذر لمن خالف بيانه لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد وإلحاق الفروع بالأصول، بالدلالة مع طلب التخفيف على صاحب الشريعة، وفي ترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الإنكار فيما قال دليل واضح على استصوابه رأيه [ (2) ] [وباللَّه التوفيق] [ (3) ] .
ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد به الوجع أبا بكر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - أن يصلي بالناس
ذكر أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين اشتد به الوجع أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس خرج البخاري من طريق الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود قال: كنا عند عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها، قالت: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس! فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا، فقال الثالثة فقال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من نفسه خفّة فخرج يهادي بين رجلين، كأني انظر رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بصلاته والناس بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم، ذكره في باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة [ (1) ] . وخرج أبو داود عن شعبه عن الأعمش بعضه وزاد أبو معاوية: جلس عن يسار أبى بكر، فكان أبو بكر يصلى قائما. وخرج البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فقلت لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قولي له: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رجل أسيف وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-؟ فقالت له، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:
إنكن لأنتن صواحب يوسف! مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمروا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصلى بالناس قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من نفسه خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حسّه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: قم مكانك، فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. قالت: وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائما يقتدي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر [ (1) ] . وقال البخاري: فكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقتدي بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال البخاري: فكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائما، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ترجم عليه باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم قال: ويذكر عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: ائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم [ (2) ] وخرج مسلم من حديث ابن مسهر وعيسى بن يونس، كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد ونحوه في حديثهما: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي توفي فيه وفي حديث ابن مسهر فأتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى أجلس إلي جنبه وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمعهم التكبير، وفي حديث عيسى: فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلى وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمعهم التكبير وفي حديث عيسى: فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصلي وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- جنبه وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنه- يسمع الناس [ (1) ] وخرجه البخاري من حديث الأعمشي عن إبراهيم عن الأسود. عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس قلت: إن أبا بكر رجل أسيف إن يقم مقامك يبكي فلا يقدر على القراءة فقال: مروا أبا بكر فليصل، فقلت مثله، فقال في الثالثة أو الرابعة: إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل، فصلى وخرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم يهادى بين رجلين كأني انظر إليه يخط برجليه الأرض، فلما رآه أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذهب يتأخر، فأشار إليه أن صل فتأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وقعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلي جنبه وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يسمع الناس التكبير. ترجم عليه باب من أسمع الناس تكبير الإمام. [ (2) ] وخرج البخاري ومسلم من حديث زائدة عن موسى بن أبي عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: بلى، ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصلّي الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك قال: ضعوا لي ماء في المخضب قالت: ففعلنا، فاغتسل صلى اللَّه عليه وسلم ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال صلى اللَّه عليه وسلم أصلّي الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: ضعوا لي ماء في المخضب، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أصلي الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة. قالت: فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان رجلا رقيقا يا عمر- صل بالناس، فقال له عمر
أنت أحق بذلك: فصلى أبو بكر في تلك الأيام. ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين- أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم بأن لا يتأخر، قال لهم: أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم قاعد. قال عبيد اللَّه: فدخلت علي عبد اللَّه بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هات، فعرضت عليه حديثها فما أنكر منه شيئا غير أنه قال: أسمّت لك الرجل الّذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو عليّ. ألفاظهما فيه متقاربة ذكره البخاري في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به [ (1) ] وأخرجه النسائي من حديث عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا زائدة، عن موسى بن أبي عائشة إلى آخره بنحوه، ذكره في باب الائتمام بالإمام يصلي قاعدا، وقال: بعضه عن موسي بن أبي عائشة [ (2) ] . وخرّج البخاري من حديث هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: لما ثقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم واشتد وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج بين رجلين يخط رجلاه الأرض، وكان بين العباس وبين رجل آخر. قال عبيد اللَّه: فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقال لي: وهل تدري من الرجل الّذي لم تسم عائشة؟ قلت: لا، قال: هو علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ذكره في باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة وذكره مختصرا في كتاب الخمس، في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم.
وخرجه مسلم [ (1) ] من طريق عبد الرزاق، قال الزهري: وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبرته قالت: أول ما اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها فأذن له، قالت: خرج ويدا له على الفضل بن العباس ويدا له على رجل آخر، وهو يخط برجله في الأرض فقال عبيد اللَّه: فحدّث به ابن عباس فقال: أتدري من الرجل الّذي لم تسمّ عائشة؟ هو عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وخرجه أيضا من حديث الليث عن عقيل بن خالد قال: ابن شهاب أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود، أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاشتد به وجعه واستأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج بين رجلين يخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبين رجل آخر، قال عبيد اللَّه: فأخبرت عبد اللَّه بالذي قالت عائشة، قال أتدري من الرجل الآخر؟ قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي: كانت مدة مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم اثني عشر يوما، وقيل: أربعة عشر يوما، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يخرج إلى الصلاة إلا أنه انقطع ثلاثة أيام فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس [ (3) ] . قال الواقدي: حدثني بن أبي سبرة عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أبي صعصعة عن عباد بن تميم قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس إلى أن توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبع عشرة صلاة. وحدثني بن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عكرمة قال: صلى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثلاثا يعني ثلاثة أيام. قال سيف: عن طلحة بن عمرو الحضرميّ، عن عبد اللَّه بن أبي نجيح
ومحد بن شريك عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عبد اللَّه بن زمعة قال: جاء بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في أول ربيع الأول فأذن بالصلاة فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مروا أبا بكر يصلي بالناس، فخرجت فلم أر بالباب إلا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رجال ليس فيهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقلت: قم يا عمر فصل بالناس، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر وكان رجلا صيتا، فلما سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صوته بالتكبير قال: أين أبو بكر؟ يأبى اللَّه ذلك والمسلمون ثلاث مرات، مروا أبا بكر فليصلّ بالناس فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا رسول اللَّه: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام في مقامك غلب عليه البكاء، فقال صلى اللَّه عليه وسلم إنكن صواحب يوسف! مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فصلى أبو بكر بعد الصلاة التي صلى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان عمر يقول: لعبد اللَّه بن زمعة بعد ذلك: ويحك ماذا صنعت بي واللَّه لولا أني ظننت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمرك ما فعلت، فيقول عبد اللَّه: إني لم أر أحدا أولى بذلك منك. وقال سيف: عن عبد اللَّه بن الوليد، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- نحوا من ذلك، وقالت عائشة: ما قلت ولا أردت صرف ذلك عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا رغبا به عن الدنيا، ولما في الولاية من المخاطرة والهلكة إلا ما سلّم اللَّه، وخشيت أيضا أن لا يكون الناس يحبون رجلا قام في مقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو حيّ أبدا إلا أن يشاء اللَّه يحسدونه ويبغون عليه ويتشاءمون به فإذا الأمر أمر اللَّه عز وجل والقضاء قضاؤه، وعصمه اللَّه من كل ما تخوفت من أمر الدنيا والدين وسلمت من كل ما تخوفت من أمر الدنيا والناس مما كنت أخاف. قال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند، عن شقيق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما تحول النبي إلى صلاة الصبح فأفاق صلى اللَّه عليه وسلم وقال: هل صلى الناس بعد؟ فقلت: أذّن بلال وهو بالباب ينتظرك أن تخرج فتصلي بالناس، قال صلى اللَّه عليه وسلم: فمروا بلالا فليقم ومروا أبا بكر
فليصل بالناس، فقلت: رقة الصديق ووجده بك ما قد علمت، فمتى يقم مقامك لا يستطيع أن يمضي في صلاته، وأغمي عليه وأفاق، فقال: هل صلى الناس بعد؟ فقال مثل ما قال وأغمي عليه، فقلت لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي إلى جنبي: قد رددت أمر النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرتين وأنا أخاف أن أغضبه فأجبته هذه المرة واشتدي بأبيك فإنه أرفق لذلك، فأفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصلي الناس بعد؟ فقالت حفصة: يا رسول اللَّه إن من رقة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ووجده بك ما قد علمت، ومتى يقم في مقامك لا يستطيع أن يمضي في صلاته، فلو أمرت عمر فصلى بالناس فغضب صلى اللَّه عليه وسلم وقال: دعينى منكن، فإنكنّ صواحب يوسف، وأمر بلالا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يقيم، وأمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس، فصلى بالناس، وكان صلى اللَّه عليه وسلم يؤذنه بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لكل صلاة فإن قدر على الخروج وإلا أمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فيصلي بالناس. وقال عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قلت: يا أمّ المؤمنين كم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بالناس؟ فقالت: اثنى عشر يوما، لا تأتي الصلاة إلا جاء بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الباب يؤذن بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فيقول: مروا أبا بكر فليصل بالناس إلا أن يجد خفة فيخرج، فقلت: فهل صلى خلفه النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: نعم قاعدا ما دام لا يقدر على القيام. قال سيف: عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يصلّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أحد من أمته صلاة تامة إلا خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وصلى صلى اللَّه عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ركعة. قال سيف: عن هلال بن عامر، عن رافع بن عمر عن أبيه قال: حج النبي صلى اللَّه عليه وسلم سنة عشر، ثم رجع فأقام بقية ذي الحجة والمحرم ثم اشتكى في صفر فلما ثقل عن الخروج أمر أبا بكر أن يقوم مقامه وكان يصلى بالناس، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم ربما خرج بعد ما يدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في
ذكر آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - بهم فيما بينهما أياما
الصلاة خلفه ولم يقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أحد من أمته غيره إلا ركعة صلاها في سفر خلف عبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. ذكر آخر صلاة صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بهم فيما بينهما أياما خرج البخاري ومسلم من حديث مالك، عن ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [ (1) ] فقالت: يا بنىّ لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ بها في المغرب. ذكره البخاري في باب القراءة في المغرب [ (2) ] . وخرجه مسلم أيضا من حديث سفيان ويونس ومعمر وصالح وابن كيسان عن الزهري بهذا الإسناد، وزاد صالح: ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه اللَّه عز وجل. وذكره البخاري في آخر كتاب المغازي في أول باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم
ووفاته، من حديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه ابن عتبة، عن ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث قالت: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفا، ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه عز وجل [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن عتبة عن ابن عباس، عن أمه أم الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى بنا المغرب فقرأ بالمرسلات، فما صلى بعدها حتى لقي اللَّه عزّ وجل. ثم ذكر البيهقي حديث موسى بن أبي عائشة عن عبيد اللَّه، عن عبد اللَّه قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وطوله؟ قال في هذه الرواية الصحيحة: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تقدم في تلك الصلاة، وعلق أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بصلاته، وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وابن أخيها عروة بن الزبير، كذلك رواه الأثرم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. ثم ذكر من طريق شبابه بن سوار، قال حدثنا شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاعدا. وذكر من طريق مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة. عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. ومن طريق هشيم قال: أخبرنا يونس عن الحسن قال: وأخبرنا حميد عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بالناس، فجلس صلى اللَّه عليه وسلم إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.
ومن طريق ابن أبي مريم قال: أخبرني حميد أنه سمع أنسا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: آخر صلاة صلاها النبي مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. كذا قاله محمد بن جعفر بن أبي كثير ورواه سليمان بن بلال، عن حميد عن ثابت البناني، حدثه عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكذلك قاله يحيى بن أيوب عن حميد، عن ثابت قال: حدثه عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه، فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامة بن زيد فجاء، فاسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاة صلاها. قال البيهقي وفي هذه دلالة على أن هذه الصلاة التي صلاها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كانت صلاة الصبح فإنّها أخر صلاة صلاها، وهي التي دعا أسامه بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين فرغ منها فأوصاه في مسيره بما ذكره أهل المغازي. قال: فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلفه في تلك الأيام التي كان يصلى بالناس مرة وصلى أبو بكر خلفه مرة، وعلى هذا حملها الشافعيّ رحمه اللَّه تعالى. وفي مغازي موسى بن عقبة وغيره، بيان الصلاة التي صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعضها خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهي صلاة الصبح، من يوم الاثنين.
فصل فيما جاء في آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر الصديق أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها صلى الله عليه وسلم حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه بهم فيما
فصل فيما جاء في آخر صلاة صلاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالناس، من أولها إلى آخرها، وأول صلاة أمر أبا بكر الصديق أن يصليها بالناس، والصلاة التي حضرها صلى اللَّه عليه وسلم حين وجد من نفسه خفة، وصلاة أبي بكر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه بهم فيما بينهما أياما قال البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، وأبو القاسم الحسن بن محمد ابن حبيب من أصله قالا: حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الصفار إملاء، قال: حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا يحيى بن عبد اللَّه بن بكير، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- عن أم الفضل بنت الحارث، أنها قالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب ب وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [ (1) ] ما صلى لنا بعدها، حتى قبضه اللَّه، قال البيهقيّ: رواه البخاريّ في الصحيح عن ابن بكير. وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا يوسف بن بهلول، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس، عن أم الفضل، قالت: خرج إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى بنا المغرب فقرأ ب وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فما صلى بعدها حتى لقي اللَّه تبارك وتعالى. قال البيهقي: وإنما أرادت واللَّه- تبارك وتعالى عنه أعلم- بالناس مبتدأ بها، فإنما توفي صلى اللَّه عليه وسلم نهارا. [ (2) ]
قال البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زائدة بن قدامة، قال: حدثنا موسي بن أبي عائشة، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: بلي ثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصلى بالناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال صلى اللَّه عليه وسلم ضعوا لي ماء في المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. قالت: فعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول اللَّه فقال: ضعوا لي ماء في المخضب. قالت ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك، والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلاة العشاء قالت: فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلى الناس، فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس. فقالت: فأتاه الرسول فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرك أن تصلى بالناس. فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه وكان رجلا رقيقا: يا عمر صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك مني قالت: فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس، لصلاة الظهر، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يصلي بالناس. قالت: فما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلسانى إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قالت: فجعل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي وهو قائم بصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والناس يصلون بصلاة بصلاة أبى بكر، والنبي صلى اللَّه عليه وسلم قاعد. قال عبيد اللَّه: فدخلت على عبد اللَّه بن عباس، فقلت: ألا أعرض
عليك ما حدثتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: هات، فعرضت عليه حديثها. فما أنكر منه شيئا، غير أنه قال:، سمّت لك الرجل الآخر الّذي كان مع العباس؟ قال: لا. قلت: هو عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رواه البخاري ومسلم في الصحيح، عن أحمد بن يونس. قال البيهقيّ: وفي هذه الرواية الصحيحة، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم تقدم في تلك الصلاة، وعلّق أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بصلاته. وكذلك رواه الأسود بن يزيد، وابن أختها عروة بن الزبير، وكذلك رواه الأرقم بن شرحبيل، عن عبد اللَّه بن عباس. وقد أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلويّ، قال: أخبرنا أبو حامد ابن الشرقيّ، قال حدثنا إبراهيم بن عبد اللَّه، قال: حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا شعبة، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قالت: صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاعدا وكذلك روى عن الأسود، عن عائشة في إحدى الرواتين عن الأعمش. قال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن بن الفضل بن القطّان ببغداد، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا شعبة، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر. وكذلك روى حميد، عن أنس بن مالك، ويونس عن الحسن، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مرسلا. قال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد المقرئ، قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: أخبرنا أبو الربيع قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: وأخبرنا حميد عن أنس بن مالك، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته. وأخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد، قال:
حدثنا عبيد بن شريك، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي مريم، قال: حدثنا محمد ابن جعفر، قال: أخبرنا حميد، أنه سمع أنسا يقول: آخر صلاة صلاها النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد، ملتحفا به خلف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كذا قاله محمد بن جعفر بن أبي كثير. ورواه سليمان بن بلال عن حميد عن ثابت البنانيّ، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكذلك قاله يحيى بن أيوب عن حميد. أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسي بن الفضل، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا حميد الطويل، عن ثابت البنانيّ، حدثه عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوب واحد، برد مخالفا بين طرفيه. فلما أراد أن يقوم قال: ادع لي أسامه بن زيد، فجاء فأسند ظهره إلي نحره. فكانت آخر صلاة صلاها. وفي هذا دلالة على هذه الصلاة، هي التي صلاها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كانت صلاة الصبح. فإنّها آخر صلاة صلاها، وهي التي دعا أسامة بن زيد حين فرغ منها، فأوصاه في مسيره بما ذكره أهل المغازي. قال البيهقي: فالذي تدل عليه هذه الروايات مع ما تقدم، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلي خلفه في تلك الأيام التي كان يصلي بالناس مرة، وصلى أبو بكر خلفه مرة وعلى هذا حملها الشافعيّ- رحمه اللَّه- في مغازي موسى بن عقبة وغيره، بيان الصلاة التي صلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعضها خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين. وفيما روينا عن عبيد اللَّه عن عائشة، وابن عباس بيان الصلاة التي صلاها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خلفه بعد ما افتتحها بالناس وهي صلاة الظهر من يوم السبت، أو الأحد فلا يتنافيان [ (1) ] واللَّه تعالى أعلم. [ (2) ]
ذكر تقرير النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر - رضي الله تبارك وتعالى عنه - في آخر صلاة صلاها بالناس في حياته، وإشارته صلى الله عليه وسلم إليهم قائما بها خلفه وارتضائه صلى الله عليه وسلم صنعهم وذلك في صلاة الفجر يوم الاثنين، وهو اليوم الذي توفي
ذكر تقرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في آخر صلاة صلاها بالناس في حياته، وإشارته صلى اللَّه عليه وسلم إليهم قائما بها خلفه وارتضائه صلى اللَّه عليه وسلم صنعهم وذلك في صلاة الفجر يوم الاثنين، وهو اليوم الّذي توفّي فيه وقول من زعم أنه صلى اللَّه عليه وسلم خرج فصلى منها ركعة خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعد ما أمره بالتقديم ثم صلى لنفسه أخرى خرج البخاريّ من حديث أبى اليمان، قال: أخبرنا شعيب عن الزهريّ، قال: أخبرنى أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان تبع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وخادمه وصحبه قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يصلى لهم في وجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم الّذي توفّي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين- وهم صفوف في الصلاة- فكشف النبي صلى اللَّه عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف- ثم تبسّم يضحك. فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى اللَّه عليه وسلم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن أتموا صلاتكم. وأرخى الستر، فتوفّي رسول اللَّه من يومه. ذكره في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يصلي في وجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الّذي توفى فيه، فذكره بنحوه أو قريب منه، وخرجه من حديث سفيان بن
عيينة، عن معمر عن الزهري. وأخرج البخاري من حديث أبي معمر حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لم يخرج إلينا نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثا وأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يتقدم بالحجاب فلما وضح لنا وجه النبي صلى اللَّه عليه وسلم حين وضح لنا قال: فأومأ نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يتقدم، وأرخى النبي صلى اللَّه عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات [ (1) ] ، لفظهما فيه متقارب. قال البيهقي: فهذان عدلان شهدا بذلك على أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقد روى عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ما يؤكد رواية أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ويشهد لها بالصحة [ (2) ] . فذكر ما خرجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] والنسائي [ (5) ] من حديث سفيان بن عيينة قال: أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: أيها الناس إنه لم يبق من مبشّرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأما
الركوع فعظموا فيه الرّب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء. فقمن أن يستجاب لكم. وخرّج مسلم من حديث يحيي عن أيوب، حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني سليمان بن سحيم، عن إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن أبيه، عن عبيد اللَّه بن عياض- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الّذي مات فيه فقال: اللَّهمّ هل بلغت؟ ثلاث مرات، إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا. يراها العبد الصالح أو ترى له. ثم ذكر بمثل حديث سفيان. وخرجه النسائي من حديث علي بن حجر: حدثنا إسماعيل، وهو ابن جعفر، حدثنا سليمان، وهو ابن سحيم بهذا الإسناد كما قال مسلم، ثم قال بعد ذلك: ألا وإني نهيت عن القراءة في الركوع والسجود، فإذا ركعتم فعظموا اللَّه تعالى وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم [ (1) ] . قال البيهقيّ: والّذي يدل عليه حديث أم الفضل بنت الحارث، ثم حديث عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، ثم حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلى بالناس صلاة العشاء الآخرة، ليلة الجمعة. ثم صلى بهم خمس صلوات
يوم الجمعة، ثم خمس صلوات يوم السبت، ثم خمس صلوات يوم الأحد، ثم صلى بهم صلاة الصبح يوم الاثنين، وتوفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم من ذلك اليوم، وكان قد خرج فيما بين ذلك حين وجد من نفسه خفة لصلاة الظهر، إما يوم السبت، وإما يوم الأحد، بعد ما افتتح أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاته بهم، فافتتح صلاته، وعلقوا صلاتهم بصلاته، وهو قاعد، وهم قيام وصلى مرة أخرى خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في رواية نعيم بن أبي هند ومن تابعه، فيكون جمله ما صلّى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم معهما ما افتتحها قبل خروجه سبع عشرة صلاة. ثم ذكر من طريق الحسين بن الفرج، قال: حدثنا الواقدي قال: سألت أبا بكر بن أبي سبرة: كم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس؟ قال: سبع عشرة صلاة. قلت: من أخبرك؟ قال: أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم. قال البيهقيّ: وقد ذهب موسى بن عقبة، في مغازيه إلي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في صلاة الصبح من يوم الاثنين، حتى وقف إلي جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى خلفه ركعة، فلما سلم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الركعة الآخرة. وكذلك هو في مغازي أبي الأسود عن عروة. وذلك يوافق ما رويناه عن حميد، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في صلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورواية نعيم بن أبي هند وغيره في حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، ولا ينافي ما روينا عن الزهري وغيره عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. ويكون الأمر فيه محمولا على أنه رآهم وهم صفوف خلف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في الركعة الأولى من صلاة الصبح، فقال ما حكي هو وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ثم خرج فأدرك معه الركعة الآخرة، أو خرج فصلى، ثم قال ما حكيا، فنقلا بعض الخبر ونقل
غيرهما ما تركاه، كما نقل أحدهما فيما رواه ما ترك صاحبه. ثم ذكر من طريق محمد بن عتاب العبديّ، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن موسى بن عقبة قال: قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة يعني من حجة الوداع، فعاش بالمدينة حين قدمها بعد صدرة المحرم واشتكى في صفر، فوعك أشدّ الوعك، واجتمع إليه نساؤه كلهن يمرضنه، وقال نساؤه: يا رسول اللَّه إنه ليأخذك وعك ما وجدنا مثله على أحد قط غيرك. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: كما يعظم لنا الأجر، كذلك يشتد علينا البلاء. واشتد عليه الوعك أياما وهو ينحاز إلى الصلوات حتى غلب فجاءه المؤذن، فأذنه بالصلاة فنهض فلم يستطع من الضعف، ونساؤه حوله، فقال للمؤذن: اذهب إلي أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأمره فليصل بالناس فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها: يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إن أبا بكر رجل رقيق: وإنه إن قام في مقامك بكى فأمر عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فليصل بالناس، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت: فعدت، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن صواحب يوسف. قالت فصمت عنه، فلم يزل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصلي بالناس، حتى كانت ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول فأقلع عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوعك، وأصبح مفيقا، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وغلام له يدعى ثوبان، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينهما، وقد سجد الناس مع أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من صلاة الصبح، وهو قائم في الأخرى. فتخلص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الصفوف يفرجون له، حتى قام إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاستأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخذ رسول اللَّه بثوبه، فقدمه في مصلاه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصفا جميعا، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس، وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قائم يقرأ القرآن، فلما قضى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قراءته قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فركع معه الركعة الآخرة، ثم جلس
أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين قضى سجوده يتشهد والناس جلوس فلما سلم، أتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الركعة الآخرة، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد، والمسجد يومئذ سقفه من جريد وخوص، ليس على السقف كثير طين، وإذا كان المطر امتلأ المسجد طينا، إنما هو كهيئة العريش. وكان أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد تجهز للغزو، وخرج في نقله إلى الجرف، فأقام تلك الأيام بشكوى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد أمره على جيش عامتهم المهاجرون، فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأمره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغير على مؤتة، وعلى جانب فلسطين حيث أصيب زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد اللَّه بن رواحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى ذلك الجذع، واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه، ويدعون له بالعافية، ودعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. فقال: أغد على بركة اللَّه، والنصر والعافية، ثم أغر حيث أمرتك أن تغير، قال أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا رسول اللَّه قد أصبحت مفيقا وأرجو أن يكون اللَّه عز وجلّ قد عافاك، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك اللَّه، فإنّي إن خرجت وأنت على هذه الحال، خرجت وفي نفسي منك قرحة، وأكره أن أسأل عنك الناس. فسكت عنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وقام فدخل بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ودخل أبو بكر على ابنته عائشة فقال: قد أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيقا وأرجو أن يكون اللَّه عز وجل قد شفاه، ثم ركب فلحق بأهله بالسنح وهنالك كانت امرأته حبيبة بنت خارجة بن أبي زهير بن أخي بني الحارث بن الخزرج، وانقلبت كل امرأة من نساء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيتها. وذلك يوم الاثنين، ووعك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين وجع واشتد الوعك واجتمع إليه نساؤه، وأخذ بالموت، فلم يزل كذلك حتى زاغت الشمس من يوم الاثنين يغمى عليه الساعة ثم يفيق ثم يشخص بصره إلى السماء، فيقول في الرفيق الأعلى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [ (1) ] قال ذلك- زعموا مرارا- كلما أفاق من غشيته فظن النسوة أن الملك خيره بين الدنيا والجنة فيختار رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الجنة وما عند اللَّه تعالى من حسن الثواب. واشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوجع، فأرسلت فاطمة إلى عليّ بن أبي طالب- رضى اللَّه تبارك وتعالى- عنهما، وأرسلت حفصة إلى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وأرسلت كل امرأة إلى حميمها، فلم يرجعوا حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدر عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في يومها، يوم الاثنين حين زاغت الشمس، لهلال شهر ربيع الأول. وذكر من طريق ابن لهيعة، فحدثنا أبو الأسود عن عروة قال: صدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن حجة التمام، فقدم المدينة، فاشتكى في صفر، ووعك أشد الوعك، فذكر معنى ما روينا عن موسى بن عقبة. ومن طريق يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثنا ابن أبي مليكة، قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالناس صلاة الصبح، فجاءه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى وهو عاصب رأسه، فلما فرغ من الصلاة، أقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الناس رافعا صوته، حتى خرج من باب المسجد يقول: أيها الناس! سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم. قال البيهقي من طريق سليمان بن بلال، عن أبى عبد العزيز الزبيدي، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سترا أو فتح بابا لا أدرى أيهما، قال مصعب فنظر إلى الناس وراء عنه أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- يصلون فحمد اللَّه تعالى وسرّ بالذي رأى منه، وقال: الحمد للَّه، ما من نبي يتوفاه اللَّه تعالى حتى يؤمه رجل من أمته، أيها الناس أيما عبد من أمتى أصيب بمصيبتى من بعدي، فليتعزى بمصيبته عن مصيبته التي يصاب بها من بعدي، فإن أحدا من أمتي
لن يصاب بمصيبة بعدي، أشد من مصيبته بي. قال البيهقي: معني أول هذا الحديث موجود فيما روينا عن أنس بن مالك وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وأما آخر الحديث فلم أجد له شاهدا صحيحا واللَّه تعالى أعلم [ (1) ] . وقال الواقدي: حدثني سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن ابن أبي مليكة عن عبيد اللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما هلك نبي حتى يؤمه رجل من أمته، فلما كان يوم الاثنين صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- بالناس الصبح وكان لا يلتفت، فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فصلى بصلاة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلما قضى صلاته جلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه خميصة له فقال: إنكم واللَّه لا تمسكون عليّ بشيء إني لا أحلّ إلا ما أحلّ اللَّه تعالى في كتابه، يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عبد المطلب، اعملا لما عند اللَّه تعالى، لا أملك لكما من اللَّه شيئا. وقال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما كانت ليلة الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجعا فلم يبق امرأة ولا رجل إلا أصبح في المسجد لوجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتاه المؤذن يؤذنه بالصلاة صلاة الصبح فقال صلى اللَّه عليه وسلم: قل لأبي بكر يصلى بالناس فكبر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في صلاته فكشف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الستر فرأى الناس يصلون فقال: إن اللَّه جعل قرة عيني في الصلاة، وأصبح صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين مفيقا، فخرج يتوكأ على الفضل بن العباس وثوبان غلامه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، حتى دخل المسجد وذكر الحديث. وقال سيف: عن محمد بن إسحاق عن الزهري، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم صبيحة اثنتي عشرة عاصبا رأسه ما رأيته قط وأبو بكر في الصلاة، فلما رآه الناس ذهبوا
ليتحروا، وتأخر أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى سمع بخوار الناس وعرفت أنهم إنما صنعوا ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأشار إلي الناس أن صلوا، فصلوا ورجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فدخل البيت. قال سيف: عن محمد بن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب أنه صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ عن يمين أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وبذلك عرف أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هو الّذي يصلى بهم، لم يصل بهم جالسا، وقد نهى عن ذلك، ولو لم ينه عنه، ولو كان صلى بهم صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن يمينه، كذلك كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يصنع، فلما فرغ أقبل على الناس فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أصبحت بنعمة من اللَّه وفضله، واليوم يوم ابنة خارجة وهي في بني الحارث بن الخزرج، فدخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسرورا. قال سيف: عن بكر بن وائل والزهري عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: صلى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى إذا كان صبيحة اثني عشرة خرج النبي صلى اللَّه عليه وسلم والناس في صلاة الصبح عاصبا رأسه حتى وقف على باب حجرة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما رآه الناس تحوروا، فذهب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والناس فدخل عليه أبو بكر والعباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قد رد اللَّه بك علينا عقولنا، وقد أصبحت بنعمة من اللَّه وفضل، وبات الناس إلى الباب وقد باتت إليه عقولهم وقد رجوه ورأوا الّذي يخبئون فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اليوم يوم بنت خارجة قال: اذهب فأت أهلك، فقام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه فذهب وخرج أهل البيت وجعل الناس يتلقون فيقولون لهم ما يرون من العافية فينصرفون. قال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن شفيق بن سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم انظر إلي قدميه يخطان في المسجد حتى انتهينا فأجلساه في الصف فطفق الناس بأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب ليتأخر فدفعه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقدمه
فصلى بهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم جالس بحياله في الصف، وقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد ما انصرف: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال. وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه الجماحي عن أبي سعيد الخدريّ قال: فمالوا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إلى منبره فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس بارك اللَّه فيكم الثقلين فإنه لن تعمى أبصاركم، ولن تزل أقدامكم، ولن تقصر أيديكم، ما أخذتم به كتاب اللَّه عز وجل، بينكم وبين اللَّه تعالى، وطرق بيده وطرق بأيديكم، فآمنوا بمتشابه، واعملوا بمحكمه وحرموا حرامه وأحلوا حلاله، ألا وسنتي، واللَّه لا يكرمها رجل ويوقرها على هواه، إلا أعطاه اللَّه تعالى نورا حتى يرد عليّ يوم القيامة، وأيم اللَّه لا يموت رجل وقد تركها إلا احتجبت منه يوم القيامة، ثم حمل حتى يرجع إلى بيته ورأى الناس فيه الّذي كانوا يتمنون ويرجعون، فتفرق الناس وأخلوه بأزواجه صلى اللَّه عليه وسلم.
فصل في ذكر ما قيل في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر ما قيل في وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أن الناس اختلفوا في وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أمته من بعده، فذهبت الروافض إلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نص على عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه الخليفة بعده، وقالت الزيدية أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: لم ينصّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لكنه كان أفضل الناس بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأحقهم بالأمر، ثم اختلفوا فقالت الجارودية: إن الصحابة، ظلموه وكفروا من خالفه من الصحابة وقالت طائفة: إنه يتبرع من حقه لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فتولتها، ولم تعاديهما، بل قالت بإمامتها وعمدتهم، لأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فتولتها ولم تعاديهما بل قالت بإمامتهما وعمدتهم في الاحتجاج لأقوالهم أحاديث مكذوبة موضوعة لا معنى لتسويد الأوراق بها. هذه مسألة أصولية: وهي إذا واحد يخبر بتوفر الدواعي على نقله ويعلم استحالة خفائه، كما إذا أخبر بقتل خطيب على المنبر يوم الجمعة في بلد، كبير ولم يتقلد غيره فالذي قالته الأمة من أهل السنة إنه كاذب قطعا، ومن هذا نعلم بالقطع كذب من ادعى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نصّ على إمامة إمام معين بعده بحضرة ملأ من الناس وسكتوا عن نقله إلا آحادا منهم، وخالف الرافضة في أصل هذه المسألة توصلا إلى أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم نصّ على إمامة عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- جمع يحصل منهم التواتر فكتموه إلا أفرادا نادرة. وذهب جمهور أهل السنة إلى أن الرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف أحدا بعينه ولم يوص إلى أحد بعينه في أمر أمته، قائما به على الخلافة بما ذكرنا من أمر الصلاة، وقالت طائفة: بل نصّ صلى اللَّه عليه وسلم على استخلاف أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعده على الأمة، واحتج الجمهور على أنه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف، بما خرجه البخاري في كتاب الأحكام في باب الاستخلاف من حديث سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
قال: قيل لعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، أبو بكر وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأثنوا عليه فقال: راغب وراهب، ووددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ، لا أتحملها حيا وميتا [ (1) ] . وخرجه مسلم من حديث أبى أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا جزاك اللَّه خيرا، فقال: راغب وراهب، فقال: استخلف، فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لا أتحمل أمركم حيا وميتا لوددت أن حظّي منها الكفاف، لا عليّ ولا لي، فإن استخلف فقد استخلف من هو خير مني، يعني أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني، رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال عبد اللَّه: فعرفت أنه حين ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه غير مستخلف [ (2) ] . وخرج من طريق عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهريّ قال: أخبرني سالم عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: دخلت على حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: أعلمك أن أباك غير مستخلف؟ قال، قلت، ما كان ليفعل، قالت: إنه فاعل، قال: فحلفت أنى أكلمه في ذلك، فسكتّ حتى غدوت ولم أكلمه، قال: فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا حتى رجعت فنحلت عليه فسألني عن حال الناس وأنا أخبره، قال: ثم قلت له: إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وإنه لو كان لك راعى إبل أو راعى غنم ثم جاءك وتركها، أرأيت إن ضيع؟ فرعاية الناس أشد، قال فوافقه قولي، فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه إليّ فقال: إن اللَّه عز وجل يحفظ دينه، وإني لئن لا أستخلف فإن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قد
استخلف قال: فو اللَّه ما هو إلا أن ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدا، وأنه غير مستخلف [ (1) ] . خرج البيهقيّ من طريق أبي داود الجفري عن سفيان الثوري عن الأسود ابن قيس عن عمرو بن سفيان، قال: لما ظهر عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على الناس يوم الجمل قال: أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا حتى رأينا من الرأى أن نستخلف أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رأى من الرأي أن يستخلف عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا هذه الدنيا، فكانت أمور يفضي اللَّه تعالى فيها [ (2) ] . وخرج من طريق شبابه بن سوار، قال: حدثنا شعيب بن ميمون عن حسين بن عبد الرحمن عن الشعبيّ عن أبي وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد اللَّه تعالى بالناس خيرا فليجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم نبيهم صلى اللَّه عليه وسلم على خيرهم [ (3) ] . قال البيهقيّ: شاهده في الحديث الثابت عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذكر ما خرّجه البخاري من طريق الزهريّ قال: أخبرنى عبد اللَّه بن كعب بن مالك الأنصاريّ، وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، قال: إن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبره أن عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خرج من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه الّذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبح رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم قال: أصبح بحمد اللَّه تعالى بارئا، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال له: أنت واللَّه بعد ثلاث عبد العصا، وإني واللَّه لأرى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتوفى من وجعه هذا، إني أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنسأله في هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى بنا، فقال على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنا واللَّه لئن سألناه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمنعناها، لا يعطيناها الناس بعده أبدا. وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني الزهري عن عبد اللَّه ابن كعب بن مالك عن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه يوم قبض فيه، فذكر الحديث. إلا أنه لم يذكر ما قال: العصا وزاد في آخره: فتوفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم. وخرج عبد الرزاق، قال أنبأنا معمر عن الزهري قال: أخبرني كعب بن مالك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: خرج العباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من عند النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي ملت فيه، فلقيهما رجل فقال: كيف أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا أبا حسن؟ فقال أصبح بارئا، فقال العباس لعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنت بعد ثلاث: عبد العصا، قال: ثم خلا به فقال: فإنه يخيل إليّ أن أعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، وأني خائف ألا يقوم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من وجعه هذا، فاذهب بنا إليه فلنسأله فإن كان هذا الأمر فينا علمناه، وإن لم يكن إلينا أمرناه أن يستوصى بنا، قال: فقال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أرأيت إن جئناه فسألناه فلم يعطوناها؟ أترى الناس يعطوناها؟ واللَّه لا أسألها إياه أبدا. قال عبد الرزاق: فكان معمر يقول لنا: أيهما كان أصوب عندكم رأيا؟ فنقول: العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فيأبى، ثم قال: لو أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سأله عنها فأعطاه إياها، فمنعه الناس
كانوا قد كفروا. قال عبد الرزاق فحدثت به ابن عيينة فقال: الشعبي: لو أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سأله عنها، كان خيرا له من ماله وولده. وقال عبدان، عن أبي حمزة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، هو الشعبي، قال العباس لعلي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حين مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إني أكاد أعرف في وجه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت، فانطلق بنا إليه نسأله من يستخلف، فإن يستخلف منا فذلك، وإلا أوصى بنا. قال: فقال علي للعباس كلمة فيها جفاء، فلما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال العباس لعلي: أبسط يدك فلنبايعك. قال: فقبض يده، فقال عامر: لو أن عليّا أطاع العباس في أحد الرأيين، كان خيرا له من حمر النعم. قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: قلت لابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما كان صنع العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى- حين خالف عليه علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: كلم نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك فقام في الناس فقال: أوصيكم يا أهل بيتي وعترتي خيرا، أو أوصيكم بهم خيرا فإنّهم لحمي وفصيلتي، احفظوا منهم ما تحفظون في ما بينكم. يا أيها الناس! إن اللَّه بعثني لأخرجكم من عبادة العباد الى عبادته، ومن دين الشرك إلى دينه، فاعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئا فإن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم وإن كان رقيقا، ألا إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم ثلاثا، فلا تضلوا عن الحق. وخرج مسلم من حديث الأعمش عن أبي وائل عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مثله سواء. وخرج البخاري في أول كتاب الوصايا من حديث المالك بن مغول، حدثنا طلحة بن مصرف قال: سألت عبد اللَّه بن أبي أوفى- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنهما-: هل كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم أوصى؟ فقال: لا، فقلت: كيف كتب على الناس الوصية وأمر بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب اللَّه [ (1) ] ذكره في آخر المغازي، وخرجه مسلم أيضا. وخرج البخاري ومسلم [ (2) ] من حديث ابن عون الأسود بن يزيد وقد ذكروا عند عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان وصيا، فقالت: متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري؟ أو قالت حجري- فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري: فما شعرت أنه مات فمتى أوصي إليه؟ لفظهما فيه قريب من السواء، ذكره البخاري في أول كتاب الوصايا وفي آخر المغازي. وخرج البيهقي [ (3) ] من طريق عبد اللَّه بن رجاء قال: أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أرقم بن شرحيل، قال: سافرت مع ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من المدينة فسألته: أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أوصى؟ فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما مرض مرضه الّذي مات فيه، كان في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فرفع رأسه، فقال: ادعوا لي عليا، فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا ندعوا لك أبا بكر يا رسول اللَّه؟ فقال: ادعوه قالت حفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا تدعو عمر يا رسول اللَّه؟ قال صلى اللَّه عليه وسلم: ادعوه، قالت أم الفضل: ألا تدعو العباس عمك يا رسول
اللَّه؟ قال: ادعوه فلما حضروا رفع رأسه فلم يتكلم. فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قوموا بنا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإنه لو كانت له إلينا حاجة ذكرها، حتى فعل ثلاث مرات، ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم: ليصلّ بالناس أبو بكر، فذكر الحديث في الصلاة. وقال في آخر الحديث: فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يوص. [ (1) ] وخرج البخاري من حديث الأعمش قال حدثني أبي قال: خطبنا على- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على منبر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة فقال واللَّه ما عندنا من كتاب يقرأه إلا كتاب اللَّه تعالى وما في هذه الصحيفة، فنشرها: فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم إلى كذا، فمن أحدث فيها فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا، وإذا فيه: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا وإذا فيها: من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا ذكره في كتاب الاعتصام [ (2) ] بالكتاب والسنة، في باب ما ذكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع، وفي كتاب الجزية والموادعة في باب ذمة المسلمين [ (3) ] . وفي كتاب فضائل المدينة، في باب حرم المدينة [ (4) ] وخرجه مسلم [ (3) ] وأبو داود [ (4) ] . وخرج البيهقيّ من طريق هدبة قال: حدثنا همام عن قتادة، عن أبي حسان قال: إن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يأمر بالأمر، فيقال: قد فعلنا كذا وكذا، فيقول: صدق اللَّه ورسوله، فقيل له: أشيء عهده إليك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: ما عهد إليّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شيئا خاصة دون الناس إلا شيئا سمعته منه في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم نزل به حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها: من أحدث أو آوى محدثا فعليه لعنة اللَّه
والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، وإذا فيها: إن إبراهيم حرّم مكة، [ (1) ] وإني أحرم المدينة ما بين حرّتيها وحماها، لا يختلا خلاها، ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها إلا لمنشد أشاد بها [ (2) ] ، يعني من منشد ولا يقطع شجرها إلا أن يعلف رجل بعيرا، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، وإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم [ (3) ] [ (4) ] ، ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده [ (5) ] . ومن طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة قال: لم يوص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عند موته إلا بثلاث: للرهابيين بجادّ مائة واسق من خيبر، وللداريين بجاد مائة وسق وللشانئين بجاد مائه وسق من خيبر، وللأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر. وأوصى صلى اللَّه عليه وسلم بتنفيذ بعث أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى- وأوصى صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان [ (6) ] . وروى حماد بن عمرو النصيبي عن السديّ بن خالد، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: يا عليّ أوصيك بوصية فاحفظها. وذكر حديثا طويلا في الرغائب والآداب، وهو حديث موضوع، فإن حماد بن عمرو هذا ممن يكذب ويضع الحديث. [ (7) ]
وقال سيف: عن مبشر بن المفضل [ (1) ] . عن أبيه قال جاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه ائذن لي فلأمرضك وأكون الّذي أقوم عليك. فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا أبا بكر! إني لم أحمل أزواجي وبناتي وأهل بيتي عليّ حين ازدادت مصيبتي عليهم عظما، وقد وقع أجرك علي اللَّه اجمع لي الأربعين يا أبا بكر، الذين سبقوا الناس إلى هذا الدين، وادع عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- معهم. ففعل، وكان ذلك قبل وفاته صلى اللَّه عليه وسلم بخمس عشرة ليلة فخلص بهم ودعا لهم، وعهد عهده وهم شهود وهي آخر وصية أوصى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وخرج الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سعد، قال: أخبرني محمد بن عمر يعني الواقدي قال: حدثني عبد اللَّه بن جعفر بن عون عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: نعي لنا نبينا وحبيبنا صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي ونفسي له الفداء، فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وتشوّف لنا فقال: مرحبا بكم وحياكم اللَّه بالسلام [ (2) ] . وخرجه البيهقي من طريق سلام بن سليمان المدائني، حدثنا سلام بن سليم الطويل، عن عبد الملك بن عبد الرحمن بن الحسن الغزي عن الأشعث بن طليق
عن مرة عن شراحيل، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما ثقل رسول صلى اللَّه عليه وسلم اجتمعنا في بيت أمنا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما نظر إلينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدمعت عيناه، ثم قال لنا: قد دنا الفراق ونعى إلينا نفسه صلى اللَّه عليه وسلم، ثم قال: مرحبا بكم حياكم اللَّه، هداكم اللَّه فذكره [ (1) ] وقال: إسناده ضعيف بمرة. [ (2) ] وقال الواقدي: حدثني عبد اللَّه بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون قال: عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نعى لنا نبينا وحبيبنا صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، بأبي هو وأمي، نفسي له الفداء. وقال سيف: عن المستنير بن يزيد النخعي عن أرطاة بن أبى أرطاة بن أبي أرطاة النخعي عن الحارث بن مرة الجهنيّ قال: رأيت عنده رقا مكتوبا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نعى لنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نفسه قبل موته بشهر، ثم جمعنا بعد ذلك بخمس عشرة ليلة في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- ونحن أربعون ببشرى اللَّه تعالى، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه، ثم قال: اتقوا اللَّه فإن تقوى اللَّه خير ما تواصي به عباد اللَّه وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ومن حيث لا يأمل ولا يرجو وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً فارضوا بقضاء اللَّه، فإن الأمر أمره، وسلموا الأمر إليه فإن القليل يتبع الكثير، ألا فليسلم القليل للكثير
رفعكم اللَّه، نفعكم اللَّه، هداكم اللَّه، رزقكم اللَّه، سلمكم اللَّه، قبلكم اللَّه. أوصيكم بتقوى اللَّه عز وجل وألجئكم إلى اللَّه، وأؤدي إليكم عنه، إني لكم منه نذير مبين، وأستخلفه عليكم، فاتقوا اللَّه، ولا تعالوا على اللَّه في عباده، وبلاده، والعاقبة للمتقين. وقال: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ وإن هذا آخر ما أخلص بكم وتخلصون بي، اسمع يا أبا بكر، أقول لكم، ثم اعمل على ذلك وأنت تعلم أنه كذلك، إن دعائي آت لكم على كل ما أشتهي، إلا ما رددت عنه من بأس بينكم، واختلاف كلمتكم، والمؤمنون شهود اللَّه في الأرض فالحسن ما حسنوا، أو القبيح ما قبحوا، من نظر أمر نفسه عند اختلاف الأمة يكف لسانه، واستبرأ قلبه، ولزم الجماعة، فآثرها على الفرقة، فإن يد اللَّه تعالى على الجماعة، والقليل تبع للكثير، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه أدنى الأجل؟ فقال صلى اللَّه عليه وسلم دنا الأجل وتدلى، فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ليهنئك
يا نبي اللَّه، ما عند اللَّه، فليت شعرى عني منقلبا، فقال: إلى اللَّه بسدرة المنتهى ثم الى جنة المأوى، والعرض الأعلى، والكأس الأوفى، في الرفيق الأعلى، والحظ والعيش المهني. فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يا نبي اللَّه من يلي غسلك؟ قال رجال من أهل بيتي [الأدنى فالأدنى] [ (1) ] فقال ففيم نكفنك؟ قال: في ثيابي [هذه إن] [ (1) ] شئتم أو حلة يمانية أو في ثياب مصر. قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكيف الصلاة عليك؟ فبكى وبكى الناس، فقال: مهلا غفر اللَّه لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا إذا أنتم غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري هذا في بيتي هذا على شفة [ (2) ] شفير قبري، ثم اخرجوا عني ساعة فإن أولى من يصلي عليّ اللَّه تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ثم يأذن للملائكة في الصلاة على فأول من يدخل عليّ من خلق اللَّه تعالى ويصلي علي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة، ثم الملائكة بأجمعها، ثم أنتم فادخلوا عليّ أفواجا، وزمرة، وسلموا تسليما ولا تؤذوني بتزكية، ولا صيحة، ولا رنة، وليبتدئ بالصلاة عليّ رجال [ (3) ] أهل بيتي ثم النساء ثم الصبيان. قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فمن يدخلك قبرك؟ قال إن من أهل بيتي الأدنى فالأدنى، مع ملائكة كثير لا ترونهم وهم يرونكم، قوموا فأدوا عليّ إلى من بعدي، فقلت: من حدثك هذا؟ فقال: عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وإنما ذكرت هذا الحديث من طريق سيف لأن لأن سياقته أتم من سياقة الجماعة. واحتج من ذهب إلي أنه نص على استخلاف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعده على الأمة نصا جليا بوجوه: قال أبو محمد بن حزم منها: إطباق الأمة المهاجرون والأنصار على أن سموه خليفة رسول اللَّه
معنى الخليفة في اللغة الّذي يستخلفه المرء، ومحال أن يبعثوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضروريين: أحدهما: أنه لم يستحق هذا الاسم في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد كان استخلفه على الصلاة. والثاني: أن كل من استخلفه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حياته كعليّ بن أبى طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في في غزوة الخندق، وكعثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أو غيره في غزوة الرقاع، وغيرهم ممن استخلفه صلى اللَّه عليه وسلم على المدينة في غزواته، كعتاب بن أسيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وسائر من استخلف على البلاد لم يستحق أحد منهم بلا خلاف من أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لصح بالضرورة التي لا يحيد عنها، إطلاقه بعده على الأمة الممتنع أن يجمعوا على ذلك وهو صلى اللَّه عليه وسلم لم يستخلفه نصا، ولو لم يكن هاهنا إلا استخلافه إياه على الصلاة ما كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أولى بهذه التسمية من سائر من ذكرنا. قال أبو محمد: وهذا برهان ضروري يعارض به جميع الخصوم، وأيضا فإن الرواية قد أصبحت بأن امراة قالت لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا رسول اللَّه! أرأيت إن رجعت ولم أجدك- كأنما تريد الموت- قال: فأتي أبا بكر. قال المؤلف: أبو محمد بن حزم يسير إلى ما خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، من حديث إبراهيم بن سعد قال: أخبرنى أبى عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أتت النبي امرأة فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول اللَّه! أرأيت إن جئت فلم أجدك- كأنها تريد الموت- وقال مسلم أي كأنها تعنى الموت قال صلى اللَّه عليه وسلم إن لم تجديني فأتي أبا بكر. ذكره البخاري في كتاب الأحكام [ (1) ] وذكره مسلم في المناقب [ (2) ]
قال أبو محمد: وهذا نص على الاستخلاف لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى-. وأيضا فذكر ما خرجه البخاري: حدثنا يحيي بن يحيي قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: وا رأساه، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك. فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا ثكلياه واللَّه إني لأظنك تحب موتى، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم بل أنا وا رأساه، لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمني، المتمنون ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] ، في باب قول المريض: إني وجع أو وا رأساه أو اشتد بي الوجع. وخرج مسلم في المناقب [ (2) ] من حديث صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قالت قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه: ادعى لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابا فإنّي أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر. وخرج أبو داود الطيالسي من حديث عبد العزيز بن رافع عن ابن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه: ادعى لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبى بكر كتابا لا يختلف عليه أحد بعدي، ثم قال: دعيه، معاذ اللَّه أن يختلف المؤمنون في أبي بكر. قال أبو محمد: فهذا نص في استخلافه أبا بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- على ولاية الأمة بعده ولو أن يستخير من التدليس والغش، الأمر الّذي لو ظفر به خصومنا إذا طعنوا عندنا من طريق النقل ونعوذ باللَّه من الاحتجاج بما لا يصح، وقد أغنى اللَّه تعالى أمتي بالزاهدين عن الإقناع وهذا الّذي ذكرنا لا يعارض بنقل موقوف على من دون النبي صلى اللَّه عليه وسلم كالذي روى من قول عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ألا استخلف، فقال لم يستخلف من هو خير مني، فمن المحال أن يغار من إجماع جميع الصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومثله عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها، مما لو صح كان له وجه من أيهما زاد عن كتاب بذلك، أو ما أشبهه، وفي نص القرآن الكريم دليل واضح وبرهان على وجوب الطاعة بخلافة أبى بكر وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وهو أن اللَّه تعالى قال مخاطبا لنبيه صلى اللَّه عليه وسلم في الأعراب: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا [ (1) ] وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بثلاث، وهي الغزاة التي تخلف فيها الثلاثة المعتذرون الذين تاب اللَّه عليهم في سورة براءة، ولم يغزو صلى اللَّه عليه وسلم بعد تبوك إلى أن مات. وقال تعالى في مكان آخر: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ [ (2) ] فبين تعالى أن الأعراب لا يغزون مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد تبوك أبدا، ثم عطف تعالى منعه إياهم من الغزو مع رسول، فقال تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [ (3) ] .
فأخبرهم تعالى أنهم سيدعوهم غير النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون، ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك الأجر الحسن، ووعدهم على عصيانه بالعذاب الأليم وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى قتال قوم يسلمون إلا أبو بكر، ثم عمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، فإن هؤلاء دعوهم إلى قتال: من بدا للعرب والفرس والروم ووجوب طاعة أبي وعمر وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- بنصّ القرآن الّذي لا يحتمل تأويلا. وزاد: قد وجبت طاعتهم فرضا، فقد صحت إمامتهم وخلافتهم، وليس هذا بموجب تقليدهم بغير ما أمر اللَّه تعالى فيه بطاعتهم من سائر ما أفتوا فيه باجتهادهما، إذ ليس يجب طاعة الإمام إلا فيما نصّه اللَّه تعالى ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم فقط، لا فيما لا نصّ فيه، ولا أوجبوهم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قط طاعتهم فرضا في غير، ذلك فارتفع الإشكال. وأيضا فهذا إجماع من الأمة كلها إذ ليس أحد إلا وخالف بعض فتاويه هؤلاء الثلاثة، فصح إجماع الأمة على ما ذكرناه.
ذكر ما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم في مرض موته من الأحكام والوصايا ونحو ذلك حتى توفاه الله - تبارك وتعالى -
ذكر ما حفظ عنه صلى اللَّه عليه وسلم في مرض موته من الأحكام والوصايا ونحو ذلك حتى توفاه اللَّه- تبارك وتعالى- خرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث يونس عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: إن ابن عباس وعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: لعنة اللَّه تعالى على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا. وقال مسلم والنسائي: مثل ما صنعوا. ذكره البخاري في آخر كتاب الأنبياء [ (1) ] ، وذكره أيضا في كتاب الصلاة [ (2) ] من حديث شعيب عن الزهري، قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه قال: إن عائشة وعبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا: لما نزل ... الحديث. وذكره في كتاب اللباس [ (3) ] في باب الأكسية والخمائص من طريق يحيي ابن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة قال: إن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قالا: الحديث ... مثله، وذكره في آخر المغازي [ (4) ] في مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، عن سعيد بن جبير عن الليث عن عقيل بهذا الإسناد مثله، وقال في طرقه كلها: يحذر ما صنعوا.
وخرجه البخاري ومسلم [ (1) ] من حديث شيبان عن هلال بن أبي حميد عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا، ذكره في الجنائز [ (2) ] وترجم عليه باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور. وخرج في آخر الجنائز في باب ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من حديث أبي عوانة عن هلال، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لولا ذلك أبرز صلى اللَّه عليه وسلم قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا. وخرّج في المغازي [ (3) ] في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته من حديث أبي عوانة ولفظه: لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبورهم أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لولا ذلك لأبرز قبره صلى اللَّه عليه وسلم خشي أن يتخذ مسجدا. وخرج البيهقي من طريق عثمان بن سعيد الدارميّ، حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك، عن إسماعيل ب أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز- رحمه اللَّه تعالى- يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن قال: قاتل اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب [ (4) ] ورواه الواقدي عن مالك به نحوه.
وخرج مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه الظن [ (1) ] . وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث عيسى بن يونس، حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد اللَّه، قال سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول قبل وفاته أو موته بثلاث ... وخرجه من حديث سفيان بن زهير عنه الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه تعالى الظن [ (3) ] . وخرجه من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللَّه عز وجل [ (4) ] .
وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة من حديث ابن أبي ليلى عن أبى الزبير عن جابر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من استطاع منكم ألا يموت إلا وهو يحسن باللَّه تعالى الظن فليفعل، ثم تلا هذه الآية: وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [ (1) ] . وخرج البيهقي من طريق عيسى بن يونس، عن سليمان التيمي، ومن حديث محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا زهير بن حرب، ومن حديث أبي خثيمة، حدثنا جرير عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت عامة وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حضره الموت: الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتى جعل يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه [ (2) ] . وخرجه الحاكم من حديث سليمان التيمي عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من حديث أبي عوانة عن قتادة، عن شعبة مولى أم سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كانت عامة وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين حضرته الوفاة: الصلاة وما ملكت أيمانكم، حتى يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه [ (3) ] كذا قال.
ومن حديث عفان، حدثنا قتادة عن أبي الخليل، عن سفينة مولى أبي سلمة، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول في مرضه: اللَّه، اللَّه، الصلاة وما ملكت أيمانكم، قالت: فجعل يتكلم بها، ما يفيض [ (1) ] . قال البيهقي: هذا هو الصحيح. وخرج البخاري من حديث عفان، عن صخر بن جويرية، عن عبد الرحمن ابن القاسم، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سواك رطب يستن به فأبداه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بصره، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، ثم دفعته إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاستن به، فما رأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال: في الرفيق الأعلى. ثلاثا. ثم قبض. وكانت تقول: مات صلى اللَّه عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي [ (2) ] وخرج من طريق الليث قال: حدثني ابن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم وإنه لبين حاقنتى وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] . ذكره في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإنه ذكر فيه من حديث عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد قال: أخبرنى ابن أبي مليكة قال: إن ابن عمر ذكر أن مولى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبره أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كانت تقول: إن من نعم اللَّه تعالى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري، ونحري وإن اللَّه جمع بين ريقي وريقه عند موته. دخل عليّ عبد الرحمن بن أبي بكر، وبيده السواك، وأنا مسندة رسول
اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرأيته ينظر اليه، وعرفت أنه يجب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فلينته، فأمره وبين يديه ركوة- أو علبة يشك عمر- فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: لا إله إلا اللَّه، إن للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده [ (1) ] . وخرجه من حديث سليمان بن بلال، قال هشام بن عروة: أخبرنى أبي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يسأل في مرضه الّذي مات فيه يقول: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فأذن له أزوجه يكون حيث شاء، فكان صلى اللَّه عليه وسلم في بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: فمات في اليوم الّذي يدور فيه في بيتي، فقبضه اللَّه تعالى، وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت أعطنى هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته ثم مضغته، فأعطيته رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاستن به، وهو مستند إلى صدري [ (2) ] وذكره أيضا في كتاب الجمعة [ (3) ] بهذا الاسناد مختصرا، وأوله ك دخل عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ... إلى آخره ترجم عليه باب من تسوك بسواك غيره. وخرج مسلم من طريق أبى أسامه، عن هشام عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليتفقد يقول أين أنا اليوم؟ أين انا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- قالت: فلما كان يومي قبضه اللَّه بين سحري ونحري. [ (1) ] ذكره في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. وخرّج البخاري من حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي، وفي يومي وبين سحري ونحري، وكانت إحدانا تعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوّذه فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى. ومر عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة. فنظر إليه صلى اللَّه عليه وسلم فظننت أن له بها حاجة، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه، فاستن بها كأحسن ما كان مستنا، ثم ناولنيها- فسقطت يده- أو سقطت من يده- فجمع اللَّه تعالى بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة. ذكره في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته [ (2) ] . وخرج في كتاب فرض الخمس [ (3) ] في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى اللَّه عليه وسلم وما ينسب من البيوت إليهن، من حديث نافع قال: سمعت ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- توفّي النبي صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي وفي نوبتي، وبين سحري ونحري، وجمع اللَّه بين ريقي وريقه. قالت: دخل عبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بسواك فضعف النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنه فأخذته فمضغته ثم سننته به. قال سيف عن محمد بن إسحاق عن أصحابه قالوا: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: لما تفرق عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أهله لما رأوه من أفعال حاله وهيئته اضطجع في حجري فاستند به إليّ ودخل رجل من آل أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وفي يده سواك اخضرّت، قالت: فنظر إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: أتعجبك؟ أو تحب يا رسول اللَّه أن تستن بهذا السواك؟ قال:
نعم فأخذته من الّذي كان معه وسرحته إلى أبي فمضغته، ثم أعطيته إياه فاستن به. قد كنت أسمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما قبض اللَّه تعالى نبيا قط يخبر مع الّذي كان أمره. قالت: [ (1) ] فوجدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتفل في حجري وعلى صدري وسقط السواك من يده، وسمعته يقول: بل الرفيق الأعلى من الجنة، فعلمت أنه كان يحدثنا، وأن اللَّه تعالى فضله بإعادة الخيار عليه، قالت: فذهبت انظر في وجهه فإذا قد علاه صفار، وإذا بصره شاخص، وقبضه اللَّه عز وجل إليه، وتصالح أهل البيت. وخرج البخاريّ [ (2) ] من حديث عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبره أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كانت تقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء- يشك عمر- فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا اللَّه، إن للموت سكرات. ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده صلى اللَّه عليه وسلم. ذكره في الرقاق [ (3) ] في باب سكرات الموت. خرج البيهقي من طريق عبد اللَّه بن الحكم وشعيب بن الليث، عن الليث عن يزيد بن الهاد عن موسي بن سرجس، عن القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: اللَّهمّ أعنّي على سكرة الموت [ (4) ] .
وخرج البخاري في كتاب المغازي [ (1) ] وخرج مسلم في مناقب عائشة [ (2) ] رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث الليث، عن عقيل بن خالد قال: قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم قال: أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول وهو صحيح: لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعدة من الجنة، ثم يحيا- أو يخير- فلما أشتكى وحضره القبض ورأسه على فخذي- غشي عليه ساعة- ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف، ثم قال: اللَّهمّ الرفيق الأعلى، قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قلت: إذا لا يختارنا قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فكانت تلك آخر كلمة تكلم به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قوله: اللَّهمّ الرفيق صلى اللَّه عليه وسلم. وخرجه البخاري في كتاب الرقاق [ (3) ] في باب من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه، به مثله، وخرجه أيضا في آخر كتاب المغازي في باب آخر ما تكلم به النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وخرج في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، من حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعدة من الجنة ثم يحيا- أو يخير- فلما اشتكى وحضره القبض ورأسه صلى اللَّه عليه وسلم على فخذ عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت ثم قال: اللَّهمّ في الرفيق الأعلى. فقلت إذا لا يخترنا فعرفت أنه حديثه الّذي كان يحدثنا وهو صحيح.
وخرج البخاري في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم ووفاته، وخرج مسلم في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث شعبة عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كنت أسمع أنه لن يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة، قالت: فسمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه وأخذته بحّة يقول: مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال: فظننته صلى اللَّه عليه وسلم خير حينئذ. اللفظ لمسلم. وفي لفظ البخاري عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرضه الّذي مات فيه جعل يقول: في الرفيق الأعلى. وخرج في كتاب التفسير [ (1) ] من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-. قالت: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة وكان في شكواه الّذي قبض فيه أخذته بحّة شديدة، فسمعته يقول: مع الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فعلمت أنه خيّر. وخرج النسائي [ (2) ] من حديث سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بردة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: أغمى على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه أدعو له بالشفاء فقال: لا بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد، مع جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، عليهم الصلاة والسلام. وخرج البخاري في باب مرض النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (3) ] ووفاته من حديث عبد اللَّه بن المختار، حدثنا هشام بن عروة عن عبّاد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، أخبرته أنها سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأصغت
إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى ظهره يقول: اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى. وخرجه مسلم في مناقب عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- من حديث مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بنحوه. قال الواقدي في (مغازية) حدثني الحكم بن القاسم، عن أبى الحويرث قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يشتك شكوى إلا سأل اللَّه تعالى العافية، حتى كان مرضه الّذي مات فيه فإنه لم يكن يدعو بالشفاء، ويقول: يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ، قال: وأتاه جبريل، - عليه السلام- في مرضه ويقول: إن ربك يقرئك السلام ورحمة اللَّه، يقول: إن شئت شفيتك وكفيتك، وإن شئت توفيتك وغفرت لك. قال صلى اللَّه عليه وسلم: ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء، وكان لما نزل به، دعا بقدح من ماء فجعل يمسح به وجهه ويقول: اللَّهمّ أعني على كرب الموت. أدن مني يا جبريل، أدن مني يا جبريل. هذا إسناد منقطع [ (1) ] . وقال سيف: عن أبي القاسم عن العلاء بن زياد، عن عبد اللَّه بن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن خروج النبي صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ إنما كان بشارة إليه من السماء بقتل العنسيّ الكذاب، فقال: قد قتل العنسيّ البارحة قد قتله رجل مبارك من بيت مبارك. وقال: عن سعيد بن عبد الجمحيّ عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم يومئذ والناس مسرورون قد ملئوا البيت والحجرة وما بينهما من المسجد، فقال: ناد يا علي وارفع صوتك: من اللَّه [لا مني] : ألا لا تدعين أحدا إلى غير أبيه، ولا مولى إلى غير مواليه، ولا تظلمن أحدا لأحد، فمن فعل ذلك لعنه اللَّه، ولم يقبل منه صرفا ولا عدلا ومن اللَّه تعالى حصنهم المانع مع غير مكروه، والظالم المرأة مهرها، والظالم الأجير أجره، وقد أداه عمله، وتفرق الناس عنه، فما انتصف النهار حتى قبضه اللَّه تعالى.
قال: عن عبد اللَّه بن سعيد، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: يومئذ يا بني عبد مناف، ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عمة رسول اللَّه ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا يا فاطمة بنت محمد، ويا صفية بنت عمة رسول اللَّه، ألا إني لا أغني عنكم من اللَّه شيئا فاعملا لما عنده، وأطيعا أمره ولا تتكلا. وقال: عن محمد بن إسحاق، عن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن ملك الموت خيرني ما عند ربي عز وجل فاخترت ذلك إلى مجيء الملك، يعني جبريل عليه السلام. قال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي مليكة عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان جبريل عليه الصلاة والسلام يأتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه في كل يوم فيسلم عليه ويقول: إن اللَّه يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك يا محمد؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفا وأن يتم كرامتك وشرفك على الخلق، وأن يكون سنة في أمتك فيجد به بقدر الّذي يجد من شدة أو رخاء، فإذا قال: أخذني بى شاكيا قال جبريل- عليه السلام- يا محمد إن اللَّه عزّ وجلّ لم يشدد عليك أن يكون أحد من خلقه هو أكرم عليه منك ولكنه أحب أن تدعوه وتضرع إليه، ولا تكف عن ذلك حتى تلقاه للذي أعد لك في ذلك من الثواب والفضيلة على الخلق، وإذا قال: الحمد للَّه وأشكره قال: ربك يحب أن يحمد ويشكر ليزيدك على ما أعطاك. وقال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: حتى إذا كان اليوم الّذي مات فيه صلوات اللَّه عليه، رأوا منه في أول النهار خفة فتفرق عنه الرجال إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين، وأخلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالنساء، فبينا نحن على ذلك لم يكن على مثال جالسا في الرخاء والفرح قبل ذلك.
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أخرجي عني- يعني هؤلاء- فهذا الملك يستأذن عليّ فخرج من البيت غيري، ورأسه في حجري، فجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وتنحيت في ناحية البيت، فناجى الملك طويلا، ثم إنه دعاني ورأسه في حجري، وقال للنسوة: ادخلن، فقلن: ما هذا بحسّ جبريل، فقال رسول صلى اللَّه عليه وسلم أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني، فقال: إن اللَّه عزّ وجلّ أرسلني إليك، وأمرني أن لا أدخل عليك إلا بإذن، فإن لم تأذن لي لم أدخل عليك، وإن أذنت لي دخلت، وأمرني أن لا أقبضك حتى تأمرني، فمرني أمرك، فقلت: اكفف حتى يأتيني جبريل، فهذه ساعة جبريل، واستقبلنا بأمر لم يكن عندنا جواب ولا رأي وجوهنا، وكأني ضربنا بصاخة ما يخسر إليه شيئا، وما يتكلم أحد من أهل البيت إعظاما لذلك الأمر وهيبته وقد ملأت جوا. قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: وجاء جبريل- عليه الصلاة والسلام- في ساعته فسلم فعرفنا حسّه، وخرج أهل البيت ودخل، فقال: إن اللَّه عز وجل يقرأ عليك السلام يا محمد ويقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بالذي تجد منك، ولكن أراد أن يزيدك كرامة وشرفا على الخلق، وأن يكون سنة في أمتك فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أجدني راجعا فقال: أبشر فإن اللَّه عزّ وجلّ أراد أن يبلغك ما أعدّ لك، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا جبريل إن ملك الموت استأذن عليّ وأخبره الخبر، فقال جبريل- عليه السلام-: إن ربك متمّ شرفك، وهو إليك مشتاق، قال: فلا تبرح إذا حتى يجئ وأذن للنساء، فقال: أدن يا فاطمة، فأكبّت عليه، فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها تذرفان وما تطيق الكلام، ثم قال: أدن مني رأسك، فأكبت عليه، فناجاها، فرفعت رأسها وهي تضحك، وما تطيق الكلام، وكان الّذي رأينا منها عجبا، فسألناها بعد ذلك فقالت: أخبرني أنه قال: إني ميت، فبكيت ثم قال: إني دعوت اللَّه أن يلحقك بي في أول أهلي، وأن يجعلك معي فأضحكني ذلك. قال: جاء ملك الموت فسلم واستأذن فأذن له، قال ملك الموت أفتأمرنا يا محمد؟ فقال: ألحقني بربي الآن، فقال: بل من يومك هذا، أما إن ربك
إليك مشتاق، ولكن ساعتك أمامك. قالت: وخرج جبريل- عليه السلام- وقال: يا رسول اللَّه، هذا آخر ما أنزل فيه إلي الأرض أبدا، طوي الوحي، وطويت الدنيا، وما كانت لي في الأرض حاجة غيرك، وما لي فيها حاجة إلا حضورك، ثم لزومي موقفي، ولا والّذي بعث محمدا بالحق، ما في البيت أحد أن يستطع أن يخير إليه في ذلك كله، ولا يبعث إلي أحد من رجاله لعظم ما سمع من حديثه. وقال سيف: عن سليمان بن أبي المغيرة، عن فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل حديث سعيد، عن عبيد بن عمير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- إلا أن في آخره: فاخترت لقاء اللَّه عز وجل وما عند اللَّه وإني سألت اللَّه عز وجل أن يجعلك معي. يا فاطمة بنت رسول اللَّه، ويا صفية عمة رسول اللَّه، اعملا لما عند اللَّه فإنّي لا أغني عنكما من اللَّه شيئا، مثلا ضربه ليعبد ربه، وإنما أراد من ذلك من يخاف عدته. وروي الواقدي في (المغازي) عن محمد بن عمر، عن أسامه بن زيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال جبريل- عليه السلام-: لمفاتيح خزائن الأرض فقال: يا محمد هذه مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة أحبّ إليك أم لقاء ربك ثم الجنة؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: لقاء ربي ثم الجنة، وكان مع جبريل عليه الصلاة والسلام ملك الموت، فقبض نفسه، وأشخص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجهه إلي سقف البيت وهو يقول: مع الرفيق الأعلى، وقبض صلى اللَّه عليه وسلم. قال سيف: عن أبي المهلب، عن بشر عن القاسم عن أبي أمامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: وكان جبريل عليه السلام يأتيه بالليل والنهار فيقول: إن اللَّه عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول: كيف تجدك؟ ثم يوصيه بالجار، وبالسواك، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ما جاءني قط صاحبي إلا وهو يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه، وبالسواك حتى ظننت أنه سيفرضه حتى إذا كان الثاني عشر من ربيع الأول، اشتد وجعه من الليل، فأصبح وقد أفاق.
وخرج البيهقي من طريق سيار بن حاتم حدثنا عبد الواحد بن سليمان الحارثي قال: حدثنا الحسن بن علي، عن محمد بن علي قال: لما كان قبل وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث، هبط إليه جبريل عليه السلام فقال: إن اللَّه تعالى أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا، وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا: فلما كان يوم الثاني، هبط جبريل عليه السلام فقال له مثل ذلك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا، فلما كان اليوم الثالث، هبط جبريل- عليه السلام- ومعه ملك الموت ومعهما ملك الهواء يقال له إسماعيل، على سبعين ألف ملك، كل ملك منهم على سبعين ألف ملك. قال: فسبقهم جبريل- عليه السلام- فقال: يا أحمد إن اللَّه تعالى أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول كيف تجدك؟ قال أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا قال: واستأذن ملك الموت على الباب فقال له جبريل- عليه السلام- يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي من قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك. فقال صلى اللَّه عليه وسلم ائذن له يا جبريل. فقال: عليك السلام يا أحمد، إن اللَّه تعالى أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني، إن أمرتني أن أقبض نفسك، قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها، قال صلى اللَّه عليه وسلم: وتفعل ذلك يا ملك الموت؟ قال: نعم! قال: بذلك أمرت. قال جبريل- عليه السلام-: يا أحمد إن اللَّه تعالى قد اشتاق إلى لقائك، قال صلى اللَّه عليه وسلم: يا ملك الموت أمض لما أمرت به، قال فأتاهم آت يسمعون حسه، ولا يرون شخصه، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه تعالى خلفا من كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودركا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فأجروا، فإن المصاب من حرم الثواب. قال البيهقي: قوله: إن اللَّه قد اشتاق إلى لقائك، إن صح إسناد هذا الحديث. فإنما معناه قد أراد زيادة في قربك وكرامتك.
وخرج من حديث يونس بن بكير عن المبارك بن فضالة، عن الحسن. قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال لفاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا بنية واللَّه لقد حضر أباك ما ليس اللَّه تبارك منه أحدا من الناس لموافاة يوم القيامة. ومن طريق آدم بن أبى إياس، حدثنا المبارك بن فضالة، عن ثابت، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما قالت فاطمة عليها السلام: وا كرباه! قال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك كمنه أحدا لموافاة يوم القيامة [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليها السلام: وا كرب أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، يا أبتاه إلي جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس! أطابت نفوسكم أن تحشوا على رسول اللَّه التراب؟ [ (2) ] . وخرج الإمام أحمد من حديث عفان بن مسلم، حدثنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري فلما خرجت نفسه صلى اللَّه عليه وسلم لم أجد ريحا قط أطيب منها [ (3) ] . قال سيف: عن سلمه بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند عن شقيق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قمت إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم حتى أضع رأسه بين ثدييّ وأمسكت بصدره فجعل يغمض عينيه حتى يغلب، وجبهته ترشح رشحا ما رأيته من إنسان قط، فجعلت أسلت ذلك العرق، ما رأيت ولا وجدت رائحة شيء أطيب منه، وكنت أقول له إذا أفاق: بأبي وأمي ونفسي وأهلي! ما تقلي جبهتك من العرق فقال صلى اللَّه عليه وسلم: يا عائشة إن نفس المؤمن تخرج
بالرشح، والكافر تخرج من شدته كنفس الحمار، فعند ذلك ارتعنا وبعثنا إلى أهلينا، فكان أول رجل جاءنا فلم يشهده أخي، فبعثته إلى أبي، فمات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يجيئنا. قال: عن سليمان بن أبى المغيرة، عن فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن الأنبياء تخرج أنفسهم بالرشح، وجعل إذا أغمي عليه قال: بل الرفيق الأعلى، كأن الخيرة تعاد عليه، فإذا أفاق قال: الصلاة، الصلاة، إنكم لا تزالون متماسكين ما صليتم جميعا، الصلاة، الصلاة، يوصي بها حتى الموت، فهي آخر ما سمع منه. قال: عن سعيد بن عبد اللَّه عن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: فسالت مهجة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فرأيتها من في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبين الأرض وما هي متعلقة بشيء. وقال: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي مليكة قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيتي وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا ومات بين سحري ونحري، فلما رأيت النساء يبكين ويعددن، وضعت رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على الوسادة، فرأيته يحرك يديه ورجليه فأكبيت عليه وأنا أري أنها غشيه أفاق منها، فإذا هو كأنّه إذا كان يضاجعني نائما، وإذا تلك الحركة تمديد من الملائكة وقيام منهم عليه. وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني يحيي بن عباد عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بين سحري ونحري، في بيتي، وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا. فمن سفاهة رأيي، وحداثة سني، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حجري، فأخذت وسادة، فوسدتها رأسه، ووضعته من حجري ثم قمت مع النساء أبكي وألتدم. وخرج البيهقي [ (1) ] من طريق أبي عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، قال إنه أتي عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: كان رسول اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: كان رسول اللَّه
صلى اللَّه عليه وسلم إذا مر بحجرتي ألقى إليّ الكلمة، يقر بها عيني، فمر ولم يتكلم فعصبت رأسي، ونمت على فراشي، فمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: مالك يا عائشة؟: فقلت: أشتكي رأسي، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: بل أنا وا رأساه، وأنا الّذي أشتكى رأسي، وذلك حين أخبره جبريل عليه الصلاة والسلام أنه مقبوض. فلبثت أياما، ثم جيء به يحمله في كساء أربعة، فأدخل عليّ، فقال: يا عائشة أرسلي إلي النسوة. فلما جئن قال: إني لا أستطيع أن أختلف بينكن فأذن لي فأكون في بيت عائشة، قلن: نعم. فرأيته يحمر وجهه، ويعرق، فلم أكن رأيت ميتا قط. فقال: أقعديني فأسندته إلي، ووضعت يدي عليه، فقبلت رأسه، فرفعت يدي عنه، وظننت أنه يريد أن يصيب من رأسي فوقعت من فيه نقطة باردة علي ترقوتي أو صدري ثم مال فسقط علي الفراش، فسجيته بثوب فلم أكن رأيت ميتا قط، فعرفت الموت بغيره، فجاء عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يستأذن ومعه المغيرة بن شعبة، فأذنت لهما، ومددت الحجاب، فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا عائشة ما لنبي اللَّه؟ قالت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه، فقال: وا غماه إن هذا لهو الغم، ثم غطاه، ولم يتكلم المغيرة. فلما بلغ عمر الباب، قال المغيرة: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا عمر. فقال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كذبت، ما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولا يموت حتى يأمر بالمنافقين، بل أنت تجوشك فتنه، فجاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: ما لرسول اللَّه يا عائشة؟ قلت: غشي عليه منذ ساعة، فكشف عن وجهه، فوضع فمه بين عينية، ووضع يده على صدغيه، ثم قال: وا نبياه! وا صفياه! وا خليلاه! صدق اللَّه ورسوله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (1) ] وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [ (2) ] ثم غطاه، وخرج إلي الناس فقال: أيها الناس: هل مع أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالوا: لا. قال: من
كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد ملت. ثم قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وقال: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ فقال عمر: أفي كتاب اللَّه هذا يا أبا بكر؟ قال: نعم، قال عمر: هذا أبو بكر صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الغار وثاني اثنين فبايعوه، فحينئذ بايعوه [ (1) ] . وخرج البخاري من حديث الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أخبرته، ان أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فتيمم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو مغشي عليه ببرد حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه يقبله ثم بكي ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه، واللَّه لا يجمع اللَّه عليك موتتين أبدا، الموتة التي كتبت عليك فقدمتها. قال: وحدثني أبو سلمة، عن عبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- خرج وعمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر! فأبى عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه، وتركوا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد اللَّه فإن اللَّه تبارك وتعالى حي لا يموت، قال اللَّه تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إلى قوله: الشاكرين [ (2) ] وقال: لكأن الناس لم يعلموا أن اللَّه تعالى أنزل هذه الآية، حتى تلاها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها.
قال: وحدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، أنه قال: أخبرني سعيد ابن المسيب، أن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعرفت، أو قال: فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات. [ (1) ] وخرجه مسلم من طريق معمر ويونس، عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمه أن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته قالت: أقبل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على فرسه من مسكنه بالسنح، وذكره بنحو أو قريب مما تقدم، وخرجه النسائي. [ (2) ] وذكر البيهقي من طريق الواقدي عن شيوخه، قالوا: لما شكوا في موت النبي قال بعضهم: قد مات، وقال بعضهم: لم يمت فوضعت أسماء بنت عميس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يدها بين كتفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت: قد توفي الرسول صلى اللَّه عليه وسلم قد رفع الخاتم من بين كتفيه، فكان هذا الّذي عرف به موته. وروي من طريق يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: وضعت يدي على صدر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مات، وهو في جمع، آكل، وأتوضأ، ما يذهب ريح المسك من يدي. ومن طريق يونس [ (3) ] عن الحجاج بن أبي ذؤيب عن طلحة مولى ابن الزبير عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو خميص البطن.
ذكر ما نزل به صلى الله عليه وسلم من شدة الوجع
ذكر ما نزل به صلى اللَّه عليه وسلم من شدة الوجع خرج البخاري في كتاب المرض [ (1) ] من حديث سفيان وشعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت أحدا اشتدّ عليه الوجع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وخرجه مسلم في كتاب البرّ والصلة [ (2) ] من حديث جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل عن مسروق، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت رجلا أشد عليه الوجع من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وفي رواية مكان الوجع وجعا. وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث سفيان عن سليمان عن شقيق عن مسروق عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما رأيت الوجع علي أحد أشد منه على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وخرجه قاسم بن أصبغ وابن أيمن بمثله. وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث الأعمش، عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد، عن عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: دخلت علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يوعك، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول اللَّه: إنك توعك وعكا شديدا فقال صلى اللَّه عليه وسلم: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أجل ذلك كذلك، ثم قال: ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر اللَّه- تعالى- بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها [ (6) ] .
وروي ابن سعد من طريق موسي بن عبيدة الزبيدي عن زيد بن أسلم، عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: جئنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم فإذا عليه صالب من الحمي ما يكاد يقربه أحدنا عليه من شدة الوجع، فجعلنا نسبح، فقال: ليس أحد أشد بلا من الأنبياء، كما يشدد علينا، كذلك يضاعف لنا الأجر. وروي أحمد بن المقدام، حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة. قال: أخبرني حصين قال: سمعت أبا عبيد يحدث عن عمته فاطمة أنها قالت: أتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه نعوده، فإذا سقاء عليه من شدة ما يجد من الحمي فقلنا: يا رسول اللَّه لو دعوت اللَّه يكشف عنك، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: جعل يشتكي ويتقلب على رأسه، فقلت: لو فعل هذا بعضنا وجد عليه قال إن المؤمنين يشدد عليهم. وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء ويدخل يده في القدح ثم يمسح به وجهه بالماء ثم قال: اللَّهمّ أعني على سكرات الموت [ (1) ] وعن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أغبط أحدا بهوان موت بعد الّذي رأيت من شدة موت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] .
ذكر إخراجه صلى الله عليه وسلم في مرضه مالا كان عنده وعتقه أرقاءه
ذكر إخراجه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه مالا كان عنده وعتقه أرقّاءه خرّج الإمام أحمد من حديث يحيي عن محمد بن عمر قال: حدثني أبو سلمه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما فعلت بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة، أو الثمانية، أو التسعة، فجعل صلى اللَّه عليه وسلم يقلبها بيده ويقول: ما ظن محمد باللَّه عزّ وجلّ إن لقيه اللَّه تعالى وهذه عنده؟ أنفقيها [ (1) ] . ومن حديث أبي حازم عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن أتصدق بذهب كانت عندنا في مرضه، قالت: فأفاق، فقال: ما فعلت بالذهب؟ قالت: لقد شغلني ما رأيت منك، قال: فهلميها، قال: فجاءت بها إليه، سبعة، أو تسعة. قال الواقدي في (مغازيه) : [ (2) ] حدثني موسي بن محمد عن أبيه. عن أم سلمة. عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالت: حضر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في صدري فقال: ما فعلت الذهبة؟ فأتيته بها وهي تسعة دنانير، فقال: أنفقيها، ما ظن محمد بربه لو لقي اللَّه تعالى وهي عنده؟ وقال محمد بن سعد: أخبرني سعيد بن منصور قال: أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: أخبرني سعيد بن منصور، قال يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم، عن سهل بن سعد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كانت عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلما كان في مرضه قال: يا عائشة ابعثي الذهب إلى عليّ، ثم أغمى عليه، وشغل عائشة ما به، فبعثت به إلى عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتصدق به.
قال: أخبرنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب، حدثنا عبد العزيز بن محمد ابن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد اللَّه بن حويطب، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهي مستندته إلى صدرها: يا عائشة! ما فعلت تلك الذهب؟ قال: فدعا بها فوضعها في كفه فقال: ما ظنّ محمد بربه أن لو لقي اللَّه تعالى وهذه عنده؟ فأنفقها كلها، ومات صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك اليوم. وقال سيف: عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن جده، قال: أعتق النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه أربعين نفسا.
ذكر تأميره صلى الله عليه وسلم في مرضه أسامة بن زيد - رضي الله تبارك وتعالى عنه -
ذكر تأميره صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة بن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد بعث أسامة وأمّره أن يوطئ الخيل نحو البلقاء حيث قتل أبوه وجعفر، فجعل أسامة وأصحابه يتجهزون وقد عسكر بالجرف، فاشتكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على ذلك، ثم وجد من نفسه راحة، فخرج عاصبا رأسه فقال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة، ثلاث مرات، ثم دخل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتوفي. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد اللَّه بن يزيد بن قسيط، عن أبيه، عن محمد بن أسامه بن زيد عن أبيه قال: بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم قول الناس: استعمل أسامة بن زيد على المهاجرين والأنصار، فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى جلس علي المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة! فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليق بالإمارة، وإن كان أبوه لخليقا بها. قال: فخرج جيش أسامة حتى عسكروا بالجرف وتتامّ الناس إليه فخرجوا، وثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأقام أسامة والناس ينتظرون ما اللَّه قاض في رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال أسامة: فلما ثقل هبطت من معسكري وهبط الناس معي وقد أغمي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها علي فأعرف أنه يدعو لي. حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجليّ قال: أخبرنا العمري عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد، فكان الناس طعنوا فيه أي في صغره، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله، وإنهما لخليقان لها، وإنه لمن أحب الناس إليّ، ألا فأوصيكم بأسامة خيرا. أخبرنا أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي أويس وخالد بن مخلد قالا: أخبرنا
سليمان بن بلال وأخبرنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب الحارثي، أخبرنا عبد العزيز بن مسلم وأخبرنا معن بن عيسى، قال: أخبرنا مالك بن أنس، جميعا عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعثا، وأمّر عليهم أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله! وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده! أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب وأخبرنا المعلى بن أسد، أخبرنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة، حدثني سالم بن عبد اللَّه بن أبيه أنه كان يسمعه يحدث عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين أمر أسامه بن زيد، فبلغه أن الناس عابوا أسامة وطعنوا في إمارته، فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الناس فقال: ألا إنكم تعيبون أسامة وتطعنون في إمارته وقد فعلتم ذلك بأبيه من قبل! وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة. وإن كان لأحب الناس كلهم إليّ وإن ابنه هذا من بعده لأحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم. [ (1) ] وخرج البخاري في كتاب الأحكام [ (2) ] في باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء، حديثا من حديث عبد اللَّه بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن في إمارته، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته ... الحديث إلي آخره. وقال: لخليق للإمارة. وخرجه في المغازي [ (3) ] في غزوة زيد بن حارثة. [ (4) ] وقال الواقدي في (مغازيه) : قالوا: لم يزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ووجد عليه
وجدا شديدا، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش [ (1) ] في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد، فلما أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر دعا أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا أسامة، سر على اسم اللَّه وبركته حتى تنتهي إلي مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخير، فإن أظفرك اللَّه تعالى فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع. فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، بدئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصدع وحمّ، فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر، عقد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيده لواء ثم قال: يا أسامة، اغز باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا، ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيّحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا فتفشلوا [ (2) ] فتذهب ريحكم، وقولوا: اللَّهمّ إنا نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة. [ (3) ] ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأسامة: امض على اسم اللَّه، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلميّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فخرج به إلي بيت أسامة وأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعسكر بالجرف، وجعل الناس يجدّون بالخروج إلي العسكر وخرج من فرغ من حاجته إلي معسكره، ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن
الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، في رجال من المهاجرين والأنصار عدة: قتادة ابن النعمان، وسلمه بن أسلم بن حريش، فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعض ذلك القول، فردّه على من تكلّم به، وجاء إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غضبا شديا، وخرج قد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم اللَّه إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ وإنهما لمخيلان لكل خير [ (1) ] فاستوصوا به خيرا فإنه لمن خياركم. ثم نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامه يودعون رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: أنفذوا بعث أسامة! ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول اللَّه! لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج علي حالته هذه لم ينتفع بنفسه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامه، فمضى الناس إلي المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثقيل مغمور، وهو اليوم الّذي لدوه [ (2) ] فيه فدخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقبّله، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها على أسامة قال: فأعرف أنه كان يدعو لي.
قال أسامة فرجعت إلي معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره، وأصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيقا، فجاءه أسامة فقال: أغد على بركة اللَّه، فودعه أسامة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مفيق مريح [ (1) ] وجعل نساؤه يتماشطن سرورا براحته، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه: أصبحت مفيقا بحمد اللَّه، واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي، فأذن له، فذهب إلي السنح [ (2) ] وركب أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهي إلي معسكره، فنزل وأمر الناس بالرحيل وقد متع [ (3) ] النهار فينا أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه يخبره أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلي المدينة، معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فانتهوا إلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يموت فتوفي صلى اللَّه عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلي المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بلواء أسامة معقودا حتى أتي به باب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فغرزه عنده، فلما بويع لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بريدة أن يذهب باللواء إلي بيت أسامة وأن لا يحله أبدا، حتى يغزوهم أسامة قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة، خرجت به إلى الشام معقودا مع أسامة ثم رجعت به إلي بيت أسامة، فما زال في بيت أسامة حتى توفي أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وذكر بقيمة الخبر. قال الواقدي: فحدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أهله، قال ك توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأسامة ابن تسع عشرة سنة، وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم زوجه وهو ابن خمس عشر سنة وامرأة من طيِّئ، ففارقها، وزوجه أخرى، وولد له في عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأولم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على بنائه بأهله.
ذكر وثوب الأسود العنسي قبيل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر وثوب الأسود العنسيّ قبيل وفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو: عيهلة بن كعب بن عوف بن صعب بن مالك بن عباس واسمه زيد ابن مالك، وهو مذجح بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. قال الدولابي: وكان معه شيطانان: سحيق وشفيق، يخبرانه بكل شيء، وأعلماه بموت باذان فخرج من ساعته فغلب علي صنعاء. وقال سيف: عن أبي مويهبة مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة بعد ما قضى حجة التمام فتحلل وضرب على الناس بعثا وأمر عليهم أسامه بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأمره أن يوطئ إبل الزيت من مشارق الشام بالأردن [ (1) ] ، فقال المنافقون في ذلك، وردّ عليهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إنه لخليق لها أي حقيق بالإمارة، ولئن قلتم فيه، لقد قلتم في أبيه من قبله وإن كان لخليقا، وطارت الأخبار بتحليل السير بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد اشتكى، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة، وجاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم الخبر عنهما، ثم وثب طلحة في بلاد بني أسد بعد ما أفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم اشتكى في المحرم وجعه الّذي توفاه اللَّه تعالى فيه. وقال: حدثناه هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى المدينة أمر أسامة بن زيد وضرب البعث على عامة أهل المدينة بعد ما أمره أن يسير حتى يوطئ بهم إبل الزيت، ويحلل به السير، فطار في الآفاق أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اشتكى، فوثب الأسود باليمن، ومسيلمة باليمامة، ثم إن طلحة وثب بعد ما أفاق النبي صلى اللَّه عليه وسلم وبعد ما جاء الخبر عن الأسود ومسيلمة، ثم إنه اشتكى وجعه الّذي توفاه اللَّه تعالى فيه في عقب المحرم. قال سيف: حدثنا سهل بن يوسف بن سهل بن مالك الأنصاري، عن
القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: أول ردة كانت ردة الأسود، واسمه عيهلة بن كعب، وكان يقال له ذو الخمار، ويقال ذو الحمار- بالحاء المهملة- لأنه مر به حمار [ (1) ] فخر علي وجهه فقام الأسود يتحدث ولم يقم الحمار حتى تكلم إليه. قال سيف: ومسيلمة واسمه ثمامة بن قيس، وكان يقال له: رحمان، بأن الّذي يأتيه رحمان، وطليحة بن خويلد ويقال له: ذو النون، فإن الّذي يأتيه ذو النون، يقال: حدثني المسير بن يزيد النخعي، عن عروة بن عرية عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه قال: إن أول ردة كانت في الإسلام ردة كانت باليمن، على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على يدي ذي الخمار عيهلة بن كعب، وهو الأسود في عامة مذجح بعد حجة الوداع، وكان الأسود كاهنا، شعباذا، وكان يريهم الأعاجيب، وسبي قلوب من سمع منطقه. وقال ابن أبي خثيمة: وأنكر نبوءته فقال: لا أكلمك ولكن أسأل ربي يكلمك وأمسك فاه، فسمع الرجل متكلما يقول: سل عما بدا لك، وراجعه بكلام. وقال سيف: وكان أول ما خرج أن خرج كهف حنان وهي كانت داره وبها ولده ونساؤه، فكاتبته مذجح وواعدته بحران، فوثبوا بها وأخرجوا عمرو ابن حزم، وخالد بن سعيد بن العاص، فأنزلوه منزلهما. ووثب قيس بن عبد يغوث علي فروة بن مسيك وهو على مراد، فأخلاه ونزل منزله فلم يلبث عيهلة بنجران أن سار إلى صنعاء فأخذها، وكتب إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك من فعله ونزوله صنعاء، وكان أول حين وقع به عنه من قبل فروة بن مسيك، فلحق بفروة من تم إسلامه من مذجح ولم يكاتب الأسود صلى اللَّه عليه وسلم ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يساعيه وضوى له ملك اليمن. قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه قال: لما اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ارتاب من شاء اللَّه فلم يقم منهم أحد على دينه إلا الأسود العنسيّ،
ومسيلمة، فإنّهما كفرا وادعيا النبوة، وكفر من اتبعهما، فلما بلغا النبي صلى اللَّه عليه وسلم خبرهما، قام في الناس فقال: أيها الناس، إني قد كنت أريت ليلة القدر فأنسيتها وأريت في ذراعي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمامة، وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يزعم أنه نبي. وعن محمد بن إسحاق عن عبيد اللَّه بن أبي بكر، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال يوما وهو يخطب على المنبر وقد تكلم في زمانه قبل إن يقبض مسيلمة وادعى النبوة والأسود بن كعب العنسيّ باليمن، وادعى النبوة، وكان يقال له في الجاهلية ذو الخمار: يا أيها الناس إني قد أريت ليلة القدر ثم انتزعت مني ورأيت في يدي سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمامة، وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يزعم أنه نبي. فقد كان غلظ أمر الأسود واستكنف، وبايعه أهل اليمن إلا أن قوما قليلا خالفوا عليه. قال المؤلف: وقد خرج البخاري ومسلم طرفا من ذلك، فخرج البخاري في كتاب المغازي في وفد بني حنيفة من حديث عبد الرزاق عن معمر بن همام أنه سمع أبا هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وخرج مسلم أيضا من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة. عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فذكر أحاديث منها، وقال: رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: بينما أنا نائم أتيت خزائن الأرض. قال البخاري: في كفي سوارين من ذهب فكبرا عليّ فأوحي إلي أن انفخهما، فنفختهما، فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة [ (1) ] . وخرج البخاري في التعبير من حديث عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن
همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نحن الآخرون السابقون. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع في يدي سواران من ذهب فكبرا علي ... الحديث إلى آخره. وترجم عليه باب النفخ في المنام [ (1) ] . وقال ابن أبي خثيمة: بعث الأسود إلى أبي مسلم عبد اللَّه بن أيوب الخولانيّ. فأتاه فقال: أشهد أني رسول اللَّه، قال: ما أسمع، قال: أشهد أن محمدا رسول اللَّه، قال: نعم فردد ذلك مرارا، فأوقد له نارا عظيمة وألقاه فيها فلم يضره، فنفاه، فأتى المدينة. وقال سيف: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: حاربهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالرسل والكتب فأرسل إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن تحاولوا الأسود وأمرهم أن يتخذوا رجالا قد سماهم لهم ممن حولهم من حمير وهمذان وأرسل إلى أولئك النفر من حمير وهمذان أن يتخذوهم. وأرسل إلى ثمامة بن أثال ومن يسمع عليه، أن تحاولوا مسلمة، وأمره أن يتخذوا رجالا قد سماهم ممن والاه من تميم وقيس، وأرسل إلي أولئك النفر من تميم وقيس أن يتخذوه وأرسل إلي عون وورقاء بن نوفل، وإلى سنان وقضاعة أن تحاولوا طليحة وأمرهم أن يتخذوا رجالا قد سماهم لهم من تميم وقيس، وأرسل إلي أولئك النفر من تميم وقيس أن يتخذوهم، ففعلوا، وانقطعت سبل المرتدة، وطعنوا في نقصان، وأغفلهم فاستغفلوا في أنفسهم فأصيب الأسود في حياة النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته بيوم أو بليلة وكذا مسيلمة، وطلحة. قال: حدثنا الضحاك بن يربوع عن أبيه عن ماهان، قال: قال ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قاتل النبي صلى اللَّه عليه وسلم الأسود وطليحة ومسيلمة وأشياعهم بالرسل فلم يشغله. قال سيف: عن طلحة بن الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهما-: أول من اعترض على العنسيّ وكابره عامر بن شهر الهمذاني في ناحية، وفيروز ودادوبه في ناحيتهما ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به. وقال سيف: عن سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر قال: بينما نحن بالجد قد أفتاهم على ما ينبغي وكتبنا بينهم الكتب إذ جاءنا كتاب من الأسود: أيها المتوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا ووفروا ما جمعتم، فنحن أولى به، أنتم على ما كنتم عليه، فقلنا للرسول من أين جئت؟ قال من كهف حنان، ثم كان وجهه إلى نجران حتى أخذها لمحرجه فتابعه عوام مذجح، فبينا نحن ننظر في أمرنا ونحن جميعا إذا نبيا فقيل: هذا الأسود يشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باولم وذلك لعشرين ليلة من منحمة فبينا نحن ننتظر الخبر على من تكون الدبرة، إذ أتانا به قبل شهر، أن هرم الأبناء، وغلب على صنعاء، لخمس وعشرين ليلة من منحمه، خرج معاذ ابن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى هاربا حتى يمر بأبي موسي الأشعري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو يحارب فافتتحا حضرموت، فأما معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل في السكون، وأما أبو موسي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل السكون، وأما أبو موسى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه نزل في السكاسك مما يلي المقود والمفازة، بينهم وبين مأرب وبجاد سائر من اليمن إلى الظاهر بن أبي هالة إلا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن العاص، فإنّهما رجعا إلى المدينة، والظاهر بن أبي هالة في بلاد جبال صنعاء وغلب الأسود على ما بين مهد مفازة حضرموت إلي عمل الطائف إلى البحرين قبل عدن، وطافت عليه اليمن وعك بتهامة حضرموت. وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبعمائة فارس سوى الركبان وكان قواده: قيس بن عبد يغوث المراديّ، معاوية فلان الحبيّ، يزيد بن محرم ويزيد بن حصن الحاري، ويزيد بن الأفكل الأزدي، ابنا مليكة، واستغلظ أمره، ودانت له سواحل من السواحل، والسرجة، والحردة، والخدرة، وعدن ثم صنعاء، إلى عمل الطائف إلي الأحنة، وغلب، وعامله المسلمون بالبعير،
وعامله أهل الردة بالكفر والرجوع عن الإسلام وكان خليفته في مذجح عمرو بن معديكرب، وأسند أمر الناس الى نفر، فأما أمر جنده فآل إلى قيس ابن عبد يغوث وأسند أمور الآباء إلى فيروز ودادويه، فلما أنجز في الأرض استخلف مقيس بن عبد يغوث وفيروز ودادويه وأخذ امرأة شهر بن باذام، وهي ابنة عم فيروز فبينما نحن كذلك بحضرموت، ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود، أو يبعث إلينا جيشا، أو يخرج بحضرموت، خارج يدعي بمثل ما ادعى به الأسود فنحن على ظهر، يروح معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى بني بكرة، حي من السكون إلى امرأة يقال لها رملة فحدبوا عليها لصهره وكان معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بها معجبا فإن كان ليقول فيما يدعو اللَّه تعالى: اللَّهمّ ابعثني يوم القيامة مع السكون، إذ جاء كتب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنا أن يبعث الرجّال لمحاربته أو محاولته يعني الأسود، وأن يبلغ كل من رجا عنده شيئا من ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقام مقامه معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالذي أمرته فعرفنا القوة ووثقنا بالبعير. قال سيف: عن أبي القاسم، عن العلاء بن زياد عن أبي عمر قال: أتى الخبر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم من السماء، الليلة التي قتل فيها الأسود العنسيّ، فخرج ليسرنا، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: قتل العنسيّ البارحة، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين.
ذكر وثوب مسيلمة في بني حنيفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي
ذكر وثوب مسيلمة في بني حنيفة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حي هو أبو ثمامة مسيلمة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هيت بن أفصى بن دعمي بن جديله بن أسد بن ربيعة القرشي بن نزار بن معد بن عدنان. فلما بعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين، أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة، فعجل عكرمة ليذهب بصوتها، فواقعهم فنكبوه، وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر، وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر. فكتب إليه أبو بكر: لا أرينّك ولا تراني، لا ترجعنّ فتوهن النّاس، امض إلى حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة، ثمّ تسير أنت وجندك تستبرون النّاس حتى تلقى مهاجر بن أبي أميّة باليمن وحضرموت. فكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد، فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة. فلمّا رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه قبل عذره ورضي عنه ووجّهه إلى مسيلمة وأوعب معه المهاجرين والأنصار، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شمّاس، وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطّاب، وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه. فلمّا وصلوا إليه سار إلى اليمامة وبنو حنيفة يومئذ كثيرون كانت عدّتهم أربعين ألف مقاتل، وعجل شرحبيل ابن حسنة، وبادر خالدا بقتال مسيلمة، فنكب، فلامه خالد، وأمدّ أبو بكر خالدا بسليط ليكون ردءا له لئلّا يؤتى من خلفه. وكان أبو بكر يقول: لا أستعمل أهل بدر، أدعهم حتى يلقوا اللَّه بصالح أعمالهم، فإنّ اللَّه يدفع بهم وبالصالحين أكثر ممّا ينتصر بهم. وكان عمر يرى استعمالهم على الجند وغيره. وكان مع مسيلمة نهار الرّجّال بن عنفوة، وكان قد هاجر إلى النبيّ، صلى اللَّه عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، وبعثه معلّما لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد أن محمدا صلى اللَّه عليه وسلم، يقول: إنّ مسيلمة قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره، وكان يؤذّن له عبد اللَّه بن النواجة، والّذي يقيم له حجير بن عمير، فكان حجير يقول: أشهد أنّ مسيلمة يزعم أنّه رسول اللَّه. فقال له مسيلمة: أفصح حجير، فليس في المجمجمة خير. وهو أوّل من قالها.
وكان ممّا جاء به وذكر أنّه وحي: يا ضفدع بنت ضفدع نقّي ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين. وقال أيضا: والمبديات ذرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما إهالة وسمنا، لقد فضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريقكم فامنعوه، والمعيي فأوّوه، والباغي فناوئوه. وأتته امرأة فقالت: إنّ نخلنا لسحيق، وإنّ آبارنا لجرز، فادع اللَّه لمائنا ونخلنا كما دعا محمّد، صلى اللَّه عليه وسلم، لأهل هزمان. فسأل نهارا عن ذلك، فذكر أنّ النبيّ، صلى اللَّه عليه وسلم، دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجّه في الآبار ففاضت ماء وأنجيت كلّ نخلة وأطلعت فسيلا قصيرا مكمّما، ففعل مسيلمة ذلك، فغار ماء الآبار ويبس النخل، وإنّما ظهر ذلك بعد مهلكه. وقال له نهار: أمرّ يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمّد، ففعل وأمرّ يده على رءوسهم وحنّكهم فقرع كلّ صبيّ مسح رأسه، ولثغ كلّ صبيّ حنكه، وإنّما استبان ذلك بعد مهلكه. وقيل: جاءه طلحة النّمريّ فسأله عن حاله، فأخبره أنّه يأتيه رجل في ظلمة، فقال: أشهد أنّك الكاذب، وأنّ محمّدا صادق، ولكنّ كذّاب ربيعة أحبّ إلينا من صادق مضر. فقتل معه يوم عقرباء كافرا. ولما بلغ مسيلمة دنوّ خالد ضرب عسكره بعقرباء، وخرج إليه النّاس وخرج مجّاعة بن مرارة في سريّة يطلب ثأرا لهم في بني عامر، فأخذه المسلمون وأصحابه، فقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة، وكانوا ما بين أربعين إلى ستّين. وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره، فقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة قاتلوا فإنّ اليوم يوم الغيرة، فإن انهزمتم تستردف النساء سبيّات، وينكحن غير خطّيبات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم. فاقتتلوا بعقرباء، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وكانت قبله مع عبد اللَّه بن حفص بن غانم، فقتل، فقالوا: تخشى علينا من نفسك [شيئا] فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا! وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شمّاس، وكانت العرب على راياتهم، والتقى النّاس، وكان أوّل من لقي المسلمين نهار الرّجّال بن عنفوة فقتل، قتله زيد بن الخطاب، واشتدّ القتال،
ولم يلق المسلمون حربا مثلها قطّ، وانهزم المسلمون، وخلص بنو حنيفة إلى مجّاعة وإلى خالد، فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجّاعة وهو عند امرأة خالد، وكان سلّمه إليها، فأرادوا قتلها، فنهاهم مجّاعة عن قتلها وقال: أنا لها جار، فتركوها، وقال لهم: عليكم بالرجال، فقطّعوا الفسطاط. ثم إنّ المسلمين تداعوا، فقال ثابت بن قيس: بئس ما عودّتم أنفسكم يا معشر المسلمين! اللَّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعني أهل اليمامة، وأعتذر إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعنى المسلمين، ثمّ قاتل حتى قتل. وقال زيد بين الخطّاب: لا نحور بعد الرجال، واللَّه لا أتكلّم اليوم حتى نهزمهم أو أقتل فأكلمّه بحجّتي. غضّوا أبصاركم وعضّوا على أضراسكم أيّها النّاس، واضربوا في عدوّكم وامضوا قدما. وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن زيّنوا القرآن بالفعال. وحمل خالد في النّاس حتى ردّوهم إلى أبعد ممّا كانوا، واشتدّ القتال وتذامرت بنو حنيفة وقاتلت قتالا شديدا، وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين وتارة للكافرين، وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطّاب وغيرهم من أولي البصائر. فلمّا رأى خالد ما النّاس فيه قال: امتازوا أيّها النّاس لنعلم بلاء كلّ حيّ ولنعلم من أين نؤتي. فامتازوا، وكان أهل البوادي قد جنّبوا المهاجرين والأنصار وجنّبهم المهاجرون والأنصار. فلمّا امتازوا قال بعضهم لبعض: اليوم يستحي من الفرار، فما رئي يوم كان أعظم نكاية من ذلك اليوم، ولم يدر أيّ الفريقين كان أعظم نكاية، غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في أهل الوادي. وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه، فعرف خالد أنّها لا تركد إلّا بقتل مسيلمة، ولم تحفل بنو حنيفة بمن قتل منهم. ثمّ برز خالد ودعا إلى البراز ونادى بشعارهم، وكان شعارهم: يا محمّداه! فلم يبرز إليه أحد إلّا قتله. ودارت رحى المسلمين، ودعا خالد مسيلمة فأجابه، فعرض عليه أشياء ممّا يشتهي مسيلمة فكان إذا همّ بجوابه أعرض بوجهه ليستشير شيطانه فينهاه أن يقبل. فأعرض بوجهه مرّة وركبه خالد وأرهقه، فأدبر وزال أصحابه، وصاح خالد في النّاس فركبوهم، فكانت هزيمتهم، وقالوا لمسيلمة: أين ما كنت تعدنا؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم. ونادى المحكّم: يا بنى حنيفة الحديقة الحديقة! فدخلوها وأغلقوا عليهم بابها. وكان البراء بن مالك، وهو أخو أسد بن مالك، إذا حضر الحرب أخذته رعدة حتى يقعد عليه الرجال ثمّ يبول، فإذا بال ثار كما يثور الأسد، فأصابه
ذلك، فلمّا بال وثب وقال: إليّ أيّها النّاس، أنا البراد بن مالك! إليّ إليّ! وقاتل قتالا شديدا، فلمّا دخلت بنو حنيفة الحديقة قال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة. فقالوا: لا نفعل. فقال: واللَّه لتطرحنّني عليهم بها! فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم فاقتتلوا أشدّ قتال، وكثر القتلى في الفريقين لا سيّما في بني حنيفة، فل يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة. واشترك في قتله وحشيّ مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار، أمّا وحشيّ فدفع عليه حربته، وضربه الأنصاريّ بسيفه، قال ابن عمر: فصرخ رجل: قتله العبد الأسود، فولّت بنو حنيفة عند قتله منهزمة، وأخذهم السيف من كل جانب، وأخبر خالد بقتل مسيلمة، فخرج بمجّاعة يرسف في الحديد ليد له على مسيلمة، فجعل يكشف له القتلى حتى مرّ بمحكّم اليمامة، وكان وسيما، فقال: هذا صاحبكم؟ فقال مجّاعة: لا، هذا واللَّه خير منه وأكرم، هذا محكّم اليمامة، ثمّ دخل الحديقة فإذا رويجل أصيفر أخينس، فقال مجّاعة: هذا صاحبكم قد فرغتم منه. وقال خالد: هذا الّذي فعل بكم ما فعل. وكان الّذي قتل محكّم اليمامة عبد الرحمن بن أبي بكر، رماه بسهم في نحره وهو يخطب ويحرّض النّاس فقتله. وقال مجّاعة لخالد: ما جاءك إلّا سرعان النّاس، وإنّ الحصون مملوّة، فهلمّ إلى الصلح على ما ورائي، فصالحه على كلّ شيء دون النفوس، وقال: أنطلق إليهم فأشاورهم. فانطلق إليهم وليس في الحصون إلّا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفي، فألبسهم. الحديد وأمر النساء أن ينشرن شعورهنّ ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم. فرجع إلى خالد فقال: قد أبوا أن يجيزوا ما صنعت، فرأى خالد الحصون مملوّة وقد نهكت المسلمين الحرب وطال اللّقاء وأحبّوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما هو كائن، وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلاثمائة وستّون، ومن المهاجرين من غير المدينة ثلاثمائة رجل، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل من بني حنيفة بعقرباء سبعة آلاف، وبالحديقة مثلها، وفي الطلب نحو منها. وصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السّبي، وقيل ربعه. فلمّا فتحت الحصون لم يكن فيها إلّا النساء والصبيان والضعفاء، فقال خالد لمجاعة: ويحك خدعتني! فقال: هم قومي ولم أستطع إلّا ما صنعت.
ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كلّ محتلم، وكان قد صالحهم، فوفى لهم ولم يغدر. ولما رجع النّاس قال عمر لابنه عبد اللَّه، وكان معهم: ألا هلكت قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريت وجهك عني؟ فقال عبد اللَّه: سأل اللَّه الشهادة فأعزيتها وجهدت أن تساق إليّ فلم أعصها [ (1) ] . وقال سيف: حدثنا طلحة بن الأعلم، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة بن زيد فلم يسر لوجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى بلغ النبي صلى اللَّه عليه وسلم فخرج عاصبا رأسه من الصداع لذلك الشأن، لرؤيا أريها صلى اللَّه عليه وسلم في بيت عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- وقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم أن في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما، فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين. صاحب اليمامة وصاحب اليمن، وقد بلغني أن أقواما يقولون في إمرة أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقا لها، وإنه لها لخليق فأنفذوا بعث أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فخرج أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعرس بالجرف وأنشأ الناس في العسكر ونجم طليحة، وثقل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم يستتم الأمر. وقد خرج البخاري ومسلم [ (2) ] طرقا من ذلك، وخرج البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] من حديث أبي اليمان، أخبرنا شعيب عن عبد اللَّه بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعل يقول: إن
جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس- وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطعة جريد- حتى وقف علي مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر اللَّه فيك ولئن أدبرت ليغفرنك اللَّه. وإني لأراك الّذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني. ثم انصرف. قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إني أرى الّذي أريت فيه ما أريت، فأخبرني أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفحتهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي: أحدهما العنسيّ، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة [ (1) ] . وقال فيه البخاري: وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت، وقال مسلم: ولن أتعدى أمر اللَّه تعالى فيك. وخرج البخاري من حديث يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن عبيدة بن نشيط- وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه- أن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث، وكانت تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد اللَّه بن عامر، فأتاه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وهو الّذي يقال له: خطيب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وفي يد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت. هذا ثابت بن قيس سيجيبك عني، فانصرف النبي صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . قال عبيد اللَّه بن عبد اللَّه: سألت عبد اللَّه بن عباس، عن رؤيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم التي ذكر، فقال ابن عباس: ذكر لي أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب، ففظعتهما وكرهتهما، فأذن لي فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان. فقال عبيد اللَّه: أحدهما العنسيّ
الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب [ (1) ] . ترجم عليه قصة الأسود العنسيّ. ذكره في كتاب المغازي.
وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع عن أبيه قال: رجع النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى
المدينة عام حجة الوداع وعامله على اليمامة ثمامة بن أثال ثم بعث نهارا بعد ما بلغه خروج مسيلمة معلما وكان مسيلمة من أهل هذا، وبعث إلى أهل حجر فاستجلبه فلما شهد له نهار الرجّال أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم زعم أنه أشرك معه في الأمر أخرجا عامة من بحجر. عن طلحة بن الأعلم عن عبد اللَّه بن عمير الحنفي، قال: لما قدم بكتاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إلى إلي اليمامة إلى ثمامة بن أثال بخيل له وطلب عورته وقد أخبره أن معه شيطانا ماردا وأنه يصغي إليه وادعى إلى شيء فلا يعمل إلا بأمره وأنه ذلك إن سد فيه يريد أن فتعلموها زيدتان كأنهما زبيبتان فلا نشهد عليه حتى ترى ذلك فإن قلبه عند ذلك في سعل وإنك أن عاجله أحد ثم أمنه عليه وقال ان قويت على مكابرته فكابره واستعن بفلان ممن حول اليمامة من تميم وقيس فلما لم يقدر علي مرضه منه وكاتبه الّذي كتب اليهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم من حوله وقطع طريق اليمامة اعتزل تمامة فيمن ثبت على الإسلام من بني حنيفة وكانوا فرقتين فرقه معه وفرقة مع مسيلمة الموسم فنزل الوسم وجعل تميما وقيسا من خلفه واستهدهم وأمده الزبرقان بن بدر وقيس وصفوان ووكيع وعمرو ابن حرم انميرى وعمرو بن فلان الحفاحى فاقتحم بهم ثمامة عليهم فالتقى هو مسيلمة يملهم بقتل حبيب بن قيس بن حبيب أخو مسيلمة وجعفر بن مسيلمة بن قتادة وعزاء بن علي وخرج تمامه وأصحابه علي الغنم والظفر فعادوا وأصحابه إلى الموسم وتضعضع عنه مسيلمة، وقال ثمامة بن أثال في ذلك. قالت رميلة أين ترحل بعد ما ... جدا الرحيل يحفل حدار وتعرضت لتلومني في عزوتى ... مشفقا على مخافة الأقدار فقصبت بما دلتى وقلت لها أحمقي ... وقضضت جميع مغامر حبار
ورميت مشتبه الفلات بفيلق ... شهبا ذات نوارح وأوار وفتحت بالجيش الموبر جمعهم ... ورياح كل مصلصل حران وخدعت عربين اليمامة كلهم ... بخيبهم ويجعفر وعزار وكانت بنو حنيفة فرقتين فرقة مع مسيلمة وهو أهل هجر وحشدوا ثم خرجوا نحو الوشم وفرقة مع تمامه من بني سحيم وأهل القرى من فينا حنيفة فغضب أهل حجر ثم خرجوا نحو الوشم يغزون يمامه ومن بيعة من بني تميم سحيم وأهل القرى ومن أمره من تميم وقيس فالتفوا بالوشم فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم مسيلمة وأصحابه واتبعهم تمامه بمن معه يقتلونهم قاهرين لهم ثم رجعوا وقد بنوا أيديهم مما أصابوا من جند مسيلمة فقال ثم في ذلك. قالت رميلة لا يهد وقد جرى ... يوم الغوير بحكهما استعار أرميل لي أني لم اربح مودتي ... حتى تزيل مساقتى الأقدار أرميل أني شاري لمحمد نفسي ... وأهلي الدهور عمار فغضبت جميعهم يطعن مصائب ... حتى نزهده بيننا الأكوار وركبت غازى القرى في أثره ... أقرى المنان وجعنا سيار قال سيف عن طلحة عن ماهان عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم الخبر بما ألقي مسيلمة فقال: هداك مسيلمة قد سحى وضاق ضرعا واللَّه مخزيه ومن لقيه فليبرأ منه فأن له شيطانا لا يقطع أمرا دونه يصغي إليه فإذا اصغي إليه فليغتنم شغله فإن قلبه مخامر وأنه ذلك أرشد سفيه يزيد أن حتى فعلوهما زبيبتان وأنه لا يصاب إلا في تلك الحال.
ذكر خروج طليحة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر خروج طليحة في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم هو طليحة بن خويلد بن نوفل بن نصلة بن الأشتر بن حجوان ابن فقعس بن طريف بن عر بن عمرو بن معين بن الحارث بن ثعلبة بن دوقا بن راشد بن خزيمة بن دركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو الجبال الأسدي ذو النون كان يعدل بألف فارس. كان قد تنبأ في حياة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فوجه إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم ضرار بن الأزور عاملا على بني أسد وأمرهم بالقيام على من ارتد، فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه، فضربه بسيف، فلم يصنع فيه شيئا، فظهر بين الناس أن السلاح لا يعمل فيه، فكثر جمعه. ومات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وهم على ذلك، فكان طلحة يقول: إن جبرائيل يأتيني، وسجع للناس الأكاذيب، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة ويقول: إن اللَّه لا يصنع بتعفر وجوهكم وتقبح أدباركم شيئا، اذكروا اللَّه أعفة قياما، إلى غير ذلك، وتبعه كثير من العرب عصبية، فلهذا كان أكثر أتباعه من أسد وغطفان وطيِّئ. فسارت فزارة وغطفان إلى جنوب طيبة، وأقامت طيِّئ على حدود أراضيهم وأسد بسميراء، واجتمعت عبس وثعلبة بن سعد ومرة بالأبرق من الرَّبَذَة، واجتمع إليهم ناس من بني كنانة، فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين، أقامت فرقة بالأبرق، وسارت فرقة إلى ذي القصة، وأمدهم طليحة بأخيه حبال، فكان عليهم وعلى من معهم من الدئل وليث ومدلج، وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: واللَّه لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة وردهم، فرجع وفدهم، فأخبروهم بقلة من في المدينة وأطمعوهم فيها. وجعل أبو بكر بعد مسير الوفد على أنقاب المدينة عليا وطلحة والزبير وابن مسعود، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الغارة من العدو لقربهم، فما لبثوا إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلفوا بعضهم بذي حسي ليكونوا لهم ردءا، فوافوا ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة فمنعوهم، وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر، فخرج إلى أهل المسجد على النواضح، فردوا العدو واتبعوهم حتى بلغوا ذا حسي، فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وفيها الحبال، ثم دهدهوها على الأرض، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى المدينة ولم يصرع مسلم.
وظن الكفار بالمسلمين الوهن، وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر، فقدموا عليهم، وبات أبو بكر يعبي الناس، وخرج على تعبية يمشي وعلي ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد اللَّه بن مقرن وعلى أهل الساقة سويد بن مقرن. فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد، فما شعروا بالمسلمين حتى وضعوا فيهم السيوف، فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل رجال، واتبعهم أبو بكر حتى نزل بذي القصة وكان أول الفتح، ووضع بها النعمان بن مقرن في عدد، ورجع إلى المدينة، فذل له المشركون. فوثب بنو عبس وذبيان على من فيهم من المسلمين فقتلوهم فحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة، وازداد المسلمون قوة وثباتا. وطرقت المدينة صدقات نفر كانوا على صدقة الناس، بهم صفوان والزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم، وذلك لتمام ستين يوما من مخرج أسامة، وقدم أسامة بعد ذلك بأيام، وقيل: كانت غزوته وعوده في أربعين يوما. فلما قدم أسامة استخلفه أبو بكر على المدينة وجنده معه ليستريحوا ويريحوا ظهرهم، ثم خرج فيمن كان معه، فناشده المسلمون ليقيم، فأبي وقال: لأواسينكم بنفسي. وسار إلى ذي حسي وذي القصة حتى نزل بالأبرق فقاتل من به، فهزم اللَّه المشركين وأخذ الخطبة أسيرا، فطارت عبس وبنو بكر، وأقام أبو بكر بالأبرق أياما، وغلب على بني ذبيان وبلادهم وحماها لدواب المسلمين وصدقاتهم. ولما انهزم عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو ببزاخة، وكان رحل من سميراء إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر إلى المدينة. فلما استراح أسامة وجنده، وكان قد جاءهم صدقات كثيرة تفضل عليها، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء، عقد لواء لخالد بن الوليد وأمره بطليحة ابن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح إن أقام له، وعقد لعكرمة ابن أبي جهل وأمره بمسيلمة، وعقد للمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسيّ ومعونة الأبناء على قيس بن مكشوح، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت، وعقد لخالد بن سعيد وبعثه إلى مشارف الشام، وعقد لعمرو بن العاص وأرسله إلى قضاعة، وعقد لحذيفة بن محصن الغلفاني وأمره بأهل دبا، وعقد لعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهم أن يجتمعا وكل واحد منهما على صاحبه في عمله. وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال: إذا فرغ من
اليمامة فالحق بقضاعة وأنت على خيلك تقاتل أهل الردة. وعقد لمعن بن حاجز وأمره ببني سليم ومن معهم من هوازن، وعقد لسويد بن مقرن وأمره بتهامة باليمن، وعقد للعلاء بن الحضرميّ وأمره بالبحرين، ففصلت الأمراء من ذي القصة ولحق بكل أير جنده، وعهد إلى كل أمير وكتب إلى جميع المرتدين نسخة واحدة يأمرهم بمراجعة الإسلام ويحذرهم، وسير الكتب إليهم مع رسله. ولما انهزمت عبس وذبيان ورجعوا إلى طليحة ببزاخة أرسل إلى جديلة والغوث من طيِّئ يأمرهم باللحاق به، فتعجل إليه بعضهم وأمروا قومهم بالحاق بهم، فقدموا على طليحة. وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم قبل خالد إلى طيئ وأتبعه خالدا وأمره ان يبدأ بطئ ومنهم يسير إلى بزاخة ثم يثلث بالبطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له. وأظهر أبو بكر للناس أنه خارج إلى خيبر بجيش حتى يلاقي خالدا، يرهب العدو بذلك. وقدم عدي علي طيئ فدعاهم وخوفهم، فأجابوه قالوا له: استقبل الجيش فأخره عنا حتى نستخرج من عند طليحة منا لئلا يقتلهم. فاستقبل عدي خالدا وأخبره بالخبر، فتأخر خالد، وأرسلت طيئ إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم، فعادت طيئ إلي خالد بإسلامهم، ورحل خالد يريد جديلة، فاستمهله عدي عنهم، ولحق بهم عدي يدعوهم إلى الإسلام، فأجابوه، فعاد إلى خالد بإسلامهم، ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم، وكان خير مولود في أرض طيئ وأعظمه بركة عليهم. وأرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعة، فلقيهما حبال أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخوه سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتا ورجعا. وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتا قتيلين، فجزع لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيئ، فقالت له طيئ: نحن نكفيك قيسا، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم. فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا على الذين [هم] أسرتي الأدنى فالأدنى لجاهدتهم عليه، واللَّه لا أمتنع عن جهاد بني أسد لحلفهم. فقال له خالد: إن جهاد الفريقين جهاد، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم لقتالهم أنشط، ثم تعبى لقتالهم، ثم سار حتى التقيا على بزاخة، وبنو عامر قريبا يتربصون على من
تكون الدائرة قال: فاقتتل الناس على بزاخة. وكان عيينة بن حصن مع طليحة في سبعمائة من بني فزارة، فقاتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم، فلما اشتدت الحرب كرّ عيينة على طليحة وقال له: هل جاءك جبرائيل بعد؟ قال: لا فرجع فقاتل، ثم كر على طليحة فقال له: لا أبا لك! أجاءك جبرائيل؟ قال: لا. فقال عيينة: حتى متى؟ قد واللَّه بلغ منا! ثم رجع فقاتل قتالا شديدا ثم كر على طليحة فقال: هل جاءك جبرائيل؟ قال: نعم. قال: فماذا قال لك؟ قال: قال لي: إن لك رحى كرحاه، وحديثا لا تنساه. فقال عيينة: قد علم اللَّه أنه سيكون حديث لا تنساه، انصرفوا يا بني فزارة فإنه كذاب، فانصرفوا وانهزم الناس. وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلته لامرأته النوار، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال: يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل. ثم انهزم فلحق بالشام، ثم نزل على كلب فأسلم حين بلغه أن أسدا وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر. وكان خرج معتمرا [في إمارة أبي بكر] ومر بجنبات المدينة، فقيل لأبي بكر: هذا طليحة! فقال: ما أصنع به؟ قد أسلم! ثم أتي عمر فبايعه حين استخلف. فقال له: أنت قاتل عكاشة وثابت؟ واللَّه لا أحبك أبدا! فقال: يا أمير المؤمنين ما يهمك من رجلين أكرمهما اللَّه بيدي ولم يهني بأيديهما! فبايعه عمر وقال له: ما بقي من كهانتك؟ فقال: نفخة أو نفختان [بالكير] . ثم رجع إلى قومه فأقام عندهم حتى خرج إلى العراق. ولما انهزم الناس عن طليحة أسر عيينة بن حصن، فقدم به على أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف: يا عدو اللَّه أكفرت بعد إيمانك؟ فيقول: واللَّه ما آمنت باللَّه طرفة عين. فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه. وأخذ من أصحاب طليحة رجل كان عالما به، فسأله خالد عما كان يقول، فقال: إن مما أتي به: والحمام واليمام، والصرد الصوام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام. قال: ولم يؤخذ منهم سبي لأنهم كانوا قد أحرزوا حريمهم، فلما انهزموا أقروا بالإسلام خشيه على عيالاتهم، فآمنهم [ (1) ] .
وخرج البيهقي من طريق محمد بن يوسف الغمرياني، قال: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قال: قال لي أبو بكر أي يوم توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني أرجو أن أموت فيه، فمات فيه. ومن طريق خالد بن أبي عمران، عن حنش، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: ولد نبيكم صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، وفتح مكة يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ. وتوفي يوم الاثنين. وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد، قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر بن درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن عبد اللَّه بن بكير، قال حدثنا ابن لهيعة عن خالد، عن حنش، عن ابن عباس فذكره بنحوه، زاد: ودخل المدينة يوم الإثنين، ولم يذكر قوله: ونبي يوم الإثنين قلت: وقد خولف في قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، قال عمر بن الخطاب: نزل يوم الجمعة، يوم عرفة، وكذلك قال عمار بن أبي عمار عن ابن عباس. ومن طريق يعقوب بن سفيان قال: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: وحدثنا يعقوب، حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن ابن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قالا: اشتد برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الوجع، فأرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، ولم يجتمعوا حتى توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على صدر عائشة، وفي يومها يوم الاثنين. زاد إبراهيم: حين زاغت الشمس بهذا ربيع الأول. ومن طريق المعتمر بن سليمان، عن أبيه، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له، يقال لها ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته اليوم العاشر، يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة. ومن طريق الواقدي: قال حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، واجتمع عنده نساؤه كلهن، اشتكى ثلاثة عشر يوما وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
قال الواقدي: حدثنا سعيد بن عبد اللَّه بن أبي الأبيض عن المقبري، عن عبد اللَّه بن رافع، عن أم سلمة، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة زوجته. ومن طريق عبد اللَّه بن جعفر، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أحمد بن يونس، عن أبى معشر، عن محمد بن قيس، قال: أشتكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة عشر يوما، فكان إذا وجد خفة صلى، وإذا ثقل، صلى أبو بكر. ومن طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول، اليوم الّذي قدم فيه المدينة مهاجرا، فاستكمل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل [ (1) ] . وقال الرافعي وعاش صلى اللَّه عليه وسلم بعدها يعني حجة الوداع ثمانين يوما وقيل ويوما وقال النووي في (الروضة) : وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين ضحوة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول وقال أبو الفتح محمد بن سيد الناس في (سيرته) : والجمهور على أنه توفي صلى اللَّه عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين. وقال أبو الربيع ابن سالم وهذا لا يصح وقد جرى فيه من الغلط على العلماء ما علينا إثباته وقد تقدمه السهيليّ الى بيانه لأن حجة الوداع كانت وقفتها يوم الجمعة بالاتفاق فلا يستقيم أن يكون يوم الإثنين ثانى عشر ربيع الأول سواء تمت الشهور أو نقصت أم تم بعضها. قال الطبري: توفي صلى اللَّه عليه وسلم يوم الإثنين من ليلتين مضتا من ربيع الأول. وقال أبو بكر الخوارزمي: في أول يوم منه، وبيان قول أبى الربيع أن الأشهر الثلاث التي بقيت من عمره صلى اللَّه عليه وسلم إذا كانت تامة كان الثاني عشر من ربيع الأول وإنما هو الأحد فإنه يكون أول ذي الحجة الخميس، وآخره يوم الجمعة، وأول المحرم يوم السبت، وآخره الأحد، وأول صفر الإثنين، وآخره الثلاثاء، وأول ربيع الأربعاء، فحينئذ الثاني عشر الأحد، وإن نقص شهران فتم شهر كان أول ربيع الإثنين، وثاني عشر الجمعة، وإن نقص الأشهر الثلاث كان أول ربيع الأحد، والثاني عشر الخميس. وقد اعترض في (المهمات) على صاحب (الروضة) وغلط فيما قال بهذا
الاعتراض ولم ينسبه إلى قائله لقد أجيب عن هذا الاعتراض بأن التاريخ إنما يقع برؤية الأهلة والأهلة، تختلف بحسب المطالع وكل قطر يؤرخون ويحولون برؤيتهم ولا يعتبرون برؤية من بعد عنهم في التاريخ وسائر الأحكام. وأهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، ووقفوا يوم الجمعة، وأهل المدينة يجوز أنهم رأوه ليلة الجمعة، لأن مطلعهم مختلف عن أهل مكة، فإذا تمت الشهور كان أول ذي الحجة الجمعة وآخره السبت وأول المحرم الأحد وأخره الاثنين وأول سفر الثلاثاء، وآخره الأربعاء، وأول ربيع يوم الخميس، فيكون ثانى عشر الاثنين. قول الرافعي رحمه اللَّه: إنه صلى اللَّه عليه وسلم عاش بعد حجته ثمانين يوما، يقتضي أن وفاته أول يوم من ربيع الأول، وقد ذهب اليه طائفه كما تقدم. وقال محمد بن عابد في (مغازيه) حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير انه حدثهم عن محمد بن السيد الكلبي عن أبى صلح بن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن اللَّه عز وجل أنزل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم سورة المائدة وهو واقف صلى اللَّه عليه وسلم بعرفة قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ (1) ] فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام وإنه إنما عاش صلى اللَّه عليه وسلم بعدها ثمانين يوما حتى قبضه اللَّه تعالى وقوله يوما بعد الثمانين يقضى وفاته لليلتين مضتا من ربيع الأول. قال سيف في كتاب (الردة) : عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن [مقسم] عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: فلما قضي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حجته أو نفر نزل الحصبة ثم ارتجل منها حتى قدم المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول وقال عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثله إلا أن ابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: في أول الأيام مضينا منه وقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بعد ما مضي منه واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
ذكر مبلغ عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر مبلغ عمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اعلم أن الروايات قد اختلفت عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وعن عائشة وأنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- في سنّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم فروى- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم ستون، وروي ويتبين ثلاث وستون وروى عن ابن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أيضا خمسة وستون ويتبين هذا مما يوردهم عنهم إنشاء اللَّه تعالى. خرج البخاري في أول المناقب [ (1) ] ، وفي آخر المغازي [ (2) ] ، وخرج
مسلم [ (1) ] من حديث عقيل بن شهاب أخبرنى سعيد بن المسيب بمثل ذلك وأخرجه مسلم من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب مثل حديث عقيل. وأخرجه النسائي [ (2) ] أيضا. وخرج البخاري من هشام حدثنا عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لأربعين سنه، فمكث بمكة ثلاث عشرة يوحي إليه، عشرة سنه بالهجرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاثة وستين [ (3) ] . ومن طريق مطر بن الفضل حدثنا روح بن عبادة، حدثا زكريا بن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى- قال: مكث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. خرج في أول كتاب فضائل القرآن [ (4) ] من طريق يحيى عن ابن سلمة قال: أخبرتنى
عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لبث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشر سنين ونزل عليه القرآن، بالمدينة عشر سنين. وخرجه أيضا في آخر كتاب [ (1) ] المغازي عن يحيى، عن أبى سلمى، عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لبث بمكة الحديث بمثله. وخرج مسلم عن طريق يزيد بن زريع حدثنا يونس بن عبيد، عن عمار مولى بنى هاشم قال سألت ابن عباس كم أتى لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم مات فقال ما كنت أحسب، مثلك من قومه يخفي عليه ذلك! قال: قلت إني قد سألت الناس فاختلفوا عليّ فأحببت أن أعلم قولك فيه، قال: أتحسب؟ قال: قلت: نعم قال: أمسك أربعين بعث لها، وخمس عشرة بمكة يأمن ويخاف فأمرها وخاف، وعشرة من مهاجره إلى المدينة [ (2) ] ، وخرجه من حديث شبانة بن سوار حدثنا شعبه عن يونس بهذا الإسناد [ (3) ] ، نحو حديث ابن ذريع من حديث روح وخالد الجد، وحدثنا حماد بن سلمة، عن عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنه يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا، وثمان سنين يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا [ (4) ] . وخرج الترمذي من حديث نصر بن علي عن بشر بن الفضل عن خالد، الخبر بمثله وقال: هذا حديث حسن صحيح. وخرج مسلم من حديث سفيان عن عمرو قال: قلت لعروة كم لبث النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة؟ قال: عشرا، قلت: فإن ابن عباس يقول: بضع عشرة، فقال: فغفره. وقال: إنما أخذه من قول الشاعر، قلت: يعنى حسان [ (5) ] : ويؤتى في قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو يلقى خليلا مواسيا. وذكر ذلك كله مسلم في كتاب المناقب وخرج مسلم من حديث روح بن
عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة سنة، وتوفى صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين [ (1) ] . وخرجه الترمذي من طريق روح به، قال: حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- حديث حسن غريب من حديث عمرو بن دينار. وخرج مسلم من حديث حماد عن أبى حمرة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وبالمدينة عشرا، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة [ (2) ] . وخرج مسلم من حديث حكام مسلم حدثنا عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس وأبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض وهو ابن ثلاث وستين [ (3) ] وروى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن أنس ابن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه سمعه يقول كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط. بعثه اللَّه تعالى على رأس أربعين سنه وليس فيه لحيته ورأسه عشرين شعرة بيضاء [ (4) ] . قال أبو عمر بن عبد البر رحمه اللَّه: أما قول: بعثه اللَّه تعالى على رأس أربعين سنه فأقام بمكة عشر سنين فاختلف في ذلك، وأما قوله بالمدينة عشر سنين فاجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه، وأما قوله: وتوفاه اللَّه تعالى على رأس الستين فمختلف فيه على حسب اختلافهم في مقامه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة، فحديث ربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على ما يرى أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ستين. ورواه عن ربيعة جماعة من الأئمة منهم مالك بن أنس، وأنس بن عياض، وعمارة بن عونة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأوزاعي، وسعيد ابن أبي هلال، وسليمان بن بلال، كلهم عن ربيعة بمعنى حديث مالك سواه.
وقد ذكر البخاري حديث ربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- هذا بما تبعه، فذكر حديث حكام بن مسلم الّذي تقدم، ثم قال البخاري: وهذا أصح عندي من حديث ربيعة. قال أبو عمر: إنما قال البخاري ذلك واللَّه تعالى أعلم، لأن عائشة ومعاوية وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- على اختلاف عنه، كلهم يقول: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن عائشة ومعاوية وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ولم يختلف عن عائشة ومعاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في ذلك، رواه جرير عن معاوية. وجاء عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كما ذكره ربيعة عنه، وذلك مخالف لما ذكره هؤلاء كلهم، وروى الزبير بن عدي وهو عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ما يوافق ما قالوا، فقطع البخاري بذلك، لأن المنفرد اولى بإضافة الوهم إليه من الجماعة. وأما عن طريق الأسناد فحديث ربيعة أحسن اسنادا في ظاهره، إلا أنه قد بان من باطنه ما يضعفه، وذلك مخالفة لأكثر الحفاظ له. قال: وقد تابع ربيعة على روايته عن ابن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- نافع أبو غالب، روي عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وله أربعون سنة. وذكر البخاري من طريق عبد الرزاق قال أبو غالب نافع إنه سمع أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشرا بعد أن بعث. وذكره ابن أبي خثيمة فبيا محمد بن عمر، حديثا نافع أبو غالب، قال: قلت لأنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا أبا حمزة، لم كان سنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم قبض؟ قال: ستون سنة، وقد روى ابن وهب عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، ومكث بمكة عشرا، وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ستين سن. وقد روى من حديث ابن عمر- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن اثنين وستين سنة وذكر إبراهيم بن المنذر عن سعيد بن سعيد بن أبي سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنهم- قال: نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ستين سنة. قال أبو عمر: وممن قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث علي رأس أربعين سنة قبات بن أشيم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، قال: نبئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على رأس أربعين من عام الفيل. قال أبو عمر: لا خلاف أنه صلى اللَّه عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل وساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت. قال المؤلف: قد تقدم الخلاف في ذلك، قال أبو عمر: وروي هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة. رواه جماعة عن هشام بن حسان وهو قول عروة بن الزبير ورواه عن عروة هشام بن عروة وعمرو بن دينار وكان عروة يقول: إنه أقام بمكة عشرا، وأنكر قول من قال: أقام بها ثلاث عشرة بقوله كقول ربيعة سواء، كان الشعبيّ يقول بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ونبئ لأربعين، ثم وكل به إسرافيل ثلاث سنين قرن بنبوته، فكان يعلمه الكلمة والشيئ، ولم ينزل عليه القرآن علي لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه الصلاة والسلام، ونزل القرآن على لسانه صلى اللَّه عليه وسلم عشر سنين، هذا كله قول الشعبي. وكذلك قال محمد بن جبير بن مطعم، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم نبئ على رأس ثلاث وأربعين وهو قول عطاء الخراساني وممن قال: إنه بعث على رأس ثلاث وأربعين ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، من رواية هشام الدستواني عن عكرمة عنه، خلاف ما روى هشام بن حسان، وقاله أيضا سعيد بن المسيب فذكر من طريق أحمد بن حنبل أبا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا هشام قال: أخبرنا عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أنزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين. قال أحمد بن زهير: وأخبرني أن فتى جرير بن عبد الحميد قال: أخبرنا عبد اللَّه بن عمر وفتى حماد بن زيد جميعا عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: أنزل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة. خالف القواريري عامتهم في هذا الخبر عن حماد بن زيد فقال فيه: نزل عليه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة. ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد مثل رواية القواريري، وهو عبد اللَّه بن عمر بن حماد بن يزيد.
ثم ذكر من حديث أبي زرعة: حدثنا أحمد بن صالح بن وهب قال: حدثني قرة بن عبد الرحمن المغازي عن ابن شهاب وربيعة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال نبّئ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، قال أبو عمر: لا أعلم أحدا رواه عن ابن شهاب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- غير قره. وأما مكثه صلى اللَّه عليه وسلم بمكة فمن قول أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من رواية ربيعة وابن طالب أنه مكث بمكة عشر سنين. وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، وهو قول عروة الشعبيّ وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه وابن شهاب، والحسن، وعطاء الخراسانىّ، وكذلك روى هشام الدستواني عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إنه مكث بمكة بعد ما بعث صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث عشرة سنة. وكذلك روي أبو حمزة وعمرو بن دينار جميعا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، وهو قول أبو جعفر محمد بن علي.
وأما سنه صلى الله عليه وسلم حين توفي
وأما سنه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفي ففي حديث ربيعة وأبي غالب عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ستين، وهو قول عروة بن الزبير. وروى حميد عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ذكره أحمد بن زهير، عن ابن معاذ، عن بشر بن المفضل عن حميد، وروى الحسن عن دعفل النسابة- وهو دعفل بن حنظلة- قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين سنة، ولم يدرك دعفل النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقال البخاري: ولا يعرف للحسن سماعا من دعفل. قال البخاري: وروى عمار بن أبي عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: أنزل علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمكة عشر سنين وخمس سنين وأشهر ولم يوافق عليه الصلاة والسلام شيئا إلا مثل له. قال: وروى عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين. قال أبو عمر: قد روى على بن زيد عن يوسف بن مهران عن بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين. ذكره أحمد بن زهير عن أحمد بن حنبل، عن هيثم عن علي بن زيد. وإنما ذكرنا هذا وإن كان صحيحا عندنا غيره، لقول البخاري: إنه لم يتابع عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين كما ذكرنا. وقد روى أبو حمزة ومحمد بن سيرين أيضا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن عائشة ومعاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين. وأم حديث عمار بن أبي عمار فرواه سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: بعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فأقام بمكة خمس عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين، وقبض وهو ابن خمس وستين. رواه شعبة عن يونس بن عبيد عن أبي عمار مولى بني هاشم. ثم قال: سألت ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما: أبن كم توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: إن هذا الشديد على
مثلك أن يعلم بمثله ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار، قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما في هذا أقوى، لأن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم، وسعيد ابن جبير من رواية العلاء بن صالح عن المنهال، عن سعيد بن جبير ويوسف بن مهران كلهم قد تلقوا عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن خمس وستين وروى أبو سلمة، وعكرمة، ومحمد بن سيرين، وأبو حصين ومقسم، وأبو طيبان، وعمرو بن دينار، كلهم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفى وهو ابن ثلاث وستين. وقد روى معاذ عن بشر بن المفضّل، عن حميد بن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. وذكره ابن أبي خثيمة عن المغني بن معاذ هكذا. ورواه أبو مسلم المشتمل عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مثله، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين. وقد روى معاذ ابن معاذ عن بشر بن المفضل، عن حميد عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن خمس وستين. ثم ذكر أبو عمير من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. ومن طريق قاسم بن أصبغ، حدثني أحمد بن زهير. حدثنا إسماعيل بن كريم الفرجمانى، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا يونس بن زيد، عن الزهري، قال: أخبرنى عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. قال الزهري: أخبرنى سعيد بن المسيب عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مثل ذلك. قال أبو عمر هذا أصحّ شيء في هذا الباب إلا أني أعجب من رواية هشام ابن عروة وعمرو بن دينار عن عروة قوله خلاف هذا الحديث على ما قدمناه عنه وما أدري كيف هذا؟ وروى شعبة وإسرائيل عن أبى إسحاق، عن عامر بن سعيد عن جرير عن عبد اللَّه، قال: إنه سمع معاوية يقول: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. قاله أبو إسحاق وعامر بن سعد وعبد اللَّه بن عتبة وسعيد بن المسيب والشعبي عليه أقره الناس لأنه يجتمع على هذا القول
كل من قال نبئ على رأس أربعين، وأقام بمكة ثلاث عشر سنة، وكل من قال: بعث على رأس ثلاث وأربعين، وأقام بمكة عشرا، وهو الّذي يسكن إليه القلب في وفاته صلى اللَّه عليه وسلم ولا خلاف في أنه ولد يوم الاثنين بمكة في ربيع الأول عام الفيل وأن يوم الاثنين أول يوم أوحي إليه فيه وأنه قدم المدينة في ربيع الأول. قال ابن إسحاق هو ابن ثلاث وخمسين، وأنه توفي يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة إحدى من الهجرة. وروى كريب عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أوحي اللَّه تعالى إلي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن أربعين، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين، وأنزل عليه وهو ابن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وأنزل عليه وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا. قال أبو عمر: هذا أصح ما في ذلك عندي، ثم ذكر من طريق أبي زرعة حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عيينة بن خالد، حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: توفى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وصدق ذلك حديث علي بن حسين، قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي ابن ثلاث وستين. واللَّه تبارك وتعالى أعلم. قال المؤلف: وحديث معاوية الّذي ذكره الحافظ أبو عمر، وخرجه مسلم من طريق سلام بن أبي الأحوص عن أبي إسحاق، قال: كنت جالسا مع عبد اللَّه بن عتبة فذكروا سنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال بعض القوم: كان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أكبر من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال عبد اللَّه: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين، وقيل: عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين، فقال رجل من القوم: كنا قعودا عند معاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين وقيل: عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو ابن ثلاث وستين. وخرجه من طريق شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عامر بن سعد البجلي، عن جرير أن سمع معاوية يخطب، فقال: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.
وخرجه الترمذي [ (1) ] من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير بن عبد اللَّه بن أبي سفيان، أنه قال: سمعته يخطب ويقول: مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مثله سواء. وخرجه النسائي من طريق الشعبي عن جرير، قال: كنا عند معاوية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [وهو] ابن ثلاث وستين.
ذكر ما نزل من المصيبة بالصحابة - رضي الله تبارك وتعالى عنهم - لوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حل بالمسلمين عامة من عظم الرزيه بفقده صلى الله عليه وسلم.
ذكر ما نزل من المصيبة بالصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- لوفاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وما حل بالمسلمين عامة من عظم الرزيّه بفقده صلى اللَّه عليه وسلم. قال أبو محمد الدرامي: حدثنا أبو نعيم حدثنا فطر، عن عطاء قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب [ (1) ] . وخرج البخاري في المناقب من حديث سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مات وأبو بكر بالسّنح- قال إسماعيل: يعني بالعالية- فقام عمر يقول: واللَّه ما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قالت: وقال عمر: واللَّه ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه اللَّه، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقبّله فقال: بأبي أنت وأمّي، طبت حيا وميتا، والّذي نفسي بيده لا يذيقك اللَّه الموتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر [ (2) ] . فحمد اللَّه [تعالى] أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدا صلى اللَّه عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حيّ لا يموت، وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (3) ] وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (4) ] .
قال: فنشج الناس يبكون. قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة كما عرج بروح موسى، واللَّه لا يموت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلم حتى أزيد شدقاه مما يوعد، ويقول. فقام العباس فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات وإنه لبشر وإنه يأسن كما يأسن البشر، أي قوم: فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على اللَّه من أن يميته إماتتين أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين. وهو أكرم على اللَّه من ذلك؟ أي قوم فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على اللَّه أن يبحث عنه التراب. إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم واللَّه ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا، فأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح، وطلق، وحارب، وسالم، وكان يرعى الغنم، يتبع بها صاحبها رءوس الجبال، يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمدد حوضها بيده بأنصب، ولا أدأب من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كان فيكم أي قوم، فادفنوا صاحبكم. قال: وجعلت أم أيمن تبكي فقيل لها: يا أم أيمن تبكي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ قالت: إني واللَّه ما أبكى على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا أن أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا، ولكني أبكي على خبر السماء انقطع، قال حماد: خنقت العبرة أيوب حين بلغ هاهنا [ (1) ] . وقال أبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: واللَّه ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبنى، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر- ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا واللَّه لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله اللَّه [ (2) ] .
وروى أبو محمد الدارميّ عن سليمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين فحبس بقية يومه [ (1) ] وليلته والغد حتى دفن ليلة الأربعاء. قالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى عليه السلام. فقام عمر فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه. وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق عن معمر قال: قال الزهري: وأخبرني أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى عليه الصلاة والسلام فمكث عن قومه أربعين ليلة وإني لأرجو أن يعيش رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وبألسنتهم يزعمون أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد مات [ (2) ] . وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثنا الليث بن خالد البلنجي قال: كان اليوم الّذي دخل فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شيء، ولما كان اليوم الّذي مات فيه صلى اللَّه عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وإنا لفي دفنه، ما رفعن أيدينا عن دفنه، حتى أنكرنا قلوبنا [ (3) ] . وروى البيهقي من طريق جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أظلمت المدينة، حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبطيده، فلا يبصرها، فلما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا [ (4) ] . ومن طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: شهدت اليوم الّذي توفي فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم أر يوما كان أقبح منه [ (5) ] . وقال الواقدي: حدثني حارثة بن أبي عمران، عن هلال بن أسامة عن
علة بن أبي علة قال: كان أول من دخل عليه عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجى فخرج إلي الناس وهو يصيح: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت ولكن رفع كما رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وليرجعن ولا يسمح أحد أن يقول: إن محمدا مات، إلا قطع لسانه، فإنّي أعلم أن قوما من المنافقين يقولون مات فأولئك يمثل بهم وتكون عليهم دائرة السوء، ثم غلبه البكاء. فدخل إلى بيته فمكث يومه ذلك يبكى بكاء شديدا ما يقدر الخروج حتى خيف عليه. قال سيف: عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لفي حجري حين قبضه اللَّه تبارك وتعالى فتناولت وسادة من أدم فوضعتها تحت رأسه ثم قمت أصيح مع النساء وألتدم وتفاقم الناس وسجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثوبه ودخل عمر ثم خرج إلي الناس فقال: يا أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ما مات، وليرجعنه اللَّه تعالى فليقطعن أيد وأرجل من المنافقين يتمنون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت. وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي ملكية، قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فاقتحم الناس حين ارتفعت [الربة] وسجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والملائكة تثوبه، ونقل الرجال، فكانوا كأقوام سحبوا منهم الأرواح، وحق لهم في أحوال من البلاء قسمت بينهم، فكذب بعضهم بموته، وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد النعت، وخلط آخرون فلانوا الكلام بغير شأن، وبقي ومعهم عقولهم وأقعدوا آخرون، فكان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى- فيمن كذب بموته، وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أقعدوا [وعثمان]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أخرس فخرج من في البيت من الناس ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسجى، فقال: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لم يمت، وليرجعن اللَّه تعالى، وليقطعن أيد وأرجل من المنافقين، فتمنون لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت، إنما أعده ربه كما وعد موسى، واللَّه لا أسمع أحدا يذكر أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي إلا أعلون بسيفي هذا. وأما عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه لما أعلونه يطق كلاما، وأما علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه أقعد، ولم يكن أحد من المسلمين في مثل حال أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فإن اللَّه عز وجل عزم لهما على التوفيق والسداد، وكان الناس لم يرضوا إلا
لقول أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وجاء العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من قبله فتكلم بنحو من كلامه فما انتهى له أحد ممن ابتلي، حتى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فانتهي الناس كلهم إلي قوله، وتفرقوا عن كلامه. وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض اللَّه عزّ وجل نبيه، وأعلن أهل البيت وفاته بالصيحة، وسمعها الناس جزعا من ذلك جزعا شديدا، فقام عمر ابن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: كيف نكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدا؟ وبموت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يظهر على الناس فإياكم أيها الناس أن تفتتنوا كما افتتن قوم موسى إذ غاب عنهم إلي الطور، فرجع إليهم فعاقبهم، وظن كثير من الناس أنه كما قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فأقبل الناس حتى نادوا على الناس، وقالوا: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حي، فلا تحركوه ولا تدفنوه، وأوعد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- الناس حين سمعهم يقولون: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فخرج عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على الناس فقال: أيها الناس هل عندكم أو عند أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من أمر وفاته؟ قالوا: لا، قال: هل عندكم يا عمر من ذلك علم؟ قال: لا واللَّه، قال: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يأخذ علي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد عهد اللَّه تعالى في شأن وفاته، واللَّه الّذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الموت، ولقد قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو بين ظهرانيكم إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فلما عرفوا، قال بعضهم: خلوا بينهم وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلم يكف بعضهم لبعض. وقال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند، عن سالم بن عبيد اللَّه وكان من أهل الصفة- قال: سمعت النبي صلى اللَّه عليه وسلم في اليوم الّذي مات فيه، قال حين ثقل أو أغمي عليه فأفاق: حضرت الصلاة؟ قالوا: نعم. قال صلى اللَّه عليه وسلم: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمرت بلالا أن يؤذن، وأمرت أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم قال، أقيمت الصلاة؟ قيل: نعم، فدعا بربزة خادما كانت له وإنسانا آخر معها فاعتمد عليهما، ثم قال: انطلقا، فذهبا به إلي المسجد حتى أتيا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- وهو يصلي بالناس فجلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب أبو بكر يتأخر، فجلس حتى فرغ من الصلاة، فلما توفي صلى اللَّه عليه وسلم وقوم آمنون لم يكن فيهم نبي قبله. قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لئن تكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي، قال: فأخذ بيدي حتى أتينا البيت، فدخل، فقال: وسعوا كذا، فوسعوا حتى أتى نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأكبّ عليه ثم مشى روبده، ثم نظر حتى تبين له، قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قالوا: يا صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: نعم، فعلموا كلهم أن قد مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: يا صاحب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: هل نصلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: كيف نصلي عليه؟ فما أدري قال: عشاء أو قال: يجئ نفر فيكبرون، ويصلون ويدعون، ثم ينصرفون، ويجئ آخرون حتى يفرغوا من آخرهم، فعلموا أنه كما قال: عندكم نبي اللَّه يعني عمته وابن عمه فجلس في المسجد وجلس الناس حوله. وقال سيف: عن عمر بن محمد عن تمام، عن العاصي عن القعقاع بن عمرو، قال: جاء الخبر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بنقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وتواتر أهل البيت عليه أرسلا، فجاء فلقيه آخرهم بعد ما مات النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وعيناه تهملان، فأكبّ عليه، وكشف عن وجهه، وقيل جبينه وخديه، ومسح وجهه، وجعل يبكى ويقول: بأبي وأمي ونفسي وأهلي طبت حيا وميتا، وانقطع بموته ما لم ينقطع بموته أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وحللت عن البكاء، وخصصت حتى ضرب مسيلمة، وعميت، ولولا أن موتك كان إخبارا لحربك بالنفوس، وإنك نهيت عن البكاء، لأنفدنا عليك ما التشوف، فأما ما لا نستطيع حقه عنا فكمدوا، وإن كان مخالفا له. قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي عمر قال: جاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى صلي على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاسترجع وصلى وأثنى، فعجّ أهل البيت عجيجا سمعه أهل المصلى، كلما ذكرت شيئا أرادوا فما، سكن عجيجهم إلا [صوت] يقول: السلام عليكم يا أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ الآية. إن في اللَّه خلفا من كل هالك ودركا لكل رغبة، ونجاة من كل مخافة، فاللَّه فارجوا وبه فثقوا، فاستمعوا له وأنكروه، وقطعوا البكاء، فلما انقطع البكاء فقد صوته، واطلع أحدهم فلم ير أحدا، ثم ناداهم مناد آخر لا يعرفون صوته: يا أهل البيت، اذكروا اللَّه واحمدوه على كل حال
من المخلصين، إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل رغبة، فأطيعوا أمره فاعلموا. وقال الواقدي في كتاب (الغازي) : حدثني ابن أبي سبرة، عن الحبيش بن هاشم، عن عبد اللَّه بن وهب، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في بيوتنا، ونحن نسكن برؤيته على السرير، إذ سمعنا صوت الكرار من السحر ليلة الثلاثاء. قالت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فصحنا، فصاح أهل المسجد، فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالفجر، فلما بلغ ذكر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بكى فانتحب فزادنا عجيجا، وعالج الناس الدخول إلي قبره، فغلق دونهم فيا لها من مصيبة، فما أصبنا بعده بمصيبة إلا هانت علينا إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى اللَّه عليه وسلم. وخرج البيهقي من طريق المزني، قال: حدثنا الشافعيّ، عن القاسم بن عبد اللَّه بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه عليّ بن الحسين، فقال: ألا أحدثكم عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قالوا: بلى، فحدثنا عن أبي القاسم، قال: لما مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أتاه جبريل، فقال: يا محمد! إن اللَّه أرسلني إليك، تكريما لك، وتشريفا لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك. يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا، ثم جاءه اليوم الثاني، وقال له: ذلك، فردّ عليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم كما ردّ أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم، وردّ عليه كما ردّ. وجاء معه ملك، يقال له إسماعيل على مائة ألف، كل ملك على مائة ألف ملك، استأذن عليه، فسأل عنه، ثم قال جبريل: هذا ملك الموت، يستأذن عليك، ما استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال عليه السلام: ائذن له، فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد، إن اللَّه أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضته، وإن أمرتني أن أتركه تركته، فقال: أو تفعل يا ملك الموت؟ قال: نعم: بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك. فنظر النبي إلى جبريل؟ فقال له جبريل: يا محمد إن اللَّه اشتاق إلى لقائك. فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم لملك الموت: أمضي لما أمرت به، فقبض روحه. فلما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه عزاء من
كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب. فقال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام. قال البيهقي: لقد روينا هذا في الخبر الّذي قبله بإسناد آخر، والمراد بقوله: إن اللَّه اشتاق إلى لقائك، أي أراد ردك من دنياك إلى آخرتك ليزيد في كرامتك، ونعمتك وقربتك. قال: أخبرنا القاسم بن عبد اللَّه بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا قائلا يقول: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب [ (1) ] . قال المؤلف: قد روينا هذا الحديث في كتاب تبين الشافعيّ رحمه اللَّه، وذكره في باب زكاة الفطر، ولا يحضرني الآن. وخرجه البيهقي من طريق الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعيّ، قال: أخبرني الهيثم بن عبد اللَّه عن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب. وخرج من طريق أبي الوليد المخزومي، حدثنا أنس بن عياض، عن جعفر ابن محمد عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عزتهم الملائكة، يسمعون الحسّ، لا يرون الشخص، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فأرجو، فإن المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته. قال البيهقي: هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفين، فبأحدهما يتأكد الآخر، وبدل ذلك على أن له أصلا من حديث جعفر. قال المؤلف: وقد خرج الحاكم في (مستدركه) [ (2) ] حديث جابر هذا من طريق أبي الوليد بهذا السند، فقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،
والمخزومي هذا ليس بخالد بن إسماعيل الكوفي، وإنما هو هشام بن إسماعيل الصغاني، وهو ثقة مأمون. وخرج الحاكم من طريق محمد بن بشر بن مطر، حدثنا كامل بن طلحة حدثا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح قيحا رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من هالك، وإلى اللَّه فأنيبوه إليه، فارغبوا الآخرة، ونظر إليكم البلاء، فانظروا، فان المصاب من لم يخبر، وانصرف. فقال بعضهم لبعض: أتعرفون الرجل؟ قال أبو بكر وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: نعم: هذا أخو رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم الخضر عليه السلام [ (1) ] ، قال الحاكم: هذا شاهد بما تقدم وإن كان عباد بن عبد الصمد ليس من شرط هذا الكتاب. قال المؤلف وقد أخرج هذا الحديث البيهقي، وقال عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا منكر بمرة. وقال سيف: عن عبد اللَّه بن سعيد بن ثابت بن الجدع عن عبدة بنت عبد الرحمن، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قبل وفاته: لا يبقى في جزيرة العرب دينان. وقال سيف: عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أبي كعب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال: لقد رأيتني يوم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وإني لأعد المخلصين من قبلهم وكانت قلة، قام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دونها فما استأنى حتى استناء العزاء. وقال: عن مبشر، عن سالم بن عبد اللَّه قال: قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كانت إمارة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتله وقى اللَّه شرها، قلت وما الفلتة؟ قال: كان أهل الجاهلية يتناحرون في الحرم، فإذا كانت الليلة التي يشك فيها إذ علموا فيها فأغاروا، وكذلك كان يوم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أدخل الناس من مدعى إمارة، أو جاحد زكاة، أو مستتر بصلاة، أو جاحد الأحكام كلها، فكان المدعي الإمارة، والمقر بالإسلام، والجاحد بالزكاة فالجاحد للأحكام كلها، فلولا اعتراض أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دونها كانت الفضيحة.
فصل في ذكر ما سجي به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وثيابه التي قبض فيها
فصل في ذكر ما سجّي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد وفاته وثيابه التي قبض فيها خرج البخاري في كتاب اللباس [ (1) ] من (صحيحه) حديث شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: إن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم أخبرته أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة. وخرجه مسلم [ (2) ] من طريق صالح، عن ابن شهاب قال: إن أبا سلمة أخبره أن عائشة أم المؤمنين- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: سجي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثوب حبرة. وخرجه من حديث شعيب عن الزهري، وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث صالح عن ابن شهاب وخرجه الإمام [ (4) ] أحمد من حديث أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كساء ملبدا وإزارا غليظا، فقالت: قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في هذين. أخرجه البخاري ومسلم.
فصل في ذكر ما جاء في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل في ذكر ما جاء في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن عبد البر: ولم يختلف في أن الذين غسلوه عليّ والفضل بن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، واختلف في العباس، وأسامة بن زيد، وقثم بن العباس، وسعد فقيل: هؤلاء كلهم شهدوا غسله، وقيل لم يغسله غير عليّ والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، كان يصب الماء عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل كان يغسله. وقيل: كان الناس قد تنازعوا في ذلك، فصاح أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا معشر الناس كل قوم أولى بجنائزهم من غيرهم، فانطلق الأنصار إلى العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقلبانه وأسامة ابن زيد وقثم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يصبان الماء على عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. وروى من وجه آخر أن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان بالباب، لم يحضر الغسل، يقول: لم يمنعني أن أحضره إلا أني كنت أراه صلى اللَّه عليه وسلم يستحي أن أراه حاسرا. قال سيف: عن سعيد، عن أبي الغراء، عن أبي مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: صدرنا في قبر النبي عن رأى أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ولولا ذلك لكنا كأن لم نسمع من النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ذلك ما سمعنا، ولقد كان احتبس منا، فأما أبو بكر فحفظه، وأما العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكان رأيا منه. قال سيف: عن هشام بن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: كان سرير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أقصي البيت مما يلي الحائط في وسطه ما بين الحائطين، وكان فرشه قدام سريره ملصق بالسرير في وسط ما بين الحائطين، وكان فصل البيت من عند رأس السرير، والفراش من عند رجل السرير، والفراش يسير، لا يكون فصل بينهما ذراعين يزيد قليلا أو ينقص. قال الواقدي في كتاب (المغازي) : حدثنا ابن أبي خثيمة عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه عنهما- قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال المهاجرون: الشق، وقالت الأنصار. اللحد، وكان بالمدينة رجلان، أحدهما يلحد، والآخر يشق، وكان أبو طلحة- رضي اللَّه
تبارك وتعالى عنه- يلحد، وذلك عمل أهل المدينة، وكان أبو عبيدة بن الجراح- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يشق وذلك عمل أهل مكة، فدعا العباس بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبي عبيدة، وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة، ثم قال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: اللَّهمّ خر لنبيك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- واختلفوا أين يقبر صلى اللَّه عليه وسلم، فقال قائل: بالبقيع، فإنه كان يكثر الاستغفار لأهل البقيع وأصحابه، وقال قائل: ادفنوه عند منبره، وقال قائل: ادفنوه في مصلاه، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: إن عندي فيما تختلفون فيه علما، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض، فحط حول الفراش، ثم حول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالفراش في ناحية البيت، وحفر أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- القبر فانتهى به إلي أصل اللحد إلى القبلة، وجعل رأس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مما يلي بابه الّذي كان يخرج منه إلى الصلاة، فبينما هم على ذلك جاء المغيرة بن شعبة إلى عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأخبره بخبر الأنصار، فذكر عمر لأبى بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتابع الناس أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في سقيفة بني ساعدة، ثم انصرفوا إلى الرسول صلى اللَّه عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار، وقمن النساء فخرجن من بيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فاختلفوا في غسله كيف يغسل، ومن أين يغسّل قال قائل: من بئر السقيا، وقال قائل: من بئر أريس، وقال قائل من بئر بضاعة وأجمعوا أن يغسل من بئر أريس وكان يشرب منها. وقال سيف: عن يحيي بن سعيد قال: كان بالمدينة رجلان يحفران، أحدهما يضرح وهو أبو عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والآخر يلحد وهو أبو طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقالوا: يبعث رجلين كلاهما ما سبق وليناه ذلك، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء ولم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فحفر له ولحوا. وقال محمد بن عابد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد العزيز بن أبي
داود أنهم قالوا ندفنه في بقيع الغرقد قالوا يوشك عواد يعودون بقبره من عبيدكم وإمائكم فلا يعادون. قال: فقال قائل: ادفنوه في مسجده، فقالوا: فكيف وقد لعن قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؟ قالوا: نحمله إلى حرم اللَّه تعالى ومأمنه ومولده ودار قومه، قال: كيف يفعلون ذلك ولم يعهد إليكم عهدا؟ فأشار عليهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بدفنه في موضع فراشة، فقبلوا ذلك من رأيه. وقال: عن محمد بن عون، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر أخذ العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فضرب عليه كله من ثياب ثمانية صفاق في جوف البيت فدخل الكل، فدعا عليا والفضل رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وكان الفضل يعينهما فإذا ذهب إلى الماء ليعطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ورجال من بنى هاشم من وراء الكل ممن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه، منهم أوس بن خولي. وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، ضرب كله من ثمانية ثياب صفاق فصارت سنة فينا، وفي كثير من صالحي الناس، ثم أذن لرجال من بنى هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة، وسأله الأنصار أن يدخل منهم رجلا، فأدخل أوس ابن خولي ثم دخل العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الكلة ودعا عليا، والفضل وأبا سفيان، وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-، وكان الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب الماء والمعونة، فإذا شغله الصب أعقبه أبو سفيان وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فلما اجتمعوا في الكلة ألقى عليهم العباس وعليّ من وراء الكلة في البيت، حتى ما منهم أحدا إلا وذقنه في صدره يغط، فناداهم مناد فانتبهوا به وهو يقول: ألا لا تغسلوا النبي فإنه كان طاهرا، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ألا بلى، وقال أهل البيت: صدق فلا تغسلوه وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم مناد فانتبهوا وهو يقول: اغسلوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعليه ثيابه، فقال أهل البيت اغسلوا ألا اغسلوا رسول اللَّه، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلا نعم، وقد: كان العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حيث دخل قعد متربعا وأقعد عليا متربعا فتواجها، وأقعدا النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم على حجريهما،
فنودوا: أن اضجعوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على ظهره، ثم اغسلوه، فأضجعاه ثم أخذا في غسله ولم يغتسل إلا بالماء القراح وطيبوه بالكافور، ثم اعتصر قميصه ومحوله، وخبطوا مساجده، ومفاصله، وذراعيه، ووجهه، وكفيه، وقدميه، ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومحوله، وجمّروه عودا وندي، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه. قال سيف: وحدثني قيس، عن أنس بن الجليس، عن الضحاك بن مزاحم، قال: سمعت ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يذكر غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ويذكر ما حدث فقلت: يا عباس وكيف يكون مستورا ومعه في البيت رجال؟ ولم أكن فهمت حديثه، فقال: إن العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان ضرب عليه كله من ثياب صفاق وكان الرجال من ورائها وكذلك تغسل موتانا ونسترهم من سقوف البيت ففعلنا ذلك به، ثم ضربنا عليه ملاحفنا ثم حللناها فغسلناه من تحتها. وخرج أبو داود من حديث ابن الجارود من حديث ابن مسلمة عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني يحيي بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه عباد بن عبد اللَّه بن الزبير قال: سمعت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: لما أرادوا غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا واللَّه ما ندري أن يتجرد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقي عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره، ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: فاغسلوا النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعليه قميصه، تصبون عليه الماء، قالت: فقاموا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يغسلونه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم. قال: وكانت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- تقول: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. إلى هنا انتهى حديث أبي داود. وترجم عليه: باب الميت يستر عند الغسل. وزاد ابن الجارود بعد قوله: ما غسله إلا نساؤه: فلما فرغنا من غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب صحارية وبرد حبره، أدرج فيهن إدراجا كما حدثني ابن محمد عن أبيه عن جده عليّ بن الحسن. وخرج الحاكم حديث أبي داود من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق
بسنده ومتنه، وقال: حديث صحيح على على شرط مسلم [ (1) ] . وخرجه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح وشاهده ما أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، قال: أخبرنا أبو قتيبة مسلم بن الفضل الأدمي بمكة، قال: حدثنا إبراهيم بن هشام البغوي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو بردة بريد بن عبد اللَّه، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو بردة بريد بن عبد اللَّه، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: لما أخذوا في غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فإذا هم بمناد من الداخل: لا تخرجوا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قميصه. حدثنا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عبد اللَّه بن الحارث، قال: غسّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، وعلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم قميصه، وعلى يد علي خرقه يغسله بها، فأدخل يده تحت القميص، وغسله. والقميص عليه [ (2) ] . وقال الواقدي: حدثني محمد بن عمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عمر ابن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده، عن علي بن أبي أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما أخذنا في جهاز رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أغلقنا الباب دون الناس جميعا فنادت الأنصار: نحن أخواله ومكاننا من الإسلام مكاننا! ونادت قريش: نحن عصبته! فصاح أبو بكر: يا معشر المسلمين كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم، فننشدكم اللَّه فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه، واللَّه لا يدخل عليه أحد إلا من دعي. أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثني عمر بن محمد بن عمر، عن أبيه، عن علي بن حسين قال: نادت الأنصار: إن لنا حقا فإنما هو ابن أختنا ومكاننا من الإسلام مكاننا، وطلبوا إلى أبي بكر، فقال: القوم أولى به فاطلبوا إلى عليّ وعباس فإنه لا يدخل عليهم إلا من أرادوا. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صغير، قال: غسّل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليّ، والفضل وأسامة ابن زيد وشقران يصبون الماء.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: غسّل النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي وكفنه أربعة: عليّ والعباس والفضل وشقران. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني هشام بن عمارة، عن أبي الحويرث، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عليّ والفضل وأمروا العباس أن يحضر عند غسله، فأبى، فقال: أمرنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن نستتر. أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: غسّل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عليّ والفضل بن عباس، وكان يقلبه، وكان رجلا أيدا، وكان العباس بالباب، فقال: لم يمنعني أن أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحيى أن أراه حاسرا. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه، قال: غسّل النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم عليّ، والفضل، والعباس وأسامة ابن زيد، وأوس بن خولي، ونزلوا في جفرته. أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد اللَّه بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ: أنه غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعباس، وعقيل بن أبي طالب، وأوس بن خوالى، وأسامة بن زيد. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني الزبير بن موسى قال: سمعت أبا بكر بن أبي جهم يقول: غسّل النبيّ (ص) علي، والفضل، وأسامة بن زيد، وشقران، وأسنده عليّ إلى صدره، والفضل معه يقلبونه، وكان أسامة وشقران يصبان الماء عليه، وعليه، قميصه، وكان أوس بن خولي قال: يا عليّ! أنشدك اللَّه وحظنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم! فقال له عليّ: ادخل! فدخل فجلس. أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي، قال: أخبرنا ابن جريج عن أبى جعفر محمد بن علي قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث غسلات بماء وسدر، وغسل في قميص، وغسل من بئر يقال لها الغرس، لسعد بن خيثمة بقباء، وكان يشرب منها، وولي عليّ غسله، والعباس يصب الماء، والفضل محتضنة يقول: أرحني، أرحني، قطعت وتيني! إني أجد شيئا يتنزل عليّ مرتين. أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، عن مسعود بن سعد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد اللَّه بن الحارث: أن عليا لما قبض النبي صلى اللَّه عليه وسلم قام
فارتج الباب، قال: فجاء العباس معه بنو عبد المطلب، فقاموا على الباب، وجعل عليّ يقول: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا! قال: وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قطّ، قال: فقال العباس لعليّ: دع خنينا كخنين المرأة، وأقبلوا على صاحبكم! فقال عليّ: أدخلوا عليّ الفضل، قال: وقالت الأنصار: نناشدكم اللَّه في نصيبنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأدخلوا رجلا منهم يقال له أوس بن خولي، يحمل جرة بإحدى يديه، قال: فغسله عليّ، يدخل يده تحت القميص، والفضل يمسك الثوب عليه، والأنصاري ينقل الماء، وعلى يد عليّ خرقة يدخل يده وعليه القميص. أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا عبد اللَّه بن جعفر الزهري، عن عبد الواحد بن أبي عون قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لعلي بن أبي طالب في مرضه الّذي توفى فيه: اغسلني يا علي إذا مت! فقال: يا رسول اللَّه ما غلست ميتا قط! فقال رسول صلى اللَّه عليه وسلم: إنك ستهيأ أو تيسر. قال عليّ: فغسلته، فما آخذ عضوا إلا تبعني، والفضل آخذ بحضنه يقول: أعجل يا عليّ، انقطع ظهري. أخبرنا الفضل بن دكين، عن سفيان، عن ابن جريج قال: سمعت أبا جعفر قال: ولي سفلة النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي. أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني سعيد بن المسيب. وأخبرنا محمد بن حميد العبديّ ومحمد بن عمر، عن معمر، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب، وأخبرنا يحيى بن عباد، أخبرنا عبد اللَّه بن المبارك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: التمس عليّ من النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند غسله ما يلتمس من الميت فلم يجد شيئا فقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا [ (1) ] . وخرجه الحاكم من طريق إبراهيم بن ديزيل وإبراهيم بن نصر الرازيّ قالا: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: غسلت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فجعلت انظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا
وميتا وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين [ (1) ] . وخرج الواقدي من حديث محمد بن عبد اللَّه ومعمر عن الزهري، عن ابن المسيب قال: ولي غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وكفنه أربعة: العباس، وعليّ، والفضل وشقران- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-. حدثني مصعب بن ثابت، عن عيسى بن معمر، عن عباد بن عبد اللَّه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عنها قالت: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلا نساؤه، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما قبض اختلف أصحابه في غسله، فقال بعضهم: اغسلوه وعليه ثيابه، فبينما هم كذلك أخذتهم نعسة فوقع لحي كل إنسان على صدره، فقال قائل، لا ندري من هو: اغسلوه وعليه ثيابه [ (2) ] . وخرج البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر قال: قلت من غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم؟ قال: غسله علي وأسامة، والفضل بن العباس، قال: وأدخلوه قبره وكان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول وهو يغسله: يأبى وأمي- طبت حيا وميتا [ (3) ] . ومن طريق مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: غسلت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فذهبت انظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا. وكان صلى اللَّه عليه وسلم طيبا حيا وميتا قال: وولي دفنه صلى اللَّه عليه وسلم وإجنانه دون الناس أربعة علي، والعباس، والفضل، صالح مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، ولحد لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لحدا ونصب عليه اللبن نصبا [ (4) ] . وخرج الامام احمد من حديث ابن إسحاق قال: حدثني حسين بن عبد اللَّه، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما اجتمع القوم لغسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد، وصالح مولاه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان بدريا- عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا عليّ
نشدتك اللَّه وحظنا من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ادخل فدخل فحضر غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا. قال: فأسنده عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي صدره وعليه قميصه، وكان العباس والفضل وقثم- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يقلبونه مع علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان أسامة، وصالح مولياه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يصبان الماء، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شيئا مما نرى من الميت، وهو يقول بابي وأمي ما أطيبك حيا وميتا حتى إذا فرغوا من غسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم- وكان يغسل بالماء والسدر- ثم جففوه، ثم صنع به ما يصنع بالميت، ثم أدرج في ثلاثة أثواب، ثوبين أبيضين، وبرد حبرة ثم دعا، العباس رجلين، فقال: ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح- الأنصاري- وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة قال: ثم قال العباس لهما حين سرحهما: اللَّهمّ خر لرسولك، قال: فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وقال البيهقي: روى أبو عمر بن كيسان عن زيد بن بلال قال: سمعت عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه. وقال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كان العباس، وأسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يتناولان الماء من وراء الستر. قال علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله. وخرج البيهقيّ من طريق يونس عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قال: كان الّذي غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم علي بن أبي طالب، والفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب عليه الماء. قال: فما كنا نريد أن نرفع عضوا عنه صلى اللَّه عليه وسلم، لنغسله، إلا رفع لنا حتى انتهينا إلى عورته، فسمعنا من جانب البيت صوتا: لا تكشفوا عن عورة نبيكم. ومن طريق يونس عن المنذر بن ثعلبة عن العلباء بن أحمر، قال: كان علي والفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- يغسلان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنودي: يا علي ارفع طرفك إلي السماء. ومن طريق الحسين بن جعفر، عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج قال:
سمعت محمد بن علي أبا جعفر، قال: غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ثلاثا بالسدر، وغسل صلى اللَّه عليه وسلم وعليه قميصه، وغسل صلى اللَّه عليه وسلم من بئر يقال لها الغرس بقباء، كانت لسعد بن خيثمة، وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يشرب منها، وولي غسله عليّ والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- محتضنه، والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يصب الماء، فجعل الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئا يتسلط عليّ [ (1) ] . وخرج الإمام أحمد من طريق يحيي بن يمان، عن حسن بن صالح، عن جعفر بن محمد قال: كان الماء يستنقع في جفون النبي صلى اللَّه عليه وسلم فكان علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يحسوه [ (2) ] . وذكر عن معاذ قال: إن عليا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان كلما اجتمع من الماء شيء في معاينه أو محاجره امتصه، فلذلك كان علي أكرم بعلم لم يكرم بمثله أحد. وقال الزهري: عن سعيد بن المسيب، عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه غسل النبي صلى اللَّه عليه وسلم فعصر بطنه في الوسطي فلم يخرج شيء فقال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بأبي وأمى، طيبا في الموت وفي الحياة. روي الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب من طريق أحمد بن محمد بن محمد بن جميل قال: حدثني عمي سهل بن جميل بن مهران عن أبي مقاتل السمرقندي عن كثير بن زياد، عن الحسن قال: لم مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجدوا في ثيابه نافحة مسك يطيب بها ثيابه [ (3) ] انتهى.
فصل فيما جاء في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصل فيما جاء في كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم خرج مسلم من حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، أما الحلة فإنما شبه علي الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها، فتركت الحله وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية فأخذها، عبد اللَّه بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وقال: لأحبستها حتى أكفن فيها نفسي، ثم قال: لو رضيها اللَّه تعالى لرسوله لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها [ (1) ] .
وأخرجه البخاري [ (1) ] ولم يذكر قول عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، اما الحلة إلى آخر الحديث ولم يذكر قصة عبد اللَّه بن أبي بكر في شيء من طريق هذا الحديث.
وخرج مسلم من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أدرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في حلة يمنة كانت لعبد اللَّه ابن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم نزعت عنه وكفن في ثلاثة أثواب سحول يمانية ليس فيها عمامة ولا قميص فرفع عبد اللَّه الحلة فقال: أكفن فيها ثم قال: لم يكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأكفن فيها! فتصدق بها [ (1) ] . وخرج أبو داود من حديث يحيي بن سعيد، عن هشام، قال: أخبرني أبي، أخبرتني عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب يمانية بيض ليس فيها قميص ولا عمامة [ (2) ] . وخرج النسائي من حديث حفص بن غياث، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم: في ثوبين وبرد حبرة؟ فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيهم [ (3) ] . وخرج البخاري في باب الكفن بغير قميص من حديث سفيان، عن هشام ابن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة [ (4) ] . قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم في ثوبين
وبرد من جبرة؟ فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيهم [ (1) ] . وخرج البخاري في باب الكفن بغير قميص من حديث سفيان عن هشام ابن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة. ومن حديث يحيى عن هشام قال: حدثني أبي عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة [ (2) ] . وخرجه الترمذي [ (3) ] والنسائي من حديث حفظ عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض يمانية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة. قال: فذكر لعائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قولهم في ثوبين وبرد وحبره. قالت: قد أتي بالبرد، ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه. لم يقل الترمذي كرسف. وقال: حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- حديث صحيح وقد روى في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم روايات مختلفة، وحديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أصح الأحاديث التي رويت في كفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم والعمل على حديث عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وغيرهم. قال سفيان الثوري: يكفن الرجل في ثلاثة أثواب: إن شئت في قميص ولفافتين. وإن شئت في ثلاث لفائف. ويجزئ ثوب واحد إن لم يجدوا ثوبين. والثوبان يجزيان. والثلاثة لمن وجدها أحب إليهم. وهذا قول الشافعيّ واحمد وإسحاق. قالوا: تكفن المرأة في خمسة أثواب [ (4) ] . وخرج مسلم من حديث محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة أنه قال: سألت عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم عنهم فقلت لها: في كم كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالت: في ثلاثة أثواب سحولية.
وروي ابن أيمن من حديث حماد بن سلمة، عن عبيد اللَّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن محمد بن الحنفية، عن أبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سبعة أثواب. وخرج البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، كفن في ثلاثة أثواب، أحدها برد حبرة، وأنهم لحدوا له في القبر، ولم يشقوه. وقال البيهقي هكذا روي عن مقسم، عن ابن عباس وفيما روينا عن عائشة، وبيان سبب الاشتباه على الناس، وأن الحبرة أخرت عنه. وخرج من طريق يونس، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية، برود، يمنيه، غلاظ، إزار، ورداء، أو لفافة. وأخبرنا عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قالا: حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي، عن حسن بن صالح عن هارون بن سعد قال: حدثنا حميد ابن عبد الرحمن الرواسي، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعد قال: كان عند علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسك، فأوصى أن يحنط به، قال: وقال علي: هو فضل حنوط رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، هذا حديث الدورقي، وفي رواية إبراهيم: قال هارون بن سعد، عن أبي وائل، قال: كان عند علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- مسك- فذكره [ (1) ] . وقال ابن عائد: حدثنا الوليد قال: أخبرنى سعيد بن بشير، عن قتادة من سعيد بن المسيب قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كفن في ملايتين بيضاوين وبرد نجراني. قال الوليد: وأما أبو عمرو فإنه أخبرني عن ابن شهاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في برد حبره ثم اخر عنه. قال القاسم: ان لقينا ذلك البرد لعندنا بعد. وقال الواقدي: حدثني عبيد اللَّه بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه عن عمرة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
ذكر ما جاء في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنها- قال: اشتري لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حلة حبرة ليكفن فيها بتسعة دنانير ونصف، ثم بدا لهم أن يتركوها فابتاعها عبد اللَّه بن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وهو يومئذ مجروح جرح بالطائف وقد كاد الجرح أن يبرأ، وهو قد دمل عليه بعد، فلما كان في خلافة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التأم الجرح فحضره الموت فقال لما تكفنوني فيها فلو كان فيها خير لكفن فيها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالت عائشة: فبيعه بعد ذلك باليمن وكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية قال ابن زياد كل ثوب أبيض فهو سحولي. قال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه بإسناده قال: فغسلوه ثم كفن في برد واحد يماني وربطتين، ثم كفن فيهما. وقال: عن محمد بن عبيد بن عطاء قال في رسالته: فيما بلغك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفن؟ فقال: كفن في ثوبين غسيلين كذلك كنت أسمعهم يذكرون، وزعم أن كذلك كفن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في ثوبين غسيلين، لم يذكر بردا. قال: سبق عن سعيد بن عبد اللَّه عن بن أبي ملكية عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: بعث إلينا عبد الرحمن بثوبين فأردنا أن نكفنه فيهما ثم ترك لقوله صلى اللَّه عليه وسلم بياض أو كرسف اليمن، يكفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في ثوبين أبيضين غسيلين. ذكر ما جاء في الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال ابن عبد البر: أمّا صلاة الناس عليه أفرادا، مجتمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل ما يختلفون فيه. وقال الواقدي: كان السرير ألواحا، وأما العمودان فإنّهما أحدثا، وكانوا يقولون في السرير: إنه كان لأم مسلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أو لأم حبيبة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فاشتراه الإسحاقيون موالي معاوية بأربعة آلاف درهم، والألواح غرب. حدثني عباس بن سهل عن أبيه عن جده، قال: لما أدرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقا رفقا لا يؤمهم أحد. حدثني محمد عن الزهري عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى
عنها- وابن أبي سبرة عن عباس بن عبد اللَّه بن عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أول من صلي عليه العباس بن عبد المطلب وبنوه، ثم خرجوا، ثم دخل عليه المهاجرون، ثم الأنصار رفقا رفقا، فلما انقضى الناس دخل عليه الصبيان صفوفا، ثم النساء. حدثني عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: أول من صلي عليه العباس بن عبد المطلب وبنو هاشم، ثم خرجوا، ثم دخل عليه المهاجرون ثم الأنصار رفقا رفقا، فلما انقضى الناس دخل عليه الصبيان صفوفا، ثم النساء. حدثني عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن أمه قال: كنت فيمن دخل على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو على سريره فكنا صفوفا ندعوا ونصلي ولقد رأينا أزواجه وقد وضعن الجلابيب عن رءوسهن في صدروهن، ونساء الأنصار يعزين الوجوه، قد بحت حناجرهن من الصباح. حدثني بن أبي سبرة عن عباس بن عبد اللَّه بن معبد عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء، فصلى الناس عليه وسريره على شفير قبره، فلما أرادوا أن يغيروه نحو السرير قبل رجليه فأدخل من هناك، ودخل في حفرته العباس بن عبد المطلب والفضل بن عباس وقثم بن العباس وعليّ وشقران- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-. وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق، قال: حدثني السحيم بن عبد اللَّه ابن عبيد اللَّه بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: لما مات رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا، حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا لم يؤمهم أحد. وقال البيهقي: قال الواقدي حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال: وجدت كتابا بخط أبي فيه: أنا لما كفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار وقدر ما يسع البيت، فقال: السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، وسلم المهاجرون والأنصار، كما سلم أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم صفوا صفوفا لم يؤمهم عليه أحد فقال
أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وهما في الصف الأول: حياك اللَّه يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. اللَّهمّ إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه ونصح الأمة، وجاهد في سبيل اللَّه حتى أعز اللَّه تبارك وتعالى دينه، وتمت كلمته وحده لا شريك له وأنزل معه ما جمع بيننا وبينه، حتى يعرفه بنا ويعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رحيما لا يبتغى للإيمان بدلا ولا يشترى به ثمنا أبدا، فيقول الناس آمين آمين، ويخرجون ويدخل آخرون، حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان. وقال ابن عائد. حدثنا الوليد قال: أخبرني من سمع إسماعيل بن أميه يتحدث عن سعيد بن المسيب قال: إن المسلمين لما أرادوا الصلاة على نبيهم اجتمع رأيهم على أنه الإمام ولا إمام عليه، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر عليه أربعا، ثم دخل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر أربعا، ثم دخل عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكبر أربعا، ثم دخل طلحة بن عبيد اللَّه والزبير بن العوام- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ثم تتابعا الناس أرسالا يكبرون عليه ولا إمام لهم عليه. حدثنا الوليد بن محمد عن ابن شهاب الزهري قال: وضعوه صلى اللَّه عليه وسلم في البيت فدخل الناس عليه أفواجا: الرجال، والنساء، والصبيان، يصلون عليه، ثم يخرجون لا يؤمهم عليه إمام. حدثنا الوليد بن مسلم قال: وحدثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: إن علي بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- أشار عليهم بذلك فقبلوه من قوله. وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه عن عطاء وابن أبي مليكة كلاهما عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قال: ثم صلوا عليه وأدنو الناس أرسالا وهو في البيت، فجعلوا يصلون حوله على غير إمام ثم يستغفرون ويصلون ويسلمون لا يعجلهم أحد، ويدخل قوم ويخرج آخرون عامة يوم وليلة وعن سعيد بن عبد اللَّه عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: ما امتنعوا من الصلاة عليه في غير حين صلاة إلى الليل. وعن أبي سلام عن ابن محريز قال: إن معاذ بن جبل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أوصى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالصلاة حتى يصلي، وذلك آخر ما وصى عليه وتكلم به الصلاة وصيته اللَّه ووصية الرسول، فاحفظوا وصية اللَّه ووصية الرسول يحببكم اللَّه إلى خلقه، ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إذا هجرتموني
فأمسكوا عني، فإنّ أول الخلق يصلي عليّ جبريل، والملائكة عليهم الصلاة والسلام بأسرها، ثم مسلمي الإنس والجن، فصلوا علي أفواجا، وليبدأ أفواجكم العباس عمي ثم الأفواج علي الولاء الأول فالأول، فدخل العباس بن عبد المطلب وسائر بني هاشم، وفيهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فلما فرغ الرجال جاءت النساء، فلما فرغن جاء الصبيان، فلم ير الناس بعد صلاة النساء على الجنازة ناسا، وكان الآخر من الأمر هو الناسخ للأول. وعن محمد بن إسحاق قال: حدثني [ ... ] [ (1) ] عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- أنها قالت: فترك رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بقية يوم الاثنين وليلة الثلاثاء، وغسل يوم الثلاثاء. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: توفي صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين، وغسل يوم الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء في جوف الليل، ومات أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ليلة الثلاثاء، وصلي عليه في المسجد ودفن ليلته، وصلي عليه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وعن يحي بن سعيد بن عمرة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل ذلك، وقالت: ما علمنا بدفنه الا بأصوات المساحي [ (2) ] بالليل.
ذكر ما جاء في مواراة رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحده حيث دفن، وما فرش تحته، ومن واراه.
ذكر ما جاء في مواراة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده حيث دفن، وما فرش تحته، ومن واراه. خرج مسلم من حديث إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: إن سعد بن أبي وقاص قال في مرضه الّذي هلك فيه: ألحدوا إلي لحدا أنصبوا عليّ اللبن نصبا كما صنع برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] . وخرجه النسائي من طريق إسماعيل بن محمد، عن عامر بن سعد قال: إن سعدا لما حضرته الوفاة قال: ألحدوا لي لحدا وانصبوا كما صنع برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (2) ] . وخرج من حديث أبي بكر بن أبي شيبة ووكيع جميعا عن شعبة من حديث يحي بن سعيد قال شعبة: حدثنا أبو حمزة نصر بن عمران البصري عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: جعل تحت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطيفة حمراء [ (3) ] . قال النسائي: وأبو حمزة عمران بن عطاء ليس بالقويّ وأبو حمزه نصر ابن عمران بصري ثقة، وكلاهما يروى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. وخرج الترمذي من حديث عثمان بن فرقد قال: سمعت جعفر بن محمد، عن أبي أن الّذي ألحد قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبو طلحة. الّذي ألقى القطيفة تحته شقران مولى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال جعفر: وأخبرنى أن عبيد اللَّه بن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا واللَّه طرحت القطيفة تحت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في
القبر. قال أبو عيسى: حديث شقران حديث حسن غريب، وروى علي بن المديني عن عثمان بن فرقد هذا الحديث [ (1) ] . قال: وقد روى عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شيء وإلي هذا ذهب بعض أهل لعلم. وخرجه الامام أحمد وقال في آخره: وقال وكيع: هذا للنّبيّ خاصة. وقال هيثم عن منصور عن الحسن قال: جعل في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قطيفة حمراء، كان أصابها يوم خيبر [ (2) ] قال: جعلوها لأن المدينة أرض سبخة. وأخرجه الحارث بن أبي أسامة من حديث الواقدي أخبرنا محمد بن عمر، حدثني موسي بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبيه قال: نزل في حفرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علي والفضل بن العباس، والعباس وأسامة بن زيد وأوس بن خولي. وقال الواقديّ: حدثني عبد اللَّه بن محمد بن عمر عن أبيه عن جده عن عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: نزل في حفرته صلى اللَّه عليه وسلم العباس، والفضل وعليّ، وأسامة، وأوس بن خولي بن عبد اللَّه بن الحارث بن عبيد بن مالك بن الجبليّ، وهو سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج. قالوا. وبني عليه في اللحد اللبن وهي تسع لبنات وطرح في لحده سمك قطيفة كان سلبها، فلما أفرغوا من بناء اللحد خرجوا وهالوا التراب على لحده صلى اللَّه عليه وسلم. وقال ابن عائذ حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى قال: جعلوا في لحد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم تحته قطيفة بيضاء كان يجعلها على رجله إذا سافر لتقيه خم المدينة، وبنوا عليه اللبن بنيانا كبناء القباب حتى لحق البناء بجار القبر. قال الوليد: وأنبأنا عبد اللَّه بن زياد وأخبره عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنهم نصبوا على لحده اللبن [ (3) ] .
وقال سيف: عن جابر بن يزيد عن محمد بن علي بن الحنيفة قال: دخل القبر العباس وعليّ والفصل وعبد الرحمن بن عوف- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وكان بعض الأخوال يدخل مع العمومة القبر. وقال: عن وائل بن داود عن يزيد النهي قال: دخل قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم أربعة: العباس، وعلي، والفصل، وعبد الرحمن- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وعن ياسين الزهري قال أربعة، وذكر عبد الرحمن بن عوف. وعن ابن إسحاق قال: حديث أنه نزل في حفرته صلى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة العباس، وعلي، والفصل، وقثم، وصالح، وشقران، وأوس بن خولي خامسهم. قال الواقديّ في (المغازي) : حدثني عبد العزيز بن محمد عن عفر بن محمد عن أبيه قال: جعل بيت قبره شبرا، يعنى ارتفاعه. حدثني موسى بن محمد عن أبيه قال: جعل قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسطوحا. حدثني هشام بن سعد عن عمرو بن عثمان بن هانئ قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: اطلعت علي القبور وأنا صغير فرأيت عليها حصباء حمراء وهذا يبين أنها مسطحة. قال سيف: حدثني مولى لآل طلحة عن موسى بن طلحة قال: كان قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مسنما وقبور أهل أحد مسنمة. وقال الواقدي: حدثني عبد اللَّه ابن جعفر بن عوف عن أبي عتيق عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: رش على قبر النبي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الماء رشا قالوا: وكان الّذي رش الماء على قبره بلال بن رباح بقربة، بدأ من قبل رأسه من شقه الأيمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار. حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ما علمنا بدفن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي في السحر ليلة الثلاثاء. وحدثني ابن أبي الرجال عن أبيه عن عبد الرحمن بن أفلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما كان في السحر ليلة الثلاثاء سمعت المساحي وأنا في منزلي فخررت سريعا فأجدهم قد سووا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. حدثني عبد اللَّه بن محمد عن أبيه عن جده عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- وحدثني إسحاق بن محمد عن عبد الرحمن بن خويله عن ابن
ذكر قول المغيرة بن شعبة: إنه آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم
المسيب وحدثني ابن أبي الزناد عن شريك عن أبي نمر عن أبي سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين حين زاغت الشمس ودفن يوم الثلاثاء تلك الساعة. وحدثني ابن أبي عباس سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال: توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء. وقال ابن عبد البر: وأما دفنه صلى اللَّه عليه وسلم يوم الثلاثاء فمختلف فيه، فمن أهل العلم من يصحح ذلك، ومنهم من يقول: دفن ليلة الأربعاء، وقد جاء الوجهان في أحاديث بأسانيد صالحة. ذكر قول المغيرة بن شعبة: إنه آخر الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال الواقدي: أخبرنا شريح بن النعمان، أخبرنا هشيم قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي، عن المغيرة بن شعبة قال: كان يحدثنا هاهنا، يعني بالكوفة، قال: أنا آخر الناس عهدا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، لما دفن النبي صلى اللَّه عليه وسلم وخرج عليّ من القبر ألقيت خاتمي، فقلت: يا أبا حسن خاتمي! قال: انزل فخذ خاتمك، فنزلت فأخذت خاتمي ووضعت خاتمي على اللبن ثم خرجت. أخبرنا شريح بن النعمان، أخبرنا هشيم عن أبي معشر قال: حدثني بعض مشيختنا قال: لما خرج عليّ من القبر ألقى المغيرة خاتمه في القبر وقال لعليّ: خاتمي: فقال علي للحسن بن علي: ادخل فناوله خاتمه ففعل. أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني أخبرنا هشيم أنه شهد ذاك قال: لما وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده قال المغيرة ابن شعبة: إنه قد بقي من قبل رجليه شيء لو تصلحونه! قالوا: فادخل فأصلحه، فدخل فمسح قدميه صلى اللَّه عليه وسلم ثم قال: أهيلوا عليّ التراب! فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف ساقية فخرج فجعل يقول: أنا أحدثكم عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. أخبرنا عبيد اللَّه بن محمد بن حفص التيمي قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن عروة أنه قال: لما وضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في لحده ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في القبر، ثم قال: خاتمي خاتمي! فقالوا: ادخل فخذه! فدخل ثم قال: أهيلوا عليّ التراب، فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف
ساقية فخرج، فلما سوي على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: أخرجوا حتى أغلق الباب فإنّي أحدثكم عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقالوا: لعمري لئن كنت أردتها لقد أصبتها. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثني أبي، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: آخر الناس عهدا بالنبيّ صلى اللَّه عليه وسلم في قبره المغيرة بن شعبة ألقي في قبره خاتمة، ثم قال: خاتمي! فنزل فأخذه وقال: ما ألقيته إلا لذلك. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد اللَّه ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن المغيرة بن شعبة ألقي في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم بعد أن خرجوا خاتمه لينزل فيه، فقال علي بن أبي طالب: إنما ألقيت خاتمك لكي تنزل فيه فيقال نزل في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، والّذي نفسي بيده لا تنزل فيه أبدا. ومنعه. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب: لا يتحدث الناس أنك نزلت فيه، ولا يتحدث الناس أن خاتمك في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ونزل علي وقد رأى موقعه فتناوله فدفعه إليه. أخبرنا محمد بن عمر، حدثني حفص بن عمر، عن علي بن عبد اللَّه بن عباس قال: قلت زعم المغيرة بن شعبة أنه آخر الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال: كذب واللَّه! أحدث الناس عهدا برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قثم بن العباس كان أصغر من كان في القبر وكان آخر من صعد [ (1) ] .
فصل في ذكر نبذة مما رثي به رسول الله صلى الله عليه وسلم [1]
فصل في ذكر نبذة مما رثي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] قال ابن سيده [ (2) ] : رثيت الميت رثيا ورثاء ورثاية ورثاة ومرثية ورثيته مدحته بعد الموت. ورثت المرأة بعلها رثته ورثيته ترثاه. وامرأة رثّاءة ورثاية كثيرة الرثاء لبعلها أو لغيره ممن يكون عندها، ويقال: رثاه الرجل رثاء مدحه بعد موته لغة في رثيته ورثاة المرأة زوجها كذلك وهي المرثية، قال حسان بن ثابت الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يبكي به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فيما رواه أبو محمد عبد الملك بن هشام، عن أبي زيد الأنصاري: شعر حسان بن ثابت في رثاء الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بطيبة رسم للرسول ومعهد ... منير وقد تعفو الرسوم وتهمد ولا تمتحي الآيات من دار حرمة ... بها منبر الهادي الّذي كان يصعد وواضح آثار وباقي معالم ... وربع له فيه مصلى ومسجد بها حجرات كان ينزل وسطها ... من اللَّه نور يستضاء ويوقد معارف لم تطمس على العهد آيها ... أتاها البلى فالآي منها تجدد عرفت بها رسم الرسول وعهده ... وقبرا بها واراه في الترب ملحد ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت ... عيون ومثلاها من الجفن تسعد يذكرن آلاء الرسول وما أرى ... لها محصيا نفسي فنفسي تبلد مفجعة قد شفها فقد أحمد ... فظلت لآلاء الرسول تعدد وما بلغت من كل أمر عشيرة ... ولكن لنفسي بعد ما قد توجد أطالت وقوفا تذرف العين جهدها ... على طلل القبر الّذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت ... بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد وبورك لحد منك ضمن طيبا ... عليه بناء من صفيح منضد تهيل عليه الترب أيد وأعين ... عليه وقد غارت بذلك أسعد لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة ... عشية علوة الثرى لا يوسد وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم ... وقد وهنت منهم ظهور وأعضد يبكون من تبكى السموات يومه ... ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد وهل عدلت يوما رزية هالك ... رزية يوم مات فيه محمد؟! تقطع فيه منزل الوحي عنهم ... وقد كان ذا نور يغور وينجد يدل على الرحمن من يقتدى به ... وينقذ من هول الخزايا ويرشد إمام لهم يهديهم الحق جاهدا ... معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا عفو عن الزلات يقبل عذرهم ... وإن يحسنوا فاللَّه بالخير أجود وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله ... فمن عنده تيسير ما يتشدد فبينا هم في نعمة اللَّه بينهم ... دليل به نهج الطريقة يقصد عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى ... حريص على أن يستقيموا ويهتدوا عطوف عليهم لا يثني جناحه ... إلى كنف يحنو عليهم ويمهد فبينا هم في ذلك النور إذ غدا ... إلى نورهم سهم من الموت مقصد فأصبح محمودا إلى اللَّه راجعا ... يبكيه حتى المرسلات ويحمد وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها ... لغيبة ما كانت من الوحي تعهد قفارا سوى معمورة اللحد ضافها ... فقيد يبكينه بلاط وغرقد ومسجده فالموحشات لفقده ... خلاء له فيه مقام ومقعد وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت ... ديار وعرصات وربع ومولد فبكي رسول اللَّه يا عين عبرة ... ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد ومالك لا تبكين ذا النعمة التي ... على الناس منها سابغ يتغمد فجودي عليه بالدموع وأعولي ... لفقد الّذي لا مثله الدهر بوجد وما فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد أعف وأوفي ذمة بعد ذمة ... وأقرب منه نائلا لا ينكد وأبذل منه للطريف وتالد ... إذا ضن معطاء بما كان يتلد وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى ... وأكرم جدا أبطحيا يسود وأمنع ذروات وأثبت في العلا ... دعائم عز شاهقات تشيد وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا ... وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه ... على أكرم الخيرات رب ممجد تاهت وصاة المسلمين بكفه ... فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند أقول ولا يلقى لقولي عائب ... من الناس إلا عازب العقل مبعد وليس هواي نازعا عن ثنائه ... لعلي به في جنة الخلد أخلد مع المصطفى أرجو بذاك جواره ... وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد قال حسان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أيضا. رسول اللَّه (ص) الرسول ما بال عينك لا تنام كأنما ... كحلت مآقيها بكحل الأرمد جزعا على المهدي أصبح ثويا ... يا خير من وطئ الحصى لا تبعد وجهي يقيك الترب لهفي ليتني ... غيبت قبلك في بقيع الغرقد بأبي وأمي من شهدت وفاة ... في يوم الاثنين النبي المهتدي فظلت بعد وفاته متبلدا ... متلددا يا ليتني لم أولد أأقيم بعدك بالمدينة بينهم ... ياليتنى صبحت سم الأسود أو حل أمر اللَّه فينا عاجلا ... في روحة من يومنا أو من غد فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا ... محضا ضرائبه كريم المحتد يا بكر آمنة المبارك بكرها ... ولدته محصنة بسعد الأسعد نورا أضاء على البرية كلها ... من يهد للنور المبارك يهتدى يا رب فاجمعنا معا ونبينا ... في جنة تثني عيون الحسد في جنة الفردوس فاكتبها لنا ... يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد واللَّه أسمع ما بقيت بهالك ... إلا بكيت على النبي محمد يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيب في سواء الملحد ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا ... سودا وجوههم كلون الإثمد ولقد ولدناه وفينا قبره ... وفضول نعمته بنا لم نجحد واللَّه أكرمنا به وهدى به ... أنصاره في كل ساعة مشهد صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد
وقال حسان بن ثابت أيضا: نب المساكين أن الخير فارقهم ... مع النبي تولى عنهم سحرا من ذا الّذي عنده رحلي وراحلتي ... ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا أم من نعاتب لا نخشي جنادعه ... إذ اللسان عتا في القول أو عثرا كان الضياء وكان النور نتبعه ... بعد الإله وكان السمع والبصرا فليتنا يوم واروه بملحده ... وغيبوه وألقوا فوقه المدرا لم يترك اللَّه منا بعده أحدا ... ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا ذلت رقاب بني النجار كلهم ... وكان أمرا من أمر اللَّه قد قدرا واقتسم الفيء دون الناس كلهم ... وبددوه جهارا بينهم هدرا وقال حسان بن ثابت يبكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أيضا: آليت ما في جميع الناس مجتهدا ... مني ألية بر غير إفناد تاللَّه ما حملت أنثى ولا وضعت ... مثل الرسول نبي الأمة الهادي ولا برا اللَّه خلقا من بريته ... أوفى بذمة جار أو بميعاد من الّذي كان فينا يستضاء به ... مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد أمسى نساؤك عطلن البيوت فما ... يضربن فوق قفا ستر بأوتاد مثل الرواهب يلبسن المباذل قد ... أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي يا أفضل الناس إني كنت في نهر ... أصبحت منه كمثل المفرد الصادي قال الواقدي في (مغازيه) قال ابن الزياد: سألت شيوخنا من الأنصار هل رثى حسان بن ثابت- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقالوا: هل حسان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- لم لما يرث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: ما أدرى ما أقول فيه! الأمر أجل من ذاك. وفي رواية أنه قال: حلت المصيبة من المرثية وقال ابن أبي الزياد: وجدت هذه الأشعار في كتاب موسي بن سعيد بن زيد بن ثابت.
قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يرثي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يا عيني فابكي ولا تسأمي ... وحق البكاء على السيد! علي خير خندف عند البلاء ... أمسى بغيب في الملحد فصلى المليك ولي العباد ... ورب البلاد على أحمد فكيف الحياة لفقد الحبيب ... وزين المعاشر في المشهد؟ فليت الممات لنا كلنا ... وكنا جميعا مع المهتدي قال أبو بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يبكي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما رأيت نبينا متجدلا ... ضاقت عليّ بعرضهن الدور وأرتعت روعة مستهام واله ... والعظم مني واهن مكسور اعتيق ويحك! إن حبك قد ثوى ... وبقيت منقردا وأنت حسير ياليتنى من قبل مهلك صاحبي ... غيبت في جدث عليّ صخور! فلتحدثن بدائع من بعده ... تعيا بهن حوائج وصدور قال أيضا: - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- باتت تأوبني هموم ... حشد ... مثل الصخور فأمست هدت الجسدا ياليتنى حيث نبئت الغداة به ... قالوا الرسول قد أمسى ميتا فقدا ليت القيامة قامت بعد مهلكه ... ولا نرى بعده مالا ولا ولدا! واللَّه اثني على شيء فجعت به ... من البرية حتى أدخل اللحدا كم لي بعدك من هم يصبى ... إذا تذكرت أنى لما أراك بدا! كان المصطفى في الأخلاق قد علموا ... وفي العفاف فلم نعدل به أحدا نفسي فداؤك من ميت ومن بدن ... ما أطيب الذكر والأخلاق والجسدا! قال الصوري قلت: هذه الأقطاع مصنوعة قبيحة الصنعة وتلك الألفاظ والحال فيها أظهر من أن يدل عليها، وقد ذكرها محمد بن إسحاق في كتابه أيضا وذكر غيرها ولو كنا جميعا من ذكرها لكان أجمل بها من إضافتها مثل هذا الشعر مع ركاكة ألفاظه وخلوة من المعاني كلها إلى الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وهو من قريش الموصوفين بالبلاغة والفصاحة المعروفين بالجزالة والرجاحة يرضي لنفسه بإضافة مثل هذا إليه عقله وفضله بإيمان ذلك عليه، وكان الواقدي لم يذكر شيئا من شعر حسان بما رثى به النبي صلى اللَّه عليه وسلم على قول ابن أبي الزياد وما حكاه عن شيوخ الأنصار فأحرى به ألا يذكر شيئا عن
أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- للحديث المأثور، والفعل المشهور، عن الزهري، عن عروة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: واللَّه ما قال أبي شعرا في جاهلية ولا إسلام. في قصة طويلة [ (1) ] . وأخرج البخاري هذا الحديث في كتابه (الصحيح) ومثل هذا الحديث عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كذب من أخبركم أن أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: بيت شعر في الإسلام، رواه البخاري عن ابن المتوكل، عن عبد الرزاق. ثم قال: وأنشدنا هشام بن محمد الكلبي عن عثمان بن عبد الملك أن عمران بن بلال بن عبد اللَّه بن أنيس قال سمعتها من مشيختنا قال: قال عبد اللَّه بن أنيس يرثى النبي صلى اللَّه عليه وسلم: تطاول ليلى واعترتني القوارع ... وخطب جليل للبلية جامع! غداة نعى الناعي إلينا محمدا، ... وتلك التي تصطك منها المسامع فلو رد ميتا قتل نفسي قتلتها! ... ولكنه لا يدفع الموت دافع فآليت لا أثنى على هلك هالك ... من الناس، ما أوفى ثبير وفارع ولكنني باك عليه ومتبع ... مصيبته، إني إلى اللَّه راجع! وقد قبض اللَّه النبيين قبله، ... وعاد أصيبت بالرزى والتبايع فيا ليت شعرى! من يقوم بأمرنا؟ ... وهل في قريش من إمام ينازع؟ ثلاثة رهط من قريش هم هم ... أزمة هذا الأمر، واللَّه صانع علي أو الصديق أو عمر لها، ... وليس لها بعد الثلاثة رابع! فإن قال منا قائل غير هذه ... أبينا، وقلنا: اللَّه راء وسامع فيا لقريش! قلدوا الأمر بعضهم، ... فإن صحيح القول للناس نافع ولا تبطئوا عنها فواقا فإنّها ... إذا قطعت لم يمن فيها المطامع
قال أبو عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يرثي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: يا عين فابكى بدمع ذري ... لخير البرية والمصطفى! وابكي الرسول! وحق البكاء ... عليه، لدى الحرب عند اللقا! على خير من حملت ناقة، ... وأتقى البرية عند التقى على سيد ماجد جحفل، ... وخير الأنام وخير اللها! له حسب فوق كل الأنام ... من هاشم ذلك المرتجى نخص بما كان من فضله، ... وكان سراجا لنا في الدجى! وكان بشيرا لنا منذرا، ... ونورا لنا ضوءه قد أضا فأنقذنا اللَّه في نوره، ... ونجى برحمته من لظى! قالت أروى بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: [ (1) ] ألا يا عين! ويحك أسعديني ... بدمعك، ما بقيت، وطاوعيني ألا يا عين ويحك! واستهلي ... علي نور البلاد وأسعديني!
فإن عذلتك عاذلة فولي: ... علام وفيم، ويحك! تعذليني؟ على نور البلاد معا جميعا ... رسول اللَّه أحمد فاتركيني فإلا تقصري بالعذل عني، ... فلومي ما بدا لك أو دعيني! لأمر هدني وأذل ركني، ... وشيب بعد جدتها قروني! وقالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا يا رسول اللَّه كنت رجاءنا، ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا! وكنت بنا رءوفا رحيما نبينا، ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا! لعمرك ما أبكي النبي لموته! ... ولكن لهرج كان بعدك آتيا كان على قلبي لذكر محمد، ... وما خفت من بعد النبي المكاويا أفاطم صلى اللَّه، رب محمد، ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا! أبا حسن فارقته وتركته ... فبكّ بحزن آخر الدهر شاجيا! فدى لرسول اللَّه أمي وخالتي ... وعمي ونفسي قصرة ثم خاليا صبرت وبلغت الرسالة صادقا، ... وقمت صليب الدين أبلج صافيا! فلو أن رب الناس أبقاك بيننا ... سعدنا، ولكن أمرنا كان ماضيا! عليك من اللَّه السلام تحية، ... وأدخلت جنات من العدن راضيا!
وقالت عاتكة بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: عيني جودا طوال الدهر وانهمرا ... سكبا وسحا بدمع غير تعذير! يا عين فاستحضري بالدمع واحتفلي ... حتى الممات بسجل غير منزور يا عين فانهملي بالدمع واجتهدي ... للمصطفى، دون خلق اللَّه، بالنور بمستهل من الشؤبوب ذي سيل، ... فقد رزئت نبي العدل والخير! وكنت من حذر للموت مشفقة، ... وللذي خط من تلك المقادير! من فقد أزهر ضافي الخلق ذي فخر ... صاف من العيب والعاهات والزور! فاذهب حميدا! جزاك اللَّه مغفرة، ... يوم القيامة، عند النفخ في الصور قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا عين جودي، ما بقيت، بعبرة ... سحا على خير البرية أحمد يا عين فاحتفلي وسحي واسجمي ... وابكي على نور البلاد محمد! أني، لك الويلات! مثل محمد ... في كل نائبة تنوب ومشهد؟ فابكي المبارك والموفق ذا التقى، ... حامي الحقيقة ذا الرشاد المرشد من ذا يفك عن المغلل غله ... بعد المغيب في الضريح الملحد؟ أم من لكل مدفع ذي حاجة، ... ومسلسل يشكو الحديد مقيد؟ أم من لوحي اللَّه يترك بيننا ... في كل ممسى ليلة أو في غد؟ فعليك رحمة ربنا وسلامه، ... يا ذا الفواضل والندى والسؤدد! هلا فداك الموت كل ملعن ... شكى خلائقه لئيم المحتد؟ قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أعيني جودا بالدموع السواحم ... على المصطفى بالنور من آل هاشم على المصطفى بالحق والنور والهدى ... وبالرشد بعد المندبات العظائم وسحا عليه وابكيا، ما بكيتما، ... على المرتضى للمحكمات العزائم على المرتضى للبر والعدل والتقي، ... وللدين والإسلام بعد المظالم على الطاهر الميمون ذي الحلم والندى ... وذي الفضل والداعي لخير التراحم أعيني ماذا، بعد ما قد فجعتما ... به، تبكيان الدهر من ولد آدم؟ فجودا بسجل واندبا كل شارق ... ربيع اليتامى في السنين البوازم!
قالت صفية بنت عبد المطلب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: لهف نفسي! وبت كالمسلوب ... آرق الليل فعله المحروب! من هموم وحسرة رد فتني، ... ليت أني سقيتها بشعوب! حين قالوا: إن الرسول قد أمسى ... وافقته منية المكتوب! إذ رأينا أن النبي صريع، ... فأشاب القذال أي مشيب إذ رأينا بيوته موحشات، ... ليس فيهن بعد عيش حبيب أورث القلب ذاك حزنا طويلا، ... خالط القلب، فهو كالمرعوب ليت شعري! وكيف أمسى صحيحا ... بعد أن بين بالرسول القريب؟ أعظم الناس في البرية حقا، ... سيد الناس حبه في القلوب فإلى اللَّه ذاك أشكو! وحسبي ... يعلم اللَّه حوبتي ونحيبي! قالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أفاطم ابكي ولا تسأمي ... بصبحك، ما طلع الكوكب! هو المرء يبكي، وحق البكاء! ... هو الماجد السيد الطيب! فأوحشت الأرض من فقده، ... وأي البرية لا ينكب؟ فما لي بعدك حتى الممات ... إلا الجوى الداخل المنصب فبكي الرسول! وحقت له ... شهود المدينة والغيب! لتبكيك شمطاء مضرورة، ... إذا حجب الناس لا تحجب ليبكيك شيخ أبو ولدة ... يطوف بعقوته أشهب ويبكيك ركب إذا أرملوا، ... فلم يلف ما طلب الطلب وتبكي الأباطح من فقده، ... وتبكيه مكة والأخشب وتبكي وعيرة من فقده ... بحزن ويسعدها الميثب! فعيني مالك لا تدمعين؟ ... وحق لدمعك يستسكب! وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أعيني جودا بدمع سجم ... يبادر غربا بما منهدم أعيني فاسحنفرا واسكبا ... بوجد وحزن شديد الألم على صفوة اللَّه رب العباد. ... ورب السماء وبارى النسم
علي المرتضى للهدى والتقى، ... وللرشد والنور بعد الظلم على الطاهر المرسل المجتبى، ... رسول تخيره ذو الكرم وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أرقت فبت ليلي كالسليب ... لوجد في الجوانح ذي دبيب! فشيبي، وما شابت لداتي، ... فأمسي الرأس مني كالعسيب لفقد المصطفى بالنور حقا، ... رسول اللَّه، مالك من ضريب كريم الخيم أروع مضرحي ... طويل الباع منتجب نجيب! ثمال المعدمين وكل جار، ... ومأوى كل مضطهد غريب فإما تمس في جدث مقيما، ... فقد ما عشت ذا كرم وطيب! وكنت موفقا في كل أمر ... وفيما ناب من حدث الخطوب وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: عين جودي بدمعة تسكاب ... للنّبيّ المطهر الأواب واندبي المصطفى فعمي وخصي ... بدموع غزيرة الأسراب عين من تندبين بعد نبي ... خصه اللَّه ربنا بالكتاب فاتح خاتم رحيم رءوف، ... صادق القيل طيب الأثواب مشفق ناصح شفيق علينا، ... رحمة من إلهنا الوهاب رحمة اللَّه والسلام عليه، ... وجزاه المليك حسن الثواب! وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: عين جودي بدمعة وسهود، ... واندبي خير هالك مفقود! واندبي المصطفى بحزن شديد ... خالط القلب، فهو كالمعمود كدت أقضي الحياة لما أتاه ... قدر خط في كتاب مجيد! فلقد كان بالعباد رءوفا، ... ولهم رحمة وخخي رشيد رضي اللَّه عنه حيا وميتا، ... وجزاه الجنان يوم الخلود! وقالت صفية أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: آب ليلي علي التسهاد، ... وجفا الجنب غير وطء الوساد
واعترتني الهموم جدا بوهن ... لأمور نزلن حقا، شداد رحمة كان للبرية طرا ... فهدى من أطاعه للسداد طيب العود والضريبة والشيم ... محض الأنساب واري الزناد أبلج صادق السجية عف، ... صادق الوعد منتهي الرواد! عاش ما عاش في البرية برا، ... ولقد كان نهبة المرتاد ثم ولي عنا فقيدا حميدا، ... فجزاه الجنان رب العباد! وقالت هند بنت الحارث- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: يا عين جودي بدمع منك وابتدري! ... كما تنزل ماء الغيث فانثعبا أو فيض غرب على عادية طويت ... في جدول خرق بالماء قد سربا لقد أتتني من الأنباء معضلة ... أن ابن آمنة المأمون قد ذهبا أن المبارك والميمون في جدث ... قد ألحفوه تراب الأرض والحدبا أليس أوسطكم بيتا وأكرمكم ... خالا وعما كريما ليس مؤتشبا وقالت هند بنت أثاثة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أشاب ذؤابتي وأذل ركني ... بكاؤك، فاطم، الميت الفقيدا فأعطيت العطاء فلم تكدر، ... وأخدمت الولائد والعبيدا وكنت ملاذنا في كل لزب، ... إذا هبت شآمية برودا وإنك خير من ركب المطايا، ... وأكرمهم إذا نسبوا جدودا! رسول اللَّه فارقنا، وكنا ... نرجي أن يكون لنا خلودا أفاطم! فاصبري فلقد أصابت ... رزيئتك التهائم والنجودا وأهل البر والأبحار طرا، ... فلم تخطئ مصيبته وحيدا وكان الخير يصبح في ذراه، ... سعيد الجد قد ولد السعودا! وقالت أيضا- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: ألا يا عين أبكي! لا تملي، ... فقد بكر النهي بمن هويت وقد بكر النعي بخير شخص، ... رسول اللَّه حقا ما حييت ولو عشنا، ونحن نراك فينا ... وأمر اللَّه يترك، ما بكيت فقد بكر النعي بذاك عمدا، ... فقد عظمت مصيبة من نعيت وقد عظمت مصيبته وجلت، ... وكل الجهد بعدك قد لقيت
إلى رب البرية ذاك نشكو، ... فإن اللَّه يعلم ما أتيت أفاطم! إنه قد هدّ ركني، ... وقد عظمت مصيبة من رزيت فقد كان بعدك أنباء وهنبثة، ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها! ... فاحتل لقومك واشهدهم ولا تغب قد كنت بدرا ونورا يستضاء به، ... عليك تنزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يحضرنا، ... فغاب عنا وكل الغيب محتجب فقد رزئت أبا سهلا خليقته، ... محض الضريبة والأعراق والنسب وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: أمست مراكبه أوحشت، ... وقد كان يركبها زينها وأمست تبكي علي سيد ... تردد عبرتها عينها وأمست نساؤك ما تستفيق ... من الحزن يعتادها دينها وأمست شواحب مثل النصال ... قد عطلت وكبا لونها! يعالجن حزنا بعيد الذهاب، ... وفي الصدر مكتنع حينها يضربن بالكف حر الوجوه ... علي مثله جادها شونها هو الفاضل السيد المصطفى ... علي الحق مجتمع دينها فكيف حياتي بعد الرسول، ... وقد حان من ميتة حينها؟ وقالت أيضا عاتكة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: عين جودي! فإن بذلك للدمع ... شفاء، فأكثري م البكاء حين قالوا: الرسول أمسى فقيدا ... ميتا، كان ذاك كل البلاء! وابكيا خير من رزئناه في الدنيا ... ومن خصه بوحي السماء بدموع غزيرة منك حتى ... يقضي اللَّه فيك خير القضاء فلقد كان ما علمت وصولا، ... ولقد جاء رحمة بالضياء! ولقد كان بعد ذلك نورا ... وسراجا يضيء في الظلماء طيب العود والضريبة والمعدن ... والخيم خاتم الأنبياء
قال أبو سفيان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول وأسعدني البكاء وذاك فيما ... أصيب المسلمون به قليل لقد عظمت مصيبتنا وجلت ... عشية قيل: قد قبض الرسول وأضحت أرضنا مما عراها ... تكاد بنا جوانبها تميل فقدنا الوحي والتنزيل فينا ... يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سالت عليه ... نفوس الناس أو كربت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا ... بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا ... علينا والرسول لنا دليل أفاطم إن جزعت فذاك عذر ... وإن لم تجزعي ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر ... وفيه سيد الناس الرسول
ذكر ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر ما جاء في قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم خرج البخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: إن كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ليتعذر في مرضه: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه اللَّه بين سحري ونحري. ودفن في بيتي [ (1) ] . وقال مسلم [ (2) ] : ليتفقد أين أنا اليوم؟ ولم يقل في آخره: ودفن في بيتي. وخرج البخاري [ (3) ] من حديث أبي عوانة، عن هلال، عن عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم في مرضه الّذي لم يقم منه: لعن اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. لولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي- أو خشي- أن يتخذ مسجدا وقال البخاري: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه، فبدت لهم قدم، ففزعوا وظنوا أنها قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فما وجدوا أحدا يعلم ذلك حتى قال لهم عروة: لا واللَّه، ما هي قدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم ما هي إلا قدم عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (4) ] .
وخرج أبو داود من حديث إسماعيل بن إسماعيل بن أبي فديك قال: أخبرني عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم قال: دخلت على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلت: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وصاحبيه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فكشفت. وخرجه القاسم بن أصبغ من طريق يعقوب قال: أخبرني عمرو بن عثمان ابن هانئ فذكره وزاد في آخره: رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مقدم، وأبو بكر عند رأسه، وعمر عند رجليه، رأسه عند رجلي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [ (1) ] .
وقال البيهقي: وفي رواية أن عبد اللَّه قال: فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم مقدما
وأبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورأسه بين كتفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعمر رأسه عند رجل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لأن الحصباء لا تثبت إلا على المسطح [ (1) ] . وقال سيف: عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما فرغ من الصلاة تناولوه حتى وضعوه ثم نصبوا اللبن وحثوا وسفوا التراب، فلما دفن أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حفر له دونه إلى الباب وجعل رأسه بحيال حقوي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ورجلاه إلى جنب الحائط وألحد له، ونصب له اللبن نصبا، فلما دفن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حفر له بحيال قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم من دون قبر أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- إلى الباب، وكان قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقبر عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- متجاورين وكان قبر أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في وسط من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وكان رأس أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بحيال حقوي النبي صلى اللَّه عليه وسلم وستره عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورجلاه إلى جانب الحائط. قال: فما فضل عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قطعته عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بحائط، فكانت تدخل تلك الفصلة يوم الجمعة محتجبة. قالت: كنت أدخل وفيه بعلي في غير حجاب، فأما إذ دخله عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه لا يحل لي أن أدخله إلا محتجبة. وخرج الحاكم من طريق الحميدي حدثنا سفيان قال: سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن سعيد بن المسيب قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطت في حجرتي فسألت أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا عائشة، إن تصدق رؤياك يدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ودفن قال لي أبي أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا عائشة، هذا خيرا أقمارك وهو أحدها، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين [ (2) ] . وخرج أيضا من طريق عمر بن سعيد الأبحّ، عن ابن أبي عروبة عن
ذكر ما جاء في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وما ظهر من قبره، مما هو من أعلام نبوته [وفضيلة من زاره، وسلم عليه، وكيف يسلم ويدعو] [2]
قتادة، عن أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم تعجبه الرؤيا، قال: هل رأى أحد منكم رؤيا اليوم؟ قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي، فقال لها النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إن صدقت رؤياك دفن في بيتك ثلاثة هم أفضل أو خير أهل الأرض. فلما توفي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودفن في بيتها، قال لها: أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هذا أحد أقمارك، وهو خيرها، ثم توفي أبو بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- ودفنا في بيتها. وقال أبو عبد اللَّه محمد بن زبالة: وحدثني عبد العزيز بن محمد، عن محمد بن إسماعيل عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه الحسني عن أهل بيته قال: إن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بني عليه بتسع لبنات نصبن نصبا [ (1) ] . ذكر ما جاء في زيارة قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم وما ظهر من قبره، مما هو من أعلام نبوته [وفضيلة من زاره، وسلم عليه، وكيف يسلم ويدعو] [ (2) ] قال ابن عائذ: حدثنا الوليد، حدثنا مالك عن يحيي بن سعيد، قال:
كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول ما من بقعة في الأرض أحب إليّ أن يكون قبري فيها
من المدينة. قالها ثلاث مرات.
وروى جعفر بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس- رضي اللَّه
تبارك وتعالي عنهما- قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من حج وزار قبري بعد موتي
كان كمن زارني في حياتي [ (1) ] .
وللدارقطنيّ من حديث موسى بن هلال [العبديّ] عن عبيد اللَّه بن عمر ابن نافع عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من زار قبري وجبت له شفاعتي [ (1) ] . وخرج الدارقطنيّ أيضا من حديث يحيي بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو محمد العبادي حدثنا مسلمة بن سالم الجهنيّ حدثنا عبد اللَّه بن عمر عن نافع عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من جاءني زائرا لم يدعه حاجة إلا زيارتي كان حقا عليّ أن أكون شفيعا له يوم القيامة. وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: أخبرني سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: من زار قبري بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة. ولابن أبي الدنيا من حديث سعيد بن عثمان الحرجاني قال: أخبرنا محمد بن أبي فديك قال: أخبرنا عمر بن حفص، قال: إن ابن أبي ملكية قال: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه يقول: إنه من وقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [ (2) ] الآية ثم قال: فتلا صلى اللَّه عليك يا محمد، حتى يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى اللَّه عليك يا فلان، لم تسقط لك حاجة! [ (3) ] . وخرج أبو محمد الروائي من طريق ابن زيد بن سعد حدثنا عمرو بن مالك
البكري حدثنا أبو الحور بن عبد اللَّه قال: قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، فقالت: انظروا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال: ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق. وقد روي من طريق، محمد بن حرب الهلالي قال: دخلت المدينة فأتيت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم [فزرته، وجلست بحذائه] [ (1) ] فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير المرسلين إن اللَّه عز وجلّ أنزل عليك كتابا صادقا، قال فيه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [ (2) ] . وإني جئتك مستغفرا إلى ربي من ذنوبي مستشفعا بك، ثم بكى وأنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه [ (3) ] * فطاب من طيبهنّ القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه* فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف. قال: فرقدت فرأيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يقول: إن اللَّه عز وجل قد غفر له لشفاعتي. وخرج أبو نعيم من طريق محمد بن سليمان حدثنا عبد الحميد بن سليمان عن سعيد بن المسيب قال: لقد رزيتني ليالي الحرة وما في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غيري، وقال: لا يأتي وقت صلاة إلا سمعت الأذان من القبر، ثم أتقدم فأقيم وأصلى، وإن أهل الشام ليدخلون المسجد فيقولون: انظروا إلى هذا الشيخ المجنون. قال أبو محمد الدرامي: وأخبرنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز، قال: لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالمدينة، ولم يقم، ولم يبرح سعيد بن المسيب من المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة
يسمعها من قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم. وقال أبو عبد اللَّه محمد بن الحسن بن زبالة: وحدثني محمد بن الحسن عن غير واحد، منهم عبد العزيز بن محمد بن عمران بن محمد أنه لما كان أيام الحرة ترك مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثلاثة أيام، وخرج الناس إلى الحرة، وجلس سعيد بن المسيب في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: فاستوجب فدنوت قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فلما حضرت الظهر سمعت الأذان في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصليت ركعتين ثم سمعت الإقامة فصليت الظهر، ثم جلست حتى حضرت العصر، فسمعت الأذان في قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فصليت ركعتين ثم سمعت الإقامة فصليت العصر، ثم لم أزل أسمع الأذان في قبره حتى مضت الثلاث، وفعل القوم ودخلوا مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وعاد المؤذنون فأذنوا فسمعت الأذان في قبره صلى اللَّه عليه وسلم فلم أسمعه، فرجعت إلى مجلسي الّذي أجلس فيه [ (1) ] . وخرج الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن النجار من حديث أبي السكن الهمدانيّ، قال: حدثني محمد بن حامان قال: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: حجحت فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فسلمت عليه، فسمعت من داخل الحجرة: وعليك السلام. وقد روى يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل عن ابن حمد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن اللَّه عز وجل أدّب قوما فقال: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [ (2) ] . ومدح قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [ (3) ] . وذم قوما فقال: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [ (4) ] .
وإن حرمته صلى اللَّه عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، فاستكان له أبو جعفر وقال: يا أبا عبد اللَّه! أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى اللَّه تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله، واستشفع به، فيشفع لك عند اللَّه تعالى. قال اللَّه تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً [ (1) ] . وقال القاضي عياض: [ (2) ] وزيادة قبره صلى اللَّه عليه وسلم سنة من سنن المسلمين مجمع عليها، وفضيلة مرغب فيها، حدثنا القاضي أبو علي، حدثنا أبو الفضل بن خيرون قال: حدثنا الحسن ابن جعفر قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطنيّ قال حدثنا القاضي المحاملي قال: حدثنا محمد بن عبد الرزاق قال: حدثنا موسي بن هلال عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: من زار قبري وجبت له شفاعتي. وعن أنس بن مالك قال، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من زارني في المدينة محتسبا كان في جواري، وكنت له شفيعا يوم القيامة. وفي حديث آخر: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي. وكره مالك أن يقال زرنا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وقد اختلف في معني ذلك فقيل كراهية الاسم لما ورد من قوله صلى اللَّه عليه وسلم: لعن اللَّه زوارات القبور، وهذا يرده قوله: نهيتم عن زيارة القبور فزوروها. وقوله من زار قبري فقد أطلق اسم الزيارة، وقيل: لأن ذلك لما قيل: إن الزائر أفضل من المزور، وهذا أيضا ليس بشيء إذ ليس كل زائر بهذه الصفة، وليس هذا عموما، وقد ورد في حديث أهل الجنة زيارتهم لربهم، ولم يمنع هذا اللفظ في حقه تعالى. وقال أبو عمران رحمه اللَّه: انما كره مالك أن يقال: طواف الزيارة، وزرنا قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم لاستعمال الناس ذلك بينهم بعضهم لبعض، وكره تسوية النبي صلى اللَّه عليه وسلم مع الناس بهذا اللفظ. وأيضا فإن الزيارة مباحة بين الناس، وواجب شد المطيّ إلي قبره صلى اللَّه عليه وسلم يريد بالوجوب هنا وجوب ندب وترغيب وتأكيد لا
وجوب فرض، والأولى عندي أن منعه وكراهة مالك له لإضافته إلي قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وأنه لو قال: زرنا النبي صلى اللَّه عليه وسلم لم يكرهه لقوله صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد بعدي، اشتد غضب اللَّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فنفي إضافة هذا اللفظ إلي القبر والتشبه بفعل أولئك قطعا للذريعة وحسما للباب واللَّه أعلم. قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة والقصد الى الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، والتبرك برؤية روضته، ومنبره، وقبره، ومجلسه، وملامس يديه، ومواطئ قدميه، والعمود الّذي كان يستند، إليه وينزل جبريل بالوحي فيه عليه وبمن عمره، وقصده، من الصحابة وأئمة المسلمين، الاعتبار بذلك كله. وقال ابن أبي فديك: سمعت بعض من أدركت يقول بلغني أنه من وقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ثم قال: صلى اللَّه عليك يا محمد، من يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى اللَّه عليك يا فلان، ولم تسقط له حاجة. وعن يزيد بن أبي سعيد المقبري قدمت على عمر بن عبد العزيز فلما ودعته قال: لي إليك حاجة: إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأقرئه مني السلام. قال غيره: وكان يبرد إليه البريد من الشام، قال بعضهم: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح الصلاة فسلم علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم انصرف، وقال مالك في رواية ابن وهب: إذا سلم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو، ويسلم، ولا يمس القبر بيده. وقال في (المبسوط) : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضي، قال ابن أبي مليكة من أحب أن يقوم وجاه النبي صلى اللَّه عليه وسلم فليجعل القنديل الّذي في القبلة عند القبر على رأسه، وقال نافع كان ابن عمر يسلم على القبر، رأيته مائة مرة وأكثر يجئ إلي القبر فيقول السلام على النبي صلى اللَّه عليه وسلم، السلام على أبي بكر، السلام على أبي ثم ينصرف، ورئي ابن عمر واضعا يده علي مقعد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه. وعن ابن قسيط والعتبيّ: كان أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا خلا المسجد حسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامنهم، ثم استقبلوا القبلة يدعون. وفي (الموطأ) من رواية يحيى بن يحيى الليثي: أنه كان يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيصلي
على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعلى أبي بكر، وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-. وعند ابن القاسم والقعنبي: ويدعو لأبي بكر وعمر قال مالك في رواية ابن وهب: يقول المسلم السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته. قال في (المبسوط) : ويسلم علي أبي بكر وعمر. قال القاضي أبو الوليد الباجي: وعندي أنه يدعو للنّبيّ صلى اللَّه عليه وسلم بلفظ الصلاة، ولأبي بكر وعمر كما في حديث ابن عمر من الخلاف. وقال ابن حبيب: ويقول إذا دخل مسجد الرسول بسم اللَّه، وسلام على رسول اللَّه، السلام علينا من ربنا، وصلى اللَّه وملائكته علي محمد. اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وجنتك، واحفظني من الشيطان الرجيم، ثم اقصد إلي الروضة، وهي ما بين القبر والمنبر فاركع فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر تحمد اللَّه فيها وتسأله تمام ما خرجت إليه، والعون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الروضة أجزأتاك، وفي الروضة أفضل، وقد قال صلى اللَّه عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة. ثم تقف بالقبر متواضعا متوقرا، فتصلي عليه وتثني بما يحضرك، وتسلم علي أبي بكر وعمر، وتدعو لهما، وأكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالليل والنهار، ولا تدع أن تأتي مسجد قباء وقبور الشهداء. قال مالك في كتاب محمد: ويسلم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل وخرج يعني في المدينة وفيما بين ذلك. قال محمد: وإذا خرج جعل آخر عهده الوقوف بالقبر وكذلك من خرج مسافرا. وروي ابن وهب عن فاطمة بنت النبي صلى اللَّه عليه وسلم: وقل: اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرجت صل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وقل: اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، وفي رواية أخرى: فليسلم مكان فليصل فيه، ويقول إذا خرج: اللَّهمّ إني أسالك من فضلك، وفي آخر اللَّهمّ احفظني من الشيطان الرجيم، وعن محمد بن سيرين كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد: صلى اللَّه وملائكته على محمد السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته باسم اللَّه دخلنا وباسم اللَّه خرجنا، وعلى اللَّه توكلنا، وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك. وعن فاطمة أيضا كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: صلى اللَّه على محمد، ثم ذكر مثل حديث فاطمة قبل هذا، وفي رواية: حمد اللَّه وسمى وصلى على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وذكر مثله. وفي رواية باسم اللَّه والسلام على رسول اللَّه، وعن غيرها كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: اللَّهمّ افتح لي
أبواب رحمتك ويسر لي أبواب رزقك. وعن أبي هريرة: إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم وليقل: اللَّهمّ افتح لي ... وقال مالك في (المبسوط) : وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر وإنما ذلك للغرباء، وقال فيه أيضا: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلي سفر أن يقف على قبر النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فيصلي عليه ويدعو له، ولأبي بكر وعمر، فقيل له: إن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة أو المرتين أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده. قال ابن القاسم: ورأيت أهل المدينة إذا خرجوا منها أو دخلوها أتوا القبر فسلموا. قال: وذلك رأى. قال الباجي: ففرق بين أهل المدينة والغرباء، لأن الغرباء قصدوا لذلك وأهل المدينة مقيمون بها لم يقصدوها من أجل القبر والتسليم. وقال صلى اللَّه عليه وسلم: اللَّهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب اللَّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وقال: لا تجعلوا قبري عيدا. ومن كتاب أحمد بن سعيد الهندي فيمن وقف بالقبر لا يلصق به، ولا يمسه، ولا يقف عنده طويلا، وفي (العتبية) : يبدأ بالركوع قبل السلام في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، وأحب مواضع التنفل فيه: مصلي النبي حيث العمود المخلق، وأما في الفريضة فالتقدم إلي الصفوف والتنفل فيه للغرباء أحب إليّ من التنفل في البيوت.
فصل فيما يلزم من دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من الأدب سوى ما قدمناه وفضله وفضل الصلاة فيه وفي مسجد مكة، وذكر قبره ومنبره، وفضل سكنى المدينة ومكة
فصل فيما يلزم من دخل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم من الأدب سوى ما قدمناه وفضله وفضل الصلاة فيه وفي مسجد مكة، وذكر قبره ومنبره، وفضل سكنى المدينة ومكة قال اللَّه تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ روي أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم سئل: أي مسجد هو؟ قال: مسجدي هذا، وهو قول ابن المسيب وزيد بن ثابت وابن عمر ومالك بن أنس وغيرهم، وعن ابن عباس أنه مسجد قباء. حدثنا هشام بن أحمد الفقيه بقراءتي عليه قال: حدثنا الحسين بن محمد الحافظ حدثنا أبو عمر النمري حدثنا أبو محمد بن عبد المؤمن حدثنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود، حدثنا مسدد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى. وقد تقدمت الآثار في الصلاة والسلام علي النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند دخول المسجد. وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ باللَّه العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. وقال مالك رحمه اللَّه: سمع عمر بن الخطاب رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صوتا في المسجد، فدعا بصاحبه فقال: ممن أنت؟ قال: رجل من ثقيف، قال لو كنت من هاتين القريتين لأدبتك، إن مسجدنا لا يرفع فيه الصوت. قال محمد بن مسلمة: لا ينبغي لأحد أن يتعمد المسجد برفع الصوت، ولا بشيء من الأذى، وأن ينزه عما يكره، قال القاضي: حكي ذلك كله القاضي إسماعيل في (مبسوطه) في باب فضل مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم. والعلماء كلهم متفقون أن حكم سائر المساجد هذا الحكم. قال القاضي إسماعيل: وقال محمد بن مسلمة: ويكره في مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم الجهر علي المصلين فيما يخلط عليهم صلاتهم، وليس مما يخص به المساجد رفع الصوت، قد كره رفع الصوت بالتلبية في مساجد الجماعات إلا المسجد الحرام ومسجدنا. وقال أبو هريرة- رضي اللَّه عنه- قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: صلاة في
مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، قال القاضي: اختلف الناس في معنى هذا الاستثناء على اختلافهم في المفاضلة بين مكة والمدينة، فذهب مالك في رواية أشهب عنه وقاله ابن قانع صاحبه وجماعة من أصحابه إلى أن معني الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في مسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم أفضل من الصلاة فيه بدون الألف، واحتجوا بما روي عن عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه، فتأتي فضيلة مسجد الرسول صلى اللَّه عليه وسلم بتسعمائة، وعلي غيره بألف، وهذا مبنيّ على تفضيل المدينة علي مكة على ما قدمناه، وهو قول عمر بن الخطاب، ومالك، وأكثر المدنيين، وذهب أهل مكة والكوفة إلي تفضيل مكة وهو قول عطاء، وابن وهب وابن حبيب من أصحاب مالك، وحكاه الساجي عن الشافعيّ، وحملوا الاستثناء في الحديث المتقدم على ظاهره، وأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل، واحتجوا بحديث عبد اللَّه بن الزبير عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وفيه: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة، وروى قتادة مثله، فيأتي فضل الصلاة في المسجد الحرام علي هذا، على الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف، ولا خلاف أن موضع قبره صلى اللَّه عليه وسلم أفضل بقاع الأرض. قال القاضي أبو الوليد الباجي: الّذي يقتضيه الحديث مخالفة حكم مسجد مكة لسائر المساجد، ولا يعلم منه حكمها مع المدينة. وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو في صلاة الفرض، وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة أيضا، قال: وجمعة خير من جمعة، ورمضان خير من رمضان، وقد ذكر عبد الرزاق في تفضيل رمضان بالمدينة وغيرها حديثا نحوه، وقال صلى اللَّه عليه وسلم: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومثله عن أبي هريرة وأبي سعيد، وزاد: ومنبري على حوضي، وفي حديث آخر: منبري على ترعة من ترع الجنة. قال الطبري: فيه معنيان: أحدهما: أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه روي ما بين حجرتي ومنبري. والثاني: أن البيت هنا القبر، وهو قول زيد بن أسلم في هذا الحديث، كما روي: بين قبري ومنبري. قال الطبري: وإذا كان قبره في بيته اتفقت
معاني الروايات، ولم يكن بينها خلاف، لأن قبره في حجرته، وهو بيته. وقوله: ومنبري على حوضي، قيل: يحتمل أنه منبره بعينه الّذي كان في الدنيا، وهو أظهر. والثاني: إلا أن يكون له هناك منبر، والثالث إن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد الحوض ويوجب الشرب منه، قاله الباجي. وقوله: روضة من رياض الجنة يحتمل معنيين: أحدهما: أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب، كما قيل: الجنة تحت ظلال السيوف، والثاني: أن تلك البقعة قد ينقلها اللَّه فتكون في الجنة بعينها قاله الداوديّ. وروى ابن عمر وجماعة من الصحابة أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال في المدينة: لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة، وقال فيمن تحمل عن المدينة: والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وقال: إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها. وقال: لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها اللَّه خيرا منه. وروى عنه صلى اللَّه عليه وسلم: من مات في أحد الحرمين حاجا أو معتمرا بعثه اللَّه يوم القيامة لا حساب عليه ولا عذاب. وفي طريق آخر: بعث من الآمنين يوم القيامة، وعن ابن عمر: من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإنّي أشفع لمن يموت بها، وقال تعالي: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً إلى قوله: آمِناً قال بعض المفسرين: آمنا من النار، وقيل: كان يأمن من الطلب من أحدث حدثا خارجا عن الحرم ولجأ إليه في الجاهلية، وهذا مثل قوله: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً على قول بعضهم. وحكي أن قوما أتوا سعدون الخولانيّ بالمنستير فأعلموه أن كتامة قتلوا رجلا وأضرموا عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه شيئا، وبقي أبيض البدن! فقال: لعله حج ثلاث حجج، قالوا: نعم، قال: حدثت أن من حج حجة أدى فرضه، ومن حج ثانية داين ربه، ومن حج ثلاث حجج حرم اللَّه شعره وبشره على النار. ولما نظر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إلى الكعبة قال: مرحبا بك من بيت ما أعظمك وأعظم حرمتك. وفي الحديث عنه صلى اللَّه عليه وسلم: ما من أحد يدعو اللَّه تعالي عند الركن الأسود إلا استجاب اللَّه له، وكذلك عند الميزاب. وعنه صلى اللَّه عليه وسلم: من صلى خلف
المقام ركعتين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحشر يوم القيامة من الآمنين. قال الفقيه القاضي أبو الفضل: قرأت على القاضي الحافظ أبي علي، حدثنا أبو العباس العذري قال: حدثنا أبو أسامة محمد بن أحمد بن محمد الهروي، حدثنا الحسن بن رشيق، سمعت أبا الحسن محمد بن الحسن بن راشد، سمعت أبا بكر محمد بن إدريس، سمعت الحميدي قال: سمعت سفيان ابن عيينة قال: سمعت عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول: ما دعا أحد بشيء في هذا الملتزم إلا استجيب له. قال ابن عباس: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إلا استجيب لي. وقال عمرو بن دينار: وأنا، فما دعوت اللَّه تعالى بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من ابن عباس إلا استجيب لي، وقال سفيان: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من عمرو إلا استجيب لي، قال الحميدي: وأنا فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من سفيان إلا استجيب لي، وقال محمد بن إدريس: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحميدي إلا استجيب لي، وقال أبو الحسن محمد بن الحسن: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من محمد ابن إدريس إلا استجيب لي. قال أبو أسامة: وما أذكر الحسن بن رشيق قال فيه شيئا، وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من الحسن بن رشيق إلا استجيب لي من أمر الدنيا، وأنا أرجو أن يستجاب لي من أمر الآخرة. قال العذري: وأنا، فما دعوت اللَّه بشيء في هذا الملتزم منذ سمعت هذا من أبي أسامة إلا استجيب لي، قال أبو علي: وأنا، فقد دعوت اللَّه فيه بأشياء كثيرة استجيب لي بعضها، وأنا أرجو من سعة فضله أن يستجيب لي بقيتها. قال القاضي أبو الفضل: ذكرنا نبذا من هذه النكت في هذا الفصل وإن لم تكن من الباب، لتعلقها بالفصل الّذي قبله حرصا على تمام الفائدة واللَّه الموفق للصواب برحمته. انتهى كلام القاضي عياض. وقال: ابن زبالة: وحدثني غير واحد، عن: عبد العزيز بن أبي حازم، ونوفل بن عمار، قالوا: إن كانت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- لتسمع صوت الوتد يؤتد، والبناء يضرب في بعض الدور المطمئنة بمسجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم، فترسل إليهم: لا تؤذوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
قال: وقد ذكرنا عمر بن عبد العزيز بالمسجد النبوي، فبينا أولئك العمال يعملون في المسجد وما إن خلا لهم المسجد فقال بعض أولئك العمال من الروم: ألا أبول على قبر نبيهم؟ فنهاهم عن ذلك بعض أصحابهم، فلما همّ أن يفعل، اقتلع فألقي على رأسه فانتتر دماغه وأسلم بعض أولئك النصارى، وقد ذكر أن أبا الفتوح بن جعفر بن محمد الحسيني أمير مكة أمره خليفة مصر في سنة تسعين وثلاثمائة أن يتوجه إلي المدينة وينقل الجند المعظم إلى مصر، وبعث إليه عسكرا، فقده المدينة وأزال من حوله من بني مهنا الحيثيون عنها، ودخل الحجرة الشريفة ليمضي ما عزم عليه، فقام رجل فقرأ قوله تعالى: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [ (1) ] حتى تجيء سحابه خرج منها ريح عاصف ظلمت منه المدينة وما حولها وقويت حتى كادت تقتلع المنارات وهلك معظم العسكر ودواوينهم فكف أبو الفتوح عما قصده وعاد الى مكة. وقد ذكر الحافظ محب الدين أبو عبد اللَّه محمد بن محمود بن الحسن المعروف باسم ابن النجار رحمه اللَّه هذا الخبر في (تاريخه) فقال أيضا: أخبرنا أبو محمد عبد اللَّه بن المبارك المقدسي عن أبي المعالي صالح بن شافع الحنبلي، قال: أنبأنا القاسم بن عبد اللَّه بن محمد المقدسيّ المعلم، حدثنا أبو القاسم عبد الحكيم بن محمد المغربي، قال: إن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي صاحب مصر بنقل النبي صلى اللَّه عليه وسلم وصاحبيه إلى مصر، وزين له ذلك وقال: متى تم ذلك شد الناس رحالهم من أقطار الأرض إلى مصر، وكانت منفعة لسكانهم، فأجابه الحاكم في ذلك، وبني بمصر [مسجدا] أنفق عليه مالا جزيلا قال: وبعث إلى أبي الفتوح [ ... ] الموضع الشريف، وحمله، فلما وصل إلى المدينة وجلس بها حضر جماعة من المدينتين وقد علموا ما جاء فيه، وحضر معهم قارئ يعرف [بالألباني] فقرأ في المجلس: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ إلى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (2) ] فهاج الناس وكادوا يقتلون أبا الفتوح ومن معه من الجند، ومنعهم من سارع إلى ذلك، إلا أن البلاد كانت لهم، لما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم: اللَّه أحق أن يخشى، واللَّه لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع، وحصل له من ضيق الصدر ما
أزعجه، كيف نهض في مثل هذه المحربه؟ فما انتصف النهار في ذلك اليوم حتى أرسل اللَّه تعالى ريحا كادت الأرض تزلزل من فوقها، حتى خرجت الإبل بأثقالها، والخيل بسروجها، كما تدحرج الكرة على وجه الأرض، وهلك أكثرها، وحلق بالناس، فانشرح صدر أبى الفتوح، وذهب روعه من الحاكم لقيام عدد من امتناع ما جاء فيه. وقال المحب الطبري في كتاب (الرياض النضرة في فضائل العشرة) - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم-: أخبرني هارون بن الشيخ عمر بن الراغب قال: كنت مجاورا بالمدينة وشيخ الخام إذ ذاك شمس الدين صواب الملطي، وكان رجلا صالحا كثير البر بالفقراء، فقال لي يوما: ما أخبرك بعجبه: كان لي صاحب يجلس عند الأمير ويأتيني من خبره بما يمس حاجتي إليه، فبينا أنا ذات يوم إذ جاءني فقال: أمر عظيم حدث اليوم، قال: قلت: وما هو؟ قال: جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للأمير مالا كثيرا وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة [النبويّة] وإخراج أبي بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- منها، فأجابهم إلى ذلك، قال: فاهتممت لذلك هما، ولم ألبث أن جاء رسول الأمير يدعوني إليه فأجبته، فقال لي: يدق عليك الليلة أقوام المسجد، فافتح لهم، ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم، ولا تعترض عليهم، فقلت سمعا وطاعة، وخرجت ولم [أر النوم] اجتمع [وجلست] خلف الحجرة أبكي لا ترقأ لي دمعة، ولا يشعر أحد بما بي، حتى إذا صليت العشاء الآخرة، وخرج الناس من المسجد وغلقنا الأبواب، فلم أنشب أن دق الباب الّذي حدا باب الأمير، ففتحت الباب، فدخل أربعون رجلا أعدهم واحدا بعد واحد، ومعهم المساحي، والمكاتل، والشموع، [وأرادوا] الهدم، وقصدوا الحجرة. قال: فو اللَّه ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم، ما كان بينهم من آلات وغير ذلك، ولم يبق لهم أثر، قال: فاستبطأ الأمير خبرهم، فدعاني وقال: ألم يأتك القوم؟ قلت: بلى، ولكن اتفق لهم ما هو كيت وكيت، فقال: انظر ما تقول، قلت: لا هو ذلك، قلت: وانظر هل ترى فيهم باقية أو لهم أثر، فقال لي: هذا موضع الحديث، إن ظهر عنك كان يقطع رأسك. ثم خرجت عنه. انتهى. وقال الحافظ جمال الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أبي جعفر أحمد بن خلف ابن عيسى المرقى الخزرجي الدميني في (تاريخ المدينة) : وصل السلطان الملك
العادل نور الدين محمود بن زنكي في صفر في سنة سبع وخمسين وخمسمائة إلى المدينة بسبب رؤيا رآها، ذكرها بعض الناس ومعه الفقيه علم الدين يعقوب ابن أبى بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد عن من حدثه عن أكابر من أدرك، أن السلطان محمود المذكور أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث مرات في ليلة واحدة وهو يقول له في كل واحدة منها: يا محمود أنقذنى من هذين، شخصين أشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر حدث في مدينة النبي صلى اللَّه عليه وسلم ليس له غيرك، فتجهز، وخرج علي عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من رجل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها، والوزير معه، وزار وجلس في المسجد لا يرى ما يصنع فقال له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟ قال: نعم. فطلب الناس عامة للصدقة، وفرق عليهم ذهبا كثيرا وفضة، وقال: لا يبقين أحد بالمدينة إلا جاء، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس في الناحية التي تلى قبلة حجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم من خارج المسجد، عند دار عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- التي تعرف اليوم بدار العشرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فطلبهما للصدقة، فامتنعا وقالا: نحن على كفاية، ما نقبل شيئا. فجد في طلبهما، فجيء بهما فلما رآهما قال الوزير: هم هذان، فسألهما عن حالهما، وما جاء بهما، فقالا: جئنا لمجاورة النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال: أصدقاني، وتكرر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما، أقرا أنهما من النصارى، وأنهما وصلا لكي ينقلا من في هذه الحجرة المقدسة باتفاق من ملوكهم، ووجدهما قد حفرا نفقا من تحت حائط المسجد القبلي، وهما قاصدان إلى جهة الحجرة الشريفة، ويجعلان التراب في بئر عندهما في البيت الّذي هم فيه، هكذا حدثني عن من حدثه. فضرب أعناقهما عند الشباك الّذي في شرقيّ حجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم خارج المسجد، ثم أحرقا بالنار آخر النهار، وركب متوجها إلى الشام، فصاح به من كان نازلا خارج السور واستعانوا، فطلبوا أن يبني عليهم سورا يحفظ أبناءهم وماشيتهم، فأمر ببناء هذا السور الموجود اليوم، فبني في سنة ثمان وخمسين، وكتب اسمه على باب البقيع، فهو باق إلى اليوم، انتهى. وفي سنة سبع عشرة وسبعمائة جهز الملك ابن صاحب عراقي والعجم عسكرا مع الشريف خميصة بن أبي نمر الحسني، أمير مكة، وقد عزل ولحق به،
فأركبه وجهزه ليأخذ له مكة مع ملوك مصر مع الحجاز، وأوعز إليه أن يخرج أبا بكر وعمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من قبريهما، فصار معه القيطة والمعمارية والآلات، حتى توسط أرض نجد، بلغ الأمير محمد بن معنى خبره، فركب إليه جمع موفور وطرقه ليلا، فاستباح عسكر حرابنده عن آخرهم وفي خميصة وفي طائفة من أصحابه إلى الحجاز، فغنم الأمير محمد جميع ما كان معه، ومضى إلى الشام وكتب إلى نائب الشام يخبره، ثم قدم عليه فحمله إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بقلعة الجبل من ديار مصر، فخلع عليه، وولاه إمارة العريف بالشام، بعد أن كان ساخطا عليه. وتم هذا الكتاب البديع المنال، البعيد المثال، بتمام هذا الجزء [الرابع عشر] وهو المسمى: إمتاع الأسماع بما للرسول صلى اللَّه عليه وسلم من الأنباء والأحوال والحفدة والمتاع
حسن الخاتمة
نسأل اللَّه تعالى حسن الخاتمة قال محققه: وكان الفراغ من تحقيق هذا السفر العظيم في السيرة النبويّة، في ليلة النصف من شهر شعبان لسنه تسعة عشر ومائة وألف من هجرة خاتم المرسلين صلى اللَّه عليه وسلم، الموافق الثالث من ديسمبر سنة ثمان وتسعين وتسعمائة وألف من ميلاد المسيح عليه السلام. ولا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى كل من ساهم في إنجاز هذا العمل الجليل ولو بكلمة طيبة، وأخص بالذكر كلا من: * مكتب المحمدية لنظم المعلومات والميكروفيلم، الأستاذين: حسن النميسى وحسين النميسى حيث قاما بالإشراف على إخراج الكتاب في مراحله المختلفة. * الأستاذة/ [أم الشيماء] هانم محمد على سعد، التي قامت بنسخ المخطوطة من الميكروفيلم، ثم معالجة تجارب الطبع، فجزاها اللَّه تعالى عن السيرة النبويّة خير الجزاء. * الأستاذة/ نجوى محمد فراج، التي قامت بعمليات الجمع والتنسيق والطبع. * دار الكتب العلمية بيروت لبنان، وعلى رأسها الأخ الكريم الأستاذ الفاضل/ محمد على بيضون، الّذي لم يدخر جهدا ولا مالا في إبراز هذا الكتاب القيم، من غياهب المخطوطات إلى عالم المطبوعات، خدمة للسيرة النبويّة، وإثراء للمكتبة العربية الإسلامية، تيسيرا على الباحثين من عباد اللَّه في أرض اللَّه. والحمد للَّه الّذي بنعمته تتم الصالحات. وبذلك أرجو أن أكون قد رددت الفضل إلى أهل الفضل، فإن ذلك من بركة العلم. سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
المجلد الخامس عشر
[المجلد الخامس عشر] فهرس الآيات القرآنية الآية رقمها الجزء والصفحة سورة الفاتحة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... نَسْتَعِينُ 1- 4/ 4 170. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ 7- 3 145 سورة البقرة الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ... بِالْغَيْبِ 1- 3 4/ 389. كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ 20 4/ 269. إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ... 23 4/ 140، 181، 220، 233، 235، 236- 4/ 381- 9/ 39، 40. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا 24 4/ 220. يا آدَمُ 33 4/ 185. اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ 45 11/ 10. لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ 48 4/ 260. لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً 55 3/ 132. ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ 58 1/ 282- 13/ 322- 324. تَشابَهَ عَلَيْنا 70 4/ 252. يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ 75 3/ 179. وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا.. 14 76 4/ 218. أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ 77 4/ 218
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ 89 3/ 358، 359- 4/ 93. فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ... مُهِينٌ 90 14/ 81. قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ 94- 95 14/ 91. قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ 97 14/ 74، 76، 81. مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ ... 98 5/ 392. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا ... 104 3/ 109، 110. ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها 106 4/ 156، 282. فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ 115 3/ 93- 13/ 278. وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ... أَنْفُسِهِمْ 109 2/ 231- 12/ 179. وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ... 124 3/ 258- 6/ 5. وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً 125 10/ 342. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ 127 3/ 105. وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 135 2/ 362، 363. وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ 137 4/ 216. ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها 142 3/ 90، 115- 11/ 207. وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها ... عَقِبَيْهِ 143 3/ 90- 10/ 276. قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ 144 4/ 204. وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 144 3/ 82، 84، 85، 90- 10/ 334. يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ 146 3/ 395- 4/ 93. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ 147 13/ 192. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ ... 156- 157 11/ 163. إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ 158 4/ 330، 331. إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا 159 11/ 166، 248. قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا ... 163 4/ 166. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ 183 10/ 265. شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... 185 3/ 97. إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ... 186 11/ 161. وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى 189 4/ 261. الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ ... 194 1/ 330- 9/ 18
سورة آل عمران
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ ... 195 1/ 331. فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً ... 196 1/ 278. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا ... 198 4/ 329. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ 199 2/ 354، 356، 358، 359. رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ ... 201 2/ 108. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ 207 1/ 57. ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً 208 11/ 9. كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ ... لا تَعْلَمُونَ 216 1/ 71. يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ 217 1/ 77. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا 218 9/ 85. يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ 222 4/ 288. هن حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ 223 14/ 64. الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ 229 10/ 195. يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً 234 4/ 285. وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ... 236 13/ 63. حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى ... تَعْلَمُونَ 238- 239 1/ 237- 4/ 284. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ... 240 4/ 285. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ 258 4/ 189. إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها 259 4/ 261، 271. قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي 260 11/ 185، 187، 188، 189، 210. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ... 279 9/ 217. وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ 281 4/ 340. أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما 282 11/ 214 سورة آل عمران هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ... 5 12/ 261. آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا 7 4/ 263
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ... 12 4/ 216. قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ ... 20 10/ 275. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ 23 13/ 234. قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ... ذُنُوبَكُمْ 31 3/ 145، 165- 4/ 205- 11/ 14- 13/ 179. أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 32 3/ 132. إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ... 34 3/ 250- 6/ 5. كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها 37 3/ 281. وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ 39 4/ 212. وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ 42 10/ 271. وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ ... 48 4/ 214. يا عِيسى 55 4/ 185. إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ ... الْكاذِبِينَ 59- 61 14/ 69. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ ... 61 6/ 6. إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ 62 9/ 39. يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ ... 65- 68 14/ 66. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ... 68 3/ 106. لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ... تَعْلَمُونَ 70- 71 3/ 395. وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ 75 10/ 352. ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ ... مُسْلِمُونَ 79- 80 14/ 66. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ 81 10/ 278- 11/ 207. وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا 88 4/ 218. لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ 92 7/ 346. حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ ... 93 14/ 80. كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ ... الْمُشْرِكِينَ 93- 95 4/ 152، 153. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً 96 10/ 342. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ 101 12/ 340. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً 103 11/ 9. كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ 110 3/ 338- 9/ 86، 87- 12/ 341
لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ ... الصَّالِحِينَ 113- 114 13/ 305. وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ ... 121 1/ 177. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ ... 124 3/ 328- 4/ 211. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ... اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ 124- 126 1/ 177. لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ 128 1/ 152، 183- 12/ 68، 69- 13/ 258. وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ 139، 4/ 216. وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ ... الشَّاكِرِينَ 144 1/ 170- 2/ 139- 3/ 106- 12/ 177 14/ 219، 511، 556. وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ 152 3/ 329. إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ 153 1/ 170. ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً 154 13/ 263، 264، 265. فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ 159 2/ 240- 4/ 204. فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ 159 2/ 279- 13/ 49. وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ 161 4/ 247. لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ 164 4/ 214- 9/ 148. الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ... 172 1/ 180. الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ... وَنِعْمَ الْوَكِيلُ 172- 173 8/ 358. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ 173 1/ 180، 194. فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ 175 11/ 9. وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ 176 3/ 105. إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ 181 4/ 170. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ 185 12/ 177. وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.. 186 2/ 231- 12/ 179. فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا 187 6/ 8. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... عَذابَ النَّارِ 190- 191 2/ 332. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا.. 200 11/ 9. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ... 83 3/ 116، 117
سورة النساء
سورة النساء إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً 10 8/ 264. يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ... 11 5/ 138. حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ... سَبِيلًا 15 10/ 13. وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ... تَوَّاباً رَحِيماً 15- 16 10/ 12. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ... أَصْلابِكُمْ 23 6/ 190. وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ 23 10/ 244. وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ ... 24 2/ 19. وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ 28 1/ 346- 10/ 63. الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ 37 11/ 7. فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ... 41 2/ 324. وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ 43 8/ 349- 10/ 182. يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ 46 4/ 161. وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ 48 3/ 115. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً ... 51 1/ 223- 12/ 186، 187. أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ... فَضْلِهِ 54 3/ 214- 6/ 128- 10/ 192. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ ... 59 3/ 132، 167، 9/ 48. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا 60 14/ 351. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ ... 64 3/ 132. وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا 64 14/ 615، 617. فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ... 65 3/ 133، 145- 9/ 49- 13/ 165- 14/ 379. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ ... 69 3/ 132- 10/ 397- 14/ 472. وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً 79 3/ 122. مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ 80 3/ 132. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا.. 82 4/ 231. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 94 1/ 347- 13/ 351، 352. لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... 95 3/ 48. وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ... 102 1/ 281
سورة المائدة
إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً 103 10/ 265. إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ ... 105 11/ 217، 218. إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ... وَساءَتْ مَصِيراً 105- 115 14/ 354، 355. إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ... غَفُوراً رَحِيماً 106- 110 14/ 355. لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ 114 13/ 233. وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ ... 115 3/ 153. وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا 125 3/ 258- 4/ 187- 11/ 22، 31. وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً ... 128 6/ 34. آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 136 9/ 48. وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا 141 6/ 288. إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ 145 10/ 348. إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ ... دِينَهُمْ لِلَّهِ 145- 146 14/ 341. إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ ... 163 2/ 362- 3/ 106- 4/ 167. لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ 165 4/ 139. لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ 171 11/ 180. يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ 176 4/ 340- 5/ 137، 138 سورة المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ 2 14/ 163، 164. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ 3 2/ 113- 14/ 450، 542، 544. وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي 3 3/ 115. إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... 6 11/ 10. وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا 6 8/ 349. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ... 11 1/ 128- 4/ 118- 8/ 353- 12/ 191. وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ 13 3/ 391- 4/ 218- 14/ 382. فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ 14 5/ 199. قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ 15 10/ 308. فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا ... 24 1/ 199- 4/ 168- 9/ 241، 259
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 33 1/ 273- 3/ 167. ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا 33 14/ 379. يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ 41 1/ 248- 4/ 184- 14/ 84، 87، 88. فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ 42 14/ 89. إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ.. 44 2/ 362- 14/ 84، 87، 88. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 47 14/ 87. فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ 52 4/ 264. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ... 54 14/ 219. وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً 58 14/ 92. وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ 60 4/ 252. يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ 64 4/ 170. غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ 64 4/ 164. يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... 67 3/ 105- 8/ 289، 290، 291، 14/ 450. وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 67 4/ 223- 12/ 88- 13/ 54، 150، 11/ 206. وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا 92 3/ 167. جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ.. 97 3/ 258، 260. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ ... 101 11/ 242، 243، 244. يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ 110 3/ 105. وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ 110 4/ 223. يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ... 112 3/ 108- 4/ 222. قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ.. 115 3/ 218. أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ 116 11/ 192. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ... 118 2/ 243- 3/ 286- 9/ 245
سورة الأنعام
سورة الأنعام وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ... 19 3/ 219. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى 35 11/ 203. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا 45 12/ 258. وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ 52 9/ 106، 114- 11/ 207. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ 53 9/ 114. يَقُصُّ الْحَقَّ 57 4/ 320. هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً 65 12/ 320، 321، 326. وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ ... 75 4/ 189- 11/ 210. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي 76 11/ 210. لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ 77 11/ 208. وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ ... 83 6/ 11- 12. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ... 84- 85 6/ 8. وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ ... 87 6/ 5. أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ 90 2/ 358، 362- 3/ 120. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً 21 93 12/ 252- 14/ 161. وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ 91 96 4/ 332. لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ 103 8/ 289، 290، 293، 296. وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ 108 14/ 325. وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ 112 14/ 323. وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ.. 114 11/ 191. وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ ... 116 11/ 205، 207. وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً ... 129 14/ 445. قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ 140 2/ 363. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ 151 2/ 363. قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... 151- 153 4/ 353. أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ... 152 11/ 10. وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ 155 9/ 39. لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ 158 12/ 194
سورة الأعراف
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي 162 13/ 23 سورة الأعراف يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ 19 3/ 105. فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ ... وَرَقِ الْجَنَّةِ 22 3/ 194. يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ ... 26 8/ 142. خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ 31 3/ 166- 8/ 142. ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ... طَمَعاً 55- 56 11/ 162. إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ 56 3/ 264. كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ 58 4/ 324. إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 60 3/ 111- 4/ 185. إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ 61 3/ 111- 4/ 185. يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ 66 3/ 111- 4/ 185. قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ 67 3/ 111- 4/ 185. يا صالِحُ ائْتِنا بعذاب اللَّه 77 3/ 105، 108. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ 78 3/ 262. وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ 86 8/ 268. لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ 88 11/ 212. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا 89 4/ 278. وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ 130 5/ 373. يَعْرِشُونَ 137 4/ 261. اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ 138 2/ 9، 10- 3/ 108- 4/ 168، 261. قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي 143 8/ 294. يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي 144 3/ 105، 342. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ... الْمُحْسِنِينَ 156 11/ 169. يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ ... 157 3/ 200، 345، 395- 13/ 100. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً 158 3/ 22، 145- 10/ 275. بِعَذابٍ بَئِيسٍ 165 4/ 252
سورة الأنفال
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ 179 6/ 5. خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ 199 2/ 186- 11/ 228. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ 200 11/ 228 سورة الأنفال يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ 1 1/ 111- 3/ 167- 10/ 275- 13/ 145. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ 7 3/ 319- 4/ 217، 231. إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ 9 1/ 99- 4/ 211، 220- 9/ 247- 12/ 138. إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ 12 1/ 100، 108- 3/ 36، 4/ 211. مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 13 3/ 167. وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى 17 1/ 108، 154- 4/ 261- 9/ 278- 13/ 253. إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ 19 1/ 105- 6/ 238- 12/ 140. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ 24 3/ 167- 10/ 204. وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ... 25 13/ 222. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ 27 1/ 248. وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ 30 1/ 57- 5/ 268- 9/ 193. وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ 33 3/ 96. إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ 34 5/ 398. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ ... 36 1/ 131. قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ... 38 14/ 404. وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ 41 1/ 111- 3/ 167- 4/ 326- 13/ 144، 146، 147. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً 47 1/ 89- 12/ 148. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ... 48 11/ 227- 12/ 144، 145، 146، 147. لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ 48 3/ 320
سورة التوبة
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ 58 1/ 122. لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ 63 4/ 385- 9/ 45. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ 64 3/ 105، 401- 4/ 184، 190، 334. إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا.. 65 4/ 230. ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى 67 11/ 225. ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ... طَيِّباً 67- 69 8/ 343. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ ... 70 1/ 80- 12/ 165، 168، 169. الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ 74 9/ 85 سورة التوبة بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ 1 3/ 167. وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ 3 3/ 167. وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ ... 12 14/ 403. وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ... 12 9/ 221. أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا ... مُؤْمِنِينَ 13 14/ 625. الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ 20- 22 9/ 85. قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ... الْفاسِقِينَ 24 13/ 170. لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ... 25 2/ 10. وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... 29 3/ 167. وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ 30 4/ 162، 170. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى ... 33 4/ 230- 14/ 177. إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ ... 37 2/ 119- 14/ 316. إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً 39 12/ 78. إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ... 40 1/ 58. لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا 40 5/ 271. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ 40 11/ 203. عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ 43 3/ 115- 11/ 225. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي ... 49 2/ 49
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... 59 3/ 167. وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ... 61 3/ 167- 14/ 349، 379. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 63 3/ 167. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ 65- 66 2/ 54- 14/ 32. يُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ 71 3/ 167. جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 73 3/ 179. وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ 73 4/ 204. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ 74 2/ 54- 14/ 33، 346، 382، 383. وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ 74 3/ 168. وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ... 75 14/ 350. اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... 80 2/ 90، 232. وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ ... 81 8/ 392. فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ... 81- 82 2/ 49. فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ ... 83 14/ 491. وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ... 84 2/ 231، 232- 11/ 161. وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ ... لا يَفْقَهُونَ 84- 87 2/ 91. وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ 90 3/ 168- 8/ 391. تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ.. 92 8/ 391. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ... 92 3/ 146- 12/ 351. سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ ... 95- 96 2/ 83. وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ 100 9/ 87، 88، 90، 169. وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ 101 10/ 348. وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً 102 1/ 247- 8/ 393. خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ... صَلِّ عَلَيْهِمْ 103 10/ 376- 11/ 161. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً 107 8/ 392- 14/ 362. وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 107 2/ 77. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ... الْمُطَّهِّرِينَ 107- 108 2/ 78
سورة يونس
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ... عَلِيمٌ حَكِيمٌ 107- 110 10/ 76. فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا 108 10/ 72، 74. ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ 113 2/ 363. لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ ... رَحِيمٌ 117 9/ 169. إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 117 11/ 169. لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ... التَّوَّابُ الرَّحِيمُ 117- 118 8/ 393. لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ... مَعَ الصَّادِقِينَ 117- 119 2/ 82. وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً 122 2/ 79. وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ... 124- 125 3/ 97. لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ 128 4/ 184، 204، 244- 11/ 149، 150 سورة يونس وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ 2 3/ 263. كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ 24 4/ 324. وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ... 25 8/ 126. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ ... 28 4/ 181. أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ... 62- 63 5/ 405. رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ 88 9/ 245. فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ ... 93- 94 11/ 190. وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ 95 11/ 190. قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي ... 104- 105 11/ 190. وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ ... 106 11/ 205 سورة هود قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ 13 4/ 140، 180- 9/ 39. وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ 17 3/ 131- 10/ 275. احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ 40 5/ 400- 12/ 204. وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ 42 3/ 105. لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ 43 11/ 182
سورة يوسف
وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي.. 45 12/ 43. إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ 46 5/ 398. فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... 46 11/ 203، 204، 205. يا نُوحُ اهْبِطْ 48 3/ 105. يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ 53 3/ 105، 108. رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ 73 3/ 257- 11/ 170. يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا 76 3/ 105- 4/ 185. أَطْهَرُ لَكُمْ 78 4/ 271. ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ ... 91 3/ 215. فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ 109 11/ 190. إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى ... 114 2/ 21 سورة يوسف لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ 7 6/ 178- 12/ 73- 14/ 93. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ 18 1/ 215. إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 30 11/ 213. رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ 33 4/ 199. لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ 35 4/ 264، 265. فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ 42 11/ 229. فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ 42 14/ 166. وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ 76 11/ 226. يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ 84 4/ 197. لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ... 92 1/ 391، 392- 2/ 233، 234. إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ 95 11/ 213. مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي 100 11/ 228. تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ 101 11/ 4. قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ ... 108 11/ 139. حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا ... 110 11/ 193، 194، 195
سورة الرعد
سورة الرعد اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ... 8 4/ 124. وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ 11 4/ 124. هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ 12 4/ 124. وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ 13 14/ 96. وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ 13 4/ 124. الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ ... 29 8/ 285. وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ... 31 3/ 218، 219. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ 33 2/ 378. كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... 43 3/ 395- 11/ 193 سورة إبراهيم وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ 4 3/ 112، 240- 10/ 274. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ ... 13 11/ 211. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً 28 12/ 134. وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ 28 12/ 124، 279. وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ 35 4/ 190- 11/ 208. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ 36 2/ 243- 3/ 286. فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي ... 36 9/ 245. فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي ... 37 10/ 347. وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ 41 4/ 214. وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ 46 4/ 63. يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ 48 14/ 78 سورة الحجر يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ 6 4/ 185. لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 7 4/ 220. ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً ... 8 3/ 218- 4/ 220
سورة النحل
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 9 3/ 179- 4/ 280، 285- 9/ 44. وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً ... مُبِينٌ 16- 18 5/ 7. قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ 68 14/ 314. لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ 72 3/ 221، 222- 4/ 205. عالِيَها سافِلَها 74 3/ 262. وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ 87 4/ 214. وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ 89 1/ 32. الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ 91 14/ 332. فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ 94 1/ 32. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 95 6/ 149- 14/ 328 سورة النحل وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ 13 6/ 5. وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ ... يَتَوَكَّلُونَ 41- 42 9/ 107، 114. وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ 44 4/ 214. أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ 47 4/ 278. وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ 68 2/ 367، 370. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ.. 90 4/ 347، 354. كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً 92 13/ 242. إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ 103 4/ 186. لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ... 103 9/ 42. إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 106 9/ 107- 14/ 386. ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ... 110 9/ 115. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ 123 2/ 362، 363- 3/ 121. وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ... 126 1/ 168- 4/ 333 سورة الإسراء سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ... 1 3/ 353- 8/ 190، 203، 206، 210، 211، 256، 261، 267. إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً 3 3/ 184- 6/ 5
سورة الكهف
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ... 20 14/ 76. وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً 20 3/ 103. وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى 32 10/ 12. وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ... 45 4/ 116، 188. وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ ... 59 3/ 218، 219، 4/ 219. وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ... 60 8/ 201، 228، 292- 12/ 279. إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ 75 11/ 205، 206. وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ 76 4/ 332. أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... نافِلَةً لَكَ 78- 79 13/ 26- 27. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ 79 3/ 54، 288- 13/ 25، 35. عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً 79 3/ 232، 237، 239، 281، 288، 289، 290، 291. رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ 80 4/ 332. جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ... 81 4/ 188، 200- 5/ 72، 73، 74- 7/ 239- 13/ 380. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ ... 82 3/ 97. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ ... 85 4/ 376، 377. لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا ... 88 4/ 140، 181- 9/ 39. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ 101 14/ 82. إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً 101 3/ 111- 4/ 185. إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً 102 3/ 111- 4/ 185. وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ ... 106 4/ 238 سورة الكهف الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ ... قَيِّماً 1- 2 4/ 377. فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ 6 11/ 198. وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ 24 10/ 324. وَاصْبِرْ نَفْسَكَ 28 4/ 333. وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ 60 11/ 230
سورة مريم
وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ 63 11/ 229. هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً 66 11/ 226. وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً 84- 85 14/ 105. قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ... 109 4/ 376 سورة مريم كهيعص 1 1/ 38- 4/ 365. يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ 7 3/ 106. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا 11 2/ 367. يا يَحْيى 12 3/ 106- 4/ 185. يا يَحْيى 12 3/ 106- 4/ 185. فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا 17 4/ 214. وَرَحْمَةً مِنَّا 21 4/ 214. قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24 4/ 264. وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ 31 11/ 170. وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا 52 4/ 200. وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا 57 4/ 194- 8/ 216. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ 59 12/ 231- 14/ 139. وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 64 11/ 139. وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها 71 9/ 127. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ 72 9/ 127. وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا 97 4/ 63 سورة طه طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى 1- 2 2/ 144، 145. طه ما أَنْزَلْنا ... الْأَسْماءُ الْحُسْنى 1- 8 4/ 359. يا مُوسى 11 4/ 185. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ 12 3/ 222. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا ... 14 8/ 302. وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي 39 4/ 204. وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي 41 3/ 222
سورة الأنبياء
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً 44 4/ 204. لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما 46 11/ 206. إِنْ هذانِ لَساحِرانِ 63 4/ 314. يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى 66 4/ 200. وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى قالَ هُمْ 83- 84 4/ 204. وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى 84 4/ 203. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى ... تَضْحى 118- 119 10/ 351. وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى 121 3/ 105. وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً 131 2/ 286- 13/ 117، 119. أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى 133 4/ 220. وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا 134 4/ 139 سورة الأنبياء فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 7 11/ 193. وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً 11 10/ 12. لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا 22 11/ 193. وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ ... 29 3/ 112، 240. وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ... 34 14/ 510. أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... 67 9/ 245. فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى 87 11/ 199، 200. إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ... 90 11/ 162. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ 107 3/ 96، 104، 217- 4/ 214- 11/ 173. وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ ... 111 5/ 360- 12/ 206 سورة الحج وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ 11 4/ 262، 274. انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ 11 12/ 207. هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ... 19 1/ 105. وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ ... 25 10/ 350
سورة المؤمنون
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ 26 10/ 343. وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا ... 27 3/ 391. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ... 39 1/ 71. أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ... عاقِبَةُ الْأُمُورِ 39- 41 9/ 226. وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ 40 4/ 217. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ... 52 11/ 228. فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ 52 4/ 282. يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ 55 12/ 135. لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ 59 4/ 217. وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ 78 12/ 203 سورة المؤمنون قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ 1 2/ 192- 3/ 47. قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ... أَحْسَنُ الْخالِقِينَ 1- 14 8/ 269. أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ 64 12/ 135. وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا 76 12/ 78. فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ ... 101 10/ 283. أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً 115 3/ 157 سورة النور الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما 2 10/ 13. إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ 11 1/ 215. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ 15 4/ 319. وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ 15 14/ 390. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ 25 13/ 242. وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 54 3/ 312- 4/ 205. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ 55 4/ 220، 231- 9/ 41- 14/ 179. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 62 3/ 167. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ... 56 11/ 9
سورة الفرقان
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 62 9/ 48- 11/ 259. لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ 63 3/ 108، 109، 163- 9/ 49- 10/ 201- 11/ 168. فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ... 63 3/ 153، 155، 163 سورة الفرقان تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ 1 11/ 170. وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ ... 3 11/ 161. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ 4 4/ 186. أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها 5 4/ 231. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ ... 6 4/ 186. لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى 7- 8 4/ 220. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ 27 14/ 327. وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ ... خَذُولًا 27- 29 12/ 164- 165. وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ 31 14/ 323. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ... 32 4/ 237. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً 33 4/ 238. وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً 38 12/ 293. أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ 43 14/ 324. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ ... 54 6/ 189. الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً 59 11/ 191. ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ 77 11/ 161. فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً 77 12/ 135- 14/ 170 سورة الشعراء يَضِيقُ صَدْرِي 13 4/ 271. فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ 20 11/ 214. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ 70 11/ 208. أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ... رَبَّ الْعالَمِينَ 75- 77 11/ 208. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ 82 4/ 189
سورة النمل
وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ 84 4/ 190- 10/ 369. وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ 87 4/ 190. كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ 105 10/ 276. كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ 123 10/ 276. كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ 141 10/ 276. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ 193 9/ 331. أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ 197 4/ 220. وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ 214 1/ 32- 3/ 219- 4/ 109- 5/ 174، 175، 176. الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ 218- 219 5/ 308. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... يَنْقَلِبُونَ 227 10/ 41 سورة النمل طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ 1 14/ 67. وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ 14 4/ 93. يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ 16 4/ 211. قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ 18 4/ 211. وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ 20 4/ 211. إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً ... بِهَدِيَّةٍ 34- 35 5/ 388. قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى 59 4/ 213 سورة القصص وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى 7 2/ 370. فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ 15 3/ 105. هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ 15 11/ 229. إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ 16 3/ 112. رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً 33 3/ 112. أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً ... 34 3/ 215- 4/ 206. وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا 46 3/ 339، 340. وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا 57 14/ 337
سورة العنكبوت
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ 85 4/ 198، 332. كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ 88 12/ 177 سورة العنكبوت وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ 13 6/ 234. وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ... النُّبُوَّةَ 27 4/ 195. وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ... 48 13/ 102، 106. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ ... 51 3/ 218- 4/ 220- 11/ 173 سورة الروم الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ... 1- 3 4/ 231. الم غُلِبَتِ الرُّومُ ... فِي بِضْعِ سِنِينَ 1- 4 4/ 217، 220. الم غُلِبَتِ الرُّومُ ... وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 1- 5 14/ 165، 168، 170، 171. وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ... فِي بِضْعِ سِنِينَ 3- 4 9/ 41- 42. يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ... 7 11/ 216- 12/ 207. وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا ... عِنْدَ اللَّهِ 39 13/ 118 سورة لقمان إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 18 11/ 7 سورة السجدة أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ... 18 13/ 217. وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى 21 12/ 135. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ 23- 24 4/ 95. وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ ... يُنْظَرُونَ 28- 29 12/ 135 سورة الأحزاب اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ 1 11/ 205. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ 5 6/ 306- 10/ 207
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ 6 3/ 132- 10/ 211، 257- 13/ 56، 169. وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ... 7 3/ 106- 5/ 392- 11/ 207. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ 9 1/ 243- 4/ 192- 11/ 387. وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ 10 4/ 206. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ... شَدِيداً 10- 11 1/ 232. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ... 12 13/ 293- 14/ 351. إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ 13 11/ 386- 14/ 352. وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ... 14 12/ 244- 14/ 152. قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ ... 18 4/ 218. فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ ... 19 4/ 63. لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... 21 3/ 154، 155، 158. هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ 22 13/ 293. مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ 23 4/ 246. وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ... 25 8/ 355- 13/ 178. وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها 27 4/ 217. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... أَجْراً عَظِيماً 28- 29 13/ 63، 64، 68، 70، 74. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... تَطْهِيراً 28- 33 10/ 237. يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ ... وَالْحِكْمَةِ 32- 34 5/ 387، 397. إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ... 33 3/ 208- 4/ 190- 5/ 383، 384، 385، 386، 387، 388، 391. وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ 34 4/ 284. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 36 3/ 167. وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ... 37 3/ 168- 8/ 289- 10/ 207، 208، 209، 210، 213. وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ 37 10/ 206. فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً 37 3/ 156- 6/ 61- 10/ 241. ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ 38 10/ 212، 213
سورة سبإ
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ... 40 2/ 143- 3/ 106- 6/ 306- 10/ 207. وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ 40 4/ 314. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ 43 10/ 380- 11/ 162، 163. وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً 43 3/ 179- 11/ 169. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ... 45 1/ 201- 3/ 105- 4/ 214، 354- 10/ 308. إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ 50 6/ 104- 10/ 192، 196، 210، 240- 13/ 74، 76. وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ 50 6/ 91. تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ 51 10/ 204، 223، 235، 237. وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ 51 6/ 93، 118، 119. ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ... 51 13/ 66. لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ 52 4/ 260- 6/ 118، 119- 10/ 92. وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ 52 13/ 72، 74. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ ... 53 6/ 60. وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ... 53 5/ 395- 10/ 257، 258. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ 56 10/ 368، 371، 374- 11/ 26، 42، 96، 99، 106، 142، 147، 164، 169- 14/ 614، 618. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً 56 11/ 2625. إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ 57 3/ 167- 14/ 379. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ ... تَبْدِيلًا 60- 62 14/ 384. مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا 61 14/ 379. يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا 66 3/ 135. فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا 69 4/ 168 سورة سبإ وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا 10 4/ 207
سورة فاطر
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ ... 13 4/ 211. لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ ... صَبَّارٍ شَكُورٍ 15- 19 9/ 171. رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا 19 4/ 271. قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ 22 11/ 161. حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ 23 5/ 11. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ... 28 3/ 112، 240- 4/ 214. وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ 39 8/ 268 سورة فاطر فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ 1 4/ 278. وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ 24 10/ 274. أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ 37 12/ 262 سورة يس يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ 1- 2 1/ 57- 3/ 223. يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 1- 3 4/ 120، 121. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 2- 3 3/ 223. يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ... لا يُبْصِرُونَ 1- 9 9/ 196. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 3 2/ 145. إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا ... 8 4/ 188. فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ 9 1/ 57- 4/ 121، 188. وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ... 10 4/ 120. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها 38 4/ 329. وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ 69 3/ 111- 4/ 185، 228- 13/ 93، 94، 96، 97، 98، 99. قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ 78 4/ 189- 14/ 327 سورة الصافات وَالصَّافَّاتِ صَفًّا 1 4/ 356. إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ ... ثاقِبٌ 6- 10 5/ 7
سورة ص
أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ 36 4/ 185. إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ... الشَّياطِينِ 64- 65 6/ 233، 234. كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ 65 11/ 229. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ ... 78- 79 10/ 368، 339، 370. إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ 84 11/ 208. إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ 102 4/ 191- 13/ 182، 192. سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ 102 4/ 190. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ... الْمُحْسِنِينَ 108- 110 3/ 258. وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ 113 3/ 257. سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ 130 5/ 373. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ 142 11/ 200. فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ... يُبْعَثُونَ 143- 144 11/ 199. فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ... يَزِيدُونَ 145- 147 11/ 199. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ 172 3/ 115 سورة ص وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ ... أَوَّابٌ 17- 19 4/ 207. وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا ... لَهُ ذلِكَ 21- 25 3/ 112. لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً 23 4/ 272. يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ 26 4/ 185- 3/ 105. وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ 34 3/ 105. رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً 35 4/ 209- 11/ 227. أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ 41 11/ 229. قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ... 86 12/ 73، 74 سورة الزمر وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ... 3 14/ 330. ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى 3 11/ 191
سورة غافر
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ 30 12/ 177- 14/ 412، 510، 511، 556، 560، 561. حَسْبِيَ اللَّهُ 38 4/ 190. قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ 53 4/ 332- 9/ 190. أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.. 64 5/ 36. لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ 65 11/ 190، 205، 206 سورة غافر لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ 10 1/ 100. وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ 28 5/ 272- 8/ 248. أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ 46 5/ 373، 393، 11/ 25. وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ 60 11/ 161 سورة فصلت حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... نَذِيراً 1- 4 4/ 341، 342، 343. وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ ... 23 14/ 496. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ ... 33 11/ 138. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 34 13/ 59- 14/ 383. إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ ... حَمِيدٍ 41- 42 9/ 39، 331. قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ... 44 3/ 97 سورة الشورى شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً 13 2/ 362. إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 23 3/ 212، 213- 11/ 179. فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ 24 11/ 205، 206. وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ 38 2/ 280. وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً ... 51 2/ 370- 8/ 289، 290، 297، 303. ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ... 52 2/ 347، 358- 11/ 214، 215
سورة الزخرف
سورة الزخرف جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 3 4/ 265. سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا ... لَمُنْقَلِبُونَ 13- 14 7/ 214- 8/ 155، 156. وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ 28 6/ 22. وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ ... 31- 32 14/ 325. فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ 41 3/ 96، 220. وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ 44 4/ 214. وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا 45 8/ 281- 11/ 191. أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ... 52 3/ 215. بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 58 4/ 63 سورة الدخان فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ 10 5/ 15- 12/ 74. فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ ... عَذابٌ أَلِيمٌ 10- 11 4/ 203. يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ 16 12/ 74. إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ 43- 44 4/ 269. إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ... كَغَلْيِ الْحَمِيمِ 43- 46 6/ 232 سورة الجاثية لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ ... 16- 17 4/ 195. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 29 4/ 282 سورة الأحقاف قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ 10 14/ 77. وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ 10 4/ 333، 339. وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما 17 12/ 277. وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ... 29 4/ 210. وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ... عَذابٍ أَلِيمٍ 29- 31 8/ 307. وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ... ضَلالٍ مُبِينٍ 29- 32 9/ 70- 71
سورة محمد
يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ ... 30 5/ 12. مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ... 30 9/ 73. أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ 31 4/ 6. وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ 31 9/ 74. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ ... 32 9/ 74 سورة محمد وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ ... 2 3/ 106. وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ 17 3/ 101. وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ 19 2/ 173. فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ 22 14/ 445. إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ ... يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ 25- 26 4/ 219. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ 35 4/ 194 سورة الفتح إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً 1 1/ 299، 300. إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً ... وَما تَأَخَّرَ 1- 2 3/ 112، 113، 240. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ... 2 4/ 190. وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً 3 3/ 115. إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً 8 3/ 122. إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ 10 3/ 222- 11/ 14. وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا ... 13 3/ 122. سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ ... 15 14/ 491. قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ ... 16 4/ 217، 491. لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ ... 18 9/ 89. فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ 18 13/ 61. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً ... 20 1/ 320- 5/ 105. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ ... 21 4/ 217. وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ... بَصِيراً 24 2/ 3، 233- 9/ 14
سورة الحجرات
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا ... 27 4/ 198، 231- 9/ 21- 13/ 354. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ 28 3/ 216- 9/ 41. مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ 29 2/ 139، 145- 3/ 106. رُحَماءُ بَيْنَهُمْ 29 2/ 162 سورة الحجرات يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا ... 1 10/ 281. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا ... 2 14/ 379، 616. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا ... غَفُورٌ رَحِيمٌ 2- 5 2/ 41. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ ... 6 2/ 42- 13/ 217. حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ... 7/ 3/ 101. وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ... 13 3/ 208، 213. يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا ... 17 2/ 89 سورة ق ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 1- 2 4/ 279. وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ 10 4/ 279. وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ 19 4/ 273، 328. لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما ... 38 4/ 167 سورة الذاريات هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ ... 24 14/ 314. ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ 42 3/ 262- 4/ 192 سورة الطور إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ 7- 8 4/ 353. فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ 29 3/ 111. أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ ... 33- 34 4/ 235
سورة النجم
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ ... الْمُصَيْطِرُونَ 35- 37 4/ 351، 352 سورة النجم وَالنَّجْمِ إِذا هَوى 1 12/ 119، 120. وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ... آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 1- 18 8/ 282. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى 2 3/ 111- 9/ 82. وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى 3- 4 3/ 114- 4/ 145، 10/ 299- 11/ 223. دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 8- 9 4/ 189- 12/ 117، 118. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى 9 3/ 39. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى 10 8/ 227، 284، 286. ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى 11 3/ 39، 42. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً 13 3/ 42. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى 13- 14 8/ 228، 284، 287. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى 16 8/ 250، 285. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى 18 3/ 39. فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا 29 4/ 186. أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى 33 4/ 332 سورة القمر اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ 1 4/ 219- 5/ 17، 20، 21، 23، 24، 25. اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ... مُسْتَمِرٌّ 1- 2 5/ 17. إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ 2 5/ 18. أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ 10 4/ 183. إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ 34 5/ 293. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 45 8/ 341- 12/ 137. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ 46 4/ 244- 12/ 137
سورة الرحمن
سورة الرحمن يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ 33 4/ 33- 9/ 73 سورة الواقعة فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ 8 3/ 208. وَالسَّابِقُونَ 10 3/ 208. طَلْحٍ مَنْضُودٍ 29 4/ 272، 325. إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً ... عُرُباً أَتْراباً 35- 37 2/ 254. لِأَصْحابِ الْيَمِينِ 38/ 3/ 208. أَصْحابُ الشِّمالِ 41 3/ 208. ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ... زَقُّومٍ 51- 52 6/ 233. فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ ... 75- 76 4/ 238. فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ... لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ 75- 77 5/ 388. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ ... رَبِّ الْعالَمِينَ 77- 80 9/ 39 سورة الحديد سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... أَجْرٌ كَبِيرٌ 1- 7 9/ 103. آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 7 11/ 9. لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ ... 10 9/ 117، 120- 13/ 323، 325. لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا 13 4/ 269. وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ 23 14/ 217، 218 سورة المجادلة وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ 8 14/ 379. حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ 8 14/ 379. لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... 22 13/ 180 سورة الحشر ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً ... 5 8/ 359
سورة الممتحنة
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى ... 7 1/ 191- 4/ 326- 13/ 145، 146، 153. وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ ... 7 3/ 132، 133، 165- 9/ 49. لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ 8 9/ 86- 11/ 180. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ ... 9 9/ 204- 11/ 180- 13/ 179. وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ... 10 11/ 181. إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ 16 14/ 364 سورة الممتحنة قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ ... 4 3/ 154. عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ ... 7 6/ 66- 10/ 263. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ ... 10 1/ 303، 353- 9/ 13. فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ 10 6/ 288، 289. وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 10 1/ 303. وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ ... 11 9/ 15 سورة الصف وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ 6 3/ 105. وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ 6 2/ 139، 145، 389. كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ 14 9/ 169 سورة الجمعة ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ... 4 11/ 160. فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً 6- 7 4/ 220. إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ 9 11/ 9. فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ 9 4/ 272، 328 سورة المنافقون إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ 1 1/ 209. لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ 8 14/ 343، 382
سورة التغابن
فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ 10 4/ 314 سورة التغابن فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا 8 3/ 122. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ 11 4/ 230. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ 12 11/ 9 سورة الطلاق إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ 1 13/ 63. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً 2 4/ 230. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ 3 4/ 230. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ... أَجْراً 3- 4 14/ 35 سورة التحريم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... 1 6/ 50، 51. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ 2 10/ 337. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً 3 6/ 50. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ ... 4 5/ 405- 6/ 50- 13/ 68. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ 8 4/ 190. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ 9 14/ 384. وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ 12 4/ 260 سورة الملك تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ 1 11/ 152، 170. وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ 5 5/ 7 سورة القلم ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ 2 4/ 186. وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 2/ 186، 192، 207. وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ... عَلَى الْخُرْطُومِ 10- 16 14/ 326
سورة الحاقة
وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى ... مَذْمُومٌ 48- 49 11/ 200، 201 سورة الحاقة وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ 41 3/ 111. وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ 44 11/ 206. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 11/ 205 سورة المعارج وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ 13 6/ 13. كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى ... فَأَوْعى 15- 18 5/ 297. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ 32 4/ 261 سورة نوح رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً 26 9/ 245 سورة الجن قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ 1 8/ 307. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... بِرَبِّنا أَحَداً 1- 2 4/ 210- 5/ 10. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... رَبُّهُمْ رَشَداً 1- 10 5/ 4. قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... جَهَنَّمَ حَطَباً 1- 15 9/ 74. وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ ... 6 4/ 31. وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً 8 5/ 9. أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ... رَصَداً 9 4/ 220- 5/ 9. لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ ... رَشَداً 10 5/ 13. وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ... لِبَداً 19 2/ 145. إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ 22 9/ 79
سورة المزمل
عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً 26 8/ 291 سورة المزمل يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 1 3/ 56- 5/ 185- 12/ 135- 13/ 29. يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ ... أَوْ زِدْ عَلَيْهِ 1- 4 13/ 26، 30. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا 5 2/ 378، 384- 3/ 47، 52. إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً ... 6 4/ 279. إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا 7 13/ 31. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ 11 12/ 135. إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ... 20 3/ 54- 13/ 26، 28، 30. عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ 20 3/ 56. وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً 20 14/ 368 سورة المدثر يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1 4/ 184. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ 1- 3 4/ 336، 338. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ... فَطَهِّرْ 1- 4 1/ 31. يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ... فَاهْجُرْ 1- 5 3/ 12، 13، 14، 30، 31. وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ 6 13/ 116، 118. ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً 11 4/ 347، 348- 14/ 324. وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً ... 31 14/ 325 سورة القيامة لقيامة لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ... قُرْآنَهُ 16- 18 9/ 43، 44. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 18 4/ 225. أَوْلى لَكَ فَأَوْلى 34 9/ 44 سورة الإنسان فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا 18 14/ 78
سورة المرسلات
وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً 24 11/ 110 سورة المرسلات وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً 1 14/ 459، 462 سورة عبس كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ... كِرامٍ بَرَرَةٍ 11- 16 9/ 39 سورة التكوير وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ 9 2/ 363. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ 20 4/ 211. وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ 23 3/ 42 سورة المطففين وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا ... يُخْسِرُونَ 1- 3 9/ 203. كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ 15 8/ 294. فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ 34 11/ 209 سورة البروج بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 21- 22 9/ 39. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ 22 4/ 261 سورة الطارق وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ 1 1/ 140 سورة الأعلى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 1 4/ 245- 13/ 42 سورة الفجر وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ 16 11/ 201
سورة البلد
لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ 25- 26 4/ 319، 320 سورة البلد لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ 1- 2 1/ 399- 3/ 222 سورة الليل وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى 8- 9 6/ 234. وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى 17- 18 1/ 36 سورة الضحى وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى 1- 3 4/ 205. وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ 4- 5 4/ 205. وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى 5 4/ 204. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى 7 2/ 358- 11/ 213، 214 سورة الشرح أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 3/ 33- 11/ 193. أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ... لَكَ ذِكْرَكَ 1- 4 11/ 118. وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ 4 3/ 259- 4/ 190، 194- 9/ 48 سورة العلق اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 2/ 384- 3/ 19، 23، 28، 30، 53- 4/ 290، 336- 5/ 13- 11/ 197. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... مِنْ عَلَقٍ 1- 2 4/ 126. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... ما لَمْ يَعْلَمْ 1- 5 1/ 30، 31، 32- 3/ 3، 16، 25، 32، 4/ 337، 338. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ... وَاقْتَرِبْ 1- 19 9/ 75. كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى 6- 7 4/ 126. أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى 9- 10 6/ 231
سورة القدر
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى 11 6/ 231. إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى 13 4/ 126. فَلْيَدْعُ نادِيَهُ 17 4/ 126. سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ 18 4/ 126 سورة القدر إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ 1 4/ 237. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ... أَلْفِ شَهْرٍ 1- 3 5/ 360- 12- 274 سورة الزلزلة بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها 5 2/ 367 سورة العاديات وَالْعادِياتِ ضَبْحاً 1 3/ 222 سورة القارعة كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ 5 4/ 272 سورة العصر وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ 1- 2 4/ 322- 14- 445 سورة الفيل أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ ... كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ 1- 5 4/ 63، 67. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ 3/ 4/ 83
سورة قريش
سورة قريش لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 1 4/ 64. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ 3- 4 4/ 65 سورة الكوثر إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 1 4/ 236- 5/ 360- 12/ 274. إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 3 5/ 333- 14/ 328 سورة الكافرون قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ 1 2/ 108- 13/ 42- 14/ 325 سورة النصر إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ 1 2/ 127- 4/ 217- 9/ 86- 14- 414، 416، 417، 418. إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ ... إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً 1- 3 2/ 324 سورة المسد تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ 1 4/ 109، 115. تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ... مِنْ مَسَدٍ 1- 5 6/ 258 سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 2/ 108- 5/ 244- 11/ 145- 13/ 42- 14/ 46، 47 سورة الفلق قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 1 11/ 134
فهرس أطراف الأحاديث
فهرس أطراف الأحاديث حرف الالف طرف الحديث الجزء/ الصفحة ائت الميضأة فتوضأ 11/ 326، 327. ائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم 14/ 453. ائته، فإن وافقته حياً فأقتله 14/ 97. ائتوا روضة كذا تجدون بها امرأة 9/ 123- 13/ 376. ائتوني بأعلم رجلين منكم 14/ 87. ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا 2/ 132- 14/ 449. ائتوني بشيء من الماء 11/ 319. ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده 14/ 447. ائتوني بكتف والدواة واللوح أكتب لكم كتابا 14/ 448. ائتوني به 5/ 51. ائتوني بوضوء 1/ 83. ائذن له وبشره بالجنة 6/ 355- 13/ 197. ائذني لي أتعبد في هذه الليلة 4/ 213. ائذنوا له حية أو ولد حية 12/ 278. ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة 10/ 213، 216. ائذنوا له فبئس أخو العشيرة 2/ 245. أبا عبد اللَّه، ما يجلسك إليهن؟ 2/ 256. أبا وهب، هل لك العام تخرج معنا 2/ 48. إبراهيم خليل اللَّه، وموسى كلمه اللَّه تكليما 3/ 226. ابسط رجلك 13/ 309. ابسط رداءك 11/ 250. ابسط كساءك 5/ 278- 6/ 318. ابسطوا أنطاعكم وعباءكم 5/ 148
أبشر أتاني جبريل وأخبرني أن حمزة 1/ 168. أبشر بخير يوم مر عليك 2/ 82. أبشر يا أبا بكر أتاك اللَّه بالنصر 4/ 211. أبشروا بنصر اللَّه وعونه 1/ 232. أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسرت 1/ 311. أبشروا، فو اللَّه لأنا بكثرة الشيء أخوفني عليه 14/ 192. ابغني حجارا استنفض بها 9/ 80. ابغوني حصيات 2/ 68. أبك جنون؟ 10/ 16. أبكى الّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء 9/ 247. ابن أبي العاص؟ 11/ 323. ابن الأشرف نزل على آل فلان 12/ 181. ابنك هذا؟ 7/ 66. ابنك ويشهد أصحاب النبي 6/ 53. ابنه خير منه 14/ 344. ابنوا عريشا كعريش موسى 10/ 88. ابنو لي منبرا 5/ 49. أبو الجبابرة الأربعة 12/ 279. أبو هريرة وعاء العلم 11/ 251. أبوك حذافة 6/ 49- 11/ 240، 241، 243. أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ 7/ 371. أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا 14/ 61. أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا 14/ 62. أتاني آت عليه ثياب بياض 2/ 343. أتاني آت من ربي فقال ما من عبد يصلي 11/ 51. أتاني آت من عند ربي فخيرني 3/ 264. أتاني جبريل عليه السلام بقدر فأكلت منها 6/ 126. أتاني جبريل بقدر يقال له الكفيت 6/ 126. أتاني جبريل في خضر معلقا به الدر 3/ 40
أتاني راعي الجن وآثار نيرانهم 9/ 77. أتاني الليلة ربي في أحسن صورة 8/ 129، 130. أتحب أن أريك آية؟ 5/ 37. أتحب ذلك؟ 5/ 115. أتحبه لأمك؟ 2/ 242. أتدرون أي الخلق أفضل إيماناً؟ 12/ 338، 339. أتدرون أي يوم أعظم حرمة؟ 10/ 343. أتدرون ما يقول هذا البعير؟ 5/ 259. أتدري على من استعملتك؟ 2/ 36. أتدري من ذلك الرجل؟ 12/ 247- 14/ 155. اتركوا الحبشة ما تركوكم 12/ 311. أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى 10/ 26. أتشهد أني رسول اللَّه؟ 3/ 365- 14/ 90. أتعجبون من هذا الطائر؟ 1/ 200- 5/ 275. اتّق اللَّه وأمسك عليك زوجك 10/ 206، 208، 209. اتقوا اللَّه، فإن تقوى اللَّه خير ما تواصى به 14/ 486. اتقوا النار ولو بشق تمرة 14/ 59. أتقولون هو أضل أم بعيره؟ 10/ 217. أتموا الركوع والسجود 5/ 307. أتموا الصفوف فإنّي أراكم خلف ظهري 5/ 305. أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنّا سفر 2/ 104. أتى بفرس فحمل عليه 8/ 267. أتى الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي 9/ 33. أتى بالبراق وهو دابة أبيض طويل 8/ 214. أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل 8/ 275. أتيت على موسى ليلة أسرى بي عند الكثيب الأحمر 8/ 249- 10/ 304. أتيت فانطلقوا بي إلى زمزم فشرح عن صدري 3/ 35- 8/ 219. أتيت في أهلي فأتى بي إلى زمزم 3/ 37. أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق 5/ 256، 58- 14/ 215
أثمّ بينة؟ 5/ 264. أجدت لا يفضض اللَّه فاك 11/ 373. أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا 14/ 507، 562. أجرت نفسي من خديجة سفرتين بقلوص 8/ 186. اجعله في إناء ثم ائتني به 5/ 90. أجل 5/ 69- 7/ 212. أجل أتاني آت من ربي عز وجل 11/ 44. أجل أم العيال وربة البيت 6/ 33. أجل إنه أتاني جبريل آنفا فقال يا محمد 11/ 44. أجل إنها صلاة رغبة ورهبة 12/ 323. أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم 14/ 513. أجل إني أوعك وعك رجلين منكم 10/ 366. أجل فافعلوا 10/ 171. أجل يا عائشة هذا ملك الموت جاءني 14/ 505. اجلس يا أبا حفص فقد كاد الحليم أن يكون نبيا 5/ 246. اجلسوا 2/ 160. اجلسوا باسم اللَّه 5/ 170. أجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود 8/ 45. أجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة 5/ 143. أجيبوا جابر يدعوكم 1/ 229- 5/ 156. أحابستنا هي؟ 2/ 120. أحبوا اللَّه لما يغذوكم به من نعمة 11/ 178. احتجم 8/ 60. احتفظي عليك بهذا الأسير 1/ 267. احتلبوا هذا اللبن بيننا 5/ 217. أحد جبل يحبنا ونحبه 14/ 42. أحذركم سبع فتن تكون بعدي 13/ 4. احذروا ما نزل بقريش وأسلموا 8/ 346. أحسن هذا 10/ 83
طرف الحديث الجزء/ الصفحة أحسنت 4/ 267. أحسنت إليك 2/ 235. أحسنت وقبلت ذلك 1/ 219. أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا 11/ 46، 47. أحسنتم، إنه لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح 2/ 57- 6/ 361. أحصوا كم تلفظ بالإسلام 9/ 346. أحصى ما يخرج منها 14/ 42. أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء اللَّه 14/ 43. أحضروا المنبر 11/ 72. احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين 1/ 174. احفظي ما خرج منها حتى نرجع إليك 14/ 44. أحق ما بلغني عنك؟ 10/ 16. أحكم بينكم، أما أنت يا زيد فمولى اللَّه ورسوله 1/ 333. احلب لي العنز 5/ 226. احمل فإنما أنت سفينة 6/ 319. احموا لنا ظهورنا، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا 1/ 141- 9/ 228. أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس 2/ 375، 383- 3/ 45. أخبركم بما سألتم عنه غدا 4/ 377. أخبرنا عن قريش؟ 1/ 96. أخبرني بهن جبريل آنفا 14/ 74. أخبرني جبريل عليه السلام أن هذا يقتل بأرض العراق 8/ 129- 12/ 239- 14/ 147. أختاره أن أغرسه في الجنة 5/ 52. أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان 13/ 364. أخذ الراية زيد فأصيب 13/ 362. أخذنا فألك من فيك 2/ 274، 309. آخر زادك من الدنيا ضيح من لبن 12/ 199. آخر شراب تشربه من الدنيا شربة لبن 12/ 199. أخر عني يا عمر، فإنّي خيرت فاخترت 2/ 90، 232. اخرج عدو اللَّه أنا رسول اللَّه 5/ 40، 263، 395- 11/ 321
اخرج عني من عندك 7/ 228- 9/ 197. اخرج يا شيطان من صدر عثمان 11/ 253، 325. أخرجا ما تصررانه 5/ 379- 9/ 286. أخرصوها 2/ 54. آخركم موتا في النار 14/ 132، 133. آخركم موتا في الناس فيهم سمرة بن جندب 12/ 223- 14/ 131. اخسأ فلن تعدو قدرك 5/ 16. أخضبها بالحناء 8/ 60. أدخل 2/ 254. أدخل نفرا من أصحابي عشرة 5/ 167. أدخل يا عوف 13/ 191. أدخل يدك 2/ 173. أدخلهم 1/ 359. أدرك القوم فإنّهم قد اخترقوا 2/ 53- 14/ 32. أدركا امرأة قد كتب معها حاطب كتابا 13/ 376. أدركه فخذ الراية منه 8/ 386. أدركهما فارتجعهما وبعهما جميعا 2/ 248. ادع أصحابك من أصحاب الصفة 5/ 172. ادع لي أسامة بن زيد 14/ 365. ادعهما 12/ 4. أدعو اللَّه أن يشفيه ويثبت به 11/ 311. أدعو إلى اللَّه عز وجل والإسلام 5/ 38. أدعو إلى اللَّه وحده لا شريك له 9/ 98. ادعوا إليّ عثمان بن طلحة 1/ 394. ادعوا إليّ محمية بن جزء 5/ 381. ادعوا لي ادعوا لي 5/ 386. ادعوا لي عثمان 13/ 384. ادعوا لي عليا 14/ 482. أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه 4/ 353
ادعى زوجك 12/ 65. ادعي لي أباك أبا بكر، وأخاك حتى أكتب كتابا 14/ 209، 210. ادعى لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا 14/ 290. ادن فتعش 11/ 71. ادن مني 11/ 339، 346. ادن مني، والّذي بعثني بالحق نبيا لأدعون لك بدعوة 11/ 315. ادنوا 5/ 176. ادني يا فاطمة 11/ 277. أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم 7/ 279. أدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول عار وشنار 1/ 318. إذا أبردتم إليّ بريدا فأبردوا حسن الوجه 2/ 274، 308. إذا اتخذ الفيء دولا، والأمانة مغنما 12/ 381. إذا أتيتموها فألقوها واحدة واحدة 5/ 135. إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران 14/ 450. إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر اللَّه 1/ 120. إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق 12/ 203. إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة 12/ 381. إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه 7/ 386. إذا أصاب أحدكم الحمى 8/ 22. إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي 14/ 556. إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء 7/ 363. إذا أقبلوا برايات سود من عقب خراسان 12/ 296. إذا أمن الرجل الرجل على دمه 12/ 251- 14/ 159. إذا أنتم صليتم عليّ فقولوا اللَّهمّ صل على محمد 11/ 20. إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا 12/ 276. إذا بلغت بنو أمية أربعين 12/ 275، 278. إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه 10/ 320. إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل 3/ 252- 11/ 39. إذا جاء الرطب فهنئني 7/ 318
إذا جلست في صلاتك فلا تتركن الصلاة عليّ 11/ 112. إذا جمع اللَّه الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد 10/ 341. إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم 4/ 145. إذا حم أحدكم فليشن الماء البارد ثلاث 8/ 23. إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد اللَّه 11/ 125. إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم عليّ 11/ 127. إذا دخلت منزلك فسلم إذا كان فيه أحد 11/ 145. إذا رأيته هبته 4/ 216. إذا رفع أحدكم رأسه من آخر السجود فقد مضت صلاته 11/ 95. إذا سألتني إني لفي صحراء 3/ 33. إذا سمعتم بناس يأتون من قبل المشرق 12/ 390. إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول 11/ 50، 121. إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه 11/ 54. إذا صليتم عليّ فصلوا على أنبياء اللَّه 10/ 371. إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة 12/ 381. إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني ويصل عليّ 11/ 148. إذا عطب شيء منها فخشيت عليه موتا فانحره 7/ 254. إذا عطس أحدكم فليضع كفه على وجهه 2/ 258. إذا فتح اللَّه عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندا 14/ 185. إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل 11/ 144. إذا فرغت فآذنا 2/ 232. إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما 9/ 212. إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا 1/ 345. إذا قضى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها 5/ 6. إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد للَّه صالح 5/ 394. إذا كان يوم القيامة قيل يا أهل الجنة غضوا 4/ 195. إذا كان يوم القيامة كان لواء الحمد بيدي 3/ 236. إذا كان يوم القيامة كنت إمام الناس يوم القيامة 3/ 236. إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم 3/ 290
إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجب 4/ 195. إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما 9/ 212. إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ 14/ 26. إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتها أبناء الملوك 12/ 319. إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم 12/ 138. إذا منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها 12/ 313- 14/ 193. إذا نسيتم شيئا فصلوا عليّ تذكروه إن شاء اللَّه 11/ 146. إذا نكح الوليان فالأول أحق 6/ 74. إذا هجرتموني فأمسكوا عني 14/ 583- 584. إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده 12/ 131، 132- 14/ 187، 188. إذا وزنت فأرجح 7/ 16. إذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنها إلى يوم القيامة 12/ 322. إذا يخزيك اللَّه 14/ 3. إذا يكفيك اللَّه ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك 11/ 136. أذقت أول قريش عذابا ووبالا 12/ 81. إذن تخمشك النار، فإن شفاعتي لكل هالك من أمتي 3/ 293. أذنت للناس في نحر حمولتهم يأكلونها 5/ 151. إذنك عليّ أن ترفع الحجاب 6/ 356. اذهب إلى يهود بني النضير فقل لهم 1/ 188. أذهب الباس رب الناس 8/ 51- 11/ 336، 337، 338. اذهب به فقد أجرته 1/ 360. اذهب فادع لي بثلاثين من أشراف الأنصار 5/ 179. اذهب فادع لي معاوية 12/ 112، 113. اذهب فبيدر كل تمر على ناحية 5/ 198. اذهب فخذ جارية 6/ 88- 13/ 139. اذهب فردهم 10/ 136. اذهب فصنف تمرك أصنافا 5/ 198. اذهبا فإن أدركتماه فاقتلاه 14/ 97
أذهبتم من عندي جميعا وجئتم مفرقين 1/ 78. اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم 7/ 12. اذهبوا به إلى فلانة فإنّها كانت صديقة خديجة 2/ 225. اذهبوا بهذه الحصيات إلى بئركم 5/ 135. اذهبوا فقولوا لها فتأكل سمنها 2/ 230. اذهبي إلى الأنصار 11/ 389. اذهبي فإنّا لم نأخذ من مالك شيئا 5/ 103. أراد القوم الصلح 1/ 291. أرأيت إن صرعتك تعلم أن ذلك حق؟ 12/ 84. أرأيت لو دعوت هذه العذق من هذه النخلة 5/ 37. أرأيت ما تلقى أمتي من بعدي 12/ 325. أرأيتكم ليلتكم هذه؟ 12/ 288، 289. أرأيتم إن قتلت أم قرفة؟ 1/ 271. ارجع 1/ 82. ارجع إلى سيدتك، لا تقتل معي فتدخل النار 2/ 51. ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري 4/ 370. ارجع إلى مكانك 5/ 36. ارجع فاحجج مع امرأتك 9/ 349. ارجع فإنك لم تصنع شيئا 14/ 13. ارجع معه فإنه يوشك أن يهلك 12/ 394. ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم 2/ 247. ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم وبروهم 2/ 248. أرجو أن تجدوا الخبر عند هذا القليب 1/ 96. أرسلت إلى الجن والإنس وإلى كل أحمر وأسود 3/ 330. أرسلك أبو طلحة؟ 5/ 165. أرسله يا عمر 4/ 251. أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة 2/ 226. أرض المنشر والمحشر 6/ 347. أرضعيه ولو بماء عينيك 12/ 260. ارفع إزارك فإنه أتقى وأبقى 7/ 14. ارفعوا أيديكم 13/ 346
ارفعوا أيديكم، فإن كتف هذه الشاة تخبرني 13/ 348. ارقيه وعلميها حفصة كما علمتيها الكتاب 10/ 57. اركب بسم اللَّه 11/ 262. اركب يا عقبة 7/ 223. أركبها ويلك 2/ 103. ارم أبا إسحاق 2/ 329. ارم أبا طلحة 1/ 150. ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة 7/ 322. ارم اللَّهمّ سدد رميته 1/ 84. ارموا بمثل حصى الخذف 2/ 117. ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا 12/ 82، 83. ارموا وأنا معكم جميعا 12/ 83. أروني ابني ما سميتموه؟ 2/ 275- 3/ 310- 6/ 9. أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة 8/ 118. أريت قوما من أمتي يركبون البحر 10/ 252. أريت الليلة رجل صالح 8/ 134. أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك 10/ 271- 11/ 235. أريتك في المنام مرتين إذا رجل يحملك 11/ 235، 236. أريتك قبل أن أتزوجك مرتين 11/ 236. أريته في المنام وعليه ثياب بيض 8/ 103. أزبدك، أزبدك 9/ 358. أزوج بنت حمزة سلمة بن أبي سلمة مكافأة له 6/ 55. أسأل اللَّه العظيم، رب العرش العظيم 8/ 49. أسأل اللَّه عز وجل معافاته ومغفرته 4/ 253. أسألك اللَّهمّ بأسمائك الحسنى ما علمت منها 11/ 226. استجيب لي فيك يا عمر 3/ 401. استعيذوا باللَّه من عذاب القبر 12/ 5. استعينوا بالنسلان 2/ 107. استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة 13/ 364، 370، 371
استقاد لها سعد، أجاب اللَّه دعوتك وسدد رميتك 1/ 149. استكثروا من النعال 2/ 50. استو يا سواد 1/ 99. استودع اللَّه دينك وأمانتك 8/ 159. استودع اللَّه دينكم وأعمالكم 8/ 158. استودعك اللَّه الّذي لا تضيع ودائعه 8/ 160. استوصوا بالأدم الجعد 14/ 125. استوصوا بالقبط خيرا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان 5/ 337- 14/ 125. أسرع قبائل العرب فناء قريش 12/ 315. أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا 6/ 61. اسقه عسلا 7/ 397، 398. اسكتي، فلك اللَّه ألا أقربها أبدا 6/ 50. اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم 2/ 74- 5/ 323- 7/ 240. أسلم تسلم 12/ 94. أسلمتم؟ 11/ 344. أسممت هذه الشاة؟ 13/ 346. اشتر لنا به شاة 12/ 44. اشدد بهذه العصابة رأسي 6/ 369. اشربوا باسم اللَّه 5/ 176. اشربي يا أم معبد 5/ 211. أشعر كلمة تكلمت بها العرب 2/ 268. أشهد أني رسول اللَّه 2/ 56- 5/ 116. أشهد أن اللَّه على كل شيء قدير 5/ 118. أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه 5/ 145، 150. أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني عبده ورسوله 5/ 152. أشهدوا 5/ 19، 20، 23، 24، 25. أشيروا عليّ أيها الناس 1/ 94- 9/ 242. أصابك السوط؟ 2/ 26. أصبت، ما أمرت خالد بالقتال 2/ 7
اصبروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة 9/ 107. اصبري فإنك أول أهلي لحوقا بي 14/ 417. اصحبني كيما تصيب منها 7/ 325. أصدق بيت قاله الشاعر 2/ 267. أصدق كلمة قالها شاعر 2/ 268. أضحك من قوم يؤتى بهم من المشرق في الكبول 1/ 228- 13/ 295. اضرب به 5/ 44. اضربوه 10/ 35. أطعمنا يا بلال 2/ 293. اطعنوا فيها بالسكين، واذكروا اسم اللَّه 7/ 293- 14/ 297. اطلبوا فضلة من ماء 2/ 203- 5/ 91. أطلقوا ثمامة 10/ 172. أطيب اللحم لحم الظهر 7/ 286- 14/ 292. أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء 9/ 369- 14/ 181. اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم 5/ 249. أعتق أم إبراهيم ولدها 5/ 337- 6/ 130. أعتق إن شئت نصيبك 6/ 312. أعجب الناس إيمانا قوم يأتون بعدي 12/ 339. أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ 2/ 29- 9/ 298. اعدد ستا بين يدي الساعة 12/ 326- 13/ 190- 14/ 184. أعذر إلى اللَّه امرئ أخر أجله 12/ 262. أعرستم الليلة؟ 12/ 23. أعرضي عليّ 10/ 57. أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي 3/ 293، 311، 314، 317. أعطيت فواتح الكلم ونصرت بالرعب 3/ 317. أعطيت في الجماع قوة أربعين رجلا 6/ 115. أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب 3/ 316- 9/ 237. أعطيت مكان التوراة السبع 3/ 318. أعطيكم ما ترزءون فيه ولا أعطيكم ما ترزءون به 1/ 392
أعطيته غسالة محاجمي يهريق ما فيها 12/ 254. أعقل ناقتي 2/ 189. أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين 12/ 263. أعني على نفسك بكثرة السجود 6/ 354. أعيدي سمنكم في سقائه 12/ 21. اغذوا السير فإن بينكم وبين المشركين ماء 5/ 96. أغرس واشترط لهم 5/ 184. اغسلني يا علي إذا مت 14/ 572. اغسلوه من ماء بضاعة 7/ 351. اغسلوها واطبخوا وكلوا فيها واشربوا 1/ 314. أف، أف، أف 12/ 6. افتح عينيك 1/ 310. افتحا فاه 1/ 93- 5/ 139. افتحوا عنه 5/ 253. أفد نفسك وابن أخيك عقيل 12/ 169. أفرأيت يا أبا الوليد 4/ 343. أفش السلام وأبذل الطعام 2/ 21. أفضل أيامكم يوم الجمعة 10/ 296. أفضل الأيام عند اللَّه يوم النحر 5/ 266. أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال 12/ 339. أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد 10/ 270. أفطر الحاجم والمحجوم 5/ 32. أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار 7/ 342. افعله ولا حرج 2/ 116. افعلوا 5/ 146. أفلح وجهك 1/ 263- 2/ 61. أفلح الوجه 1/ 257. أفلحت الوجوه 1/ 196- 12/ 183- 13/ 311. أفلا أكون عبدا شكورا؟ 2/ 315، 316، 317، 332
أفلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك 11/ 259. أفلا كنتم آذنتموني به؟ 10/ 140، 141، 365. أفيضوا عليّ سبع قرب من سبع آبار شتى 14/ 440. أقبلي بإذن اللَّه 14/ 338. اقتسموا 6/ 316. أقتلت ابنة مروان؟ 1/ 120. اقتلوه 7/ 150- 10/ 30. اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة 13/ 110. اقرأ عليّ 2/ 325. اقرأ عليّ القرآن 2/ 324. اقرأ فلان فإنّها السكينة نزلت عند القرآن 5/ 329. اقرأ يا ابن حضير 5/ 329، 330. اقرأ يا أسيد فإن ذلك ملك استمع القرآن 5/ 331. أقرأني جبريل على حرف فراجعته 4/ 255. اقرأه على سبعة أحرف 4/ 267. أقركم ما أقركم اللَّه 9/ 385. أقسم بين الناس 2/ 115. أقسمت عليك إلا زدتيها 6/ 62. اقطعوا عني لسانه 2/ 29. اقطعوا قلائد الإبل من الأوتار 2/ 68. أقم رجلا صيتا إذا طلع الفجر على هذا الجبل 7/ 258. أقم رجلا صيتا على هذا الجبل 1/ 212. أقيموا الركوع والسجود 5/ 307. أقيموا صفوفكم فإنّي أراكم من وراء ظهري 5/ 305. أقيموا صفوفكم وتراصوا فإنّي أراكم من وراء ظهري 5/ 306. اكتب باسم اللَّه الرحمن الرحيم 1/ 295. اكتب يا زيد 3/ 51. اكتبوا إليّ من تلفظ الإسلام من الناس 9/ 344. اكتحلوا بالإثمد فإنه يجلو البصر 7/ 90
أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود 11/ 65. أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه أتاني جبريل آنفا 11/ 67. أكثروا عليّ من الصلاة في كل يوم جمعة 10/ 306- 11/ 66، 134، 135. أكذلك 10/ 136. أكل عندكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة 7/ 343. أكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد 7/ 335. البسوا من ثيابكم البياض 8/ 9. الحقا بأمكما 5/ 322. الزموا مشاعركم فإنكم على إرث 2/ 113. ألقه 2/ 55. اللَّه 1/ 128- 2/ 11- 4/ 119، 401- 8/ 353- 12/ 190- 13/ 290. اللَّه اللَّه الصلاة وما ملكت أيمانكم 14/ 457. اللَّه اللَّه في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم 14/ 124. اللَّه أكبر، أشهد أني عبد اللَّه ورسوله 13/ 339. اللَّه أكبر، أعطيت مفاتيح الشام 13/ 293. اللَّه أكبر، خربت خيبر 1/ 307. اللَّه أكبر، قلتم كما قال قوم موسى 2/ 10. اللَّه الّذي لا إله إلا هو 12/ 154. اللَّه الّذي لا إله غيره لأنت قتلته؟ 6/ 238. اللَّه يمنعني منك 1/ 201- 4/ 119. اللَّهمّ ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي 7/ 298- 14/ 301. اللَّهمّ أبدله بالطرب قراءة القرآن 4/ 7. اللَّهمّ إبراهيم عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة 11/ 301، 303. اللَّهمّ ابعث عليه كلبا من كلابك 12/ 117. اللَّهمّ أتبع أهل هذا القليب لعنة 4/ 183. اللَّهمّ اجعل به وزغا 12/ 99. اللَّهمّ اجعل رزق آل محمد قوتا 2/ 289- 5/ 389
اللَّهمّ اجعل سهمك في الكتيبة 9/ 281. اللَّهمّ اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون 13/ 192. اللَّهمّ اجعل له آية تعينه على ما ينوي به الخير 4/ 358- 5/ 312. اللَّهمّ اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة 7/ 237. اللَّهمّ اجعلهم رفقائي في الجنة 1/ 163. اللَّهمّ أحسن الخلافة على تركته 13/ 270. اللَّهمّ أخرج ما في صدره من غل 9/ 225. اللَّهمّ ارفع عنا شرهم وانصرنا عليهم 1/ 234. اللَّهمّ أذهب حزن قلوبهم وأجبر مصيبتهم 1/ 175. اللَّهمّ أذهب عنه الحر والبرد 11/ 279، 280. اللَّهمّ أذهب عنه الشيطان 2/ 17. اللَّهمّ ارحم بني سلمة 1/ 179. اللَّهمّ ارحم جلدي الرقيق 10/ 3. اللَّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار 1/ 192. اللَّهمّ اردد الشمس على عليّ 5/ 27، 28. اللَّهمّ ارددها عليه فإنه كان في طاعتك 5/ 30. اللَّهمّ ارزق آل محمد قوتا 2/ 289. اللَّهمّ ارزقه مالا وولدا 12/ 20. اللَّهمّ ارض عن ابن خرشة فإنّي عنه راض 14/ 340. اللَّهمّ ارفع عنهم 12/ 80. اللَّهمّ أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها 5/ 35. اللَّهمّ استجب لسعد إذا دعا 12/ 31، 32. اللَّهمّ استجب له إذا دعاك 4/ 397. اللَّهمّ اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا 5/ 130، 131. اللَّهمّ اسقنا، اللَّهمّ اسقنا، اللَّهمّ اسقنا 5/ 121، 123. اللَّهمّ اسقنا غيثا عاجلا غير آجل 12/ 76. اللَّهمّ اسقنا غيثا مغدقا طبقا 12/ 77. اللَّهمّ اسقنا غيثا مريعا طبقا 12/ 76. اللَّهمّ اسقنا غيثا مغيثا هزجا نجحا 5/ 125، 130، 132
اللَّهمّ اسقهم الغيث 14/ 310، 311. اللَّهمّ أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك 8/ 85. اللَّهمّ اشدد وطأتك على مضر 12/ 74. اللَّهمّ اشف سعدا وأتمم له هجرته 4/ 395- 11/ 304. اللَّهمّ اشف عمي 11/ 317. اللَّهمّ اشفه، اللَّهمّ عافه 11/ 281. اللَّهمّ اشهد 4/ 17، 19. اللَّهمّ اصرعه 12/ 122. اللَّهمّ أعذني من شيطانه 2/ 88. اللَّهمّ أعز دينك بأحب الرجلين إليك 9/ 103- 104. اللَّهمّ أعط ابن عباس الحكمة وعلمه التأويل 12/ 16. اللَّهمّ أعني على سكرة الموت 14/ 500، 514. اللَّهمّ أعني على كرب الموت 2/ 133. اللَّهمّ أعني عليهم بسبع كسبع يوسف 12/ 74. اللَّهمّ أغثنا، اللَّهمّ أغثنا، اللَّهمّ أغثنا 5/ 120. اللَّهمّ اغفر لأبي عامر واجعله من أعلى أمتي 9/ 235. اللَّهمّ اغفر لجابر 5/ 202. اللَّهمّ اغفر لنا 2/ 205. اللَّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي 3/ 254. اللَّهمّ اغفر لي ذنبي كله 3/ 254. اللَّهمّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت 3/ 254. اللَّهمّ اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى 10/ 368. اللَّهمّ افتح لي أبواب رحمتك 14/ 619- 620. اللَّهمّ افتح عليهم أعظم حصن فيه 1/ 312- 13/ 326. اللَّهمّ أقبل بقلوبهم وبارك لنا في صاعنا 12/ 67. اللَّهمّ أكبه لمنخره واصرعه 12/ 163. اللَّهمّ أكثر ماله وولده 4/ 397- 12/ 18، 19، 20. اللَّهمّ اكسه جمالا 11/ 333، 334. اللَّهمّ اكفنا ابن العدوية 6/ 194
اللَّهمّ اكفني ابن الأشرف بما شئت 1/ 125. اللَّهمّ اكفني عامر بن الطفيل، وابعث عليه داء يقتله 4/ 124، 398- 12/ 95. اللَّهمّ اكفني عامرا واهد قومه 12/ 96. اللَّهمّ اكفني نوفل بن خويلد 1/ 110- 12/ 166. اللَّهمّ اكفنيه 1/ 305. اللَّهمّ العنهم 2/ 253. اللَّهمّ ألق عليها النفاق 1/ 318. اللَّهمّ إليك أشكو ضعف قوتي 8/ 305. اللَّهمّ إليك لا أبالي النار أنا وأهل بيتي 5/ 388. اللَّهمّ أمتعه بشبابه 11/ 349. اللَّهمّ أمتي أمتي 2/ 243- 3/ 286. اللَّهمّ أمكني ثمامة بغير عهد ولا عقد 14/ 257. اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك دعاك 1/ 82، 83. اللَّهمّ إن تظهر عليّ هذه العصابة يظهر الشرك 1/ 103. اللَّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد 3/ 321. اللَّهمّ إن جعفرا قد قدم إليّ أحسن الثياب 1/ 343. اللَّهمّ إن ظهر على هذه العصابة ظهر الشرك 3/ 321. اللَّهمّ إن عبدك تصدق بنفسه على نبيك 5/ 30. اللَّهمّ إن عبدك عليا احتسب بنفسه على نبيه 5/ 27، 28. اللَّهمّ إن عليا كان في طاعتك وطاعة رسولك 5/ 30. اللَّهمّ إن العيش عيش الآخرة 1/ 230. اللَّهمّ أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته 2/ 251. اللَّهمّ إنّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم 9/ 274. اللَّهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى 8/ 155. اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر 1/ 258- 8/ 153، 154. اللَّهمّ أنت عضدي، وأنت نصيري، وبك أقاتل 9/ 267. اللَّهمّ أنج أصحاب السفينة 14/ 106. اللَّهمّ أنج عياش بن أبي ربيعة 12/ 72. اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد 6/ 242- 12/ 68، 69، 70، 71
اللَّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللَّهمّ آت ما وعدتني 8/ 343- 9/ 246- 12/ 138. اللَّهمّ أنشدك عهدك ووعدك 8/ 341- 12/ 137، 139. اللَّهمّ انصر خبابا 9/ 108. اللَّهمّ إنك إن تهلك هذه العصابة لم تعبد في الأرض 12/ 136، 147. اللَّهمّ إنك أنزلت عليّ الكتاب وأمرتني بالقتال 1/ 101- 12/ 139. اللَّهمّ إنك قد عرفت حالهم وأن ليس بهم قوة 13/ 326. اللَّهمّ إنما أنا بشر أغضب وآسف كما يغضب البشر 1/ 267. اللَّهمّ إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر 2/ 251. اللَّهمّ إنه في طاعة رسولك 5/ 28. اللَّهمّ إنهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم 1/ 83- 12/ 178. اللَّهمّ إني أبرأ إليك مما صنع خالد 2/ 7. اللَّهمّ إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفينه 2/ 250، 251- 10/ 184، 186. اللَّهمّ إني أسألك في سفري هذا من البر والتقوى 8/ 156. اللَّهمّ إني أسألك من فضلك ورحمتك 5/ 196. اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجنون والجذام 10/ 329. اللَّهمّ إني أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه 4/ 119. اللَّهمّ إني أنشدك ما وعدتني 5/ 66. اللَّهمّ إني أنشدك وعدك وعهدك 1/ 239- 9/ 252، 272، 273- 12/ 137، 139. اللَّهمّ إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه 2/ 70. اللَّهمّ اهد أم أبي هريرة 11/ 254. اللَّهمّ اهد ثقيفا وائت بهم 14/ 24. اللَّهمّ اهد دوسا وأت بهم 2/ 229- 4/ 358، 359- 5/ 311. اللَّهمّ اهد عامرا وأمكن ابن عامر 14/ 258. اللَّهمّ اهد قلبه وثبت لسانه 11/ 294. اللَّهمّ اهد قلبه وسدد لسانه 4/ 395- 11/ 294. اللَّهمّ أهله علينا باليمن والإيمان 2/ 281. اللَّهمّ أيده بروح القدس 6/ 173- 10/ 38
اللَّهمّ بارك في الشعر 5/ 107. اللَّهمّ بارك فيه وصل عليه 10/ 378. اللَّهمّ بارك لنا في ثمارنا، وبارك لنا في مدينتنا 7/ 330. اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا 14/ 184. اللَّهمّ بارك لنا في مدنا وصاعنا 11/ 299. اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا 7/ 329، 330- 10/ 347. اللَّهمّ بارك له في شعره 1/ 263. اللَّهمّ بارك له فيه 4/ 394- 5/ 222- 11/ 276. اللَّهمّ بارك له في تجارته 4/ 397- 12/ 47. اللَّهمّ بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم 7/ 342. اللَّهمّ بارك لهما 12/ 23، 24. اللَّهمّ باسمك أموت وأحيا 8/ 83. اللَّهمّ بك أجول وبك أصول 1/ 132، 140. اللَّهمّ ثبته واجعله هاديا مهديا 12/ 56. اللَّهمّ جمله 11/ 346، 349، 350. اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة 10/ 350- 11/ 296، 298، 299، 300. اللَّهمّ حبب عبيدك هذا 11/ 254. اللَّهمّ حجة لا رياء فيها ولا سمعة 2/ 111. اللَّهمّ حوالينا ولا علينا 5/ 120، 122، 123، 124، 125، 127، 130. اللَّهمّ خذ من قريش الأخبار والعيون حتى تأتيهم بغتة 1/ 351. اللَّهمّ رب الحل والحرام، ورب البلد الحرام 11/ 152. اللَّهمّ رب السموات السبع ورب الأرضين 8/ 81. اللَّهمّ رب السموات السبع وما أظللن 1/ 306- 8/ 165. اللَّهمّ رب الناس أذهب الباس 8/ 51. اللَّهمّ رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها 11/ 124. اللَّهمّ الرفيق الأعلى 14/ 501. اللَّهمّ روح مروحا إلى النار 14/ 20
اللَّهمّ زد هذا البيت تشريفا 2/ 108. اللَّهمّ زدنا ولا تنقصنا 3/ 47. اللَّهمّ سدد رميته وأجب دعوته 12/ 37. اللَّهمّ سلط عليه كلبا من كلابك 12/ 118. اللَّهمّ سلط عليه كلبك 4/ 399- 12/ 117. اللَّهمّ سلمهم وغنمهم 4/ 398- 12/ 51. اللَّهمّ صل على آل أبي أوفى 5/ 373، 374- 11/ 162. اللَّهمّ صل على آل أبي بكر 10/ 381. اللَّهمّ صل على محمد وسلم، اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي 11/ 128. اللَّهمّ صل على محمد النبي الأمي 3/ 253. اللَّهمّ صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك 11/ 92. اللَّهمّ صلى على محمد وعلى آل محمد 10/ 377. اللَّهمّ عافه 4/ 394. اللَّهمّ على ظهور الجبال والآكام 5/ 121. اللَّهمّ عليك بأبي جهل بن هشام 12/ 151. اللَّهمّ عليك ببني بكمة 2/ 18. اللَّهمّ عليك بعمرو بن هشام 12/ 105. اللَّهمّ عليك بقريش 4/ 183- 6/ 230- 12/ 102، 103، 105، 106. اللَّهمّ عليك الملأ من قريش 12/ 105. اللَّهمّ علمه التأويل وفقهه في الدين 12/ 247- 14/ 155. اللَّهمّ علمه الحكمة 12/ 14، 15. اللَّهمّ عليك بقريش، اللَّهمّ عليك بقريش 14/ 331. اللَّهمّ علمه الكتاب 12/ 14. اللَّهمّ عمره وأكثر ولده 12/ 20. اللَّهمّ عهدك الّذي عهدت إليّ 12/ 136. اللَّهمّ فارج الهم كاشف الغم 12/ 40. اللَّهمّ فأيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له قربة 2/ 250
اللَّهمّ فقهه في الدين 4/ 397- 6/ 359، 360- 12/ 13، 15. اللَّهمّ قد أنجزت لي ما وعدتني فتمم عليّ نعمتك 1/ 110- 12/ 151. اللَّهمّ قني عذابك يوم تجمع عبادك 8/ 83. اللَّهمّ كبه لمنخره واصرعه 4/ 399. اللَّهمّ كما أطعمتنا أولها فأطعمنا آخرها 7/ 329. اللَّهمّ كما حسنت خلقي فحسن خلقي 7/ 87. اللَّهمّ لك الحمد أطعمت وأسقيت وأشبعت 7/ 338. اللَّهمّ لك الحمد كله، اللَّهمّ لا قابض لما بسطت 1/ 175. اللَّهمّ لك الحمد كما كسوتنيه 7/ 21. اللَّهمّ لك الشرف على كل شرف 8/ 158. اللَّهمّ لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك 6/ 182. اللَّهمّ متعنا به 4/ 402. اللَّهمّ متعه بشبابه 4/ 396. اللَّهمّ مطفي الكير ومكبر الصغير 8/ 38. اللَّهمّ منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب 1/ 242- 9/ 273، 274. اللَّهمّ هالة 2/ 227. اللَّهمّ هذا عن أمتي جميعا 13/ 24. اللَّهمّ هذا قسمي فيما أملك 10/ 233. اللَّهمّ هل بلغت، لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا 14/ 469. اللَّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس 5/ 383، 386، 393. اللَّهمّ لا 6/ 33. اللَّهمّ لا تجعل قبري وثنا يعبد بعدي 14/ 618. اللَّهمّ لا تحل الحول على أحد منهم 4/ 400. اللَّهمّ لا تخرج نفسي حتى تقر عيني 4/ 401. اللَّهمّ لا تغفر لمحلم 13/ 353. اللَّهمّ لا تفلتن أبا جهل فرعون هذه الأمة 1/ 92- 12/ 139. اللَّهمّ لا تقتلنا بغضبك 2/ 281. اللَّهمّ لا يحل عليه الحول حتى يموت كافرا 13/ 257
اللَّهمّ لا يحولن الحول على أحد منهم 1/ 152- 13/ 259. ألم تسمعي ما قال مجزر المدلجي 2/ 153. ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد 2/ 289. ألم يأت للرحيل 8/ 324. ألم يمكن اللَّه منك يا عدو اللَّه؟ 1/ 250- 6/ 187. إلى أين يا أبا ليلى؟ 11/ 372. إليّ يا فلان، إليّ يا فلان أنا رسول اللَّه 1/ 147. أليس قد رأيت ذلك 13/ 295. أليس لكم فيّ أسوة 13/ 29. أم أيمن أمي بعد أمي 6/ 340. أما إن ذلك ليس من سفركم هذا 12/ 244- 14/ 152. أما أنا فلا آكل متكئا 7/ 335- 13/ 89. أما إنك ستقتلك الفئة الباغية 12/ 201. أما إنك لو تركته لملئ إلى فيه فأوكه 5/ 187. أما إنه ستظهر معادن وسيحضرها شرار الناس 8/ 327. أما إنه ليس بشركم مكانا 14/ 229. أما إنه من أهل النار 13/ 338. أما إنه نعم الغلام 1/ 227. أما إنها ستكون 14/ 182. أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد 14/ 42. أما إنهم أمراء الخلافة بعدي 14/ 208. أما إنهم لو أطاعوا أبا بكر وعمر رشدوا 2/ 73. أما أني سألت اللَّه أن يعينني عليكم بالسنة 14/ 64. أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر 5/ 376. أما بعد، أيها الناس فقدموا لأنفسكم 1/ 66. أما بعد، أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم 2/ 124. أما بعد، أيها الناس وإنه قد دنا مني حقوق 14/ 443. أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء جاءونا تائبين 9/ 354. أما بعد، فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار 12/ 372- 14/ 440
أما بعد، فإنه لم يخف عني شأنكم الليلة 2/ 241. أما بعد، فأني أحثكم على ما حثكم اللَّه عليه 1/ 100. أما بعد، فكيف ترون يا معشر المسلمين في هؤلاء 9/ 258. أما بعد، يا أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم 14/ 520. أما بعد، يا عائشة فإنه بلغني كذا وكذا 1/ 215. أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون 14/ 442. أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ 1/ 248- 9/ 254. أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة 7/ 108. أما ترضين أن تكونوا سيدة نساء أهل الجنة 14/ 419. أما الطرق التي رأيت على يسارك فهي طرق أصحاب 12/ 228- 14/ 136. أما علمتم أن أخي حمزة من الرضاعة 6/ 110. أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة 5/ 375- 7/ 323. أما له ثوب غير هذا؟ 12/ 114. أما له غير هذا؟ 1/ 200. أما لو دنا مني لاختطفته الملائكة 4/ 126. أما المال فقد اقتسم 2/ 45. أما والّذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة 2/ 30. أما واللَّه لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما 2/ 101. إما لا، فاذهبي حتى تلدي 10/ 20. أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري 8/ 58. أمرت أن أستغفر لأهل البقيع 2/ 128. أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا 3/ 123. أمرت بالسواك حتى خشيت إدرادا 13/ 46. أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليّ 13/ 46. أمرني ربي أن آخذ العفو من أخلاق الناس 2/ 186. امسح الباس رب الناس 8/ 52. امسح بيمينك سبع مرات 8/ 48. أمسك عليّ الباب 6/ 355. أمسك عليك زوج يا زيد 6/ 60
أمسك هذه علامة بيني وبينك يوم القيامة 1/ 272. أمسكه معك يا عباد فأوثقه رباطا 9/ 231. أمسكوا، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة 13/ 345. امشوا أمامي واخلوا ظهري للملائكة 8/ 78. امشوا نستنظر لجابر من اليهودي 5/ 199. امض حتى تلحقك الخيول إنا على أثرك 1/ 261. امضوا على بركة اللَّه وعونه 12/ 182. أمعك تمرات؟ 2/ 216. أمعك ماء؟ 6/ 391. أملكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد 12/ 235- 14/ 143. أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين 3/ 72، 76. أمني جبريل في الصلاة فصلى الظهر حتى زالت الشمس 3/ 77. أميطي عنه الأذى 6/ 309. آمين، آمين، آمين 11/ 73، 74، 75، 76، 77، 78. إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي 2/ 224. إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها 10/ 347- 14/ 484. إن ابنك هذا مسقى 11/ 376. إن ابنك يزعم أنك تأخذ ماله 14/ 110. إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت 13/ 128. إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين 1/ 191. إن أحسن الحديث أصدقه 2/ 32. إن أذنت لي أعطيت هؤلاء 7/ 372. أن أربضي دلول 7/ 221. إن اسمي محمد الّذي سماني به أهلي 14/ 78. إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم 14/ 514. إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون 11/ 231. إن أفضل دعائي ودعاء من كان قبلي من الأنبياء 2/ 113. إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء 5/ 401
إن أمامكم حوضا ما بين جرياء وأذرح 3/ 306. إن أمتي تقتل هذا بأرض من أراضي العراق 12/ 240- 14/ 148. إن أمتي مرحومة ليس عليها في الآخرة حساب 12/ 392. إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري 10/ 45. إن أمر عليكم عبد مجدع أسود يقودكم 9/ 312. إن أمة من بني إسرائيل مسخت وأخشى أن تكون هذه 7/ 302. إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم 2/ 86. إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي 12/ 301. إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم 12/ 340. إن أول ما أوقع اللَّه في نفسي هذا الأمر 2/ 352. إن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية 12/ 232- 14/ 140. إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة 11/ 93. إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده 4/ 363. إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون 12/ 367. إن بك شاعرا حسن 5/ 127. إن بمكة لحجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت 2/ 390. إن بني إسرائيل اختلفوا 12/ 203. إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية والإسلام 9/ 283. إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الدخان 12/ 335. إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم 12/ 334، 335. إن بين يدي الساعة كذابين 12/ 364. إن بالمدينة جنّا قد أسلموا 1/ 239. إن تركتك ترجعين؟ 5/ 239. أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه 3/ 126. إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنوا في إمارته أبيه 14/ 518. أن تكوني على دينك لم نكرهك 10/ 56. إن جبريل عليه السلام أتاني بالتربة التي يقتل عليها 12/ 238- 14/ 146. إن جبريل أتاني فبشرني أن اللَّه أمدني بالملائكة 3/ 314. إن جبريل عليه السلام قال لي ألا أبشرك 11/ 48
إن جبريل كان معنا في البيت فقال أتحبه 14/ 146. إن حقا على اللَّه ألا يرفع شيء من الدنيا 7/ 229، 234. إن حيضتك ليست في يدك 7/ 131. إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش 9/ 9. إن خير ما تداويتم به اللدود 8/ 9. إن ذهبت فاذهب في عدة من أصحابك 2/ 69. إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها 6/ 283. إن ربي عز وجل كان أخبرني أني سأرى علامة 2/ 323. إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف 4/ 116. إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول اللَّه 1/ 211- 4/ 402. إن رجلا يقال له أويس بن قرن 13/ 184. إن روح القدس ما زال يؤيدك 10/ 41. إن زاهرا بادينا ونحن حاضروه 2/ 254. إن زدت فهو خير لك 11/ 53. إن شئت 5/ 46- 10/ 106. إن شئت زدتك وحاسبتك 10/ 230. إن شئت صبرت ولك الجنة 11/ 313. إن شئتم أن ترفع عنكم رفعت 11/ 388. إن شئتم دعوت اللَّه فكشفها عنكم 11/ 388، 389. إن شئتما أعطيتكما منه ولا حظ فيه لغني 1/ 205. إن شحمة الأرض لطيبة 7/ 291. إن شئتما أن أخبركما بما تسألاني عنه فعلت 14/ 104. إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان 10/ 94. إن صاحب الدابة أحق بصدرها 2/ 223. إن صاحبكم غل في سبيل اللَّه 1/ 318. إن صاحبكم لتغسله الملائكة 13/ 260. إن طالت بكم مدة كانت لكم مراكب 1/ 179. إن طالت به مدة أوشكت أن ترى قوما 12/ 329. إن عبدا خيره اللَّه بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا 14/ 425
إن ظفرتم بهبار فاقطعوا يديه ورجليه 2/ 239. إن عثمان ذهب في حاجة اللَّه وحاجة رسوله 1/ 290. إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة 12/ 292. إن عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي 12/ 210. إن عيني تنامان ولا ينام قلبي 10/ 179. إن فاطمة أحصنت فرجها 4/ 196- 10/ 283. إن فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس 6/ 372. إن من ثقيف كذابا ومبيرا 12/ 250- 14/ 158. إن في الحبة السوداء شفاء من كل داء 8/ 12. إن في وجه سعد خيرا 12/ 314. إن فيك خصلتين يحبهما اللَّه ورسوله 14/ 55. إن فيكم منافقين، فمن سميت فليقم 14/ 342. إن فيهن غيرة شديدة وأنا صاحب ضرائر 6/ 112. إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد اللَّه 13/ 359. إن قدرتم على بجاد فلا يفلتن منكم 2/ 18. إن قريشا خالفت عهد إبراهيم 2/ 115. إن كان عندك ماء بات في شنة 7/ 353. إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة 8/ 59. إن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة؟ 14/ 22. إن كبرت أم حبيب وأنا حي تزوجتها 6/ 111. إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد 10/ 299. إن كساك اللَّه ثوبا فأرادك المنافقون على خلعه 13/ 203. إن كنت أفعل ذلك إنه لعليّ وما هو عليكم 2/ 234. إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال 12/ 334. إن لكل نبي حواري، وإن حواري الزبير 1/ 231. إن لكل نبي حوضا وإنهم يتباهون أكثرهم واردة 3/ 309. إن للَّه سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر 11/ 145. إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق 11/ 69، 70. إن للَّه ملكا أعطاه سمع العباد كلهم 11/ 70
إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض 11/ 60، 307. إن لم تجديني فأتي أبا بكر 14/ 489. إن لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بيّ منها 6/ 376. إن لمعي غلمان هم أسناني 2/ 340. إن له لمرضعة تتم رضاعه في الجنة 5/ 338. إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد 2/ 141، 142. إن لي وزيران من أهل السماء 9/ 320. إن من أخيركم أحسنكم خلقا 2/ 200. إن من أشد أمتي حبا لي مؤمنين يأتون من بعدي 12/ 346. إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل 12/ 358. إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل 12/ 358. إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر شرب الخمر 12/ 358. إن ملكت يا معاوية فأحسن 12/ 208. إن مثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم 3/ 100. إن من خياركم أحسنكم أخلاقا 2/ 201. إن من البيان لسحرا 14/ 398. إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم 7/ 311. إن موسى عليه السلام لما نزلت عليه التوراة وقرأها 3/ 341. إن ناسا من أمتي ينزلونه بغائط موتة البصرة 12/ 332. إن ناسا يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي 12/ 346. إن نفرا من الجن خمسة عشر بني إخوة 9/ 79. إن هاتين صامتا عما أحل لهما 12/ 4. إن هاتين لنعلا ابن سعية 6/ 132. إن هذا أتاني وأنا نائم فاخترط سيفي 13/ 289. إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم 13/ 288- 14/ 177. إن هذا الأمر بدأ نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة 14/ 204. إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد 12/ 304، 308. إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته 12/ 309. إن هذا الأمر لا يزال فيكم وأنتم ولاته 12/ 309
إن هذا الأمر لا ينقضي 12/ 302. إن هذا الحي من مضر لا تدع للَّه في الأرض عبدا 12/ 309. إن هذا رجل غادر 1/ 287. إن هذا الرجل جاء وأنا جالس فسل سيفي 14/ 14. إن هذا الرجل يريد غدرا واللَّه حائل بينه 13/ 282. إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف 4/ 273. إن هذا ليريد شيئا 5/ 236. إن هذا وادي القرى 2/ 55. إن هذا يبلغ قريشا فيذعرهم 1/ 258. إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء 8/ 12. إن هذه السحابة تستعمل بنصر بني كعب 13/ 373. إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس 13/ 80. إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس 2/ 245. إن هذه مشية يبغضها اللَّه إلا في مثل هذا الموطن 1/ 160. إن هؤلاء أولياء الخلافة 14/ 208. إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين 2/ 33. إن ولد لك غلام فسمه باسمي وكنه بكنيتي 13/ 187. أن لا تدركوا الماء تعطشوا 5/ 95. إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة 12/ 292. إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم 12/ 291، 292. إن يك فيه خير فسيلحقه اللَّه بكم 14/ 37. إن يهود شكوا إليّ أنكم وقعتم 1/ 322. إن الأرض لتقبل من هو شر منه 13/ 353. إن الأرض لا ينجسها شيء 2/ 85. إن الإسلام بدأ غريبا فطوبى للغرباء 12/ 386. إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا 10/ 349. إن الإسلام يجب ما كان قبله 1/ 335. إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم 10/ 303. إن الإيمان يأزر إلى المدينة 10/ 349
إن البخيل الّذي إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ 11/ 81. إن البخيل من الناس من ذكرت عنده فلم يصل عليّ 11/ 82. إن التلبينة تجم فؤاد المريض 8/ 16. إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه 4/ 349. إن الدنيا حلوة خضرة 14/ 179. إن الدنيا ستفتح عليكم فيا ليت أمتي لا تلبس 12/ 320. إن الدين ليأرز إلى الحجاز 12/ 387. إن الرجل أهدى لي الناقة من إبلي 1/ 265. إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه 3/ 174، 177- 14/ 318. إن السجود ليس إلا للحي الّذي لا يموت 5/ 256. إن الشمس طلعت على عليّ 5/ 32. إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللَّه 5/ 339. إن الشيطان عرض لي 11/ 227. إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون 14/ 13. إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم 2/ 282. إن الصدقة لا تحل لنا، وأن موالي القوم من أنفسهم 7/ 325. إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد 5/ 378- 9/ 285. إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد 5/ 380- 13/ 79. إن العلاء والمنذر كتبا إليّ أن ربيعة قد كفرت 14/ 312. إن الفتن لم تزل ببني إسرائيل 12/ 204. إن القرآن أنزل على سبعة أحرف 4/ 256. إن القرآن كان يعرض عليّ في كل عام مرة 2/ 134. إن اللَّه اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا 3/ 258. إن اللَّه اختار العرب ثم اختار منهم كنانة 3/ 204. إن اللَّه عز وجل إذا أراد رحمة أمة من عباده 14/ 411. إن اللَّه أذن للرسول ولم يأذن لكم 13/ 8. إن اللَّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل 3/ 204. إن اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل 3/ 204. إن اللَّه أعطاني خصالا ثلاثة 10/ 190
إن اللَّه أعطاني الكنزين فارس والروم 2/ 57. إن اللَّه أمرني بالبيعة 1/ 290. إن اللَّه أنزل الداء والدواء 8/ 3. إن اللَّه أوحى إليّ أي هؤلاء الثلاثة نزلت 9/ 188. إن اللَّه جعل لذتي في النساء والطيب 2/ 191. إن اللَّه عز وجل جعلني عبدا كريما 14/ 199. إن اللَّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء 10/ 296. إن اللَّه حرم مكة، فلا تحل لأحد قبلي 13/ 152. إن اللَّه حرمها عليّ بصلة الرحم 2/ 3- 13/ 375. إن اللَّه حرمهم عليّ ببر الوالدين 13/ 375. إن اللَّه حرمهم عليّ بصلة الرحم 1/ 355. إن اللَّه خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم 3/ 205. إن اللَّه عز وجل خلق الخلق قسمين 3/ 208. إن اللَّه خلق خلقه فجعلهم فرقتين 3/ 206. إن اللَّه رفع لي الأرض حتى رأيت معتركهم 13/ 362. إن اللَّه زوى لي الأرض فرأيت مشارقها 12/ 321. إن اللَّه سيثبت لسانك ويهدي قلبك 11/ 295. إن اللَّه قد أهلك صاحبك 14/ 96. إن اللَّه قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة 1/ 166. إن اللَّه عز وجل قد غفر له لشفاعتي 14/ 615. إن اللَّه قد كتب عليكم الحج 11/ 221. إن اللَّه لم يضع داء إلا وضع له شفاء 7/ 382. إن اللَّه نهاني أن أقبل زيدا من المشركين 8/ 140. إن اللَّه هو الحكم وإليه الحكم 2/ 278. إن اللَّه وملائكته يصلون على معلم الناس الخير 3/ 244- 10/ 380. إن اللَّه وملائكته يصلون على ميامن الصفوف 10/ 381. إن اللَّه وهب لكم ذنوبكم عند الاستغفار 11/ 92. إن اللَّه لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحه 2/ 256. إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به 3/ 293
إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد 12/ 360. إن اللَّه عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام 8/ 292. إن اللَّه يحب العطاس ويكره التثاؤب 10/ 319. إن اللَّه يحب من عبده أن يكون حسن الهيئة 8/ 66. إن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر 13/ 267. إن المرء كثير بأخيه وابن عمه 1/ 343. إن الملائكة قد سومت فسوموا 1/ 106- 3/ 323. إن المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين 1/ 172- 10/ 7. إن الناس دخلوا في دين اللَّه أفواجا 12/ 388. إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة 14/ 517. إن الناس لم يرفعوا شيئا في الدنيا إلا وضعه اللَّه 7/ 230. إن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق 3/ 233، 235. إن الولد مبخلة مجبنة محزنة 6/ 7. إن اليهود جاءهم الشيطان 13/ 333. أنا ابن العواتك 1/ 164. إنّا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا 7/ 54. أنا أحمد وأنا محمد وأنا الماحي 2/ 142. أنا أصحابي خير 9/ 86. أنا أعلم بالخيل منك 14/ 251. أنا أعلمكم 8/ 149. أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه 4/ 400- 13/ 253، 254، 255. أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة 3/ 309. أنا أكرم على اللَّه من أن يدعني تحت الأرض 5/ 32. أنا أنتظر بها القضاء 5/ 351. إنّا أهل بيت اختار اللَّه لنا الآخرة على الدنيا 12/ 301. أنا أول من تنشق الأرض عنه ثم أبو بكر ثم عمر 3/ 231. أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر 3/ 225، 227. أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر 3/ 227
أنا أول من شهد أني رسول اللَّه 2/ 86. أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة 3/ 228، 229. أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر وأول من تنشق عنه الأرض 3/ 233. أنا أول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا أول شافع 3/ 233. أنا أول من يشفع في الجنة 3/ 228. أنا أول من ينشق عنه القبر 10/ 277. أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا 3/ 224، 229. أنا أول الناس يشفع في الجنة 3/ 309. أنا أولهم خروجا إذا بعثوا 3/ 228. أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم 13/ 56. أنا حاملوك على ولد ناقة 2/ 253. أنا دعوة أبي إبراهيم 4/ 54. أنا رسول اللَّه، وأنا محمد بن عبد اللَّه 13/ 105. أنا سيد الخلائق يوم القيامة في اثني عشر نبيا 3/ 232. أنا سيد المؤمنين إذا بعثوا 3/ 237. أنا سيد الناس يوم القيامة 3/ 118، 226، 236. أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بم ذاك؟ 3/ 268، 271. أنا سيد ولد آدم ولا فخر 3/ 118، 224، 225، 227، 228، 229. أنا سيد ولد آدم يوم القيامة 3/ 227، 229. أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق 3/ 224، 237. أنا عبد اللَّه ورسوله، ولن أخالف أمره 1/ 291. أنا على حوضي انتظر من يرد عليّ 14/ 222. إنّا على ذلك 4/ 127. أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه 14/ 223. أنا قائد المسلمين ولا فخر 3/ 231. إنّا كذلك معشر الأنبياء يضاعف علينا الوجع 10/ 366. أنا لغير الضيع أخوف عليكم 12/ 320. إنّا لم نأت لقتال أحد، إنما جئنا لنطوف 1/ 286
إنّا لم نرده إلا أنّا حرم 1/ 277. إنّا لم نقض الكتاب بعد 1/ 293. أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه 12/ 271. أنا محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب 3/ 211. أنا محمد، وأنا أحمد، والحاشر، ونبي التوبة 2/ 143، 144. أنا محرم 2/ 107. إنّا معشر الأنبياء بنيت أجسادنا على أرواح الجنة 5/ 303. إنّا معشر الأنبياء ما تركنا صدقة 13/ 160. أنا نازل 5/ 75، 154. أنا نبي 9/ 96. أنا النبي لا كذب 7/ 219. إنّا لا ندخلها عليهم الحرم 7/ 177. إنّا يضاعف لنا البلاء 2/ 129. أنت أبو الورد؟ 2/ 255. أنت تقول ذلك يا أبا سفيان 1/ 350. أنت جميلة 2/ 274، 309. أنت سيد أهل اليمامة يا ثمامة؟ 14/ 257. أنت صاحب الجبذة أمس 14/ 111. أنت عبد اللَّه بن قرظ 2/ 311. أنت مطاع في قومك 12/ 91. أنت مع من أحببت 13/ 176. أنت، هيه لقد كبرت لأكبر سنك 2/ 252. انتسب إلى خزاعة 1/ 256- 13/ 313. انتقلي إلى أم شريك 9/ 63. أنتم أظلم وأفجر 1/ 360. أنتم توفون سبعين أمة 3/ 339. أنتم الطلقاء 1/ 391. أنتم متمون سبعين أمة، أنتم خيرها 3/ 339. أنتم مني وأنا منكم أسالم من سالمتم 1/ 54
أنتم اليوم خير أهل الأرض 9/ 90، 122. انثروه في المسجد 9/ 351. أنجحت يا أبا بكر 8/ 327. أنحرها وأصبغ قلائدها في دمها 1/ 278- 7/ 248. أنزل بالماء فصبه 5/ 111. أنزل في بني النجار أخوال عبد المطلب 8/ 327. أنزل القرآن على ثلاثة أحرف 4/ 257. أنزل القرآن على سبعة أحرف 4/ 249، 256، 260، 266، 267، 269، 278. أنزلت عليّ سورة هي أحب مما طلعت عليه الشمس 1/ 299. أنشد اللَّه رجلا فعل ما فعل لي عليه حق 14/ 371. أنشدك باللَّه وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل 14/ 84. أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة على موسى 14/ 88. انطلق إلى هاتين الأشاءتين 5/ 39، 262. انطلق بالشفرة وجئني بالقدح 5/ 210. انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا 13/ 199. انطلقا إلى باذان واعلما أن ربي قد قتل كسرى 12/ 128. انطلقوا 5/ 182. انطلقوا إلى قبره 10/ 365. انطلقوا بنا إليه 5/ 258. انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ 9/ 125. انطلقوا على اسم اللَّه، اللَّهمّ أعنهم 12/ 189. انطلقوا نزور الشهيدة 13/ 189. انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا 5/ 253. انظر هل ترى في السماء من شيء 12/ 298. انظروا إلى حب الأنصار التمر 12/ 24. انظروا إن خفي عليكم في القتلى 12/ 153. انظروا ما أحسنها 6/ 397. انظري إلى شبهه بي 5/ 336
انظري صاحبتك هذه فأمشطيها 10/ 56. انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا 10/ 104. انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت 13/ 228. أنفذوا بعث أسامة 2/ 125. انقادي عليّ بإذن اللَّه 5/ 34. إنك أخرجتني من أحب البقاع إليك 10/ 363. إنك إذا رأيته هبته وفرقت منه 13/ 313. إنك حامل بغلام 12/ 300. إنك رجل قوي، إن وجدت الركن خاليا فاستلمه 2/ 108. إنك ستجده يصيد البقر 14/ 48، 50. إنك سيدة نساء أهل الجنة 14/ 422. إنك قادم غدا بلدا السجود فيه قليل 1/ 339. إنك لن تدع شيئا للَّه إلا بدلك اللَّه خيرا منه 7/ 128. إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه 11/ 309. إنك لهند 1/ 398. إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم 5/ 93. إنكم ستأتون غدا إن شاء اللَّه عين تبوك 2/ 58. إنكم ستجندون أجنادا، جند بالشام وجند بالعراق 14/ 191، 192. إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط 14/ 185. إنكم ستفتحون أرضا يقال لها الشام 14/ 186. إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط 14/ 185. إنكم ستقدمون الشام فتنزلون أرضا يقال لها جسر عموسة 13/ 192. إنكم ستقدمون على قوم جعد رءوسهم 14/ 125. إنكم ستلقون بعدي فتنة واختلافا 13/ 204. إنكم شكوتم جدب دياركم 5/ 118. إنكم في النبوة ما شاء اللَّه أن تكون 12/ 267. إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم 1/ 355- 13/ 374. إنكم مفتوح لكم وأنتم منصورون 7/ 126. إنكم منصورون ومفتوح لكم ومصيبون 14/ 125
إنكن تبغين عليها 6/ 97. إنكن لأنتن صواحب يوسف 14/ 453، 457. إنما أبو هند رجل من الأنصار 6/ 325. إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين 12/ 371. إنما أنا بشر وإني اشترطت على ربي 2/ 251. إنما أنا رحمة مهداة 2/ 144. إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد 13/ 90. إنما أنت يهودي من أهل صفورية 10/ 6. إنما أهلك من كان قبلكم الاختلاف 4/ 268. إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا 3/ 96. إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق 2/ 207. إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد 5/ 382. إنما جزاء السلف الحمد والأداء 1/ 400. إنما خيرني اللَّه أو أخبرني اللَّه 2/ 432. إنما سميت فاطمة لأن اللَّه فطم من أحبها 4/ 196. إنما الصلاة لقراءة القرآن وذكر اللَّه 2/ 247. إنما فاطمة بضعة مني 10/ 273. إنما كان يقول ذاك العباس 3/ 211. إنما لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة 2/ 238. إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل 14/ 287. إنما مثلي ومثل ما بعثني اللَّه به 3/ 138. إنما المدينة كالكير تنفي خبثها 14/ 623. إنما هو جبريل لم أره على صورته 8/ 289. إنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء 5/ 355. إنما يعذب بالنار رب النار 2/ 238. إنما يلبس الحرير من لا خلاف له 6/ 385. إنه أحدث بربنا وأعظمه بركة 2/ 281. إنه أروى وأبرأ وأمرأ 7/ 365. إنه الآن ليحرق في النار على شملة غلها 1/ 318- 6/ 321- 13/ 343
إنه ستكون بعدي أثرة وأمور تكرهوها 12/ 305. إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها 12/ 335. إنه سيقتل أمير وينتز منتز 13/ 204. إنه سيكون في آخر هذه الأمة قوم لهم 12/ 295. إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر 12/ 364. إنه سيلحد فيه رجل من قريش 12/ 260. إنه سيلي أمركم قوم يطفئون السنة 13/ 212. إنه سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي 13/ 188. إنه في بعض شأنكم 1/ 189. إنه قد استسقى اللَّه دمي 13/ 256. إنه قد نعيت إليّ نفسي 14/ 417. إنه كائن في القوم خبر فأتيني بخبر القوم 11/ 386. إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة 10/ 366- 367. إنه لم يمت 14/ 109. إنه لمن أهل الجنة 1/ 160. إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه 11/ 249. إنه لو فر كما فر غيره من هو على مثل رأيه 1/ 127. إنه ليرتق فؤاد المريض 8/ 17. إنه ليس بدواء ولكنه داء 8/ 3. إنه ليس لنبي أن يومئ 13/ 111. إنه ليس من شيء إلا يعرف أني رسول اللَّه 5/ 255. إنه ليس من الناس أحد أمن على نفسه وماله 14/ 439. إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر اللَّه 2/ 321، 322. إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللَّه كل يوم 11/ 201. إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر اللَّه 13/ 60. إنه ميمون النقيبة مبارك الأمر 1/ 71. إنه لا ينبغي من أمتي أن يسجد أحد لأحد 5/ 247. إنه يصب من الغلام ويغسل من الجارية 14/ 143. إنها أمارة من أمارات ما بين يدي الساعة 5/ 234
إنها أيام أكل وشرب وذكر اللَّه 2/ 116. إنها جند من جنود اللَّه 5/ 269. إنها ستفتح عليكم الأمصار، وسيضرب عليكم فيها بعوث 14/ 126. إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها 13/ 226. إنها ستكون معادن يحضرها شرار الناس 12/ 327. إنها ستهب الليلة ريح شديدة 2/ 55. إنها صفية 2/ 282. إنها كانت تأتينا أيام خديجة 10/ 54. إنها كانت فيها أنفس سبعة أناس 11/ 316. إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد 2/ 226. إنها لرؤيا حق 10/ 118. إنها لن تراني 4/ 116. إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات 12/ 378. إنها ليست بدار مكث ولا إقامة 2/ 120. إنها ما خلأت ولا هو لها بعادة 1/ 284. إنها مأمورة خلوا سبيلها 1/ 66. إنها لا تحل لي 6/ 69. إنها لا تضر ولا تنفع، ولكنه يقر بعين لي 5/ 339. إنهم إذا قاتلوك 2/ 84- 14/ 29. إنهم غدروا ونقضوا العهد 1/ 352. إنهم لن يروكم 4/ 402. إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني 13/ 133. إني اتخذت خاتما من ذهب 7/ 36. إني اتخذت خاتما من فضة 7/ 45. إني اتخذت خاتما من ورق 7/ 40. إني أحب أن أتزوج من الأنصار 6/ 97، 113. إني أخاف أن يقتلوك 14/ 28. إني أخاف عليك من هذه الضاحية 1/ 259- 7/ 244. إني أخاف عليكم من قريظة 1/ 238
إني أخاف عليهم أهل نجد 1/ 182. إني أخشى أن يكون بي لهم 2/ 349. إني أرحمهما، قتل أخوها معي 10/ 253. إني أرى في المنام رجلا يأتيني معه رجلان 4/ 101. إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم 13/ 224. إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون 12/ 6. إني أريب دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين 8/ 317. إني أسمع صوتا وأرى ضوءا 3/ 23. إني أشهد أني رسول اللَّه 12/ 64، 65. إني أعلم أنك أحب البلاد إلى اللَّه 4/ 198. إني أعوذ برضاك من سخطك 10/ 180. إني أمرت أن أغير اسم هذين 2/ 275- 3/ 310. إني أناجي من لا تناجي 2/ 378. إني أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي مسك 13/ 372. إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة 3/ 233. إني بين أيديكم فرط، وأنا شهيد عليكم 3/ 303. إني تارك فيكم الثقلين 5/ 378- 6/ 13. إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي 5/ 377. إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل 2/ 242. إني رافع لوائي غدا إلى رجل يحب اللَّه ورسوله 11/ 286. إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا 8/ 133. إني رأيت البارحة عجبا 8/ 95. إني رأيت البارحة فيما يرى النائم 14/ 532. إني رأيت في الأولى قصور الشام 13/ 295. إني رأيت في المنام غنما سودا 8/ 127. إني رأيت في منامي كأن بني الحكم 12/ 273. إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي 8/ 126. إني رأيت في النوم أني أعطيت عسا مملوءا لبنا 8/ 114. إني رأيت الليلة كأنما يتبعني غنم سود 14/ 202
إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة 1/ 163- 13/ 261. إني رسول اللَّه ولن أعصيه ولن يضيعني 1/ 293. إني سجدت هذه السجدة شكرا للَّه عز وجل 11/ 49. إني عبد اللَّه في أم الكتاب وخاتم النبيين 4/ 54، 170. إني عبد اللَّه في أول الكتاب 3/ 170. إني عبد اللَّه مكتوب بخاتم النبيين 3/ 170. إني على جناح سفر وحال شغل 2/ 76. إني على الحوض انظر من يرد عليّ منكم 3/ 305، 306- 14/ 222. إني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي 12/ 390. إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم 3/ 303- 14/ 267. إني فرطكم على الحوض وإن عرضه كما بين أيلة 3/ 302- 14/ 266. إني فرطكم على الحوض وليرفعن إليّ رجال منكم 3/ 306. إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد فيها 14/ 424. إني قرأت القرآن على حرف أو حرفين 4/ 274. إني كائن لكم فرطا 1/ 279. إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه 7/ 35. إني كنت ألبس هذا الخاتم 7/ 35. إني لأخشى أن أكون كاهنا 2/ 390. إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها 2/ 240. إني لأرى السحاب تستهل بنصر بني كعب 1/ 355- 13/ 374. إني لأستغفر اللَّه وأتوب إليه في اليوم مائة مرة 2/ 320، 323. إني لأسن 10/ 178- 13/ 184. إني لأعرف أرضا يقال لها البصرة 12/ 331. إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ 2/ 390- 5/ 54. إني لأقوم في الصلاة 2/ 240. إني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة 3/ 289. إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة 2/ 333- 7/ 323- 13/ 83. إني لبدت رأسي وقلدت هدى 2/ 104- 9/ 32. إني لبعقر حوضي أذود الناس عنه لأهل اليمن 3/ 304
إني لست بأغنى عن الأجر منكما 2/ 207. أنّى لك هذا اللبن 2/ 334. إني لكم فرط على الحوض فإياي لا يأتين 3/ 304. إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة 2/ 233. إني وجدت تمرة ساقطة فأكلتها 2/ 334. إني واللَّه ما أنا بشاعر ولا ينبغي لي 13/ 92. إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد 6/ 309. إني لا أدخل عليهم السلاح 1/ 331. إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا 14/ 418. إني لا أصافح النساء 13/ 389، 390. إني لا أعلم إلا ما علمني ربي 11/ 226. إني لا أقول إلا حقا 2/ 253- 11/ 224. إني لا أمزح ولا أقول إلا حقا 2/ 256. إني لا أورث 13/ 158. أهبلت؟ جنة واحدة، إنها جنان 5/ 142. اهج المشركين فإن جبريل معك 10/ 39. اهجهم أو هاجهم وجبريل معك 10/ 38. اهجهم وروح القدس معك 6/ 173. اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل 10/ 41. اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد 5/ 57- 14/ 215. أهدية أم صدقة 13/ 84، 85. أهريقوا عليّ من سبع قرب 2/ 131- 8/ 19- 14/ 438، 439. أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ 14/ 86. أو أملك أن نزع اللَّه من قلبك الرحمة 2/ 224. أو تراك تكتم عليّ حتى أخبرك؟ 5/ 215. أوتيت خصالا لا أقولها فخرا 3/ 317. أوتيت خمسا لم يؤتهن نبي قبلي 3/ 313. أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبيض 10/ 279
أوتيت الليلة خمسا لم يؤتها نبي قبلي 3/ 313. أوجعتني أخر رجلك 2/ 25، 26. أو خير لك من ذلك؟ 1/ 206- 6/ 84. أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه 14/ 112. أوصيك بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف 8/ 160. أوصيكم بتقوى اللَّه، فإن تقوى اللَّه خير ما عمل به 9/ 91. أوصيكم بتقوى اللَّه والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا 3/ 146- 12/ 352. أوصيكم بتقوى اللَّه وبمن معكم من المسلمين خيرا 1/ 338. أوصيكم يا أهل بيتي وعترتي خيرا 14/ 481. أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا 12/ 215. أول ما نهاني ربي عن عبادة الأصنام 2/ 357. أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية 12/ 279. أول نزل ينزله أهل الجنة بلام ونون 14/ 76. أولئك إخواننا معنا طوبى لهم 12/ 338. أولئك العصاة 1/ 355- 13/ 374. أولئك قوم إذا مات الرجل الصالح منهم 2/ 133. أولم يبلغك ما قال صاحبكم ابن أبيّ؟ 1/ 209. أو ليس قد ابتعته منك؟ 7/ 195- 13/ 166. أو ليس من أهل بدر؟ 13/ 377. أو مخرجي هم؟ 3/ 11. أو يقضي اللَّه خيرا من ذلك يا سعد 1/ 95- 9/ 242. ألا احتطت يا أبا بكر، فإن البضع ما بين 14/ 169. ألا أخبركم بأبخل الناس؟ 11/ 82. ألا أخبركم خبر الثلاثة؟ 1/ 299. ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ 6/ 360- 10/ 4. ألا أراك نائما في المسجد 14/ 34. ألا أرقيك برقية رقاني بها جبريل 8/ 54. ألا أرى هذا الخبيث يفطن لما أسمع؟ 2/ 24. ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح 11/ 178
ألا إن مسجدي حرام على كل حائض 10/ 182. ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبث 10/ 348. ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على 12/ 349. ألا إنكم تعيبون أسامة وتطعنون في إمارته 14/ 518. ألا إنكم توفون سبعين أمة 9/ 86. ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه 11/ 223. ألا إني أوتيت الكتاب وما يعدله 11/ 223. ألا إني سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر 3/ 229. ألا أي شهر تعلمون أعظم حرمة؟ 10/ 343. ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى 3/ 337. ألا ترون هذا المحرم وما يصنع؟ 2/ 106، 214. ألا تعجبون كيف يصرف اللَّه عني شتم قريش؟ 2/ 139- 4/ 130. ألا تعجبون من هذه الخشبة 5/ 49. ألا تكفني ذا الخلصة؟ 12/ 55. ألا خمرته؟ ولو تعرض عليه عودا 7/ 364. ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله اللَّه معي 11/ 383. ألا رجل يحملني إلى قومه؟ 9/ 178. ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب 9/ 50. ألا ما تتركوا في جزيرة العرب دينين 14/ 414. ألا وإني تارك فيكم ثقلين 5/ 377. ألا وإني لا أعلم إلا ما علمني اللَّه 2/ 374. ألا لا يبيتن رجل عند امرأة 10/ 254. ألا لا يحل هذا المسجد لجنب 10/ 183. ألا لا يدخل الجنة إلا مؤمن 13/ 344. ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان 14/ 320، 321. أي أبا الحباب أين رأيت مثل ما رأيت اليوم؟ 1/ 284. أي رجل عبد اللَّه بن سلام فيكم؟ 14/ 74. أي سلمة أين الحناء؟ 7/ 247. أي عباس ناد أصحاب الشجرة 5/ 67
أي يوم هذا؟ 12/ 348. إياكم والدخول على النساء 10/ 254. إياكم والوصال 2/ 319. أيبون تائبون إن شاء اللَّه لربنا حامدون 8/ 380. أيبون تائبون عابدون لربنا حامدون 1/ 258. أيبون تائبون لربنا حامدون 8/ 168. أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ 13/ 227. أيحسب أحدكم متكئا على أريكته 11/ 223. أيكم دعا على هذا الكلب؟ 12/ 109. أيكم الّذي سمعت صوته قد ارتفع 10/ 126. أيكم صاحب هذا البعير 5/ 252. أيكم فجع هذه؟ 5/ 274. أيكم يبسط ثوبه فيأخذ مني حديثي هذا؟ 11/ 248. أيكم يعرف ثنية ذات الحنضل 13/ 322. أيكم قتله؟ 12/ 152. أيم بك 1/ 265- 7/ 246. أيما امرئ قال لأخيه يا كافر 9/ 212. أيما رجل كسب مالا من حلال فأطعم نفسه 11/ 89. أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه 11/ 151. أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر 2/ 23. أيما قوم جلسوا في مجلس ثم تفرقوا 11/ 86. أيما مؤمن أمن مؤمنا على دمه فقتله 12/ 252- 14/ 160. أين ابناي؟ 6/ 9. أين أراه السائل عن الساعة؟ 12/ 381. أين أنا غدا؟ 2/ 130- 14/ 436، 498، 604. أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ 10/ 231. أين البول الّذي كان في هذا القدح؟ 7/ 111، 113. أين تركت أهلك؟ 14/ 310. أين تريد؟ 5/ 37
أين حبس سيل؟ 12/ 373. أين زيد؟ 10/ 208. أين السائل عن العمرة؟ 3/ 50. أين صاحب هذا البعير؟ 5/ 253. أين صاحب هذه؟ 5/ 240. أين الصبي؟ 2/ 278، 313. أين صنعت هذه؟ 7/ 293. أين كنت منذ الليلة؟ 14/ 52. أين كنت اليوم يا سعد 5/ 71. أين لكاع، ادع لكاعا 2/ 218. أين مالك الّذي أودعته أم الفضل 4/ 216. أين مالك الّذي وضعت بمكة 4/ 399. أيها الناس، اسمعوا من قولي واعقلوه 2/ 118. أيها الناس، أما بعد فإن أصدق الحديث 2/ 59. أيها الناس، أما واللَّه ما بت ليلتي هذه 2/ 242. أيها الناس، إن اللَّه كتب عليكم السعي فاسعوا 2/ 109. أيها الناس، انزلوا 5/ 109. أيها الناس، انفذوا بعث أسامة 14/ 517. أيها الناس، إن اللَّه حرم مكة 8/ 387. أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا 10/ 99. أيها الناس، إنه لم يبق من مبشرات النبوة 14/ 467. أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة كافر 14/ 322. أيها الناس، إني رأيت في منامي رؤيا 1/ 133- 8/ 100. أيها الناس، إني واللَّه لا أدري لعلي لا ألقاكم 2/ 112. أيها الناس، بلغني أنكم تخافون عليّ الموت 14/ 444. أيها الناس، خذوا ولا تنتهبوا 5/ 152. أيها الناس، سعرت النار وأقبلت فتن كقطع الليل 14/ 442، 473. أيها الناس، على رسلكم عليكم السكينة 2/ 114. أيها الناس، من أنا؟ 3/ 207
حرف الباء
أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت؟ 6/ 284. إيها يا ابن رواحة، قل لا إله إلا اللَّه 1/ 332. أيهم هو؟ 2/ 78. الآن حمى الوطيس 8/ 389. الآن نغزوهم ولا يغزوننا 13/ 296. ألبر أردن بهذا؟ 10/ 149. ألبر تقولون؟ 10/ 149. الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون 10/ 300، 301. الآيات خرزات منظومات في سلك 14/ 154. الإيمان قيد الفتك 12/ 220- 14/ 128. الإيمان يمان 2/ 60. الأيمن فالأيمن 7/ 368، 369 حرف الباء بأي بلاد شكر؟ 12/ 80. بارك اللَّه لأمتي في بكورها 12/ 62. بارك اللَّه فيك 7/ 282- 11/ 352، 356. بارك اللَّه في صفقة يمينك 12/ 43، 45. بارك اللَّه لك فيها 4/ 398. بارك اللَّه لكم في غنمكم 2/ 5- 5/ 282. بارك اللَّه لكما في ليلتكما 12/ 25. باسمك اللَّهمّ ريق بعضنا بتربة أرضنا 11/ 375. باسمك رب وضعت جنبي فاغفر لي 8/ 87. بئر غرس من عيون الجنة 7/ 350. بئس أخو العشيرة 10/ 216. بئس أخو القوم وابن العشيرة 10/ 216. بئس ما جزيتيها 7/ 232، 237. بئس ما جزيتها إن حملك اللَّه عليها ونجاك بها 1/ 264. بئس ما صنعت 13/ 250. بئس ما فعلت قتلت رجلين 1/ 184
بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية 12/ 197. بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلم يصل عليّ 11/ 82. بالحنيفية 3/ 356. بخ ذلك مال رابح 7/ 346. بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا 12/ 342، 386، 387، 388. برئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله 1/ 315. برد أمرنا وصلح 2/ 307. بسم اللَّه 13/ 293. بسم اللَّه أذهب سوءه وفحشه 11/ 311. بسم اللَّه تربة أرضنا وريقة بعضنا 8/ 50. بسم اللَّه توكلت على اللَّه 8/ 69. بسم اللَّه الحمد للَّه 7/ 214. بسم اللَّه اللَّهمّ أذهب حرها وبردها 7/ 390. بسم اللَّه اللَّهمّ أطعمت وسقيت وأرويت 7/ 340. بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر 14/ 179، 180. بعث موسى وهو راعي غنم 4/ 104. بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب 3/ 315- 9/ 237، 238. بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرن 3/ 212. بعثت هذه الريح لموت منافق 13/ 317. بعثني اللَّه رحمة وهدى للعالمين 3/ 96. بعني جملك هذا 11/ 60. بعنيه بأوقية 5/ 220، 221- 11/ 256. بكت على ما كانت تسمع من الذكر 10/ 106. بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد اللَّه 2/ 233. بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد 10/ 367. بل استأنى بهم 2/ 228- 9/ 38. بل أكون عبدا نبيا 2/ 286. بل أنا أقتلك 1/ 130
بل أنا أقتلك عليها إن شاء اللَّه 1/ 154- 9/ 278- 13/ 253، 254. بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه 10/ 328. بل أنا يا عائشة وا رأساه 14/ 430، 433، 434. بل أنت سهل 2/ 312، 313. بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوع 11/ 222. بل تعيش حميدا وتموت شهيدا 14/ 217. بل عارية مضمونة 14/ 8. بل قام جبريل من عندي قبل 12/ 236- 14/ 144. بلغوا عني ولو آية 10/ 297. بلى 10/ 106، 171. بلى إني رسول اللَّه ونبيه 9/ 94. بلى، والّذي نفسي بيده إنكم لعلى الحق 4/ 360. بم تستمشين؟ 8/ 14. بما كان ولو بشق تمرة 1/ 331. بهذا أمرت 3/ 60. بورك لأمتي في بكورها 12/ 63. بين يدي الساعة تقاتلون قوما نعالهم الشعر 14/ 202. بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم 12/ 334. بين يدي الساعة الهرج 12/ 323. بينا أنا أمشي سمعت صوتا 3/ 12، 14. بينا أنا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي 8/ 257. بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي 8/ 137. بينا أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي 8/ 117. بينا أنا نائم أوتيت بقدح لبن فشربت منه 8/ 112- 13/ 60. بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام 8/ 209. بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان 8/ 194، 208، 241. بينا أنا نائم رأيت أني على حوض أسقي الناس 8/ 117. بينا أنا نائم رأيت سوارين من ذهب 14/ 229
حرف التاء
بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل 8/ 134. بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب 14/ 533. بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ 8/ 111، 112. بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو 8/ 114- 14/ 211. بينا أنا نائم رأيتني في الجنة 8/ 119. بينما أنا على بئر أنزع منها 8/ 118. بينما أنا في الحطيم مضجطعا 8/ 232. بينما أنا قائم عشاء في المسجد الحرام 8/ 261. بينما أنا نائم أوتيت خزائن الأرض 8/ 101- 14/ 524، 525. بينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل 12/ 210. البخيل الّذي إذا ذكرت عنده فلم يصل عليّ 11/ 81. البياض والخضرة 2/ 379 حرف التاء تبنى مدينة بين دجلة ودجيل 12/ 330. تجهز فإنّي باعثك في سرية من يومك 6/ 370. تخرج بسيفك إلى الحرة ونفر فتضرب بها 13/ 225. تخرج رايات سود من خراسان 12/ 297. تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب 5/ 338. تدور رحى الإسلام على خمس وثلاثين 13/ 205، 206. تدور رحى الإسلام عند رأس خمس 13/ 205. تربة أرضنا وريقة بعضنا 8/ 50. تزوجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم 4/ 212. تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند اللَّه 12/ 289. تسمعون ما أسمع؟ 12/ 7. تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن سمع منكم 12/ 346. تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي 2/ 147- 14/ 375. تسمون بأسماء فراعنتكم؟ 12/ 280. تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم 13/ 46. تضايق على صاحبكم قبره 1/ 255
تعال 2/ 80. تعالى حتى أسابقك 2/ 255. تعالي يا بنية ما هذا معك؟ 1/ 239- 5/ 232. تعالى يا شيبة 4/ 118. تعجبون من هذا، والّذي نفسي بيده لمناديل سعد 14/ 50. تعرفني؟ 4/ 110- 7/ 182. تعجلوا وضعوا 9/ 293. تعوذوا باللَّه من السبعين ومن إمارة الصبيان 12/ 261. تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم 14/ 183. تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة 12/ 351. تفرقت اليهود على إحدى واثنتين وسبعين فرقة 12/ 350. تقاتلون بين يدي الساعة قوما نعالهم الشعر 14/ 201. تقتل عمارا الفئة الباغية 12/ 197- 13/ 244. تقتلك الفئة الباغية 12/ 197. تقحمت بي الناقة الليلة 1/ 208- 6/ 362. تقدموا واقضوا حاجتكم 5/ 97. تقولون اللَّهمّ اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد 11/ 42. تقولون اللَّهمّ صل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم 11/ 41. تكون في أمتي فرقتان 12/ 205. تكون معادن ويكون فيها شرار خلق اللَّه 12/ 327. تلك الروضة روضة الإسلام 12/ 227- 14/ 135. تلك السكينة تنزلت للقرآن 5/ 328. تلك العروة الوثقى، فأنت تموت على الإسلام 12/ 226- 14/ 134. تلك الكلمة الحق يخطفها الجنى 5/ 7. تلك الملائكة جاءت تسمع قراءتك 5/ 331. تلك الموءودة الصغرى 1/ 206. تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين 12/ 205. تمشوا بنا إلى الثنية نتحسب من أصحابنا خبرا 13/ 320. تمشي بين يدي من هو خير منك؟ 9/ 120
حرف الثاء
تنام عيني ولا ينام قلبي 8/ 91. تنحره وتلقى قلائده في دمه 2/ 103. تنحرها وتصبغ نعلها 7/ 254. تنزلون منزلا يقال له الجاثية 13/ 193. توضئوا باسم اللَّه 5/ 87. تيامنوا في هذا العضل، فإن عيون قريش 1/ 282- 13/ 323. التثاؤب من الشيطان 10/ 320. التحيات للَّه والصلوات والطيبات 11/ 39، 100، 112. التصفيق للنساء والتسبيح للرجال 14/ 476. التلبينة مجمة لفؤاد المريض 8/ 16 حرف الثاء ثبت اللَّه ملكه 12/ 131، 132. ثكلتك أمك، وهل تنصرون إلا بضعفائكم 1/ 111. ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام 8/ 114. ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان 13/ 173. ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان 13/ 174. ثلاث هن عليّ فرائض وهي لكم تطوع 13/ 10. ثلاث هن عليّ فرض وهن لكم سنّة 13/ 26 حرف الجيم جاء الحق وزهق الباطل 1/ 390. جاءكم أهل اليمن هم أرق أفئدة 14/ 61. جاءكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا 14/ 61. جاءني ملك فقال إن ربك يقرأ عليك السلام 2/ 222. جاورت بحراء شهرا 3/ 30- 4/ 337. جاورت بحراء فلما قضيت جواري 3/ 30- 4/ 336. جئت بالحنفية دين إبراهيم 14/ 360. جئت يا وابصة تسألني عن البر والإثم 14/ 101. جئني بالشياه 12/ 53
حرف الحاء
جراحكم في سبيل اللَّه، ومن قتل منكم فإنه شهيد 1/ 238. جزاك اللَّه يا عائشة عني خيرا 2/ 159. جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا 3/ 311، 312. جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا 3/ 312. جهزينا وأخفي أمرك 1/ 351. الجنة تحت ظلال السيوف 10/ 351، 352 حرف الحاء حاربت يهود 1/ 189. حبب إليّ من الدنيا النساء والطيب 7/ 92. حبب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني 7/ 92. حتى تقسم الغنائم ثم أعطيك عقالا 1/ 318. حتى غاب ذلك منك في ذلك منها 10/ 18. حدثوا عني بني إسرائيل ولا حرج 10/ 297. حر وعبد 8/ 312- 9/ 93، 94، 96. حسبك من نساء العالمين أربع 4/ 195. حسبنا اللَّه ونعم الوكيل 1/ 180، 231، 356. حسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ما أراه إلا صدقني 9/ 234. حسين مني وأنا من حسين 6/ 19. حسين مني وأنا منه 2/ 218. حفظك اللَّه كما حفظت رسوله 2/ 72. حق على اللَّه أن لا يرفع شيء من الدنيا إلا وضعه 7/ 229، 231. حكمت فيهم بحكم اللَّه 2/ 271، 304. حم لا ينصرون 5/ 70. حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن 3/ 305. حوضي مسيرة شهر، زواياه سواء 3/ 305. حي على أهل الوضوء والبركة 5/ 88. الحجامة تزيد في العقل 8/ 60. الحسن والحسين ابناي 6/ 11. الحرب خدعة 1/ 245- 13/ 113، 114
حرف الخاء
الحمد للَّه، دفن البنات من المكرمات 5/ 346. الحمد للَّه الّذي أجاب دعوتي فيه 1/ 110- 12/ 66. الحمد للَّه الّذي أحانه 1/ 156. الحمد للَّه الّذي أحيانا بعد ما أماتنا 8/ 83، 89. الحمد للَّه الّذي أطعم وسقى، وسوغه وجعل له مخرجا 7/ 340. الحمد للَّه الّذي أطعمنا وسقانا 7/ 339- 8/ 82. الحمد للَّه الّذي أنجز لي ما وعدني 12/ 161. الحمد للَّه الّذي جعل خد أبي جهل الأسفل 12/ 155. الحمد للَّه الّذي حسن خلقي وخلقي 7/ 86. الحمد للَّه الّذي خلقني ولم أك شيئا 8/ 157. الحمد للَّه الّذي سوّى خلقي فعدله 7/ 86. الحمد للَّه الّذي صدق وعده ونصر عبده 1/ 392. الحمد للَّه الّذي كفانا وأروانا 7/ 338. الحمد للَّه الّذي كفاني وأواني وأطعمني 8/ 87. الحمد للَّه الّذي هداك إلى الإسلام 7/ 180. الحمد للَّه الّذي هداك إلى هذا الدين 5/ 244. الحمد للَّه الّذي يطعم ولا يطعم 7/ 341. الحمد للَّه ربّ العالمين 2/ 189. الحمد للَّه على كل حال 11/ 143. الحمد للَّه على ما رزقنا في سفرنا هذا من أجر 2/ 79. الحمد للَّه كثيرا طيبا مباركا فيه 7/ 338. الحمد للَّه، ما من نبي يتوفاه اللَّه حتى يؤمه رجل 14/ 473. الحمى من فيح جهنم فأبردها بالماء 8/ 22. الحلو البارد 7/ 354 حرف الخاء خبز ولحم، وتمر وبسر ورطب 7/ 288- 14/ 293. ختمت عليك باللَّه من الشيطان الرجيم 5/ 339. خذهن فاجعلهن في مزود 5/ 185. خذوا عني، خذوا عني 10/ 16
حرف الدال
خذوه فإنه خبيث الدية خبيث الجثة 1/ 238. خذوهن اقتلوهن 3/ 46. خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف 13/ 163. خربت خيبر 9/ 269، 270- 10/ 218. خرجت من النار 9/ 270. خضبي هؤلاء بالدماء 5/ 36. خلوا سبيلها فإنّها مأمورة 10/ 85. خلافة نبوة 14/ 207. خير أكحالكم الأثمد 8/ 9. خير أمتي القرن الّذي بعثت فيهم 12/ 367. خير الناس قرني 3/ 339. خير الناس قرني ثم الذين يلونهم 12/ 366، 367. خير الناس من طال عمره وحسن عمله 12/ 343. خير نساء ركبن المطايا نساء قريش 6/ 102. خير نسائها مريم ابنة عمران 10/ 268، 270. خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة 11/ 64. خيركم قرني ثم الذين يلونهم 12/ 366. الخلافة بالمدينة والملك بالشام 12/ 209. الخلافة في أمتي ثلاثون سنة 14/ 206. الخير معقود بنواصي الخيل 12/ 43 حرف الدال دخلت الجنة البارحة فنظرت فيها 8/ 135. دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب 8/ 120. دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم 14/ 26. دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده 12/ 175. دعه يا عمر، فإنه خرج مهاجرا إلى اللَّه ورسوله 14/ 54. دعها فلعلها أن تسرك يوما 12/ 176. دعهم يا أبا بكر، فو الّذي نفسي بيده 1/ 37. دعهم يا عمر، فإنّهم بنو أرفدة 10/ 169
حرف الذال
دعهما يا أبا بكر فإنّها أيام عيد 10/ 166. دعوا الحنفي والطين 10/ 91. دعوني ما تركتكم 3/ 135. دعوه 2/ 243، 244- 7/ 189. دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى 4/ 54. دعوه حتى يحدث اللَّه فيه ما يشاء 1/ 247. دعوه، فإن يك فيه خير فيلحقه اللَّه بكم 2/ 52. دعوه، فلو قدر شيء كان 2/ 236. دعوه، فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر 14/ 352. دعوه وأهريقوا على بوله سجلا من ماء 2/ 244. دعوها فإنّها مأمورة 1/ 66. دعوهم، فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم 14/ 65. دعي هذه وقولي الّذي كنت تقولين 4/ 221. دعيه 12/ 235. دفن في التربة التي خلق منها 10/ 362. دم الحسين وأصحابه لم أزل أتبعه منذ اليوم 12/ 241. دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات 7/ 321. دونكما أبا محمد فإنّها تجم الفؤاد 8/ 65. دين اللَّه الّذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله 9/ 92. الدعاء موقوف بين السماء والأرض 11/ 126. الديك الأبيض صديقي 7/ 361 حرف الذال ذاك إبراهيم وسماه شيخه 9/ 60. ذاك جبريل، لو دنا منه لأخذه 4/ 123. ذاك حبسني عنكم 13/ 64. ذاك رجل نجاه اللَّه بوفائه 13/ 306. ذاك شيطان يقال له خنزب 11/ 322، 324. ذاك عند أوان ذهاب العلم 12/ 359. ذاك فلان من الملائكة 3/ 326
حرف الراء
ذاك لهم ما شاء اللَّه على ذلك 12/ 372. ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك 14/ 490. ذاك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته 13/ 5. ذاك نجاه اللَّه بوفائه 13/ 307. ذروة فإنه خبيث، خبيث الدية 4/ 120. ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت 7/ 308. ذكرت شيئا من تبر عندنا 2/ 291. ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء 2/ 133. ذلك لو كان وأنا حي فأستغفر لك 14/ 429. ذهب كلبهم وأقبل درهم 1/ 357. ذهبت منك الرحمة؟ 1/ 316 حرف الراء راقدا 10/ 75. رأيت جبريل عند السدرة وله ستمائة جناح 3/ 40. رأيت جبريل عليه السلام له ستمائة جناح 3/ 39. رأيت جبريل منهبطا قد ملأ ما بين السماء 3/ 43. رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا يطير 8/ 136. رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء اللَّه غلاما 12/ 237- 14/ 145. رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم 8/ 97. رأيت عمودا من نور خرج من تحت رأسي 12/ 211. رأيت غلاما بالبطحاء قد أوقفوه ليبيعوه 6/ 303. رأيت غنما كثيرة سوداء 8/ 127. رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة ثقيلة 11/ 301. رأيت في المنام أني أهاجر من مكة 8/ 98. رأيت في المنام كأن أبا جهل أتاني فبايعني 8/ 136. رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا 8/ 100. رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس 8/ 102- 11/ 302. رأيت كأن دلوا دليت من السماء 8/ 133. رأيت كأني أتيت بكثلة تمر 8/ 121
رأيت كأني أنزع على غنم سود 8/ 119. رأيت كأني دخلت الجنة فرأيت لجعفر درجة 8/ 136. رأيت ليلة أسري بي لما انتهينا إلى السماء 8/ 280. رأيت ليلة أسرى بي موسى رجلا أدم طوالا 8/ 246. رأيت الملائكة تغسله 1/ 173. رأيت نورا 8/ 290. رأيته نورا أنّى أراه 8/ 291. رأيتهن وقد أصبن بآبائهن 2/ 5. رب قني عذابك يوم تبعث عبادك 8/ 84. رب يمين لا يصعد إلى اللَّه بهذه البقعة 12/ 336. رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم قوة 1/ 332. رحم اللَّه امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة 9/ 19. رحم اللَّه حرس الحرس في سبيل اللَّه 2/ 68. رحم اللَّه موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر 10/ 377. رحم اللَّه المحلقين 1/ 298- 2/ 116- 10/ 48، 51. ردوا عليّ ردائي، أتخشون عليّ البخل 2/ 211. ردي على قول اليهودي قاتله اللَّه 2/ 266. رسول اللَّه 4/ 379. رشوا عليها 5/ 75. رضي اللَّه عنكن وعن أولادكن 1/ 176. رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ 11/ 7، 72. رفعت إليّ السدرة فإذا أربعة أنهار 7/ 359. رويدك يا أنجشة، رفقا بالقوارير 6/ 319، 9/ 310، 316. رويدك يا أنجشة سوقا بالقوارير 2/ 224. ريح كرب وبلاء 14/ 146. الرافلة في الزينة في غير أهلها 6/ 347. الرؤيا ثلاث، فرؤيا حق 10/ 293
حرف الزاي
حرف الزاي زمام خير من خزام 2/ 78. زملوني دثروني 1/ 31. زملوني زملوني 3/ 5. زن وأرجح 7/ 16. زودك اللَّه التقوى 8/ 159. زيد بن حارثة أمير الناس 1/ 338 حرف السين ساقى القوم آخرهم شربا 7/ 375، 376. سألت ربي أن لا أزوج أحدا من أمتي 13/ 126. سب الأموات يؤذي الأحياء 14/ 329. سباب المسلم فسوق 9/ 217. سبحان اللَّه 5/ 89. سبحان اللَّه بئس ما جزتها 7/ 236. سبحان اللَّه، علام يقتل أحدكم أخاه؟ 7/ 391. سبحان اللَّه، ما أنزل اللَّه من خزائن؟ 13/ 222، 223. سبحان اللَّه ويلك، أنا شفعت إلى ربي 5/ 129. سبحانك اللَّهمّ وبحمدك 2/ 285. سبحانك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي 7/ 214. ستبتلى هذه الأمة رجلا 12/ 384. ستبنى مدائن بين نهرين من المشرق 12/ 331. ستبعث بعوث فكن في بعث يأتي خراسان 14/ 196. ستجده يصيد البقرة فتأخذه 2/ 63- 14/ 49. ستفتح عليكم الشام، فإذا خيرتم المنازل فيها 14/ 186. ستفتح لكم الأرض وتكفون الموتة، فلا يعجزن أحدكم 14/ 126. ستكون معادن يحضرها شرار الناس 12/ 327. سددوا، وقاربوا، وابشروا 2/ 332. سر 2/ 52
سر يا صاحب الفرس 5/ 221- 11/ 272. سل عما شئت 14/ 79. سلمان منا أهل البيت 1/ 226- 13/ 291. سلوا عما شئتم 11/ 239- 14/ 80. سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم 11/ 243. سلم يا علي باسمي وكن بكنيتي 13/ 188. سمع سامع بحمد اللَّه وحسن بلائه علينا 8/ 164. سمع اللَّه لمن حمد ربنا ولك الحمد 12/ 68، 69، 72. سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يعيب أكل ما ذبح 2/ 352. سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي 2/ 147، 148. سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي 11/ 354. سهل أمرهم 1/ 290. سيحال بيني وبينها 4/ 115. سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان 9/ 214. سيروا على بركة اللَّه فإن اللَّه قد وعدني 1/ 95. سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق 14/ 55. سيقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم وأهل السماء 12/ 220- 14/ 128. سيكون بعدي خلفاء يعملون ما يعلمون 12/ 304. سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم ما لم تسمعوا 12/ 364. سيكون في أمتي رجل يقال له غيلان 12/ 286. سيكون في هذه الأمة رجال يركبون على المياثر 12/ 329. سيكون فيكم اثنا عشر خليفة 13/ 202. سيحان وجيحان والفرات والنيل 10/ 351. سيولد لك بعدي غلام قد نحلته اسمي وكنيتي 13/ 186. السلام على همدان 2/ 102. السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه 11/ 27. السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون 12/ 337، 338. السلام عليكم ورحمة اللَّه 7/ 343. السلام عليكم يا صبيان 2/ 207
حرف الشين
السيد اللَّه 2/ 219. السيد هو اللَّه 2/ 228 حرف الشين شاهت الوجوه، اللَّهمّ ارعب قلوبهم 1/ 108. شدوا رأسي لعلي أخرج إلى المسجد 12/ 22. شرط من ربي ألا أصاهر إلى أحد 6/ 191. شغلنا المشركون عن صلاة الوسطى 1/ 237. شفاء عرق النساء ألية شاة عربية 8/ 31. شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي 3/ 264، 294. شفعت الملائكة وشفع النبيون 10/ 277. شكوا إليّ ما بلغ منهم الجوع فأذنت لهم 2/ 70- 9/ 264. شم سيفك وارجع مكانك ومتعنا بنفسك 1/ 158. شمي عوارضها وانظري إلى عرقوبها 6/ 94. شيبتني هود وأخواتها 2/ 328. شيبتني هود وصواحبتها هذه 2/ 329. شيبتني هود والواقعة 2/ 327. الشربة لك، وإن شئت أمرت بها خالدا 7/ 373، 374. الشفاء في ثلاثة 8/ 57. الشفاعة 3/ 239 حرف الصاد صاحب الجبيذة بالأمس 14/ 110. صاحب الجزور 13/ 366، 367، 368. صاحب الشيء أحق بحمله 7/ 17. صبوا عليّ سبع قرب لم تحلل 8/ 21. صدق الحديث وأداء الأمانة 11/ 142. صدق الراعي، ألا إنه من أشراط الساعة 5/ 233. صدق اللَّه وكذب بطن أخيك 7/ 398. صدقت، ذلك من مدد السماء 3/ 319
صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج؟ 2/ 27، 97. صفتي أحمد المتوكل 3/ 343. صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتك الصلاة معهم 13/ 211. صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة 13/ 211. صلوا على أنبياء اللَّه ورسله 10/ 371. صلوا على صاحبكم فإنه قد غل 2/ 21- 13/ 343. صلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني 10/ 306. صلوا عليّ فإن صلاتكم عليّ زكاة لكم 11/ 89. صلوا عليّ فإن الصلاة عليّ كفارة لكم 11/ 46، 91، 141. صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا 11/ 68، 71. صلوا كما رأيتموني أصلي 3/ 159، 165. صلى اللَّه عليك وعلى زوجك 11/ 261. صليت العصر يا عليّ 5/ 29. صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما 8/ 251. صنف تمرك كل شيء منه على حدته 5/ 197. صنفان من أهل النار لم أرهما 12/ 328. صوت أبي طلحة في الجيش خير من أربعين رجلا 1/ 150. صوم شهر الصبر أو ثلاثة أيام من كل شهر 9/ 280- 13/ 137. صوم شهر الصبر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر 9/ 280. صلاة أحدكم في بيته أفضل 10/ 358. صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة 10/ 345، 346، 353، 357، 358. صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة 14/ 621- 622. صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة 10/ 361. صيد البر لكم حلال 2/ 105. صيد قوم وربيطة قوم 5/ 241. الصحبة 1/ 57. الصلاة الصلاة، إنكم لا تزالون متماسكين 14/ 509. الصلاة في أول وقتها 1/ 204
حرف الضاد
الصلاة في وقتها 14/ 305. الصلوات الخمس 3/ 56 حرف الضاد ضحكت من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق 13/ 294. ضرب اللَّه عنقك 2/ 255- 4/ 399. ضع يدك على الّذي تألم من جسدك 8/ 48. ضعه في ناحية البيت 5/ 173. ضعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة 13/ 349. ضعوا فيه السكين واذكروا اسم اللَّه 2/ 62- 7/ 293. ضعوا لي ماء في المخضب 14/ 463. الضب لست آكله ولا أحرمه 7/ 301. الضحى 13/ 19 حرف الطاء طوبى للشام 4/ 241. طوبى للغرباء 12/ 387. طوبى لمن رآني وآمن بي 12/ 338 حرف الظاء ظل خباء في سبيل اللَّه 2/ 68 حرف العين عائشة 5/ 405. عثمان أضل عيبة بفلاة عليها قفل 13/ 208. عجبا يا أم سلمة، إن قلت للناس انحروا 1/ 297. عجل هذا 11/ 54، 95. عذاب هذه الأمة جعل بأيديها في دنياها 12/ 326. عذت بعظيم الحقي بأهلك 6/ 95. عذت بمعاذ عذت 6/ 99، 101
عرض عليّ ربي بطحاء مكة ذهبا 2/ 288. عرضت عليّ الأنبياء الليلة بأممها 8/ 122. عرضت عليّ الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير 11/ 242. عرّق اللَّه وجهه في النار 1/ 236. عسى أن تجد لنا ماء 2/ 73- 5/ 107. عسى أن يرسل عليه كلبا من كلابه 12/ 120. علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل 4/ 208. علموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره 1/ 118. علمي حفصة رقية النملة كما علمتيها الكتاب 10/ 57. على أي حال رأيتينهما؟ 9/ 116. عليّ بالرجل 7/ 362. على رسلكما، إنما هي صفية 10/ 153. على الفطرة 9/ 270. على مصافكم كما أنتم 8/ 131. عليّ وفاطمة والحسن والحسين 5/ 383. عليك باتقاء اللَّه ولا تحقرن من المعروف شيئا 7/ 61. عليك بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف 8/ 159. عليك بالسكينة والوقار 6/ 119. عليك السلام تحية الميت 7/ 13. عليكم بحصى الخذف 2/ 160. عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي 13/ 214. عليكم بما اسود منه فإنه أطيبه 4/ 104، 105. عليكم بهذا العود الهندي 8/ 5. عليكم بالشفاءين العسل والقرآن 7/ 398. عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر 13/ 363. عليكن بهذا العود الهندي 8/ 6. عمر أمتي من ستين إلى سبعين 12/ 262. عند فرطنا عثمان بن مظعون 5/ 338. عندك دريرة 8/ 38
حرف الغين
عودوا إلى الّذي كنتم فيه 11/ 251. عوف بن مالك؟ 1/ 345. علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟ 8/ 5، 6. العباس أخي من الرضاع 6/ 111. العمرة إلى العمرة كفارة 10/ 350. العيش عيش الآخرة 1/ 384. العين حق، ولو كان شيء سابق القدر 7/ 387 حرف الغين غفار غفر اللَّه لها 4/ 375. غفار غفر اللَّه لها، وأسلم سالمها اللَّه 12/ 72. غفر اللَّه لك يا أبا حفص 2/ 237. غيب عني وجهك 1/ 400. غير هذا كان أجزى 10/ 143. غيروا فإن اليهود لا تغير 7/ 66 حرف الفاء فاطمة بضعة مني 10/ 273، 283. فاطمة سيدة نساء أهل الجنة 10/ 273. فانحرها ثم أصبغ نعلها في دمها 7/ 253. فأدخله عليّ 12/ 170. فأردت أن أستغيث فحبساني 3/ 28- 8/ 93. فإن الجمل مأمور 1/ 161. فإن شئت أخرت ذلك وهو خير ذلك 11/ 326. فإن الملائكة وارت جثته وأنزل عليين 13/ 286. فأنت يعفور 5/ 267. فإنّي سأبعث معكم أمينا حق أمين 9/ 366. فإنّي قد رضيته لك 10/ 208. فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق 13/ 315. فأين سبحه التي شهد عليها بدرا 7/ 209
فبم لددتموني؟ 2/ 130. فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا 3/ 15. فتحت البلاد بالسيف وفتحت المدينة بالقرآن 10/ 363. فتنة الرجل في أهله وماله وولده 13/ 194. فجاءني وأنا نائم بنمط 3/ 24. فذاك إذا 2/ 213. فرج سقف بيتي وأنا بمكة 3/ 36- 8/ 196، 243. فرغت 4/ 341. فرغوا لها عكتها 5/ 227. فروا من المجذوم فراركم من الأسد 8/ 27. فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره 10/ 358. فضل عائشة على النساء كفضل الثريد 10/ 271. فضلت بخصال ست لا أقولهن فخرا 3/ 224. فضلت على آدم بخصلتين 4/ 112. فضلت على الأنبياء بست 3/ 317. فضلت على الناس بأربع 6/ 127. فضلت على الناس بثلاث 3/ 312. فضلنا على الأنبياء بثلاث 3/ 312. فظننتها فجأة الجن 3/ 19. فعلت اليوم أمر ليتني لم أك فعلته 2/ 110. فقل لا يفضض اللَّه فاك 3/ 193. فكذلك فلتكن 12/ 100. فلعلك وافقك سائل 5/ 332. فلعلكم تفترقون 2/ 192. فلم ابتعثني اللَّه إذا؟ 9/ 363. فما تزوجت؟ بكرا أم ثيبا؟ 5/ 197. فما فعلت الرحى 5/ 164. فمن يعدل إذا لم يعدل اللَّه ورسوله 14/ 24. فهل لك في خير من ذلك؟ 13/ 314
حرف القاف
فهل مع ذلك غير؟ 10/ 74. فهل غير ذلك؟ 6/ 305. فهلا نقبت عن قلبه؟ 13/ 351. في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا 14/ 195. في أمتي اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة 14/ 341. في ثقيف كذاب ومبير 12/ 256. في الصلاة وفي الركوع إني أراكم 5/ 307. في النار 2/ 242. فيكم النبوة والمملكة 12/ 298. فيها آية خير من ألف آية 8/ 86. فيهن آية كألف آية 8/ 86. الفقر تخافون؟ أو تهمكم الدنيا؟ 12/ 319 حرف القاف قاتل بهذا يا عكاشة 5/ 44. قاتل اللَّه يهودا حرم عليهم الشحوم 2/ 3. قاتل اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم 14/ 494. قاعدا 10/ 75. قال جبريل عليه السلام صل صلاة كذا في وقت كذا 3/ 69. قال لي جبريل عليه السلام قلبت الأرض مشارقها 7/ 212. قبر من هذا؟ 10/ 342. قتل العنسيّ البارحة، قتله رجل مبارك 14/ 527. قتلته؟ علام يقتل أحدكم أخاه؟ 7/ 392. قتلته يا أسامة وقد قال لا إله إلا اللَّه؟ 1/ 329. قد رأيت ما تلقى أمتي من بعدي 12/ 325. قد أعذتك مني 7/ 356- 13/ 124. قد أكرمنا اللَّه بتحية خير من تحيتك 12/ 171. قد التحفنا لحافا غيرك 6/ 109. قد أمنته 9/ 6. قد انتظرتك أن توفي بنذرك 13/ 111
قد جاء اللَّه بزاملتنا فارجعوا بزاملتكما 2/ 106، 214. قد خشيت على عقلي 1/ 30. قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم 1/ 134- 13/ 108. قد رأيت دار هجرتكم 8/ 98. قد رأيت الّذي صنعتم 2/ 241. قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا 4/ 32. قد سبقك بذلك الوحي 10/ 119. قد صففت صفوفي ووضعت رايتي 1/ 99. قد طبتم به نفسا 6/ 317. قد عفوت عنك 2/ 239. قد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا 1/ 116- 12/ 162. قد كان إخوة وأصدقاء 14/ 440. قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد 10/ 11. قرأتها على الجن ليلة الجن وكانوا أحسن 9/ 80. قرب اليمامي من الطين 10/ 90. قربوا بأوعيتكم 1/ 299. قريبه فما أقفر بيت من أدم فيه خل 7/ 269- 14/ 280. قزمان في النار 14/ 359. قضاء اللَّه خير 1/ 387. قطع صلاتنا قطع اللَّه أثره 12/ 108، 109. قطع اللَّه أثره 4/ 399. قل التحيات للَّه والصلوات والطيبات 11/ 95. قل حين تصبح لبيك اللَّهمّ لبيك 11/ 3. قل لأبي بكر يصلي بالناس 14/ 474. قل له وما يمنعني وأنا خير منه 6/ 397. قل اللَّه أكبر اللَّه أكبر 10/ 127، 130. قل اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك 11/ 326. قل اللَّهمّ اهدني فيمن هديت 11/ 113. قل اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد 11/ 26، 33، 37
حرف الكاف
قلت لكم في سفركم هذا؟ 1/ 294- 13/ 355. قلت لهند أترين هذا من اللَّه 14/ 4. قم فأجب خطيبهم 2/ 39. قم يا أبا تراب، ألا أخبرك بأشقى الناس أجمعين 1/ 75. قولوا بقولكم ولا يستجرئنك الشيطان 2/ 228. قولوا اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك 3/ 253. قولوا اللَّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك على محمد 11/ 38، 40، 41. قولوا اللَّهمّ بارك على محمد وعلى آل محمد 11/ 34. قولوا اللَّهمّ صل على محمد عبدك ورسولك 3/ 252- 11/ 32. قولوا اللَّهمّ صل على محمد كما صليت على إبراهيم 11/ 33، 37. قولوا اللَّهمّ صل على محمد نبيك 11/ 32. قولوا اللَّهمّ صل على محمد وأزواجه وذريته 11/ 31. قولوا اللَّهمّ صل على محمد وعلى آل محمد 3/ 251، 252، 253- 5/ 395- 11/ 22، 25، 33. قولوا لا إله إلا اللَّه وحده صدق وعده 14/ 23. قوموا إلى سيدكم 9/ 257. قوموا بنا 7/ 390. قوموا على مصافكم هكذا فاحموا ظهرنا 8/ 354. قوموا فقد صنع لكم جابر سورا 2/ 264. قيل السلام عليك، فظننتها فجأة الجن 2/ 388. القوم بين الألف والتسعمائة 1/ 97. القوم ثلاثمائة، إن زادوا، زادوا قليلا 1/ 102 حرف الكاف كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض 14/ 177. كان عزيزا منيعا كأبي زمعة 14/ 333. كان فيها أنفس سبعة أناس 11/ 316. كان الكتاب الأول نزل من باب واحد 4/ 262. كان لكم يومان تلعبون فيهما 10/ 174. كان من قبلكم لا يصلون إلا في ضيعهم وكنائسهم 1/ 212
كانت أنفسنا بيد اللَّه، فلو شاء قبضها 1/ 326. كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء 14/ 203. كانت لغة إسماعيل قد درست 2/ 261. كانتا خصلتان لا يكلهما إليّ أحد 2/ 335. كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل 11/ 274. كبّر كبّر 2/ 249. كتاب كتبه اللَّه قبل أن يخلق خلقه بألفي عام 3/ 340. كخ كخ ارم بها، أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة 5/ 375- 13/ 83. كخ كخ، أما تعرف أنّا لا نأكل الصدقة 7/ 322- 13/ 83. كذاك سوقك بالقوارير 6/ 120. كذب عدو اللَّه، ليس بمسلم 8/ 392. كذب من قال ذلك، إن له أجرين 1/ 313. كذب وهو على نصرانيته 8/ 392. كذبت، بل خير الرجال رجال أهل اليمن 14/ 252. كذبت، ولكن الصياح الّذي سمعت أنفرك 13/ 335. كذبت، لا يدخلها أحد شهد بدرا والحديبيّة 9/ 89، 126. كذبوا، إنما خلفتك لما ورائي 2/ 50. كذبوا، مات جاهدا مجاهدا فله أجره مرتين 9/ 307. كفوا أيديكم، فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة 13/ 345. كفوا أيديكم، فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة 1/ 316. كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى 3/ 144. كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها 7/ 251. كل بسم اللَّه ثقة باللَّه وتوكلا عليه 8/ 28. كل بيمينك 12/ 97، 98. كل البواكي يكذبن إلا أم سعد 1/ 254. كل تقى 5/ 398. كل ثقة باللَّه وتوكلا عليه 8/ 28. كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء 11/ 118. كل ذلك لم يكن 2/ 250- 6/ 10
كل ذلك يأتيني أحيانا مثل صلصلة الجرس 3/ 45. كل عرفة موقف إلا بطن عرنة 2/ 113. كل كلام لا يبدأ فيه بحمد اللَّه فهو أجزم 11/ 153. كل كلام لا يذكر اللَّه فيبدأ به وبالصلاة عليّ 11/ 153. كل معروف صدقة 13/ 81. كل نسب وسبب وصهر ينقطع يوم القيامة 5/ 370. كل يا أعرابي 5/ 191. كلكم محسن مجمل 4/ 254. كلهم من قريش 12/ 302. كلوا أو أطعموا فإنه حلال 7/ 304. كلوا رزقا أخرجه اللَّه، أطعمونا إن كان معكم 7/ 319- 13/ 368. كلوا فإن هذا يشبه خبيص أهل فارس 14/ 301. كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي 7/ 303. كلوا فكل صيد البحر لكم حلال في الإحرام 1/ 277. كلوا واعلفوا ولا تحتموا 1/ 313. كلوا ولا تكيلوا 5/ 194. كم ترى الناس الذين ثبتوا؟ 2/ 14. كم هم؟ 6/ 330. كم هو؟ 5/ 154. كما أذقت أول قريش نكالا فارزق آخرهم نوالا 12/ 81. كما أنت يا بني، قد حدث بعدك أمر 6/ 352. كما يضاعف لنا الأجر كذلك يضاعف لنا البلاء 13/ 350. كما يعظم لنا الأجر كذلك يشتد علينا البلاء 14/ 471. كمل من الرجال كثير 10/ 270. كن كذلك 12/ 99. كنت أجاور هذه العشر 10/ 149. كنت أول النبيين في الخلق 3/ 106، 170. كنت ألاعب أنيسة- جارية من الأنصار- على هذا 8/ 143. كنت خلفت في البيت تبرأ من الصدقة 2/ 291
حرف اللام
كنت في صلبه 3/ 190. كنت نبيا وآدم بين الماء والطين 3/ 19، 173- 11/ 215. كلا، إن بحسبكم القتل 13/ 221. كلا، إنه لا يقطع الصهر الموت 5/ 350. كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها 13/ 340. كلا والّذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها 6/ 322. كلا والّذي نفسي بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا 13/ 340، 341. كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة 13/ 210. كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة 13/ 209، 214. كيف أنت وأئمة من بعدي يستأثرون بهذا الفي؟ 12/ 307. كيف أنتم إذا مرج الدين وظهرت الرغبة 12/ 244- 14/ 152. كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ 13/ 228. كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى؟ 1/ 60. كيف ترون قواعدها؟ 2/ 261. كيف ترون هذه؟ 5/ 366. كيف جئت؟ 6/ 330. كيف شهدت ولم تحضر؟ 7/ 194. كيف قلت؟ 11/ 281. كيف لو رأيتم خليلين من الناس يقتتلان 12/ 196. كيف أمسيت؟ 2/ 248. كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ 1/ 152- 13/ 258 حرف اللام لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين 9/ 365، 366- 14/ 72، 73. لأدفعن رايتي هذه إلى رجل يحب اللَّه ورسوله 11/ 288. لأدفعن الراية إلى رجل يحب اللَّه ورسوله 11/ 287. لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة 3/ 304. لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله 1/ 309- 11/ 278، 280، 287، 288، 289، 290- 13/ 333
لأعطين اللواء رجلا يحب اللَّه ورسوله 11/ 287. لأعطين هذه الراية رجلا يفتح اللَّه عليه 11/ 284، 285، 286. لأعطينها غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله 11/ 293. لأنا أحوج إلى غير هذا 2/ 236. لأنه حديث عهد بربه 2/ 281. لئن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم 1/ 168. لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربع 14/ 199. لئن قلت ذلك إنهم أحلم الناس عند فتنة 14/ 199. لئن وجدتك خارجا من جبال مكة 12/ 164. لبئس ما جزيتها، ليس هذا نذر 7/ 233. لبيك إن العيش عيش الآخرة 13/ 57. لبيك بحج وعمرة معا 9/ 34. لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك 1/ 276- 13/ 58. لتأتوني بكتف ودواة أكتب لأبي بكر 14/ 450. لتتبعن سنن من كان قبلكم باعا بباع 12/ 353. لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا 12/ 353. لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى 14/ 189. لتنتفض عرى الإسلام عروة عروة 12/ 388. لست بآكله ولا محرمه 7/ 301. لست بقارئ 1/ 30. لست بنبيء اللَّه ولكن نبي اللَّه 2/ 373. لست ملكا، أنا محمد بن عبد اللَّه 4/ 355. لست من دد، ولا الدد مني 2/ 194. لست منهم، بل تعيش حميدا وتقتل شهيدا 14/ 218. لعداوتك للَّه ورسوله 10/ 5. لعل لصاحبكم عند اللَّه أفضل من ملك سليمان 3/ 284. لعل اللَّه يرفعك وينفع بك ناسا 11/ 305. لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام 11/ 310. لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت 10/ 17
لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها 13/ 211. لعله يقوم مقاما لا تكرهه 12/ 177. لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد 14/ 532. لعن اللَّه زوارات القبور 14/ 617. لعن اللَّه قوما اتخذوا قبورهم مساجدا 14/ 413. لعن اللَّه كسرى، إن أول الناس هلاكا العرب 12/ 314. لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد 14/ 494، 604. لعن اللَّه اليهود يحرمون شحوم الغنم 6/ 388. لعنة اللَّه على اليهود والنصارى اتخذوا قبور 14/ 438، 493. لقاء ربي ثم الجنة 14/ 506. لقاب قوس أحدكم من الجنة 10/ 350. لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد 9/ 182، 290، 298. لقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد 2/ 291. لقد أيدك اللَّه بملك كريم 12/ 168. لقد تحجرت واسعا 2/ 244. لقد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع سماوات 1/ 249- 13/ 301. لقد خرجت من الخوخة متنكرا 8/ 327. لقد خشيت أن أكون كاهنا أو مجنونا 3/ 16. لقد دخل عليّ ملك لم يدخل عليّ قبلها 14/ 144. لقد رأى ابن الأكوع فزعا 5/ 68. لقد رأيت الأسنة شرعت إليه يومئذ حتى قتل 13/ 269. لقد رأيت الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة 11/ 244. لقد رأيت الملائكة تغسله 13/ 271. لقد رأيتني في الحجر وأنا أخبر قريش 10/ 305. لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي 8/ 248. لقد رعيت غنيمات أهل مكة لهم بالقراريط 4/ 387. لقد سمعت من هؤلاء تأذين حسن الصوت 10/ 134. لقد شهدته في الموسم بعكاظ 8/ 309- 9/ 68. لقد طرقني يا عائشة طارق من صداع 14/ 434
لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث 3/ 285. لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك 13/ 120. لقد كان قبلكم ليمشط الحديد ما دون عظامه 14/ 177. لقد كنت أقف بعرفة قبل النبوة خلافا لهم 2/ 111. لقد لزمت السواك حتى تخوفت أن يدردني 13/ 45. لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم 9/ 51، 183. لقد مات اليوم منافق عظيم 14/ 369. لقد هبط عليّ ملك من السماء 2/ 222. لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسرى بي 9/ 53. لك عندنا قطيفة تلبسينها في الشتاء 6/ 56. لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم 4/ 123. لكل نبي حواري وحواري الزبير 4/ 222. لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له 3/ 283. لكل نبي دعوة دعاها لأمته وإني اختبأت دعوتي 3/ 283. لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته 3/ 282. لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها فيستجاب له 3/ 283. لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها وأريد أن أختبئ 3/ 282. لكل نبي دعوة وأردت إن شاء اللَّه أن أختبئ دعوتي 3/ 281. لكل نبي دعوة يدعوها فأنا أريد إن شاء اللَّه 3/ 282. لكم كل عظم ذكر اسم اللَّه عليه 9/ 77. للَّه در أبي طالب 5/ 127. للَّه وللرحم وكف عنها 2/ 23. لم ترع، أردت أن أستأنس بإبلك 12/ 116. لم ترع، لم ترع 4/ 117. لم تراعوا، لم تراعوا 2/ 208- 11/ 270، 271. لم تفتكم 5/ 103. لم خلعتم نعالكم؟ 3/ 166. لم صنعت به هذا؟ أما كان السيف كفاية 1/ 250
لم قاتلت وقد نهيت عن القتال؟ 1/ 394. لم نؤمر بذلك 1/ 55. لم يجتمع مائة لميت فيجتهدون في الدعاء 11/ 116. لم يلتق أبواي على سفاح 3/ 214. لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم 14/ 21. لما أسرى بي مرت بي رائحة طيبة 8/ 258. لما أصاب آدم الخطيئة رفع بصره 3/ 188. لما خلق اللَّه الأرض واستوى إلى السماء 3/ 188. لما فرغت مما أمرني اللَّه به 4/ 194. لما كانت ليالي بعثت ما مررت بشجر ولا حجر 5/ 55. لما كانت ليلة أسرى لم أصبحت بمكة 8/ 255. لما كذبتني قريش حين أسرى بي 8/ 254. لما كذبتني قريش قمت في الحجر 8/ 231، 249. لما ولدتني أمي فنشأت بغضت إليّ أوثان قريش 2/ 348. لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان 1/ 162. لن تذهب الدنيا حتى يملك من ولدك يا عم 12/ 300. لن تراعوا وإنه البحر 5/ 220. لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية 12/ 202. لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة 12/ 369. لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي 11/ 247. لن يصلح قوم ولو أمرهم امرأة 13/ 231. لن ينالوا منا مثلها حتى تستلموا الركن 1/ 154. لن ينجى أحدا منكم عمله 2/ 329، 331. لنا غنم مائة 7/ 255. لواء الحمد بيدي يوم القيامة 3/ 231. لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى 2/ 109. لو أمرت به ما استشرتكم فيه 9/ 264. لو أمرت ما استشرتكم فيه 2/ 62. لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة 8/ 378
لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدى 9/ 26. لو تركتموها ما زالت كما هي لكم حياتكم 5/ 164. لو تركها لدارت إلى يوم القيامة 5/ 163. لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا 11/ 242- 12/ 8. لو تعلمون ما لكم عند اللَّه لأحببتم أن تزدادوا 10/ 158. لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة 10/ 66. لو دخلوها ما خرجوا منها 10/ 65. لو دعيت إلى كراع لأجبت 2/ 279. لو رآنا ما استقبلنا بفرجه 5/ 272. لو صدق السائل ما أفلح من رده 5/ 32. لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي 5/ 338. لو فعل لأخذته الملائكة عيانا 4/ 126. لو قضى لكان أو لو قدر لكان 2/ 195. لو قلت نعم لوجبت 11/ 218. لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح 7/ 235. لو كان عندي أحد ذهبا لأحببت 2/ 290. لو كان لابن آدم واديان من مال 8/ 68. لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني ألا تمر 2/ 290. لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي 2/ 360. لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال 14/ 197. لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير اللَّه 5/ 255. لو كنت سمعت شعرها ما قتلت أباها 11/ 222. لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر 4/ 187. لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة 5/ 48. لو لم تكله لأكلت منه ما عشت 5/ 190. لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم 5/ 189. لو لم تكن أمها عندي لما حلت لي 6/ 110. لولا أن تغلبوا عليها يا ولد عبد المطلب 2/ 117. لولا أن تكون صدقة لأكلتها 13/ 84
لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها 7/ 324. لولا أن يحزن نساء لتركناه للعافية 1/ 167. لولا أنّا سميناه من الهدى فعلنا 1/ 297- 7/ 249. لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها 7/ 324، 325- 13/ 84. لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك 2/ 193. لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد 2/ 141. ليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه 12/ 344. ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل 3/ 150- 12/ 350. ليأتين على الناس زمان يخير الرجل فيه 12/ 333. ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار 14/ 124. ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب 13/ 232. ليت عندنا خبزة بيضاء من برة سمراء 7/ 303. ليت لنا خبزة بيضاء 7/ 303. ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني 14/ 222. ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض 14/ 222. ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية 12/ 272. ليس بك على أهلك هوان 10/ 230. ليس بلد إلا سيطؤه الدجال 10/ 348، 361. ليس شيء يجزى مكان الطعام والشراب 2/ 191. ليس على أبيك كرب بعد اليوم 14/ 508. ليس عليّ منه بأس 5/ 257. ليس عليك من مرضك بأس 12/ 248- 14/ 156. ليس عليكم بأس منها 1/ 210- 13/ 316. ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه 9/ 213. ليس من كل الماء يكون الولد 2/ 19. ليسوا بشيء 5/ 14. ليسوا بفرار ولكنهم كرار 1/ 341. ليصل بالناس أبو بكر 14/ 483. ليصيبن أقوام سفع من النار 3/ 264
حرف الميم
ليعيش هذا الغلام قرنا 12/ 294. ليغشين أمتي من بعدي فتنة كقطع الليل المظلم 12/ 334. ليكن ذلك 6/ 109. ليلتزم كل إنسان مصلاه 9/ 63. ليلة أسرى بي لقيت موسى عليه السلام 8/ 247، 248. لينقلب كل رجل بضيفه 5/ 181 حرف الميم ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا 13/ 93. ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر اللَّه 11/ 85. ما أحب المرأة تكثر شكاية بعلها 5/ 344. ما أحد يأتينا بماء نطهر به قبر إبراهيم 5/ 339. ما أحسن لونك الآن يا شقيراء 2/ 104. ما أحسن هذا البساط 10/ 84. ما إخالك سرقت 10/ 29. ما أخرجنا إلا موعد أبي سفيان وقتال عدونا 1/ 194. ما أخشى على الناس إلا منها 1/ 234. ما أدري، ولست أحب أحمل السلاح معتمرا 1/ 275. ما أردت قتله وما أمرت به 1/ 210. ما أسكر كثيره فقليله حرام 7/ 363. ما اسمك؟ 2/ 276، 277، 278- 4/ 19- 5/ 242- 6/ 61- 8/ 227- 11/ 342. ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت اللَّه فيها 2/ 321. ما أظن أجلي إلا قد حضر 2/ 127. ما أعددت لها؟ 13/ 176. ما أقدمك يا عمير؟ 1/ 118. ما أقرأ 3/ 16. ما أكثر بياض عينيك 2/ 255. ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام 1/ 77
ما أمسى عند آل محمد صاع بر ولا صاع حب 2/ 298. ما أنا بقارئ 4/ 337. ما أنا بالذي آكل من طعامك 12/ 163. ما أنت يا طلحة إلا فياض 5/ 144. ما أنزل اللَّه داء إلا أنزل له دواء 7/ 382. ما بال أقوال تبلغني عن أقوام 3/ 209. ما بال أقوام ذهب بهم القتل 2/ 15. ما بال أقوام يتحدثون، فإذا رأوا الرجل 6/ 20. ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه 3/ 149. ما بال من يقولون كذا وكذا 2/ 203. ما بعث اللَّه نبيا إلا رعى الغنم 4/ 103. ما بعث اللَّه نبيا في منعة من قومه 2/ 379. ما بيدي ما أتزوج به 6/ 29. ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة 10/ 350- 14/ 622. ما بين لا بيتها أحد إلا يعلم أني نبي 5/ 251. ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة 3/ 307. ما بين هذين وقت 3/ 71، 77. ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ 10/ 22- 14/ 85. ما تجدون في التوراة في شأن من زنى؟ 14/ 85. ما تذكرون؟ 12/ 378. ما ترون في هؤلاء الأسارى 8/ 344. ما تزوجت؟ 11/ 259. ما تشتهي؟ 7/ 386. ما تصنعين بهذا؟ 8/ 14. ما تعدون أهل بدر فيكم؟ 3/ 319. ما تقول زوجتك هذه؟ 12/ 64. ما تقولون في صاحبيكم هذين؟ 9/ 245. ما تقولون وما تظنون؟ 2/ 233. ما جاء بك؟ 5/ 79
ما جاء بك يا ابن الخطاب في هذه الساعة؟ 4/ 361. ما جاءني قط صاحبي إلا وهو يوصيني بالجار 14/ 506. ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا اللَّه 11/ 83. ما حبسك؟ 9/ 330. ما حلفت بهما قط 8/ 188. ما حملك على الشهادة ولم تكن معه؟ 7/ 196. ما حملك على هذا؟ 1/ 353. ما حملك على ما صنعت؟ 1/ 99- 8/ 43- 11/ 347. ما دعا أحد شيء في هذا الملتزم 14/ 624. ما دعوت أحد إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة 9/ 94. ماذا عندك يا ثمامة؟ 14/ 261. ماذا قلت لهم يا عيينة؟ 14/ 18. ماذا لقينا من أحمائك؟ 8/ 305. ما الّذي تريد؟ 5/ 42، 55. ما رأيت؟ 6/ 108. ما رأيتم؟ 12/ 383. ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرا 11/ 268، 269. ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر 1/ 107- 3/ 325- 12/ 150. ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت 13/ 45. ما زالت أكلة خيبر يصيبني منها عداد 1/ 317. ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة 13/ 348. ما زلت بالأشواق إلى الديك 7/ 361- 14/ 274. ما السري يا قتادة؟ 5/ 321. ما شأنك؟ 5/ 241- 7/ 235. ما شئت، إن شئت دعوت اللَّه أن يعفو عنك 11/ 390. ما شئتم 5/ 48. ما صمت 14/ 99. ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم 8/ 391. ما الطهور الّذي منّ اللَّه به عليكم؟ 10/ 72
ما على الأرض بقعة أحب إلى اللَّه 10/ 363. ما عليكم أن لا تفعلوا 1/ 206. ما عندي شيء، ولكن اتبع عليّ 2/ 212. ما فرشتموا لي الليلة؟ 7/ 118. ما فعل الأسير؟ 2/ 252. ما فعل مالك بن عوف؟ 2/ 34. ما فعلت تلك بالذهب؟ 2/ 292. ما قبض اللَّه تعالى نبيا قط يخبر مع الّذي 14/ 500. ما قعد قوم مقعدا لا يذكرون اللَّه فيه 11/ 84. ما كان اللَّه ليدخل من حمزة النار 1/ 166. ما كان اللَّه ليسلط على ذاك 8/ 46. ما كان من نبي إلا كان له حواريون 14/ 304. ما كنت لأستعملك على غسالات ذنوب الناس 13/ 80. ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمى بمثل هذا؟ 5/ 7. ما كنتم تقولون في هذا النجم الّذي يرمى به؟ 5/ 8. ما لأصحابك يشكونك؟ 2/ 7. ما لبعيرك؟ 5/ 219- 11/ 258. ما لبعيركم هذا يشكوكم؟ 5/ 40. ما لك؟ 2/ 109. ما لك؟ أرابك منها شيء؟ 10/ 209. ما لك يا جابر؟ 11/ 266. ما لك يا عائش حشيا رابية؟ 10/ 234. ما لك يا عائشة؟ 4/ 111- 14/ 510. ما لك يا عائشة؟ إن هذا ليس بيومك 6/ 120. ما لك يا عبد الرحمن؟ 11/ 48. ما لليهود حولوا ذراريهم من النطاة؟ 9/ 232. ما له تربت يداه؟ 7/ 285. ما له ثوب غير هذا؟ 12/ 114. ما لهذه؟ 6/ 178
ما لهم أذهب اللَّه بعقولهم؟ 2/ 43- 14/ 31. ما لي أراك هكذا؟ 12/ 3. ما لي أراكم سكوتا، للجن كانوا أحسن منكم 9/ 80. ما لي علم بأبي سفيان 12/ 141. ما لي مما أفاء اللَّه عليكم إلا هذا الخمس 13/ 117. ما لي وللدنيا ما أنا والدنيا 2/ 287. ما لي ولهم يسألوني عما لا أدري؟ 14/ 105. ما مات نبي قط إلا دفن حيث يقبض 2/ 135. ما معك؟ 7/ 298. ما من أحد يدخله عمله الجنة 2/ 332. ما من أحد يدعو اللَّه عند الركن الأسود 14/ 623. ما من أحد يسلم عليّ إلا رد اللَّه روحي 10/ 307، 308. ما من آدم؟ 14/ 281. ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطى من الآيات 3/ 309- 9/ 42. ما من دعا إلا بينه وبين السماء والأرض 11/ 54. ما من عبد صلى عليّ صلاة إلا عرج بها ملك 11/ 70. ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه 11/ 91. ما من قوم جلسوا مجلسا ثم قاموا منه 11/ 85. ما من مسلم سلم عليّ في شرق الأرض 11/ 59. ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة 13/ 56. ما من نسمة كائنة يوم القيامة 1/ 206. ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة 12/ 290. ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها 12/ 290. ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه 4/ 111- 11/ 226. ما من نبي إلا له وزيران من أهل السماء 9/ 319. ما من نبي إلا وقد رعاها 4/ 104. ما من نبي إلا وقد رعى الغنم 14/ 395. ما من نبي بعثه اللَّه في أمة قبلي 14/ 203. ما من نبي مرض إلا خير بين الدنيا والآخرة 10/ 367
ما نالت قريش مني شيئا أكرهه 1/ 45. ما نهيتكم عنه فاجتنبوه 3/ 135. ما هذا؟ 1/ 176- 5/ 310- 7/ 290، 291، 302- 8/ 6- 14/ 295، 301، 302. ما هذا البنيان؟ 10/ 94. ما هذا التمر يا بلال؟ 9/ 379. ما هذا الخاتم؟ 7/ 46، 47. ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟ 7/ 46. ما هذا معك يا أبا لبابة؟ 6/ 146. ما هذا منك يا أبا لبابة؟ 11/ 312. ما هذا يا بلال؟ 2/ 211. ما هذا يا جابر؟ 5/ 280- 14/ 294. ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ 7/ 290. ما هذا يا سلمان؟ 5/ 183. ما هذا يا عائشة؟ 7/ 116. ما هذا يا قتادة؟ 11/ 335. ما هذان اليومان؟ 10/ 173. ما هذه البارقة؟ 1/ 387. ما هذه الشاة يا أم معبد؟ 5/ 204، 212. ما هذه النيران؟ 9/ 304، 306. ما هلك نبي حتى يؤمه رجل من أمته 2/ 134- 14/ 474. ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به 2/ 345- 4/ 105. ما هي؟ 6/ 117. ما وجدت لشماس شبها إلا الجنة 1/ 158. ما وراءك يا عمار؟ 9/ 107. ما وصف لي أحد من الجاهلية فرأيته في الإسلام 2/ 100. ما وقفت موقفا أغيظ إليّ من هذا 1/ 167. ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية 3/ 214
ما يبكيك؟ 5/ 350. ما يبكيك؟ أضائقة أنت؟ 6/ 326. ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ 2/ 287. ما يبكيك يا عمر؟ 7/ 108. ما يسرني أن عندي بمثل أحد ذهبا 2/ 290. ما يقول قومك؟ 2/ 34. ما يمنعك ما ترى بأصحابي من الخصاصة 4/ 218. ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد 5/ 257. ما ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب 13/ 108. ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها 8/ 99. متى جئت يا حبيبي؟ 12/ 247- 14/ 155. مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح 11/ 178. مثل عروة مثل صاحب يس 14/ 30. مثلت إليّ الحيرة كأنياب الكلاب 14/ 190. مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته 2/ 334. محمد بن عبد اللَّه، فاخرج إليّ 6/ 236. مخيرين خير يهود 1/ 161- 3/ 353. مر عليّ جبريل وميكائيل عليهما السلام 2/ 349. مرحبا بأخي وشريكي 8/ 145. مرحبا بابنتي 14/ 270، 419. مرحبا بأبي ذر يمشي وحده ويموت وحده 14/ 38. مرحبا بالقوم أو بالوفد 14/ 57. مرحبا بفاختة أم هانئ 1/ 389. مرحبا بك من بيت ما أعظمك 2/ 52- 14/ 623. مرحبا بكم حياكم اللَّه، هداكم اللَّه 14/ 486. مررت ليلة أسرى بي على موسى بن عمران 8/ 246. مروا أبا بكر فليصل بالناس 14/ 452، 454، 457، 458. مروا بلالا فليؤذن 14/ 560. مروا الناس فليصلوا 2/ 129
مري عبدك فليعمل لنا أعواد المنبر 10/ 105. مزق اللَّه ملكه 1/ 305- 12/ 131، 132. مسجدي هذا 10/ 72. موطنان لا حظ فيهما، عند العطاس، والذبح 10/ 150- 151. مع الذين أنعم اللَّه عليهم 14/ 502. معترك المنايا بين الستين إلى السبعين 12/ 260. مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوما 1/ 59. من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر 12/ 262. من أحب أن يتعجل أهله فليتعجل 11/ 264. من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه 11/ 240. من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن 9/ 78. من أحب أن يقرأ القرآن غضا 4/ 288. من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار 13/ 337. من أحب أن ينظر إلى الشيطان 14/ 348. من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه دمي 1/ 153. من أحبني فليحب أسامة 9/ 63. من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة 8/ 59. من احتكر طعاما ضربه اللَّه بالجذام 4/ 399. من احتكر على المسلمين طعامهم 12/ 115. من أحدث أو آوى محدثا 14/ 483. من أحيا خفا أو كراعا بمهلكة 2/ 53. من أرابه من شرابه ريب فليكسره بالماء 7/ 364. من أراد أن يهل بحج فليهل 9/ 30. من أسرج مسجدنا؟ 10/ 143. من أسرك؟ 3/ 326. من استطاع أن يصلي الظهر بمنى فليفعل 2/ 110. من استطاع منكم ألا يموت إلا وهو يحسن باللَّه الظن 14/ 496. من استفتح أول نهاره بخير وختمه بخير 11/ 126. من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخاه 8/ 49
من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما 14/ 202. من اصطبح كل يوم بتمرات عجوة 7/ 396. من أطاع أميري فقد أطاعني 10/ 63. من أطاعني فقد أطاع أميري 3/ 134. من أطعمه اللَّه طعاما فليقل 2/ 190. من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر 10/ 148. من أفضل أيامكم يوم الجمعة 11/ 60. من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا 7/ 310- 13/ 86. من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها 7/ 396. من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا 7/ 310- 13/ 88. من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له 10/ 217. من أمتي من يتكلم بعد الموت 12/ 218. من أمركم بمعصية فلا تطيعوه 2/ 45- 10/ 63. من أمن رجلا على نفسه فقتله 12/ 251- 14/ 160. من أنا؟ 3/ 206، 207- 5/ 300. من أنت؟ 2/ 273، 307- 7/ 164- 11/ 352، 388، 389- 14/ 54. من أهل النار؟ 13/ 267، 268، 344. من أهل النار؟ إن اللَّه يؤيد هذا الدين 1/ 141. من آوى إلى فراشه ثم قرأ 110/ 152. من أي أرض أنت يا عداس؟ 9/ 180. من أي شيء تعجب؟ 5/ 158. من تحبون أن أبعث إليكم؟ 2/ 42. من ترون أكسو هذه؟ 7/ 23. من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير 13/ 9. من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا 8/ 293. من جاءني زائرا لم يدعه حاجة 14/ 614. من حبابك يا عمرو بن مرة 4/ 11
من حج وزار قبري بعد موتي 14/ 612. من حلف على منبري كاذبا فليتبوَّأ مقعده 10/ 109. من خرج إليّ فهو حر 6/ 330. من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن 1/ 387. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن 13/ 379، 381. من الداعي على هذا الكلب آنفا؟ 12/ 109. من ذكرت عنده فخطئ الصلاة عليّ 11/ 78. من ذكرت عنده فليصل عليّ 11/ 45. من رآني فقد رأى الحق 10/ 291، 292. من رآني في المنام فسيراني في اليقظة 10/ 291. من رآني في المنام فقد رآني 10/ 292، 293. من رأى منكم رؤيا؟ 14/ 213. من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره 10/ 177. من رب هذا الجمل؟ 5/ 250. من رجل يحملني إلى قومه؟ 1/ 49. من رجل يشرى نفسه؟ 1/ 149. من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟ 1/ 312- 13/ 328. من رجل يكلأنا الليلة؟ 1/ 199. من الرجل؟ 1/ 96. من رغب عن سنتي فليس مني 7/ 18. من زار قبري بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا 14/ 614. من زار قبري وجبت له شفاعتي 14/ 614، 617. من زارني في المدينة محتسبا كان في جواري 14/ 617. من سب نبيا فاقتلوه 9/ 209- 14/ 374. من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه 5/ 113. من سبقنا إلى ذلك الوشل فلا يستقين منه 5/ 113. من سبقنا إلى هذا الرمل 2/ 71. من سره أن يكتال لي بالكيل الأوفى 11/ 36. من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة 12/ 192
من سره أن ينظر إلى عتيق من النار 6/ 167. من شاركني في شيء فأنا أحق به منه 5/ 355. من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له 2/ 58. من صاحب هذا الجمل؟ 4/ 193- 5/ 251. من صعد ثنية المرار فإنه يحط عمله 13/ 323. من صلى خلف المقام ركعتين غفر له 14/ 623- 624. من صلى عليّ حين يصبح عشرا 11/ 140. من صلى عليّ صادقا من نفسه 11/ 51. من صلى عليّ صلاة صلت عليه الملائكة 11/ 50. من صلى عليّ صلى اللَّه عليه عشرا 11/ 47، 48، 69. من صلى عليّ صلاة لم تزل الملائكة 11/ 48. من صلى عليّ صلاة واحدة صلى اللَّه عليه 11/ 45. من صلى عليّ عند قبري سمعته 10/ 306- 11/ 59. من صلى عليّ عند قبري وكل اللَّه به ملكا 11/ 52. من صلى عليّ في كتاب صلت عليه الملائكة 11/ 88، 136. من صلى عليّ في كتاب لم تزل الصلاة جارية له 11/ 87. من صلى عليّ في كل يوم ألف مرة 11/ 90. من صلى عليّ في كل يوم مائة مرة 11/ 148. من صلى عليّ كنت شفيعه 11/ 92. من صلى عليّ مائة صلاة حين يصلي الصبح 11/ 147. من صلى عليّ مرة صلى اللَّه عليه عشرا 10/ 374. من صلى عليّ من أمتي صلاة مخلصا من قلبه 11/ 49. من صلى عليّ واحدة صلى اللَّه عليه عشرا 11/ 43. من صلى عليّ وسأل لي الوسيلة حلت شفاعتي 11/ 92. من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه 1/ 126- 12/ 184. من ظلمك؟ 6/ 237. من عمر ستين أو سبعين سنة فقد عذر 12/ 262. من غرس هذه النخلة؟ 6/ 338. من فجع هذه بفرخيها؟ 5/ 274
من فعل هذا؟ 2/ 270، 303- 10/ 328. من قال أستغفر اللَّه الّذي لا إله إلا هو 6/ 320. من قال حين يصبح ويمسي ثلاثا 6/ 336. من قال حين ينادي المنادي بالصلاة 11/ 123. من قال هذا؟ 9/ 307، 308. من القائل يوم بدر من الملائكة 3/ 324. من قتل قتيلا فله سلبه 1/ 111- 2/ 20. من قتل قتيلا فله كذا، ومن أسر أسيرا 1/ 110. من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا 8/ 375. من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث 5/ 161. من كان عنده فضل طعام فليأتنا به 5/ 152. من كان معه ثقل فليصطنع 1/ 283. من كان يؤمن باللَّه وبرسوله فلا يدعن في بيته 2/ 6. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فإذا أتى 6/ 382. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فليحضر رمضان 1/ 354. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فلا يسق ماءه 1/ 319. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فلا يغل 2/ 19. من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فلا يلبس 4/ 120. من كانت له إلى اللَّه أو إلى أحد 11/ 59. من كذب عليّ فليتبوَّأ مقعده من النار 14/ 97. من كذب عليّ متعمدا فليتبوَّأ مقعده 14/ 97. من كرامتي على اللَّه أني ولدت مختونا 4/ 57- 10/ 310، 311، 317. من كلمه روح القدس لم يؤذن للأرض أن تأكل 10/ 306. من لقي منكم أحدا من بني هاشم قلا يقتله 1/ 108. من لكعب بن الأشرف فإنه قد أذى اللَّه 12/ 188- 14/ 380. من لم يسأل اللَّه يغضب عليه 11/ 109. من لم يصل عليّ فلا دين له 11/ 78. من لي بابن الأشرف فقد آذاني 1/ 125. من مات في أحد الحرمين حاجا أو معتمرا 14/ 623
من نجا من ثلاث فقد نجا 13/ 202. من نسي الصلاة عليّ خطئ طريق الجنة 11/ 79، 80. من هذا؟ 1/ 356- 2/ 72- 5/ 27، 97- 9/ 328- 11/ 263، 386. من هذا أكله الأسد؟ 6/ 105. من هذا السائق؟ 9/ 303، 306. من وافدك؟ 2/ 46. من والى قوما بغير إذن مواليه 14/ 483. من وجده فليقتله 1/ 113. من وضع لي وضوئي هذا؟ 12/ 15. من وضع هذا؟ 6/ 359- 12/ 13، 15. من الوفد، أو من القوم؟ 14/ 57. من يأخذ هذا السيف بحقه؟ 1/ 159. من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي؟ 11/ 245. من يحفظنا الليلة؟ 1/ 136. من يحلب هذه؟ 2/ 273، 307. من يحمل لواء المشركين؟ 7/ 166. من يذهب إلى زينب يبشرها؟ 10/ 209. من يستعف يعفه اللَّه 14/ 100، 101. من يعدل إذا لم يعدل اللَّه ورسوله 2/ 233. من يعذرني ممن يؤذيني في أهلي؟ 1/ 214. من يلقني عدوا لي؟ 14/ 373. من يمنعك مني؟ 1/ 128- 8/ 352. من ينظر ما يصنع أبو جهل؟ 12/ 153. من يوقظنا؟ 5/ 105. منا السفاح والمنصور والمهدي 12/ 296. منا القائم ومنا المنصور ومنا السفاح 12/ 299. منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا 13/ 225. مني منزل من سبق 2/ 111
حرف النون
مه إنك ناقة 7/ 385. مه، فإن الخيل في نواصيها الخير 2/ 62. موسى أدم طوال كأنه من رجال شنوءة 8/ 245. موسى صفي اللَّه، وأنا حبيب اللَّه 4/ 205. المحجمة التي في وسط الرأس من الجنون 8/ 60. المرء مع من أحب 13/ 176. المقام المحمود الشفاعة 3/ 289. المؤمنون يد على من سواهم 1/ 267 حرف النون ناد الناس فيأتون بفضل أزوادهم 5/ 145. ناد يا أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء 5/ 231. ناد يا علي وارفع صوتك 14/ 503. ناد يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة 8/ 388. ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل اللَّه 10/ 251. ناس من أمتي غزاة في سبيل اللَّه 8/ 123- 12/ 213، 216. ناولني إدواتي 6/ 365. ناولني الذراع 6/ 334- 7/ 287- 10/ 51، 52- 11/ 231، 232، 233- 14/ 292. ناولني كفا من تراب 5/ 69. ناولنيه 11/ 320. ناوليني الخمرة من المسجد 7/ 131. نبلو سهلا فإنه سهل 1/ 156. نبي اللَّه 4/ 378. نبيا عيدا 13/ 90. نجاكم اللَّه من القوم الظالمين 1/ 272. نحن أحق بالشك من إبراهيم 11/ 186- 187. نحن الآخرون السابقون 8/ 101، 102. نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة 3/ 171
نحن بنو النضر بن كنانة 2/ 99. نحن على ظهر كما ترى 2/ 27. نحن من بني النضر بن كنانة 3/ 210. نزل جبريل فأخبرني بوقت الصلاة 3/ 68. نزل جبرني فأمني فصليت معه و/ 60، 65، 66. نزلت الملائكة اليوم على سيما 3/ 324. نصرت بالرعب على العدو 3/ 316- 9/ 239. نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن 14/ 424. نصرت بالصبا 4/ 209. نصرت يا عمرو بن سالم 13/ 273. نضر اللَّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه 12/ 347. نضر اللَّه امرأ سمع منا شيئا فبلغه 12/ 346. نضر اللَّه امرأ سمع مقالتي فوعاها 12/ 348. نضر اللَّه سامع مقالتي فوعاها 12/ 53. نضر اللَّه عبدا سمع مقالتي هذه فحملها 12/ 347. نظرت إلى رجل من يهود يختلف إليّ 4/ 94. نعطيكم الثمر على أن يعملوها على النصف 9/ 382. نعم 1/ 92- 2/ 284- 3/ 20، 22- 5/ 51، 52- 6/ 67، 100. 387، 396- 12/ 265، 266، 268، 269، 391- 13/ 187. نعم، أسمع صلاصل ثم أسبت عند ذلك 3/ 48. نعم، إن جبريل وميكائيل أتياني 4/ 253. نعم، أنزل عليّ طعام بمسخنة 6/ 126. نعم، أيما أهل بيت من العرب أو العجم 12/ 323. نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل 7/ 269- 14/ 280. نعم تلك العزى وقد يئست أن تعبد 14/ 12. نعم الشريك السائب 8/ 146. نعم الشريك كان أبو السائب 8/ 145، 148
نعم الشريك لا تداري ولا تماري 8/ 145. نعم صدقة المؤمن هذه 7/ 350. نعم الطعام التمر 1/ 246. نعم، في كل ذات كبد حرى أجرا 2/ 27. نعم، فمن أراد اللَّه به خيرا من العرب 12/ 324. نعم الفارس عويمر غير أفّة 1/ 156. نعم قوم يكونون بعدكم فيجدون كتابا 12/ 340، 341. نعم، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان 12/ 196. نعم الكحل الأثمد، يجلو البصر 8/ 10. نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن 1/ 361. نعم المال الأربعون 4/ 354. نعم، هذا الّذي كان يطعم بمكة الخبز 7/ 231. نعم، هو آمن بأمان اللَّه 13/ 386. نعم وأرد عليهم 10/ 308. نعم وأنا ابن ثماني سنين 4/ 99. نعم ولك أجر 2/ 107. نعم ولكن لا تدعيه يصل إليك 2/ 82. نعم واللَّه لئن كانوا قليلا ليكثرن 4/ 386. نعم وما يدريك لعل جبريل أمرني بذلك 7/ 208. نعم يا أخا بني ضمرة 8/ 362. نكثر به طعامنا 7/ 276. نكسر حر هذا ببرد هذا 7/ 316. نمت فرأيتني في الجنة 8/ 134. نهانا اللَّه أن نحب أن نحمد 14/ 216. نهيت أن أمشي عريانا 2/ 342. نهيت عن التعري 2/ 344. نهيتك عن حب يهود 2/ 90. نهيتم عن زيارة القبور فزوروها 14/ 617. نودوا يا أمة محمد 3/ 340
حرف الهاء
النار 11/ 240، 241. الناس معادن 2/ 106، 215 حرف الهاء هات الشفار 5/ 258. هاتوا خطاما فخطمه 5/ 250. هاك هذا اللواء 2/ 96. هبي نفسك لي 13/ 121. هداك اللَّه 12/ 61. هداك مسيلمة قد سمى وضاق ضرعا 14/ 537. هدمت العزى؟ 14/ 12. هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة 7/ 181. هذا ابن الزبعرة ومعه وجه فيه نور 13/ 388. هذا أعتى على اللَّه من فرعون 1/ 116. هذا إن شاء اللَّه المنزل 9/ 311. هذا أوان يختلس العلم من الناس 12/ 359. هذا أويس يسأل من كل سائمة شاة 5/ 236. هذا أويس يستفرض فأفرضوا له 5/ 235. هذا باب من السماء فتح اليوم 9/ 52. هذا جبريل يأمرني أن أذهب إلى بني قريظة 13/ 299. هذا جبريل يسوق الريح كأنه دحية الكلبي 1/ 107. هذا جبريل يقرئني من خبيب السلام 1/ 187- 13/ 278. هذا جبل يحبنا ونحبه 1/ 327. هذا الذئب وهذا وافد الذئاب 5/ 237. هذا الرجل يريد غدرا 4/ 401. هذا سوقكم 9/ 362، 363. هذا شبيهنا 11/ 376. هذا العباس قد أقبل وعليه ثياب بياض 12/ 299. هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها 1/ 183. هذا الغلام يعيش قرنا 12/ 293
هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف 14/ 106. هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف 4/ 256. هذا القرع نكثر به طعامنا 7/ 275. هذا الموت منافق عظيم النفاق 2/ 62. هذا ماء آجن 1/ 153. هذا مجمعنا ومستمطرنا 10/ 174. هذا مصرع فلان غدا 4/ 399- 12/ 142. هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان 1/ 80، 98. هذا من أهل النار 8/ 381. هذا من قوم يعظمون الهدى 1/ 288. هذا منزلنا يا جابر 1/ 388. هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر 1/ 332. هذا المنحر وكل منى منحر 2/ 115. هذا الموقف وكل المزدلفة موقف 2/ 115. هذا نعمان 10/ 67. هذا وافد الذئاب جاء يسألكم 5/ 236. هذا وافد السباع إليكم 5/ 235. هذا يحكم بيننا وبينكم 2/ 41. هذا يوم وفاء وبر 2/ 26. هذا إدام هذه 7/ 313. هذه بتلك 1/ 213. هذه بتلك السبقة 1/ 213. هذه بتيك 2/ 255. هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي 14/ هذه خرفة نبوة 5/ 78. هذه الشاة ذبحت بغير إذن أهلها 14/ 112. هذه الضربة يفتح اللَّه بها كنوز الروم 13/ 291. هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة 9/ 65. هذه عير قريش فيها أموالهم 8/ 338
هذه فتوح يفتحها اللَّه عليكم بعدي 1/ 228. هذه قبلتنا 12/ 108. هذه كرامة أكرمني اللَّه بها 5/ 281. هذه لبنات عبد اللَّه 7/ 292- 14/ 297. هذه نهبة لا تحل 2/ 67. هذه وفود الذئاب جئنكم 5/ 235. هكذا أمرت 3/ 67. هكذا أنزلت 4/ 250. هكذا العمة 7/ 172. هكذا فاعتم يا ابن عوف 1/ 268. هكذا فعل قوم موسى بموسى 14/ 14. هكذا اللواء 7/ 172. هكذا نبعث يوم القيامة 8/ 77. هل أبقيت شيئا؟ 2/ 47. هل أتبعت يدك الحجر؟ 12/ 58. هل أصبتم شيئا؟ 14/ 293. هل أصبتم شيئا أو آمر لكم بشيء؟ 7/ 288. هل أنت إلا إصبع دميت 2/ 269. هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربي 9/ 181. هل بقي منكم من لم نجزه؟ 2/ 42. هل تتهمون له أحدا؟ 7/ 390، 391. هل تدرون ما يقول؟ 5/ 254. هل تدرون ماذا قال ربكم؟ 1/ 285. هل تدرون من هذا؟ 2/ 58- 5/ 273. هل ترك لدينه من قضاء؟ 13/ 56. هل ترون قبلتي هاهنا؟ 5/ 306. هل ترون ما أرى؟ 13/ 224 هل تؤذيك هوامك يا سعد؟ 1/ 278. هل جاءت قصعة أسعد؟ 7/ 300
هل رأى أحد منكم رؤيا؟ 8/ 104، 128. هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ 8/ 103. هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ 8/ 103. هل رأيت ذلك يا سلمان؟ 5/ 76. هل رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا؟ 6/ 326. هل رأيتم ما يقول سلمان؟ 13/ 292. هل سممت هذه الشاة؟ 13/ 346. هل صلى الناس بعد؟ 14/ 457. هل صليت العصر 5/ 29. هل عند أحد منكم شراب فيرسل إليّ؟ 7/ 363. هل عندك سمن؟ 5/ 168. هل عندك شيء؟ 5/ 91. هل عندك من شيء ؟ 5/ 352. هل عندكم شيء؟ 7/ 269، 279، 327- 14/ 287. هل في البيت إلا قريش؟ 12/ 308. هل في القوم من طهور؟ 5/ 88. هل فيكم أحد لم يقارف الليلة؟ 5/ 345. هل لك أن أريك آية؟ 5/ 38. هل لك أن تصارعني؟ 12/ 85. هل لك في خير من ذلك؟ 5/ 344. هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن؟ 13/ 352. هل لكم في خير مما جئتم له؟ 9/ 185. هل لكم في رجل يعدل مائة يوفيكم ألفا؟ 7/ 183. هل لكم من أنماط؟ 14/ 182. هل مر بكم من أحد؟ 1/ 245- 13/ 300. هل مسستما من مائها شيئا؟ 5/ 112. هل مع أحد منكم طعام؟ 5/ 160. هل معك من شعر أمية 2/ 264. هل من أدم؟ 7/ 270، 271
هل من رجل يحملني إلى قومه؟ 9/ 179. هل من شيء؟ 5/ 170. هل من طعام؟ 7/ 282، 327- 14/ 288. هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ 2/ 69. هل من غداء؟ 7/ 271- 14/ 281. هل من ماء بارد؟ 7/ 349. هل نظرت إليها؟ 5/ 221. هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا 11/ 273. هل نظرت إليها فقط؟ 11/ 275. هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده 12/ 125- 14/ 187. هلكت أمتي على يدي غلمة من قريش 12/ 230- 14/ 138. هلم اكتب لي كتابا لن تضلوا بعده 14/ 446. هلم يا أبا بكر فقد جاءك اللَّه بغداء 2/ 106، 214. هلموا إلى الشراب 5/ 87. هلموا لي ثوبا 1/ 19. همت اليهود بالغدر بي، فأخبرني اللَّه 13/ 252. هن حولي كما ترى يسألنني النفقة 13/ 68. هو أهنأ وأمرأ 7/ 367. هو صغير 8/ 49. هو عامر بن فهيرة 9/ 111. هو عليها صدقة ولنا هدية 7/ 327، 327. هو في سبيل اللَّه 8/ 355. هو في النار 6/ 323- 9/ 201- 13/ 342. هو لك 1/ 252. هو السلام ومنه السلام وإليه السلام 9/ 52. هو اللَّه لا شريك له 2/ 190. هو المقام الّذي أشفع فيه لأمتي 3/ 289. هو الوزغ ابن الوزغ الملعون 12/ 275. هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق 5/ 384، 385
حرف الواو
هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش 2/ 221. هون عليك، فإنّي لست بملك 2/ 220. هون عليك، فإنّي لست ملكا 2/ 221. هون عليك، اللَّه عز وجل قد وعدني لهذا 14/ 180. هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم 5/ 41 حرف الواو وآدم بين الروح والجسد 3/ 169، 170. وآدم منجدل في الطين 3/ 169. واف مع الصبح معك سلاحك 1/ 75. وأملك إن كان اللَّه قد نزع منكم الرحمة 2/ 224. وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة 2/ 24. وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب 2/ 318. وأنت تسلم إن أخبرتك؟ 14/ 94. وأنت يا عم إن أطعت اللَّه أطاعك 11/ 317. وأي داء أدوى من البخل؟ 11/ 7. ولئن طالت بك حياة لترى الرجل 12/ 284. وتحبين؟ 10/ 245. وتحبين ذلك؟ 6/ 69. وتحفظان اليوم الّذي قال إن ربي قتل ربه؟ 12/ 130. وتفعلين؟ 5/ 238. وجدنا بحرا وإنه لبحر 11/ 270. وددت أن أراك في صورتك 3/ 43. وددت أن ذلك كان وأنا حي 14/ 433. وذلك لو كان وأنا حي فأستغفر لك 14/ 209. والّذي بعثني بالحق لا يدخل قلب رجل الإيمان 6/ 21. والّذي نفس محمد بيده لآنيته أكثر من عدد 3/ 302. والّذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم 12/ 8. والّذي نفس محمد بيده ليأتين على أحدكم 12/ 345. والّذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع 12/ 161
والّذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى 12/ 382. والّذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل 3/ 205. والّذي نفسي بيده إن صاحبكم لصاحب لواء 3/ 232. والّذي نفسي بيده إني لأرى في وجهه 14/ 98. والّذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض 2/ 131- 14/ 441. والّذي نفسي بيده لئن ساروا إليها 1/ 172. والّذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم 1/ 193. والّذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي 3/ 304. والّذي نفسي بيده لأقضين بينكما 10/ 22. والّذي نفسي بيده لصلاة هاهنا أفضل 2/ 4. والّذي نفسي بيده لقد عرضت عليّ الجنة والنار 11/ 240. والّذي نفسي بيده لقد غفر اللَّه للركب أجمعين 1/ 283. والّذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا 3/ 117. والّذي نفسي بيده لو سكت لناولتني الذراع 7/ 287- 10/ 51، 53. والّذي نفسي بيده لو سكتم لوجدتموها 11/ 233. والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا 14/ 198. والّذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا 14/ 198. والّذي نفسي بيده لو لم ألتزمه 5/ 49. والّذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين 9/ 223. والّذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي 12/ 336. والّذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا 12/ 383. والّذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد 11/ 178. والّذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون 13/ 172. ورأيت إبراهيم فإذا أقربكم شبها به 4/ 98. وزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل 9/ 319. وعليّ جمع الحطب 2/ 188. وعليك السلام 2/ 388. وعليك السلام، من أنت 4/ 375. وعليك ورحمة اللَّه 4/ 374
وعمرو قد أهدى إلينا ما ترى 1/ 285. وفت أذنك يا غلام وصدق اللَّه حديثك 1/ 209. وقد رأيت ذلك يا سلمان؟ 13/ 294. وكانت سيما الملائكة عمائم قد أرخوها 3/ 323. ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم 2/ 223- 5/ 336. ولقد أتى عليّ وعلى صاحبي بضع عشرة 10/ 159. ولك 2/ 173. ولك ظهره إلى المدينة بعنيه 11/ 263. ولكن بر أباك 14/ 343. ولم ضربته وحملت السلاح عليه؟ 1/ 218- 6/ 344. واللَّه إنك لخير أرض اللَّه 2/ 3- 10/ 344، 345. واللَّه إني لأرجو أن يكون في ذلك خير 1/ 132. واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض 10/ 353، 359. واللَّه لكن فلان ما هو كذلك 2/ 211. واللَّه لولا أنت ما اهتدينا 2/ 269. وما ذاك؟ 2/ 250. وما ذاك يا أم مالك؟ 5/ 229. وما الّذي معك؟ 9/ 184. وما كان اللَّه تعالى ليسلطها على رسوله 14/ 438. وما له؟ 2/ 5. وما هو؟ 12/ 237. وما هي؟ 12/ 19. وما يدريني لعلي لا أبلغه 2/ 336. وما يمنعني وأتاني ربي عز وجل الليلة 8/ 132. ومن أنت؟ 2/ 44. ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس؟ 8/ 306. والمنافق يسمع أن رجلا من المنافقين شمت 13/ 318. وهؤلاء؟ 5/ 180. ولا أنا ما صليت 1/ 237
حرف اللام ألف
ويح ابن سمية، ليسوا بالذين يقتلونك 10/ 86. ويح عمار تقتله الفئة الباغية 12/ 198. ويحك أهبلت؟ أو جنة واحدة 5/ 143. ويحك، فمن يعدل إذا لم أعدل 2/ 234. ويحك، ما حملك على أن تقول الّذي قلت؟ 14/ 345. ويحك، من يعدل عليك بعدي 2/ 234. ويحك يا أنجشة، رويدك بالقوارير 9/ 316، 317. ويحك يا بلال، هل تسمع ما أسمع؟ 12/ 5. ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال 1/ 301، 302. ويل لك من الناس وويل للناس منك 12/ 254. ويل للعرب من شر قد اقترب 12/ 335- 13/ 221. ويلك، فمن يعدل إذا لم أعدل 2/ 30. ويلك، وما أعددت لها؟ 12/ 292. ويلك، ومن يعدل إذا لم أكن أعدل 14/ 25. الولد للفراش وللعاهر الحجر 6/ 198 حرف اللام ألف لا 2/ 120، 347- 5/ 90- 6/ 81- 8/ 46- 11/ 304، 308، 309، 231. لا أجد ما أحملكم عليه 2/ 49- 8/ 392. لا أجعل شيئا جعله اللَّه لي دون المؤمنين 1/ 191. لا أريد، أنا شبعان 4/ 100. لا أستطيع الصلاة خارجا 14/ 411. لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته 9/ 50. لا أقبل هدية مشرك 1/ 181، 277- 7/ 4- 6/ 397. لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها 1/ 190. لا أقرته الأرض 12/ 110. لا أقوم حتى تشهد أن لا إله إلا اللَّه 14/ 327. لا أكره أحدا منكم على شيء 9/ 179
لا آكل كما يأكل العبد 2/ 221. لا آكل متكئا 7/ 334- 13/ 89. لا آكل وأنا متكئ 7/ 334. لا آكله ولا أحرمه 7/ 301، 302. لا آكله ولا أنهى عنه ولا أحرمه 7/ 307. لا ألبسه أبدا 7/ 35، 36. لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك 2/ 285. لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي 8/ 156. لا إله إلا اللَّه إن للموت سكرات 14/ 498. لا إله إلا اللَّه وحده صدق وعده 2/ 25. لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له 2/ 109، 121- 8/ 167- 9/ 26. لا إله إلا اللَّه، ويل للعرب من شر قد اقترب 13/ 219. لا أمثل به فيمثل اللَّه بي 1/ 115- 12/ 175. لا، إنما جاء يسلم، فإن ربي وعدني 14/ 107. لا، إلا بالمعروف 13/ 391. لا، بل أبايعه على الجهاد فقد انقضت الهجرة 1/ 397. لا، بل أسأل اللَّه الرفيق الأعلى الأسعد 14/ 502. لا، بل أكون عبدا نبيا 7/ 335- 13/ 90. لا، بل نبيا عبدا 8/ 258. لا، بل هو نعمان وهو طيب 5/ 144. لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة 12/ 290. لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله 12/ 383. لا تبكي يا بنية 12/ 108. لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا 11/ 59، 68. لا تجعلوني كقدح الراكب 11/ 56، 125. لا تجمع بين المرأة وعمتها 10/ 243. لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي 2/ 148. لا تحزن إن اللَّه معنا 12/ 123
لا تحل الجنة لعاص 1/ 308. لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم 8/ 369. لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد 1/ 306. لا تدخلها 14/ 273. لا تدرجوه في أكفانه حتى انظر إليه 5/ 339. لا تدنوا النظر إلى المجذومين 8/ 27. لا تديموا إليهم النظر 8/ 27. لا تذكروا من شأنهم حرفا 1/ 132. لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع ابن لكع 12/ 382. لا ترتدوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض 14/ 264. لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض 14/ 262، 263. لا ترزموا ابني 10/ 282. لا ترزموه، لا ترزموه، دعوه 2/ 243. لا ترضعوهن إلى الليل 11/ 378. لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا 12/ 385. لا تزال الأمة على شريعة ما لم تظهر فيهم ثلاث 12/ 385. لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللَّه 12/ 368، 370. لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق 12/ 371. لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أمر اللَّه 12/ 370. لا تزال هذه الأمة مستقيم أمرها 12/ 303. لا تزكوا أنفسكم، اللَّه أعلم بأهل البر 2/ 275، 310. لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم 9/ 349. لا تسبوا أصحابي 10/ 276. لا تسبوا أصحابي، دعوا لي أصحابي 9/ 119. لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق 9/ 90، 118، 119، 12/ 341، 9/ 119. لا تسألني باللات والعزى 2/ 348- 8/ 184. لا تسألني بهما، فو اللَّه ما أبغضت شيئا قط 11/ 215. لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم 11/ 244
لا تسلني باللات والعزى 5/ 64. لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد 14/ 621. لا تشربوا من مائها شيئا، ولا تتوضئوا منه 2/ 55- 14/ 44. لا تشركوا باللَّه شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم اللَّه 14/ 82. لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم 2/ 227. لا تطرقوا النساء ليلا 1/ 220. لا تعجبوا من أسامة المشترى إلى شهر 2/ 336. لا تعجل، لعل اللَّه يجعل لك صاحبا 9/ 197. لا تغزى قريش بعد هذا اليوم 1/ 400. لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا 2/ 276، 311. لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة 13/ 382. لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم 13/ 365. لا تفضلوني على موسى 10/ 278. لا تقتسم ورثتي دينارا 13/ 159. لا تقتل قريش صبرا بعد اليوم 1/ 400. لا تقدرين على ذلك 2/ 4. لا تقولوا هكذا، لا تعينوا الشيطان عليه 10/ 35. لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق 12/ 370. لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي القرون 12/ 354. لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز 12/ 373. لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين 14/ 201. لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوذا وكرمان 14/ 200. لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر 12/ 343- 14/ 200، 201. لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة 12/ 195. لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان 12/ 194، 195. لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان فتكون بينهما 12/ 195. لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم 13/ 201. لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات 12/ 378. لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي 12/ 322
لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون 12/ 248- 14/ 157. لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا 12/ 249- 14/ 157. لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل من العرب 12/ 379. لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها 12/ 383. لا تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في الأسواق 12/ 365. لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك 14/ 201. لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا 12/ 382. لا تقوم الساعة على أحد يقول في الأرض اللَّه 12/ 342. لا تكف ثوبا ولا شعرا 2/ 163. لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة 2/ 79. لا تكلموا أحدا ممن تخلف عنا 2/ 80. لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم 10/ 31. لا تلعنوه، فو اللَّه ما علمت أنه يحب اللَّه ورسوله 10/ 31. لا تمسه 2/ 348. لا تمشوا بين يدي ولا خلفي 8/ 78. لا توطأ حامل من السبي حتى تضع حملها 2/ 19. لا تواصلوا فأيكم إذا كان يواصل 13/ 135. لا حاجة لنا فيها، هذه تأتينا بخطاياها 6/ 95. لا حاجة لي في إبلك 1/ 60- 8/ 326. لا حتى تؤمن باللَّه وحده لا شريك له 12/ 95. لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف 13/ 390. لا حرج عليك أن تنفقي عليهم بالمعروف 13/ 163. لا حمى إلا للَّه عز وجل 7/ 258- 14/ 272. لا حمى إلا للَّه ولرسوله 7/ 257، 259- 14/ 272، 273. لا خير فيه 6/ 347. لا سبيل لك عليها 6/ 289. لا صلاة لمن لا وضوء له 11/ 110. لا صلاة لمن لا يصلي على نبيه 11/ 110. لا ضير ارتحلوا 5/ 101
لا، طبيبها الّذي خلقها 2/ 173. لا طيرة، وخيرها الفأل 2/ 272، 306. لا عدوى ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح 2/ 272، 306. لا عدوى ولا طيرة ولا هامة 8/ 24. لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل 2/ 272، 306. لا عدوى ولا هامة ولا طيرة 2/ 272. لا عيش إلا عيش الآخرة 13/ 58. لا، قد استطعت 4/ 398. لا نذبحها 5/ 208. لا نذر في معصية 7/ 403. لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك 1/ 135. لا نصرت إن لم أنصر بني كعب 1/ 349. لا نورث ما تركناه فهو صدقة 5/ 378- 13/ 152، 155، 157. لا هجرة بعد الفتح 9/ 86- 13/ 151. لا وجع إلا وجع العين 5/ 32. لا والّذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك 13/ 173. لا، وقد كنت منه على ميعادين 2/ 346. لا، ولكن ائتوني بما فضل من أزوادكم 5/ 148. لا، ولكن آليت منهن شهرا 13/ 73. لا، ولكنكم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي 12/ 338. لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي 7/ 305، 306. لا، ولكنها داء 8/ 3. لا، ولكني أفقت من صاحب هذا القبر 12/ 6. لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه 7/ 309- 13/ 87. لا واللَّه حتى تؤمن باللَّه وحده 2/ 100. لا، وما أخاف منك 4/ 118- 8/ 363. لا ومقلب القلوب 2/ 285. لا يبقى على ظهر الأرض نبت مدر ولا وبر 14/ 124. لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا 2/ 238
لا يتحدث الناس أني أقتل أصحابي 14/ 19. لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء 13/ 174- 175. لا يحج بعد العام مشرك 2/ 94- 14/ 320. لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد 10/ 182. لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس 13/ 149. لا يحل من الفيء خيط ولا مخيط لأحد 1/ 318. لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها 14/ 623. لا يخرج من المدينة رهبة عنها 14/ 195. لا يخرجن معنا إلا مقو 2/ 49. لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما 10/ 254. لا يخلون رجل بامرأة إلا أن تكون منه ذات محرم 10/ 254. لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعهما ذو محرم 9/ 348. لا يدخل الجنة إلا مؤمن 14/ 95. لا يدخل الجنة شيخ زان ولا مستكبر 6/ 329. لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة 5/ 344. لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة 9/ 89. لا يدخل النار إن شاء اللَّه من أصحاب الشجرة أحد 9/ 127. لا يدخل النار من تزوج إليّ أو تزوجت إليه 6/ 191. لا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه رجلا 10/ 254. لا يدخلن عليّ أحد 12/ 239. لا يرمي رجل رجلا بالفسوق 9/ 213. لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق 12/ 370. لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة 12/ 302. لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة 14/ 186. لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس 12/ 369. لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم 12/ 369. لا يزال هذا الأمر معتدلا قائما بالقسط 12/ 233. لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا 12/ 303. لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون 12/ 303
حرف الياء
لا يصبر على لأوائها وشركها أحد 14/ 623. لا يعلم ما في غد إلا اللَّه عز وجل 4/ 221. لا يغضب أحد مما قاله صاحبه 1/ 226. لا يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغوا 1/ 254. لا يفضض اللَّه فاك 11/ 372. لا يقام إليّ إنما يقام للَّه تبارك وتعالى 2/ 220. لا يقتل أحد من قريش بعد هذا اليوم صبرا 1/ 399. لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة 13/ 383. لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون اللَّه ورسوله أحب إليه 10/ 210. لا يكيد أحد أهل المدينة 10/ 349. لا يلغ الكلب في دم مسلم 14/ 378. لا يمسين بها أحد من المسلمين 1/ 334. لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان 14/ 39. لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن باللَّه الظن 14/ 495. لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا اللَّه 5/ 348. لا ينبغي لأحد أن ينقش على نقش خاتمي 7/ 38. لا ينبغي لنبي إذا أخذ لأمة الحرب 13/ 108. لا ينبغي هذا للمتقين 6/ 384. لا ينتطح فيها عنزان 14/ 380. لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا 7/ 38. لا يؤذن إنسان إلا حسن الصوت 10/ 125. لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله 10/ 210. لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه 13/ 176. لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده 13/ 171، 172. لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله 13/ 171 حرف الياء يا أبا أيوب، أما لكم سرير؟ 7/ 109. يا أبا بردة، إن اللَّه مانعي وحافظي 2/ 11- 14/ 15. يا أبا بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم 1/ 300
يا أبا بكر، أعتق سعدا 6/ 364. يا أبا بكر، إني لم أحمل أزواجي وبناتي 14/ 485. يا أبا بكر، برد أمرنا وصلح 7/ 164. يا أبا بكر، ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبدا 2/ 225. يا أبا بكر، ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟ 1/ 58. يا أبا بكر، هو ابتلاء لأهلي أن يمرضوني 14/ 437. يا أبا بكر، هلا احتطت فإن البضع ما بين 14/ 169. يا أبا جندل، اصبر واحتسب 1/ 293. يا أبا حذيفة، كأنك ساءك ما أصاب أباك؟ 12/ 161. يا أبا الحكم، هلم إلى اللَّه وإلى رسوله 4/ 345. يا أبا ذر، أتاني آتيان وأنا ببطحاء مكة 3/ 36. يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك 4/ 372. يا أبا ذر، إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة 13/ 210. يا أبا ذر، كيف أنت إذا أصاب الناس موت 12/ 376. يا أبا ذر، لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم 14/ 35. يا أبا رافع، ناولني الذراع 11/ 232. يا أبا رقاد، نمت حتى ذهب سلاحك 2/ 227. يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة 1/ 383- 8/ 385. يا أبا عمرو، إن الجراح في أهل دارك فاشية 1/ 175. يا أبا عمرو، كأنه شق عليك الأسرى 1/ 113. يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ 2/ 196، 256. يا أبا الفضل، لا ترم منزلك غدا 5/ 82. يا أبا قتادة، إن قريشا أهل أمانة 1/ 168. يا أبا كاهل، من صلى عليّ كل يوم ثلاث مرات 11/ 141. يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر 14/ 423، 424. يا أبا النعمان، إن وجه عبد اللَّه ليخبرك 1/ 219. يا أبا هر، ألحق بأهل الصفة فادعهم 5/ 223. يا أبا هريرة، ادع لي الأنصار 13/ 380. يا أبا هريرة، أمعك شيء؟ 5/ 186
يا أبا هريرة، عندك شيء؟ 5/ 185. يا أبا يحيى، أتدري ما أراد البارحة المنافقون؟ 2/ 74. يا أبا اليسر، كيف أسرت العباس؟ 12/ 167. يا ابن أبان، ما أنت بمقصر عما ترى 6/ 231. يا ابن أخي، أولئك الملأ لو رأيتهم لهبتهم 2/ 202. يا ابن حوالة، إذ رأيت الخلافة قد نزلت الأرض 14/ 193. يا ابن الخطاب، إن قريشا لن ينالوا منا 1/ 177. يا ابن رواحة، ألا أنشد اللَّه وعده؟ 1/ 103. يا ابن عباس، إن الشربة لك 7/ 374. يا ابن يمان، قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب 11/ 385. يا ابنة أبي أمية، سألت عن الركعتين 10/ 285. يا أبيّ، إني أرسل إليّ أن أقرأ القرآن 4/ 252- 12/ 30. يا أخا ثقيف، إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة 14/ 102. يا أرض ربي وربك اللَّه 8/ 163. يا أسامة، اغز باسم اللَّه في سبيل اللَّه 2/ 123- 7/ 172- 14/ 519. يا أسامة سر على اسم اللَّه وبركته 2/ 123- 14/ 519. يا أسماء، أين بنو جعفر؟ 1/ 343. يا أسماء، هذا جعفر بن أبي طالب 13/ 363. يا أسيم، انظر هل ترى من خمر؟ 5/ 41. يا أسيم، ناولني الذراع 11/ 233. يا أصحاب سورة البقرة 2/ 15. يا أم أيمن، اتركيه ولك كذا 9/ 205. يا أم أيمن، قومي إلى هذه الفخارة 7/ 112. يا أم بشر، هذا أوان وجدت انقطاع أبهري 14/ 437. يا أم سعد، أبشري وبشري أهليهم 1/ 175. يا أم سلمة، إذا تحولت هذه التربة 12/ 238. يا أم سليم، قد كفى اللَّه، عافية اللَّه أوسع 2/ 15. يا أم سليم، ما هذا الّذي تصنعين؟ 2/ 151، 171. يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز 2/ 254
يا أم فلان، انظري أي السكك شئت 2/ 217. يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم 2/ 285- 12/ 9. يا أنجشة رويدك، سوقك بالقوارير 2/ 225- 9/ 314، 316. يا أنس، ائت أمه فأعلمها ... 5/ 288. يا أنس، هل ترى ما بأيدي القوم؟ 5/ 325. يا أنصار اللَّه وأنصار رسول اللَّه 2/ 13. يا أنيس، أذهبت حيث أمرتك؟ 2/ 195. يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سورا 5/ 155. يا أيها الناس، اتقوا خمسا قبل أن تحل بكم 1/ 269. يا أيها الناس، اتقوا اللَّه وإن أمر عليكم عبد 6/ 387. يا أيها الناس، اذكروا اللَّه جاءت الراجفة 11/ 52. يا أيها الناس أسفروا 2/ 93. يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام 14/ 74. يا أيها الناس، إن اللَّه قد حرم مكة 1/ 395. يا أيها الناس، إنما صنعت هذا المنبر 10/ 104. يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به 6/ 14. يا أيها الناس أوصيكم بما أوصاني اللَّه في كتابه 1/ 138. يا أيها الناس بارك اللَّه فيكم الثقلين 14/ 476. يا أيها الناس توبوا إلى اللَّه واستغفروه 2/ 322. يا أيها الناس عليكم بقولكم 2/ 228. يا أيها الناس قد فرض اللَّه الحج فحجوا 11/ 220. يا أيها الناس قولوا لا إله إلا اللَّه تفلحوا 8/ 310، 313، 314. يا أيها الناس قولوا بقولكم 2/ 219. يا أيها الناس من ولي منكم عملا 2/ 289. يا أيها الناس لا يتلقين أحدكم سوقا 12/ 99. يا أيها الناس يد اللَّه فوق يد المعطي 2/ 60. يا بسر، لا تبرح حتى تخرج معنا 1/ 274- 7/ 248. يا بلال، أسرج لي فرسي 7/ 212، 213. يا بلال، زن لأبي سفيان أربعين أوقية 2/ 28- 9/ 297
يا بلال، قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن 13/ 338. يا بلال، قم فناد بالصلاة 10/ 116. يا بلال، ليس عمل أفضل من الجهاد 10/ 132. يا بلال، هل من عشاء لهؤلاء النفر؟ 14/ 52. يا بني، إن قدرت أن تصبح وتمسي 3/ 151. يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند 10/ 48. يا بني عبد المطلب، إني بعثت إليكم خاصة 5/ 177. يا بني عبد المطلب، إني سألت اللَّه لكم ثلاثا 11/ 177. يا بني فلان، إني رسول اللَّه إليكم 9/ 178. يا بني لقد شققت عليّ 2/ 207. يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا 10/ 82. يا بني هاشم، قوموا فقاتلوا بحقكم 1/ 104. يا بنية ائتني بوضوئي 4/ 114. يا بنية أحني عليّ 14/ 421. يا بنية لقد حضر أباك ما ليس 14/ 508. يا بنية هل في إداوتك ماء 5/ 132. يا ثابت، ألا ترضى أن تعيش حميدا 14/ 216. يا جابر، ائتني بطهور 7/ 289- 14/ 294. يا جابر، جذ له فأوفه الّذي له 5/ 200. يا جابر، خذ الإداوة وانطلق بنا 5/ 38، 260. يا جابر، ما فعل دين أبيك؟ 2/ 201. يا جابر، ناد بوضوء 5/ 89- 7/ 352. يا جابر، ناد بجفنة 5/ 89. يا جابر، هل تزوجت بعد؟ 8/ 363. يا جبريل، إن ملك الموت استأذن عليّ 14/ 505. يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أميين 4/ 254. يا جبريل، بم بلغ معاوية بن مقرن هذه المنزلة؟ 14/ 47. يا جبريل، بم نال هذه المنزلة من اللَّه؟ 14/ 46. يا جبريل، ما لي أرى الشمس اليوم طلعت 14/ 46
يا جبريل، ما هذا؟ 10/ 122. يا جبل لو بك ما فيّ لهدك 5/ 339. يا حباب أشرت بالرأي 9/ 53، 243. يا حذيفة، تعلم كتاب اللَّه 12/ 267. يا حذيفة، هل عرفت أحدا من الركب 9/ 328. يا حسان أجب عن رسول اللَّه 10/ 38. يا حسان أجبهم 2/ 40. يا حسان أحسن فيما أصابك 6/ 345. يا حفصة أعيديه لمرقه الأولى 7/ 117. يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة 2/ 28- 9/ 297. يا حلال 2/ 275، 311. يا حمن احتسبي 1/ 169. يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم 12/ 138. يا خالد، ذروا لي أصحابي 2/ 7. يا خديجة، قد خشيت أن يكون خالط عقلي 2/ 389. يا خديجة، ما أبغضت بغض هذه الأصنام 2/ 349. يا رافع، إن شئت نزعت السهم 12/ 229- 14/ 137. يا رب إنك إن تهلك هذه العصابة 3/ 320. يا زيد، إن اللَّه جاعل لما ترى فرجا 1/ 46. يا زيد، لو أن عينك لما بها 2/ 215. يا زينب، أفقري صفية جملا 6/ 120. يا سعد، أصبت حكم اللَّه فيهم 13/ 303. يا سعد، انظر إلى الظبي 1/ 84- 12/ 37. يا سلمان، إنّا لا تحل لنا الصدقة 6/ 338. يا سلمان، إلى ما أمرت به 2/ 174. يا سلمان، ما من مسلم يدخل على أخيه 7/ 122. يا شاب، قل لا إله إلا اللَّه 12/ 60. يا شيب ادن مني 2/ 17. يا شيبة، إنه لا يراها إلا كافر 14/ 17
يا شيب، يا شيب ادن مني، اللَّهمّ أذهب 14/ 17. يا شيطان اخرج من صدر عثمان 4/ 395- 11/ 325. يا صاحب السيف شم سيفك 1/ 137. يا صباحاه، يا صباحاه 4/ 386. يا صفوان، ادن العظم من فيك 7/ 286. يا طلحة سلاحك 1/ 179. يا عائشة ائذني لي في ليلتي لربي 2/ 332. يا عائشة، ابعثي الذهب إلى عليّ 14/ 515. يا عائشة، أشعرت أن اللَّه أفتاني 8/ 40. يا عائشة، أما علمت أن أجسادنا 5/ 302. يا عائشة، أما علمت أن اللَّه أمر الأرض 5/ 302. يا عائشة، إن أول من يهلك من الناس 12/ 314. يا عائشة، إن شئت لسارت معي جبال الذهب 13/ 89. يا عائشة، إن شر الناس منزلة عند اللَّه 10/ 214. يا عائشة، إن عيني تنامان ولا ينام قلبي 8/ 91- 13/ 183. يا عائشة، إن اللَّه قد أنزل براءتك 1/ 215. يا عائشة، إن نفس المؤمن تخرج بالرشح 14/ 508. يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرا 13/ 69. يا عائشة، إني عارض عليك أمرا 6/ 180. يا عائشة، قومك أسرع أمتي بي لحاقا 12/ 314. يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام 8/ 47- 14/ 437. يا عائشة، ما فعلت بالذهب؟ 14/ 515، 516. يا عائشة ما لي والدنيا 2/ 488. يا عائشة، ناوليني الثوب 7/ 131. يا عائشة، هل عندك من شيء؟ 5/ 171. يا عائشة، هل لك في السباق؟ 1/ 213. يا عائشة، هلمي المدية 5/ 381. يا عامر أسلم 12/ 96. يا عباس، اصرخ يا معشر الأنصار 2/ 13
يا عباس، إنه لا تكون نبوة إلا كانت 12/ 299. يا عباس، لا أرى لي عندك ولا عند بني أبيك 8/ 311. يا عباس بن مرداس، كيف كان إسلامك؟ 4/ 17. يا عبد الرحمن، لما كنت حيث رأيت 11/ 150. يا عبد اللَّه، اذهب بهذا الدم فأهرقه 12/ 254. يا عبد اللَّه، إنّا ابتعنا منك جزورك 2/ 234. يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة 1/ 116. يا عثمان، إن اللَّه عسى أن يلبسك قميصا 13/ 203. يا عثمان، إنه لعل اللَّه يقمصك قميصا 13/ 202. يا عدي، هل رأيت الحيرة؟ 14/ 59. يا عكراش، كل من موضع واحد 14/ 289. يا عليّ، أصب من هذا فهو أنفع لك 7/ 385. يا عليّ، اصنع رجل شاه بصاع من طعام 5/ 176. يا عليّ، إن اللَّه أمرني أن أنذر عشيرتي 5/ 174. يا عليّ، أوصيك بوصية فاحفظها 14/ 484. يا عليّ، خذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر 5/ 41. يا عليّ، صليت العصر؟ 5/ 28، 29، 30. يا عليّ، لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد 10/ 181. يا عم إلى من تكلني لا أب لي 8/ 179. يا عمار إن للَّه ملكا أعطاه أسماع الخلائق 11/ 70. يا عمر، اذهب فأطعمهم 5/ 178. يا عمر، إن اللَّه مظهر دينه ومعز نبيه 1/ 177. يا عمر، أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج 2/ 203. يا عمر، إني أسمع 7/ 239. يا عمر، لو علمت أن الحليم كاد أن يكون 5/ 243. يا عمرو، أتحب أن أريك آية الجنة 12/ 221- 14/ 129. يا عمرو، إن أمنك رجل على دمه فلا تقتله 14/ 129. يا عوف، احفظ خلالا ستا بين يدي الساعة 13/ 191. يا عوف بن مالك، أدخل 12/ 325
يا غلام، ائتني بالكتف 11/ 233. يا غلام، أتأذن أن أعطي الأشياخ؟ 7/ 372، 373. يا غلام، عندك لبن تسقينا؟ 5/ 216- 9/ 97. يا غلام، لعلك غضبت عليه 1/ 208. يا غلام، من أنا؟ 5/ 299، 300. يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء 14/ 420. يا فلان، ألا تحسن صلاتك؟ 5/ 306. يا فلان، ما منعك أن تصلي معنا؟ 5/ 99. يا قباث بن أشيم، أنت القائل يوم بدر 4/ 400- 12/ 174. يا قتادة، إذا صليت فأثبت حتى آمرك 5/ 320. يا قوم لقد سحركم صاحبكم 5/ 175. يا قيس، بعثك أبوك فارسا 1/ 264. يا قيس، عسى إن مر بك الدهر 12/ 233- 14/ 141. يا كعب بن عجرة، أعيذك باللَّه 12/ 305. يا مالك يوم الدين، إياك نعبد 12/ 59. يا مصرف القلوب، ثبت قلبي على طاعتك 2/ 336. يا مصعب 3/ 329. يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي 14/ 418. يا معاوية، إن وليت أمرا فاتق اللَّه 12/ 209. يا معشر الأنصار، إن اللَّه قد أثنى عليكم 10/ 74. يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم 2/ 35. يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا 1/ 93. يا معشر قريش أما والّذي نفسي بيده 4/ 128. يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا 1/ 102. يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ 8/ 386. يا معشر قريش من رجل يعينني على أبي الحكم 4/ 129. يا معشر المسلمين كفوا السلاح 1/ 395. يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون 2/ 132- 14/ 443. يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان 2/ 159، 160
يا معشر اليهود، أروني اثني عشر رجلا 14/ 77. يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يوقع اللَّه بكم 1/ 122. يا معشر اليهود، أنشدكم باللَّه الّذي أنزل التوراة 14/ 83. يا مغيرة خذ الإداوة 6/ 392. يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني 6/ 306. يا نافع أملكها الليلة وما أراك تملكها 5/ 225. يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ 2/ 133- 14/ 503. يا هبا سب من يسبك 5/ 348. يا هذه مهلا 2/ 208. يا وابصة، أخبرك بما جئت تسألني عنه 14/ 102. يا يهودي، أنشدك باللَّه الّذي أنزل التوراة 14/ 90. يأتي على الناس زمان يأتي الرجل ابن عمه 10/ 348. يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث 14/ 196. يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس 14/ 195، 196. يأتي قوم من هاهنا وأشار بيده نحو اليمين 9/ 120. يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا 1/ 398. يأتيني من السماء جناحاه لؤلؤ 3/ 39. يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي 3/ 288. يتزوج حفصة من هو خير من عثمان 6/ 46. يتكلم رجل من أمتي بعد الموت 12/ 218. يجتمع الناس يوم القيامة فيهتمون بذلك 3/ 278. يجمع اللَّه المؤمنون يوم القيامة فيهتمون بذلك 3/ 279. يجمع اللَّه تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون 3/ 271- 4/ 187. يجمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا 3/ 279. يجمع المؤمنون يوم القيامة لذلك فيقولون 3/ 279. يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك 3/ 280. يحشر الناس يوم القيامة على تل 3/ 268. يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي 3/ 268
يحلها وتحل به رجل من قريش 12/ 259. يخرج أناس يمرقون من الدين 13/ 207. يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع 12/ 296. يخرج من أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن 12/ 287. يخرج من ثقيف كذاب ومبير 12/ 250- 14/ 158. يخرج من هذه الأمة في آخر الزمان رجال 12/ 329. يخرج قبل قيام الساعة قوم يقال لهم الرافضة 12/ 363. يخرج قوم فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميون 3/ 264. يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها 3/ 264. يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة 13/ 231. يخرج من الكاهنين رجل أعلم الناس 12/ 287. يرحم اللَّه أخي موسى، قد أوذي بأكثر 2/ 31- 9/ 301. يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي 14/ 223. يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب 14/ 63. يطلع عليكم رجل من أهل الجنة 13/ 269. يظهر الدين حتى يجاوز البحار 14/ 125. يعمد أحدكم فيعض أخاه كما يعض الفحل 2/ 58. يعيش هذا الغلام قرنا 12/ 293. يفتح الشام فيخرج من المدينة قوم 14/ 183- 184. يفتح اليمن فيأتي قوم يسبون بأهليهم 10/ 348. يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي 14/ 152. يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ولد 12/ 296. يقتله اللَّه ويقتل الرجال معه 14/ 231. يقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحد 3/ 290. يكون بعد العلماء خلفاء يعملون بكتاب اللَّه 14/ 204. يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا 12/ 313- 14/ 195. يكون في آخر أمتي مسخ وخسف وقذف 12/ 379. يكون في آخر الزمان دجالون كذابون 12/ 364. يكون في آخر الزمان علماء جهال 12/ 361
يكون في أمتي رجل يقال له صلة 13/ 185. يكون في أمتي رجل يقال له وهب 12/ 284. يكون في أمتي قوم في آخر الزمان 12/ 363. يلحد بمكة كبش من قريش 12/ 260. يلحد رجل بمكة يقال له عبد اللَّه 12/ 259. يمشي وحده ويموت وحده 8/ 392. ينعق الشيطان بالشام نعقة 12/ 285. يهديكم اللَّه ويصلح بالكم 2/ 258. يهلك أمتي هذا الحي من قريش 14/ 139. يهلك الناس هذا الحي من قريش 12/ 230- 14/ 138. يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوما 12/ 329. يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم 13/ 323. يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل 10/ 359. يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته 12/ 362. يوشك برجل متكئ على أريكته 3/ 147. يوشك اللَّه أن يملأ أيديكم من العجم 12/ 311. يوشك الأمم أن تتداعى عليكم 12/ 312. يولد لك ابن قد نحلته اسمي 13/ 186. يوم الأربعاء 5/ 31. اليوم أوجب طلحة 6/ 142
فهرس الأعلام
فهرس الأعلام الألف أبان: (8) 294، (12) 239، (13) 288. أبان بن بشير: (5) 225. أبان بن تغلب: (4) 308، 353، (6) 191، (11) 178. أبان بن سعيد: (1) 289، (9) 334. أبان بن صالح: (4) 125، 359، (10) 220، (12) 139، 325. أبان بن طارق: (10) 326. أبان بن عثمان: (4) 293، 353، (6) 293، (9) 189، 287. أبان بن أبي عياش: (8) 279. أبان بن يزيد: (4) 119، (7) 287، (11) 233. إبراهيم: (8) 66، 116، 288، (9) 78، 299، 222، 223، (11) 42، 154، (12) 15، 31، 135، 156، 253، 301، 366، (13) 4، 19، 215، (14) 87، 278، 279، 452، 454، 460، 464. إبراهيم بن إسماعيل: (2) 208، (4) 224، (7) 104، (13) 280. إبراهيم بن إسماعيل القاري: (12) 359. إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع: (4) 116. إبراهيم بن الأشعث: (11) 147. إبراهيم بن أيوب: (12) 295. إبراهيم بن البراء: (2) 263. إبراهيم التيمي: (8) 299. إبراهيم بن جابر: (2) 23. إبراهيم بن جعفر: (3) 83، (5) 121، (9) 255، 288، (12) 178، 185، (13) 282، 330، 350. إبراهيم بن الحجاج: (11) 79. إبراهيم بن الحسن: (5) 28، (12) 363. إبراهيم بن الحسن بن الحسن: (5) 28. إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب: (12) 363. إبراهيم بن الحسن بن ديزيل: (11) 177. إبراهيم بن الحكم بن أبان: (2) 235، 338. إبراهيم بن حمزة: (3) 83، (5) 144، (11) 32، 71. إبراهيم بن حميد: (12) 369. إبراهيم الحربي: (7) 83. إبراهيم بن رشيد بن مسلم: (11) 70. أحمد بن زهير: (12) 340. إبراهيم بن سعد: (3) 24، 79، 93، 315، 327، (4) 106، 243، 247، 357، (5) 113، 209، 231، 348، (7) 45، 50، 272، (8) 111، 115، 116، (9) 320، 325، 237، (10) 367، (11) 194، 246، 307، 309، (12) 69، 79، 170، 202، (13) 159، 220، 225، (14) 282، 420، 423، 424، 430، 435، 489، 502. إبراهيم بن سويد: (5) 267، (7) 255، (14) 271. إبراهيم بن صدقة: (4) 112. إبراهيم بن طريف: (4) 113.
إبراهيم بن طهمان: (2) 142، 155، 176، 386، (3) 33، 169، 187، (5) 55، 375، (7) 193، 322، 326، 359، (9) 350، 384، (13) 84. إبراهيم بن عبد الرحمن: (5) 150، 199، (7) 297، 304، (11) 72. إبراهيم بن عبد العزيز: (10) 124. إبراهيم بن عبد اللَّه بن إبراهيم: (8) 11. إبراهيم بن عبد اللَّه الأصبهاني: (11) 354. إبراهيم بن عبد اللَّه العبسيّ: (5) 300. إبراهيم بن عبد اللَّه بن معبد: (14) 467، 469. إبراهيم بن عبد اللَّه الهروي: (5) 83. إبراهيم بن علي التميمي: (4) 352. إبراهيم ابن علية: (5) 375. إبراهيم بن العلاء الزبيدي: (5) 247. إبراهيم بن عيينة: (7) 293، 294. إبراهيم بن أبي عبلة: (7) 87، (9) 296، (12) 150. إبراهيم بن الفضل: (7) 193، 207، (12) 260. إبراهيم بن قتيبة: (12) 311. إبراهيم بن قدامة: (7) 83. إبراهيم بن محمد: (2) 158، 174، (5) 239، (7) 337، (8) 76، (10) 171، (11) 37، 56، (12) 244، 260، 293، (14) 152. إبراهيم بن محمد بن حاطب: (13) 199. إبراهيم بن محمد بن زياد: (12) 293. إبراهيم بن محمد الشافعيّ: (12) 294. إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز: (11) 312. إبراهيم بن محمد بن عرفة: (2) 264. إبراهيم بن محمد بن عمار: (7) 154، 157. إبراهيم بن محمد بن المنتشر: (2) 204. إبراهيم بن مكحول: (11) 66. إبراهيم بن المنذر: (1) 29، (2) 348، (4) 123، (5) 200، (7) 85، (10) 92، 98، (12) 151، 244، (14) 152، 549. إبراهيم بن منصور الخراساني: (12) 278. إبراهيم بن المهاجر: (4) 242، (8) 148، (12) 6، 208. إبراهيم بن ميسرة: (2) 264، (13) 257. إبراهيم النخعي: (3) 291، (4) 307، 328، (5) 30، (6) 289، (7) 117، 143، (11) 47، 116. إبراهيم بن قسطاس: (5) 144. إبراهيم بن هشام البغوي: (14) 570. إبراهيم بن يحيى الشجري: (12) 36، 37. إبراهيم بن يزيد: (3) 343، (10) 48. إبراهيم بن يزيد العدوي: (7) 128. إبراهيم بن يوسف: (5) 200، (12) 103. إبراهيم بن أبي يحيى: (6) 53، 379، (12) 240. أبيّ بن عباس بن سهل: (7) 197، 351. أبي بن كعب: (1) 41، 75، 132، 243، (3) 33، (4) 134، 240، 242، 249، 252، 254، 255، 259، 263، 266، 267، 269، 271، 272، 274، 275، 283، 285، 287، 288، 289، 291، 292، 311، 321، 323، 324، 330، 397، (8) 262، 190، (9) 83، 130، 131، 140، 168، 169، 334، 359، 377، (10) 41، 144، 148، 262، (11) 52، 147 (12) 31، 28، 135، 326، (13) 262، (14) 179، 180.
أبيض بن حمال: (4) 369، (9) 360. الأجلح: (12) 221، (13) 218. الأجلح بن عبد اللَّه الكندي: (12) 221. أحمد بن إبراهيم الدورقي: (9) 206. أحمد بن أحمد الطبري: (5) 61. أحمد بن إسحاق: (5) 229. أحمد بن بجير: (5) 284. أحمد بن جبير: (4) 312. أحمد بن جحش: (6) 60. أحمد بن جعفر القليعي: (13) 330. أحمد بن حازم بن أبي غرزه: (5) 240. أحمد بن الحجاج: (3) 55، 75. أحمد بن الحسين: (10) 300، (12) 286. أحمد بن الحكم المعافري: (14) 110. أحمد بن أبي الحواري: (11) 126. أحمد بن خلف بن محمد المقرئ: (5) 300. أحمد بن داود المكيّ: (5) 219، (10) 91. أحمد بن راشد: (11) 319، (12) 300. أحمد بن رشدين: (11) 69. أحمد بن زهير: (3) 69، 72، 75، 78، 79، (8) 59، 200، (10) 345، 356، 357، 359، (12) 274، 285. أحمد بن سعيد بن أبي مريم: (5) 225. أحمد بن سليمان بن داود بن حذلم: (12) 294. أحمد بن شبيب: (11) 328. أحمد بن شعيب: (7) 125. أحمد بن صالح: (5) 28، (10) 362. أحمد بن صالح المصري: (10) 57. أحمد بن صالح بن وهب: (14) 551. أحمد بن أبي ظبية: (3) 237. أحمد بن عباد الفرغاني: (11) 362. أحمد بن العباس: (12) 285. أحمد بن عبد الجبار: (5) 232، (12) 296. أحمد بن عبد اللَّه: (2) 170، (3) 284، (5) 325، (9) 316. أحمد بن عبد اللَّه بن أحمد: (5) 179. أحمد بن عبد اللَّه بن صالح: (13) 21. أحمد بن عبد اللَّه بن قندوة: (2) 360. أحمد بن عبد اللَّه بن يونس: (5) 398. أحمد بن عبد الوهاب بن نجده الحوطي: (12) 196. أحمد بن عبيد: (11) 335، (14) 463، 464. أحمد بن عصام: (11) 56. أحمد بن علي بن ثابت: (10) 317. أحمد بن علي بن شعيب: (11) 126. أحمد بن علي بن المثنى: (14) 13. أحمد بن عمر: (10) 358، (12) 300. أحمد بن عمرو بن أحمد: (5) 250. أحمد بن عمرو بن السرح: (10) 358. أحمد بن عمرو بن أبي عاصم: (11) 56. أحمد بن عيسى: (2) 265. أحمد بن أبي عمران: (4) 263. أحمد بن محمد: (2) 353، (10) 311. أحمد بن محمد بن أيوب: (3) 79، (5) 231. أحمد بن محمد بن الحسن: (5) 219. أحمد بن محمد بن رزين: (11) 116. أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين: (12) 278. أحمد بن محمد الأزرقي: (2) 212، (7) 46. أحمد بن محمد بن عبد العزيز: (4) 38. أحمد بن محمد بن عبد اللَّه: (11) 51.
أحمد بن محمد العنبري: (12) 359. أحمد بن محمد بن غالب: (90) 12. أحمد بن محمد بن موسى: (3) 76. أحمد بن محمد بن الوليد: (4) 96، (12) 273. أحمد بن محمد اليزني: (11) 37. أحمد بن المظفري البكري: (12) 297. أحمد بن موسى بن مجاهد: (4) 317. أحمد بن هشام بن بهرام: (6) 377. أحمد بن الوليد بن برد: (5) 27. أحمد بن يحيى: (2) 264. أحمد بن يوسف: (2) 282، (13) 330. أحمد بن يونس: (3) 70، (5) 325، (11) 21، (12) 154، (14) 463. الأحنف: (9) 369، (12) 252، (13) 242. الأحنف بن قيس: (9) 370، (12) 331. الأحوص: (12) 285. أحوص بن حبان: (12) 240. الأحوص بن حكيم: (12) 284، 285. الأحوص بن فهر: (4) 20. إدريس الأودي: (3) 239. إدريس بن محمد بن يونس: (11) 354. إدريس بن يحيى الخولانيّ: (2) 258. إدريس بن وهب: (3) 43. آدم بن أبي إياس: (4) 119، (5) 11، 47، 238، (11) 152، 269، (14) 508. آدم بن علي: (3) 237. أربد بن قيس: (2) 100، (4) 123، 124، 125، 398، (12) 94. الأرت: (9) 108. أرطاة: (13) 116. أرطاة بن أبي أرطاة: (14) 486. أرطاة بن شرحبيل بن هاشم: (1) 143، (6) 281. أرطاة بن المنذر: (3) 396، (6) 126، (11) 223، (12) 390، 391، (13) 204. الأرقم: (9) 91، 225. الأرقم بن شرحبيل: (14) 464، 482. الأرقم بن عبد مناف بن أسد: (9) 92. الأرقم بن أبي الأرقم: (1) 35، (3) 401، (5) 23، (9) 99، 106. أزهر بن عبد اللَّه الجزاري: (12) 349. أزهر بن عوف: (1) 300. أسامة: (1) 214، (8) 161، (9) 263، 312، (12) 55. أسامة بن زيد: (1) 67، 69، 81، 136، 249، 323، 329، 347، 392، (2) 14، 110، 114، 123، 124، 125، 126، 127، 132، 136، 137، 153، 155، 170، 229، 253، 285، 330، 344، (3) 53، 70، 366، (4) 352، (5) 41، 44، 107، 276، 277، 339، (6) 62، 126، 306، 340، 388، (7) 47، 172، 173، 231، 240، (8) 159، 389، (9) 63، 142، 205، 257، 282، 289، 310، (10) 26، 28، 362، (11) 224، 233، 321، (12) 283، 148، 157، 283، (13) 223، 224، 278، (14) 175، 221، 461، 465، 472، 484، 517، 518، 522. أسامة بن زيد بن أسلم: (4) 73، 134، (9) 102. أسامة بن زيد بن حارثة: (2) 260، (6) 308، 325. أسامة بن زيد الليثي: (2) 260، (3) 67، 68، 69، (9) 262. أسامة بن شريك: (7) 104، (12) 192.
أسامة بن عمرو بن عبد اللَّه: (6) 164. أسباط بن نصر: (5) 21، 31، (8) 200، (9) 367، (12) 252، (13) 110، (14) 160. إسحاق: (9) 95، (11) 143، (12) 19، 93، 146، 193، (14) 65، 84، 188. إسحاق بن إبراهيم: (2) 251، (3) 47، 239، (4) 251، (5) 30، 83، 219، 233، (7) 7، (8) 328، (11) 55، 351. إسحاق بن إبراهيم الحربي: (3) 55، (8) 207. إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ: (8) 229. إسحاق بن إبراهيم شاذان: (37) 12. إسحاق الأزرق: (12) 193. إسحاق بن إسماعيل: (5) 284. إسحاق بن أبي إسحاق: (3) 383، 384. إسحاق بن أبي إسرائيل: (11) 144، (3) 12. إسحاق بن بشر: (8) 275. إسحاق بن حازم: (7) 231. إسحاق بن راشد: (7) 369، (13) 20، (14) 3. إسحاق بن راهويه: (2) 209، (4) 317، (8) 279، (9) 33، (10) 376، (11) 96، 97. إسحاق بن سالم: (5) 171. إسحاق بن سعيد: (7) 23، 46، (12) 259، 314، (12) 204. إسحاق بن سويد: (7) 126، 128. إسحاق بن عبد اللَّه: (2) 256، (4) 359، (6) 386، (7) 119، 291، (8) 42، (10) 29، 249، 253، 348، (11) 349، (12) 149، (13) 285، 334. إسحاق بن أبي عبد اللَّه: (8) 171. إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث: (7) 5، (11) 84. إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة: (2) 218، 243، 251، (5) 49، 85، 122، 165، (7) 275، 314، 346، (8) 122، (12) 26، 95، 212، (13) 176، (14) 49، 284، 295. إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة: (11) 331، 349. إسحاق بن عبد اللَّه بن كيسان: (4) 55. إسحاق بن عيسى: (3) 294، (10) 170، (12) 299. إسحاق بن الفضل الهاشمي: (5) 301. إسحاق بن كعب بن عجرة: (11) 44. إسحاق بن محمد: (4) 296، (5) 223. إسحاق بن منصور: (2) 152، (3) 47، (7) 121، (11) 122، (12) 113. إسحاق بن موسى بن عبد اللَّه الأنصاري: (12) 260. إسحاق بن وهب العلاف: (11) 136. إسحاق بن يحيى: (3) 325. إسحاق بن يسار: (2) 336، (4) 44، (12) 84، (13) 300، 385. إسحاق بن يوسف الأزرق: (12) 217، 236. أسد بن عبيد: (4) 401. أسد بن موسى: (2) 227، (4) 352، (12) 39، 176. إسرائيل: (8) 12، 34، 64، 196، 326، 327، (9) 95، 178، 179، 191، 202، 322، 365، (11) 290، 295، (12) 6، 104، 119، 143، 158،
168، 256، (13) 12، 45، 103، 296، 308، (14) 59، 72، 205، 297، 372، 482، 553. إسرائيل بن إسحاق: (6) 18. إسرائيل الأعور: (7) 318. أسعد بن زرارة: (1) 50، 51، 52، 53، 54، 67، (7) 109، 283، 299، 300، (9) 207، (10) 87، 88. الأسلم بن شريك: (6) 349. أسماء بن حارثة: (6) 349، 353. إسماعيل: (9) 89، 368، (11) 82، (12) 6، 33، 55، 56، 265، 331، 369، (13) 12، 19، (14) 202. إسماعيل بن أبان: (5) 302. إسماعيل بن إبراهيم: (2) 194، 247، (7) 235، 237، (11) 72، 128، 380، 381، (12) 197، 208، (13) 211، 348، (14) 49، 194، 471. إسماعيل بن إبراهيم بسام: (5) 287. إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن: (10) 63. إسماعيل بن إبراهيم العجليّ: (12) 150. إسماعيل بن إبراهيم ابن علية: (8) 289. إسماعيل بن إبراهيم القطيعي: (3) 225. إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر: (12) 208، 209. إسماعيل بن أحمد الحاسب: (11) 149. إسماعيل بن أبي إدريس: (11) 82. إسماعيل بن إسحاق: (6) 173، (10) 257، 370، 371، 378، (11) 35، 41، 46، 51، 70، 73، 79، 81، 84، 114، 128، 129، 151، 163، (14) 463. إسماعيل بن أبي إسماعيل: (12) 332. إسماعيل بن أمية: (7) 157، (8) 77، (10) 30، 183، (11) 251، (13) 221، (14) 105، 106. إسماعيل بن أبي أنس: (14) 100. إسماعيل بن أويس: (4) 221، (5) 87، (6) 324، (7) 49، (11) 46، 177، (12) 40، 382. إسماعيل بن إياس بن عفيف: (9) 93. إسماعيل بن جريج بن معاوية: (11) 147. إسماعيل بن جعفر: (2) 154، 240، 285، (3) 286، 317، (4) 296، (5) 120، 143، (7) 301، 369، 373، (9) 212، (10) 46، 176، 218، 286، 320، (11) 82، (12) 337، (13) 201، (14) 198، 371، 469. إسماعيل بن أبي الحكم: (2) 3، (11) 198. إسماعيل بن أبي خالد: (2) 155، 220، 221، (3) 204، 205، (4) 252، 289، 291، (5) 284، 296، (6) 21، (7) 179، 275، (8) 291، (9) 87، 97، 273، 274، (10) 367، (11) 38، (12) 11، 28، 32، 35، 36، 99، 217، 303، 369، (13) 12، 20، 200، 201، 204، (14) 3، 201، 285، 481، 502، 573. إسماعيل بن أبي داود: (2) 256. إسماعيل بن رافع: (11) 116، 134، (12) 301، (14) 103. إسماعيل بن رباح: (7) 339. إسماعيل بن رجاء: (10) 176. إسماعيل بن زكريا: (11) 26. إسماعيل بن زكريا الخلقاني: (7) 373. إسماعيل بن أبي زياد: (5) 23، (11) 142.
إسماعيل السدي: (8) 200. إسماعيل بن شبيب: (11) 327. إسماعيل بن عبد الرحمن: (5) 31. إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي: (9) 367. إسماعيل بن عبد الرحمن السندي: (12) 252. إسماعيل بن عبد اللَّه: (7) 57. إسماعيل بن عبد اللَّه بن أبي أويس: (7) 155. إسماعيل بن عبد اللَّه بن جبير: (13) 312. إسماعيل بن عبد اللَّه بن جعفر: (5) 386، (7) 9. إسماعيل بن عبد اللَّه بن خالد: (11) 371. إسماعيل بن عبد اللَّه بن قسطنطين: (4) 299، 324. إسماعيل بن عبد الكريم: (12) 285. إسماعيل بن عبد الملك: (4) 193، (5) 38، 251، 252، 259. إسماعيل بن عبيد اللَّه: (2) 316، (10) 358، (12) 388. إسماعيل بن عطية: (5) 201. إسماعيل ابن علية: (2) 218، 224، 234، (7) 237، 253، 270، (8) 155، 162، (12) 153، 193، (13) 88، 171، 172، (14) 281. إسماعيل بن عوف: (12) 138. إسماعيل بن عياش: (2) 276، (4) 20، 120، 314، 378، (5) 170، (6) 11، 88، 191، (8) 3، 133، (11) 315، (12) 280، 332، (14) 125. إسماعيل بن أبي فديك: (12) 387. إسماعيل بن قاسم الرعينيّ: (12) 383. إسماعيل بن قيس: (12) 369، (13) 200. إسماعيل بن كثير: (7) 288، 339. إسماعيل بن محمد بن إسحاق: (11) 178. إسماعيل بن محمد بن سعد: (10) 57. إسماعيل المدني: (3) 188. إسماعيل بن مرسال: (6) 78. إسماعيل بن مسلم: (10) 88، 310، 318، (14) 564. إسماعيل بن موسى الحاسب: (11) 135. إسماعيل بن موسى الفزاري: (1) 310، إسماعيل بن موسى القواريري: (8) 275. إسماعيل بن يحيى بن عبيد اللَّه: (11) 92. الأسود: (8) 66، 78، (11) 47، 120، (14) 278، 279، 452، 454، 460، 464. الأسود بن الخزاعي: (1) 195. الأسود بن سعيد الهمدانيّ: (12) 303. الأسود بن سفيان: (12) 249، (14) 158. الأسود بن شعوب: (1) 163. الأسود بن شيبان: (12) 117، 250، 255. الأسود بن عامر: (12) 363، (13) 222. الأسود بن عبد الأسد المخزومي: (2) (103) ، (6) 279. الأسود بن عبد المطلب: (1) 42، (4) 122، (5) 23، (6) 257. الأسود بن عبد يغوث: (1) 41، (5) 23، (6) 306، (9) 109، 113. الأسود العنسيّ: (2) 101. الأسود بن قيس: (2) 269، (4) 205، (7) 112، 289، (8) 78، (10) 376، (14) 479. الأسود بن مالك بن الحميري: (14) 185. الأسود بن مسعود: (4) 82. الأسود بن منصور: (4) 72، 77.
الأسود بن يزيد: (3) 253، (4) 305، (5) 21، (7) 143، 144، 145، 146، (10) 134، (11) 140، (13) 43. أسيد بن جارية: (2) 29. أسيد بن حارثة: (9) 298. أسيد بن حضير: (1) 55، 82، 134، 135، 145، 148، 178، 209، 215، 220، 221، 232، 234، 237، 240، 245، 251، 254، 280، 295، 313، 379، (2) 12، 16، 51، 73، 74، 75، (4) 124، 393، (5) 107، 316، 317، 329، 330، 331، (6) 307، (7) 166، 170، 171، (8) 356، (9) 83، 144، 252، 259، 304، (13) 250، 318. أسيد بن عاصم: (11) 136. أسيد بن عبيد: (1) 247. أسيد بن سعية: (1) 247. أسيد بن ظهير: (1) 136. أسيد بن عبد الرحمن: (12) 340. أسيد بن موسى: (10) 47. أشعث: (12) 169، (14) 213. الأشعث بن سحيم: (12) 240، (14) 148. الأشعث بن سليم: (7) 14، (13) 225. أشعث بن شعبة: (3) 396، (11) 223. أشعث بن أبي الشعثاء: (2) 257، (2) 258. الأشعث بن طليق: (14) 485. الأشعث بن عبد الرحمن: (8) 133. الأشعث بن عبد اللَّه: (5) 233. الأشعث بن عبد الملك: (3) 310. الأشعث بن قيس: (2) 99، (3) 210، (4) 355، (6) 93، 99، (10) 259، 260. أشهل: (12) 382. أصبغ بن الفرج: (12) 283. الأصبغ بن نباتة: (7) 221. الأصم بن هرم بن رواحة: (6) 177. الأعرج: (11) 59، 88، 136، 157، 245، 246، 247، (12) 72، 73، 195، 248، 343، 344، (13) 158، 159، 160، 172، 194، 195، (14) 61، 200، 201. الأعمش: (2) 144، (8) 6، 51، 62، 136، 145، 228، 288، 293، (9) 34، 90، 118، 119، 226، 344، 346، 372، (11) 25، 26، 52، 59، 84، 85، 104، 144، 176، 252، 256، 257، 260، 276، 293، 294، 381، 383، 73، 74، 81، 136، 139، 154، 201، 227، (12) 15، 238، 255، 258، 276، 284، 296، 299، 305، 311، 326، 346، 359، 367، 386، 387، 388، (13) 205، 213، 221، 317، (14) 13، 64، 86، 135، 146، 168، 171، 173، 174، 205، 279، 437، 452، 453، 460، 464، 481، 483، 495، 513. الأغر: (13) 60. أفلح: (13) 87. أفلح بن سعيد: (10) 75، (12) 328. أمية: (1) 41. أمية بن الحارث: (6) 277. أمية بن خالد: (7) 390، (12) 112، 277.
أمية بن صفوان: (14) 8. أمية بن أبي الصلت: (1) 86، (2) 22. أمية بن عبد الرحمن: (4) 79. أمية بن زيد بن قيس بن عامر: (9) 175، (12) 183. أنجشة: (9) 310، 313، 316، 317. أنس: (1) 173، (5) 19، 20، 27، 67، 93، 141، 142، 153، 160، 214، 215، (8) 23، 58، 72، 77، 82، 100، 124، 158، 167، 171، 196، 203، 207، 209، 212، 214، 218، 219، 227، 228، 229، 230، 231، 234، 243، 246، 258، 283، 285، 297، (9) 16، 22، 34، 60، 116، 182، 201، 202، 240، 241، 267، 269، 270، 271، 308، 309، 313، 316، 317، 330، 331، 335، 350، 367، (11) 45، 46، 67، 72، 74، 76، 90، 91، 133، 135، 141، 176، 240، 241، 243، 244، 269، 270، 317، 349، (12) 240، 292، 326، 338، 342، 353، 358، 359، 361، 373، 392، (13) 13، 18، 46، 138، 139، 171، 172، 173، 174، 175، 263، 285، 297، 361، (14) 63، 75، 77، 90، 96، 275، 277، 278، 283، 284، 285، 295، 296، 297، 461، 467، 470، 496، 508، 548، 551، 552، 553، 608. أنس بن أوس بن عقيل: (1) 244. أنس بن الحارث: (12) 240، (14) 148. أنس بن حكيم الضبي: (12) 223. أنس بن رافع: (9) 185. أنس بن سيرين: (8) 31، 33، (12) 23، (13) 18. أنس بن أبي شيبة: (10) 319. أنس بن أبي طلحة: (10) 371، (13) 263، 285. أنس بن عياض الليثي: (2) 155، 232، (5) 121، 200، (8) 145، 246، (11) 46، 47، 116. أنس بن قتادة: (9) 250. أنس بن أبي ليلى: (10) 303. أنس بن مالك: (1) 26، 164، (2) 154، 162، 164، 165، 167، 168، 170، 171، 188، 194، 195، 196، 200، 203، 204، 207، 210، 212، 215، 217، 218، 221، 223، 224، 225، 227، 228، 233، 235، 240، 242، 243، 248، 251، 254، 255، 260، 272، 273، 288، 290، 291، 297، 298، 306، 308، 316، 359، 360، (3) 33، 35، 36، 39، 151، 152، 211، 220، 224، 227، 228، 229، 264، 268، 278، 279، 280، 283، 293، 307، 309، 312، (4) 57، 112، 135، 194، 198، 246، 247، 253، 265، 279، 283، 289، 394، 397، (5) 5، 22، 36، 49، 56، 80، 81، 84، 85، 86، 87، 92، 96، 119، 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 134، 140، 143، 165، 167، 169، 173، 227، 239، 257، 270، 286، 287، 305، 306،
307، 317، 318، 325، 336، 339، 344، 345، 357، 387، 398، (6) 50، 51، 88، 93، 94، 127، 349، 352، 353، 354، 357، 367، 372، 376، 377، 379، 381، 386، (7) 4، 5، 6، 13، 18، 19، 21، 24، 27، 39، 40، 45، 46، 48، 49، 51، 52، 53، 54، 57، 69، 71، 73، 74، 75، 77، 79، 85، 86، 92، 96، 97، 100، 101، 102، 103، 108، 120، 122، 123، 125، 136، 137، 138، 139، 147، 150، 175، 193، 199، 206، 225، 229، 230، 231، 237، 262، 264، 265، 266، 274، 275، 276، 281، 290، 291، 292، 295، 298، 314، 317، 318، 324، 325، 326، 333، 342، (7) 343، 346، 355، 356، 359، 365، 366، 367، 369، 370، 371، 375، (8) 14، 31، 45، 97، 123، 163، 190، 194، 214، 219، 220 ، 221، 229، 233، 242، 243، 244، 250، 255، 276، 299، (9) 22، 34، 69، 84، 136، 169، 204، 270، 314، 316، 329، 330، 373، (10) 3، 45، 46، 54، 56، 74، 79، 82، 116، 117، 156، 162، 173، 174، 190، 193، 204، 206، 217، 218، 223، 224، 225، 226، 227، 241، 246، 247، 249، 252، 253، 297، 300، 301، 310، 311، 348، 361، (11) 45، 46، 47، 64، 91، 144، 146، 240، 242، 243، 244، 254، 268، 269، 270، 271، 317، (12) 3، 5، 12، 18، 19، 20، 23، 25، 59، 61، 95، 160، 212، 214، 235، 292، 324، 325، 334، 358، 359، 372، 392، (13) 18، 23، 42، 84، 131، 176، 177، 200، 293، 361، 362، (14) 46، 47، 50، 103، 143، 200، 222، 262، 284، 301، 460، 464، 465، 466، 469، 474، 564، 614. أنس بن النضر بن ضمضم: (1) 164. أنيس: (12) 21، (13) 100. أنيس بن أبي نجيع: (10) 73. أنيس بن أبي يحيى: (5) 171، (10) 362. الأوزاعي: (2) 7، 155، (5) 8، (8) 279، (9) 31، 33، 391، (11) 231، (12) 71، 72، 95، 237، 259، 266، 267، 280، 281، 304، 340، 388، (13) 118، 120، (14) 144، 216. أوس بن أوس الثقفي: (10) 296، (11) 60، 62، 63. الأوس بن حارثة بن ثعلبة: (3) 350. أوس بن خالد: (5) 230، (12) 224. (14) 132. أوس بن خولي: (1) 209، 284، 289، 295، (2) 91، 135، 137، (5) 111، (6) 91، (7) 177. أوس بن عبد اللَّه بن بريدة: (7) 164، (14) 196، 197. أوس بن عوف: (2) 84، 85. أوس بن قيظي: (1) 233، (2) 56، (5) 116، (8) 373. أوس بن المعلى بن نفيع: (1) 79.
أويس القرني: (4) 406. إياس بن أوس بن عتيك: (1) 134، (9) 250. إياس بن البكير: (9) 101، 102. إياس بن أبي تميمة: (11) 389. إياس بن جعفر: (7) 4. إياس بن الحارث بن معيقيب: (9) 336. إياس بن ربيعة بن الحارث: (2) 112، 118. إياس بن سلمة بن الأكوع: (5) 68، 146، (9) 275، (11) 289، (12) 97، 98. إياس بن قبيصة: (1) 30. إياس بن معاذ: (1) 50، (9) 185. أيمن بن عبد الحبشي: (6) 326. أيمن بن عبد الخزرجي: (2) 14، (6) 325. أيمن المخزومي: (5) 75. أيمن بن نابل: (222) 2. أيوب: (8) 11، 27، 56، 129، (9) 11، 31، 54، 234، 237، 314، 316، 317، (11) 41، 71، 263، (12) 193، 321، 362، 371، 389، (13) 12، 64، 128، 173، 184، 198، 287، 357، 358، 361، 362، 385، (14) 10، 61، 86، 299، 499، 565. أيوب بن بشير: (9) 329، (12) 244، (13) 128، (14) 152، 440. أيوب بن جابر: (14) 17. أيوب بن الحسن بن علي: (8) 60. أيوب بن الحكم: (5) 207، 212. أيوب السختياني: (4) 301، 347، (5) 185، (11) 304، 305. أيوب بن سليمان بن يسار: (10) 144. أيوب بن عبد الرحمن: (7) 384، (12) 244، (14) 152، 456. أيوب بن عبد اللَّه: (7) 104، (14) 101. أيوب بن عتبة: (3) 69، 70. أيوب بن علي بن هيصم: (12) 52، 53. أيوب بن فرقد: (3) 39. أيوب بن مالك بن أوس بن الحدثان: (12) 257. أيوب بن محمد الرقي: (12) 242، (14) 150. أيوب بن موسى: (7) 38، (10) 30. أيوب بن نهيل: (2) 222. أيوب الأنصاري: (1) 325. الباء بجاد بن عمير بن الحارث: (6) 195. بجالة بن عبدة: (9) 371. بجير: (13) 88. بجير بن أبي بجير: (14) 105، 106. بجير بن سعد: (8) 86، 9 (12) 319، 351، 352. بدل بن المحبر: (3) 233، (12) 77. بديل: (9) 10، (13) 210. بديل بن شريك الجديسي: (9) 174. بديل بن ميسرة: (3) 169، 187. بديل بن ورقاء: (1) 280، 285، 286، 348، (2) 22، 47، (9) 9، 259، 296. البراء: (8) 83، 85، 324، 325، 326، 390، (9) 16، 191، 202، (12) 123، 307، (13) 105. البراء بن أوس بن خالد: (5) 336، (10) 60. البراء بن زيد: (7) 379.
البراء بن عازب: (1) 82، 136، 229، 284، (2) 163، 169، (3) 84، 85، (5) 92، 133، 176، (6) 395، 396، (7) 161، (8) 84، 85، 325، (9) 16، 84، 121، 142، 206، (10) 38، (11) 38، (12) 76، (13) 177، 293، 308، (14) 86. البراء بن عبد اللَّه: (13) 351. البراء بن مالك: (9) 313، 316. البراء بن معرور: (1) 52، 53، 54، 55، 79. البراء بن ناجية: (13) 205. بردة بن سنان: (11) 66. بريدة: (8) 98، (11) 38، 286، 287، (12) 389. بريدة بن أبي بردة: (11) 239. بريدة بن الحصيب الأسلمي: (1) 60، 282، 369، (2) 27، 37، 47، 96، 124، 126، (7) 164، 169، 170، 172، 173، (9) 292، (13) 323. بريدة بن أبي حبيب: (4) 116. بريدة بن سفيان الأسلمي: (4) 45، 96، (11) 289، (13) 280، (14) 65. بريدة العبديّ: (7) 162. بسر بن سعيد: (2) 327، (10) 170. بسر بن سفيان: (1) 274، 276، 279، 285، 370، (2) 28، 37، 47، (7) 169، 171، 248. بسر بن عبد اللَّه: (2) 192، 264، (13) 190. بسر بن عبيد: (14) 184. بسر بن معاذ: (10) 124. بشار بن عبد الملك: (5) 141. بشر بن إبراهيم: (4) 196. بشر بن البراء بن معرور: (1) 170، 315، 316، 317، (3) 358، (13) 265، 348، 349. بشر بن بكر: (5) 384، (8) 131، 137، (11) 231، (12) 280، 312، (14) 98. بشر بن رافع: (1) 50. بشر بن السري: (14) 222. بشر بن سعيد: (4) 256. بشر بن شعيب: (12) 323، (14) 26. بشر بن عاصم: (5) 256. بشر بن عبد اللَّه: (2) 254، (8) 134، (10) 160. بشر بن عبد الملك: (14) 301. بشر بن عبيد: (11) 88، 136. بشر بن عمر الزهراني: (2) 142، (7) 150. بشر بن مرة: (13) 192. بشر بن معاذ: (14) 198. بشر بن المفضل: (2) 219، (4) 221، (11) 311، 314، (12) 329، (14) 547، 552، 553. بشر بن منصور: (11) 151. بشر بن موسى بن بشر الغزي: (12) 53. بشر بن نمير: (12) 89. بشر بن الوليد بن خالد: (8) 97. بشير: (12) 267. بشير ابن الخصاصية: (2) 275. بشير بن الزبير: (10) 356. بشير بن سعد بن ثعلبة: (1) 219، 239، 328، 330، 331، (3) 252، (5) 231، 232، (7) 177، 186، 187، 210، (11) 19، (14) 191. بشير بن سليمان: (11) 275.
بشير بن محمد بن عبد اللَّه بن زيد: (9) 262. بشير بن عقبة: (11) 264. بشير بن أبي عمرو الخولانيّ: (12) 231. بشير بن أبي مسعود: (3) 60، 65، 66، 67، 70. بشير بن المهاجر: (12) 389. بشير بن ميمون: (2) 278. بقي بن مخلد: (2) 277، 292، 397، (3) 147، 224، (4) 59، (5) 128، (7) 219، (8) 160، (10) 158، 163، 370، (12) 353، 362، (13) 228. بقية: (8) 163، (11) 140، 223، (12) 275، 285، 319، 351، 352، (13) 13، 88، 203، (14) 185. بقية الزبيدي: (13) 90. بقية بن الوليد: (2) 286، (8) 86، (12) 275، 392. بكار بن عبد العزيز: (2) 283، 331، (8) 59. بكر بن زرعة: (2) 276. بكر بن سوادة: (2) 243، 276، (10) 135، 136، (11) 3، 192، (12) 383، (13) 3. بكر بن شداخ: (6) 350، 363. بكر بن عبد اللَّه: (5) 96، 169، (7) 10، (8) 87، 293. بكر المزني: (9) 31، 34. بكر بن نصر: (11) 33. بكر بن الهيثم: (7) 242، (9) 206. بكر بن وائل: (8) 313. بكير الأخنس: (3) 58. بكير بن الأشج: (7) 284، (11) 310، (14) 290. بكير بن عبد اللَّه: (3) 77، (11) 231، 232، (12) 338. بكير بن مسمار: (5) 385، 386. بهز: (8) 219، (13) 380. بهز بن حكيم: (2) 234، (3) 339، (7) 326، (9) 86، (13) 85. بلال: (1) 36، 56، 109، 136، 137، 176، 178، 189، 245، 281، 316، 326، 333، 391، 392، 396، (2) 30، 38، 42، 44، 45، 59، 61، 66، 69، 110، 111، 138، 166، 211، 234، 290، 293، (4) 403، (5) 12، 105، 229، (6) 264، (7) 153، 157، 158، 207، 212، 213، 240، 254، 285، (8) 175، 178، (9) 94، 97، 106، 107، 110، 114، 128، 161، 191، 297، 310، 312، 363، 364، 379، (10) 117، 118، 123، 131، 133، 135، 137، (11) 260، 295، 298، 300، 301، (12) 156، 157، 159، (13) 386، (14) 290، 308، 309، 411، 452، 454، 457، 458. بلال بن الحارث: (1) 371، (7) 169، 171، 258، 259، (9) 358، 359، 360، 363، (14) 54. بلال بن حبشية: (9) 70. بلال بن أبي الدرداء: (12) 60. بلال بن رباح: (9) 109، (10) 110. بلال بن طلحة بن عبد اللَّه: (2) 281. بلال بن عبد اللَّه بن عمر: (12) 283. بلال العبسيّ: (11) 385، (12) 244، (14) 152.
بلال بن يسار: (6) 320، 336. بيان: (14) 110، 111. بيان بن بشر: (12) 315. التاء تليد بن سليمان: (9) 319. تميم بن أسد الخزاعي: (1) 395. تميم بن أسيد: (7) 128. تميم بن أوس: (5) 73، (9) 283. تميم الداريّ: (9) 38، (13) 141، 142، (14) 123. تميم بن المغيرة: (6) 220، 224. توبة: (13) 18. توبة العنبري: (7) 303، 304. الثاء ثابت: (2) 41، (8) 72، 82، 159، 203، 212، 218، 219، 230، 231، 250، (9) 182، 201، 202، 240، 241، 270، 308، 317، 316، (11) 90، 176، 270، 317، (12) 18، 24، 141، 142، 160، 235، 290، 292، 323، 361، (13) 263، (14) 90، 96، 143، 215، 284، 470، 508. ثابت بن أقرم: (1) 340، 341، (2) 77. ثابت بن أنس: (14) 465. ثابت البناني: (2) 281، (3) 51، (5) 80، 87، 106، 169، 173، 239، 287، 336، (7) 27، 275، 318، 335، 343، 375، (8) 76، 97، 209، 214، 221، (9) 270، 314، (10) 140، 204، 300، 365، (11) 46، 317، (13) 379، (14) 284، 461. ثابت بن الجذع: (108) 1. ثابت بن الحجاج الكلابي: (13) 215. ثابت بن سعيد: (11) 344. ثابت بن أبي صفية: (7) 269. ثابت بن عبد العزيز: (157) 2. ثابت بن عبيد: (7) 131. ثابت بن عجلان: (12) 127. ثابت بن قاسم: (4) 274. ثابت بن قيس بن شماس: (1) 191، 205، 206، 217، 252، (2) 39، 106، 215، (4) 277، 405، (6) 84، 344، (11) 379، 380، (9) 160، (12) 346، (14) 215، 216، 217، 218. ثابت بن كثير الضبي: (7) 367. ثابت بن يزيد: (2) 288، 297، (7) 32. ثروان بن ملحان: (14) 205. ثعلبة: (13) 12. ثعلبة بن ضبيعة: (13) 225. ثعلبة بن عمرو بن عامر: (9) 172. ثعلبة بن عمرو بن عوف: (9) 175. ثعلبة بن مسلم: (8) 3. ثعلبة بن أبي مالك: (4) 289، (5) 252، (7) 159، (13) 304. ثمامة: (9) 202، (11) 349. ثمامة بن أثال: (4) 406، (9) 144، (10) 172. ثمامة بن جحش: (6) 255. ثمامة بن حزن القشيري: (7) 361. ثمامة بن شراحيل: (9) 360. ثمامة بن عبد اللَّه بن أنس: (7) 96، 97، 365، (12) 20، (14) 283. ثمامة بن عقبة: (2) 204. ثوبان: (2) 130، 134، (6) 319، (8)
22، (9) 160، (11) 144، (12) 296، 312، 321، 370، 371، (14) 78، 95، 308، 309. ثور: (8) 196، (14) 197، 198. ثور بن يزيد: (3) 145، 293، 344، (5) 266، (6) 191، (9) 359، 360، (12) 152، 189، 215، 244، 247، 351، (13) 340، 341، (14) 152، 155. الثوري: (2) 155، (8) 85، (9) 33، 36، (11) 26، 125، 324، (12) 262، 296، (13) 7. الجيم جابر: (1) 124، 173، 238، (5) 12، (8) 6، 28، 58، 62، 64، 78، 79، 120، 121، 126، 313، 364، (9) 26، 30، 31، 36، 37، 89، 126، 131، 178، 271، 384، (11) 56، 72، 85، 123، 125، 147، 148، 255، 256، 257، 260، 262، 264، 265، 266، 267، 290، (12) 64، 66، 67، (12) 114، 115، 151، 168، 312، 313، 330، 388، (13) 12، (14) 13، 25، 50، 87، 94، 110، 112، 182، 194، 196، 213، 281، 294، 296، 297، 303، 449، 495، 496. جابر الجعفي: (6) 393، (7) 147، (11) 96، 110، (13) 11، 12. جابر بن زيد: (4) 301، (9) 369، (10) 220، (11) 79. جابر بن سليم: (6) 389، (7) 13، 61. جابر بن سمرة: (2) 152، 154، 157، 158، 167، 169، 171، 172، 205، 206، 259، 260، 386، (5) 54، 55، (7) 70، 102، 120، 121، 309، (9) 153، (11) 7، 75، 76، 142، (12) 33، 302، 303، 364، 369، (13) 20، 87، (14) 108، 186، 188. جابر بن أبي سلمى: (14) 31. جابر بن أبي صغيرة: (13) 12. جابر الطويل: (7) 352. جابر بن عبد اللَّه: (1) 51، 55، 162، 179، 201، 219، 228، 229، 282، (2) 148، 165، 166، 212، 234، 337، 345، 346، 251، 255، 260، 263، 283، (3) 11، 13، 14، 15، 30، 75، 140، 236، 283، 294، 311، 313، (4) 104، 116، 336، 337، 341، 342، 390، 391، 393، 394، (5) 26، 30، 34، 41، 46، 47، 75، 87، 88، 92، 137، 138، 154، 155، 156، 157، 198، 200، 201، 202، 220، 250، 275، 279، 280، 301، (6) 14، 45، 335، 367، 368، 382، 396، (7) 4، 241، 269، 270، 307، 289، 352، 360، (8) 134، 162، 170، 171، 186، 230، 231، 250، 255، 310، 357، 364، 379، (9) 25، 36، 80، 89، 83، 90، 122، 133، 135، 136، 179، 238، 275، (10) 29، 47، 74، 106، 108، 292، 298، 343، 376، 377، (11) 198، 263، 388، (12) 178، 196، 305، 370، (12) 289، 290، 311، 313، 388، (13) 35،
68، 86، 109، 114، 115، 150، 177، 185، 268، 269، 272، 286، 287، 288، 289، 316، 317، 323، 345، 346، 348، 368، 369، 374. جابر بن يزيد بن الأسود: (2) 171. جابر بن يزيد بن الحارث: (13) 11. الجارود: (8) 234. الجارود بن أبي سبرة: (8) 167. الجارود بن عمرو بن حنش: (2) 99. الجارود العبديّ: (9) 143. جارية بن عامر بن مجمع: (2) 77. جامع بن حيران: (3) 350. جامع بن أبي راشد: (2) 283، (13) 195. جامع بن شداد: (5) 106، (6) 388، 393، (7) 285، (8) 310، 314، (14) 290. جابر بن سلمى بن مالك: (12) 94. جبارة بن المغلس: (3) 341، (10) 341، (11) 67، 79، 135. جبلة بن الأهتم: (3) 197. جبلة بن حارثة: (6) 304. جبلة بن عطية: (7) 119. جبلة بن مالك: (9) 283. جبير: (12) 359، 360. جبير بن إياس الزرقيّ: (8) 43. جبير بن زهير: (2) 88. جبير بن عقيل: (7) 168، 170. جبير بن محمود: (5) 17. جبير بن مطعم: (1) 22، 118، 165، (2) 16، 28، 351، 352، 353، (3) 196، (5) 25، 382، (9) 283، 285، (10) 173، (13) 277. جبير بن نفير: (8) 251، (12) 77، 319، 370، (14) 107، 192. جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة: (6) 184، 281. الجراح بن يحيى: (61) 126. جريج بن هلال الطائي: (2) 160. جرير: (8) 156، 293، (9) 119، 224، (11) 42، 176، 256، 257، 260، 288، 383، 388، (12) 55، 56، 169، 203، 227، 335، 253، 276، 302، 328، 346، 360، 384، (13) 12، 151، 195، 222، (14) 24، 135، 143، 161، 174، 188، 223، 278، 371، 512، 554، 555. جرير بن الأعمش: (2) 228. جرير بن حازم: (2) 237، 249، 271، 304، (5) 132، 220، 357، (6) 352، (7) 136، 137، 138، 329، (8) 58، 104، (10) 222، (11) 82، 271، (12) 51، 74، 168، (13) 297، 303، 304، (14) 204. جرير بن عبد الحميد: (3) 290، (4) 256، 312، (5) 80، 378، (9) 106، (10) 304، (12) 74، (13) 286. جرير بن عبد اللَّه: (2) 122، 221، 271، 303، (6) 382. جرير بن عبد اللَّه البجلي: (9) 152. جرير بن عثمان: (2) 161، (8) 313، (11) 223، (12) 256، 351. جرير بن منصور: (13) 89. الجريريّ: (8) 73، (11) 262، 290، 324، (12) 290، 311، 313، 349، (13) 88، (14) 194. جزء بن معاوية: (9) 369، 370. الجعد بن عبد الرحمن: (2) 172، (11)
351، (14) 109. الجعد بن أبي عثمان: (5) 169. جعفر: (1) 38، 40، 320، (9) 36، 128، 289، (12) 169. جعفر بن أمية: (14) 290. جعفر بن إياس: (2) 228، (7) 392، (11) 178، (14) 285. جعفر بن برقان: (2) 195، (7) 392، (11) 96، (12) 22، (13) 215. جعفر بن عمرو بن حريث: (6) 366. جعفر بن الحسن: (5) 361. جعفر بن ربيعة: (3) 231، (5) 23. جعفر بن الزبير: (12) 89، (14) 504. جعفر بن سليمان: (2) 192، 212، 240، 281، 291، 318، (4) 113، (6) 120، (7) 92، 297، (8) 159، (9) 308، (12) 19، 81، 257، 277، (13) 209، (14) 611. جعفر بن أبي طالب: (1) 38، 41، 305، 319، 333، 338، 340، 342، 343، (2) 123، (4) 364، 365، 367، 368، 369، (5) 106، (6) 20، 91، 166، 168، 242، 273، 274، 276، (8) 135، 137، (9) 100، 116، 142، 287، (11) 310، (12) 357. جعفر بن عبد الرحمن الأنصاري: (11) 388. جعفر بن عبد اللَّه بن الحكم: (14) 203، 204. جعفر بن عبد الواحد: (10) 310. جعفر بن عكرمة: (8) 147. جعفر بن عمرو بن أمية: (4) 224، (6) 367، (7) 25، 284، (13) 280، 282. جعفر بن علي الزعفرانيّ: (11) 136. جعفر بن عوف: (2) 328، (5) 222، (11) 276. جعفر بن عون: (2) 220، (4) 224، (7) 225، (11) 129، (12) 15، 32، (13) 229، (14) 99. جعفر بن غياث: (11) 78. جعفر الفرياني: (15) 12. جعفر بن محمد: (1) 273، (2) 170، 224، 283، (3) 294، 317، (4) 311، (5) 247، 333، (6) 14، (7) 7، 56، 68، 117، 141، 147، (8) 296، 303، (9) 25، 29، 30، 36، 37، 98، 316، (10) 171، 377، (11) 78، 79، 80، 97، 295، (12) 221، (13) 23، 35، (14) 484، 562، 563، 575، 585. جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة: (9) 262. جعفر بن أبي المغيرة: (12) 164، 260. جعفر بن وثاب: (10) 372. جميع بن عمرو العجليّ: (2) 151، 177، 180، (12) 99. جميل بن الحسن: (5) 219. جميل بن مرة: (14) 151. جنادة بن مروان الأزدي: (2) 161. جندب: (12) 192. جندب بن الأعجم: (7) 171. جندب بن جنادة: (1) 259، (8) 229، (12) 276. جندب بن أبي سفيان: (2) 269. جندب بن عبد اللَّه: (12) 387.
جندب بن مكيث الجهنيّ: (1) 336. جهيم بن الصلت: (1) 90، (2) 66. جهينة بن زيد: (4) 12. جويبر: (8) 275، (11) 119، 142، 163. جويبر بن عبد اللَّه: (4) 398. الجلاس بن سويد بن الصامت: (2) 53، 76. الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة: (1) 142. الحاء حاتم بن إسماعيل: (2) 172، (5) 34، 89، 145، 171، 386، (6) 368، (7) 351، (9) 25، 29، 32، 303، 304، 306، (10) 72، 73، (11) 286، (12) 16، 39، 82، (13) 35. حاجي سليمان: (7) 338. الحارث: (1) 79، 204، (9) 253، (12) 346، 365، 366، (13) 336، (14) 203. الحارث بن أسد: (6) 192. حارث بن إسماعيل: (12) 89. الحارث الأعور: (11) 54. الحارث بن أوس: (1) 125، 126، 254، (2) 26، (12) 181، 183، 189. الحارث بن أبي أسامة: (2) 237، 384، (3) 19، 70، 96، 294، (4) 54، 354، (5) 135، 204، (9) 89، (11) 372، (12) 76، 117، 320. الحارث بن بلال: (7) 259، (9) 360. حارث بن ثعلبة: (9) 170. الحارث بن الجبلة: (9) 173. الحارث بن حاطب: (1) 112. الحارث بن حرب بن أمية: (6) 256، 282. الحارث بن حسان: (7) 163. الحارث بن حصين: (5) 69. الحارث بن خزامة: (2) 56، (3) 355، (5) 117. الحارث بن الخزرج: (9) 189. الحارث بن زمعة بن الأسود: (1) 37. الحارث بن سليمان الكوفي: (12) 332. الحارث بن سويد: (10) 10، 11، 365، (12) 219، (14) 127، 513. الحارث بن أبي شمر: (1) 304، 305، (2) 31، (7) 142. الحارث بن الصمة: (1) 112، 148، 153، 155، 156، 167، 182، 183، (7) 189، 2789. الحارث بن أبي ضرار: (8) 370، (13) 315. الحارث بن أبي طلحة: (1) 141، 142. الحارث بن عامر بن نوفل: (1) 42، 87، 88، 89، 108. الحارث بن العباس: (6) 276. الحارث بن عبد الرحمن: (5) 181، (14) 63. الحارث بن عبد العزى: (1) 11، (4) 87. الحارث بن عبد اللَّه: (10) 48. الحارث بن عبد اللَّه الأزدي: (3) 398. الحارث بن عبد اللَّه بن كعب: (7) 188، 238. الحارث بن عبد المطلب: (4) 72، (6) 277، (9) 286. الحارث بن عبيد الإيادي: (8) 258. الحارث بن عبيد بن عمرو: (6) 193. الحارث بن عمرو السهمي: (2) 205. الحارث بن عمير الأزدي: (1) 337، 339،
(13) 359. الحارث بن عوف: (1) 224، 239، (7) 188، (9) 252، (13) 332، 336. الحارث بن الفضل: (9) 107. الحارث بن فهر: (12) 169. الحارث بن القاسم: (12) 309. الحارث بن قيس: (1) 41، (8) 44. الحارث بن كعب: (6) 244. الحارث بن مالك: (7) 171. الحارث بن مالك بن البرصاء: (12) 38، (13) 382. الحارث بن مالك بن قيس: (1) 335. الحارث بن مرة الجهنيّ: (14) 486. الحارث بن مسكين: (4) 250، (11) 17، (12) 283. الحارث بن مسلم: (7) 86. الحارث بن نبهان: (13) 213. الحارث بن نوفل بن الحارث: (2) 14، (6) 157، 269. الحارث بن هشام: (1) 90، 105، 348، (2) 29، 114، 234، 379، (3) 45، (6) 242، (9) 189، (12) 145، 148، 229. الحارث بن أبي هالة: (6) 297، (9) 91. الحارث بن يزيد: (2) 71، 220، (3) 314، (5) 114، (12) 387. حارثة: (1) 103. حارثة بن ثعلبة: (9) 173. حارثة بن الحارث بن الخراج بن عمرو بن مالك: (9) 175. حارثة بن سراقة: (1) 103، (5) 142، 143. حارثة بن شراحيل: (6) 305. حارثة بن عمرو: (4) 404. حارثة بن مضرب: (2) 209، 313، 314، (11) 295، (12) 138، 168. حارثة بن النعمان: (2) 14، (10) 93. حارثة بن وهب الخزاعي: (7) 344. حازم بن بكر: (11) 136. حازم بن عقال: (3) 350. حازم بن الفضل: (10) 378. حاطب بن الحارث الجمحيّ: (9) 100. حامد بن يحيى: (10) 354. حباب: (9) 53، 243، 254. الحباب بن المنذر: (1) 97، 100، 109، 132، 135، 146، 148، 158، 251، 309، 312، 325، (2) 12، 51، (7) 165، 166، 167، 168، 170، 171، (8) 341، (9) 38، 252، 231، 236، 243، 260، 261، 263، 264، (12) 159. حبان: (9) 124. حبان بن أغلب: (5) 238. حبان بن علي: (4) 119. حبان بن قيس: (8) 374. حبان بن موسى: (3) 236. حبان بن يسار الكلابي: (11) 36. حبة العرني: (12) 202. حبة بن خالد: (2) 223. حبيب: (12) 99، 323. حبيب بن إساف: (4) 396، (9) 199. حبيب بن أوس: (4) 466، (9) 144. حبيب بن أبي ثابت: (5) 131، 132، 377، (7) 83، 84، 105، 106، (11) 280، (12) 77، 199، 205، 257، 309. حبيب بن الحسن: (5) 231. حبيب بن زيد بن عاصم: (1) 162.
حبيب بن سالم: (5) 297. حبيب بن سلمة الفهري: (12) 294. حبيب بن الشهيد: (6) 381، (7) 290، (8) 28، 29، 31، (9) 34، (10) 222، (14) 294. حبيب بن العباس: (6) 166. حبيب بن عبد الرحمن: (10) 351. حبيب بن عتبة: (1) 263، (1) 264. حبيب بن عدي: (9) 153. حبيب بن عمر الأنصاري: (2) 270، 300. حبيب بن عمر السلاماني: (14) 305. حبيب بن أبي عمرو: (9) 176، 180، (14) 168، 169. حبيب بن فديك: (11) 329. حبيب بن مسلمة: (9) 144. حبيب بن ميسرة: (4) 79. حبيب بن أبي مرزوق: (3) 68، 69، 70. حبيب بن وهب: (2) 142. حبيب بن يسار: (7) 316، (12) 203. حبيش بن خالد: (5) 207. حجاج: (9) 86، 250، 275، (14) 174. الحجاج بن أرطاة: (6) 88، 287، 367، (10) 356. الحجاج بن الأسود: (10) 300. حجاج بن تميم: (12) 298، 299، 363، 364. حجاج بن دينار: (9) 93. حجاج بن أبي زينب: (7) 270، (14) 281. حجاج بن الشاعر: (5) 168. حجاج الصواف: (4) 113. الحجاج بن عامر بن حذيفة: (1) 41. الحجاج بن عمرو بن شعيب: (6) 285، 286. الحجاج بن أبي عثمان: (4) 135، (8) 162. حجاج بن محمد: (2) 258، (4) 312، (5) 138، (7) 111، 113، 114، (10) 234، (12) 273. حجاج بن منهال: (2) 215، (3) 169، (4) 243، (5) 254، (11) 312، 321، 324، (13) 353. الحجاج بن يوسف: (4) 407، (12) 249، 250، 256، 258، (13) 213. حجر بن حجر: (3) 145، (12) 351. حجين بن عبد اللَّه: (7) 25. حجين بن المثنى: (13) 202. حذيفة: (1) 48، 145، (8) 82، 83، 89، 190، 257، (9) 128، 323، 325، 326، 328، 344، 365، (11) 108، (12) 120، 265، 266، 267، 309، 311، 320، 373، (13) 127، 194، 195، (14) 72، 173، 174، 175، 176، 204، 205، 341. حذيفة بن أسيد الغفاريّ: (12) 378. حذيفة بن بدر: (6) 238. حذيفة بن محصن الغفاني: (14) 234. حذيفة بن المغيرة: (1) 15، (6) 184، 220. حذيفة بن اليمان: (1) 146، 242، (2) 74، 75، (3) 288، (4) 254، 397، (5) 25، (7) 25، 240، (9) 144، 322، 366، 381، (11) 383، 385، 386، (12) 202، 265، 382. الحر بن الصباح: (5) 204. حرام بن هشام: (1) 182، (5) 207، (10) 254، (12) 95.
حرب: (12) 196. حرب بن أمية: (1) 224. حرب بن شداد: (4) 336. حرب بن شريح: (3) 293. حرب بن ميمون: (5) 168. حرملة: (11) 6، (12) 219، (14) 127. حرملة بن عمران: (12) 233، (14) 140، 185. حرملة بن عمرو: (1) 109. حرملة بن يحيى: (2) 157، (8) 74، (9) 326. حرمي بن عمارة: (10) 190، (11) 346، (12) 227، (14) 135. حريث بن عبد الملك: (2) 63. حزام بن حجال: (2) 254. حزام بن سعد بن محيصة: (9) 281. حزام بن هشام: (4) 80، 212، (10) 49. حزن بن أبي وهب بن عمرو: (1) 271. حسان: (1) 100، 120، (2) 40، 41، 63، (8) 72، (12) 118، 181. حسان بن إبراهيم: (5) 377، (12) 285. حسان بن ثابت: (1) 143، 166، 216، 217، 219، 226، 397، (3) 351، (5) 206، 340، (6) 130، 171، 228، 230، 343، 344، 345، (9) 110، 112، 153، (10) 38، 39، 41، 422، (12) 101، 180، (13) 387، (14) 356. حسان بن حريث: (4) 238. حسان بن الدحداح: (1) 303. حسان بن سياه: (7) 318. حسان بن عدي: (11) 148. الحسن: (8) 201، 284، 296، 297، 364، (9) 74، 87، 88، 216، 221، 275، (11) 36، 42، 45، 55، 64، 71، 82، 101، 122، 151، 322، (12) 145، 176، 197، 202، 206، 207، 223، 238، 257، 274، 286، 311، 323، 334، 335، 383، (13) 25، 34، 40، 65، 80، 117، 149، 174، 222، 231، 237، 287، 351، 353، (14) 190، 213، 220، 407، 460، 464، 508، 552، 564، 575، 589. الحسن بن أحمد بن إبراهيم: (11) 328. الحسن بن البراء: (11) 46. الحسن بن بشر: (5) 252، (13) 263. الحسن البصري: (3) 291، (4) 302، 316، 317، (9) 69، (10) 376. الحسن بن ثوبان: (8) 160. الحسن بن جابر: (3) 147، (12) 362. حسن الجعفي: (4) 248، 314. حسن بن الحباب: (4) 324. حسن الحداء: (9) 310. الحسن بن الحر: (11) 95، 100، 101. الحسن بن حماد: (7) 298، (14) 301. الحسن بن حماد الوراق: (2) 339. الحسن بن الحيان: (4) 324. الحسن بن حيي: (7) 4. الحسن بن أبي الحسن البصري: (3) 329، (4) 300، (5) 361. الحسن بن دينار: (8) 140. الحسن بن ذكوان: (3) 263، 264. الحسن بن الربيع: (2) 340. الحسن بن سعد: (4) 325، (5) 225، 249، 274. الحسن بن سفيان: (2) 340، (3) 317،
364، (4) 100، 113، (5) 219، 248، (12) 301، (13) 294. الحسن بن شاذان: (11) 38. الحسن بن شبيب المهري: (11) 96. الحسن بن صالح: (2) 332، (6) 378، (7) 82، (14) 575، 580. الحسن بن الصباح: (11) 59. الحسن بن عبد اللَّه النخعي: (5) 378. الحسن العبسيّ: (12) 235. الحسن بن عبيد اللَّه: (11) 372. الحسن بن عبيد اللَّه بن حنين: (12) 149. الحسن بن عرفة: (4) 57، (5) 284، 385، (7) 316، (11) 54، 122. الحسن بن عطية: (4) 311. الحسن بن علي: (1) 130، (2) 95، 152، 155، 177، 180، 255، (4) 291، 394، (5) 20، 249، 352، 356، 357، 358، 361، 375، 384، 385، 386، (6) 7، 8، 9، 10، 11، 17، 18، 20، 309، 331، (7) 56، 322، 323، (9) 139، (10) 52، 122، 183، (11) 68، 69، 213، 231، (12) 205، 206، 274، 291، 357، (13) 83، 230، (14) 507. الحسن بن عمارة: (2) 271، 304، (4) 5، 121، (7) 149، 194، (12) 44، 167. الحسن بن عمران: (8) 122. الحسن بن عمرو الفقيمي: (12) 379. الحسن بن عيسى: (4) 330. الحسن بن قتيبة: (10) 300. الحسن بن محمد: (4) 130، (11) 136، (13) 378. الحسن بن محمد بن أعين: (5) 189. الحسن بن محمد بن حبيب: (14) 462. الحسن بن محمد الزعفرانيّ: (11) 26. الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب: (2) 341، (4) 104، 322. الحسن بن مكرم: (11) 100. الحسن بن مهران: (7) 262. حسن بن موسى: (10) 170. الحسن بن واقد: (2) 223، (7) 292. الحسن بن يحيى: (13) 192. حسيل بن جابر بن عمرو بن ربيعة: (1) 145، (9) 322. حسيل بن نويرة: (1) 255، 330، (9) 262. الحسين: (9) 213، 221، (11) 82، (12) 222، 342. الحسين بن إسماعيل: (3) 51. الحسين بن بيان: (3) 253. الحسين بن جعفر: (14) 574. الحسين بن حريث: (11) 50، (14) 197. الحسين بن الحسن: (5) 361. الحسين بن حفص: (12) 309. الحسين بن حماد: (10) 88. الحسين بن حميد بن الربيع: (5) 211. الحسين بن ذكوان: (9) 63. الحسين بن زيد: (11) 178. الحسين بن سعد: (5) 275. حسين بن صالح بن أبو الدواهي: (5) 310. حسين بن عبد اللَّه: (2) 344، (5) 74، 310، (6) 324، (7) 239، (12) 16. حسين بن عبد اللَّه بن عباس: (8) 315. حسين بن عبد اللَّه ضمرة: (6) 53. حسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه: (6) 310. الحسين بن عرفة: (10) 300.
الحسين بن علي: (1) 196، (2) 178، (4) 406، (5) 352، 356، 357، 358، 363، 364، 365، 384، 385، 386، (6) 7، 8، 9، 10، 11، 17، 18، 19، 20، 151، 269، 292، 296، (7) 56، 323، (9) 139، 209، (10) 165، 183، 372، (11) 76، 78، (12) 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 249، 250، 251، 253، 271، 357، (14) 146، 148، 149، 150، 297. حسين بن علي الجعفي: (10) 296، (11) 60، 61، 62، 63. حسين بن علي بن حسين: (3) 75، 76. الحسين بن علي بن أبي طالب: (3) 189، (4) 291، 322. الحسين بن علوان: (2) 207، (5) 302، 303، (7) 87. الحسين بن فرج: (14) 470. حسين بن محمد: (3) 207، (12) 71، (13) 263. حسين بن مصعب: (10) 157. حسين المعلم: (8) 87، (9) 212. الحسين بن مكرم: (11) 38. الحسين بن واقد: (2) 273، 307، (5) 183، 195، (6) 338، (7) 164، 303، (9) 202، (11) 286، 346، (12) 78، (14) 296. حصين: (8) 127، (9) 107، (12) 290، 302، (13) 376، 378، (14) 514. الحصين بن الحارث: (6) 169. حصين بن سبرة: (5) 375، 376. حصين بن عبد الرحمن: (4) 82، (11) 70، 364، 365. الحصين بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ: (9) 185. حصين بن المنذر: (13) 218. حصين بن نمير: (2) 76. حطان بن عبد العزيز: (4) 291. حطان بن عبد اللَّه: (3) 46. حفص: (13) 23. حفص بن خباب: (12) 386. حفص بن سليمان: (4) 309، 310. حفص بن عاصم: (10) 351. حفص بن عبد اللَّه بن أنس: (5) 123. حفص بن عبيد اللَّه: (5) 46، (12) 299. حفص بن عمر: (5) 257، (12) 335. حفص بن عمران: (12) 242، (14) 150. حفص بن عياش: (7) 144. حفص بن غياث: (4) 192، 195، (5) 191، (6) 368، 382، (7) 314، (11) 80، (12) 387، (13) 24، 194، (14) 578. حفص بن المغيرة: (6) 226. حفص بن يزيد: (12) 218. الحكم: (8) 294، (9) 35، 37، 238، (11) 22، 25، 26، 290، 278، 280، 289، (12) 99، 167، (13) 102، 230، (14) 407. الحكم بن أبان: (3) 112، 239، (4) 57، (10) 310. الحكم بن أيوب: (7) 206. حكم بن سعد: (6) 319. الحكم بن سليم: (10) 144. الحكم بن عتيبة: (3) 314، (4) 121، 253، (5) 271، (9) 34، (10) 304، (11) 47، (12) 44، (13) 13.
الحكم بن عبد اللَّه بن عبد الأعلى: (40) 12. الحكم بن عمرو الغفاريّ: (9) 146. الحكم بن عمرو بن وهب: (85) 2. الحكم بن القاسم: (14) 503. الحكم بن كيسان المخزومي: (1) 76. الحكم بن موسى: (4) 54. الحكم بن نافع: (4) 54، (10) 345. حكيم بن جابر: (7) 275، 276، (14) 285. حكيم بن جبير: (7) 345، (11) 287. حكيم بن حزام: (1) 15، 44، 86، 88، 101، 102، 108، 358، 359، 360، 387، (2) 12، 28، 29، (3) 327، (4) 79، 238، (6) 302، 398، (7) 4، (9) 297، (12) 7، (14) 8. حكيم بن حكيم: (3) 72، (13) 374. حكيم بن سعد بن أبي يحيى: (8) 154. حكيم بن سيف: (10) 357. حكيم بن شعبة: (10) 357. حكيم بن عبد اللَّه بن قيس: (11) 122. حكيم بن عطاء: (4) 18. حكيم بن عمير: (11) 223. حكيم بن معاوية: (3) 339. حلس بن أيوب: (7) 18. الحليس بن علقمة بن عمرو: (1) 287. حماد: (1) 18، (8) 59، 72، 153، 200، 203، 218، 281، (9) 241، 271، 349، (11) 45، 263، (12) 142، 224، 241، 272، 292، 295، 371، (13) 40، 60، 175، 188، 226، 353، (14) 61، 112، 113، 132، 149، 150، 190، 216، 508، 548. حماد بن ثابت: (2) 298. حماد بن خالد: (2) 285، (8) 35. حماد بن زيد: (2) 195، 196، 200، 203، 208، 244، 248، (3) 204، 294، (4) 347، 365، (5) 25، 84، 185، 220، 241، (7) 18، 40، 84، 103، 105، 235، 237، 253، 375، (8) 75، 85، 257، (9) 316، 317، 349، (10) 75، 140، 204، 246، 252، 293، 345، 346، 356، 357، 378، 379، (11) 36، 41، 79، 235، 272، 302، 339، (12) 241، 243، 277، 321، 370، 371، 372، 376، 377، (13) 138، 225، 358، 361، (14) 10، 58، 149، 151، 175، 499، 550، 572. حماد بن سلمة: (11) 41، 66، 82، 197، 232، 312، 321، 324، 326، 381، (12) 14، 141، 160، 220، 241، 292، 302، 310، 323، 331، 347، 377، 383، (13) 158، 184، 261، 263، 347، 380، (14) 63، 90، 101، 128، 149، 207، 215، 269، 304، 547، 580. حماد بن أبي سليمان: (11) 154. حماد بن شعيب: (3) 232، (4) 309. حماد بن أبي عمران: (2) 384. حماد بن مسعود: (11) 20. حماد بن واصل: (12) 206. حمد بن عبد الرحمن: (7) 345. حمران بن أعين: (4) 311. حمزة: (1) 104، 106، 109، 134، 141، 166، 167، 168، 169، 172، 173، 174، 175، 176، 178، 237، 333، (2) 17، (8)
100، (11) 47. حمزة بن أبي أسيد الأنصاري: (5) 235. حمزة بن جندب: (8) 103. حمزة بن حبيب: (14) 192. حمزة بن الحسن: (5) 361. حمزة الزيات: (2) 159. حمزة بن صهيب: (3) 325. حمزة بن عبادة: (1) 133. حمزة بن عبد اللَّه: (12) 390. حمزة بن عبد اللَّه بن الزبير: (8) 354. حمزة بن عبد المطلب: (1) 10، 12، 42، 43، 71، 73، 74، 103، 123، 142، 168، (2) 270، 302، 303، (3) 323، 401، (4) 118، 360، (5) 174، (6) 20، 164، 274، 275، 276، 279، 280، 307، (7) 165، 199، (9) 102، 226، 249، (12) 158، 201. حمزة بن عبد الواحد: (10) 174. حمزة بن عمر: (13) 60. حمزة بن عمرو الأسلمي: (1) 282، (2) 74، 82، (4) 394، (5) 323، 324، (7) 240، (13) 323، 324. حميد: (8) 58، 72، 77، 87، (9) 241، 271، (12) 60، 323، 342، 383، (14) 74، 75، 77، 112، 460، 461، 464، 465، 470، 552، 553، 565. حميد الأعرج: (13) 58. حميد بن الربيع: (2) 200، (12) 253. حميد بن أبي رزين: (11) 69. حميد بن عبد الرحمن: (2) 270، 302، (3) 125، 402، (4) 37، (7) 75، (8) 162، (11) 304، 305، (14) 320، 321، 580. حميد بن عبد اللَّه بن الأصم: (10) 165. حميد الطويل: (2) 176، 216، (9) 34، 269، (10) 45، 46، 225، (12) 19، 20. حميد بن قيس: (4) 298، (11) 177. حميد بن مسعدة: (11) 143. حميد بن هلال: (2) 318، (4) 372، 375، (5) 326، (7) 11، 32، 126، 128، (12) 267، 273، (13) 297، 361، 362، (14) 372، 565. الحميدي: (11) 301، 344، (12) 252، 324، (14) 158، 160، 607، 624. حنبل: (59) 12. حنبل بن إسحاق: (12) 110. حنش: (11) 295، (14) 542. حنش بن عوف بن عمرو بن عوف: (9) 175. حنش بن المعتمر الكتاني: (11) 178. حنظلة: (1) 114، 130، 171، (8) 159، (12) 300. حنظلة بن حذيم: (11) 356، 357. حنظلة بن الربيع: (9) 334. حنظلة بن أبي سفيان: (1) 85، (2) 263، (5) 154، (6) 186، 256، 261. حنظلة بن أبي عامر: (1) 163، (13) 260، 261. حويطب بن عبد العزى: (1) 280، 291، 293، 295، 296، 324، 334، 348، (2) 29، (6) 91، 136، 160، (7) 243، (9) 298. حيّ بن خثعم: (1) 337. حيي بن السباق: (3) 252. حيي بن عبد اللَّه: (8) 87.
حيان بن علي: (5) 42. حيان بن مازن: (4) 7. حيوة: (11) 121، 122، (12) 231، (13) 173. حيوة بن شريح: (9) 54، (10) 158، 307، (11) 54، (12) 293، (13) 212. الخاء خارجة بن إبراهيم: (3) 324. خارجة بن الحارث: (13) 316، 321. خارجة بن حصن: (5) 129. خارجة بن زيد: (1) 68، 159، 165، 259، (2) 206، (3) 51، (4) 246، 314، (5) 41، 117، (6) 208، (11) 233، (13) 167. خارجة بن عبد اللَّه بن كعب: (4) 97، (9) 254، (13) 311. خارجة بن مصعب: (5) 332، (10) 263. خالد: (8) 27، (9) 98، 119، 241، 272، 274، (11) 119، (12) 14، 15، 137، 198، 285، (13) 88، 152. خالد بن أسلم: (5) 370. خالد بن أسيد: (1) 333، 396، (8) 151، 152، (13) 385. خالد بن إياس: (14) 304. خالد بن أبي أمية: (6) 329. خالد بن جعفر: (94) 12. خالد بن الحارث: (8) 78، (11) 269، (12) 20، 197، (13) 210، 211، (14) 514. خالد الحذاء: (8) 7، (12) 197، 296، 297. خالد بن حيان: (11) 96. خالد بن خداش: (5) 287، (7) 47. خالد بن ذكوان: (4) 221، (9) 329. خالد بن رباح: (13) 334. خالد بن زيد: (1) 67، (10) 86، 87، (11) 65. خالد بن سعيد: (2) 6، 21، 23، 86، 87، 98، (4) 14، (6) 65، 74، 312، (7) 46، 142، (8) 12، (9) 98، 101، 334، 376، (14) 11. خالد بن سلمة: (10) 311، (11) 34، 35. خالد بن شمير: (5) 106، (13) 363. خالد الأشعري الخزاعي: (1) 388. خالد بن طهمان: (2) 212. خالد الطحان: (5) 298. خالد بن عبادة الغفاريّ: (1) 284. خالد بن عبد الحويرث: (12) 246، (14) 154. خالد بن عبد الرحمن: (10) 220. خالد بن عبد اللَّه: (2) 158، 316، (5) 25، (6) 384، (7) 286، (9) 274، (10) 174، (12) 301، 302، (14) 292. خالد بن عبد قيس: (5) 343. خالد بن عرفطة: (4) 247. خالد بن أبي عمران: (4) 314، (14) 542. خالد بن قيس: (7) 52، 325. خالد بن اللجلاج: (8) 130، 132. خالد بن مخلد: (11) 33، 49، 93، 94، (13) 187، (14) 517. خالد بن مسلم الزنجي: (13) 371. خالد بن معدان: (3) 145، (5) 267، (6)
191، (7) 338، (8) 86، (11) 140، (12) 215، 284، 285، 319، 351، 352. خالد بن نافع: (12) 218. خالد بن هشام بن المغيرة: (6) 228. خالد بن الواشمة: (12) 193. خالد بن الوليد: (1) 138، 145، 146، 156، 165، 198، 234، 235، 237، 242، 279، 281، 292، 335، 341، 343، 356، 358، 362، 363، 364، 366، 384، 385، 386، 387، 392، 394، (2) 7، 12، 18، 22، 24، 62، 63، 64، 65، 94، 102، 116، (4) 362، 367، 397، 404، (5) 245، (6) 2، 90، 152، 170، 224، 243، 248، 249، 271، (7) 187، 211، 250، 304، 305، 306، 307، 371، 373، 374، (8) 136، (9) 9، 118، 154، 229، 235، 258، 334، 373، (10) 20، 21، 50، (12) 11، 133، (13) 195، (14) 48، 49، 50، 51، 191، 217، 231. خالد بن وهبان: (12) 307. خالد بن يحيى: (7) 56. خالد بن يزيد: (2) 144، (5) 119، 171، (6) 372، (7) 307، 364، (8) 126، (10) 30، (11) 39، 315، (12) 193، 220، (13) 202، (14) 128. خباب: (9) 106، 114. خباب بن الأرت: (3) 400، 401، (9) 100، 108، 154، 290، (14) 177. خبيب: (1) 187. خبيب بن عبد الرحمن: (11) 340، 344. خبيب بن عدي: (1) 183، 185، 258. خبيب بن يساف: (1) 68، 93، 108، 109، (10) 11. خديج بن معاوية: (11) 361. خراش بن أمية: (1) 288، 298، (35) 2، (10) 49، 50. خراش بن الصمة: (1) 179، (6) 283. خراش بن المغيرة: (6) 224. خرشة بن الحر: (8) 83، (12) 227. خريم بن أوس: (3) 193. خريم بن فاتك: (3) 403. خزام بن خالد: (2) 76، 78. خزيمة بن ثابت: (1) 344، (2) 81، (4) 246، (7) 194، 195، 196، (12) 100. الخطاب: (11) 4. الخطاب بن الحارث: (9) 100. خطاب بن عبد اللَّه: (12) 323. خطاب بن عمير: (5) 325. خطمة: (9) 175. خفاف ابن ندبة: (1) 366، (9) 235. خلف بن خليفة: (5) 225، 230، 257، (12) 339. خلف بن عوف بن دارم: (9) 228. خلف بن هشام: (3) 228، (4) 311. خلف بن الوليد: (5) 225. خلف بن وهب بن حذافة: (41) 1. خليفة بن ثعلبة: (3) 354. خليفة بن خياط: (11) 91. خنيس بن جابر: (300) 1. خنيس بن حذافة بن قيس: (6) 46، 48، 49، 50، (9) 100، 191، (10) 258.
خوّات بن جبير: (1) 112، 119، 233، 267، (2) 256، (10) 7. خولى بن أبي خولى: (9) 191. خويلد بن عثمان: (6) 376. خويلد بن أسد بن عبد العزى: (6) 175، 176، 177. خويلد الضمريّ: (4) 15. خلاد بن رافع: (1) 93، (5) 139. خلاد بن سويد: (1) 251، 252، (5) 97. خلاد بن عباد الغفاريّ: (5) 110. خلاد بن عمرو: (1) 161، 162. خلاد الواسطي: (11) 344. خلاد بن يحيى: (14) 102. خلاد بن يزيد: (4) 319. خيثمة بن أبي سبرة: (9) 325. خيثمة بن عبد الرحمن: (11) 188، (13) 229. خيثمة بن يوسف: (11) 275. الدال داود: (8) 290، (12) 290، 302. داود بن بكر: (7) 24، (10) 174. داود بن الجراح: (11) 67. داود بن الحصين: (2) 345، 385، (3) 326، 354، 355، (5) 44، 63، (6) 285، 286، 287، (8) 182، (9) 52، 114، 243، 254، 276، (12) 126، 127، (13) 287، 319، (14) 14، 49، 566. داود بن خالد: (5) 236، (13) 374. داود بن رشيد: (2) 264، (12) 293، (14) 302. داود بن سعيد بن حيان: (12) 332. داود بن أبي صالح: (12) 383. داود بن عبد الرحمن: (12) 294. داود بن عبد اللَّه: (3) 289. داود بن أبي عبد اللَّه: (2) 193. داود بن أبي عروة: (6) 162. داود العطار: (2) 340. داود بن علي: (4) 317، (12) 78. داود ابن علية: (2) 263. داود بن عمر الضبي: (14) 222. داود بن أبي عوف: (9) 319. داود بن فراهيج: (5) 27. داود بن قيس الفراء: (10) 92، 98، 176، 177، (11) 20، 37. داود بن المحبر: (2) 384، (3) 19، (4) 354، (5) 333، (12) 225، (14) 133. داود بن محمد: (2) 157. داود بن مهران: (2) 340. داود بن أبي هند: (3) 58، 94، (4) 40، 56، 92، 128، 192، 237، 238، 289، (5) 24، 243، (8) 74، 289، (9) 371، (10) 159، 207، (11) 232، (12) 128، 318، 333، 370. داود الواسطي: (12) 267. داود الوراق: (14) 64. داود بن يزيد: (3) 289، 239. دحيم: (11) 145. دحية بن خليفة: (1) 304، (6) 88. دخين الحجري: (12) 98. دراج أبو السمح: (11) 151. درست بن حمزة: (11) 91. درست بن زياد: (10) 326. دريد بن الصمة: (2) 9، 19. دعثور بن الحارث بن محارب: (12) 190. دكين بن سعيد: (5) 178.
دلهم بن صالح: (7) 15، 25. ديلم بن غزوان: (14) 96. الذال ذؤيب بن حبيب بن طلحة: (7) 253، 254. ذكوان: (9) 90، 118، (11) 86، (12) 73، (14) 61. ذكوان بن عبد قيس: (1) 51، 116، 136. الذيال بن حرملة: (4) 341، 342. الذيال بن عسكر بن حنظلة: (11) 355، 356. الراء راشد بن سعد: (5) 266، (12) 209، 275، (14) 418. راشد بن داود الصنعاني: (14) 94. راشد بن عبد ربه: (4) 18. رافع بن خديج بن رافع: (1) 82، 136، (2) 69، (3) 326، (4) 406، (8) 22، (9) 84، 86، 134، 155، (11) 316، (12) 229، (13) 316، (14) 137، 229. رافع بن سلمة بن زياد: (11) 272. رافع بن سهل بن رافع: (1) 179. رافع بن عمير: (4) 30. رافع بن مالك بن العجلان: (1) 51، 55. رافع بن مكيث الجهيني: (1) 344، 373، (2) 47، 67، (7) 169، 171. رباح: (9) 109. رباح بن الأسود: (6) 354. رباح بن الحارث بن مجاشع: (2) 38. رباح بن صالح بن عبيد اللَّه بن أبي رافع: (5) 12. رباح بن عبيدة: (7) 339. رباح بن المثنى: (12) 391. رباح بن مسلم: (4) 79. ربعي: (8) 82، 83، (12) 218. ربعي بن إبراهيم: (11) 72. ربعي بن الجارود: (8) 167. ربعي بن خراش: (3) 271، 289، (6) 210، (11) 290، (12) 217، (13) 205. ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ: (2) 259، (9) 328. الربيع: (8) 299، (12) 320، 326. الربيع بن أنس: (3) 224، 228، 353، (4) 292، (5) 247، (8) 268، 299، (13) 117، (14) 179، 180. الربيع بن بدر: (5) 332، (8) 186، (10) 217. الربيع بن حماد: (8) 162. الربيع بن خيثم: (4) 305. الربيع بن ربيعة بن رفيع: (2) 19. ربيع بن ربيعة بن مسعود: (4) 23. الربيع بن زياد الحارثي: (7) 117. الربيع بن سليمان: (8) 317، (12) 131. الربيع بن صبيح: (6) 376، (7) 75، 79، 123، 237. ربيع بن عبد الرحمن بن أبو سعيد: (7) 62. الربيع بن مسلم: (3) 304، (11) 218، 220، (13) 85. ربيع بن منذر الثوري: (13) 187، 188. الربيع بن نافع: (14) 78، 79، 94. الربيع بن النعمان: (3) 341. ربيعة: (2) 155، 162، (9) 360، (14) 551، 552. ربيعة بن أكتم: (7) 397.
ربيعة بن أبي البراء: (7) 198. ربيعة بن الحارث: (2) 14، (5) 379، 381، (6) 277، (9) 282، 285، 286، 287. ربيعة بن حنظلة: (6) 256. ربيعة بن رباح بن أبي ربيعة: (6) 274. ربيعة بن سيف: (13) 202. ربيعة بن عباد: (8) 315. ربيعة بن عبد الرحمن: (9) 320، (11) 201، (13) 212. ربيعة بن عبد اللَّه بن الهدير: (4) 93. ربيعة بن أبي عبد الرحمن: (2) 154، (5) 169، (7) 69، (9) 358، (12) 287. ربيعة بن عثمان: (1) 282، (13) 359. ربيعة بن كعب: (6) 350، (9) 84، 353. ربيعة بن لقيط: (13) 202، 366. ربيعة بن ناجز: (5) 176. ربيعة بن نضر: (4) 23، 27. ربيعة بن المغيرة: (6) 154. ربيعة بن يزيد: (13) 202، 203. رجاء بن جميل: (7) 259. رجاء بن حيوة: (12) 51. رشدين بن سعد: (2) 156، (11) 155، (12) 297. رشدين بن كريب: (7) 365، 366. رشيد الفارسيّ: (1) 160. رفاعة: (12) 221. رفاعة بن رافع: (1) 93، 98، (12) 159. رفاعة بن زيد: (1) 211، (6) 321، 322، (13) 343. رفاعة بن سموأل: (1) 251. رفاعة بن شداد: (12) 251، (14) 159. رفاعة القتباني: (12) 251، 252. رفيع بن مهران: (4) 292. رماد: (12) 342. رميح الجذامي: (12) 381. روح: (11) 31، (12) 160. روح بن سيار: (9) 162. روح بن عائذ: (7) 242. روح بن القاسم: (10) 216، (11) 326، 327، (14) 106. روح بن عبادة: (2) 337، (7) 79، (8) 11، 22، 75، (10) 125، (11) 242، 243، (12) 160، (13) 68، (14) 546، 548. روح بن مسافر: (3) 226. رويفع بن ثابت: (2) 43، (9) 160، (11) 92. الزاي زائدة: (9) 97، 326، (12) 251، (14) 454، 455. زائدة بن قدامة: (5) 305، (14) 463. زاخر بن سليمان: (5) 106. زامل بن عمرو: (7) 220. زاهر بن مخلد: (9) 47. زائد بن الحباب: (12) 362. زياد بن العلاء بن عمار: (4) 302. زبان بن فائد: (12) 385. زبان بن يزيد: (14) 292. الزبرقان بن بدر: (2) 38، 39، 101. الزبير: (1) 84، 96، 106، 159، 236، 311، 314، 315، 352، 384، 388، (2) 51، (9) 83، 123، 125، 137، 287، 288، 361، 362، 363، 378، 379، (11) 222، 227، (12) 38، 193، 196، (13) 4، 222، 227، 230، 231، 235،
236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 250، 254، 264، 265، 376. الزبير بن بكار: (1) 1، 142، 288، (2) 114، (3) 323، (4) 126، 127، (5) 144، 310، 334، 335، 348، 367، (6) 148، 180، 183، 222، 283، (7) 136، 182، 184، 185، 187، (9) 92، (10) 61، 62، 63، 362، (12) 96، 260، 379، (14) 114. الزبير بن حريث: (7) 206. الزبير بن خربوذ: (6) 369. الزبير بن الخرتيت: (12) 43، 44. الزبير بن سعيد: (3) 329، (7) 166. الزبير بن عبد المطلب: (1) 16، (6) 277. الزبير بن عدي: (3) 318، (5) 24، (8) 251. الزبير بن العوام: (1) 33، 109، 137، 148، 155، 231، 232، 252، 329، 354، 363، 383، 385، 388، 390، (2) 28، 239، (3) 219، 324، (5) 58، 59، 366، (6) 141، 194، 203، 243، 282، 290، 356، (7) 154، 156، 158، 171، (8) 377، (9) 95، 189، 233، 235، 279، 381، (10) 297. الزبير بن موسى: (13) 375. الزبير بن الوليد: (8) 163. زر: (9) 76، 97، 326، (11) 78. زر بن حبيش: (3) 39، 232، (4) 254، 283، 288، 307، 309، 310، 321، (6) 191، (8) 257، 287، 288، (9) 71، (13) 211. زرارة: (13) 5. زرارة بن أوفى: (2) 192، (13) 40، 41، 42. زرارة بن قيس بن الحارث: (13) 5. زرارة بن كريم بن الحارث: (2) 205. زربي بن عبد اللَّه: (10) 190. زرعة معبد بن خالد: (7) 169. زفر بن عبد الرحمن بن أدرك: (12) 382. زكريا: (8) 289، (11) 255، 256، (12) 102، (14) 326، 419. زكريا بن إسحاق: (2) 337، (7) 369، (10) 292، (13) 68، (14) 546، 548. زكريا بن خلاد: (5) 238. زكريا بن أبي زائدة: (3) 233، (5) 383، (8) 227، (13) 382، 383، (14) 580. زكريا بن عدي: (5) 50، (7) 80، (11) 305، (13) 118، (14) 9. زكريا بن علي: (5) 221. زكريا بن يحيى: (3) 193، (4) 66، (7) 298، (8) 60، (12) 203، 339، (14) 191، 301. زمعة بن الأسود: (1) 44، 85، 86، 90، 92، 101، 108، (4) 122، (5) 23، (6) 149، 253، (9) 196، 313. زمعة بن صالح: (3) 229، (4) 104، (5) 39، 261، (6) 396، (7) 369، (8) 135. زمعة بن قيس بن عبد شمس: (6) 177. زهدم الجرامي: (7) 295. زهدم بن الحارث: (14) 299. زهدم بن مضرب: (12) 366. الزهري: (1) 45، 48، 220، 221، 275، (2) 159، (8) 4، 17، 19، 21، 42،
46، 54، 67، 75، 99، 101، 103، 112، 116، 119، (8) 134، 135، 136، 141، 143، 147، 150، 151، 170، 207، 229، 231، 246، 248، 249، 254، 359، (9) 9، 11، 13، 14، 30، 32، 33، 84، 115، 183، 193، 223، 226، 238، 239، 248، 252، 272، 277، 281، 283، 286، 295، 297، 309، 328، 335، 369، 382، 391، (11) 36، 114، 115، 153، 194، 221، 222، 233، 240، 241، 245، 246، 248، 249، 290، 307، (12) 41، 68، 70، 131، 139، 140، 166، 178، 195، 211، (12) 241، 242، 280، 281، 288، 289، 304، 308، 322، 323، 324، 325، 347، (13) 13، 14، 20، 21، 48، 60، 79، 90، 96، 108، 112، 113، 120، 128، 140، 147، 148، 157، 161، 166، 203، 219، 220، 221، 223، 224، 254، 255، 257، 264، 271، 276، 289، 298، 307، 377، 338، 339، 345، 346، 348، 373، 390، 391، (14) 3، 8، 9، 26، 27، 83، 84، 88، 89، 149، 150، 169، 180، 187، 201، 211، 212، 215، 216، 273، 290، 304، 401، 429، 430، 433، 434، 437، 439، 440، 446، 456، 458، 460، 462، 466، 467، 474، 479، 480، 484، 490، 493، 501، 506، 512، 517، 544، 553، 565، 570، 571، 572، 573، 575، 580، 581، 586، 621. زهير: (8) 9، (11) 143، 307، (12) 13، 106، 107، 154، 155، 313، 372، (13) 368، (14) 108، 291. زهير بن أبي أمية: (1) 44، (6) 251. زهير بن جناب: (2) 266. زهير بن حرب: (4) 351، (6) 359، (7) 331، (9) 83، (12) 13، (14) 496. زهير بن سلام: (2) 340، (4) 100. زهير بن أبي سلمى: (9) 194. زهير بن صدد: (2) 31. زهير بن عباد: (5) 309. زهير بن العلاء: (6) 97. زهير بن محمد: (8) 132، 286، (9) 80، (13) 24. زهير بن معاوية: (2) 221، (3) 284، (5) 297، (7) 71، (9) 131، (11) 21، 100، 274، 361، (12) 106، 303، (14) 193. زياد: (9) 132، 321، (12) 224، 231، 240، 359. زياد بن أسلم بن زرعة: (6) 159. زياد بن ثويب: (8) 54. زياد بن الحارث الصدائي: (5) 135، 136، (10) 112، 136، 138. زياد بن الحصين: (8) 288. زياد بن خيثمة: (12) 303. زياد بن الربيع: (11) 143. زياد بن أبي زياد: (2) 331. زيادة بن سعد: (2) 212، (10) 155، 354، 355.
زياد بن سمية: (12) 219. زياد بن أبي سفيان: (6) 159. زياد بن عبد اللَّه: (2) 342، (3) 253، 322، (6) 90، 170، 171، (9) 197، (12) 225. زياد بن علاقة: (1) 78، (2) 312، 313، (4) 279، (7) 104، (14) 207. زياد بن لبيد: (2) 101، (3) 355، (12) 359، 360. زياد بن محمد: (8) 49. زياد بن مخراف: (12) 308. زياد بن المنذر: (8) 281، (10) 121. زياد بن ميمون: (3) 227. زياد بن مينا: (9) 133. زياد بن نعيم: (5) 135، (10) 135، 136، (11) 92. زياد النميري: (3) 227، (8) 158، (12) 27. زياد بن يحيى: (8) 60. الزيال بن حرملة: (5) 251. زيد: (1) 32، 34، 69، 186، (9) 132، 168، 334، (12) 192، 193، 248، (14) 297. زيد الأحوص: (11) 251. زيد بن أخرم: (8) 228. زيد بن أرطاة: (12) 268. زيد بن أرقم: (1) 82، 136، 208، 209، (2) 204، 215، (4) 407، (5) 238، 270، 375، 376، 377، 378، (8) 6، 7، 8، (10) 297، (11) 38، (13) 199، 200. زيد بن أسلم: (2) 170، 211، 256، (3) 263، 382، (4) 64، 74، 80، 284، 295، 345، (5) 105، 331، (6) 362، (7) 9، 66، 67، 72، (8) 127، 315، (9) 120، 352، (10) 31، 174، 366، (11) 226، (12) 114، 327، 338، 339، 353، (13) 322، 375، (14) 384، 514. زيد بن الأصم: (7) 307. زيد بن أمية: (11) 65. زيد بن أبي أنيسة: (9) 311، (11) 232. زيد بن بلال: (14) 574. زيد بن ثابت: (1) 67، 82، 119، 136، 196، 225، 227، 321، (2) 31، 33، 206، (3) 48، 51، 355، (4) 241، 243، 246، 247، 248، 265، 270، 271، 273، 289، 290، 291، 292، 310، 314، 327، 328، 345، (7) 171، 282، 283، (9) 86، 130، 131، 136، 168، 169، 233، 236، 301، 334، (10) 74، 170، (11) 3، 251، (12) 67، 347، (13) 262، 270، (14) 66، 289. زيد بن جارية بن عامر: (2) 77. زيد بن حارثة: (1) 33، 34، 45، 46، 68، 74، 83، 112، 117، 129، 178، 203، 230، 233، 266، 267، 268، 270، 271، 298، 333، 338، 340، 342، (2) 143، 344، (3) 53، 402، (5) 106، 344، (6) 59، 60، 140، 147، 283، 302، 303، 304، 305، 306، 307، 310، 340، (7) 4، 231، (8) 305، 329، 336، 341، 345، 369، (9) 93، 95، 181، 205، 287، 289، 313، (10) 206، 208، 209، 241، (11) 310، (12)
179، (13) 363. زيد بن الحباب: (3) 147، (5) 183، 319، (6) 78، 338، (7) 3، 4، 196، 364، (9) 36، (11) 49، 346، 379، (12) 97، 318، 328، (14) 179. زيد بن الحسن: (3) 65، (5) 361، (6) 14. زيد بن الحكم: (11) 253. زيد أبي حبيب: (12) 334. زيد بن خارجة: (6) 208. زيد بن خالد الجهنيّ: (9) 84، (13) 343. زيد بن الخطاب: (6) 211، (9) 191، (10) 84. زيد بن الدّثنّة: (1) 185، 186، 187، (13) 178. زيد بن رباح: (10) 346. زيد بن رفاعة: (1) 268، (4) 1- 4. زيد بن زائدة: (2) 237. زيد بن سعنة: (2) 203، 236. زيد بن سلام: (8) 130، (12) 265. زيد بن صوحان: (4) 406، (12) 192، 193، 194، (13) 235، 244. زيد بن عامر بن نفيل: (3) 29. زيد بن عبد اللَّه: (11) 17. زيد بن أبي عتاب: (12) 190. زيد بن علي: (10) 198، (12) 221. زيد بن عمر: (5) 370. زيد بن عمرو: (2) 247، 248، 266، (3) 366، (4) 29، 32، (6) 214، 255، (12) 242، (14) 150. زيد العمي: (11) 251. زيد بن كثير: (12) 245، (14) 153. زيد بن كيسان: (2) 238. زيد بن المنذر: (6) 320. زيد بن أبي منصور: (5) 186. زيد بن هارون: (2) 166. زيد بن واقد: (2) 192، (8) 134، (10) 160، (12) 210. زيد بن وهب: (4) 311، (7) 302، (12) 305، 311. السين السائب: (8) 145، 149. السائب بن أبي حبيب: (6) 268. السائب بن أبي حبيش: (6) 159. السائب بن أبي السائب: (1) 16، (8) 145، 147. السائب بن صيفي بن عائذ: (8) 148. السائب بن عثمان بن مظعون: (1) 74، (6) 46، (9) 101. السائب بن يزيد: (2) 172، (4) 396، (9) 394، (10) 131، (11) 351، 352. السائب بن يسار: (5) 70. سابق بن ناجية: (6) 337. سالم: (1) 122، 151، (8) 117، 118، 159، (9) 31، 32، 33، (11) 256، (12) 288، 290، 390، 391. سالم الأفطس: (8) 57. سالم بن أبي الجعد: (2) 148، (3) 304، (4) 111، (5) 38، 87، 88، 131، (9) 178، 179، (11) 260، (12) 76، 77، 202، 332، 359. سالم بن أبي حفصة: (10) 181، (11) 287. سالم بن صالح بن إبراهيم: (13) 225. سالم بن عبد اللَّه: (3) 344، (4) 293، (6)
49، (8) 102، (9) 53، 54، 391، (11) 301، 302، (12) 289، 342، (14) 518. سالم بن عمر: (12) 288. سالم بن عمير بن ثابت: (1) 121. سالم بن محمد الخزاعي: (5) 212. سالم بن أبي المهاجر: (3) 59. سالم بن نوح: (5) 180، (11) 324. سالم أبو النضر: (2) 167، (7) 358، (9) 50. سباع بن عبد العزى: (1) 166. سباع بن عرفطة: (1) 202، 306، (8) 367، 382، 391، (9) 227. سبيع بن خالد: (12) 268. سبيعة: (12) 98. السدي: (1) 116، (8) 284، 285، (11) 191، 213، (12) 251، 252، 320، (13) 76، 77، 110، (14) 94، 160، 301. سراقة بن المعتمر: (9) 191. سرجس بن عبد القيس: (1) 15. سرف بن المغيرة بن شعبة: (9) 160. السري بن يحيى: (11) 42، (12) 99، 242، (14) 150. سعد: (1) 95، 160، 176، (2) 155، (8) 373، 374، 386، (9) 95، 130، 242، 299، 321، (11) 304، 305، 310، 388، (12) 4، 32، 38، 39، 314. سعد بن إبراهيم: (3) 328، (4) 105، (7) 331، (9) 257، (10) 367، (11) 49. سعد بن إسحاق بن كعب: (4) 100، (11) 72، 107. سعد بن إياس: (12) 311. سعد بن بكر: (1) 269، 270، (2) 89، (4) 258، 275، (7) 169. سعد بن جبير: (1) 64. سعد بن حكيم: (14) 64. سعد بن خولة: (2) 121، (11) 304. سعد بن خيثمة: (1) 55، 65، 68، (6) 307، 315، (7) 351، (9) 199، (10) 76. سعد بن الربيع: (1) 54، 132، 165، (4) 400، (6) 137، (9) 189، (13) 268، 269، 270. سعد بن زرارة: (8) 323. سعد بن زياد: (1) 232. سعد بن زيد: (1) 262، 263، 276، (2) 6، (8) 378، (9) 230، (12) 44. سعد بن عائذ: (10) 135. سعد بن سعيد بن قيس: (5) 48، 167، (14) 42. سعد بن سهل: (14) 44. سعد بن أبي سرح: (2) 75. سعد بن طريف: (3) 324، (4) 119. سعد بن عبادة: (1) 55، 67، 73، 83، 112، 133، 135، 148، 180، 189، 190، 192، 203، 209، 215، 216، 218، 219، 220، 221، 230، 232، 240، 246، 253، 264، 275، 295، 309، 325، 334، 350، 382، 385، (2) 4، 12، 34، 48، 91، 106، 214، 229، 230، (3) 252، (4) 13، 14، (6) 113، 334، 345، (7) 141، 143، 166، 167، 168، 170، 242، 282، 283، 290، 299،
342، 343، (8) 358، 380، 386، (9) 83، 152، 227، 240، 249، 253، 266، 294، (10) 107، (11) 19، 238، (12) 141، (13) 250، 330، 331. سعد بن عبيد: (4) 289، (10) 77. سعد بن عبيدة: (7) 175، (9) 122، (10) 64، 66. سعد بن عثمان: (4) 15. سعد بن عياض: (7) 286. سعد القرظ: (10) 110. سعد بن ليث: (7) 171. سعد بن مالك: (1) 112، (9) 325، (11) 305، (12) 35. سعد بن مسعود الثقفي: (12) 250، (14) 104. سعد بن معاذ: (1) 52، 74، 94، 98، 100، 111، 113، 125، 134، 135، 148، 169، 175، 176، 178، 179، 214، 221، 233، 236، 244، 248، 251، 254، (2) 63، 161، (4) 109، 124، 289، 401، (7) 163، 165، (8) 62، 374، 377، 378، (9) 151، 242، 251، 253، 254، 255، 256، 257، 266، (10) 164، (12) 158، 181، (13) 250، 302. سعد بن النعمان: (1) 114، (6) 266. سعد بن هشام: (2) 192، (6) 370. سعد بن أبي هلال: (3) 291. سعد بن أبي وقاص: (1) 33، 56، 72، 73، 74، 77، 78، 83، 84، 96، 137، 141، 142، 148، 149، 157، 171، 234، 246، 267، 296، (2) 12، 28، 35، 88، 120، 121، 124، (3) 239، 327، 329، 382، 383، (4) 38، 395، (5) 57، 58، 70، (6) 198، 237، (7) 25، 168، 170، (9) 32، 69، 96، 136، 191، 300، 320، (10) 6، 182، 255، (11) 123، 310، (12) 35، 37، 39، 178، 370، (13) 89، 258، (14) 304، 585. سعدان بن عبيدة: (11) 146. سعدان بن الوليد: (13) 363. سعيد: (8) 45، 73، 241، 247، (9) 32، 239، 271، 280، 382، (11) 243، 244، 271، (12) 69، 70، 108، 140، 148، 209، (13) 29، 30، 40، 42، 58، 65، 92، 102، 110، 116، 221، 232، 263، 285، 324، (14) 58، 205، 434، 435. سعيد بن إبراهيم: (5) 106، (9) 321، (11) 69. سعيد بن الأخنس: (6) 161، 268. سعيد بن إياس: (3) 339، (7) 13، (12) 379. سعيد بن أيوب: (11) 50، (3) 219. سعيد بن أبي أيوب: (7) 340، (11) 121، (12) 50، 364، 365، (13) 366. سعيد بن بشير: (3) 106، 309، 346، (5) 74، (6) 127، (10) 358، (11) 67، (12) 128، (13) 136، (14) 580. سعيد بن أبي بردة: (2) 317. سعيد بن جبير: (2) 228، 238، (3) 39، 109، 117، 189، 212، 213، 217، 290، 345، 358، (4) 6،
30، 31، 109، 114، 115، 122، 132، 133، 189، 237، 238، 291، 297، 302، 311، 330، 335، 345، 349، 376، (5) 5، 9، 10، 11، 74، 241، (6) 51، 289، 262، 277، 281، 308، (8) 9، 48، 57، 196، 159، 284، 310، (9) 43، 52، 68، 75، 226، (10) 75، 220، (11) 287، 312، (13) 15، 81، 107، 128، 164، 169، 237، 253، 295، 296، 320، 346، 382، (13) 41، 46، 213، 217، 305، 357، 358، (14) 145، 161، 165، 276، 285، 286، 288، 322، 414، 447، 448، 493، 553. سعيد الجريريّ: (5) 179، (11) 41، (13) 15. سعيد بن أبي جبيرة: (12) 333. سعيد بن جمهان: (5) 278، (6) 318، (12) 332، (14) 205، 207. سعيد بن الحارث: (5) 190، 319، (7) 352، (14) 303. سليمان بن حبيب: (12) 388. سعيد بن حريث: (1) 399، (13) 110. سعيد بن حسان: (4) 79. سعيد بن الحسن: (11) 252. سعيد بن أبي الحسن: (7) 137، 138، (12) 197. سعيد بن الحكم: (3) 77. سعيد بن خالد الأنصاري: (6) 372، (8) 315. سعيد بن خيثم: (8) 159، (12) 300. سعيد بن دينار: (8) 281. سعيد بن رافع: (3) 232. سعيد بن راشد: (7) 288، (14) 292. سعيد بن أبي راشد: (6) 7، 18. سعيد الربعي: (12) 331. سعيد بن الربيع: (12) 18. سعيد بن زيد: (1) 112، 117، 283، (2) 82، 124، 228، (3) 289، 400، (4) 45، 96، (5) 58، 219، (6) 56، 211، (7) 206، (8) 340، (9) 83، 97، 98، 139، 191، (11) 89، (12) 20، 45، 277، (13) 221، 236. سعيد بن سالم القداح: (4) 96. سعيد بن سعد بن عبادة: (4) 100. سعيد بن أبي سعيد: (1) 83، (2) 251، (3) 217، 285، 309، 403، (5) 163، 306، (7) 28، 115، (9) 42، (10) 172، 362، (11) 49، 50، 59، 68، 72، 116، (12) 261، (13) 36، 183، (14) 259، 260. سعيد بن سفيان الجحدري: (11) 323. سعيد بن السكن: (7) 7. سعيد بن سلمة: (4) 119، (5) 150، (8) 77. سعيد بن سليم: (5) 21. سعيد بن سليمان: (6) 14، (11) 337، (12) 114. سعيد بن سويد: (3) 170، (4) 54. سعيد بن الصلت: (7) 7. سعيد بن طارق: (12) 215. سعيد بن العاص: (1) 387، (4) 246، 247، (6) 239، 312، 313، (8) 147، (9) 338، 394، (10) 96. سعيد بن عامر: (12) 35، 267.
سعيد بن عبد الحميد بن جعفر: (3) 72. سعيد بن عبد الرحمن: (5) 45، (8) 59، (9) 68، (10) 355، (12) 325. سعيد بن عبد العزيز: (2) 316، (8) 276، (11) 143، (12) 108، 210، (13) 191، 213، (14) 191، 192. سعيد بن عبد اللَّه: (2) 160، (9) 272، (12) 176، (14) 437، 444، 481، 504، 505، 509، 559، 561. سعيد بن عبيد الملك: (12) 285. سعيد بن عبيد: (4) 53. سعيد بن عبيدة: (13) 376، 378. سعيد بن عثمان بن عفان: (2) 209، (6) 158، 159، 269. سعيد بن عدي بن كعب بن لؤيّ: (1) 81. سعيد بن عقبة الزرقيّ: (8) 14. سعيد بن عمر: (12) 11، 312. سعيد بن عمرو: (3) 190، (4) 18، 47، (8) 227، (12) 259، (14) 11. سعيد بن عمير: (11) 49، 50، 51. سعيد بن عياض: (14) 291. سعيد بن عيسى: (4) 289. سعيد بن أبي عروبة: (1) 354، (2) 240، 257، (3) 187، (6) 97، (7) 193، 254، 266، 398، (12) 7، 160، 359، (13) 41، 219، 262، (14) 220، 278. سعيد بن غزوان: (12) 108. سعيد بن محمد: (2) 167، (4) 58، (7) 344، 345، (12) 151. سعيد بن مسروق: (5) 377، (12) 25، 119. سعيد بن مسلم: (5) 119، (14) 220. سعيد بن المسيب: (1) 23، 41، 238، 327، (2) 156، 159، 211، 235، 250، 265، 276، (3) 48، 151، 152، 153، 187، 315، 365، (4) 293، (5) 47، 105، 131، 249، 295، 296، 344، 382، (6) 45، (7) 70، 135، 230، 233، 234، 366، (8) 12، 94، 97، 114، 116، 119، 248، 249، 254، (9) 32، 89، 87، 96، 216، 223، 237، 238، 239، 252، 277، 281، 283، 295، 297، 320، 381، 382، (10) 95، 109، 303، 304، 305، 358، 361، 366، (11) 55، 115، 187، 249، 290، (12) 8، 38، 68، 131، 139، 220، 279، 280، 283، (13) 111، 140، 197، 198، 199، 253، 254، 337، 338، 370، 371، (14) 3، 8، 9، 61، 83، 84، 88، 89، 128، 181، 201، 210، 223، 501، 506، 512، 546، 553، 571، 575، 580، 583، 586، 607، 615، 621. سعيد بن معروف: (11) 57. سعيد بن المعلى: (9) 162. سعيد المقبري: (2) 166، 221، 253، 325، (3) 212، 232، (7) 67، 193، 264، (8) 90، 159، (11) 224، 250، (13) 260، 262، (14) 76، 277. سعيد بن منصور: (2) 207، 215، (5) 13، (10) 344، (9) 120، (11) 361، (13) 286، (14) 515. سعيد بن ميسرة: (7) 18، 366. سعيد بن ميناء: (2) 263، (3) 140، (5)
154، 231، 232، (8) 24. سعيد بن أبي مريم: (8) 77، (9) 91، (10) 136، 175، (11) 65، 221، (12) 287، (14) 421. سعيد بن هشام بن عامر: (13) 29، 40، 41، 42. سعيد بن هيثم: (3) 130. سعيد بن أبي هلال: (2) 144، 154، 155، (5) 115، 119، (7) 69، 285، 307، (8) 126، (10) 31، 52، (11) 39، 82، 315، 375، (13) 220، 325، (14) 111، 128، 204، 290. سعيد بن يحيى الأموي: (5) 167، (8) 228، (9) 296، (11) 35، (13) 293. سعيد بن يربوع: (2) 29، (9) 298. سعيد بن يسار: (10) 390. سفيان: (2) 139، 142، 163، (8) 5، 24، 50، 51، 54، 56، 68، 78، 121، 148، 196، 228، 293، (9) 25، 36، 76، 90، 97، 120، 121، 122، 222، 226، 279، 280، 344، 366، 369، 370، 371، (11) 51، 52، 53، 59، 79، 84، 119، 129، 245، 298، 299، 301، (12) 35، 42، 55، 70، 73، 154، 176، 178، 187، 195، 199، 205، 223، 243، 250، 279، 287، 302، 309، 318، 327، 333، 336، 348، 365، 366، 18، 19، (13) 41، 75، 80، 84، 89، 116، 159، 182، 183، 205، 220، 224، 272، 296، 342، 368، 369، (14) 73، 111، 131، 151، 158، 169، 173، 174، 179، 180، 182، 188، 190، 201، 205، 212، 279، 283، 292، 297، 326، 448، 459، 495، 502، 513، 542، 572، 574، 578، 579، 607، 921. سفيان الثوري: (2) 283، 289، 345، (3) 72، 339، (4) 205، (5) 25، 258، 392، (7) 242، 350، 364، (9) 29، 36، 85، 319، (10) 177، 182، 303، 304، 346، (11) 78، 83، 307، (12) 106، 252، 258، 333، 350، (13) 158، 205، (14) 13، 160، 168، 169، 205، 327، 479، 579. سفيان بن أبي ثابت: (13) 309. سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: (9) 285. سفيان بن الحرث بن مضر: (3) 343. سفيان بن حرب: (5) 346. سفيان بن الحسن: (2) 238. سفيان بن حسين: (4) 352، (6) 48، 50، 288، (7) 369، (10) 156، (11) 222، (13) 117، (14) 322. سفيان بن حمزة: (5) 187، 323، (10) 107. سفيان بن أبي حبيبة: (10) 91. سفيان بن خالد بن نبيح: (1) 184، 256، 257، (4) 401، (13) 312. سفيان بن أبي زهير: (14) 182، 183. سفيان بن سعيد: (1) 282، (7) 252، 281، 364، (10) 307، (11) 135، (12) 63، (14) 288. سفيان الضمريّ: (1) 96.
سفيان بن عبد الأسد: (6) 279. سفيان بن عبد الرحمن: (2) 309. سفيان بن عبد شمس السلمي: (1) 159، 162، 224. سفيان بن عبد اللَّه: (9) 274. سفيان بن عمرو: (4) 347، (14) 547. سفيان بن عيينة: (2) 142، 145، 171، (2) 206، 244، 245، 264، 280، 351، (3) 28، 57، 228، 229، 400، (4) 112، 115، 270، 338، 352، (5) 19، 20، 25، 43، 68، 137، 178، (7) 38، 252، 257، 294، 354، 368، (8) 79، 228، 310، (9) 50، 68، 301، 346، 363، (10) 210، 354، (11) 137، 245، 248، 301، 307، (12) 11، 15، 252، 298، 324، 340، 378، 390، 392، (13) 48، 80، 96، 114، 204، 243، 378، (14) 160، 196، 201، 299، 300، 304، 447، 450، 466، 467، 624. سفيان بن فروخ: (12) 225، (13) 379، (14) 143. سفيان بن مجاشع: (3) 367. سفيان بن محمد: (10) 310، 311، 317. سفيان بن مسروق: (13) 136. سفيان بن أبي نجيح: (4) 338. سفيان بن وكيع: (3) 290، (9) 87. سفيان بن وهب: (12) 387. سفينة: (14) 205، 207، 301، 497. السكن بن سعيد: (11) 342. سلم بن زرير: (5) 99، 100. سلم بن يسار: (7) 244. سلمان بن ربيعة: (12) 310. سلمان الفارسيّ: (1) 225، 226، (2) 21، 23، 174، (4) 391، (5) 183، (6) 337، 339، (7) 122، (8) 372، (9) 128، 136، 266، (11) 389، (12) 254، (13) 9، 291، 292، 293، 294، 295، (14) 197، 198. سلمة: (9) 304، 306، 308، (13) 83. سلمة بن أسلم بن حريش: (1) 110، 119، 291، (2) 124، (5) 44، (7) 188، (13) 283. سلمة بن الأسقع: (10) 297. سلمة الأعور: (11) 295. سلمة بن الأكوع: (1) 260، 261، 263، 265، 270، 271، 274، 313، 342، (4) 396، (5) 92، 108، (6) 307، (7) 104، 246، (9) 134، 303، 304، 306، 307، 308، 235، (10) 297، (11) 286، 289، (12) 82، 94، (13) 115. سلمة بن ثابت: (12) 186. سلمة بن جواس: (12) 294. سلمة بن خويلد: (1) 181. سلمة بن دينار: (2) 222. سلمة بن رجاء: (13) 22. سلمة بن سلامة بن مرقش: (1) 92، 132، 254، 255، (2) 72، 202، (3) 349، (9) 255، (13) 318. سلمة بن أبي سلمة: (4) 262، 263، (6) 53، 55، 298. سلمة بن شبيب: (5) 189. سلمة بن صخر: (2) 49. سلمة بن عبد الرحمن: (3) 14، (5) 181، (10) 39. سلمة بن علقمة: (4) 92.
سلمة بن الفضل: (4) 23، 100، (12) 117، (13) 305. سلمة بن نفيل: (6) 126، (12) 390، 391. سلمة بن قاسم: (9) 316. سلمة بن كهيل: (2) 271، 304، (3) 290، 314، 366، (6) 51، (9) 34، (10) 309، (12) 258. سلمة بن محارب: (4) 57. سلمة بن نبيط: (7) 242، (14) 457، 475، 508. سلمة بن هشام: (1) 183، (6) 240، 242، (12) 68، 70، 71، 72، 73، 92، 139. سلمة بن وردان: (11) 74، 75. سلمة بن وهرام: (3) 229، (8) 135. سليط بن سفيان بن خالد: (1) 180. سليط بن عمرو: (1) 304، (9) 100. سليط بن قيس: (6) 248، (7) 169، 170. سليط بن معية: (11) 1، (13) 3. سليط بن النعمان: (1) 129. سليم: (9) 235. سليم الأعور: (7) 262. سليم بن حيان: (8) 24. سليم بن عامر: (2) 242، (7) 313، (8) 313، 137، (12) 210، (14) 123، 124. سليم بن عيسى: (4) 311. سليم بن يسار: (9) 266. سليمان: (1) 228، (8) 50، 62، 165، 221، 227، (12) 18، 74، 83، 154، (13) 176. سليمان بن أحمد اللخمي: (5) 219، 233، (6) 127، (12) 196. سليمان الأحول: (12) 15. سليمان بن الأشعث: (11) 92. سليمان بن أرقم: (3) 7. سليمان بن أزهر بن عبد عوف: (6) 269. سليمان الأعمش: (2) 293، (3) 313، (8) 275. سليمان بن أيوب بن سليمان: (6) 143. سليمان بن بريدة: (9) 222. سليمان بن بلال: (2) 154، 240، (3) 285، (4) 256، (5) 48، 57، 58، 87، 125، 295، (7) 56، 72، (8) 164، 165، 220، 226، (10) 230، 364، 377، (11) 46، 49، 81، 82، 85، 301، (12) 16، 40، 83، 238، 276، (13) 197، 198، (14) 43، 200، 146، 429، 461، 473، 474، 490، 498، 556. سليمان التيمي: (1) 226، (5) 106، 158، 159، (8) 250، (9) 79، (10) 304، (12) 3، 60، 153، (14) 496. سليمان بن حبان العذري: (5) 170. سليمان بن حبيب: (12) 324. سليمان بن حرب: (3) 229، (4) 323، (10) 345، 356، 357، (11) 41، 42، 79، 82، 89، (12) 241، 242، 243، 292، (13) 222، (14) 149، 150، 151، 508، 572. سليمان بن الحكم: (5) 211. سليمان بن حيان: (12) 290، 318. سليمان بن خارجة: (2) 206. سليمان بن أبي خيثمة: (9) 394. سليمان بن داود: (6) 364، (11) 232.
سليمان بن الربيع: (11) 87. سليمان بن رومان: (2) 298. سليمان بن زياد: (7) 295، (10) 170. سليمان بن سحيم: (4) 99، (9) 318، (14) 467، 469. سليمان بن سفيان: (2) 281. سليمان بن أبي سليمان: (12) 209. سليمان الشيبانيّ: (14) 322. سليمان بن صرد: (4) 254، 267، (12) 251، (13) 296. سليمان بن طريف السلمي: (13) 109. سليمان بن عاصم: (7) 349. سليمان بن عبد الرحمن: (11) 358. سليمان بن عبد الملك: (10) 109. سليمان العبسيّ: (11) 128، 135. سليمان بن عتيق: (10) 354، 355، 356. سليمان بن عثمان: (10) 308. سليمان بن عطاء: (10) 195. سليمان بن علي بن عبد اللَّه بن عباس: (9) 69، 254. سليمان بن عمرو: (13) 213. سليمان بن أبي عبلة: (13) 205. سليمان بن فيروز الشيبانيّ: (8) 287، 288. سليمان بن قيس: (13) 289. سليمان بن كثير: (5) 24، (7) 100. سليمان بن مسلم البلخي: (13) 256. سليمان بن مسهر: (13) 227، (14) 135. سليمان بن أبي مسلم: (14) 447. سليمان بن معاذ: (2) 386. سليمان بن المغيرة: (2) 171، 217، 223، 318، (3) 35، 37، 51، (4) 372، 375، (5) 93، 294، (6) 51، 236، (7) 274، (8) 230، (10) 227، (12) 24، 142، (13) 339، 380، (14) 216، 284، 506. سليمان بن مهران: (4) 270، 292، 309، 319. سليمان بن موسى: (13) 191، (14) 586. سليمان بن هلال: (4) 128. سعيد بن أبي هلال: (13) 202. سليمان بن يزيد الكعبي: (14) 614. سليمان بن يسار: (2) 205، (4) 293، (5) 236، (9) 301، 302، (13) 87. سماك: (9) 87، 154، 168، (11) 295، 337، (12) 143، 302، 364، (13) 20، 358، (14) 108، 205. سماك بن حرب: (2) 157، 158، 166، 167، 174، 205، 206، 259، 260، 266، 267، 297، 338، 386، (4) 108، 307، (5) 21، 54، 55، 71، (7) 15، 16، 70، 82، 102، 120، 121، 125، 162، 309، (8) 3، (9) 86، (11) 75، 232، 307، 336، (12) 302، 346، 347، 369، (13) 21، 87، 97، (14) 59، 125. سماك الحنفي: (3) 56، (8) 343، (9) 246، (13) 340. سماك الخثعميّ: (11) 31. سماك بن خرشة: (1) 156، 192، (8) 360. سمرة: (9) 356، (12) 222، 224. سمرة بن جندب: (1) 136، (4) 406، (5) 158، 159، (8) 104، 128، 133، (9) 152، 275، 357، (12) 223، 311، (14) 131، 132، 133. سمرة بن عمرو: (41) 2، (42) 2.
سمير بن عمير بن لوذان: (10) 134. سمرة بن معمر: (10) 130. سمي: (13) 374. سمي بن قيس: (9) 360. سنان: (13) 288. سنان بن تيم اللَّه: (1) 207. سنان بن الحارث بن مصرف: (14) 102، 103. سنان أبي ربيعة: (5) 169. سنان بن سعد: (12) 334. سنان بن أبي سنان: (1) 290، (4) 116، 117، (11) 221، 222. سنان بن وبر الجهنيّ: (1) 207. سهل: (9) 311، (13) 121، 125. سهل بن أسلم العذري: (5) 186. سهل بن بكار: (14) 40. سهل ابن بيضاء الفهري: (1) 44. سهل بن حماد: (13) 345. سهل بن حنيف: (1) 148، 153، 190، 192، 303، 325، (2) 46، (7) 168، 390، (8) 360، (10) 9، (13) 237. سهل بن خيثمة: (9) 383. سهل بن سعد: (2) 268، 277، 298، (3) 48، 307، 339، (5) 151، (7) 207، 266، 351، 356، 370، 371، 372، 373، (9) 84، 152، 265، (10) 104، (11) 44، 110، 145، 282، 285، (13) 124، 337، 339، (14) 5، 111، 223، 278. سهل بن سهل: (6) 396. سهل بن صالح: (11) 143. سهل بن عامر: (10) 84. سهل بن عبد الرحمن: (5) 279. سهل بن عبد اللَّه: (3) 133. سهل بن عمرو: (1) 67، (10) 85، 86، 87. سهل بن محمد: (4) 302. سهل بن المغيرة: (2) 265. سهل بن يوسف بن سهل: (4) 240، (5) 125، (6) 302، (14) 516، 522، 526. سهم بن عمرو: (9) 197. سهيل: (1) 291، 297، 386، (8) 59، 81، (9) 11، (12) 175، 176، 177، 298، 328، (14) 201. سهيل بن أبي صالح: (3) 227، 341، 342، (5) 57، (7) 330، (8) 164، (11) 290، (12) 298، 313، 345، 346، (14) 193، 204، 215. سهيل بن عمرو: (1) 67، 85، 88، 90، 106، 113، 115، 193، 280، 289، 290، 293، 294، 295، 333، 334، 348، 352، 384، 385، 387، 396، 397، (2) 12، 18، 29، (4) 400، 403، (6) 33، (7) 188، 231، 249، (9) 11، 181، 298، 313، (10) 85، 86، 87، (12) 175، 176، (13) 356، 386. سهل بن معاذ بن أنس: (12) 385. سواد بن غزية: (1) 99، (6) 228. سوار بن مصعب: (9) 320. سويبط بن حرملة: (1) 147، (7) 166. سويد: (2) 91، (9) 185. سويد بن أبان: (6) 376. سويد بن سعيد: (10) 308، (12) 298. سويد بن الصامت: (9) 184، 185، (10) 7، 10.
سويد بن صخر: (1) 336، 373، (7) 169، 171. سويد بن طارق: (8) 3. سويد بن عبد العزيز: (4) 290. سويد بن علقمة: (4) 248. سويد بن غفلة: (11) 280، (12) 203، 204. سويد بن قيس: (7) 16. سويد بن معاوية: (10) 264. السويد بن المقرن: (9) 152، (14) 234. سويد بن ناصر: (11) 121. سويد بن نصر: (3) 75، 76، (8) 21. سويد بن يزيد: (5) 78. سلام: (13) 336. سلام بن أبي الحقيق: (1) 190، 195، 222، (13) 336. سلام الخزاز: (11) 54. سلام بن سليم: (3) 226، (13) 221، (14) 485. سلام بن سليمان الثقفي: (12) 242، (14) 150، 485. سلام بن شرحبيل: (2) 222. سلام بن أبي الصهباء: (5) 257. سلام بن مسكين: (2) 195، (3) 342، (4) 130. سلام بن مشكم: (1) 255، (6) 87. سلام بن أبي مطيع: (7) 68، 95، (13) 12. سلامة بن سليم: (5) 119. سلامة بن الحمام: (2) 91. سلامة العجليّ: (2) 174. سلامة بن وقش: (5) 114. سيار: (9) 34. سيار بن حاتم: (4) 113، (7) 92، (14) 507. سيار بن روح: (9) 162. سيار بن سلامة: (12) 329. سيرين: (1) 219. سيف بن سليمان: (4) 77، 79. سيف بن سهل بن يوسف: (9) 91. سيف بن أبي سليمان: (4) 283. سيف بن عمر: (2) 324، (5) 290، 307، (6) 302. سيف بن وهب بن أبي الطفيل: (11) 380. الشين شبابة: (11) 46، 91، 141. شبابة بن سوار: (2) 262، (7) 328، (10) 139، (12) 240، (14) 148، 460، 479. شبرمة بن الطفيل: (11) 280. شبل: (12) 15. شبل بن عباد: (4) 299، 324. شبل بن عوف: (12) 312. شبيب: (12) 44. شبيب بن سعيد: (11) 326. شبيب بن شيبة: (5) 256. شبيب بن غرقدة: (12) 42. شبيب بن يزيد: (6) 109. شجاع بن وهب الأسدي: (1) 304، 336. شجاع بن الوليد: (1) 144. شداد بن أوس: (2) 330، 344، (8) 190، 251. شداد بن سعيد: (13) 222. شداد بن عبد اللَّه: (12) 237، (14) 144. شداد بن عمار: (5) 384، 969. شداد بن معقل: (12) 384. شداد بن الهاد: (6) 164.
شراحيل: (14) 486. شراحيل بن يزيد: (12) 364. شرحبيل: (11) 232. شرحبيل الجعفي: (4) 396، (11) 340. شرحبيل ابن حسنة: (2) 66، (6) 66، (13) 191. شرحبيل بن السمط: (12) 76، 77، 78، (9) 156. شرحبيل بن عبيد: (14) 251. شرحبيل بن عمرو الغساني: (1) 337، 339. شرحبيل بن غيلان بن سلمة: (2) 85. شرحبيل بن مسلم: (4) 120. شريح بن ضبيعة بن شرحبيل: (14) 163. شريح بن عبد اللَّه: (3) 44. شريح بن عبيد: (8) 163، (12) 257. شريح بن مسلمة: (11) 380. شريح بن النعمان: (3) 69، 231. شريح بن هانئ: (2) 288، (13) 47. شريح بن يزيد: (12) 293. شريح بن يونس: (12) 218. شريك: (8) 68، 73، 203، 207، 208، 209، 210، 211، 224، 226، 227، 288، 233، (11) 33، 96، 125، 133، 295، 337، (12) 218، 249، 256، 296، (13) 12، 46، 89، 198، (14) 8، 153، 158، 297. شريك بن أبي بكر: (6) 301. شريك بن سمي: (12) 200. شريك بن عبد اللَّه: (3) 35، (5) 50، 121، 250، (8) 220، 221، 230، (12) 276. شريك بن عبد المجيد: (11) 317. شريك بن أبي علوان عبد اللَّه بن عصمة: (12) 250. شريك بن أبي نمر: (5) 120، 385، (13) 197، 198. شعبة: (8) 3، 7، 29، 45، 62، 78، 83، 85، 170، 171، 246، 247، 297، 324، 330، (9) 32، 35، 86، 90، 118، 119، 206، 257، 258، 323، 325، 358، 365، (11) 22، 25، 26، 48، 75، 83، 84، 85، 86، 128، 176، 242، 243، 268، 269، 275، 281، 295، 325، 326، 336، 337، (12) 18، 35، 62، 74، 76، 77، 98، 103، 105، 106، 112، 113، 197، 206، 230، 252، 273، 277، 335، 347، 358، 366، 367، 369، 378، (12) 17، 18، 20، (13) 23، 82، 87، 97، 171، 176، 210، 211، 225، 227، 330، (14) 56، 57، 60، 61، 72، 82، 125، 131، 138، 152، 160، 179، 187، 200، 203، 262، 263، 285، 286، 322، 341، 372، 460، 464، 496، 502، 513، 514، 547، 553، 554، 555، 585. شعبة بن أوس: (12) 244. شعبة بن الحجاج: (4) 164، 259. شعبة بن قتادة: (1) 354. الشعبي: (8) 67، 68، 121، 227، 289، 290، (9) 65، 69، 68، 89، 108، 127، 279، (11) 96، 97، 110، 129، 257، (12) 128، 205، 240، 252، 278، 302، 303، 325، 365، (13) 12، 19، 102، 218، 236، 382، 383، (14) 87، 148، 160،
221، 298، 299، 322، 326، 371، 372، 407، 413، 419، 481، 511، 553، 555، 580. شعيب: (11) 194، 240، 241، 249، (12) 72، 194، 195، 288، 308، 343، 344، (13) 165، 166، 172، 223، 288، 338، 339، 360، (14) 27، 61، 200، 321، 466، 493، 500، 501، 565. شعيب بن الحجاب: (4) 292، (10) 246، 247. شعيب بن حرب: (6) 377، (8) 118. شعيب بن أبي حمزة: (2) 142، 230، (3) 66، 68، (4) 249، (5) 79، (6) 48، (10) 345، 346. شعيب بن دينار: (4) 314. شعيب بن شداد: (7) 258. شعيب بن شعيب: (3) 380. شعيب بن طلحة بن عبد اللَّه: (9) 288. شعيب بن عبد اللَّه بن عمرو: (7) 335. شعيب بن الليث: (13) 202. شعيب بن محمد بن عبد اللَّه: (8) 76. شعيب بن ميمون: (14) 479. شفي الأصبحي: (13) 202. شقران: (2) 130، 136، 137، (14) 585، 586. شقيق: (9) 346، (13) 194، 213، (14) 174، 513. شقيق بن حيان: (12) 335. شقيق بن سلمة: (2) 200، (4) 306، (12) 238، 276، (14) 146، 436. شمر بن عطية: (5) 235، 300، (12) 255. شمر بن منصور: (4) 68، 71. شمير: (9) 360. شهاب بن معمر العوفيّ: (5) 303. شهر بن أيوب: (4) 310. شهر بن حوشب: (4) 13، 48، 303، (5) 233، (6) 45، 363، (7) 287، (9) 93، (10) 51، (11) 233، (12) 239، (14) 80، 292. شهر بن عطية: (4) 310. شوذب: (12) 248. شيبان: (12) 71، 72، (13) 263، 379، (14) 494. شيبان بن أبي الحكم: (2) 218. شيبان بن سعيد بن سليمان: (5) 96. شيبان بن عبد الرحمن: (8) 268، 247. شيبان بن فروخ: (3) 34، 293، 317، (4) 130، (5) 173، 227، (8) 230. شيبان بن معاوية: (5) 198. شبير: (1) 86، (12) 97، 141، 149. شبير بن ربيعة: (1) 42، 88، 111، 116، (3) 399، (6) 165، 257، (9) 180، 194، (12) 102، 103، 105، 106، 107. شيبة بن عثمان بن أبي طلحة: (1) 348، (2) 17، (4) 118. شيبة بن مالك: (1) 157. شيبة بن نصاح: (4) 291، 294، 302. الصاد صالح: (8) 111، 116، 120، (9) 289، 325، (12) 60، 156، 331، 373، (13) 371، (14) 201، 203، 320، 533. صالح بن إبراهيم: (3) 351، 325، 349، (9) 321، (12) 151، 156، (13)
253. صالح بن أربد النخعي: (12) 238، 239، (14) 145. صلة بن أشيم: (4) 406. صالح بن أبي الأخضر: (2) 156، 164، (5) 78، (7) 369، (8) 74، 75، (9) 382. صالح بن أبي الأسود: (12) 248، (14) 156. صالح بن بشير: (5) 287. صالح بن جعفر: (12) 127، (13) 304. صالح بن حيان: (5) 42. صالح بن زيد النخعي: (14) 147. صالح بن صالح: (7) 84. صالح بن عدي: (6) 316. صالح بن عطاء: (3) 231. صالح بن عمر: (14) 90. صالح بن كيسان: (3) 48، 55، 56، (5) 51، 311، 379، (6) 48، (7) 306، 369، (8) 254، (9) 301، 362، (10) 57، 83، 168، 344، 346، (12) 344، (13) 157، 159، (14) 203، 430، 466، 484، 490، 572. صالح بن محمد: (3) 51، (11) 131، (12) 340. صالح بن موسى: (6) 8. صالح المري: (12) 321. صالح بن النضر: (4) 259. صخر بن جويرية: (8) 118، (14) 497. صخر بن حرب: (1) 85، (6) 257. صخر الغامدي: (12) 63. صدقة بن خالد: (14) 217. صدقة بن سعيد: (14) 17. صدقة بن أبي سعيد الحنفي: (12) 99. صدقة بن عامر الحارثي: (12) 261. صدقة بن المثنى: (12) 391. صدقة بن المنتصر الشعبانيّ: (12) 378. صدقة بن هرمز: (5) 195. صدي بن عبد اللَّه: (4) 398. الصعب بن جثامة بن قيس: (1) 277، 375، (2) 107، (7) 170، 257، 259، (14) 273. الصعب بن عطية بن بلال: (5) 290. صعب بن معاذ: (4) 402. الصعب بن حزن: (5) 219. صفوان: (1) 178، 386، (9) 351، (12) 170، 171، 172، 349. صفوان بن أمية: (1) 80، 88، 117، 118، 129، 138، 147، 159، 172، 186، 266، 280، 286، 324، 333، 348، 352، 384، 385، 398، 400، 401، (2) 10، 12، 17، 18، 28، 29، 210، 211، 234، (4) 216، 299، 403، (6) 160، 163، 287، (7) 286، (9) 112، 298، (10) 6، (12) 170، 171، 172، (13) 279، (14) 8، 9، 15، 291. صفوان بن خلف الجمحيّ: (6) 268. صفوان بن سليم: (6) 126، (7) 86، (11) 36، 37، 92، (12) 340. صفوان بن عسال: (13) 177، (14) 82. صفوان بن عمرو: (3) 44، (8) 163، (9) 352، (12) 196، (13) 203، (14) 77، 251. صفوان بن قتيبة: (10) 318. صفوان بن مالك بن صفوان: (6) 297. صفوان بن محرز: (7) 12.
صفوان بن موسى البارقي: (12) 204. صفوان بن هبيرة: (10) 310. صفوان بن يعلى: (3) 49. الصلت بن الحجاج: (2) 255، 263. الصلت بن دينار: (13) 222. الصلت بن راشد: (7) 18. الصلت بن عبد اللَّه بن نوفل: (7) 55. الصلت بن محمد بن همام: (4) 56، 91. الصلت بن مخرمة بن المطلب: (9) 282. الصلت بن مسعود: (4) 112. صلة بن أشيم: (13) 185. صلت بن زفر: (3) 288، (9) 365، 366، (14) 72. صهيب: (1) 68، 107، (9) 96، 106، 109، 114. صهيب بن سنان: (9) 102، 106، 109، 162. صيفي بن عائذ: (4) 291. الضاد ضبة بن محصن: (5) 238، (11) 120. ضبيعة بن زيد بن مالك: (9) 175. الضحاك: (8) 286، 287، (11) 87، 88، 119، 142، 163، 191، 199، (12) 150، 205، 296، 299، (13) 25، 77. الضحاك بن حذيفة المازني: (9) 146. الضحاك بن خليفة: (1) 249، (9) 255. الضحاك بن سفيان: (2) 37، 43، (6) 65، (7) 178، 182، 183، 184، 185، 186. الضحاك بن عثمان: (4) 289، (13) 508، 306. الضحاك بن قيس: (6) 249، (9) 63، 144، (13) 215. الضحاك بن مزاحم: (2) 343، (8) 275، (13) 116، (14) 569. الضحاك بن يربوع: (14) 568. ضرار بن الخطاب: (1) 114، 165، 234، 235، 236، (6) 267. ضرار بن صرد: (4) 126، (12) 99. ضرار بن عبد اللَّه بن قرط: (10) 57. ضمام بن ثعلبة: (2) 89. ضمرة: (12) 388. ضمرة بن حبيب: (2) 330، (6) 126، (9) 94، (11) 3، (12) 390، 391، (13) 116. ضهير بن رافع: (9) 155. ضمرة بن ربيعة: (7) 259، (13) 217. ضمضم بن عمرو: (1) 85، 87، 89. ضمرة بن الفيض: (9) 154. ضميرة بن أبي ضميرة: (6) 326. الطاء طارق بن سويد: (8) 3. طارق بن شهاب: (7) 382، (9) 155، (10) 176، 177. طارق بن عبد الرحمن: (12) 81. طارق بن عبد اللَّه المحاربي: (6) 393، (8) 310، 314. طارق أبو صالح: (5) 146. طالب بن حجير: (7) 139. طالب بن أبي طالب: (6) 276. طالوت بن عباد: (7) 288، (14) 292. طاوس: (8) 4، 56، 141، 228، (9) 32، (12) 300، (13) 19، 116، 151، (14) 316. طعيمة بن أبيرق: (2) 76.
طعيمة بن عدي: (1) 42. الطفيل: (12) 290. الطفيل بن أبي بن كعب: (3) 236، (5) 50، 51، 52، (11) 136. الطفيل بن الحارث: (6) 52، 169. طفيل بن ذي النون بن طريف: (4) 359، (5) 311. طفيل بن سنان: (2) 256. الطفيل بن عبد اللَّه: (6) 182. الطفيل بن عمرو: (1) 46، 47، 320، (2) 21، 23، 229، (4) 202، 357، (5) 311، 312، (6) 2. الطفيل بن مالك بن النعمان: (1) 237، (6) 238. الطفيل بن النعمان: (1) 179، 244. طلحة: (1) 117، 141، 151، 157، 169، 179، (8) 251، (9) 83، 137، 189، (11) 35، (12) 38، 193، 196، (13) 84، 187، 188، 230، 231، 233، 235، 236، 237، 238، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 250، 254، 265، (14) 257، 512، 537. طلحة البصري: (12) 318. طلحة بن الحسن: (5) 361. طلحة بن خويلد الأسدي: (1) 181، 224. طلحة الخولانيّ: (12) 384. طلحة بن زيد: (2) 280، (7) 315. طلحة بن أبي طلحة: (1) 100، 138، 139، 142، (8) 100. طلحة بن عبيد بن الجراح: (1) 148. طلحة بن عبيد اللَّه: (1) 33، 69، 81، 112، 152، 156، 169، 260، 275، 297، (2) 28، 48، 82، (3) 56، (5) 58، 59، 144، (6) 140، 141، 143، 145، 156، 208، (8) 64، 340، (9) 95، 189، (10) 158، 258، (12) 150. طلحة بن عمرو: (2) 340، 345، (4) 100، 134، 135، (5) 271. طلحة الفياض: (6) 141. طلحة بن مر: (10) 359. طلحة بن مصرف: (2) 293، (4) 308، 311، 317، (5) 145، (14) 102، 481. طلحة بن نافع: (7) 170، (10) 74، (14) 281. طلحة بن يحيى: (7) 8، 49، 119، 279، (12) 326. طلحة بن علي: (10) 88، 90، 91. الطيب بن إسماعيل: (4) 324. الطيب بن بر: (9) 283. العين عائذ: (12) 99. عائذ بن عبد اللَّه بن عمر: (6) 193، (8) 146. عائذ بن عمرو: (9) 149. عائذ بن يحيى: (3) 327، (7) 177. عائذ بن أبي عائذ: (4) 311. عاصم: (8) 54، 153، 154، (9) 76، 97، 326، (12) 330، (13) 87، 195، 211، (14) 174. عاصم الأحول: (2) 255، (7) 275، 355، (12) 330، (14) 284. عاصم بن بهدلة: (2) 173، 174، 207، (3) 343، (6) 8، (7) 344، (8) 257.
عاصم بن ثابت: (1) 109، 116، 141، 142، 148، 153، 172، 173، 185، 258، (4) 400، (8) 345، (10) 5، 7، (12) 163، (13) 271، 274. عاصم بن حمزة: (11) 95. عاصم بن حميد السكونيّ: (14) 418. عاصم بن الخطاب: (12) 283. عاصم بن سعد: (11) 288. عاصم بن سليمان: (5) 183، 184، (6) 372. عاصم بن ضمرة: (11) 155، (12) 134. عاصم بن عبد اللَّه الحكمي: (13) 295. عاصم بن عبد اللَّه بن عاصم: (11) 47، 48. عاصم بن عبد اللَّه بن عمرو: (14) 435، 436. عاصم بن عبيد اللَّه: (5) 147، 152، (11) 50، (12) 336. عاصم بن عدي: (1) 112، (2) 48، 77، (9) 313. عاصم بن علي: (2) 201، (5) 332، (7) 71، 83، (12) 247، 334، 335، (13) 289، (14) 155. عاصم بن عمر: (1) 83، 296، (2) 248، (3) 231، 320، 323، 354، 355، (5) 73، 152، (6) 216، (7) 177، (8) 58، 100، (9) 207، 278، 373، (12) 139، (13) 255، 303، 304، (14) 272. عاصم بن عمر بن الخطاب: (13) 271. عاصم بن عمر بن قتادة: (3) 356، 358، 397، (5) 116، (8) 143، 374، (9) 184، 242، (11) 49، 330، 331، 333، (13) 318، 364، (14) 49، 356. عاصم بن كليب: (3) 48، 365، (14) 90، 112. عاصم بن لقيط: (7) 255، 288، (14) 271. عاصم بن محمد: (10) 346، (12) 304. عاصم بن محمد بن زيد: (10) 349. عاصم بن محمد العمري: (12) 386. عاصم بن يوسف: (12) 327. عاصم بن أبي عوف: (1) 109. عاصم بن أبي النجود: (4) 268، 288، 290، 291، 308، 309، 310، 321، 326، (9) 34، (12) 258. عامر: (1) 103، 182، 311، (8) 289، 291، (9) 131، 132، 303، 304، 306، 307، (11) 255، 256، (12) 95، 130، 231، (14) 87. عامر بن الأكوع: (9) 302، 303، 304، 306. عامر بن البكير: (9) 102. عامر الحضرميّ: (1) 102. عامر بن ربيعة: (4) 32، (7) 391، (9) 100، 105، 189. عامر بن ربيعة العنزي: (6) 56. عامر بن ربيعة بن كعب: (9) 111. عامر بن سعد بن أبي وقاص: (4) 38، (5) 285، (7) 396، (11) 123، 305، 307، 308، 309، 310، (14) 186، 553، 554، 555، 585. عامر بن سنان: (1) 313، (9) 302، 307، (11) 310. عامر بن شرحبيل: (4) 306، (9) 63. عامر الشعبي: (1) 119، (3) 94، 233، (4) 291، (5) 13، (6) 391، (7)
175، (8) 275، (9) 77، 87. عامر بن شقيق: (11) 132، (13) 213. عامر بن صالح: (3) 323، 324. عامر بن صعصعة: (9) 178. عامر بن الطفيل: (1) 182، 183، 184، (2) 200، (4) 123، 124، 125، (9) 111، (12) 93، 94، 95، 96، (13) 285. عامر بن عبد الأعلى: (4) 316. عامر بن عبد اللَّه بن الجراح: (1) 346، (9) 375. عامر بن عبد اللَّه بن الزبير: (7) 174، (12) 254. عامر بن عبد الواحد: (12) 238، (14) 145. عامر بن عبدة: (12) 365. عامر بن عبيد بن حذيفة بن غانم: (9) 296. عامر بن فهيرة: (1) 36، 58، 59، 60، 183، (4) 224، 401، (5) 204، 209، 212، 271، (8) 321، 322، (9) 101، 110، 111، 114، 198، 199، (11) 300، 301، (12) 122، (13) 285، 286. عامر بن كريز: (6) 278، (11) 376. عامر بن مالك بن كنانة بن قيس: (9) 106. عامر الكلاعي: (13) 3. عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب: (1) 181. عامر بن واثلة: (13) 12. عامر بن أبي عامر: (5) 225. عباد: (9) 231. عباد بن بشر: (1) 125، 179، 199، 200، 289، 291، 325، 234، 276، 281، (2) 37، 42، 68، (3) 82، 83، (5) 316، 317، (7) 148، 188، (8) 365، (9) 253، (12) 181، 186، 189. عباد بن بشير: (7) 187، (9) 230، 231. عباد بن تميم: (2) 259، (14) 456. عباد بن جويرية: (3) 199. عباد بن حبيش: (14) 59. عباد بن حمزة بن عبد اللَّه: (3) 323. عباد بن حنيف: (2) 78. عباد بن راشد: (8) 10. عباد السماك: (14) 205. عباد بن عباد بن حبيب: (2) 261، (7) 10، (8) 52. عباد بن عبد الصمد: (4) 5، (11) 254، (14) 564. عباد بن عبد اللَّه: (2) 214، 386، (5) 54، (14) 502، 503. عباد بن عبد اللَّه الأسدي: (5) 175. عباد بن عبد اللَّه بن الزبير: (7) 155، (10) 368، (14) 569. عباد بن عبيد اللَّه بن عمر: (9) 31. عباد بن علي: (8) 230. عباد بن العوام: (2) 158، 204، 221، (7) 281، (12) 333، 349، (14) 322، 417. عباد بن قيس: (9) 235. عباد بن كثير: (2) 248، (8) 10. عباد بن معين: (8) 10. عباد بن منصور: (4) 348، (5) 103، (7) 90، 91، 255، (8) 9، 10، (12) 73، (14) 271. عباد بن موسى الختّليّ: (14) 371. عباد بن ميسرة: (3) 152. عباد بن الوليد بن عبادة: (5) 89.
عباد بن يعقوب: (11) 287، 279. عباد بن يوسف الكندي: (5) 247. عبادة: (9) 292، 293، (12) 285. عبادة بن بشر: (1) 239، 257، 262. عبادة بن تميم: (7) 64. عبادة بن الصامت: (1) 51، 55، 123، 204، 209، 211، (2) 91، 220، (3) 46، 314، (8) 122، 347، 370، (9) 83، 138، 292، (10) 13، 250، 252، (11) 114، (12) 213، 214، 215، 284، 360، (13) 177، 317. عبادة بن نسي: (11) 65. عبادة بن الوليد بن عبادة: (5) 34. العباس: (1) 53، 80، 132، 159، 356، 358، 360، 375، 377، 393، (2) 13، 17، 125، 129، 135، 136، 137، (3) 194، 195، 196، (5) 338، 339، 390، (6) 21، 30، 90، 91، 111، 271، 276، 310، 313، 326، (8) 312، 385، (9) 299، 351، (12) 60، 164، 165، 167، 168، 169، 208، 247، 298، 299، 300، (13) 80، 157، 159، 160. عباس بن بكار: (11) 147. العباس بن ذريح: (2) 342، (6) 309. عباس بن زياد الأسدي: (11) 143. عباس بن سهل بن سعد: (5) 48، (13) 316، (14) 43، 44. عباس بن عبادة: (1) 159، (10) 85. العباس بن عبد اللَّه بن سعيد: (4) 95. العباس بن عبد المطلب: (1) 54، 88، 108، 131، 323، 333، 357، 390، (2) 48، 49، 112، 118، (3) 193، 204، 205، 206، 207، 211، (4) 36، 57، 95، 125، 216، 361، 399، (5) 70، 82، 379، 381، (6) 20، 149، 165، 231، 257، 309، (8) 389، (9) 28، 93، 162، 282، 285، 286، 287، (10) 96، 107، 310، (12) 164، 247، 298، 356. عباس بن علقمة بن عبد اللَّه: (6) 256. العباس بن الفضل: (11) 372. العباس بن محبوب بن عثمان: (5) 299. العباس بن محمد: (8) 176، (14) 17. العباس بن محمد الدوري: (5) 23. العباس بن محمد بن العباس: (5) 225. العباس بن مرداس: (1) 324، 365، (2) 27، 29، 33، (4) 15، 17، (7) 169، 171، (9) 235، 298. العباس بن المغيرة: (11) 47. العباس بن هشام: (5) 285، (6) 374، (11) 342. العباس بن الوليد: (6) 127. العباس بن الوليد بن صبح الخلال: (12) 286. العباس بن الوليد بن مزيد: (12) 232، 266، (14) 140. عباس بن أبي ربيعة: (9) 189، 190. عباية: (13) 264. عباية بن رافع: (12) 25، 26. عباية بن ربعي: (3) 208. عباية بن مالك: (1) 340. عبد بن جزء: (11) 76. عبد بن حميد: (2) 142، 153، (3) 58، (5) 7، (6) 286، (7) 225، (9) 285.
عبد بن زمعة بن قيس: (6) 198. عبد بن زياد الأسدي: (12) 238. عبد بن سليمان: (10) 269. عبد بن عبد الغفار: (6) 328. عبد بن مطيع بن الأسود: (2) 276. عبد بن يزيد: (12) 326. عبد الأعلى: (4) 349، (9) 202، 271، (11) 115، 243، 305، 325، 349، (13) 65، 199، 200. عبد الأعلى بن حماد: (2) 169، 340، (4) 114، 115، (5) 158، (10) 225. عبد الأعلى بن عبد الأعلى: (4) 127، 237، (5) 179. عبد الأعلى بن هلال السلمي: (4) 54. عبد الأعلى بن أبي المساور: (10) 341. عبد الباقي بن قانع: (7) 83، (11) 51. عبد الجبار بن العباس الشامي: (13) 231. عبد الجبار بن عمارة: (13) 364. عبد الجبار بن عمر: (3) 219، (8) 79، (12) 287. عبد الجبار بن وائل الحضرميّ: (2) 170، 171، (5) 301. عبد الجبار بن الورد: (13) 228. عبد الجليل بن حميد: (11) 221، 222. عبد الحق بن عبد اللَّه بن أبي سلمة: (12) 95. عبد الحميد: (9) 266. عبد الحميد بن بهرام: (14) 80. عبد الحميد بن جبير بن شيبة: (2) 277. عبد الحميد بن جعفر: (4) 124، (8) 14، (9) 115، 294، 356، 357، (10) 49، 178، (13) 317، 318، (14) 8. عبد الحميد بن الحسن الهلالي: (5) 25. عبد الحميد بن زياد: (2) 270، 299. عبد الحميد بن سليمان: (14) 615. عبد الحميد بن صالح: (4) 359. عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني: (2) 339، (12) 81. عبد ربه بن سعيد بن عمرة: (8) 50. عبد الرحمن: (8) 127، (9) 235، 275، 283، 294، 306، (11) 34، (12) 158، 159، 194، 241، 275، 290، 336، (13) 11، 121، 346. عبد الرحمن بن أبزى: (4) 64، 298، (13) 42. عبد الرحمن بن أحمد بن يونس المصري: (12) 211. عبد الرحمن بن أزهر: (10) 285. عبد الرحمن بن إسحاق: (7) 286، 369، (14) 291. عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث: (7) 71. عبد الرحمن بن الأصبهاني: (5) 209. عبد الرحمن بن أفلح: (14) 587. عبد الرحمن بن أنيس السلمي: (4) 17. عبد الرحمن بن أيمن: (5) 157. عبد الرحمن بن أيوب: (10) 311. عبد الرحمن بن بحير: (13) 199. عبد الرحمن بن بشر بن مسعود: (11) 41. عبد الرحمن بن أبي بكر: (1) 158، (5) 160، 161، 386، (6) 152، 168، 181، 204، (9) 149، 282، (10) 162، (12) 40، 99، 277. عبد الرحمن بن أبي بكرة: (4) 256، (12) 261، 348، 389، (14) 207. عبد الرحمن بن تميم: (8) 170.
عبد الرحمن بن جابر: (10) 296. عبد الرحمن بن الجارود: (11) 242. عبد الرحمن بن جبير: (2) 243، (5) 319، (7) 340، (9) 351، 352، (11) 50، 121، (12) 206، 333، 351، 359، (14) 77، 185، 186. عبد الرحمن بن الحارث: (3) 72، 75، 324، (4) 73، 246، 247، (6) 160، 268، 269، (7) 232، 259، (9) 105، (13) 243، 244، 273. عبد الرحمن بن حرملة: (5) 131، (9) 32، (12) 83، 283. عبد الرحمن الحزامي: (2) 251. عبد الرحمن بن حزن: (1) 271. عبد الرحمن بن الحسن: (5) 361. عبد الرحمن بن حسنة: (7) 302. عبد الرحمن بن حسان: (6) 173. عبد الرحمن بن الحكم: (12) 101. عبد الرحمن بن حماد بن عمران: (8) 64، 65. عبد الرحمن بن حميد: (3) 402، (4) 37، 251، (10) 108، 230. عبد الرحمن بن حويطب: (6) 137. عبد الرحمن بن أبي حماد: (4) 311. عبد الرحمن بن خالد: (2) 282، (10) 346، (12) 288، (13) 253. عبد الرحمن بن خنيش: (4) 113. عبد الرحمن بن خلاد: (13) 189. عبد الرحمن الراسبي: (3) 383. عبد الرحمن بن أبي الرجال: (6) 61. عبد الرحمن بن زمعة: (6) 198. عبد الرحمن بن زياد الإفريقي: (2) 162، (3) 149، (5) 90، 135، (10) 138، 370، (12) 350، (14) 104، 125. عبد الرحمن بن زيد: (4) 245، (6) 219. عبد الرحمن بن زيد بن الخباب: (11) 312. عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: (6) 146. عبد الرحمن بن أبي الزناد: (3) 72، (4) 73، (7) 135، (8) 27، (13) 204. عبد الرحمن بن سابط: (12) 305، (14) 94، 204. عبد الرحمن بن سعد: (7) 155، 331، 332. عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل: (6) 368، (11) 319، 331، 333، (12) 372. عبد الرحمن بن سمرة: (8) 94، 392. عبد الرحمن بن سهل: (9) 152. عبد الرحمن بن سيرين: (6) 345. عبد الرحمن بن أبي سبرة: (11) 341. عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدريّ: (3) 354. عبد الرحمن بن شرحبيل: (14) 185. عبد الرحمن بن شريح: (11) 51، (12) 384. عبد الرحمن بن شريك: (5) 28. عبد الرحمن بن شماسة: (4) 241، (12) 370، (14) 185. عبد الرحمن بن شيبة: (6) 257، (12) 388. عبد الرحمن بن أبي شيبة: (10) 320. عبد الرحمن بن صالح: (6) 316، (11) 270، (12) 235، (14) 143. عبد الرحمن بن صحار العبديّ: (12) 379. عبد الرحمن بن صفوان: (6) 160، 268. عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي: (11) 36. عبد الرحمن بن عائذ الأزدي: (14) 251،
254. عبد الرحمن بن عائش: (2) 295، (8) 130، 131، 132. عبد الرحمن بن عابس: (7) 267. عبد الرحمن بن العباس: (6) 166، 271، 276. عبد الرحمن بن عبد الرحمن: (3) 355. عبد الرحمن بن عبد العزيز: (3) 22، 362، (5) 97، 110، 253، (8) 143، (9) 181، 289، (11) 320، (13) 273، 374. عبد الرحمن بن عبد الصمد: (7) 68. عبد الرحمن بن عبد القاري: (4) 249، 225، 251، (7) 221. عبد الرحمن بن عبد اللَّه: (3) 46، (5) 385، (6) 144، 145، 268، (7) 126، 188، (8) 150، 151، (10) 48، (11) 47، 88، 136، (12) 346، 347. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار: (5) 127، (7) 67. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن ذكوان: (7) 134. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة: (6) 145، 208. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن عثمان: (6) 161. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب: (3) 288، (8) 169، 170، (9) 268، 275، (13) 112، 113، 298. عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن مسعود: (5) 274، 275، (8) 76، (12) 192، 204، 346، 348، (14) 125. عبد الرحمن بن عبد المنعم: (3) 189. عبد الرحمن بن عتاب: (13) 243، 244. عبد الرحمن بن عتيبة: (1) 260، (10) 311. عبد الرحمن بن عثمان: (6) 291، (12) 347. عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم: (11) 337. عبد الرحمن بن عثمان السهمي: (6) 145. عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم: (11) 338. عبد الرحمن بن عديس: (13) 207، 208. عبد الرحمن بن أبي عقيل: (3) 284. عبد الرحمن بن علقمة: (3) 284. عبد الرحمن بن عمر: (6) 213. عبد الرحمن بن أبي عمر: (12) 338، 351. عبد الرحمن بن أبي عمرة: (5) 147. عبد الرحمن بن عمرو: (3) 34، (11) 51. عبد الرحمن بن عمرو الحراني: (12) 232، (14) 140. عبد الرحمن بن عمرو السلمي: (3) 145، (12) 351. عبد الرحمن بن عوف: (1) 33، 107، 109، 113، 148، 253، 260، 268، 269، 275، 296، 297، 322، 383، (2) 4، 5، 7، 28، 48، 57، 93، 108، (3) 325، 326، 402، (4) 397، (5) 58، 244، (6) 137، 138، 140، 155، 156، 316، 361، 369، 370، (9) 63، 83، 95، 118، 137، 151، 168، 189، 294، 321، 364، 370، 371، 372، 379، (10) 263، (11) 48، 49، 150، 223، (12) 151، 156، 157، 158، 203، 275، (13) 21، 264، (14) 306، 458.
عبد الرحمن بن أبي عون: (11) 223. عبد الرحمن بن عويم: (10) 84. عبد الرحمن بن العلاء الحضرميّ: (12) 295. عبد الرحمن بن غزوان: (8) 174، 178. عبد الرحمن بن غنم: (6) 363. عبد الرحمن بن أبي غياث: (12) 332. عبد الرحمن الفهري: (7) 212. عبد الرحمن بن القاسم: (7) 99، 122، (9) 30، 168، (11) 48، (12) 283، (13) 212، (14) 497. عبد الرحمن بن قرظ: (8) 190، (12) 267. عبد الرحمن بن أبي قسيمة: (5) 170. عبد الرحمن بن كعب بن عمرو: (9) 229. عبد الرحمن بن كعب بن مالك: (2) 123، 283، (5) 279، (8) 43، 150، 151، (9) 307، (13) 345. عبد الرحمن بن أبي ليلى: (2) 248، (3) 251، (4) 113، 225، (5) 167، 217، (11) 22، 262، 107، 278، 279، 290، (12) 31، (13) 17. عبد الرحمن بن ماعز: (12) 254. عبد الرحمن بن مالك بن جعشم: (2) 156. عبد الرحمن بن مالك المدلجي: (12) 121. عبد الرحمن بن المبارك: (5) 85. عبد الرحمن بن المتوكل: (13) 294. عبد الرحمن بن محمد: (2) 225، (5) 25. عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر: (12) 190. عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن: (11) 49. عبد الرحمن بن محمد المحاربي: (12) 262، 278. عبد الرحمن بن محرز بن حارثة: (5) 367. عبد الرحمن بن المسور: (14) 203، 204. عبد الرحمن بن معاذ: (2) 160. عبد الرحمن بن معاوية: (7) 286، (12) 356، (14) 291. عبد الرحمن بن معمر بن عبد اللَّه: (6) 148. عبد الرحمن بن معن السلمي: (12) 352. عبد الرحمن بن منصور: (13) 264. عبد الرحمن بن مهدي: (2) 264، (4) 336، 370، (6) 78، (7) 66، 332، 370، (8) 22، 75، 149، (9) 258، 275، 362، (11) 83، (12) 274. عبد الرحمن بن مهند: (12) 336. عبد الرحمن بن أبي الموالي: (8) 60. عبد الرحمن بن ميسرة بن أزهر: (12) 256. عبد الرحمن بن مينا: (12) 300. عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة: (8) 255. عبد الرحمن بن هرمز: (4) 295. عبد الرحمن بن واقد: (3) 400. عبد الرحمن بن يزيد: (3) 42، 188، 189، (4) 334، 339، 389، (6) 374، (7) 267، (13) 185، (14) 279. عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: (8) 131، 132، 137، (11) 60، 61، 62، 63، (12) 368. عبد الرحمن بن يزيد المقري: (11) 121. عبد الرحمن بن يعقوب: (3) 123. عبد الرحمن بن يعلى بن كعب: (11) 324. عبد الرحمن بن يونس: (5) 296. عبد الرحيم بن سليمان: (10) 88. عبد الرزاق: (2) 264، (8) 27، 67، 99، 101، 102، 117، 122، 129، 134، 136، 201، 391، (9) 9،
201، 239، 308، 309، 382، (11) 48، 125، 133، 227، 240، 241، 246، 290، 349، (12) 25، 125، 134، 275، 289، 296، 305، 324، (13) 13، 19، 89، 90، 184، 221، 225، 257، 289، 338، 345، 385، (14) 88، 106، 157، 170، 182، 187، 200، 212، 215، 284، 380، 424، 446، 456، 478، 480، 482، 524. عبد السلام: (12) 196، 347. عبد السلام بن حرب: (3) 224، (4) 115، (7) 297. عبد السلام بن عجلان: (3) 233، (11) 145. عبد السلام بن هاشم: (8) 163، (12) 59. عبد الصمد: (12) 5، 122، 272. عبد الصمد بن حبيب الأزدي: (12) 312. عبد الصمد بن حسان: (12) 235. عبد الصمد بن عبد الوارث: (10) 190، (12) 197، 285. عبد الصمد بن محمد السعدي: (4) 89. عبد العزيز: (8) 275، (12) 5، 388، (13) 58، 171، 172. عبد العزيز بن أبان: (3) 273. عبد العزيز بن جمعان: (12) 197. عبد العزيز بن الخطاب: (13) 186. عبد العزيز بن حسين: (10) 324. عبد العزيز بن رافع: (14) 490. عبد العزيز بن رفيع: (12) 384، (14) 8. عبد العزيز بن رمانة: (4) 121، (13) 277. عبد العزيز بن سلمة: (7) 66. عبد العزيز بن صهيب: (2) 164، (5) 123، (7) 40، 54، 73، (9) 270، 350، (10) 246، (12) 122، (13) 23، 139، (14) 222، 469. عبد العزيز بن عبد الصمد: (2) 168، (3) 302. عبد العزيز بن عبد اللَّه: (9) 23. عبد العزيز بن عبد اللَّه بن خالد: (2) 156. عبد العزيز بن عبد اللَّه الأويسي: (12) 65. عبد العزيز بن عبد الملك: (10) 126، 127. عبد العزيز بن عمر: (3) 383، (4) 52، (11) 329. عبد العزيز بن عمران: (4) 52، 53، (12) 151، (14) 304. عبد العزيز الماجشون: (2) 155. عبد العزيز بن محمد: (2) 207، 227، (7) 329، (9) 191، (10) 62، 157، 171، 344، 346، (11) 81، (13) 340، (14) 608. عبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ: (4) 53، (9) 360، (10) 348، (11) 82، 232، (12) 247، 337، (14) 155. عبد العزيز بن محمد بن عبد سهيل: (11) 71. عبد العزيز بن المختار: (10) 292، (13) 218، (14) 518. عبد العزيز بن مسلم: (7) 301، (14) 180، 518. عبد العزيز بن يحيى: (12) 16. عبد العزيز بن أبي حازم: (3) 227، (7) 371، (10) 104، (11) 285. عبد العزيز بن أبي داود: (14) 567. عبد العزيز بن أبي رواد: (7) 55. عبد العزيز بن أبي سلمة: (2) 201، 259،
(9) 31، (10) 305، (11) 309، (12) 283. عبد القدوس بن الحجاج: (12) 275، 340. عبد الكبير البصري: (7) 19. عبد الكريم: (9) 107. عبد الكريم الجزري: (4) 126، (10) 180. عبد الكريم بن الحارث: (14) 199. عبد الكريم الخزار: (5) 303. عبد الكريم بن هلال الجعفي: (5) 239. عبد الكريم بن أبي أمية: (13) 20. عبد اللَّه: (1) 38، 76، 177، (6) 28، (8) 85، 251، 287، 288، (9) 76، 77، 78، 99، 131، 136، 245، 273، 274، 275، 283، 308، 385، (11) 133، 144، 148، 257، 280، (12) 15، 25، 27، 60، 73، 74، 81، 103، 104، 105، 106، 134، 135، 136، 139، 154، 208، 247، 254، 260، 257، 280، 294، 300، 301، 305، 324، 366، 370، 387، 314، (13) 176، 277، (14) 223، 437. عبد اللَّه بن إبراهيم بن قدامة: (11) 180. عبد اللَّه بن أبي ابن سلول: (1) 176، 291، (2) 229، 231، 232، (4) 189، (5) 111، 258، (8) 362. عبد اللَّه بن الأجلح: (4) 283، (8) 312. عبد اللَّه بن أحمد بن جحش: (2) 351، (6) 62. عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: (5) 52، (11) 143، (12) 208، 238، 298. عبد اللَّه بن إدريس: (3) 289، (5) 284، 296، (11) 222. عبد اللَّه بن أذينة: (5) 267. عبد اللَّه بن أريقط: (1) 58، 59، 68، (5) 209، 212. عبد اللَّه بن إسحاق: (7) 110، (11) 38. عبد اللَّه محمد بن إسماعيل: (7) 54. عبد اللَّه بن أبي الأسود: (7) 19، 21، 24، (8) 2. عبد اللَّه بن الأصم: (12) 212. عبد اللَّه بن أم مكتوم: (1) 52، 83، 124، 389. عبد اللَّه بن أبي أمية بن المغيرة: (1) 172، 357، (2) 24، (6) 232، 251، 252، (13) 160. عبد اللَّه بن أنيس: (1) 195، 256، 272، 321، (4) 216، 401، 402، (7) 263، (13) 311، 312، 313، 320، 321. عبد اللَّه بن أبي أوفى: (2) 217، (5) 92، (9) 122، 273، 274، (9) 122، (10) 376، (11) 57، 147، (12) 60، (13) 22، 126. عبد اللَّه بن بجير: (12) 329. عبد اللَّه ابن بحينة: (9) 134. عبد اللَّه بن بدر: (1) 374، (3) 364، (7) 169، 171، (10) 90، 91. عبد اللَّه بن بريدة: (2) 160، 223، 261، 262، 273، 274، 308، (5) 183، 255، (6) 338، 378، (7) 164، (9) 212، 213، (11) 110، 286، 287، 292، (12) 310، 389. عبد اللَّه بن بسر: (2) 161، (6) 376، (7) 342، 343، (12) 293، 294، (14) 199.
عبد اللَّه بن بسير: (7) 315. عبد اللَّه بن بشر: (11) 126، (14) 276. عبد اللَّه بن بشير: (7) 263. عبد اللَّه بن بكر: (5) 85، (11) 57، (12) 60. عبد اللَّه بن أبي بكر: (1) 68، (2) 136، 353، (3) 320، 321، 322، 352، (5) 72، 389، (6) 201، 272، (7) 163، 344، 345، (9) 198، (12) 152، (13) 364، 365، (14) 48. عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم: (2) 225، (9) 208، (12) 146، (13) 326، (14) 24، 474. عبد اللَّه بن أبي بكر الصديق: (9) 149. عبد اللَّه بن أبي بكر بن عمرو: (8) 143. عبد اللَّه بن أبي بكر بن محمد: (3) 71. عبد اللَّه بن أبي بكر المقدمي: (2) 223. عبد اللَّه بن بكير: (11) 287، (12) 15. عبد اللَّه البلوى: (4) 30. عبد اللَّه بن أبي بلال: (8) 86. عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير: (12) 139، (14) 570. عبد اللَّه بن جابر: (3) 237. عبد اللَّه بن جبير بن النعمان: (1) 119، 137، 145، (6) 283، (9) 228. عبد اللَّه بن جحش: (1) 75، 77، 78، 156، 168، 705، (5) 45، (6) 52، 64، 65، 73، 77، 248، 254، 255، (9) 100، 189. عبد اللَّه بن جدعان: (1) 18، (4) 77، (6) 154. عبد اللَّه بن الجراح: (12) 253. عبد اللَّه بن جرير بن جبلة: (8) 74. عبد اللَّه بن جشم بن مالك: (9) 175. عبد اللَّه بن جعفر: (1) 343، (2) 258، (3) 34، 225، (4) 84، 93، 357، 397، (5) 249، 371، (6) 170، 293، (7) 54، 55، 221، 272، 286، 334، (9) 146، 298، 299، (10) 267، 269، (11) 33، 82، 328، (12) 47، (13) 229، 250، 273، 282، (14) 198، 282، 292، 464، 485، 486، 542، 543. عبد اللَّه بن أبي الجعد: (5) 221، (11) 272. عبد اللَّه بن أبي جهم بن حذيفة: (6) 214. عبد اللَّه بن الحارث: (1) 12، (2) 270، 299، (3) 204، 205، 206، 207، 322، (4) 87، (5) 29، 174، (6) 21، 182، 269، 277، (7) 128، 295، (8) 133، (9) 287، (10) 170، (11) 77، 114، (12) 200، 322، (13) 20، 87، (14) 204، 299، 440. عبد اللَّه بن حبان: (13) 191. عبد اللَّه بن حبيب بن أبي ثابت: (4) 291، 314، (7) 175، (12) 237، 253، (14) 145، 161. عبد اللَّه بن حدرد الأسلمي: (2) 11، 26، 56، (5) 116، (8) 389. عبد اللَّه بن حذافة: (1) 304، (2) 45، 116، (6) 49، (10) 61، 62، 63، 65، (11) 240، 241، (12) 127، 128. عبد اللَّه بن حذيفة بن حسن: (9) 322. عبد اللَّه بن حرام: (5) 198. عبد اللَّه بن حسان: (2) 259. عبد اللَّه بن الحسن: (5) 29، 361، (11) 128، (12) 221.
عبد اللَّه بن الحسين بن موسى: (5) 31. عبد اللَّه بن أبي حسين: (14) 532. عبد اللَّه بن حفص: (5) 41، 253. عبد اللَّه بن الحكم: (11) 325، (13) 202، (14) 500. عبد اللَّه بن حميد بن زهير: (1) 151، 152. عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل: (12) 245، 246، (13) 47. عبد اللَّه بن حوالة الأسدي: (13) 202، (14) 191. عبد اللَّه بن خباب بن الأرت: (5) 329، 330، 331، (11) 32، (12) 322، (13) 135. عبد اللَّه بن خبيق: (11) 78. عبد اللَّه بن خيثم: (14) 38. عبد اللَّه بن خراش: (2) 257، (4) 77. عبد اللَّه بن الداناج: (13) 218، 219. عبد اللَّه بن داود: (4) 9، (8) 228. عبد اللَّه بن دياب: (12) 168. عبد اللَّه بن الديلميّ: (4) 20. عبد اللَّه بن دينار: (1) 296، (2) 285، (3) 89، (4) 329، (5) 29، 73، (7) 35، 233، 301، (8) 79، 127، (9) 169، 212، 353، (11) 112، 132، (12) 283، 319، (14) 111، 272، 518. عبد اللَّه بن راشد: (12) 285. عبد اللَّه بن رافع: (3) 304، (12) 328، 329. عبد اللَّه بن أبي رافع: (5) 356، (12) 138، 385. عبد اللَّه بن رباح الأنصاري: (2) 233، (3) 51، (5) 93، 96، 106، (7) 376، (8) 87، (13) 363، 379، 380. عبد اللَّه بن أبي ربيعة: (1) 38، 40، 41، 138، 388، 389، 400، 401، (2) 12، (4) 363، 364، 365، (6) 228، 241، 244، (11) 47. عبد اللَّه بن رجاء: (7) 175، (13) 229، (14) 482. عبد اللَّه بن رفاعة: (8) 22. عبد اللَّه بن رواحة: (1) 54، 103، 104، 117، 176، 193، 219، 239، 271، 272، 322، 332، 338، 339، 340، 341، 342، (2) 160، 229، 230، 266، (4) 395، 403، (5) 106، 297، 232، (6) 173، (8) 344، (9) 19، 148، 308، 309، 313، 382، 383، 385، (10) 41، 42، 75، 84، (11) 310، 315، (13) 359، 363، 364. عبد اللَّه بن الزبير: (2) 186، (3) 24، (4) 106، 222، 246، 247، 407، (5) 363، (6) 203، 277، (8) 228، (9) 33، 136، 337، (10) 97، 264، 345، 355، 356، 357، (12) 64، 94، 135، 245، 250، 254، 255، 259، 260، 261، 271، 278، 355، (13) 4، 246، 264، 389، (14) 157، 158، 182، 183. عبد اللَّه بن زفر: (3) 228. عبد اللَّه بن زرير الغافقي: (7) 135، (12) 219، (14) 127. عبد اللَّه بن زمعة بن الأسود: (6) 300، (14) 457. عبد اللَّه بن زياد: (5) 363، 364، (10) 108، (13) 241، (14) 586. عبد اللَّه بن أبي زياد: (9) 36. عبد اللَّه بن زيد: (1) 163، (7) 9، 74،
(9) 313، (10) 88، 119، 120، 232، (11) 17، (12) 245، 301، (13) 354. عبد اللَّه بن زيد بن أسلم: (4) 123، (7) 72. عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة: (1) 70، 118. عبد اللَّه بن زيد بن عاصم: (1) 162. عبد اللَّه بن زيد الهذلي: (10) 94. عبد اللَّه بن السائب: (4) 110، 288، 291، 299، (7) 182، (8) 145، 146، 148، (10) 307، (11) 59. عبد اللَّه بن ساعدة: (4) 18. عبد اللَّه بن سالم: (2) 203. عبد اللَّه بن سالم الأشعري: (8) 251. عبد اللَّه بن سالم الحمصي: (7) 298. عبد اللَّه بن سرجس: (2) 172، 173، (8) 153، 155، (9) 148. عبد اللَّه بن سعد: (13) 111. عبد اللَّه بن سعد الأسلمي: (2) 214. عبد اللَّه بن سعد بن جابر: (6) 153. عبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح: (1) 385، 398، (9) 334، (13) 110. عبد اللَّه بن سعيد: (4) 66، (7) 261، (8) 27، (12) 236، (13) 359، (14) 144، 274. عبد اللَّه بن أبي سعيد: (3) 350. عبد اللَّه بن أبي السفر: (2) 276، (8) 83. عبد اللَّه بن سلمة: (2) 272، 305، (4) 127، (11) 281، (14) 82. عبد اللَّه بن سلمة العجلاني: (1) 109، (12) 163. عبد اللَّه بن سلمة بن مالك: (10) 5. عبد اللَّه بن سليمان: (4) 270، (11) 92، 129، 177. عبد اللَّه بن سنان بن عقبة: (11) 147. عبد اللَّه بن سهل بن رافع: (1) 179، 244، 303، 397. عبد اللَّه بن سويد: (12) 211. عبد اللَّه بن سلام: (1) 65، 69، 190، 248، (2) 236، (3) 225، 355، (4) 93، 339، 404، 406، 407، (7) 355، (9) 216، 229، (10) 23، (12) 226، 228، (14) 135. عبد اللَّه بن شداد: (2) 249، (3) 16، 366، (7) 128، (6) 10، 91، (11) 93. عبد اللَّه بن شريك: (11) 47. عبد اللَّه بن شقيق: (3) 169، 187، (8) 292، (10) 379، (13) 15. عبد اللَّه بن شهاب الزهري: (1) 147، 151. عبد اللَّه بن أبي شيبة: (5) 183. عبد اللَّه بن صالح: (2) 218، (5) 163، (7) 328، (8) 126، (11) 76، 88، 315، (12) 146، 257، 334، 359، (13) 202. عبد اللَّه بن الصامت: (3) 302، (4) 372، 375، (7) 32، (12) 376، (13) 209، 210، 211. عبد اللَّه بن صفوان: (6) 145، (12) 211، 390. عبد اللَّه بن أبي صعصعة: (11) 333. عبد اللَّه بن طارق: (1) 185، 186، (13) 275. عبد اللَّه بن طاوس: (8) 4. عبد اللَّه بن أبي طلحة: (2) 15، 215، 256، (9) 204، (12) 93. عبد اللَّه بن ظالم: (5) 58. عبد اللَّه بن عامر: (4) 290، 396، (9)
375، (13) 203. عبد اللَّه بن عامر الأسلمي: (7) 338، (10) 208، (12) 378. عبد اللَّه بن عامر بن الجراح: (1) 346. عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة: (7) 390، (9) 105، (11) 47، 48. عبد اللَّه بن عامر بن كريز: (1) 249، (11) 376. عبد اللَّه بن عامر بن يزيد: (4) 303. عبد اللَّه بن عباد الأسدي: (5) 175. عبد اللَّه بن عباس: (1) 21، 31، (2) 144، 186، 258، (3) 229، 322، (4) 13، 20، 36، 249، 255، 259، (5) 8، 72، 92، 115، 148، 174، 337، (6) 20، 91، 166، 170، 271، 276، 358، (7) 252، 304، 305، 306، (8) 274، 294، 298، 302، 309، (9) 33، 52، 68، 69، 76، 84، 136، 195، (10) 285، 382، (11) 27، 79، 98، 136، (12) 15، 125، 138، 206، 295، 300، (13) 243، 340، (14) 301، 463، 464، 467، 479، 480، 511. عبد اللَّه بن عبد الرحمن: (1) 387، (2) 314، (4) 5، 265، 350، (5) 37، 39، 70، (7) 264، 366، 369، (9) 36، 53، 54، (14) 100. عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري: (12) 215، 373، 382. عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر: (6) 43. عبد اللَّه بن عبد الرحمن الطائفي: (2) 264، (11) 325. عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يعلى: (3) 362، (7) 179، (11) 253. عبد اللَّه بن عبد العزّى بن عثمان: (1) 138. عبد اللَّه بن عبد العزيز: (5) 97، (10) 70. عبد اللَّه بن عبد اللَّه: (4) 255، (6) 155، (12) 346. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي: (1) 209، 210. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي أمية: (6) 56. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن الحارث: (13) 20. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه الرازيّ: (3) 39. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن سراقة: (6) 147، 148. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أبي طلحة: (8) 14. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة: (13) 140. عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن نوفل: (5) 379، (9) 286، (13) 79. عبد اللَّه بن أبي عبد اللَّه: (5) 167. عبد اللَّه بن عبد المطلب: (1) 9، (3) 380، 381، (4) 37، 38، 39، 41، 44، 46، 66، 72، (8) 143. عبد اللَّه بن عبد الملك: (4) 129. عبد اللَّه بن عبيد الأنصاري: (5) 298. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه: (10) 52. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي رافع: (7) 285. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عمر: (10) 132، (14) 504. عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مليكة: (3) 306. عبد اللَّه بن عبيد بن عمير: (2) 221. عبد اللَّه بن أبي عبيدة: (9) 106، (12) 199. عبد اللَّه بن عتبة: (4) 396، (9) 116، 394، (11) 360، 361، 362، (12) 309. عبد اللَّه بن أبي عتبة: (2) 202. عبد اللَّه بن عتيك: (1) 195، (2) 46. عبد اللَّه بن أبي عتيق: (7) 46.
عبد اللَّه بن عثمان: (1) 192، (2) 341، (4) 74، (5) 82. عبد اللَّه بن عثمان بن الأرقم: (9) 91. عبد اللَّه بن عثمان الثقفي: (1) 304. عبد اللَّه بن عثمان بن خثيم: (2) 340، (5) 148، 255، (6) 7، 18، (8) 9، 145، (12) 107، 305، (13) 212. عبد اللَّه بن عثمان بن خيثمة: (12) 15. عبد اللَّه بن عثمان بن ربيعة: (6) 268. عبد اللَّه بن عثمان بن أبي سليمان: (4) 52. عبد اللَّه بن عثمان بن عبد اللَّه: (6) 161. عبد اللَّه بن عثمان بن عفان: (5) 355. عبد اللَّه بن عدي: (10) 344، 345، 346، 353، 359، 363. عبد اللَّه بن عروة بن الزبير: (4) 127. عبد اللَّه بن عصمة: (11) 290، (12) 256، (14) 158. عبد اللَّه بن عطاء الهاشمي: (7) 100، (12) 60. عبد اللَّه بن عقيل: (2) 345، (11) 136. عبد اللَّه بن عكرمة بن عبد الرحمن: (12) 279. عبد اللَّه بن علي: (7) 245، (10) 52، (11) 113. عبد اللَّه بن علي الإفريقي: (7) 344. عبد اللَّه بن علي بن الجارود: (9) 351. عبد اللَّه بن علي بن حسين: (11) 81. عبد اللَّه بن علي بن أبي رافع: (6) 345. عبد اللَّه بن علي المديني: (5) 31. عبد اللَّه بن عمار: (1) 304. عبد اللَّه بن عمر: (1) 136، 155، 371، (2) 155، 200، 328، 347، 348، (3) 123، 125، 126، 305، (4) 290، 315، (5) 17، 128، 243، 264، 370، (6) 51، 71، 213، 214، 218، 379، 384، (7) 25، 28، 34، 35، 36، 37، 38، 72، 74، 80، 84، 115، 259، 311، (8) 76، 117، 163، (10) 30، 113، 162، 297، 343، 346، 349، 381، 382، (11) 57، 92، 104، 132، 224، 287، 302، (12) 99، 210، 255، 259، 289، 379، 390، 392، (13) 13، 132، (14) 86، 102، 203، 503، 518. عبد اللَّه بن عمر بن حفص: (14) 104. عبد اللَّه بن عمر بن ربيعة: (14) 423. عبد اللَّه بن عمر العمري: (4) 188، (5) 74. عبد اللَّه بن عمر المدني: (14) 110. عبد اللَّه بن عمرو بن أمية: (12) 172. عبد اللَّه بن عمرو بن حرام: (1) 55، 161، 162، (5) 197، (7) 290، (8) 355. عبد اللَّه بن عمرو بن الزبير: (12) 259. عبد اللَّه بن عمرو بن زهير: (4) 77، 79. عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: (1) 81، (2) 200، 234، 243، (3) 48، 150، 239، 305، (4) 128، 134، (5) 25، (6) 369، (7) 169، (8) 87، (9) 83، 133، 136، (10) 254، 297، (11) 41، 50، 51، 121، 122، 123، (12) 201، 210، 245، 246، 259، 270، 308، 310، 329، 350، 360، 365، 370، 387، 389، (13) 262، 291، 342، (14) 26، 105، 106، 154، 423، 506، 621. عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان: (9) 98. عبد اللَّه بن عمرو بن علقمة المكيّ: (9) 30.
عبد اللَّه بن عمرو بن عوف: (1) 178، (2) 97، (7) 171. عبد اللَّه بن عمرو بن القاضي: (2) 201. عبد اللَّه بن عمرو بن محمد: (3) 396. عبد اللَّه بن عمر الليثي: (12) 176، 208، 209، (13) 374. عبد اللَّه بن عوسجة: (2) 43. عبد اللَّه بن عون: (2) 211، (3) 329، (5) 287، (7) 13، (8) 311، (9) 281، (12) 227، 348. عبد اللَّه بن العلاء: (4) 379، (14) 184. عبد اللَّه بن عياش القتباني: (4) 288، 285، 291، 294، 329، (6) 242، 243، 264، (10) 361، (12) 329. عبد اللَّه بن عياض: (5) 70. عبد اللَّه بن عيسى: (4) 252، 291، (7) 389، (11) 22، (12) 28، 31. عبد اللَّه بن غالب: (3) 226. عبد اللَّه بن الفضل: (10) 305. عبد اللَّه بن الفضل بن عاصم: (11) 332. عبد اللَّه بن فروخ: (3) 224. عبد اللَّه بن أبي فروة: (2) 388. عبد اللَّه بن قتادة: (11) 303. عبد اللَّه بن أبي قتادة: (2) 240. عبد اللَّه بن قتيبة: (12) 390. عبد اللَّه بن أبي قحافة عثمان: (1) 32. عبد اللَّه بن قدامة: (14) 372. عبد اللَّه بن قرط: (2) 276، (5) 266. عبد اللَّه بن قيس: (2) 284، (9) 274، (10) 133. عبد اللَّه بن أبي قيس: (12) 210. عبد اللَّه بن كثير: (4) 291، 298، 299، 324، (10) 233. عبد اللَّه بن كعب: (1) 116، (2) 153، 283، (4) 73، (7) 331، (8) 343، (9) 290. عبد اللَّه بن كعب بن عبد اللَّه: (6) 170. عبد اللَّه بن كعب بن عمرو بن عوف: (1) 95، 112، (9) 229، 290. عبد اللَّه بن كعب بن مالك: (9) 278، 307، (13) 255، 307، 308، (14) 479، 480. عبد اللَّه بن كيسان: (11) 93، (14) 292. عبد اللَّه بن لهيعة: (3) 34، (4) 239، (6) 382، (8) 293. عبد اللَّه بن المبارك: (2) 253، 255، 321، 330، (3) 76، 236، (4) 117، 302، 316، 320، (6) 78، 398، (7) 354، (9) 107، 226، (10) 29، (12) 41، 168، 220، (13) 367، (14) 83، 128، 163. عبد اللَّه بن المثنى: (2) 207، 260، 359، 360. عبد اللَّه المجدع: (6) 281. عبد اللَّه بن محرز: (2) 360. عبد اللَّه بن محصن الحميري: (9) 337. عبد اللَّه بن محمد: (5) 52، 229، (6) 43. عبد اللَّه بن محمد بن إسحاق: (2) 153. عبد اللَّه بن محمد بن ربيعة: (3) 212. عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر: (9) 106. عبد اللَّه بن محمد بن عقيل: (2) 158، 161، 275، 310، (3) 236، (4) 100، (5) 50، (6) 92، (7) 74، (11) 52، 53، 198، (13) 24، 29. عبد اللَّه بن محمد بن عمارة: (11) 334. عبد اللَّه بن محمد بن عمر: (5) 129، (12) 138، (14) 570.
عبد اللَّه بن محمد العمري: (11) 59. عبد اللَّه بن محمد بن المسور: (11) 129. عبد اللَّه بن محمد بن المغيرة: (5) 309، (11) 254. عبد اللَّه بن محمد المنقري: (11) 44. عبد اللَّه بن محمد بن ناجية: (12) 253. عبد اللَّه بن محمد بن يحيى: (2) 348، (3) 16، (11) 198. عبد اللَّه بن محمد بن ياسين: (3) 193. عبد اللَّه بن محيريز: (10) 127، 128، 134. عبد اللَّه بن المختار: (14) 502. عبد اللَّه بن مرة: (10) 356، (14) 86، 437. عبد اللَّه بن مسعدة: (1) 271. عبد اللَّه بن مسعود: (1) 37، 98، 238، (2) 31، 70، 207، 237، (3) 239، 356، (4) 109، 113، 183، 187، 240، 243، 247، 249، 254، 256، 259، 262، 263، 264، 265، 266، 268، 269، 270، 272، 274، 275، 279، 280، 283، 285، 287، 288، 289، 291، 310، 311، 316، 318، 319، 321، 325، 326، 327، 328، 329، 334، 339، 377، 389، (5) 17، 196، 216، 261، 307، (6) 238، 350، (7) 122، 175، 286، 382، (8) 190، 274، 283، 286، 298، 299، 302، (9) 76، 78، 79، 97، 100، 116، 128، 136، 191، 245، 300، 324، (10) 98، 307، 348، 358، 365، (11) 40، 59، 78، 95، 96، 100، 119، 125، 139، (12) 103، 106، 135، 153، 154، 158، 202، 252، 259، 300، 311، 365، 383، 384، 387، (13) 21، 177، 205، 211، 212، 215، 217، 262، (14) 24، 54، 160، 291، 327، 330، 486، 513. عبد اللَّه بن مسلم: (2) 142، (3) 188، 383، (7) 35، (8) 196، (10) 378. عبد اللَّه بن مسلمة: (7) 230، (10) 364، (11) 37، (12) 346، (14) 104، 516، 518. عبد اللَّه بن مطرف: (12) 273، (14) 372. عبد اللَّه بن أبي مطيع: (13) 383، (14) 198. عبد اللَّه بن مظعون الجمحيان: (9) 100. عبد اللَّه بن معاوية: (6) 163، (12) 224. عبد اللَّه بن معتب: (5) 231، (12) 287. عبد اللَّه بن معقل: (9) 271. عبد اللَّه بن معمر العدوي: (9) 149. عبد اللَّه بن مغفل المزني: (2) 49، 69. عبد اللَّه بن مغيث بن أبي بردة الظفري: (12) 287. عبد اللَّه بن المغيرة: (2) 234، 255، 270، 299، (5) 309، (6) 220، 224، (9) 208. عبد اللَّه بن مقسم: (7) 231. عبد اللَّه بن أبي مليكة: (2) 314، (4) 298، (10) 235، (12) 361، (14) 434، 435، 504، 505، 559. عبد اللَّه بن المنذر الأنصاري: (5) 131. عبد اللَّه بن المنذر بن أبي رفاعة: (1) 109. عبد اللَّه بن المؤمل: (12) 314. عبد اللَّه بن موسى: (2) 43، 172، (3) 324، (4) 311، (5) 251، (9) 209، (12) 217.
عبد اللَّه بن موهب: (13) 351. عبد اللَّه بن ميسرة: (2) 174. عبد اللَّه بن ميمون: (7) 56، 117. عبد اللَّه بن نافع: (1) 296، (2) 142، (3) 231، (5) 73، (9) 294، (10) 354، (11) 68، (13) 299، (14) 272. عبد اللَّه بن نبتل بن الحارث: (2) 76، 78. عبد اللَّه بن أبي نجيح: (4) 360، (9) 195. عبد اللَّه بن نمير: (2) 251، (5) 178، 253، (6) 234، (9) 212، (11) 255، 320، (12) 9، 208، 279. عبد اللَّه بن أبي نمر: (4) 242. عبد اللَّه بن هاشم: (13) 380. عبد اللَّه بن هبيرة: (11) 51. عبد اللَّه بن أبي الهذيل: (4) 256. عبد اللَّه بن هشام: (4) 397، (12) 48، 49، 50، (13) 173. عبد اللَّه بن همام: (7) 68. عبد اللَّه الهمدانيّ: (13) 215، 216. عبد اللَّه الوقاص: (5) 83. عبد اللَّه بن وهب: (1) 252، (2) 142، 241، (3) 304، (4) 67، (5) 277، (7) 47، (8) 99، 117، 128، 150، 254، (9) 282، (10) 61، 62، 233، 285، (11) 121، (12) 48، 239، 325، 370، 390، (13) 45، 213، 280، 322، (14) 107، 147، 199، 263، 562. عبد اللَّه بن ياسر: (9) 107. عبد اللَّه بن يحيى: (5) 266، (10) 310. عبد اللَّه بن يزيد: (2) 166، 255، (3) 125، 150، (4) 18، (5) 90، 282، (6) 271، (7) 15، (8) 158، (9) 84، 325، (11) 77، 122، (12) 203، 231، 246، 350، 365، (13) 277، 383، (14) 11، 139، 174، 517. عبد اللَّه بن يسار: (5) 68، (7) 213. عبد اللَّه بن يعلى: (5) 255. عبد اللَّه بن يوسف: (2) 142، 203، (4) 250، (5) 171، (11) 28، 77، (12) 210، 258، 297، (14) 192. عبد اللَّه بن يونس: (3) 15. عبد المجيد بن عبد العزيز: (5) 46، (7) 331، (14) 495. عبد المجيد بن أبي داود: (12) 285. عبد المجيد بن أبي عيسى: (5) 319. عبد المطلب: (1) 8، (2) 139، (4) 34، 35، 36، 42، 46، 55، 57، 67، 68، 69، 71، 72، 75، 76، 77، 78، 82، 88، 92، 95، 96، 97، 98، 99، (6) 177، 271، 340، (9) 205. عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث: (5) 379، 381، (9) 285، 286، 287. عبد المطلب بن هاشم: (1) 50. عبد الملك: (12) 34، 242. عبد الملك بن إبراهيم بن جبر: (12) 5. عبد الملك بن جريج: (9) 29، (14) 574. عبد الملك بن حرب بن عبد الملك: (7) 206. عبد الملك بن حسين: (7) 113، (11) 50. عبد الملك بن حميد بن أبي غنية: (12) 295. عبد الملك بن سعيد بن سويد: (3) 77. عبد الملك بن سليم: (3) 329. عبد الملك بن سليمان: (7) 255، (13) 128.
عبد الملك بن شريك: (9) 32. عبد الملك بن شعيب بن الليث: (13) 373. عبد الملك بن شقيق: (2) 207. عبد الملك بن عامر: (13) 202. عبد الملك بن عبد العزيز: (6) 384، (12) 139. عبد الملك بن عبد الملك: (5) 54. عبد الملك بن عمرو: (12) 383. عبد الملك بن عمير: (2) 152، 209، 267، 268، (5) 236، (6) 8، (8) 75، 83، (12) 217، 218، 251، 302، 346، 348، (14) 159، 188. عبد الملك بن عيسى: (3) 362. عبد الملك بن الماجشون: (11) 31. عبد الملك بن محمد: (12) 127. عبد الملك بن مروان: (2) 144، (4) 66، (6) 145، 298، (10) 109، (12) 81، 229، 272، 356. عبد الملك بن ميسرة: (3) 212، 213، (7) 376، (8) 228. عبد الملك بن نافع: (7) 362، 363. عبد الملك بن نمير: (12) 33. عبد الملك بن هارون بن عنترة: (12) 116. عبد الملك بن وهب: (5) 204. عبد الملك بن أبي بكر: (10) 229، 230. عبد الملك بن أبي سليمان: (5) 308، (12) 284. عبد الملك بن أبي نضرة: (13) 345. عبد المهيمن بن سهيل بن سعد: (12) 110. عبد المهيمن بن عباس بن سهل: (7) 197، (11) 145. عبد المؤمن بن خالد: (6) 378، (12) 16. عبد الواحد بن أيمن: (5) 46، 75، 154. عبد الواحد بن زياد: (2) 281، (3) 48، 365، (5) 69، 219، (11) 35، 262، (12) 99، 212. عبد الواحد بن زيد: (11) 324. عبد الواحد بن سليمان: (14) 507. عبد الواحد بن قيس: (12) 324. عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن: (11) 49. عبد الواحد النصري: (12) 365. عبد الواحد بن واصل: (7) 326. عبد الواحد بن أبي عون: (3) 325، (4) 357، (9) 321، (13) 282. عبد الوارث: (8) 284، (9) 86، 212، 213، (10) 190، (12) 14، 358، (13) 171، 362، (14) 278، 467. عبد الوارث بن سعيد: (4) 302، (6) 318، (7) 365، (10) 362. عبد الوارث بن سفيان: (10) 356، (13) 262. عبد الوهاب: (8) 290، (12) 60، 137، 198. عبد الوهاب الثقفي: (2) 155، 248، (7) 237، (8) 72، (13) 173. عبد الوهاب بن مجاهد: (11) 39، 40. عبد الوهاب بن عطاء: (4) 238، (8) 262، (12) 7، 60، 297، 311، (13) 158، 262، (14) 101، 517. عبدان: (9) 346، (12) 106. عبدان بن أحمد: (11) 79. عبدة: (12) 291، 359، (13) 297. عبدة بن سليمان: (5) 302، (13) 39، (14) 462. عبدة بن عبد اللَّه: (2) 282، 330. عبدة بن هشام: (2) 277. عبدة بن أبي لبابة: (9) 34.
عبيد: (9) 235، (12) 4، 336. عبيد بن إسحاق: (7) 83. عبيد بن أوس بن مالك بن سواد بن كعب: (12) 167. عبيدة بن الجراح: (7) 319. عبيد بن جريج: (7) 28، 67، 75، 111، 112، 113، 114. عبيد بن حنين: (7) 120، (14) 424. عبيد بن خلصة: (14) 110. عبيد بن رفاعة: (11) 315، 316. عبيد بن زيد بن عامر: (1) 93، (5) 139. عبيد بن السباق: (4) 243، (7) 327. عبيد بن سعيد بن العاص الأموي: (2) 221. عبيد بن شريك: (14) 462، 265. عبيد بن صخر: (14) 526. عبيد بن عبد الواحد: (3) 79. عبيد بن عمرو بن علقمة: (1) 119. عبيد بن عمير: (2) 256، 328، (3) 24، 293، 312، 313، 329، (4) 78، 106، 253، 298، 339، (10) 119، 169، (13) 182. عبيد بن أبي عبيد: (3) 324. عبيد بن القاسم: (7) 315، (9) 320. عبيد بن أبي قرة: (12) 298. عبيد بن كثير بن عبد الواحد العامري: (12) 221. عبيد بن محمد البلوي: (4) 29. عبيد بن نضلة: (4) 291، 311. عبيد بن واقد: (10) 190. عبيد بن ياسر بن نمير: (2) 67، (7) 209. عبيد بن يحيى: (5) 139، (12) 149. عبيد اللَّه: (8) 167، (9) 191، (12) 221، (14) 302، 303. عبيد اللَّه بن الأخنس: (11) 224. عبيد اللَّه الأشجعي: (5) 145. عبيد اللَّه بن إياد: (2) 173، 275، (5) 215، (6) 293. عبيد اللَّه بن بريدة: (2) 272، 306. عبيد اللَّه بن جعفر بن أبو طالب: (6) 167. عبيد اللَّه الخولانيّ: (6) 91. عبيد اللَّه بن زحر: (2) 288، (12) 89، 90. عبيد اللَّه بن زياد: (4) 116، (12) 234، 249، 250. عبيد اللَّه بن سعيد: (9) 77. عبيد اللَّه بن سلام: (9) 146. عبيد اللَّه ابن عائشة: (5) 286. عبيد اللَّه بن عبد الرحمن: (6) 152. عبيد اللَّه بن عبد العزيز: (14) 580. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه: (1) 221، (2) 163، 227، 232، 290، 306، (3) 230، (4) 247، (6) 379، (7) 77، 79، (10) 328، (14) 430، 433، 459، 460، 462، 463، 469، 484، 493، 533، 589. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس: (7) 259، (14) 211، 212. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة: (1) 220، (2) 209، 244، 272، (5) 23، (7) 8، 135، 257، (8) 19، 99، 147، (9) 283، (11) 240، (12) 125، (14) 169، 272، 273، 438، 446. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه العتكيّ: (11) 146. عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر: (13) 45. عبيد اللَّه بن عثمان بن خيثم: (11) 309. عبيد اللَّه العرني: (9) 29. عبيد اللَّه بن عطاء بن إبراهيم: (3) 219. عبيد اللَّه بن كثير: (12) 222.
عبيد اللَّه بن عكراش: (7) 281. عبيد اللَّه بن علي بن رافع: (8) 35. عبيد اللَّه بن عمر: (2) 162، 274، 275، 308، 310، (4) 255، (5) 52، 87، 331، (6) 214، (7) 369، (8) 114، 117، 120، (9) 32، 33، 83، 130، 190، 352، 362، 391، (11) 46، 47، 48، (12) 283، (13) 299، (14) 474، 614، 617. عبيد اللَّه بن عمر القواريري: (11) 378. عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة: (4) 113. عبيد اللَّه بن عمرو: (3) 236، (5) 50، (7) 80. عبيد اللَّه بن عمير الليثي: (13) 75. عبيد اللَّه بن العلاء: (4) 29، 30. عبيد اللَّه بن كعب: (8) 169، (13) 298. عبيد اللَّه بن معاذ: (7) 16، 304، (12) 223، 252، (14) 131، 160. عبيد اللَّه بن معمر: (10) 157. عبيد اللَّه بن المغيرة: (6) 398. عبيد اللَّه بن موسى: (2) 152، 170، (5) 196، 198، (6) 9، 104، 126، (12) 6، 369، (13) 205. عبيد اللَّه بن الهذيل: (14) 304. عبيد اللَّه بن الوليد: (2) 221، (4) 5. عبيد اللَّه بن أبي بكر بن أنس: (7) 290، (12) 190، (14) 295. عبيد اللَّه بن أبي رافع: (6) 310، 312، 313، (9) 50، (11) 232، (13) 378. عبيد اللَّه بن أبي زياد: (6) 48، (7) 369. عبيد اللَّه بن أبي يزيد: (6) 358، (12) 13. عبيدة: (1) 104، (9) 121، (12) 253، 366. عبيدة بن الحارث: (1) 72، 104، 117، (3) 380، (6) 52، 169، (7) 165. عبيدة بن حسان بن ثابت: (6) 263. عبيدة أبو خداش: (7) 61. عبيدة بن سعيد بن العاص: (1) 96، 109، (7) 156. عبيدة السلماني: (2) 320، (12) 253، 366، (13) 33. عتاب بن أسيد: (2) 10، 36، (9) 148، 383، (10) 127، (12) 176. عتبان بن مالك: (8) 230، (13) 21. عتبة: (1) 86، 90، 104، (12) 141، 149. عتبة بن الأزهر: (12) 155. عتبة بن ربيعة: (1) 42، 88، 102، 116، (3) 29، 376، 380، (4) 228، 342، 343، 344، (6) 239، (9) 180، 194، (12) 102، 103، 105، 106، 107، 148، 160، 162، 271. عتبة بن عبد: (3) 34. عتبة بن عبد اللَّه: (5) 22، (8) 14. عتبة بن عبد الملك: (2) 204. عتبة بن عمرو بن جحدم: (12) 169. عتبة بن غزوان: (1) 72، 77، (4) 387، (6) 194، 331. عتبة بن فرقد: (4) 396، (11) 364، 365. عتبة بن مروان: (7) 206. عتبة بن مسعود: (1) 146. عتبة بن مسلم: (3) 79، (5) 116. عتبة بن الوليد: (6) 376. عتبة بن أبي حكيم: (10) 74. عتبة بن أبي سفيان: (6) 261، (7) 222. عتبة بن أبي العاص: (4) 400.
عتبة بن أبي عتبة: (5) 115، 116. عتبة بن أبي وقاص: (1) 151. عتبة بن عائذ بن عبد اللَّه: (6) 27. عثمان: (1) 350، (9) 31، 33، 35، 83، 128، 130، 135، 168، 218، 220، 231، 287، 289، 335، (11) 180، 337، (12) 80، 115، 196، 221، 266، 283، (13) 5، 19، 20، (14) 34، 38، 205، 206، 207، 208، 215، 301، 302. عثمان بن أحمد: (10) 318. عثمان بن الأسود: (10) 221. عثمان بن بشر: (11) 325. عثمان الجزري: (5) 268، (13) 257. عثمان بن حكيم: (5) 253، (10) 370، (11) 34، 35، 320. عثمان بن حنيف: (10) 312، (11) 325، 326، 327، 328، (13) 232، 234، 238. عثمان بن الحويرث: (5) 311، (6) 255. عثمان بن زائدة: (14) 548. عثمان بن السائب: (10) 125، 127، 128، 134. عثمان بن سراقة: (6) 148. عثمان بن سعد: (7) 137، (8) 163، 164. عثمان بن سعيد الدارميّ: (3) 319، (6) 11، (12) 256، (14) 94. عثمان بن سعيد بن كثير: (7) 263، (14) 276. عثمان بن أبي سليمان: (10) 172. عثمان الشحام: (13) 225، 226، (14) 371. عثمان بن الشريد: (9) 189. عثمان بن صالح: (13) 208. عثمان بن الضحاك بن عثمان: (12) 190. عثمان بن طالوت: (12) 283. عثمان بن عامر بن كعب: (6) 167. عثمان بن عبد الحميد بن لاحق: (12) 282. عثمان بن عبد الرحمن: (4) 315، (5) 70، (8) 103، 208. عثمان بن عبد اللَّه بن عزيز: (2) 155. عثمان بن عبد اللَّه بن المغيرة: (1) 76، 155، (6) 147. عثمان بن عبد اللَّه بن موهب: (7) 65. عثمان بن عبد الملك: (2) 169. عثمان بن عبد الوهاب: (11) 322. عثمان بن عروة بن الزبير: (12) 117، 118. عثمان بن عطاء: (3) 230، (4) 194، (8) 94. عثمان بن عطية: (5) 17. عثمان بن عفان: (1) 33، 37، 68، 69، 112، 128، 178، 197، 239، 253، 275، 288، 289، 290، 296، 297، 306، 308، 383، 399، (2) 14، 48، 49، 259، (3) 316، 397، 404، (4) 66، 127، 239، 240، 242، 246، 247، 248، 259، 263، 265، 269، 270، 271، 272، 273، 280، 281، 285، 286، 289، 290، 291، 304، 310، 314، 317، 318، 319، 321، 322، 323، 325، 326، 327، 394، 405، (5) 56، 57، 58، 59، 76، 78، 79، 81، 173، 186، 230، 295، 297،
298، 319، 344، 346، 350، 355، 382، (6) 34، 43، 46، 49، 50، 64، 67، 74، 75، 101، 151، 153، 157، 158، 168، 180، 186، 291، 292، 307، 311، 313، 341، 347، 356، 369، (7) 4، 36، 38، 39، 47، 107، 155، 156، 209، 222، 231، 259، 298، (8) 352، 363، 392، (9) 115، 116، 136، 189، 227، 231، 252، 283، 294، 334، (10) 6، 75، 89، 91، 97، 98، 108، 131، 177، 297، (11) 134، (12) 81، 59، 260، 355، (13) 111، 143، 149، 191، 198، 199، 200، 201، 202، 203، 204، 205، 208، 209، 213، 214، 215، 218، 222، 225، 231، 233، 234، 235، 240، 241، 242، 244. عثمان بن عمر: (5) 48، (8) 326، (11) 135، 325، (13) 21. عثمان بن عمرو: (7) 49. عثمان بن غياث: (12) 4، (13) 198. عثمان بن فرقد: (14) 585. عثمان بن كعب: (2) 201. عثمان بن مالك: (13) 283. عثمان بن محمد: (9) 107. عثمان بن المخارق: (8) 152. عثمان بن مسلم: (8) 76. عثمان بن مطر: (2) 207، (4) 112. عثمان بن مطيع: (14) 47. عثمان بن مظعون: (6) 31، 183، (9) 91، 99، 107، 115، 153، 189، (14) 21. عثمان بن المغيرة: (4) 68، 72، (5) 176، (6) 227، (9) 178. عثمان بن موهب: (7) 68، (11) 33، 34. عثمان بن نعيم الرعينيّ: (12) 98. عثمان بن هشام بن المغيرة: (6) 228. عثمان بن الهيثم: (14) 46. عثمان بن وهب: (2) 29، (9) 298. عثمان بن أبي سليمان: (2) 351، (7) 286، (9) 373، (14) 291. عثمان بن أبي شيبة: (2) 345، (3) 236، (5) 246، 275، (12) 249. عثمان بن أبي طلحة: (1) 142، 224، 335، 391، 392، 394، (2) 110، (4) 387، 403، (6) 155، 244. عثمان بن أبي العاتكة: (2) 254، (9) 312، (12) 89. عثمان بن أبي العاص: (2) 85، 86، 87، (4) 52، 395، (8) 48، (9) 148، (11) 253، 322، 323، 324، 325، (12) 331. عثمان بن أبي العالية: (11) 82. عثمان بن أبي عفان: (9) 95. عدّاس: (1) 86. عدي بن حاتم: (2) 46، 101، (4) 404، (9) 377، (12) 284، (13) 246، (14) 59، 60، 190. عدي بن ثابت: (9) 325، (10) 38، (14) 174. عدي بن الربيع: (5) 346. عدي بن ربيعة: (3) 367. عدي بن عدي بن عميرة: (4) 283. عدي بن كعب: (2) 276. عدي بن نوفل بن عبد مناف: (6) 193،
194. عدي بن أبي الزغباء: (1) 82، 84، 96. عارم بن الفضل: (7) 105. عرابة بن أوس: (1) 136. عراك بن مالك: (5) 23، (6) 398. العرباض بن سارية: (2) 49، 69، (3) 145، 170، (4) 54، (8) 86، (11) 223، (12) 351، 352، (14) 52، 53. عرفة بن الحارث: (9) 162. عروبة بن سعيد: (5) 116. عروة: (2) 161، (8) 16، 17، 21، 34، 47، 53، 81، 99، 101، 103، 134، 199، 294، 318، (9) 10، 11، 15، 31، 32، 109، 200، 226، 248، 276، 353، 382، (11) 130، 194، (12) 42، (13) 14، 15، 33، 96، 108، 120، 155، 157، 158، 161، 203، 219، 220، 221، 223، 224، 273، 373، 376، 390، 391، (14) 21، 30، 180، 420، 437، 439، 441، 442، 490، 494، 502، 542، 544، 553، 581، 604. عروة البارقي: (12) 43. عروة بن ثابت: (7) 365، (11) 346. عروة بن الجعد: (12) 45. عروة بن رويم: (2) 353، (3) 169. عروة بن الزبير: (1) 32، 41، 275، (2) 84، 192، 206، 213، 229، 241، 295، (3) 3، 13، 28، 30، 36، 46، 56، 57، 60، 65، 66، 67، 68، 70، 96، 320، 328، (4) 72، 121، 124، 127، 239، 249، 250، 251، 293، 314، 337، 339، (5) 7، 108، 109، 112، 381، (6) 45، 101، 382، (7) 178، 228، (8) 93، 316، 322، (9) 9، 24، 51، 197، 287، 297، 310، 369، (10) 26، 213، 216، 344، 366، (11) 113، 194، 195، 248، (12) 121، 139، 145، 170، 245، 323، 324، 379، (13) 39، 43، 314، 391، (14) 28، 153، 170، 180، 430، 460، 464، 501، 517، 556، 604. عروة بن عبد اللَّه بن قشيرة: (5) 28. عروة بن مسعود: (1) 286، (2) 84، 85، (4) 387، 404، (6) 162، (7) 187، 179، 181، (10) 305، (14) 28، 30. عروة بن المغيرة: (6) 391. عزرة بن ثابت الأنصاري: (7) 96، (11) 349، (14) 174. عزرة بن قيس: (13) 195. عزيز بن مالك: (9) 283. عسل بن سفيان: (3) 228. عصمة بن سليمان الخزار: (5) 225. عطاء: (1) 23، (8) 11، 126، 288، (9) 24، 72، (11) 256، 263، 315، 352، 389، (12) 134، 168، (13) 26، 75، 76، 86، 118، 135، 213، 287، 363، (14) 443، 449، 556. عطاء بن خالد: (9) 91. عطاء الخراساني: (2) 314، (3) 114، (10) 94، (14) 217. عطاء بن السائب: (3) 43، 54، 190، 317، (4) 133، 290، 291، 310، (5) 25، 41، 91، 229، 253، 254، 352، (6) 327، 335، (8)
259، 275، (11) 321، 381، (12) 295، 339، (13) 145، 231، (14) 90. عطاء بن عباد: (4) 53. عطاء بن عجلان: (6) 11، (9) 319. عطاء بن مسلم: (12) 22. عطاء بن مسلم الحلبي: (12) 201. عطاء بن مسلم الخفاف: (12) 240. عطاء بن المسيب: (7) 377. عطاء بن ميمونة: (2) 274، 310. عطاء بن يسار: (2) 201، 245، 247، (3) 144، (4) 53، 79، 123، 133، 242، (5) 106، 385، (7) 32، 86، (9) 90، (10) 366، (12) 114، 340، 353، 381، (13) 322، 325. عطاء بن أبي رباح: (2) 332، (3) 49، 76، (4) 79، 91، 96، 100، 297، (5) 63، 271، 383، (6) 369، 370، 375، (7) 3، 187، (10) 220، 345، 356، 357، (11) 177، 313، (12) 22، (13) 213، (14) 8. عطاء بن أبي مروان الواسطي: (5) 111، (12) 245. عطاء بن أبي ميمونة: (6) 357، 358. عطارد بن حاجب بن زرارة: (2) 38. عطاف بن خالد المخزومي: (4) 14، (8) 61، (14) 103. عطية: (9) 319، 320، (12) 276. عطية بن الحارث: (14) 417. عطية بن سعد: (5) 377، (10) 181. عطية الصفار: (11) 86. عطية بن عبد اللَّه بن أنيس: (13) 309، 321. عطية العوفيّ: (4) 340، (5) 13، (9) 320، (12) 296، (13) 16. عطية بن قيس: (1) 354، (12) 210. عفان: (8) 24، 145، 259، 292، (9) 271، (11) 45، 149، 312، (12) 45، 140، 212، 241، (14) 497. عفان بن مسلم: (4) 257، (5) 69، 183، 259، 387، (7) 206، 289، (11) 309، (12) 51، 282، 292، (14) 214، 508، 518. عفير بن معدان: (12) 210. عقبة: (12) 164. عقبة بن الحارث بن عامر: (1) 187. عقبة بن خالد: (7) 34، 205. عقبة بن زيد: (1) 231. عقبة بن صهبان: (13) 222. عقبة بن عامر الجهنيّ: (3) 302، 303، (4) 290، (6) 51، 74، 384، (7) 222، 223، (9) 84، (10) 254، (11) 144، (12) 98، 299، (14) 104، 126، 266، 267. عقبة بن علقمة: (12) 210. عقبة بن عمرو: (3) 65، 70، (13) 270. عقبة بن مسعود: (9) 161. عقبة بن معتب: (13) 213. عقبة بن مكرم: (2) 297، (11) 317، 323. عقبة بن نافع: (11) 96. عقبة بن وشاح الأزدي: (2) 234. عقبة بن وهب: (1) 152. عقيل: (1) 59، (8) 81، 112، 113، 115، 120، 150، 231، 250، 316، (9) 15، 31، 32، 84، 200، 237، 247، 285، 351، (11) 194، 264، (12) 8، 121، 167، 324،
373، (13) 112، 113، 148، 157، 158، 220، 221، (14) 320، 438، 460، 493، 511، 512، 546. عقيل بن خالد: (1) 188، (4) 67، 263، (8) 16، (10) 344، 346، (13) 220، 370، (14) 462، 501. عقيل بن شهاب: (10) 366. عقيل بن طلحة السلمي: (3) 210. عقيل بن أبي طالب: (4) 100، (6) 276، (9) 149، 282، (12) 164، 169. عقيل بن أبي وقاص: (4) 20، 21. عكاشة بن محصن: (1) 76، 110، 150، 252، 263، 265، (5) 44، (7) 200، (9) 277. عكرمة: (1) 64، 386، (8) 9، 11، 56، 74، 94، 135، 154، 168، 201، 206، 228، 277، 285، 293، 294، 297، 299، 341، (9) 4، 11، 33، 52، 71، 75، 86، 87، 202، 243، 272، 360، (11) 277، (12) 14، 15، 16، 19، 78، 126، 127، 137، 143، 152، 187، 189، 198، 244، 248، 253، 372، (13) 10، 11، 12، 30، 65، 110، 152، 184، 256، 305، (14) 14، 16، 49، 152، 156، 161، 257، 264، 271، 288، 292، 297، 371، 417، 439، 440، 456، 532، 551، 552، 553، 566، 568، 573، 582. عكرمة بن خالد: (4) 291، 302، (9) 130، (13) 19. عكرمة بن سليمان: (4) 324. عكرمة بن عامر العبدري: (4) 71، 72، 73. عكرمة بن عبد اللَّه بن عباس: (1) 119، (9) 71. عكرمة بن عمار: (2) 195، 243، 251، (5) 49، 78، 108، (6) 67، 68، 71، 75، 77، 78، (8) 343، (9) 212، 246، 275، (11) 253، 289، 352، 386، (12) 97، 98، 137، 138، (13) 340. عكرمة بن عمرو: (7) 340. علباء بن أحمر: (10) 370، (11) 346، (14) 174، 574. علبة بن زيد الحارثي: (2) 49، (7) 321. علقمة: (8) 288، (9) 31، 77، 78، 322، 323، (11) 154، (12) 301، (13) 4. علقمة بن عبد اللَّه المزني: (9) 271. علقمة بن عبدة التميمي: (7) 142. علقمة بن قيس: (3) 343، (4) 291، 305، 311. علقمة الليثي: (2) 161. علقمة بن مجزر المدلجي: (2) 45، (10) 62، 63، 65. علقمة بن مرثد: (9) 222، (14) 570. علقمة بن نصر: (14) 192. علقمة بن وائل: (8) 3، (9) 358. علقمة بن وقاص: (3) 47، (7) 259. علقمة بن أبي علقمة: (7) 222، (9) 31. علي: (1) 32، 34، 53، 64، 68، 74، 95، 96، 103، 104، 106، 109، 110، 116، 214، 236، 309، 310، 311، 323، 352، (2) 7، 15، (6) 286، (8) 75، 76، 154، 156، 304، 344، 359، (9) 32، 37، 92، 128، 130، 131، 132،
168، 198، 199، 214، 220، 282، 287، (11) 4، 5، 36، 54، 89، 81، 82، 95، 108، 119، 125، 128، 155، 178، 278، 279، 280، 281، 285، 286، 287، 288، 289، 290، 291، 292، 293، 295، (12) 22، 134، 138، 158، 166، 192، 196، 198، 199، 201، 206، 207، 211، 221، 231، 236، 250، 257، 279، 366، (13) 80، 114، 184، 186، 187، 214، 225، 237، 238، 240، 241، 242، 244، 245، 246، 250، 254، 269، 333، 334، 345، 377، 378، (14) 28، 139، 144، 150، 158، 215، 301، 372، 417، 437، 456، 478، 479، 480، 481، 483، 484، 572، 575، 587. علي بن أحمد بن عبدان: (14) 463، 464. علي بن إسماعيل بن أبي النجم: (14) 207. علي بن الأقمر: (7) 334، (13) 89. علي بن أمية بن خلف: (1) 88. علي بن ثابت الجزري: (5) 385. علي بن جرير: (8) 279. علي بن الجعد: (2) 218، (7) 71. علي بن جعفر: (11) 178. علي بن حجر: (11) 128، 359، (14) 198، 469. علي بن حرب: (4) 6، 60. علي بن الحسن: (3) 290، (4) 320. علي بن الحسن بن شقيق: (5) 195، (7) 85. علي بن الحسن بن علي: (11) 113. علي بن الحسين: (1) 64، (2) 282، (3) 291، 396، (5) 7، 8، 9، 365، (6) 269، (7) 7، 135، 136، (9) 35، (10) 151، 210، 213، (11) 82، 92، 128، 135، 178، 181، (13) 24، (14) 570. علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: (3) 239. علي بن الحسين بن واقد: (2) 217، 261. علي بن الحكم: (3) 289، (12) 277. علي بن الحكم البناني: (12) 277. علي بن الحكم السلمي: (4) 395. علي بن حمزة: (4) 132، (5) 128. علي بن أبي حملة: (7) 69. علي بن خشرم: (2) 251، 279، (4) 112، (11) 116. علي بن رباح: (2) 289، (3) 314، (4) 287. علي بن الربيع بن الركين: (4) 352. علي بن ربيعة: (7) 214، (8) 156. علي بن زيد: (2) 145، 221، (4) 256، 314، (5) 35، 249، 387، (6) 180، (7) 5، 242، 292، 300، 373، 374، 375، (8) 90، 97، 100، 280، (9) 312، (10) 210، 359، (11) 311، (12) 168، 220، 224، 272، 279، 296، 331، 383، (14) 132، 207. علي بن سعيد الرازيّ: (6) 78. علي بن سليمان: (9) 69. علي بن شهاب: (11) 278. علي بن صالح: (2) 324، (3) 323، (9) 29، (12) 301. علي بن أبي طالب: (1) 33، 34، 56، 57، 73، 75، 83، 116، 124،
135، 142، 148، 157، 193، 268، 269، 333، 350، 389، (2) 12، 14، 17، 28، 45، 46، 50، 64، 93، 94، 95، 97، 102، 115، 121، 131، 135، 136، 137، 154، 155، 158، 161، 163، 164، 166، 168، 169، 176، 178، 209، 262، 271، 275، 284، 304، 314، 343، 386، (3) 53، 101، 116، 322، 327، 337، 402، (4) 105، 118، 239، 242، 246، 248، 259، 268، 288، 290، 291، 292، 310، 311، 314، 316، 321، 322، 323، 325، 326، 351، 353، 370، 394، 399، 405، 406، (5) 26، 27، 28، 30، 32، 54، 57، 58، 59، 104، 125، 127، 173، 174، 176، 230، 268، 271، 351، 352، 353، 367، 369، 379، 384، 385، 386، (6) 9، 20، 56، 71، 142، 153، 158، 161، 168، 173، 191، 207، 243، 245، 249، 261، 273، 276، 292، 293، 296، 298، 310، 312، 313، 324، 326، 332، 389، (7) 4، 56، 68، 107، 128، 136، 142، 148، 155، 162، 166، 167، 168، 170، 172، 175، 194، 214، 221، 243، 269، 297، 298، 325، 328، 337، 376، 377، 385، (8) 138، 275، 340، 375، 376، 388، 390، (9) 27، 35، 83، 92، 93، 95، 136، 192، 194، 196، 198، 227، 229، 286، 287، 334، 368، 376، (10) 4، 5، 60، 66، 86، 121، 145، 183، 256، 267، 269، 279، 297، 359، (11) 69، 135، 180، 284، 285، 286، (12) 35، 36، 138، 162، 206، 219، 221، 222، 256، 276، 355، 357، 363، (13) 105، 147، 177، 217، 232، (14) 27، 127، 301، 321، 407 ، 479، 481، 570، 583. علي بن أبي طلحة: (3) 90، 319، (5) 24، (12) 146. علي بن عاصم: (2) 256، (5) 298، (7) 290، (10) 362، (12) 128، 333، (14) 295. علي بن عبد العزيز: (5) 223، (13) 22، علي بن عبد اللَّه: (6) 323، (9) 349. علي بن عبد اللَّه البارقي: (8) 155. علي بن عبد اللَّه بن عباس: (4) 125، (5) 72، (7) 224. علي بن عبد اللَّه الغطفانيّ: (12) 218. علي بن عبيد: (4) 120. علي بن عطاء: (12) 62، 63. علي بن عمر بن الحسين: (4) 100. علي بن عمر بن علي: (4) 196. علي بن عمرو: (13) 96. علي بن عيسى: (4) 32. علي بن أبي العاص بن الربيع: (5) 355. علي بن قادم: (5) 240. علي بن المبارك: (3) 30، (4) 336، 337، (9) 33، 212. علي بن محمد الحميدي: (11) 119. علي بن محمد بن عبيد اللَّه: (2) 383، (5) 55.
علي بن مدرك: (3) 400، (12) 367، (14) 262. علي بن المديني: (3) 47، (4) 57، (5) 185، (6) 75، (8) 135، (9) 362، (12) 285، 371. علي بن مسلم: (8) 228. علي بن مسهر: (2) 215، 226، (3) 16، 45، (4) 127، 339، 341، (7) 307، (10) 159، (12) 74، 243، (13) 383، (14) 151. علي بن المنذر: (10) 181. علي بن موسى: (9) 209. علي بن ميمون: (11) 96. علي بن نجيح القطان: (5) 230. علي بن هاشم بن البريد: (12) 221. علي بن يزيد: (3) 96، (5) 131، 183، (7) 244، (11) 82، (12) 89، 90. علي بن يزيد بن عبد الملك الألهاني: (12) 89، 90. عمار: (9) 95، 97، 106، 107، 114، 223، 225، 330، (12) 197، 198، 200، 201، 241، (13) 110. عمار الذهني: (7) 159، (12) 202، (13) 228. عمار بن زريق: (7) 389. عمار بن سيف: (12) 330. عمار بن عروة بن الزبير: (3) 36. عمار بن معاوية: (13) 228. عمار بن ياسر: (1) 36، 44، 56، 98، 109، 178، 199، 200، 203، 399، (2) 53، 74، 75، 342، (4) 210، 404، 406، (6) 253، (7) 167، 240، 345، (8) 365، (9) 96، 102، 106، 107، 128، 146، 189، 191، 327، 352، (10) 75، 86، 87، 135، (11) 69، 70، (12) 197، 199، 200، 201، 202، 342، (13) 110، 230، 243، (14) 26، 32، 205. عمار بن أبي عمار: (1) 18، (2) 386، (3) 23، (5) 48، (12) 241، (14) 149، 542، 552، 553. عمارة: (8) 158، (12) 235، 239، 240. عمارة بن أكيمة الليثي: (12) 149. عمارة بن حزم: (1) 200، 218، 227، (2) 56، (5) 117، (6) 344، (7) 169، 170. عمارة بن حمزة: (6) 275. عمارة بن خزيمة: (3) 356، (7) 195، 196، (11) 131، 325، (12) 200، (13) 165. عمارة بن زاذان: (7) 5، (12) 235، (14) 143. عمارة بن زياد: (1) 149. عمارة بن زيد: (4) 29، 30. عمارة بن عقبة: (13) 215، 216. عمارة بن عمير: (4) 389، (14) 205. عمارة بن غزية: (2) 155، 218، 256، (4) 53، (10) 39، (11) 81، 375، (12) 240، (14) 42، 147، 148. عمارة بن أبي حصينة: (13) 256. عمارة بن الوليد: (1) 41، (4) 183، (6) 225، 244، (12) 105. عمارة بن فيروز: (5) 27. عمارة بن القعقاع: (3) 236، 271، 283، 290، (9) 224. عمر: (1) 34، 41، 43، 134، 148،
159، 171، 177، 178، 179، 191، 193، 227، 230، 290، 291، 330، 349، 353، (8) 77، 112، 117، 118، 119، 120، 133، 343، 358، 384، 388، (9) 13، 15، 20، 31، 33، 34، 84، 97، 123، 125، 126، 128، 130، 131، 168، 169، 190، 218، 220، 225، 232، 241، 243، 244، 251، 262، 266، 287، 288، 289، 297، 308، 309، 319، 320، 335، 338، 369، 370، 385، (11) 5، 55، 56، 114، 120، 125، 130، 132، 180، 181، 217، 239، 240، 241، 292، 310، (12) 33، 88، 115، 133، 142، 160، 161، 170، 171، 175، 176، 177، 196، 203، 232، 245، 257، 277، 283، 338، 339، 342، 390، 392، (13) 18، 64، 68، 73، 97، 143، 147، 149، 159، 160، 173، 184، 191، 194، 195، 198، 201، 202، 205، 214، 218، 222، 254، 269، 277، 295، 355، 356، 366، 367، (14) 22، 23، 54، 140، 185، 194، 205، 207، 235، 240، 246، 263، 414، 441، 446، 454، 457، 458، 485، 512، 556. عمر بن إسحاق: (4) 135. عمر بن أسيد بن عبد الرحمن: (12) 283. عمر بن أوس الأنصاري: (3) 181. عمر بن أبي بكر: (10) 362. عمر بن جعفر بن غياث: (11) 79، 82. عمر بن الحارث: (11) 82، 89، (13) 208، 280. عمر بن حبيب: (11) 70. عمر بن حرب بن أمية: (6) 256. عمر بن حرملة: (7) 374، 375. عمر بن حفص: (7) 311، (12) 334، (14) 614. عمر بن الحكم: (8) 43، (12) 149، (13) 295، 359. عمر بن حمزة: (5) 127. عمر بن الخطاب: (1) 36، 43، 56، 103، 113، 115، 118، 120، 177، 192، 204، 207، 208، 228، 231، 236، 275، 288، 290، 293، 294، 296، 298، 299، 302، 303، 314، 321، 328، 344، 345، 351، 358، 360، 380، 391، 392، 398، (2) 7، 12، 14، 24، 25، 28، 30، 33، 47، 62، 73، 84، 90، 108، 124، 125، 126، 132، 149، 162، 203، 211، 212، 222، 227، 231، 232، 234، 237، 259، 261، 287، 294، 297، 324، 356، (3) 46، 49، 117، 126، 156، 165، 169، 188، 189، 294، 316، 326، 338، 365، 382، 383، 397، 398، 399، 400، 401، 402، 403، 404، (4) 3، 5، 93، 221، 240، 243، 244، 248، 249، 250، 259، 262، 265، 266، 269، 272، 274، 278، 279، 283، 284، 290، 292، 318، 321،
322، 323، 327، 328، 329، 359، 360، 361، 381، 385، 393، 405، 406، (5) 35، 56، 57، 58، 59، 76، 78، 79، 80، 81، 94، 95، 96، 97، 98، 99، 100، 101، 115، 145، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 173، 178، 183، 200، 208، 230، 243، 246، 247، 285، 288، 297، 298، 314، 318، 351، 369، 370، (6) 34، 46، 58، 49، 50، 51، 53، 56، 62، 80، 81، 85، 99، 117، 130، 136، 146، 148، 150، 151، 152، 162، 168، 179، 180، 183، 194، 211، 212، 216، 262، 293، 315، 316، 331، 339، 340، 341، 356، 362، 370، 379، 384، 394، (7) 5، 36، 38، 39، 47، 56، 71، 108، 109، 117، 122، 128، 135، 148، 155، 156، 170، 184، 187، 189، 199، 207، 209، 238، 239، 249، 257، 259 ، 288، 298، 308، 345، 367، 370، (8) 14، 111، 114، 119، 155، 207، 342، (9) 12، 20، 34، 83، 87، 89، 91، 102، 103، 104، 105، 108، 112، 136، 189، 190، 191، 231، 232، 244، 259، 264، 287، 289، 297، 306، 307، 308، 318، 328، 340، 343، 363، 364، 369، 376، 377، (10) 6، 31، 62، 70، 78، 89، 97، 116، 118، 119، 131، 132، 156، 168، 169، 256، 259، 260، 285، 342، 346، 347، 355، 382، (11) 46، 47، 55، 56، 94، 113، 129، 144، (12) 64، 65، 170، 176، 210، 244، 256، 280، 282، 283، 339، 341، 342، 347، 355، 367، (14) 25، 26، 152، 190، 213، 224، 248، 411، 446، 449، 450، 471، 473، 511. عمر بن خليف: (6) 78. عمر بن الدرفس: (5) 170. عمر بن ذر: (3) 313، (5) 223، (8) 97، (12) 109، (13) 21. عمر بن الربيع بن طارق: (11) 47. عمر بن أبي ربيعة: (6) 242. عمر بن الرماح: (10) 139. عمر الزيات: (2) 209. عمر بن سعد: (10) 131، (11) 145. عمر بن سعد المصري: (8) 275. عمر بن سعد بن أبي وقاص: (5) 364. عمر بن سعيد: (2) 291، (7) 281، (10) 358، (14) 497، 500. عمر بن سعيد الأشج: (14) 607. عمر بن سعيد بن أبي هلال: (11) 65. عمر بن أبي سلمة: (3) 317، (5) 383، (6) 53. عمر بن سليم: (10) 83، 84، 143. عمر بن سليمان: (12) 347. عمر بن سليمان: (12) 347. عمر بن شبة: (1) 384، (2) 258، (4) 79، (5) 346، 354، (6) 308، (7) 155، 175، 259، (9) 312، 362، 379، (10) 75، 143، 174، 177، (12) 89، (13) 75.
عمر بن صبح: (2) 344، (8) 277، 279. عمر بن طلحة: (4) 79. عمر بن عامر بن حارثة: (9) 171. عمر بن عبد الرحمن بن عوف: (4) 38. عمر بن عبد الرحمن السلمي: (4) 325. عمر بن عبد العزيز: (2) 205، 259، 260، (3) 20، 60، 65، 66، 67، 68، 70، (4) 294، 407، (5) 353، (7) 3، 109، 356، (9) 281، (10) 94، 109، 372، (11) 135، 138، 334، 335، (12) 258، 267، 281، 282، 283، 284، 313، 342، (13) 124، (14) 205، 381، 391، 407، 410، 494. عمر بن عبد اللَّه: (2) 158، (4) 79، 134، (7) 337، (8) 280. عمر بن عبد اللَّه بن رياح الأنصاري: (5) 231. عمر بن عبد اللَّه بن كعب: (8) 48. عمر بن عبد اللَّه بن يعلى: (5) 41، 254. عمر بن عبد الواحد: (13) 136. عمر بن عبيد: (10) 358. عمر بن عبيد اللَّه بن يعلى: (5) 255. عمر بن عثمان: (5) 44، (10) 208. عمر بن عقبة: (3) 323، (12) 140، 148. عمر بن علي: (2) 274، (10) 221، (11) 178. عمر بن أبي عمر: (11) 82. عمر بن عمران المخزومي: (4) 360. عمر بن عمرو: (11) 126. عمر بن عمرو بن رفاعة: (10) 67. عمر بن الغادية السلمي: (9) 146. عمر بن غياث: (4) 196. عمر بن قيس: (4) 326، (7) 66. عمر بن كثير: (6) 69. عمر بن محمد: (7) 9. عمر بن محمد بن جبير: (2) 211. عمر بن محمد بن يحيى: (9) 289. عمر بن مرثد: (9) 86. عمر بن مسلم: (5) 375. عمر بن نافع بن جبير: (3) 75. عمر بن هارون: (10) 172. عمر بن الهيثم: (5) 248. عمر بن وهب: (12) 170. عمر بن يحيى: (3) 235، (14) 40، 43. عمر بن يونس: (2) 195، (12) 19. عمران: (12) 367. عمران بن تيم البصري: (4) 291. عمران بن حصين: (2) 209، 284، (3) 263، 264، (4) 394، (5) 94، 99، 100، 101، 102، 103، 106، 326، (7) 232، 235، (9) 32، 34، 35، 84، 138، (11) 277، 290، 366، 367، 370، (13) 42، 232، 233، 242، عمران الحميري: (11) 69، 70. عمران بن خالد الخياط: (13) 46. عمران بن زيد الثعلبي: (5) 325. عمران بن زيد الملائي: (2) 204. عمران بن سعيد البجلي: (12) 221. عمران بن سليمان: (5) 348. عمران بن طلحة: (6) 143. عمران بن ظبيان: (8) 154. عمران القصير: (2) 195. عمران القطان: (12) 67. عمران بن كثير: (4) 195. عمران بن موسى: (11) 47، (12) 365.
عمران بن وهب: (2) 160. عمران بن أبي أنيس: (10) 73، 74. عمرو: (1) 38، 346، (9) 90، 96، 122، 170، 191، 287، 349، 371، (12) 134، 189، 201، 221، 222، 279، (13) 75، 114، 182. عمرو بن أبان بن عثمان: (8) 134، 135. عمرو بن أخطب: (4) 396، (11) 346، 347. عمرو بن أسد: (1) 18، (6) 28، 29. عمرو الأشدق بن سعد بن العاص: (12) 272. عمرو ابن أم مكتوم: (1) 52، (6) 177. عمرو بن أمية: (1) 41، 182، 183، 184، 188، 304، 319، 320، (2) 63، 84، 85، (4) 367، (5) 12، (6) 64، 66، 74، 187، (9) 236، 263، 264، (13) 283، 284، 285. عمرو بن الأصم بن سنان: (2) 28، (9) 81. عمرو بن أوس: (9) 369، 370. عمرو بن تيم: (12) 116. عمرو بن ثابت: (1) 160، (12) 238، (14) 146. عمرو بن ثعلبة: (4) 396، (11) 362. عمرو بن جابر: (9) 72، 81. عمرو بن جحاش: (1) 188، 190. عمرو بن أبي جعفر: (5) 9. عمرو بن الجموح: (1) 161، 162، (8) 356. عمرو بن الحرث: (2) 156، 157، 243، (3) 316، (5) 115، (6) 270، 309، (7) 216، (8) 74، 117، 251، (9) 239، (10) 52، 151، (11) 3، 151، 232، 310، 375، (12) 325، 334، 370، (13) 3، 39، (14) 111، 126. عمرو بن الحجاج: (8) 167. عمرو بن حرب بن أمية: (6) 256. عمرو بن حريث: (9) 358، (12) 46. عمرو بن أبي حرملة: (7) 373. عمرو بن حزم: (1) 136، (2) 56، 95، (5) 117، (9) 208. عمرو بن الحسن: (5) 361. عمرو بن الحضرميّ: (1) 76، 78، 89. عمرو بن الحكم: (10) 62، 380. عمرو بن حماد: (5) 80. عمرو بن حممة: (2) 6، (4) 396، 406، (5) 314، (11) 348، 349، (12) 221، 222، 251، 252، (14) 129. عمرو بن خالد: (7) 77، (12) 338، (14) 542. عمرو بن دينار: (1) 64، (2) 160، 259، 337، (3) 28، 204، 208، (4) 283، 335، 339، (5) 88، (7) 290، (8) 56، 201، 293، (9) 4، 346، 363، 370، (10) 220، 378، (11) 290، (12) 15، 77، 181، 203، 298، (13) 378، (14) 294، 546، 548، 624. عمرو بن الربيع: (1) 118، (6) 283. عمرو بن الزبير: (9) 182. عمرو بن زرارة: (13) 5. عمرو بن زيد بن عوف: (9) 228. عمرو بن سالم: (2) 47، (1) 132، 285، 349، (2) 47، (7) 169. عمرو بن سعدي: (1) 247، (4) 401.
عمرو بن سعيد: (2) 217، 218، 224، (4) 18، 79، 349، (7) 279، (8) 312، (11) 304، 305. عمرو بن سعيد الأسدي: (6) 312. عمرو بن سعيد الأشج: (2) 171. عمرو بن سعيد بن العاص: (7) 46، (12) 272. عمرو بن سفيان الثقفي: (5) 70، (14) 479. عمرو بن أبي سفيان: (1) 85، 114، (3) 282، (6) 266، (13) 271، 276. عمرو بن سلمة: (13) 200، (14) 10. عمرو بن أبي سلمة: (6) 298. عمرو بن سليم: (1) 83، (5) 366، 389، عمرو بن السمط: (12) 78. عمرو بن سواد: (5) 53. عمرو بن شرحبيل: (2) 385، (4) 326، (11) 197. عمرو بن الشريد: (2) 264، (8) 27. عمرو بن شعيب: (2) 161، 284، 330، (6) 286، 290، (7) 81، 232، 378. عمرو بن شمر: (11) 110، 112، 113. عمرو بن شيبة: (2) 265، 348. عمرو بن صالح الحضرميّ: (6) 51. عمرو بن صيفي بن هاشم: (1) 352. عمرو بن الطفيل: (4) 359. عمرو بن عائذ بن عمران: (4) 77، 78. عمرو بن العاص: (1) 38، 40، 41، 85، 89، 131، 138، 165، 234، 235، 242، 292، 335، 344، 345، (2) 6، 36، 37، 289، (3) 286، (4) 127، 128، 254، 362، 363، 364، 366، 368، (5) 333، 359، 360، (6) 217، 242، 244، 262، (7) 163، 168، 222، (8) 133، 134، (9) 110، 132، (10) 381، (11) 36، 51، 120، (12) 200، 201، 360، (13) 177، 191، (14) 23، 85، 199، 234، 418. عمرو بن عاصم: (7) 72، (11) 36، (12) 220، 292. عمرو بن عامر: (9) 171، 172. عمرو بن عبد: (1) 235، 236، (6) 243. عمرو بن عبد اللَّه: (1) 115، (8) 201. عمرو بن عبد اللَّه الجمحيّ: (10) 6. عمرو بن عبد اللَّه الحضرميّ: (12) 378. عمرو بن عبد اللَّه الشيبانيّ: (4) 378. عمرو بن عبد اللَّه بن نوفل: (3) 212. عمرو بن عبسة: (3) 339، (4) 378، 379، (8) 139، 313، (9) 93، 94، 96، 148، (12) 78، (13) 149، 193، (14) 251، 252، 253، 254. عمرو بن عبيد: (4) 118، 302، (8) 364. عمرو بن عثمان: (7) 331. عمرو بن عثمان بن عفان: (4) 127. عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار: (14) 199. عمرو بن عثمان بن يعلى: (10) 139. عمرو بن عطاء: (10) 371. عمرو بن علقمة: (4) 299، (10) 345. عمرو بن علي: (2) 283، (5) 238، (11) 92. عمرو بن عمر: (2) 290. عمرو بن أبي عمرو: (2) 170، (3) 285، (11) 48، 49، (12) 373، 382، 383، (13) 138، 201.
عمرو بن عوف: (1) 262، (7) 168، (9) 175، 184، 189، 199، 251، 360، (14) 181. عمرو بن عون: (6) 50، (9) 369، (12) 209. عمرو بن العلاء: (4) 323. عمرو بن غنم السلمي: (7) 249. عمرو بن غنمه: (1) 297. عمرو بن قتيبة: (4) 58. عمرو بن قميئة: (1) 151. عمرو بن قيس: (11) 57. عمرو بن أبي قيس: (5) 20. عمرو بن مالك: (3) 222، (10) 158، (11) 54، (13) 212. عمرو بن محمد: (2) 340، 345، (4) 100، (5) 307. عمرو بن محمد بن منصور العدل: (12) 334. عمرو بن مرزوق الواشحي: (12) 229، (13) 225، (14) 137. عمرو بن مرة: (2) 143، 287، 288، 321، (4) 9، 10، 11، 12، 109، (5) 43، 131، (8) 293، (9) 32، (10) 270، (11) 281، 293، 294، 295، (12) 76، 252، 277، (13) 17، 20، 215، 229، (14) 82، 99، 160، 204، 440. عمرو بن مسعود: (12) 13. عمرو المعافري: (12) 89. عمرو بن المنذر: (1) 7. عمرو بن منصور: (7) 293. عمرو بن ميمون: (4) 183، (7) 224، (11) 288، (12) 102، 103، 104، 105، 106، 107، 158، (14) 330. عمرو بن نعجة: (12) 240. عمرو بن النعمان: (9) 187. عمرو بن نوفل بن عبد مناف: (6) 198. عمرو بن نفيل: (5) 58. عمرو بن هارون: (10) 371. عمرو بن هشام بن المغيرة: (1) 35، 91، 385، (6) 220. عمرو بن هند: (1) 7. عمرو بن واقد: (3) 169. عمرو بن الوليد: (3) 48. عمرو بن يحيى: (2) 359، (4) 103، (12) 230. عمرو بن يحيى بن سعيد: (7) 46، (12) 209، (14) 138. عمرو بن يحيى بن عمارة: (5) 169، (8) 38. عمرو بن يحيى المازني: (2) 155. عمير: (12) 170، 171، 172، 215، 368. عمير بن إسحاق: (3) 329، (4) 367. عمير بن الأسود العقبي: (12) 215. عمير بن بردة: (4) 283. عمير بن جدعان: (4) 77. عمير بن سعد: (4) 248، (9) 248. عمير بن عدي بن خرشة: (1) 120. عمير بن هانئ: (12) 232، 368، (14) 140. عمير بن وهب: (1) 80، 86، 102، 118، 398، (4) 216، 399، (6) 280، 281، (12) 145، 170، 171، 172. عمير بن أبي وقاص: (1) 82، (9) 100. عنبسة بن الأزهر: (2) 283. عنبسة بن سعيد: (6) 348.
عنبسة بن عبد الرحمن بن محمد: (5) 302، (7) 19، 21، 24، 57. عنبسة بن محمد بن عبد اللَّه: (7) 19. عنبسة بن أبي سفيان: (6) 262، 265. عنبسة بن أبي سلمى: (14) 31. العوام بن حوشب: (6) 375، (11) 51، (12) 209، 257، 332، (13) 205. العوام بن خويلد بن أسد: (6) 194، 256، 282. عوف: (11) 741 (8) 104، 128، (9) 202، (11) 252، (12) 279، 208، 325، (13) 231، 293. عوف بن جعفر بن أبو طالب: (6) 167. عوف بن الجزع: (5) 14. عوف بن الحارث بن رفاعة: (1) 51. عوف بن عبد الرحمن: (7) 219. عوف ابن عفراء: (1) 51، 104، 110. عوف بن مالك: (1) 345، (2) 254، (3) 264، (4) 403، (7) 169، (9) 146، 351، (11) 82، (12) 319، 325، 351، 360، 387، (13) 190، 366، 367، 368، (14) 77، 184. عوف بن أبي جميلة: (4) 140، (5) 100. عوف بن أبي خلدة: (12) 232. عون بن جعفر بن أبي طالب: (5) 370. عوف بن سلام: (11) 131، (13) 186. عون بن عبد اللَّه: (3) 253، (12) 221، 288. عون بن عمر: (5) 270. عون بن محمد: (5) 27، 28، (6) 9، 10. عون بن أبي جحيفة: (2) 166، 219، (3) 284، (11) 119. عويم بن ساعدة: (1) 52، (10) 10. العلاء: (11) 233. العلاء بن جارية: (9) 298. العلاء بن الحضرميّ: (1) 304، (2) 101، (4) 202، 224، 393، (5) 286، 288، 289، 290، 293، 294، (9) 334، 369، (14) 181، 234، 244. العلاء بن عبد الرحمن: (8) 135، (10) 348، (11) 43، 68، (12) 273، 276، 337، 338. العلاء بن عبد اللَّه بن عمار: (1) 305. العلاء بن عمرو الجعفي: (11) 59. العلاء بن الفضل: (3) 367، (7) 281، 282. العلاء بن كثير: (11) 86. العلاء بن المسيب: (8) 85. عباس بن عباس الكنعي: (12) 211. عياش بن عبد اللَّه: (10) 176. عياش بن عياش: (12) 207، 208. عياش بن أبي ربيعة: (1) 92، 183، (2) 124، 331، (6) 228، 242، (9) 100، 114، (12) 68، 69، 70، 72، 73، 139. عياش بن أبي عياش: (12) 71. عياض: (9) 213. عياض بن حماد بن محمد: (8) 139، 140، 141. عياض بن عبد اللَّه: (10) 174، 175، 177، (11) 331. عياض بن عمر: (6) 217. عياض بن غنم بن زهير: (1) 304، (6) 161. العيزار بن حريث: (2) 253، (7) 119. عيسى: (12) 91. عيسى بن حماد: (13) 212، 213.
عيسى بن سالم أبو السعود: (5) 52. عيسى بن طهمان: (7) 27. عيسى بن عبيد: (9) 188. عيسى بن عمر: (4) 312، (14) 301. عيسى بن غنجار: (8) 279. عيسى القاري أبو عمر: (12) 252. عيسى بن ماهان: (8) 268. عيسى بن معمر: (2) 213، (7) 155. عيسى بن موسى: (10) 257. عيسى بن ميمون: (3) 228، 317. عيسى بن نوح: (5) 248. عيسى بن هلال الصدفي: (12) 329. عيسى بن يونس: (2) 174، 251، 257، 258، 279، (4) 325، (5) 178، 287، 340، (7) 327، 367، (8) 40، 76، 227، (10) 221، 304، (11) 4، 34، 256، (12) 60، 351، (13) 195، (14) 453، 495، 496، 497، 500. عيسى بن أبي فاطمة الفزاري: (12) 365. عيينة: (9) 253، 254، 263، (13) 336. عيينة بن بدر: (9) 230، 298. عيينة بن حصن: (1) 20، 202، 223، 235، 239، 240، 259، 265، 209، (2) 29، 30، 33، 37، 233، (4) 402، 403، (5) 129، (7) 188، 244، 249، (8) 380، (9) 252، 300. عيينة بن عبد الرحمن: (11) 323. الغين غافر بن مجد الدوري: (12) 347. غالب بن أبجر: (8) 12. غالب بن عبد اللَّه الليثي: (1) 329. غالب بن عبد اللَّه بن مسعر: (1) 335. غالب الليثي: (1) 347. غالب بن فهر بن مالك: (4) 25. غزال بن خالد بن يزيد: (5) 346. غزال بن محمد: (8) 60، 61. غزية بن عمرو بن عطية: (1) 162. غسان بن مضر: (5) 219. غندر: (11) 268، (12) 197. غنم بن مالك بن كنانة: (6) 182. غورث بن الحارث: (1) 197. غياث بن إبراهيم: (12) 221. غيلان: (12) 286. غيلان بن جامع: (7) 65. غيلان بن جرير: (2) 228، (13) 222. غيلان بن حرب: (9) 169. غيلان بن عبد اللَّه: (9) 188. غيلان القدري: (12) 285. غيلان بن سلمة الثقفي: (5) 256. الفاء فائد: (8) 35. فائد بن عبد الرحمن: (11) 57، 58، (12) 60. فائد أبي الورقاء: (5) 258. الفاكة بن المغيرة: (6) 220، 224. الفاكه بن النعمان: (9) 283. فديك بن أبي فديك: (11) 110. فرات: (12) 378. فرات بن حيان: (1) 130، 266. فرات القزاز: (14) 203. فراس: (11) 129. فراس بن عمرو: (11) 380. فرج بن سعيد: (11) 344. الفرج بن فضالة: (3) 96، (4) 54، (8)
94، 97، (13) 203. فرقد: (14) 275. فرقد السبخي: (13) 225. فروخ: (12) 115. فروة بن عمرو: (1) 317، 318، 322، (6) 321، 325، (7) 197، 220، 225، 226، (9) 233، 295، 385، (10) 44. فروة بن نعامة الجذامي: (5) 68، (7) 217. الفريابي: (1) 103، (11) 74، 77، (12) 60، 63، 279، (13) 18، 19. الفزاري: (12) 369. فلح: (2) 155، (11) 244، (12) 5. فضالة بن عبيد: (4) 304، (8) 49، (9) 161، (10) 158، (11) 54، 147. الفضل: (8) 30، (9) 29. فضل بن أحمد: (4) 316. الفضل بن الحباب: (9) 202، (13) 363. الفضل بن دكين: (2) 162، 212، (4) 283، (6) 10، 357، (7) 46، 75، 105، (10) 165، (11) 74، 385، (12) 46، 309، (13) 228، (14) 572. الفضل بن زياد: (11) 134. الفضل بن سليمان: (10) 51، (11) 302، (13) 294. الفضل بن سهل: (5) 294، (7) 297. الفضل بن شعيب: (11) 141. الفضل بن عباس: (2) 14، 115، 131، 134، 135، 137، (5) 338، 339، 379، 380، 381، (6) 166، 271، 276، 369، (7) 307، (8) 389، (9) 29، 285، 286، 287، (12) 22، (14) 443. الفضل بن عطاء: (11) 141. الفضل بن عون المسعودي: (11) 360. الفضل بن عياض: (2) 288، 289. الفضل بن موسى: (7) 288، (9) 188، (11) 351، (12) 350، (14) 292. فضيل بن غزوان: (10) 158. فضيل بن المرزوق: (5) 28. فطر: (9) 358، (13) 186، 187، (14) 556. فطر بن خليفة: (11) 78، 92، 142، (12) 46. فليح بن إسماعيل: (3) 22. فليح بن سليمان: (2) 200، (5) 319، (7) 352، 384، (12) 340، 381، (14) 303. الفلاس: (13) 11. فياض بن محمد الرقي: (13) 215. القاف قابوس بن أبي ظبيان: (4) 67. قابوس بن المنذر بن النعمان: (6) 238. قارب بن الأسود: (2) 84، 87. القاسم: (6) 28، (8) 289، (9) 312، (11) 82، (12) 85، 89، 90، 274. قاسم بن أصبغ: (2) 273، 275، 307، 313، (3) 65، 72، 294، (4) 252، 253، 255، 256، 352، (5) 123، 125، 207، 308، (6) 367، 368، 388، (7) 9، 68، 72، 95، 104، 133، 164، 181، 303، 342، 371، 385، 392، (8) 9، (9) 86، 87، 271، (10) 83، 113، 125، 128، 138، 141، 143، 217،
232، 345، 354، 355، 356، 359، 361، (11) 372، (12) 31، 340، 373، (13) 262، 513، (14) 185. القاسم بن أبي أمامة: (9) 312، (12) 89. قاسم بن ثابت: (1) 91، (2) 157. القاسم بن الحارث: (12) 309. القاسم بن الحسن: (5) 361. القاسم بن سلام: (2) 143، 233، (4) 277، 296، 312، 321، (7) 10، 150. القاسم بن عباس الهاشمي: (3) 304. القاسم بن عبد الرحمن: (5) 69، 231، 296، (9) 53، 89، 90، 98، (12) 127، (13) 205، 212. القاسم بن عبد اللَّه: (5) 73، (14) 562، 563. القاسم بن الفضل: (5) 233، (14) 205، 274. القاسم بن محمد: (2) 288، (3) 399، (6) 10، 43، (7) 153، (8) 11، (9) 130، (11) 50، 131، 231، (12) 40، 41، 73، (13) 43، 212، 299، (14) 429، 490، 500، 587. القاسم بن مخرمة بن المطلب: (9) 282. القاسم بن مخيمرة: (11) 95، 99، 100. القاسم بن الوليد: (12) 103. القاسم بن يزيد بن عبد اللَّه: (14) 443. قباث بن أشيم: (1) 22، (4) 400، (12) 173، 174. قتادة: (1) 275، 327، (2) 154، 162، 165، 171، 192، 306. قبيصة بن ذؤيب: (1) 37، (3) 48، (7) 254، (10) 109، (12) 297، (13) 351. قبيصة بن عقبة: (6) 126، (7) 105، (11) 52، 53، (12) 327، (14) 205. قبيصة بن عمر الهلالي: (6) 52. قبيصة بن عمرو بن إسحاق: (4) 15. قبيصة بن مسعود: (12) 335. قبيصة بن نعيم: (11) 69، 70. قبيصة بن وقاص: (13) 212. قتادة: (8) 6، 58، 100، 122، 129، 130، 140، 201، 230، 231، 233، 249، 242، 246، 247، 279، 284، 285، 292، 297، 330، (9) 22، 34، 71، 79، 87، 110، 115، 267، 271، 275، 280، 325، 372، (11) 67، 91، 119، 134، 191، 243، 244، 268، 269، 270، 349، 350، (12) 7، 18، 67، 77، 144، 160، 268، 292، 309، 310، 338، 358، 359، 371، 389، (13) 13، 21، 22، 23، 25، 29، 30، 40، 41، 65، 92، 102، 116، 136، 149، 171، 174، 217، 229، 262، 263، 285، 287، (14) 58، 262، 275، 277، 292، 341، 355، 483، 496، 497، 553، 580، 608. قتادة بن دعامة: (6) 92، (8) 229. قتادة بن ملحان: (4) 396، (11) 366. قتادة بن النعمان: (1) 95، 141، 149، 150، (2) 124، (4) 394، (5) 319، 321، (7) 249، 168، 170، (11) 330، 331، 332، 333، 334، 335، (13) 322، 324، (14) 356. قتيبة: (8) 157، (11) 33، (14) 182. قتيبة بن سعيد: (2) 192، (3) 212، (5)
332، 386، (7) 347، (9) 304، (10) 73، 97، 104، (12) 203، 371، (13) 253. قتيبة بن مهران: (4) 312، 316. قثم: (2) 136. قثم بن العباس: (2) 137، (6) 20، 166، 271، 276، (13) 237. قدامة بن عبد الملك: (2) 222. قدامة بن مظعون: (9) 100، 153، قدامة بن موسى: (4) 121، (8) 328، (9) 281، (13) 277. قراد أبو نوح: (8) 174، 176. قرظة بن كعب: (9) 142. قرة بن أشقر الجذاعي: (9) 376. قرة بن حبيب الغنوي: (11) 389. قرة بن خالد: (2) 173، (7) 61، (9) ، 180، (12) 227، 238، 251، 349، (13) 137، 323، (14) 58، 135، 145، 159. قرة بن عبد الرحمن: (14) 551. قرة بن موسى العجيمي: (7) 61. قريش بن أنس: (5) 78. قزعة: (8) 158. قس بن ساعدة: (9) 38، 337. قشير بن عمرو: (9) 371. قطية بن عامر: (1) 51، 337، 340، (2) 42، (7) 168. قطن بن وهب: (3) 329، (6) 135. القعقاع بن حكيم: (2) 207، (4) 284، (13) 352. القعنبي: (11) 75، (14) 494. قلابة: (9) 314. قيس: (1) 91، (9) 97، 235، (12) 33، 36، 55، 74، 154، 233، 234، 265، 369، (13) 204، 227، 228، (14) 177، 569. قيس بن امرئ القيس: (1) 90. قيس بن جرير: (2) 220. قيس بن الحارث: (2) 38. قيس بن حفص الدارميّ: (2) 291، (14) 55. قيس بن الحصين بن يزيد: (2) 95. قيس بن أبي حازم: (2) 220، 221، 271، 303، (7) 179، (12) 11، 35، 36، 315، (13) 200، 201، 204، 229، (14) 111، 201. قيس بن خرشة: (4) 406، (12) 233، (14) 141. قيس بن الربيع: (2) 260، (3) 169، (4) 78، (10) 378، (11) 75، (13) 186. قيس بن زهير: (6) 238. قيس بن زيد بن ثابت: (13) 200. قيس بن السائب: (8) 146. قيس بن سعد: (1) 218، 346، 383، (2) 106، 214، (5) 358، (6) 360، (7) 159، 170، (9) 152، (10) 3، 4، (12) 206، 335. قيس بن سكن بن قيس: (4) 290. قيس بن سهل: (12) 53. قيس بن أبي سهم: (14) 110. قيس بن أبي الصعصعة: (1) 84، (8) 341، (9) 228. قيس بن طلق: (3) 264، (10) 88، 90. قيس بن عاصم بن سنان بن خالد: (2) 38، 42، (4) 354، 355، (9) 378. قيس بن عباد: (12) 226، 227، (14) 134، 135، 341.
قيس بن عبد: (4) 325. قيس بن عبد الرحمن: (11) 49. قيس بن عبد اللَّه: (7) 114. قيس بن عدي: (2) 29، (9) 298. قيس بن محرث: (1) 159. قيس بن المحسر اليعمري: (1) 271. قيس بن محصن: (8) 44. قيس بن مخرمة بن المطلب: (9) 282. قيس بن مسلم: (7) 382، (10) 176، 177، 378. قيس بن النعمان: (1) 271، (5) 215. قيس بن هبيرة: (6) 99. قيس بن وهب: (3) 42. الكاف كادح بن رحمة: (11) 87، 136. كامل بن طلحة: (12) 278، (14) 564. كامل بن علقمة الراسبي: (9) 174. كامل بن العلاء: (5) 322، (7) 83، (12) 261، 262. كثير بن زياد: (10) 139. كثير بن زيد: (2) 331، (3) 224، 232، (5) 187، 323، (9) 275، 296، 360، (11) 73، (12) 238، 383، (14) 23، 146. كثير بن عباس بن عبد المطلب: (5) 66، 68، (7) 217. كثير بن عبد اللَّه بن عمرو: (9) 359، 360، (12) 387، (13) 291. كثير بن مرة: (12) 334. كثير النواء: (12) 363. كثير بن هشام: (3) 70، (10) 84. كرز بن جابر بن حسل: (1) 272، 273. كرز بن جابر الفهري: (1) 74، 388. كرز الحارثي: (7) 18. كرز بن علقمة: (1) 58، (4) 98، (5) 269، (9) 196، (12) 323، 324، (14) 65. كريب: (8) 88، 89، (13) 182، (14) 290. كريز بن ربيعة بن حبيب: (6) 287. كعب: (1) 126، (8) 285، 286، 296، 394، (11) 89، 141، (12) 180، 182، 183، 186، 189، 233، 297، كعب الأحبار: (8) 165، (12) 245، 297، 377. كعب بن أسد: (1) 231. كعب بن زهير: (2) 88، 265. كعب بن زيد: (1) 231، 244. كعب بن سور: (13) 235، 242، 243. كعب بن شراحيل: (6) 305. كعب بن عجرة: (1) 278، (3) 251، (5) 386، (11) 7، 22، 25، 26، 27، 72، 76، 107، (12) 305. كعب بن علقمة: (11) 50، 121. كعب بن عمر بن تميم بن سواد: (9) 295. كعب بن عمرو: (7) 171، (9) 294، (12) 169. كعب بن عمير الغفاريّ: (1) 336. كعب بن عياض: (12) 333. كعب بن فهر: (3) 402، 403. كعب بن مالك: (1) 146، 226، 355، (2) 37، 51، 79، 80، 81، 82، 83، 116، 264، 283، (3) 239، 289، (5) 279، (6) 142، 173، (8) 150، 170، 392، (9) 268، 309،
(10) 41، 42، (13) 112، 113. كعب بن مرة: (5) 131، (12) 76، 77. كلثوم بن الحصين: (2) 52. كلثوم بن الهرم: (1) 68، (6) 307، (9) 199، (10) 85. كنانة بن أبي الحقيق: (1) 222، 255، 307، 309، 314، 315، 316، (6) 88، (9) 230. كهمس بن الحسن: (5) 243، (14) 35. كيسان: (12) 254. اللام لبابة بن المنذر: (7) 168. لبيد بن أرطاة: (9) 162. لبيد بن ربيعة: (1) 184، (12) 74. لقمان بن عامر: (4) 54. لقيط بن هبيرة: (7) 255، (14) 271. الليث: (1) 59، (8) 12، 13، 40، 45، 49، 86، 115، 120، 126، 150، 243، 250، 316، (9) 31، 42، 126، 200، 237، 271، 285، 389، (11) 32، 48، 89، 122، 123، 128، 141، 194، 315، (12) 8، 215، 246، 373، (13) 46، 55، 112، 158، 186، 202، 220، 390، (14) 25، 154، 187، 268، 285، 304، 320، 407، 438، 456، 460، 493، 497، 500، 501، 511، 512، 611. الليث بن سعد: (1) 83، 173، (2) 144، 206، 259، 331، (3) 60، 66، 68، 69، (4) 125، 255، (5) 22، 119، 163، 252، 331، (6) 384، 398، (7) 156، 307، (8) 150، (9) 78، 89، (11) 39، 315، (12) 114، 288، 298، (13) 202، 253، 370، (14) 199، 462. ليث بن أبي سليم: (1) 310، (3) 226، 228، (8) 275، (9) 32، (11) 141، (12) 235، (14) 143. الميم مالك: (1) 173، (2) 7، 155، (8) 22، 48، 53، 89، 90، 120، 123، 124، 150، 161، 167، 226، 231، (9) 30، 31، 32، 74، 228، 286، 287، 358، 360، 381، 382، 392، (11) 17، 19، 20، 26، 31، 59، 64، 246، 247، 263، 295، 300، 333، (12) 149، 150، 283، 331، 337، 338، 360، 368، (13) 14، 15، 21، 36، 39، 79، 87، 155، 160، 176، 183، 340، 341، 342، 366، 369، 370، 390، (14) 157، 295، 296، 394، 396، 401، 404، 409، 424، 437، 459، 494، 608، 617، 619، 620. مالك بن إسماعيل: (6) 126، (7) 328، (10) 93، 98، 220، (11) 333. مالك بن إلياس: (6) 27. مالك بن أنس: (1) 130، (2) 234، (3) 211، 383، (4) 269، 206، (5) 166، 285، (7) 79، 349، (8) 300، (9) 29، 213، (10) 74، 109، 353، 362، (11) 85، 331، (12) 9، 115، 377، (13) 374، (14) 384، 503، 518. مالك بن أوس: (2) 294، (11) 36، 47،
(13) 147. مالك بن الأوس بن حارثة: (9) 176. مالك بن التيهان: (1) 51، 55. مالك بن جويرية ابن أسماء: (2) 142. مالك بن حذيفة بن بدر: (1) 271. مالك بن حمزة: (5) 83. مالك بن الحناط: (7) 351. مالك بن الحويرث: (2) 247، 248، (4) 320، (9) 154، (11) 7، 76، (12) 196. مالك بن خالد بن زيد: (10) 254. مالك بن خرشة: (1) 157. مالك بن أبي خولى: (9) 191. مالك بن الدخشم: (1) 113، 165، (2) 77، (8) 393، (12) 175. مالك بن دينار: (7) 264، (12) 61، 99، 257، 331، (14) 277. مالك بن ربيعة: (3) 321، (7) 207، (12) 146. مالك بن أبي الرجال: (8) 280، (10) 93. مالك بن زمعة: (6) 200. مالك بن زهير: (1) 149، 157. مالك بن أبي الزناد: (12) 248. مالك بن سليم الزرقيّ: (11) 31. مالك بن سنان: (1) 134، 153، (9) 249. مالك بن صعصعة: (8) 190، 194، 207، 212، 214، 229، 230، 233، 241، 242، 285، 286، (10) 305. مالك بن عامر: (12) 368. مالك بن العجلان: (9) 173. مالك بن عمرو البخاري: (1) 135. مالك بن عمير: (4) 396، (11) 363. مالك بن عوف: (1) 356، (2) 8، 9، 11، 12، 19، 22، 34، (9) 298. مالك بن مغول: (2) 166، 288، (3) 318، (5) 145، (8) 251، (10) 158، (11) 25، (14) 481. مالك بن مهلهل بن أثار: (4) 30. مالك بن نويرة: (2) 101. مالك بن أبي نوفل: (2) 91. مالك بن يخامر: (8) 130، (10) 381. مبارك: (11) 71. المبارك بن سعيد: (7) 281، (14) 288. مبارك بن فضالة: (2) 204، 227، 254، 274، 308، (5) 36، 49، (7) 74، 120، (10) 306، (12) 283، 334، 335، (14) 508. المبارك بن فلفل: (13) 200. مبشر بن الفضل: (14) 424. المتوكل جعفر بن محمد: (12) 315، 363. المثنى بن حارثة: (4) 353. المثنى بن زرعة: (4) 344. المثنى بن سعيد: (4) 370، 371، (7) 270، (9) 267، (14) 281. المثنى بن صالح بن مهران: (6) 348. مثنى بن الصباح: (4) 334. مجاشع بن عمرو: (12) 270. مجاشع بن مسعود السلمي: (6) 264. مجالد: (1) 78، (8) 67، 121، (9) 69، (12) 205، 231، 252، (14) 87، 160. مجاهد: (1) 71، (7) 2، (8) 141، 145، 275، 285، (9) 36، 48، 71، 87، 106، 108، 195، (11) 39، 78، 191، 195، 276، 295،
(12) 259، 262، 321، (13) 12، 18، 21، 25، 58، 102، 116، 117، 151، 286، 287، 354، (14) 102، 103، 167، 221، 318، 611. مجاهد بن جبير: (3) 313. المجذر بن زياد البلوي: (9) 184. مجزر بن جعفر: (9) 362. مجمع بن جارية: (2) 76، 87، (4) 288، 289. مجمع بن عمر: (2) 180. مجمع بن يحيى: (2) 176، (11) 33. محارب بن دثار: (8) 170، 171، (10) 144. محبوب بن هلال: (14) 46. محرز بن عامر بن مالك: (1) 135. محرز الغياث: (5) 80. محرش الكعبي: (9) 23. محل بن خليفة: (6) 365، (14) 59. محلم بن جثامة: (1) 347. محمد: (9) 242، 243، (12) 8، 292. محمد بن أبان الواسطي: (4) 248، 359، (14) 111. محمد بن إبراهيم: (5) 329، (7) 234، (10) 31، 35، 39، (11) 64، 375، (12) 239، 240، (14) 147، 148، 579. محمد بن إبراهيم التيمي: (2) 160، (5) 119، (7) 71، (11) 125، 375، (14) 125. محمد بن إبراهيم بن الحارث: (3) 253، (5) 144، 156، (10) 119، 148، (14) 436. محمد بن إبراهيم السراج: (14) 207. محمد بن إبراهيم بن عزرة: (11) 349. محمد بن أحمد بن حمدان: (5) 219. محمد بن أحمد بن الفرج: (10) 311. محمد بن إسحاق: (1) 32، 40، 73، 122، 275، (2) 155، 194، 205، 234، 260، 284، 351، (3) 24، 32، 55، 96، 313، 321، 349، 356، (4) 66، 81، 84، 95، 106، 122، 128، 129، 135، 344، 345، 357، 366، (5) 8، 12، 21، 73، 76، 113، 132، 171، 209، 211، 231، 235، 348، (6) 21، 73، 285، 286، (7) 55، 163، 179، 187، 272، 344، 345، (8) 163، 179، (9) 29، 87، 92، 185، 192، 241، 373، (10) 4، 30، 131، (11) 37، 289، 300، (12) 79، 95، 99، 117، 123، 145، 152، 167، 170، 242، 347، 385، (13) 108، 293، 294، 303، 305، 312، 317، 352، 353، 366، (14) 89، 105، 150، 282، 330، 434، 462، 465، 474، 559. محمد بن إسماعيل: (2) 339، (3) 152، (5) 27، (6) 9، (7) 55، 366، (8) 131، (10) 181، (12) 67، (13) 213، (14) 608. محمد بن إسماعيل بن دينار: (12) 298. محمد بن إسماعيل الصايغ: (11) 361، (14) 180. محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: (5) 385، (12) 260. محمد بن الأشعث: (13) 186. محمد بن أصبغ: (12) 283. محمد بن أنس: (4) 396.
محمد بن إياس بن سلمى: (12) 83. محمد بن أيوب: (4) 290، 291، (10) 157، (12) 37. محمد بن بشار: (3) 152، (4) 240، (5) 78، (11) 243، (12) 18، 342. محمد بن بشر: (3) 45، 268، (11) 152، 236، 329، (12) 31، (13) 186. محمد بن بشر العبديّ: (2) 192. محمد بن بشر بن مطر: (14) 564. محمد بن بشير: (11) 132. محمد بن بكار: (6) 127. محمد بن بكر: (2) 169، (10) 310. محمد بن أبي بكر: (6) 205، 273، (8) 94، (9) 26، (10) 229، 264، 371، (13) 248. محمد بن بكير الحضرميّ: (14) 17. محمد بن ثابت: (3) 294، (4) 397. محمد بن جابر: (5) 182، (9) 202، (11) 144، (12) 299، 330. محمد بن جبير بن مطعم: (2) 141، 142، 351، (3) 327، (4) 13، 108، 351، 352، 353، (5) 24، (9) 181، (11) 48، (12) 304، 308، 347، (14) 63، 489. محمد بن جحادة: (4) 195، 253. محمد بن جريج: (5) 138. محمد بن جعفر: (2) 157، (4) 240، (7) 18، 397، (10) 123، 172، 175، 309، 362، (11) 69، 269، (12) 18، 74، 98، 197، 206، 358، (13) 227، 312، 314، (14) 60، 341، 461. محمد بن جعفر بن الزبير: (2) 163، 252، (9) 337، (10) 84، (12) 170، (13) 376، (14) 442. محمد بن جعفر بن أبي طالب: (5) 370، (6) 167. محمد بن جعفر بن محمد: (5) 29. محمد بن الجهم الوركاني: (7) 366. محمد بن حاتم المروزي: (9) 107. محمد بن الحارث: (6) 157. محمد بن حازم الضرير: (13) 204. محمد بن حبان: (10) 138، 252. محمد بن حبيب: (6) 101. محمد بن أبي حبيبة: (8) 182. محمد بن الحجاج: (2) 332. محمد بن أبي حذيفة: (6) 157، 159. محمد بن حرب: (1) 83، (8) 134، 135، (14) 126. محمد بن أبي حرملة: (7) 109، (10) 286. محمد بن الحسن: (3) 324، (5) 310، 361، (6) 191، (9) 218، 249، (10) 171، 304، 363، 364، (12) 260، 379. محمد بن الحسن بن أسامة: (4) 100. محمد بن الحسن الأسدي: (5) 339، (12) 249. محمد بن الحسن بن زبالة: (9) 200، 209، (10) 362، (12) 244. محمد بن حسين: (11) 78. محمد بن الحسين: (2) 168. محمد بن الحصين: (12) 126، 127. محمد بن حفص: (11) 126. محمد بن حماد بن سلمة: (2) 207. محمد بن حمران بن ربيعة: (2) 140. محمد بن حمزة: (5) 187، (7) 299.
محمد بن حمزة الأسلمي: (5) 323. محمد بن حمزة بن عبد اللَّه: (7) 298، (14) 301. محمد بن حمزة بن محمد: (2) 203. محمد بن حمزة بن يوسف: (2) 236، (7) 298. محمد بن حميد: (4) 100، (12) 276، (13) 218. محمد بن حميد الحمصي: (8) 279. محمد بن حميد بن عبد الرحمن: (11) 305. محمد بن أبي حميد: (12) 172، 338، 339. محمد بن حمير: (2) 288، 332، (7) 136. محمد ابن الحنفية: (2) 212، (4) 100، (8) 281، (9) 89، (10) 378، (11) 36، 79، (12) 250، (13) 186، 187، 238، (14) 587. محمد بن خالد الأنصاري: (5) 235. محمد بن خالد السلمي: (13) 136. محمد بن خالد بن عثمة: (13) 291. محمد بن أبي ذئب: (12) 354. محمد بن ذكوان: (3) 208، (9) 93. محمد بن أبي ذؤيب المدني: (5) 129. محمد بن راشد: (7) 46، 71، (14) 292. محمد بن ربيعة: (7) 133، (12) 262. محمد بن ربيعة الكلابي: (11) 51. محمد بن رميح: (11) 254. محمد بن زرارة بن عبد اللَّه: (7) 196. محمد بن زياد: (3) 283، 304، (5) 375، (7) 322، 326، (11) 218، (12) 277، (13) 82، 83، 85، (14) 47. محمد بن زياد الألهاني: (11) 140. محمد بن زياد البرجمي: (5) 227. محمد بن زياد بن أبي هنيدة: (5) 156، (12) 190. محمد بن زيد: (10) 346، (11) 20. محمد بن زيد بن أسلم: (7) 72. محمد بن السائب: (2) 170، (3) 108، (4) 240، 359، (7) 19، (8) 17. محمد بن سعد: (2) 167، (4) 189، (5) 225، (7) 243، 350، (8) 188، (10) 93، 310، (13) 5، (14) 485. محمد بن أبي سعد: (4) 74. محمد بن سعيد: (10) 138، (13) 254. محمد بن سعيد الثقفي: (3) 362، (7) 179. محمد بن سفيان: (2) 141. محمد بن سفيان بن مجاشع: (2) 140. محمد بن أبي سفيان: (6) 262. محمد بن سلمة: (4) 250، (7) 177، (14) 356. محمد بن سليط: (4) 350. محمد بن سليمان: (2) 265، (5) 207، 227، (12) 232، (14) 140، 615. محمد بن سليمان بن الحارث: (11) 80. محمد بن سليمان السلمي: (12) 210. محمد بن سليمان بن والبة: (12) 382. محمد بن أبي سليمان: (11) 137. محمد بن سنان: (11) 244. محمد بن سهل: (14) 372. محمد بن سهل بن مروان: (11) 355. محمد بن سهل بن أبي حثمة: (13) 329. محمد بن سهل بن أبي خيثمة: (9) 130. محمد بن سوقة: (12) 278. محمد بن سلام: (2) 194، 264، (6) 222.
محمد بن سيرين: (2) 272، 305، 306، (3) 316، 317، 349، (5) 169، 185، 220، (7) 13، 18، 19، 175، 288، (9) 121، 237، 270، (10) 190، (11) 41، 311، (12) 193، 226، 227، 348، 349، 389، (14) 134، 135، 552. محمد بن شداد المسمعي: (12) 253. محمد بن شرحبيل بن مدرك الجعفي: (12) 236، (14) 144. محمد بن شريك: (3) 380. محمد بن شعيب: (8) 94، (11) 82. محمد بن شهاب: (1) 32، 47، 327، (2) 143، (3) 11، (4) 116، 249، 250، 295، (7) 12، 45، (8) 169، (10) 292، (13) 108. محمد بن صالح: (3) 323، 397، (4) 133، 319، (5) 63، 219، (8) 100، 143، (9) 242، (12) 139، (13) 250، 273، 318، 364، (14) 49. محمد بن الصباح: (11) 26. محمد بن أبي صفوان: (8) 163. محمد بن الصلت الأسدي: (13) 187، 188. محمد بن طريف: (5) 37. محمد بن طلحة: (1) 169، (13) 45. محمد بن عائذ بن عبد الرحمن: (2) 161، (6) 88، (8) 93. محمد بن عاصم: (11) 88. محمد بن عامر: (11) 152. محمد بن عباد: (4) 338، (7) 56. محمد بن عباس بن الوليد: (11) 145. محمد بن عبد الأعلى: (3) 30. محمد بن عبد الأعلى الصنعاني: (5) 243. محمد بن عبد الأعلى بن كناسة: (13) 204. محمد بن عبد الحكم: (4) 324. محمد بن عبد الخالق: (4) 316. محمد بن عبد الرحمن: (2) 274، 332، (4) 135، 312، (7) 263، 344، 345، (8) 294، (11) 8، 136. محمد بن عبد الرحمن بن الحصين: (9) 94. محمد بن عبد الرحمن الحمصي: (7) 263، (14) 276. محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب: (12) 65. محمد بن عبد الرحمن الطفاوي: (2) 193، (3) 317. محمد بن عبد الرحمن العامري: (12) 298. محمد بن عبد الرحمن بن عروة: (9) 30. محمد بن عبد الرحمن بن عوف: (6) 291. محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة: (5) 9، (12) 385. محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي: (5) 209، (12) 346. محمد بن عبد الرحمن بن محيصن: (4) 299. محمد بن عبد الرحيم: (2) 142. محمد بن عبد السلام الخشنيّ: (13) 262. محمد بن عبد العزيز: (7) 299. محمد بن عبد اللَّه: (1) 295، (2) 174، (3) 397، (7) 135، (8) 101، 143، (9) 93، 248، 252، 277، (12) 139، 378، (13) 200، 273، 291، (14) 517. محمد بن عبد اللَّه الأسدي: (2) 331، (6) 126، (7) 105. محمد بن عبد اللَّه الأنصاري: (3) 151، (5) 140، (7) 24، (8) 328، (10) 3، (12) 19.
محمد بن عبد اللَّه بن جحش: (6) 256، (10) 241. محمد بن عبد اللَّه التميمي: (11) 372. محمد بن عبد اللَّه بن الحصين: (7) 255. محمد بن عبد اللَّه الحضرميّ: (10) 311. محمد بن عبد اللَّه الخزاعي: (7) 57، (12) 331. محمد بن عبد اللَّه بن أبي رافع: (11) 148. محمد بن عبد اللَّه بن زيد: (3) 253، (10) 119. محمد بن عبد اللَّه بن سعد: (6) 153. محمد بن عبد اللَّه بن سليمان: (5) 310. محمد بن عبد اللَّه الشعيثي: (12) 286. محمد بن عبد اللَّه الصفار: (14) 462. محمد بن عبد اللَّه بن عباس: (2) 286، (7) 335، (13) 90. محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكيم: (5) 200. محمد بن عبد اللَّه بن عبد القدوس: (7) 19. محمد بن عبد اللَّه بن عثمان: (12) 385. محمد بن عبد اللَّه بن عمر الأنصاري: (7) 104، (12) 61. محمد بن عبد اللَّه بن عمرو: (5) 277، (7) 47، (8) 27، (14) 421. محمد بن عبد اللَّه بن قيس: (2) 341. محمد بن عبد اللَّه بن مسلم: (3) 189، (4) 249. محمد بن عبد اللَّه بن نمير: (2) 212، (10) 351. محمد بن عبد اللَّه بن نوفل: (6) 382. محمد بن عبد اللَّه بن يزيد بن ركانة: (12) 85. محمد بن عبد اللَّه بن أبي يعقوب: (2) 249، (3) 225، (5) 249، (10) 66، (12) 51. محمد بن عبد الملك: (6) 367. محمد بن عبد الملك بن أيمن: (6) 312، (10) 125. محمد بن عبد الملك الدقيقي: (3) 12. محمد بن عبد الملك بن هشام: (3) 322، (9) 197. محمد بن عبد الواحد: (6) 93. محمد بن عبدة بن حرب: (12) 298. محمد بن عبيد: (5) 284، (9) 87، (10) 345، (11) 147، 386. محمد بن عبيد اللَّه بن علي: (12) 221، 222. محمد بن عبيد اللَّه الفزاري: (6) 368. محمد بن عبيدة: (10) 359. محمد بن عتاب العبديّ: (14) 471. محمد بن عتاب المروزي: (11) 146. محمد بن أبي عتيق: (2) 282. محمد بن عثمان: (4) 126، 359. محمد بن عثمان التنوخي: (14) 94. محمد بن عثمان بن مجالد: (10) 121. محمد بن عثمان بن أبي شيبة: (3) 15، 108، 341، (4) 66، 341، (5) 239، 325، (6) 191، (8) 315، (12) 387. محمد بن عجلان: (2) 207، 258، (4) 256، (7) 174، (11) 145، 233، (12) 262. محمد بن عروة بن علقمة: (10) 344. محمد بن عطاء الهاشمي: (11) 36. محمد بن عقبة: (13) 304. محمد بن علوان المقري: (13) 291. محمد بن علي: (3) 204، (6) 367، 368، 396، (7) 9، 69، (10) 122، (11) 36، (14) 507. محمد بن علي بن حسين: (9) 25، 209، (10) 121، (11) 79، 180.
محمد بن علي بن أبي طالب: (12) 248. محمد بن علي بن عبد اللَّه: (11) 177. محمد بن علي الهاشمي: (7) 100. محمد بن عمار: (7) 157. محمد بن عمارة: (2) 170، (8) 14. محمد بن عمر: (2) 275، (3) 94، (4) 289، 338، (5) 63، 65، (6) 345، (7) 179، (8) 42، 258، (9) 181، (10) 93، 208، 344، (11) 74، 79، 149، (12) 99، (14) 506، 515. محمد بن عمر الأسلمي: (9) 83. محمد بن عمر بن جحش: (6) 62. محمد بن عمر الرازيّ: (3) 154. محمد بن عمر بن محمد: (5) 60. محمد بن عمر الواقدي: (8) 188، (11) 253. محمد بن عمران بن أبي ليلى: (11) 279، 280. محمد بن عمران بن موسى: (3) 399. محمد بن عمرو: (2) 161، 255، 292، 310، 319، 344، (4) 127، 255، 267، (5) 256، 276، (8) 59، (10) 216، 346، (12) 73، 262، 263، 350، 353، (13) 158، 347، (14) 101. محمد بن عمرو بن حزم: (3) 352، (12) 246. محمد بن عمرو بن عطاء: (2) 252، (5) 193، (12) 390. محمد بن عمرو بن علقمة: (8) 228، (9) 360، (10) 92. محمد بن عمرو بن أبي عمرو: (14) 516. محمد بن عمير بن عطارد: (8) 259. محمد بن عوف الحمصي: (2) 360. محمد بن عوف بن سفيان الطائي: (12) 325، 340. محمد بن عون: (2) 324، (14) 417، 568. محمد بن غالب: (5) 215. محمد بن الفرج الأزرق: (5) 225. محمد بن فروخ: (11) 365. محمد بن فضل: (5) 377، (10) 47، (12) 367، 391، (14) 207. محمد بن فضيل: (3) 312، (4) 66، 133، 342، (5) 36، 229، 248، (6) 20، (7) 263، 377، (8) 127، 186، (11) 78، 178، 280، 287، (12) 301، (14) 264، 276. محمد بن فليح: (3) 30، (8) 199، (12) 381، (13) 348. محمد بن أبي فديك: (10) 92، 98، (14) 614. محمد بن القاسم: (7) 161. محمد بن القاسم الطائي: (12) 294. محمد بن قتيبة: (2) 354. محمد بن قيس: (2) 222، (3) 53، (4) 104، (10) 233، 234، 235، (11) 251، (14) 429، 512، 542، 543. محمد بن كثير: (5) 235، (10) 310، 318، (11) 221، (12) 198، 259. محمد بن كعب: (1) 34، (3) 317، (4) 45، 293، 343، 407، (5) 169، (6) 133، (8) 280، 296، (12) 127. محمد بن كعب القرظي: (6) 20، (8) 49، 60، 141، 158، 305، 329، (9) 90، 107، (12) 118، 260، 287، 288. محمد بن أبي ليلى: (12) 67.
محمد بن مالك بن المنتصر: (10) 93. محمد بن المبارك الصوري: (2) 142. محمد بن المثنى: (2) 161، 282، 330، (5) 180، (8) 290، (9) 241، 258، (11) 14، (12) 18، 310، 339. محمد بن محمد بن الأسود: (12) 38. محمد بن محمد الأندلسي: (10) 42. محمد بن محمد بن سليمان: (10) 311. محمد بن محمد بن عبد اللَّه البغدادي: (5) 223. محمد بن أبي محمد: (4) 345، 348، (13) 305. محمد بن مروان: (13) 256. محمد بن مروان السدي: (11) 52. محمد بن مسلم: (2) 259، (5) 20، (8) 229، (14) 88. محمد بن مسلم بن شهاب: (4) 106. محمد بن مسلمة: (1) 125، 126، 136، 148، 153، 183، 188، 190، 235، 248، 257، 259، 266، 289، 296، 309، 311، 315، 331، 390، (2) 48، 50، (3) 355، (5) 73، (6) 362، (7) 143، 210، 239، 244، (8) 368، 391، (9) 154، 227، 231، 254، 262، 293، (10) 171، (11) 113، (12) 47، 181، 183، 186، 189، (13) 306، 307، (14) 384، 430، 621. محمد بن مسلمة الأنصاري: (1) 123، 308، (2) 140، 141، (9) 229، 292، (10) 5. محمد بن المسيب: (11) 129. محمد بن مصعب: (3) 204، (5) 384، 385. محمد بن مصفى: (14) 185. محمد بن معاوية: (11) 337. محمد بن معمر: (10) 190. محمد بن مقاتل المروزي: (10) 45، (12) 361، (14) 83، 196. محمد بن المنكدر: (2) 212، 255، (4) 119، 314، (5) 137، 138، 276، 277، (6) 136، 196، (7) 318، (8) 28، 29، 120، 152، (9) 80، (10) 29، 216، (11) 148، (12) 64، 66، 151، (13) 390، (14) 182. محمد بن مهاجر: (7) 109، (11) 131. محمد بن موسى: (4) 45، 96، (5) 27، 28، (6) 9، 10. محمد بن موسى بن أعين: (14) 3. محمد بن نصر: (5) 57. محمد بن نوفل: (2) 260. محمد بن أبي نجيح: (5) 17. محمد بن أبي نضر: (13) 12. محمد بن هارون: (6) 127. محمد بن هاشم: (11) 51. محمد بن هلال: (2) 285، (10) 98، (11) 72. محمد بن واقد الأسلمي: (8) 143. محمد بن وضاح: (14) 185. محمد بن الوليد: (7) 370. محمد بن الوليد الزبيدي: (13) 203. محمد بن الوليد بن عامر: (8) 251. محمد بن وهب: (2) 142. محمد بن يحيى: (3) 32، 324، 326، (5) 231، (9) 262، 351، (10) 3، 208، (11) 181، (12) 340. محمد بن يحيى بن حبان: (8) 124، (10)
49، (12) 214، 215، (13) 306، 343. محمد بن يحيى الذهلي: (3) 69، (5) 284، (13) 208، (14) 3. محمد بن يحيى بن سهل: (7) 194، 198، (13) 250، 273. محمد بن يحيى المروزي: (13) 289. محمد بن أبي يحيى: (7) 35، 313، (13) 294. محمد بن يزيد بن أبي زياد: (12) 233، (14) 141. محمد بن يزيد بن عبادة: (13) 49. محمد بن يزيد المستملي: (12) 89. محمد بن يزيد بن مسلمة: (5) 287. محمد بن يعقوب: (5) 232، (8) 176، (12) 131، 329، 335، 340، 379، (14) 17، 462. محمد بن يعقوب بن عتبة: (3) 362، (7) 179. محمد بن يوسف السراج: (12) 365. محمد بن يوسف الفريابي: (2) 330، (3) 235، 339، (5) 21، (7) 242، 382، (10) 225، (11) 67، (12) 119، 327، (13) 230، (14) 3، 111، 542. محمد بن يونس: (5) 82، (10) 253، (11) 325. محمد بن يونس القرشي: (13) 291. محمد بن يونس الكريمي: (5) 299. محمود بن بكر بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: (12) 78. محمود بن خداش: (11) 42. محمود بن الربيع: (8) 230، (13) 21. محمود بن عبيد: (11) 331. محمود بن غيلان: (12) 20. محمود بن لبيد: (2) 248، 259، (3) 323، 349، 355، (8) 100، (9) 185، 186، 242، (13) 225. محمية بن جزء: (1) 253، (5) 381، (9) 285، 286، 292، 379. محيصة: (1) 136. محيصة بن مسعود: (1) 127، (9) 282. المختار بن فلفل: (13) 200. مخرمة بن سليمان: (8) 89. مخرمة بن نوفل: (1) 85، 89، 357، (9) 298. مخزوم بن هانئ: (4) 60. مخشي بن حمير: (3) 53، 54. مخشي بن عمرو: (1) 73. مخلد بن خالد: (2) 282، 330. مخلد بن عقبة بن عبد الرحمن: (11) 339. مخلد بن يزيد: (8) 279، (11) 45. مخول بن إبراهيم: (7) 175. مرارة بن الربيع: (2) 79، (8) 393. مرثد: (14) 266. مرثد بن عبد اللَّه: (7) 135. مرثد بن أبي مرثد: (1) 83، 84، 183، 185. مرزوق: (2) 23. مرزوق الصقيل: (7) 136، 190. مرزوق أبو عبد اللَّه الشامي: (8) 22. مرزوق بن نافع: (12) 340. مرة: (8) 251، (12) 209، (14) 486. مرة بن خالد: (4) 338. مرة بن أبي الدرداء: (12) 360. مرة بن ربيع: (2) 76. مرة بن كعب البهزي: (12) 77. مرة بن مالك: (9) 283. مرة بن أبي مرة: (5) 40، 263.
مروان: (9) 9، (11) 305، (12) 38، 185، 277، 278، 279، 285، 286، 347، 369، 383، 386. مروان بن الحكم: (5) 109، 367، (6) 51، 142، (9) 35، 86، 354، (10) 97، 108، (12) 185، 220، 275، 356، (13) 373، (14) 128. مروان بن رؤبة: (11) 223. مروان بن سالم: (7) 68، (12) 384، 285، 311. مروان بن أبي سعيد بن المعلى: (7) 246. مروان بن عبد اللَّه البغدادي الشامي: (12) 284. مروان بن عبد الملك: (12) 279. مروان بن محمد: (12) 286، (14) 615. مروان بن محمد الأسدي: (5) 346. مروان بن محمد الظاهري: (6) 127. مروان بن معاوية: (2) 288، (3) 231، (5) 221، (11) 35، 273، (12) 303، (13) 73. مروان بن أبي معاوية: (5) 129. مروان بن نهيك: (12) 285. مزاحم بن أبي مزاحم: (2) 156، (9) 23. مسافع بن صفوان بن ذي الشفر: (6) 83. مسافع بن طلحة بن أبي طلحة: (1) 141، 142. المستلم بن سعيد: (11) 344، (12) 381. مستورد بن مخرمة: (9) 254، (13) 108. مسدد: (8) 128، (11) 41، 224، 290، 302، 313، (12) 4، 14، 25، 83، 329، (13) 18، 225، 357، 371، (14) 103، 621. مسروح: (1) 10. مسروق: (8) 50، 67، 206، 227، 289، 290، 291، (9) 77، 169، (12) 15، 73، 74، (13) 43، 213، 215، (14) 170، 171، 270، 419، 460، 464، 481، 513. مسروق بن الأجدع: (4) 305، (8) 79، (11) 110. مسطح بن أثاثة بن عباد: (1) 72، 216، (6) 169، (9) 282. مسعر: (9) 77، (11) 25، 26، 129، (13) 89، (14) 99، 290. مسعر بن كدام: (2) 342، (7) 268، 312. مسعود بن أبي أمية بن المغيرة: (6) 252. مسعود بن سليمان: (11) 280. مسعود بن سنان: (1) 195، (2) 96. مسعود الضحاك: (4) 398. مسعود بن عروة: (1) 181. مسعود بن عمرو: (4) 77، (9) 180، 297. مسعود بن قبيصة: (12) 335. مسعود بن معتب: (4) 74، 82. مسعود بن هنيدة: (1) 61. المسعودي: (9) 79، (11) 40، (12) 13، 217. مسلم: (8) 50، (12) 56، 332، (14) 171. مسلم بن إبراهيم: (3) 279، (4) 290، (5) 270، (10) 84، 190، (11) 154، (12) 60، 110، 229، 241، 277، (13) 137، (14) 137، 149. مسلم الأعور: (2) 215، (14) 276. مسلم بن أبي بكرة: (13) 225. مسلم بن جعفر: (8) 294. مسلم بن جندب: (4) 291، 295.
مسلم بن الحارث: (6) 44. مسلم بن حجاج: (7) 54. مسلم بن حماد: (10) 75. مسلم بن خالد الزنجي: (2) 212، (4) 283، (12) 273. مسلم الخولانيّ: (5) 286. مسلم بن سعيد: (10) 300. مسلم بن شهاب بن عبد اللَّه: (1) 91. مسلم بن صبيح: (5) 21، 378، (12) 15. مسلم بن عبد اللَّه الأزدي: (2) 276. مسلم بن عبد اللَّه الأعور: (12) 202. مسلم بن عبد اللَّه بن شريك: (5) 285. مسلم بن عبد اللَّه العجليّ: (13) 245. مسلم بن عقبة المزني: (12) 245. مسلم بن عمر: (11) 68. مسلم بن الفضل الآدمي: (4) 570. مسلم بن قتيبة: (4) 371، (7) 113، (9) 81. مسلم بن كيسان: (2) 215، (7) 224، 225. مسلم بن محمد بن زائدة: (2) 332. مسلم بن مشكم: (4) 290. مسلم بن هارون: (12) 60. مسلم بن هيضم: (3) 210. مسلم بن يسار: (3) 356، (12) 364، (14) 125. مسلمة بن أبي الأشعث: (3) 43. مسلمة بن سالم الجهضمي: (14) 614. مسلمة بن عبد الملك: (10) 319. مسلمة بن عقيل: (5) 363. مسلمة بن علقمة: (4) 56. مسلمة بن مخلد: (7) 222، (9) 84، (12) 370. مسلمة بن هشام: (12) 69. المسمعي: (12) 253. مسهر بن عبد الملك: (11) 277. المسور بن رفاعة: (9) 289. المسور بن مخرمة: (4) 36، 150، 251، (5) 108، 109، 110، (7) 178، (8) 101، (9) 9، 248، 369، (10) 285، (12) 203، (13) 373، (14) 181. المسيب بن رافع: (2) 297، (7) 344. المشعث بن طريف: (12) 376. مصعب: (9) 207، 237، (14) 144. مصعب بن ثابت: (9) 287، (10) 29. مصعب بن الزبير: (9) 369، (12) 249. مصعب بن سعد: (11) 307، (12) 35، (13) 110. مصعب بن سليم: (7) 314. مصعب بن سلام: (3) 324، (5) 250. مصعب بن شيبة: (7) 8، (14) 17. مصعب بن أبي شيبة: (5) 383. مصعب بن عبد اللَّه: (3) 324، (8) 136. مصعب بن عبد اللَّه الزبيري: (7) 9. مصعب بن عمير: (1) 52، 53، 56، 95، 98، 100، 135، 138، 143، 146، 147، 149، 152، 155، 169، 174، (3) 329، (6) 143، 155، 281، 296، (7) 161، 165، 166، (9) 189، 191، 206، 207، 208، 279، (10) 79، 87، 88، 133، (13) 256. مصعب بن محمد بن شرحبيل: (14) 473. مطر: (13) 211. مطر بن عبد الرحمن: (11) 322. مطر بن العلاء الفزاري: (11) 358، 359.
مطر بن الفضل: (14) 546. مطر الوراق: (8) 119، (11) 91. مطرح بن يزيد: (2) 288. مطرف: (9) 34، 89، 132، 279، 360، (12) 371، (13) 222. مطرف بن طريف: (12) 276. مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير: (2) 219، 228، 321، 322، (8) 140. المطعم بن عدي: (1) 42، 44، 46، (4) 77، 353، (9) 182، 196. المطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري: (9) 101. المطلب بن ربيعة: (3) 206، 207. المطلب بن زياد: (1) 310، (5) 255، (10) 93. مطلب بن شعيب: (12) 373. المطلب بن عبد اللَّه: (12) 245، (14) 153. المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب: (5) 235، (12) 238، (14) 146. المطلب بن عبد اللَّه بن حويطب: (14) 516. المطلب بن أبي وداعة: (3) 206، 207، (7) 363، 364. معاذ بن رفاعة بن رافع: (3) 319، (5) 139، (12) 89، 149. معاذ: (1) 110، (8) 170، (9) 119، 131، 335، (11) 75، (12) 368. معاذ بن أوس بن عبيد: (2) 36. معاذ بن أبي الأسود: (5) 76. معاذ بن جبل: (1) 95، 176، (2) 10، 36، 58، 71، 80، (3) 358، (4) 210، 281، 288، 289، 290، 303، (5) 112، 114، 267، (6) 191، (7) 47، 171، 224، 242، (8) 130، (9) 83، 130، 137، 168، 169، 208، 372، 375، 376، (10) 348، (11) 150، (12) 27، 325، (13) 5، 177، 191، 192، 204، 212، 262، (14) 204، 418، 513. معاذ بن الجموح: (1) 109. معاذ بن الحارث: (1) 51، (4) 294، (11) 56. معاذ ابن عفراء: (7) 272، (10) 85، 86، (12) 152. معاذ بن عمرو بن الجموح: (6) 238، (12) 152. معاذ بن العلاء: (4) 323، (5) 48. معاذ بن محمد: (3) 33، 34، (4) 91، (5) 63، (7) 177، (13) 273، (14) 49. معاذ بن معاذ: (8) 10، 75. معاذ بن هشام: (2) 234، 274، 308، (3) 279، 283، 394، (5) 86، (6) 127، (8) 6، 242، (9) 275، (10) 193، 246، 247، (11) 114، (12) 310، (13) 22، 40، (14) 553. المعافى بن زكريا: (11) 342. المعافى بن سليمان: (5) 297. المعافى بن عمران: (2) 330، (5) 248. معاوية: (1) 48، (8) 148، (9) 15، 33، 287، 352، 358، 364، (12) 108، 112، 113، 200، 205، 206، 207، 208، 209، 214، 219، 220، 221، 222، 224، 228، 229، 231، 271، 274، 277، 278، 279، 295، 308، 304، 368، (14) 86، 101، 127، 128، 448، 555.
معاوية بن الأرقم: (9) 152. معاوية بن أبي برد: (2) 218. معاوية بن الحكم: (2) 245، 247، (11) 318، 319. معاوية بن حيدة القشيري: (4) 404، (14) 64. معاوية بن خديج: (11) 3، (13) 3. معاوية بن سلام: (12) 265، (14) 78، 79. معاوية بن أبي سفيان: (1) 224، 303، (2) 11، 114، 117، 161، 200، 265، (4) 303، 361، 399، 406، (5) 363، (6) 145، 151، 261، 262، 265، (7) 110، 251، (9) 13، 84، 132، 138، 282، 334، 337، (10) 97، 107، 108، 177، 185، 264، (11) 3، (12) 201، 215، 278، 349، 355، (13) 203، 207، 380، (14) 153. معاوية بن صالح: (2) 216، 218، 331، (3) 34، 90، 147، 419، (4) 54، 55، 58، (7) 276، (8) 86، (9) 94، (11) 155، (12) 146، 257، 333، 334، 359، 360، 362، (13) 202، (14) 107، 192، 254، 285. معاوية بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه: (7) 349، 243. معاوية بن علي: (10) 369. معاوية بن عمرو: (12) 95، 320، (14) 168. معاوية بن مالك بن عوف: (9) 175. معاوية بن قرة: (2) 173، (6) 380. معاوية بن معاوية: (4) 210، 404، (14) 46. معاوية بن المغيرة بن أبي العاص: (1) 178. معاوية بن مقرن: (9) 152، (14) 47. معاوية بن هشام: (2) 323، 324، (14) 283. معاوية بن يحيى: (5) 41، (11) 233، (12) 324. معبد: (8) 33. معبد بن خالد: (1) 373، (5) 151، (7) 171، (9) 265. معبد بن العباس: (6) 166، 271، 276. معبد بن عمرو: (1) 124. معبد بن أبي معبد الخزاعي: (1) 180، 194. معبد بن هلال العنزي: (12) 292. معبد بن وهب: (1) 113. معتب بن أبي بردة: (12) 287. معتب بن عبيد: (1) 185. معتب بن قشير العمري: (1) 170، 232، (2) 31، 71، (5) 114، (6) 301. المعتمر: (8) 58، (9) 330، (11) 243، 246، (12) 20، 248، (14) 156، 262. المعتمر بن سليمان: (2) 264، (3) 30، (4) 120، 126، 334، 348، (5) 158، 160، 161، 243، (8) 31، 33، 128، (9) 69، 272، 329، (11) 366، (12) 257، 289، (14) 114، 168، 361، 411، 413، 542. معدان بن أبي طلحة: (3) 304. معرض بن عبد اللَّه بن محرض: (5) 299. معروف أبو الخطاب: (6) 119. معروف بن مشكان: (4) 299. معشر: (11) 44. معقل: (9) 311.
معقل بن سنان الأشجعي: (1) 376، (7) 169، 171، (12) 245. معقل بن عبيد اللَّه: (5) 30. معقل بن يسار: (2) 49، (7) 193، (9) 122، 271، (12) 246. المعلى بن أسود: (14) 518. المعلى بن علاء: (5) 309. معلى بن منصور: (5) 256. معمر: (8) 5، 19، 21، 27، 54، 99، 101، 102، 117، 120، 122، 129، 134، 136، 151، 201، 248، 249، 391، (9) 9، 11، 31، 33، 34، 107، 110، 201، 239، 283، 297، 309، 320، 382، 391، (11) 12، 115، 125، 132، 198، 240، 241، 248، 290، 309، 349، (12) 119، 125، 140، 166، 178، 195، 202، 211، 241، 249، 258، 262، 289، 305، 308، 324، 365، 377، 389، 391، (13) 21، 30، 83، 89، 90، 113، 148، 157، 182، 184، 217، 221، 223، 224، 257، 276، 289، 337، 338، 339، 345، 385، (14) 8، 83، 88، 106، 149، 157، 170، 180، 187، 200، 212، 215، 284، 423، 424، 429، 437، 439، 446، 459، 467، 478، 480، 512، 524، 572، 573. معمر بن ثابت: (2) 162، (12) 25. معمر بن الحارث بن معمر الجمحيّ: (9) 101. معمر بن حاطب: (11) 337. معمر بن راشد: (3) 225، (4) 338، (6) 48، (7) 298، (8) 201، 298، (9) 328، (13) 250، 273. معمر بن سليمان: (4) 108، (7) 175. معمر بن عبد اللَّه: (1) 332، 390، (7) 239، (10) 49. معمر بن عثمان: (4) 77، (13) 255. معمر بن المثنى: (2) 159، (6) 92، 98، 100، 109، (10) 259، (14) 114. معمر بن محمد: (10) 148. معن: (10) 246، (13) 84. معن بن حاجز: (14) 234. معن بن زائدة: (8) 136. معن بن عدي: (8) 393. معن بن عيسى: (7) 85، 230، (14) 518. معن بن محمد الغفاريّ: (12) 261. معوذ ابن عفراء: (1) 104، 110، (12) 153. معيقيب: (9) 336. معيقيب بن أبي فاطمة: (9) 338. المغيرة: (9) 11، 222، 223، 224، (11) 42، 46، 256، 257، 259، 260، 288، (12) 253، 293، 369، (14) 87، 161، 179، 180، 223، 372. المغيرة بن حبيب: (12) 331. المغيرة بن زياد: (6) 385. المغيرة بن سلمة المخزومي: (11) 220. المغيرة بن شعبة: (1) 287، (2) 57، 85، 86، 87، 312، 313، (3) 60، 65، 67، 68، 69، 362، 364، (4) 345، (5) 270، (6) 151، 162، 293، 331، 361، 392، (7) 26، 133، 178، 179، 285، (9) 10، 297، (12) 259، 292، 369، (13)
33، 232، (14) 290. المغيرة بن شهاب: (4) 291، 303. المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث: (2) 229، (9) 200، (12) 72، (13) 359، المغيرة بن عبد اللَّه: (6) 184، (7) 285، (14) 290. المغيرة بن عطية: (2) 173، (5) 301. المغيرة بن معاوية: (1) 166، 267. مغيرة بن مسلم: (5) 309، (11) 91. المغيرة بن مسلم الخراساني: (11) 45. المغيرة بن مسلم السراج: (14) 180. مغيرة بن نهيك الحجري: (12) 98. المغيرة بن نوفل بن الحرث: (5) 367، (6) 293. مفضل بن صالح: (2) 293، (11) 178. مفضل بن فضالة: (6) 375، (8) 28، 29. المفضل بن محمد: (4) 39. مقاتل: (9) 93. مقاتل بن بشير: (2) 288. مقاتل بن حيان: (3) 342، (6) 127، (8) 277، 287، (11) 96، 97. مقاتل بن سليمان: (3) 54، (10) 376. المقداد: (1) 347، (9) 97، 128. المقداد بن الأسود: (1) 72، 114، (5) 71، (6) 306، (9) 142، (14) 124. المقداد بن عمرو: (1) 84، 93، 280، (2) 67، 89، (4) 398، (7) 167، 209، 244، (8) 381، (9) 241. المقدام بن شريح: (2) 266، (8) 68. المقدام بن معديكرب: (3) 147، (11) 223، (12) 362. مقسم: (1) 116، (9) 36، (11) 290، (12) 169، (14) 26، 544، 553، 580. مقيس السهمي: (1) 89. مقيس بن صبابة: (1) 204، 385، 400، 401، (8) 370، (13) 110. مكحول: (8) 79، (11) 66، 69، (12) 89، 109، 232، 286، (13) 192، (14) 140، 192. مكرز: (1) 291، 293، 295، (9) 162. مكرز بن حفص: (1) 72، 287، 289، 296، 333، 348، (9) 11، 12، (12) 175. ملكان بن عبدة: (9) 282. مليح التيمي: (2) 76. منبه بن الحجاج: (1) 88، 97، 113، 116، (4) 122، (7) 135، 136، (9) 196. منبه بن عثمان بن عبيد: (1) 244. منجاب بن الحارث: (3) 16، (4) 341. منجاب بن راشد: (5) 290. مندل بن علي العنزي: (13) 12. منذر: (13) 186. المنذر بن أبي أسيد: (2) 277. المنذر بن ثعلبة: (14) 574. منذر الثوري: (11) 287. المنذر بن الزبير بن العوام: (12) 245. المنذر بن عمرو: (1) 55، 114، 137، (6) 266. المنذر بن قدامة السلمي: (1) 123، (9) 292. منذر بن الوليد: (11) 242. منصور: (8) 12، 68، 83، 156، (9) 34، 88، 106، (12) 73، 74، 77، 218، 251، 366، (13) 18، 19، 84، 116، 151، 205، 221، 286، (14) 24، 170، 278. منصور بن أحمد المعدل: (11) 332.
منصور بن أمية: (7) 313. منصور بن أبي الأسود: (2) 155، (3) 228. منصور بن حمزة: (3) 12. منصور بن زاذان: (6) 360، (10) 4، (11) 122. منصور بن سلمة: (7) 150. منصور بن طاوس: (5) 241. منصور بن عبد الرحمن: (2) 295، 383، (4) 287، (5) 55. منصور بن عكرمة بن عامر: (1) 43. منصور بن عمار: (6) 119. منصور بن عمارة: (12) 270. منصور بن المعتمر: (4) 15، 309، (5) 22، (7) 175، (11) 290. منصور بن أبي مزاحم: (3) 227، (11) 119. المنكدر بن محمد بن المنكدر: (14) 110. المنهال: (11) 278، 280. المنهال بن عمرو: (2) 212، (4) 311، (5) 39، 40، 174، 175، 255، 262، (6) 191، 357، (8) 48، (12) 295، 296. المهاجر بن أبي أمية: (2) 101، (6) 251. المهاجر بن مسمار: (14) 186. مهدي بن ميمون: (5) 249، (12) 51. مهران بن فروخ: (6) 317. مهشم بن المغيرة: (6) 220. موسى بن إبراهيم: (5) 61، (9) 299. موسى بن إسماعيل: (5) 219، (9) 379، (8) 200، (10) 76، 190، 359، (11) 36، 37، (12) 14، 15، 113، 142، 212، 274، 310، (14) 216، 414. موسى بن أنس: (2) 210، (7) 71، (11) 242، 243. موسى بن جبير: (12) 312. موسى الجهنيّ: (12) 238، 239. موسى بن داود: (7) 105، (12) 314، 338. موسى بن أبي رزين: (13) 80. موسى بن زياد: (12) 221، 222. موسى بن سرجس: (14) 500. موسى بن سعيد: (14) 52. موسى بن سلمة: (7) 253، 254، (11) 221. موسى بن شيبة: (4) 97، (5) 65، (6) 29، (8) 188. موسى بن طلحة: (2) 227، (3) 253، (11) 33، 34. موسى بن عبد الرحمن: (5) 23، (13) 26. موسى بن عبد الملك بن عمير: (3) 401. موسى بن عبيد: (10) 371. موسى بن عبيد اللَّه: (11) 112. موسى بن عبيدة: (7) 243، (11) 49، 56، 125، (12) 319، 325، (14) 514. موسى بن عثمان: (5) 322. موسى بن عقبة: (1) 45، 88، 220، 221، 275، (2) 84، 159، 261، 285، 328، (3) 30، 93، 197، 200، 321، 344، (5) 66، 76، 110، 125، 126، 147، (7) 46، 50، 100، 203، 233، (8) 102، 118، 166، 199، 208، 369، (9) 19، 79، 179، 188، 192، 193، 208، 271، 310، 393، (10) 70،
83، 87، 170، (11) 301، 302، (12) 36، 147، 172، 185، 245، 287، (13) 319، 336، 348، 351، 362، 371، 372، 389، (14) 28، 49، 86، 125، 153، 207، 461، 470، 471، 473، 518، 542، 553. موسى بن علي بن رباح: (6) 51، (14) 199. موسى بن عمر: (7) 298، (13) 329. موسى بن عمير: (11) 69. موسى بن أبي عائشة: (9) 43، (13) 80. موسى بن أبي عوف: (12) 294. موسى بن أبي الغافقي: (11) 3، (13) 80. موسى بن محمد: (3) 323، 326، (5) 168، 271، (10) 63، (12) 119، (13) 386، (14) 515. موسى بن محمد بن إبراهيم: (2) 261، (4) 81، 93، (5) 269، (7) 221، 244. موسى بن مطير: (6) 369. موسى بن ميسرة: (9) 130، (12) 247، (14) 155. موسى بن أبي موسى: (10) 311. موسى بن هارون: (5) 386، (14) 265. موسى بن هلال: (14) 614، 617. موسى بن وردان: (2) 283، (8) 160، (12) 285. موسى بن يزيد: (4) 104. موسى بن يعقوب: (3) 327، (4) 93، (8) 128، (9) 282، (11) 93، 94، (12) 58، 239، (13) 173، (14) 147. مورق: (12) 6، (13) 18. مؤمل: (12) 235، (14) 143. مؤمل بن إسماعيل: (14) 13، 90. المؤمل بن حبيب بن تميم بن عبد اللَّه: (9) 112. مؤمل بن عبد الرحمن: (2) 265. ملازم بن عمرو: (3) 364، (10) 88، 90. ميمون: (8) 7، 8، (12) 364، (13) 293. ميمون بن زيد بن أبي عيسى: (5) 319. ميمون بن أبي شبيب: (6) 360، (10) 4. ميمون بن مهران: (3) 55، 59، (4) 303، (7) 28، (12) 298، 363. مينا: (12) 275. النون ناجية بن الأعجم: (1) 284، 369، (5) 111، (7) 169. ناجية بن جندب: (1) 274، 277، 278، 284، 331، (2) 93، 103، (5) 110، (7) 248، 249، 250، 251، 252، 254. نافع: (2) 23، (8) 22، 60، 61، 75، 77، 117، 166، 167، (9) 31، 32، 190، 191، 212، 335، 362، 383، 393، (11) 129، 131، 143، (12) 65، 282، 283، 364، 390، (13) 11، 13، 153، 359، (14) 86، 184، 222، 302، 303، 304، 499، 517، 617. نافع بن ثابت: (12) 260. نافع بن جبير: (2) 143، 144، 351، (3) 55، 72، 79، (4) 99، 135، (5) 115، 116، (7) 161، (8) 48، 75، 76، (9) 328، (10) 364، (13) 45، (14) 532. نافع بن عبد الحارث: (6) 355.
نافع بن عاصم: (13) 257. نافع بن عبد الرحمن: (10) 378. نافع بن عبد اللَّه: (2) 231. نافع بن عمر: (3) 305. نافع بن عبد قيس: (5) 343، 347. نافع بن لقيط: (5) 343. نافع بن كعب: (11) 141. نافع بن أبي نعيم: (2) 155. نافع بن هرمز: (5) 398. نافع بن يزيد: (12) 248، 287. نبيه: (1) 41. نبيه بن الحجاج: (1) 88، (4) 122، (9) 196. نجاد بن عثمان: (2) 78. نجدة بن نفيع: (12) 78. النزال بن سبرة: (2) 343. نصر بن حجاج: (6) 264. نصر بن طريف: (7) 138. نصر بن عاصم: (4) 302، (12) 268. نصر بن علي الجهنيّ: (11) 67، (14) 168. نصر بن مزاحم: (3) 169، 170. النضر: (8) 52، (12) 197. النضر بن أنس: (5) 168، (9) 116. النضر بن الحارث بن علقمة: (1) 41، 88، 100، (2) 29، (4) 122، 349، 376، (5) 23، (9) 194، 196، 298. النضر بن سعد بن مهيب: (11) 287. النضر بن سلمة: (3) 382، (4) 38، 45، 96. النضر بن سفيان: (3) 401. النضر بن شميل: (2) 164، 219، 319، (4) 367، (5) 256، (7) 219، (8) 326، (11) 55، 242، (12) 197، 256، (13) 175، (14) 35، 322. نضر بن طريف: (5) 318. النضر بن عبد الرحمن: (4) 120. النضر بن قيس: (4) 339. النضر بن محمد: (5) 146، (6) 77. النضر بن معبد: (12) 81. نضلة بن عبد اللَّه بن مرة: (1) 262. نضلة بن معاوية الأنصاري: (3) 382، 383. النعمان بن بشير: (1) 136، (2) 253، 297، (5) 231، 297، 305، (9) 84، 139، 170، (12) 267، 334، 335، (13) 202، 203. النعمان بن ثابت: (2) 204. النعمان بن راشد: (4) 117، (7) 369. نعمان بن سفيان بن خالد: (1) 180. النعمان بن شريك: (4) 353. النعمان بن عجلان: (13) 236. النعمان بن عمر: (10) 36. النعمان بن أبي عبد السلام: (11) 67. نعمان بن أبي عامر: (2) 91. النعمان الكندي: (6) 100. النعمان بن مالك بن ثعلبة: (1) 133، 134، (9) 249. النعمان بن مقرن: (1) 370، 371، (7) 169، 171، 178، 187، (9) 322، (13) 291. النعمان بن المنذر: (1) 269، (2) 31، (4) 27، 612، (6) 154، (13) 5. النعمان المهلبي: (7) 171. نعيم: (11) 20. نعيم بن أوس: (9) 283. نعيم بن حماد: (7) 329، (12) 285،
301، 351، 392، (13) 4. نعيم بن سعد: (2) 38. نعيم بن سلامة: (7) 338. نعيم بن شقيق بن سلمة: (14) 475. نعيم بن عبد اللَّه: (2) 37، (3) 197، (9) 101، (11) 37، 101. نعيم بن عبد كلال: (2) 19. نعيم بن مسعود: (1) 129، 193، 194، 240، 241، 376، (2) 47، (7) 169، 171، (8) 375، (13) 114. نعيم بن ميسرة: (4) 309. نعيم بن أبي هند: (4) 126، (14) 436، 457، 460، 464، 508. نفيع بن الحارث: (6) 329، (11) 38. نفيلة بن حبيب: (4) 75، 82. نمير بن خرشة بن ربيعة: (2) 85. نميلة بن عبد اللَّه الليثي: (1) 306. نهشل بن سعيد: (11) 87. نهيل بن مرداس: (1) 329. النواء: (12) 363. نوح بن دراج: (10) 122، (12) 242، (14) 150. نوح بن ذكوان: (7) 18. نوح بن ربيعة البصري: (7) 385. نوح بن قيس: (12) 20. نوح بن أبي مريم: (5) 398. نوح بن الهيثم: (5) 238. نوفل: (12) 167. نوفل بن الحارث: (4) 391، (5) 152، 190، 380، (6) 157، 277، (9) 286، (12) 169. نوفل بن خويلد: (1) 90، (4) 399، (6) 194، (12) 146، 166. نوفل بن عبد اللَّه: (1) 76، 236، 238، (6) 243. نوفل بن معاوية الديليّ: (1) 348، (2) 111، (4) 79، (13) 277. الهاء هارون الأعور بن موسى القاري: (12) 43. هارون بن حاتم: (4) 311. هارون بن رباب: (2) 212. هارون بن سعد: (14) 580. هارون بن عبد اللَّه: (5) 284، (11) 355. هارون بن عمران: (1) 250. هارون بن محمد بن سالم: (7) 243. هارون بن معروف: (5) 119، (7) 259، (13) 217. هارون بن موسى: (4) 319، 320. هارون بن يوسف بن هارون: (14) 190. هاشم بن بلال: (6) 336. هاشم بن أبي صغيرة: (12) 15. هاشم بن عاصم الأسلمي: (8) 143. هاشم بن عبد شمس: (4) 386. هاشم بن عبد مناف: (4) 20. هاشم بن عتبة بن ربيعة: (6) 157. هاشم بن عمرو الحمصي: (2) 220. هاشم بن القاسم: (2) 217، (5) 145، (8) 64، (12) 13، 18. هاشم بن مخلد الفرياني: (12) 15. هاشم بن المغيرة: (6) 220. هاشم بن هاشم: (7) 396، (8) 128، (9) 96، (11) 305، (12) 38، 239، (14) 147. هانئ بن حبيب: (9) 283، (11) 54. هانئ بن شريح: (2) 278. هانئ بن قبيصة: (4) 353. هانئ بن هانئ: (6) 9.
هبار بن الأسود: (1) 385، (5) 343، 346، 347، 348، (12) 117. هبيرة بن أبي وهب: (1) 234، 235، 236، (4) 108، (6) 277. هدبة بن خالد: (3) 78، (5) 233، 254، (8) 230، (14) 483. الهذيل بن بلال المدائني الفزاري: (12) 192. هرمي بن عمر المزني: (2) 49. هريم: (12) 113. هريم بن سفيان: (14) 110، 111. هريم بن عثمان: (5) 233. هشام: (8) 119، 162، 241، (9) 121، 237، 361، (11) 41، 130، 151، 195، 198، 235، 236، 243، 299، 300، 303، 305، (12) 7، 11، 291، 309، (13) 297، 301، 302. هشام بن أبي أمية بن المغيرة: (6) 252. هشام بن أبي جريج: (5) 138. هشام بن حبان: (5) 238. هشام بن حسان: (2) 272، 306، (5) 163، (7) 10، 146، (8) 31، (10) 190، (12) 256. هشام بن حكيم: (4) 250، 251، 266، 268، 275، 279، (9) 156. هشام بن الحارث بن حبيب: (1) 56. هشام بن خالد الأزرق: (13) 192. هشام الدستواني: (2) 308، (5) 182، (6) 380، (7) 265، (8) 130، (11) 154، 328، (12) 359، (14) 277. هشام بن زيد: (8) 45، (10) 223، 225، (12) 18. هشام بن سعد: (2) 170، 211، 212، 218، (4) 80، 255، 345، (5) 22، (6) 362، (7) 9، 148، (9) 352، (10) 366، (12) 114، 115، (13) 322، 325، 375. هشام بن صبابة: (1) 204، (8) 370. هشام بن عبيدة: (12) 320. هشام بن عروة: (1) 213، (2) 159، 160، 163، 168، 170، 286، 207، 216، 226، 227، 270، 274، 279، 285، 289، 302، 309، 347، 349، (3) 16، 45، 46، 52، 68، 69، 293، 323، 324، 380، (4) 29، 128، 330، (5) 302، 309، 335، (6) 138، 372، 375، (7) 57، 66، 68، 87، 119، 161، 233، 251، 252، 273، 313، 315، 316، 317، 327، 331، 332، 347، 354، (8) 34، 40، 52، 67، 80، 152، 161، 200، (9) 30، 111، 186، 280، 361، 364، (10) 76، 163، 228، 230، 237، 267، 269، 362، 363، 368، (11) 70، 235، 236، 295، 297، 298، 300، 301، 302، (12) 9، 360، (14) 182، 183، 220، 221، 279، 283، 436، 478، 498، 502، 503، 508، 522، 523، 525، 542، 556، 566، 578، 584، 604، 607. هشام بن علي: (5) 170، 233. هشام بن عمار: (2) 238، (5) 248، (6) 274، (7) 351، (10) 160، (11) 349، (12) 284، 285، (14) 126، 217. هشام بن عمر: (9) 298.
هشام بن عمرو: (1) 44، (2) 29. هشام بن الغاز: (7) 223، (12) 232، (14) 140. هشام الكلبي: (4) 98، (7) 19، (10) 260، 261. هشام بن محمد بن السائب: (4) 240، 359. هشام بن معاذ: (8) 292. هشام بن المغيرة: (6) 107، 150، 220، 263. هشام بن منبه: (3) 316. هشام بن الوليد: (6) 226، 246. هشام بن لاحق: (11) 389. هشام بن يحيى الغساني: (12) 258، (14) 277. هشام بن يوسف: (4) 244، (6) 48، (11) 177. هشيم: (9) 357، 371، (11) 41، 70، 119، 288، (12) 209، (13) 376، 378، (14) 87، 88، 460، 464. هشيم بن بشير: (4) 57. همام: (8) 58، 80، 90، 117، 118، 171، 233، 241، 292، (9) 22، 95، (11) 38، (12) 7، 93، 95، 125، 249، 292، 338، 377، (13) 113، 285، (14) 157، 200، 483، 524، 525. همام بن أمية: (13) 83. همام بن الحارث: (7) 25. همام بن منبه: (2) 315، 329، (7) 323، (8) 101، 102، (9) 239، (12) 195، 345، (14) 187. همام بن حيي: (2) 298، (3) 280، (4) 254، (5) 25، (7) 57، 265، (11) 129، (12) 359، (13) 229. الهمذاني: (12) 252. هناد: (11) 53. هند بن هند: (6) 296. هند بن أبي هالة: (2) 152، 153، 154، 164، 166، 168، 177، 180، 284، (6) 295، 352، 353. الهنيد بن القاسم: (12) 254. هود بن عبد اللَّه بن سعيد: (7) 139، (14) 55. هوذة بن خليفة: (11) 252، (12) 232، 279، (13) 293، (14) 140. هوذة بن علي الحنفي: (1) 304، 305. هوذة بن قيس: (1) 222، (9) 230. هلال بن أسامة: (12) 73. هلال بن أمية الواقفي: (2) 51، 79، 81، 82، (7) 168، 170، (8) 393. هلال بن الحارث: (6) 332. هلال بن حصن: (14) 100. هلال بن أبي حميد: (14) 494. هلال بن خباب: (2) 288، 297، (7) 264، (14) 417. هلال بن رداد: (3) 15. هلال بن ظفر: (6) 332. هلال بن عامر: (6) 389، (14) 458. هلال بن عبد اللَّه بن عبد مناف: (1) 385. هلال بن علي: (2) 200، 247، (3) 144، (5) 345، (11) 244، (12) 5، 340، 381. هلال بن العلاء الراقي: (12) 224، (13) 229. هارون الكوفي: (4) 330. هلال بن أبي ميمونة: (2) 245. هلال بن أبي هلال: (2) 201.
هلال بن يزيد: (2) 288. هلال بن يساف: (5) 58، (8) 286، (12) 367، (13) 221. هيثم: (9) 88، 89، 107، 122، (11) 317. هيثم بن بشرة: (9) 356. هيثم بن التيهان: (2) 190. الهيثم بن جماز: (11) 317. الهيثم بن جميل: (2) 59، 360. الهيثم بن حماد: (5) 238. الهيثم بن حميد: (14) 94. الهيثم بن خارجة: (12) 284، 388. الهيثم بن خلف الدوري: (1) 310. الهيثم بن رافع الباهلي: (12) 115. الهيثم بن شفي: (13) 207. الهيثم بن عدي: (7) 15، 221، 225، (11) 335. الهيثم بن عمران: (14) 302. الهيثم بن نصر الأسلمي: (7) 349. الهيثم بن واقد: (5) 111. الواو وائل بن داود: (14) 450. وابصة بن معبد الأسدي: (9) 146، (14) 101، 102. واثلة بن الأسقع: (3) 94، 204، 318، (4) 232، 256، 303، (5) 170، 171، 196، 384، 393، (6) 119، (12) 365، 378، (13) 46. واثلة بن الخطاب: (5) 196. واقد بن عبد اللَّه التميمي: (9) 76، 101، 191. واقد بن محمد: (3) 123، (11) 176. واقد بن أبي ياسر: (2) 239. وائل الحضرميّ: (8) 3. وديع بن خالد: (10) 170. وديعة بن ثابت: (2) 53، 54، 71، 72، 78، (5) 114. وردان: (2) 23. ورقاء: (13) 12. ورقاء بن عمر: (3) 190، 214، (12) 13. ورقة بن نوفل بن أسد: (1) 34، (2) 266، (3) 7، 11، 13، 20، 23، 29، 39، (4) 29، 42، (6) 255، (10) 321. الوضاح بن سلمة الجهنيّ: (11) 362. وضاح بن يحيى: (13) 12. وفاء بن شريح: (11) 92. وقرة بن الزبير: (6) 277. وكيع: (8) 27، 75، 291، 292، (9) 119، 127، 273، 280، 383، (11) 42، 49، 50، 252، 269، (12) 108، 120، 199، 236، 326، 359، 369، 382، (13) 25، 31، 137، 186، 195، 226، (14) 13، 144، 285. وكيع بن الجراح: (5) 300، (9) 274. الوليد: (1) 104، (12) 149، 210، 231، 241، 280، 281، 295. الوليد بن بكر: (11) 54. الوليد بن أبي ثور: (2) 267، (5) 54. الوليد بن جميع: (11) 13، (13) 188، 189. الوليد بن حسان: (4) 316. الوليد بن رباح: (3) 224، 232، (10) 107، (11) 73، (14) 23. الوليد بن أبي رهم: (7) 101.
الوليد بن زهير بن مطرف: (1) 181. الوليد بن سليمان: (5) 196، (13) 203. الوليد بن سويد: (5) 78، 79. الوليد بن شجاع: (7) 104. الوليد بن عبد الرحمن: (7) 113، (8) 251. الوليد بن عبد اللَّه: (11) 224، 342، (12) 290، 382، (14) 418. الوليد بن عبد الملك: (3) 70، (10) 77، 93، 94، 109، (12) 241، 280، 304، (13) 213. الوليد بن عبد الواحد: (5) 30. الوليد بن عتبة: (5) 363، (11) 3، (12) 105، 106، 107، 245، (13) 3، (14) 153. الوليد بن عقبة: (4) 183، (5) 297، (12) 102، 103، (13) 212، 215، 216، 217، 218. الوليد بن عباس: (13) 4. الوليد بن القثم: (5) 250. الوليد بن قيس: (12) 231، (14) 139. الوليد بن كثير: (2) 275، 310، (4) 115. الوليد بن كعب: (14) 437. الوليد بن محمد الموقري: (6) 48. الوليد بن مسلم: (2) 236، 237، (3) 56، 169، 204، (4) 239، 379، (5) 8، 74، 192، (6) 374، (7) 223، 298، 299، (8) 31، 33، 93، 131، 170، (9) 80، 312، (10) 324، 361، (11) 143، (12) 210، 264، 281، 284، 285، 295، 301، 324، 351، 368، 388، (13) 191، (14) 16، 184، 301، 567، 586. الوليد بن المغيرة: (1) 19، 41، (4) 122، 229، 345، 347، 348، (5) 23، (6) 90، 170، 224، 246، 248. الوليد بن هشام المعيطي: (12) 295. الوليد بن هاشم: (2) 237. الوليد بن الوليد: (1) 37، 302، (2) 206، (6) 226، 242، 248، (9) 114، (12) 68، 69، 70، 71، 72، 73، 139. الوليد بن يزيد: (7) 313، (12) 280، 281، (14) 124. وهب: (11) 71، 113، 129، (12) 284، 383، (13) 39، (14) 222. وهب بن الأجدع: (11) 129. وهب بن بقية: (10) 158، (13) 347. وهب بن جابر: (2) 84. وهب بن جرير: (2) 182، 256، 302، (5) 17، 326، (6) 10، 360، (8) 103، 118، (9) 207، (10) 4، (12) 317، (14) 105، 124، 439. وهب بن خالد: (3) 169. وهب بن عبد اللَّه المعافري: (12) 299. وهب بن عبد مناف: (4) 42. وهب بن عطاء بن يزيد: (11) 362. وهب بن عمير: (12) 170. وهب بن كيسان: (1) 282، (3) 24، 75، 76، (5) 200، (13) 369. وهب بن منبه: (2) 122، 208، (3) 342، 347، 361، (4) 79، 407، (11) 201. وهيب: (8) 145، (12) 14، (14) 40. وهيب بن جابر: (11) 309.
وهيب بن خالد: (7) 252، (12) 15. الياء ياسر: (1) 311، (9) 106، 107. ياسر بن سويد: (4) 9. ياسر بن عامر: (1) 36. ياسين الزيات: (7) 315، 359. ياسين بن معاذ: (7) 269. يحيى: (9) 306، (11) 269، (12) 66، 71، 72، 83، 95، 139، 324، 347، 358، 369، 372، 373، (13) 11، 12، 18، 228. يحيى بن إبراهيم: (3) 382، (10) 253. يحيى بن أدم: (4) 288، 321، 326، (7) 160، (10) 222، (11) 45، (14) 8، 193. يحيى بن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة الأنصاري: (12) 109. يحيى بن إسماعيل: (8) 158. يحيى بن أيوب: (4) 241، (5) 131، 331، (8) 77، (10) 176، 286، (11) 47، 48، 65، (12) 239، 240، 385، (14) 124، 148، 266، 461، 465، 469. يحيى بن أبي الأشعث الكندي: (9) 93. يحيى بن بشير العنبري: (8) 75. يحيى بن بكير: (2) 153، 154، (5) 252، 331، (9) 200، (10) 31، 62، (12) 8، 158، (13) 55، 390، (14) 320، 493. يحيى بن أبي بكر: (2) 248، (10) 300، (12) 76، (13) 192. يحيى بن أبي بكير: (2) 275، (4) 268، (9) 97، (12) 261، 307. يحيى بن جابر: (14) 126. يحيى بن جعفر: (11) 49. يحيى بن الحارث: (4) 304. يحيى بن حبيب الحارثي: (13) 210. يحيى بن حبيب بن عدي: (5) 241. يحيى بن حسان: (7) 109، (12) 83، 265، (13) 380، (14) 79. يحيى بن حصين: (9) 311. يحيى بن جعدة: (2) 160، (5) 229، (9) 363. يحيى بن الحكم: (9) 287. يحيى بن حماد بن سلمة: (3) 40. يحيى الحماني: (3) 236، (11) 346، (14) 207. يحيى بن حمزة: (7) 3، (11) 349، (12) 210، 368، (14) 192. يحيى بن أبي حية الكلبي: (13) 10. يحيى بن خالد بن دينار: (13) 374. يحيى بن خلف: (5) 243. يحيى بن راشد: (8) 74. يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: (2) 385، (4) 86، (5) 209، (6) 51، (7) 344، (12) 208، 315. يحيى بن زكريا الأنصاري: (4) 325. يحيى بن أبي زكريا: (14) 429. يحيى بن زيان: (12) 285. يحيى بن سالم الأزدي: (14) 148. يحيى بن سالم الأسدي: (12) 240. يحيى بن السباق: (11) 39. يحيى بن سعيد: (2) 216، 231، 234، 242، 243، 258، 265، 273، 285، 307، (3) 69، 71، 83، 236، 319، (4) 112، 113، 221، 240، (5) 46، 48، 57، 58، 125،
134، 295، 296، 326، 327، 357، 398، (6) 75، (7) 71، 120، 131، 366، 367، (8) 91، 124، (9) 79، 270، 362، (10) 42، 149، 151، 152، 346، 363، (11) 300، 313، 314، (12) 4، 214، 252، 274، 318، 319، 366، 372، 373، (13) 4، 12، 187، 343، 382، (14) 25، 160، 196، 200، 269، 429، 436، 490، 550، 567، 578، 584، 585، 607، 608. يحيى بن سعيد بن العاص: (2) 225. يحيى بن سعيد القطان: (2) 221، 255، (3) 151، (5) 266، (7) 263، (11) 135، 224، (12) 60، 350، (13) 11، 200، 201. يحيى بن سلمة بن كهيل: (11) 288. يحيى بن أبي سلمة: (5) 182. يحيى بن سليم: (5) 255، (7) 288، (14) 38. يحيى بن سليمان: (4) 18. يحيى بن سهل: (14) 435. يحيى بن عباد بن عبد اللَّه: (13) 264، (14) 509، 559، 569. يحيى بن عبادة بن عبد اللَّه بن الزبير: (12) 157. يحيى بن عبد الحميد: (3) 40، 290، 365، (4) 115، (5) 178، (11) 135، 333، (12) 44، 229، 238، (13) 225، (14) 137، 146. يحيى بن عبد الرحمن: (3) 47، 366، (10) 364، (12) 39. يحيى بن عبد العزيز: (9) 262. يحيى بن عبد اللَّه: (4) 319، (13) 290. يحيى بن عبد اللَّه بن بكير: (2) 142، (12) 211، (14) 542. يحيى بن عبد اللَّه بن حسين: (5) 30. يحيى بن عبد اللَّه بن سالم: (11) 113، (13) 45. يحيى بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن: (3) 351، (14) 304. يحيى بن عبد اللَّه بن أبي قتادة: (7) 244. يحيى بن عبد اللَّه بن مالك: (7) 9. يحيى بن عبد اللَّه المصري: (5) 264. يحيى بن عبد اللَّه بن يزيد: (9) 212. يحيى بن عبيد: (5) 383، (7) 360. يحيى بن عتيق: (2) 272، 305. يحيى بن عروة بن الزبير: (4) 128، (5) 7. يحيى بن عقيل: (2) 217. يحيى بن علي بن محمد: (5) 61، (6) 274. يحيى بن عمارة: (5) 167. يحيى بن عمرو الشيبانيّ: (4) 378. يحيى بن أبي عمرو: (3) 344، (4) 20، (5) 43، (7) 361، (12) 388. يحيى بن كثير: (2) 611، 245، 274، 308، (7) 137، (8) 294. يحيى بن أبي كثير: (2) 240، (3) 30، 169، (4) 119، 196، 336، (5) 182، (6) 75، (7) 3، 335، 342، (8) 80، 130، (9) 33، 96، 212، (12) 71، 259، (13) 89، 288. يحيى بن كعب: (8) 147. يحيى اللخمي: (3) 231. يحيى بن المبارك: (4) 302، 324. يحيى بن محمد أبي محمود البصري: (2) 194. يحيى بن محمد الحنائي: (5) 227.
يحيى بن محمد بن صاعد: (14) 614. يحيى بن محمد بن عبد اللَّه: (8) 147. يحيى بن محمد بن يحيى: (8) 128، (13) 329. يحيى بن المختار: (2) 220. يحيى بن معمر: (4) 254، (14) 417. يحيى بن معين: (3) 293، (4) 334، (5) 82، 385، (6) 78، (7) 303، (10) 180، 299، 345، 357، (11) 177، 273، (12) 60، 209، 297، 298، 347، (14) 105، 344. يحيى بن المغيرة: (5) 367، (11) 388. يحيى بن موسى: (11) 354، (12) 47. يحيى بن هشام: (7) 273. يحيى بن نفيل: (7) 233. يحيى بن واضح: (7) 344. يحيى بن وثاب: (4) 291، 308، 311. يحيى بن يحيى: (2) 205، 281، (4) 250، 376، (7) 346، (10) 159، 360، 381، (11) 17، 315، (14) 490. يحيى بن زيد: (5) 27. يحيى بن يعلى: (7) 18، (12) 222. يحيى بن يعمر: (3) 125، (4) 302، (6) 8، (9) 212، 213. يحيى بن يمان: (7) 364، (11) 331، (14) 575. يزيد: (9) 326، (11) 45، 136، (12) 232، 246، 277، 301، 338، 353. يزيد بن أبان: (7) 79، 237. يزيد بن إبراهيم: (8) 292، (11) 85، (13) 222. يزيد بن أحمد: (4) 316. يزيد بن إسحاق بن إسماعيل: (11) 379. يزيد بن أسلم: (10) 350، (12) 115. يزيد بن الأصم: (6) 91، 171، (10) 220، 222، 319. يزيد الأيلي: (9) 226. يزيد بن بابنوس: (2) 192، 384، (3) 19، (14) 509. يزيد بن ثعلبة بن خزمة: (1) 51. يزيد بن جابر: (14) 253. يزيد بن جارية: (2) 78. يزيد بن جهيم: (7) 315. يزيد بن حبان: (5) 375، 377، (7) 160. يزيد بن زيد بن حصن: (1) 120. يزيد بن الحصيب الأسلمي: (9) 160. يزيد بن أبي حبيب: (2) 275، 310، (3) 48، 69، 302، 303، (4) 241، 352، 366، (5) 135، 347، (7) 369، (9) 207، (11) 286، (12) 98، 233، 370، 384، (13) 207، 208، 366، 367، (14) 8، 124، 141، 266. يزيد بن أبي حكيمة: (12) 94. يزيد بن أبي الحكم: (3) 239. يزيد بن حمان: (2) 235. يزيد بن حمزة بن عوف: (6) 109. يزيد بن حمير: (7) 342، (12) 206. يزيد بن الحوتكية: (7) 345. يزيد بن أبي خالد الدالاني: (12) 196. يزيد بن خصيفة: (8) 48. يزيد بن ربيعة: (3) 367. يزيد بن رومان: (3) 22، 320، (4) 124، 291، 302، (7) 313، (8) 364، (9) 109، 287، (12) 139، 145، 178، (14) 48، 434. يزيد الرقاشيّ: (7) 375، (11) 67، 70،
35، (13) 21. يزيد بن زريع: (3) 58، 122، (10) 47، 225، 293، (11) 41، 271، (14) 106، 372، 547. يزيد بن زمعة: (2) 23. يزيد بن زياد: (4) 343، (8) 305، 310، 314، (12) 118، 301. يزيد بن أبي زياد: (3) 204، 205، 206، 207، 314، (6) 21، (11) 78، 319، (12) 320، (13) 20. يزيد بن أبي سفيان: (2) 114، (6) 151، 262، (12) 232. يزيد بن شهاب: (7) 226. يزيد بن عامر: (5) 70. يزيد بن عبد ربه: (9) 312. يزيد بن عبد اللَّه: (2) 169، (3) 207، (5) 119، 158، 331، (9) 280، (10) 148، 307، (11) 41، (12) 392، (13) 137، 352. يزيد بن عبد المدان: (2) 95. يزيد بن عبيد السلمي: (5) 129. يزيد بن عطاء: (3) 206، 207، (14) 111. يزيد بن عمر: (2) 180. يزيد بن عياض: (11) 316. يزيد بن أبي عبيد: (5) 145، (9) 303، 304، 306، (12) 82، 83. يزيد الفارسيّ: (4) 240، 241. يزيد الفقير: (9) 238. يزيد بن قسيط: (5) 381. يزيد بن القعقاع: (4) 291، 294، 302، 315. يزيد بن قيس: (9) 283. يزيد بن كعب: (6) 304. يزيد كيسان: (2) 233، (3) 96، (5) 221، (7) 131، 263، (11) 271، (12) 386. يزيد بن الليث: (5) 114. يزيد بن مروان: (13) 205. يزيد بن معاوية: (4) 407، (5) 363، (6) 158، (12) 245، 232، 246، 250، 355، (13) 224، (14) 154. يزيد بن المقدام بن شريح: (2) 278. يزيد بن ميسرة: (10) 379. يزيد بن أبي مالك: (8) 276. يزيد بن أبي مريم: (11) 45. يزيد النحويّ: (9) 202. يزيد بن النعمان بن بشير: (5) 296، (12) 267. يزيد بن نوح: (11) 315. يزيد بن نمران: (12) 108. يزيد بن الهاد: (4) 67، (5) 329، 330، (10) 35، (11) 32، (13) 135، (14) 500. يزيد بن هارون: (2) 209، 217، 233، 237، 242، 249، 284، 322، (3) 312، 321، 339، (4) 238، 289، (5) 95، 158، 159، 236، (6) 50، 286، 394، (7) 91، 206، 270، 292، (8) 167، 313، (9) 79، 275، (10) 91، 378، (11) 38، 218، 222، 344، (12) 3، 23، 60، 246، 257، 379، (14) 8، 46، 47، 63، 82، 101، 154، 281، 297، 304، 550. يزيد بن هاشم: (4) 320. يزيد بن ورقاء بن عبد العزيز ربيعة الخزاعي: (9) 236.
يزيد بن وهب: (5) 22، (11) 67، (12) 320. يزيد بن يزيد: (7) 223، 379. يسار: (1) 308، (2) 23، (9) 112. يسار بن زيد: (6) 320، 336. يعقوب: (1) 140، (12) 219، 220، (14) 430. يعقوب بن إبراهيم بن سعد: (5) 330، (10) 344، (11) 17، (13) 262، 391، (14) 216، 533، 572. يعقوب بن إسحاق بن حنظلة: (11) 356، 357، (12) 255. يعقوب بن حميد: (6) 368. يعقوب الحضرميّ: (3) 233. يعقوب الدورقي: (4) 135. يعقوب بن الربيع: (13) 367. يعقوب بن زمعة: (2) 22. يعقوب بن زيد بن طلحة: (3) 397، (9) 293، (11) 51. يعقوب بن سفيان: (2) 156، 159، 161، 171، 289، (7) 74، (11) 134، 315، 337، (12) 196، 199، 205، 210، 219، 232، 244، 287، 295، 297، (13) 267، (14) 127، 128، 140، 152، 192، 196، 464، 465، 542، 543. يعقوب بن شيبة: (4) 268. يعقوب بن عبد الرحمن: (3) 212، (7) 371، (8) 255، (10) 97، (11) 282، (12) 345، 346، (14) 201، 223، 515. يعقوب بن عبد اللَّه بن أبي طلحة: (5) 169. يعقوب بن عتبة: (2) 205، (5) 12، 236، (9) 219، (10) 328، (14) 433. يعقوب بن كعب الأنطاكي: (12) 285. يعقوب بن مجاهد: (5) 34، 89. يعقوب بن محمد: (3) 16، (4) 52، (7) 188، 238، (9) 328، (10) 48، 362، (11) 46، 354، 362. يعقوب بن الوليد: (7) 316، (12) 11. يعقوب بن يحيى بن عباد: (2) 213. يعقوب بن يوسف بن علي: (5) 61. يعقوب بن أبي يعقوب: (7) 384. يعلى: (11) 388. يعلى بن إبراهيم: (5) 238. يعلى بن الأشدق: (2) 264. يعلى بن الأشهل: (11) 371. يعلى بن أمية: (1) 397. يعلى بن حكيم: (14) 439. يعلى بن سمية: (6) 132. يعلى بن شبيب: (10) 195. يعلى بن شداد بن أوس: (4) 303. يعلى العامري: (6) 18. يعلى بن عبيد: (2) 21، (6) 176، (12) 238، (14) 145. يعلى بن عطاء: (2) 171، (5) 68، 69، (7) 113، (8) 27، (12) 63. يعلى بن عمران: (4) 60. يعلى بن الفضل: (3) 227. يعلى بن مرة: (2) 218، (5) 39، 40، 41، 55، 253، 254، 255، 262، 263، (11) 320، 321. يعلى بن منيه: (1) 18، (2) 58، (5) 65، (6) 7، (8) 188، (13) 362. يعيش بن طخفة: (5) 182. يوسف: (12) 74، 156. يوسف بن أسباط: (11) 78. يوسف بن أبي إسحاق: (12) 106.
يوسف بن بهلول: (14) 462. يوسف بن أبي بردة: (7) 101. يوسف بن خالد: (5) 230. يوسف بن خليل: (10) 298. يوسف بن راشد: (5) 325. يوسف بن سعد: (12) 274. يوسف بن سليمان: (11) 349، (12) 388. يوسف بن الصباح: (5) 80. يوسف بن عبد اللَّه: (2) 205، 260، (3) 383، (7) 313، (10) 42، 62، (11) 385. يوسف بن علي: (12) 364. يوسف بن عطية: (12) 361. يوسف بن عمر التميمي: (11) 135. يوسف بن عون: (3) 294. يوسف بن كامل: (7) 74. يوسف بن أبي كثير: (7) 18. يوسف بن الماجشون: (7) 369، (9) 379، (12) 151، 156، 198. يوسف بن مازن الراسبي: (12) 274. يوسف بن مالك: (11) 224. يوسف بن ماهك: (4) 244. يوسف بن محمد بن المنكدر: (12) 65. يوسف بن مهران: (7) 373، (10) 359، (12) 168. يوسف بن موسى: (4) 312. يونس: (8) 17، 19، 21، 47، 48، 53، 113، 114، 115، 119، 150، 151، 199، 200، 243، 246، 254، 343، (9) 51، 196، 204، 226، 238، 239، 285، 307، 335، 389، 390، (11) 41، 45، 113، 119، 187، 199، 201، 240، 248، 309، 322، 354، (12) 240، 323، 335، (13) 21، 41، 55، 56، 60، 80، 86، 112، 157، 220، 280، 296، 300، 304، 338، 385، 390، 391، (14) 9، 65، 67، 88، 148، 180، 187، 190، 210، 211، 212، 213، 223، 320، 237، 446، 459، 460، 464، 473، 493، 509، 512، 547، 554، 574، 580. يونس بن أرقم الكندي: (5) 71، (8) 281. يونس الأيلي: (7) 329. يونس بن أبي إسحاق: (2) 215، (5) 248، (6) 191، 357، 387، (8) 170، (11) 45، (12) 11، (14) 3. يونس بن بكير: (2) 88، 208، 282، 335، 351، (3) 59، 329، 353، (4) 41، 46، 95، 344، 348، 363، 376، (5) 10، 30، 36، 38، 39، 41، 54، 70، 75، 103، 106، 109، 193، 208، 211، 259، 261، 263، 300، (6) 285، (8) 179، 186، 199، 200، 208، 294، 314، (9) 92، 95، 105، 11، 183، 184، 185، 190، 194، 207، 367، 368، (10) 75، 328، (11) 292، 330، 340، (12) 84، 146، 155، 156، (13) 108، (14) 26، 44، 48، 67، 76، 79، 84، 321، 356، 423، 433، 440، 480، 484، 508، 569، 582. يونس بن الحارث: (7) 133. يونس بن حبيب: (3) 19، (5) 181، (9) 316. يونس بن حراب: (5) 255.
يونس بن خباب: (5) 39، 261. يونس بن زيد: (2) 142، (9) 78، 287. يونس بن سليمان: (3) 47. يونس بن شبيب: (2) 353. يونس بن شهاب: (9) 306. يونس بن عبيد: (2) 159، (4) 57، (6) 389، (7) 61، 161، 362، (10) 311، 317، (11) 176، (12) 223، 311، 335، (14) 372، 547. يونس بن عبد الأعلى: (10) 253. يونس بن عطاء: (10) 310. يونس بن عمرو: (5) 10، (7) 119. يونس بن محمد: (5) 22، (8) 28، 30، 278، (11) 141، 339، (12) 94، 292، (13) 255، 268. يونس بن يونس بن مزيد الأيلي: (12) 40. يونس بن ميسرة: (12) 210. يونس بن يزيد: (2) 143، 241، (3) 3، (4) 41، 46، 47، 337، (5) 8، 190، 380، (7) 5، 45، 48، (8) 229، 231، 246، (10) 26، 131، 346، (11) 153، (12) 68، 297، (13) 224، (14) 8، 421، 546. الكنى والألقاب أبو أحمد: (5) 61. أبو أحمد بن جحش: (9) 100. أبو أحمد الزبير: (5) 248. أبو إبراهيم (محمد بن القاسم) : (2) 146. أبو الأحوص: (2) 297، (3) 229، (4) 256، 338، (7) 398، (8) 154، 157، 168، (11) 119، 113، 223، (12) 25، 44، 81، 136، 366، 387، (13) 12، 116. أبو إدريس الخولانيّ: (2) 192، 254، (8) 134، (9) 319، 325، 326، (12) 210، 265، (13) 190، 224، (14) 184، 191، 192. أبو أرقم: (9) 282. أبو أروى الدوسيّ: (3) 51، (8) 351. أبو أسامة: (1) 149، 236، 243، (2) 193، (3) 45، 46، 289، (5) 146، (7) 316، 355، (8) 40، 98، 227، (9) 77، 87، 96، 186، (10) 161، 269، 306، (11) 49، 50، 235، 239، 297، 300، 380، (12) 202، 231، 291، 308، 346، (13) 228، (14) 139، 284، 478. أبو إسحاق: (1) 103، (2) 43، 159، 163، 269، 323، 324، 329، 385، (3) 42، 83، 84، 85، 92، 226، 227، 288، 291، 322، (4) 103، 104، 109، 132، 177، 245، 267، 288، 289، 291، 200، 328، 329، 347، (6) 9، 191، 395، (7) 95، 203، 214، 216، 218، 219، 224، 227، 229، 267، 358، 398، (8) 84، 85، 156، 157، 325، 326، 330، (9) 36، 95، 116، 121، 191، 206، 273، 276، 365، 366، (10) 145، 146، 248، 271، 295، (11) 45، 46، 67، 83، 91، 119، 125، 128، 133، 135، 141، 147، 155، 178، 361، (12) 34، 38، 39، 95، 102، 103، 104، 106، 107، 134، 136، 138، 139، 154، 155، 158، 215، 233، 240، 279، 345، 349، 387، (13) 41، 46، 103، 114، 296، 308،
(14) 72، 73، 148، 168، 279، 291، 482، 554، 555. أبو إسحاق الأسلمي: (12) 149. أبو إسحاق السبيعي: (4) 308، (11) 54، (14) 3. أبو إسحاق السعدي: (12) 89. أبو إسحاق الشيبانيّ: (5) 274، 275. أبو إسحاق بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن: (8) 124. أبو إسحاق بن أبي عبد اللَّه: (3) 325، (9) 321. أبو إسحاق الفزاري: (9) 107، (12) 154. أبو إسحاق بن قرقول: (12) 265. أبو إسحاق بن محمد: (12) 149. أبو إسحاق الهمدانيّ: (2) 153، (5) 47، (8) 324، (12) 122. أبو أسماء: (12) 296، 321، 370. أبو أسماء الرحبيّ: (12) 371، (14) 78، 94. أبو الأسود: (1) 41، (3) 32، (4) 72، 239، 259، 292، (5) 109، 112، (6) 88، (8) 93، (9) 212، 213، (12) 219، 318، (13) 273، 348، (14) 21، 28، 127، 327، 473، 542. أبو أسيد الساعدي: (1) 106، 163، 212، (5) 82، (6) 100، 101، 153، (7) 2، 168، 170، 207، 351، (12) 146، (13) 120، 121، 124، 265. أبو الأشعث: (8) 78. أبو الأشعث الصنعاني: (11) 60، 61، (12) 77. أبو الأشهب: (4) 354. أبو الأشوع: (8) 289. أبو الأعور السلمي: (1) 162، (12) 201. أبو أمامة: (1) 78، (3) 138، (4) 54، 120، 392، 398، (5) 188، 306، (7) 338، (8) 137، (9) 96، 207، 312، (11) 64، 66، 69، 85، 114، 115، 124، 326، 327، 328، (12) 51، 85، 90، 210، 329، (13) 25، 46، 115، (14) 47، 258، 506. أبو أمامة الباهلي: (5) 131، (9) 94، 154، (12) 127، 388، (13) 177. أبو أمامة بن سهل بن حنيف: (6) 118، (7) 304، 305، 306، 390، 391، 392، (8) 111، 112، (9) 257. أبو أمية: (6) 220، (11) 315. أبو أمية المخزومي: (10) 29. أبو أوفى: (9) 271. أبو أويس: (2) 155، (7) 369، (9) 359، 360، (12) 85. أبو أيوب: (1) 70، (3) 116، (4) 210، 254، (5) 190، (7) 18، 288، 344، 349، (8) 127، 329، (9) 200، 203، (10) 82، (14) 417، 587. أبو أيوب الأنصاري: (2) 131، (5) 179، (6) 98، (7) 309، 340، (9) 53، (13) 87، 88، (14) 126. أبو أيوب النعمان: (13) 309، 311. أبو البختري: (1) 44، 88، 89، 90، 108، (4) 122، (9) 86، (11) 293، 294، 295، (12) 199، (14) 99. أبو البداح بن عاصم الأنصاري: (12) 373. أبو براء: (1) 183، 184. أبو بردة: (2) 160، 318، (3) 100، (7)
11، 355، (8) 84، 98، 356، (9) 274، (12) 326، (13) 46، 60، 225، (14) 411، 502، 565. أبو بردة بن أبي موسى: (5) 5. أبو بردة بن نيار: (1) 107، 113، 136، 137، 145، (2) 11، (3) 326، (7) 168، 170، 198، (11) 49، 50، (14) 14، 15. أبو برزة: (2) 285، (9) 209، 214. أبو برزة الأسلمي: (1) 399، (12) 273، (14) 372. أبو بريدة: (7) 25، (8) 87. أبو بشر: (4) 132، (5) 9، 74، (7) 278، (9) 75، 335، (12) 128، 315، (13) 289، (14) 286، 414. أبو بشير المازني: (13) 258. أبو بصرة: (9) 282، (14) 185. أبو بصير: (1) 301، (9) 13، 14، 15، 16. أبو بكر: (1) 32، 34، 36، 37، 52، 53، 56، 57، 58، 59، 60، 65، 68، 69، 70، 84، 93، 98، 100، 103، 111، 115، 134، 148، 152، 157، 158، 171، 178، 179، 193، 203، 212، 213، 214، 215، 219، 227، 230، 253، 259، 265، 273، 275، 280، 291، 293، 330، 349، 352، 377، 389، 392، (8) 34، 77، 114، 117، 118، 133، 134، 165، 175، 178، 245، 316، 317، 318، 322، 323، 325، 326، 328، 341، 343، 344، 359، 389، (9) 12، 31، 33، 68، 83، 94، 95، 96، 97، 98، 106، 109، 110، 112، 113، 118، 120، 128، 130، 136، 190، 191، 193، 196، 197، 198، 199، 201، 202، 209، 210، 217، 220، 240، 241، 243، 244، 245، 247، 251، 258، 261، 262، 266، 272، 275، 281، 287، 289، 299، 302، 310، 311، 318، 319، 320، 325، 338، 385، (11) 298، (12) 11، 13، 40، 80، 88، 121، 122، 137، 141، 161، 176، 196، 232، 256، 277، 283، 299، 315، 384، (13) 18، 68، 69، 92، 96، 97، 143، 147، 149، 152، 157، 159، 160، 177، 197، 199، 200، 202، 214، 218، 222، 250، 254، 269، 366، 367، (14) 22، 28، 54، 140، 167، 169، 170، 185، 205، 207، 210، 215، 220، 224، 235، 240، 255، 263، 265، 292، 304، 321، 322، 372، 401، 411، 425، 437، 440، 441، 442، 450، 452، 453، 454، 455، 456، 457، 458، 460، 461، 463، 464، 465، 466، 467، 469، 470، 471، 472، 473، 474، 475، 476، 478، 479، 485، 511، 548. أبو بكر بن إسماعيل: (12) 178. أبو بكر بن أبي إدريس: (12) 276. أبو بكر بن أبي أويس: (12) 83. أبو بكر اليرقاني: (2) 352، (5) 58، (9) 114.
أبو بكر بن أبي بكر: (11) 33. أبو بكر بن الحسن: (5) 361. أبو بكر بن داود: (12) 314. أبو بكر بن أبي الدنيا: (3) 189، (5) 284، 296، (10) 88، (11) 3، 218. أبو بكر بن سالم: (8) 114، 117. أبو بكر بن أبي سبرة: (4) 67، (8) 258، (9) 281. أبو بكر بن سعيد: (6) 162. أبو بكر بن سليمان: (10) 57، (12) 288، 289. أبو بكر بن أبي شيبة: (1) 78، (2) 43، 192، 193، 195، 204، 215، 221، 228، 234، 255، 258، 266، 278، 291، 353، (3) 47، 206، 284، 288، 312، (4) 193، 224، 239، 246، 338، (5) 48، 157، 159، 171، 175، 229، 250، 251، 253، 384، 385، (6) 18، 234، 236، 303، 309، (7) 275، 281، 340، 375، 377، (9) 25، 76، 127، 280، (10) 65، 145، 330، 343، (12) 6، 13، 31، 58، 67، 97، 168، 199، 208، 238، 236، 240، 279، 290، 324، 327، 345، 347، 359، (13) 35، 111، 114، 137، 256. أبو بكر الصديق: (1) 287، 294، 299، 328، 344، 345، 357، (2) 14، 24، 26، 47، 48، 50، 51، 65، 70، 73، 82، 84، 92، 93، 94، 105، 106، 126، 127، 131، 132، 134، 135، 149، 152، 161، 170، 213، 214، 220، 225، 307، 323، 325، 375، (3) 101، 197، 200، 320، 321، 327، 365، 404، (4) 4، 18، 98، 115، 116، 127، 128، 187، 211، 218، 224، 231، 239، 240، 242، 243، 244، 246، 248، 259، 271، 273، 287، 289، 290، 322، 323، 326، 327، 328، 329، 354، 374، 375، 385، 387، 391، 393، 397، 400، 405، (5) 56، 57، 58، 59، 78، 79، 80، 81، 94، 95، 96، 97، 98، 99، 100، 115، 137، 138، 161، 162، 173، 178، 189، 204، 206، 209، 210، 212، 215، 216، 223، 225، 230، 247، 251، 255، 269، 271، 290، 293، 294، 295، 297، 298، 314، 318، 351، 378، (6) 14، 16، 28، 46، 48، 49، 50، 130، 141، 150، 167، 168، 178، 179، 181، 182، 209، 237، 344، 251، 262، 273، 278، 314، 339، 340، 350، 355، 364، 370، (7) 36، 38، 39، 56، 71، 107، 109، 148، 155، 156، 157، 164، 167، 171، 173، 180، 181، 187، 220، 228، 233، 234، 249، 259، 288، 289، 298، 349، 358، 397، 369، 370، 371، 372، (9) 68، 95، 137، 168، 198، 218، 220، 237، 259، 282، 310، 320، 339، (10) 41، 50، 70، 71، 78، 82، 83،
85، 88، 97، 131، 132، 133، 166، 227، 228، 259، 342، 382، (11) 92، 94، 120، 125، 132، 155، 177، 180، 181، 222، 237، 238، 292، 295، 300 ، 301، (12) 123، 355. أبو بكر بن أبي عاصم: (5) 229، 243. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: (3) 20، 211، 231، (4) 38، 106، (8) 136، (10) 210، (13) 374، (14) 429. أبو بكر بن عبد اللَّه: (2) 260، (3) 368، (7) 155، (10) 93. أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي الجهم: (9) 291. أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي سبرة: (7) 350، (9) 291. أبو بكر بن عمر: (11) 145. أبو بكر بن عمرو بن عتبة: (12) 120. أو بكر بن عياش: (2) 155، (4) 268، 287، 288، 309، 310، 312، 321، 326، (5) 163، 251، (7) 269، 297، (9) 114، 361، (10) 145، 248، (12) 107، 258، (13) 211. أبو بكر بن فهد الهاشمي: (4) 381. أبو بكر بن مجاهد: (4) 315. أبو بكر محمد بن عمرو بن حزام: (3) 34، 70، (9) 281، (12) 200. أبو بكر محمد بن أبي نصر الحميدي: (9) 114، (12) 243. أبو بكر بن أبي مريم: (2) 330، 332، (3) 170، (4) 47، 54، (11) 3، 4، (12) 275. أبو بكر بن أبي موسى: (8) 83، 174. أبو بكر بن أبي النضر: (6) 359. أبو بكر النهشلي: (13) 192. أبو بكر الهذلي: (4) 117، (14) 16. أبو بكرة: (2) 23، (4) 57، 249، 254، 256، 269، (5) 185، (8) 59، (9) 138، 332، 383، (13) 226، 231. أبو بكير: (7) 150. أبو تميله: (2) 160، (6) 378. أبو تميمة الهجيمي: (7) 13، 61. أبو التياح: (10) 79، (12) 230، (14) 138، 304. أبو ثابت: (12) 287. أبو ثروان: (4) 399. أبو ثعلبة: (4) 345، (12) 267، 342. أبو ثعلبة الخشنيّ: (12) 232، (14) 140، 204. أبو ثمامة: (7) 39. أبو ثور: (9) 31، (12) 60. أبو جابر: (8) 356. أبو جابر بن عبد اللَّه: (1) 161. أبو الجارود: (8) 281، (12) 248، (14) 156. أبو جبلة: (8) 94. أبو الجحاف: (9) 319. أبو جحيفة: (2) 155، 324، (4) 195، (7) 125، 153، 334، (13) 89. أبو الجعد البارقي: (12) 44. أبو جعدة الضمريّ: (2) 47. أبو جعفر: (1) 310، (2) 159، (3) 317، 324، (4) 5، 315، (7) 350، (8) 64، 126، 158، (10) 75، 122، (12) 326، (13) 13، 66، 374، (14) 435. أبو جمرة: (1) 64. أبو جمعة: (12) 340.
أبو جناب: (2) 328، (13) 10، 11. أبو جندل: (1) 292، 293. أبو الجهم: (1) 304، (6) 130، (7) 12، (8) 165، (12) 285، 307. أبو جهيم الأنصاري: (4) 249، 254، 256. أبو الجوزاء: (3) 222، (9) 79، (11) 57. أبو حاتم الرازيّ: (12) 258، 293. أبو الحارث: (4) 312، 316، (5) 276، (9) 290. أبو حارثة: (4) 394. أبو حازم: (3) 271، 338، (4) 126، 187، (6) 396، (7) 131، 263، 266، 317، 336، 356، 371، (9) 87، (10) 158، (11) 145، 273، 274، 275، (12) 262، 315، 336، 386، (13) 58، 124، 135، 200، 337، 339، (14) 111، 203، 276، 278، 515. أبو الحباب: (1) 211، 284، (6) 393، (9) 293. أبو حبيب: (12) 228. أبو حبيبة: (2) 76، (3) 326، (13) 204، 389. أبو حبيش الغفاريّ: (5) 147. أبو حثمة: (12) 288. أبو حثمة الحارثي: (1) 136. أبو الحجاج المزي: (6) 179. أبو حذافة: (2) 142. أبو حذيفة: (6) 364، 375، (8) 275، (11) 252، (12) 161. أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: (9) 101، 189. أبو حذيفة الغدوي: (2) 34، (9) 236. أبو حذيفة بن المغيرة: (6) 220، 221. أبو حذيفة المهاجر: (6) 350. أبو الحسن: (6) 29، (9) 35، (12) 277، 359، (13) 6. أبو الحسن الأسدي: (4) 312. أبو الحسن الألهاني: (12) 89. أبو الحسن الجزري: (12) 277. أبو الحسن الحمامي: (5) 62. أبو الحسن بن عبيد: (11) 136. أبو الحسن العوفيّ: (10) 181. أبو الحسن القابسي: (12) 265. أبو الحصين: (5) 146، (10) 146، (13) 208، 383. أبو حفص: (5) 48، 225، (9) 225. أبو الحكم: (1) 90، (7) 136، (12) 152، 158. أبو حكيم بن حزام: (9) 156. أبو حمزة: (2) 213، (3) 293، (4) 370، 371، (5) 287، (7) 85، (9) 32، 116، 346، (12) 113، 273، 343، 366، 367، (13) 40، (14) 57، 58. أبو حمزة الثمالي: (2) 267، (7) 269، (8) 310، (9) 68. أبو حمزة القصاب: (12) 112. أبو حميد الساعدي: (3) 252، (5) 151، (7) 351، (9) 160، 265، (11) 31، (14) 42، 43، 44. أبو حنظلة: (2) 76، (4) 345. أبو الحويرث: (3) 214، (4) 66، (9) 181، (11) 48، (13) 375. أبو حيوة: (12) 108، 293. أبو خارجة: (12) 211. أبو خالد: (4) 340، (9) 127، (13) 352.
أبو خالد الأجوري: (12) 345. أبو خالد الأحمر: (2) 258، (7) 229، 340. أبو خالد الأسدي: (3) 284. أبو خالد الشعبانيّ العامري: (10) 138. أبو خبيب: (12) 255. أبو خيثم: (12) 262. أبو الخطاب: (8) 60. أبو خلدة: (12) 20، 279. أبو خليفة: (9) 202، (13) 363. أبو خيثمة: (2) 51، 205، 209، (5) 328، (8) 62، (12) 14، 15، 296، (13) 368. أبو داود الجفري: (14) 479. أبو دجانة: (1) 106، 148، 149، 152، 159، 169، 190، (2) 14، 51، (3) 323، (8) 360، (13) 334، (14) 110. أبو الدرداء: (1) 156، (2) 270، 301، 302، (3) 77، (4) 289، 290، 303، (7) 87، 261، (8) 3، 49، 134، (9) 131، 139، 322، 323، (10) 217، 326، (11) 3، 64، 65، 140، (12) 109، 210، 268، 359، 360، (14) 107، 274. أبو ذر: (1) 203، 264، 306، 331، 367، 397، (2) 52، 290، (3) 36، 293، 302، 312، 313، (4) 228، 242، 370، 371، 372، 374، 404، (5) 30، 78، 79، 80، (7) 32، 171، 232، 244، 245، (8) 83، 190، 196، 206، 207، 214، 229، 230، 231، 242، 246، 285، 292، 295، 296، 299، 300، 393، (9) 128، 140، 212، 213، 227، 328، 329، (10) 29، 273، 305، 345، (11) 82، 129، 131، 178، (12) 6، 232، 276، 279، 307، 331، 345، 376، 377، 384، (13) 100، 177، (14) 34، 35، 37، 38، 39، 185. أبو رافع: (1) 68، 69، 97، 310، 321، (2) 7، 97، 130، (4) 401، (5) 92، (6) 342، (7) 158، (8) 64، (9) 20، 292، 301، 302، (11) 53، (11) 148، 231، 232، (12) 6، 221، 222، (13) 24، 336، (14) 203، 204، 290، 299، 380. أبو الربيع: (12) 318. أبو الربيع الزهراني: (13) 358. أبو الربيع بن سالم: (2) 139، (4) 59، (5) 73. أبو رجاء: (4) 338، 339، (8) 128، (9) 35، (13) 34. أبو رجاء العطاردي: (4) 291، 300، (5) 99، 100، 101، 102، 103، (8) 11، 103، 104، (13) 222. أبو رزين: (6) 118، (10) 236، 237. أبو رفاعة العدوي: (7) 126، 127. أبو رمثة: (7) 65، 74. أبو رهم: (1) 331، (2) 159، (9) 227، (12) 336. أبو رهم بن عبد العزى: (6) 280. أبو رهم الغفاريّ: (1) 107، 274، (2) 25، 33، 47، (7) 247، 249، (9) 227. أبو روح: (11) 233. أبو رويم: (4) 296. أبي زائدة: (12) 11.
أبو الزاهرية: (7) 234، (12) 334، (13) 229، (14) 107. أبو الزبير: (2) 172، 305، 328، 338، (3) 283، (5) 38، 189، 220، 250، 251، 252، 255، 258، 259، 261، 301، (6) 367، 368، (8) 62، 86، 155، 162، 186، 313، (9) 89، 122، 126، 271، 384، (10) 292، (11) 85، 123، 256، 257، 263، 264، (12) 67، 289، 370، 379، (13) 19، 286، 287، (14) 13، 25، 196، 296، 449، 495، 496. أبو الزبير بن العوام: (6) 194. أبو الزبير الملكي: (3) 34، (5) 112. أبو زرعة: (3) 236، 268، 271، 283، 290، 400، (4) 53، (5) 151، (7) 286، (9) 188، 224، 265، (10) 173، (11) 138، (12) 90، 230، (14) 262. أبو الزعراء: (3) 290. أبو زمعة: (1) 92، (12) 139. أبو زميل: (6) 67، 72، 77، 78، (8) 343، (9) 247، (12) 138. أبو الزناد: (2) 139، 251، (3) 51، 135، 282، (4) 295، 314، 375، (11) 59، (12) 72، 73، 194، 195، 343، 344، (13) 158، 159، 160، 172، (14) 157، 170، 200، 201. أبو زياد: (13) 88. أبو زيد الأنصاري: (4) 289، (11) 346. أبو السائب: (2) 23، (8) 145، 146، 148. أبو سبرة: (5) 284، (6) 90، 280، (9) 360، (11) 341، 342، 343. أبو السحيم: (11) 19. أبو سعد بن أبي طلحة: (1) 141، 142. أبو سعد بن وهب: (1) 190. أبو سعدة: (12) 34. أبو سعيد: (1) 79، 238، (3) 235، 289، (5) 211، 321، (7) 308، 397، (9) 86، 118، 119، 320، (12) 198، 211، 276، 299، (14) 504. أبو سعيد البقال: (5) 281. أبو سعيد الخدريّ: (1) 134، 136، 153، 198، 283، 354، (2) 202، 211، 332، (3) 71، 77، 229، 252، 263، (4) 194، 195، 405، (5) 233، 240، 319، 329، 330، 331، (7) 62، 115، 129، 130، 300، 310، 339، 398، (8) 60، 110، 112، 190، 209، 262، 285، (9) 83، 86، 90، 118، 135، 136، 249، 257، 319، (10) 62، 72، 73، 83، 148، 174، 175، 176، 177، 276، 277، 292، 293، 297، 320، 342، 366، (11) 32، 84، 86، 89، 94، 151، 178، 251، 290، 331، (12) 197، 205، 231، 276، 290، 296، 301، 349، 350، 353، (13) 16، 23، 88، 115، 132، 135، 177، 322، 324، 325، 374، (14) 26، 27، 58، 100، 101، 139، 168، 175، 179، 196، 223، 356، 425، 476، 503، 514. أبو سعيد بن أبي عمرو: (12) 131. أبو سعيد المؤدب: (3) 227.
أبو سعيد بن يونس: (12) 225، 383. أبو السفر: (12) 11، (14) 3. أبو سفيان بن حويطب: (6) 160، 268. أبو سفيان: (1) 89، 90، 91، 92، 97، 114، 124، 170، 178، 180، 192، 193، 194، 222، 238، 240، 241، 242، 275، 351، 356، 358، 359، 360، 361، 366، 368، 375، 376، 381، 382، 383، 384، 398، (2) 376، (3) 377، 380، (4) 344، 345، (6) 67، 68، 69، 71، 73، 74، 75، 77، 78، 79، 80، 81، (7) 115، 270، (8) 6، 62، 280، (9) 254، 285، 297، (11) 388، (12) 5، 77، 78، 141، 176، (14) 13، 495. أبو سفيان بن الحارث: (1) 11، 356، 357، 390، (2) 13، 17، (5) 67، 70، (6) 277، 311، (7) 217، 219، (9) 282، 295. أبو سفيان بن حرب: (1) 72، 123، 124، 131، 137، 146، 163، 171، 172، 224، 230، 234، 235، 243، 349، 350، 387، 390، 396، 400، (2) 11، 17، 21، 28، 87، 114، 234، (3) 211، (4) 122، 401، 403، (6) 185، 246، 261، 263، (9) 189، 297، 334، 364. أبو سفيان العمري: (3) 290. أبو سفيان مدلوك: (11) 358، 359. أبو سلمة: (1) 37، 213، 269، (2) 164، 255، 288، 319، 344، (3) 43، 60، 169، 212، 233، 312، 315، 316، 366، (4) 104، 105، 119، 127، 255، 267، 336، 337، 338، (5) 256، (6) 180، 294، (7) 115، 205، (8) 59، 74، 80، 90، 221، 254، (9) 108، 125، 189، 212، 239، (10) 35، 245، 286، 291، 380، (11) 37، 45، 64، 74، 79، 80، 153، 187، 236، 249، (12) 71، 72، 73، 108، 127، 151، 240، 262، 263، 304، 350، 353، (13) 158. أبو سلمة الأنصاري: (12) 61. أبو سلمة بن عبد الأسد: (1) 10، 56، 74، 181، (5) 23، (8) 335، 337، (9) 99، 107، 189، (10) 28، 69، (12) 151. أبو سلمة بن عبد الرحمن: (2) 268، 328، 332، (3) 11، 12، 13، 15، 30، 51، 134، 135، 281، 282، (4) 104، 117، 336، (5) 50، 319، (7) 6، 71، (8) 12، 231، 249، 250، (9) 238، 239، (10) 38، 75، 148، 305، 344، 345، 346، 353، (12) 68، 69، 126، 195، 239، 259، (13) 36، 55، 56، 183، 370، 371، (14) 26، 101، 124، 147، 148، 473، 511، 512، 514، 551، 565، 579. أبو سلمة الجشمي: (1) 102، 149. أبو سلمة المخزومي: (9) 139. أبو سلمى: (13) 115. أبو السليل: (7) 13. أبو سليمان: (4) 74. أبو السمع: (6) 365. أبو سنان: (2) 343.
أبو سنان الأسدي: (9) 127. أبو سنان الدؤلي: (11) 221. أبو سنان بن محصن: (1) 252. أبو سهل: (12) 363. أبو سهل بن سعد: (7) 351. أبو سهل بن مالك: (11) 147. أبو سهلة: (13) 200، 201، 204. أبو سهيل بن مالك: (8) 165. أبو سلام: (8) 130، (12) 265، 266. أبو سلام الأسود: (4) 379. أبو سلام الدمشقيّ: (4) 378. أبو شريح: (5) 149، (9) 143، 260، (12) 364، 383، 384، (14) 199. أبو الشعثاء: (7) 76، (9) 370. أبو شيبة: (1) 141، (2) 152، (4) 120، 126. أبو صالح: (2) 144، 170، (3) 43، 282، 343، 359، (4) 64، 121، 266، (5) 47، 191، 322، (6) 104، 374، (7) 19، (8) 81، 136، 287، 312، (9) 52، 69، 70، 71، 107، 108، 119، (10) 210، (11) 41، 52، 59، 84، 252، 315، (12) 154، 163، 261، 262، 345، 346، (13) 20، 76، 221، (14) 62، 92، 93، 192. أبو صالح الحراني: (6) 143. أبو صالح السمان: (10) 343. أبو صالح بن عمر: (12) 276. أبو صالح الفراء الأنطاكي: (9) 107. أبو صالح بن المهلب: (11) 145. أبو صخر: (4) 111، (5) 381، (9) 54، (12) 287، 364. أبو الصباح البهزي: (11) 51. أبو الصلت: (8) 281. أبو صفوان بن عميرة: (7) 16. أبو صفية: (6) 333. أبو الضحاك: (14) 170. أبو الضحى: (8) 51، (12) 74، 119، (13) 73، 213، (14) 145. أبو ضمرة: (8) 40، 31، 145، (9) 361، (11) 47. أبو ضمضم: (2) 161. أبو طالب: (1) 14، 16، 18، 34، 35، 44، 45، (2) 145، 335، 339، 340، 341، 345، 348، (3) 106، 317، 368، (4) 99، 100، 101، 386، 395، (5) 63، 64، 125، 126، 128، 174، (6) 1، 29، 30، 244، 276، (8) 174، 175، 179، 181، 182، 184، 185، 188، 305، 312، (9) 180، 181، (11) 317، (12) 85، 118. أبو طالوت: (7) 276، (14) 285. أبو الطفيل: (2) 155، 169، 340، 341، (5) 112، (8) 73، (11) 92، 380، 381، (12) 134، 290، 309، 378، (13) 12، 229، (14) 13. أبو طلحة: (1) 20، 150، 170، 261، (2) 104، 115، 135، 194، 208، (3) 250، (5) 165، 220، 350، (7) 200، 355، (9) 94، 277، (10) 50، (11) 44، 46، 270، (12) 5، 23، 24، 25، 26، 59، 160، (13) 263، 266. أبو طلال: (11) 67. أبو ظلال: (5) 227، 257. أبو ظبيان: (5) 37، (6) 10، (14) 79.
أبو عاصم: (4) 79، 323، (5) 48، 70، (10) 106، (11) 56، (13) 75. أبو عاصم الضحاك: (2) 282، 331. أبو عاصم العباد: (12) 60. أبو عاصم النبيل: (2) 263، (5) 266. أبو العالية: (2) 285، (3) 353، (4) 300، (5) 185، (8) 246، 247، 268، 285، 288، (10) 170، (12) 20، 232، 279، 321، 326، (13) 210، 211، (14) 179، 180. أبو عامر: (1) 139، 151، 155، (2) 79، (9) 235، (12) 267، (13) 24. أبو عامر الأشعري: (2) 19، (6) 66. أبو عامر الراهب: (1) 222. أبو عامر العقدي: (2) 281، (6) 78، (12) 329، 339، 349، (13) 323. أبو عامر الهوزني: (12) 349. أبو عبادة (سعد بن عثمان) : (1) 164. أبو العباس: (4) 277، (5) 230، (8) 176، (10) 181، (12) 295، 340. أبو العباس السراج: (5) 294. أبو عبد الرحمن: (3) 289، (4) 322، 323، (5) 376، (9) 24، 122، 124، (10) 64، 66، (12) 185، 202، 258، 315، (13) 376، 377، 378. أبو عبد الرحمن الحبلي: (3) 49، (7) 340، (8) 87، (13) 291. أبو عبد الرحمن السلمي: (4) 287، 288، 290، 306، 309، 310، 322، 326، (5) 25، (7) 175، (12) 201. أبو عبد الرحمن الفهري: (5) 68، (7) 613. أبو عبد الرحمن المقري: (5) 135. أبو عبد السلام: (12) 312. أبو عبد العزيز الزبيدي: (14) 473. أبو عبد اللَّه: (1) 160، (2) 255، (3) 103، (5) 200، (6) 337، 393، (8) 6، 93، (9) 15، 288، 289، (10) 89، (11) 134، (12) 65، 106، 236، 245، 286، 295، 311، (14) 101، 195. أبو عبد اللَّه بن الأغر: (7) 83. أبو عبد اللَّه البصري: (9) 142. أبو عبد اللَّه الجدلي: (2) 201. أبو عبد اللَّه الجرشي: (8) 281. أبو عبد اللَّه الجشمي: (10) 217. أبو عبد اللَّه بن جعفر: (8) 835. أبو عبد اللَّه السلمي: (4) 314. أبو عبد الملك: (12) 85، 89، 90. أبو عبيد: (1) 130، (2) 368، (4) 326، 352، (5) 5، 44، (6) 333، (8) 85، (9) 193، (11) 147، 233، (12) 347، (14) 292. أبو عبيد اللَّه: (6) 127، (9) 68. أبو عبيدة: (1) 142، 144، 153، 345، (2) 143، 157، (4) 64، 259، (6) 303، (9) 21، 273، 369، 375، (10) 194، 259، (12) 136، 139، 154، 155، 198، (13) 213. أبو عبيدة بن الجراح: (1) 148، 152، 153، 266، 292، 296، 344، 346، 362، (2) 28، 124، 126، 135، (3) 368، (4) 403، (9) 83، 99، 134، 135، 366، 369، (10) 348، (12) 232، 340، (13) 368، 369، (14) 73، 140، 181، 204. أبو عبيدة بن الحارث: (9) 99.
أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود: (9) 79. أبو عبيدة بن محمد بن عمار: (5) 132، (7) 272، (9) 107. أبو عتبة: (9) 228. أبو عثمان: (3) 291، (12) 330، 364، 370. أبو عثمان بن سنة الخزاعي: (9) 78. أبو عثمان المتعلج: (12) 330. أبو عثمان النهدي: (1) 226، (3) 233، (5) 183، 184، (9) 79، (11) 145، 389، (12) 4، (13) 198، 199. أبو عزة (عمرو بن عبد اللَّه الجمحيّ) : (1) 131، 172، 173. أبو عسيب: (6) 334. أبو عطفان: (7) 285، (10) 52. أبو عقيل: (5) 128، (7) 340، (12) 50. أبو علي: (11) 136، (12) 157. أبو علي بن خلاد: (3) 158. أبو علي بن خيران: (3) 155، (13) 7. أبو علي بن مقلة: (4) 317. أبو عمار: (3) 204، (12) 288. أبو عمارة: (9) 102. أبو عمر: (7) 360، 361، (9) 185، (11) 310، (12) 150، 192. أبو عمر بن أبي بكر: (4) 315. أبو عمر الحوضيّ: (5) 233. أبو عمر بن عبد اللَّه: (3) 53. أبو عمران: (12) 377. أبو عمران الأنصاري: (8) 3. أبو عمران الجوني: (2) 314، (3) 19، 302، (8) 258، 259، (9) 271، (12) 376، 377، (13) 209. أبو عمرو: (1) 113، 141، 175، 249، (4) 287، 319، 320، (9) 255، 256. أبو عمرو الأوزاعي: (12) 281. أبو عمرو الأنصاري السلمي: (9) 236. أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: (6) 249. أبو عمرو الدوري: (4) 312. أبو عمرو بن العلاء: (4) 299، 301، 302، 324، 330، (7) 4. أبو عمرة: (13) 343. أبو العميس: (12) 120. أبو عوانة: (3) 58، 237، 278، 279، 293، 306، 312، 317، (4) 132، 279، (5) 9، 20، 88، 124، 176، 197، (7) 269، 278، 355، 360، (8) 82، (9) 43، 75، 125، 324، 335، (10) 221، 246، 265، (11) 290، (12) 113، 205، 290، 299، 302، 315، 364، (13) 12، 378، (14) 414. أبو عون الأنصاري: (13) 204. أبو عون الثقفي: (4) 291. أبو العلاء: (5) 240، (8) 281، (9) 280، (11) 324، (12) 313. أبو العلاء الأودي: (7) 75. أبو العلاء الخفاف: (2) 212. أبو العلاء بن الشخير: (12) 379. أبو عياش الزرقيّ: (1) 198، 282، (13) 286. أبو عيسى الأنصاري: (4) 393، (5) 319. أبو عيسى بن جبير: (12) 189. أبو غادية المزني: (12) 200. أبو غالب: (5) 195، (10) 84، (13) 25. أبو غسان: (10) 77، 105، (13) 337. أبو غطفان: (9) 114.
أبو الغيث: (13) 341. أبو الغيداق: (1) 141. أبو فاختة: (3) 253. أبو فروة: (10) 173، (12) 391. أبو فزارة: (10) 222، 319. أبو الفضل: (7) 163، (11) 311، (12) 73. أبو الفضل بن الحباب: (1) 354. أبو الفضل العباس بن محبوب: (5) 300. أبو الفضل عياض بن موسى: (5) 309. أبو فكيهة: (9) 112، 114. أبو فليح: (11) 288. أبو القاسم: (1) 5، 315، (2) 186، (12) 8. أبو قبيل: (12) 270، 278، 298. أبو قتادة: (1) 168، 179، 195، 245، 261، 263، 277، 342، 346، 347، (2) 46، 69، 72، 73، 80، 81، 82، (5) 92، 93، 94، 96، 97، 98، 106، (7) 376، (8) 87، (9) 274، (10) 36، (11) 114، 197، (13) 115، 177، 307، 311، 363. أبو قتيلة بن مرة الحضرميّ: (7) 57. أبو القثم: (1) 5، (4) 250. أبو قحافة: (1) 36، (4) 77. أبو قدامة: (9) 77. أبو قرصافة: (11) 152. أبو قرصافة الكناني: (12) 53. أبو قرة: (11) 55، 56. أبو قزعة الباهلي: (4) 130. أبو قسيط: (13) 33. أبو قلابة: (5) 70، (7) 295، (8) 27، 129، 130، (9) 34، 316، 317، (10) 116، (12) 296، 321، 370، 371، (13) 173، 184، 345، (14) 10، 299. أبو قيس بن الفاكه: (1) 37، 41، (6) 243. أبو قيس بن الوليد: (1) 37، (6) 226، 245. أبو كامل الجحدري: (1) 18، (5) 219. أبو كاهل: (11) 141. أبو كبشة: (9) 70. أبو كثير: (11) 253. أبو كدينة: (5) 91. أبو كريب: (9) 87، (11) 69، 70، (13) 301، 317، (14) 13. أبو كعب البداح بن سهل: (5) 279. أبو لبابة: (2) 207، (8) 85. أبو لبابة بن عبد المنذر: (1) 93، 112، 123، 247، (2) 77، (5) 130، 131، (7) 170، (8) 345، 347، 348، (10) 7. أبو لبيد: (12) 43، 44. أبو ليلى: (2) 249، (5) 92، (12) 186. أبو ليلى المازني: (1) 190، (2) 49. أبو مالك: (4) 355، (9) 107، 281، (12) 320. أبو مالك الأشجعي: (3) 271، 289، 312. أبو مالك الحميري: (9) 281. أبو مالك بن سنان: (3) 354، 355. أبو مالك النخعي: (7) 112، 113، (10) 91. أبو المتوكل: (7) 397، 398، (11) 264، (14) 112. أبو المثنى العنبري: (2) 359. أبو محجن: (6) 203، (9) 236، 263، 264.
أبو محذورة: (9) 143، (10) 110، 125، 128، 129، 130، (12) 224. أبو محمد: (3) 211، (9) 36، 161، (12) 145، 255، (13) 12. أبو محمد بن أحمد بن حماد: (12) 325. أبو محمد بن الجارود: (9) 280. أبو محمد بن راشد: (8) 262. أبو المحياة: (12) 250. أبو مرثد: (9) 125. أبو مروان: (8) 42، (12) 277. أبو مريم: (11) 45. أبو المساور: (5) 193، (13) 199، 200. أبو مسعود الأنصاري: (3) 60، 67، 68، 252، 253، (4) 74، (7) 364، (9) 140، (11) 19، 20، 134، (12) 202، 309. أبو مسلم الخولانيّ: (5) 294. أبو مسلمة: (12) 197، 223، (14) 179. أبو مسهر: (13) 213. أبو مصعب: (5) 270، (9) 31، (11) 59. أبو المطرف: (11) 36. أبو معاذ: (7) 3، (11) 141. أبو معاوية: (2) 195، (3) 282، 291، (4) 339، (5) 36، 37، 146، 274، (6) 285، 287، 389، (7) 144، 331، (8) 34، 80، 293، (9) 119، 320، 346، (10) 151، 269، (11) 59، 128، 236، 293، 294، (12) 5، 9، 74، 296، 302، 319، (13) 194، 195، (14) 62، 171، 437. أبو معبد: (1) 260، (5) 204، 213، (9) 346، 349، (12) 298. أبو معشر: (7) 84، (9) 78، (11) 42، (12) 262، (13) 89، (14) 76، 512، 542، 543، 574. أبو معمر: (5) 19، (12) 14، (14) 467. أبو معيط: (13) 215. أبو المغيرة: (9) 351، 352، (11) 3، (12) 196، 297، (14) 251. أبو مكين: (7) 385. أبو المليح: (2) 84، (3) 264، 318. أبو المليح بن أسامة: (13) 46. أبو مليح بن عروة: (2) 87. أبو المليح الهذلي: (9) 79. أبو مليكة: (12) 203. أبو منصور: (11) 141. أبو منيب: (9) 151. أبو موسى: (1) 196، 319، (3) 100، (4) 339، (5) 82، (8) 98، 99، 293، (9) 235، 236، (11) 239، (12) 308، 318، 323، 326، (13) 192، 238، (14) 299، 300. أبو موسى الأشعري: (1) 40، 198، (2) 19، 36، 143، (4) 207، 290، 291، 327، (6) 316، (7) 295، 296، (8) 363، (9) 132، 136، 235، (10) 270، 363، (11) 47، 94، (12) 204، 323، (13) 177، 197، 198، 199، 200. أبو مويهبة: (1) 128، 130، 213، (14) 423، 424، 435، 522. أبو ميسرة: (2) 385، (9) 95، (12) 298. أبو نائلة: (1) 125، 126، 254، (12) 181، 182، 189. أبو نجيح: (3) 290، (8) 139، (10) 220. أبو نصر الحميدي: (12) 345. أبو النضر: (5) 284، (9) 271، (12)
13، (13) 89. أبو نضرة: (3) 224، (5) 233، (7) 310، (9) 319، (11) 178، 262، (12) 197، 205، 223، 290، 311، 313، 321، 331، 349، (13) 88، 175، 179، 194، 341. أبو نعامة: (13) 211. أبو النعمان: (1) 219، (12) 167. أبو نعيم: (7) 79، 369، (12) 219، (13) 22، 228. أبو نمير: (5) 250. أبو نميلة يحيى بن واضح: (7) 345. أبو نهيك الأزدي: (11) 346، (12) 16. أبو نوفل: (12) 117، 249، 255. أبو هارون الزيات: (12) 221. أبو هارون العبديّ: (8) 262. أبو هاشم: (2) 285، (7) 84، 105. أبو هاشم بن عتبة: (12) 199. أبو هاشم الرماني: (5) 225، 230. أبو هالة: (2) 159، 161، (6) 27. أبو هانئ الخولانيّ: (2) 289، (10) 158، (11) 364، (14) 125. أبو هبيرة: (7) 340. أبو هريرة: (1) 198، 199، 317، 320، 340، 342، (2) 139، 144، 148، 156، 157، 158، 159، 161، 164، 166، 168، 169، 170، 172، 178، 201، 205، 206، 207، 211، 218، 219، 229، 233، 235، 238، 244، 250، 251، 253، 258، 263، 267، 268، 270، 272، 281، 282، 285، 290، 292، 295، 297، 302، 305، 306، 310، 313، 315، 316، 319، 325، 327، 329، 332، (3) 48، 51، 96، 106، 123، 134، 135، 144، 169، 170، 212، 224، 225، 232، 233، 236، 239، 268، 271، 281، 282، 283، 285، 288، 289، 290، 304، 309، 312، 315، 316، 317، 338، 340، 341، 349، 353، 400، 403، (4) 103، 104، 126، 133، 187، 195، 196، 249، 255، 256، 267، 274، 288، 289، 291، 315، 338، 394، (5) 6، 26، 27، 57، 76، 145، 146، 151، 163، 171، 172، 185، 186، 191، 193، 221، 223، 224، 234، 236، 245، 256، 289، 291، 306، 319، 321، 322، 375، 391، (6) 43، 51، 56، 322، 323، 353، 369، 375، (7) 17، 131، 193، 230، 246، 249، 263، 264، 286، 288، 322، 323، 324، 326، 329، 330، 336، 340، (8) 12، 24، 45، 54، 59، 74، 81، 91، 101، 102، 114، 116، 117، 119، 135، 159، 160، 164، 190، 247، 248، 253، 257، 267، 280، 287، 295، 219، 381، (9) 42، 79، 80، 83، 87، 229، 133، 135، 136، 212، 223، 224، 237، 238، 239، 240، 258، 265، 325، 382، (10) 31، 35، 38، 47، 53، 108، 140، 145، 146، 158، 159، 168، 172،
173، 184، 220، 221، 243 ، 275، 276، 277، 279، 291، 293، 297، 305، 306، 307، 310، 318، 319، 320، 324، 344، 345، 346، 348، 351، 353، 358، 359، 360، 365، 371، 379، 380، (11) 7، 20، 37، 43، 52، 59، 64، 68، 72، 73، 74، 79، 80، 83، 84، 85، 86، 88، 89، 94، 108، 116، 118، 127، 141، 145، 153، 187، 218، 224، 227، 233، 246، 247، 248، 249، 250، 251، 252، 253، 254، 273، 275، 290، 389، (12) 7، 8، 53، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 91، 125، 126، 131، 195، 196، 209، 223، 224، 230، 231، 232، (12) 248، 249، 261، 262، 263، 270، 272، 273، 275، 276، 281، 285، 297، 298، 304، 312، 313، 314، 315، 328، 333، 335، 336، 337، 338، 340، 343، 344، 345، 346، 350، 353، 354، 364، 373، 381، 382، 386، (13) 48، 55، 56، 82، 83، 84، 85، 113، 115، 129، 132، 158، 159، 160، 172، 177، 200، 221، 271، 272، 276، 337، 338، 370، 371، 340، 341، 343، 347، 374، 378، 380، (14) 23، 61، 62، 84، 89، 131، 132، 138، 139، 140، 157، 187، 188، 193، 197، 198، 200، 201، 203، 204، 210، 211، 212، 215، 223، 259، 260، 276، 277، 292، 304، 320، 321، 322، 504، 524، 533، 549، 621. أبو هند: (2) 35، (5) 335، (6) 325، (9) 283، (10) 44، (13) 346. أبو هلال: (7) 86، (9) 87. أبو هلال الراسبي: (5) 219، (7) 193. أبو الهيثم: (4) 194، (11) 89، 151، (12) 245. أبو الهيثم بن التيهان: (1) 322، (7) 226، 349، (9) 385. أبو الهيثم الكشميني: (2) 240. أبو وائل: (9) 34، 344، 372، (11) 132، 144، 176، 252، (12) 311، (13) 176، 195، 230، (14) 24، 173، 223، 464، 479، 481، 513. أبو واقد الليثي: (1) 374، (2) 47، (7) 169، (9) 134. أبو وداعة بن ضميرة السهمي: (12) 179. أبو الوداك: (12) 299. أبو الورقاء: (12) 60. أبو الوليد: (1) 211، (3) 152، (4) 341، 343، (9) 292، (12) 304. أبو الوليد الباجي: (10) 342. أبو الوليد بن حسان: (4) 316. أبو الوليد الواقدي: (5) 282. أبو يحيى: (4) 126، 127، (9) 94، 290، (12) 115، 331. أبو يزيد: (12) 175، (13) 12. أبو يزيد المدني: (4) 130. أبو يسار: (1) 97. أبو اليسر: (1) 170، 312، (4) 402، (5) 13، (6) 153، (9) 139، 294، (12) 167، 168، 169. أبو يعفور: (13) 73.
أبو اليقظان: (9) 106. أبو اليمان: (3) 293، (4) 117، 247، (5) 79، (6) 11، (10) 166، (11) 241، 249، (12) 196، 256، 257، 324، 325، (13) 165، 390، (14) 27، 61، 186، 466، 532. أبو يوسف: (1) 215، (13) 13. أبو يونس: (2) 156، 157، 169، (4) 284، (8) 74. من نسب إلى أبيه أو جده ابن أبي: (1) 177، (2) 50. ابن أبزى: (12) 260. ابن الأجلح: (8) 313. ابن الأحوص: (7) 279. ابن الأدرع: (12) 83. ابن إدريس: (5) 58. ابن أزهر بن عبد عوف: (4) 361. ابن إسحاق: (1) 46، 48، 53، 103، 124، 128، 198، 199، 200، 221، 224، 229، 348، (2) 84، 88، 156، 201، 280، 283، 302، 313، 335، 341، 353، (3) 79، 253، 313، 320، 322، 323، 351، 352، 358، 361، 362، 380، 403، (4) 23، 41، 44، 46، 86، 104، 106، 118، 121، 125، 338، 343، 344، 348، 349، 360، 363، 376، 377، (5) 9، 12، 44، 70، 72، 75، 76، 109، 110، 111، 116، 152، 108، 211، 232، 311، 334، 338، 336، 382، (6) 60، 72، 74، 97، 117، 310، 326، (7) 114، 161، 162، 165، 189، 221، 226، 356، (8) 186، 199، 200، 299، 334، 337، 339، 350، 352، 353، 359، 361، 363، 364، 365، 366، 369، 375، 377، 378، 379، 386، (9) 4، 17، 19، 20، 32، 93، 94، 99، 105، 111، 122، 179، 183، 184، 190، 191، 194، 195، 196، 197، 198، 199، 200، 202، 207، 230، 271، 290، 296، 297، 336، 368، 383، (10) 36، 56، 59، 67، 70، 75، 82، 84، 85، 87، 117، 18، 151، 163، 165، 220، 328، (11) 20، 21، 54، 197، 257، 330، 340، (12) 84، 118، 156، 167، 168، 169، 189، (13) 45، 253، 260، 264، 293، (14) 15، 24، 25، 37، 44، 48، 79، 305، 321، 423، 430، 433، 440، 473، 480، 484، 509، 569، 573، 582. ابن الأكوع: (9) 302، 307. ابن أنس: (13) 340. ابن أنيس: (13) 310. ابن أبي أوفى: (7) 375، (12) 338. ابن أيمن: (6) 388، (10) 47. ابن أبي إدريس: (13) 102. ابن أبي أويس: (2) 142، (4) 256، (11) 85، (12) 298. ابن بدر: (9) 379. ابن بديل بن ورقاء: (9) 296. ابن أبي البراء: (7) 197. ابن بريدة: (3) 127، 138، (4) 45، 53، 96، (5) 42، 51، 55، (8) 29، (9) 63.
ابن بشر: (12) 359. ابن بشير: (9) 280. ابن بكير: (2) 142، (4) 343، (7) 391، (12) 219، (14) 127. ابن أبي بردة: (2) 195. ابن أبي بكير: (8) 74. ابن تدرس: (4) 115. ابن ثوبان: (11) 101، (13) 192. ابن جابر: (1) 301، (12) 232، 299، 324، 368، (14) 124، 140. ابن الجارود: (3) 312، (7) 57، (10) 119. ابن جبير: (1) 137. ابن جحدر أبو عبد اللَّه: (6) 319. ابن جدعان: (3) 224، 229. ابن جريج: (1) 17، (2) 162، 314، (3) 79، 81، 89، 283، (4) 39، 96، 104، 244، (5) 5، 23، 46، 106، 366، (7) 57، 307، 319، 331، 350، 369، 379، (8) 14، 38، 151، 155، 275، (9) 23، 24، 122، 126، 318، 319، 382، (10) 28، 30، 47، 112، 119، 125، 126، 127، 134، 169، 221، 233، 234، 235، 355، (11) 195، 162، 263، 315، (12) 285، 289، 370، (13) 26، 58، 75، 213، 257، 368، (14) 182، 196، 495، 572. ابن جناب الكلبي: (13) 14. ابن الحارث: (12) 200. ابن الحارث بن قطيعة: (9) 322. ابن أبي حازم: (11) 32، 44، 233. ابن حبيب: (7) 395. ابن أبي حبيش: (9) 282. ابن أبي حبيبة: (2) 385، (5) 63، (9) 52، 114، 243، 276، (13) 250، 319، (14) 14، 49. ابن حزن: (4) 103، 104، ابن أبي الحسين: (9) 329. ابن الحضرميّ: (3) 321، (9) 42. ابن أبي حكيم: (4) 133. ابن حماد: (12) 298. ابن حميد: (13) 305. ابن أبي حميد: (12) 339. ابن الحنفية: (6) 234. ابن الحوتكية: (7) 344. ابن الحويرث: (3) 327، (12) 246. ابن الخطاب: (1) 171، 177، 292، (9) 103. ابن خيثم: (3) 306، (4) 114. ابن خراش: (12) 218. ابن خربوذ: (4) 12. ابن خرشة: (1) 152. ابن أبي خيثمة: (2) 152، 155، (3) 268، (8) 73، (9) 270، 395، (10) 70، 357، (11) 333، (12) 297. ابن أبي داود: (7) 7، (12) 311. ابن درستويه: (7) 76. ابن أبي ذئب: (9) 275، (11) 59، 68، 84، 145، 250، 303، (13) 128، (14) 63، 277، 304. ابن ذؤيب: (2) 165، 201، 252، (3) 67، 68، 70، 71، 401، (5) 181، (7) 233، 264، 392، (13) 14. ابن أبي ذر: (1) 260. ابن رافع: (12) 229. ابن أبي رافع: (7) 54، 55، 325، (11) 231.
ابن ربيعة بن الحارث: (9) 28. ابن أبي ربيعة: (1) 41، (12) 245. ابن رواحة: (1) 220، (4) 216، (7) 238، (9) 20، 227، 309، 313، 382، 383، 385. ابن رومان: (13) 318. ابن أبي رواد: (7) 67. ابن أبي زائدة: (7) 161. ابن الزبير: (9) 32، (10) 93، 256، (11) 38، (12) 49، 246، 254، 255، 259، 272، 350، (13) 150، 353. ابن زمعة: (12) 41. ابن أبي الزناد: (2) 215، (8) 40، 99، 201، 315، (9) 298، (14) 170. ابن زياد: (2) 172، (12) 91، (13) 211، 213. ابن زيد: (3) 154، (9) 378، (10) 237، (11) 191، 199، (12) 292، (13) 66. ابن السائب: (5) 302، (10) 98. ابن أبي سبرة: (3) 75، (4) 79، 99، (5) 74، (7) 109، 157، 220، 239، 244، 246، 258، (9) 293، 328، (11) 52، (13) 334، 389، (14) 435، 456، 562، 582. ابن سعد بن حرام بن غفار: (1) 217. ابن سلمة: (5) 119، (12) 186. ابن سمية: (12) 197، 202، 203. ابن سلام: (12) 227. ابن سلامة: (12) 181. ابن سيرين: (4) 287، 314، (5) 163، (6) 133، (7) 3، 4، 136، 355، (8) 119، (9) 89، 216، (10) 293، (12) 193، 349، 389. ابن شبرمة: (10) 256، (14) 88. ابن شداد: (11) 94. ابن شريح: (3) 155، (7) 169. ابن شماسة: (13) 207. ابن شهاب: (1) 29، 59، 64، 188، 315، (2) 141، 148، 153، 156، 161، 163، 192، 210، (3) 3، 13، 14، 46، 48، 57، 60، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 76، 93، 135، 281، 282، 291، 307، 315، 402، (4) 38، 41، 243، 246، 248، 249، 250، 251، 255، 263، 266، 337، 351، 352، (5) 7، 47، 66، 105، 147، 380، 382، (6) 49، 65، (7) 3، 4، 45، 46، 48، 49، 77، 125، 153، 159، 217، 228، 230، 257، 304، 305، 306، 310، 327، 329، 369، 370، 372، 390، (8) 12، 16، 48، 53، 74، 81، 111، 112، 113، 114، 115، 119، 120، 151، 199، 200، 208، 209، 229، 243، 244، 246، 250، 254، 316، 318، 321، 322، 323، (9) 32، 51، 78، 84، 179، 182، 188، 193، 200، 204، 208، 237، 238، 268، 285، 287، 307، 310، 311، 325، 326، 379، 381، 382، 383، 389، 390، 391، (10) 25، 26، 28، 87، 153، 154، 155، 156، 166، 168، 278، 291، 292، (11) 113، 187، 194، 221، 231، 240، 246، 247،
248، 307، 309، (12) 8، 68، 69، 121، 125، 242، 288، 297، 373، (13) 14، 15، 21، 39، 55، 56، 80، 86، 87، 108، 112، 148، 155، 158، 159، 160، 220، 221، 222، 224، 253، 254، 255، 264، 288، 321، 336، 338، 348، 351، 370، 371، 390، 391، (14) 150، 169، 180، 187، 210، 211، 212، 213، 216، 223، 272، 320، 321، 438، 456، 459، 462، 466، 493، 501، 511، 512، 542، 546، 551، 554، 565، 572، 580، 583. ابن شوذب: (13) 217، (14) 156. ابن أبي شيبة: (1) 37، (3) 58، 290، 291، (7) 159، 343، (9) 98، 119، (10) 221، (11) 33، 141. ابن صهيب: (5) 305. ابن الضحاك: (12) 91. ابن طاوس: (12) 119، 200، 258، 365، (13) 49، (14) 424. ابن الطفيل: (11) 52. ابن طهمان: (12) 19. ابن عائذ: (4) 239، (5) 73، 271. ابن عائشة: (9) 202، (11) 108، (12) 310. ابن أبي عاتكة: (12) 89. ابن عباس: (1) 18، 64، 106، 107، 116، 173، 282، 317، 347، (2) 138، 159، 163، 170، 209، 210، 274، 297، 323، 324، 332، 338، 344، 345، 353، 385، 396، (3) 23، 43، 54، 50، 56، 58، 71، (3) 72، 75، 79، 82، 89، 90، 108، 109، 112، 113، 117، 120، 170، 187، 190، 208، 212، 213، 214، 217، 222، 223، 224، 229، 230، 231، 239، 250، 259، 260، 289، 290، 294، 314، 319، 322، 323، 326، 338، 345، 354، 358، 359، 401، (4) 39، 45، 47، 50، 55، 57، 63، 64، 67، 79، 82، 91، 96، 98، 100، 109، 114، 115، 119، 120، 121، 122، 123، 126، 132، 133، 135، 189، 192، 195، 237، 238، 240، 242، 254، 258، 259، 264، 266، 269، 278، 288، 291، 292، 299، 311، 315، 321، 329، 330، 333، 334، 335، 347، 348، (4) 349، 353، 355، 359، 370، 371، 376، 397، (5) 5، 9، 10، 11، 13، 14، 15، 23، 24، 37، 38، 48، 63، 71، 73، 74، 91، 119، 147، 200، 241، 246، 251، 268، 271، 281، 302، 309، 311، 346، 351، 357، (6) 11، 51، 66، 67، 73، 76، 77، 78، 91، 111، 285، 286، 287، 289، 290، 310، 358، 360، 368، 374، 376، 378، (7) 5، 7، 19، 28، 32، 55، 77، 78، 79، 82، 85، 86، 90، 119، 120، 133، 135، 136، 146، 149، 160، 161، 175، 194، 221، 222، 239، 253، 254، 255، 257، 259، 262، 264، 269، 277، 279، 281، 293، 306، 307، 315، 316، 335، 350، 356، 359، 360، 361، 365، 366، 370،
371، 373، 374، 377، 385، 387، (8) 4، 9، 10، 19، 27 ، 48، 56، 57، 74، 86، 88، 89، 94، 99، 129، 130، 135، 136، 143، 147، 154، 168، 190، 196، 201، 206، 207، 208، 228، 233، 244، 247، 259، 275، 277، 285، 286، 288، 293، 294، 295، 296، 297، 298، 300، 312، 341، 343، 394، (9) 4، 18، 19، 31، 32، 33، 36، 43، 52، 69، 70، 71، 73، 75، 86، 114، 123، 135، 195، 202، 226، 243، 244، 247، 371، 372، 373، (11) 38، 76، 78، 79، 87، 94، 110، 115، 134، 142، 177، 179، 195، 196، 199، 213، 221، 222، 277، 287، 288، 290، 291، 295، 312، 313، (12) 13، 14، 15، 16، 60، 78، 81، 107، 112، 113، 134، 135، 137، 140، 143، 146، 148، 152، 163، 164، 167، 168، 169، 187، 189، 198، 212، (12) 237، 238، 241، 244، 248، 253، 262، 278، 279، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 321، 239، 346، 363، 372، 384، (13) 10، 11، 12، 13، 24، 29، 30، 31، 41، 46، 47، 49، 59، 73، 90، 102، 109، 116، 118، 140، 151، 152، 182، 183، 184، 217، 287، 305، 319، 320، 357، 358، 363، 374، (14) 3، 14، 16، 49، 57، 58، 80، 92، 93، 145، 149، 152، 161، 166، 168، 169، 211، 212، 220، 224، 263، 264، 271، 272، 273، 276، 285، 286، 288، 294، 297، 320، 321، 322، 370، 380، 381، 414، 417، 418، 420، 438، 439، 440، 443، 446، 447، 448، 449، 455، 456، 459، 460، 462، 465، 467، 469، 474، 480، 481، 482، 493، 525، 532، 533، 537، 542، 544، 546، 547، 548، 549 ، 551، 552، 553، 554، 566، 669، 573، 580، 582، 583، 585، 586، 611، 621، 664. ابن عباد: (7) 263. ابن عبد الحكم: (10) 138. ابن عبد خير: (4) 239. ابن عبد الرحمن: (3) 93، (7) 56، 213. ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة: (9) 325. ابن عبد اللَّه: (12) 80. ابن عبد اللَّه بن كعب بن مالك: (9) 306. ابن أم عبد: (9) 363. ابن عبد اللَّه بن أبي رافع: (12) 222. ابن عتاب: 366. ابن أبي عتيق: (1) 129، (2) 230، (7) 50، (10) 169. ابن عثمان: (13) 367. ابن عجلان: (3) 55، (8) 91، (12) 262، 365. ابن عديس: (13) 207، 208. ابن أبي عدي: (14) 61. ابن عرفة: (4) 325. ابن أبي عروبة: (14) 607. ابن عطية: (3) 113، (4) 234، 276، (6) 150، (9) 122. ابن عفير: (12) 242، (14) 150. ابن عقيل: (3) 222، (8) 391.
ابن علية: (2) 194، (4) 287، (5) 182، (7) 286، 310، (8) 290، 291، (11) 42، 128، 234، (12) 154، (13) 64، 361، (14) 291. ابن عمار: (5) 146. ابن عمر: (2) 104، 167، (3) 208، 237، 293، 314، (4) 112، 118، (5) 36، 73، (6) 49، 50، 370، 371، 375، 383، 385، (7) 4، 100، 101، 154، 252، 203، 204، 233، 294، 301، 302، 303، 304، 362، 363، 387، (8) 22، 29، 60، 61، 77، 87، 114، 118، 126، 155، 156، 158، 159، 166، 167، (9) 24، 31، 32، 33، 34، 35، 133، 135، 191، 212، 279، 294، 301، 335، 362، 367، 383، 389، 391، 392، 393، (10) 47، 77، 94، 106، 113، 123، 163، 326، 345، 378، (11) 4، 27، 94، 96، 97، 112، 128، 129، 131، 143، 176، 252، (12) 49، 65، 150، 200، 239، 240، 250، 256، 283، 304، 319، 327، 342، 364، (13) 18، 19، 90، 115، 134، 256، 353، 359، (14) 86، 111، 148، 158، 184، 203، 222، 263، 272، 298، 299، 302، 303، 304، 478، 497، 517، 518، 549، 614، 617. ابن أبي عمر: (9) 274، (12) 369، (14) 190. ابن عمران: (4) 123. ابن عمرو: (11) 38، (12) 259، (13) 93. ابن العوام: (1) 391. ابن عون: (4) 326، 339، 367، (7) 274، (8) 289، (9) 279، (11) 311، (12) 33، 38، 60، 193، 197، 212، 227، 246، 303، (14) 134، 135، 154، 184، 283، 482. ابن أبي عون: (9) 299. ابن عياش: (3) 317، (12) 297، 384. ابن عيينة: (2) 143، 294، (3) 67، (4) 239، 314، (5) 17، 72، (7) 370، (8) 4، 40، 134، (9) 48، 130، 274، (10) 213، 282، 377، (11) 309، (12) 68، 70، 131، 203، (13) 19، 20، 45، 147، 148، 219، (14) 481، 448. ابن غزية: (12) 239، (14) 421. ابن فاطمة: (1) 142. ابن الفاكه: (12) 53. ابن أبي فديك: (5) 27، 28، (11) 110، 145، (12) 58. ابن فرقد: (14) 304. ابن فروخ: (14) 175. ابن فضيل: (3) 206، (4) 115. ابن فليح: (13) 244. ابن فهيرة: (9) 107. ابن القاسم: (4) 270، (11) 7. ابن قتادة: (9) 207. ابن قتيبة: (3) 384، 387، 389، 390، 391، 392، 393، 394، 395، (4) 64، (5) 14، (6) 14، 126، (7) 127، (9) 193، 318، 379. ابن القثم: (4) 319.
ابن أبي قحافة: (1) 171، (5) 208. ابن قسط: (2) 295، (4) 111، (7) 319، (14) 304. ابن قطن: (10) 108. ابن كاسب: (11) 47. ابن أبي كبشة: (1) 96، 171، (5) 21. ابن كعب: (9) 289. ابن كعب بن مالك: (7) 331، (12) 178. ابن الكواء: (2) 134. ابن كيسان: (9) 193. ابن لهيعة: (2) 169، 299، 338، (3) 28، 48، 49، 53، 77، 231، 214، 328، (4) 53، 67، 72، 194، 314، 352، (5) 109، 112، 190، (6) 88، (7) 174، 295، (8) 74، 87، 93، 160، (9) 84، (10) 136، 170، (11) 3، 50، 51، 77، 92، 120، 121، 123، 231، 375، (12) 98، 219، 220، 270، 278، 285، 299، 334، 335، 338، 383، 387، (13) 3، 191، 207، 208، 254، 348، 366، 367، (14) 21، 28، 127، 128، 185، 200، 204، 299، 410، 473، 542، 583. ابن أبي ليلى: (4) 252، 271، 490، 310، 311، (5) 211، (7) 4، (8) 127، 190، (9) 37، 74، (11) 22، 25، 39، 278، 280، 289، (12) 67، (13) 20، (14) 496. ابن المبارك: (2) 353، (3) 55، 75، (5) 49، (6) 66، (8) 17، 75، 343، (9) 111، (10) 131، (11) 45، 88، 135، (12) 220، 308، 365، (13) 118، 157، 185، (14) 8، 9. ابن المتوكل: (9) 360. ابن مثنى: (12) 91، 112، (13) 11. ابن مجاهد: (4) 317، (6) 117، (11) 149. ابن محيريز: (14) 583. ابن محيصن: (4) 287، 315، 316. ابن مرجانة: (12) 234. ابن مروان: (12) 242. ابن أبي مريم: (11) 72، (14) 185، 186، 204، 461، 465. ابن مسافر: (12) 288. ابن مسعود: (1) 56، 110، (3) 252، 289، 290، 327، 343، (4) 64، 245، (5) 29، 20، 21، 22، 39، 69، 91، 92، 105، 106، (6) 179، (7) 367، (8) 122، 285، 286، 296، (9) 53، 71، 77، 79، 98، (10) 306، (11) 27، 39، 40، 67، 93، 94، 97، 101، 102، 116، 133، 147، 154، (12) 15، 91، 102، 135، 151، 154، 155، 386، 389، (13) 4، 25، 50، 77، 78، 204، 205، 208، 212، 214، (14) 407، 418، 485. ابن المسيب: (2) 161، 164، (8) 119، (9) 285، 239، (11) 187، 248، (12) 125، 281، 373، (14) 407، 573. ابن المصفى: (9) 352. ابن معين: (3) 253، (4) 53، (7) 19، 138، 366، (10) 138، (11) 4، 110، (12) 41، 60، 89، (13) 12، 13. ابن المغيرة: (9) 63. ابن مقرن: (9) 272.
ابن أم مكتوم: (1) 129، 131، 164، 179، 189، 222، 244، 258، 264، 275، (3) 48، (8) 350، 354، 355، 357، 372، 376، 379، 380، 384، 388، (9) 206، 208، 227، (10) 110، 123. ابن أبي مليكة: (2) 291، (3) 305، (4) 134، (7) 357، (10) 134، 221، 231، (11) 195، (12) 294، 314، (14) 222، 473، 474، 490، 497، 499، 500، 509، 614. ابن المنكدر: (7) 307، (10) 213، 216. ابن مهدي: (7) 331، (10) 138، (12) 138، 327. ابن موسى: (12) 325. ابن موهب: (12) 278. ابن ميمون: (4) 109. ابن أبي ميمونة: (14) 46. ابن النضر: (9) 359. ابن نمير: (4) 340، (5) 167، 246، 288، (8) 310، (10) 169، 269، (11) 256، (12) 28، 31، 53، 252، 369، (13) 301، 302، (14) 160. ابن نيار: (12) 382. ابن أبي نجيح: (1) 330، (2) 163، (3) 154، 190، 214، 328، 359، (4) 269، (5) 72، 308، (7) 85، (9) 48، (12) 168، (13) 116. ابن الهاد: (10) 292، (11) 32، 33، 64، (13) 212، (14) 497. ابن هارون العكلي: (11) 78. ابن واقد: (9) 245، 281. ابن وهب: (2) 142، 156، 205، 348، (3) 57، 69، 154، 286، 307، 316، (4) 41، 111، 248، 251، 255، 256، 269، 270، 314، 318، 337، 351، 352، (5) 66، 83، 115، 119، (6) 49، 51، 309، (7) 3، 9، 72، 101، 261، 310، 323، 340، (8) 48، 74، 79، 86، 164، 220، 231، 243، (9) 51، 94، 294، 306، 238، 239، 326، 390، (10) 26، 136، 237، 253، 257، 271، (11) 23، 50، 89، 113، 121، 151، 187، 240، 300، 316، 326، 375، (12) 49، 68، 108، 202، 219، 233، 287، 299، 283، 320، 329، 364، 383، 384، 385، (13) 3، 33، 39، 55، 66، 117، 135، 173، 191، 212، 224، 291، 340، (14) 101، 111، 125، 127، 141، 180، 199، 204، 212، 213، 223، 320. ابن أبي وهب: (12) 334. ابن أبي الورد: (2) 255. ابن يسار: (12) 324. ابن يونس: (8) 160، (10) 135، (11) 3، (12) 89، 384، (13) 3، 212، (14) 185. النساء أروى بنت حذيفة بن مسعر: (6) 149. أروى بنت عبد المطلب: (6) 280، 281. أسماء: (1) 68، (9) 197، (11) 311. أسماء الأنصارية: (12) 242، (14) 150. أسماء بنت أبي بكر: (1) 58، 59، (2) 213، 214، (3) 305، (4) 29، 81،
115، (5) 209، (6) 10، 141، 203، 384، (7) 155، (8) 318، (9) 99، 143، 198، 361، (10) 265، (11) 311، (12) 249، 250، 255، 260، (14) 158، 222، 509. أسماء بنت حارثة الأسلمي: (1) 312، (9) 84. أسماء بنت سلمة: (6) 242. أسماء بنت سلامة: (9) 100. أسماء السلمية: (6) 93. أسماء بنت عمرو بن عدي: (1) 53، 276. أسماء بنت عميس: (1) 343، (2) 129، 130، 293، (5) 26، 27، 28، 29، 350، 353، (6) 90، 166، 168، 205، 273، 293، 342، (8) 14، (9) 26، 100، (10) 51، 60، (13) 363، 365، (14) 435. أسماء بنت المجلل: (9) 100. أسماء بنت النعمان: (6) 93، 97، 98، 99، 101، (10) 260. أسماء بنت وهب بن حبيب: (6) 211. أسماء بنت يزيد: (3) 48، (6) 380، (13) 115، (14) 34. أمامة بنت الحارث بن عوف: (6) 109. أمامة بنت حمزة: (6) 110. آمنة بنت أبي الشعثاء: (11) 359. أمية بنت قيس الغفارية: (1) 321. أميمة: (11) 378. أميمة بنت بشر الأنصارية: (1) 303. أميمة بنت الحارث بن عمرو: (6) 147. أميمة بنت حرملة بن خليل: (6) 248. أميمة بنت الخطاب: (6) 241. أميمة بنت رفيعة: (13) 390. أميمة بنت عبد المطلب: (6) 59، 184، 281، 301. أمينة: (12) 20. أنيسة بنت زيد بن أرقم: (12) 248، (14) 156. أنيسة بنت الحارث: (12) 1. بادية بنت غيلان: (2) 24، 25. بحينة بنت الحدث بن عبد المطلب: (9) 282. برة بنت حمزة بن عبد المطلب: (6) 298. برة بنت عوف بن عبيد: (6) 150. برة بنت أبي نجران: (2) 383. بركة بنت يسار: (7) 113. بريرة: (12) 110. البيضاء بنت عبد المطلب: (6) 278، 307. تويلة بنت أسلم: (3) 83. ثويبة: (9) 1، (11) 1، (12) 1. جارية بنت مالك بن حذيفة: (1) 271. جسرة بنت دجاجة: (10) 183. جعدة بنت الأحنف بن قيس: (5) 361. جمانة بنت أبي طالب: (9) 282. جمرة بنت الحارث بن عوف: (6) 109. جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح: (6) 216. جميلة بنت عاصم بن ثابت: (6) 147. جميلة بنت عبد اللَّه: (2) 92، (11) 379. جويرية: (6) 119، 186، 187، (9) 153، 286، (12) 102، 105. جويرية بنت الحارث: (1) 205، 206، (6) 82، 84، 88، 92، 93، (7) 216، (8) 370، 371، (13) 65، 314، 315. جويرية بنت أبي سفيان: (6) 268. حبيبة بنت خارجة: (6) 142، 207، (9) 288. حبيبة بنت عبيد اللَّه بن جحش: (6) 301.
حذافة بنت الحارث: (1) 12، (4) 87. حفصة: (1) 130، (2) 104، 131، (4) 244، 246، 271، (6) 46، 48، 49، 50، 51، 72، 92، 93، 101، 119، 134، 147، 148، 183، 211، 213، 214، 219، (7) 117، 118، 344، (9) 32، 127، 140، 191، (10) 94، 132، 149، 151، 232، 236، (13) 64، 65، 68، (14) 438، 473، 482. حفصة بنت سيرين: (7) 327. حكيمة بنت أمية: (7) 111، 113، 114. حليمة السعدية: (2) 5، (3) 34، (4) 84، (9) 84. حليمة بنت أبي ذؤيب: (11) 1. حليمة بنت عبد اللَّه بن الحرث: (4) 87، 88، 89، 90، 91، 92، 101. حمنة بنت جحش: (1) 153، 169، 216، (6) 140، 142، 143، 155، 255. خديجة: (1) 15، 16، 17، 18، 20، 30، 31، 32، 33، 34، 45، 47، 118، (2) 225، 226، 227، 375، 384، 385، 386، (3) 5، 7، 13، 14، 16، 17، 19، 20، 22، 23، 26، 27، 29، 31، 53، 101، (4) 106، 195، 336، 337، (5) 65، 333، 334، 341، 343، 351، (6) 20، 27، 28، 29، 30، 33، 72، 92، 93، 134، 135، 136، 167، 177، 192، 193، 196، 283، 295، 298، 302، 303، 306، 340، 342، 398، (8) 94، 103، 186، 187، 188، 189، 200، 305، (9) 92، 95، 282، (10) 54، 133، 267، 268، 270، 271، 272، 273، (11) 198. خولة بن حكيم: (2) 25، (6) 93، (10) 198، 201، (14) 21، 22. خولة بنت قيس: (6) 275، (11) 269. خولة بنت الهذيل: (6) 93. دجاجة بنت أسماء بن الصلت: (11) 377. درة بنت أبي سلمة: (6) 110، 996. الربيع بنت معوذ: (2) 153، 170، (4) 221، (5) 132، (7) 272. رفاعة بنت أبي سفيان: (6) 143. رفيدة بنت سعد بن عتبة: (1) 254، (9) 254. رقية: (1) 37، 112، 192، (5) 334، 341، 344، 350، 355، 370، (6) 28، 46، 147، 219، 291، 296، (9) 116. رملة بنت الحارث: (2) 38، 46، 122، (5) 129. رملة بنت أبي سفيان: (6) 159، 269. رملة بنت أبي عوف بن جبيرة: (9) 101. ريحانة: (3) 128، (14) 411. ريحانة بنت زيد: (1) 252. ريطة بنت سعيد بن سعد بن سهم: (6) 220. ريطة بنت عبد بن عمرو: (6) 183. زميلة بنت أبي سفيان: (6) 158. زهرة بنت عمرو: (5) 351، (6) 175. زينب: (1) 69، 118، 119، 130، 261، 328، (2) 22، (5) 227، 228، 310، 334، 342، 343، 344، 346، 348، 350، 352، 355، 366، 367، 368، 371، 380، 383، (6) 20، 28، 119،
الصفحة: 196، 292، 283، 284، 285، 287، 289، 290، 295، 296، (9) 285، (10) 149، 151، 198، 206، 208، 236، 241، 315، (14) 143. زينب بنت جحش: (1) 202، 214، 220، 230، 255، (2) 128، 130، 132، 133، 275، 310، (5) 173، (6) 57، 61، 62، 92، 93، 120، 121، 124، 134، 256، 306، 348، (9) 138، 140، 143، 155، 184، 288، (10) 208، 209، 219، (11) 99، (13) 65، 219، 220، (14) 435. زينب بنت حميد: (12) 49. زينب بنت حنظلة: (6) 147. زينب بنت خزيمة بن الحارث: (6) 52، 90، 169، (10) 93، 198. زينب بنت سليمان: (12) 247، (14) 155. زينب بنت أبي سلمة: (3) 209، (6) 138، 300، (10) 244. زينب بنت أم سلمة: (9) 161، (13) 219، 220. زينب بنت عبد اللَّه بن ربيعة: (4) 6. زينب بنت علقمة بن غزوان: (6) 136، 280. زينب بنت عمر بن الخطاب: (6) 147، 148، 219. زينب بنت مظعون بن حبيب: (6) 46، 183، 214. زينب بنت نوفل بن خلف: (6) 262. سارة: (1) 353. سارة بنت مقسم: (2) 166. سعيدة بنت رافع بن عبيد بن عمرو: (6) 218. سلمى: (1) 321، (8) 35، 60. سلمى بنت عمر: (6) 256. سلمى بنت عمرو بن زيد: (10) 255. سلمى بنت عميس: (1) 333، (6) 90، 164، 165، 274، 276، (10) 51. سلمى بنت قيس: (6) 132. سمراء بنت نهيك الأسدية: (9) 395. سمية: (1) 36، (9) 97، 107. سهلة بنت سهيل بن عمرو: (6) 158. سودة: (6) 92، 119، 134، 136، 137، 177، 197، 198، 200. سودة بنت زمعة: (1) 69، (5) 343، (6) 31، (10) 228، 231، 235، (13) 65، 72. سلامة بنت عميس: (6) 90. الشفاء بنت عوف بن عبد الحارث: (6) 137. الشموس بنت قيس بن عمرو: (6) 181. الشيماء: (1) 12، 18، (4) 91. صخرة بنت الحارث: (6) 170. صخرة بنت ظفر بن الخزرج: (9) 175. صفية: (2) 42، 282، (5) 386، (6) 72، 187، (9) 140، 288، (10) 152، 236، (12) 390، 392. صفية بنت الحارث: (6) 282، (7) 306، (13) 248. صفية بنت حزن بن البحير: (6) 257. صفية بنت حيي: (1) 314، 316، 325، (2) 120، 208، (3) 352، (6) 61، 86، 88، 92، 93، 120، 341، (10) 93، 153، 218، 219، 229، (13) 65، 72، 137، 138، 139، 199. صفية بنت الخطاب: (6) 211، 241. صفية بنت شيبة: (2) 383، (5) 55،
383، (7) 8، (10) 221. صفية بنت عبد المطلب: (1) 167، 253، 321، (2) 134، (5) 350، (6) 282، 342، (9) 282، 287. صفية بنت عبيد بن أسيد: (6) 330، 331. صفية بنت أبي عبيد: (12) 250. صفية بنت معمر بن حبيب: (6) 160. ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب: (9) 282، (12) 58. ضباعة بنت عامر بن قرط: (6) 107. عائشة: (1) 48، 68، 70، 153، 161، 204، 206، 212، 213، 214، 215، 216، 220، 221، 230، 234، 244، 267، 309، (2) 38، 79، 104، 105، 110، 111، 120، 128، 130، 131، 134، 153، 159، 160، 161، 163، 168، 170، 186، 187، 192، 193، 194، 201، 203، 205، 206، 207، 210، 214، 216، 221، 224، 225، 226، 227، 234، 241، 242، 245، 250، 252، 253، 255، 256، 257، 258، 260، 265، 266، 267، 269، 274، 277، 279، 283، 284، 285، 288، 289، 290، 293، 294، 295، 298، 299، 309، 311، 314، 315، 316، 319، 328، 331، 332، 345، 348، 349، 351، 352، 374، 384، (3) 16، 19، 22، 32، 43، 45، 46، 47، 52، 55، 56، 57، 58، 60، 69، 80، 148، 212، 237، 306، 380، 399، (4) 66، 67، 111، 213، 221، 244، 284، 285 ص، 319، 330، 337، 391، 397، (5) 7، 11، 171، 181، 182، 188، 245، 248، 249، 302، 303، 307، 309، 333، 336، 338، 352، 357، 366، 378، 381، 383، 390، (6) 20، 21، 33، 35، 50، 61، 62، 65، 72، 92، 93، 101، 108، 111، 118، 119، 120، 133، 134، 141، 142، 143، 152، 156، 173، 178، 179، 180، 181، 182، 201، 204، 209، 264، 294، 307، 309، 321، 372، 375، 383، 385، 388، 394، (7) 3، 6، 8، 11، 12، 57، 66، 68، 71، 72، 76، 80، 86، 87، 95، 98، 99، 100، 101، 109، 115، 116، 117، 119، 122، 131، 143، 144، 145، 146، 153، 163، 167، 228، 309، 311، 312، 313، 315، 316، 317، 318، 319، 327، 347، 354، 357، 361، 362، 378، 389، (8) 12، 16، 17، 19، 21، 34، 40، 44، 47، 50، 51، 52، 53، 66، 67، 68، 79، 80، 81، 85، 90، 91، 99، 103، 134، 136، 152، 199، 201، 203، 211، 227، 229، 285، 289، 290، 291، 294، 295، 296، 297، 298، 300، 301، 316، 318، 328، 356، 371، 373، 374، 384، (9) 15، 24، 30، 31، 32، 33، 51، 99، 136، 182، 186، 197، 200، 276، 280، 353، 382، (10) 25 ص،
الصفحة: 26، 27، 28، 39، 41، 50، 92، 93، 98، 123، 145، 149، 151، 153، 154، 155، 156، 161، 162، 163، 164، 165، 166، 169، 180، 181، 195، 198، 201، 204، 207، 209، 212، 213، 214، 216، 221، 227، 228، 230، 231، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 239، 241، 256، 257، 258، 263، 264، 265، 267، 270، 271، 272، 273، 285، 286، 287، 288، 328، 363، 366، 367، 368، 381، (11) 50، 70، 108، 130، 136، 194، 195، 196، 198، 231، 235، 236، 237، 248، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 311، (12) 3، 9، 22، 40، 121، 193، 218، 219، 220، 236، 239، 240، 277، 291، 314، 392، (13) 14، 15، 17، 19، 20، 21، 25، 26، 29، 31، 33، 36، 37، 39، 40، 41، 42، 44، 45، 47، 64، 65، 67، 69، 71، 72، 75، 88، 89، 90، 69، 120، 132، 137، 155، 157، 158، 161، 177، 183، 200، 202، 203، 204، 227، 228، 229، 230، 231، 232، 233، 234، 235، 239، 240، 241، 242، 243، 244، 245، 246، 297، 299، 301، 314، 389، 390، 391، (14) 127، 128، 144، 147، 148، 270، 278، 279، 283، 419، 421، 429، 430، 433، 434، 435، 436، 437، 438، 442، 448، 452، 454، 455، 456، 457، 458، 460، 463، 464، 465، 469، 470، 472، 473، 474، 475، 481، 482، 486، 490، 491، 493، 494، 497، 498، 499، 500، 501، 502، 503، 542، 544، 547، 549، 551، 554، 556، 559، 564، 565، 566، 573، 578، 579، 581، 583، 584، 587، 595 ، 604، 607، 615، 624. عائشة بنت سعد: (3) 329، (5) 70، (11) 304، (14) 441. عائشة بنت العوام بن نضلة: (6) 194. عائشة بنت قدامة: (8) 328. عاتكة بنت الأحنف بن علقمة: (6) 198. عاتكة بنت خالد بن حبيب: (5) 208. عاتكة بنت زيد بن عمر: (9) 151. عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن علقمة: (6) 184. عاتكة بنت عبد اللَّه: (10) 133. عاتكة بنت عبد المطلب: (1) 87. عاتكة بنت عتبة بن ربيعة: (6) 152. عاتكة بنت قيس بن سويد: (6) 222. عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو: (6) 276. العزار بنت الحارث: (9) 257. عزة بنت الحارث بن حزن: (6) 170، 272. عزة بنت عياض: (12) 32، 53. عصماء بنت الحارث بن حزن: (6) 272. عصماء بنت مروان: (1) 120، 121. العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف: (6)
97. علية بنت الكميت العتكية: (11) 378. عمارة بنت حمزة: (1) 333. عمرة: (12) 229، (14) 474، 587. عمرة بنت الحارث بن الأسود: (1) 143. عمرة بنت حسين بن يحيى: (6) 364. عمرة بنت رواحة: (1) 239. عمرة بنت عبد الرحمن: (10) 149، 153، 364. عمرة بنت علقمة الحارية: (1) 143. عميرة بنت عبيد اللَّه بن كعب: (3) 54، (5) 65، (8) 188. غزية بنت قيس بن طريف: (6) 277. فاختة بنت الأسود: (6) 257. فاختة بنت حرب بن أمية: (6) 257. فاختة بنت عمرو بن عائذ: (2) 24. فاختة بنت غزوان: (6) 257. الفارعة بنت الخزاعي: (2) 25. فاطمة: (1) 69، 73، 124، 153، 154، 168، 323، 350، 389، 398، (2) 95، 97، 130، 134، (4) 114، 183، 195، 196، 394، 406، (5) 334، 341، 350، 351، 352، 354، 355، 356، 363، 364، 365، 366، 367، 383، 384، 385، 386، 387، 388، 393، (6) 6، 7، 9، 12، 14، 20، 28، 292، 293، 296، 332، 342، (9) 27، 155، 282، 288، (10) 26، 59، 182، 183، 267، 270، 273، 283، (11) 127، (12) 102، 103، 105، 106، 107، 237، 246، (13) 157، 159، (14) 154، 270، 420، 435، 473، 474، 506، 508، 509، 511. فاطمة بنت أسد: (5) 352، (6) 276، (11) 290. فاطمة بنت الحارث: (12) 206. فاطمة بنت الحسين: (5) 28، 29، (8) 27، (11) 127، 128، (14) 421. فاطمة بنت الخطاب: (6) 211، (9) 99. فاطمة بنت ربيعة بن بدر: (1) 270. فاطمة بنت زائدة بن جندب: (6) 135، 177، 196. فاطمة بنت شريح: (10) 199. فاطمة بنت الضحاك بن سفيان: (2) 36، (6) 98. فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤملة بن جميل: (12) 96. فاطمة بنت عبد مناف: (6) 177. فاطمة بنت علي: (5) 28، 29. فاطمة بنت عمر: (6) 146، 219. فاطمة بنت قيس: (6) 249، (9) 63، 156. فاطمة بنت محمد: (3) 233. فاطمة بنت المنذر: (4) 81. فاطمة بنت النعمان: (3) 396. فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس: (6) 145، 158. فاطمة بنت الوليد بن المغيرة: (6) 245. فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو: (10) 57. فكيهة بنت يسار: (9) 101. قتيلة بنت قيس: (10) 259. قريبة بنت أبي أمية: (1) 303، (6) 143. قريبة بنت عبد اللَّه بن وهب: (12) 58. قيلة بنت الأرقم بن عمرو: (9) 170. قيلة بنت جحش بن ربيعة: (6) 248. قيلة بنت مخرمة: (2) 259، (7) 62.
كبشة بنت أبي بكرة: (8) 59، 64. كبشة بنت رافع بن عبيد: (1) 253. كبشة بنت المنذر بن زيد: (5) 336، (10) 60. كريمة بنت المقداد بن عمرو: (12) 58. لبابة بنت أبي لبابة بن عبد المنذر: (6) 146. لبابة بنت الحارث بن حزن: (6) 149، 165، 243. لبابة بنت الحارث: (6) 146، 149، 165، 243. لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن: (6) 271، (9) 243. لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن: (6) 270، 276. لبيبة: (9) 112. ليلى: (9) 105. ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف: (6) 27. ليلى بنت الخطيم: (10) 199. ليلى بنت أبي خيثمة: (6) 56. ليلى بنت أبي برة: (6) 269. ليلى بنت عطارد بن حاجب: (6) 144. ليلى العدوية: (4) 38. ليلى بنت قائف: (9) 143. مارية: (1) 219، (2) 36، (3) 114، (6) 50، 171. مارية القبطية: (1) 305، (2) 148، (5) 335، 336، (6) 129، 130، 133، 328، 343. مريم بنت طلحة: (6) 143. معاذة العدوية: (13) 21. مليكة بنت كعب الليثي: (6) 101، 102. ميمونة: (1) 333، 334، 388، (2) 4، 5، 111، 129، 130، (3) 158، (6) 72، 119، 133، 134، 188، 205، 244، 257، 270، 273، 335، (7) 119، 128، 132، 133، 284، 305، 306، 307، 373، 374، (8) 89، (9) 20، 154، (10) 198، 220، 221، 236، 309، 328، (11) 349، (12) 212، 244، 385، 388، (14) 152، 290، 433، 434، 435، 456. ميمونة بنت جحش: (5) 282. ميمونة بنت الحارث: (6) 52، 89، 91، 92، 165، 166، 167، 168، 169، 170، 171، (10) 222، (12) 15، (13) 65. ميمونة بنت سعد: (6) 345. ميمونة بنت أبي سفيان: (6) 162، 163. ميمونة بنت كردم: (2) 166. ميمونة بنت مهران: (10) 222. نائلة بنت حذافة بن جمح: (6) 177. نسيبة بنت كعب: (1) 162. نفيسة بنت منية: (5) 65، (6) 29، (8) 188. هالة بنت خويلد: (2) 227، (5) 343، (6) 196. هالة بنت أبي هالة: (6) 298. هزيلة بنت الحارث: (6) 272. هند: (1) 162. هند بنت الحارث: (13) 222، 223. هند بنت حارثة الأسلمي: (9) 84. هند بنت جدعان بن عمرو: (6) 278. هند بنت عبيدة بن الحارث: (9) 282. هند بنت عمرو بن حرام: (1) 161، 321، (8) 356، (13) 177. هند بنت عوف بن زهير: (6) 149، 273.
هند بنت يزيد: (6) 93، 98. أم أبان: (11) 322. أم إسحاق: (5) 141. أم الأسود الخزاعية: (12) 110. أم أوس اليهزية: (5) 230. أم أيمن: (1) 14، 69، 149، 153، 164، 214، 321، (2) 125، 126، 344، (6) 30، 308، 340، (7) 112، 113، 255، (9) 162، 205. أم أيوب: (4) 254. أم بردة: (5) 338، (10) 61. أم بردة كبشة بنت المنذر بن زيد: (6) 130. أم بشر: (14) 437. أم بشر بن البراء بن معرور: (2) 129. أم جعفر: (6) 9، 10. أم جميل: (6) 256، (11) 256، 319، 337، 338. أم الحارث: (2) 15. أم حبان: (12) 242، (14) 150. أم حبيب: (3) 293. أم حبيب بنت أسد: (6) 192. أم حبيب بنت العباس: (6) 271. أم حبيبة: (1) 349، (4) 218، (6) 111، 119، 134، 135، 261، 281، (7) 111، 113، 114، (9) 142، (10) 236، 244، (12) 324، 325. أم حبيبة بنت جحش: (6) 138، 140، 255، (9) 282. أم حبيبة بنت أبي سفيان: (1) 305، 319، (2) 133، (6) 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69، 71، 72، 73، 74، 77، 79، 81، 92، 93، 143، 157، 158، 159، 160، 161، 162، 185، (7) 15، (10) 264. أم حرام بنت ملحان: (4) 406، (8) 122، (10) 250، 255، (12) 213، 214، 215. أم الحسن: (5) 29، (6) 141. أم الحسين الأحسنية: (7) 240. أم الحصين: (6) 387، (9) 387. أم الحكم: (12) 199. أم الحكم بنت الزبير: (9) 282. أم الحكم بنت أبي سفيان: (1) 304، (6) 268. أم حكيم: (1) 398، (5) 141. أم حكيم بنت حزام: (1) 108. أم حكيم بنت عبد المطلب: (4) 116. أم خارجة عمرة بنت سعد بن عبد اللَّه: (6) 187. أم خالد بنت خالد: (7) 23. أم الدرداء: (2) 300، (8) 3، (9) 146، (10) 358، (12) 150. أم درة: (14) 441، 442. أم ذر: (14) 38. أم رمثة بنت عمر بنت هاشم: (9) 282. أم رومان: (1) 68، (6) 42، 152، 181، (11) 236، 315. أم زفر: (10) 54. أم زكريا بن جهم: (7) 222. أم سمرة: (9) 356. أم سعد: (1) 254، (5) 302. أم سعد بن الربيع: (6) 29. أم سعد بنت سعد: (5) 65، (8) 188. أم سعد بن معاذ: (1) 175، 253، (8) 373، 374. أم سكن بنت ظالم بن منقذ: (6) 278. أم سلمة: (1) 56، 192، 202، 204، 230، 235، 239، 276، 285،
297، 302، 321، 357، 388، (2) 22، 69، 193، 202، 275، 283، 310، (3) 20، 156، 163، 304، (4) 38، 53، 106، 363، 394، (5) 2، 50، 282، 310، 332، 338، 343، 383، 385، 388، (6) 20، 53، 56، 92، 93، 119، 134، 143، 149، 151، 152، 153، 154، 183، 220، 228، 241، 245، 248، 251، 252، 253، 279، 298، 299، 300، 318، 351، 364، 378، (7) 68، 87، 222، 243، 244، 282، (8) 6، 68، 128، 152، (9) 13، 136، 189، (10) 49، 86، 93، 94، 153، 165، 182، 183، 230، 236، 258، 285، (11) 217، (12) 197، 202، 235، 236، 238، 239، 280، 325، 328، 329، (13) 45، 64، 65، 222، 223، 228، 371، 372، (14) 124، 143، 144، 145، 146، 147، 288، 441، 496، 497، 512، 515، 543، 562. أم سلمى: (2) 130. أم سليط: (1) 253، 321، (2) 15. أم سليم: (2) 15، 151، 171، 252، (4) 392، (5) 165، 168، 227، 228، (6) 94، (7) 13، 379، (9) 156، 204، 316، 330، (12) 18، 19، 20، 21، 24، 214. أم سليم بنت ملحان: (1) 153، 321، (10) 54، 56، 253. أم سليمان بنت عبد اللَّه بن قرط: (9) 395. أم شريك: (5) 194، (9) 63، 143، (14) 437. أم شريك الأنصارية: (6) 97، 113. أم شريك بنت جابر بن ضباب: (10) 198. أم شريك العامرية: (6) 45. أم شريك بنت عوف بن عمرو: (10) 199. أم شوق العبدية: (12) 241، (14) 149. أم الضحاك بنت مسعود الحارثية: (1) 321. أم ضميرة: (6) 347. أم طارق: (11) 388. أم طالب بنت أبي طالب: (9) 282. أم طلحة أروى بنت كريز: (6) 278. أم عاصم: (6) 147، (11) 364، 365. أم عامر الأشهلية: (1) 175، 231، 276، 321. أم عبد الرحمن بنت حمزة: (11) 360. أم عبد اللَّه بن عتيك: (1) 195. أم عبد اللَّه بن عمرو بن العاص: (1) 398. أم عبد اللَّه بنت أبي هاشم: (5) 296. أم عبد الملك: (10) 125، 126، 128، 134. أم عبس: (1) 36. أم عبيس بن كريز بن ربيعة: (9) 113. أم عطاء: (3) 219. أم عطية: (1) 321، (5) 350، (7) 327، (9) 140. أم عمار: (1) 162، 163. أم عمارة: (1) 53، 253، 276، 298، 321، (2) 15، (7) 188، 238، (10) 48، 49. أم العلاء الأنصارية: (1) 253، 321. أم عمير: (2) 53. أم عمرو بنت سفيان: (10) 28. أم عياش: (6) 347. أم الفضل: (1) 80، 113، (6) 11، 30، 257، 270، (7) 358، (12) 300،
(14) 462، 469. أم الفضل بنت الحارث: (2) 129، (12) 169، 237، (14) 144، 459، 484. أم الفضل لبابة: (6) 90. أم قيس: (8) 5. أم قيس بن عوذ: (1) 336. أم كبشة: (11) 1. أم كرز: (3) 273، (4) 79. أم كلثوم: (1) 69، 128، (5) 334، 341، 344، 350، 351، 352، 368، 369، 370، 371، (6) 28، 293، 296، (10) 256. أم كلثوم بنت أبي بكر: (6) 142، 143، 144، 207. أم كلثوم بنت زمعة: (6) 137. أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب: (6) 146، 147، 214، 219. أم مالك الأنصارية: (5) 229. أم مبشر: (9) 127، (12) 5. أم محجن: (10) 141. أم محمد هند: (6) 27. أم محمد بنت عتيق بن عائذ: (6) 298. أم مسطح بنت أبي رهم بن المطلب: (1) 214. أم المطاع بنت أسد: (6) 134. أم مطاوع الأسلمية: (1) 321. أم معبد: (1) 61، (2) 154، 164، 165، 169، 176، 177، 181، 261، (5) 204، 205، 206، 208، 209، 210، 211، 212، 214. أم المنذر: (1) 250، 252، (6) 132، (7) 384. أم منيع: (1) 321. أم موسى: (11) 288. أم نائلة الخزاعية: (12) 110. أم هانئ: (2) 109، 160، 163، 165، (7) 363، (9) 107، 195، (10) 210، (13) 17، 20، 76. أم هانئ بنت أبي طالب: (1) 48، 388، 397، (2) 88، (6) 102، 104، 277، 269، (8) 190، (9) 282، (13) 19. أم ورقة بنت عبد اللَّه: (13) 188، 189، 190. أم يوسف: (9) 162.
فهرس القبائل
فهرس القبائل الأزد: 1/ 399- 7/ 171- 13/ 242. أسد: 1/ 181، 24، 265- 2/ 89- 3/ 359، 397- 6/ 177، 211، 231. أسلم: 1/ 369، 370- 2/ 37، 52- 7/ 170- 8/ 385- 12/ 72، 82، 83- 14/ 252. أشجع: 1/ 224، 308، 318، 354، 376، 377- 2/ 53- 7/ 171- 8/ 385- 9/ 187- 262- 13/ 343، 344- 14/ 32، 221. بنو الأدرم: 1/ 152- 13/ 260. بنو أرفدة: 10/ 166، 167، 169. بنو إسرائيل: 1/ 93، 280- 3/ 345، 360، 380، 386، 392، 394، 4/ 134، 152، 161، 162، 163، 164، 206، 208، 385- 5/ 287- 6/ 18، 92، 188- 7/ 302، 308- 8/ 122، 223، 277، 377- 9/ 241، 9/ 241، 258- 10/ 117- 12/ 203، 204، 350، 354، 355، 357- 13/ 320، 322، 323، 324، 360- 14/ 203، 365، 366. بنو الأصفر: (2/ 51- 8/ 384- 14/ 32، 184، 344. بنو بكر: 1/ 277، 395- 2/ 10- 4/ 14، 56، 403- 6/ 135، 176- 12/ 145، 148. بنو بياضة: 2/ 35- 6/ 325- 10/ 48، 50- 13/ 346. بنو ثعلبة: 1/ 128، 266، 329- 8/ 351، 352، 363. بنو جثم: 4/ 266. بنو جذيمة: 1/ 203، 211، 400- 2/ 6. بنو جمح: 1/ 184- 8/ 305. بنو الجون: 6/ 101. بنو الحارث: 1/ 49- 5/ 67، 136، 295، 296، 382- 7/ 168، 233، 234. بنو حارثة: 1/ 135، 137، 223- 2/ 43- 3/ 319- 7/ 168، 170- 8/ 373- 10/ 43- 12/ 184، 244، 246، 14/ 154.
بنو الحشحاش: 9/ 174. بنو حنيفة: 1/ 49- 2/ 99- 4/ 211- 10/ 172- 12/ 273. بنو خطمة: 1/ 189- 7/ 168. بنو الدئل: 1/ 58. بنو ذبيان: 2/ 37. بنو زهرة: 1/ 91، 300- 2/ 29- 4/ 34، 42- 9/ 108، 113، 298، 363- 10/ 255- 11/ 271. بنو ساعدة: 6/ 100- 7/ 168، 170، 356- 10/ 95- 12/ 146- 13/ 124- 14/ 42، 43، 44، 557، 567. بنو سالم: 1/ 207- 2/ 77- 10/ 85. بنو سعد: 1/ 12، 270- 2/ 5، 37، 60، 68- 3/ 35- 4/ 53، 87، 92، 266، 276- 5/ 135- 136- 9/ 28. بنو سلمة: 1/ 135، 174، 176، 179، 226، 2/ 53، 80- 5/ 138، 252- 7/ 168، 171- 6/ 275، 383- 11/ 35- 12/ 152، 167. بنو السميعة: 9/ 175. بنو سهم: 7/ 164. بنو شيبة: 2/ 35. بنو الصماء: 9/ 176. بنو ضمرة: 1/ 73- 8/ 333، 362. بنو ظفر: 4/ 18- 7/ 168، 170. بنو عامر: 1/ 49، 181، 184، 188- 8/ 312. بنو عبد الأشهل: 1/ 50، 52، 133، 174، 175، 244- 2/ 36- 3/ 349، 350، 354، 355- 7/ 168، 170، 210- 9/ 168، 170، 210- 9/ 250، 255، 322- 13/ 282- 14- 43، 364، 370. بنو عبد الدار: 1/ 143، 147- 6/ 193- 9/ 113- 13/ 254، 278- 14/ 15. بنو عدي: 1/ 91، 382، 7/ 12. بنو عدي بن النجار: 1/ 49، 67، 122، 245- 4/ 93، 94- 5/ 250- 6/ 113- 7/ 170- 8/ 143، 327، 377- 10/ 82، 85- 9/ 203- 14/ 43، 313. بنو عذرة: 1/ 49- 3/ 359- 8/ 367. بنو عريض: 7/ 299. بنو عقيل: 6/ 135. بنو عمرو بن عوف: 7/ 168، 170، 171- 8/ 323- 9/ 184، 189، 199، 251، 310- 10/ 70، 72، 73، 75، 76، 82، 85- 13/ 264. بنو عوال: 1/ 329. بنو فهر: 1/ 152. بنو قصي: 4/ 345. بنو قيلة: 1/ 65. بنو القين: 6/ 302. بنو كعب بن عمرو: 1/ 354، 370- 7/ 169. بنو كلاب: 2/ 43. بنو لحيان: 1/ 258- 8/ 379، 384- 9/ 227- 12/ 93. بنو ليث: 1/ 375، 376- 5/ 393-
7/ 169. بنو مازن: 7/ 169، 170- 10/ 60. بنو مجاشع: 8/ 141. بنو المجذر: 10/ 11. بنو محارب: 1/ 128- 8/ 363. بنو مخزوم: 1/ 143، 238- 2/ 109- 6/ 220، 231، 238- 9/ 113، 298- 12/ 134. بنو مدلج: 3/ 320- 4/ 35، 37- 12/ 12. بنو مرة: 1/ 49، 224. بنو المصطلق: 1/ 204، 206- 2/ 42- 6/ 84- 8/ 369، 37، 391- 13/ 217، 314، 315. بنو المغيرة: 12/ 279. بنو المنتفق: 7/ 288. بنو هلال: 2/ 8، 44، 45. بنو واقف: 7/ 168، 170. تغلب: 10/ 6- 14/ 241، 242، 252. تميم: 2/ 33، 37، 38- 4/ 30- 9/ 109- 13/ 238- 13/ 238- 14/ 26، 252، 300، 311، 312، 313، 525، 537. تيماء: 1/ 254، 255. ثقيف: 1/ 352، 355- 2/ 8، 16، 25، 34- 3/ 380، 4/ 68، 74، 135، 266، 353، 403- 5/ 12- 6/ 330- 8/ 305، 306، 308، 309، 388- 9/ 180، 234- 12/ 273- 13/ 374، 375- 14/ 22، 23، 24، 28، 30، 102، 103، 104، 106، 157، 158، 221، 309، 325. جذام: 2/ 47، 67- 9/ 64- 13/ 340- 14/ 252. جرش: 12/ 79، 80. جهينة: 1/ 207، 256، 277، 346، 354، 372- 2/ 172- 3/ 359- 4/ 11- 7/ 169، 171، 198- 8/ 339، 385- 9/ 187- 13/ 286- 14/ 252. حمير: 4/ 73- 6/ 188- 14/ 525. خثعم: 4/ 73، 395- 12/ 80. خزاعة: 1/ 180، 225، 256، 280، 285، 348، 349، 385، 395- 2/ 37- 4/ 14، 259، 264، 277- 13/ 313، 373- 14/ 326. الخزرج: 1/ 49، 50، 100، 106، 133، 176، 178، 191، 207، 215، 218، 230، 246- 2/ 92، 231- 4/ 14، 289- 7/ 165، 170، 171، 202- 8/ 345، 392- 9/ 170، 173، 174، 175، 176، 177، 184، 185، 186، 187، 188، 254، 276، 292- 12/ 94- 13/ 307، 323- 14/ 366، 367. دوس: 2/ 229- 5/ 193، 311، 313. ذبيان: 14/ 233، 234، 539، 540. ذكوان: 12/ 93. ربيعة: 13/ 243- 245- 256- 14/ 57.
رعل: 12/ 93. سجاح: 14/ 241، 242. سليم: 1/ 49، 77، 124، 129، 181، 223، 335، 354، 364- 2/ 7، 12، 18، 33، 37، 5/ 78- 6/ 244- 7/ 171، 183، 184، 186، 343- 8/ 350، 385- 9/ 277، 235، 236- 10/ 84- 12/ 327، 373. صداء: 5/ 136. عبس: 1/ 49- 11/ 273- 14/ 233، 234، 538، 540. عرينة: 1/ 272- 2/ 43، 44- 13- 232، 14/ 31. عصية: 12/ 93. غسان: 4/ 23. غطفان: 1/ 223، 224، 233، 235، 239، 240، 241، 242، 262، 271، 307، 309، 313- 3/ 359- 8/ 350، 352، 364، 374، 375- 9/ 230- 13/ 311، 319، 330، 331، 332، 336- 13/ 311، 319، 330، 331، 332، 336- 14/ 220، 221، 232، 235، 238، 252، 538، 541. غفار: 1/ 106، 131، 354، 367، 369- 2/ 37، 52، 72- 4/ 252- 5/ 181- 7/ 169، 171- 8/ 385- 10/ 163- 14/ 252. فزارة: 1/ 49، 224، 270- 7/ 198- 14/ 232، 235، 236، 237 ص، 238، 246، 247، 538، 541. قريش: 1/ 18، 19، 35، 37، 38، 41، 42، 44، 56، 58، 74، 77، 78، 83، 85، 86، 88، 90، 91، 93، 96، 97، 98، 101، 102، 107، 125، 129، 132، 139، 146، 151، 168، 172، 180، 193، 207، 222، 223، 224، 231، 233، 240، 241، 243، 244، 258، 280، 283، 286، 288، 290، 291، 292، 295، 296، 303، 325، 331، 332، 348، 351، 352، 353، 355، 358، 361، 382، 383، 384، 391، 396، 398، 399، 400- 2/ 4، 5، 6، 10، 52، 101، 111، 113، 115، 220، 221، 235، 342، 345، 348، 353، 355، 357- 3/ 26، 54، 204، 205، 209، 210، 213، 214، 219، 321، 324، 325، 356، 358، 368، 380، 399، 401، 404- 4/ 10، 20، 21، 33، 36، 37، 41، 42، 47، 55، 59، 63، 64، 72، 76، 80، 98، 105، 107، 108، 109، 114، 116، 120، 121، 122، 123، 127، 128، 129، 130، 134، 183، 189، 199، 203، 211، 224، 246، 247، 248، 258، 259، 263، 264، 265، 275، 278 ص،
الصفحة: 285، 341، 342، 343، 344، 345، 348، 349، 353، 354، 357، 360، 363، 366، 367، 372، 376، 387، 398، 399، 402، 403، 406، 407- 5/ 18، 20، 21، 63، 64، 74، 77، 148، 209، 211، 213، 215، 269، 270، 271، 312، 346، 351، 374، 382- 6/ 20، 21، 29، 49، 92، 102، 144، 145، 149، 150، 152، 159، 160، 161، 167، 185، 187، 194، 220، 230، 232، 233، 234، 235، 236، 237، 240، 242، 243، 244، 255، 277، 283، 284، 289، 291، 308، 309، 312، 313، 344، 397- 7/ 109، 164، 165، 210، 251، 363- 8/ 147، 174، 180، 183، 184، 186، 187، 231، 236، 250، 253، 255، 268، 305، 316، 318، 319، 321، 328، 334، 337، 339، 340، 341، 346، 348، 357، 362، 372، 374، 375، 384، 385، 386، 387- 9/ 9، 10، 13، 14، 19، 20، 27، 39، 42، 94، 95، 102، 103، 104، 113، 114، 116، 179، 185، 194، 195، 196، 198، 227، 230، 234، 241، 243، 253، 254، 255، 258- ص 10/ 6، 25، 26، 41، 96، 132، 164، 172، 189، 234، 305- 11/ 197، 207، 213، 227، 293- 12/ 73، 74، 81، 85، 94، 103، 105، 106، 107، 116، 118، 121، 134، 135، 139، 141، 144، 145، 149، 160، 164، 165، 166، 170، 171، 173، 175، 179، 185، 186، 187، 189، 222، 230، 231، 246، 255، 259، 260، 272، 275، 279، 301، 302، 303، 304، 308، 309، 314، 315، 316، 357، 372- 13/ 53، 99، 102، 107، 187، 188، 207، 246، 248، 250، 261، 267، 272، 273، 277، 282، 296، 301، 302، 322، 323، 324، 325، 373، 374، 375، 376، 379، 380، 381، 382، 385- 14/ 17، 130، 138، 169، 229، 241، 250، 252، 258، 324، 325، 328، 331، 335، 336، 338، 339، 340، 359، 368، 445، 570، 594. قريظة: 1/ 69، 125، 221، 225، 230، 231، 232، 233، 235، 238، 240، 241، 244، 245، 247، 248، 249، 250، 251، 254، 255، 258- 3/ 354، 355، 359- 4/ 219، 401- 6/ 88 ص،
132، 133، 187، 244، 320- 8/ 374، 375، 376، 377، 378، 379، 391- 9/ 173، 187، 205، 227، 229، 230، 254، 255، 257، 276، 277، 293، 10/ 38- 12/ 183- 13/ 127، 139، 297، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 304، 305، 306، 332، 336- 14/ 19، 220، 305، 366، 367، 369. قضاعة: 1/ 256، 344- 2/ 127- 4/ 259- 5/ 136- 14/ 234. قينقاع: 1/ 69، 122، 248- 2/ 56، 218- 5/ 117- 6/ 354- 7/ 142، 152- 8/ 346، 370- 9/ 254، 256، 292، 14/ 19، 220، 367. كلب: 1/ 49. كنانة: 1/ 131، 207، 351، 374- 3/ 204- 6/ 188، 226، 343- 7/ 169- 8/ 310، 333، 340- 9/ 230- 12/ 53، 144، 145، 147، 148- 13/ 238- 14/ 232، 239، 315، 316، 325، 538. كندة: 1/ 49- 4/ 73- 8/ 312. لخم: 9/ 64- 14/ 252. محارب: 8/ 352. مزينة: 1/ 277، 352، 353، 354، 370، 372- 2/ 37، 49- 7/ 169، 187، 259- 7/ 169، 187، 259- 8/ 385- 9/ 187- 13/ 238، 376- 14/ 83، 88، 245، 246، 247، 249، 252. مضر: 4/ 28- 12/ 69، 71، 72، 73، 74، 76، 77، 309- 13/ 243، 244، 245، 256. النضير: 1/ 69، 123، 125، 188، 189، 191، 192، 222، 230، 240، 246، 255- 3/ 355، 359- 4/ 219- 6/ 88، 187- 8/ 348، 359، 360، 361، 363، 364- 9/ 187، 205، 227، 229، 234، 276، 277، 298، 361- 13/ 139، 147، 149، 250، 304، 305- 14/ 19، 220، 364، 366، 367، 368. هذيل: 4/ 18، 265، 277، 278- 6/ 235- 9/ 28- 13/ 271، 305- 14/ 366. همذان: 9/ 179، 322- 14/ 225، 226، 525. هوازن: 1/ 352، 355، 356، 358، 360، 398- 2/ 8، 9، 12، 14، 15، 17، 18، 19، 31- 4/ 202، 259، 266- 5/ 70- 8/ 388، 389، 390- 9/ 135، 134، 235- 13/ 374، 375- 14/ 16، 17، 157، 221، 234، 252، 540 ص.
فهرس الأماكن والبلدان
فهرس الأماكن والبلدان الأبطح: 1/ 334، 398- 2/ 5، 94، 107، 109، 110، 120، 122- 7/ 153. الأبواء: 2/ 107- 4/ 95- 8/ 143- 9/ 132، 278. أجنادين: 6/ 240، 262- 9/ 190. أذربيجان: 4/ 246- 12/ 251- 14/ 159، 171. أذرح: 9/ 374. أرمينية: 4/ 246- 12/ 251- 14/ 159، 171. الأردن: 4/ 113- 12/ 77- 14/ 166، 522. الإسكندرية: 3/ 363، 364- 4/ 173- 6/ 130- 7/ 179، 221، 357- 13/ 3- 14/ 105، 171. أصبهان: 6/ 338- 12/ 393. أنطاكية: 4/ 172. أوطاس: 2/ 9، 19- 9/ 234، 235، 236. إيطاليا: 4/ 172. إيليا: 14/ 150. أيلة: 2/ 65، 66- 302- 9/ 374- 14/ 42، 43. بابل: 3/ 360، 389. البحرين: 1/ 305- 2/ 35- 4/ 184، 202، 217، 382- 6/ 299، 9/ 188، 365، 369، 371، 372، 12/ 125، 331، 372، 14/ 181، 220، 225، 234، 244، 283، 313، 413، 526. البصرة: 1/ 173، 337- 4/ 227، 278، 292، 300، 302، 312- 5/ 141، 363- 6/ 153، 162، 331، 353، 363- 7/ 206- 8/ 10، 11، 353- 10/ 346- 11/ 377- 12/ 77، 224، 252، 261، 286، 331- 13/ 160، 195، 230، 232، 233، 235، 236، 237، 239، 240، 241، 243، 244، 248، 249- 14/ 132، 160، 242. البطحاء: 1/ 84، 389، 392- 6/ 303- 9/ 73- 10/ 185.
البقيع: 2/ 128، 147- 5/ 235، 361- 6/ 43، 51، 52، 56، 62، 185، 321، 328- 7/ 258، 290، 9/ 263- 12/ 182، 183، 185، 189- 14/ 295، 423، 424، 430، 567، 568. بقيع الغرقد: 5/ 118، 119- 7/ 175. بلقين: 1/ 344، 335. بلى: 1/ 344، 345. بيت لحم: 8/ 174، 251. بيسان: 9/ 64. البيداء: 1/ 331، 355. تبريز: 12/ 394. تبوك: 2/ 51، 58، 59، 60، 62، 63، 67، 68، 69، 70، 71، 73، 76- 4/ 390، 391، 404- 5/ 97، 105، 112، 113، 116، 145، 151- 6/ 361- 7/ 239- 8/ 392- 9/ 84، 135، 227، 237، 268، 277- 10/ 156- 11/ 257- 12/ 108- 13/ 190، 319- 14/ 32، 37، 42، 43، 44، 46، 47، 49، 54، 184، 298، 343، 345، 346، 347، 491. تهامة: 1/ 15، 92، 285- 2/ 202- 4/ 69، 277- 8/ 372- 12/ 53- 14/ 71، 234، 540. تيماء: 2/ 65- 9/ 173. جابرس: 8/ 277. جابلق: 8/ 277. الجحفة: 1/ 73، 90، 278، 357- 3/ 302- 9/ 173- 11/ 298، 299، 301، 302- 12/ 173- 14/ 365. جرجار: 12/ 393. الجرف: 2/ 124، 127. الجعرانة: 1/ 398- 2/ 25، 26، 27، 34، 35، 239- 3/ 49- 6/ 95- 9/ 22، 23، 235، 236، 296، 297- 14/ 7، 25. الجليل: 13/ 207، 208. الجوانية: 2/ 246. حبرون: 9/ 60. الحبشة: 1/ 37، 38، 40، 41، 43، 44، 45، 304، 305، 319- 2/ 46- 3/ 362- 4/ 68، 72، 73، 77، 80، 81، 89، 107، 184، 336، 382- 5/ 344- 6/ 33، 53، 65، 67، 71، 72، 73، 74، 75، 77، 78، 79، 158، 200، 240، 241، 242، 244، 273، 293، 298، 300، 340، 364- 7/ 23، 46، 114، 115- 8/ 316- 9/ 82، 105، 116، 201، 205، 206، 245، 338- 10/ 49، 63، 169- 11/ 337، 338، 361، 12/ 311، 316- 13/ 370- 14/ 339، 550. الحجون: 1/ 383، 385، 388- 5/ 35- 6/ 28، 30- 9/ 71، 79- 10/ 344- 14/ 377. الحديبيّة: 1/ 113، 235، 275، 284، 285، 286، 289، 292، 294، 296، 297، 298، 299، 300،
320، 330، 332، 349، 360- 2/ 70، 116- 5/ 105، 106، 108، 110، 145، 147، 148، 151- 7/ 4، 178، 181، 188، 238- 9/ 4، 9، 22، 89، 90، 120، 122، 227، 230- 13/ 53، 106، 287، 322، 354، 355، 356، 373، 386- 14/ 168، 172، 220، 344، 345. حران: 1/ 129- 9/ 56. الحرة: 5/ 250- 338. حضرموت: 4/ 13، 14، 184- 6/ 251- 9/ 358- 14/ 178، 220، 225، 226، 233، 253، 526، 527. حلوان: 3/ 382، 383. حمص: 2/ 47- 6/ 244، 319، 332. حنين: 5/ 67، 68، 69، 70، 71- 14/ 8، 14، 15، 16، 17، 26. الحيرة: 1/ 7- 12/ 331- 13/ 393- 14/ 59، 60، 114، 115، 117، 190، 191. خراسان: 3/ 392- 4/ 227، 382، 6/ 8، 159- 12/ 295، 296، 297، 310، 315- 13/ 191- 14/ 196، 197. خم: 1/ 73- 11/ 301، 303. خيبر: 1/ 47، 198، 199، 223، 254، 255، 259، 270، 271، 272، 300، 306، 307، 309، 310، 311، 315، 317، 319، 320، 321، 322، 323، 324، 325، 330- 2/ 249- 5/ 28، 29، 30، 105، 106- 7/ 117، 143، 155، 162، 225، 226، 310- 8/ 45- 9/ 17، 173، 204، 227، 230، 231، 233، 254، 261، 262، 269، 270، 276، 289، 294، 296، 302، 303، 306، 307، 308، 380، 382، 384، 385- 11/ 286، 287، 289، 290، 292، 293، 310، 375- 13/ 88، 153، 310، 311، 320، 321، 326، 330، 332، 335، 336، 338، 339، 340، 341، 343، 344، 345، 346، 347، 348، 350- 14/ 19، 234، 366، 368، 437، 484، 540، 586. دمشق: 1/ 377- 4/ 292- 6/ 244- 8/ 390- 10/ 133- 11/ 82- 12/ 393- 13/ 208- 14/ 186، 245، 246، 248، 249، 360. الدثينة: 5/ 284. الرَّبَذَة: 5/ 79- 8/ 311، 313- 13/ 214، 237، 238- 14/ 36، 38، 232، 312. الرقة: 6/ 161، 171. الرملة: 6/ 319. الروحاء: 1/ 92، 93، 95، 112، 123، 180، 277- 2/ 202، 213- 5/ 139.
الروم: 1/ 304، 339- 2/ 57، 61، 62، 98، 123، 132، 287، 341- 3/ 96، 197، 200، 361، 364، 366، 367، 368، 376- 4/ 149، 164، 174، 180، 184، 217، 218، 277- 5/ 113، 152- 6/ 154، 161- 9/ 173، 335- 12/ 82، 132، 215، 313، 319، 385- 13/ 29، 191، 291، 292، 294، 14/ 65، 165، 166، 168، 169، 170، 171، 178، 189، 192، 293، 194، 195، 199، 246، 247، 249، 269، 314، 492. رومية: 4/ 172. سرف: 1/ 155، 334- 6/ 91- 9/ 20، 23، 279- 10/ 222، 228- 12/ 212، 246- 13/ 253- 256. سيلان: 5/ 62. سيناء: 3/ 385- 391- 8/ 174. السودان: 4/ 382. الشام: 1/ 14، 17، 19، 44، 71، 74، 81، 84، 85، 129، 131، 173، 202، 228، 253، 258، 270، 302، 336، 337، 342، 352- 2/ 47، 61، 66- 3/ 89، 96، 196، 197، 319، 344، 349، 356، 359، 361، 366، 368، 377، 380، 394، 397، 398، 401- 4/ 15، 28، 34، 46، الصفحة: 53، 54، 61، 86، 109، 123، 134، 159، 171، 239، 246، 277، 278، 280، 292، 303، 317، 361، 371، 382، 388، 398، 406- 5/ 63، 65، 76، 343، 358- 6/ 29، 151، 160، 185، 232، 283، 302، 319، 397- 7/ 157- 8/ 174، 179، 182، 184، 185، 188، 253، 321، 336، 338، 339، 346، 353، 366، 368، 378، 390، 392- 9/ 14، 65، 78، 80، 173، 174، 189، 294، 322، 323، 329- 98، 132، 133، 348، 349، 362- 11/ 4، 261- 12/ 67، 78، 117، 118، 119، 132، 146، 158، 164، 177، 196، 201، 209، 210، 211، 219، 230، 244، 259، 285، 313، 316، 331، 374، 394- 13/ 3، 4، 141، 191، 192، 193، 195، 214، 237، 293، 294، 295، 303، 304، 364- 14/ 27، 34، 35، 127، 138، 140، 152، 154، 165، 166، 171، 178، 183، 186، 188، 189، 191، 192، 193، 195، 220، 233، 235، 236، 237، 246، 247، 248، 249، 298، 313، 332، 354، 359، 360، 361، 365، 366، 445، 522 ص،
539، 541، 615، 628. صفورية: 10/ 6. صفين: 2/ 169- 12/ 231- 14/ 139، 144. صنعاء: 1/ 328- 2/ 35، 101- 3/ 307، 349- 4/ 28، 382- 8/ 101- 12/ 130- 13/ 293- 14/ 178، 225، 228، 445، 522، 523، 524، 526. الصهباء: 5/ 27، 28. الطائف: 1/ 45، 46، 172، 400- 2/ 8، 22، 23، 24، 25، 34، 84، 87، 264- 3/ 364- 4/ 68، 74، 75، 82، 134، 217، 278، 353، 374، 403- 5/ 70- 6/ 161، 162، 203، 265، 329، 330، 331- 7/ 171، 181- 8/ 174، 304، 306، 308، 387، 389، 390- 9/ 71، 180، 181، 236، 264، 266، 276، 277- 11/ 323، 363- 12/ 250- 14/ 18، 20، 21، 22، 23، 24، 28، 29، 106، 159، 220، 221، 325، 328، 329، 337، 360، 337، 360، 361، 526، 581. طبرستان: 5/ 61- 12/ 393. طرسوس: 5/ 61. طيبة: 8/ 174، 251- 9/ 65- 14/ 232. عدن: 14/ 220، 526. عذرة: 1/ 344، 345. العراق: 1/ 76، 96، 129، 266، 227- 2/ 88- 4/ 26، 217، 227، 246، 247، 278، 280، 320، 398- 5/ 297، 358، 359- 6/ 159- 7/ 117- 9/ 27، 80- 10/ 348، 360- 11/ 111، 180- 12/ 67، 132، 196، 219، 239، 240، 256، 266، 311، 313، 330، 389، 390- 13/ 191، 193- 14/ 27، 36، 38، 127، 147، 148، 166، 178، 183، 184، 188، 191، 192، 193، 194، 195، 220، 236، 237، 313، 381، 541. عسفان: 1/ 184، 198، 258، 279، 282- 2/ 37، 107- 5/ 147، 148، 150- 8/ 361، 378- 9/ 199، 259- 13/ 271، 286، 287. عسقلان: 12/ 53. عمان: 2/ 35- 3/ 302- 4/ 184، 217، 382- 14/ 220. غزة: 9/ 59. غسان: 2/ 47، 61، 94- 9/ 174- 14/ 245. فارس: 1/ 304- 2/ 57، 62، 287- 3/ 96، 361- 4/ 26، 34، 35، 60، 61، 149، 158، 184، 217، 218- 5/ 70، 359- 12/ 82، 128، 130، 133، 138، 314، 319، 385- 13/ 291، 293،
294- 14/ 165، 166، 168، 169، 170، 171، 172، 178، 192، 193، 197، 199، 269، 297، 298، 492. فدك: 1/ 270- 9/ 173. فلسطين: 2/ 98- 6/ 262- 12/ 53، 379، 394- 14/ 166- 472. قاشان: 12/ 393. قباء: 1/ 65، 68، 70، 112، 132- 4/ 390- 5/ 87- 7/ 172- 9/ 199، 227- 10/ 10، 69، 70، 71، 73، 74، 75، 76، 77، 85، 110، 130، 135- 11/ 388، 389- 13/ 250- 14/ 208. قديد: 1/ 356، 358. القدس: 4/ 159، 162- 9/ 59- 12/ 357- 13/ 141- 14/ 171. القسطنطينية: 4/ 159، 383- 10/ 12- 14/ 171، 189، 200، 246، 247، 314. قم: 12/ 393. قيد: 1/ 265. كداء: 1/ 383، 385. الكديد: 1/ 335، 336. كربلاء: 12/ 239- 14/ 143، 146، 147. الكوفة: 1/ 173- 3/ 60- 4/ 291، 292، 305، 309، 311- 5/ 358، 360، 363، 364، 367، 6/ 43، 161، 162، 356- 7/ 106، 376- 8/ 353- 9/ 109، 323- 10/ 6، 269، 347- 11/ 338- 12/ 34، 45، 77، 224، 250، 251، 252، 257، 261، 268، 331- 13/ 4، 11، 214، 217، 218، 230، 237، 238، 239، 240، 244، 245، 247، 248- 14/ 132، 157، 158، 159، 160، 375، 381. لبنان: 3/ 394- 13/ 207، 208. لعك: 2/ 145. مؤتة: 1/ 336، 337، 340، 342، 344- 11/ 315. المدائن: 5/ 25، 358- 6/ 339- 12/ 251- 13/ 294، 295- 14/ 158، 159. المدينة: 1/ 13، 48، 50، 51، 52، 56، 60، 61، 64، 65، 69، 70، 71، 73، 74، 77، 78، 81، 82، 83، 93، 95، 112، 117، 118، 122، 123، 124، 125، 128، 131، 132، 134، 137، 147، 154، 161، 164، 171، 172، 174، 178، 179، 180، 181، 182، 188، 189، 193، 197، 199، 202، 207، 209، 254، 257، 258، 259، 260، 264، 265، 266، 267، 268، 270، 271، 272، 275، 277، 298، 300، 305، 306، 319، 320، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 333، 334، 335، 336 ص،
الصفحة: 337، 341، 344، 346، 347، 354، 355، 389- 2/ 36، 42، 43، 44، 46، 47، 53، 55، 62، 73، 64، 71، 76، 77، 79، 80، 84، 85، 88، 98، 102، 104، 105، 106، 110، 120، 122، 123، 126، 154، 221، 224، 238، 256، 291، 385- 3/ 53، 54، 56، 59، 66، 69، 70، 82، 89، 90، 92، 94، 211، 307، 338، 344، 353، 354، 355، 359، 396، 404- 4/ 4، 13، 19، 31، 35، 94، 110، 121، 123، 164، 241، 265، 278، 291، 292، 296، 302، 334، 338، 339، 358، 376، 377، 379، 380، 384، 400، 404، 407- 5/ 35، 48، 51، 86، 107، 113، 119، 122، 123، 124، 127، 130، 135، 139، 140، 142، 151، 197، 199، 204، 212، 215، 221، 235، 238، 252، 288، 313، 319، 344، 346، 348، 358، 360، 361، 363، 367، 376- 6/ 33، 34، 42، 49، 50، 65، 66، 69، 71، 72، 73، 79، 80، 81، 92، 105، 120، 130، 137، 150، 153، 154، 155، 158، 182، 187، 203، 242، 244، 248، 251، 256، 273، 276، 293، 299، 307 ص، 310، 317، 328، 352، 356، 398- 7/ 109، 110، 148، 154، 157، 164، 173، 183، 198، 210، 234، 235، 236، 237، 247، 248، 265، 267، 307، 330، 346، 347، 358- 8/ 43، 98، 99، 102، 105، 139، 143، 145، 157، 170، 171، 174، 199، 225، 229، 251، 252، 310، 313، 314، 316، 321، 322، 323، 324، 325، 326، 330، 332، 333، 334، 335، 336، 338، 339، 344، 345، 346، 347، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 356، 358، 359، 361، 362، 364، 365، 366، 369، 370، 371، 372، 374، 375، 376، 378، 379، 380، 381، 383، 387، 390، 392، 393- 9/ 13، 20، 23، 26، 30، 35، 37، 65، 86، 87، 107، 173، 176، 185، 186، 188، 189، 192، 193، 194، 195، 200، 201، 202، 204، 206، 207، 208، 226، 227، 230، 234، 252، 265، 290، 306، 338، 356، 357، 358، 362، 376، 383، 394- 10/ 4، 10، 49، 69، 82، 85، 87، 88، 93، 94، 95، 97، 108، 117، 131، 132، 133 ص،
الصفحة: 158، 173، 174، 175، 208، 218، 342، 343، 346، 347، 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 356، 360، 361، 362، 363، 364- 11/ 111، 180، 213، 227، 238، 256، 258، 259، 260، 263، 264، 267، 269، 270، 271، 293، 295، 296، 298، 299، 300، 301، 302، 303، 309، 337، 354- 12/ 76، 80، 88، 94، 96، 99، 122، 136، 139، 142، 146، 156، 163، 174، 176، 178، 179، 181، 191، 201، 209، 223، 227، 230، 232، 244، 245، 246، 255، 271، 272، 294، 316، 318، 336، 341، 359، 374، 377، 380- 13/ 4، 28، 29، 51، 74، 190، 214، 224، 234، 235، 236، 237، 249، 251، 252، 255، 268، 271، 179، 283، 284، 291، 292، 306، 310، 311، 316، 317، 328، 369، 373- 14/ 24، 30، 34، 35، 42، 43، 45، 46، 50، 53، 68، 71، 74، 75، 89، 106، 110، 111، 135، 136، 138، 140، 148، 152، 153، 154، 163، 175، 183، 184، 189، 193، 195، 208، 217، 225، 228، 232، 233 ص، 236، 238، 246، 247، 257، 258، 277، 278، 288، 305، 306، 312، 314، 334، 354، 360، 367، 368، 412، 417، 471، 473، 483، 489، 521، 522، 525، 526، 533، 538، 539، 541، 542، 543، 544، 547، 548، 549، 550، 551، 552، 554، 562، 566، 574، 586، 615، 616، 620، 622، 623، 625، 626، 627. مر الظهران: 1/ 88، 91، 224، 331، 355، 358، 359، 384- 2/ 36، 107، 356- 5/ 65، 148- 8/ 384- 9/ 23، 234، 235- 13/ 275، 322، 323. مرو: 14/ 196. المريسيع: 7/ 207، 258. مصر: 1/ 304- 3/ 96- 4/ 159، 163، 168، 175، 184، 199- 6/ 130، 158، 343، 351، 364- 7/ 180، 223- 9/ 59- 10/ 4، 135، 136- 12/ 316، 331، 385- 13/ 3، 193، 208- 14/ 100، 124، 125، 171، 172، 178، 185، 193، 405، 625، 628. مكة: 1/ 6، 9، 13، 15، 16، 37، 38، 43، 45، 46، 48، 50، 53، 56، 58، 60، 64، 68، 69، 71، 73، 75، 80، 82، 83، 85، 87 ص،
الصفحة: 90، 91، 97، 109، 115، 117، 125، 131، 132، 154، 156، 166، 172، 174، 184، 185، 194، 204، 222، 267، 274، 277، 279، 296، 297، 302، 303، 319، 324، 325، 328، 330، 331، 332، 333، 334، 335، 337، 350، 353، 356، 358، 360، 361، 383، 384، 385، 387، 388، 394، 395، 398- 2/ 3، 4، 6، 7، 8، 9، 10، 11، 13، 17، 28، 34، 36، 45، 84، 97، 104، 107، 109، 110، 115، 117، 120، 121، 122، 154، 166، 228، 233، 238، 345، 372، 385، 390- 3/ 26، 28، 36، 53، 54، 56، 82، 84، 89، 90، 94، 196، 270، 271، 319، 338، 344، 350، 356، 377، 380، 381، 383، 385، 391، 392، 396، 397، 401- 4/ 4، 9، 13، 15، 18، 20، 29، 32، 33، 35، 36، 67، 68، 69، 74، 75، 76، 77، 79، 81، 85، 89، 95، 98، 105، 112، 121، 123، 129، 188، 209، 217، 277، 278، 291، 292، 297، 298، 299، 333، 334، 339، 349، 361، 363، 366، 370، 371، 373، 375، 376، 377، 378، 382، 387، 399، 400 ص، 403، 406- 5/ 12، 17، 20، 21، 22، 23، 36، 39، 41، 54، 72، 73، 74، 105، 108، 141، 204، 205، 208، 209، 210، 211، 212، 216، 254، 261، 269، 272، 299، 310، 312، 313، 333، 334، 343، 344، 348، 363، 364، 376- 6/ 29، 30، 45، 68، 72، 81، 91، 92، 101، 117، 120، 135، 154، 155، 157، 160، 161، 182، 183، 213، 230، 235، 242، 243، 248، 284، 305، 308، 311، 313، 315، 319، 339، 367- 7/ 15، 16، 109، 159، 160، 170، 233، 239، 249، 253، 330، 358- 8/ 98، 99، 100، 251، 252، 253، 255، 267، 306، 309، 317، 321، 322، 323، 325، 336، 339، 361، 369، 371، 369، 371، 378، 383، 384، 385، 387، 388، 390، 391، 393- 9/ 4، 12، 18، 19، 29، 30، 64، 65، 78، 81، 87، 88، 91، 96، 97، 98، 102، 103، 104، 106، 107، 108، 112، 125، 173، 241، 245، 309، 338، 368- 10/ 6، 49، 63، 84، 110، 125، 127، 133، 134، 264، 342، 343، 344، 345، 346، 347 ص،
الصفحة: 348، 349، 350، 351، 352، 353، 354، 358، 359، 360، 361، 362، 363، 364- 11/ 213، 260، 296، 298، 299، 300، 301، 303، 304، 305، 308، 309، 338، 377- 12/ 70، 73، 106، 115، 122، 136، 142، 146، 148، 154، 156، 163، 164، 168، 170، 171، 174، 175، 176، 178، 187، 189، 201، 212، 259، 260، 272، 300، 301، 341، 374- 13/ 24، 17، 19، 20، 28، 110، 111، 150، 151، 152، 215، 216، 237، 249، 253، 254، 255، 271، 272، 273، 274، 275، 276، 282، 283، 354، 355، 357، 358، 379، 383، 384، 385، 386، 387- 14/ 4، 5، 6، 11، 13، 16، 22، 30، 35، 53، 155، 163، 164، 166، 170، 188، 220، 221، 237، 257، 258، 261، 324، 315، 322، 325، 328، 329، 334، 338، 339، 340، 359، 360، 361، 365، 368، 544، 546، 547، 548، 549، 550، 551، 552، 554، 567، 570، 622، 625، 627، 628. الموصل: 9/ 71- 12/ 251- 14/ 159، 172. نجد: 1/ 127، 182، 329، 347- 4/ 116، 117، 217، 277- 6/ 101- 7/ 244، 306- 8/ 368، 373، 377- 9/ 230، 295- 10/ 12- 14/ 252، 259، 261، 268. نجران: 1/ 328، 397- 2/ 94، 95، 4/ 26، 35، 68، 97، 184، 404- 6/ 277، 317- 9/ 365، 367، 368، 373، 375، 376- 13/ 387- 14/ 65، 66، 67، 68، 70، 71، 72، 225، 228، 252، 523. نيسابور: 12/ 393. نينوى: 9/ 71، 180. هجر: 4/ 184- 5/ 291، 292- 7/ 15، 16- 8/ 98- 9/ 370، 371، 372. همدان: 13/ 245. الهند: 4/ 227- 7/ 300- 10/ 359- 13/ 195- 14/ 178، 202. واسط: 6/ 337. يثرب: 1/ 86، 90، 96- 3/ 349، 355، 356، 363- 4/ 13، 15، 28، 31، 32، 374- 6/ 84، 173- 8/ 251- 9/ 64، 173، 174، 176، 187، 230- 13/ 251، 271، 293، 331، 336، 357، 358- 14/ 60، 69، 364، 365، 366. ينبع: 7/ 222.
اليرموك: 3/ 314- 12/ 11. اليمامة: 1/ 304- 2/ 99- 4/ 217، 232، 243، 359- 5/ 117- 6/ 211، 244، 248، 249- 8/ 98، 99، 101- 9/ 174- 12/ 114، 158، 14/ 221، 230، 231، 241، 244، 250، 251، 257، 258، 261، 522، 524، 531، 536، 537. اليمن: 1/ 40، 46، 228، 281، 398- 2/ 60، 66، 102، 109، 122- 3/ 304، 350، 359، 361، 362- 4/ 22، 27، 36، 73، 75، 81، 98، 184، 217، 259، 277، 278، 382، 395، 398- 5/ 136، 284، 357- 6/ 100، 173، 249، 251، 319، 397- 8/ 311- 9/ 227، 36، 65، 208، 241، 367، 372، 373، 376- 10/ 97، 349- 11/ 293، 295- 12/ 79، 354، 385- 13/ 524، 243، 245، 291، 293، 294، 295، 323، 325- 14/ 61، 62، 63، 97، 183، 184، 191، 192، 221، 225، 234، 339، 445، 523، 524، 526، 540.
فهرس الأبيات الشعرية
فهرس الأبيات الشعرية طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع يا كاشف/ 19/ بأساء/ 12/ 374- 375. جدي/ 3/ الشقراء/ 3/ 324. عين/ 7/ البكاء/ 14/ 602. فخرتم/ 2/ صؤاب/ 1/ 144. عين/ 6/ الأواب/ 14/ 600. إذا عضل/ 3/ الحواجب/ 1/ 144. للَّه در/ 1/ انحبى/ 11/ 292، 293. أتاني/ 7/ بكاذب/ 4/ 5. ألا أبلغا/ 3/ مجرب/ 12/ 180. أنا الّذي/ 2/ مجرب/ 11/ 291. قد علمت/ 2/ مجرب/ 11/ 287. يلوم/ 3/ فاضب/ 12/ 184. يا عين/ 5/ فانتعيا/ 14/ 601. وفي الأصنام/ 1/ العقابا/ 5/ 73. أكنيه/ 1/ اللقبا/ 2/ 146. فإنك شمس/ 1/ كوكب/ 3/ 121. أفاطم/ 11/ الكوكب/ 14/ 599. والعير/ 1/ الكواكب/ 5/ 14. أقمنا/ 1/ جانب/ 1/ 144. لهف/ 9/ المحروب/ 14/ 599. مظاهر/ 1/ رسوب/ 7/ 142. ألم/ 1/ طبيبا/ 13/ 95. أرقت/ 7/ دبيب/ 14/ 600
طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع سما/ 1/ العزيب/ 14/ 117. لم يبق/ 1/ الشيب/ 1/ 158. فإن يك/ 1/ خصيب/ 14/ 391. فانقض/ 1/ طيبا/ 5/ 14. أرشدني/ 4/ هديت/ 3/ 404. هل أنت/ 1/ لقيت/ 2/ 269- 13/ 97، 99. ألا يا عين/ 12/ هويت/ 14/ 601- 602. إن السماحة/ 1/ الحشرج/ 3/ 195. إليك/ 6/ العرج/ 4/ 7- 8. إذا حكم/ 3/ السروج/ 13/ 4. لججت/ 12/ النشيجا/ 3/ 16- 18. إن ابن/ 3/ صلاحا/ 4/ 11. آب/ 7/ الوساد/ 14/ 600- 601. آليت/ 7/ إفناد/ 14/ 593. تبارك/ 2/ هاد/ 14/ 48. جزى اللَّه/ 5/ أم معبد/ 5/ 205- 206، 208، 209، 213. أمسى/ 1/ البلد/ 1/ 217- 6/ 343. لا يستوي/ 3/ المساجدا/ 10/ 87. قل/ للقبيلة/ 3/ المسجد/ 4/ 16، 17. ويل أم/ 3/ وحدا/ 1/ 254. لولا/ 3/ عددا/ 13/ 272. أنا ابن/ 2/ الرد/ 11/ 335. باتت/ 7/ الجسدا/ 14/ 594. بنونا/ 1/ الأباعد/ 6/ 12. لما تشاجرت/ 11/ أسعد/ 4/ 108. متى يبد/ 2/ المتوقد/ 2/ 149. يا رب/ 8/ الأتلدا/ 13/ 373. يا عين/ 9/ أحمد/ 14/ 598
طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع بني مدلج/ 6/ محمد/ 12/ 124. ترك الضماد/ 7/ محمد/ 3/ 400. عجبت/ 7/ محمد/ 5/ 346. كأن/ 1/ محمد/ 14/ 390. وشق له/ 1/ محمد/ 2/ 146- 3/ 106- 11/ 171. ما بال/ 18/ الأرمد/ 14/ 592. بطيبة/ 46/ وتهمد/ 14/ 590- 592. كنا بخير/ 4/ هند/ 6/ 266. أبا عمرو/ 7/ الهجود/ 4/ 13. عين/ 5/ مفقود/ 14/ 600. أنا/ 1/ ثمود/ 14/ 389. واللَّه/ 3/ يزيد/ 6/ 158. يا عيني/ 5/ السيد/ 14/ 594. أشاب/ 8/ الفقيدا/ 14/ 601. لا هم/ 4/ التقليد/ 4/ 70. ستبدي/ 1/ بالأخبار/ 13/ 95. قد علمت/ 5/ زيار/ 1/ 311. نحن/ 1/ جار/ 9/ 203. ويها/ 3/ الدار/ 1/ 140. قالت/ 6/ حدار/ 14/ 536- 537. أأردت/ 3/ العيزار/ 4/ 31. يا سعد/ 3/ الأنصار/ 9/ 170. قالت/ 5/ استعار/ 14/ 537. في الذاهبين/ 5/ بصائر/ 9/ 68- 69. لو أسندت/ 1/ قابر/ 6/ 265. شهدت/ 9/ الحجر/ 3/ 351. نب/ 8/ سحرا/ 14/ 593. امنن/ 12/ ندخر/ 2/ 32. ميكال/ 1/ قادر/ 1/ 100
طرف البيت/ عدد/ الأبيات/ القافية/ الموضع لو كنت/ 1/ البدر/ 2/ 149. فإن رشيداً/ 1/ مصدراً/ 13/ 78. شهد/ 4/ بالغدر/ 13/ 218. ولا خير/ 2/ تكدرا/ 2/ 264- 11/ 372. تداركت/ 1/ منذرا/ 1/ 114- 6/ 267. تنصرت/ 6/ ضرر/ 14/ 248. قد علمت/ 5/ ياسر/ 1/ 311. وسبرة/ 2/ تيسراً/ 11/ 342. صرخت/ 13/ بشر/ 12/ 183- 184. أزار/ 3/ قيصرا/ 1/ 92. للَّه الحمد/ 8/ المطر/ 5/ 126. ألكنى/ 3/ المشاعر/ 6/ 304- 305. نحن/ 5/ مسعرا/ 3/ 402، 403. يا رب/ 7/ المسافر/ 4/ 92. ألم تر/ 9/ جنافرا/ 4/ 28- 29. وإنا لقوم/ 4/ تنفرا/ 11/ 372. ألا بلغا/ 2/ يتذكرا/ 11/ 342. كأن/ 2/ سامر/ 5/ 271. ألم تر/ 9/ لعامر/ 4/ 12. سل/ 1/ قمر/ 6/ 17. هذا الحمال/ 1/ وأطهرا/ 1/ 225- 8/ 324- 10/ 87. السماء/ 1/ مظهراً/ 2/ 264- 11/ 371. سماه/ 3/ ظهراً/ 1/ 227. لما رأيت/ 5/ الدور/ 14/ 594. شقيت/ 2/ شور/ 6/ 238. عيني/ 7/ تعذير/ 14/ 598. يا للرجال/ 12/ من غير/ 3/ 21- 22. كنت/ 1/ فقير/ 14/ 389. شمر/ 7/ تغيير/ 4/ 62
طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع شددت/ 4/ يلبس/ 6/ 192. يا راكب/ 2/ الفرس/ 12/ 163. اللَّه ربي/ 1/ بالمغمس/ 4/ 71. لو كان/ 5/ أنسى/ 13/ 279. أفي/ 1/ الحوائض/ 5/ 347. طلع/ 3/ الوداع/ 1/ 117- 9/ 202. نذود/ 3/ نتابع/ 7/ 183، 186. إن الذوائب/ 17/ تتبع/ 2/ 40- 41. وكنا/ 2/ يتصدعا/ 14/ 240. يا ليتني/ 4/ جذع/ 2/ 9. سائل/ 14/ واسع/ 12/ 118- 119. خذها/ 1/ الرضع/ 1/ 261- 8/ 381. تطاول/ 12/ جامع/ 14/ 595. لقد جمع/ 10/ مجمع/ 13/ 280. طحنت/ 12/ تدمع/ 12- 179- 180. بكت/ 6/ يسمع/ 12/ 180. نحن الكرام/ 9/ البيع/ 2/ 39- 40. قال النبي/ 20/ الغار/ 12/ 123- 124. وبنو المنذر/ 1/ بالسيوف/ 14/ 115. قضينا/ 4/ السيوفا/ 13/ 375. لم يغذها/ 2/ تعجيف/ 2/ 267. يا عين/ 8/ المصطفى/ 14/ 596. تكلم/ 3/ بالنفاق/ 13/ 218. نحن بنات/ 2/ النمارق/ 1/ 140. يا ناعي/ 4/ خرق/ 9/ 69. من قبلها/ 8/ الورق/ 3/ 194. تفاءل/ 1/ يحقق/ 13/ 96. يا خاتم/ 5/ هداكا/ 7/ 185. أفي/ 1/ العوارك/ 5/ 347
طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع يا ذا الكفين/ 3/ عباكا/ 2/ 21. بدلت/ 1/ أولئك/ 11/ 342. يا ذا/ 3/ عبادكا/ 5/ 314. شهدت/ 3/ تارك/ 4/ 10. صاحبك/ 4/ نفسكا/ 3/ 404. لا هم/ 7/ حلالك/ 4/ 69- 70. كفرانك/ 1/ أهانك/ 14/ 12. يا أيها/ 1/ يحمدونكا/ 5/ 110. فلم أسمع/ 5/ رجال/ 4/ 73. فعيناك/ 1/ طائل/ 4/ 264. ألم تر/ 2/ الجلائل/ 5/ 292. ما علتي/ 3/ بلابل/ 13/ 274. بكيت/ 8/ الأجل/ 6/ 303- 304. وأنزاها/ 4/ برجل/ 11/ 318- 319. أضر/ 2/ الأكحل/ 6/ 173. أتيناك/ 10/ الأزل/ 12/ 75- 76. جدي/ 14/ الأعزل/ 5/ 60- 61. نادى/ 2/ فانزل/ 6/ 226- 227. إن يك/ 7/ مرسل/ 3/ 20- 21. أتيناك/ 4/ الطفل/ 5/ 126. مضى/ 2/ فعل/ 5/ 340. لئن قعدنا/ 1/ المضلل/ 10/ 86. وإذا نظرت/ 1/ المتهلل/ 2/ 159. وأبيض/ 1/ للأرامل/ 5/ 126، 128. وأبيض/ 4/ للأرامل/ 5/ 127. أيا من/ 2/ جهل/ 6/ 230. الناس/ 2/ جهل/ 6/ 239. ما ولدت/ 3/ سهل/ 6/ 271. ما ينظر/ 1/ حجول/ 6/ 367
طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع أرقت/ 10/ طول/ 14/ 603. هنيئا/ 1/ بلال/ 9/ 110. عذ يا فتى/ 4/ الجلال/ 3/ 403. كسرت/ 3/ بتضلال/ 4/ 7. لولا/ 2/ بديل/ 14/ 389. يا حار/ 4/ بجبريل/ 10/ 11. ألا ليت/ 2/ وجليل/ 11/ 295- 296، 298، 301. يا أيها/ 12/ الأجسام/ 3/ 399. عيني/ 3/ بانسجام/ 14/ 365. إيها بني/ 2/ حام/ 10/ 6. يرد علينا/ 1/ الدم/ 5/ 14. أعيني/ 5/ منهدم/ 14/ 599- 600. ذكرت/ 2/ الحرما/ 5/ 343. أعيني/ 7/ هاشم/ 14/ 598. يا خير/ 2/ والأكم/ 14/ 615. سقاني/ 2/ مشكم/ 14/ 368. فليت/ 3/ عالما/ 13/ 279. فعلق/ 1/ وأظلما/ 13/ 96. إن ابن/ 4/ باللوم/ 14/ 248- 249. قبح اللَّه/ 6/ الأحلام/ 3/ 402، 403. يا أيها/ 4/ الأحلام/ 4/ 12- 13. أمسى/ 1/ الظلام/ 2/ 149. تداعت/ 3/ أيم/ 6/ 176. لا تعدمن/ 3/ لئيم/ 13/ 387. كفى/ 1/ حريم/ 8/ 142. صلى/ 3/ صميم/ 1/ 143. الحمد للَّه/ 6/ الأردان/ 4/ 46- 47. فر/ 1/ رضوان/ 14/ 390. لا تغترن/ 1/ شبان/ 12/ 263
طرف البيت/ عدد الأبيات القافية/ الموضع تنازع/ 1/ الشراكان/ 14/ 391. لبغضكم/ 4/ لئن/ 4/ 9. أصم/ 7/ العنن/ 4/ 61. إن العين/ 2/ مجنونا/ 12/ 101- 14/ 334. ما تنقم/ 3/ منى/ 1/ 105. وإذا/ 1/ جبرين/ 14/ 390. بسم اللَّه/ 1/ هدينا/ 1/ 226. أشاب/ 2/ القرينا/ 5/ 367. ألا/ 4/ أجمعينا/ 14/ 243. إنك/ 3/ ما لقينا/ 4/ 71. اللَّهمّ/ 7/ صلينا/ 9/ 303، 307، 308. واللَّه/ 3/ صلينا/ 2/ 269. فلست/ 1/ المسلمينا/ 13/ 284. هذا رسول/ 2/ النجاة/ 3/ 404. للَّه/ 6/ رحالته/ 14/ 336. اللَّهمّ لا خير/ 1/ المهاجرة/ 5/ 157- 10/ 83، 87. اللَّهمّ لا عيش/ 1/ المهاجرة/ 2/ 268. كيف/ 1/ نفره/ 14/ 391. أفلح/ 1/ مرة/ 4/ 323. أما ورب/ 2/ سورة/ 10/ 134. يا أيها/ 5/ الأربعة/ 3/ 398. إياك/ 6/ ثقة/ 3/ 398. قد ذقت/ 1/ فوقه/ 11/ 300، 301. اليوم/ 1/ أحله/ 6/ 107. إن تقدموا/ 3/ علة/ 1/ 386. كل امرئ/ 1/ نعله/ 11/ 295، 300، 301. خلوا/ 3/ رسوله/ 7/ 238- 9/ 19. خلوا/ 2/ تنزله/ 9/ 309، 313. أبا حكم/ 5/ قوائمه/ 12/ 124
طرف البيت/ عدد الأبيات/ القافية/ الموضع إنك/ 7/ الخندمة/ 1/ 386. أما الحرام/ 3/ دونه/ 4/ 39. قد علمت/ 2/ ناجية/ 5/ 110. عجبت/ 3/ بأقتابها/ 4/ 4. لا تقرعن/ 1/ فقدها/ 5/ 15. عجبت/ 3/ بأكوارها/ 4/ 4. عجبت/ 3/ بأحلاسها/ 4/ 3- 4. عليك/ 1/ مضجعها/ 11/ 168. أو كلما/ 1/ قالها/ 14/ 354. تبيت/ 3/ حميمها/ 12/ 317. أمست/ 8/ زينها/ 14/ 602. تلك/ 1/ أبوالا/ 11/ 334، 335. أأنت/ 3/ الأجبالا/ 4/ 71. أنت/ 4/ الأجيالا/ 4/ 73. أرهط/ 2/ الكهلا/ 1/ 114- 6/ 267. للَّه/ 4/ المخولا/ 1/ 142. أعيذ/ 3/ صحبي/ 4/ 33. يا حبذا/ 2/ وعوادي/ 1/ 389- 390. لقد خاب/ 9/ يغتدى/ 5/ 206، 213- 214. إن الّذي/ 2/ مهتدى/ 4/ 19. يا مالك/ 5/ إزاري/ 4/ 30- 31. أيا عز/ 3/ وشمري/ 14/ 12. ارفع/ 2/ جنى/ 2/ 265. ألا يا عين/ 6/ طاوعيني/ 14/ 596- 597. ألا يا عاذلا/ 2/ تهلكيني/ 6/ 176. ذريني/ 6/ تعذليني/ 6/ 176- 177. لم يبق/ 1/ يميني/ 1/ 158. ألا يا رسول/ 5/ هادياً/ 5/ 246. ويؤتى/ 1/ مواسياً/ 14/ 547. ألا يا رسول/ 10/ جافياً/ 14/ 597
فهرس مصادر ومراجع التحقيق
فهرس مصادر ومراجع التحقيق - القرآن الكريم. - حسان بن ثابت الأنصاري (شاعر الرسول صلّى اللَّه عليه وسلّم) (54 هـ-) : الديوان، تحقيق د. سيد حنفي حسين، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974 م. - عبد اللَّه بن العباس بن عبد المطلب (68. هـ-) : تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ط. المكتبة الشعبية، بيروت، (د. ت) . - أبو عبد اللَّه، مالك بن أنس بن مالك (179. هـ-) : كتاب الموطأ، إعداد أحمد راتب عرموش، ط. دار النفائس، بيروت، 1400 هـ-. - أبو عبد اللَّه محمد بن إدريس الشافعيّ (204. هـ-) : كتاب المسند، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1980 م. - كتاب الأم، ط. دار الشعب، القاهرة 1968 م. - أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (204 هـ-) : جمهرة النسب، رواية الشكري عن ابن حبيب، تحقيق د. ناجي حسن، ط. مكتبة النهضة العربية، القاهرة، 1968 م. - محمد بن عمر بن واقد (الواقدي) ، (207 هـ-) : كتاب المغازي، تحقيق د. مارسدن جونس، ط. عالم الكتب، بيروت 1966 م. - أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211 هـ-) : تفسير القرآن العزيز، (تفسير عبد الرزاق) تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، ط. دار المعرفة، بيروت، 1991 م. - أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري (123 هـ-) : السيرة النبويّة، تقديم وتعليق طه عبد الرؤوف سعد، ط. مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة، 1978 م. - أبو بكر عبد اللَّه بن الزبير الحميدي (219. هـ-) : مسند الحميدي، تحقيق وتعليق حبيب الرحمن الأعظمي، ط. عالم الكتب، بيروت، 1382 هـ-. - الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام (224 هـ-) : كتاب الأموال، تحقيق وتعليق محمد خليل هراس، ط. مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر، القاهرة، 1981 م. - محمد بن سعد بن منيع البصري (230 هـ-) : الطبقات الكبرى، تقديم د. إحسان عباس، ط، دار صادر، بيروت، 1968 م. - أبو بكر عبد اللَّه بن أبي شيبة الكوفي العبسيّ (235 هـ-) : الكتاب المصنف، ضبط وتصحيح وترقيم محمد عبد السلام شاهين، ط. دار الكتب، بيروت، 1995 م. - أحمد بن حنبل الشيبانيّ (241 هـ-) : المسند، ط. دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1991 م. - أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن الدارميّ (255 هـ-) : مسند الدارميّ، طبع بعناية محمد أحمد دهمان، دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ-) : صحيح البخاري، وعليه حاشية الإمام السندي، ط. دار المعرفة، بيروت، 1978 م.
- صحيح البخاري وعليه فتح الباري للحافظ ابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989 م. - التاريخ الكبير، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1991 م. - التاريخ الصغير، تحقيق محمود إبراهيم زائد، ط. دار الوعي، حلب، 1977 م. - أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري (261 هـ-) : صحيح مسلم، وعليه شرح الإمام النووي، ط. دار القلم، بيروت، (د. ت) . - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (275 هـ-) : سنن أبي داود، تعليق عزت عبيد الدعاس، ط. حمص، سوريا 1969. م، وعليه معالم السنن للإمام الخطابي. - أبو عبد اللَّه محمد بن يزيد القزويني [ابن ماجة] (275 هـ-) : سنن ابن ماجة، تعليق محمد فؤاد عبد الباقي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة (د. ت) . - أبو محمد عبد اللَّه مسلم بن قتيبة (276 هـ-) : كتاب المعارف، تحقيق وتقديم د. ثروت عكاشة، ط. دار المعارف، القاهرة 1969 م. - الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمد شاكر، ط. دار التراث العربيّ، القاهرة 1977. - أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (279. هـ-) : سنن الترمذي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط. دار الفكر، بيروت، 1389 هـ-. - الشمائل المحمدية، تعليق عزت عبيد الدعاس، ط. مؤسسة الزغبي، بيروت 1369 هـ-. - أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي ابن بحر النسائي (303 هـ-) : سنن النسائي، وعليه حاشية الإمام السندي، ثم حاشية الحافظ السيوطي، ط. المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة 1348 هـ-. - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310 هـ-) : جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ط. مصطفى الحلبي، القاهرة 1968 م. - تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. دار المعارف، القاهرة 1967 م. - أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي (314. هـ-) : كتاب الفتوح، ط. دار الندوة الجديدة، بيروت (د. ت) . - أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد (321. هـ-) : الاشتقاق، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ط. دار الجيل، بيروت 1991 م. - أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي المصري الحنفي (321 هـ-) : مشكل الآثار، ط. دار صادر، بيروت 1333 هـ-. - أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكيّ (322 هـ-) : الضعفاء الكبير، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1984 م. - عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ (327. هـ-) : الجرح والتعديل، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1371 هـ-. - أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (328. هـ-) : العقد الفريد، تحقيق د. مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت 1987 م. - أبو حاتم محمد بن حبان البستي (354 هـ-) : تاريخ الصحابة الذين روى عنهم الأخبار،
تحقيق بوران الضناوي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1988 م. - كتاب الثقات، ط. دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد، 1973 م. - صحيح ابن حبان، بترتيب علاء الدين علي، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1988 م. - الإمام علي بن عمر الدار الدّارقطنيّ (358 هـ-) : سنن الدار الدّارقطنيّ، تحقيق السيد عبد اللَّه هاشم يماني المدني، ط. دار المحاسن، القاهرة 1966 م. - أبو أحمد عبد اللَّه بن عدي الجرّاني (365. هـ-) : الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق د. سهيل ذكار ويحيى مختار غزاوي، ط. دار الفكر، بيروت 1988 م. - حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي (388 هـ-) : معالم السنن، على هامش سنن أبي داود، تعليق عزت عبيد الدعاس، ط. حمص، سوريا 1969 م. - أبو هلال العسكري (بعد 395 هـ-) : جمهرة الأمثال، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد الحميد قطامش، ط. المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة 1964 م. - أبو عبد اللَّه الحاكم النيسابورىّ (405 هـ-) : المستدرك على الصحيحين، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - أبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصفهاني (430 هـ-) : دلائل النبوة، تحقيق د. محمد رواس قلعجي وعبد البر عباس، ط. دار النفائس، بيروت 1991 م. - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ط. مطبعة السعادة، القاهرة 1974. - أبو محمد علي بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي (456 هـ-) : أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد، تحقيق سيد كسروي حسن، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1992 م. - جمهرة أنساب العرب، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1983 م. - الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (458 هـ-) : دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1985 م. - شعب الإيمان، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - السنن الكبرى، ط. دار المعرفة، بيروت 1992 م. - أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن عبد البر (463 هـ-) : الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق علي محمد البجاوي، ط. دار الجيل، بيروت 1992 م. - الحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463 هـ-) : تاريخ بغداد، ط. دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي (468 هـ-) : أسباب النزول، ط. عالم الكتب، بيروت 1316 هـ-. - أبو عبيد عبد اللَّه بن عبد العزيز البكري الأندلسي (487 هـ-) : معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تحقيق مصطفى السقا، ط. عالم الكتب، بيروت 1983 م. - أبو القاسم الحسين بن محمد (الراغب الأصفهاني) (502 هـ-) : المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كلاني، ط. دار المعرفة، بيروت (د. ت) . - الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (505 هـ-) : إحياء علوم الدين، تحقيق
سيد إبراهيم صادق، ط. دار الحديث، القاهرة 1992 م. - أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلميّ الهمذاني (509 هـ-) : الفردوس بمأثور الخطاب، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1986 م. - أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابورىّ الميداني (518 هـ-) : مجمع الأمثال، تحقيق وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. دار الفكر، بيروت 1972 م. - القاضي عياض بن موسى اليحصبي (544 هـ-) : الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ط. دار الكتب العربية الكبرى، القاهرة 1395 هـ-. - أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللَّه السهيليّ (581 هـ-) : الروض الأنف، شرح على سيرة ابن هشام، تقديم وتعليق طه عبد الرؤوف سعد، ط. القاهرة 1971 م. - جار اللَّه محمود بن عمر الزمخشريّ (583. هـ-) : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ط. دار المعرفة، بيروت (د. ت) . - الفائق في غريب الحديث، تحقيق علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ط. عيسى الحلبي، القاهرة (د. ت) . - أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (597. هـ-) : الموضوعات تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، ط. المكتبة السلفية، المدينة المنورة، 1966 م. - تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، ط. مكتبة الآداب، القاهرة 1975 م. - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تقديم الشيخ خليل الميس، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، 1983. - الضعفاء والمتروكين، تحقيق عبد اللَّه القاضي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1986 م. - صفة الصفوة، تحقيق إبراهيم رمضان وسعيد اللحام، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1989 م. - فخر الدين الرازيّ، أبو عبد اللَّه محمد بن عمر (606 هـ-) : مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) ط. طهران (د. ت) - مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير (606 هـ-) : النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر الزاوي ومحمود الطناجي، ط. دار إحياء التراث العربيّ، بيروت 1963 م. - جامع الأصول في أحاديث الرسول، تحقيق عبد القادر الأرنائوط، ط. دار الفكر، بيروت 1983 م. - أبو البقاء عبد اللَّه بن الحسين بن عبد اللَّه العكبريّ (616 هـ-) : إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جمع القرآن، تحقيق إبراهيم عطوه عوض، ط. دار الحديث، القاهرة 1992 م. - شهاب الدين أبو عبد اللَّه ياقوت الحموي (626 هـ-) : معجم البلدان، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - عز الدين الحسن بن الأثير (630 هـ-) : الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت 1979 م. - محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (676 هـ-) : الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1979.
- تهذيب الأسماء واللغات، ط. دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - شرح صحيح مسلم، مراجعة الشيخ خليل الميس، ط. دار القلم، بيروت (د. ت) . - روضة الطالبين، حققه الشيخان: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوض، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1992 م. - أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (681 هـ-) : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان مما ثبت بالنقل أو السماع أو أثبته العيان، تحقيق د. إحسان عباس، ط. دار صادر، بيروت 1978 م. - أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري (711 هـ-) : لسان العرب، ط. دار صادر، بيروت 1990 م. - شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم (ابن تيمية) (728 هـ-) : الصارم المسلول على شاتم الرسول، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1978 م. - أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن محمد ابن عمر (732 هـ-) : تقويم البلدان، ط. باريس 1830 م. - فتح الدين أبو الفتح بن محمد بن سيد الناس (734 هـ-) : عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ط. دار المعرفة، بيروت (د. ت) . - صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي (739 هـ-) : مراصد الاطلاع عن أسماء الأمكنة والبقاع، تحقيق علي محمد البجلوي، ط. دار الجبل، بيروت 1992 م. - الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسيّ (739 هـ-) : الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الأرنائوط، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1998 م. - شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (748 هـ-) : المغني في الضعفاء، تحقيق نور الدين عتر، (د. ت) . - سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنائوط، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1992 م. - تاريخ الإسلام، تحقيق د. عمر عبد السلام تدمري، ط. دار الكتب العربيّ، بيروت 1987 م. - شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقيّ [ابن القيم] (751 هـ-) : زاد المعاد في هدى خير العباد، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنائوط، ط. مؤسسة الرسالة 1994 م. - محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناط (754 هـ-) : البحر المحيط في التفسير، ط. دار الفكر، بيروت 1992 م. - أبو محمد عبد اللَّه جمال الدين بن يوسف بن هشام الأنصاري المصري (761 هـ-) : شذور الذهب في معرفة كلام العرب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. المكتبة العصرية، بيروت 1998 م. - صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (764. هـ-) : الوافي بالوفيات، باعتناء هلموت ريتر، 1962 م. - محمد بن شاكر الكتبي (764 هـ-) : فوات الوفيات والذيل عليها، تحقيق د. إحسان عباس، ط. دار صادر، بيروت 1973 م. - أبو محمد عبد اللَّه بن سعد علي بن سليمان اليافعي اليمني المكيّ (768 هـ-) : مرآة
الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، ط. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1970 م. - أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقيّ (774 هـ-) : البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، ط. دار إحياء التراث العربيّ، بيروت 1988 م. - تفسير القرآن العظيم، تقديم د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، ط. دار المعرفة، بيروت 1992 م. - أبو عبد اللَّه محمد علي بن أحمد بن حديدة الأنصاري (783 هـ-) : المصباح المضيء في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي، تصحيح وتعليق الشيخ محمد عظيم الدين، ط. عالم الكتب، بيروت 1985 م. - زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (806 هـ-) : المغني عن الأسفار في الأسفار في تخريج باقي الإحياء من الأخبار على ذيل إحياء علوم الدين، ط. دار الحديث، القاهرة 1992 م. - مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (817 هـ-) : القاموس المحيط (بترتيب طاهر الزاوي) ، ط. عيسى الحلبي، القاهرة 1970 م. - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تحقيق محمد علي النجار ثم عبد العليم الطحاوي، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1986 م. - أبو الخير محمد بن محمد الدمشقيّ، والشهير بابن الجزري (833 هـ-) : النشر في القراءات العشرة، مراجعة الشيخ علي محمد الضباع، ط. دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي (845 هـ-) : إمتاع الأسماع: الجزء الأول بتحقيق أحمد شاكر، ط. لجنة التأليف والنشر القاهرة 1941 م. - المقفى الكبير، تحقيق محمد اليعلاوي، ط. دار الغرب الإسلامي، بيروت 1991 م. - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852. هـ-) : الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي، ط. دار الجيل، بيروت 1992 م. - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1989 م. - لسان الميزان، ط. دار الفكر، بيروت 1988 م. - تهذيب التهذيب، ط. دار الفكر، بيروت 1984 م. - الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، في ذيل الكشاف للزمخشري، دار المعرفة، بيروت (د. ت) . - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ط. دار الجيل، بيروت (د. ت) . - أبو القاسم علي بن عثمان بن محمد بن أحمد بن الحسن بن القاصح العذري البغدادي، من علماء القرن الثامن الهجريّ: - سراج القارئ المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي، شرح منظومة حرز الأماني ووجه التهاني، لأبي محمد بن فيرة بن أبي القاسم بن خلف بن أحمد الرعينيّ الأندلسي الشاطبي، من علماء القرن السادس الهجريّ في القراءات السبع، ط. دار الفكر، بيروت 1981 م. - محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902. هـ-) : المقاصد الحسنة في بيان كثير من
الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تحقيق محمد عثمان الخشت، ط. دار الكتاب العربيّ، بيروت 1985 م. - الحافظ جلال الدين السيوطي (911 هـ-) : تاريخ الخلفاء، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1988 م. - أحمد بن محمد القسطلاني (923 هـ-) : المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، تحقيق أحمد الشامي، ط. المكتب الإسلامي، بيروت 1991 م. - علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان الفوري (975 هـ-) : كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط البرهان فوري، وتصحيح الشيخ بكري حياني، والشيخ صفوة السقا، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1986 م. - نور الدين علي بن محمد بن سلطان [ملا علي القارئ] (1014 هـ-) : الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، (الموضوعات الكبرى) ، تحقيق وتعليق محمد الصباغ، ط. دار الأمانة ومؤسسة الرسالة، بيروت 1971 م. - مصطفى بن عبد اللَّه القسطنطي الرومي الحنفي [حاجي خليفة] (1067 هـ-) : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ط. دار الفكر، بيروت 1994 م. - أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (1089 هـ-) : شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ط. دار الكتب العلمية، بيروت (د. ت) . - محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري والأزهري المالكي (1122 هـ-) : شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي (1162 هـ-) : كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1988 م. - محمد بن علي الشوكاني (1225 هـ-) : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، تحقيق سيد إبراهيم، ط. دار الحديث، القاهرة 1993 م. - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، ط. دار السنة المحمدية، القاهرة 1978 م. - أبو العلاء محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (1353 هـ-) : تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م. - عمر رضا كحالة: معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1978 م. - أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، ط. مؤسسة الرسالة، بيروت 1991 م. - خير الدين الزركلي: الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط. بيروت 1969 م. - الدكتور محمد حميد اللَّه حيدرآبادي: مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الرشيدة، ط. مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة (د. ت) .