الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حكم عليها الحافظ ابن كثير في تفسيره

محمود الملاح

مقدمة فضيلة الشيخ: عبد الله بن مانع الروقي حفظه الله

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة فضيلة الشيخ: عبد الله بن مانع الروقي حفظه الله الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله أما بعد: فإن تفسير الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قد سار في الناس مسير الشمس فقد تداوله العلماء، وطلاب العلم والعوام، بل أصبح يطالعه صغار الطلبة وأحداثهم في السن ... ولعل أسباب ذلك كثيرة منها: 1 - ما وفق الله المؤلف من حسن النية في ذلك - وهذا هو الظن به رحمه الله - فقد كان من العلماء العاملين الربانيين ... 2 - ومنها ما تميز به هذا التفسير من مميزات عديدة جعلته مقبولا سهلا وذلك من حيث: * سهولة العبارة، وقربها والابتعاد عن الغريب ووحشي الألفاظ، فهي مفهومة ليست لغة خواص بل يفهمها أكثر الناس. * ومن المميزات أنه تفسير سلفي مأمون لا تأويل فيه لآيات الصفات ... وقد نفع الله المؤلف بما أجراه على يد شيخه حبر الأمة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فاستفاد منه ومن مؤلفاته كثيرا كما استفاد من صحبته شيخه الإمام الحافظ المزي - رحمه الله - وقد صاهره على ابنته، فجمع الله له بين هذين الجبلين وغيرهما، فصار تفسيره متقنا. * ومن المميزات أن هذا التفسير مليء بالآثار المرفوعة والموقوفة؛ فالحديث صناعة مؤلفه وله فيه كعب عال، شهد له بذلك العلماء، ومن طالع كتب الحافظ

أبي الفداء ابن كثير كالبداية والنهاية لاسيما الأجزاء الأولى علم ذلك جليا، فكيف بما سواه من المؤلفات الأخرى المتنوعة. وقد تكلم الحافظ ابن كثير في تفسيره هذا على جملة من الأحاديث فضعفها وتكلم على أسانيدها ... مع أنه سكت على جملة أخرى فيها ضعف، ويا ليته استقصى الكل، وأتم النصح ولو فعل ذلك لتم كتابه ولكن قدر الله وما شاء فعل. وقد قام فضيلة الشيخ محمود الملاح - سدده الله وحفظه ونفع به - فجمع ما تكلم عليه الحافظ ابن كثير بالضعف أوالوضع فأفردها، وحشى عليها حتى يكون المطالع لهذا التفسير على علم بها، وفيه تقريب لأحكام الحافظ ابن كثير على الأحاديث؛ للاستفادة منها بسهولة وييسر لجمعها في كتاب واحد ... وكنت أتمنى لو أتى على الأخبار التي سكت عنها الحافظ ابن كثير ومحصها وبين حالها، ولعل ذلك يكون له في مستقبل أمره. فأجزل الله مثوبته ونفع بكتابه كما نفع بأصل كتابه - تفسير ابن كثير - وبارك في جهوده. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا. وكتبه أبو محمد عبد الله بن مانع الروقي صبيحة الأحد الرابع من جمادى الأولى لعام 1431هـ

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: فلا يخفى على أحد تمكن الحافظ ابن كثير - رحمه الله - من علوم الشريعة، وخاصة في التفسير والحديث، وليس أدل على ذلك من تلقي العلماء وطلبة العلم كتبه بالقبول، والإقبال عليها قراءة وتدريساً واختصاراً كما في تفسيره المبارك (تفسير القرآن العظيم) الذي لا يكاد يخلو منه بيت كل من له أدنى علاقة بالعلم الشرعي حتى قيل: (بيت فقير الذي يخلو منه تفسير ابن كثير). يقول العلامة المحدث أحمد شاكر - رحمه الله - (¬1): (فإن تفسير الحافظ (ابن كثير) أحسن التفاسير التي رأينا وأجودها وأدقها، بعد تفسير إمام المفسرين أبي جعفر الطبري. ولسنا نوازن بينهما وبين أي تفسير آخر مما بأيدينا، فما رأينا مثلهما ولا ما يقاربهما. وقد حرص الحافظ ابن كثير على أن يفسر القرآن بالقرآن أولا، ما وجد إلى ذلك سبيلاً، ثم بالسنة الصحيحة التي هي بيان لكتاب الله، ثم يذكر كثيراً من أقوال السلف في تفسير الآي. وإنه ليذكر الأحاديث - في أكثر المواضع - بأسانيدها من دواوين السنة ومصادرها. وكثيراً ما يذكر تعليل الضعيف منها، ولكنه يحرص أشد الحرص على أن يذكر الأحاديث الصحاح، وإن ذكر معها الضعاف. فكتابه - بجانب أنه تفسير للقرآن - معلم ومرشد لطالب الحديث، يعرف به كيف ينقد الأسانيد والمتون، وكيف يميز الصحيح من غيره. فهوكتاب في هذا المعنى تعليمي عظيم، ونفعه جليل كثير). ¬

(¬1) عمدة التفسير (1/ 9)، الطبعة الثانية، 1426هـ - 2005م، نشر دار الوفاء، دار ابن حزم.

وحتى تدرك القيمة الحديثية لكتاب تفسير ابن كثير فهذه مقارنة بينه وبين كتب الحديث الأخرى من حيث عدد الأحاديث الموجودة بالتكرار (¬1) الكتاب ... تفسير ابن كثير ... البخاري ... مسلم ... أبو داود ... الترمذي ... النسائي ... ابن ماجه عدد الأحاديث ... 7878 ... 7563 ... 5770 ... 5274 ... 3956 ... 5758 ... 4431 وأحاول في هذا الكتاب إبراز مكانة ابن كثير الحديثية، وتقريبها للقراء من خلال جمع الأحاديث التي حكم عليها بالضعف والوضع من خلال كتابه تفسير القرآن العظيم؛ حتى يسهل الاستفادة منها. وقد بين الحافظ ابن كثير الأحاديث الضعيفة والموضوعة في جميع سور القرآن في كتابه، وأن سورة الزخرف هي أول سورة في التفسير تخلو من ذلك ويتبعها سور قليلة هي: الصف والجمعة والقيامة والطارق والعلق والعصر والهمزة والكافرون والمسد؛ أما سورة المرسلات ذكر فيها حديثاً واحداً قد سبق ذكره في سورة البقرة الآية (79)، انظر حديث رقم (44) من هذا الكتاب، وسورة الغاشية ذكر فيها حديثاً واحداً قد سبق ذكره في سورة المؤمنون الآية (87)، انظر حديث رقم (587). وبهذا يكون الحافظ ابن كثير قد ذكر في تفسيره الأحاديث الضعيفة والموضوعة الواردة في جميع سور القرآن ما عدا السور العشر المذكورة آنفاً؛ مما يدل على تتبع الحافظ ابن كثير وحرصه على بيان حكم هذه الأحاديث في كتابه حتى بلغت قرابة الألف حديث. ¬

(¬1) الإمام ابن كثير وأثره في علم الحديث رواية ودراية ص (435) للدكتور: عدنان محمد آل شلش، دار النفائس، الأردن، الطبعة الأولى 1425هـ. قلت (الملاح): أعداد الأحاديث المذكورة تقريبية.

عملي في هذا الكتاب

عملي في هذا الكتاب: 1 - قرأت تفسير ابن كثير وجمعت الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حكم عليها الحافظ ابن كثير بنفسه، وكذا الأحاديث التي نقل حكم العلماء عليها بالضعف ورضيه. 2 - رتبت هذه الأحاديث حسب سور القرآن الكريم ورقمتها ترقيماً تسلسلياً، وبينت مكانها من التفسير بوضع اسم السورة ورقم الآية حتى يسهل الرجوع إليها بالرغم من اختلاف الطبعات، وإذا كان الحديث في مقدمة السورة ذكرت اسم السورة فقط، وأشرت إلى موطن الحديث المكرر في التفسير عند ذكره أول مرة؛ وبهذا يكون الترقيم بدون المكرر. 3 - قمت باختصار السند إلى الصحابي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا إذا كان كلام الحافظ ابن كثير متعلقاً بالسند فلم أحذفه، وإذا كان الاختصار في غير بداية الحديث وضعت مكان الاختصار النقط بهذاالشكل ... ؛ حتى يفهم القاريء. وقد يقتضي حذف الإسناد إضافة كلمة (عن) في بدايته حتى يتضح الكلام. 4 - قد اعتمدت في النص المذكور على طبعة دار طيبة بالرياض بتحقيق سامي السلامة - وفقه الله -، الإصدر الثاني، الطبعة الأولى 1422هـ، وعلقت عليه ببعض الحواشي وحرصت على الاختصار واستفدت من حواشي السلامة أحياناً. وحرصت على ذكر كلام المحدث أحمد شاكر والعلامة الألباني - رحمهما الله - غالباً. 5 - ذكرت متن الحديث الذي أشار الحافظ ابن كثير إلى ضعفه ولم يذكره في التفسير. 6 - كتبت تمهيداً بين يدي الكتاب ذكرت فيه وقفات يسيرة مع الحافظ ابن كثير في تفسيره.

7 - عملت فهارس أبجدية لجميع الأحاديث الواردة في هذا الكتاب من خلال: - ذكر أطرافها، ورقمها في الكتاب. - اسم السورة ورقم الآية. - اسم الصحابي. - حكم الحافظ ابن كثير عليها مختصراً؛ حتى يسهل على القاريء الوصول لحكم الحافظ ابن كثير بسرعة. 8 - سميت هذا الكتاب (الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حكم عليها الحافظ ابن كثير في تفسيره). وأسأل الله أن يتقبله مني وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وهذا جهدي فما كان من صواب فمن الله وحده، وإن كانت الأخرى فأسأل الله أن يعفو عني، ورحم الله مسلماً وجد خللاً، أو نقصاً فسدده، وبادر بالنصح فالصدر منشرح، والله الموفق لسواء السبيل. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه أبو عبد الرحمن محمود بن محمد الملاح السعودية - الرياض بعد عشاء الجمعة 16 من شعبان لعام1430هـ [email protected] هاتف رقم 0508457570

تمهيد

وقفات مع الحافظ ابن كثير

وقفات مع الحافظ ابن كثير هذه وقفات يسيرة مع الحافظ ابن كثير - رحمه الله - من خلال تفسيره المبارك للقرآن العظيم أحببت أن ألقي عليها الضوء عسى أن يكون فيها الفائدة لنا جميعا: الأولى: ورع الحافظ ابن كثير وخوفه من القول على الله بغير علم؛ وذلك من كثرة تكراره لكلمة (والله أعلم) في تفسيره بصورة لا تكاد توجد في كتاب آخر قاربت في مجموع كتابه الألف مرة، (824) مرة بالضبط، وهذا الخلق نحتاج أن يتربى عليه المسلمون الآن، خاصة في هذا الزمن الذي من سماته الجرأة على الفتوى، والقول على الله بغير علم، وأصبح الكلام في الدين كلأ مباحا لكل أحد بغير خوف ولا وجل من الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الثانية: تعظيم الحافظ ابن كثير للأحاديث الصحيحة، والعمل بها، والاعتقاد بما تدل عليه، ويتضح ذلك بصورة كبيرة في الكتاب من خلال حرصه على بيان أحكام الأحاديث التي يتعرض لها في التفسير، ومن هذه الأمثلة: 1 - عن عائشة، قالت: ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفسر شيئًا من القرآن إلا آيا تُعد، علمهن إيَّاه جبريل، عليه السلام. ... وتكلَّم عليه الإمام أبو جعفر بما حاصله أن هذه الآيات مما لا يعلم إلا بالتوقيف عن الله تعالى، مما وقفه عليها جبريل. وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث. انظر الحديث رقم (3) من الكتاب. * لاحظ أن الحافظ ابن كثير علق قبول التفسير على صحة الحديث فقال: وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث. 2 - وقد ورد في ذلك حديث - لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين، ولكن لم يصح سنده - قال ابن جرير: ... عن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ذكره

قال: هو (أي الذبيح) إسحاق. (¬1) (الصافات: 107) انظر حديث رقم (687). 3 - عن موسى بنُ عُلَيِّ بن رَبَاح، حدثني أبي، عن جدي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: "ما ولد لك؟ " قال: يا رسول الله، ما عسى أن يُولَد لي؟ إما غلام وإما جارية. قال: "فمن يشبه؟ ". قال: يا رسول الله، من عسى أن يشبه؟ إما أباه وإما أمه. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها: "مه. لا تقولَنَّ هكذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم؟ أما قرأت هذه الآية في كتاب الله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} " قال: سَلَكك. وهكذا رواه ابن أبي حاتم والطبراني، من حديث مُطهر بن الهيثم، به وهذا الحديث لو صح لكان فيصلا في هذه الآية، ولكن إسناده ليس بالثابت ... (الانفطار: 8) انظر حديث رقم (855). الثالثة: احترام ابن كثير لشيوخه واستفادته العظيمة منهم سواء من: دروسهم، أو من كتبهم، أو عرض ما يحتاجه عليهم وأخذ مشورتهم في ذلك، وقد اتضح ذلك من خلال شيوخه العظام كالحافظ أبي الحجاج المزي والعلامة شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ أبي عبد الله الذهبي. وقد تتبعت عدد مرات ذكره لشيوخه الثلاثة في التفسير بلغت ثلاثين مرة تقريبا، تجد توقيره الشديد لهم وتسميتهم بشيخنا، والحافظ، والعلامة ... وقد ظهر جليا أثر هؤلاء الثلاثة في التوجه العلمي لابن كثير في نقد الأخبار وتمحيصها، والأخذ في العقيدة بمذهب السلف وبخاصة ما يتعلق بآيات الأسماء والصفات. انظر الأحاديث رقم (646، 658، 682، 879) من هذا الكتاب. ونحن نحتاج إلى مثل هذا الآداب مع علمائنا في زمننا الحاضر أكثر مما مضى، مع الحرص على الاستفادة من علمهم، وتوقيرهم، والرجوع إليهم فيما يشكل علينا؛ فالحاجة إليهم أكثر من حاجتنا للطعام والشراب. ¬

(¬1) قال الألباني في السلسلة الضعيفةح (332): (... وبالجملة فطرق هذا الحديث كلها ضعيفة ليس فيها ما يصلح أن يحتج به، وبعضها أشد ضعفاً من بعض، والغالب أنها إسرائيليات رواها بعض الصحابة ترخصاً أخطأ في رفعها بعض الضعفاء ...).

الرابعة: استقلال الحافظ ابن كثير في نقده للأحاديث ويتضح ذلك من تعقباته الكثيرة لمن سبقه، وبيان وجهة نظره بتجرد مع احترامه الشديد للعلماء والأئمة في هذا المجال مع الدعاء لهم بالرحمة، ومن الأمثلة على ذلك: تعقب القاضي عياض، انظر الحديث رقم (386). تعقب الترمذي، انظر الأحاديث رقم (399، 879). تعقب ابن جرير الطبري والحاكم، انظر الأحاديث رقم (29، 406، 502، 666). تعقب أبي زرعة الرازي، انظر الحديث رقم (527). تعقب أبي بكر بن شيبة، انظر الحديث رقم (617). تعقب ابن حزم، انظر الحديث رقم (724). تعقب الإمام محمد بن نصر، انظر الحديث رقم (841). وفي هذا تربية عملية على أدب الحوار، والخلاف مع الآخرين، والحرص على بيان الحق مع الحفاظ على مكانة المخالف وعدم إسقاطه وبقاء الود والمحبة وبخاصة إذا كان من أهل السنة والجماعة، وهذا الخلق نحن في أشد الحاجة إليه الآن وبخاصة مع تصاعد (ظاهرة) الجرح والتعديل للعلماء وطلبة العلم، وتصيد أخطائهم والتشهير بهم، بل والتحذير منهم بدعوى النصيحة! الخامسة: حرص الحافظ ابن كثير على بيان ضعف الحديث، وذكر السبب الذي من أجله حكم عليه بالضعف، سواء كان ذلك في السند أو في المتن، وترى ذلك واضحاً بقراءة مئات الأمثلة من هذا الكتاب. * أحياناً يفصل تفصيلاً جميلاً بغير تطويل، ومن الأمثلة على ذلك الأحاديث رقم (353، 390). * أحياناً ينقد المتن ويرده لمخالفته للقرآن، أوالأحاديث الصحيحة، أوالتاريخ ومن الأمثلة على ذلك الأحاديث رقم (411، 506، 507، 512، 517، 686، 729، 737، 879).

* تتضح معرفته بالرجال وأحوالهم وما يستحقونه من الجرح والتعديل كما ترى ذلك واضحاً في هذا الكتاب، ومن الأمثلة على ذلك: 1 - محمد بن السائب الكلبي متروك الحديث. انظرالحديث رقم (4) 2 - أبو معشر هو نَجِيح بن عبد الرحمن المدني إمام [في] المغازي، والسير، ولكن فيه ضعف. انظر الحديث رقم (74) 3 - لا يصح هذا الحديث لحال عُمر بن عبد الله هذا فإنه مجمع على ضعفه، وذكروا أنه كان يشرب الخمر. وقال الدارقطني: متروك. انظر الحديث رقم (319) 4 - تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم أبو مريم، وهو متروك كذاب شيعي، اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث، وضعّفه الأئمة رحمهم الله. انظر الحديث رقم (614). وبين الحافظ ابن كثير موقفه من الإسرائيليات وروايتها في مقدمة تفسيره، وتتبع الضعيف منها ونبه عليه بصورة تجعله من الرواد في هذا المجال كما شهد بذلك العلامة محمد أبو شهبة حيث يقول (¬1): (ومن خصائص هذا التفسير العظيم: أنه يعتبر نسيج وحده في التنبيه على الإسرائيليات والموضوعات في التفسير، تارة يذكرها، ويعقب عليها، وتارة لا يذكرها بل يشير إليها، ويبين رأيها فيها، ... وكل من جاء بعد ابن كثير من المفسرين، ممن تنبه إلى الإسرائيليات والموضوعات، وحذر منها، هم عالة عليه في هذا، ومدينون له فيها بهذا الفضل: كالإمام الألوسي، والأستاذ محمد عبده، والسيد محمد رشيد رضا - رحمهم الله تعالى -، ولهذا الكتاب فضل كبير علي في تنبيهي إلى الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير وهو معتمدي، ومرجعي الأول في هذا الباب، وللإمام ابن كثير حاسية دقيقة، وملكة راسخة في نقد المرويات والتنبيه إلى منشئها ومصدرها، وكيف تدسست إلى الرواية الإسلامية، وقد تعقب ابن جرير - على جلالته وتقدمه - في بعض الإسرائيليات والموضوعات التي ذكرها في تفسيره ...). ¬

(¬1) الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص (129) طبعة دار الجيل، بيروت، 1425هـ.

انظر بعض الأمثلة من هذا الكتاب: الأحاديث رقم (11، 385، 527، 544، 692،693، 694). السادسة: ترك الحافظ ابن كثير لقلمه العنان - أحياناً - فيخرج بعض التحف العلمية التي لا تكاد تجدها في مكان آخر، حيث يجمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد، ويبين درجة كل حديث بما يناسبه، ومن الأمثلة على ذلك: - ما فعل في تفسير سورة البقرة الآية (223). - ما فعل في أول سورة الإسراء في أحاديث الإسراء والمعراج (¬1). - في تفسير قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) سورة الإسراء الآية (15). - في تفسير سورة الأنبياء الآية (104). - في تفسير سورة الأحزاب الآية (56). السابعة: حرص الحافظ ابن كثير على الدقة في بيان الألفاظ، ومدى صحتها، وموافقتها للنص الوارد عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انظر لهذا المثال في تفسير الآية (15) من سورة الإسراء حيث يقول: (إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحدًا النار إلا بعد إرسال الرسول إليه، ومن ثم طعن جماعة من العلماء في اللفظة التي جاءت مقحمة في صحيح البخاري عند قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]. حدثنا عبيد الله بن سعد، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن صالح بن كَيْسَان، عن الأعرج بإسناده إلى أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اختصمت الجنة والنار" فذكر الحديث إلى أن قال: "وأما الجنة فلا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأنه ينشئ للنار خلقًا فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد؟ ثلاثا، وذكر تمام الحديث. ¬

(¬1) قد أفردها الشيخ إسماعيل الأنصاري - رحمه الله - في رسالة مستقلة وعلق عليها.

فإن هذا إنما جاء في الجنة لأنها دار فضل، وأما النار فإنها دار عدل، لا يدخلها أحد إلا بعد الإعذار إليه وقيام الحجة عليه. وقد تكلم جماعة من الحفاظ في هذه اللفظة وقالوا: لعله انقلب على الراوي بدليل ما أخرجاه في الصحيحين واللفظ للبخاري من حديث عبد الرزاق عن مَعْمَر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "تحاجت الجنة والنار" فذكر الحديث إلى أن قال: "فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع فيها قدمه، فتقول: قط، قط، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة فينشئ الله لها خلقًا". انظر إلى الأحاديث رقم (375،411، 489، 713). الثامنة: ذكر الحافظ ابن كثير بعض الفوائد الحديثية التي تدل على تمرسه وتمكنه في هذا العلم، ومنها هذا المثال من حديث رقم (531): - قول الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن [زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة، عن] زينب بنت جحش زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال سفيان: أربع نسوة - قالت: استيقظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من نومه. وهو محمر وجهه، وهو يقول: "لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا". وحَلَّق. قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث". هذا حديث صحيح، اتفق البخاري ومسلم على إخراجه، من حديث الزهري، ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة، وأثبتها مسلم. * وفيه أشياء عزيزة نادرة، قليلة الوقوع في صناعة الإسناد: - منها رواية الزهري عن عروة، وهما تابعيان. - ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده، كلهن يروي بعضهن عن بعض. - ثم كل منهن صحابية. - ثم ثنتان ربيبتان. - وثنتان زوجتان، رضي الله عنهن. (الكهف: 97)

* ومن الفوائد أيضا ما ذكره في تفسير الآية (172) من الأعراف: (قلت: الظاهر أن الإمام مالكاً إنما أسقط ذكر "نعيم بن ربيعة" عمدًا؛ لما جهل حاله ولم يعرفه، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وكذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم؛ ولهذا يرسل كثيرًا من المرفوعات، ويقطع كثيرًا من الموصولات، والله أعلم). وقد علق العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة حديث رقم (3071) قائلا: (قلت: وهذه فائدة عزيزة هامة من قبل هذا الحافظ النحرير. فعض عليها بالنواجذ). التاسعة: يرى الحافظ ابن كثير أن الحديث الضعيف يقوى بكثرة الطرق، ولكن ذلك ليس على إطلاقه بل بحسب كل حديث؛ ولذا تجد الحافظ ابن كثير يرد الحديث الضعيف ولو كثرت طرقه. من الأمثلة على ذلك: * عن أبي عثمان الفقير؛ أن جبريل علم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا قام من مجلسه أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. قال معمر: وسمعت غيره يقول: هذا القول كفارة المجالس. (¬1) وهذا مرسل، وقد وردت أحاديث مسندة من طرق - يقوي بعضها بعضا - بذلك ... انظر الأحاديث رقم (649،757). * عن ابن عباس قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو لم يقل - يعني: يوسف - الكلمة التي قال: ما لبث في السجن طول ما لبث. حيث يبتغي الفرج من عند غير الله". وهذا الحديث ضعيف جدا؛ لأن سفيان بن وَكِيع ضعيف، وإبراهيم بن يزيد - هو الخُوزي - أضعف منه أيضا. وقد رُوي عن الحسن وقتادة مرسلاً عن كل منهما، وهذه المرسَلات هاهنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن، والله أعلم. (يوسف: 42) انظر ¬

(¬1) المصنف برقم (19796).

الحديث رقم (459). * قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغَرَانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا. ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم. انظر الحديث رقم (576). العاشرة: تسامح الحافظ ابن كثير في ذكر الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب مع بيان أنه ضعيف، ومن الأمثلة على ذلك: - عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة [أوّل مَرّة] ثم يَغُضّ بصره، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها". (¬1) ورُوي هذا مرفوعًا عن ابن عمر، وحذيفة، وعائشة، رضي الله عنهم ولكن في إسنادها ضعف، إلا أنها في الترغيب، ومثله يتسامح فيه. وفي الطبراني من طريق عبيد الله بن زَحْر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعا: "لَتغضُنَّ أبصاركم، ولتحفظن فروجكم، ولتقيمُنّ وجوهكم - أو: لتكسفن وجوهكم". (النور: 30) راجع هذه المسألة في كتاب (الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به) ص (245 - 316) لشيخنا الدكتور: عبدالكريم بن عبد الله الخضير - حفظه الله -، طبعة دار المنهاج بالرياض، الطبعة الأولى1425هـ. هذه بعض الإشارات والوقفات مع الحافظ ابن كثير التي أحببت ذكرها بين يدي هذا الكتاب، نسأل الله أن ينفعنا بها، ونسأله التوفيق والسداد. ¬

(¬1) المسند (5/ 264). وفي إسناده عبيد الله بن زحر، قال ابن حبان: "يروي الموضوعات عن الأثبات وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن، لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم".

الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حكم عليه الحافظ ابن كثير في تفسيره

مقدمة التفسير

مقدمة التفسير 1 - عن جُنْدب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ". وقد روى هذا الحديث أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديث سهيل بن أبي حزم القُطعي (¬1)، وقال الترمذي: غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في سهيل. وفي لفظ لهم: "من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ" أي: لأنه قد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرمًا ممن أخطأ، والله أعلم. (المقدمة) 2 - عن إبراهيم التَّيْمِي؛ أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]، فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني؟ إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. منقطع (¬2) (المقدمة) 3 - عن عائشة، قالت: ما كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفسر شيئًا من القرآن إلا آيا تُعد، علمهن إيَّاه جبريل، عليه السلام. ¬

(¬1) قال المحدث أحمد شاكر - رحمه الله - في تحقيقه للطبري (1/ 79): (في المطبوعة "سهيل بن أبي حزم"، وهو نفسه "سهيل أخو حزم". وإنما قيل "سهيل أخو حزم" تعريفًا له بأخيه "حزم بن أبي حزم القطعي"، إذ كان أوثق منه وأشهر. و "سهيل" هذا قال البخاري في التاريخ الكبير: "ليس بالقوي عندهم"، وروى ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل عن أبيه، قال: "سهيل بن أبي حزم: ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، وحزم أخوه أتقن منه". وفي المطبوعة أيضًا "أبو عمران الجويني"، وهو خطأ، وأبو عمران هو: عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري).وضعفه الألباني - رحمه الله - في ضعيف الجامع ح (5736). (¬2) قال الحافظ ابن كثير أيضا في تفسير سورة عبس الآية: (31): (وهذا منقطع بين إبراهيم التيمي والصديق). وضعفه ابن تيمية في أصول التفسير (108)، وابن حجر في الفتح (13/ 271). انظر: تفسير ابن كثير تحقيق الحويني (1/ 126)، الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير لأبي شهبة (77 - 81).

ثم رواه عن أبي بكر محمد بن يزيد الطرسوسي، عن مَعْن بن عيسى، عن جعفر بن خالد، عن هشام، به. فإنه حديث منكر غريب، وجعفر هذا هو ابن محمد بن خالد بن الزبير بن العوام القرشي الزبيري، قال البخاري: لا يتابع في حديثه، وقال الحافظ أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث. وتكلَّم عليه الإمام أبو جعفر بما حاصله أن هذه الآيات مما لا يعلم إلا بالتوقيف عن الله تعالى، مما وقفه عليها جبريل. وهذا تأويل صحيح لو صح الحديث. (المقدمة) 4 - قال ابن جرير: وقد روى نحوه في حديث في إسناده نظر: عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "أنزل القرآن على أربعة أحرف: حلال وحرام، لا يعذر أحد بالجهالة به. وتفسير تفسره العرب، وتفسير تفسره العلماء. ومتشابه لا يعلمه إلا الله عز وجل، ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب". والنظر الذي أشار إليه في إسناده هو من جهة محمد بن السائب الكلبي؛ فإنه متروك الحديث؛ لكن قد يكون إنما وهم في رفعه. ولعله من كلام ابن عباس، كما تقدم، والله أعلم بالصواب. (¬1) (المقدمة) ¬

(¬1) قال المحدث أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (1/ 76): (إنما قال الطبري: "فيه نظر"؛ لأن الذي رواه هو الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وقد رد الطبري آنفًا خبرًا روى بمثل هذا الإسناد فقال: إنه ليس من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله. انظر ص (66)). ووافقه الحويني (1/ 134).

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة 5 - وسماها يحيى بن أبي كثير: الكافية؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة: " أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها عوضا عنها " (¬1) ويقال لها: سورة الصلاة والكنز، ذكرهما الزمخشري. (الفاتحة) 6 - وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس، ما ينبغي التنبيه عليه، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب الحُرَقي: أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نادى أبي بن كعب، وهو يصلي في المسجد، فلما فرغ من صلاته لحقه، قال: فوضع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على يدي، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد، ثم قال: " إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها ". قال أبيّ: فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك، ثم قلت: يا رسول الله، ما السورة التي وعدتني؟ قال: " كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟ قال: فقرأت عليه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} حتى أتيت على آخرها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هي هذه السورة، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت ". فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المُعَلّى، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري، وهذا تابعي من موالي خزاعة، وذاك الحديث متصل صحيح، وهذا ظاهره أنه منقطع، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبيّ بن كعب، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم، والله أعلم. (¬2) (فضل الفاتحة) ¬

(¬1) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (3199)، والإرواء ح (302). وقال الحويني: (الحديث متصل ولكنه منكر). انظر ابن كثير بتحقيقه (1/ 371). (¬2) قال ابن عبدالبر في التمهيد (20/ 217): (أبو سعيد مولى عامر ... حديثه هذا مرسل). وقال الحويني (1/ 379): (ولو سمعه أبو سعيد مولى عامر من أبي بن كعب لم يكن على شرط مسلم، لأنه لم يخرج هذه الترجمة، إنما روى حديثا واحدا لأبي سعيد هذا عن أبي هريرة. والله أعلم).

7 - عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، وله ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال: أثنى علي عبدي. ثم قال: هذا لي وله ما بقي " وهذا غريب من هذا الوجه. (¬1) (فضل الفاتحة) 8 - وقد روى ابن ماجه عن أبي سعيد مرفوعًا: " لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها ". وفي صحة هذا نظر. (¬2) (الفاتحة) رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، عن جابر بن عبد الله، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " ولكن في إسناده ضعف. ورواه مالك، عن وهب بن كَيْسَان، عن جابر من كلامه. وقد روي هذا الحديث من طرق، ولا يصح شيء منها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والله أعلم. (¬3) (الفاتحة). 9 - وقد رُوِيَ أن جبريل عليه السلام، أوّل ما نزل بالقرآن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمره بالاستعاذة، عن عبد الله بن عباس، قال: أول ما نزل جبريل على محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يا محمد، استعذ. قال: " أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " ثم قال: قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. ثم قال: {اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال عبد الله: وهي أول ¬

(¬1) قال أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري (1/ 201): (هذا إسناد جيد صالح، ثم نقل قول ابن كثير بالغرابة وقال: ولعله يريد أنه لم يروه أحد من حديث جابر إلا بهذا الإسناد, وليس من ذلك بأس, وقد ثبت معناه من حديث أبي هريرة، فهو شاهد قوي لصحته). انظر أيضا تفسير ابن كثير للحويني (1/ 389) (¬2) سنن ابن ماجه (839)، وضعفه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ح (345)، والحديث بهذا السياق منكر، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي قتادة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر بأم الكتاب وحدها. والله أعلم. انظر ضعيف ابن ماجه للألباني ح (178). (¬3) قال الحافظ ابن كثير في تفسير الأعراف: (الآية 204): (وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر مرفوعًا، وهو في موطأ مالك عن وهب بن كيسان، عن جابر موقوفًا، وهذا أصح)، وضعفه أيضا البخاري وابن المنذر وابن حجر وغيرهم. وقال الألباني: (وهذا هو الذي تسكن إليه النفس وينشرح له القلب أن الصواب فيه أنه مرسل، ولكنه مرسل صحيح الإسناد) راجعه في الإرواء (2/ 273). ونصب الراية للزيلعي (2/ 6 - 14).

سورة أنزلها الله على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بلسان جبريل. وهذا الأثر غريب، وإنما ذكرناه ليعرف، فإن في إسناده ضعفًا وانقطاعًا، والله أعلم. (¬1) (الفاتحة) 10 - وفي صحيح ابن خزيمة، عن أم سلمة: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدّها آية. لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي، وفيه ضعف، عن ابن جُرَيْج، عن ابن أبي مُلَيْكَة، عنها. وروى له الدارقطني متابعًا، عن أبي هريرة مرفوعا (¬2).وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما. (¬3) (الفاتحة: 1) 11 - عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتَّاب ليعلمه، فقال المعلم: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: بسم الله. قال له عيسى: وما بسم الله؟ قال المعلم: ما أدري. قال له عيسى: الباء بَهاءُ الله، والسين سناؤه، والميم مملكته، والله إله الآلهة، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة". وهذا غريب جدًا، وقد يكون صحيحًا إلى من دون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات، والله أعلم. (¬4) (الفاتحة: 1) 12 - عن أبي هريرة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إذا أتيت أهلك فسم الله؛ فإنه إن ولد لك ولد كتب لك بعدد أنفاسه وأنفاس ذريته حسنات" وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيء من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها. (¬5) (الفاتحة: 1) ¬

(¬1) سنده ضعيف جدا، وبشر بن عمارة تركه الدارقطني وضعفه النسائي والبخاري وابن حبان، والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس كما قاله الأئمة المحققون. انظر تفسير الطبري لشاكر (1/ 115). (¬2) سنن الدارقطني (1/ 309 - 310) من ثلاث طرق كلها معلولة. (¬3) أخرجه ابن خزيمة (493)، وعمر بن هارون قال عنه ابن معين وصالح جزرة: كذاب. وزاد ابن معين: خبيث. وتركه ابن مهدي وأحمد والنسائي وأبو علي النيسابوري، وضعفه الدارقطني جدا. (¬4) قال أحمد شاكر (الطبري 1/ 121): (هذا حديث موضوع، لا أصل له). (¬5) قال ابن الجوزي في الموضوعات: (هذا حديث لا أصل له، وفي إسناده جماعة مجاهيل لا يعرفون أصلا ...)

13 - عن جابر بن عبد الله، قال: قلّ الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه، فلم يخبر بشيء، فاغتم لذلك، فأرسل راكبا يضرب إلى اليمن، وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق، يسأل: هل رئي من الجراد شيء أم لا؟ قال: فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد، فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر، ثم قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "خلق الله ألف أمة، ستمائة في البحر وأربعمائة في البر، فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه". محمد بن عيسى هذا - وهو الهلالي - ضعيف. (¬1) (الفاتحة: 2) 14 - وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئًا غريبًا حيث قال: ... عن ابن شهاب: أنه بلغه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرءون: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وأول من أحدث "مَلِكِ" مروان. قلت: مروان عنده علم بصحة ما قرأه، لم يطلع عليه ابن شهاب، والله أعلم. (¬2) (الفاتحة: 4) 15 - عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الصراط المستقيم كتاب الله". وكذلك رواه ابن جرير ... رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور، عن علي مرفوعا: "وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم".وقد روي هذا موقوفا عن علي، وهو أشبه، والله أعلم (¬3) (الفاتحة: 6) 16 - وأما حديث: "أنا أفصح من نطق بالضاد" فلا أصل له والله أعلم. (¬4) (الفاتحة: 7) ¬

(¬1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 338): (رواه أبو يعلى في الكبير وفيه عبيد بن واقد القيسي وهو ضعيف)، قال ابن حبان: (موضوع لا شك فيه). وكذلك قال ابن الجوزي، ومحمد بن عيسى ذاهب الحديث تالف. (¬2) سنده ضعيف جدا. انظر تفسير ابن كثير للحويني (1506). (¬3) الحديث ضعيف جدا، ولا يصح موقوفا أيضا؛ لأن مداره على الحارث الأعور، وهو واه. وضعفه الألباني - رحمه الله - في تخريج الطحاوية ص (71)، وفي ضعيف الترمذي (554). (¬4) الحديث معناه صحيح، وهو لا أصل له. ووافقه على ذلك العجلوني والسيوطي والشوكاني وغيرهم.

سورة البقرة

17 - وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن يساف: أن آمين اسم من أسماء الله تعالى وروي عن ابن عباس مرفوعًا ولا يصح، قاله أبو بكر بن العربي المالكي (¬1) (الفاتحة: 7) 18 - عن ابن عباس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول: آمين، فأكثروا من قول: "آمين" وفي إسناده طلحة بن عمرو، وهو ضعيف. (¬2) (الفاتحة: 7) سورة البقرة 19 - وقد روى الترمذي من حديث حكيم بن جبير، وفيه ضعف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لكل شيء سنام، وإن سَنَام القرآن البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي ". (¬3) (البقرة) 20 - عن جرير بن زيد: أن أشياخ أهل المدينة حدثوه: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس؟ لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح، قال: " فلعله قرأ سورة البقرة ". قال: فسئل ثابت، فقال: قرأت سورة البقرة. وهذا إسناد جيد، إلا أن فيه إبهاما، ثم هو مرسل، والله أعلم. (¬4) (البقرة) ¬

(¬1) سنن النسائي الكبرى برقم (10825)، وسنن ابن ماجة برقم (2117) وقال البوصيري في الزوائد (1/ 150): "هذا فيه الأجلح بن عبد الله، مختلف فيه". (¬2) أخرجه ابن ماجه في سننه (857) والحديث ضعيف جدا؛ لاتفاقهم على ضعف طلحة بن عمرو. قال الألباني: وهو ثابت دون " فأكثروا ... " انظر الصحيحة (691). (¬3) أخرجه الترمذي في سننه (2878) وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير. وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعفه).وضعفه الألباني، انظر الضعيفة (1348). (¬4) وعزاه الحافظ ابن حجر في الفتح (9 - 57) لأبي داود وقال: (من طرق مرسلة).

21 - عن سعيد بن جبير، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كان - أو كتب - من القانتين. (¬1) فيه انقطاع، ولكن ثبت في الصحيحين (¬2): أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ بهما في ركعة واحدة. (البقرة) 22 - عن واثلة بن الأسقع، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " أعطيت السبع الطُّوال مكان التوراة، وأعطيت المئين مكان الإنجيل، وأعطيت المثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصّل ". هذا حديث غريب، وسعيد بن بشير، فيه لين. وقد رواه أبو عبيد أيضا، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن سعيد بن أبي هلال، قال: بلغنا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... فذكره، والله أعلم. (البقرة) 23 - عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " من أخذ السبع فهو حَبْر". وهذا أيضًا غريب، وحبيب بن هند بن أسماء بن هند بن حارثة الأسلمي، روى عنه عمرو بن أبي عمرو وعبد الله بن أبي بكرة، وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحا، فالله أعلم. وقد رواه الإمام أحمد، عن سليمان بن داود، وحسين، كلاهما عن إسماعيل بن جعفر، به. ورواه - أيضًا - عن أبي سعيد، عن سليمان بن بلال، عن حبيب بن هند، عن عروة، عن عائشة أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " من أخذ السبع الأوَل من القرآن فهو حَبْر ". (¬3) ¬

(¬1) سنده ضعيف ومنقطع؛ لضعف وقاء بن إياس، وسعيد بن جبير لم يدرك عمر. (¬2) في بعض الأصول (الصحيح) والحديث أخرجه مسلم فقط. (¬3) قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " (5/ 385): (فالحديث حسن أو قريب منه. والله أعلم. (فائدة): المقصود من (السبع الأول): السور السبع الطوال من أول القرآن، وهي مع عدد آياتها: 1 - البقرة (286)، 2 - آل عمران (200)، 3 - النساء (176)، 4 - المائدة (120)، 5 - الأنعام (165)، 6 - الأعراف (206)، 7 - التوبة (129)).

قال أحمد: وحدثنا حسين، حدثنا ابن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثله. قال عبد الله بن أحمد: وهذا أرى فيه، عن أبيه، عن الأعرج، ولكن كذا كان في الكتاب فلا أدري، أغفله أبي، أوكذا هو مرسل. (البقرة) 24 - قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لا تقولوا: سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذا القرآن كله، ولكن قولوا: السورة التي يذكر فيها البقرة، والتي يذكر فيها آل عمران، وكذا القرآن كله ". (¬1) هذا حديث غريب لا يصح رفعه، وعبيس بن ميمون هذا هو أبو سلمة الخواص، وهو ضعيف الرواية، لا يحتج به. وقد ثبت في الصحيحين، عن ابن مسعود: أنه رمى الجمرة من بطن الوادي، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة. أخرجاه. (البقرة) 25 - وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته. وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار، صاحب المغازي، حدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب، قال: مر أبو ياسر بن أخطب، في رجال من يهود، برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يتلو فاتحة سورة البقرة: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2] فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود، فقال: تعلمون - والله - لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله عليه: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله ¬

(¬1) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 362): (رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبيس بن ميمون وهو متروك)، قال الحافظ في " الفتح " (9/ 88): (في سنده عبيس بن ميمون العطار وهو ضعيف). وقال الذهبي في السير (8/ 277): (قال أحمد: له أحاديث منكرة. وقال ابن معين: متروك. وقال أيضا: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو داود: ترك. قلت: له في ابن ماجه حديث واحد). وهذا القول (لا تقولوا سورة البقرة ....) منسوب إلى الحجاج بن يوسف.

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقالوا: يا محمد، ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك: {الم * ذلك الكتاب}؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بلى". فقالوا: جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال: "نعم". قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك. فقام حيي بن أخطب، وأقبل على من كان معه، فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي، إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا محمد، هل مع هذا غيره؟ فقال: "نعم"، قال: ما ذاك؟ قال: "المص"، قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد سبعون، فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة. هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: "نعم" قال: ما ذاك؟ قال: "الر". قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان. فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة. فهل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: "نعم"، قال: ماذا؟ قال: "المر". قال: فهذه أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتان، ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد، حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا. ثم قال: قوموا عنه. ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب، ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم؟ لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين. فقالوا: لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]. فهذاالحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به، ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحًا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر فأتم وأعظم. والله أعلم. (¬1) (البقرة: 1) ¬

(¬1) رواه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 208) والطبري في تفسيره، وأطال الشيخ أحمد شاكر في نقده (1/ 218 - 220).

26 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أي الخلق أعجب إليكم إيمانا؟ ". قالوا: الملائكة. قال: "وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ ". قالوا: فالنبيون. قال: "وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ ". قالوا: فنحن. قال: "وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ". قال: فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا إن أعجب الخلق إليّ إيمانا لَقَوْمٌ يكونون من بعدكم يَجدونَ صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها". (¬1) قال أبو حاتم الرازي: المغيرة بن قيس البصري منكر الحديث. قلت: ولكن قد روى أبو يعلى في مسنده، وابن مردويه في تفسيره، والحاكم في مستدركه، من حديث محمد بن أبي حميد، وفيه ضعف، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بمثله أو نحوه. وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (¬2) وقد روي نحوه عن أنس بن مالك مرفوعًا (¬3)، والله أعلم (البقرة: 3) 27 - عن جعفر بن محمود، عن جدته تويلة بنت أسلم، قالت: صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة، فاستقبلنا مسجد إيلياء، فصلينا سجدتين، ثم جاءنا من يخبرنا: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد استقبل البيت الحرام، فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين، ونحن مستقبلون البيت الحرام. قال إبراهيم: فحدثني رجال من بني حارثة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بلغه ذلك قال: "أولئك قوم آمنوا بالغيب". (¬4) هذا حديث غريب من هذا الوجه. (البقرة: 3) 28 - قال [القرطبي]: وقد جاء في الحديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "كل مؤذ في ¬

(¬1) جزء الحسن بن عرفة برقم (19). (¬2) مسند أبي يعلى (1/ 147)، والحاكم في المستدرك (4/ 85)، وتعقبه الذهبي وقال: (بل ضعفوه). (¬3) رواه البزار في مسنده (2840) (كشف الأستار) من طريق سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس رضى الله عنه، وقال: (غريب من حديث أنس). (¬4) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 36) وفي إسناده إسحق بن إدريس قال البخاري: "تركه الناس". وقال ابن معين: "يضع الحديث". ورواه الطبراني في المعجم الكبير (24/ 207) من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري، عن إبراهيم بن جعفر عن أبيه به نحوه.

النار" (¬1) وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف ثم قال القرطبي: وقد فسر بمعنيين، أحدهما: أن كل من آذى الناس دخل النار، والآخر: كل ما يؤذي فهو في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك. (البقرة: 24) 29 - عن أبي سعيد، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} قال: "من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق". (¬2) هذا حديث غريب. وقد رواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح على شرط الشيخين. وهذا الذي ادعاه فيه نظر؛ فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البُسْتي: لا يجوز الاحتجاج به. قلت: والأظهر أن هذا من كلام قتادة، كما تقدم، والله أعلم. (¬3) (البقرة: 25) 30 - وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير - أيضًا - من رواية ابن جُرَيج قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل". (¬4) وهذا الحديث من غرائب ¬

(¬1) قال الألباني في الضعيفةح (4233): (موضوع: أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 299) عن المفيد عن الأشج، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه به مرفوعًا. قلت: وهذا إسناد باطل؛ الأشج هذا هو أبو الدنيا عثمان بن الخطاب البلوي المغربي؛ قال الذهبي: "كذاب، طرقي، كان بعد الثلاثمائة، وادعى السماع من علي بن أبي طالب، حدث عنه محمد بن أحمد المفيد" ..... والمفيد؛ أحد الضعفاء؛ كما قال الحافظ). (¬2) ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (363) من طريق عبد الله بن محمد بن يعقوب عن محمد بن عبيد به. (¬3) قال الحافظ في الفتح (6/ 320): (لا يصح إسناده). (¬4) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 103) وصحيح مسلم برقم (2789) وسنن النسائي الكبرى برقم (11010).

صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي. (¬1) (البقرة: 29) 31 - عن عبد الرحمن بن سابط أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دُحِيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة، فقال الله: إني جاعل في الأرض خليفة، يعني مكة". (¬2) وهذا مرسل، وفي سنده ضعف، وفيه مُدْرَج، وهو أن المراد بالأرض مكة، والله أعلم، فإن الظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك. (البقرة: 30) 32 - وقال ابن أبي حاتم: ... عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول: السّجِلّ ملك، وكان هاروت وماروت من أعوانه، وكان له في كل يوم ثلاث لمحات ينظرهن في أم الكتاب، فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور، فأسَر ذلك إلى هاروت وماروت، وكانا من أعوانه، فلما قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} قالا ذلك استطالة على الملائكة. وهذا أثر غريب. وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الباقر، فهو نقله عن أهل الكتاب، وفيه نكارة توجب رده، والله أعلم. ومقتضاه أن الذين قالوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط، وهو خلاف السياق. (البقرة: 30) وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم - أيضًا - ... عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: إن الملائكة الذين قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} كانوا عشرة آلاف، فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم. ¬

(¬1) الأسماء والصفات (ص276) وللعلامة عبد الرحمن المعلمي كلام متين في تصحيح هذا الحديث ورد الشبه عنه في كتابه "الأنوار الكاشفة" (ص185 - 190)، وكذلك الحويني في تحقيقه لابن كثير (2/ 229 - 233). (¬2) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 108)، تفسير الطبري (1/ 448)، وقال أحمد شاكر في الحاشية: (.. أما إرساله: فإن"عبد الرحمن بن سابط": تابعي، وهو ثقة، ولكنه لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل لم يدرك كبار الصحابة، كعمر وسعد ومعاذ وغيرهم).

وهذا - أيضًا - إسرائيلي منكر كالذي قبله، والله أعلم. (البقرة: 30) 33 - عن ابن عباس قال: كان إبليس من حَيّ من أحياء الملائكة يقال لهم: الجِنّ، خلقوا من نار السموم، من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث، وكان خازنا من خزان الجنة، قال: وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي، قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت قال: وخلق الإنسان من طين. فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، وقتل بعضهم بعضا. قال: فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة - وهم هذا الحي الذي يقال لهم: الجنّ - فقتلهم إبليس ومن معه، حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، فلما فعل إبليس ذلك اغتَرّ في نفسه، فقال: قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد. قال: فاطلع الله على ذلك من قلبه، ولم يطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه، فقال الله تعالى للملائكة الذين معه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً} فقالت الملائكة مجيبين له: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} كما أفسدت الجن وسفكت الدماء، وإنما بعثتنا عليهم لذلك؟ فقال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} يقول: إني قد اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره، قال: ثم أمر بتربة آدم فرفعت، فخلق الله آدم من طين لازب - واللازب: اللزج الصلب من حمإ مسنون منتن، وإنما كان حَمَأ مسنونا بعد التراب. فخلق منه آدم بيده، قال: فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى. فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله، فيصلصل، أي فيصوت. قال: فهو قول الله تعالى: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] يقول: كالشيء المنفرج الذي ليس بمُصْمَت. (¬1) قال: ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره، ويدخل من دبره، ويخرج من فيه. ثم يقول: لست شيئا - للصلصلة - ولشيء ما خلقت، ولئن سُلِّطْتُ عليك لأهلكنك، ولئن سُلِّطْتُ علي لأعْصيَنَّك. قال: فلما نفخ الله فيه من ¬

(¬1) قال أحمد شاكر في حاشية الطبري (1/ 456): (المصمت: الذي لا جوف له، وكل ذي جوف إذ قرع صوت، أما المصمت فهو صامت لا صوت له. فمن الصمت أخذوه).

روحه، أتت النفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحمًا ودمًا، فلما انتهت النفخة إلى سُرَّته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده، فذهب لينهض فلم يقدر، فهو قول الله تعالى: {وَكَانَ الإنْسَانُ عَجُولا} قال: ضجر لا صبر له على سراء ولا ضراء. قال: فلما تمت النفخة في جسده عطس، فقال: "الحمد لله رب العالمين" بإلهام الله. فقال الله له: "يرحمك الله يا آدم ". قال ثم قال الله تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات: اسجدوا لآدم. فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر، لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار. فقال: لا أسجد له، وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا، خلقتني من نار وخلقته من طين. يقول: إن النار أقوى من الطين. قال: فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله، أي: آيسه من الخير كله، وجعله شيطانا رجيما عُقُوبة لمعصيته، ثم عَلَّم آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة، يعني: الملائكة الذين كانوا مع إبليس، الذين خلقوا من نار السموم، وقال لهم: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} يقول: أخبروني بأسماء هؤلاء {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} إن كنتم تعلمون لِمَ أجعل في الأرض خليفة. قال: فلما علمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب، الذي لا يعلمه غيره، الذي ليس لهم به علم قالوا: سبحانك، تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره، وتبنا إليك {لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} تبريا منهم من علم الغيب، إلا ما علمتنا كما علمت آدم، فقال: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} يقول: أخبرهم بأسمائهم {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ} يقول: أخبرهم {بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} أيها الملائكة خاصة {إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} ولا يعلم غيري {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} يقول: ما تظهرون {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني: ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار. (¬1) هذا سياق غريب، وفيه أشياء فيها نظر، يطول مناقشتها، وهذا الإسناد إلى ابن ¬

(¬1) تفسير الطبري (1/ 455).

عباس يروى به تفسير مشهور. وقال السدي في تفسيره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرّة، عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش، فجعل إبليس على مُلْك السماء الدنيا، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم: الجن، وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة، وكان إبليس مع مُلْكه خازنا، فوقع في صدره كبر وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة. فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه. فقال الله للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً} قالوا: ربنا، وما يكون ذلك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. قالوا: ربنا، {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} يعني: من شأن إبليس. فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: إني أعوذ بالله منك أن تَقْبض مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ، وقال: رب مني عاذت بك فأعذتُها، فبعث ميكائيل، فعاذت منه فأعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل، فبعث مَلَك الموت فعاذت منه. فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض، وخَلَطَ ولم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فَصعِد به فَبَلَّ التراب حتى عاد طينا لازبا - واللازب: هو الذي يلتزق بعضه ببعض - ثم قال للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71، 72] فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه، ليقول له: تتكبر عما عملت بيدي، ولم أتكبر أنا عنه. فخلقه بشرا، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم فزعا منه إبليس، فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار وتكون له صلصلة. فذلك حين يقول: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] ويقول: لأمر ما خُلقت. ودخل من فيه فخرج من دبره، وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، فإن ربكم صَمَدٌ وهذا أجوف. لئن سلطت عليه لأهلكنه، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ

فيه الروح، قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه، عَطِسَ، فقالت الملائكة: قل: الحمد لله. فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة. فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول تعالى: {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 30، 31] أبى واستكبر وكان من الكافرين. قال الله له: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي؟ قال: أنا خير منه، لم أكن لأسجد لمن خلقته من طين. قال الله له: اخرج منها فما يكون لك، يعني: ما ينبغي لك {أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف: 13] والصغار: هو الذل. قال: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا} ثم عرض الخلق على الملائكة {فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} قال الله: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قال: قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} فهذا الذي أبدوا "وأعلم ما تكتمون" يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر. فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السُّدِّي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة، فلعل بعضها مُدْرَج ليس من كلام الصحابة، أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة. والله أعلم. والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه أشياء، ويقول: هو على شرط البخاري. (البقرة: 34) 34 - عن ابن عباس، قال: إن الله خلق خلقا، فقال: اسجدوا لآدم. فقالوا: لا نفعل. فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم، ثم خلق خلقا آخر، فقال: "إني خالق بشرا من طين، اسجدوا لآدم. قال: فأبوا. فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم. ثم خلق هؤلاء، فقال: اسجدوا لآدم، قالوا: نعم. وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أن يسجدوا لآدم. وهذا غريب، ولا يكاد يصح إسناده، فإن فيه رجلا مبهما، ومثله لا يحتج به،

والله أعلم. (البقرة: 34) 35 - عن قتادة، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لما ذاق آدم من الشجرة فَرَّ هاربا؛ فتعلقت شجرة بشعره، فنودي: يا آدم، أفِرارًا مني؟ قال: بل حَيَاء منك، قال: يا آدم اخرج من جواري؛ فبعزتي لا يساكنني فيها من عصاني، ولو خلقت مِثْلَك ملء الأرض خَلْقًا ثم عصوني لأسكنتهم دار العاصين". (¬1) هذا حديث غريب، وفيه انقطاع، بل إعضال بين قتادة وأبي بن كعب رضي الله عنهما. (البقرة: 36) 36 - وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثا شبيهًا بهذا فقال: ... عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قال آدم، عليه السلام: أرأيت يا رب إن تبتُ ورجعتُ، أعائدي إلى الجنة؟ قال: نعم. فذلك قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}. وهذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع. (¬2) (البقرة: 37) 37 - فأما حديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة شيئًا من القرآن فأهدى له قوسًا، فسأل عنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله" فتركه، رواه أبو داود (¬3) وروي مثله عن أبي بن كعب مرفوعًا (¬4) فإن صح إسناده فهو محمول عند كثير من العلماء منهم: أبو عمر بن عبد البر على أنه لما علمه الله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة، والله أعلم. (البقرة: 41) 38 - عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مثل العالم الذي يعلم ¬

(¬1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 130) (¬2) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 135). قال الحافظ ابن كثير: (وهذا منقطع بين الحسن وأُبيّ بن كعب، فلم يسمعه منه، وفي رفعه نظر أيضًا). انظر تفسير سورة طه: الآية (121). (¬3) سنن أبي داود برقم (3416). (¬4) رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 125) من طريق عبد الرحمن بن أبي مسلم، عن عطية بن قيس، عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - به مرفوعا، وهو منقطع.

الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه". (¬1) هذا حديث غريب من هذا الوجه. (البقرة: 44) 39 - عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال، أو دعا إليه". (¬2) إسناده فيه ضعف. (البقرة: 44) 40 - عن أنس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء ". (¬3) وهذا ضعيف من هذا الوجه فإن زيدا العَمِّيّ فيه ضعف، وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه. (البقرة: 50) 41 - وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره، من طريق آخر، عن أبي هريرة، فقال: حدثنا أحمد بن الحسن بن أحمد البصري، حدثنا أسلم بن سهل، حدثنا القاسم بن عيسى، حدثنا طلحة بن عبد الرحمن، عن قتادة عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وطلحة بن عبد الرحمن هذا سلمي واسطي، يكنى بأبي محمد، وقيل: أبو سليمان المؤدب قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي: روى عن قتادة أشياء لا يتابع عليها. (¬4) ثم قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة: أن ناسا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: الكمأة جدري الأرض، فقال نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم". وهذا الحديث قد رواه ¬

(¬1) قال ابن أبي حاتم (علل الحديث برقم (1868): سألت أبي عنه فقال: (قَالَ أَبِي: لا يشبه هَذَا الْحَدِيث حَدِيث الأَعْمَش، لأن الأَعْمَش لم يرو عَنْ أَبِي تميمة شيئا، وهو بأبي إِسْحَاق أشبه). (يراجع) (¬2) ورواه أبو نعيم في الحلية (2/ 7) من طريق الطبراني، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 276): "فيه عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال: يخطئ، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات". (¬3) مسند أبي يعلى (7/ 133). قال الهيثمي في المجمع (3/ 433): (رواه أبو يعلى وفيه يزيد الرقاشي وفيه كلام وقد وثق)، والصواب أنه ضعيف كما ذكر ابن كثير. (¬4) الكامل لابن عدي (4/ 114).

النسائي، عن محمد بن بشار، به. (¬1) وعنه، عن غندر، عن شعبة، عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، به. (¬2) وعن محمد بن بشار، عن عبد الأعلى، عن خالد الحذاء، عن شهر بن حوشب. بقصة الكمأة فقط. (¬3) وروى النسائي - أيضا - وابن ماجه من حديث محمد بن بشار، عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مطر الوراق، عن شهر: بقصة العجوة عند النسائي، وبالقصتين عند ابن ماجه. (¬4) وهذه الطريق منقطعة بين شهر بن حوشب وأبي هريرة فإنه لم يسمعه منه، بدليل ما رواه النسائي في الوليمة من سننه، عن علي بن الحسين الدرهمي عن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غَنْم، عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يذكرون الكمأة، وبعضهم يقول جدري الأرض، فقال: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". (¬5) وروي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر، كما قال الإمام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن شهر بن حوشب، عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري، قالا قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم". (¬6) قال النسائي في الوليمة أيضا: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد وجابر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". ثم رواه - أيضا -، وابن ماجه من طرق، عن ¬

(¬1) هو في سنن النسائي الكبرى برقم (6671) عن نصير بن الفرج، عن معاذ بن هشام به، ولم أقع عليه عن محمد بن بشار، وقد ذكره المزي عن محمد بن بشار في تحفة الأشراف (10/ 112). (¬2) سنن النسائي الكبرى برقم (6673). (¬3) سنن النسائي الكبرى برقم (6672). (¬4) سنن ابن ماجة برقم (3400). (¬5) سنن النسائي الكبرى برقم (6670). (¬6) المسند (3/ 48).

الأعمش، عن أبي بشر، عن شهر، عنهما، به. (¬1) وقد رويا - أعني النسائي وابن ماجه - من حديث سعيد بن مسلم كلاهما عن الأعمش، عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، زاد النسائي: وحديث جابر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". ورواه ابن مردويه، عن أحمد بن عثمان، عن عباس الدوري، عن لاحق بن صواب عن عمار بن رزيق عن الأعمش، كابن ماجه. وقال ابن مردويه أيضا: حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا عباس الدوري، حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي يده كمآت، فقال: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". وأخرجه النسائي، عن عمرو بن منصور، عن الحسن بن الربيع ثم رواه ابن مردويه. رواه أيضا عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن سلام، عن عبيد الله بن موسى، عن شيبان عن الأعمش به، وكذا رواه النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم، عن عبيد الله بن موسى به. وقد روى من حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه كما قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا حمدون بن أحمد، حدثنا حوثرة بن أشرس، حدثنا حماد، عن شعيب بن الحبحاب عن أنس: أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تدارؤوا في الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فقال بعضهم: نحسبه الكمأة. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة، وفيها شفاء من السم". وهذا الحديث محفوظ أصله من رواية حماد بن سلمة. وقد روى الترمذي والنسائي من طريقه شيئاً من هذا، والله أعلم. (¬2) [وقد] روي عن شهر، عن ابن عباس، كما رواه النسائي - أيضًا - في الوليمة، عن أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد، عن عبد الله بن عون الخَرّاز، عن أبي عبيدة الحداد، عن عبد الجليل بن عطية، عن شهر، عن عبد الله بن عباس، عن النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين". فقد ¬

(¬1) سنن ابن ماجة برقم (3453) ولم أقع عليه في سنن النسائي الكبرى المطبوعة. (¬2) سنن الترمذي برقم (3119)، وسنن النسائي الكبرى برقم (11262).

اختلف - كما ترى فيه - على شهر بن حوشب، ويحتمل عندي أنه حفظه ورواه من هذه الطرق كلها، وقد سمعه من بعض الصحابة وبلغه عن بعضهم، فإن الأسانيد إليه جيدة، وهو لا يتعمد الكذب، وأصل الحديث محفوظ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما تقدم من رواية سعيد بن زيد. (البقرة: 57) 42 - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لولا أن بني إسرائيل قالوا: {وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} لما أعطوا، ولكن استثنوا". (¬1) ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من وجه آخر، عن سرور بن المغيرة، عن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن حديث أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لولا أن بني إسرائيل قالوا: {وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} ما أعطوا أبدًا، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوا لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا، فشدد الله عليهم". (¬2) وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة، كما تقدم مثله عن السدي، والله أعلم. (¬3) (البقرة: 70) 43 - عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي". رواه الترمذي في كتاب الزهد من جامعه، عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، صاحب الإمام أحمد، به. ومن وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب، به، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم. (¬4) (البقرة: 74) 44 - وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ¬

(¬1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 223). وضعفه الألباني في الضعيفة ح (1652). (¬2) قال الحافظ ابن حجر: (فيه عباد بن منصور وهو ضعيف). (¬3) ورد عن ابن عباس موقوفا عليه بإسناد صحيح كما قال ابن كثير (1/ 301). (¬4) سنن الترمذي برقم (2411)، وضعفه الألباني في الضعيفةح (920)، وأورده الإمام مالك في الموطأ (2/ 986) بلاغًا عن عيسى عليه السلام. وهذا هو اللائق بمثل هذا الكلام أن يكون مما يرويه أهل الكتاب عن عيسى عليه الصلاة والسلام، وليس من حديث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقال عنه الألباني: أثر ضعيف كما في ضعيف الترغيب ح (1719).

عمرو بن الحارث، عن دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ويل واد في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره". ورواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن دراج، به. (¬1) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. قلت: لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى، ولكن الآفة ممن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد - مرفوعًا - منكر، والله أعلم. (¬2) (البقرة: 79) 45 - عن عثمان بن عفان، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} قال: "الويل جبل في النار. وهو الذي أنزل في اليهود؛ لأنهم حَرَّفوا التوراة، زادوا فيها ما أحبوا، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التوراة. ولذلك غضب الله عليهم، فرفع بعض التوراة، فقال: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}. (¬3) وهذا غريب أيضا جدًا. (البقرة: 79) 46 - عن الشعبي، قال: نزل عمر الروحاء، فرأى رجالا يبتدرون أحجارًا يصلون إليها، فقال: ما بال هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى هاهنا. قال: فكفر ذلك. وقال: إنما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدركته الصلاة بواد صلاها ثم ارتحل، فتركه. ثم أنشأ يحدثهم، فقال: كنت أشهد اليهود يوم مِدْرَاسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة؟ فبينما أنا عندهم ذات يوم، قالوا: يا ابن الخطاب، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك. قلت: ولم ذلك؟ قالوا: إنك تغشانا وتأتينا. فقلت: إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة، ومن التوراة كيف ¬

(¬1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 243)،وسنن الترمذي برقم (3164).وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ح (617)، وضعيف الجامع ح (6148). (¬2) قال الحافظ ابن كثير عن هذا الحديث في تفسير سورة المدثر الآية (17): وفيه غرابة ونكارة، وقال أيضا في تفسير سورة المعارج الآية (19): ولا يصح، وقال في سورة المرسلات الآية (15): وقد قدمنا في الحديث أن "ويل": واد في جهنم. ولا يصح. (¬3) تفسير الطبري (2/ 268). قال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري: (فهذا الحديث لا أظنه مما يقوم إسناده).

تصدق الفرقان. قال: ومر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا ابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به، قال: فقلت لهم عند ذلك: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه: أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا. فقال لهم عالمهم وكبيرهم: إنه قد غَلَّظ عليكم فأجيبوه. فقالوا: فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت. قال: أما إذ نشدتنا بما نشدتنا به فإنا نعلم أنه رسول الله، قال: قلت: ويحكم فأنَّي هلكتم؟! قالوا إنا لم نهلك [قال]: قلت: كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله [ثم] ولا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لنا عدوا من الملائكة وسِلْمًا من الملائكة، وإنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة. قال: قلت: ومن عدوكم ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل، وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل مَلَك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما عز وجل؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. قال: قلت: فو [الله] الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما وسلم لمن سالمهما وما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل. ثم قمت فاتبعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلحقته وهو خارج من خَوْخة لبني فلان، فقال: يا ابن الخطاب، ألا أقرئك آيات نزلن قبل؟ " فقرأ عليّ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حتى قرأ هذه الآيات. قال: قلت: بأبي وأمي يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر. (¬1) وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، أنبأنا عامر، قال: انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود، فقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى: هل تجدون محمدًا في ¬

(¬1) تفسير الطبري (2/ 382). وقال أحمد شاكر: (وهذا مرسل أيضا .... الشعبي: هو عامر بن شراحيل الهمداني، إمام جليل الشأن، من كبار التابعين. ولكنه لم يدرك عمر، كما قال ابن كثير. فإنه ولد سنة 19، أو سنة 20).

كتبكم؟ قالوا: نعم. قال: فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قالوا: إن الله لم يبعث رسولا إلا جعل له من الملائكة كفْلا وإن جبريل كَفَل محمَّدًا، وهو الذي يأتيه، وهو عدونا من الملائكة، وميكائيل سلمنا؛ لو كان ميكائيل هو الذي يأتيه أسلمنا. قال: فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى: ما منزلتهما من رب العالمين؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله. قال عمر. وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله، وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبريل، وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل. فبينما هو عندهم إذ مر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطاب: فقام إليه عمر، فأتاه، وقد أنزل الله، عز وجل، عليه: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}. (¬1) وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر، فإنه لم يدرك وفاته، والله أعلم. وقال ابن جرير: ... عن قتادة، قال: ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود. فلما أبصروه رحبوا به، فقال لهم عمر: أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم. فسألهم وسألوه. فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل. فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء، يُطلع محمدًا على سرنا، وإذا جاء جاء الحرب والسَّنَة، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء الخصب والسلم. فقال لهم عمر: هل تعرفون جبريل وتنكرون محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزلت عليه هذه الآية: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نزلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ}. (¬2) ثم قال: ... عن قتادة، قال: بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يومًا، فذكر نحوه. وهذا - أيضًا - منقطع، وكذلك رواه أسباط، عن السدي، عن عمر مثل هذا أو نحوه، وهو منقطع أيضًا. (البقرة: 98) 47 - ذكر الحديث الوارد في ذلك - إن صح سنده ورفعه - وبيان الكلام عليه: قال الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، في مسنده: ... عن عبد الله بن عمر: أنه سمع نبي ¬

(¬1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 290). (¬2) تفسير الطبري (2/ 383).

الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "إن آدم - عليه السلام - لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]، قالوا: ربنا، نحن أطوع لك من بني آدم. قال الله تعالى للملائكة: هَلُموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض، فننظر كيف يعملان؟ قالوا: برَبِّنا، هاروتَ وماروتَ. فأهبطا إلى الأرض ومثُلت لهما الزُّهَرة امرأة من أحسن البشر، فجاءتهما، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تتكلما بهذه الكلمة من الإشراك. فقالا والله لا نشرك بالله شيئًا أبدًا. فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي. فقالا لا والله لا نقتله أبدًا. ثم ذهبت فرجعت بقَدَح خَمْر تحمله، فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر. فشربا فسكرا، فوقعا عليها، وقتلا الصبي. فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا أبيتماه عليّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما. فخيرَا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا". وهكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، عن الحسن عن سفيان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن بكير، به. (¬1) وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ورجاله كلهم ثقات من رجال الصحيحين، إلا موسى بن جبير هذا، وهو الأنصاري السلمي مولاهم المديني الحذاء، رَوَى عن ابن عباس وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، ونافع، وعبد الله بن كعب بن مالك. وروى عنه ابنه عبد السلام، وبكر بن مضر، وزهير بن محمد، وسعيد بن سلمة، وعبد الله بن لَهِيعة، وعمرو بن الحارث، ويحيى بن أيوب. وروى له أبو داود، وابن ماجه، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل، ولم يحك فيه شيئًا من هذا فهو مستور الحال، وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر، عن ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وروي له متابع من وجه آخر عن نافع، كما قال ابن مَرْدُويه: حدثنا دَعْلَجُ بن أحمد، حدثنا هشام [بن علي بن هشام] حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا سعيد بن سلمة، حدثنا موسى بن سَرْجِس، عن نافع، عن ابن عمر: ¬

(¬1) المسند (2/ 134) وصحيح ابن حبان برقم (717) "موارد". وقال الألباني في الضعيفة ح (170): (باطل مرفوعا).

سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول. فذكره بطوله. وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين - وهو سنيد بن داود صاحب التفسير - حدثنا الفرج بن فضالة، عن معاوية بن صالح، عن نافع، قال: سافرت مع ابن عمر، فلما كان من آخر الليل قال: يا نافع، انظر، طلعت الحمراء؟ قلت: لا - مرتين أو ثلاثًا - ثم قلت: قد طلعت. قال: لا مرحبًا بها ولا أهلا؟ قلت: سبحان الله! نجم مسخر سامع مطيع. قال: ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الملائكة قالت: يا رب، كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعافيتكم. قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك. قال: فاختاروا ملكين منكم. قال: فلم يألوا جهدًا أن يختاروا، فاختاروا هاروت وماروت". وهذان - أيضاً - غريبان جدًّا. وأقرب ما في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر، عن كعب الأحبار، لا عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما قال عبد الرزاق في تفسيره، عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب، قال ذكرت الملائكة أعمال بني آدم، وما يأتون من الذنوب، فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين، فاختاروا هاروت وماروت. فقال لهما: إني أرسل إلى بني آدم رسلا وليس بيني وبينكم رسول، انزلا لا تشركا بي شيئًا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر. قال كعب: فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استكملا جميع ما نهيا عنه. ورواه ابن جرير من طريقين، عن عبد الرزاق، به. ورواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن عصام، عن مُؤَمَّل، عن سفيان الثوري، به. ورواه ابن جرير أيضًا: حدثني المثنى، حدثنا المعلى - وهو ابن أسد - حدثنا عبد العزيز بن المختار، عن موسى بن عقبة، حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث، عن كعب الأحبار، فذكره. فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر من الإسنادين المتقدمين، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع. فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار، عن كتب بني إسرائيل، والله

أعلم. (¬1) (البقرة: 102) 48 - عن عمير بن سعيد، قال: سمعت عليًا، رضي الله عنه، يقول: كانت الزُّهَرة امرأة جميلة من أهل فارس، وإنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت، فراوداها عن نفسها، فأبت عليهما إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكَلَّم [المتكلم] به يُعْرج به إلى السماء. فعلماها فتكلمت به فعرجت إلى السماء. فمسخت كوكبًا! وهذا الإسناد رجاله ثقات، وهو غريب جداً. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الفضل بن شاذان، حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا أبو معاوية، عن [ابن أبي] خالد، عن عمير بن سعيد، عن علي قال: هما ملكان من ملائكة السماء. يعني: {وَمَا أُنزلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ}. (¬2) ورواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه في تفسيره بسنده، عن مغيث، عن مولاه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي - مرفوعًا. وهذا لا يثبت من هذا الوجه. ثم رواه من طريقين آخرين، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لعن الله الزّهَرة، فإنها هي التي فتنت الملكين هاروت وماروت". (¬3) وهذا أيضًا لا يصح وهو منكر جدًا. والله أعلم. (البقرة: 102) 49 - عن مجاهد، قال: كنت نازلا على عبد الله بن عمر في سفر، فلما كان ذات ليلة قال لغلامه: انظر، هل طلعت الحمراء، لا مرحبًا بها ولا أهلا ولا حياها الله هي ¬

(¬1) وقال الألباني في الضعيفة ح (170): (وعلق عليه الشيخ رشيد رضا رحمه الله بقوله: من المحقق أن هذه القصةلم تذكر في كتبهم المقدسة، فإن لم تكن وضعت في زمن روايتها فهي في كتبهم الخرافية، ورحم الله ابن كثير الذي بين لنا أن الحكاية خرافة إسرائيلية وأن الحديث المرفوع لا يثبت. قلت: وقد استنكره جماعة من الأئمة المتقدمين، فقد روى حنبل الحديث من طريق أحمد ثم قال: قال أبو عبد الله (يعني الإمام أحمد): هذا منكر، وإنما يروى عن كعب، ذكره في " منتخب ابن قدامة " (11/ 213)، وقال ابن أبي حاتم في" العلل " (2/ 69 - 70): سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر. قلت: ومما يؤيد بطلان رفع الحديث من طريق ابن عمر أن سعيد بن جبير ومجاهدا روياه عن ابن عمر موقوفا عليه كما في " الدر المنثور " للسيوطي (1/ 97 - 98)). (¬2) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 303). (¬3) قال الألباني في الضعيفةح (913): (موضوع ... وآفته جابر وهو ابن يزيد الجعفي وهو متهم بالكذب، وكان يؤمن برجعة علي ويقول: إنه دابة الأرض المذكورة في القرآن!)

صاحبة الملكين. قالت الملائكة: يا رب، كيف تدع عصاة بني آدم وهم يسفكون الدم الحرام وينتهكون محارمك ويفسدون في الأرض! قال: إني ابتليتهم، فعلَّ إن ابتليتكم بمثل الذي ابتليتهم به فعلتم كالذي يفعلون. قالوا: لا. قال: فاختاروا من خياركم اثنين. فاختاروا هاروت وماروت. فقال لهما: إني مهبطكما إلى الأرض، وعاهد إليكما ألا تشركا ولا تزنيا ولا تخونا. فأهبطا إلى الأرض وألقي عليهما الشَّبَق، وأهبطت لهما الزُّهَرة في أحسن صورة امرأة، فتعرضت لهما، فراوداها عن نفسها. فقالت: إني على دين لا يصح لأحد أن يأتيني إلا من كان على مثله. قالا وما دينك؟ قالت: المجوسية. قالا الشرك! هذا شيء لا نقر به. فمكثت عنهما ما شاء الله. ثم تعرضت لهما فأراداها عن نفسها. فقالت: ما شئتما، غير أن لي زوجًا، وأنا أكره أن يطلع على هذا مني فأفتضح، فإن أقررتما لي بديني، وشرطتما لي أن تصعدا بي إلى السماء فعلت. فأقرا لها بدينها وأتياها فيما يريان، ثم صعدا بها إلى السماء. فلما انتهيا بها إلى السماء اختطفت منهما، وقطعت أجنحتهما فوقعا خائفين نادمين يبكيان، وفي الأرض نبي يدعو بين الجمعتين، فإذا كان يوم الجمعة أجيب. فقالا لو أتينا فلانًا فسألناه فطلب لنا التوبة فأتياه، فقال: رحمكما الله كيف يطلب التوبة أهل الأرض لأهل السماء! قالا إنا قد ابتلينا. قال: ائتياني يوم الجمعة. فأتياه، فقال: ما أجبت فيكما بشيء، ائتياني في الجمعة الثانية. فأتياه، فقال: اختارا، فقد خيرتما، إن أحببتما معافاة الدنيا وعذاب الآخرة، وإن أحببتما فعذاب الدنيا وأنتما يوم القيامة على حكم الله. فقال أحدهما: إن الدنيا لم يمض منها إلا القليل. وقال الآخر: ويحك؟ إني قد أطعتك في الأمر الأول فأطعني الآن، إن عذابا يفنى ليس كعذاب يبقى. وإننا يوم القيامة على حكم الله، فأخاف أن يعذبنا. قال: لا إني أرجو إن علم الله أنا قد اخترنا عذاب الدنيا مخافة عذاب الآخرة لا يجمعهما علينا. قال: فاختارا عذاب الدنيا، فجعلا في بكرات من حديد في قَلِيب مملوءة من نار، عَاليهُمَا سافلَهما. (¬1) وهذا إسناد جيد إلى عبد الله بن عمر. وقد تقدم في رواية ابن جرير من حديث معاوية بن صالح، عن نافع، عنه ¬

(¬1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 306 - 307).

رفعه. وهذا أثبت وأصح إسنادًا. ثم هو - والله أعلم - من رواية ابن عمر عن كعب، كما تقدم بيانه من رواية سالم عن أبيه. وقوله: إن الزُّهَرة نزلت في صورة امرأة حسناء، وكذا في المروي عن علي، فيه غرابة جدًا. (البقرة: 102) 50 - عن ابن عباس [قال]: إن أهل سماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون المعاصي فقالوا: يا رب أهل الأرض كانوا يعملون بالمعاصي! فقال الله: أنتم معي، وهم غُيَّب عني. فقيل لهم: اختاروا منكم ثلاثة، فاختاروا منهم ثلاثة على أن يهبطوا إلى الأرض، على أن يحكموا بين أهل الأرض، وجعل فيهم شهوة الآدميين، فأمروا ألا يشربوا خمرًا ولا يقتلوا نفسا، ولا يزنوا، ولا يسجدوا لوثن. فاستقال منهم واحد، فأقيل. فأهبط اثنان إلى الأرض، فأتتهما امرأة من أحسن الناس يقال لها: مناهية. فَهَويَاها جميعًا، ثم أتيا منزلها فاجتمعا عندها، فأراداها فقالت لهما: لا حتى تشربا خمري، وتقتلا ابن جاري، وتسجدا لوثني. فقالا لا نسجد. ثم شربا من الخمر، ثم قتلا ثم سجدا. فأشرف أهل السماء عليهما. فقالت لهما: أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما. فأخبراها فطارت فمسخت جمرة. وهي هذه الزهَرة. وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فاختارا عذاب الدنيا. فهما مناطان بين السماء والأرض. (¬1) وهذا السياق فيه زيادات كثيرة وإغراب ونكارة، والله أعلم بالصواب. (البقرة: 102) 51 - وقد ورد في ذلك أثر غريب وسياق عجيب في ذلك أحببنا أن ننبه عليه، ... عن عائشة زوج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[رضي الله عنها وعن أبيها] أنها قالت: قدمت امرأة عليَّ من ¬

(¬1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 308). قال الحافظ ابن كثيرفي تفسيره (1/ 364): (وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين، كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم، وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال).

أهل دومة الجندل، جاءت تبتغي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد موته حَدَاثة ذلك، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحر، ولم تعمل به. قالت عائشة، رضي الله عنها، لعُرْوَة: يا ابن أختي، فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيشفيها كانت تبكي حتى إني لأرحمها، وتقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت. كان لي زوج فغاب عني، فدخلت على عجوز فشكوت ذلك إليها، فقالت: إن فعلت ما آمرك به فأجعله يأتيك. فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبتُ أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن كشيء حتى وقفنا ببابل، وإذا برجلين معلقين بأرجلهما. فقالا ما جاء بك؟ فقلتُ: أتعلم السحر. فقالا إنما نحن فتنة فلا تكفري، فارجعي. فأبيت وقلت: لا. قالا فاذهبي إلى ذلك التنور، فبولي فيه. فذهبت ففزعتُ ولم أفعل، فرجعت إليهما، فقالا أفعلت؟ فقلت: نعم. فقالا هل رأيت شيئًا؟ فقلت: لم أر شيئًا. فقالا لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري [فإنك على رأس أمري]. فأرْبَبْت وأبيت. فقالا اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه. فذهبت فاقشعررت [وخفت] ثم رجعت إليهما فقلت: قد فعلت. فقالا فما رأيت؟ فقلت: لم أر شيئًا. فقالا كذبت، لم تفعلي، ارجعي إلى بلادك ولا تكفري؛ فإنك على رأس أمرك. فأرببتُ وأبيتُ. فقالا اذهبي إلى ذلك التنور، فبولي فيه. فذهبت إليه فبلت فيه، فرأيت فارسًا مقنعًا بحديد خَرَج مني، فذهب في السماء وغاب [عني] حتى ما أراه، فجئتهما فقلت: قد فعلت. فقالا فما رأيت؟ قلت: رأيت فارسًا مقنعًا خرج مني فذهب في السماء، حتى ما أراه. فقالا صدقت، ذلك إيمانك خرج منك، اذهبي. فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئًا وما قالا لي شيئًا. فقالت: بلى، لم تريدي شيئًا إلا كان، خذي هذا القمح فابذري، فبذرت، وقلت: أطلعي فأطلعت وقلت: أحقلي فأحقلت ثم قلت: أفْركي فأفرَكَتْ. ثم قلت: أيبسي فأيبست. ثم قلت: أطحني فأطحنت. ثم قلت: أخبزي فأخبزت. فلما رأيتُ أني لا أريد شيئًا إلا كان، سقط في يدي وندمت - والله - يا أم المؤمنين والله ما فعلت شيئًا قط ولا أفعله أبدًا. ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن سليمان، به مطولا كما تقدم. وزاد بعد قولها: ولا أفعله أبدًا: فسألت أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حداثة وفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يومئذ متوافرون، فما دَرَوا ما

يقولون لها، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلمه، إلا أنه قد قال لها ابن عباس - أو بعض من كان عنده -: لو كان أبواك حيين أو أحدهما [لكان يكفيانك]. قال هشام: فلو جاءتنا أفتيناها بالضمان [قال]: قال ابن أبي الزناد: وكان هشام يقول: إنهم كانوا أهل الورع والخشية من الله. ثم يقول هشام: لو جاءتنا مثلها اليوم لوجدت نوكى أهل حمق وتكلف بغير علم. فهذا إسناد جيد إلى عائشة، رضي الله عنها. (¬1) (البقرة: 102) 52 - وروى الترمذي ... عن جندب الأزدي أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "حد الساحر ضَرْبُه بالسيف". ثم قال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وإسماعيل بن مسلم يُضعَّف في الحديث، والصحيح: عن الحسن عن جُنْدُب موقوفًا. (¬2) قلت: قد رواه الطبراني من وجه آخر، عن الحسن، عن جندب، مرفوعًا (¬3) والله أعلم (البقرة: 103) 53 - وقال الطبراني: ... عن سالم، عن أبيه، قال: قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكانا يقرآن بها، فقاما ذات ليلة يصليان، فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرا ذلك له، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنها مما نسخ وأنسي، فالهوا عنها". فكان الزهري يقرؤها: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} بضم النون خفيفة. (¬4) سليمان بن أرقم ضعيف. (البقرة: 106) 54 - عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ليلة سوداء مظلمة، فنزلنا منزلا فجعل الرَّجل يأخذُ الأحجارَ فيعمل مسجدا يصلي فيه. فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة. فقلنا: يا رسول الله، لقد صلينا ليلتنا ¬

(¬1) قال الألباني في الضعيفةح (170): (رواها ابن جرير في " تفسيره " (2/ 366 - 367) بإسناد حسن عن عائشة، ولكن المرأة مجهولة فلا يوثق بخبرها). (¬2) سنن الترمذي برقم (1460). (¬3) المعجم الكبير (2/ 161). وضعفه الألباني في الضعيفةح (1446) مرفوعا وصحح وقفه على جندب. (¬4) المعجم الكبير (12/ 288). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 138): (رواه الطبراني وفيه سليمان بن أرقم وهو متروك).

هذه لغير القبلة؟ فأنزل الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} الآية ثم رواه عن سفيان بن وَكِيع، عن أبيه، عن أبي الربيع السمان، بنحوه. (¬1) ورواه الترمذي، عن محمود بن غيلان، عن وَكِيع. وابن ماجه، عن يحيى بن حكيم، عن أبي داود، عن أبي الربيع السمان. (¬2) ورواه ابن أبي حاتم، عن الحسن بن محمد بن الصباح، عن سعيد بن سليمان، عن أبي الربيع السمان - واسمه أشعث بن سعيد البصري - وهو ضعيف الحديث. (¬3) وقال الترمذي: هذا حديث حسن. ليس إسناده بذاك، ولا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث يُضَعَّف في الحديث. قلت: وشيخه عاصم أيضًا ضعيف. قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن معين: ضعيف لا يحتج به. وقال ابن حبان: متروك، والله أعلم. وقد روي من طرق أخرى، عن جابر. وقال الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه في تفسير هذه الآية: حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي بن شبيب، حدثني أحمد بن عبيد الله بن الحسن، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا عبد الملك العرزمي، عن عطاء، عن جابر، قال: بَعَث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّة كنت فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة، هي هاهنا قبل السماك. فصلُّوا وخطُّوا خطوطًا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسكت، وأنزل الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ثم رواه من حديث محمد بن عبيد الله العَرْزَمي، عن عطاء، عن جابر، به. (¬4) وقال الدارقطني: قرئ على عبد الله بن عبد العزيز - وأنا أسمع - حدثكم داود بن عمرو، حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن محمد بن سالم، عن عطاء، عن جابر، ¬

(¬1) تفسير الطبري (2/ 531، 532).وضعفه أحمد شاكر وقال: (وقد ذهبت في شرحي للترمذي، رقم: 345، إلى تحسين إسناده. ولكني أستدرك الآن، وأرى أنه حديث ضعيف). (¬2) سنن الترمذي برقم (345) وسنن ابن ماجة برقم (1020). (¬3) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 344). (¬4) ورواه الدارقطني في السنن (1/ 271)، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 10 - 12) ورواه أيضا (2/ 10).

قال: كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسير فأصابنا غيم، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة، فصلى كل منا على حدة، وجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا، فذكرنا ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يأمرنا بالإعادة، وقال: "قد أجزأت صلاتكم". ثم قال الدارقطني: كذا قال: عن محمد بن سالم، وقال غيره: عن محمد بن عبد الله العرزمي، عن عطاء، وهما ضعيفان. (¬1) ثم رواه ابن مَرْدُويه أيضا من حديث الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سرِيَّة فأخذتهم ضبابة، فلم يهتدوا إلى القبلة، فصلوا لغير القبلة. ثم استبان لهم بعد طلوع الشمس أنهم صلوا لغير القبلة. فلما جاؤوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدَّثُوه، فأنزل الله عز وجل، هذه الآية: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ... وهذه الأسانيد فيها ضعف، ولعله يشد بعضها بعضا. وأما إعادة الصلاة لمن تبين له خطؤه ففيها قولان للعلماء، وهذه دلائل على عدم القضاء، والله أعلم. (البقرة: 115) 55 - عن قتادة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أخا لكم (¬2) قد مات فصلوا عليه". قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم؟ قال: فنزلت: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ} [آل عمران: 199] قال قتادة: فقالوا: فإنه كان لا يصلي إلى القبلة. فأنزل الله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. (¬3) وهذا غريب، والله أعلم (البقرة: 115) 56 - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما بين المشرق والمغرب قبْلَة لأهل المدينة وأهل الشام وأهل العراق". وله مناسبة هاهنا، وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي معشر، واسمه نَجِيح بن عبد الرحمن السَّندي المدني، به "ما بين ¬

(¬1) سنن الدارقطني (1/ 271) ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 206) قال البيهقي: (وبالجملة فلا نعلم لهذا الحديث إسنادا صحيحا ..)، وقال العقيلي: (هذا حديث لا يروى من وجه يثبت).راجع تخريجه قي نصب الراية للزيلعي (1/ 243). (¬2) الموجود في الطبري (إن أخاكم النجاشي ...) حتى يصح المعنى. (¬3) تفسير الطبري (2/ 532). وقال أحمد شاكر: (هو حديث ضعيف، لأنه مرسل .... وسياقته تدل على ضعفه ونكارته).

المشرق والمغرب قبلة". (¬1) وقال الترمذي: وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة. وتكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه، ثم قال الترمذي: حدثني الحسن بن [أبي] بكر المروزي، حدثنا المعلى بن منصور، حدثنا عبد الله بن جعفر المخزومي، عن عثمان بن محمد الأخنسي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة". (¬2) ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وحكى عن البخاري أنه قال: هذا أقوى من حديث أبي معشر وأصح. قال الترمذي: وقد روي عن غير واحد من الصحابة: ما بين المشرق والمغرب قبلة - منهم عمر بن الخطاب، وعلي، وابن عباس. وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك، فما بينهما قبلة، إذا استقبلت القبلة. ثم قال ابن مَرْدُويه: ... عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة". وقد رواه الدارقطني والبيهقي (¬3) وقال المشهور: عن ابن عمر، عن عمر، قوله. (البقرة: 115) 57 - قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونُس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث: أن دَرَّاجًا أبا السمح حدثه، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كل حرف من القرآن يذكر فيه القنوت فهوالطاعة". وكذا رواه الإمام أحمد، عن حسن بن موسى، عن ابن لَهِيعة، عن دَرّاج بإسناده، مثله. (¬4) ولكن هذا الإسناد ضعيف لا يعتمد عليه. ورفع هذا الحديث منكر، وقد ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (342) وسنن ابن ماجة برقم (1011). (¬2) سنن الترمذي برقم (344). (¬3) سنن الدارقطني (1/ 270) وسنن البيهقي (2/ 9) وهو معلول والصواب وقفه. قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 184): "سئل أبو زرعة عن حديث رواه يزيد بن هارون، عن محمد بن عبد الرحمن، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما بين المشرق والمغرب قبلة" قال أبو زرعة: "هذا وهم، الحديث حديث ابن عمر موقوف". (¬4) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 348) والمسند (3/ 75).وضعفه الألباني في الضعيفةح (4105)، وضعيف الجامع ح (9709).

يكون من كلام الصحابي أو مَنْ دونه، والله أعلم. وكثيرًا ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نَكَارَة، فلا يغتر بها، فإن السند ضعيف، والله أعلم. (البقرة: 116) وذكره ابن كثير أيضا في تفسيرالآية 43 من آل عمران وقال: ورواه ابن جرير من حديث ابن لهيعة، عن دَرّاج، به، وفيه نكارة. 58 - عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليت شعري ما فعل أبواي، ليت شعري ما فعل أبواي، ليت شعري ما فعل أبواي؟ ". فنزلت: {وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} فما ذكرهما حتى توفاه الله، عز وجل. ورواه ابن جرير، عن أبي كُرَيب، عن وَكِيع، عن موسى بن عبيدة، [وقد تكلموا فيه عن محمد بن كعب] بمثله (¬1) وقد حكاه القرطبي عن ابن عباس ومحمد بن كعب قال القرطبي: وهذا كما يقال لا تسأل عن فلان؛ أي: قد بلغ فوق ما تحسب، وقد ذكرنا في التذكرة أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا، وأجبنا عن قوله: (إن أبي وأباك في النار). (قلت): والحديث المروي في حياة أبويه عليه السلام ليس في شيء من الكتب الستة ولا غيرها، وإسناده ضعيف والله أعلم. ثم قال ابن جرير: ... عن داود بن أبي عاصم: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال ذات يوم: "أين أبواي؟ ".فنزلت: {إِنَّاأَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}. (¬2) وهذا مرسل كالذي قبله. وقد رد ابن جرير هذا القول المروي عن محمد بن كعب القرظي وغيره في ذلك، لاستحالة الشك من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمر أبويه. واختار القراءة الأولى. وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظر، لاحتمال أن هذا كان في حال استغفاره لأبويه قبل أن يعلم أمرهما، فلما علم ذلك تبرأ منهما، وأخبر عنهما أنهما من أهل النار كما ثبت ذلك في الصحيح ولهذا أشباه كثيرة ونظائر، ولا يلزم ما ذكر ابن جرير. والله أعلم. (البقرة: 119) ¬

(¬1) قال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (2/ 558): (هما حديثان مرسلان؛ فإن محمد بن كعب بن سليم القرظي: تابعي. والمرسل لا تقوم به حجة، ثم هما إسنادان ضعيفان أيضًا، بضعف راويهما: موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي: ضعيف جدا). (¬2) تفسير الطبري (2/ 559)، وقال أحمد شاكر: (وهذا مرسل أيضًا، لا تقوم به حجة).

59 - عن ابن عمر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوله: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} قال: "يتبعونه حق اتباعه"، ثم قال: في إسناده غير واحد من المجهولين فيما ذكره الخطيب إلا أن معناه صحيح. (¬1) (البقرة: 121) 60 - وروي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم" قلت: هذا حديث لا يثبت، (¬2) والله أعلم. (البقرة: 124) 61 - 62 - قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله: أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميعُ ما ذكر، وجائز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزمُ بشيء منها أنه المرادُ على التعيين إلا بحديث أو إجماع. قال: ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له. قال: غَيْرَ أنه قد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نظير معنى ذلك خبران: أحدهما ... عن سهل بن معاذ بن أنس، قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله {الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] حتى يختم الآية". (¬3) قال: والآخر منهما: ... عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} أتدرون ما وفى؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "وفَّى عمل يومه، أربع ركعات في النهار".ورواه آدم في تفسيره، عن حماد بن سلمة. وعبد بن حميد، عن يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن جعفر بن الزبير، به. (¬4) ثم شرع ابن جرير يضعف ¬

(¬1) قال الحويني: (حديثٌ باطلٌ أخرجه الخطيبُ البغدادي في ((الرواة عن مالكٍ))، وفي (اقتضاء العلم العمل) (118))، وقال الألباني: سنده ضعيف ح (77) كما في اقتضاء العلم العمل. (¬2) قال الهيثمي في المجمع (1/ 341): (رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وهو ضعيف جداً). (¬3) تفسير الطبري (3/ 15)، وقال أحمد شاكر: (إسناده منهار لا تقوم له قائمة ....). (¬4) تفسير الطبري (3/ 16)، وقال أحمد شاكر: (ضعفه أيضًا الطبري ووافقه ابن كثير، كما قلنا في الذي قبله).

هذين الحديثين، وهو كما قال؛ فإنه لا تجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما، وضعفهما من وجوه عديدة، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء، مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه والله أعلم. (البقرة: 124) 63 - عن جابر، قال: لما وقف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم، قال له عمر: يا رسول الله، هذا مقام إبراهيم الذي قال الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}؟ قال: "نعم". قال الوليد: قلت لمالك: هكذا حدثك {وَاتَّخِذُوا} قال: نعم. هكذا وقع في هذه الرواية. وهو غريب. وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه. (البقرة: 125) 64 - عن مجاهد، قال: قال عمر: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام؟ فأنزل الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى موضعه هذا. قال مجاهد: قدكان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن. (¬1) هذا مرسل عن مجاهد، وهو مخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق، عن معمر، عن حميد الأعرج، عن مجاهد أن أول من أخَّر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا أصح من طريق ابن مَرْدُويه، مع اعتضاد هذا بما تقدم، والله أعلم. (البقرة: 125) 65 - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبدُ الله ورسوله وإن إبراهيم حَرَّم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، عضاهَها وصيدَها، لا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا يقطع منها شجرة إلا لعلف بعير". (¬2) وهذه الطريق غريبة، ليست في شيء من الكتب الستة، وأصل الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان الناس إذا رأوا أول الثمر، جاؤوا به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإذا أخذه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في ¬

(¬1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 169): (إسناده ضعيف). (¬2) تفسير الطبري (3/ 48)، قال أحمد شاكر: (قال فيه ابن كثير: "وهذه الطريق غريبة، ليست في شيء من الكتب الستة". وأزيد عليه: أني لم أجدها في المسند أيضًا، ولا في غيره مما استطعت الرجوع إليه من المراجع. ثم أشار ابن كثير إلى أن أصل معناه ثابت عن أبي هريرة، من وجه آخر، في صحيح مسلم).

مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مُدِّنا، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه" ثم يدعو أصْغَرَ وليد له، فيعطيه ذلك الثمر. وفي لفظ: "بركة مع بركة" ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان. لفظ مسلم. (¬1) (البقرة: 126) 66 - عن عطاء ابن أبي رباح، قال: لما أهبط الله آدم من الجنة، كانت رجلاه في الأرض ورأسُه في السماء (¬2) يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابته الملائكة، حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها. فخفضه الله إلى الأرض، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله في دعائه وفي صلاته. فوجه إلى مكة، فكان موضع قَدَمه قريةً، وخَطوُه مفازة، حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن. فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة، حتى بعث الله إبراهيم، عليه السلام، فبناه. وذلك قول الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّانَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} (¬3) [الحج: 26]. وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: قال آدم: إني لا أسمع أصوات الملائكة؟! قال: بخطيئتك، ولكن اهبط إلى الأرض، فابن لي بيتًا ثم احفف به، كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء. فيزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل: من حراء. وطور زيتا، وطور سَيْناء، وجبل لبنان، والجودي. وكان رَبَضُه من حراء. فكان هذا بناء آدم، حتى بناه إبراهيم، عليه السلام، بعد. (¬4) وهذا صحيح إلى عطاء، ولكن في بعضه نكارَة، (¬5) والله أعلم. (البقرة: 127) ¬

(¬1) صحيح مسلم (1373). (¬2) قال الشيخ ابن باز: (هذا خرافة؛ فقد ثبت في الصحيحين: أنه ستون ذراعا في السماء فلم يزل الخلق ينقص). (¬3) تفسير الطبري (3/ 59).ووافق الشيخ أحمد شاكر الحافظ ابن كثير في حكمه على الحديث. (¬4) تفسير الطبري (3/ 57). (¬5) قال الحافظ ابن كثير في التعليق على أقوال أول من بنى الكعبة: (وغالب من يذكر هذا إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها، وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين).

67 - عن ابن عباس أن نبي الله قال: "إن بني إسرائيل قالوا: يا موسى، هل يَصْبُغ ربك؟ فقال: اتقوا الله. فناداه ربه: ياموسى، سألوك هل يَصْبُغ ربك؟ فقل: نعم، أنا أصبُغ الألوان: الأحمر والأبيض والأسود، والألوان كلها من صَبْغي". وأنزل الله على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}. (¬1) كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعًا، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف، وهو أشبه، إن صح إسناده، والله أعلم. (البقرة: 138) 68 - عن مجاهد، عن أبي ذر: أنه سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما الإيمان؟ فتلا عليه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} إلى آخر الآية. قال: ثم سأله أيضًا، فتلاها عليه ثم سأله. فقال: "إذا عملت حسنة أحبها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك". وهذا منقطع؛ لأن مجاهدًا لم يدرك أبا ذر؛ فإنه مات قديمًا. (البقرة: 177) 69 - وقال المسعودي: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، قال: جاء رجل إلى أبي ذر، فقال: ما الإيمان؟ فقرأ عليه هذه الآية: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} حتى فرغ منها. فقال الرجل: ليس عن البر سألتُكَ. فقال أبو ذر: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسأله عما سألتني عنه، فقرأ عليه هذه الآية، فأبى أن يرضى كما أبيت [أنت] أن ترضى فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأشار بيده: "المؤمن إذا عمل حسنة سَرته ورجا ثوابها، وإذا عمل سيئة أحزنته وخاف عقابها". (¬2) رواه ابن مَرْدُويه، وهذا أيضًا منقطع، والله أعلم. (البقرة: 177) 70 - وقد روى الحاكم في مستدركه ... عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أن تعطيه وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر". ¬

(¬1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 403). (¬2) ورواه محمد بن نصر في (تعظيم قدر الصلاة) برقم (408) من طريق عبد الله بن يزيد والملائي، كلاهما عن المسعودي به نحوه، ورواه الحاكم (2/ 272) من طريق موسى بن أعين، عن عبد الكريم به نحوه، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) وتعقبه الذهبي: (قلت: وهو منقطع). قال الحافظ فى (المطالب العالية) (3/ 74): (هذا منقطع وله طريق أصح منه فى التفسير).

ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. (¬1) قلت: وقد رواه وَكِيع عن الأعمش، وسفيان عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود، موقوفًا، وهو أصح، والله أعلم. (البقرة: 177) 71 - وقد قال ابن أبي حاتم: ... عن الشعبي، حدثتني فاطمة بنت قيس: أنها سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أفي المال حق سوى الزكاة؟ قالت: فتلا علي {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ}. ورواه ابن مَرْدُويه ... عن فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "في المال حق سوى الزكاة" ثم تلا {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} إلى قوله: {وَفِي الرِّقَابِ} [وقد أخرجه ابن ماجة والترمذي وضعف أبا حمزة ميمونًا الأعور، قال: وقد رواه بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي] (¬2). (البقرة: 177) 72 - وقد قال ابن أبي حاتم: ... عن عروة، عن عائشة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: "يُرَدّ من صَدقة الحائف في حياته ما يردّ من وصية المجنف عند موته". (¬3) وهكذا رواه أبو بكر بن مَرْدُوَيه، من حديث العباس بن الوليد، به. قال ابن أبي حاتم: وقد أخطأ فيه الوليد بن مزيد. وهذا الكلام إنما هو عن عروة فقط. وقد رواه الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، فلم يجاوز به عروة. (البقرة: 182) ¬

(¬1) ثبت في الصحيحين من حديث أبي هُرَيرة مرفوعًا: "أفضل الصدقة أن تَصَدَّقَ وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر". (¬2) سنن الترمذي برقم (659) وسنن ابن ماجة برقم (1789) وقال الترمذي: (هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة يضعف في الحديث، وقد روى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله، وهو أصح). وضعفه الألباني في الضعيفةح (4383)، وقال: (وجملة القول؛ أن الحديث بلفظيه ضعيف، والراجح مع ذلك الأول، والصحيح أنه من قول الشعبي. والله أعلم). (¬3) ورواه أبو داود في المراسيل برقم (194) من طريق عباس بن الوليد بن مزيد، عن أبيه، عن الأوزاعي، به. قال العباس: حدثنا به مرة، عن عروة، ومرة عن عروة، عن عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم رواه أبو داود برقم (195) عن عروة مرسلا، وبرقم (196) عن الزهري مرسلا. قال أبو داود: (لا يصح هذا الحديث، لا يصح رفعه).

73 - عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الحيف في الوصية من الكبائر". (¬1) وهذا في رفعه أيضًا نظر. (البقرة: 182) 74 - وقد روي عن بعض السلف أنه كَره أن يقال: "شهر رمضان" ولا يقال: "رمضان"؛ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن بكار بن الريَّان، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القُرَظي، وسعيد - هو المقْبُري - عن أبي هريرة، قال: لا تقولوا: رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان. قال ابن أبي حاتم: وقد روي عن مجاهد، ومحمد بن كعب نحو ذلك، ورَخَّص فيه ابن عباس وزيد بن ثابت. قلت: أبو معشر هو نَجِيح بن عبد الرحمن المدني إمام في المغازي، والسير، ولكن فيه ضعف، وقد رواه ابنه محمد عنه فجعله مرفوعا، عن أبي هريرة، (¬2) وقد أنكره عليه الحافظ ابن عدي - وهو جدير بالإنكار - فإنه متروك، وقد وهم في رفع هذا الحديث، وقد انتصر البخاري، رحمه الله، في كتابه لهذا فقال: "باب يقال رمضان" (¬3) وساق أحاديث في ذلك منها: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" ونحو ذلك. (البقرة: 185) 75 - وقال ابن مَرْدُويه: ... عن أبي نافع بن معد يكرب، قال: كنت أنا وعائشة سألتُ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الآية: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} قال: "يا رب، مسألة عائشة". فهبط جبريل فقال: الله يقرؤك السلام، هذا عبدي الصالح بالنية الصادقة، وقلبُه نقي يقول: يا رب، فأقول: لبيك. فأقضي حاجته. ¬

(¬1) ورواه الدارقطني في السنن (4/ 151) والعقيلي في الضعفاء (3/ 189) والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 271) من طريق عمر بن المغيرة به نحوه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 271) من طريق هشيم عن داود به موقوفا، وقال: (هذا هو الصحيح موقوف، وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفا، وروى من وجه آخر مرفوعا، ورفعه ضعيف). وضعفه أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (8/ 66). (¬2) ضعفه النووي في الأذكار (1/ 331) وقال: (وهذا الحديث ضعيف ضعفه البيهقى والضعف عليه ظاهر). (¬3) الترجمة في الصحيح (4/ 112): "باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا".

هذا حديث غريب من هذا الوجه. (البقرة: 186) 76 - وقد روى الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية حديثًا غريبًا فقال: ... عن صفوان بن أمية أنه قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متضمخ بالزعفران، عليه جبة، فقال: كيف تأمرنى يا رسول الله في عمرتي؟ قال: فأنزل الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أين السائل عن العُمْرة؟ " فقال: ها أنا ذا. فقال له: "ألق عنك ثيابك، ثم اغتسل، واستنشق ما استطعت، ثم ما كنت صانعًا في حَجّك فاصنعه في عمرتك". هذا حديث غريب وسياق عجيب (¬1) والذي ورد في الصحيحين، عن يعلى بن أمية في قصة الرجل الذي سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو بالجعرانة فقال: كيف ترى في رجل أحرم بالعمرة وعليه جُبة وخَلُوق؟ فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جاءه الوحي، ثم رفع رأسه فقال: "أين السائل؟ " فقال: ها أنا ذا، فقال: "أما الجبة فانزعها، وأما الطيب الذي بك فاغسله، ثم ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عُمْرتك". ولم يذكر فيه الغسل والاستنشاق ولا ذكر نزول الآية، وهو عن يعلى بن أمية، لا عن صفوان بن أمية، والله أعلم. (البقرة: 196) 77 - وروي (ابن مردويه) أيضًا من حديث عمر بن قيس، سندل - وهو ضعيف - عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "النسك شاة، والصيام ثلاثة أيام، والطعام فَرَق، بين ستة". (البقرة: 196) 78 - عن جابر، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج". وإسناده لا بأس به. لكن رواه الشافعي، والبيهقي من طُرق، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل: أيُهَلّ بالحج قبل أشهر الحج؟ فقال: ¬

(¬1) قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند ص (29): (وأما استغراب ابن كثير رحمه الله له في تفسيره فلا وجه له لأن قوله عند الطبراني فنزل عليه {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} مبين لحديث الصحيحين الذي فيه، فنزل عليه الوحي وأما كونه عند ابن أبي حاتم عن صفوان بن أمية فالظاهر أنها سقطت منه عن أبيه ويكون الحديث عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه كما في الصحيحين والأوسط والطبراني وغيرهما من كتب الحديث).

لا. (¬1) وهذا الموقوف أصحّ وأثبت من المرفوع، ويبقى حينئذ مذهب صحابي، يتقوّى بقول ابن عباس: "من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره". والله أعلم. (البقرة: 197) 79 - وجاء فيه حديث مرفوع، ولكنه موضوع، رواه الحافظ بن مَرْدويه، من طريق حُصَين بن مخارق - وهو متهم بالوضع - عن يونس بن عبيد، عن شهر بن حَوْشَب، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الحج أشهر معلومات: شوال وذو القعدة وذو الحجة" (¬2). وهذا كما رأيت لا يَصح رفعه، (¬3) والله أعلم. (البقرة: 197) 80 - عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "عَرَفَةُ كلها موقف، وارفعوا عن عُرَنة، وجَمْع كلها مَوقف إلا مُحَسرًا".هذا حديث مرسل. (¬4) (البقرة: 198) 81 - عن جبير بن مطعم، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال: "كل عرفات موقف، وارفعوا عن عُرَنة. وكل مزدلفة موقف وارفعوا عن مُحَسِّر، وكل فجاج مكة مَنْحر، وكل أيام التشريق ذبح". (¬5) وهذا أيضا منقطع، فإن سليمان بن موسى هذا - وهو الأشدق - لم يدرك جُبَير بن مطعم. ولكن رواه الوليد بن مسلم، وسويد بن عبد العزيز، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان، فقال الوليد: عن ابن لجبير بن مطعم، عن أبيه. وقال سويد: عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكره، والله أعلم. (البقرة: 198) 82 - عن الزهري، قال: بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد الله بن حذافة، فنادى في أيام التشريق فقال: "إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله، إلا من كان عليه صَوْم من ¬

(¬1) الأم للشافعي (2/ 136)، والسنن الكبرى للبيهقي (4/ 343). (¬2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 139): (رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه حصين بن مخارق وهو ضعيف جداً). (¬3) لا يصح رفعه، لكن جاء موقوفا على بعض الصحابة كابن عباس وابن مسعود وابن عمر وصح عنه كما قال ابن كثير، والحافظ في الفتح. انظر النافلة في الأحاديث الضعيفة ح (103) لأبي إسحق الحويني. (¬4) رواه الطبري في التفسير (4/ 179) قاله أحمد شاكر: وقد جاء موصولا من حديث جابر رضي الله عنه، ورواه ابن ماجة في السنن برقم (3012) وأصله في صحيح مسلم برقم (1218). (¬5) المسند (4/ 82).

هَدْي". (¬1) زيادة حسنة ولكن مرسلة. (البقرة: 203) 83 - وفي وقته (أي التكبير) أقوال للعلماء، وأشهرها الذي عليه العمل أنَّه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو آخر النَّفْر الآخِر. وقد جاء فيه حديث رواه الدارقطني (¬2)، ولكن لا يصح مرفوعا والله أعلم. (البقرة: 203) 84 - وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه هاهنا أحاديث فيها غرابة والله أعلم؛ فمنها ما رواه ... عن ابن مسعود، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم، قيامًا شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فَصْل القضاء، وينزل الله في ظُلَل من الغمام من العرش إلى الكرسي". (¬3) (البقرة: 210) 85 - فأما ما رواه ابن جرير (¬4): ... عن عبد الله بن عباس يقول: نهى رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرّم كل ذات دين غير الإسلام، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5]. وقد نكح طلحة بن عُبَيد الله يهودية، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر بن الخطاب غضبًا شديدًا، حتى هَمَّ أن يسطو عليهما. فقالا نحن نطَلق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب! فقال: لئن حَلّ طلاقهن لقد حل نكاحهن، ولكني أنتزعهن منكم صَغَرَة قَمأة. (¬5) ¬

(¬1) تفسير الطبري (3/ 101). وقال أحمد شاكر: (هذا الحديث مرسل، لم يذكر الزهري من رواه عنه). (¬2) سنن الدارقطني (2/ 49، 50) من طرق عن جابر رضي الله عنه. (¬3) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (9/ 416، 417) من طريقين عن المنهال بن عمرو به مطولا. قال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية: (ضعيف).كما نقله عنه الصبابطي في جامع الأحاديث القدسية. وصححه الألباني في صحيح الترغيب ح (3591). (¬4) تفسير الطبري (4/ 364). ورواه الترمذي رقم (3445)، وضعف إسناده الألباني في ضعيف الترمذي ح (631). (¬5) قال أحمد شاكر في حاشيته على الطبري (4/ 364): (والصغرة جمع صاغر: هو الراضي بالذل. وقماء جمع قميء: وهو الذليل الصاغر وإن لم يكن قصيرًا. والقميء: القصير. وفي المخطوطة وابن كثير"قمأة"، وليس جمعًا قياسيا، ولا هو وارد في كتب اللغة، ولكن إن صح الخبر، فهو إتباع لقوله: "صغرة" ومثله كثير في كلامهم).

فهو حديث غريب جدًا. وهذا الأثر عن عمر غريب أيضًا. (البقرة: 221) 86 - عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا". ثم قال: وهذا الخبر - وإن كان في إسناده ما فيه (¬1) - فالقول به لإجماع الجميع من الأمة على صحة القول به. (¬2) كذا قال ابن جرير - رحمه الله -. (البقرة: 221) 87 - عن عبد الله بن عَمْرو، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تنكحوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن وانكحوهن على الدين، فلأمة سوداء خَرْماء ذات دين أفضل". والإفريقي ضعيف. (البقرة: 221) 88 - الذي أجمع العلماء على تحريمه، وهو المباشرة في الفرج. ثم من فعل ذلك فقد أثم، فيستغفر الله ويتوب إليه. وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: نعم، لما رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، عن ابن عباس، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار، أو نصف دينار". (¬3) وفي لفظ للترمذي: "إذا كان دمًا أحمر فدينار، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار". وللإمام أحمد أيضًا، عنه: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل في الحائض تصاب، دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل، فنصف دينار. (¬4) والقول الثاني: وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي، وقول الجمهور: أنه لا شيء في ذلك، بل يستغفر الله عز وجل، لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث، فإنه قد روي مرفوعًا كما تقدم وموقوفًا، وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث. (البقرة: 222) ¬

(¬1) قال أحمد شاكر (الطبري (4/ 367): (ومعنى هذا الحديث ثابت عن جابر، موقوفا عليه من كلامه ...). (¬2) تفسير الطبري (4/ 367). (¬3) المسند (4/ 342)، وسنن أبي داود رقم (212)، وسنن الترمذي رقم (133)، وسنن ابن ماجه رقم (651). وصحح الألباني هذه الرواية في صحيح أبي داود ح (237). (¬4) قال الألباني في السلسلة الضعيفةح (4592): (ضعيف أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (149/ 1).

89 - عن عَمْرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى". (¬1) وقال عبد الله بن أحمد: حدثني هدبة، حدثنا همام، قال: سُئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها. فقال قتادة: حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "هي اللوطية الصغرى". قال قتادة: وحدثني عقبة بن وسَّاج، عن أبي الدرداء قال: وهل يفعل ذلك إلا كافر؟ وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان ... عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قوله. وهذا أصح، والله أعلم. وكذلك رواه عبد بن حميد، ... عن عبد الله بن عمرو، موقوفًا من قوله. طريق أخرى: ... عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سبعة لا ينظرالله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ويقول: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل والمفعول به، والناكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وجامع بين المرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتى يلعنه". ابن لَهيعة وشيخه ضعيفان. (¬2) (البقرة: 223) 90 - طريق أخرى: قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي، حدثنا هناد، ومحمد بن إسماعيل - واللفظ له - قالا حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ملعون من أتى امرأة في دبرها". ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي، وإنما الذي فيه عن سهيل، عن الحارث بن مخلد، كما تقدم. قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند، وَهْمٌ منه، وقد ضعفوه. 91 - طريق أخرى: رواها مسلم بن خالد الزِّنْجي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى عليه وسلم - قال: "ملعون من أتى النساء في أدبارهن". ومسلم بن خالد فيه كلام، والله أعلم. ¬

(¬1) المسند 2/ 210). (¬2) ضعفه الألباني في الضعيفةح (319)، والإرواء (8/ 59).

92 - طريق أخرى: رواها الإمام أحمد، وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة الهُجيْمي، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها، أو كاهنًا فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد". (¬1) وقال الترمذي: ضعف البخاري هذا الحديث. والذي قاله البخاري في حديث حكيم [الأثرم] عن أبي تميمة: لا يتابع في حديثه. 93 - طريق أخرى: قال النسائي: حدثنا عثمان بن عبد الله، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه، عن عبد الملك بن محمد الصنعاني، عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "استحيوا من الله حق الحياء، لا تأتوا النساء في أدبارهن". (¬2) تفرد به النسائي من هذا الوجه. قال حمزة بن محمد الكنَاني الحافظ: هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري، ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد؛ فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد، فإنما سمعه بعد الاختلاط، وقد رواه الزهري عن أبي سلمة أنه كان ينهى عن ذلك، فأما عن أبي هريرة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا. انتهى كلامه. وقد أجاد وأحسن الانتقاد؛ إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط، ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة الكناني، وهو ثقة، ولكن تكلم فيه دُحَيْم، وأبو حاتم، وابن حبان، وقال: لا يجوز الاحتجاج به، فالله أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد، عن سعيد بن عبد العزيز. وروي من طريقين آخرين، عن أبي سلمة. ولا يصح منها شيء. 94 - طريق أخرى: قال النسائي: حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر. ثم رواه، عن بُنْدَار، عن عبد الرحمن، به. ¬

(¬1) المسند (2/ 408)، وسنن أبي داود رقم (3904)، وسنن الترمذي رقم (135)، وسنن النسائي الكبرى رقم 09016)، وسنن ابن ماجه رقم (639). انظر تخريج هذه الأحاديث في التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (3/ 180). (¬2) سنن النسائي الكبرى رقم (9010).

قال: من أتى امرأة في دبرها ملك كفره. هكذا رواه النسائي، من طريق الثوري، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة موقوفًا. وكذا رواه من طريق علي بن بذيمة، عن مجاهد، عن أبي هريرة - موقوفًا. ورواه بكر بن خنيس، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من أتى شيئًا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر" والموقوف أصح، وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة، وتركه آخرون. (البقرة: 223) 95 - عن ابن مسعود، رضي الله عنه، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "محاش النساء حرام". وقد رواه إسماعيل بن علية، وسفيان الثوري، وشعبة، وغيرهم، عن أبي عبد الله الشقري - واسمه سلمة بن تمام: ثقة - عن أبي القعقاع، عن ابن مسعود - موقوفًا. وهو أصح. 96 - طريق أخرى: قال ابن عدي: حدثنا أبو عبد الله المحاملي، حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، حدثنا محمد بن حمزة، عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تأتوا النساء في أعجازهن" (¬1) محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه، فيهما مقال. وقد روي من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب، وعقبة بن عامر وأبي ذر، وغيرهم. وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث، والله أعلم. (البقرة: 223) 97 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفارتها". (¬2) ورواه أبو داود من طريق عبيد الله بن الأخنس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية الله، ولا في قطيعة رحم، ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها، وليأت الذي هو خير، فإن تركها كفارتها". (¬3) ¬

(¬1) الكامل لابن عدي (3/ 206). (¬2) المسند (2/ 185). (¬3) سنن أبي داود رقم (3274).وقال الألباني: (حسن، إلا قوله: "ومن حلف ... " فهو منكر، الضعيفة (1365)، ضعيف الجامع الصغير (6312).

ثم قال أبو داود: والأحاديث عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلها: " فليكفر عن يمينه" وهي الصحاح. (¬1) (البقرة: 224) 98 - عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حلف على قطيعة رحم أو معصية، فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه". (¬2) وهذا حديث ضعيف؛ لأن حارثة هذا هو ابن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن، متروك الحديث، ضعيف عند الجميع. (البقرة: 224) 99 - عن عطاء: في اللغو في اليمين، قال: قالت عائشة: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "هو كلام الرجل في بيته: كلا والله وبلى والله". (¬3) ثم قال أبو داود: رواه داود بن أبي الفرات، عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء، عن عائشة موقوفًا. ورواه الزهري، وعبد الملك، ومالك بن مِعْول، كلهم عن عطاء، عن عائشة، موقوفًا أيضًا. قلت: وكذا رواه ابن جريج، وابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة، موقوفًا. (ثم ساق الروايات الواردة عن عائشة في هذا). (البقرة: 225) 100 - عن الحسن بن أبي الحسن، قال: مر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوم ينتضلون - يعني: يرمون - ومع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله وأخطأت والله. فقال الذي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حنث الرجل يا رسول الله. قال: "كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة" هذا مرسل حسن عن الحسن (¬4). (البقرة: 225) ¬

(¬1) ونص كلامه (قال أبو داود: الأحاديث كلها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وليكفر عن يمينه) إلا فيما لا يعبأ به. قال أبو داود: قلت لأحمد: روى يحيى بن سعيد عن يحيى بن عبيد الله؟ فقال: تركه بعد ذلك، وكان أهلا لذلك. قال أحمد: أحاديثه مناكير، وأبوه لا يعرف). (¬2) تفسير الطبري (4/ 442). (¬3) سنن أبي داود رقم (3254). وقال الحافظ في " الفتح " (11/ 548): (أشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم فى رفعه ووقفه). وصححه الألباني في صحيح أبي داود رقم (2789). (¬4) قال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (4/ 444) معقبا على كلام ابن كثير: (ولعله أعجبه الجناس والسجع أما المرسل فإنه ضعيف، لجهالة الواسطة بعد التابعي كما هو معروف).

101 - عن عائشة: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان". (¬1) رواه أبو داود، والترمذي وابن ماجة. ولكن مظاهر هذا ضعيف بالكلية. وقال الحافظ الدارقطني وغيره: الصحيحُ أنه من قول القاسم بن محمد نفسه. (¬2) ورواه ابن ماجة من طريق عطية العَوْفِي عن ابن عمر مرفوعًا. قال الدارقطني: والصحيح ما رواه سالم ونافع، عن ابن عمر قوله. وهكذا رُوي عن عمر بن الخطاب. (البقرة: 228) 102 - عن عمرو بن مهاجر، عن أبيه: أن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت: طُلّقت على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يكن للمطلقة عدة، فأنزل الله - عز وجل - حين طلقت أسماء العدة للطلاق، فكانت أول من نزلت فيها العدة للطلاق، يعني: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}. هذا حديث غريب من هذا الوجه. (البقرة: 228) 103 - عن فاطمة بنت أبي حُبَيش أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: "دعي الصلاة أيام أقرائك". فهذا لو صح لكان صريحًا في أن القرء هو الحيض، ولكن المنذر هذا قال فيه أبو حاتم: مجهول ليس بمشهور. وذكره ابن حبان في الثقات. (البقرة: 228) 104 - عن ثوبان مولي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس، حَرّم الله عليها رائحة الجنة".وقال: "المختلعات هن المنافقات". ثم رواه ابن جرير والترمذي جميعًا، عن أبي كريب، عن مزاحم بن ذَوّاد بن عُلْبَة، عن أبيه، عن ليث، هو ابن أبي سليم عن أبي الخطاب، عن أبي زُرْعَة، عن أبي إدريس، عن ثوبان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المختلعات هن المنافقات".ثم قال ¬

(¬1) سنن أبي داود رقم (2189)، وسنن الترمذي رقم (1182)، وسنن ابن ماجه رقم (2080). (¬2) قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 645): (قال أحمد: هذا حديث لا يعرف مرفوعا إلا من حديث مظاهر ولا يعرف له رواية سواه. قال يحيى بن معين: مظاهر ليس بشيء مع أنه لا يعرف).وضعفه الألباني في الإرواء ح (2066)، وضعيف الجامع ح (3650).

الترمذي: غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي. (البقرة: 229) 105 - عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات" (¬1) غريب من هذا الوجه ضعيف. (البقرة: 229) 106 - عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام غضبان، ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟! " حتى قام رجل فقال يا رسول الله، ألا أقتله؟ (¬2) فيه انقطاع. (البقرة: 229) 107 - عن أنس بن مالك: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سئل عن رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثلاثا فتزوجت بعده رجلا فطلقها قبل أن يدخل بها: أتحل لزوجها الأول؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا حتى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عسيلته". ورواه ابن جرير، عن محمد بن إبراهيم الأنماطي، عن هشام بن عبد الملك، حدثنا محمد بن دينار، فذكره. (¬3) قلت: ومحمد بن دينار بن صندل أبو بكر الأزدي ثم الطاحي البصري، ويقال له: ابن أبي الفرات: اختلفوا فيه، فمنهم من ضعفه، ومنهم من قواه وقبله وحسن له. وقال أبو داود: أنه تغير قبل موته، فالله أعلم. (البقرة: 230) ¬

(¬1) ضعفه أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (4/ 569) وأشار إلى وقوع التحريف في بعض ألفاظه وقال: وأصح من هذه الروايات كلها ما رواه أحمد في المسند: 9347 (2: 414 حلبي) من حديث الحسن عن أبي هريرة مرفوعا: "المختلعات والمنتزعات هن المنافقات". وهو حديث صحيح بينا صحته وفصلنا القول في تخريجه في المسند في شرح الحديث. وانظر الصحيحة للألباني ح (632). (¬2) سنن النسائي (6/ 142). وضعفه الألباني في المشكاةح (3292). (¬3) المسند (3/ 248)، وتفسير الطبري (4/ 594). قال أحمد شاكر: (هي عشرة أسانيد لحديث عائشة في وجوب الدخول بالمطلقة ثلاثا حتى تحل لزوجها الأول، وهذا أمر مجمع عليه ثبت بالدلائل المتواترة. ويجب أن يكون الزوج الثاني راغبا في المرأة قاصدا لدوام عشرتها، مما هو القصد الصحيح للزواج. أما إذا تزوجها ودخل بها قاصدا تحليلها للزوج الأول أو كان ذلك مفهوما من واقع الحال - فإن هذا هو المحلل الذي لعنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولعن المحلل له. وكان نكاح هذا الثاني باطلا لا تحل به المعاشرة. ثم روى أبو جعفر - بعد هذه العشرة - حديثين لأبي هريرة وحديثا لأنس وحديثا لعبيد الله ابن عباس، وثلاثة أحاديث لابن عمر. فهي سبعة عشر حديثا. سنوجز ما استطعنا في تخريجها إن شاء الله). راجعها هناك.

108 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فتتزوج زوجا غيره، فيطلقها قبل أن يدخل بها، فيريد الأول أن يراجعها، قال: "لا حتى يذوق الآخر عسيلتها". (¬1) ثم رواه من وجه آخر عن شيبان، وهو ابن عبد الرحمن، به. وأبو الحارث غير معروف. (¬2) (البقرة: 230) 109 - وقال مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير: أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثا، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها، ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها، وهو زوجها الأول الذي كان طلقها، فذكر ذلك لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنهاه عن تزويجها، وقال: "لا تحل لك حتى تذوق العسيلة" كذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك وفيه انقطاع. (¬3) وقد رواه إبراهيم بن طَهْمَان، وعبد الله بن وهب، عن مالك، عن رفاعة، عن الزبير بن عبد الرحمن، عن أبيه، فوصله. (البقرة: 230) 110 - عن علي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن المحلل والمحلل له. ثم قال: وليس إسناده بالقائم، ومجالد ضعفه غير واحد من أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل. قال: ورواه ابن نمير، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، عن علي. قال: وهذا وهم من ابن نمير، والحديث الأول أصح. (¬4) (البقرة: 230) 111 - عن أبي موسى: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب على الأشعريين، فأتاه أبو موسى فقال: يا رسول الله، أغضبت على الأشعريين؟! فقال: يقول أحدكم: "قد طلقت، قد راجعت، ليس هذا طلاق المسلمين، طلقوا المرأة في قُبُل عدتها". (¬5) ثم رواه من وجه ¬

(¬1) تفسير الطبري (4/ 593). ثبت الحديث في الصحيحين من رواية عائشة رضي الله عنها. (¬2) قال أحمد شاكر (الطبري (4/ 593)): (والتعقيب عليه: أن البخاري وأبا حاتم عرفاه، ولم يذكرا فيه جرحا فهو ثقة فضلا عن أنه تابعي، وهم على الثقة حتى يستبين جرح واضح). (¬3) الموطأ (2/ 531). (¬4) سنن الترمذي (1119). (¬5) تفسير الطبري (5/ 14).

آخر عن أبي خالد الدالاني، وهو يزيد بن عبد الرحمن، وفيه كلام. (¬1) (البقرة: 231) 112 - عن الحسن، هو البصري، قال: كان الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق ويقول: كنت لاعبًا وينكح ويقول: كنت لاعبًا فأنزل الله: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح، جادًا أو لاعبًا، فقد جاز عليه". وكذا رواه ابن جرير من طريق الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن، مثله. (¬2) وهذا مرسل. وقد رواه ابن مردويه من طريق عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن أبي الدرداء، موقوفًا عليه. (البقرة: 231) 113 - عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمرو بن العاص أنه قال: لا تُلْبِسوا علينا سنة نبينا، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر. (¬3) ورواه أبو داود، عن قتيبة، عن غُنْدَر - وعن ابن المثنى، عن عبد الأعلى. وابن ماجة، عن علي بن محمد، عن وَكِيع - ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن مَطَر الوراق، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة، عن عمرو بن العاص، فذكره. (¬4) وقد روي عن الإمام أحمد أنه أنكر هذا الحديث، وقيل: إن قبيصة لم يسمع عَمْرًا، وقد ذهب إلى القول بهذا الحديث طائفة من السلف، منهم: سعيد بن المسيب، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، وأبو عياض، والزهري، وعمر بن عبد العزيز. وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان، وهو أمير المؤمنين. وبه يقول الأوزاعي، وإسحاق بن رَاهْوَيه، ¬

(¬1) يزيد بن عبد الرحمن الدالاني، وكنيته أبو خالد، وهو بها أشهر قال الحافظ في التقريب: (صدوق يخطئ كثيرا، وكان يدلس)، وحكم عليه الألباني بالضعف كما في الضعيفة ح (2950)، الإرواء (7/ 11). (¬2) تفسير الطبري (5/ 13). قال في نصب الراية في تخريخ حديث الأمر بإعادة الوضوء لمن ضحك في الصلاة وهو من رواية الزهري عن سليمان عن الحسن: (قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى تَوَسُّطِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ بَيْنَ ابْنِ شِهَابٍ، وَالْحَسَنِ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ تَعَلَّلَ) انْتَهَى. وَضُعِّفَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيِّ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّهُ مَتْرُوكٌ. (¬3) المسند (4/ 203). (¬4) سنن أبي داود برقم (2308) وسنن ابن ماجة برقم (2083).

وأحمد بن حنبل، في رواية عنه. (البقرة: 134) 114 - وذهب الإمام مالك إلى أنها (¬1)، تحرم عليه على التأبيد. واحتج في ذلك بما رواه عن ابن شهاب، وسليمان بن يسار: أن عمر، رضي الله عنه، قال: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها، فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر، ثم لم ينكحها أبدًا. (¬2) قالوا: ومأخذ هذا: أن الزوج لما استعجل ما أجل الله، عوقب بنقيض قصده، فحرمت عليه على التأبيد، كالقاتل يحرم الميراثَ. وقد روى الشافعي هذا الأثر عن مالك. قال البيهقي: وذهب إليه في القديم ورجع عنه في الجديد، لقول علي: إنها تحل له. قلت: ثم هو منقطع عن عمر. وقد روى الثوري، عن أشعث، عن الشعبي، عن مسروق: أن عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها، وجعلهما يجتمعان. (البقرة: 235) 115 - قال ابن أبي حاتم: ذكر عن ابن لهيعة، حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ولي عقدة النكاح الزوج". وهكذا أسنده ابن مردويه من حديث عبد الله بن لهيعة، به. وقد أسنده ابن جرير، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره، (¬3) ولم يقل: عن أبيه، عن جده (¬4) فالله أعلم. (البقرة: 237) 116 - عن أم فَرْوَة - وكانت ممن بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر الأعمال، فقال: "إن أحب الأعمال إلى الله تعجيلُ الصلاة لأول وقتها". ¬

(¬1) من تزوج امرأة في عدتها ودخل بها. (¬2) الموطأ (2/ 535). (¬3) تفسير الطبري (5/ 157). ونقل أحمد شاكرعن البيهقي قوله: (وهذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتج به، والله أعلم). (¬4) ورواه الدارقطني في السنن (3/ 279) من طريق قتيبة عن ابن لهيعة به، وذكر البيهقي في السنن الكبرى (7/ 251) وقال: "هذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتج به، والله أعلم".

وهكذا رواه أبو داود، والترمذي (¬1) وقال: لا نعرفه إلا من طريق العمري، وليس بالقوي عند أهل الحديث. (البقرة: 238) 117 - عن الزبرقان أن رهطًا من قريش مر بهم زيد بن ثابت، وهم مجتمعون، فأرسلوا إليه غلامين لهم؛ يسألانه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي العصر. فقام إليه رجلان منهم فسألاه، فقال: هي الظهر. ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه، فقال: هي الظهر؛ إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فأنزل الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قال: فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليَنْتَهيَنَّ رجال أو لأحرقن بيوتهم". (¬2) الزبرقان هو ابن عمرو بن أمية الضمري، لم يدرك أحدا من الصحابة. والصحيح ما تقدم من روايته، عن زهرة بن معبد، وعروة بن الزبير (¬3). (البقرة: 238) 118 - طريق أخرى، بل حديث آخر: وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا سليمان بن أحمد الجرشي الواسطي، حدثنا الوليد بن مسلم. قال: أخبرني صدقة بن خالد، حدثني خالد بن دهقان، عن خالد بن سبلان، (¬4) عن كهيل بن حرملة. قال: سئل أبو هريرة عن الصلاة الوسطى، فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم فيها، ونحن بفناء بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفينا الرجل الصالح: أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقال: أنا أعلم لكم ذلك: فقام فاستأذن على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل عليه، ثم خرج إلينا ¬

(¬1) المسند (6/ 274) وسنن أبي داود برقم (426) وسنن الترمذي برقم (170). (¬2) المسند (5/ 206). (¬3) أي يروي الحديث عن زهرة بن معبد وعروة بن الزبير عن زيد بن ثابت رضي الله عنه. (¬4) وقال أحمد شاكر (الطبري (5/ 191)): (سبلان: بفتح السين المهملة والباء الموحدة وتخفيف اللام، كما ضبطه ابن ماكولا، فيما نقل عنه ابن عساكر، وكما في المشتبه للذهبي، ص: 256. وهو لقب لخالد هذا، لقب به لعظم لحيته. وذكر الحافظ في التهذيب3: 87، في شيوخ"خالد بن دهقان"، باسم"خالد بن عبد الله سبلان". فيكون"سبلان" لقب خالد، كما بينا ..... وثبت اسمه على الصواب في ابن كثير، إذ نقله عن هذا الموضع من الطبري، ولكن زيد فيه"بن" بين الاسم واللقب. والظاهر أنه من تصرف الناسخين).

فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر. (¬1) غريب من هذا الوجه جدًا. (البقرة: 238) ... 119 - عن إبراهيم بن يزيد الدمشقي قال: كنت جالسًا عند عبد العزيز بن مروان فقال: يا فلان، اذهب إلى فلان فقل له: أي شيء سمعت من رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في الصلاة الوسطى؟ فقال رجل جالس: أرسلني أبو بكر وعمر - وأنا غلام صغير - أسأله عن الصلاة الوسطى، فأخذ إصبعي الصغيرة فقال: هذه الفجر، وقبض التي تليها، فقال: هذه الظهر. ثم قبض الإبهام، فقال: هذه المغرب. ثم قبض التي تليها، فقال: هذه العشاء. ثم قال: أي أصابعك بقيت؟ فقلت: الوسطى. فقال: أي الصلاة بقيت؟ فقلت: العصر. فقال: هي العصر. (¬2) غريب أيضًا جدًا (¬3). (البقرة: 238) 120 - وقيل: إن الصلاة الوسطى هي صلاة المغرب. رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. وفي إسناده نظر؛ فإنه رواه عن أبيه، عن أبي الجُمَاهر عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عمه، عن ابن عباس قال: صلاة الوسطى: المغرب. وحكى هذا القول ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب وحكي أيضاً عن قتادة على اختلاف عنه. ووجه هذا القول بعضهم بأنها: وسطى في العدد بين الرباعية والثنائية، وبأنها وتر المفروضات، وبما جاء فيها من الفضيلة، والله أعلم .... وقيل: بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس، رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر، وفي صحته أيضاً نظر والعجب أن هذا القول اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النَّمري، إمام ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكبر، إذ اختاره - مع اطلاعه وحفظه - ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر. (البقرة: 238) 121 - عن أبي عثمان النهدي، قال: أتيت أبا هريرة فقلت له: إنه بلغني أنك تقول: إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة. فقال: وما أعجبك من ذلك؟ لقد سمعته ¬

(¬1) تفسير الطبري (5/ 191). وضعفه أحمد شاكر. (¬2) تفسير الطبري (5/ 196). قال أحمد شاكر: (هذا إسناد مجهول - عندي على الأقل؟). (¬3) الموجود في طبعة مؤسسة الريان (1/ 382) غريب أيضا جدا، بخلاف الموجود في طبعة السلامة (1/ 654) غريب أيضا.

من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة". (¬1) هذا حديث غريب، وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير. (البقرة: 245) 122 - عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء". ثم قرأ ابن عمر: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ} (¬2) وهذا إسناد ضعيف فإن يحيى بن سعيد هذا هو أبو زكريا العطار الحمصي وهو ضعيف جدًّا. (البقرة: 251) 123 - عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله عز وجل ما دام فيهم". (¬3) وهذا أيضًا غريب ضعيف لما تقدم أيضا. (البقرة: 251) 124 - 125 - عن ثوبان - رفع الحديث - قال: "لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتى يأتي أمر الله". (¬4) وقال ابن مردويه أيضًا: ... عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض، وبهم تمطرون وبهم تنصرون" قال قتادة: إني لأرجو أن يكون الحسن منهم. (¬5) (وهذان الحديثان ضعيفان، وإسناد كل منهما لا يثبت). (¬6) (البقرة: 251) 126 - قال الحاكم أبو عبد الله في مستدركه: ... عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه! آية ¬

(¬1) المسند (2/ 296). وضعفه الألباني في الضعيفةح (3975). (¬2) تفسير الطبري (5/ 374). وضعفه الألباني في الضعيفةح (815)، وضعيف الجامع ح (3574). (¬3) تفسير الطبري (5/ 375). وضعفه أحمد شاكر. (¬4) ورواه عبد الرزاق في المصنف برقم (20457) عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا. (¬5) ورواه الطبراني في المعجم الكبير، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (5057). فائدة: قال الإمام ابن القيم في المنار المنيف (ص136): "أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والاوتاد كلها باطلة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقرب ما فيها: "لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم البدلا، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر" ذكره أحمد ولا يصح أيضا، فإنه منقطع". (¬6) ما بين القوسين موجود في طبعة السلامة فقط (1/ 672).

الكرسي". (¬1) وكذا رواه من طريق أخرى عن زائدة عن حكيم بن جبير ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه كذا قال، وقد رواه الترمذي من حديث زائدة [به] ولفظه: "لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي". ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم فيه شعبة وضعفه. قلت: وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد من الأئمة وتركه ابن مهدي وكذبه السعدي. (البقرة: 255) 127 - عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ دُبُر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت". وهكذا رواه النسائي في "اليوم والليلة" عن الحسين بن بشر به (¬2) وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث محمد بن حِمْير وهو الحمصي من رجال البخاري أيضًا فهو إسناد على شرط البخاري، وقد زعم أبو الفرج بن الجوزي أنه حديث موضوع (¬3) فالله أعلم. وقد روى ابن مردويه من حديث علي والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله نحو هذا الحديث. ولكن في إسناد كل منها ضعف. (البقرة: 255) 128 - عن أبي موسى الأشعري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام أن اقرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة فإنه من يقرؤها في دبر كل صلاة مكتوبة أجعلْ له قلب الشاكرين ولسان الذاكرين وثواب المنيبين وأعمال الصديقين ولا يواظب على ذلك إلا نبي أو صديق أو عبد امتحنتُ قلبه للإيمان أو أريد ¬

(¬1) المستدرك (2/ 259). وقال الألباني في الضعيفة ح (1348): (وبالجملة فالحديث ضعيف، غير أن طرفه الأول قد وجد ما يشهد له من حديث عبد الله بن مسعود، وهو مخرج في " الصحيحة " برقم (588)). (¬2) سنن النسائي الكبرى رقم (9928).وصحح المنذري والألباني الحديث. صحيح الترغيب ح (1595). (¬3) الموضوعات (1/ 244). قال ابن حجر: غفل ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وهذا من السمج ما وقع له. نقلا من تذكرة الموضوعات للفتني.

قتله في سبيل الله" (¬1) ... وهذا حديث منكر جدًّا. (البقرة: 255) 129 - قال أبو عيسى الترمذي: ... عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ: {حم} المؤمن إلى: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح" ثم قال: هذا حديث غريب وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مُلَيْكة المليكي من قبل حفظه (¬2). (البقرة: 255) 130 - 131 - وقد ورد في فضيلتها أحاديث أخر، تركناها اختصارًا لعدم صحتها وضعف أسانيدها كحديث على في قراءتها عند الحجامة: أنها تقوم مقام حجامتين. وحديث أبي هريرة في كتابتها في اليد اليسرى بالزعفران سبع مرات، وتلحس للحفظ وعدم النسيان، أوردهما ابن مروديه، وغير ذلك. (البقرة: 255) 132 - عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: {لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} أن موسى عليه السلام سأل الملائكة هل ينام الله عز وجل؟ فأوحى الله إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا فلا يتركوه ينام ففعلوا ثم أعطوه قارورتين فأمسكهما ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما. قال: فجعل ينعس وهما في يده في كل يد واحدة قال: فجعل ينعس وينبه وينعس وينبه حتى نعس نعسة فضرب إحداهما بالأخرى فكسرهما قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله عز وجل يقول: فكذلك السموات والأرض في يديه. وهكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق فذكره. (¬3) هو من أخبار بني إسرائيل وهو مما يعلم أن موسى عليه السلام ¬

(¬1) وفيه محمد بن الحسن النقاش، قال البرقاني كل حديثه منكر. وقال الخطيب: حديثه مناكير. وروى نحوه من حديث جابر رضي الله عنه لكنه ضعيف. (¬2) سنن الترمذي (2879). (¬3) تفسير الطبري (5/ 393). قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 41): (ولا يثبت هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغلط من رفعه والظاهر أن عكرمة رأى هذا في كتب اليهود فرواه فما يزال عكرمة يذكر عنهم أشياء لا يجوز ان يخفى هذا على نبي الله عز وجل وقد روى عبد الله بن احمد بن حنبل في كتاب السنة عن سعيد بن جبير قال ان بني اسرائيل قالوا لموسى عليه السلام هل ينام ربنا وهذا هو الصحيح فإن القوم كانوا جهالا بالله عز وجل).

لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل وأنه منزه عنه. (البقرة: 255) 133 - وأغرب من هذا كله الحديث الذي رواه ابن جرير: ... عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر، قال: "وقع في نفس موسى: هل ينام الله؟ فأرسل الله إليه ملكًا فأرقه ثلاثًا ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما". قال: "فجعل ينام تكاد يداه تلتقيان فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان" قال: "ضرب الله له مثلا عز وجل: أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض". (¬1) وهذا حديث غريب جدا والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع، والله أعلم (البقرة: 255) 134 - عن ابن عباس قال: سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قول الله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} قال: "كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل". كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس، فذكره وهو غلط، وقد رواه وَكِيع في تفسيره: ... عن ابن عباس قال: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره. وقد رواه الحاكم في مستدركه ... عن ابن عباس موقوفًا مثله، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظُهَيْر الفزاري الكوفي - وهو متروك - عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا، ولا يصح أيضًا. (البقرة: 255) 135 - 136 - عن عبد الله بن خليفة عن عمر، رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة. قال: فعظم الرب تبارك وتعالى وقال: "إن كرسيه وسع السموات والأرض وإن له أطيطًا كأطيط الرَّحل الجديد من ثقله". (¬2) وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور وعبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما والطبراني وابن أبي عاصم في كتابي السنة لهما والحافظ الضياء في كتاب "المختار" من حديث أبي إسحاق السبيعي عن عبد الله بن خليفة وليس بذاك المشهور وفي ¬

(¬1) تفسير الطبري (5/ 394)، قال الحافظ ابن كثير في تفسير (فاطر: 41): (والظاهر أن هذا الحديث ليس بمرفوع، بل من الإسرائيليات المنكرة فإن موسى عليه السلام أجَلّ من أن يُجَوّز على الله سبحانه وتعالى النوم). (¬2) ورواه من طريقه الضياء المقدسي في المختارة رقم (151).

سماعه من عمر نظر ثم منهم من يرويه عنه عن عمر موقوفًا ومنهم من يرويه عنه مرسلا ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة ومنهم من يحذفها. (¬1) وأغرب من هذا حديث جبير بن مطعم في صفة العرش كما رواه أبو داود في كتابه السنة من سننه، والله أعلم (¬2) وقد روى ابن مردويه وغيره أحاديث عن بريدة وجابر وغيرهما في وضع الكرسي يوم القيامة لفصل القضاء، والظاهر أن ذلك غير المذكور في هذه الآية ... وقال: وقد اعتمد ابن جرير على حديث عبد الله بن خليفة، عن عمر في ذلك وعندي في صحته نظر والله أعلم. (البقرة: 255) 137 - عن عمران بن حصين، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أرسل بنفقة في سبيل الله، وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة ومن غزا في سبيل الله، وأنفق في جهة ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم". ثم تلا هذه الآية: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} وهذا حديث غريب. (¬3) (البقرة: 261) 138 - عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا - أو كدوحا - في وجهه". قالوا: يا رسول الله، وما غناه؟ قال: "خمسون درهما، أو حسابها من الذهب".وقد رواه أهل السنن الأربعة، من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي. (¬4) وقد تركه شعبة بن الحجاج، وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث. (البقرة: 273) ¬

(¬1) ضعفه أحمد شاكر كما في الطبري (5/ 400)، والألباني في الضعيفةح (4978) من جميع طرقه وأشار أنه فيه ثلاث علل. فراجعها. (¬2) قَالَ جبير بن مطعم: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ جُهِدَتِ الأَنْفُسُ وَضَاعَتِ الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيْحَكَ أَتَدْرِى مَا تَقُولُ» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِى وُجُوهِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ «وَيْحَكَ إِنَّهُ لاَ يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَانُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَيْحَكَ أَتَدْرِى مَا اللَّهُ إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ لَهَكَذَا». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ».رواه أبو داود ح (4726) وضعفه الألباني في الضعيفة (2639). (¬3) ورواه ابن ماجة في السنن برقم (2761) عن هارون بن عبد الله به. (¬4) المسند (1/ 388) وسنن أبي داود برقم (1626) وسنن الترمذي برقم (650) وسنن النسائي (5/ 97) وسنن ابن ماجة برقم (1840). وصححه الألباني في الصحيحة ح (499).

139 - عن عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر، عن أبيه قال: كان لعلي أربعة دراهم، فأنفق درهمًا ليلا ودرهمًا نهارًا، ودرهمًا سرًا، ودرهما علانية، فنزلت: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سِرًّا وَعَلانِيَةً} وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف. (البقرة: 274) 140 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم. فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا". ورواه الإمام أحمد، عن حسن وعفان، كلاهما عن حماد بن سلمة، به. (¬1) وفي إسناده ضعف. (البقرة: 275) 141 - عن أبي إسحاق الهمداني، عن أم يونس - يعني امرأته العالية بنت أيفع - أن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت لها أم محبة أم ولد لزيد بن أرقم -: يا أم المؤمنين، أتعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم. قالت: فإني بعته عبدًا إلى العطاء بثمانمائة، فاحتاج إلى ثمنه، فاشتريته قبل محل الأجل بستمائة. فقالت: بئس ما شريت! وبئس ما اشتريت! أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن لم يتب قالت: فقلت: أرأيت إن تركت المائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم، {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}. وهذا الأثر مشهور، وهو دليل لمن حرم مسألة العينة، مع ما جاء فيها من الأحاديث المقررة في كتاب الأحكام، ولله الحمد والمنة ... وبعدها نقل ابن كثير عن السهيلي أنه قال: ولكن هذا إسناده إلى عائشة ضعيف. (البقرة: 275) 142 - وقد رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الملك بن إسحاق (¬2) عن عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن أيوب، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن العبد إذا تصدق من طيب، يقبلها الله منه، فيأخذها بيمينه، ويُرَبِّيها كما يربي ¬

(¬1) سنن ابن ماجة برقم (2273) والمسند (2/ 353). وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه (496)، وضعيف الجامع (133). (¬2) قال أحمد شاكر في الطبري (6/ 19): (وقد انفرد ابن كثير بشيء لا أدري ما هو؟ ذكر أنه"رواه ابن جرير، عن محمد بن عبد الملك بن إسحق"!! ولم أجد في الرواة من يسمى بهذا. فلا أدري أهو سهو منه، أم تخليط من الناسخين؟).

أحدكم مُهْره أو فصيله وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله - أو قال: في كف الله - حتى تكون مثل أحد، فتصدقوا". (¬1) وهكذا رواه أحمد، عن عبد الرزاق. وهذا طريق غريب صحيح الإسناد، ولكن لفظه عجيب، والمحفوظ ما تقدم. (البقرة: 276) 143 - عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كان له على رجل حق فأخره كان له بكل يوم صدقة". (¬2) غريب من هذا الوجه وقد تقدم عن بريدة نحوه. (البقرة: 280) 144 - عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أول من جحد آدم، عليه السلام، أن الله لما خلق آدم، مسح ظهره فأخرِج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة، فجعل يعرض ذريته عليه، فرأى فيهم رجلا يَزْهر، فقال: أي رب، من هذا؟ قال: هو ابنك داود. قال: أي رب، كم عمره؟ قال: ستون عامًا، قال: رب زد في عمره. قال: لا إلا أن أزيده من عمرك. وكان عمر آدم ألف سنة، فزاده أربعين عامًا، فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة، فلما احتُضر آدم وأتته الملائكة قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عامًا، فقيل له: إنك قد وهبتها لابنك داود. قال: ما فعلت. فأبرز الله عليه الكتاب، وأشهد عليه الملائكة". (¬3) وحدثنا أسود بن عامر، عن حماد بن سلمة، فذكره، وزاد فيه: "فأتمها الله لداود مائة، وأتمها لآدم ألف سنة". وكذا رواه ابن أبي حاتم، عن يوسف بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي، عن حماد بن سلمة به. هذا حديث غريب جدا، وعلي بن زيد بن جُدعان في أحاديثه نكارة. (البقرة: 282) 145 - عن أمية قالت: سألت عائشة عن هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها فقال: "هذه مبايعة الله العبد، وما يصيبه من الحمى، والنَّكبة، والبضاعة يضعها في يد كمه، فيفتقدها فيفزع لها، ثم يجدها في ضِبْنِه، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج ¬

(¬1) المسند (2/ 404). وقال أحمد شاكر في الطبري (6/ 19): (ولسنا نرى في هذا اللفظ عجبا، ولا في الإسناد غرابةّ! وهو صحيح على شرط الشيخين). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/ 209). (¬2) المسند (4/ 442). (¬3) المسند (1/ 251).

التبر الأحمر". وكذا رواه الترمذي، وابن جرير من طريق حماد بن سلمة، به. (¬1) وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديثه. قلت: وشيخه علي بن زيد بن جُدْعان ضعيف، يغرب في رواياته وهو يروي هذا الحديث عن امرأة أبيه: أم محمد أمية بنت عبد الله، عن عائشة، وليس لها عنها في الكتب سواه. (البقرة: 284) 146 - قال أبو عيسى الترمذي: ... عن النعمان بن بشير، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان". ثم قال: هذا حديث غريب. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. (¬2) (البقرة: 285) 147 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه". وقد روي من طُرُق أخَرَ وأعله أحمد وأبو حاتم (¬3) والله أعلم. (البقرة: 285) (1/ 741) ¬

(¬1) سنن الترمذي رقم (2991)، والطبري (6/ 117).وذكره الألباني في ضعيف الترغيب ح (2000). (¬2) سنن الترمذي (2882)، والمستدرك (1/ 562). وضعفه أبو إسحق الحويني في مجلة التوحيدعدد (8) عام2000، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وصحيح الترغيب ح (1467). (¬3) العلل لابن أبي حاتم (1/ 431)،والعلل للإمام أحمد (1/ 227) وانظر في تفصيل الكلام على الحديث وعلته: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب (2/ 361) ط. الرسالة، وفتح الباري للحافظ ابن حجر (5/ 161). فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (1/ 314): " وقال أبى: (لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من عطاء. إنما سمعه من رجل لم يسمعه. أتوهم أنه عبد الله بن عامر أو إسماعيل بن مسلم ولا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده)، وصحح الألباني الحديث في الإرواء (1/ 124) ح (82).

سورة آل عمران

سورة آل عمران 148 - عن أبي غالب قال: سمعت أبا أمامة يحدث، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} قال: "هم الخوارج"، وفي قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}. [آل عمران: 106] قال: "هم الخوارج". وقد رواه ابن مردويه من غير وجه، عن أبي غالب، عن أبي أمامة مرفوعا، فذكره (¬1) وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفًا من كلام الصحابي، ومعناه صحيح؛ فإن أوّل بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج. (آل عمران: 7) 149 - عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا أخاف على أمّتي إلا ثلاث خلال: أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله، {وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ]} الآية، وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالون عليه " (¬2) غريب جدا. (آل عمران: 7) 150 - عن أبي سلمة قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "نزل القرآن على سبعة أحرف، والمِرَاءُ في القرآن كفر - ثلاثًا - ما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه". وهذا إسناد صحيح، ولكن فيه علة بسبب قول الراوي: "لا أعلمه إلا عن أبي هريرة" (¬3). (آل عمران: 7) 151 - عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرًا ما يدعو: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك"، قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء. ¬

(¬1) أحمد في المسند (5/ 262) ورواه الطبراني في الكبير (8/ 325) وابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 60) من طريق أبي غالب به. (¬2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 128): (رواه الطبراني في الكبير وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش، عن أبيه ولم يسمع من أبيه). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب ح (84). (¬3) أبو يعلى في المسند برقم (6016) ومن طريقه رواه ابن حبان في صحيحه (1/ 146) "الإحسان" ورواه أحمد في المسند (2/ 178) والنسائي في الكبرى (5/ 33) من طريق أنس بن عياض به. وليس في رواية النسائي الشك "لا أعلمه". وصححه الألباني في شرح الطحاويةح (218).

فقال: "ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه، أما تسمعين قوله: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}. (¬1) غريب من هذا الوجه، ولكن أصله ثابت في الصحيحين (¬2)، وغيرهما من طرق كثيرة بدون زيادة ذكر هذه الآية الكريمة. (آل عمران: 8) 152 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "القِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ ألْف أوقيَّةٍ، كُلُّ أوقِيَّةٍ خَيْر مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ". وقد رواه ابن ماجة، ... عن حماد ابن سلمة، به. وقد رواه ابن جرير ... عن أبي صالح، عن أبي هريرة موقوفا، وهذا أصح. وهكذا رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل وابن عمر. وحكاه ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة وأبي الدرداء، أنهم قالوا: القنطار ألف ومائتا أوقية. (¬3) (آل عمران: 14) 153 - عن زِرّ بن حُبَيْش عن أبيّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "القِنْطَارُ ألْفُ أوقِيَّةٍ ومائَتَا أوقِيَّةٍ". وهذا حديث منكر أيضًا، والأقربُ أن يكون موقوفا على أبي ¬

(¬1) وفي إسناده سعيد بن بشير وهو ضعيف، وقد تفرد بزيادة هذه الآية، ورواه أحمد في المسند (6/ 251) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أم محمد عن عائشة به، وليس فيه زيادة هذه الآية. (¬2) الحديث عند مسلم فقط حديث رقم (2654) ولا يوجد في البخاري. (¬3) المسند (2/ 363) وابن ماجة في السنن برقم (3660) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (663) "موارد". ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره (6/ 244) موقوفا. وقال الألباني في الضعيفةح (4076): (وجملة القول؛ أن الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلي الله عليه وسلم بأي لفظ من الألفاظ المتقدمة؛ لشدة الاختلاف بينها، ووهاء أسانيدها، والاختلاف في رفعها ووقفها ووصلها وإرسالها، وهو ما يشعر به صنيع الحافظ ابن جرير؛ فإنه بعد أن ساق الأحاديث المتقدمة، وبعض الآثار الموقوفة والمقطوعة، والخلاف في تفسير الآية المذكورة (والقناطير ...) قال: "فالصواب في ذلك أن يقال: هو المال الكثير ... وقد قيل ما قبل مما روينا". فاعتمد في تفسير الآية على المعنى اللغوي، ولم يلتفت إلى شيء من تلك الأحاديث التي رواها؛ لما ذكرنا من عللها ووهائها).

بن كعب، كغيره من الصحابة. (¬1) (آل عمران: 14) 154 - وقال ابن أبي حاتم: ... عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: [القنطار] ملء مَسْك الثور ذهبا. قال أبو محمد: ورواه محمد بن موسى الحرشي، عن حماد بن زيد، مرفوعا. والموقوف أصح. (¬2) (آل عمران: 14) 155 - عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَهَلِ الدِّينُ إلا الْحُبُّ والْبُغْضُ؟ قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}. قال أبو زُرْعَة: عبد الأعلى هذا منكر الحديث. (آل عمران: 32) 156 - وكذا ما رواه الزبير بن بكار في كتاب النسب: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقّ عن ولده إبراهيم يوم سابعه وسماه إبراهيم. فإسناده لا يثبت، وهو مخالف لما في الصحيح ولو صح لَحُمِل على أنه أشْهَرَ اسمَه بذلك يومئذ، والله أعلم. (¬3) (آل عمران: 36) 157 - وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثا غريبًا جدا فقال: ... عن ابن العاص - لا يدري عبد الله أو عمرو - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} قال: ثم تناول شيئا من الأرض فقال: "كان ذكره مثل هذا". (¬4) ثم قال ابن أبي حاتم: ... عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: ليس أحد من خلق الله لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا، ثم قرأ سعيد: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} ثم أخذ شيئا من الأرض فقال: الحصور ما كان ذكره مثل ذي، وأشار يحيى بن سعيد القطان بطرف إصبعه السبابة. فهذا موقوف وهو أقوى إسنادًا من المرفوع، بل وفي صحة المرفوع نظر، والله ¬

(¬1) تفسير الطبري (6/ 245) وفي إسناده مخلد بن عبد الواحد، ضعفه أبو حاتم، وقال ابن حبان: "منكر الحديث جدا". (¬2) تفسير ابن أبي حاتم (2/ 115) ورواه الطبري في تفسيره (6/ 248) من طريق سعيد الجريري عن أبي نضرة موقوفا. (¬3) وقال ابن القيم، رحمه الله، في كتابه "تحفة المودود في أحكام المولود" ص 67 بعد ما ساق قول الزبير بن بكار عن أشياخه: "هكذا قال الزبير وسماه يوم سابعه، والحديث المرفوع أصح من قوله وأولى" (¬4) تفسير ابن أبي حاتم (2/ 241) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (11/ 561) من طريق يحيى بن سعيد به.

سبحانه وتعالى أعلم. (آل عمران: 39) 158 - وقد روى البيهقي في دلائل النبوة قصَّة وَفْد نَجْران مطولة جدًا، ولنذكره فإن فيه فوائدَ كثيرة، وفيه غرابة وفيه مناسبة لهذا المقام، قال البيهقي: قال يونس - وكان نصرانيا فأسلم -: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان: "بِاسْم إلَهِ إِبْرَاهِيمَ وإسْحَاقَ ويَعْقُوبَ، مِنْ مُحَمَّدٍ الَّنِبيِّ رَسُولِ اللهِ إلَى أسْقف نَجْرانَ وأهْلِ نَجْرانَ سِلْم أَنْتُم، فإنِّي أحْمَدُ إلَيْكُمْ إلَهَ إبْرَاهِيمَ وإِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ. أَمَّا بَعْدُ، فإنِّي أَدْعُوكُم إلَى عِبَادَةِ اللهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ، وأدْعُوكُمْ إلَى وِلايَةِ اللهِ مِنْ وِلايَةِ الْعِبَادِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةُ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ آذَنْتُكُمْ بِحَرْبٍ والسَّلامُ". فلما أتى الأسقف الكتاب فقرأه فَظعَ به، وذَعَره ذُعرًا شديدًا، وبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له: شُرَحْبيل بن وَداعة - وكان من هَمْدان ولم يكن أحد يُدْعَى إذا نزلت مُعْضلة قَبْلَه، لا الأيهم ولا السِّيد ولا العاقب - فدفع الأسْقُفُ كتابَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شُرَحْبيل، فقرأه، فقال الأسقف: يا أبا مريمَ، ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة، فما يُؤْمنُ أن يكون هذا هو ذاك الرجل، ليس لي في النبوة رأي، ولو كان أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأيي، وجَهِدتُ لك، فقال له الأسقف: تَنَحَّ فاجلس. فَتَنَحَّى شرحبيل فجلس ناحية، فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران، يقال له: عبد الله بن شرحبيل، وهو من ذي أصبح من حمْير، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل، فقال له الأسقف: فاجلس، فتَنَحى فجلس ناحية. وبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران، يقال له: جبار بن فيض، من بني الحارث بن كعب، أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب، وسأله عن الرأي فيه؟ فقال له مثل قول شُرَحبيل وعبد الله، فأمره الأسقف فتنحى فجلس ناحية. فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعًا، أمر الأسقف بالناقوس فضُرب به، ورُفعت النيران والمسوح في الصوامع، وكذلك كانوا يفعلون إذا فَزعوا بالنهار، وإذا كان فزعُهم ليلا ضربوا بالناقوس، ورفعت النيران في الصوامع، فاجتمعوا حين ضرب بالناقوس ورفعت المسوح أهل الوادي أعلاه وأسفله - وطولُ الوادي مَسِيرة يوم للراكب السريع، وفيه

ثلاث وسبعون قرية، وعشرون ومائة ألف مقاتل. فقرأ عليهم كتابَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسألهم عن الرأي فيه، فاجتمع رأيُ أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن ودَاعة الهمداني، وعبد الله ابن شُرَحبيل الأصبحي، وجبار بن فيض الحارثي، فيأتونهم بخبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم، ولبسوا حُلَلا لهم يجرونها من حبرة، وخواتيم الذهب، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسلموا عليه، فلم يرد عليهم وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب. فانطلقوا يتبعون عثمان ابن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وكانا مَعْرفة لهم، فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس، فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن، إن نبيكم كتب إلينا بكتاب، فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا، وتصدينا لكلامه نهارا طويلا فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأي منكما، أترون أن نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب - وهو في القوم -: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال عَليّ لعثمان ولعبد الرحمن: أرى أن يضعوا حُللهم هذه وخواتيمهم، ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودا إليه. ففعلوا فسلموا، فرد سلامهم، ثم قال: "والَّذِي بَعَثَنِي بِالحَقِّ لَقَدْ أَتَوْنِي الْمرَّةَ الأولَى، وإنَّ إبْلِيسَ لَمَعَهُم" ثم ساءلهم وساءلوه، فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى، فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى، يسرنا إن كنت نبيا أن نسمع ما تقول فيه؟ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا عِنْدِي فِيهِ شِيء يَوْمِي هَذَا، فَأَقِيمُوا حَتَّى أُخْبِرَكُمْ بما يقول لي رَبِّي في عيسَى". فأصبح الغد وقد أنزل الله، عز وجل، هذه الآية: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى] الْكَاذِبِينَ} فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغد بعد ما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خَمِيل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة، وله يومئذ عدة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي وإني والله أرى أمرا ثقيلا والله لئن كان هذا الرجل ملكا

مبعوثا، فكنا أول العرب طعن في عينيه ورد عليه أمره، لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة، وإنا لأدنى العرب منهم جوارا، ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعَنَّاه لا يبقى على وجه الأرض منا شَعْر ولا ظُفُر إلا هلك. فقال له صاحباه: يا أبا مريم، فما الرأي؟ فقال: أرى أن أحكمه، فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا. فقالا له: أنت وذاك. قال: فلقي شرحبيلُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك. فقال: "وما هو؟ " فقال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح، فمهما حكمت فينا فهو جائز. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَلَّ وَرَاءكَ أحَدًا يَثْرِبُ عَلْيكَ؟ " فقال شرحبيل: سل صاحبي. فسألهما فقالا ما يرد الوادي ولا يَصْدرُ إلا عن رأي شرحبيل: فَرَجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يلاعنهم، حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب: "بِسْم الله الرحمنِ الرَّحِيم، هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ النَّبِي رَسُولُ اللهِ لِنَجْرَانَ - إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمَهُ - فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَكُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَودَاءَ وَرَقِيقٍ فَاضِلٍ عَلَيْهِمْ، وتَرْك ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمْ، عَلَى أَلْفَي حُلَّةٍ، فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ، وفِي كُلِّ صَفَرٍ ألْفُ حُلَّةٍ" وذكر تمام الشروط وبقية السياق. (¬1) (آل عمران: 61) 159 - عن الشعبي، عن جابر قال: قدم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العاقب والطيب، فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة. قال: فغدا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فَأَبَيَا أن يجيئا وأقَرَّا بالخراج، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي بَعَثَني بالْحَقِّ لَوْ قَالا: لا؛ لأمْطَرَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي نارًا" قال جابر: فيهم نزلت {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} قال جابر: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليّ بن أبي طالب {وَأَبْنَاءَنَا} الحسن والحسين {وَنِسَاءَنَا} فاطمة. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه، ... ثم قال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. (¬2) هكذا قال: وقد رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن المغيرة عن الشعبي مرسلا وهذا ¬

(¬1) دلائل النبوة للبيهقي (5/ 385). (¬2) المستدرك (2/ 593، 594) ورواه أبو نعيم في دلائل النبوة (2/ 593) من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر به.

أصح (¬1) وقد روي عن ابن عباس والبراء نحو ذلك. (آل عمران: 61) 160 - عن أبي الأحْمَس قال: لقيتُ أبا ذر، فقلتُ له: بلغني عنك أنك تُحدِّث حديثا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: أما إنه لا تَخَالُني أكذبُ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ما سمعته منه، فما الذي بلغك عني؟ قلتُ: بلغني أنك تقول: ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يَشْنَؤهم الله عز وجل. قال: قلته وسمعته. قلت: فمن هؤلاء الذين يحبهم الله؟ قال: الرجل يلقى العدوّ في فئة فينصب لهم نَحْرَه حتى يقتل أو يفتح لأصحابه. والقومُ يسافرون فيطول سراهم حتى يَحنُّوا أن يمسوا الأرض فينزلون، فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم. والرجلُ يكون له الجار يؤذيه فيصبر على أذاهُ حتى يفرق بينهما موت أو ظَعْن. قلت: ومن هؤلاء الذين يشنأ الله؟ قال: التاجر الحلاف - أوالبائع الحلاف - والفقير المختال، والبخيل المنان. (¬2) غريب من هذا الوجه. (آل عمران: 77) 161 - وقد ورد حديث في تفسير هذه الآية، على معنى آخر فيه غرابة، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: ... عن عطاء بن أبي رباح، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} أمَّا مَنْ فِي السَّمَاواتِ فَالْمَلائِكَةُ، وأمَّا مَنْ فِي الأرضِ فَمَنْ وُلِدَ عَلَى الإسْلامِ، وأمَّا كَرْهًا فَمَنْ أُتِي بِهِ مِنْ سَبَايا الأمَمِ فِي السَّلاسِلِ والأغْلالِ، يُقَادُونَ إلَى الْجَنَّةِ وَهُمْ كَارِهُونَ". (¬3) وقد ورد في الصحيح (¬4): "عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلاسِل" وسيأتي له شاهد من وجه آخر ولكن المعنى ¬

(¬1) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 310) من طريق شعبة به، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (14/ 549)، والطبري في تفسيره (6/ 468) من طريق جرير عن مغيرة عن الشعبي به مرسلا، ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (500) من طريق هشيم عن مغيرة عن الشعبي به مرسلا. (¬2) المسند (5/ 151). (¬3) المعجم الكبير للطبراني (11/ 194) وهنا سقط اسم ابن عباس، فالإسناد عنده: عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به. قال الهيثمي في المجمع (7/ 47): "فيه محمد بن محصن العكاشي وهو متروك". (¬4) صحيح البخاري (3010).

الأول للآية أقوى. (آل عمران: 83) 162 - وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا عباد بن راشد، حدثنا الحسن، حدثنا أبو هريرة، إذ ذاك ونحن بالمدينة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَجِيءُ الأعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتَجِيءُ الصَّلاةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّلاةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. فَتَجِيءُ الصَّدَقَةُ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَا الصَّدَقَةُ. فَيَقُولُ: إِنَّكِ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ يَجِيءُ الصِّيَامُ فَيَقُولُ: أَيْ يَا رَبِّ، أَنَا الصِّيَامُ. فَيَقُولُ: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ. ثُمَّ تَجِيءُ الأعْمَالُ، كُل ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تعالى: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، ثُمَّ يَجِيءُ الإسْلامُ فَيَقُولُ: يَا رَب، أَنْتَ السَّلامُ وَأَنَا الإسْلامُ. فَيَقُولُ اللَّهُ [تعالى]: إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ، بِكَ الْيَوْمَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي، قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}. تفرد به أحمد. قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد: عباد بن راشد ثقة، ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة. (¬1) (آل عمران: 85) 163 - فأما الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة في كتابه دلائل النبوة، (¬2) من طريق ابن لَهِيعة، عن يَزيد بن أبي حَبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: "بَعَثَ اللهُ جِبْرِيلَ إلَى آدَمَ وحَوَّاءَ، فَأمَرَهُمَا بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَبَنَاهُ آدَمُ، ثُمَّ أمَرَ بِالطَّوَافِ بِهِ، وَقِيلَ لَهُ: أنْتَ أوَّلُ النَّاسِ، وهَذَا أوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاسِ". فإنَّهُ كَمَا تَرَى مِنْ مُفْرَدَاتِ ابْنِ لَهِيعة، وهو ضعيف. والأشْبَهُ، والله أعلمُ، أن يكون هذا مَوْقُوفا على عبد الله بن عَمْرو. ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم الْيَرْمُوك، من كلام أهل الكتاب. (آل عمران: 96) 164 - وفي معنى هذا القول الحديثُ الذي رواه البيهقي: ... عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ دَخَلَ فِي حَسَنةٍ وَخَرَجَ مِنْ سَيِّئَةٍ، وَخَرَجَ مَغْفُورًا ¬

(¬1) المسند (2/ 362)، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 345): (فيه عباد بن راشد، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح). (¬2) دلائل النبوة للبيهقي (2/ 45)، وقال البيهقي: (تفرد به ابن لهيعة هكذا مرفوعا). وضعفه الألباني في الضعيفةح (1106).

له": ثم قال: تفرد به عبد الله بن المؤمل، وليس بقوي. (¬1) (آل عمران: 97) 165 - عن علِيّ قال: لما نزلت: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} قالوا: يا رسول الله، في كل عام؟ فسكت، قالوا: يا رسول الله، في كل عام؟ قال: "لا ولَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ". فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. وكذا رواه الترمذي، وابن ماجة، والحاكم، من حديث منصور بن وَرْدان، به: ثم قال الترمذي: حسن غريب. وفيما قال نظر؛ لأن البخاري قال: لم يسمع أبو البَخْتَرِيّ من عليّ. (¬2) (آل عمران: 97) 166 - قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا عَبْدُ بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا إبراهيم بن يزيد قال: سمعت محمَّد بن عَبَّاد بن جعفر يحدث عن ابن عمر قال: قام رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: مَن الحاجّ يا رسول الله؟ قال: "الشَّعثُ التَّفِل" فقام آخر فقال: أيّ الحج أفضل يا رسول الله؟ قال: "العَجُّ والثَّجُّ"، فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال: "الزَّادُ والرَّاحِلَة".وهكذا رواه ابن ماجة من حديث إبراهيم بن يزيد وهو الخُوزي. قال الترمذي: ولا نعرفه إلا من حديثه، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. كذا قال هاهنا. وقال في كتاب الحَجّ: هذا حديث حسن. (¬3) ولا يشك أن هذا الإسناد رجاله كلهم ثقات سوى الخوزي هذا، وقد تكلموا فيه من أجل هذا الحديث. لكن قد تابعه غيره، فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله العامري، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، عن محمد بن عباد بن جعفر قال: جلست إلى عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: ما السبيل؟ قال: "الزَّادُ والرِّحْلَة". وكذا رواه ابن مَرْدُويَه من رواية محمد بن ¬

(¬1) السنن الكبرى (5/ 158)، ورواه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 201)، والبزار في مسنده برقم (1161) من طريق عبد الله بن المؤمل به. وضعفه الألباني في الضعيفةح (1917). (¬2) المسند (1/ 113)، وسنن الترمذي برقم (3055)، وسنن ابن ماجة برقم (2884)، والمستدرك (2/ 294)، وضعفه أحمد شاكر في شرح المسند (رقم: 905): (إسناده ضعيف، لانقطاعه، ولضعف عبدالأعلى بن عامر الثعلبي)، وضعفه الألباني في الإرواء ح (980). (¬3) سنن الترمذي برقم (813)، (2998) وسنن ابن ماجة برقم (2896).

عبد الله بن عُبَيد بن عمير، به. ثم قال ابن أبي حاتم: وقد روي عن ابن عباس، وأنس، والحسن، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والربيع بن أنس، وقتادة - نحو ذلك. (¬1) وقد روي هذا الحديث من طُرُق أخَر من حديث أنس، وعبد الله بن عباس، وابن مسعود، وعائشة كُلها مرفوعة، ولكن في أسانيدها مقال كما هو مقرر في كتاب الأحكام، والله أعلم. وقد اعتنى الحافظ أبو بكر بن مَرْدُويه بجمع طرق هذا الحديث (¬2). (آل عمران: 97) 167 - وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر، أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود، أخبرنا مسلم بن إبراهيم وشَاذ بن فياض قالا أخبرنا هلال أبو هاشم الخُراساني، أخبرنا أبو إسحاق الهمداني، عن الحارث، عن علي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَحُجَّ بَيْتَ اللهِ، فَلا يَضُرُّهُ مَاتَ يَهُودِيّا أوْ نَصْرانِيّا، ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ قَالَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.ورواه ابن جرير من حديث مسلم بن إبراهيم، به. وهكذا رواه ابنُ أبي حاتم عن أبي زُرْعة الرازي: ... وقال: [هذا] حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال مجهول، والحارث يضعف في الحديث. (¬3) وقال البخاري: هلال هذا منكر الحديث. وقال ابن عَدِيّ: هذا الحديث ليس بمحفوظ. (آل عمران: 97) 168 - قال ابن أبي حاتم: ... عبد الله - هو ابن مسعود - {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قال: أن يُطاع فلا يُعْصَى، وأن يُذْكَر فلا يُنْسَى، وأن يُشْكَر فلا يُكْفَر. وهذا إسناد صحيح موقوف، وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود. ¬

(¬1) تفسير ابن أبي حاتم (2/ 422). (¬2) وقد جمع هذه الطرق وتكلم عليها الشيخ الألباني في كتابه: "إرواء الغليل" (4/ 160) ح (988) بما يكفي وانتهى إلى ضعف الحديث فأفاد وأجاد - رحمه الله -. (¬3) تفسير الطبري (7/ 41) وتفسير ابن أبي حاتم (2/ 421) وسنن الترمذي برقم (812). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (5860).ولكنه قد ورد بإسناد صحيح عن عمر من قوله قريبا منه كما قال ابن كثير في تفسيره (2/ 83)، والألباني في الضعيفةح (4641).

وقد رواه ابن مَرْدُويه ... عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أن يُطَاعَ فَلا يُعْصَى، وَيُشْكَرَ فَلا يُكْفَرَ، ويُذْكَر فَلا يُنْسَى". وكذا رواه الحاكم في مستدركه، ... عن ابن مسعود، مرفوعا فذكره. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (¬1) كذا قال. والأظهر أنه موقوف والله أعلم. ثم قال ابن أبي حاتم: ورُوي نحوهُ عن مُرة الهَمْداني، والربيع بن خُثَيم، وعمرو بن ميمون، وإبراهيم النَّخَعي، وطاووس، والحسن، وقتادة، وأبي سِنان، والسُّدِّي، نحوُ ذلك. (آل عمران: 102) 169 - وقال الحافظ أبو بكر البزّار: ... عن ثابت - وأحسبه - عن أنس قال: كان رجل من الأنصار مريضًا، فجاءه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعودُه، فوافقه في السوق فسلَّم عليه، فقال له: "كَيْفَ أنْتَ يَا فُلانُ؟ " قال بخير يا رسول الله، أرجو الله أخاف ذنوبي. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ إلا أعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وآمَنَهُ ممَّا يَخَافُ".ثم قال: لا نعلم رواه عن ثابت غير جعفر بن سليمان. وهكذا رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة من حديثه، ثم قال الترمذي: غريب. وقد رواه بعضهم عن ثابت مرسلا. (¬2) (آل عمران: 102) 170 - عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وَعَدَنِي رَبِّي أنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي مِائَةَ ألْف". فقال أبو بكر: يا رسول الله، زدنا قال: "وهكذا" - وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك - قلت يا رسول الله، زدنا. فقال عمر: إن الله قادر أن يدخل الناس الجنة بِحَفْنَةٍ واحدة. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَ عُمَرُ". هذا حديث غريب من هذا الوجه وأبو ¬

(¬1) المستدرك (2/ 294). قال أبو إسحق الحويني: (لم أر أحدًا نسبه إلى الحاكم مرفوعًا، بل ذكره الزيلعي في (تخريج أحاديث الكشاف) (ق/38/ 1)، والسيوطي في (الدر المنثور) (2/ 59)، ونسباه إلى الحاكم موقوفًا، وقد أخرجه الحاكم كذلك (2/ 294) ... وصحَّح الحاكم الرواية الموقوفة على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير في (تفسيره) (2/ 71): (وهذا إسنادٌ صحيح موقوف)، والله أعلم. مجلة التوحيد، أسئلة القراء عن الأحاديث. (¬2) سنن الترمذي برقم (983) وسنن ابن ماجة برقم (4261) ورواه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" برقم (31) وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 268).وحسنه الألباني في الصحيحةح (1051).

هلال اسمه: محمد بن سُلَيْم الراسبي، بصري. (آل عمران: 110) 171 - عن ابن عباس، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ أُمَّتِي". (¬1) تفرد به خالد بن يزيد البَجَلي، وقد تكلم فيه ابن عَدِيّ. (آل عمران: 110) 172 - عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللهُ عَنْهُ عَذَابَهُ، وَمَنْ خزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنِ اعْتَذَرَ إلَى اللهِ قَبِلَ عُذْرَهُ" وهذا حديث غريب، وفي إسناده نظر. (¬2) (آل عمران: 134) 173 - عن أبي بكر، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "عَلَيْكُمْ بِلا إلَهَ إلا اللهُ والاسْتِغْفَار، فأكْثرُوا مِنْهُمَا، فإنَّ إبْليسَ قَالَ: أهْلَكْتُ النَّاسَ بالذُّنُوبِ، وأهْلَكُونِي بِلا إلَهَ إلا اللهُ والاسْتِغْفَار، فَلَمَّا رَأيْتُ ذَلِكَ أهْلَكْتُهُمْ بِالأهْوَاءِ، فَهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّهُم مُهْتَدُونَ". (¬3) عثمان بن مطر وشيخه ضعيفان. (آل عمران: 135) 174 - عن أنس قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، أَذْنَبْتُ ذَنْبًا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا أَذْنَبْتَ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ". [قال: فإني أستغفر، ثم أعود فأُذْنِب. قال فَإذا أَذْنَبْتَ فَعُدْ فَاسْتَغْفِرْ رَبَّكَ] " فقالها في الرابعة فقال: "اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ المحسُورُ". (¬4) وهذا حديث غريب من هذا الوجه. (¬5). (آل عمران: 135) 175 - عن ابن عباس أنه قال: ما نَصَرَ الله في مَوْطِن كما نصره يوم أحد. قال: ¬

(¬1) قال ابن عدي في الكامل (3/ 13): "أحاديثه كلها لا يتابع عليها لا إسنادا ولا متنا، ولم أر للمتقدمين فيه قولا، بل غفلوا عنه وهو عندي ضعيف". (¬2) قال الألباني: (وهذا إسناد ضعيف، أبو عمرو مولى أنس، لا يعرف، لم يزد ابن أبي حاتم في ترجمته على قوله (4/ 2/ 410): " روى عنه الربيع بن سليم ". انظر تخريجه كاملا في الصحيحةح (2360). (¬3) مسند أبي يعلى (1/ 124) قال الهيثمي في المجمع (10/ 207): "فيه عثمان بن مطر وهو ضعيف". وحكم عليه الألباني بالوضع في ظلال الجنةح (7). (¬4) مسند البزار برقم (3249) "كشف الأستار". (¬5) ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (7090) من طريق عمر بن أبي خليفة به. وقال الهيثمي في المجمع (10/ 201): "رواه البزار وفيه بشارة بن الحكم الضبي ضعفه غير واحد. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وبقية رجاله وثقوا".

فأنكرنا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتابُ الله، إن الله يقول في يوم أحد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} يقول ابن عباس: والحَسُّ: القتل {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} الآية وإنما عنى بهذا الرماة، وذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقامهم في موضع، ثم قال: "احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإنْ رَأيْتُمُونَا نقتل فَلا تَنْصُرُونَا وَإنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلا تُشْرِكُونَا. فلما غنم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأباحُوا عسكر المشركين أكبّت الرُّماة جميعا [ودخلوا] في العسكر ينهبون، ولقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُم هكذا - وشبك بين يديه - وانتشبوا، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضرب بعضهم بعضا والتبسوا، وقُتل من المسلمين ناس كثير، وقد كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أول النهار، حتى قُتِل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعةٌ، وجال المسلمون جَوْلَةً نحو الجبل ولم يبلغوا - حيث يقول الناس - الغار، إنما كان تحت المِهْراس، وصاح الشيطان: قُتل محمد، فلم يُشَك فيه أنه حق، فما زلنا كذلك ما نَشُك أنه حق، حتى طلع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين السعدين، نعرفه بتلفته إذا مشى - قال: ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا - قال: فَرَقِيَ نحونا وهو يقول: "اشتد غَضَبَ اللهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ". ويقول مرة أخرى: "اللَّهم إنه ليس لَهم أنْ يَعْلُونَا". حتى انتهى إلينا، فمكث ساعة، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل: اعْلُ هبل، مرتين - يعني آلهته - أين ابن أبي كَبْشة؟ أين ابن أبي قحَافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: يا رسول الله، ألا أجيبه؟ قال: "بلى" قال: فلما قال: اعل هبل. قال عمر: الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان: قد أنعمت عينها فعَادِ عنها أو: فَعَالِ! فقال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قُحَافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله، وهذا أبو بكر، وها أنا ذا عمر. قال: فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دُوَل، وإن الحرب سِجَال. قال: فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. قال: إنكم تزعمون ذلك، لقد خِبْنا إذا وخَسِرْنا ثم قال أبو سفيان: إنكم ستجدون في قتلاكم مثلة ولم يكن

ذلك على رأي سراتنا. قال: ثم أدركَتْه حَمِيَّة الجاهلية فقال: أما إنه إن كان ذلك لم نَكْرهْه. هذا حديث غريب، وسياق عجيب، وهو من مرسلات ابن عباس، فإنه لم يشهد أحُدًا ولا أبوه. وقد أخرجه الحاكم في مستدركه ... وهكذا رواه ابن أبي حاتم والبيهقي في دلائل النبوة، من حديث سليمان بن داود الهاشمي، به (¬1) ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها (آل عمران: 152) 176 - عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان أبو بكر، رضي الله عنه، إذا ذكر يوم أحد قال ذاك يوم كُله لطلحة، ثم أنشأ يحدث قال: كنت أول من فَاء يوم أحد، فرأيت رجلا يقاتل مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دونه - وأراه قال: حَميَّة فقال فقلت: كن طَلْحَةَ، حيث فاتني ما فاتني، فقلت: يكون رجلا من قومي أحب إلي، وبيني وبين المشركين رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منه، وهو يخطف المشي خطفا لا أحفظه فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح، فانتهينا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وقد كسرت رَبَاعِيتُه وشُجّ في وجهه، وقد دخل في وَجْنَته حلقتان من حِلَق المِغْفَر، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَليكُما صَاحِبَكُما". يريد طلحة، وقد نزف، فلم نلتفت إلى قوله، قال: وذهبت لأن أنزع ذلك من وجهه، فقال أبو عبيدة: أقسمت عليك بحقي لما تركتني. فتركته، فكره أن يتناولها بيده فيؤذي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأزَمَّ عليها بِفِيهِ فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثَنيَّته مع الحلقة، ذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، قال: ففعل مثل ما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة، رضي الله عنه، أحسن الناس هَتْما، فأصلحنا من شأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الجفار، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة ورَمْيَة وضربة، وإذا قد قُطعَتْ إصبعه، فأصلحنا من شأنه. ورواه الهيثم بن كُلَيب، والطبراني، من حديث إسحاق بن يحيى به. وعند الهيثم: فقال أبو عبيدة: أنشدك يا أبا بكر إلا تركتني؟ فأخذ أبو عبيدة السّهم بفيه، فجعل يُنَضْنِضَه كراهيةَ أن يؤذي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم اسْتل السهم بفيه فبدرت ثنية أبي عبيدة. وذكر تمامه، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه (¬2) ¬

(¬1) المسند (1/ 287، 288) والمستدرك (2/ 296) ودلائل النبوة للبيهقي (3/ 269، 270). (¬2) قال الهيثمي في المجمع (6/ 112): "فيه إسحاق بن يحيى وهو متروك".

وقد ضَعّف علي بن المديني هذا الحديث من جهة إسحاق بن يحيى هذا، فإنه تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان، وأحمد، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو زُرعة، وأبو حاتم، بن سعد، والنسائي وغيرهم. (آل عمران: 153) 177 - عن عائشة، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الله أمَرَنِي بِمُدَارَاةِ النَّاس كَمَا أمَرني بِإقَامَة الْفَرَائِضِ" حديث غريب. (¬1) (آل عمران: 159) 178 - عن أبي حُمَيد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "هَدَايا الْعُمَّالِ غُلُولٌ". (¬2) وهذا الحديث من أفراد أحمد وهو ضعيف الإسناد، وكأنه مختصر من الذي قبله، والله أعلم. (آل عمران: 161) 179 - عن سالم بن عبد الله، أنه كان مع مَسْلَمة بن عبد الملك في أرض الروم، فوُجِد في متاع رجل غُلُول. قال: فسأل سالمَ بْنَ عبد الله فقال: حدثني أبي عبدُ الله، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ وَجَدْتُمْ فِي مَتَاعِهِ غُلُولا فأحْرِقُوهُ": قال: وأحسبه قال: واضربوه قال: فأخرج متاعَه في السوق، فَوَجَد فيه مصحفا، فسأل سالم: بعهُ وَتَصَدَّقْ بثمنه. وهكذا رواه علي بن المديني، وأبو داود، والترمذي من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي - زاد أبو داود: وأبو إسحاق الفزاري - كلاهما عن أبي واقد الليثي الصغير صالح بن محمد بن زائدة، به. (¬3) وقد قال علي بن المديني، رحمه الله، والبخاري وغيرهما: هذا حديث منكر من رواية أبي واقد هذا. ¬

(¬1) علة الحديث بشر بن عبيد. قال عنه ابن عدي: منكر الحديث عن الأئمة. وساق له الذهبي أحاديث، منها هذا الحديث، ثم قال: "وهذه الأحاديث غير صحيحة فالله المستعان". وضعفه الألباني جدا في الضعيفة ح (810). (¬2) المسند (5/ 424). وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وَهُوَ مِنْ رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ يَحْيَى، وَهُوَ مِنْ رِوَايَة إِسْمَاعِيل عَنْ الْحِجَازِيِّينَ وَهِيَ ضَعِيفَة وَيُقَال إِنَّهُ اِخْتَصَرَهُ مِنْ حَدِيث الْبَاب كَمَا تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ فِي الْهِبَة، وَأَوْرَدَ فِيهِ قِصَّة اِبْن اللُّتْبِيَّة). وقال الهيثمي في المجمع (4/ 361): (رواه البزار من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهي ضعيفة). (¬3) المسند (1/ 22) وسنن أبي داود برقم (2713، 2714) وسنن الترمذي برقم (1461) وقال: "حديث غريب". وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية ح (690): (تفرد به صالح، وقال الدارقطني: أنكروا هذا الحديث على صالح، وهو حديث لم يتابع عليه، ولا أصل له من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

وقال الدارقطني: الصحيح أنه من فتوى سالم فقط، وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام [أحمد] بن حنبل، رحمه الله، ومن تابعه من أصحابه، وخالفه أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، والجمهور، فقالوا: لا يحرق متاع الغالّ، بل يعزر تعزير مثله. وقال البخاري: وقد امتنع رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصلاة على الغال، ولم يحرق متاعه، والله أعلم. (آل عمران: 161) 180 - وقال أبو بكر بن مَرْدُويه. حدثنا عبد الله بن جعفر من أصل كتابه، أنبأنا سَمويه، أنبأنا عبد الله بن الزبير، أنبأنا سفيان، أنبأنا هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنْ كَانَ أبَواك لَمن الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ والرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ: أبو بكر والزبير، رضي الله عنهما". (¬1) ورفْعُ هذا الحديث خطأ محض من جهة إسناده، لمخالفته رواية الثقات من وقْفه على عائشة كما قدمناه، ومن جهة معناه، فإن الزبير ليس هو من آباء عائشة، وإنما قالت عائشة لعروة بن الزبير ذلك لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم. (آل عمران: 172) 181 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا وَقَعْتُمْ فِي الأمْرِ العظيمِ فَقُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ". حديث غريب من هذا الوجه. (¬2) (آل عمران: 173) 182 - عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَسْقَلان أحد العروسين، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفًا لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسين ألفا شهداء وُفُودًا إلى الله، وبها صُفُوف الشهداء، رؤوسهم مُقَّطعة في أيديهم، تَثِجّ أوداجهم دما، يقولون: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} فيقول: صَدَق عبدي، اغسلوهم بنهر البيضة. فيخرجون منه نقاء بيضًا، فيسرحون في الجنة حيث ¬

(¬1) هذا الحديث لا يصح مرفوعا، إنما يصح موقوفا على عائشة، وقد روى ابن جرير في تفسيره (7/ 402) أن عائشة قالت ذلك أيضا لعبد الله بن الزبير بنفس هذا اللفظ. (¬2) ذكره السيوطي في الدر المنثور (2/ 390) وفي الجامع الصغير وعزاه إلى ابن مردويه، ورمز له المناوي بالضعف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (729).

شاؤوا". (¬1) وهذا الحديث يُعد من غرائب المسند، ومنهم من يجعله موضوعا، والله أعلم. (آل عمران: 194) 183 - عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "العار والتخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي الله، عز وجل، ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار" (¬2) حديث غريب. (آل عمران: 194) 184 - حديث آخر فيه غرابة (¬3): عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة. (¬4) مظاهر بن أسلم ضعيف. (آل عمران: 194) 185 - عن عَبْد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنما سُمّوا الأبرار لأنهم بَرّوا الآباء والأبناء، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حق". كذا رواه ابن مَرْدُويه عن عَبْد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا وقد قال ابن أبي حاتم: ... عن ابن عمر قال: إنما سماهم الله أبرارا لأنهم بَرّوا الآباء والأبناء، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حق، وهذا أشبه والله أعلم. (¬5). (آل عمران: 194) 186 - عن أبي أيوب، رضي الله عنه، قال: وقف علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "هل لكم إلى ما يمحو الله به الذنوب ويعظم به الأجر؟ " قلنا: نعم، يا رسول الله، وما هو؟ قال: "إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة". قال: ¬

(¬1) المسند (3/ 225) وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 54) وقال: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجميع طرقه تدور على أبي عقال واسمه: هلال بن زيد بن يسار. قال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة ما حدث أنس بها قط، لا يجوز الاحتجاج به بحال"، الذهبي في الميزان (4/ 313) وقال: "باطل". (¬2) مسند أبي يعلى (3/ 311)، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 634): "وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو مجمع على ضعفه". (¬3) الحديث موجود في طبعة السلامة (2/ 190). (¬4) قال الهيثمي في المجمع (2/ 558): (رواه الطبراني في الأوسط وفيه مظاهر بن أسلم وثقه ابن حبان، وضعفه ابن معين وجماعة). (¬5) قال السيوطي في الدر (2/ 416): "ووقفه أصح". وفي إسناده عبيد الله بن الوليد الوصافي متفق على ضعفه. وقال ابن عدي: "ضعيف جدا يتبين ضعفه على حديثه". انظر ضعيف الأدب المفرد للألباني (1/ 19).

"وهو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فذلك هو الرباط في المساجد" وهذا حديث غريب من هذا الوجه جدًا (¬1). (آل عمران: 200) 187 - عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لربَاط يوم في سبيل الله، من وراء عَوْرَة المسلمين مُحْتَسبًا، من غير شهر رمضان، أعظمُ أجرًا من عبادة مائة سنة، صيامها وقيامها. ورباطُ يوم في سبيل الله، من وراء عورة المسلمين محتسبا، من شهر رمضان، أفضل عند الله وأعظم أجرا - أراه قال -: من عبادة ألف سنة صيامها، وقيامها فإن رده الله تعالى إلى أهله سالما، لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات، ويُجْرَى له أجر الرباط إلى يوم القيامة". (¬2) هذا حديث غريب، بل منكر من هذا الوجه، وعُمَر بن صُبَيْح مُتَّهم. (آل عمران: 200) 188 - أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "حَرْسُ ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رَجُل وقيامه في أهله ألف سنة: السنة ثلاثمائة وستون يوما، واليوم كألف سنة". (¬3) وهذا حديث غريب أيضا، وسعيد بن خالد هذا ضَعَّفَه أبو زُرْعَة وغير واحد من الأئمة، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به. وقال الحاكم: روى عن أنس أحاديث موضوعة. (آل عمران: 200) 189 - عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "رحم الله حارس الحرس". (¬4) فيه انقطاع بين عمر بن عبد العزيزوعقبة بن عامر، فإنه لم يدركه، والله أعلم. (آل عمران: 200) ¬

(¬1) وفي إسناده الوازع بن نافع، قال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: منكر الحديث وتركه النسائي. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه الوازع غير محفوظ. ميزان الاعتدال (4/ 327). (¬2) سنن ابن ماجه رقم (2768)، وحكم عليه المنذري بالوضع في الترغيب (2/ 151) فقال: (وآثار الوضع ظاهرة عليه، ولا عجب فراويه عمر بن صبيح الخراساني، ولولا أنه في الأصول لما ذكرته).وكذلك حكم عليه الألباني في الضعيفةح (638). (¬3) سنن ابن ماجه رقم (2770)، وحكم عليه الألباني بالوضع في الضعيفةح (1234). (¬4) سنن ابن ماجة برقم (2769)، وضعفه الألباني في الضعيفة ح (3641).

سورة النساء

سورة النساء 190 - وقد رواه ابن مَرْدُويه، عن أبي هريرة قال: سئِل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله: {حُوبًا كَبِيرًا} قال: "إثما كبيرًا". ولكن في إسناده محمد بن يونس الكُدَيْمي وهو ضعيف. (¬1) (النساء: 2) 191 - عن عائشة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} قال: "لا تجوروا". (¬2) قال ابن أبي حاتم: قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح: عن عائشة. موقوف. (النساء: 3) 192 - عن عبد الرحمن بن البَيْلَمَاني قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} قالوا: يا رسول الله، فما العلائق بينهم؟ قال: "ما تراضى عليه أهْلوهُم". وقد روى ابن مَرْدُويه من طريق حَجَّاج بن أرْطاة، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن البَيْلمَاني عن عمر بن الخطاب قال: خَطَبَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "أنكحوا الأيامى" ثلاثا، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، ما العلائق بينهم؟ قال: "ما تراضى عليه أهلوهم". ابن البَيْلمَاني ضعيف، ثم فيه انقطاع أيضًا. (¬3) (النساء: 4) 193 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أبا هريرة، تَعلَّمُوا الفرائِضَ وعلِّموهُ فإنه نصْف العلم، وهو يُنْسَى، وهو أول شيء يُنْتزَع من أمتي". رواه ابن ماجة، وفي إسناده ضعف. (¬4). وقد رُوي من حديث عبد الله بن مسعود وأبي سعيد وفي كل ¬

(¬1) وقال ابن عدي: قد اتهم بالوضع، وقال ابن حبان: لعله وضع أكثر من ألف حديث. وقال أبو عبيد الآجري: رأيت أبا داود يطلق في الكديمي الكذب. (¬2) ذكره الألباني في الصحيحة ح (3222). (¬3) ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (14/ 186) وسعيد بن منصور في السنن برقم (619) "الأعظمي" والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 239) كلهم من طريق حجاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن البيلماني مولى عمر بن الخطاب قال: فذكره مرسلا، وأظن أن "مولى" تصحفت في النسخ إلى "عن" وأكاد أجزم بذلك لقول الحافظ ابن كثير "فيه انقطاع"، فإن الانقطاع بإرساله، ولو كان عن عمر لكان موصولا. (¬4) سنن ابن ماجة برقم (2719) قال الذهبي: "فيه حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو واه بمرة". وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (2451)، والإرواءح (1664 - 1665).

منهما نظر. (النساء: 11) 194 - عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال: إن الأخوين لا يَردان الأم عن الثلث، قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة. فقال عثمان: لا أستطيع تغيير ما كان قبلي، ومضى في الأمصار، وتوارث به الناس. (¬1) وفي صحة هذا الأثر نظر، فإن شُعْبَة هذا تكلَّم فيه مالك بن أنس، ولو كان هذا صحيحا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به، والمنقول عنهم خلافه. وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن أبيه أنه قال: الأخوان تسمى إخوة وقد أفردت لهذه المسألة جُزءًا على حدة. (النساء: 11) 195 - عن علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] قال: إنكم تقرءون {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العَلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. ثم قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث الحارث الأعور، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم. قلت: لكن كان حافظًا للفرائض معتنياً بها وبالحساب (¬2) فالله أعلم. (النساء: 11) 196 - عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الإضرار في الوصية من الكبائر". (¬3) وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا وهو أبو حفص بصري سكن ¬

(¬1) قال الألباني في الإرواء ح (1678): (ضعيف. أخرجه الحاكم (4/ 335)، والبيهقي (4/ 227). وقال الحاكم: " صحيح الاسناد ". ووافقه الذهبي. ورده الحافظ في " التلخيص " (3/ 85): (وفيه نظر؛ فإن فيه شعبة مولى ابن عباس وقد ضعفه النسائي). وقال في " التقريب ": (صدوق سئ الحفظ). (¬2) قال أبو بكر بن أبي داود: "الحارث كان أفقه وأفرض الناس وأحسب الناس، تعلم الفرائض من علي"، وقيل للشعبي: كنت تختلف إلى الحارث؟ قال: نعم، كنت أختلف إليه أتعلم الحساب، كان أحسب الناس. لكن ضعف في روايته للحديث، ضعفه جماعة منهم الشعبي وجرير وابن مهدي وابن المديني ويحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم. انظر: تهذيب الكمال (5/ 244). (¬3) وقال الحافظ ابن كثير في الآية: 31 من النساء: (والصحيح ما رواه غيره، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قوله، قال ابن أبي حاتم: وهو الصحيح عن ابن عباس من قوله). وضعفه الزيلعي في نصب الراية، ونقل عن البيهقي أن الصحيح وقفه، ورفعه ضعيف.

المصيصة، قال أبو القاسم ابن عساكر: ويعرف بمفتي المساكين. وروى عنه غير واحد من الأئمة. وقال فيه أبو حاتم الرازي: هو شيخ. وقال علي بن المديني: هو مجهول لا أعرفه. لكن رواه النسائي في سننه عن علي ابن حجر، عن علي بن مُسْهِر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، موقوفًا: "الإضرار في الوصية من الكبائر". (¬1) وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن عائذ بن حبيب، عن داود بن أبي هند. ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفا وفي بعضها: ويقرأ ابن عباس: {غَيْرَ مُضَارٍّ} قال ابن جريج والصحيح الموقوف. (النساء: 11) 197 - عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "البكْرَان يُجْلَدان ويُنفيَانِ، والثيبان يجلدان ويُرجَمانِ، والشَّيْخانِ يُرجَمان". هذا حديث غريب من هذا الوجه. (النساء: 16) 198 - أحاديث في ذلك مرسلة: قال ابن جرير: ... عن الحسن قال: بلغني أنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إنَّ الله يَقْبلُ توبة العبد ما لم يُغَرْغرْ" هذا مرسل حسن. عن الحسن البصري، رحمه الله. (النساء: 18) 199 - عن العلاء بن زياد، عن أبي أيوب بشير بن كعب؛ أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغرْ". (¬2) وحدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال، فذكر مثله. (النساء: 18) 200 - 201 - عن قتادة قال: كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قِلابة، فحدث أبو قِلابة فقال: إن الله تعالى لما لَعَنَ إبليس سأله النَّظرة فقال: وعِزَّتِك وجلالك لا أَخْرُجُ من قَلْبِ ابن آدمَ ما دام فيه الروح. فقال الله: وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح. وقد ورد هذا في حديث مرفوع، رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عمرو بن أبي عمرو وأبي الهيثم العُتْوارِي كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قال إبليس: ¬

(¬1) قال الحافظ فى الفتح (5/ 359): (إسناده صحيح، رواه النسائى ورجاله ثقات). (¬2) تفسير الطبري (8/ 96).

وعِزَّتِك لا أزَالُ أُغْوِيهم ما دامت أرْوَاحهُمْ في أجسادهم. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي، لا أزال أغْفِرُ لهم ما اسْتَغْفَرُوني" (¬1). (النساء: 18) 202 - طريق أخرى: عن عمر فيها انقطاع: قال الزبير بن بكار حدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي قال: قال عمر بن الخطاب لا تزيدوا في مهور النساء وإن كانت بنت ذي الغُصّة - يعني يزيد ابن الحصين الحارثي - فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال. فقالت امرأة - من صُفَّة النساء طويلة، في أنفها فَطَس -: ما ذاك لك. قال: ولم؟ قالت: لأن الله [تعالى] قال: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} الآية. فقال عمر: امرأة أصابت ورجل أخطأ. (¬2). (النساء: 20) 203 - قال ابن جرير: والصواب، أعنى قَوْلَ من قال: "الأم من المبهمات"؛ لأن الله لم يشرط معهن الدخول كما شرط ذلك مع أمهات الربائب، مع أن ذلك أيضًا إجماع من الحجة التي لا يجوز خلافها فيما جاءت به متفقة عليه. وقد روي بذلك أيضًا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر، غير أنَّ في إسناده نظرًا، وهو ما حدثني به المثنى ... عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها، دخل بالبنت أو لم يدخل، وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها، فإن شاء تزوج الابنة (¬3) ثم قال: وهذا الخبر، وإن كان في إسناده ما فيه، فإن في إجماع الحجة على صحة القول به مُسْتَغْنى عن الاستشهاد على صحته بغيره. (النساء: 23) 204 - عن علي قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قال: "إحصانها إسلامها ¬

(¬1) قال الألباني في الصحيحة ح (104): (هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين عمرو - وهو ابن أبي عمر مولى المطلب - وبين أبي سعيد الخدري، فإنهم، لم يذكروا لعمرو رواية عن أحد من الصحابة غير أنس بن مالك، وهو متأخر الوفاة جدا عن أبي سعيد، فإن هذا كانت وفاته سنة (75) على أكثر ما قيل، وهو توفي سنة (92) وقيل (93). وحسنه لغيره في صحيح الترغيب ح (1617). (¬2) قال الحافظ ابن كثير في مسند عمر بن الخطاب (2/ 573): (فيه انقطاع). وضعفه الألباني في إرواء الغليل (6/ 348). (¬3) تفسير الطبري (8/ 146)، والنظر الذي في إسناده: من أجل المثنى بن الصباح.

وعفافها". وقال المراد به هاهنا التزويج، قال: وقال علي: اجلدوهن [ثم] قال ابن أبي حاتم: وهو حديث منكر. قلت: وفي إسناده ضعف، ومنهم من لم يسم، و [مثله] لا تقوم به حجة. (النساء: 25) 205 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليس على أمة حد حتى تحصن - أو حتى تزوج - فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات". وقد رواه ابن خزيمة، عن عبد الله بن عمران العابدي عن سفيان به مرفوعا. وقال: رفعه خطأ، إنما هو من قول ابن عباس، وكذا رواه البيهقي من حديث عبد الله بن عمران، وقال مثل ما قاله ابن خزيمة. (النساء: 25) 206 - عن ميمون بن مهران قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "البَيْعُ عن تَراض والخِيارُ بعد الصَّفقة ولا يحل لمسلم أن يغش مسلمًا". (¬1) هذا حديث مرسل. (النساء: 29) 207 - عن عبيد بن عُمَيْر، عن أبيه - يعني عُمَير بن قتادة - رضي الله عنه أنه حدثه - وكانت له صحبة - أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في حجة الوداع: "ألا إن أولياء الله المُصَلُّون من يُقِيم الصلواتِ الخمسَ التي كُتبت عليه، ويَصومُ رمضان ويَحتسبُ صومَهُ، يرى أنه عليه حق، ويُعطي زكاةَ ماله يَحْتسِبها، ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها".ثم إن رجلا سأله فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ فقال: "تسع: الشِّركُ بالله، وقَتْلُ نَفْسِ مؤمن بغير حق وفِرارُ يوم الزّحْفِ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرِّبا، وقذفُ المُحصنَة وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا، ثم قال: لا يموت رجل لا يعمل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصلاة، ويُؤتِي الزكاة، إلا كان مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار أبوابها مصاريع من ذَهَبٍ". وهكذا رواه الحاكم مطولا وقد أخرجه أبو داود والترمذي مختصرا من حديث معاذ بن هانئ، به وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديثه مبسوطًا ثم قال الحاكم: رجاله كلهم يحتج بهم في الصحيحين إلا عبد الحميد بن سنان. (¬2) ¬

(¬1) تفسير الطبري (8/ 221). (¬2) المستدرك (1/ 59) وسنن أبي داود برقم (2875)، ورواه البيهقى في السنن الكبرى من طريق الحاكم (3/ 408) وعبد الحميد بن سنان. قال الذهبي: (عداده في التابعين لا يعرف، وقد وثقه بعضهم. قال البخاري: روى عن عبيد بن عمير في حديثه نظر). وحسنه الألباني في الإرواء ح (690).

قلت: وهو حجازي لا يعرف إلا بهذا الحديث، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب الثقات، وقال البخاري: في حديثه نظر. وقد رواه ابن جرير، عن سليمان بن ثابت الجحدري، عن سلم بن سلام، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبيد بن عُمَير، عن أبيه، فذكره. ولم يذكر في الإسناد: عبد الحميد بن سنان، فالله أعلم. (النساء: 31) 208 - عن طَيْسَلة بن علي النهدي قال: أتيت ابن عمر وهو في ظل أرَاك يوم عَرَفة، وهو يصب الماء على رأسه ووجهه قلت أخبرني عن الكبائر؟ قال: هي تسع. قلت: ما هي؟ قال: الإشراك بالله، وقذف المحصنة - قال: قلت: قبل القتل؟ قال: نعم وَرَغْمَا - وقتل النفس المؤمنة، والفِرارُ من الزَّحْفِ، والسِّحْرُ، وأكْلُ الربا، وأكل مال اليتيم، وعُقوق الوالدين المسلمين، وإلْحاد بالبيت الحرام، قبْلَتكم أحياء وأمواتا. هكذا رواه من هذين الطريقين موقوفا، وقد رواه علي بن الجَعْدِ، عن أيوب بن عتبة، عن طيسلة بن علي [النهدي] قال: أتيت ابن عمر عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وهو تحت ظلِّ أرَاكة، وهو يَصُبُّ الماء على رأسه، فسألته عن الكبائر، فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "هُنّ سبع". قال: قلت: وما هُنّ؟ قال: "الإشراك بالله، وقذف المحصنة - قال: قلت: قبل الدم؟ قال: نعم ورغما - وقتلُ النفس المؤمنة، والفرار من الزَّحفِ، والسِّحرُ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعُقوق الوالدين، وإلحاد بالبيت الحرامِ قِبْلَتَكُم أحياء وأمواتا". (¬1) وكذا رواه الحسن بن موسى الأشيب، عن أيوب بن عتبة اليماني - وفيه ضعف - والله أعلم. (النساء: 31) 209 - حديث آخر: روى الحافظ أبو بكر ابن مردويه في تفسيره، من طريق سليمان بن داود اليماني - وهو ضعيف - عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عَمْرو بن حزم، عن أبيه، عن جده قال: كتب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض ¬

(¬1) قال الألباني في الإرواء ح (690): (وأيوب بن عتبة قال الحافظ في (التلخيص) ص 152: (وهو ضعيف وقد اختلف عليه فيه). قلت: (وضعف عتبة من قبل حفظه لا من أجل تهمة في نفسه؛ فحديثه حسن في الشواهد، وبقية رجاله ثقات كلهم غير طيسلة بن علي، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات (1/ 99)، وروى عنه جماعة؛ فالحديث حسن إن شاء الله تعالى).

والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم، قال: وكان في الكتاب: "إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: إشْراكٌ باللهِ وقَتْل النفْسِ المؤمنة بغير حَقٍّ، والفِرارُ في سبيل الله يوم الزَّحْفِ، وعُقوق الوالدين، ورَمْي المحصنة، وتَعَلُّم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم" (¬1) (النساء: 31) 210 - عن عمرة بن حزم أنه سمع عبد الله بن عَمْرو بن العاص وهو بالحِجْر بمكة وسُئل عن الخمر، فقال: والله إنَّ عظيمًا عند الله الشيخُ مثلي يكذبُ في هذا المقام على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذهب فسأله ثم رجع فقال: سألته عن الخمر فقال: "هي أكبر الكبائر، وأم الفواحش، من شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته" غريب من هذا الوجه. (¬2) (النساء: 31) 211 - عن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، وعُمَر بن الخطاب وأناسًا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورضي الله عنهم أجمعين، جلسوا بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم ما ينتهون إليه، فأرسلوني إلى عبد الله بن عَمْرو بن العاص أسأله عن ذلك، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك، فوثبوا إليه حتى أتوه في داره، فأخبرهم أنهم تحدثوا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مَلِكا من بني إسرائيل أخذ رجلا فخيَّره بين أن يشرب خمرًا أو يقتل نفسا، أو يزاني أو يأكل لحم خنزير، أو يقتله فاختار شُرْبَ الخمر وإنه لما شربها لم يمتنع من شَيْء أراده منه، وإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا مجيبا: "ما من أحد يشرب خمرًا إلا لم تُقْبَلْ له صَلاةٌ أربعين ليلة، ولا يموت أحد في مَثَانَتِهِ منها شيء إلا حَرَّم الله عليه الجنة فإنْ مات في أربعين ليلة مات ميتَةً جاهلية". هذا حديث غريب من هذا الوجه جدًا، وداود بن صالح هو التَّمار المدني مولى الأنصار، قال الإمام أحمد: لا أرى ¬

(¬1) قال الهيثمي في المجمع (3/ 72): (رواه الطبراني في الكبير وفيه سليمان بن داود الحرسى وثقه أحمد وتكلم فيه ابن معين وقال أحمد: إن الحديث صحيح. قلت: وبقية رجاله ثقات). وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب ح (3043). (¬2) قال الهيثمي في المجمع (5/ 68): (رواه الطبراني، وعتاب لم أعرفه، وابن لهيعة حديثه حسن وفيه ضعف).

به بأسا. وذكره ابن حبان في الثقات، ولم أر أحدًا جرحه. (النساء: 31) 212 - عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من جمع بين الصَّلاتين من غير عُذْرٍ، فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر". (¬1) وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي عن أبي سلمة يحيى بن خلف، عن المعتمر بن سليمان، به ثم قال: حَنَش هو أبو علي الرحبي، وهو حسين بن قيس، وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد وغيره. (النساء: 31) 213 - عن ابن عباس؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان متكئًا فدخل عليه رجل فقال: ما الكبائر؟ فقال: "الشِّرْكُ بالله، واليأس من رَوْح الله، والقُنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، وهذا أكبر الكبائر". وقد رواه البزار، عن عبد الله بن إسحاق العطار، عن أبي عاصم النبيل، عن شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله، واليأس من رَوْح الله، والقُنوط من رحمة الله عز وجل".وفي إسناده نظر، والأشبه أن يكون موقوفا، فقد روي عن ابن مسعود نحوُ ذلك قال ابن جرير: ... قال ابن مسعود: أكبر الكبائر الإشراك بالله والإياس من رَوْح الله، والقُنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله .... ثم رواه من طُرُق عدة، عن أبي الطفيل، عن ابن مسعود. وهو صحيح إليه بلا شك. (النساء: 31) 214 - عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أكبر الكبائر سوء الظن بالله عز وجل". حديث غريب جدًّا. (النساء: 31) 215 - عن محمد بن سهل ابن أبي حَثْمة عن أبيه قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "الكبائر سبع، ألا تسألوني عنهن؟ الشِّركُ بالله، وقَتْلُ النفْسِ، والفِرارُ يوم الزَّحْفِ، وأكْلُ مال اليتيم، وأكل الربا، وقَذْفُ المحصَنَة، والتعرب بعد الهجرة". وفي إسناده نظر، ورفعه غلط فاحش، والصواب ما رواه ابن جرير: ... عن محمد بن سهيل بن أبي حثْمة عن أبيه قال: إني لفي هذا المسجد - مسجد الكوفة - وعلي، رضي الله عنه، يَخْطُب الناسَ على المنبر، فقال: يا أيها الناس، الكبائر سبع فأصاخ الناسُ، فأعادها ثلاث مرات، ثم قال: لم لا تسألوني عنها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ما هي؟ قال: الإشراك بالله، وقتل النفس التي ¬

(¬1) سنن الترمذي (188)، وضعفه الألباني جدا في الضعيفة ح (4581).

حرم الله وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والفرار يوم الزحف، والتعرب بعد الهجرة. فقلت لأبي: يا أبت، التعرب بعد الهجرة، كيف لحق هاهنا؟ قال: يا بني، وما أعظم من أن يهاجر الرجل، حتى إذا وقع سهمه في الفيء، ووجب عليه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابيًا كما كان. (النساء: 31) 216 - عن أبي أمامة؛ أن ناسا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكروا الكبائر وهو متكئ، فقالوا: الشرك بالله، وأكل مال اليتيم، وفرار من الزحف، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين، وقول الزور، والغلول، والسحر، وأكل الربا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فأين تجعلون {الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] إلى آخر الآية. في إسناده ضعف، وهو حسن. (النساء: 31) 217 - وقد روى ابن مردويه من طرق عن أنس (¬1)، وعن جابر مرفوعا: "شَفَاعَتِي لأهل الكبائر من أمَّتِي" ولكن في إسناده من جميع طرقه ضعف، إلا ما رواه عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شَفاعتي لأهْلِ الكبائرِ من أمتي". فإنه إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد رواه أبو عيسى الترمذي منفردا به من هذا الوجه، عن عباس العَنْبري، عن عبد الرزاق ثم قال: هذا حديث حسن صحيح وفي الصحيح شاهد لمعناه، وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذكر الشفاعة: "أترَوْنَها للمؤمنين المتقين؟ لا ولكنها للخاطئين المُتَلَوِّثِينَ". (النساء: 31) 218 - عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث. فأنزل الله عز وجل: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} ورواه الترمذي ... عن مجاهد، عن أمّ سلمة أنها قالت: قلت: يا رسول الله ... فذكره، وقال: غريب (¬2). (النساء: 32) 219 - وقد روى الترمذي (¬3)، وابن مردويه ... عن عبد الله بن مسعود قال: قال ¬

(¬1) انظر سنن أبي داود (4739)، وسنن الترمذي (2435)، صحيح الجامع (3714). (¬2) المسند (6/ 322) وسنن الترمذي برقم (3022). وقال الترمذي: حديث مرسل. (¬3) سنن الترمذي برقم (3571). وضعفه الألباني جدا في الضعيفة ح (492).

رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سلُوا الله من فَضْلِه؛ فإن الله يحب أن يسأل وإن أفضل العبادة انتظار الفرج". ثم قال الترمذي: كذا رواه حماد بن واقد، وليس بالحافظ، ورواه أبو نُعَيم، عن إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن رجل، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح. (النساء: 32) 220 - وقال الحسن البصري: جاءت امرأة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستعديه على زوجها أنه لَطَمَها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "القِصَاص"، فأنزل الله عز وجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} الآية، فرجعت بغير قصاص. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، من طرق عنه. وكذلك أرسل هذا الخبر قتادة، وابن جُرَيج والسدي، أورد ذلك كله ابن جرير. (النساء: 34) 221 - وقد أسنده ابن مردويه من وجه آخر فقال: ... عن علي قال: أتى النبي رجل من الأنصار بامرأة له، فقالت: يا رسول الله، إن زوجها فلان بن فلان الأنصاري، وإنه ضربها فأثر في وجهها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليْسَ ذَلِكَ لَه". فأنزل الله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي: قوامون على النساء في الأدب. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرَدْتُ أمْرًا وأرَادَ الله غَيْرَه" (وكذا أرسل هذا الخبر قتادة وابن جريج والسدي، أورد ذلك كله ابن جرير). (¬1). (النساء: 34) 222 - الحديث الثامن: عن الحسن، عن جابر بنِ عَبْدِ الله قال: قَالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الجِيرانُ ثَلاثَةٌ: جَارٌ لهُ حَقٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَدْنَى الجيرانِ حقًّا، وجار له حقَّان، وجَارٌ له ثلاثةُ حُقُوقٍ، وَهُوَ أفضلُ الجيرانِ حقا، فأما الذي له حق واحد فجار مُشْرِكٌ لا رَحمَ لَهُ، لَهُ حق الجَوار. وأمَّا الَّذِي لَهُ حقانِ فَجَارٌ مُسْلِمٌ، له حق الإسلام وحق الْجِوارِ، وأَمَّا الَّذِي لَهُ ثَلاثةُ حُقُوقٍ، فَجَارٌ مُسْلِمٌ ذُو رَحِمٍ لَهُ حق الجوار وحق الإسلام وحَقُّ الرحِمِ". قال البَزَّارُ: لا نعلم أحدا روى عن عبد الرحمن بن الْفُضَيْل إلا ابْنُ أَبِي فُدَيْك. (¬2) (النساء: 36) 223 - عن أبي هريرة أنه قال: بلغني أن الله تعالى يعطي عبده المؤمن بالحسنة ¬

(¬1) ما بين القوسين لا يوجد في طبعة السلامة ويوجد في طبعة مؤسسة الريان (1/ 742). (¬2) قال الهيثمي في المجمع (8/ 164): (رواه البزار عن شيخه عبد الله بن محمد الحارثي وهو وضاع). وضعفه الألباني في الضعيفة ح (3493).

الواحدة ألف ألف حسنة. قال: فقُضي أني انطلقت حاجا أو معتمرا، فلقيته فقلت: بلغني عنك حديث أنك تقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله يعطى عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة" قال أبو هريرة: لا بل سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله عز وجل يعطيه ألفي ألف حسنة" ثم تلا {يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} فمن يقدره قدره. رواه الإمام أحمد فقال: ... عن أبي عثمان قال: أتيت أبا هريرة فقلت له: بلغنى أنك تقول: إن الحسنة تضاعف ألف ألف حسنة؟ قال: وما أعجبك من ذلك؟ فوالله لقد سمعت - يعنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كذا قال أبي - يقول: "إن الله ليضاعف الحسنة ألفى ألف حسنة". (¬1) علي بن زيد في أحاديثه نكارة، فالله أعلم. (النساء: 36) 224 - عن المِنْهَال بنِ عمرٍو، حدثه أنه سمع سعيد بن المُسَيَّبِ يقول: ليس من يوم إلا تعرض على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته غُدْوة وعَشيّة، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم، يقول الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} فإنه أثر، وفيه انقطاع، فإن فيه رجلا مبهما لم يسم، وهو من كلام سعيد بن المسيب لم يرفعه. وقد قبله القرطبي فقال بعد إيراده: [قد تقدم] أن الأعمال تعرض على الله كل يوم إثنين وخميس، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجُمُعة. قال: ولا تعارض، فإنه يحتمل أن يخص نبينا بما يعرض عليه كل يوم، ويوم الجمعة مع الأنبياء، عليهم السلام. (النساء: 36) 225 - ثبت في صحيح البخاري: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "سُدُّوا كل خَوخة في المسجد إلا خَوخةَ أبي بكر". وهذا قاله في آخر حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، علما منه أن أبا بكر، رضي الله عنه، سيلي الأمر بعده، ويحتاج إلى الدخول في المسجد كثيرا للأمور المهمة فيما يصلح للمسلمين، فأمر بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا بابه، رضي الله عنه. ومن روى: "إلا ¬

(¬1) رواه أحمد في المسند (7932)، وابن جرير في التفسير (8/ 366). وضعفه الألباني في الضعيفةح (3975).

باب علي" كما وقع في بعض السنن، (¬1) فهو خطأ، والصحيح. ما ثبت في الصحيح. (النساء: 43) 226 - وروى أبو داود من حديث أفْلَتَ بن خليفة العامري، عن جَسْرة بنت دجاجة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني لا أحلّ المسجد لحائض ولا جنبٍ". (¬2) قال أبو مسلم الخَطَّابي: ضَعَّف هذا الحديث جماعة وقالوا: أفلت مجهول. لكن رواه ابن ماجه من حديث أبي الخطاب الهَجَري، عن مَحْدوج الذهلي، عن جَسْرة، عن أم سلمة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، به. قال أبو زرعة الرازي: يقولون: جسْرة عن أم سلمة. والصحيح جسرة عن عائشة. (النساء: 43) 227 - فأما ما رواه أبو عيسى الترمذي، من حديث سالم بن أبي حفصة، عن عطية، عن أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي، لا يحل لأحد أن يُجْنب في هذا المسجد غيري وغيرك. إنه حديث ضعيف لا يثبت؛ فإن سالما هذا متروك، وشيخه عطية ضعيف والله أعلم. (¬3) (النساء: 43) 228 - عن مجاهد في قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قال: نزلت في رجل من الأنصار، كان مريضا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ، ولم يكن له خادم فيناوله، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، فأنزل الله هذه الآية. هذا مرسل. (النساء: 43) 229 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ قال: أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فقال: ¬

(¬1) رواه أحمد في المسند (19502)، والنسائي في الكبرى (8369)، وسنن الترمذي (3732)، وغيرهم. ... انظر الضعيفةح (2929)، و (4953). (¬2) سنن أبي داود ح (232)، وسنن ابن ماجه ح (645) من حديث أم سلمة. وضعفه الألباني في الإرواء ح (193). (¬3) سنن الترمذي برقم (3727). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (6402)، الضعيفةح (4973)، وقال ابن القيم: (فهذا الاستثناء باطل موضوع؛ من زيادة بعض غلاة الشيعة، ولم يخرجه ابن ماجه في الحديث).

يا رسول الله، ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها، فليس يأتي الرجل من امرأته شيء إلا أتاه منها، غير أنه لم يجامعها؟ قال: فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "توضأ ثم صَلِّ". قال معاذ: فقلت: يا رسول الله، أله خاصة أم للمؤمنين عامة؟ قال: "بل للمؤمنين عامة". (¬1) ورواه الترمذي من حديث زائدة به، وقال: ليس بمتصل. وأخرجه النسائي من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا. قالوا: فأمره بالوضوء؛ لأنه لمس المرأة ولم يجامعها. وأجيب بأنه منقطع بين أبي ليلى ومعاذ، فإنه لم يلقه، ثم يحتمل أنه إنما أمره بالوضوء والصلاة للتوبة، كما تقدم في حديث الصدِّيق [رضي الله عنه] ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له" الحديث، وهو مذكور في سورة آل عمران عند قوله: {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ]} الآية [آل عمران: 135]. . (النساء: 43) 230 - ما رواه الدارقطني، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين". (¬2) ولكن لا يصح؛ لأن في أسانيده ضعفاء لا يثبت الحديث بهم. (النساء: 43) 231 - وروى أبو داود عن ابن عمر - في حديث - أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها ذراعيه. (¬3) ولكن في ¬

(¬1) أخرجه أحمد (5/ 244)، والترمذي (3113) وقال: (هذا حديث ليس إسناده بمتصل عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر، وقتل عمر وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام صغير ابن ست سنين، وقد روى عن عمر، ورآه، وروى شعبة هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرسلا). وضعفه الألباني قي ضعيف الترمذي (603). (¬2) انظر مجمع الزوائد للهيثمي (1/ 262 - 263)، والتلخيص الحبير ح (208)، والضعيفة للألباني ح (3427)، حيث حكموا عليه بالضعف. وإنما الصحيح أن التيمم للوجه والكفين فقط. (¬3) رواه أبو داود (330)، وقال: (سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم. قال ابن داسة قال أبو داود: لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورووه فعل ابن عمر). وضعفه الألباني.

إسناده محمد بن ثابت العَبْدي، وقد ضعفه بعض الحفاظ، ورواه غيره من الثقات فوقفوه على فعل ابن عمر، قال البخاري وأبو زرعة وابن عَدِي: هو الصواب. وقال البيهقي: رفع هذا الحديث منكر. (النساء: 43) 232 - عن السدي: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرية عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر، فساروا قبل القوم الذين يريدون، فلما بلغوا قريبا منهم عَرَّسوا، وأتاهم ذو العُيَيْنَتَين فأخبرهم، فأصبحوا قد هربوا غير رجل. فأمر أهله فجمعوا متاعهم، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل، حتى أتى عسكر خالد، فسأل عن عمار بن ياسر، فأتاه فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت، فهل إسلامي نافعي غدا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك، فأقم. فأقام، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدًا غير الرجل، فأخذه وأخذ ماله. فبلغ عمارا الخبر، فأتى خالدا فقال: خل عن الرجل، فإنه قد أسلم، وإنه في أمان مني. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير. فاستبا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال خالد: يا رسول الله، أتترك هذا العبد الأجدع يَسُبُّني، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا خالد، لا تسب عمارًا، فإنه من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغضه يبغضه الله، ومن يلعن عمارا يلعنه الله" فغضب عمار فقام، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه، فأنزل الله عز وجل قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} وهكذا رواه ابن أبي حاتم، من طريق عن السدي، مرسلا. ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير، عن السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فذكره بنحوه (¬1).والله أعلم. (النساء: 58) 233 - وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن جعفر، أخبرنا مَعْمَر، عن الزهري، عن عُرْوَة قال: خاصم الزبير رجلا في شُرَيج من الحَرَّة، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسق يا زُبير ثم أرْسل الماء إلى جارك" فقال الأنصاري: يا رسول الله، أنْ كان ابن عمتك؟ فَتَلَوَّن وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: "اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى ¬

(¬1) أخرجه النسائي في الكبرى (8212 - 8214)، والطبري في التفسير (8/ 499).

يرجع إلى الجدْر، ثم أرسل الماء إلى جارك" واستوعى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير حَقّه في صريح الحكم، حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. قال الزبير: فما أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية. وهكذا رواه البخاري هاهنا أعني في كتاب: "التفسير" من صحيحه من حديث معمر: وفي كتاب: "الشرب" من حديث ابن جُرَيْج ومعمر أيضا، وفي كتاب: "الصلح" من حديث شعيب بن أبي حمزة، ثلاثتهم عن الزهري عن عروة، فذكره وصورته صورة الإرسال، وهو متصل في المعنى. وقد رواه الإمام أحمد من هذا الوجه فصرح بالإرسال فقال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير: أن الزبير كان يحدث: أنه كان يخاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شراج الحرة، كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير: "اسق ثم أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟ فتلوّن وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر" فاستوعى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير حقه وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استوعى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير حقه في صريح الحكم، قال عروة: فقال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} هكذا رواه الإمام أحمد وهو منقطع بين عروة وبين أبيه الزبير؛ فإنه لم يسمع منه، والذي يقطع به أنه سمعه من أخيه عبد الله، (¬1) فإن ¬

(¬1) قال الحافظ في الفتح ح (2178): (وَإِنَّمَا صَحَّحَهُ الْبُخَارِيّ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَاف اِعْتِمَادًا عَلَى صِحَّة سَمَاع عُرْوَة مِنْ أَبِيهِ وَعَلَى صِحَّة سَمَاع عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَمَا دَارَ فَهُوَ عَلَى ثِقَة. ثُمَّ الْحَدِيث وَرَدَ فِي شَيْء يَتَعَلَّق بِالزُّبَيْرِ فَدَاعِيَة وَلَده مُتَوَفِّرَة عَلَى ضَبْطه، وَقَدْ وَافَقَهُ مُسْلِم عَلَى تَصْحِيح طَرِيق اللَّيْث الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْر الزُّبَيْر، وَزَعَمَ الْحُمَيْدِيُّ فِي جَمْعه أَنَّ الشَّيْخَيْنِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيق عُرْوَة عَنْ أَخِيهِ عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ بِهَذَا السِّيَاق فِي رِوَايَة يُونُس الْمَذْكُورَة وَلَمْ يُخْرِجهَا مِنْ أَصْحَاب الْكُتُب السِّتَّة إِلَّا النَّسَائِيُّ وَأَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيّ خَاصَّة، وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ وَجْه آخَر أَخْرَجَهَا الطَّبَرِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة، وَهِيَ عِنْد الزُّهْرِيِّ أَيْضًا مِنْ مُرْسَل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب كَمَا سَيَاتِي بَيَانه).

أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رواه كذلك في تفسيره فقال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، حدثنا الليث ويونس، عن ابن شهاب، أن عروة بن الزبير حدثه أن عبد الله بن الزبير حدثه عن الزبير بن العوام: أنه خاصم رجلا من الأنصار - قد شهد بدرا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شراج في الحَرة، كانا يسقيان به كلاهما النخل، فقال الأنصاري: سَرِّح الماء يَمُر. فأبى عليه الزبير، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك" فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عَمَّتك؟ فتلوَّن وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: "اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجَدْر" واستوعى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير حَقّه وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير: ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يَؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وهكذا رواه النسائي من حديث ابن وهب، به ورواه أحمد والجماعة كلهم من حديث الليث، به وجعله أصحاب الأطراف في مسند عبد الله بن الزبير، وكذا ساقه الإمام أحمد في مسند عبد الله بن الزبير، والله أعلم. والعجب كل العجب من الحاكم أبي عبد الله النيسابوري، فإنه روى هذا الحديث من طريق ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير فذكره، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإني لا أعلم أحدا قام بهذا الإسناد عن الزهري يذكر عبد الله بن الزبير، غير ابن أخيه، وهو عنه ضعيف. (النساء: 65) 234 - وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبو حيوة، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن الزُّهري، عن سعيد بن المسيب في قوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [حَتَّى يُحَكِّمُوكَ]} [الآية] قال: نزلت في الزبير بن العوام، وحاطب بن أبي بلتعة. اختصما في ماء، فقضى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يسقي الأعلى ثم الأسفل.

هذا مرسل ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري. (¬1) (النساء: 65) 235 - ذكر سبب آخر غريب جدا: عن أبي الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انطلقا إليه" فلما أتيا إليه قال الرجل: يا ابن الخطاب، قضى لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على هذا، فقال: ردنا إلى عمر. فردنا إليك. فقال: أكذاك؟ فقال: نعم فقال عمر: مَكَانَكُمَا حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما. فخرج إليهما مشتملا على سيفه، فضرب الذي قال رُدَّنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فارا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله قتل عُمَر والله صاحبي، ولولا أني أعجزتُه لقتلني، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما كنت أظن أن يجترئ عُمَر على قتل مؤمن" فأنزل الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} الآية، فهدر دم ذلك الرجل، وبرئ عمر من قتله، فكره الله أن يسن ذلك بعد، فقال: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]. وكذا رواه ابن مَرْدُويه من طريق ابن لَهِيعة، عن أبي الأسود به. وهو أثر غريب، وهو مرسل، وابن لهيعة ضعيف والله أعلم. (النساء: 65) 236 - عن سعيد بن جُبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو محزون، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا فلان، ما لي أراك محزونًا؟ " قال: يا نبي الله شيء فكرت فيه؟ قال: "ما هو؟ " قال: نحن نغدو عليك ونروح، ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغدا ترفع مع ¬

(¬1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2178): (الْحَدِيث وَإِسْنَاده قَوِيّ مَعَ إِرْسَاله. فَإِنْ كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب سَمِعَهُ مِنْ الزُّبَيْر فَيَكُون مَوْصُولًا، وَعَلَى هَذَا فَيُؤَوَّل قَوْله مِنْ الْأَنْصَار عَلَى إِرَادَة الْمَعْنِيّ الْأَعَمّ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَقّ غَيْر وَاحِد كَعَبْدِ اللَّه بْن حُذَافَة، وَأَمَّا قَوْل الْكَرْمَانِيِّ بِأَنَّ حَاطِبًا كَانَ حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ فَفِيهِ نَظَر، وَأَمَّا قَوْله: " مِنْ بَنِي أُمَيَّة بْن زَيْد " فَلَعَلَّهُ كَانَ مَسْكَنه هُنَا كَعُمَر كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْم. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ بِغَيْرِ سَنَد أَنَّ الزُّبَيْر وَحَاطِبًا لَمَّا خَرَجَا مَرَّا بِالْمِقْدَادِ قَالَ: لِمَنْ كَانَ الْقَضَاء؟ فَقَالَ حَاطِب: قَضَى لِابْنِ عَمَّته، وَلَوَى شِدْقه، فَفَطِنَ لَهُ يَهُودِيّ فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّه هَؤُلَاءِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه وَيَتَّهِمُونَهُ، وَفِي صِحَّة هَذَا نَظَر، وَيَتَرَشَّح بِأَنَّ حَاطِبًا كَانَ حَلِيفًا لِآلِ الزُّبَيْر بْن الْعَوَامّ مِنْ بَنِي أَسَد وَكَأَنَّهُ كَانَ مُجَاوِرًا لِلزُّبَيْرِ وَاللَّه أَعْلَم).

النبيين فلا نصل إليك. فلم يرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه شيئا، فأتاه جبريل بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَم اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ [وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا]} فبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبشره. قد روي هذا الأثر مرسلا عن مسروق، وعكرمة، وعامر الشَّعْبي، وقتادة، وعن الربيع بن أنس، وهو من أحسنها سندًا. (النساء: 69) 237 - عن ابن عمر قال: أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَلْ واسْتَفْهِمْ". فقال: يا رسول الله، فُضِّلتُم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنتُ بما آمنتَ به، وعملتُ مثلَ ما عملتَ به، إني لكائن معك في الجنة؟ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم، والذي نفسي بيده إنه ليضيء بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام" قال: ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قال: لا إله إلا الله، كان له بها عهد عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده، كتب له بها مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة" فقال رجل: كيف نهلك بعدها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله، فتقوم النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يتطاول الله برحمته" ونزلت هذه الآيات {هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} إلى قوله: {نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 1 - 20] فقال الحبشي: وإن عيني لتريان ما ترى عيناك في الجنة؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم". فاستبكى حتى فاضت نفسه، قال ابن عمر: لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدليه في حفرته بيديه. فيه غرابة ونكارة، وسنده ضعيف (¬1). (النساء: 69) 238 - عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كنا جلوسا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس، وقد ارتفعت أصواتهما، فجلس أبو بكر قريبا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وجلس عمر قريبا من أبي بكر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لم ارتفعت أصواتكما؟ " فقال رجل: يا رسول الله، قال أبو بكر: الحسنات من الله ¬

(¬1) قال الهيثمي في المجمع (10/ 358): (رواه الطبراني في الأوسط وفيه أيوب بن عتبة، وهو ضعيف وفيه توثيق لين). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب ح (2097).

والسيئات من أنفسنا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فما قلت يا عمر؟ " قال: قلت: الحسنات والسيئات من الله. تعالى. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر، وقال جبريل مقالتك يا عمر فقال: نختلف فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض. فتحاكما إلى إسرافيل، فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله". ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال "احفظا قضائي بينكما، لو أراد الله ألا يُعْصَى لم يخلق إبليس". قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيميّة: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة (¬1). (النساء: 78) 239 - عن البراء قال: لما نزلت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ [عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَاسَ الَّذِينَ كَفَرُوا]} الآية، قال لأصحابه: "قد أمرني ربي بالقتال فقاتلوا" حديث غريب. (¬2). (النساء: 84) 240 - عن سلمان الفارسي قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: السلام عليك يا رسول الله. فقال: "وعليك السلام ورحمة الله". ثم أتى آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله. فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته". ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال له: "وعليك" فقال له الرجل: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي. فقال: "إنك لم تدع لنا شيئا، قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} فرددناها عليك". (¬3) وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقا ... فذكر بإسناده مثله. ورواه أبو بكر بن مردويه: ... فذكره بمثله، ولم أره في المسند، والله ¬

(¬1) ونقل السيوطي عن ابن حجر قوله: (هذا خبر منكر، وفي الإسناد ضعفاء).انظر اللآليء المصنوعة (1/ 234). (¬2) ذكره السيوطي في الدر (2/ 602) ووجه غرابته: أنه روي موقوفا من عدة وجوه، ولم يرو مرفوعا إلا من هذا الوجه. (¬3) تفسير الطبري (8/ 589)، وقال الألباني في الضعيفةح (5433): (وجملة القول: أن الحديث ضعيف الإسناد منكر المتن؛ لمخالفته لظاهر آية رد التحية بأحسن منها، والأحاديث والآثار الموافقة لها. والله تعالى أعلم).

أعلم ... (النساء: 86) 241 - وقال ابن مردويه: ... قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا، أو من قتل مؤمنا متعمدا". وهذا غريب جدا من هذا الوجه. والمحفوظ حديث معاوية المتقدم فالله أعلم. (¬1). (النساء: 93) 242 - عن ابن عمر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قتل مؤمنا متعمدا فقد كفر بالله عز وجل". وهذا حديث منكر أيضا، وإسناده تُكُلم فيه جدا. (النساء: 93) 243 - فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف: هذا جزاؤه إن جازاه، وقد رواه ابن مردويه مرفوعا، من طريق محمد بن جامع العطار، عن العلاء بن ميمون العنبري، عن حجاج الأسود، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعا، ولكن لا يصح (¬2). (النساء: 93) 244 - عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه؛ أن الزبير بن العوام قال: هاجر خالد بن حِزَام إلى أرض الحبشة، فنهشته حية في الطريق فمات، فنزلت فيه: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} قال الزبير: فكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة، فما أحزنني شيء حزن وفاته حين بلغني؛ لأنه قَلّ أحد ممن هاجر من قريش إلا معه بعض أهله، أو ذوي رحمه، ولم يكن معي أحد من بني أسد بن عبد العزى، ولا أرجو غيره. وهذا الأثر غريب جدا فإن هذه القصة مكية، ونزول هذه الآية مدنية، فلعله أراد أنها أنزلت تعم حكمه مع غيره، وإن لم ¬

(¬1) ورواه أبو داود في سننه برقم (4270)، وابن حبان في صحيحه برقم (51)،والحاكم (4/ 351)،وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 21) من طريق خالد بن دهقان به. انظر الصحيحة للألباني ح (511). وحديث معاوية يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا". وكذا رواه النسائي، عن محمد بن المثنى، عن صفوان بن عيسى، به. (¬2) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3310) "مجمع البحرين" من طريق محمد بن جامع العطار عن العلاء بن ميمون به، وفي إسناده العلاء بن ميمون، ومحمد بن جامع العطار وهما ضعيفان.

يكن ذلك سبب النزول، والله أعلم. (النساء: 100) 245 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من خرج حاجا فمات، كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات، كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات، كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة". وهذا حديث غريب من هذا الوجه. (¬1) (النساء: 100) 246 - عن إبراهيم قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله، إني رجل تاجر، أختلف إلى البحرين "فأمره أن يصلي ركعتين" وهذا مرسل. (النساء: 101) 247 - عن علي، رضي الله عنه، قال: سأل قوم من بني النجار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله، إنا نضرب في الأرض، فكيف نصلي؟ فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى الظّهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم، هلا شددتم عليهم؟ فقال قائل منهم: إن لهم أخرى مثلها في إثرها. قال: فأنزل الله عز وجل بين الصلاتين: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا. وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} إلى قوله: {أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}] فنزلت صلاة الخوف. وهذا سياق غريب جدا ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزُّرَقي، واسمه زيد بن الصامت، رضي الله عنه. (النساء: 101) 248 - عن ابن عباس قال: إن نفرا من الأنصار غزوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض غزواته، فسرقت درع لأحدهم، فأظن بها رجل من الأنصار، فأتى صاحب الدرع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن طُعْمةَ بن أُبَيْرق سرق درعي، فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء، وقال لنفر من عشيرته: إني غَيَّبْتُ الدرع وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده. فانطلقوا إلى نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلا فقالوا: يا نبي الله، إن صاحبنا بريء. وإن صاحب الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علما، فاعذُرْ صاحبنا على رءوس الناس ¬

(¬1) مسند أبي يعلى (1/ 238) وفي إسناده جميل بن أبي ميمونة لم يوثقه سوى ابن حبان، وابن إسحاق مدلس وقد عنعن.

وجادل عنه. فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبرأه وعذرَه على رءوس الناس، فأنزل الله: {إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [يقول: احكم بما أنزل الله إليك في الكتاب] {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ [إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا]} ثم قال للذين أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفين بالكذب: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ [وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا. هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا]} يعني: الذين أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخفين يجادلون عن الخائنين ثم قال: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ [ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا]} يعني: الذين أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخفين بالكذب، ثم قال: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} يعني: السارق والذين جادلوا عن السارق. وهذا سياق غريب وكذا ذكر مجاهد، وعكرمة، وقتادة، والسدى، وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها أنزلت في سارق بني أبيرق على اختلاف سياقاتهم، وهي متقاربة. وقد روى هذه القصة محمد بن إسحاق مطولة، فقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية من جامعه، وابن جرير في تفسيره: حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحرَّاني، حدثنا محمد بن سلمة الحرَّاني، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عُمَر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قَتَادة بن النعمان، رضي الله عنه، قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أُبَيْرق: بِشْر وبشير ومُبَشّر، وكان بُشَير رجلا منافقًا، يقول الشعر يهجو به أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ينحله بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، وقال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث؟ - أو كما قال الرجل - وقالوا ابن الأبيرق قالها. قالوا: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدَّرْمَك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافطة من الشام، فابتاع

عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فحطه في مَشْربة له، وفي المشربة سلاح: درع وسيف، فَعُدى عليه من تحت البيت، فَنقّبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح. فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي، إنه قد عدى علينا في ليلتنا هذه. فنقبت مشربتنا وذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتجسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أُبَيْرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم. قال: وكان بنو أبيرق قالوا - ونحن نسأل في الدار -: والله ما نرى صاحبكم إلا لَبِيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام. فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟ والله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة. قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها. فقال لي عمي: يا ابن أخي، لو أتيتَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرت ذلك له. قال قتادة: فأتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنَقَبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه. فَلْيردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "سآمُرُ في ذلك". فلما سمع بنو أُبَيْرق أتوا رجلا منهم يقال له: أُسَير بن عمْرو فكلموه في ذلك، فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت. قال قتادة: فأتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمته، فقال: "عمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثَبَت ولا بينة؟ قال: فرجعت ولَوَدِدت أني خرجت من بعض مالي، ولم أكلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن نزل القرآن: {إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} بني أبيرق {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} مما قلت لقتادة {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ [إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ] (8)} إلى قوله: {رَحِيمًا} أي: لو استغفروا الله لغفر لهم {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} إلى قوله: {إِثْمًا مُبِينًا} قولهم للبيد: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} إلى

قوله: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} فلما نزل القرآن أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسلاح فردَّه إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخًا، قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله. فعرفت أن إسلامه كان صحيحًا، فلما نزل القرآن لحق بُشَيرٌ بالمشركين، فنزل على سُلافةَ بنت سعد بن سُمَية، فأنزل الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعره، فأخذت رَحْلَهُ فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فَرَمَتْ به في الأبطح، ثم قالت: أهديتَ لي شِعْر حسان؟ ما كنتَ تأتيني بخير. لفظ الترمذي، ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني: وروى يونس بن بُكَير وغير واحد، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عُمَر بن قتادة مرسلا لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده. ورواه ابن حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني، عن محمد بن سلمة، به ببعضه. ورواه ابن المنذر في تفسيره: حدثنا محمد بن إسماعيل - يعني الصائغ - حدثنا الحسن بن أحمد ابن أبي شعيب الحراني، حدثنا محمد بن سلمة - فذكره بطوله. ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن العباس بن أيوب والحسن بن يعقوب، كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، عن محمد بن سلمة، به. ثم قال في آخره: قال محمد بن سلمة: سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إسرائيل (¬1). وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري هذا الحديث في كتابه "المستدرك" عن أبي العباس الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار العُطاردي، عن يونس بن بُكَير، عن محمد بن إسحاق - بمعناه أتم منه، وفيه الشعر، ثم قال: وهذا حديث ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (3036) وتفسير الطبري (9/ 177) وانظر: حاشية الشيخ أحمد شاكر في كلامه على هذا الحديث (9/ 181).

صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (¬1). (النساء: 105) 249 - عن علي قال: سمعت أبا بكر - هو الصديق - يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن وضوءه، ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه، إلا كان حقا على الله أن يغفر له؛ لأنه يقول: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ [ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا]}. (النساء: 105) ثم رواه من طريق أبان بن أبي عياش، عن أبي إسحاق السَّبِيعي، عن الحارث، عن علي، عن الصديق - بنحوه. وهذا إسناد لا يصح (¬2). (النساء: 110) 250 - كعب بن ذُهْل الأزدي قال: سمعت أبا الدرداء يحدث قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا جلسنا حوله، وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع، ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما عليه، وإنه قام فترك نعليه. قال أبو الدرداء: فأخذ رَكْوَة من ماء فاتبعته، فمضى ساعة، ثم رجع ولم يقض حاجته، فقال: "إنه أتاني آت من ربي فقال: إنه: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} فأردت أن أبشر أصحابي". قال أبو الدرداء: وكانت قد شقت على الناس الآية التي قبلها: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} فقلت: يا رسول الله، وإن زنى وإن سرق، ثم استغفر ربه، غفرله؟ قال: "نعم" قلت الثانية، قال: "نعم"، ثم قلت الثالثة، قال: "نعم، وإن زنى وإن سرق، ثم استغفر الله غفر له على رغم أنف عويمر". قال: فرأيت أبا الدرداء يضرب أنف نفسه بأصبعه. هذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه بهذا السياق، وفي إسناده ضعف (¬3). (النساء: 110) ¬

(¬1) المستدرك (4/ 385 - 388) ووافقه الذهبي. (¬2) ذكره الدارقطني في العلل (1/ 179) ورواه في الأفراد كما في الأطراف لابن القيسراني (ق 13) وقال: "لم يروه عنه - أي عمر بن يزيد - غير داود بن مهران وهو غريب من حديث أبي إسحاق عن عبد خير". وقال في العلل: "أحسنها إسنادا وأصحها ما رواه الثوري ومسعر ومن تابعهما من عثمان بن المغيرة". وهي رواية أهل السنن. (¬3) ورواه الطبراني في معجمه كما في المجمع (7/ 11)، وقال الهيثمي: "فيه مبشر بن إسماعيل، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري وغيره". ورواه أبو داود في سننه برقم (4854) حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا مبشر بن إسماعيل فذكر أوله إلى قوله: "فترك نعليه".

251 - محمد بن يزيد بن خُنَيس قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده - وأومأ إلى دار العطارين - فدخل عليه سعيد بن حسان المخزومي فقال له سفيان الثوري: الحديث الذي كنت حدثتني به عن أم صالح اردُدْه علي. فقال: حدثتني أم صالح، عن صَفية بنت شَيْبة، عن أم حَبيبَة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلام ابن آدم كله عليه لا له ما خلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر [أو ذكر الله عز وجل"، قال سفيان: فناشدته] فقال محمد بن يزيد: ما أشد هذا الحديث؟ فقال سفيان: وما شدة هذا الحديث؟ إنما جاءت به امرأة عن امرأة، هذا في كتاب الله الذي أرسل به نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو ما سمعت الله يقول في كتابه: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} فهو هذا بعينه، أو ما سمعت الله يقول: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38] فهو هذا بعينه، أو ما سمعت الله يقول في كتابه: {والْعَصْرِ. إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. [إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ]} [سورة العصر]، فهو هذا بعينه. وقد روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن يزيد بن خُنَيس عن سعيد بن حسان، به. ولم يذكرا أقوال الثوري إلى آخرها، ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن خُنَيس. (¬1) (النساء: 114) 252 - عن أنس؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي أيوب: "ألا أدلك على تجارة؟ " قال: بلى: قال: "تسعى في صلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتُقَارب بينهم إذا تباعدوا" ثم قال البزار: وعبد الرحمن بن عبد الله العُمَري لَيّن، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها (¬2). (النساء: 114) 253 - مولى بن سِبَاع قال: سمعت ابن عمر يحدث، عن أبي بكر الصديق ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (2412) وسنن ابن ماجه برقم (3974).وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (4283). (¬2) رواه البزار في مسنده ح (6633) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 396): (رواه البزار وفيه عبد الرحمن بن عبد الله العمري وهو متروك).

قال: كنت عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أبا بكر، هل أقرئك آية نزلت علي؟ " قال: قلت: بلى يا رسول الله. فأقرأنيها فلا أعلم إلا أني وجدت انقصَامًا في ظهري حتى تمطأت فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مالك يا أبا بكر؟ " قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأينا لم يعمل السوء، وإنا لمجْزيُّون بكل سوء عملناه؟! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أما أنت وأصحابك يا أبا بكر المؤمنون فَتُجْزَوْنَ بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله، وليس لكم ذنوب، وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة". وهكذا رواه الترمذي ... ثم قال: وموسى بن عبيدة يضعف، ومولى بن سباع مجهول. (¬1) (النساء: 114) 254 - وقد ذكر ابن جرير في تفسيره، عن بعضهم أنه إنما سماه الله خليلا من أجل أنه أصاب أهل ناحيته جَدْب، فارتحل إلى خليل له من أهل الموصل - وقال بعضهم: من أهل مصر - ليمتار طعامًا لأهله من قِبَله، فلم يصب عنده حاجته. فلما قَرُب من أهله مَرَّ بمفازة ذات رمل، فقال: لو ملأت غَرَائري من هذا الرمل، لئلا أغُمّ أهلي برجوعي إليهم بغير ميرة، وليظنوا أني أتيتهم بما يحبون. ففعل ذلك، فتحول ما في غرائره من الرمل دقيقًا، فلما صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر، فوجدوا دقيقًا فعجنوا وخبزوا منه فاستيقظ، فسألهم عن الدقيق الذي منه خبزوا، فقالوا: من الدقيق الذي جئت به من عند خليلك فقال: نعم، هو من خليلي الله. فسماه الله بذلك خليلا. وفي صحة هذا ووقوعه نظر، وغايته أن يكون خبرا إسرائيليا لا يُصدَّق ولا يُكذَّب (النساء: 125) 255 - عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتظرونه، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع حديثهم، وإذا بعضهم يقول: عجبًا ¬

(¬1) سنن الترمذي ح (3039).وقال الألباني في الضعيفةح (1494): (وجملة القول: إن الحديث ضعيف؛ لضعف رواته وجهالة بعضهم، واختلافهم على ابن عمر في ضبط لفظه، ... لكن قد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما نزلت" من يعمل سوءا يجز به" بلغت من المسلمين مبلغا شديدا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قاربوا، وسددوا؛ ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها، أوالشوكة يشاكها".أخرجه مسلم (8/ 16) وأحمد (2/ 248).

إن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله! وقال آخر: ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما! وقال آخر: فعيسى روح الله وكلمته! وقال آخر: آدم اصطفاه الله! فخرج عليهم فسلم وقال: "قد سمعت كلامكم وتعجبكم أن إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وموسى كليمه، وعيسى روحه وكلمته، وآدم اصطفاه الله، وهو كذلك ألا وإني حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع، وأول مشَفع ولا فخر، وأنا أول من يحرك حِلَق الجنة، فيفتح الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر". وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها. (¬1) (النساء: 125) 256 - عن القاسم بن أبي بَزّة قال: بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سودة بنت زَمْعة بطلاقها، فلما أن أتاها جلست له على طريق عائشة، فلما رأته قالت له: أنشدك بالذي أنزل عليك كلامه واصطفاك على خلقه لمَّا راجعتني، فإني قد كبرت ولا حاجة لي في الرجال، لكن أريد أن أبعث مع نسائك يوم القيامة. فراجعها فقالت: إني جعلت يومي وليلتي لِحبّة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا غريب مرسل. (النساء: 128) 257 - عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". ثم رواه أبو داود عن أحمد بن يونس، عن مُعَرِّف، بن محارب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر معناه مرسلا. (¬2). (النساء: 128) ¬

(¬1) ورواه الترمذي في السنن برقم (3616) وقال: "هذا حديث غريب".وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (4077). (¬2) سنن أبي داود برقم (2177 - 2178)، وسنن ابن ماجة برقم (2018) من حديث ابن عمر. وقال ابن الملقن في البدر المنير (8/ 66 - 67): (وَهَذَا مُرْسل كَمَا ترَى، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث ابْن عمر هَذَا، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ عَن محَارب عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - مُرْسل، وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «علله»: إِن الْمُرْسل أشبه، وَقَالَ المنذريُّ: إِن الْمَشْهُور فِي هَذَا الحَدِيث أَنه مُرْسل، قَالَ: وَهُوَ غَرِيب، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة ابْن أبي شبية - يَعْنِي: مُحَمَّد بن عُثْمَان - يَعْنِي: السالفة الموصولة -: وَلَا أرَاهُ يحفظه ...) وضعفه الألباني في إرواء الغليل ح (2040).

258 - عن وهب بن مُنَبِّه قال: أتى عيسى وعنده سبعة عشر من الحواريين في بيت وأحاطوا بهم. فلما دخلوا عليه صَوَّرهم الله، عز وجل، كلهم على صورة عيسى، فقالوا لهم: سحرتمونا. ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا. فقال عيسى لأصحابه: من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة؟ فقال رجل منهم: أنا. فخرج إليهم وقال: أنا عيسى - وقد صوره الله على صورة عيسى - فأخذوه وقتلوه وصلبوه. فمن ثَمَّ شُبّه لهم، فظنوا أنهم قد قتلوا عيسى، وظنت النصارى مثل ذلك أنه عيسى، ورفع الله عيسى من يومه ذلك. وهذا سياق غريب جدًّا. (النساء: 158) 259 - عن عبد الصمد بن مِعْقَل: أنه سمع وهبًا يقول: إن عيسى ابن مريم لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا، جزع من الموت وشَقَّ عليه، فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما، فقال: احضروني الليلة، فإن لي إليكم حاجة. فلما اجتمعوا إليه من الليل عَشَّاهم وقام يخدمهم. فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده، ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارهوه، فقال: ألا من رد عليَّ شيئا الليلة مما أصنع، فليس مني ولا أنا منه. فأقرّوه، حتى إذا فرغ من ذلك قال: أمّا ما صنعت بكم الليلة، مما خدمتكم على الطعام، وغسلت أيديكم بيدي، فليكن لكم بي أسوة، فإنكم ترون أني خيركم، فلا يتعظَّم بعضكم على بعض، وليبذلْ بعضكم نفسه لبعض، كما بذلت نفسي لكم. وأما حاجتي الليلة التي أستعينكم عليها فتدعون لي الله، وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر أجلي. فلما نصبوا أنفسهم للدعاء، وأرادوا أن يجتهدوا، أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء، فجعل يوقظهم ويقول: سبحان الله! أما تصبرون لي ليلة واحدة تعينونني فيها؟ قالوا: والله ما ندري ما لنا. لقد كنا نَسْمُر فنكثر السَّمَرَ، وما نطيق الليلة سَمَرا، وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه. فقال: يُذْهَب بالراعي وتفرق الغنمُ. وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعَي به نفسه. ثم قال: الحقَّ، ليَكْفُرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات، وليبيعنّي أحدكم بدراهم يسيرة، وليأكلن ثمني، فخرجوا وتفرقوا، وكانت اليهود تطلبه، وأخذوا شمعون أحد الحواريين، وقالوا: هذا من أصحابه. فجحد وقال: ما أنا بصاحبه فتركوه، ثم أخذه آخرون، فجحد كذلك.

ثم سَمعَ صوتَ ديك فبكى وأحزنه، فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال: ما تجعلون لي إن دَلَلْتُكُمْ على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهما، فأخذها ودلَّهم عليه، وكان شُبِّه عليهم قبل ذلك، فأخذوه فاستوثقوا منه، وربطوه بالحبل، وجعلوا يقودونه ويقولون، له: أنت كنت تحيي الموتى، وتنهر الشيطان، وتبرئ المجنون، أفلا تنجي نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون عليه، ويلقون عليه الشوك، حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها، فرفعه الله إليه، وصلبوا ما شُبِّه لهم فمكث سبعًا. ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى عليه السلام، فأبرأها الله من الجنون، جاءتا تبكيان حيث المصلوب، فجاءهما عيسى فقال: علام تبكيان؟ فقالتا: عليك. فقال: إني قد رفعني الله إليه، ولم يصبني إلا خير، وإن هذا شُبِّه لهم فَأمُرَا الحواريين يلقوني إلى مكان كذا وكذا. فلقوه إلى ذلك المكان أحد عشر. وفقدوا الذي كان باعه ودل عليه اليهود، فسأل عنه أصحابه فقال: إنه ندم على ما صنع فاختنق، وقتل نفسه فقال: لو تاب لتاب الله عليه. ثم سألهم عن غلام كاد يتبعهم، يقال له: يحيى، قال: هو معكم، فانطلقوا، فإنه سيصبح كل إنسان يحدّثُ بلغة قومه، فلينذرهم وليدعهم. سياق غريب جدًّا. (النساء: 158) 260 - عن أبي أُمَامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أكثرُ خطبته حديثًا حدثناه عن الدجال، وحذرناه، فكان من قوله أن قال: "لم تكن فتنة في الأرض، منذ ذرأ الله ذُرِّية آدم، عليه السلام، أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبيًا إلا حَذَّر أُمَّته الدجال. وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين ظَهْرَانيكم، فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يَخْرُجُ من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم وإنه يخرج من خَلّة بين الشام والعراق، فيعيث يمينًا ويعيث شمالا". "ألا يا عباد الله، أيها الناس، فاثبتوا. وإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي: إنه يبدأ فيقول أنا نبي" فلا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: "أنا ربكم"، ولا ترون ربكم حتى تموتوا. وإنه أعور وإن ربكم، عز وجل، ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كلّ مؤمن، كاتب وغير كاتب. وإن من فتنته أن معه جنة ونارا، فناره جنة

وجنته نار. فمن ابتلي بناره فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف، فتكون عليه بردًا وسلاما، كما كانت النار على إبراهيم عليه السلام وإن من فتنته أن يقول لأعرابيّ: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني، اتبعه، فإنه ربك. وإن من فتنته أن يُسَلّط على نفس واحدة فيقتلها وينشرها بالمنشار، حتى يُلْقَى شقين ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا، فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربًّا غيري. فيبعثه الله، فيقول له الخبيث: من ربك، فيقول: ربي الله. وأنت عدو الله، الدجال، والله ما كنتُ بعدُ أشدّ بصيرة بك مني اليوم". قال أبو حسن الطَّنَافِسيّ: فحدثنا المحاربي، حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصّافي، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة". قال: قال أبو سعيد: والله ما كنا نُرَى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب، حتى مضى لسبيله. قال المحاربي: ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال: وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تُمْطر، فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت، فتنبت، وإن من فتنته أن يَمُر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر، فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت، فتنبت. حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه، وأمَدّه خواصر، وأدره ضُروعا، وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة، فإنه لا يأتيهما من نَقْب من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صَلتة، حتى ينزل عند الظّرَيب الأحمر، عند مُنْقَطع السَّبخَة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رَجَفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فَتَنْفى الخَبَثَ منها كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديد، ويُدعى ذلك اليوم يوم الخلاص. فقالت أم شَرِيك بنت أبي العَكَر يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال: "هم قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يُصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم عليه السلام، الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص، يمشي القهقرى؛ ليقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى، عليه السلام، يده بين كتفيه ثم يقول: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت. فيصلي بهم إمامهم، فإذا

انصرف قال عيسى، عليه السلام: افتحوا الباب. فيفتح، ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربًا، ويقول عيسى عليه السلام إن لي فيك ضَرْبَة لن تستبقني بها. فيدركه عند باب لُدّ الشرقي، فيقتله، ويهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله تعالى يتوارى به اليهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر، ولا شجر، ولا حائط، ولا دابة - إلا الغَرْقدة فإنها من شجرهم لا تنطق - إلا قال: يا عبد الله المسلم، هذا يهودي، فتعال اقتله. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وإن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة، يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي". فقيل له: يا نبي الله كيف نصلي، في تلك الأيام القصار؟ قال: "تقدرون فيها الصلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطوال. ثم صَلّوا". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا وإماما مُقْسطا، يَدُقُّ الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يُسْعَى على شاة ولا بعير، وترتفع الشحناء والتباغض، وتُنزع حُمَة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتُفرُّ الوليدة الأسدّ فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرضُ من السّلم كما يُمْلأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها كعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القِطْف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا، من المال، ويَكون الفرس بالدريهمات. قيل: يا رسول الله، وما يرخص الفرس؟ قال: "لا تركب لحرب أبدًا" قيل له: فما يُغلي الثور؟ قال: "تُحْرث الأرض كلها". وإن قَبْلَ خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تَقْطر قطرة، ويأمر الأرض أن تحبس نباتها كله، فلا تُنْبتُ خضراء، فلا تبقى ذات ظلْف إلا هلكت، إلا ما

شاء الله". فقيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: "التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد، ويجرى ذلك عليهم مجرى الطعام". قال ابن ماجه: سمعت أبا الحسن الطَّنَافِسي يقول: سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب، حتى يعلمه الصبيان في الكتاب. هذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه، ولبعضه شواهد من أحاديث أخر. (¬1) (النساء: 159) 261 - عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا". قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: "ثلاثمائة وثلاثة عشر جَمّ غَفِير". قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: "آدم". قلت: يا رسول الله، نبي مرسل؟ قال: "نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سَوَّاه قِبَلا". ثم قال: "يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم، وشيث، ونوح، وخَنُوخ - وهو إدريس، وهو أول من خط بقلم - وأربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر، وأول نبي من أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى. وأول النبيين آدم، وآخرهم نبيك". قد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم ابن حبان البستي في كتابه: "الأنواع والتقاسيم" وقد وَسَمَه بالصحة، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي، فذكر هذا الحديث في كتابه "الموضوعات"، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث (¬2) فالله أعلم. . (النساء: 164) 262 - عن أبي أُمَامة قال: قلت: يا نبي الله، كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غَفِيرًا". مُعَان بن رفاعة السَّلامي ضعيف، وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم أبو عبد الرحمن ضعيف أيضا (¬3). (النساء: 164) 263 - عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بعث الله ثمانية آلاف نبي، أربعة آلاف ¬

(¬1) سنن ابن ماجة برقم (4077)،وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (6384). (¬2) وضعفه جدا شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان (2/ 76) ط. الرسالة. الطبعة الثالثة. (¬3) ذكره السيوطي في الدر المنثور (2/ 746).

إلى بني إسرائيل، وأربعة آلاف إلى سائر الناس". وهذا أيضا إسناد ضعيف فيه الربذي ضعيف، وشيخه الرَّقَاشي أضعف منه أيضا والله أعلم. (النساء: 164) 264 - عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي، ثم كان عيسى ابن مريم، ثم كنت أنا" (¬1). وقد رويناه عن أنس من وجه آخر، فأخبرني الحافظ أبو عبد الله الذهبي، ... عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بعثت على إثر من ثلاثة آلاف نبي من بني إسرائيل". وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده لا بأس به، رجاله كلهم معروفون إلا أحمد بن طارق هذا، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح والله أعلم (¬2). (النساء: 164) 265 - عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني أختم ألفَ ألفَ نبيٍّ أو أكثرَ، ما بعث الله من نبي إلى قومه إلا حذَّرهم الدجالَ .... " وذكر تمام الحديث، هذا لفظه بزيادة "ألْف" وقد تكون مُقْحَمة والله أعلم. وسياق رواية الإمام أحمد أثبت وأولى بالصحة، ورجال إسناد هذا الحديث لا بأس بهم. (النساء: 164) 266 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَما كلم الله موسى كان يُبْصِرُ دبيبَ النمل على الصفا في الليلة الظلماء". وهذا حديث غريب، وإسناده لا يصح، وإذا صح موقوفًا كان جيدًا. (النساء: 164) 267 - عن ابن عباس قال: إن الله ناجَى موسى بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة، في ثلاثة أيام، وصايا كلها، فلما سمع موسى كلام الآدميين مَقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب، عز وجل. وهذا أيضًا إسناد ضعيف، فإن جُوَيْبِرًا ضعيف، والضَّحاك لم يدرك ابنَ عباس رضي الله عنه. (النساء: 164) 268 - عن جابر بن عبد الله قال: لما كلم الله موسى يوم الطورِ، كلَّمه بغير الكلام الذي كلَّمه يوم ناداه، فقال له موسى: يا رب، هذا كلامك الذي كلمتني به؟ قال: لا يا ¬

(¬1) مسند أبي يعلى (7/ 131) وقال الهيثمي في المجمع (8/ 211): "فيه محمد بن ثابت العبدي وهو ضعيف". (¬2) ورواه أبو نعيم في الحلية (3/ 162) من طريق مسلم بن خالد الزنجي به. وقال: "غريب".

موسى، أنا كلمتك بقوة عَشَرةِ آلاف لسان، ولي قوةُ الألْسِنة كلها، وأنا أقوى من ذلك. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا: يا موسى، صِفْ لنا كلام الرحمن. قال: لا أستطيعه. قالوا: فشبه لنا. قال: ألم تسمعوا إلى صوت الصواعق فإنها قريب منه، وليس به. وهذا إسناد ضعيف، فإن الفضلَ هذا الرقاشي ضعيف بمرة. (النساء: 164) 269 - عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قال: أجورهم: أدخلهم الجنة". {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قال: "الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم". وهذا إسناد لا يثبت، وإذا روي عن ابن مسعود موقوفًا فهو جيد. (النساء: 164) 270 - عن إبراهيم، عن عمر قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الكلالة، فقال: " يكفيك آية الصيف ". فقال: لأن أكون سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها أحبَّ إليّ من أن يكونَ لي حُمْر النَّعم. وهذا إسناد جيد إلا أن فيه انقطاعًا بين إبراهيم وبين عُمَر، فإنه لم يدركه. (النساء: 176) 271 - عن محمد بن سيرين قال: كانوا في مسير، ورأس راحلة حذيفة عند رِدْف راحلة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأس راحلة عمر عند ردف راحلة حذيفة. قال: ونزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} فلقَّاها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حذيفة، فلقاها حذيفة عُمَر، فلما كان بعد ذلك سأل عُمَرُ عنها حذيفة فقال: والله إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقَّانيها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقيتكها كما لقانيها، والله لا أزيدك عليها شيئًا أبدًا. قال: فكان عمر [رضي الله عنه] يقول: اللهم إن كنت بينتها له فإنها لم تُبَين لي. وهو منقطع بين ابن سيرين وحذيفة. (النساء: 176) 272 - عن سعيد -[هو] ابن المسيَّب - أن عمر سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يُوَرّث الكلالة؟ قال: فأنزل الله {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ]} الآية، قال: فكأن عمر لم يفهم. فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طيب نَفْس فسليه عنها، فرأت منه طيب نفس فسألته عنها، فقال: "أبوك ذكر لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها". قال:

سورة المائدة

وكان عمر يقول: ما أراني أعلمها، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال. رواه ابن مَرْدُوَيه، ثم رواه من طريق ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس: أن عمر أمر حَفْصَة أن تسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الكلالة، فأملاها عليها في كَتَفٍ، فقال: "من أمرك بهذا؟ أعمر؟ ما أراه يقيمها، أوما تكفيه آية الصيف؟ " قال سفيان: وآية الصيف التي في النساء: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ}،فلما سألوا رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزلت الآية التي هي خاتمة النساء، فألقى عمر الكتف. كذا قال في هذا الحديث، وهو مرسل. (النساء: 176) سورة المائدة 273 - عن ابن عباس قال: ما في القرآن آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلا أن عليًا سيدها وشريفها وأميرها، وما من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد إلا قد عوتب في القرآن إلا علي بن أبي طالب، فإنه لم يعاتبْ في شيء منه. فهو أثر غريب ولفظه فيه نكارة، وفي إسناده نظر. قال البخاري: عيسى بن راشد هذا مجهول، وخبره منكر. قلت: وعلي بن بذيمة - وإن كان ثقة - إلا أنه شيعي غالٍ، وخبره في مثل هذا فيه تُهمة فلا يقبل. وقوله: "ولم يبق أحد من الصحابة إلا عوتب في القرآن إلا عليًا" إنما يشير به إلى الآية الآمرة بالصدقة بين يدي النجوي، فإنه قد ذَكَر غير واحد أنه لم يعمل بها أحد إلا عليٌّ، ونزل قوله: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ} الآية [سورة المجادلة: 13] وفي كون هذا عتابًا نظر؛ فإنه قد قيل: إن الأمر كان ندبا لا إيجابا، ثم قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل، فلم ير من أحد منهم خلافه. وقوله عن علي: "إنه لم يعاتب في شيء من القرآن" فيه نظر أيضًا؛ فإن الآية التي في الأنفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفِداء عَمَّت جميع من أشار بأخذه، ولم يسلم منها إلا عُمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فعلم بهذا، وبما تقدم ضَعفُ هذا الأثر، والله أعلم. (المائدة: 1)

274 - عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أحِلَّ لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال". وكذا رواه أحمد بن حنبل، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي، من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف. قال الحافظ البيهقي: ورواه إسماعيل بن أبي إدريس عن أسامة، وعبد الله، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وثلاثتهم ضعفاء، ولكن بعضهم أصلح من بعض. وقد رواه سليمان بن بلال أحد الأثبات، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، فوقفه بعضهم عليه. قال الحافظ أبو زرعة الرازي: وهو أصح. (المائدة: 3) 275 - عن أبي الطُّفَيْل قال: نزل آدم بتحريم أربع: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، وإن هذه الأربعة الأشياء لم تحل قط، ولم تزل حراما منذ خلق الله السموات والأرض، فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم، فلما بعث الله عيسى ابن مريم، عليه السلام، نزل بالأمر الأول الذي جاء به آدم [عليه السلام] وأحل لهم ما سوى ذلك فكذبوه وعصوه. وهذا أثر غريب. (المائدة: 3) 276 - عن ربعي بن عبد الله قال: سمعت الجارود بن أبي سَبْرَة - قال: هو جدي - قال: كان رجل من بني رَيَاح يقال له: ابن وَثَيِل، وكان شاعرا، نافر - غالبا - أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة، على أن يعقر هذا مائة من إبله، وهذا مائة من إبله، إذا وردت الماء، فلما وردت الماء قاما إليها بالسيوف، فجعلا يَكْسفان عَرَاقيبها. قال: فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم - قال: وعَليٌّ بالكوفة - قال: فخرج عليّ على بغلة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيضاء وهو ينادي: يا أيها الناس، لا تأكلوا من لحومها فإنما أهل بها لغير الله. هذا أثر غريب، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا حماد بن مَسْعَدة، عن عوف، عن أبي رَيْحانة، عن ابن عباس قال: نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مُعاقرة الأعراب. ثم قال أبو داود: محمد بن جعفر - هو غُنْدَر - أوقفه على ابن عباس. تفرد به أبو داود وقال أبو داود أيضا: حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء، حدثنا أبي، حدثنا جرير بن حازم، عن الزبير بن خريت قال:

سمعت عِكْرِمة يقول: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل. ثم قال أبو داود: أكثر من رواه عن جرير لا يذكر فيه ابن عباس. تفرد به أيضا. (المائدة: 3) 277 - وفي الحديث الذي رواه الدارقطني (¬1) [عن أبي هريرة] مرفوعا، وفيه نظر، وروي عن عمر موقوفا، وهو أصح " ألا إن الذكاة في الحلق واللبّة، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق". (المائدة: 3) 278 - عن ابن عباس قال: ولد نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين، [ونبئ يوم الاثنين] وخرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وأنزلت سورة المائدة يوم الاثنين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ورفع الذكر يوم الاثنين، فإنه أثر غريب، وإسناده ضعيف. وقد رواه الإمام أحمد: ... عن ابن عباس قال: ولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين، واستنبئ يوم الاثنين، وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين، ووضع الحجر الأسود يوم الاثنين. هذا لفظ أحمد، ولم يذكر نزول المائدة يوم الاثنين فالله أعلم. ولعل ابن عباس أراد أنها نزلت يوم عيدين اثنين كما تقدم، فاشتبه على الراوي، والله أعلم. (المائدة: 3) 279 - عن ابن عباس في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يقول: ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس قال: وقد قيل: إنها نزلت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسِيره إلى حجة الوداع. ثم رواه من طريق أبى جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس. قلت: وقد روى ابن مَرْدُويه من طريق أبي هارون العَيْدي، عن أبي سعيد الخدري؛ أنها أنزلت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم غَدِير خُم حين قال لعلي: "من كنتُ مولاه فَعَليٌّ مولاه". ثم رواه عن ¬

(¬1) سنن الدارقطني (4/ 283) من طريق سعيد بن سلام، عن عبد الله بن بديل، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بديل بن ورقاء على أورق يصيح في فجاج منى: "ألا إن الذكاة في الحلق واللبة، ألا ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق".وسعيد بن سلام ضعيف قال البخاري: يذكر بوضع الحديث، وروي موقوفا على عمر بن الخطاب. رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 278) من طريق يحيى بن أبي كثير، عن فرافصة الحنفي، عن عمر به.

أبي هريرة (¬1) وفيه: أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يعني مرجعه عليه السلام من حجة الوداع. ولا يصح هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية: أنها أنزلت يوم عرفة، وكان يوم جمعة، كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وسَمُرَة بن جندب، رضي الله عنهم، وأرسله [عامر] الشعبي، وقتادة بن دعامة، وشَهْر بن حَوْشَب، وغير واحد من الأئمة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري، رحمه الله. (المائدة: 3) 280 - عن سعيد بن المسيَّب، عن سلمان الفارسي، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه، وقد أكل منه، فليأكل ما بقي ". ثم قال ابن جرير: وفي إسناد هذا الحديث نظر، وسعيد غير معلوم له سماع من سلمان، والثقات يروونه من كلام سلمان غير مرفوع. وهذا الذي قاله ابن جرير صحيح، لكن قد روي هذا المعنى مرفوعا من وجوه أخر، فقال أبو داود: حدثنا محمد بن مِنْهال الضرير، حدثنا يزيد بن زُرَيْع، حدثنا حبيب المعلم، عن عَمْرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن أعرابيا - يقال له: أبو ثعلبة - قال: يا رسول الله، إن لي كلابا مُكَلَّبة، فأفتني في صيدها. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن كان لك كلاب مكلبة، فكل مما أمسكن عليك". فقال: ذكيا وغير ذكي؟ قال: "نعم". قال: وإن أكل منه؟ قال: "نعم، وإن أكل منه". قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي. فقال: "كُلْ ما ردت عليك قوسك" قال: ذكيا وغير ذكي؟ قال: "وإن تغيب عنك ما لم يصل، أو تجد فيه أثر غير سهمك". قال: أفتني في آنية المجوس إذا ¬

(¬1) وفي إسناده أبو هارون العبدي شيعي متروك، لكن تابعه عطية العوفي رواه الطبراني في الأوسط برقم (3737) "مجمع البحرين"، وحديث أبي هريرة رواه الطبراني في الأوسط برقم (3738) "مجمع البحرين". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية: "ليس في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته فنقل عنه البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه، ونقل عن أحمد بن حنبل أنه حسنه كما حسنه الترمذي". وقد جمع طرق هذا الحديث الشيخ ناصر الألباني في السلسلة الصحيحة (1750).

اضطررنا إليها. قال: "اغسلها وكل فيها". هكذا رواه أبو داود (¬1) وقد أخرجه النسائي. وكذا رواه أبو داود، من طريق بُسْر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ثعلبة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل، وإن أكل منه، وكل ما ردت عليك يدك" (¬2) وهذان إسنادان جيدان، وقد روى الثوري، عن سِماك بن حَرْب، عن عَدِيٍّ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما كان من كلب ضار أمسك عليك، فكل". قلت: وإن أكل؟ قال: "نعم". وروى عبد الملك بن حبيب: حدثنا أسد بن موسى، عن ابن أبي زائدة، عن الشعبي، عن عَدي مثله. (¬3) فهذه آثار دالة على أنه يغتفر إن أكل منه الكلب. وقد احتج بها من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبهه، كما تقدم عمن حكيناه عنهم. (المائدة: 3) 281 - عن عائشة؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أما إنه لو كان ذكر اسم الله لكفاكم، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره ".وهكذا رواه ابن ماجه ... وهذا منقطع بين عبد الله بن عبيد بن عمير وعائشة، فإنه لم يسمع منها هذا الحديث، (¬4) بدليل ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب، أخبرنا هشام - يعني ابن أبي عبد الله الدَّسْتَوائي - عن بديل، عن عبد الله بن عبيد بن عمير؛ أن امرأة منهم - يقال لها: أم كلثوم - حدثته، عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأكل طعاما في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي جائع فأكله بلقمتين، فقال: "أما إنه لو ذكر اسم الله لكفاكم، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي اسم الله في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره ". [و] رواه أحمد أيضا، وأبو داود، والترمذي، والنسائي من غير ¬

(¬1) سنن أبي داود برقم (2857). (¬2) سنن أبي داود برقم (2852) ولم أجده في سنن النسائي. (¬3) ورواه البخاري في صحيحه برقم (5475) ومسلم في صحيحه برقم (1929) من طريق زكريا بن أبي زائدة، به. (¬4) المسند (6/ 143) وسنن ابن ماجه برقم (3264).

وجه، عن هشام الدستوائي، به وقال الترمذي: حسن صحيح. (¬1) (المائدة: 4) 282 - حديث روي مرسلا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "سُنوا بهم سنة أهل الكتاب" (¬2)، ولكن لم يثبت بهذا اللفظ، وإنما الذي في صحيح البخاري: عن عبد الرحمن بن عوف؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ الجزية من مَجوس هَجَر ولو سلم صحة هذا الحديث، فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} فدل بمفهومه - مفهوم المخالفة - على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل. (المائدة: 5) 283 - عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من توضأ على طُهْر كتب له عشر حسنات " .... وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه من حديث الإفريقي، به نحوه وقال الترمذي: وهو إسناد ضعيف. (¬3). (المائدة: 6) 284 - عن عبد الله بن عَلْقَمَة بن الفَغَواء، عن أبيه، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراق البول نكلمه فلا يكلمنا، ونسلم عليه فلا يرد علينا، حتى نزلت آية الرخصة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} الآية. (¬4) ورواه ابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم، عن أبي كُرَيْب، به نحوه. وهو حديث غريب جدًا، وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي، ضعفوه. (المائدة: 6) 285 - عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ أدار الماء على ¬

(¬1) المسند (6/ 265)، (6/ 246) وسنن أبي داود برقم (3767) وسنن الترمذي برقم (1858) وسنن النسائي الكبرى برقم (10112). (¬2) رواه مالك في الموطأ (1/ 278) ومن طريقة الشافعي في السنن (1183) والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 189) عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". ومحمد بن علي لم يسمع من عمر، فهو منقطع. (¬3) سنن أبي داود برقم (62) وسنن الترمذي برقم (59) وسنن ابن ماجة برقم (512). (¬4) تفسير الطبري (10/ 23) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 6) من طريق أبي كريب به. وقال الهيثمي في المجمع (1/ 276): "فيه جابر الجعفي وهو ضعيف".

مرفقيه. ولكن القاسم هذا متروك الحديث، وجده ضعيف والله أعلم. (¬1) (المائدة: 6) 286 - عن قتادة بن دعامة قال: حدثنا أنس بن مالك؛ أن رجلا جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توضأ، وترك على قدمه مثل موضع الظفر، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارجع فأحسن وضوءك ". وهكذا رواه أبو داود عن هارون بن معروف، وابن ماجه، عن حَرْمَلَة بن يحيى، كلاهما عن ابن وَهْب به وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، لكن قال أبو داود: [و] ليس هذا الحديث بمعروف، لم يروه إلا ابن وهب. (¬2) (المائدة: 6) 287 - عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمتُ العراق قبلك، ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل". هذا حديث غريب من هذا الوجه (¬3) وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين من حديث جابر بن سَمُرة قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا". ثم تكلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكلمة خفيت عَلَيّ، فسألت أبي: ماذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: "كلهم من قريش".وهذا لفظ مسلم ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحًا يقيم الحق ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وجد منهم أربعة على نَسَق، وهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة، وبعض بني العباس. ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره: أنه يُواطئُ اسمُه اسم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسم أبيه اسم أبيه، فيملأ الأرض عدْلا وقِسْطًا، كما ملئت جَوْرا وظُلْمًا، ¬

(¬1) سنن الدارقطني (1/ 83) وسنن البيهقي الكبرى (1/ 56). قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/ 293): "ضعيف". (¬2) السنن الكبرى (1/ 70) وسنن أبي داود برقم (173) وسنن ابن ماجة برقم (665). (¬3) المسند (1/ 398) وقال الهيثمي في المجمع (5/ 190): "فيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات".

وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب "سَامرّاء". فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هَوَسِ العقول السخيفة، وَتَوَهُّم الخيالات الضعيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة [الاثني عشر] الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض، لجهلهم وقلة عقلهم. وفي التوراة البشارة بإسماعيل، عليه السلام، وأن الله يقيم من صُلْبِه اثني عشر عظيما، وهم هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعود، وجابر بن سَمُرة، وبعض الجهلة ممن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنهم الأئمة الاثنا عشر، فيتشيع كثير منهم جهلا وسَفَها، لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (المائدة: 12) 288 - عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة، كُتِب ملكا".وهذا حديث غريب من هذا الوجه (¬1). (المائدة: 20) 289 - زيد بن أسلم يقول: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} فلا أعلم إلا أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كان له بيت وخادم فهو ملك". وهذا مرسل غريب. (المائدة: 20) 290 - عن ابن عباس قال: أمرَ موسى أن يدخل مدينة الجبارين. قال: فسار موسى بمن معه حتى نزل قريبًا من المدينة - وهي أريحا - فبعث إليهم اثني عشر عينًا، من كل سبط منهم عين، ليأتوه بخبر القوم. قال: فدخلوا المدينة فرأوا أمرًا عظيما من هيئتهم وجُثَثهم وعِظَمِهم، فدخلوا حائطا لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه، فجعل يجتني الثمار. وينظرإلى آثارهم، فتتبعهم فكلما أصاب واحدًا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة، حتى التقت الاثنى عشر كلهم، فجعلهم في كمه مع الفاكهة، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال لهم الملك: قد رأيتم شأننا وأمرنا، فاذهبوا فأخبروا صاحبكم. قال: فرجعوا إلى موسى، فأخبروه بما عاينوا من أمرهم. وفي هذا الإسناد نظر. (المائدة: 20) ¬

(¬1) وفي إسناده ابن لهيعة ودراج ضعيفان ورواية دراج عن أبي الهيثم ضعيفة.

291 - قلت: وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول، ويذكرون في ذلك حديثا لا أصل له: ما ترك القاتل على المقتول من ذنب. (المائدة: 29) 292 - وقد روى الحافظ أبو بكر البزار حديثًا يشبه هذا، ولكن ليس به، فقال: ... عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قتل الصَّبْر لا يمر بذنب إلا محاه". وهذا بهذا لا يصح (¬1) ولو صح فمعناه أن الله يكفر عن المقتول بألم القتل ذنوبه، فأما أن تحمل على القاتل فلا. ولكن قد يتفق هذا في بعض الأشخاص، وهو الغالب، فإن المقتول يطالب القاتل في العَرَصات فيؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته، فإن نفدت ولم يستوف حقه أخذ من سيئات المقتول فطُرِحَت على القاتل، فربما لا يبقى على المقتول خطيئة إلا وضعت على القاتل. وقد صح الحديث بذلك عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المظالم كلها، والقتل من أعظمها وأشدها، والله أعلم. (المائدة: 29) 293 - عن الحسن - هو البصري - قال: كان الرجلان اللذان في القرآن، اللذان قال الله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} من بني إسرائيل، ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كان القُربان في بني إسرائيل، وكان آدم أول من مات. وهذا غريب جدًا، وفي إسناده نظر. (المائدة: 31) 294 - عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن ابني آدم، عليه السلام، ضُربا لهذه الأمة مثلا فخذوا بالخير منهما ورواه ابن المبارك عن عاصم الأحول، عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا من خيرهم ودعوا الشر". وكذا أرسل هذا الحديث بكر بن عبد الله المزني، روى ذلك كله ابن جرير. (المائدة: 31) 295 - عن جرير قال: قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قومٌ من عُرَيْنَة حُفَاة مضرورين، فأمر بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما صحوا واشتدوا قتلوا رعَاء اللقاح، ثم خرجوا باللقاح عامدين بها إلى أرض قومهم، قال جرير: فبعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نفر من المسلمين ¬

(¬1) مسند البزار برقم (1545) "كشف الأستار" وقال البزار: "لا نعلمه يروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أسنده إلا يعقوب".

حتى أدركناهم بعدما أشرفوا على بلاد قومهم، فقدمنا بهم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسَمَل أعينهم، فجعلوا يقولون: الماء. ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "النار"! حتى هلكوا. قال: وكره الله، عز وجل، سَمْل الأعين، فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى آخر الآية. هذا حديث غريب وفي إسناده الرَّبَذيّ وهو ضعيف، وفيه فائدة، وهو ذكر أمير هذه السرية، وهو جرير بن عبد الله البجلي (¬1) وتقدم في صحيح مسلم أن السرية كانوا عشرين فارسا من الأنصار. وأما قوله: "فكره الله سمل الأعين، فأنزل الله هذه الآية" فإنه منكر، وقد تقدم في صحيح مسلم أنهم سَملوا أعين الرعاء، فكان ما فعل بهم قصاصا، والله أعلم. (المائدة: 31) 296 - عن سلمة بن الأكوع قال: كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غلام يقال له: "يَسار" فنظر إليه يُحسن الصلاة فأعتقه، وبعثه في لقاح له بالحَرَّة، فكان بها، قال: فأظهر قوم الإسلام من عُرَينة، وجاءوا وهم مرضى موعوكون قد عظمت بطونهم، قال: فبعث بهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى "يسار" فكانوا يشربون من ألبان الإبل حتى انطوت بطونهم، ثم عدوا على "يسار" فذبحوه، وجعلوا الشوك في عينيه، ثم أطردوا الإبل، فبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آثارهم خيلا من المسلمين، أميرهم كُرْزُ بن جابر الفِهْري، فلحقهم فجاء بهم إليه، فقطع ¬

(¬1) فائدة: قال الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على تفسير الطبري (10/ 248): "وهذا الخبر ضعيف جدًا، وهو أيضًا لا يصح؛ لأن جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفد على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العام الذي توفي فيه، وخبر العرنيين كان في شوال سنة ست، في رواية الواقدي (ابن سعد 2/ 1/67)، وكان أمير السرية كرز بن جابر الفهري. وذلك قبل وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شهر ربيع الأول سنة 11 من الهجرة، بأعوام. وهذا الخبر، ذكره الحافظ ابن حجر، في ترجمة "جرير بن عبد الله البجلي"، وضعفه جدا. أما ابن كثير، فذكره في تفسيره (3/ 139) وقال: "هذا حديث غريب، وفي إسناده الربذي، وهو ضعيف. وفي إسناده فائدة: وهو ذكر أمير هذه السرية. وهو جرير بن عبد الله البجلي. وتقدم في صحيح مسلم أن هذه السرية كانوا عشرين فارسًا من الأنصار. وأما قوله: "فكره الله سمل الأعين" فإنه منكر. وقد تقدم في صحيح مسلم أنهم سملوا أعين الرعاء، فكان ما فعل بهم قصاصا، والله أعلم". والعجب لابن كثير، يظن فائدة فيما لا فائدة له، فإن أمير هذه السرية، كان ولا شك، كرز بن جابر الفهري، ولم يرو أحد أن أميرها كان جرير بن عبد الله البجلي، إلا في هذا الخبر المنكر.

أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم. غريب جدًا. (¬1) وقد روى قصة العرنيين من حديث جماعة من الصحابة، منهم جابر وعائشة وغير واحد. وقد اعتنى الحافظ الجليل أبو بكر بن مردُويه بتطريق هذا الحديث من وجوه كثيرة جدًا، فرحمه الله وأثابه. (المائدة: 32) 297 - ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره - إن صح سنده - فقال: عن يزيد بن أبي حبيب؛ أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس [بن مالك] يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه يخبره: أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العُرَنِيِّين - وهم من بَجِيلة - قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام. قال أنس: فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل، عليه السلام، عن القضاء فيمن حارب، فقال: من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته، ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام، فاصلبه. (المائدة: 32) 298 - عن علي، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "في الجنة درجة تدعى الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة". قالوا: يا رسول الله، من يسكن معك؟ قال: "علي وفاطمة والحسن والحسين". هذا حديث غريب منكر من هذا الوجه (¬2). (المائدة: 35) 299 - عن علي بن الحسين الأزْدِي - مولى سالم بن ثَوْبان - قال: سمعت علي بن أبي طالب ينادي على منبر الكوفة: يا أيها الناس، إن في الجنة لؤلؤتين: إحداهما بيضاء، والأخرى صفراء، أما الصفراء فإنها إلى بُطْنَان العرش، والمقام المحمود من اللؤلؤة البيضاء سبعون ألف غرفة، كل بيت منها ثلاثة أميال، وغرفها وأبوابها وأسرتها وكأنها من عرق واحد، واسمها الوسيلة، هي لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته، والصفراء فيها مثل ¬

(¬1) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (7/ 6) من طريق الحسين التستري به. قال الهيثمي في المجمع (6/ 249): "فيه موسى بن إبراهيم التيمي وهو ضعيف". (¬2) ووجه غرابته أنه من رواية عبد الحميد بن بحر البصري، قال ابن حبان: كان يسرق الحديث، والحارث هو الأعور كذبه الشعبي وضعفه جماعة.

ذلك، هي لإبراهيم، عليه السلام، وأهل بيته. وهذا أثر غريب أيضا (¬1). (المائدة: 39) 300 - عن أبي هريرةأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتي بسارق قد سرق شملة فقال: "ما إخَاله سرق"! فقال السارق: بلى يا رسول الله. قال: "اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه، ثم ائتوني به".فقطع فأتي به، فقال: "تب إلى الله".فقال: تبت إلى الله. فقال: "تاب الله عليك".وقد روي من وجه آخر مرسلا ورجح إرساله علي بن المديني وابن خُزَيْمة رحمهما الله. (¬2) (المائدة: 39) 301 - عن جارية بن ظفر الحنفي أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف من غير المفصل، فقطعها، فاستعدى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر له بالدية، فقال: يا رسول الله، أُريد القصاص. فقال: "خذ الدية، بارك الله لك فيها". ولم يقض له بالقصاص. (¬3) وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد، وَدَهْثَم بن قُرَّان العُكلي ضعيف أعرابي، ليس حديثه مما يحتج به، ونمران بن جارية ضعيف أعرابي أيضًا، وأبوه جارية بن ظفر مذكور في الصحابة. (¬4) (المائدة: 45) 302 - عن جابر بن عبد الله قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله: {فَسَوْفَ يَاتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قال: "هؤلاء قوم من أهل اليمن، ثم من كندة، ثم من السكون، ثم من تجيب". (¬5) وهذا حديث غريب جدا. (المائدة: 54) 303 - عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي ¬

(¬1) وفي إسناده سعد بن طريف الإسكافي، قال ابن معين: لا يحل لأحد أن يروي عنه، وقال أحمد وأبو حاتم: ضعيف، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الفور. ميزان الاعتدال (2/ 122). (¬2) رواه الدارقطني في السنن (3/ 103) وأبو داود في المراسيل برقم (244) وعبد الرزاق في المصنف برقم (13583) من طريق سفيان عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا. (¬3) سنن ابن ماجة برقم (2636) (¬4) الاستذكار (25/ 287). (¬5) وذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/ 95) ولم يذكر محمد بن قيس في سنده كما هو هنا في تفسيره، وقال: سمعت أبي يقول: "هذا حديث باطل".

طالب. عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به. (المائدة: 56) 304 - عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية. الضحاك لم يلق ابن عباس. (المائدة: 56) 305 - وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي - وهو متروك - عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد، والناس يصلون، بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "أعطاك أحد شيئًا؟ " قال: نعم. قال: "من؟ " قال: ذلك الرجل القائم. قال: "على أي حال أعطاكه؟ " قال: وهو راكع، قال: "وذلك علي بن أبي طالب". قال: فكبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ذلك، وهو يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}. وهذا إسناد لا يفرح به. ثم رواه ابن مردويه، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه، وعمار بن ياسر، وأبي رافع. وليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها. . (المائدة: 56) 306 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الحيات مَسْخ الجن، كما مُسِخَتِ القردة والخنازير". هذا حديث غريب جدا (¬1) (المائدة: 60) 307 - وقد ذكر ابن أبي حاتم، عند قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} حديث علقمة، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يوشك أن يرفع العلم". فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله، وكيف يرفع العلم ¬

(¬1) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (1080) "موارد" والطبراني في المعجم الكبير (11/ 341) والبزار في مسنده برقم (1232) "كشف الأستار" وابن أبي حاتم في العلل (2/ 290) من طرق عن عبد العزيز بن المختار به. وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: "هذا الحديث هو موقوف لا يرفعه إلا عبد العزيز بن المختار ولا بأس في حديثه". ولم يتبين لي وجه غرابته عند الحافظ ابن كثير إلا أن يكون قصد أن عبد العزيز بن المختار قد خالفه فيه معمر، فرواه عن أيوب عن عكرمة به موقوفاً. رواه الطبراني فى المعجم الكبير (11/ 341). فهذا بعيد وهو محتمل، وقد صحح هذا الحديث الحافظ المقدسى في المختارة، كما في السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني (4/ 439).

وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟! قال ثكلتك أمك يا ابن لبيد! إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة، أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى، فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله" ثم قرأ {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} هكذا أورده ابن أبي حاتم حديثًا معلقًا من أول إسناده، مرسلا في آخره. (¬1) وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل متصلا موصولا فقال: حدثنا وَكِيع، حدثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن زياد بن لَبِيد قال: ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا فقال: "وذاك عند ذهاب العلم". قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقْرئه أبناءنا، ويُقْرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: "ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد، إن كنتُ لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء" وكذا رواه ابن ماجه، عن أبى بكر بن أبي شيبة، عن وكيع بإسناده نحوه وهذا إسناد صحيح. (¬2) (المائدة: 66) 308 - عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة، وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار، وتعلو أمتي على الفرقتين جميعًا. واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار". قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "الجماعات الجماعات". قال يعقوب بن يزيد: كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تلا فيه قرآنا: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} إلى قوله تعالى: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} وتلا أيضًا: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ ¬

(¬1) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 43) والبزار في مسنده برقم (232) "كشف الأستار" من وجه آخر: من طريق إبراهيم بن أبي عبلة، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن عوف بن مالك بنحوه. (¬2) المسند (4/ 160) وسنن ابن ماجة برقم (4048) وقال البوصيري في الزوائد (3/ 253): "رجال إسناده ثقات إلا أنه منقطع، قال البخاري في التاريخ الصغير: "لم يسمع سالم بن أبي الجعد من زياد بن لبيد".

يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] يعني: أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا حديث غريب جدًا من هذا الوجه وبهذا السياق. وحديثُ افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مَرْوي من طرق عديدة، وقد ذكرناه في موضع آخر. (المائدة: 66) 309 - عن عبد الله بن شَقِيق، عن عائشة [رضي الله عنها] قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَس حتى نزلت هذه الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} قالت: فأخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأسه من القُبَّة، وقال: "ياأيها الناس، انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل". وهكذا رواه الترمذي ... ثم قال: وهذا حديث غريب. وهكذا رواه ابن جرير والحاكم في مستدركه، من طرق مسلم بن إبراهيم، به. ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وكذا رواه سعيد بن منصور، عن الحارث بن عُبَيد أبي قدامة [الأيادي] عن الجُرَيري، عن عبد الله بن شَقِيق، عن عائشة، به. ثم قال الترمذي: وقد روى بعضهم هذا عن الجُرَيري، عن ابن شقيق قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرس. ولم يذكر عائشة. قلت: هكذا رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن عُلَيَّةَ، وابن مردويه من طريق وُهَيْب كلاهما عن الجُرَيري، عن عبد الله بن شقيق مرسلا، وقد روى هذا مرسلا عن سعيد بن جبَيْر ومحمد بن كعب القُرَظي، رواهما ابن جرير والربيع بن أنس رواه ابن مردويه. (المائدة: 67) 310 - عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه، حتى نزلت: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فذهب ليبعث معه، فقال: "يا عم، إن الله قد عصمني، لا حاجة لي إلى من تبعث". وهذا حديث غريب وفيه نكارة فإن هذه الآية مدنية، وهذا الحديث يقتضي أنها مكية. (المائدة: 67) 311 - عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرس، فكان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت عليه هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: "إن الله قد عصمني من الجن والإنس".ورواه الطبراني ... وهذا أيضا غريب. والصحيح أن هذه الآية مدنية، بل هي من أواخر ما نزل بها، والله أعلم. (المائدة: 67)

312 - عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لما غزا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني أنمار، نزل ذات الرِّقاع بأعلى نخل، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه، فقال غَوْرَث بن الحارث من بني النجار: لأقتلن محمدًا. فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك. فإذا أعطانيه قتلته به، قال: فأتاه فقال: يا محمد، أعطني سيفك أشيمُه. فأعطاه إياه، فَرُعدت يده حتى سقط السيف من يده، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حال الله بينك وبين ما تريد" فأنزل الله، عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقصة "غَوْرَث بن الحارث" مشهورة في الصحيح. (¬1). (المائدة: 67) 313 - عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مُروا بالمعروف، وانْهَوْا عن المنكر، قبل أن تَدْعوا فلا يستجاب لكم". تفرد به، وعاصم هذا مجهول. (المائدة: 78) 314 - قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا مسلمة بن علي، عن الأعمش بإسناد ذكره قال: "يا معشر المسلمين، إياكم والزنا، فإن فيه ست خصال، ثلاثة في الدنيا وثلاثة في الآخرة، فأما التي في الدنيا: فإنه يُذهب البهاء، ويُورِث الفقر، ويُنقِص العمر. وأما التي في الآخرة: فإنه يُوجب سَخَط الرب، وسوء الحساب، والخلود في النار". ثم تلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} هكذا ذكره ابن أبي حاتم، وقد رواه ابن مَرْدُويه عن طريق هشام بن عمار، عن مسلمة عن الأعمش، عن شَقِيق، عن حذيفة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكره. وساقه أيضًا من طريق سعيد بن غُفَير، عن مسلمة، عن أبي عبد الرحمن الكوفي، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر مثله. وهذا حديث ضعيف على كل حال والله أعلم. (المائدة: 81) 315 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما خلا يهودي بمسلم إلا حدثت ¬

(¬1) في إسناد ابن أبي حاتم موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، والقصة أصلها في صحيح البخاري برقم (4136).

نفسه بقتله". وهذا حديث غريب جدًا. (المائدة: 81) 316 - عن ابن عباس؛ أن رجلا أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إني إذا أكلت اللحم انتشرتُ للنساء، وإني حَرَّمْتُ عليّ اللحم، فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} وكذا رواه الترمذي وابن جرير جميعًا، عن عمرو بن علي الفَلاس، عن أبي عاصم النبيل، به. وقال: حسن غريب (¬1) وقد روي من وجه آخر مرسلا وروي موقوفًا على ابن عباس، فالله أعلم. (المائدة: 87) 317 - أن زيد بن أسلم قال: أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله، وهو عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يُطْعموا ضَيْفَهم انتظارًا له، فقال لامرأته: حبست ضيفي من أجلي، هو عليَّ حرام. فقالت امرأته: هو عليَّ حرام. وقال الضيف: هو عليَّ حرام. فلما رأى ذلك وضع يده وقال: كلوا باسم الله. ثم ذهب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر الذي كان منهم، ثم أنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} وهذا أثر منقطع. وفي صحيح البخاري في قصة الصديق [رضي الله عنه] مع أضيافه شبيه بهذا. (المائدة: 87) 318 - عن مجاهد قال: أراد رجال، منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو، أن يَتَبَتَّلوا ويخصُوا أنفسهم ويلبسوا المسُوح، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} قال ابن جريج: عن عكرمة أن عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، والمقداد بن الأسود، وسالمًا مولى أبي حذيفة في أصحاب تبتلوا، فجلسوا في البيوت، واعتزلوا النساء، ولبسوا المسوح، وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما يأكل ويلبس أهل السياحة من بني إسرائيل، وهموا بالإخصاء وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يقول: لا تسيروا بغير سنة المسلمين يريد: ما حرموا من النساء والطعام واللباس، وما أجمعوا عليه من قيام الليل وصيام النهار، وما ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (3054).

هموا به من الإخصاء، فلما نزلت فيهم بعث إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "إن لأنفسكم حقًا، وإن لأعينكم حقًا، صوموا وأفطروا، وصلوا وناموا، فليس منا من ترك سنتنا". فقالوا: اللهم سلمنا واتبعنا ما أنزلت. وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين مرسلة، ولها شاهد في الصحيحين من رواية عائشة أم المؤمنين، كما تقدم ذلك، ولله الحمد والمنة. (المائدة: 87) 319 - عن ابن عباس قال: كفَّر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصاع من تمر، وأمر الناس به، ومن لم يجد فنصف صاع من بُرٍّ. ورواه ابن ماجه، عن العباس بن يزيد، عن زياد بن عبد الله البكائي، عن عُمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي، عن المنهال بن عمرو، به. (¬1) لا يصح هذا الحديث لحال عُمر بن عبد الله هذا فإنه مجمع على ضعفه، وذكروا أنه كان يشرب الخمر. وقال الدارقطني: متروك. (المائدة: 89) 320 - عن ابن عمر؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقيم كفارة اليمين مدًا من حنطة بالمد الأول. إسناده ضعيف، لحال النضر بن زرارة بن عبد الأكرم الذهلي الكوفي نزيل بَلْخ، قال فيه أبو حاتم الرازي: هو مجهول مع أنه قد روى عنه غير واحد. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عنه قتيبة بن سعيد أشياء مستقيمة، فالله أعلم. ثم إن شيخه العُمَري ضعيف أيضًا. (المائدة: 89) 321 - عن محمد بن الزبير، عن أبيه قال: سألت عمران بن حصين عن قوله: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} قال: لو أن وفدًا قدموا على أميركم وكساهم قلنسوة قلنسوة، قلتم: قد كُسُوا. ولكن هذا إسناد ضعيف؛ لحال محمد بن الزبير هذا، والله أعلم. (المائدة: 89) 322 - عن عائشة، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} قال: "عباءة لكل مسكين" (¬2) حديث غريب. (المائدة: 89) 323 - عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة: يا رسول الله، ¬

(¬1) سنن ابن ماجة برقم (2112). (¬2) وفي إسناده مقاتل بن سليمان البلخي، كذبه وكيع والنسائي. وقال البخاري: سكتوا عنه. وإسماعيل بن عياش روايته عن غير أهل الشام ضعيفة.

نحن بالخيار؟ قال: "أنت بالخيار، إن شئت أعتقت، وإن شئت كسوت، وإن شئت أطعمت، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات". وهذا حديث غريب جدًا. (¬1) (المائدة: 89) 324 - عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "اجتنبوا هذه الكِعَاب الموسومة التي يزجر بها زجرًا فإنها من الميسر". حديث غريب. (¬2) (المائدة: 89) 325 - عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قتلوا شهداء يوم أحد، فقالت اليهود: فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم. فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} ثم قال: وهذا إسناد صحيح. وهو كما قال، ولكن في سياقته غرابة. (المائدة: 90) 326 - عن جابر بن عبد الله قال: كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين، فحمل منها بمال فقدم بها المدينة، فلقيه رجل من المسلمين فقال: يا فلان، إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تَلّ، وسجى عليها بأكسية، ثم أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، بلغني أن الخمر قد حرمت؟ قال: "أجل" قال: لي أن أردها على من ابتعتها منه؟ قال: "لا يصلح ردها". قال: لي أن أهديها إلى من يكافئني منها؟ قال: "لا". قال: فإن فيها مالا ليتامى في حجري؟ قال: "إذ أتانا مال البحرين فأتنا نعوّضُ أيتامك من مالهم". ثم نادى بالمدينة، فقال رجل: يا رسول الله، الأوعية ننتفع بها؟. قال: "فَحُلُّوا أوكيتها". فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي. هذا حديث غريب. (المائدة: 90) 327 - عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يدخل الجنة عاق، ولا مُدْمِن ¬

(¬1) وذكره السيوطي في الدر المنثور (3/ 155) ولم يعزه لغير ابن مردويه. ويزيد بن قيس أظن أنه "يزيد بن قيس" وأنه تصحف هنا، وإسماعيل بن يحيى هو ابن عبيد الله كان يضع الحديث قال ابن عدي: عامة ما يرويه بواطيل، ثم الإسناد معضل، فإن بينه وبين ابن عباس قرن من الزمان تقريبًا. (¬2) وذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/ 297)، وقال: "وقال أبي: هذا حديث باطل وهو من علي بن يزيد، وعثمان لا بأس به".

خمر، ولا منَّان، ولا ولد زنْيَة". وكذا رواه عن يزيد، عن همام، عن منصور، عن سالم، عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، به وقد رواه أيضًا عن غُنْدر وغيره، عن شعبة، عن منصور، عن سالم، عن نُبَيْط بن شُرَيط، عن جابان، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يدخل الجنة منان، ولا عاق والديه، ولا مدمن خمر". ورواه النسائي، من حديث شعبة كذلك، ثم قال: ولا نعلم أحدًا تابع شعبة عن نبيط بن شريط. وقال البخاري: لا يعرف لجابان سماع من عبد الله، ولا لسالم من جابان ولا نبيط. وقد روي هذا الحديث من طريق مجاهد، عن ابن عباس - ومن طريقه أيضًا، عن أبي هريرة، فالله أعلم. (المائدة: 90) 328 - وقال الزهري: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن أباه قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فَعَلقته امرأة غَوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت: إنا ندعوك لشهادة. فدخل معها، فطفقت كلما دخل بابًا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع عَليّ أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب هذا الخمر. فسقته كأسًا، فقال: زيدوني، فلم يَرِم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه. رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح. وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه "ذم المسكر" عن محمد بن عبد الله بن بَزِيع، عن الفضيل بن سليمان النميري، عن عمر بن سعيد، عن الزهري، به مرفوعًا والموقوف أصح، (¬1) والله أعلم. (المائدة: 90) 329 - عن أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنه سئل عما يقتل المحرم، فقال: "الحية، والعقرب، والفُوَيْسِقَة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي". ¬

(¬1) ذم المسكر برقم (1) ورواية يونس بن يزيد أرجح من رواية عمر بن سعيد بن السرحة، فقد لينه بعض الأئمة. قالوا: "وأحاديثه عن الزهري ليست بمستقيمة".

رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، والترمذي عن أحمد بن منيع، كلاهما عن هشيم. وابن ماجه، عن أبي كريم عن محمد بن فضيل، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (المائدة: 95) 330 - وهكذا اختار ابن جرير أن المراد بطعامه ما مات فيه، قال: وقد روي في ذلك خبر، وإن بعضهم يرويه موقوفًا. حدثنا هَنَّاد بن السُّرِّي قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} قال: طعامه ما لفظه ميتا". ثم قال: وقد وقف بعضهم هذا الحديث على أبي هريرة. (المائدة: 96) 331 - وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من طرق، عن حماد بن سلمة: حدثنا أبو المُهَزّم - هو يزيد بن سفيان - سمعت أبا هريرة يقول: كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حج - أو عمرة - فاستقبلنا رِجْل جَراد، فجعلنا نضربهن بعصينا وسياطنا فنقتلهن، فأسقط في أيدينا، فقلنا: ما نصنع ونحن محرمون؟ فسألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "لا بأس بصيد البحر" أبو المُهَزّم ضعيف، والله أعلم. (¬1). (المائدة: 96) 332 - عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما صِدْتُموه وهو حي فمات فكلوه، وما ألقى البحر ميتًا طافيًا فلا تأكلوه". ثم رواه من طريق إسماعيل بن أمية، ويحيى بن أبي أُنَيْسَة، عن أبي الزبير عن جابر به. وهو منكر. (المائدة: 96) 333 - عن أبي البَخْتَريّ - وهو سعيد بن فيروز - عن علي قال: لما نزلت هذه الآية: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسول الله، كل عام؟ فسكت. فقالوا: أفي كل عام؟ فسكت، قال: ثم قالوا: أفي كل عام؟ فقال: "لا ولو قلت: نعم لوجبت"، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} إلى آخر الآية. وكذا رواه الترمذي وابن ماجه، من طريق منصور بن وردان، به وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وسمعت البخاري يقول: أبو ¬

(¬1) المسند (2/ 306) وسنن أبي داود برقم (1854) وسنن الترمذي برقم (850) وسنن ابن ماجة برقم (3222).

البختري لم يدرك عليًّا. (المائدة: 101) 334 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله كتب عليكم الحج" فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، حتى عاد مرتين أو ثلاثًا، فقال: "من السائل؟ " فقال: فلان. فقال: "والذي نفسي بيده، لو قلت: نعم لوَجَبَتْ، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه، ولو تركتموه لكفرتم"، فأنزل الله، عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حتى ختم الآية. ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة - وقال: فقام مِحْصَن الأسدي - وفي رواية من هذه الطريق: عُكَاشة بن محْصن - وهو أشبه. وإبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف. (المائدة: 101) 335 - عن أبي أمامة الباهلي يقول: قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الناس فقال: "كتب عليكم الحج". فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام؟ قال: فَغَلقَ كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأسكت واستغضب، ومكث طويلا ثم تكلم فقال: "من السائل؟ " فقال الأعرابي: أنا ذا، فقال: "ويحك، ماذا يؤمنك أن أقول: نعم، والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم، ألا إنه إنما أهلك الذين من قبلكم أئمة الحَرَج، والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض، وحرمت عليكم منها موضع خُفٍّ، لوقعتم فيه" قال: فأنزل الله عند ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} إلى آخر الآية. في إسناده ضعف. (المائدة: 101) 336 - وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: ... عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: "لا يبلغني أحد عن أحد شيئًا؛ فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" الحديث. وقد رواه أبو داود والترمذي، من حديث إسرائيل - قال أبو داود: عن الوليد - وقال الترمذي: عن إسرائيل - عن السدي، عن الوليد بن أبي هاشم، به. ثم قال الترمذي: غريب من هذا الوجه. (المائدة: 101) 337 - عن تميم الداري في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} قال: بَرئ الناس منها غيري وغير عَديّ بن بَدَّاء. وكانا نصرانيين، يختلفان

إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم، يقال له: بُدَيْل بن أبي مريم، بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك، وهو عُظْم تجارته. فمرض فأوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله - قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام، فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بدّاء. فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا. وفقدوا الجام فسألونا عنه، فقلنا: ما ترك غير هذا، وما د فع إلينا غيره - قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة تأثمت من ذلك، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، ودفعت إليهم خمسمائة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فوثبوا إليه أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} إلى قوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا، فنزعتْ الخمسمائة من عَدي بن بَدَّاء. وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي وابن جرير كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحَرَّاني، عن محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، به فذكره - وعنده: فأتوا به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يُعَظَّم به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} إلى قوله: {أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} فقام عمرو بن العاص ورجل آخر، فحلفا. فَنزعَتْ الخمسمائة من عدي بن بَدَّاء. ثم قال: هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث هو عندي محمد بن السائب الكلبي، يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد بن السائب الكلبي، يكنى أبا النضر، ثم قال: ولا نعرف لسالم أبي النضر رواية عن أبي صالح مولى أم هانئ، وقد رُوي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه ... وقد ذكر هذه القصة مرسلة غيرُ واحد من التابعين منهم: عكرمة، ومحمد بن سيرين، وقتادة. وذكروا أن التحليف كان بعد صلاة العصر، رواه ابن جرير. وكذا ذكرها مرسلة: مجاهد، والحسن، والضحاك. وهذا يدل على اشتهارها في السلف وصحتها. ومن

الشواهد لصحة هذه القصة أيضا ما رواه أبو جعفر بن جرير: ... عن الشعبي؛ أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدَقُوقا، قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب. قال: فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري - يعني: أبا موسى الأشعري، رضي الله عنه - فأخبراه وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فأحلفهما بعد العصر: بالله ما خانا ولا كذبا ولا بَدّلا ولا كتما ولا غيرا، وإنها لوصية الرجل وتركته. قال: فأمضى شهادتهما. ثم رواه عن عمرو بن علي الفَلاس، عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن مغيرة الأزرق، عن الشعبي؛ أن أبا موسى قضى بدقوقا. وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي، عن أبي موسى الأشعري. فقوله: "هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" الظاهر - والله أعلم - أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعديّ بن بَدّاء، قد ذكروا أن إسلام تَمِيم بن أوْسٍ الداري، رضي الله عنه، كان في سنة تسع من الهجرة فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخرًا، يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام، والله أعلم. (المائدة: 107) 338 - عن أبي الهذيل قال: كان عيسى ابن مريم، عليه السلام، إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين، يقرأ في الأولى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [سورة الملك]، وفي الثانية: {الم. تَنزيلُ الْكِتَابِ} [سورة السجدة].فإذا فرغ منهما مدح الله وأثنى عليه، ثم دعا بسبعة أسماء: يا قديم، يا خفي، يا دائم، يا فرد، يا وتر، يا أحد، يا صمد - وكان إذا أصابته شدة دعا بسبعة أخر: يا حي، يا قيوم، يا الله، يا رحمن، يا ذا الجلال والإكرام، يا نور السموات والأرض، وما بينهما ورب العرش العظيم، يا رب. وهذا أثر عجيب جدًا. (المائدة: 110) 339 - عن سلمان الخير؛ أنه قال: لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة، كره ذلك جدا وقال: اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض، ولا تسألوا المائدة من السماء، فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية،

فابتلوا بها حتى كان بَوَارهم فيها. فأبوا إلا أن يأتيهم بها، فلذلك قالوا: {نُرِيدُ أَنْ نَاكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا} الآية. فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها، قام فألقى عنه الصوف، ولبس الشعر الأسود، وجبة من شعر، وعباءة من شعر، ثم توضأ واغتسل، ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله، فلما قضى صلاته قام قائمًا مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا، فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، وغض بصره، وطأطأ رأسه خشوعًا، ثم أرسل عينيه بالبكاء، فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه، فلما رأى ذلك دعا الله فقال: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} فأنزل الله عليهم سُفْرَة حمراء بين غمامتين: غمامة فوقها وغمامة تحتها، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم، وعيسى يبكي خوفًا للشروط التي أتخذها الله عليهم - فيها: أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابًا لم يعذبه أحدًا من العالمين - وهو يدعو الله من مكانه ويقول: اللهم اجعلها رحمة، إلهي لا تجعلها عذابًا، إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني، إلهي اجعلنا لك شَكَّارين، إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبًا وجزاء، إلهي اجعلها سلامة وعافية، ولا تجعلها فتنة ومثلة. فما زال يدعو حتى استقرت السُّفْرة بين يدي عيسى، والحواريين وأصحابه حوله، يَجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط، وخَرَّ عيسى والحواريون لله سجدًا شكرًا بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرًا عجيبًا أورثهم كمدًا وغمًا، ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى. والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة، فإذا عليها منديل مغطى. قال عيسى: من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة، وأوثقنا بنفسه، وأحسننا بلاء عند ربه؟ فليكشف عن هذه الآية حتى نراها، ونحمد ربنا، ونذكر باسمه، ونأكل من رزقه الذي رزقنا. فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته، أنت أولانا بذلك، وأحقنا بالكشف عنها. فقام عيسى، عليه السلام، واستأنف وضوءًا جديدًا، ثم دخل مصلاه فصلى كذلك ركعات، ثم بكى بكاء طويلا ودعا الله

أن يأذن له في الكشف عنها، ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقًا. ثم انصرف فجلس إلى السفرة وتناول المنديل، وقال: "باسم الله خير الرازقين"، وكشف عن السفرة، فإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية، ليس عليها بواسير، وليس في جوفها شوك، يسيل السمن منها سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث، وعند رأسها خل، وعند ذنبها ملح، وحول البقول خمسة أرغفة، على واحد منها زيتون، وعلى الآخر ثمرات، وعلى الآخر خمس رمانات. فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى: يا روح الله وكلمته، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال: أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية! فقال شمعون: وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالا يا ابن الصِّدِّيقة. فقال عيسى، عليه السلام: ليس شيء مما ترون من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا، إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة العالية القاهرة، فقال له: كن. فكان أسرع من طرفة عين، فكلوا مما سألتم باسم الله واحمدوا عليه ربكم يُمدكم منه ويَزدكم، فإنه بديع قادر شاكر. فقالوا: يا روح الله وكلمته، إنا نحب أن تُرينا آية في هذه الآية. فقال عيسى: سبحان الله! أما اكتفيتم بما رأيتم في هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى؟ ثم أقبل عيسى، عليه السلام، على السمكة، فقال: يا سمكة، عودي بإذن الله حية كما كنت. فأحياها الله بقدرته، فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية، تَلَمَّظ كما يتلمظ الأسد، تدور عيناها لها بصيص، وعادت عليها بواسيرها. ففزع القوم منها وانحازوا. فلما رأى عيسى ذلك منهم قال: ما لكم تسألون الآية، فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون! يا سمكة، عودي بإذن الله كما كنت. فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول. فقالوا لعيسى: كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها، ثم نحن بعد فقال عيسى: معاذ الله من ذلك! يبدأ بالأكل من طلبها. فلما رأى الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها، خافوا أن يكون نزولها سَخْطة وفي أكلها مَثُلةً، فتحاموها. فلما رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزَّمْنى، وقال: كلوا من رزق ربكم، ودعوة نبيكم، واحمدوا الله الذي أنزلها لكم، فيكون مَهْنَؤُها لكم،

وعقوبتها على غيركم، وافتتحوا أكلكم باسم الله، واختموه بحمد الله، ففعلوا، فأكل منها ألف وثلاثمائة إنسان بين رجل وامرأة، يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ أنزلت من السماء، لم ينتقص منها شيء، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون، فاستغنى كل فقير أكل منها، وبرئ كل زَمِنٍ أكل منها، فلم يزالوا أغنياء صِحَاحًا حتى خرجوا من الدنيا. وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة، سالت منها أشفارهم، وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات، قال: فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضًا: الأغنياء والفقراء، والصغار والكبار، والأصحاء والمرضى، يركب بعضهم بعضًا. فلما رأى ذلك جعلها نوائب، تنزل يومًا ولا تنزل يومًا. فلبثوا في ذلك أربعين يومًا، تنزل عليهم غِبًّا عند ارتفاع الضُحَى فلا تزال موضوعة يؤكل منها، حتى إذا قاموا ارتفعت عنهم. بإذن الله إلى جو السماء، وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم. قال: فأوحى الله إلى نبيه عيسى، عليه السلام، أن اجعل رزقي المائدة لليتامى والفقراء والزَّمنَى دون الأغنياء من الناس، فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من الناس، وغَمطُوا ذلك، حتى شَكُّوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر، وأدرك الشيطان منهم حاجته، وقذف وسواسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى: أخبرنا عن المائدة، ونزولها من السماء أحق، فإنه قد ارتاب بها بشر منا كثير؟ فقال عيسى، عليه السلام: هلكتم وإله المسيح! طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم، فلما أن فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقًا، وأراكم فيها الآيات والعبَر كذَّبْتم بها، وشككتم فيها، فأبشروا بالعذاب، فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله. وأوحى الله إلى عيسى: إني آخذ المكذبين بشرطي، فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين. قال فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين، فلما كان في آخر الليل مسخهم الله خنازير، فأصبحوا يتبعون الأقذار في

سورة الأنعام

الكناسات. هذا أثر غريب جدًا (¬1).قَطَّعَه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل، والله سبحانه وتعالى أعلم. (المائدة: 112) 340 - عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم، ثم يُدْعَى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه، فيقِر بها، فيقولُ: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ} الآية [المائدة: 110] ثم يقول: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فينكر أن يكون قال ذلك، فيؤتى بالنصارى فيسألون، فيقولون: نعم، هو أمرنا بذلك، قال: فيطول شعر عيسى، عليه السلام، فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده. فيجاثيهم بين يدي الله، عز وجل، مقدار ألف عام، حتى ترفع عليهم الحجة، ويرفع لهم الصليب، وينطلق بهم إلى النار". وهذا حديث غريب عزيز. (المائدة: 116) سورة الأنعام 341 - عن ابن عباس قال: سُئِلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوقوف بين يدي رب العالمين، هل فيه ماء؟ قال: "والذي نَفْسِي بيَدِه، إن فيه لماءً، إن أولياء الله ليردون حِياضَ الأنبياء، ويَبْعَثُ الله تعالى سبعين ألف مَلَكٍ في أيديهم عِصِيّ من نار، يَذُودون الكفار عن حياض الأنبياء". هذا حديث غريب. (الأنعام: 12) 342 - عن خباب في قول الله عَزَّ وجل: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حقروهم، فأتوه فخلوا به، وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا ¬

(¬1) قال القرطبي في تفسيره (6/ 369): "وفي هذا الحديث مقال ولا يصح من جهة إسناده".

تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال: "نعم". قالوا: فاكتب لنا عليك كتابا، قال: فدعا بالصحيفة ودعا عليًا ليكتب، ونحن قعود في ناحية، فنزل جبريل فقال: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ]} فرمى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصحيفة، ثم دعانا فأتيناه. ورواه ابن جرير، من حديث أسباط، به. وهذا حديث غريب، فإن هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر. (الأنعام: 52) 343 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يُعْرَج بها إلى السَّماء فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبْشري بروح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عَزَّ وجل. وإذا كان الرجل السوء، قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لا يفتح لك أبواب السماء. فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول. هذا حديث غريب. (الأنعام: 62) 344 - عن سعد بن أبي وقاص [رضي الله عنه] قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} فقال: "أما إنها كائنة، ولم يأت

تأويلها بعد". وأخرجه الترمذي (¬1) ... ثم قال: هذا حديث غريب. [جدا]. (الأنعام: 52) 345 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو في طائفة من أصحابه، فقال: "إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض، خلق الصور فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخصًا بصرَه إلى العرش، ينتظر متى يؤمر". قلت: يا رسول الله، وما الصور؟ قال "القَرْن". قلت: كيف هو؟ قال: "عظيم، والذي بعثني بالحق، إن عظم دارة فيه كعرض السموات والأرض. ينفخ فيه ثلاث نفخات: النفخة الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين. يأمر الله تعالى إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول. انفخ، فينفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات [وأهل] الأرض إلا من شاء الله. ويأمره فيديمها ويطيلها ولا يفتر، وهي كقول الله: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} [ص: 15]، فيسير الله الجبال فتمر مر السحاب، فتكون سرابًا". ثم ترتج الأرض بأهلها رجة فتكون كالسفينة المرمية في البحر، تضربها الأمواج، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش، ترجرجه الرياح، وهي التي يقول {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات: 6 - 8]، فَيَميدُ الناس على ظهرها، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة من الفزع، حتى تأتي الأقطار، فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها، فترجع، ويولي الناس مدبرين ما لهم من أمْر الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضا، وهو الذي يقول الله تعالى: {يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر: 32]. فبينما هم على ذلك، إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم، ثم نظروا إلى السماء، فإذا هي كالمُهْل، ثم انشقت فانتشرت نجومها، وانخسف شمسها وقمرها. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك" قال أبو هريرة: يا رسول الله، من استثنى الله، عَزَّ وجل، حين يقول: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87]، قال: "أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى ¬

(¬1) المسند (1/ 170) وسنن الترمذي برقم (3066).

الأحياء، وهم أحياء عند الله يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم، وآمنهم منه، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه"، قال: وهو الذي يقول الله، عَزَّ وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2] فيكونون في ذلك العذاب ما شاء الله، إلا أنه يطول. ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السموات [وأهل] الأرض إلا من شاء الله، فإذا هم قد خمدوا، وجاء ملك الموت إلى الجبار، عَزَّ وجل، فيقول: يا رب، قد مات أهل السموات والأرض إلا من شئت. فيقول الله - وهو أعلم بمن بقي -: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيتَ أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت حملة العرش، وبقي جبريل وميكائيل، وبقيت أنا. فيقول الله، عَزَّ وجل: ليمت جبريل وميكائيل. فيُنْطِقُ الله العرش فيقول: يا رب، يموت جبريل وميكائيل!! فيقول: اسكت، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، فيموتان. ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار [عَزَّ وجل] فيقول يا رب، قد مات جبريل وميكائيل. فيقول الله [عَزَّ وجل]- وهو أعلم بمن بقي -: فمن تبقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت حملة عرشك، وبقيت أنا. فيقول الله، [عَزَّ وجل] ليمت حملة عَرْشي. فيموتوا، ويأمر الله العرش. فيقبض الصور من إسرافيل، ثم يأتي ملك الموت، فيقول: يا رب، قد مات حملة عرشك. فيقول الله - وهو أعلم بمن بقي -: فمن بقي؟ فيقول: يا رب، بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت أنا. فيقول الله [عَزَّ وجل] أنت خَلْق من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمِت. فيموت. فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار الأحد [الصمد] الذي لم يلد ولم يولد، كان آخرًا كما كان أولا طوى السموات والأرض طي السجل للكتب ثم دحاهما ثم يلقفهما ثلاث مرات، ثم يقول: أنا الجبار، أنا الجبار، أنا الجبار ثلاثًا. ثم هتف بصوته: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} ثلاث مرات، فلا يجيبه أحد، ثم يقول لنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16]، يقول الله: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]، فيبسطهما ويسطحهما، ثم يمدهما مد الأديم العكاظي {لا

تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 107]. ثم يزجر الله الخلق زجرة، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة مثل ما كانوا فيها من الأولى، من كان في بطنها كان في بطنها، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها، ثم ينزل الله [عَزَّ وجل] عليهم ماء من تحت العرش، ثم يأمر الله السماء أن تمطر، فتمطر أربعين يومًا، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا، ثم يأمر الله الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث - أو: كنبات البقل - حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت، قال الله، عَزَّ وجل: ليَحْيَا حملةُ عرشي، فيحيون. ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور، فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحيا جبريل وميكائيل، فيحيان، ثم يدعو الله الأرواح فيؤتى بها تتوهج أرواح المسلمين نورا، وأرواح الكافرين ظلمة، فيقبضها جميعا ثم يلقيها في الصور. ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث، فينفخ نفخة البعث، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض، فيقول [الله] وعزتي وجلالي، ليرجعن كل روح إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي في الأجساد كما يمشي السم في اللديغ، ثم تَنْشَقّ الأرض عنكم وأنا أول من تَنْشَقّ الأرض عنه، فتخرجون سراعًا إلى ربكم تنسلون {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 8] حَفَاة عُرَاة [غُلْفًا] غُرْلا فتقفون موقفًا واحدًا مقداره سبعون عامًا، لا يُنْظَر إليكم ولا يقضى بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدموع، ثم تدمعون دمًا وتَعْرَقون حتى يلجمكم العرق، أو يبلغ الأذقان، وتقولون من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فتقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا؟ فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه فيأبى، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك. فيستقرءون الأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا، أبى عليهم". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حتى يأتوني، فأنطلق إلى الفحص فأَخر ساجدًا" قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الفَحْص؟ قال: "قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي، ويرفعني، فيقول لي: يا محمد فأقول: نعم يا رب. فيقول الله، عَزَّ وجل: ما شأنك؟ وهو أعلم، فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة فشَفعني في خلقك، فاقض بينهم. قال [الله] قد شفعتك، أنا آتيكم أقضي

بينكم". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فأرجع فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف، إذ سمعنا حسا من السماء شديدا، فهالنا فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ قالوا: لا وهو آت. ثم ينزل [من] أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من فيها من الجن والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض، أشرقت الأرض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا وهو آت. ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف، حتى ينزل الجبار، عَزَّ وجل، في ظُلل من الغمام والملائكة، فيحمل عرشه يومئذ ثمانية - وهم اليوم أربعة - أقدامهم في تخوم الأرض السفلى، والأرض والسموات إلى حُجْزَتَهم والعرش على مناكبهم، لهم زجل في تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي العرش والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سُبُّوح قدوس قدوس قدوس، سبحان ربنا الأعلى، رب الملائكة والروح، سبحان ربنا الأعلى، الذي يميت الخلائق ولا يموت، فيضع الله كرسيه حيث يشاء من أرضه، ثم يهتف بصوته يا معشر الجن والإنس، إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم وأبصر أعمالكم، فأنصتوا إلي، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. ثم يأمر الله جهنم، فيخرج منها عنق [مظلم] ساطع، ثم يقول: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} - أو: بها تكذبون - شك أبو عاصم - {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 60 - 64] فيميز الله الناس وتجثو الأمم. يقول الله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28] فيقضي الله، عَزَّ وجل، بين خلقه، إلا الثقلين الجن والإنس، فيقضي بين الوحش والبهائم، حتى إنه ليقضي للجماء من ذات القرن، فإذا فرغ من ذلك، فلم تبق تبعة عند واحدة للأخرى قال الله [لها] كوني ترابًا. فعند ذلك يقول الكافر: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النبأ: 40] ثم يقضي الله [عَزَّ وجل]

بين العباد، فكان أول ما يقضي فيه الدماء، ويأتي كلّ قتيل في سبيل الله، عَزَّ وجل، ويأمر الله [عَزَّ وجل] كلّ قتيل فيحمل رأسه تَشْخُب أو داجه يقول: يا رب، فيم قتلني هذا؟ فيقول - وهو أعلم -: فيم قتلتهم؟ فيقول: قتلتهم لتكون العزة لك. فيقول الله له: صدقت. فيجعل الله وجهه مثل نور الشمس، ثم تمر به الملائكة إلى الجنة. ويأتي كل من قُتل على غير ذلك يحمل رأسه وتشخب أوداجه، فيقول: يا رب، [فيم] قتلني هذا؟ فيقول - وهو أعلم -: لم قتلتهم؟ فيقول: يا رب، قتلتهم لتكون العزة لك ولي. فيقول: تعست. ثم لا تبقى نفس قتلها إلا قتل بها، ولا مظلمة ظلمها إلا أخذ بها، وكان في مشيئة الله إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه. ثم يقضي الله تعالى بين من بقي من خلقه حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها [الله] للمظلوم من الظالم، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء فإذا فرغ الله من ذلك، ناد مناد يسمع الخلائق كلهم: ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله. فلا يبقى أحد عبد من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عُزَير، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى ابن مريم. ثم يتبع هذا اليهود وهذا النصارى، ثم قادتهم آلهتهم إلى النار، وهو الذي يقول [تعالى] {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 99]. فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون، جاءهم الله فيما شاء من هيئته، فقال: يا أيها الناس، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله، وما كنا نعبد غيره، فينصرف عنهم، وهو الله الذي يأتيهم فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون. فيقولون: والله ما لنا إله إلا الله وما كنا نعبد غيره، فيكشف لهم عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم، فيخرون سجدا على وجوههم، ويخر كل منافق على قفاه، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر. ثم يأذن الله لهم فيرفعون، ويضرب الله الصراط بين ظهراني جهنم كحد الشفرة - أو: كحد السيف - عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان، دون جسر دحض مزلة، فيمرون كطرف العين، أو كلمح البرق، أو كمر الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الركاب، أو كجياد الرجال.

فناج سالم، وناج مخدوش، ومكردس على وجهه في جهنم. فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة، قالوا: من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم، عليه السلام، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا؟ فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه، فيذكر ذنبا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوح، فإنه أول رسل الله. فيؤتى نوح فيُطْلَب ذلك إليه، فيذكر ذنبا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ويقول عليكم بإبراهيم، فإن الله اتخذه خليلا. فيؤتى إبراهيم، فيُطْلَب ذلك إليه، فيذكر ذنبا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ويقول: عليكم بموسى فإن الله قربه نَجيّا، وكلمه وأنزل عليه التوراة. فيؤتى موسى، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبا ويقول: لست بصاحب ذلك، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم. فيؤتى عيسى ابن مريم، فيطلب ذلك إليه، فيقول: ما أنا بصاحبكم، ولكن عليكم بمحمد". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فيأتوني - ولي عند ربي ثلاث شفاعات [وعدنهن]- فأنطلق فآتي الجنة، فآخذ بحلَقَة الباب، فأستفتح فيفتح لي، فأحيىّ ويرحب بي. فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي خررت ساجدا، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، واشفع تشفع، وسل تعطه. فإذا رفعت رأسي يقول الله - وهو أعلم -: ما شأنك؟ فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة، فشفعني في أهل الجنة فيدخلون الجنة، فيقول الله: قد شفعتك وقد أذنت لهم في دخول الجنة". وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "والذي نفسي بيده، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم، فيدخل كل رجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة، سبعين مما ينشئ الله، عَزَّ وجل، وثنتين آدميتين من ولد آدم، لهما فضل على من أنشأ الله، لعبادتهما الله في الدنيا. فيدخل على الأولى في غرفة من ياقوتة، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ، عليها سبعون زوجا من سندس وإستبرق، ثم إنه يضع يده بين كتفيها، ثم ينظر إلى يده من صدرها، ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى مُخّ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت، كبدها له مرآة، وكبده لها مرآة. فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله، ما يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء، ما يَفْترُ ذَكَرَهُ، وما تشتكي قبلها. فبينا هو كذلك إذ نودي: إنا قد عرفنا

أنك لا تمل ولا تمل، إلا أنه لا مَني ولا مَنِية إلا أن لك أزواجا غيرها. فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة، كلما أتى واحدة [له] قالت: له والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك، ولا في الجنة شيء أحب إلي منك. وإذا وقع أهل النار في النار، وقع فيها خلق من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم، فمنهم من تأخذ النار قدميه لا تجاوز ذلك، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حقويه، ومنهم من تأخذ جسده كله، إلا وجهه حرم الله صورته عليها". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فأقول يا رب، من وقع في النار من أمتي. فيقول: أخرجوا من عرفتم، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد. ثم يأذن الله في الشفاعة فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع، فيقول الله: أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا. فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، ثم يشفع الله فيقول: أخرجوا من [وجدتم] في قلبه إيمانا ثلثي دينار. ثم يقول: ثلث دينار. ثم يقول: ربع دينار. ثم يقول: قيراطا. ثم يقول: حبة من خردل. فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط، ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع، حتى إن إبليس ليتطاول مما يرى من رحمة الله رجاء أن يشفع له، ثم يقول: بقيت وأنا أرحم الراحمين. فيدخل يده في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره، كأنهم حُمَم، فيلقون على نهر يقال له: نهرالحيوان، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ما يلقى الشمس منها أخيضر، وما يلي الظل منها أصيفر، فينبتون كنبات الطراثيث، حتى يكونوا أمثال الذر، مكتوب في رقابهم: "الجُهَنَّمِيُّون عتقاء الرحمن"، يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب، ما عملوا خيرًا لله قط، فيمكثون في الجنة ما شاء الله، وذلك الكتاب في رقابهم، ثم يقولون: ربنا امح عنا هذا الكتاب، فيمحوه الله، عَزَّ وجل، عنهم". هذا حديث [مشهور] وهو غريب جدا، ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة بعض ألفاظه نكارة. تفرد به إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة، وقد اختلف فيه، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، ونص على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة، كأحمد بن حنبل، وأبي حاتم الرازي، وعمرو بن علي الفَلاس، ومنهم من قال فيه: هو متروك. وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء. قلت: وقد اختلف عليه في إسناد هذا

الحديث على وجوه كثيرة، قد أفردتها في جزء على حدة. وأما سياقه، فغريب جدًا، ويقال: إنه جمعه من أحاديث كثيرة، وجعله سياقا واحدا، فأنكر عليه بسبب ذلك. وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: إنه رأى للوليد بن مسلم مصنفا قد جمع فيه كل الشواهد لبعض مفردات هذا الحديث، فالله أعلم. (الأنعام: 73) 346 - ما حكاه ابن جرير وغيره، عن مجاهد، وعَطاء، وسعيد بن جُبَيْر، والسُّدِّي، وغيرهم قالوا - واللفظ لمجاهد -: فرجت له السموات، فنظر إلى ما فيهن، حتى انتهى بصره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع، فنظر إلى ما فيهن - وزاد غيره -: فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي فيدعوا عليهم، فقال الله له: إني أرحم بعبادي منك، لعلهم أن يتوبوا وَيُرَاجِعُوا. وقد روى ابن مَرْدُوَيه في ذلك حديثين مرفوعين، عن معاذ، وعلي [بن أبي طالب] ولكن لا يصح إسنادهما، والله أعلم. (¬1). (الأنعام: 74) 347 - وقد ذكر ابن مَرْدُوَيه هاهنا حديثا مطولا جدا من طريق غريبة، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعا، فالله أعلم. (¬2). (الأنعام: 93) 348 - عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ} قال: "لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فَنُوا صُفّوا صفًا واحدًا، ما أحاطوا بالله أبدا". غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة والله أعلم. (الأنعام: 103) 349 - عن هارون قال: هي في حرف أبي بن كعب وابن مسعود: "وليقولوا دَرَس". قال: يعنون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قرأ. وهذا غريب، فقد روي عن أبي بن كعب خلاف هذا، قال أبو بكر بن مَرْدُوَيه: ... عن أبي بن كعب قال: أقرأني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْت}. ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث وهب بن زمعة، وقال: ¬

(¬1) أما حديث علي بن أبي طالب، فذكره السيوطي في الدر المنثور (3/ 302). وأما حديث معاذ بن جبل، فرواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (6700) من طريق ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه. (¬2) ذكره السيوطي في الدر المنثور (3/ 318) وقال: إسناده ضعيف.

يعني بجزم السين، ونصب التاء، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (الأنعام: 105) 350 - عن محمد بن كعب القُرَظِي قال: كلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قريشًا، فقالوا: يا محمد، تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة، فأتنا من الآيات حتى نصدقك. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أي شيء تحبون أن آتيكم به؟ ". قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبا. فقال لهم: "فإن فعلت تصدقوني؟ ". قالوا: نعم، والله لئن فعلت لنتبعك أجمعين. فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو، فجاءه جبريل، عليه السلام، فقال له: لك ما شئت، إن شئت أصبح الصفا ذهبا، ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك ليعذبنهم، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بل يتوب تائبهم". فأنزل الله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} إلى قوله [تعالى] {يَجْهَلُونَ}. وهذا مرسل وله شواهد من وجوه أخر. (الأنعام: 109) 351 - عن قتادة في قوله [تعالى] {شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ} قال: من الجن شياطين، ومن الإنس شياطين، يوحي بعضهم إلى بعض، قال قتادة: وبلغني أن أبا ذر كان يوما يصلي، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَعَوَّذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن". فقال: أو إن من الإنس شياطين؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم". وهذا منقطع بين قتادة وأبي ذر وقد روي من وجه آخر عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال ابن جرير: ... عن ابن عائذ، عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مجلس قد أطال فيه الجلوس، قال، فقال: "يا أبا ذر، هل صليت؟ ". قال: لا يا رسول الله. قال: "قم فاركع ركعتين". قال: ثم جئت فجلستُ إليه، فقال: "يا أبا ذر، هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس؟ ". قال: قلت: لا يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ قال: "نعم، هم شر من شياطين الجن". وهذا أيضا فيه انقطاع وروي متصلا ... - ثم ساق ابن كثير طرق الحديث وقال: - فهذه طرق لهذا الحديث، ومجموعها يفيد قوته وصحته، والله أعلم. (الأنعام: 112) 352 - بما رواه أبو داود في المراسيل، من حديث ثور بن يزيد، عن الصلت السدوسي

- مولى سُوَيْد بن مَنْجوف أحد التابعين الذين ذكرهم أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ذَبِيحَة المسلم حلال ذُكِر اسمُ اللهِ أو لم يُذْكَرْ، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله" (¬1) وهذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال: إذا ذبح المسلم - ولم يذكر اسم الله فليأكل، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله" (¬2). (الأنعام: 121) 353 - وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: من حرم ذبيحة الناسي، فقد خرج من قول جميع الحجة، وخالف الخبر الثابت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أبو أمية الطرسوسي، حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا معقل بن عبيد الله، عن عمرو بن دينار، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "المسلم يكفيه اسمه، إن نسي أن يسمي حين يذبح، فليذكر اسم الله وليأكله" وهذا الحديث رفعه خطأ، أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزيري فإنه وإن كان من رجال مسلم إلا أن سعيد بن منصور، وعبد الله بن الزبير الحميدي روياه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن أبي الشعثاء، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس، من قوله. فزادا في إسناده "أبا الشعثاء"، ووقفا والله [تعالى] أعلم. وهذا أصح، نص عليه البيهقي [وغيره من الحفاظ]. (الأنعام: 121) 354 - بالحديث المروي من طرق عند ابن ماجه، عن ابن عباس، وأبي هريرة، وأبي ذر وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه" وفيه نظر، والله أعلم. (الأنعام: 121) 355 - عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسم الله على كل مسلم" ولكن هذا إسناده ضعيف، فإن مروان بن سالم القرقساني أبا عبد الله الشامي، ضعيف، تكلم فيه غير واحد من الأئمة، والله أعلم. (الأنعام: 121) ¬

(¬1) المراسيل برقم (378) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 240) من طريق أبي داود به. وقال ابن القطان كما في نصب الراية (4/ 183): "فيه مع الإرسال أن الصلت السدوسي لا يعرف له حال ولا يعرف بغير هذا، ولا روى عنه غير ثور بن يزيد". (¬2) سنن الدارقطني (4/ 295) وقد روى مرفوعا، ورجح البيهقي وقفه وصححه ابن السكن.

356 - عن سعيد بن جُبَيْر قال: خاصمت اليهود النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: نأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل الله؟ فأنزل الله: {وَلا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} هكذا رواه مرسلا ورواه أبو داود متصلا فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: جاءت اليهود إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله؟ فأنزل الله: {وَلا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ]}. وكذا رواه ابن جَرير، عن محمد بن عبد الأعلى وسفيان بن وَكِيع، كلاهما عن عمران بن عيينة، به. ورواه البزار، عن محمد بن موسى الحَرَشي، عن عمران بن عيينة، به. (¬1) وهذا فيه نظر من وجوه ثلاثة: أحدها: أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا. الثاني: أن الآية من الأنعام، وهي مكية. الثالث: أن هذا الحديث رواه الترمذي، عن محمد بن موسى الحَرَشِي، عن زياد بن عبد الله البكائي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس. ورواه الترمذي بلفظ: أتى ناس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره وقال: حسن غريب، رُوي عن سعيد بن جبير مرسلا. وقال الطبراني: حدثنا علي بن المبارك، حدثنا زيد بن المبارك، حدثنا موسى بن عبد العزيز، حدثنا الحكم بن أبان، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت {وَلا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} أرسلت فارس إلى قريش: أن خاصموا محمدًا وقولوا له: كَمَا تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال، وما ذبح الله، عَزَّ وجل، بشمشير من ذهب - يعني الميتة - فهو حرام. فنزلت هذه الآية: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} قال: الشياطين من فارس، وأوليائهم [من] قريش. وقال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا إسرائيل، حدثنا سِماك، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس في قوله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه. وما ذبحتم أنتم فكلوه، فأنزل الله: {وَلا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ورواه ¬

(¬1) سنن أبي داود برقم (2819) وتفسير الطبري (12/ 82).

ابن ماجه وابن أبي حاتم، عن عمرو بن عبد الله، عن وكيع، عن إسرائيل، به. (¬1) وهذا إسناد صحيح. ورواه ابن جرير من طرق متعددة، عن ابن عباس، وليس فيه ذكر اليهود، فهذا هو المحفوظ، والله أعلم. (الأنعام: 121) 357 - عن ابن مسعود مرفوعا: "من أعان ظالما سلطه الله عليه". وهذا حديث غريب. (الأنعام: 129) 358 - وروى الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه بسنده عن أبي الدرداء، وعن عبادة بن الصامت، كل منهما يقول: أوصاني خليلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج لهما من الدنيا، فافعل". ولكن في إسناديهما ضعف، والله أعلم. (الأنعام: 151) 359 - وفي كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحاب الكيل والميزان: "إنكم وُلّيتم أمرًا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم". ثم قال: لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحُسين، وهو ضعيف في الحديث، وقد روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا. قلت: وقد رواه ابن مَرْدُوَيه في تفسيره ... عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم مَعْشَر الموالي قد بَشَّرَكم الله بخصلتين بها هلكت القرون المتقدمة: المكيال والميزان". (الأنعام: 152) 360 - عن سعيد بن المسَيَّب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} فقال: "من أوفى على يده في الكيل والميزان، والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما، لم يؤاخذ". وذلك تأويل {وُسْعَهَا}. هذا مرسل غريب. (¬2). (الأنعام: 152) 361 - عن أبي سعيد الخُدْري، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} قال: "طلوع الشمس من مغربها". ورواه الترمذي، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، به. وقال: غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه. (¬3) (الأنعام: 152) ¬

(¬1) سنن أبي داود برقم (2818) وسنن ابن ماجة برقم (3173). (¬2) ذكره السيوطي في الدر المنثور (3/ 384) ولم يعزه لأحد غيره، وفي إسناده مبشر بن عبيد الحمصي. قال أحمد: كان يضع الحديث، وقال البخاري: روى عنه بقية، منكر الحديث (¬3) المسند (3/ 31) وسنن الترمذي برقم (3071) وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف (15/ 179) من طريق وكيع، عن ابن أبي ليلى به موقوفا.

362 - عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه، ثم ينام. فبينما هم كذلك إذ صاح الناس بعضهم في بعض فقالوا: ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد، فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها، فضج الناس ضجة واحدة، حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت وطلعت من مطلعها". قال: "حينئذ لا ينفع نفسًا إيمانها". هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة. (الأنعام: 158) 363 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدًا ينادي ويجهر: إلهي، مُرْني أن أسجد لمن شئت". قال: "فيجتمع إليه زبانيته فيقولون: يا سيدهم، ما هذا التضرع؟ فيقول: إنما سألت ربي أن يُنْظِر إلى الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم". قال "ثم تخرج دابة الأرض من صَدْع في الصفا". قال: "فأول خطوة تضعها بأنطاكيا، فتأتي إبليس فَتَخْطمه". هذا حديث غريب جدًا وسنده ضعيف ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك، فأما رفعه فمنكر، والله أعلم. (الأنعام: 158) 364 - عن ابن عباس [رضي الله عنه] مرفوعا - فذكر حديثًا طويلا غريبًا منكرًا رفعه، وفيه: "أن الشمس والقمر يطلعان يومئذ مقرونين وإذا نَصَفا السماء رجعا ثم عادا إلى ما كانا عليه". وهو حديث غريب جدًا بل منكر، بل موضوع، [والله أعلم] إن ادعى أنه مرفوع، فأما وقفه على ابن عباس أو وهب بن منبه - وهو الأشبه - فغير مدفوع والله أعلم. (الأنعام: 158) 365 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن في هذه الأمَّة {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وليسوا منك، هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة، من هذه الأمة". لكن هذا الإسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير متروك الحديث، ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وَهَم في رفعه. فإنه رواه سفيان الثوري، عن ليث - وهو ابن أبي سليم - عن طاوس، عن أبي هريرة، في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا

سورة الأعراف

شِيَعًا} قال: نزلت في هذه الأمة. وقال أبو غالب، عن أبي أمامة، في قوله: {[إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ] وَكَانُوا شِيَعًا} قال: هم الخوارج. وروى عنه مرفوعًا، ولا يصح. (الأنعام: 159) 366 - وقال أبو غالب، عن أبي أمامة، في قوله: {[إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ] وَكَانُوا شِيَعًا} قال: هم الخوارج. وروى عنه مرفوعًا، ولا يصح. (الأنعام: 159) 367 - عن عمر [رضي الله عنه] أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعائشة: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} قال: "هم أصحاب البدع". وهذا رواه ابن مَرْدُوَيه، وهو غريب أيضًا ولا يصح رفعه. (الأنعام: 159) 368 - وقال ابن مسعود: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} من جاء ب"لا إله إلا الله"، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} يقول: بالشرك. وهكذا ورد عن جماعة من السلف. وقد ورد فيه حديث مرفوع - الله أعلم بصحته، لكني لم أره من وجه يثبت - (الأنعام: 159) سورة الأعراف 369 - عن الحسن، عن أبي بن كعب، رضي الله عنه، قال: كان آدم رجلا طُوَالا كأنه نخلة سَحُوق، كثير شعر الرأس. فلما وقع بما وقع به من الخطيئة، بَدَتْ له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربا في الجنة فتعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة، فقال لها: أرسليني. فقالت: إني غير مرسلتك. فناداه ربه، عز وجل: يا آدم، أمنّي تفر؟ قال: رب إني استحييتك. وقد رواه ابن جرير، وابن مَرْدُويه من طُرُق، عن الحسن، عن أبيّ بن كعب، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والموقوف أصحّ إسنادا. (الأعراف: 23) 370 - عن الحسن قال: رأيت عثمان بن عفان، رضي الله عنه، على منبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عليه قميص قُوهي محلول الزرّ، وسمعته يأمر بقتل الكلاب، وينهى عن اللعب بالحمام. ثم قال: يا أيها الناس، اتقوا الله في هذه السرائر، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "والذي نفس محمد بيده، ما عمل أحد قط سرا إلا ألبسه الله رداء علانية، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر". ثم تلا هذه الآية: "ورياشًا" ولم يقرأ: وريشًا - {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} قال: "السمت الحسن". هكذا رواه ابن جرير من رواية سليمان بن أرقم وفيه ضعف. (الأعراف: 23) 371 - عن أنس مرفوعا؛ أنها أنزلت في الصلاة في النعال. ولكن في صحته نظر والله أعلم. (الأعراف: 31) 372 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن من السَّرف أن تأكل كل ما اشتهيت". ورواه الدارقطني في الأفراد، وقال: هذا حديث غريب تفرد به بقية. (¬1) (الأعراف: 31) 373 - عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمن استوت حسناته وسيئاته، فقال: "أولئك أصحاب الأعراف، لم يدخلوها وهم يطمعون". وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه من وجه آخر، عن سعيد بن سلمة عن أبي الحسام، عن محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أصحاب الأعراف، فقال: "إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم، فقتلوا في سبيل الله" وقال سعيد بن منصور: حدثنا أبو مَعْشَر، حدثنا يحيى بن شِبْل، عن يحيى بن عبد الرحمن المزني عن أبيه قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن "أصحاب الأعراف" فقال: "هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم النار قتلهم في سبيل الله". هكذا رواه ابن مَرْدُوَيه، وابن جرير، وابن أبي حاتم من طرق، عن أبي معشر به (¬2) وكذلك رواه ابنُ ماجه مرفوعًا، من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري [رضي الله عنهما] والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة وقصاراها أن تكون موقوفة وفيه ¬

(¬1) وقال البوصيري في الزوائد (3/ 95): "هذا إسناد ضعيف" وهو مسلسل بالعلل. (¬2) وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن قال البخاري: منكر الحديث.

دلالة على ما ذكر. (الأعراف: 46) 374 - عن عمرو بن جرير قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أصحاب الأعراف قال: هم آخر من يفصل بينهم من العباد، فإذا فرغ رب العالمين من فصله بين العباد قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة، فأنتم عتقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم". وهذا مرسل حسن. (الأعراف: 46) 375 - عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل". فقد رواه مسلم بن الحجاج في صحيحه والنسائي من غير وجه، عن حجاج - وهو ابن محمد الأعور - عن ابن جريج به وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال في ستة أيام؛ ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة، عن كعب الأحبار، ليس مرفوعا، والله أعلم. (الأعراف: 54) 376 - قال عبد الرزاق: قال مَعْمَر: أخبرني إسماعيل بن أمية؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بقبر أبي رغال فقال: "أتدرون من هذا؟ " فقالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا قبر أبي رغال، رجل من ثمود، كان في حرم الله، فمنعه حرمُ الله عذاب الله. فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن هاهنا، ودفن معه غصن من ذهب، فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عنه، فاستخرجوا الغصن". وقال عبد الرزاق: قال معمر: قال الزهري: أبو رغال: أبو ثقيف. هذا مرسل من هذا الوجه، وقد روي متصلا من وجه آخر، كما قال محمد بن إسحاق، عن إسماعيل بن أمية، عن بُجَير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول، حين خرجنا معه إلى الطائف، فمررنا بقبر فقال: "هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بهذا الحرم فدفع عنه، فلما خرج [منه] أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه. وآية

ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشم عنه أصبتموه [معه] فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن". وهكذا رواه أبو داود، عن يحيى بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، به (¬1) قال شيخنا أبو الحجاج المزي: وهو حديث حسن عزيز قلت: تفرد بوصله "بُجَيْر بن أبي بجير" هذا، وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث. قال يحيى ابن معين: ولم أسمع أحدًا روى عنه غير إسماعيل بن أمية. قلت: وعلى هذا، فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو، مما أخذه من الزاملتين. قال شيخنا أبو الحجاج، بعد أن عرضت عليه ذلك: وهذا محتمل، والله أعلم. (الأعراف: 78) 377 - عن ابن عباس قال: لما مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوادي عُسْفان حين حَجّ قال: "يا أبا بكر، أيّ وادي هذا؟ " قال: هذا وادي عُسْفَان. قال: "لقد مر به هود وصالح، عليهما السلام، على بَكَرات حُمْر خُطُمها الليف، أزُرُهم العبَاء، وأرديتهم النّمار، يلبون يحجون البيت العتيق". (¬2). هذا حديث غريب من هذا الوجه، لم يخرجه أحد منهم. (الأعراف: 79) 378 - وقال وَهْب بن مُنَبِّه: لما دخل موسى على فرعون، قال له فرعون: أعرفك؟ قال: نعم، قال: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18] قال: فرد إليه موسى الذي ردّ، فقال فرعون: خذوه، فبادره موسى {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} فحملت على الناس فانهزموا منها، فمات منهم خمسة وعشرون ألفا، قتل بعضهم بعضا، وقام فرعون منهزما حتى دخل البيت. رواه ابن جرير، والإمام أحمد في كتابه "الزهد"، وابن أبي حاتم. وفيه غرابة في سياقه والله أعلم. (¬3) (الأعراف: 107) 379 - عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الطوفان الموت". وكذا رواه ابن مردويه، من حديث يحيى بن يمان، به وهو حديث غريب. (الأعراف: 123) ¬

(¬1) سنن أبي داود برقم (3088). (¬2) المسند (1/ 232) وقال الهيثمي في المجمع (3/ 220): "فيه زمعة بن صالح وفيه كلام وقد وثق". (¬3) تفسير الطبري (13/ 16)، والزهد للإمام أحمد برقم (341).

380 - وقد روى الحافظ ابن عساكر في جزء جمعه في الجراد ... عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأكل الجراد، ولا الكلوتين، ولا الضب، من غير أن يحرمها. أما الجراد: فرجز وعذاب. وأما الكلوتان: فلقربهما من البول. وأما الضب فقال: "أتخوف أن يكون مسخا"، ثم قال: غريب، لم أكتبه إلا من هذا الوجه. (¬1) (الأعراف: 123) 381 - عن أبي زُهَيْر النميري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تقاتلوا الجراد، فإنه جند الله الأعظم". غريب جدًا. (الأعراف: 123) 382 - عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا وَباء مع السيف، ولا نجاء مع الجراد". حديث غريب. (¬2) (الأعراف: 123) 383 - قال أبو جعفر بن جرير الطبري ... عن أنس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لما تجلى ربه للجبل، أشار بإصبعه فجعله دكًا" وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه السبابة هذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم، ثم قال حدثني المثنى، حدثنا حجَّاج بن مِنْهال، حدثنا حَمَّاد، عن لَيْث، عن أنس؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ هذه الآية: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قال: "هكذا بإصبعه - ووضع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر - فساخ الجبل" هكذا وقع في هذه الرواية "حماد بن سلمة، عن ليث، عن أنس". والمشهور: "حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس"، كما قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا هُدْبَة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قال: وضع الإبهام قريبًا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبل - قال حميد لثابت: تقول هذا؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقوله أنس وأنا أكتمه؟ وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو المثنى، معاذ بن معاذ العنبري، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ ¬

(¬1) وفي إسناده انقطاع فإن عطاء لم يسمع من ابن عباس وابن جريج مدلس وقد عنعن. (¬2) انظر الجامع الصغير للسيوطي (6/ 439) ورمز له بالضعف، وأقره المناوي والألباني.

لِلْجَبَلِ [جَعَلَهُ دَكًّا]} قال: قال هكذا - يعني أنه خرج طرف الخنصر - قال أحمد: أرانا معاذ، فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربة شديدة وقال: من أنت يا حميد؟! وما أنت يا حميد؟! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتقول أنت: ما تريد إليه؟! وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق، عن معاذ بن معاذ به. وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن سليمان بن حرب، عن حماد [بن سلمة] به ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد. (¬1) وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق، عن حماد بن سلمة، به. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ورواه أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، عن محمد بن علي بن سُوَيْد، عن أبي القاسم البغوي، عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، فذكره وقال: هذا إسناد صحيح لا علة فيه. وقد رواه داود بن المحبر، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس مرفوعًا [وهذا ليس بشيء، لأن داود ابن المحبر كذاب ورواه الحافظان أبو القاسم الطبراني وأبو بكر] بنحوه وأسنده ابن مردويه من طريقين، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن أنس مرفوعا بنحوه، وأسنده ابن مردويه من طريق ابن البيْلِمِاني، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعا، ولا يصح أيضًا. (الأعراف: 143) 384 - عن أنس بن مالك؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لما تجلى الله للجبال طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى. ووقع بمكة: حراء، وثَبِير، وثور". وهذا حديث غريب، بل منكر. (¬2) (الأعراف: 143) ¬

(¬1) المسند (3/ 125)، وسنن الترمذي برقم (3074)، ورواه ابن خزيمة في التوحيد برقم (113) من طريق معاذ بن جبل به. (¬2) انظر السلسلة الضعيفة للشيخ الألباني برقم (162).قال الخطيب: "هذا الحديث غريب جدا لم أكتبه إلا بهذا الإسناد" وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 120) وقال: "قال ابن حبان: موضوع، وعبد العزيز متروك يروى المناكير عن المشاهير".

385 - وقد ذكر محمد بن جرير (¬1) في تفسيره هاهنا أثرًا طويلاً فيه غرائب ¬

(¬1) انظر: تفسير الطبري (13/ 91) عن ابن إسحاق قال: استخلف موسى هارون على بني إسرائيل وقال: إني متعجل إلى ربي، فاخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين. فخرج موسى إلى ربه متعجلا للقيّه شوقًا إليه، وأقام هارون في بني إسرائيل، ومعه السامري يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به. فلما كلم الله موسى، طمع في رؤيته، فسأل ربه أن ينظر إليه، فقال الله لموسى: إنك لن تراني، (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)، الآية. قال ابن إسحاق: فهذا ما وصل إلينا في كتاب الله عن خبر موسى لما طلب النظر إلى ربه، وأهل الكتاب يزعمونَ وأهلُ التوراة: أنْ قد كان لذلك تفسير وقصة وأمور كثيرة، ومراجعة لم تأتنا في كتاب الله، والله أعلم. قال ابن إسحاق عن بعض أهل العلم الأوّل بأحاديث أهل الكتاب، إنهم يجدون في تفسير ما عندهم من خبر موسى حين طلب ذلك إلى ربه، أنه كان من كلامه إياه حين طمع في رؤيته، وطلب ذلك منه، وردّ عليه ربه منه ما ردّ: أن موسى كان تطهّر وطهّر ثيابه، وصام للقاء ربه. فلما أتى طور سينا، ودنا الله له في الغمام فكلّمه، سبحه وحمّده وكبره وقدَّسه، مع تضرع وبكاء حزين، ثم أخذ في مِدْحته، فقال: ربّ ما أعظمك وأعظم شأنك كله! من عظمتك أنه لم يكن شيء من قبلك، فأنت الواحد القهار، كأن عرشك تحت عظمتك نارًا توقد لك، وجعلت سرادقًا [من نور] من دونه سرادق من نور، فما أعظمك ربّ وأعظم ملكك! جعلت بينك وبين ملائكتك مسيرة خمسمائة عام. فما أعظمك رب وأعظم ملكك في سلطانك! فإذا أردت شيئًا تقضيه في جنودك الذين في السماء أو الذين في الأرض، وجنودك الذين في البحر، بعثت الريح من عندك لا يراها شيء من خلقك، إلا أنت إن شئت، فدخلت في جوف من شئت من أنبيائك، فبلغوا لما أردت من عبادك. وليس أحد من ملائكتك يستطيع شيئًا من عظمتك ولا من عرشك ولا يسمع صوتك، فقد أنعمت عليّ وأعظمت عليّ في الفضل، وأحسنت إليّ كلّ الإحسان! عظمتني في أمم الأرض، وعظمتني عند ملائكتك، وأسمعتني صوتك، وبذلت لي كلامك، وآتيتني حكمتك، فإن أعدَّ نعماك لا أحصيها، وإن أُرِد شكرك لا أستطيعه. دعوتك، ربّ، على فرعون بالآيات العظام، والعقوبة الشديدة، فضربت بعصاي التي في يدي البحر فانفلق لي ولمن معي! ودعوتك حين أجزتُ البحر، فأغرقت عدوك وعدوّي. وسألتك الماء لي ولأمتي، فضربت بعصاي التي في يدي الحجر، فمنه أرويتني وأمتي. وسألتك لأمتي طعامًا لم يأكله أحد كان قبلهم، فأمرتني أن أدعوك من قبل المشرق ومن قبل المغرب، فناديتك من شرقي أمتي فأعطيتهم المن من مشرق لنفسي، وآتيتهم السلوى من غربيهم من قبل البحر، واشتكيت الحر فناديتك، فظللت عليهم بالغمام. فما أطيق نعماك علي أن أعدّها ولا أحصيها، وإن أردت شكرها لا أستطيعه. فجئتك اليوم راغبًا طالبًا سائلا متضرعًا، لتعطيني ما منعت غيري. أطلب إليك، وأسالك يا ذا العظمة والعزة والسلطان، أن تريني أنظر إليك، فإني قد أحببت أن أرى وجهك الذي لم يره شيء من خلقك! قال له رب العزة: ألا ترى يا ابن عمران ما تقول؟ تكلمت بكلام هو أعظم من سائر الخلق! لا يراني أحد فيحيا، [أليس في السموات معمري، فإنهن قد ضعفن أن يحملن عظمتي، وليس في الأرض معمري، فإنها قد ضعفت أن تسع بجندي]. فلستُ في مكان واحد فأتجلى لعين تنظر إليّ. قال موسى: يا رب، أن أراك وأموت، أحب إليّ من أن لا أراك وأحيا. قال له رب العزة: يا ابن عمران تكلمتَ بكلام هو أعظم من سائر الخلق، لا يراني أحد فيحيا! قال: رب تمم علي نعماك، وتمم عليّ فضلك، وتمم عليّ إحسانك، بهذا الذي سألتك، ليس لي أن أراك فأقبض، ولكن أحب أن أراك فيطمئن قلبي. قال له: يا ابن عمران، لن يراني أحد فيحيا! قال: موسى رب تمم عليّ نعماك وتمم عليّ فضلك، وتمم علي إحسانك بهذا الذي سألتك، فأموت على أثر ذلك، أحب إلي من الحياة! فقال الرحمن المترحِّم على خلقه: قد طلبت يا موسى، [وحيـ] (قال شاكر: هذه الكلمة بين القوسين (هكذا في المخطوطة). ولا أدري ما قراءتها. وأما في المطبوعة فقد حذفها وغير ما بعدها وكتب: "وأعطيتك" مكان "لأعطينك"). لأعطينك سؤلك إن استطعت أن تنظر إليّ، فاذهب فاتخذ لوحين، ثم انظر إلى الحجر الأكبر في رأس الجبل، فإن ما وراءه وما دونه مضيق لا يسع إلا مجلسك يا ابن عمران. ثم انظر فإني أهبط إليك وجنودي من قليل وكثير، ففعل موسى كما أمره ربه، نحت لوحين ثم صعد بهما إلى الجبل فجلس على الحجر، فلما استوى عليه، أمر الله جنوده الذين في السماء الدنيا فقال: ضعي أكتافك حول الجبل. فسمعت ما قال الرب، ففعلت أمره. ثم أرسل الله الصواعق والظلمة والضباب على ما كان يلي الجبل الذي يلي موسى أربعة فراسخ من كل ناحية، ثم أمر الله ملائكة الدنيا أن يمرُّوا بموسى، فاعترضوا عليه، فمروا به طيرانَ النُّغَر، تنبع أفواههم بالتقديس والتسبيح بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد، فقال موسى بن عمران عليه السلام: رب، إني كنت عن هذا غنيًّا، ما ترى عيناي شيئًا، قد ذهب بصرهما من شعاع النور المتصفِّف على ملائكة ربي! ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية: أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه! فهبطوا أمثال الأسد لهم لَجَبٌ بالتسبيح والتقديس، ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما رأى ومما سمع، فاقشعرّت كل شعرة في رأسه وجلده، ثم قال: ندمت على مسألتي إياك، فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه شيء؟ فقال له كبير الملائكة ورأسهم يا موسى، اصبر لما سألت، فقليل من كثير ما رأيت! ثم أمر الله ملائكة السماء الثالثة: أن اهبطوا على موسى، فاعترضوا عليه! فأقبلوا أمثال النسور لهم قَصْفٌ ورجفٌ ولجبٌ شديد، وأفواههم تنبع بالتسبيح والتقديس، كلجَب الجيش العظيم، كلهب النار. ففزع موسى، وأَسِيَتْ نفسه وأساء ظنه، وأَيِسَ من الحياة، فقال له كبير الملائكة ورأسهم: مكانك يا ابن عمران، حتى ترى ما لا تصبر عليه! ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة: أن اهبطوا فاعترضوا على موسى بن عمران! فأقبلوا وهبطوا عليه لا يشبههم شيء من الذين مرُّوا به قبلهم، ألوانهم كلهب النار، وسائر خلقهم كالثلج الأبيض، أصواتهم عالية بالتسبيح والتقديس، لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مرُّوا به قبلهم. فاصطكّت ركبتاه، وأرعد قلبه، واشتد بكاؤه، فقال كبير الملائكة ورأسهم: يا ابن عمران اصبر لما سألت، فقليل من كثيرٍ ما رأيت! ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة: أن اهبطوا فاعترضوا على موسى! فهبطوا عليه سبعةَ ألوان، فلم يستطع موسى أن يُتبعهم طرفه، ولم ير مثلهم، ولم يسمع مثل أصواتهم، وامتلأ جوفه خوفًا، واشتد حزنه وكثر بكاؤه، فقال له كبير الملائكة ورأسهم: يا ابن عمران، مكانك حتى ترى ما لا تصبر عليه! ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة: أن اهبطوا على عبدي الذي طلب أن يراني موسى بن عمران، واعترضوا عليه! فهبطوا عليه في يد كل ملك مثل النخلة الطويلة نارًا أشد ضوءًا من الشمس، ولباسهم كلهب النار، إذا سبحوا وقدسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السموات كلهم، يقولون بشدة أصواتهم: "سبوح قدوس، رب العزة أبدا لا يموت" في رأس كل ملك منهم أربعة أوجه، فلما رآهم موسى رفع صوته يسبح معهم حين سبحوا، وهو يبكي ويقول: "رب أذكرني، ولا تنس عبدك، لا أدري أأنفلتُ مما أنا فيه أم لا إن خرجت أحرقت، وإن مكثت مت"! فقال له كبير الملائكة ورئيسهم قد أوشكت يا ابن عمران أن يمتلئ جوفك، وينخلع قلبك، ويشتد بكاؤك، فاصبر للذي جلست لتنظر إليه يا ابن عمران! وكان جبل موسى جبلا عظيما، فأمر الله أن يحمل عرشه، ثم قال: مرُّوا بي على عبدي ليراني، فقليل من كثيرٍ ما رأى! فانفرج الجبل من عظمة الرب، وغشَّي ضوء عرش الرحمن جبل موسى، ورفعت ملائكة السموات أصواتها جميعا، فارتجّ الجبل فاندكَّ، وكل شجرة كانت فيه، وخرّ العبد الضعيفُ موسى بن عمران صعقًا على وجهه، ليس معه روحه، فأرسل الله الحياة برحمته، فتغشاه برحمته وقلب الحجر الذي كان عليه وجعله كالمعِدة كهيئة القبة، لئلا يحترق موسى، فأقامه الروح، مثل الأم أقامت جنينها حين يصرع. قال: فقام موسى يسبح الله ويقول: آمنت أنك ربي، وصدقت أنه لا يراك أحد فيحيا، ومن نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه، فما أعظمك ربّ، وأعظم ملائكتك، أنت رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك، تأمر الجنود الذين عندك فيطيعونك وتأمر السماء وما فيها فتطيعك، لا تستنكف من ذلك، ولا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء، رب تبت إليك، الحمد لله الذي لا شريك له، ما أعظمك وأجلّك ربَّ العالمين!

وعجائب، عن محمد بن إسحاق بن يسار [رحمه الله] وكأنه تلقاه من الإسرائيليات والله [تعالى] أعلم. (الأعراف: 143) 386 - وقد روى القاضي عياض في أوائل كتابه "الشفاء" بسنده ... عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لما تجلى الله لموسى، عليه السلام، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء، مسيرة عشرة فراسخ" ثم قال: "ولا يبعد على هذا أن يختص نبيا بما ذكرناه من هذا الباب، بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى. انتهى ما قاله، وكأنه صحح هذا الحديث، وفي صحته نظر، ولا يخلو رجال إسناده من مجاهيل لا يعرفون، ومثل هذا إنما يقبل من رواية العدل الضابط عن مثله، حتى ينتهي إلى منتهاه، والله أعلم. (الأعراف: 143)

387 - عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: انطلق موسى وهارون وشبر وشبير، فانطلقوا إلى سفح جَبَل، فنام هارون على سرير، فتوفاه الله، عز وجل. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون؟ قال: توفاه الله، عز وجل. قالوا [له] أنت قتلته، حَسَدتنا على خُلقه ولينه - أو كلمة نحوها - قال: فاختاروا من شئتم. قال: فاختاروا سبعين رجلا. قال: فذلك قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا} فلما انتهوا إليه قالوا: يا هارون، من قتلك؟ قال: ما قتلني أحد، ولكن توفاني الله. قالوا: يا موسى، لن تعصى بعد اليوم. قال: فأخذتهم الرجفة. قال: فجعل موسى، عليه السلام، يرجع يمينًا وشمالا وقال: يا {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} قال: فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم. هذا أثر غريب جدا، وعمارة بن عبد هذا لا أعرفه. وقد رواه شعبة، عن أبي إسحاق عن رجل من بني سلول عن علي، فذكره. (الأعراف: 155) 388 - عن علي [رضي الله عنه] قال: إنما سميت اليهود لأنهم قالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} جابر - هو ابن يزيد الجُعْفي - ضعيف. (الأعراف: 155) 389 - عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده، ليدخلن الجنة الفاجرُ في دينه، الأحمق في معيشته. والذي نفسي بيده، ليدخلن الجنة الذي قد مَحَشته النار بذنبه. والذي نفسي بيده، ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه". هذا حديث غريب جدا، "وسعد" هذا لا أعرفه. (¬1) (الأعراف: 156) 390 - عن ابن عباس [رضي الله عنهما] عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم، عليه السلام، بنعمان. يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه، ثم كلمهم قبلا قال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} إلى قوله: {الْمُبْطِلُونَ} وقد روى هذا الحديث النسائي في كتاب التفسير من ¬

(¬1) المعجم الكبير (3/ 168) وقال الهيثمي في المجمع (10/ 216): "سعيد بن طالب أبو غيلان وثقه أبو زرعة وابن حبان، وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات".

سننه، عن محمد بن عبد الرحيم - صاعقة - عن حسين بن محمد المروزي، به. ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حسين بن محمد به. إلا أن ابن أبي حاتم جعله موقوفا. وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمد وغيره، عن جرير بن حازم، عن كلثوم بن جَبْر، به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبير هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث، عن كلثوم بن جبرعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فوقفه وكذا رواه إسماعيل بن علية ووَكِيع، عن ربيعة بن كلثوم، عن جبير، عن أبيه، به. وكذا رواه عطاء بن السائب، وحبيب بن أبي ثابت، وعلي بن بَذِيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله، وكذا رواه العَوْفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس فهذا أكثر وأثبت، والله أعلم. وقال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا أبي، عن أبي هلال، عن أبي جَمْرَة الضبعي، عن ابن عباس [رضي الله عنهما] قال: أخرج الله ذرية آدم [عليه السلام] من ظهره كهيئة الذر، وهو في آذى من الماء. وقال أيضا: حدثنا علي بن سهل، حدثنا ضَمْرَة بن ربيعة، حدثنا أبو مسعود عن جُوبير قال: مات ابن للضحاك بن مُزَاحِم، [وهو] ابن ستة أيام. قال: فقال: يا جابر، إذا أنت وضعت ابني في لحده، فأبرز وجهه، وحُلّ عنه عقده، فإن ابني مُجْلَس، ومسئول. ففعلت به الذي أمر، فلما فرغت قلت: يرحمك الله، عمّ يُسأل ابنك؟ من يسأله إياه؟ قال: يُسْأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم. قلت: يا أبا القاسم، وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم؟ قال: حدثني ابن عباس [رضي الله عنه]؛ أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه. فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به، نفعه الميثاق الأول. ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف به، لم ينفعه الميثاق الأول. ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر، مات على الميثاق الأول على الفطرة فهذه الطرق كلها مما تقوِّي وَقْف هذا على ابن عباس، والله أعلم. (الأعراف: 172)

391 - عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال: "أخذ من ظهره، كما يؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: {ألست بربكم قالوا بلى} قَالَتِ الْمَلائِكَةُ {شهدنا أن يقولوا} يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (¬1) أحمد بن أبي طيبة هذا هو: أبو محمد الجرجاني قاضي قومس، كان أحد الزهاد، أخرج له النسائي في سننه، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه. وقال ابن عَدِيّ: حدث بأحاديث أكثرها غرائب. وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو، قوله، وكذا رواه جرير، عن منصور، به. وهذا أصح والله أعلم. (الأعراف: 172) 392 - حديث آخر: روى جعفر بن الزبير - وهو ضعيف - عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لما خلق الله الخلق، وقضى القضية، أخذ أهل اليمين بيمينه وأهل الشمال بشماله، فقال: يا أصحاب اليمين. فقالوا: لبيك وسعديك. قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. قال: يا أصحاب الشمال. قالوا: لبيك وسعديك. قال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى ثم خلط بينهم، فقال قائل: يا رب، لم خلطت بينهم؟ قال: لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون، أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، ثم ردهم في صلب آدم [عليه السلام]. رواه ابن مردويه. (الأعراف: 172) 393 - عن ابن عباس في قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} قال: هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيهن، وكانت له امرأة له منها ولد، فقالت: اجعل لي منها واحدة. قال: فلك واحدة، فما الذي تريدين؟ قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل. فدعا الله، فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه، وأرادت شيئًا آخر، فدعا الله أن يجعلها كلبة، فصارت كلبة، فذهبت دعوتان. فجاء بنوها فقالوا: ليس بنا على هذا قرار، قد صارت أمنا كلبة يعيرنا ¬

(¬1) تفسير الطبري (13/ 232) قال الطبري: "ولا أعلمه صحيحا؛ لأن الثقات الذين يعتمد على حفظهم واتقانهم، حدثوا بهذا الحديث عن الثوري فوقفوه على عبد الله بن عمرو، ولم يرفعوه ولم يذكروا في الحديث هذا الحرف الذي ذكره أحمد بن أبي طيبة عنه".

الناس بها، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها، فدعا الله، فعادت كما كانت، فذهبت الدعوات الثلاث، وسميت البسوس. غريب. (الأعراف: 175) 394 - وأخرجه الترمذي، عن الجوزجاني، عن صفوان بن صالح، عن الوليد بن مسلم، عن شعيب فذكر بسنده مثله، وزاد بعد قوله: "يحب الوتر": هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفوّ، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة [رضي الله عنه] ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث. ورواه ابن حبان في صحيحه، من طريق صفوان، به وقد رواه ابن ماجه في سننه، من طريق آخر عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا فسرد الأسماء كنحو ما تقدم بزيادة ونقصان. والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني، عن زهير بن محمد: أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن كما رود عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي، والله أعلم. (الأعراف: 180) 395 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رأيت ليلة أسري بي، لما انتهينا إلى

السماء السابعة، فنظرت فوقي، فإذا أنا برعد وبرق وصواعق"، قال: "وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا. فلما نزلت إلى السماء الدنيا فنظرت إلى أسفل مني، فإذا أنا برَهج ودخان وأصوات فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين يُحَرِّفون على أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب". علي بن زيد بن جدعان له منكرات. (الأعراف: 185) 396 - عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ولما ولدت حواء طاف بها إبليس - وكان لا يعيش لها ولد - فقال: سميه عبد الحارث؛ فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث، فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره". وهكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن بشار، بُنْدَار، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، به. ورواه الترمذي في تفسيره هذه الآية عن محمد بن المثنى، عن عبد الصمد، به وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، عن قتادة، ورواه بعضهم عن عبد الصمد، ولم يرفعه. ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث عبد الصمد مرفوعًا ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره، عن أبي زُرْعَة الرازي، عن هلال بن فياض، عن عمر بن إبراهيم، به مرفوعًا. وكذا رواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدويه في تفسيره من حديث شاذ بن فياض، عن عمر بن إبراهيم، به مرفوعا قلت: "وشاذ" [هذا] هو: هلال، وشاذ لقبه. والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه: أحدها: أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري، وقد وثقه ابن معين، ولكن قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به. ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر، عن أبيه، عن الحسن، عن سمرة مرفوعا فالله أعلم. الثاني: أنه قد روي من قول سمرة نفسه، ليس مرفوعًا، كما قال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر، عن أبيه. وحدثنا ابن علية عن سليمان التيمي، عن أبي العلاء بن الشخير، عن سمرة بن جندب، قال: سمى آدم ابنه "عبد الحارث". الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة

مرفوعًا، لما عدل عنه. قال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} قال: كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم. حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: عنى بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده - يعني: [قوله] {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} وحدثنا بشر حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادًا، فهوّدوا ونَصَّروا. وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن، رحمه الله، أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيما مع تقواه لله وَوَرَعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل: كعب أو وهب بن مُنَبّه وغيرهما، كما سيأتي بيانه إن شاء الله [تعالى] إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع، والله أعلم. (الأعراف: 188) 397 - عن ابن عباس قال: كانت حواء تلد لآدم، عليه السلام، أولادا فيعبدهم لله ويُسَمّيه: "عبد الله" و"عبيد الله"، ونحو ذلك، فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس وآدم فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تُسميانه به لعاش. قال: فولدت له رجلا فسماه "عبد الحارث"، ففيه أنزل الله، يقول الله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى قوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} إلى آخر الآية. وقال العَوْفي، عن ابن عباس قوله في آدم: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى قوله: {فَمَرَّتْ بِهِ} شَكَّت أحَبَلتْ أم لا؟ {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} فأتاهما الشيطان، فقال: هل تدريان ما يولد لكما؟ أم هل تدريان ما يكون؟ أبهيمة يكون أم لا؟ وزيَّن لهما الباطل؛ إنه غوي مبين، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطان: إنكما إن لم تسمياه بي، لم يخرج سويا، ومات كما مات الأولان فسميا ولدهما "عبد الحارث"، فذلك قول الله [تعالى] {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} الآية. وقال عبد الله بن المبارك، عن شريك، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {فَلَمَّا

آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} قال: قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} آدم {حَمَلَتْ [حَمْلا خَفِيفًا]} فأتاهما إبليس - لعنه الله - فقال: إنى صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لَتطيعُنِّي أو لأجعلنَّ قرني له أيل فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلنَّ ولأفعلنَّ - يخوفهما - فسمِّياه "عبد الحارث" فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت الثانية، فأتاهما أيضا فقال: أنا صاحبكما الذي فعلت ما فعلت، لتفعلُنَّ أو لأفعلَنَّ - يخوفهما - فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت الثالثة فأتاهما أيضا، فذكر لهما، فأدركهما حبُّ الولد، فسمياه "عبد الحارث"، فذلك قوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} رواه ابن أبي حاتم. وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه، كمجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة. ومن الطبقة الثانية: قتادة، والسدي، وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة، وكأنه - والله أعلم - أصله مأخوذ من أهل الكتاب، فإن ابن عباس رواه عن أُبي بن كعب، كما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الجماهر حدثنا سعيد - يعني ابن بشير - عن عقبة، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أُبي بن كعب قال: لما حملت حواء أتاها الشيطان، فقال لها: أتطيعيني ويَسْلَم لك ولدك؟ سميه "عبد الحارث"، فلم تفعلْ، فولدت فمات، ثم حملت فقال لها مثل ذلك، فلم تفعل. ثم حملت الثالث فجاءها فقال: إن تطيعيني يسلم، وإلا فإنه يكون بَهِيمة، فهيَّبهما فأطاعا. وهذه الآثار يظهر عليها - والله أعلم - أنها من آثار أهل الكتاب، وقد صح الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إذا حَدَّثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم"، ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام: فمنها: ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله. ومنها ما علمنا كذبه، بما دُلَّ على خلافه من الكتاب والسنة أيضًا. ومنها: ما هو مسكوت عنه، فهو المأذون في روايته، بقوله، عليه السلام: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حَرج" وهو الذي لا يصدَّق ولا يكذب، لقوله: "فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم". وهذا الأثر: [هل] هو من القسم الثاني أو الثالث؟ فيه نظر. فأما من حدث به من

سورة الأنفال

صحَابي أو تابعي، فإنه يراه من القسم الثالث، وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري، رحمه الله، في هذا [والله أعلم] وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته؛ ولهذا قال الله: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. (الأعراف: 188) 398 - ويشهد له ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم جميعا: حدثنا يونس حدثنا سفيان - هو ابن عيينة - عن أمي قال: لما أنزل الله، عز وجل، على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما هذا يا جبريل؟ " قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك. وقد رواه ابن أبي حاتم أيضا ... نحوه، وهذا - على كل حال - مرسل، وقد روي له شاهد من وجوه أخر، وقد روي مرفوعا عن جابر وقيس بن سعد بن عبادة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أسندهما ابن مردويه. (الأعراف: 199) 399 - عن عقبة بن عامر، رضي الله عنه، قال: لقيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال. فقال: "يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك". وروى الترمذي نحوه، من طريق عبيد الله بن زَحْرعن علي بن يزيد، به. وقال: حسن. قلت: ولكن "علي بن يزيد" وشيخه "القاسم أبو عبد الرحمن"، فيهما ضعف. (¬1) (الأعراف: 199) سورة الأنفال 400 - وقال البخاري: "باب شهود الملائكة بدرا ": حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ بن رِفاعة بن رافع الزُّرَقي، عن أبيه - وكان ¬

(¬1) المسند (4/ 148) وسنن الترمذي برقم (2406).

أبوه من أهل بدر - قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: " من أفضل المسلمين" - أو كلمة نحوها - قال: "وكذلك من شهد بدرا من الملائكة. انفرد بإخراجه البخاري وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث رافع بن خَدِيج (¬1)، وهو خطأ والصواب رواية البخاري، والله أعلم. (الأنفال: 9) 401 - وقال الإمام أحمد: ... سمعت السدوسي - يعني ابن الخصاصية، وهو بشير بن معبد - قال: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبايعه، فاشترط علي: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أؤدي الزكاة، وأن أحج حَجَّة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله". فقلت: يا رسول الله، أما اثنتان فوالله لا أطيقهما: الجهاد، فإنهم زعموا أنه من ولى الدُّبُر فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت ذلك خشعت نفسي وكرهت الموت. والصدقة، فوالله ما لي إلا غُنَيْمَةٌ وعشر ذَوْدٍ هُنَّ رَسَل أهلي وحَمُولتهم. فقبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده، ثم حرك يده، ثم قال: "فلا جهاد ولا صدقة، فيم تدخل الجنة إذا؟ " فقلت: يا رسول الله، أنا أبايعك. فبايعته عليهنَّ كلهنَّ. هذا حديث غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه في الكتب الستة. (الأنفال: 16) 402 - عن ثوبان، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ثلاثة لا ينفع معهن عمل: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف". (¬2) وهذا أيضا حديث غريب جدا. (الأنفال: 16) 403 - وقال الطبراني أيضا: ... قال: سمعت بلال بن يسار بن زيد - مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: سمعت أبي حدث عن جدي قال: قال رسول الله: "من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف". وهكذا رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، به. وأخرجه الترمذي، عن البخاري، عن موسى بن ¬

(¬1) المعجم الكبير (4/ 277). (¬2) قال الهيثمي في المجمع (1/ 104): "فيه يزيد بن ربيعة ضعيف".

إسماعيل به. وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه (¬1) قلت: ولا يعرف لزيد مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عنه سواه. (الأنفال: 16) 404 - عن حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر، سمعنا صوتا وقع من السماء، كأنه صوت حصاة وقعت في طست، ورمى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الرمية، فانهزمنا. غريب من هذا الوجه. (الأنفال: 17) 405 - وهاهنا قولان آخران غريبان جدا. أحدهما: قال ابن جرير: ... حدثنا عبد الرحمن بن جبير؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم ابن أبي الحقيق بخيبر، دعا بقوس، فأتى بقوس طويلة، وقال: "جيئوني غيرها". فجاؤوا بقوس كبداء، فرمى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق، وهو في فراشه، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وهذا غريب، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ولعله اشتبه عليه، أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدر لا محالة، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم، والله أعلم. (سورة الأنفال: 17) 406 - والثاني: روى ابن جرير أيضا، والحاكم في مستدركه، بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب والزهري أنهما قالا: أنزلت في رمية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد أُبَي بن خلف بالحربة وهو في لأمته، فخدشه في ترقوته، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارا، حتى كانت وفاته [بها] بعد أيام، قاسى فيها العذاب الأليم، موصولا بعذاب البرزخ، المتصل بعذاب الآخرة. وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضا جدا، ولعلهما أرادا أن الآية تتناوله بعمومها، لا أنها نزلت فيه خاصة كما تقدم، والله أعلم. (الأنفال: 17) 407 - وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} قال ابن عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان. رواه الحاكم في مستدركه موقوفا، وقال: صحيح ولم يخرجاه. ورواه ابن مَرْدُوَيه من وجه آخر مرفوعا ولا يصح ¬

(¬1) المعجم الكبير (5/ 89) وسنن أبي داود برقم (1517) وسنن الترمذي برقم (3577).

لضعف إسناده، والموقوف أصح. (الأنفال: 24) 408 - عن ابن أبي ليلى، عن بلال، رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو: "يا مُقَلِّب القلوب ثَبِّت قلبي على دينك". هذا حديث جيد الإسناد إلا أن فيه انقطاعا وهو - مع ذلك - على شرط أهل السنن ولم يخرجوه. (الأنفال: 24) 409 - عن عَدِيّ بن عميرة - يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله عز وجل، لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظَهْرَانَيْهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عَذَّب الله الخاصة والعامة" فيه رجل مبهم، ولم يخرجوه في الكتب الستة، ولا واحد منهم، والله أعلم. (الأنفال: 25) 410 - عن جابر بن عبد الله؛ أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن أبا سفيان في كذا وكذا. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: "إن أبا سفيان في موضع كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا" فكتب رجل من المنافقين إليه: إن محمدًا يريدكم، فخذوا حذركم، فأنزل الله [عز وجل] {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} الآية (7). هذا حديث غريب جدًّا، وفي سنده وسياقه نظر. (الأنفال: 27) 411 - عن المطلب بن أبي وَدَاعةِ، أن أبا طالب قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يأتمر بك قومك؟ قال: "يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني". فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: "ربي"، قال: نعم الرب ربك، فاستوص به خيرا، "قال: أنا أستوصي به؟! بل هو يستوصي بي". قال: فنزلت: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} الآية (9) وذِكر أبي طالب في هذا، غريب جدا، بل منكر؛ لأن هذه الآية مدنية، ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أوالنفي أوالقتل، إنما كان ليلة الهجرة سواء، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بعد موت عمه أبي طالب، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه.

والدليل على صحة ما قلنا: ما رواه الإمام محمد بن إسحاق بن يَسَار صاحب "المغازي" فذكره ... (الأنفال: 30) 412 - عن سعيد المقْبُرِي قال: كتب نَجْدَة إلى عبد الله بن عباس يسأله عن "ذي القربى"، فكتب إليه ابن عباس: كنا نقول: إنا هم فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى وهذا الحديث في صحيح مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي من حديث سعيد المقبري عن يزيد بن هرمُز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن ذوي القربى فذكره إلى قوله: "فأبى ذلك علينا قومنا" والزيادة من أفراد أبي معشر نَجِيح بن عبد الرحمن المدني، وفيه ضعف. (¬1). (سورة الأنفال: 41) 413 - عن طلحة بن عبيد الله بن كَرِيز؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما رُئِيَ إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب إلا ما رأى يوم بدر". قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال: "أما إنه رأى جبريل، عليه السلام، يزغ الملائكة". هذا مرسل من هذا الوجه. (¬2) (الأنفال: 48) 414 - وعن الحسن البصري قال: قال رجل: يا رسول الله، إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك قال ما ذاك؟ قال: "ضرب الملائكة ". رواه ابن جرير وهو مرسل. (الأنفال: 51) 415 - عن ابن عريب - يعني: يزيد بن عبد الله بن عريب - عن أبيه، عن جده أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في قوله: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ} قال: "هم الجن" ورواه الطبراني، عن إبراهيم بن دُحَيْم؛ عن أبيه، عن محمد بن شعيب؛ عن سعيد بن سنان عن يزيد بن عبد الله بن عريب، به، وزاد: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يخبل بيت فيه عتيق من الخيل" وهذا الحديث منكر، لا يصح إسناده ولا متنه. (الأنفال: 60) ¬

(¬1) صحيح مسلم برقم (1812) وسنن أبي داود برقم (2982) وسنن الترمذي برقم (1556) وسنن النسائي (7/ 128)، وهو عند أبي داود والنسائي من حديث الزهري عن يزيد. (¬2) الموطأ (1/ 422) وانظر كلام الإمام ابن عبد البر عن هذا الحديث في: التمهيد (1/ 115).

سورة التوبة

416 - عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يأمر ألا يتصدق إلا على أهل الإسلام، حتى نزلت: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين. وهذا أيضًا غريب. (سورة الأنفال: 60) 417 - عن علي، رضي الله عنه، قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر فقال: خَيِّر أصحابك في الأسارى: إن شاءوا الفداء، وإن شاؤوا القتل على أن يقتل منهم مقبلا مثلهم. قالوا: الفداء ويقتل منا. رواه الترمذي، والنسائي، وابن حبان في صحيحه من حديث الثوري، به وهذا حديث غريب جدا. وقال ابن عون [عن محمد بن سيرين] عن عبيدة، عن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أسارى يوم بدر: "إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء، واستشهد منكم بعدتهم". قال: فكان آخر السبعين ثابت بن قيس، قتل يوم اليمامة، رضي الله عنه ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسلا. فالله أعلم. (الأنفال: 67) 418 - عن الزهري: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ على رجل دخل في الإسلام فقال: "تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، وأنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت له حرب". وهذا مرسل من هذا الوجه، وقد روي متصلا من وجه آخر، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه قال: "أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني المشركين"، ثم قال: "لا يتراءى ناراهما". (الأنفال: 73) سورة التوبة 419 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال: لما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن حنين، اعتمر من الجِعِرَّانة، ثم أمرَ أبا بكر على تلك الحجة - قال معمر: قال الزهري: وكان أبو هريرة يحدِّث أن أبا بكر أمرَ أبا هريرة أن يؤذن ببراءة في حجة

أبي بكر قال أبو هريرة: ثم أتبعنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا، وأمره أن يؤذن ببراءة، وأبو بكر على الموسم كما هو، أو قال: على هيئته. وهذا السياق فيه غرابة، من جهة أن أمير الحج كان سنة عمرة الجِعرَّانة إنما هو عَتَّاب بن أسيد، فأما أبو بكر إنما كان أميرًا سنة تسع. (التوبة: 3) 420 - عن علي، رضي الله عنه، قال: لما نزلت عشر آيات من "براءة" على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر، فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال أدرك أبا بكر، فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه، فاذهب إلى أهل مكة فاقرأه عليهم". فلحقته بالجُحْفة، فأخذت الكتاب منه، ورجع أبو بكر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، نزل في شيء؟ فقال: "لا ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك". هذا إسناد فيه ضعف. وليس المراد أن أبا بكر، رضي الله عنه، رجع من فوره، بل بعد قضائه للمناسك التي أمره عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما جاء مبينا في الرواية الأخرى. (التوبة: 3) 421 - وقد ورد فيه حديث مرسل رواه ابن جُرَيْج: أخبرت عن محمد بن قيس بن مَخْرَمة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب يوم عرفة، فقال: "هذا يوم الحج الأكبر" وروي من وجه آخر عن ابن جريج، عن محمد بن قيس، عن المِسْوَر بن مخرمة، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه خطبهم بعرفات فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإن هذا يوم الحج الأكبر". (التوبة: 3) 422 - وقال الحافظ أبو بكر البزار: ... قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من فارق الدنيا على الإخلاص لله وعبادته، لا يشرك به، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها والله عنه راض، وهو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم، قبل هَرْج الأحاديث واختلاف الأهواء". وتصديق ذلك في كتاب الله: {فَإِنْ تَابُوا} يقول: فإن خلعوا الأوثان وعبادتها {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وقال في آية أخرى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} ثم قال البزار: آخر الحديث عندي والله أعلم: "فارقها وهو عنه راض"،

وباقيه عندي من كلام الربيع بن أنس. (¬1). (التوبة: 11) 423 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما عمار المساجد هم أهل الله" (¬2) ورواه الحافظ أبو بكر البزار، عن عبد الواحد بن غياث، عن صالح بن بشير المري، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما عمار المساجد هم أهل الله" ثم قال: لا نعلم رواه عن ثابت غير صالح (¬3) (التوبة: 18) 424 - وقد روى الدارقطني في الأفراد ... عن أنس مرفوعا: "إذا أراد الله بقوم عاهة، نظر إلى أهل المساجد، فصرف عنهم". ثم قال: غريب. (التوبة: 18) 425 - وروى الحافظ البهاء في المستقصى ... عن أنس مرفوعا: "يقول الله: وعزتي وجلالي، إني لأهم بأهل الأرض عذابا، فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في، وإلى المستغفرين بالأسحار، صرفت ذلك عنهم". ثم قال ابن عساكر: حديث غريب. (التوبة: 18) 426 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة". وهكذا رواه أبو داود، والترمذي ثم قال: هذا حديث حسن غريب، لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي عن الزهري، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا. وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره، عن أكثم بن الجون، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنحوه والله أعلم (¬4). (التوبة: 25) 427 - عن جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا ¬

(¬1) ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 331) من طريق أحمد بن مهران عن عبيد الله بن موسى بنحوه، ولم يفرق بين المرفوع والموقوف، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" وتعقبه الذهبي قلت: "صدر الحديث مرفوع وسائره مدرج فيما أرى". (¬2) فيه صالح المري وهو ضعيف، وقد اختلف عليه فيه. (¬3) مسند البزار برقم (433) "كشف الأستار" ورواه البيهقي في السنن الكبرى (3/ 66) من طريق هاشم بن القاسم عن صالح المري به، وقال الهيثمي في المجمع (2/ 23): "فيه صالح المرى وهو ضعيف". (¬4) قال البوصيري في الزوائد (2/ 412): "هذا إسناد ضعيف؛ لضعف أبي سلمة العاملي الأزدي، وعبد الملك بن محمد الصنعاني".

الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} إلا أن يكون عبدًا، أو أحدا من أهل الذمة. وقد روي مرفوعا من وجه آخر، فقال الإمام أحمد: حدثنا حُسَين حدثنا شريك، عن الأشعث - يعني: ابن سَوَّار - عن الحسن، عن جابر قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك، إلا أهل العهد وخدمهم " تفرد به أحمد مرفوعا، والموقوف أصح إسنادا. (¬1) (التوبة: 28) 428 - عن علي، رضي الله عنه، قال: أربعة آلاف فما دونها نفقة، فما كان أكثر منه فهو كنز. وهذا غريب. (التوبة: 35) 429 - عن ثوبان قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل قالوا: فأي المال نتخذ؟ قال [عمر: أنا أعلم ذلك لكم فأوضع على بعير فأدركه، وأنا في أثره، فقال: يا رسول الله، أي المال نتخذ؟ قال] ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعين أحدكم في أمر الآخرة ". ورواه الترمذي، وابن ماجه، من غير وجه، عن سالم بن أبي الجعد (¬2) وقال الترمذي: حسن، وحكي عن البخاري أن سالما لم يسمعه من ثوبان. قلت: ولهذا رواه بعضهم عنه مرسلا، والله أعلم. (التوبة: 35) 430 - عن أبي سعيد، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الق الله فقيرًا ولا تلقه غنيا". قال: يا رسول الله، كيف لي بذلك؟ قال: "ما سُئِلتَ فلا تَمْنَع، وما رُزقْت فلا تَخْبَأ"، قال: يا رسول الله، كيف لي بذلك؟ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هو ذاك وإلا فالنار" إسناده ضعيف. (التوبة: 35) 431 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يوضع الدينار على الدينار، ولا الدرهم على الدرهم، ولكن يُوَسَّع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون". سيف - هذا - كذاب، متروك. وقال الحافظ ابن كثير عن هذا الحديث قبل قليل: وقد رواه ابن مرْدُويه، عن أبي هريرة مرفوعا، ولا يصح رفعه، والله أعلم (سورة التوبة: 35) ¬

(¬1) المسند (3/ 392) وقال الهيثمي في المجمع (4/ 10): "فيه أشعث بن سوار وفيه ضعف وقد وثق". (¬2) المسند (5/ 282) وسنن الترمذي برقم (3094) وسنن ابن ماجه برقم (1856).

432 - وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح [والتعديل: عن أبي بكر العبسي قال: قرأ عمر، رضي الله عنه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} قال: هم أهل الكتاب] روى عنه عمر بن نافع، سمعت أبي يقول ذلك. قلت: وهذا قول غريب جدا بتقدير صحة الإسناد، فإن أبا بكر هذا، وإن لم ينص أبو حاتم على جهالته، لكنه في حكم المجهول. (التوبة: 60) 433 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا". قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله، عندي أربعة آلاف، ألفين أقرضهما ربي، وألفين لعيالي. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت". وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر، فقال: يا رسول الله، أصبت صاعين من تمر: صاع أقرضه لربي، وصاع لعيالي. قال: فلمزه المنافقون وقالوا: ما أعطى الذي أعطى ابن عوف إلا رياء! وقالوا: ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنزل الله: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ [سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ]} الآية (¬1) ثم رواه عن أبي كامل، عن أبي عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه مرسلا قال: ولم يسنده أحد إلا طالوت. (¬2). (التوبة: 79) 434 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو كان هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون، وفيهم رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه، لاحترق المسجد ومن فيه" غريب (¬3). (التوبة: 81) 435 - عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يصلي على عبد الله بن أبيّ، فأخذ جبريل بثوبه وقال: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} ورواه الحافظ ¬

(¬1) قال الهيثمي في المجمع (7/ 32): "وفيه عمرو بن أبي سلمة، وثقه العجلي، وأبو خيثمة وابن حبان وضعفه شعبة وغيره، وبقية رجالهما ثقات". (¬2) قال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 332) بعد أن ساق هذه الرواية المرسلة: "وكذلك أخرجه عبد بن حميد عن يونس بن محمد عن أبي عوانة، وأخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن مردويه من طرق أخرى عن أبي عوانة مرسلا". (¬3) قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 363): "إسناده حسن، وفي متنه نكارة".

أبو يعلى في مسنده، من حديث يزيد الرقاشي وهو ضعيف. (التوبة: 84) 436 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "نزلت هذه الآية في أهل قباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم الآية. ورواه الترمذي وابن ماجه، من حديث يونس بن الحارث، وهو ضعيف، وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه. (التوبة: 108) 437 - عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} فسألهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: إنا نُتْبِعُ الحجارة الماء. ثم قال: تفرد به محمد بن عبد العزيز، عن الزهري، ولم يرو عنه سوى ابنه. (¬1) قلت: وإنما ذكرته بهذا اللفظ لأنه مشهور بين الفقهاء ولم يعرفه كثير من المحدّثين المتأخرين، أو كلهم، والله أعلم. (التوبة: 108) 438 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السائحون هم الصائمون" [ثم رواه عن بُنْدَار، عن ابن مهدي، عن إسرائيل، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أنه قال: {السَّائِحُونَ} الصائمون]. وهذا الموقوف أصح. وقال أيضا: ... عن عُبَيد بن عُمَير قال: سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن السائحين فقال: "هم الصائمون". وهذا مرسل جيد. (التوبة: 112) 439 - عن ابن عباس؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أقبل من غزوة تبوك واعتمر، فلما هبط من ثنية عُسْفان أمر أصحابه: أن استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم، فذهب فنزل على قبر أمّه، فناجى ربَّه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه، وبكى هؤلاء لبكائه، وقالوا: ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أُحدثَ في أمته شيء لا تُطيقه. فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم، فقال: "ما يبكيكم؟ ". قالوا: يا نبي الله، بكينا لبكائك، فقلنا: لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه، قال: "لا وقد كان بعضه، ولكن نزلت على قبر أمي فدعوت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة، فأبى الله أن يأذن لي، فرحمتها وهي أمّي، ¬

(¬1) قال الهيثمي في المجمع (1/ 212): "فيه محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري ضعفه البخاري والنسائي وهو الذي أشار بجلد مالك".

فبكيت، ثم جاءني جبريل فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} فتبرّأ أنت من أمك، كما تبرأ إبراهيم من أبيه، فرحمْتُها وهي أمي، ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعًا، فرفع عنهم اثنتين، وأبى أن يرفع عنهم اثنتين: دعوتُ ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغَرَق من الأرض، وألا يلبسهم شيعا، وألا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج". وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كَداء وكانت عُسْفان لهم. (¬1) وهذا حديث غريب وسياق عجيب. (التوبة: 113) 440 - وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب "السابق واللاحق" بسند مجهول، عن عائشة في حديث فيه قصة: أن الله أحيا أمَّه فآمنت ثم عادت. وكذلك ما رواه السهيلي في "الروض" بسند فيه جَمَاعة مجهولون: أن الله أحيا له أباه وأمه فآمنا به. وقد قال الحافظ ابن دِحْيَةَ: [هذا الحديث موضوع يرده القرآن والإجماع، قال الله تعالى: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18]. وقال أبو عبد الله القرطبي: إن مقتضى هذا الحديث. . . وردَّ عَلَى ابن دِحية] في هذا الاستدلال بما حاصله: أن هذه حياة جديدة، كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها فصلى عَلِيٌّ العصر، قال الطحاوي: وهو [حديث] ثابت، يعني: حديث الشمس. قال القرطبي: فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا، قال: وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب، فآمن به. قلت: وهذا كله متوقف على صحة الحديث، فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم. (سورة التوبة: 113) ¬

(¬1) ساقه القرطبي في: التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص 16) وقال: ولا يصح الحديث؛ لمخالفته ما في صحيح مسلم برقم (976) من حديث أبي هريرة قال: زار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله. فقال: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت"، ولضعف إسناده.

441 - عن ابن عباس؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفن ميتا، فقال: "رحمك الله إن كنتَ لأواها"! يعني: تَلاءً للقرآن. وقال شعبة، عن أبي يونس الباهلي قال: سمعت رجلا بمكة - وكان أصله روميا، وكان قاصا - يحدث عن أبي ذر قال: كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه: "أوّه أوّه"، فذُكر ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إنه أواه. قال: فخرجت ذات ليلة، فإذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح. هذا حديث غريب رواه ابن جرير (¬1) (التوبة: 114) 442 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليستعينه في شيء - قال عِكْرِمة: أراه قال: "في دم" - فأعطاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا، ثم قال: "أحسنت إليك؟ " قال الأعرابي: لا ولا أجملت. فغضب بعض المسلمين، وهموا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله إليهم: أن كفوا. فلما قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلغ إلى منزله، دعا الأعرابي إلى البيت، فقال له: "إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك، فقلت ما قلت" فزاده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا، وقال: "أحسنت إليك؟ " فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنك جئتنا تسألنا فأعطيناك، فقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي، حتى يذهب عن صدورهم". قال: نعم. فلما جاء الأعرابي. قال: إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه، فقال ما قال، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي، [كذلك يا أعرابي؟] قال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة، فشردت عليه، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا. فقال لهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي، فأنا أرفق بها، وأعلم بها. فتوجه إليها وأخذ لها من قَتَام الأرض، ودعاها حتى جاءت واستجابت، وشد عليها رحْلها وإنه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار". ثم قال البزار: لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه. (¬2) قلت: وهو ضعيف بحال ¬

(¬1) ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 368) من طريق شعبة به، وقال: "إسناده معضل". (¬2) وقال الهيثمي في المجمع (9/ 15): "وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك".

سورة يونس

إبراهيم بن الحكم بن أبان، والله أعلم. (التوبة: 128) 443 - عن أبي بن كعب، رضي الله عنه؛ أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر، رضي الله عنه، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 127]،فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن. فقال لهم أبي بن كعب: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرأني بعدها آيتين: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} إلى: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} قال: "هذا آخر ما أنزل من القرآن" قال: فختم بما فُتح به، بالله الذي لا إله إلا هو، وهو قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] غريب أيضا. (¬1) (التوبة: 129) 444 - عن أم الدرداء، سمعت أبا الدرداء يقول: ما من عبد يقول: حسبي الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم، سبع مرات، صادقا كان بها أو كاذبا، إلا كفاه الله ما هَمَّه. وهذه زيادة غريبة. ثم رواه في ترجمة عبد الرزاق أبي محمد، عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق، عن جده عبد الرزاق بن عمر، بسنده فرفعه فذكر مثله بالزيادة. وهذا منكر، والله أعلم. (التوبة: 129) سورة يونس 445 - عن أبي قِلابة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قيل لي: لتنَمْ عينُك، وليعقلْ قلبك، ولتسمع أذنك فنامت عيني، وعقل قلبي، وسمعت أذني. ثم قيل: سيّدٌ بَنَى دارًا، ثم صنع مأدبة، وأرسل داعيًا، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ورضي عنه ¬

(¬1) قال أبو إسحق الحويني: يشير بذلك إلى ضعف سنده، وأبو جعفر الرازي سييء الحفظ. انظر ابن كثير (1/ 164) بتحقيقه.

السيد، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، ولم يرض عنه السيد فالله السيد، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا حديث مرسل، وقد جاء متصلا من حديث الليث، عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: خرج علينا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا فقال: "إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي، يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا. فقال: اسمع سَمعت أذنك، واعقل عَقَل قلبك، إنما مَثَلُك ومثل أمَّتك كمثل ملك اتخذ دارا، ثم بنى فيها بيتًا، ثم جعل فيها مأدبة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فالله الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسُول، فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها" رواه ابن جرير. (¬1). (يونس: 25) 446 - عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله، مَنْ أولياء الله؟ قال: "الذين إذا رءُوا ذُكر الله". ثم قال البزار: وقد روي عن سعيد مرسلا. (¬2). (يونس: 62) 447 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء". قيل: من هم يا رسول الله؟ لعلنا نحبهم. قال: "هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس". ثم قرأ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. ثم رواه أيضا أبو داود ... عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن ¬

(¬1) تفسير الطبري (15/ 61) وعلقه البخاري في الصحيح برقم (7281) ورواه الترمذي في السنن برقم (2860) من طريق قتيبة عن الليث به، وقال الترمذي: "هذا حديث مرسل، سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله" قال: "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسناد أصح من هذا" قلت: رواه البخاري في صحيحه برقم (7281) من طريق يزيد عن سليم بن حيان، عن سعيد بن أبي ميناء، عن جابر بن عبد الله بنحوه. (¬2) مسند البزار برقم (3626) "كشف الأستار". والمرسل رواه الطبري في تفسيره (15/ 119) من طريق أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مرسلا.

سورة هود

عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بمثله. وهذا أيضا إسناد جيد، إلا أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب، والله أعلم. (يونس: 62) 448 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قال لي جبريل: يا محمد، لو رأيتني وأنا أغطّه وأدس من الحال في فيه، مخافة أن تدركه رحمة الله فيغفر له" يعني: فرعون. كثير بن زاذان هذا قال ابن مَعِين: لا أعرفه، وقال أبو زُرْعَة وأبو حاتم: مجهول، وباقي رجاله ثقات. وقد أرسل هذا الحديث جماعة من السلف: قتادة، وإبراهيم التيمي، وميمون بن مِهْران. ونقل عن الضحاك بن قيس: أنه خطب بهذا للناس، فالله أعلم. (يونس: 91) سورة هود 449 - عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه؛ أن أبا بكر قال: يا رسول الله، ما شيبك؟ قال: " هود، والواقعة ". عمرو بن ثابت متروك، وأبو إسحاق لم يدرك ابن مسعود. (¬1) والله أعلم. (هود: 1) 450 - وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير أثرا غريبا، من حديث علي بن زيد بن جُدْعَان، عن يوسف بن مِهْران، عن عبد الله بن عباس؛ أنه قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدّثنا عنها. قال: فانطلق بهم حتى أتى إلى كَثيب من تراب، فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه، قال أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا كعب حام بن نوح. قال: وضرب الكثيب بعصاه، قال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفُض التراب عن رأسه، قد شاب. قال له عيسى، عليه السلام: ¬

(¬1) المعجم الكبير (10/ 125، 126) وهو عنده من طريق عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود فلعله سقط من نسخة ابن كثير والله أعلم. وللاستزادة في أحاديث الباب: فقد توسع الفاضل محمد طرهوني في تتبعها انظر كتابه: موسوعة فضائل القرآن (1/ 295 - 308).

هكذا هلكت؟ قال: لا. ولكني متّ وأنا شابّ، ولكنني ظننت أنها الساعة، فمن ثمَّ شبت. قال: حدِّثنا عن سفينة نوح؟ قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدواب والوحوش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير، فلما كثر أرواث الدواب، أوحى الله عز وجل إلى نوح، عليه السلام، أن اغمز ذَنَب الفيل، فغمزه، فوقع منه خنزير وخنزيرة، فأقبلا على الروث، فلما وقع الفأر بخَرَزِ السفينة يقرضه وحبالها، أوحى إلى نوح؛ أن اضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخره سنَّور وسنورة، فأقبلا على الفأر. فقال له عيسى، عليه السلام: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوقع عليها، فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت قال: ثم بعث الحمامة، فجاءت بورق زيتون بمنقارها، وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غَرِقت. قال: فطوّقَها الخضرة التي في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان، فمن ثم تألف البيوت. قال: فقلنا: يا رسول الله، ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن الله، فعاد ترابا. (هود: 37) 450 - عن أبي هريرة قال: مر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال: ما هذا الصوم؟ قالوا: هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجُودِيّ، فصامه نوح وموسى، عليهما السلام، شكرًا لله عز وجل. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم". فصام، وقال لأصحابه: "من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه، ومن كان أصاب من غَذاء أهله، فليتم بقية يومه" وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، ولبعضه شاهدٌ في الصحيح. (هود: 44) 451 - عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لو رحم الله من قوم نوح أحدًا لرحم أم الصبي"، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان نوح، عليه السلام، مكث في قومه ألف سنة [إلا خمسين عاما]، يعني وغرس مائة سنة الشجر، فعظمت وذهبت كل مذهب، ثم قطعها، ثم جعلها سفينة ويمرون عليه ويسخرون منه ويقولون: تعمل سفينة في البَرّ، فكيف

سورة يوسف

تجري؟ قال: سوف تعلمون. فلما فرغ ونَبَع الماء، وصار في السكك خشِيت أمّ الصبي عليه، وكانت تحبه حبا شديدًا، فخرجت إلى الجبل، حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء [ارتفعت حتى بلغت ثلثيه، فلما بلغها الماء] خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ رقبتها رفعته بيديها فغرقا فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي". وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي عن كعب الأحبار، ومجاهد بن جبر قصةُ هذا الصبي وأمه بنحو من هذا. (¬1). (هود: 44) 452 - وورد حديث غريب في معجم الطبراني الكبير، عن أبي أمامة صُدَىّ بن عَجْلان الباهلي، ولكن سنده ضعيف، والله أعلم. (هود: 107) 453 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما قال عَبْد: لا إله إلا الله، في ساعة من ليل أو نهار، إلا طَلَست ما في الصحيفة من السيئات، حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات". (¬2) عثمان بن عبد الرحمن، يقال له: الوقاصي. فيه ضعف. (هود: 114) سورة يوسف 454 - روى الثعلبي وغيره، من طريق سَلام بن سليم - ويقال: سليم - المدائني، وهو متروك، عن هارون بن كثير - وقد نصّ على جهالته أبو حاتم - عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " علموا أرقاءكم سورة يوسف، فإنه أيما مسلم تلاها، أو علمها أهله، أو ما ملكت يمينه، هَوَّن الله عليه سكرات الموت، وأعطاه من القوة ألا يحسد مسلما ". وهذا من هذا الوجه لا يصح، لضعف إسناده بالكلية. وقد ساقه الحافظ ابن عساكر متابعا من طريق القاسم بن ¬

(¬1) تفسير الطبري (15/ 310) ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 342) من طريق سعيد بن أبي مريم عن موسى بن يعقوب به نحوه، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي قلت: "إسناده مظلم وموسى بن يعقوب ليس بذاك". انظر الحديث رقم (838) من هذا الكتاب، تفسير (نوح: 26). (¬2) قال الهيثمي في المجمع (10/ 82): "فيه عثمان بن عبد الرحمن الزهري، وهو متروك".

الحكم، عن هارون بن كثير، به - ومن طريق شَبَابة، عن مخلد بن عبد الواحد البصري عن علي بن زيد بن جدعان - وعن عطاء بن أبي ميمونة، عن زر بن حُبَيش، عن أُبي بن كعب، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر نحوه وهو منكر من سائر طرقه. (يوسف) 455 - عن خالد بن عُرْفَطة قال: كنت جالسا عند عمر، إذ أتي برجل من عبد القيس مسكنه بالسوس، فقال له عمر: أنت فلان بن فلان العبدي؟ قال: نعم. قال: وأنت النازل بالسوس، قال: نعم. فضربه بقناة معه، قال: فقال الرجل: ما لي يا أمير المؤمنين؟ فقال له عمر: اجلس. فجلس، فقرأ عليه: {بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [أَحْسَنَ الْقَصَصِ]} إلى قوله: {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} فقرأها ثلاثا، وضربه ثلاثا، فقال له الرجل: ما لي يا أمير المؤمنين؟ فقال: أنت الذي نسخت كتاب دانيال! قال: مرني بأمرك أتبعه. قال: انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض، ثم لا تقْرأه ولا تُقرئه أحدا من الناس، فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنّك عقوبة، ثم قال له: اجلس، فجلس بين يديه، فقال: انطلقت أنا فانتسخت كتابا من أهل الكتاب، ثم جئت به في أديم، فقال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما هذا في يدك يا عمر؟ ". قال: قلت: يا رسول الله، كتاب نسخته لنزداد به علما إلى علمنا. فغضب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى احمرّت وجنتاه، ثم نودي بالصلاة جامعة، فقالت الأنصار: أغضب نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ السلاح السلاح. فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "يا أيها الناس، إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه، واختُصِر لي اختصارا، ولقد أتيتكم بهابيضاء نقية فلا تَتهوَّكوا، ولا يغرنكم المتهوِّكون". قال عمر: فقمت فقلت: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبك رسولا. ثم نزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬1) وقد رواه ابن أبي حاتم في تفسيره ¬

(¬1) وأورده الهيثمي في المجمع (1/ 182) وقال: "رواه أبو يعلى، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، ضعفه أحمد وجماعة" .. ورواه المقدسي في المختارة برقم (115) من طريق أبي يعلى وقال: "عبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم وابن حبان". يقصد عبد الرحمن بن إسحاق المدني وهو أثبت من الواسطي وفترتهما متقاربة، لكن المزني ذكر علي بن مسهر من الرواة عن الواسطي الضعيف، وقد رجح المؤلف هنا أنه الواسطي. وكذا في مسند عمر بن الخطاب (2/ 591) وقال: "وزعم الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المختارة" أنه الذي روى له مسلم كما (أظن صوابه كذا) قال: وأما شيخه خليفة بن قيس فقال فيه أبو حاتم الرازي: شيخ ليس بالمعروف. وقال البخاري: لم يصح حديثه".

مختصرا، من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، به. وهذا حديث غريب من هذا الوجه. وعبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شَيبَة الواسطي، وقد ضعفوه وشيخه. قال البخاري: لا يصح حديثه. قلت: وقد روي له شاهد من وجه آخر، فقال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي: أخبرني الحسن بن سفيان، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي، حدثني عمرو بن الحارث، حدثنا عبد الله بن سالم الأشعري، عن الزبيدي، حدثنا سليم بن عامر: أن جُبَير بن نُفَير حَدّثهم: أن رجلين كانا بحمص في خلافة عمر، رضي الله عنه، فأرسل إليهما فيمن أرسل من أهل حمص، وكانا قد اكتتبا من اليهود صلاصفة فأخذاها معهما يستفتيان فيها أمير المؤمنين ويقولون: إن رضيها لنا أمير المؤمنين ازددنا فيها رغبة. وإن نهانا عنها رفضناها، فلما قدما عليه قالا إنا بأرض أهل الكتابين، وإنا نسمع منهم كلاما تقشعر منه جلودنا، أفنأخذ منه أو نترك؟ فقال: لعلكما كتبتما منه شيئا. قالا لا. قال: سأحدثكما، انطلقت في حياة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أتيت خيبر، فوجدت يهوديا يقول قولا أعجبني، فقلت: هل أنت مكتبي ما تقول؟ قال: نعم. فأتيت بأديم، فأخذ يملي علي، حتى كتبت في الأكرُع. فلما رجعت قلت: يا نبي الله، وأخبرته، قال: "ائتني به". فانطلقت أرغب عن المشي رجاء أن أكون أتيت رسول الله ببعض ما يحب، فلما أتيت به قال: "اجلس اقرأ عليّ". فقرأت ساعة، ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو يتلوّن، فتحيرت من الفَرق، فما استطعت أجيز منه حرفا، فلما رأى الذي بي دَفَعه ثم جعل يتبعه رسما رسما فيمحوه بريقه، وهو يقول: "لا تتبعوا هؤلاء، فإنهم قد هَوكوا وتَهَوَّكوا"، حتى محا آخره حرفًا حرفا. قال عمر، رضي الله عنه: فلو علمت أنكما كتبتما منه شيئًا جعلتكما نكالا لهذه الأمة! قالا والله ما نكتب منه شيئًا أبدا. فخرجا بصلاصفتهما فحفرا لها فلم يألُوا أن يعمِّقَا، ودفناها فكان آخر العهد منها. وكذا روى الثوري، عن جابر بن يزيد الجُعْفي، عن الشعبي، عن عبد الله بن ثابت الأنصاري، عن عمر بن الخطاب،

بنحوه وروى أبو داود في المراسيل، من حديث أبي قِلابة، عن عمر نحوه. والله أعلم. (يوسف: 3) 456 - عن عبد الرحمن بن سابط، [عن جابر] قال: أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل من يهود يقال له: "بستانة اليهودي"، فقال له: يا محمد، أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له، ما أسماؤها؟ قال: فسكت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساعة فلم يجبه بشيء، ونزل [عليه] جبريل، عليه السلام، فأخبره بأسمائها. قال: فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه فقال: "هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ " فقال: نعم. قال: "خرتان والطارِقُ، والذَّيَّال وذو الكَنَفَات، وقابس، ووَثَّاب، وعَمُودَان، والْفَيلَقُ، والمُصَبِّحُ، والضَّرُوحُ، وذو الفرغ، والضِّيَاُء، والنُّور"، فقال اليهودي: إيْ والله، إنها لأسماؤها. ورواه البيهقي في "الدلائل"، من حديث سعيد بن منصور، عن الحكم بن ظهير. وقد روى هذا الحديث الحافظان أبو يعلى الموصلي وأبو بكر البزار في مسنديهما، (¬1) وابن أبي حاتم في تفسيره، أما أبو يعلى فرواه عن أربعة من شيوخه عن الحكم بن ظهير، به وزاد: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لما رآها يوسف قَصّها على أبيه يعقوب، فقال له أبوه: هذا أمر متشتت يجمعه الله من بعد؛ قال: والشمس أبوه، والقمر أمه". تفرد به الحكم بن ظهير الفزاري (¬2) وقد ضَعَّفه الأئمة، وتركه الأكثرون، وقال الجوزجاني: ساقط، وهو صاحب حديث حُسْن يوسف. (يوسف: 4) 457 - عن حبَّان بن أبي جَبَلة قال: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فقال: "صبر لا شكوى فيه" وهذا مرسل. (يوسف: 18) 458 - عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أعطي يوسف وأمه شطر الحسن" وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: ¬

(¬1) الحديث حكم عليه ابن الجوزي بالوضع. (¬2) لم يتفرد به بل توبع، فرواه الحاكم في المستدرك (4/ 396) من طريق طلحة عن أسباط بن نصر، عن السدي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر به نحوه، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" قال الزيلعي: "وسند الحاكم وارد على البزار في قوله: لا نعلم له طريقا غيره، وعلى البيهقي في قوله: تفرد به الحكم بن ظهير ولهما عذرهما" تخريج الكشاف (2/ 161).

أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. وقال أبو إسحاق أيضا، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: كان وجه يوسف مثل البرق، وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به. ورواه الحسن البصري مرسلا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا، وأعطى الناس الثلثين - أو قال: أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث". (يوسف: 31) 459 - عن ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو لم يقل - يعني: يوسف - الكلمة التي قال: ما لبث في السجن طول ما لبث. حيث يبتغي الفرج من عند غير الله". وهذا الحديث ضعيف جدا؛ لأن سفيان بن وَكِيع ضعيف، وإبراهيم بن يزيد - هو الخُوزي - أضعف منه أيضا. وقد رُوي عن الحسن وقتادة مرسلا عن كل منهما، وهذه المرسَلات هاهنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن، والله أعلم. (يوسف: 42) 460 - عن عِكْرِمة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له، حين سُئل عن البقرات العِجاف والسِّمان، ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني. ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه، والله يغفر له، حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب، ولكنه أراد أن يكون له العذر". هذا حديث مرسل. (يوسف: 50) 461 - قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا حماد بن سلمة [حدثنا أبو موسى]، عن علي بن زيد عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن داود عليه السلام، قال: يا رب، إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب، فاجعلني لهم رابعا. فأوحى الله تعالى إليه أن يا داود، إن إبراهيم ألقي في النار بسببي فصبر، وتلك بلية لم تنلك، وإن إسحاق بذل مهجة دمه في سببي فصبر، وتلك بلية لم تنلك، وإن يعقوب أخذت منه حبيبه حتى ابيضت عيناه من الحزن، فصبر، وتلك بلية لم تنلك". وهذا مرسل، وفيه نكارة؛ فإن الصحيح أن إسماعيل هو الذبيح، ولكن علي بن زيد بن جُدْعَان له مناكير وغرائب كثيرة، والله أعلم. وأقرب ما في هذا أن يكون قد حكاه

الأحنف بن قيس، رحمه الله، عن بني إسرائيل ككعب ووهب ونحوهما، والله أعلم، فإن الإسرائيليين ينقلون أن يعقوب كتب إلى يوسف لما احتبس أخاه بسبب السرقة يتلطف له في رده، ويذكر له أنهم أهل بيت مصابون بالبلاء، فإبراهيم ابتلي بالنار، وإسحاق بالذبح، ويعقوب بفراق يوسف، في حديث طويل لا يصح، والله أعلم. (يوسف: 84) 462 - عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كان ليعقوب النبي، عليه السلام، أخ مُؤاخ له، فقال له ذات يوم: ما الذي أذهب بصرك وقوّس ظهرك؟ قال: الذي أذهب بصري البكاء على يوسف، وأما الذي قوس ظهري فالحزن على بنيامين، فأتاه جبريل، عليه السلام، فقال: يا يعقوب، إن الله يُقرئك السلام ويقول لك: أما تستحيي أن تشكوني إلى غيري؟ فقال يعقوب: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله. فقال جبريل، عليه السلام: الله أعلم بما تشكو". وهذا حديث غريب، فيه نكارة. . (يوسف: 86) 463 - عن ابن عباس، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، وهو قول أخي يعقوب لبنيه. وهذا غريب من هذا الوجه، وفي رفعه نظر، والله أعلم. . (يوسف: 98) 464 - عن أنس بن مالك قال: إن الله تعالى لما جمع ليعقوب شمله، وأقر عينه خلا ولدُه نجيًا، فقال بعضهم لبعض: ألستم قد علمتم ما صنعتم، وما لقي منكم الشيخ، وما لقي منكم يوسف؟ قالوا: بلى. قال: فيغرّكم عفوهما عنكم، فكيف لكم بربكم؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه، ويوسف إلى جنب أبيه قاعدًا، قالوا: يا أبانا، إنا أتيناك في أمر، لم نأتك في مثله قط، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله. حتى حَرَّكوه، والأنبياء، عليهم السلام، أرحم البرية، فقال: ما لكم يا بَنيّ؟ قالوا: ألست قد علمت ما كان منا إليك، وما كان منا إلى أخينا يوسف؟ قال: بلى. قالوا: أو لستما قد عَفَوتما؟ قالا بلى. قالوا: فإن عفوكما لا يغني عنا شيئا، إن كان الله لم يعف عنا. قال: فما تريدون يا بني؟ قالوا: نُريدُ أن تدعوَ الله لنا، فإذا جاءك الوحي من الله

سورة الرعد

بأنه قد عفا عما صنعنا قرّت أعيننا، واطمأنت قلوبنا، وإلا فلا قُرّة عين في الدنيا أبدًا لنا. قال: فقام الشيخ فاستقبل القبلة، وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلَّة خاشعين. قال: فدعا وأمَّن يوسف، فلم يُجبْ فيهم عشرين سنة - قال صالح المري يخيفهم - قال: حتى إذا كان رأس العشرين نزل جبريل، عليه السلام، على يعقوب فقال: إن الله بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك، وأنه قد عفا عماصنعوا، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة. هذا الأثر موقوف عن أنس، ويزيد الرقاشي وصالح المري ضعيفان جدا. (يوسف: 101) 465 - عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا". قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، فكيف النجاة والمخرج من ذلك؟ فقال: "ألا أخبرك بشيء إذا قلته برئتَ من قليله وكثيره وصغيره وكبيره؟ ". قال: بلى، يا رسول الله، قال: "قل: اللهم، إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم". قال الدارقطني: يحيى بن كثير هذا يقال له: "أبو النضر"، متروك الحديث. (يوسف: 106) سورة الرعد 466 - عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: لما نزلت: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: وضع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على صدره، وقال: "أنا المنذر، ولكل قوم هاد".وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: "أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي". وهذا الحديث فيه نكارة شديدة (¬1). (الرعد: 6) ¬

(¬1) وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 484) بعد أن ساقه في ترجمة الحسن بن الحسين. "رواه ابن جرير في تفسيره، عن أحمد بن يحيى، عن الحسن، عن معاذ، ومعاذ نكرة، فلعل الآفة منه".

467 - وقد روى الإمام أبو جعفر ابن جرير هاهنا حديثًا غريبا جدا فقال: ... عن كنانة العدوي قال: دخل عثمان بن عفان على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال: يا رسول الله، أخبرني عن العبدكم معه من ملك؟ فقال: "ملك على يمينك على حسناتك، وهو آمر على الذي على الشمال، إذا عملت حسنة كتبت عشرا، فإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: اكتب؟ قال: لا لعله يستغفر الله ويتوب. فإذا قال ثلاثا قال: نعم، اكتب أراحنا الله منه، فبئس القرين. ما أقل مراقبته لله وأقل استحياءه منا". يقول الله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وملكان من بين يديك ومن خلفك، يقول الله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت لله رفعك، وإذا تجبرت على الله قصمك، وملكان على شفتيك، ليس يحفظان عليك إلا الصلاة على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وملك قائم على فيك لا يَدَع الحية أن تدخل في فيك، وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار؛ لأن ملائكة الليل سوى ملائكة النهار، فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي وإبليس بالنهار وولده بالليل". (الرعد: 11) 468 - عن عمير بن عبد الله قال: خطبنا علي بن أبي طالب على منبر الكوفة، قال: كنت إذا سكتُّ عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتدأني، وإذا سألته عن الخبر أنبأني، وإنه حدثني عن ربه، عز وجل، قال: "قال الرب: وعزتي وجلالي، وارتفاعي فوق عرشي، ما من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على ما كرهتُ من معصيتي، ثم تحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي". وهذا غريب، وفي إسناده من لا أعرفه. (الرعد: 11) 469 - وقد روى ابن جرير عن وهب بن منبه هاهنا أثرًا غريبًا عجيبا، قال وهب، رحمه الله: إن في الجنة شجرة يقال لها: "طوبى"، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، زهرها رياط، وورقها برود، وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، وَوحَلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الخمر واللبن والعسل، وهي مجلس لأهل الجنة، فبينا هم في مجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم يقودون نجبا مزمومة بسلاسل من

ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا ووبرها كخز المْرعِزّي من لينه، عليها رحال ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثيابها من سندس وإستبرق، فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال: فيركبونها، فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش، نجيا من غير مَهَنَة، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه، لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأخرى، ولا بَرك راحلة برك الأخرى، حتى إن شجرة لتتنحَّى عن طريقهم، لئلا تفرق بين الرجل وأخيه. قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم، أنت السلام ومنك السلام، وحق لك الجلال والإكرام. قال: فيقول تعالى [عند ذلك] أنا السلام ومني السلام، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري". قال: فيقولون: ربنا لم نعبدك حق عبادتك، ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا في السجود قُدامك قال: فيقول الله: "إنها ليست بدار نصب ولا عبادة، ولكنها دار مُلْك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيته" فيسألونه، حتى أن أقصرهم أمنية ليقول: رب، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها، رب فآتنى مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا. فيقول الله تعالى: "لقد قصرت بك أمنيتك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني، [وسأتحفك بمنزلتي]؛ لأنه ليس في عطائي نكد ولا تَصريد". قال: ثم يقول: "اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم، ولم يخطر لهم على بال". قال: فيعرضون عليهم حتى تَقْصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مُقْرنة، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب مُفرَّغة، في كل قبة منها فرش من فُرش الجنة مُتظاهرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما ولا ريح طيبة إلا قد عبقتا به ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة، يرى مخهما من فوق سوقهما، كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل، ويرى هو لهما مثل ذلك، ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعتنقانه به، ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك. ثم يأمر الله تعالى

الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة، حتى ينتهى بكل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له. وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده، عن وهب بن منبه، وزاد: فانظروا إلى موهوب ربكم الذي وهب لكم، فإذا هو بقباب في الرفيق الأعلى، وغرف مبنية من الدر والمرجان، وأبوابها من ذهب، وسررها من ياقوت، وفرشها من سندس وإستبرق، ومنابرها من نور، يفور من أبوابها وعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضيء، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهو نورها، فلولا أنه مُسَخر، إذًا لالتمع الأبصارَ، فما كان من تلك القصور من الياقوت [الأبيض، فهو مفروش بالحرير الأبيض، وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر، وما كان منها من الياقوت الأخضر] فهو مفروش بالسندس الأخضر، وما كان منها من الياقوت الأصفر، فهو مفروش بالأرجوان الأصفر منزه بالزمرد الأخضر، والذهب الأحمر، والفضة البيضاء، قوائمها وأركانها من الجوهر، وشُرُفها قباب من لؤلؤ، وبروجها غُرَف من المرجان. فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم، قُرّبت لهم براذين من ياقوت أبيض، منفوخ فيها الروح، تَجنَبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة بِرْذَون من تلك البراذين، ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء، منظومة بالدر والياقوت، سُرُوجها سُرُرٌ موضونة، مفروشة بالسندس والإستبرق. فانطلقت بهم تلك البراذين تَزَف بهم ببطن رياض الجنة. فلما انتهوا إلى منازلهم، وجدوا الملائكة قُعُودًا على منابر من نور، ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامَةَ ربهم. فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تَطَاول به عليهم وما سألوا وتمنوا، وإذا على باب كلّ قصر من تلك القصور أربعة جنان، [جنتان] ذواتا أفنان، وجنتان مُدْهامتان، وفيهما عينان نضاختان، وفيهما من كل فاكهة زوجان، وحور مقصورات في الخيام، فلما تَبَيَّنُوا منازلهم واستقروا قرارهم قال لهم ربهم: هل وجدتم ما وعدتكم حقا؟ قالوا: نعم ورَبِّنَا. قال: هل رضيتم ثواب ربكم؟ قالوا: ربنا، رضينا فارض عنا قال: برضاي عنكم حللتم داري، ونظرتم إلى وجهي، وصافحتكم ملائكتي، فهنيئًا هنيئًا لكم، {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] ليس فيه تنغيص ولا تصريد. فعند ذلك قالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، وأدخلنا دار المقامة من فضله، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها

لغوب، إن ربنا لغفور شكور. وهذا سياق غريب، وأثر عجيب ولبعضه شواهد، ففي الصحيحين: أن الله تعالى يقول لذلك الرجل الذي يكون آخر أهل الجنة دخولا الجنة: تمن"، فيتمنى حتى إذا انتهت به الأماني يقول الله تعالى: "تمن من كذا وتمن من كذا"، يذكره، ثم يقول: "ذلك لك، وعشرة أمثاله". وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الله، عز وجل يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر"، الحديث بطوله. (الرعد: 29) 470 - عن ابن عمر؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأها: ""ومن عنده عُلِمَ الكتابُ". ثم قال: لا أصل له من حديث الزهري عند الثقات. قلت: وقد رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده (¬1)، من طريق هارون بن موسى هذا، عن سليمان بن أرقم - وهو ضعيف - عن الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعا كذلك. ولا يثبت. والله أعلم. (الرعد: 43) 471 - قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب "دلائل النبوة" وهو كتاب جليل: ... أن عبد الله بن سلام قال لأحبار اليهود: إني أردت أن أحدث بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدا فانطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بمكة، فوافاهم وقد انصرفوا من الحج، فوجد رسول الله، بمنى، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أنت عبد الله بن سلام؟ " قال: قلت: نعم. قال: "ادن". فدنوت منه، قال: "أنشدك بالله يا عبد الله بن سلام، أما تجدني في التوراة رسول الله؟ " فقلت له: انعت ربنا. قال: فجاء جبريل حتى وقف بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} إلى آخرها، فقرأها علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. ثم انصرف ابن سلام إلى المدينة فكتم إسلامه. فلما هاجر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة وأنا فوق نخلة لي أجُذها، فألقيت نفسي، فقالت أمي: [لله] أنت، لو كان موسى بن عمران ما كان لك أن تلقي نفسك من رأس النخلة. فقلت: والله لأني أسر بقدوم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من موسى بن عمران إذ ¬

(¬1) مسند أبي يعلى (9/ 424) وقد وقع فيه: "عبد الرحيم بن موسى" بدلا من "هارون بن موسى".

سورة إبراهيم

بُعث. وهذا حديث غريب جدا. (الرعد: 43) سورة إبراهيم 472 - عن سعيد بن جبير [عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تبارك وتعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} قال: "بنعم الله تبارك وتعالى] ". [ورواه ابن جرير] (¬1) وابن أبي حاتم، من حديث محمد بن أبان، به ورواه عبد الله ابنه أيضا موقوفا وهو أشبه. (إبراهيم: 5) 473 - عن أنس قال: أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها - أو: وحش بها - قال: وأتاه آخر فأمر له بتمرة، فقال: سبحان الله! تمرة من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال للجارية: "اذهبي إلى أم سلمة، فأعطيه الأربعين درهما التي عندها". تفرد به الإمام أحمد. (¬2) وعمارة بن زاذان وثقه ابن حبَّان، وأحمد، ويعقوب بن سفيان وقال ابن معين: صالح. وقال أبو زُرْعَة: لا بأس به. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، ليس بالمتين. وقال البخاري: ربما يضطرب في حديثه. وعن أحمد أيضا أنه قال: روي أحاديث منكرة. وقال أبو داود: ليس بذاك. وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي: لا بأس به ممن يكتب حديثه. (إبراهيم: 8) 474 - وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في هذا حديثا غريبا مطولا فقال: ... عن تميم الداري، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يقول الله، عز وجل، لملك الموت: انطلق إلى وليي فأتني به، فإني قد ضَربته بالسراء والضراء، فوجدته حيث أحب. ائتني به فَلأريحنَّه. فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة، معهم أكفان وحَنُوط من الجنة، ومعهم ضبائر الريحان، أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لونا، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر. فيجلس ملك الموت عند ¬

(¬1) زوائد المسند (5/ 122) وتفسير الطبري (16/ 522). (¬2) المسند (3/ 154).

رأسه، وتحف به الملائكة. ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه ويَبْسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفَر تحت ذقنه، ويفتَح له بابٌ إلى الجنة، فإن نفسه لَتَعلَّلُ عند ذلك بطرف الجنة تارة، وبأزواجها [مرة] ومرَّةً بكسواتها ومرة بثمارها، كما يُعَلّل الصبي أهله إذا بكى". قال: "وإن أزواجه ليبتهشن عند ذلك ابتهاشًا". قال: "وتنزو الروح". قال البُرْسَاني: يريد أن تخرج من العَجَل إلى ما تحب. قال: "ويقول مَلَك الموت: اخرجي يا أيتها الروح الطيبة، إلى سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب". قال: "ولَمَلَك الموت أشدّ به لطفا من الوالدة بولدها، يعرف أن ذلك الروح حبيب لربه، فهو يلتمس بلطفه تحببا لديه رضاء للرب عنه، فتُسَلُّ روحه كما تسل الشعرة من العجين". قال: "وقال الله، عز وجل: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} [النحل: 32]، وقال {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} [الواقعة: 88، 89]، قال: "روح من جهة الموت، وريحان يتلقى به، وجنة نعيم تقابله". قال: "فإذا قَبض ملك الموت روحه، قالت الروح للجسد: جزاك الله عني خيرا، فقد كنت سريعا بي إلى طاعة الله، بطيئا بي عن معصية الله، فقد نجيت وأنجيت". قال: "ويقول الجسد للروح مثل ذلك". قال: "وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله فيها، وكل باب من السماء يصعد منه عمله. وينزل منه رزقه أربعين ليلة". قال: "فإذا قَبَض ملك الموت روحه، أقامت الخمسمائة من الملائكة عند جسده، فلا يقلبه بنو آدم لشق إلا قلبته الملائكة قبلهم، وغسلته وكفنته بأكفان قبل أكفان بني آدم، وحنوط قبل حنوط بني آدم، ويقوم من بين باب بيته إلى باب قبره صفّان من الملائكة، يستقبلونه بالاستغفار، فيصيح عند ذلك إبليس صيحة تتصدع منها عظام جسده". قال: "ويقول لجنوده: الويل لكم. كيف خَلَص هذا العبد منكم، فيقولون إن هذا كان عبدا معصوما". قال: "فإذا صعد ملك الموت بروحه، يستقبله جبريل في سبعين ألفا من الملائكة، كل يأتيه ببشارة من ربه سوى بشارة صاحبه". قال: "فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش، خَرّ الروح ساجدا". قال: "يقول الله، عز وجل، لملك الموت: انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب". قال: "فإذا وضع في قبره، جاءته الصلاة فكانت عن يمينه، وجاءه

الصيام فكان عن يساره، وجاءه القرآن فكان عند رأسه، وجاءه مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه، وجاءه الصبر فكان ناحية القبر". قال: "فيبعث الله، عز وجل، عُنُقًا من العذاب". قال: "فيأتيه عن يمينه" قال: "فتقول الصلاة: وراءك والله ما زال دائبا عمره كله وإنما استراح الآن حين وضع في قبره". قال: "فيأتيه عن يساره، فيقول الصيام مثل ذلك". قال: "ثم يأتيه من عند رأسه، فيقول القرآن والذكر مثل ذلك". قال: "ثم يأتيه من عند رجليه، فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك. فلا يأتيه العذاب من ناحية يلتمس هل يجد مساغًا إلا وجَد ولي الله قد أخذ جنته". قال: "فينقمع العذاب عند ذلك فيخرج". قال: "ويقول الصبر لسائر الأعمال: أما إنه لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم، فإن عجزتم كنت أنا صاحبه، فأما إذ أجزأتم عنه فأنا له ذخر عند الصراط والميزان". قال: "ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي، وأنفاسهما كاللهب، يطآن في أشعارهما، بين مَنْكِب كل واحد مسيرة كذا وكذا، وقد نزعت منهما الرأفة والرحمة، يقال لهما: منكر ونكير، في يد كل واحد منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يُقلّوها". قال: "فيقولان له: اجلس". قال: "فيجلس فيستوي جالسا". قال: "وتقع أكفانه في حقويه". قال: "فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ". قال: قالوا: يا رسول الله، ومن يطيق الكلام عند ذلك، وأنت تصف من المَلَكَين ما تصف؟ قال: فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} قال: "فيقول: ربي الله وحده لا شريك له، وديني الإسلام الذي دانت به الملائكة، ونبيي محمد خاتم النبيين". قال: "فيقولان: صدقت". قال: فيدفعان القبر، فيوسعان من بين يديه أربعين ذراعا، وعن يمينه أربعين ذراعا، وعن شماله أربعين ذراعا، ومن خلفه أربعين ذراعا، ومن عند رأسه أربعين ذراعا، ومن عند رجليه أربعين ذراعا". قال: "فيوسعان له مائتي ذراع". قال البرساني: فأحسبه: وأربعين ذراعا تحاط به. قال: "ثم يقولان له: انظر فوقك، فإذا باب مفتوح إلى الجنة". قال: "فيقولان له: وليَّ الله، هذا منزلك إذ أطعت الله". فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفس محمد بيده إنه

يصل إلى قلبه عند ذلك فرحة، ولا ترتد أبدًا، ثم يقال له: انظر تحتك". قال: "فينظر تحته فإذا باب مفتوح إلى النار قال: "فيقولان: ولي الله نجوت آخر ما عليك". قال: فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبدا". قال: فقالت عائشة: يفتح له سبعة وسبعون بابا إلى الجنة، يأتيه ريحها وبردها، حتى يبعثه الله، عز وجل. وبالإسناد المتقدم إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ويقول الله تعالى لملك الموت: انطلق إلى عدوي فأتني به، فإني قد بسطت له رزقي، ويَسّرت له نعمتي، فأبى إلا معصيتي، فأتني به لأنتقم منه". قال: "فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة ما رآها أحد من الناس قَطّ، له اثنتا عشرة عينا، ومعه سَفُود من النار كثير الشوك، ومعه خمسمائة من الملائكة، معهم نحاس وجمر من جمر جهنم، ومعهم سياط من نار، لينها لين السياط وهي نار تأجج". قال: "فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربة يغيبُ كل أصل شوكة من ذلك السفّود في أصل كل شعرة وعرق وظفر". قال: "ثم يلويه ليا شديدا". قال: "فينزع روحه من أظفار قدميه". قال: "فيلقيها" في عقبيه ثم يسكر عند ذلك عدو الله سكرة، فيرفه ملك الموت عنه". قال: "وتضرب الملائكة وجهه ودُبُره بتلك السياط". [قال: "فيشده ملك الموت شدة، فينزع روحه من عقبيه، فيلقيها في ركبتيه، ثم يسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفه ملك الموت عنه". قال: "فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط"] قال: "ثم ينتره ملك الموت نَتَرة، فينزع روحه من ركبتيه فيلقيها في حقويه". قال: "فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفّه ملك الموت عنه". قال: "وتضرب الملائكة وجهه ودُبُره بتلك السياط". قال: "كذلك إلى صدره، ثم كذلك إلى حلقه". قال: ثم تبسط الملائكة ذلك النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه". قال: "ويقول ملك الموت: اخرجي أيتها الروح اللعينة الملعونة إلى سَمُوم وحميم، وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم". قال: "فإذا قبض ملك الموت روحه قال الروح للجسد: جزاك الله عني شرا، فقد كنت سريعا بي إلى معصية الله، بطيئا بي عن طاعة الله، فقد هلكت وأهلكت" قال: "ويقول الجسد للروح مثل ذلك، وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عليها، وتنطلق جنود إبليس إليه فيبشرونه بأنهم قد أوردوا عبدا من ولد آدم النار". قال: فإذا وضع في

قبره ضُيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، حتى تدخل اليمنى في اليسرى، واليسرى في اليمنى" قال: "ويبعث الله إليه أفاعي دُهمًا كأعناق الإبل يأخذن بأرنبته وإبهامي قدميه فيقرضنه حتى يلتقين في وسطه". قال: "ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي، وأنفاسهما كاللهب يطآن في أشعارهما، بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة يقال لهما: منكر ونكير، في يد كل واحد منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها" قال: "فيقولان له: اجلس". قال: "فيستوي جالسا" قال: "وتقع أكفانه في حقويه" قال: "فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري. فيقولان: لا دريت ولا تَليّت". [قال] فيضربانه ضربة يتطاير شررها في قبره، ثم يعودان". قال: "فيقولان: انظر فوقك. فينظر، فإذا باب مفتوح من الجنة، فيقولان: هذا - عدو الله - منزلك لو أطعت الله". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة لا ترتد أبدًا". قال: "ويقولان له: انظر تحتك فينظر تحته، فإذا باب مفتوح إلى النار، فيقولان: عدو الله، هذا منزلك إذ عصيت الله". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة لا ترتد أبدا". قال: وقالت عائشة: ويفتح له سبعة وسبعون بابًا إلى النار، يأتيه [من] حرها وسمومها حتى يبعثه الله إليها. (¬1) هذا حديث غريب جدًا، وسياق عجيب، ويزيد الرقاشي - راويه عن أنس - له غرائب ومنكرات، وهو ضعيف الرواية عند الأئمة، والله أعلم. (إبراهيم: 27) 475 - وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مَردُويه عند قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} الآية [الأنعام: 93] حديثا مطولا جدا، من طريق غريب، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعا، وفيه غرائب أيضا (¬2). (إبراهيم: 27) ¬

(¬1) أورده ابن حجر في المطالب العالية (4/ 382) وعزاه لأبي يعلى قال: "هذا حديث عجيب السياق، وهو شاهد لكثير مما ثبت في حديث البراء الطويل المشهور، ولكن إسناده غريب وفيه ضعف". (¬2) ذكره السيوطي في الدر المنثور (3/ 318) وقال: "أخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس فذكره".

سورة الحجر

476 - عن أنس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين، ديوان، فيه العمل الصالح، وديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النعم من الله تعالى عليه، فيقول الله لأصغر نعمه - أحسبَه. قال: في ديوان النعم: خذي ثمنك من عمله الصالح، فتستوعب عمله الصالح كله، ثم تَنَحّى وتقول: وعزتك ما استوفيت. وتبقى الذنوب والنعم فإذا أراد الله أن يرحم قال: يا عبدي، قد ضاعفتُ لك حسناتك وتجاوزت عن سيئاتك - أحسبه قال: ووهبت لك نعمي". غريب، وسنده ضعيف. (إبراهيم: 34) 477 - عن عبد الله، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله، عز وجل: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ} قال: "أرض بيضاء لم يسقط عليها دم ولم يعمل عليها خطيئة". ثم قال: لا نعلم رفعه إلا جرير بن أيوب، وليس بالقوي. (¬1) (إبراهيم: 48) سورة الحجر 478 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خزائن الله الكلام، فإذا أراد شيئا قال له: كن، فكان" ثم قال: لا يرويه إلا أغلب، ولم يكن بالقوي، وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين، ولم يروه عنه إلا ابنه. (الحجر: 21) 479 - عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الريح الجنوب من الجنة، وهي [الريح اللواقح، وهي التي] ذكر الله في كتابه، وفيها منافع للناس". وهذا إسناد ضعيف. (الحجر: 21) 480 - وقد ورد في هذا حديث غريب جدا، فقال ابن جرير: ... عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كانت تصلي خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأة حسناء - قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط، وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا يعني: لئلا يروها - وبعض ¬

(¬1) مسند البزار برقم (3431) "كشف الأستار" وجرير بن أيوب ضعفه الأئمة.

يستأخرون، فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم؛ فأنزل الله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَاخِرِينَ} وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره، ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما وابن ماجة من طرق عن نوح بن قيس الحُداني وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما، وحكي عن ابن معين تضعيفه، وأخرج له مسلم وأهل السنن. وهذا الحديث فيه نكارة شديدة، وقد رواه عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ} في الصفوف في الصلاة {وَالْمُسْتَاخِرِينَ}. فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط، ليس فيه لابن عباس ذكر، وقد قال الترمذي: هذا أشبه من رواية نوح بن قيس (¬1) والله أعلم. (الحجر: 24) 481 - وقد روى ابن جرير هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا ... عن ابن عباس قال: لما خلق الله الملائكة قال: إني خالق بشرًا من طين، فإذا سويته فاسجدوا له. قالوا: لا نفعل. فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم، ثم خلق ملائكة فقال لهم مثل ذلك، [فقالوا: لا نفعل. فأرسل عليهم نارًا فأحرقتهم. ثم خلق ملائكة أخرى فقال: إني خالق بشرًا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم. ثم خلق ملائكة فقال: إني خالق بشرا من طين، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له] قالوا: سمعنا وأطعنا، إلا إبليس كان من الكافرين الأولين. وفي ثبوت هذا عنه بعد، والظاهر أنه إسرائيلي، والله أعلم. (الحجر: 33) 482 - روى القاسم، عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل، ثم قرأ: {وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}. هكذا في هذه الرواية، والقاسم بن عبد الرحمن - في روايته عن أبي أمامة - ضعيف. (الحجر: 47) 483 - عن مصعب بن ثابت قال: مر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ناس من أصحابه يضحكون، ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (3122) وعبارته: "وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء نحوه، ولم يذكر فيه عن ابن عباس، وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح". وراجع الصحيحة ح (2472) للألباني فله رأي آخر.

سورة النحل

فقال: "اذكروا الجنة، واذكروا النار". فنزلت: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ} رواه ابن أبي حاتم. وهو مرسل. (الحجر: 50) سورة النحل 484 - عن خالد بن الوليد، رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل لحوم الخيل، والبغال، والحمير. وأخرجه أبو داود والنسائي، وابن ماجه، من حديث صالح بن يحيى بن المقدام - وفيه كلام - به (¬1). (النحل: 8) 485 - عن أبي هريرة [رفعه] قال: كلم الله هذا البحر الغربي، وكلم البحر الشرقي، فقال للبحر الغربي: إني حامل فيك عبادًا من عبادي، فكيف أنت صانع فيهم؟ قال: أغرقهم. فقال: بأسك في نواحيك. وأحملهم على يدي. وحَرّمه الحلية والصيد. وكلم هذا البحر الشرقي فقال: إني حامل فيك عبادًا من عبادي، فما أنت صانع بهم؟ فقال: أحملهم على يدي، وأكون لهم كالوالدة لولدها. فأثابه الحلية والصيد. ثم قال البزار: لا نعلم من رواه عن سهيل غير عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر وهو منكر الحديث. وقد رواه سهيل عن النعمان بن أبي عياش عن عبد الله بن عمرو موقوفا (¬2). (النحل: 14) 486 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من لَعِق العسل ثلاث غَدَوَاتٍ في ¬

(¬1) المسند (4/ 89) وسنن أبي داود برقم (3790) وسنن النسائي (7/ 202) وسنن ابن ماجة برقم (3198).وضعفه الألباني في الضعيفة (1149) (¬2) قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 20): "قلت: الموقوف على عبد الله بن عمرو بن العاص أشبه، فإنه قد كان وجد يوم اليرموك زاملتين مملوءتين كتبا من علوم أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بأشياء كثيرة من الإسرائيليات منها المعروف والمشهور والمنكور والمردود، فأما المعروف فتفرد به عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو القاسم المدني قاضيها. قال فيه الإمام أحمد: ليس بشيء وقد سمعته منه، ثم مزقت حديثه كان كذابا وأحاديثه مناكير. وكذا ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والجوزجاني والبخاري وأبو داود والنسائي. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه مناكير وأفظعها حديث البحر".

سورة الإسراء

كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء".الزبير بن سعيد متروك. (¬1) (النحل: 69) 487 - عن عطاء بن يَسَار قال: نزلت سورة "النحل" كلها بمكة، وهي مكية إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد، حيث قتل حمزة، رضي الله عنه، ومثل به فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلا منهم" فلما سمع المسلمون ذلك قالوا: والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط. فأنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إلى آخر السورة. وهذا مرسل، وفيه [رجل] مبهم لم يسم. (النحل: 126) 488 - وقد روي هذا من وجه آخر متصل، فقال الحافظ أبو بكر البزار: ... عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف على حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنه، حين استشهد، فنظر إلى منظر لم ينظر أوجع للقلب منه. أو قال: لقلبه [منه] فنظر إليه وقد مُثِّل به فقال: "رحمة الله عليك، إن كنت - لما علمتُ - لوصولا للرحم، فعولا للخيرات، والله لولا حزن من بعدك عليك، لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع - أو كلمة نحوها - أما والله على ذلك، لأمثلن بسبعين كمثلتك. فنزل جبريل، عليه السلام، على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه السورة وقرأ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إلى آخر الآية، فكفر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعني: عن يمينه - وأمسك عن ذلك. وهذا إسناد فيه ضعف؛ لأن صالحا - هو ابن بشير المري - ضعيف عند الأئمة، وقال البخاري: هو منكر الحديث. (النحل: 126) سورة الإسراء 489 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثني عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا سليمان - هو ابن بلال - عن شريك بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مسجد الكعبة: إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في ¬

(¬1) سنن ابن ماجة برقم (3450) وهو منقطع أيضًا، عبد الحميد بن سالم لم يسمعه من أبي هريرة.

المسجد الحرام فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم. فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم، بيده حتى أنقي جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوًا إيمانًا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه. ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابًا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبًا به وأهلا به، يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يُعْلِمهم. ووجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلِّم عليه، فسلَّم عليه، وردّ عليه آدم فقال: مرحبًا وأهلا بابني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: "ما هذان النهران يا جبريل؟ " قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك أذْفر فقال: "ما هذا يا جبريل؟ " قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك. ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: مَنْ هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبًا وأهلا وسهلا. ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية. ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به إلى السماء السادسة، فقالوا له مثل ذلك. ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك. كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، قد وعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله. فقال موسى: "رب لم أظن أن يرفع عليّ أحد" ثم علا به فوق ذلك، بما لا يعلمه إلا الله، عز وجل، حتى جاء سِدْرَة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما يوحى: خمسين صلاة على أمتك

كل يوم وليلة. ثم هبط به حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال: "يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ " قال: "عهد إليّ خمسين صلاة كل يوم وليلة" قال: " إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم". فالتفت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل: أن نعم، إن شئت. فعلا به إلى الجبار تعالى، فقال وهو في مكانه: "يا رب، خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا" فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات. ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: "يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعفوا فتركوه، فأمتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا، فارجع فليخفف عنك ربك" كل ذلك يلتفت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: "يا رب، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا" فقال: الجبار: "يا محمد، قال: "لبيك وسعديك" قال: إنه لا يبدل القول لديّ، كما فرضت عليك في أم الكتاب: "كل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك"، فرجع إلى موسى فقال: "كيف فعلت؟ " فقال: "خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها" قال: موسى: "قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضًا". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا موسى قد - والله - استحييت من ربي مما أختلف إليه" قال: "فاهبط باسم الله"، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام. هكذا ساقه البخاري في "كتاب التوحيد"، ورواه في "صفة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"،عن إسماعيل بن أبي أُوَيْس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد، عن سليمان بن بلال. ورواه مسلم، عن هارون بن سعيد، عن ابن وَهْب، عن سليمان قال: "فزاد ونقص، وقدم وأخر". وهو كما قاله مسلم، رحمه الله، فإن شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر اضطرب في هذا الحديث، وساء حفظه ولم يضبطه، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الأخر. ومنهم من يجعل هذا منامًا توطئة لما وقع بعد ذلك، والله أعلم. وقال البيهقي: في حديث "شريك" زيادة تفرد بها، على مذهب من زعم أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه، يعني قوله: "ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى" قال: وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل - أصح.

وهذا الذي قاله البيهقي هو الحق في هذه المسألة، فإن أبا ذر قال: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ قال: "نور أنى أراه". وفي رواية "رأيت نورا". أخرجه مسلم رحمه الله. وقوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8]، إنما هو جبريل، عليه السلام، كما ثبت ذلك في الصحيحين، عن عائشة أمّ المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، رضي الله عنهم، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا (¬1) ... وذكرالحافظ ابن كثير رواية الإمام أحمد من حديث أنس للإسراء وقال: ورواه ¬

(¬1) قال الألباني في كتابه الإسراء والمعراج بعد ان نقل كلام ابن كثير الموجود أعلاه (ص 34 - 36): ومن ذلك قول شريك في أول الحديث: (قبل أن يوحى إليه). قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (13/ 480): (أنكره الخطابي وابن حزم وعبد الحق والقاضي عياض والنووي. وعبارة النووي: وقع في رواية شريك - يعني: هذه - أوهام أنكرها العلماء أحدها: قوله: (قبل أن يوحى إليه) وهو غلط لم يوافق عليه. وأجمع العلماء أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون قبل الوحي؟ انتهى. ثم أفاض الحافظ في ذكر المواضع التي خالف فيها شريك غيره فبلغت عشرة بل أكثر وأجاب عنها واحدة بعد أخرى إما بدفع دعوى التفرد وإما بالتأويل. والحق أن بعض ذلك مما لا جواب عليه حتى عند الحافظ كقوله: (الرابع: مخالفته في محل سدرة المنتهى وأنها فوق السماء السابعة بما لا يعلمه إلا الله. والمشهور أنها في السابعة أو السادسة كما تقدم. الخامس: مخالفته في النهرين وهما النيل والفرات وأن عنصرهما في السماء الدنيا. والمشهور في غير روايته أنهما في السماء السابعة وأنهما من تحت سدرة المنتهى. السابع: ذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا والمشهور في الحديث أنه في الجنة كما تقدم التنبيه عليه. الثامن: نسبة الدنو والتدلي إلى الله عز وجل والمشهور في الحديث أنه جبريل كما تقدم التنبيه عليه. الحادي عشر: رجوعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الخمس والمشهور في الأحاديث أن موسى عليه السلام أمره بالرجوع بعد أن انتهى التخفيف إلى الخمس فامتنع. الثاني عشر: زيادة ذكر التور في الطست. قلت: ولذلك فإن القلب لا يطمئن للاستفادة من حديثه إلا فيما توبع عليه وهو قليل جدا وقد حسن الحافظ بعضها. والله أعلم) قال الحافظ ابن كثير: (وجاء في حديث شريك بن أبي نمر، عن أنس في حديث الإسراء: "ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى" ولهذا تكلم كثير من الناس في متن هذه الرواية، وذكروا أشياء فيها من الغرابة، فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أخرى، لا أنها تفسير لهذه الآية؛ فإن هذه كانت ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأرض لا ليلة الإسراء؛ ولهذا قال بعده: {وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}، فهذه هي ليلة الإسراء والأولى كانت في الأرض.) انظر (سورة النجم: 9).

مسلم عن شَيْبَان بن فَرُّوخ، عن حماد بن سلمة بهذا السياق، وهو أصح من سياق شَريك. (الإسراء: 1) 490 - عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام، فوكز بين كتفي، فقمت إلى شجرة فيها كوكري الطير، فقعد في أحدهما وقعدت في الآخر فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين وأنا أقلب طرفي، ولو شئت أن أمس السماء لمسست، فالتفت إلى جبريل، عليه السلام، كأنه حِلْس لاط فعرفت فضل علمه بالله علي، وفتح لي باب من أبواب السماء فرأيت النور الأعظمَ، وإذا دون الحجاب رفرف الدر والياقوت، وأوحى إليَّ ما شاء الله أن يوحى" ثم قال: هذا الحديث لا نعلم رواه إلا أنس، ولا نعلم رواه عن أبي عمران الجوني إلا الحارث بن عبيد، وكان رجلا مشهورًا من أهل البصرة. (¬1) ورواه الحافظ البيهقي في "الدلائل ... عن سعيد بن منصور، فذكر بسنده مثله، ثم قال: وقال غيره في هذا الحديث في آخره: "ولُطّ دوني - أو قال: دون الحجاب - رفرف الدر والياقوت". ثم قال: هكذا رواه الحارث بن عبيد. ورواه حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجَوْني، عن محمد بن عمير بن عطارد: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في ملإ من أصحابه، فجاءه جبريل، فنكت في ظهره فذهب به إلى الشجرة وفيها مثل وَكْري الطير، فقعد في أحدهما وقعد جبريل في الآخر، فنشأت بنا حتى بلغت الأفق، فلو بسطت يدي إلى السماء لنلتها، فدلي بسبب وهبط النور، فوقع جبريل مغشيًا عليه كأنه حِلْس، فعرفت فضل خشيته على خشيتي. فأوحي إلي: نبيًا ملكًا أو نبيًا عبدًا؟ وإلى الجنة ما أنت؟ فأومَأ إلي جبريل وهو مضطجع: أن تواضع. قال: قلت: لا. بل نبيًا عبدًا. قلت: وهذا ¬

(¬1) قال الحافظ ابن كثير: (قلت: الحارث بن عُبَيد هذا هو أبو قدامة الإيادي، أخرج له مسلم في صحيحه إلا أن ابن معين ضعَّفه، وقال: ليس هو بشيء. وقال الإمام أحمد: مضطرب الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: كتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حبان: كَثُر وَهَمه فلا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. فهذا الحديث من غرائب رواياته، فإن فيه نكارة وغرابة ألفاظ وسياقًا عجيبا، ولعله منام، والله أعلم). انظر تفسير (النجم: 7).

إن صح يقتضي أنها واقعة غير ليلة الإسراء، فإنه لم يذكر فيها بيت المقدس، ولا الصعود إلى السماء، فهي كائنة غير ما نحن فيه، والله أعلم. (الإسراء: 1) 491 - عن أنس، رضي الله عنه، أن محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه، عز وجل. هذا غريب. (الإسراء: 1) 492 - عن أنس بن مالك قال: لما جاء جبريل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبراق فكأنها أَمَرَّت ذنبها، فقال لها جبريل: مه يا براق، فوالله إن ركبك مثله. وسار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: "ما هذه يا جبريل؟ " قال: سر يا محمد. قال: فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحيًا عن الطريق يقول: هلم يا محمد فقال له جبريل: سر يا محمد فسار ما شاء الله أن يسير، قال: فلقيه خلق من الخلق فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: اردد السلام يا محمد. فرد السلام، ثم لقيه الثانية فقال له مثل مقالته الأولى، ثم الثالثة كذلك، حتى انتهى إلى بيت المقدس. فعرض عليه الماء والخمر واللبن، فتناول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللبن، فقال له جبريل: أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت وغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغويت ولغوت أمتك. ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، عليهم السلام، فأمَّهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الليلة. ثم قال له جبريل: أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه، فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى، عليهم الصلاة والسلام. وهكذا رواه الحافظ البيهقي في "دلائل النبوة" من حديث ابن وهب، وفي بعض ألفاظه نكارة وغرابة. (الإسراء: 1) 493 - طريق أخرى عن أنس بن مالك: وفيها غرابة ونكارة جدًا، وهي في سنن النسائي المجتبى، ولم أرها في الكبير قال: ... حدثنا أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، فركبت ومعى جبريل عليه السلام فسرت فقال: انزل فصل. فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟

[صليت بطيبة وإليها المهاجر، ثم قال: انزل فصل. فصليت، فقال: أتدري أين صليت؟] صليت بطور سيناء، حيث كلم الله موسى، ثم قال: انزل فصل. فصليت، فقال: أتدري أين صليت. صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى، عليه السلام، ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدمني جبريل حتى أممتهم [ثم صعد بي إلى السماء الدنيا، فإذا فيها آدم، عليه السلام] ثم صعد بي إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة: عيسى ويحيى، عليهما السلام، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف عليه السلام. ثم صعد بي إلى السماء الرابعة، فإذا فيها هارون، عليه السلام. ثم صعد بي إلى السماء الخامسة، فإذا فيها إدريس عليه السلام. ثم صعد بي إلى السماء السادسة، فإذا فيها موسى، عليه السلام. ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فإذا فيها إبراهيم عليه السلام، ثم صعد بي فوق سبع سموات وأتيت سدرة المنتهى، فغشيتني ضبابة فخررت ساجدًا فقيل لي: إني يوم خلقت السموات والأرض، فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك [فرجعت إلى إبراهيم فلم يسألني، عن شيء. ثم أتيت موسى فقال: كم فرض الله عليك وعلى أمتك؟] قلت: خمسين صلاة. قال: فإنك لا تستطيع أن تقوم بها، لا أنت ولا أمتك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فرجعت إلى ربي فخفف عني عشرًا. ثم أتيت موسى فأمرني بالرجوع، فرجعت فخفف عني عشرًا، ثم ردت إلى خمس صلوات، قال: فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإنه فرض على بني إسرائيل صلاتين، فما قاموا بهما. فرجعت إلى ربي، عز وجل، فسألته التخفيف، فقال: إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فخمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك. فعرفت أنها من الله عز وجل صِرَّى فرجعت إلى موسى، عليه السلام فقال: ارجع، فعرفت أنها من الله صِرَّى - يقول: أي حتم - فلم أرجع". (الإسراء: 1) 494 - عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: لما كان ليلة أسري برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بيت المقدس، أتاه جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، حمله جبريل عليها، ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها. فلما بلغ بيت المقدس وبلغ المكان الذي يقال له: "باب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"

أتى إلى الحجر الذي ثمة، فغمزه جبريل بأصبعه فثقبه، ثم ربطها. ثم صعد فلما استويا في صَرْحَة المسجد، قال جبريل: يا محمد، هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ فقال: نعم. فقال: فانطلق إلى أولئك النسوة، فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة، قال: فأتيتهن فسلمت عليهن، فرددن عليّ السلام، فقلت: من أنتن؟ فقلن: نحن خيرات حسان، نساء قوم أبرار، نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا". قال: "ثم انصرفت، فلم ألبث إلا يسيرًا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة". قال: "فقمنا صفوفًا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبريل عليه السلام، فقدمني فصليت بهم. فلما انصرفت قال جبريل: يا محمد، أتدري من صلى خلفك؟ " قال: "قلت: لا. قال: صلى خلفك كل نبي بعثه الله عز وجل". قال: "ثم أخذ بيدي جبريل فصعد بي إلى السماء، فلما انتهينا إلى الباب استفتح فقالوا: من أنت؟ قال: أنا جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم". قال: "ففتحوا له وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك". قال: "فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم، فقال لي جبريل: يا محمد، ألا تسلم على أبيك آدم؟ " قال: "قلت: بلى. فأتيته فسلمت عليه، فرد عليّ وقال: مرحبًا بابني والنبي الصالح". قال: "ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم": "ففتحوا له وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك، فإذا فيها عيسى وابن خالته يحيى عليهما السلام. قال: "ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم". ففتحوا وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك، فإذا فيها يوسف، عليه السلام، ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل؟ قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم. ففتحوا وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك. فإذا فيها إدريس عليه السلام". قال: "فعرج بي إلى السماء الخامسة، فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم. قال: ففتحوا وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك فإذا فيها هارون، عليه السلام". قال: "ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح، قالوا: من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن

معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم. ففتحوا وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك، فإذا فيها موسى، عليه السلام. ثم عرج بي إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقالوا من أنت؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. ففتحوا له وقالوا: مرحبًا بك وبمن معك، فإذا فيها إبراهيم، عليه السلام. فقال جبريل: يا محمد، ألا تسلم على أبيك إبراهيم؟ قال: قلت: بلى. فأتيته فسلمت عليه، فرد عليّ السلام وقال: مرحبًا بك يا بني والنبي الصالح. ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة، حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد وعليه طير خضر أنعم طير رأيت. فقلت: يا جبريل، إن هذا الطير لناعم قال: يا محمد، آكله أنعم منه ثم قال: يا محمد، أتدري أي نهر هذا؟ قال: "قلت: لا. قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله إياه. فإذا فيه آنية الذهب والفضة، يجري على رَصْرَاض من الياقوت والزمرد، ماؤه، أشد بياضًا من اللبن" قال: "فأخذت منه آنية من الذهب، فاغترفت من ذلك الماء فشربت، فإذا هو أحلى من العسل، وأشد رائحة من المسك. ثم انطلق بي حتى انتهيت إلى الشجرة، فغشيتني سحابة فيها من كل لون، فرفضني جبريل، وخررت ساجدًا لله، عز وجل، فقال الله لي: يا محمد، إني يوم خلقت السموات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك". قال: "ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل، فانصرفت سريعًا فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئًا، ثم أتيت على موسى فقال: ما صنعت يا محمد؟ فقلت: فرض ربي عليّ وعلى أمتي خمسين صلاة. قال: فلن تستطيعها أنت ولا أمتك، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك. فرجعت سريعًا حتى انتهيت إلى الشجرة، فغشيتني السحابة، ورفضني جبريل وخررت ساجدًا وقلت: رب، إنك فرضت عليّ وعلى أمتي خمسين صلاة، ولن أستطيعها أنا ولا أمتي، فخفف عنا. قال: قد وضعت عنكم عشرًا. قال: ثم انجلت عني السحابة، وأخذ بيدي جبريل وانصرفت سريعًا حتى أتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئًا، ثم أتيت على موسى، فقال لي: ما صنعت يا محمد؟ فقلت: وضع ربي عني عشرًا فقال: أربعون صلاة! لن تستطيعها أنت ولا أمتك، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم - فذكر الحديث كذلك إلى خمس صلوات، وخمس بخمسين ثم أمره موسى أن يرجع فيسأل

التخفيف، فقلت: "إني قد استحييت منه تعالى". قال: ثم انحدر، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل: "ما لي لم آت على سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إليّ، غير رجل واحد، فسلمت عليه فردّ عليّ السلام فرحب بي ولم يضحك إليّ. قال: يا محمد، ذاك مالك خازن جهنم لم يضحك منذ خلق ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك". قال: ثم ركب منصرفًا، فبينا هو في بعض طريقه مرّ بعير لقريش تحمل طعامًا، منها جمل عليه غرارتان: غرارة سوداء، وغرارة بيضاء، فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت، وصرع ذلك البعير وانكسر. ثم إنه مضى فأصبح، فأخبر عما كان، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر، هل لك في صاحبك؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر، ثم رجع في ليلته. فقال أبو بكر، رضي الله عنه: إن كان قاله فقد صدق، وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا، نصدقه على خبر السماء. فقال المشركون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما علامة ما تقول؟ قال: "مررت بعير لقريش، وهي في مكان كذا وكذا، فنفرت العير منا واستدارت، [وفيها بعير عليه] غرارتان: غرارة سوداء، وغرارة بيضاء، فصرع فانكسر". فلما قدمت العير سألوهم، فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن ذلك سمي أبو بكر الصديق. وسألوه وقالوا: هل كان معك فيمن حضر موسى وعيسى؟ قال: "نعم". قالوا: فصفهم. قال: "نعم"، أما موسى فرجل آدم، كأنه من رجال أزْدِ عمان، وأما عيسى فرجل ربعة، سَبْط، تعلوه حمرة كأنما يتحادر من شعره الجُمَان". (¬1) هذا سياق فيه غرائب عجيبة. (الإسراء: 1) 495 - عن عبد الله بن بُرَيْدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لما كان ليلة أسري به قال: فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس، فوضع إصبعه فيها فخرقها فشد بها البراق". ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن الزبير بن جنادة إلا أبو نُميلَة، ولا نعلم هذا الحديث [يروى] إلا عن بريدة. وقد رواه الترمذي في التفسير من جامعه، عن يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقِي به وقال: غريب. (¬2) (الإسراء: 1) ¬

(¬1) وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك ضعفه أحمد وابن معين والنسائي والدارقطني ولم يوثقه إلا أبو زرعة الدمشقي. (¬2) سنن الترمذي برقم (3132).

496 - عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال له أصحابه: يا رسول الله، أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها، قال: قال الله عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قال: فأخبرهم فقال: "فبينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام، إذ أتاني آت فأيقظني، فاستيقظت فلم أر شيئًا، وإذا أنا بكهيئة خيال، فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدنى في شبهه بدوابكم هذه، بغالكم هذه، مضطرب الأذنين يقال له: البراق. وكانت الأنبياء تركبه قبلي، يقع حافره عند مَدِّ بصره، فركبته، فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داع، عن يميني: يا محمد، انظرني أسألك، يا محمد، انظرني أسألك، فلم أجبه ولم أقم عليه، [فبينما أنا أسير عليه، إذ دعاني داع، عن يساري: يا محمد، انظرني أسألك، فلم أجبه ولم أقم عليه]، فبينما أنا أسير، إذ أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة خلقها الله، فقالت: يا محمد، انظرني أسألك. فلم ألتفت إليها ولم أقم عليها. حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها بها. فأتاني جبريل، عليه السلام بإناءين: أحدهما خمر، والآخر لبن، فشربت اللبن، وتركت الخمر، فقال جبريل: أصبت الفطرة فقلت: الله أكبر، الله أكبر. فقال: جبريل: ما رأيت في وجهك هذا؟ " قال: "فقلت: بينما أنا أسير، إذ دعاني داع، عن يميني: يا محمد، انظرني أسألك. فلم أجبه ولم أقم عليه. قال: ذاك داعي اليهود، أما إنك لو أجبته - أو: وقفت عليه - لتهودت أمتك". قال: فبينما أنا أسير، إذ دعاني داع عن يساري قال: يا محمد، انظرني أسألك. فلم ألتفت إليه ولم أقم عليه. قال: ذاك داعي النصارى، أما إنك لو أجبته لتنصرت أمتك". قال: "فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد، انظرني أسألك. فلم أجبها ولم أقم عليها". قال: تلك الدنيا، أما إنك لو أجبتها أو أقمت عليها، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة". قال: "ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس، فصلى كل واحد منا ركعتين. ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم، فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، أما رأيت الميت حين يشق بصره طامحًا إلى السماء، فإنما يشق بصره طامحًا إلى السماء عجبه بالمعراج". قال:

"فصعدت أنا وجبريل، فإذا أنا بملك يقال: له: إسماعيل. وهو صاحب السماء الدنيا وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جُنْده مائة ألف ملك". قال: "وقال: الله [عز وجل] {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} [المدثر: 31] فاستفتح جبريل باب السماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم. فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله، عز وجل على صورته، هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة، ونفس طيبة، اجعلوها في عليين ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول: روح خبيثة، ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين. ثم مضيت هنية، فإذا أنا بأخونة عليها لحم مشرح ليس يقربها أحد، وإذا أنا بأخْوِنَة أخرى عليها لحم قد أروح وأنتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام." قال: "ثم مضيت هنية، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خرّ يقول: اللهم، لا تقم الساعة"، قال: "وهم على سابلة آل فرعون". قال: "فتجيء السابلة فتطؤهم". قال: "فسمعتهم يضجون إلى الله عز وجل". قال: "قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك {الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]. قال: "ثم مضيت هنية، فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل". قال: "فتفتح على أفواههم ويلقمون من ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم. فسمعتهم يضجون إلى الله، عز وجل، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء من أمتك {الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10]. قال: "ثم مضيت هنية، فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن فسمعتهن يضججن إلى الله عز وجل قلت: يا جبريل من هؤلاء النساء؟ قال: هؤلاء الزناة من أمتك". قال: "ثم مضيت هنية فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم، فيلقمونه، فيقال له: كل كما كنت تأكل من لحم أخيك. قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون". قال: "ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، عز وجل، قد فضل الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه،

فسلمت عليه وسلم عليّ. ثم صعدت إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بيحيى وعيسى، عليهما السلام، ومعهما نفر من قومهما، فسلمت عليهما وسلما عليّ. ثم صعدت إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانًا عليًا، فسلمت عليه وسلم عليّ". قال: "ثم صعدت إلى السماء الخامسة، فإذا [أنا] بهارون ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها، قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا المحبب في قومه، هذا هارون بن عمران، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم عليّ. ثم صعدت إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى بن عمران، رجل آدم كثير الشعر، لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص، فإذا هو يقول: يزعم الناس أني أكرم على الله من هذا، بل هذا أكرم على الله تعالى مني". قال: "قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران، عليه السلام، ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي. ثم صعدت إلى السماء السابعة، فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن ساند ظهره إلى البيت المعمور كأحسن الرجال، قلت: يا جبريل، من هذا؟ قال: هذا أبوك خليل الرحمن ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه فسلم عليّ، وإذا [أنا] بأمتي شطرين: شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس. وشطر عليهم ثياب رُمْد". قال: "فدخلت البيت المعمور ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض، وحجب الآخرون الذين عليهم ثياب رمد، وهم على خير. فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور، ثم خرجت أنا ومن معي". قال: "والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة". قال: "ثم دفعت لي سدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد أن تغطي هذه الأمة، وإذا فيها عين تجري يقال لها: سلسبيل، فينشق منها نهران، أحدهما: الكوثر، والآخر: يقال له: نهر الرحمة. فاغتسلت فيه، فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر. ثم إني دفعت إلي الجنة، فاستقبلتني جارية، فقلت: لمن أنت يا جارية؟ فقالت لزيد بن حارثة، وإذا [أنا] بأنهار من [ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من] عسل مصفى، وإذا رمانها كأنه الدلاء عظمًا، وإذا أنا بطيرها كأنها بختيكم هذه". فقال عندها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله تعالى قد أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". قال: "ثم

عرضت علي النار، فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته، لو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثم أغلقت دوني. ثم إني دفعت إلى سدرة المنتهى، فتغشاني فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى". قال: "ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة". قال: "وفرضت علي خمسون وقال: لك بكل حسنة عشر، إذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة، فإذا عملتها كتبت لك عشرًا، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء، فإن عملتها كتبت عليك سيئة واحدة. ثم دفعت إلى موسى فقال: بما أمرك ربك؟ قلت: بخمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك، ومتى لا [تطيقه] تكفر فرجعت إلى ربي [عز وجل] فقلت: يا رب، خفف عن أمتي، فإنها أضعف الأمم. فوضع عني عشرًا، وجعلها أربعين. فما زلت أختلف بين موسى وربي كلما أتيت عليه قال لي مثل مقالته، حتى رجعت إليه فقال لي: بم أمرت؟ فقلت: أمرت بعشر صلوات. قال: ارجع إلى ربك [عز وجل] فاسأله التخفيف لأمتك. فرجعت إلى ربي [سبحانه وتعالى] فقلت: أي رب، خفف عن أمتي، فإنها أضعف الأمم. فوضع عني خمسًا، وجعلها خمسًا. فناداني ملك عندها: تممت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها. ثم رجعت إلى موسى فقال: بم أمرت؟ فقلت: بخمس صلوات. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإنه لا يؤوده شيء، فاسأله التخفيف لأمتك". "فقلت: رجعت إلى ربي حتى استحييته" ثم أصبح بمكة يخبرهم بالأعاجيب: "إني أتيت البارحة بيت المقدس، وعرج بي إلى السماء، ورأيت كذا وكذا ". فقال أبو جهل - يعني ابن هشام -: ألا تعجبون مما يقول محمد؟ يزعم أنه أتى البارحة بيت المقدس، ثم أصبح فينا. وأحدنا يضرب مطيته مصعدة شهرًا، ومقفلة شهرًا، فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة! قال: فأخبرهم بعير لقريش: "لما كنت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا، وأنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند العقبة". وأخبرهم بكل رجل وبعيره كذا وكذا، ومتاعه كذا وكذا. فقال أبو جهل: يخبرنا بأشياء. فقال رجل من المشركين: أنا أعلم الناس ببيت المقدس، وكيف بناؤه؟ وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل؟ [فإن يك محمد صادقا فسأخبركم، وإن يك

كاذبًا فسأخبركم. فجاء ذلك المشرك فقال: يا محمد، أنا أعلم الناس ببيت المقدس، فأخبرني كيف بناؤه؟ وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل]. قال: فرفع لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيت المقدس من مقعده، فنظر إليه كنظر أحدنا إلى بيته: بناؤه كذا وكذا، وهيئته كذا وكذا، وقربه من الجبل كذا وكذا. فقال الآخر: صدقت. فرجع إلى أصحابه فقال: صدق محمد فيما قال أو نحو هذا الكلام. وكذا رواه الإمام أبو جعفر بن جرير بطوله .... ورواه ابن أبي حاتم ... عن أبي سعيد الخدري، فذكره بسياق طويل حسن أنيق، أجود مما ساقه غيره، على غرابته وما فيه من النكارة. ثم ذكره البيهقي، أيضًا، من رواية نوح بن قيس الحُدَّاني وهُشَيم ومعمر، عن أبي هارون العبدي - واسمه عمارة بن جوين وهو مضعف عند الأئمة. وإنما سقنا حديثه هاهنا لما في حديثه من الشواهد لغيره، ولما رواه البيهقي: ... حدثنا يزيد بن أبي حكيم قال: رأيت في النوم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: يا رسول الله، رجل من أمتك يقال له: "سفيان الثوري" لا بأس به؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا بأس به"، حدثنا عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، عنك ليلة أسري بك، قلت "رأيت في السماء" فحدثه بالحديث؟ فقال لي: "نعم". فقلت له: يا رسول الله، إن ناسًا من أمتك يحدثون عنك في السرى بعجائب؟ فقال لي: "ذلك حديث القصاص". (الإسراء: 1) 497 - عن شداد بن أوس قال: قلنا: يا رسول الله، كيف أسري بك؟ قال: "صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة معتمًا". قال: "فأتاني جبريل، عليه السلام، بدابة أبيض - أو قال: بيضاء - فوق الحمار ودون البغل، فقال: اركب. فاستصعبت علي، فرازها بأذنها، ثم حملني عليها. فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضًا ذات نخل فأنزلني فقال: صل. فصليت، ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة. فانطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها. ثم بلغنا أرضًا فقال: انزل. [فنزلت] ثم قال: صل. فصليت ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى. ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضًا، بدت لنا قصورًا، فقال:

انزل. فنزلت، فقال صل فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم. ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد، فربط فيه دابته ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين، في أحدهما لبن وفي الآخرعسل، أرسل إليّ بهما جميعًا، فعدلت بينهما، ثم هداني الله عز وجل، فأخذت اللبن فشربت حتى قَرَعت به جبيني، وبين يدي شيخ متكئ على مثواة له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة، إنه ليهدى. ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي فيه المدينة، فإذا جهنم [تنكشف] عن مثل الزرابي، قلت: يا رسول الله، كيف وجدتها؟ قال: مثل الحمة السخنة. ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرًا لهم، قد جمعه فلان، فسلمت عليهم، فقال بعضهم: هذا صوت محمد. ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة"، فأتاني أبو بكر، رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، أين كنت الليلة؟ فقد التمستك في مظانك. فقال: "علمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ ". فقال: يا رسول الله، إنه مسيرة شهر، فصفه لي. قال: "ففتح لي صراط كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه". قال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كَبْشَة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة!. قال: فقال: "إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا، قد أضلوا بعيرًا لهم، فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم بكذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا، يقدمهم جمل آدم، عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان". فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى كان قريب من نصف النهار حتى أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هكذا رواه البيهقي من طريقين عن أبي إسماعيل الترمذي، به. ثم قال بعد تمامه: "هذا إسناد صحيح، وروى ذلك مفرقًا في أحاديث غيره، ونحن نذكر من ذلك إن شاء الله ما حضرنا". ثم ساق أحاديث كثيرة في الإسراء كالشاهد لهذا الحديث. وقد روى هذا الحديث عن شداد بن أوس بطوله الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره، عن أبيه، عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي،

به. ولا شك أن هذا الحديث - أعني الحديث المروي عن شداد بن أوس - مشتمل على أشياء منها ما هو صحيح كما ذكره البيهقي، ومنها ما هو منكر، كالصلاة في بيت لحم، وسؤال الصديق عن نعت بيت المقدس، وغير ذلك. والله أعلم. (الإسراء: 1) 498 - قلت (¬1): وقد روي عن ابن مسعود بأبسط من هذا، وفيه غرابة، وذلك فيما رواه "الحسن بن عرفة" في جزئه المشهور ... حدثنا أبو ظبيان الجنبي قال: كنا جلوسًا عند أبي عبيدة بن عبد الله - يعني ابن مسعود - ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، وهما جالسان، فقال محمد بن سعد لأبي عبيدة: حدثنا عن أبيك ليلة أسري بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال أبو عبيدة: لا بل حدثنا أنت عن أبيك. فقال محمد: لو سألتني قبل أن أسألك لفعلت! قال: فأنشأ أبو عبيدة يحدث يعني عن أبيه كما سئل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، فحملني عليه، ثم انطلق يهوي بنا كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم، كأنه من رجال أزد شنوءة، وهو يقول - فيرفع صوته يقول - أكرمته وفضلته". قال: "فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا أحمد، قال: مرحبًا بالنبي الأمي العربي، الذي بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته". قال: "ثم اندفعنا فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا موسى بن عمران". قال: قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك! قلت: فيرفع صوته على ربه؟! قال: إن الله [عز وجل] قد عرف له حدته". قال: "ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السُّرُج تحتها شيخ وعياله". قال: "فقال لي جبريل: اعمد إلى أبيك إبراهيم. فدفعنا إليه فسلمنا عليه فرد السلام، فقال إبراهيم: من هذا معك يا جبريل؟ قال: هذا ابنك أحمد". قال: "فقال: مرحبًا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته، يا بني، إنك لاق ربك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل". قال: "ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنزلت فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها. ثم دخلت المسجد فعرفت ¬

(¬1) القائل هو الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -.

النبيين من بين راكع وقائم وساجد". قال: "ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن فأخذت اللبن فشربت فضرب جبريل عليه السلام منكبي وقال: أصبت الفطرة ورب محمد". قال: "ثم أقيمت الصلاة فأممتهم، ثم انصرفنا فأقبلنا". إسناد غريب ولم يخرجوه، فيه من الغرائب سؤال الأنبياء عنه عليه السلام ابتداء، ثم سؤاله عنهم بعد انصرافه. والمشهور في الصحاح كما تقدم: أن جبريل [عليه السلام] كان يعلمه بهم أولا ليسلم عليهم سلام معرفة. وفيه أنه اجتمع بالأنبياء عليهم السلام قبل دخوله المسجد، والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات، ثم نزل إلى بيت المقدس ثانيًا وهم معه، وصلى بهم فيه، ثم إنه ركب البراق وكر راجعًا إلى مكة، والله أعلم. (الإسراء: 1) 499 - رواية أبي هريرة، رضي الله عنه: وهي مطولة جدًا وفيها غرابة .... عن أبي هريرة أو غيره - شك أبو جعفر - في قول الله عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قال: جاء جبريل [إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه ميكائيل، فقال جبريل] لميكائيل: ائتني بطَسْت من ماء زمزم، كيما أطهر قلبه وأشرح له صدره. قال: فشق عنه بطنه، فغسله ثلاث مرات. واختلف إليه ميكائيل بثلاث طساس من ماء زمزم، فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل، وملأه حلمًا وعلمًا، وإيمانًا ويقينًا وإسلامًا، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة. ثم أتاه بفرس فحمل عليه، كل خطوة منه منتهى بصره - أو: أقصى بصره - قال: فسار وسار معه جبريل عليهما السلام قال: فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا جبريل، ما هذا؟ " قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه، وهو خير الرازقين. ثم أتى على قوم تُرضَخ رءوسهم بالصخر، كلما رُضخت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة. ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الإبل والنعم، ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها، قال: " ما هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء الذين لا

يؤدون صدقات أموالهم، وما ظلمهم الله شيئًا وما الله بظلام للعبيد. ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر ولحم نيئ في قدر خبيث، فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النضيج الطيب، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ " فقال: هذا الرجل من أمتك، تكون عنده المرأة الحلال الطيبة، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، [والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبًا، فتأتي رجلا خبيثًا فتبيت معه حتى تصبح]. قال: ثم أتى على خشبة على الطريق، لا يمر بها ثوب إلا شقته، ولا شيء إلا خرقته، قال: "ما هذا يا جبريل؟ " قال: هذا مثل أقوام من أمتك، يقعدون على الطريق يقطعونه ثم تلا {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ [وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ]} [الأعراف: 86]. قال: ثم أتى على رجل قد جمع حزمة [حطب] عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: "ما هذا يا جبريل؟ " فقال هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها. ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ " قال: هؤلاء خطباء الفتنة. ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من [حيث] خرج، فلا يستطيع، فقال: "ما هذا يا جبريل؟ " فقال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها. ثم أتى على واد فوجد ريحًا طيبة باردة، وريح مسك، وسمع صوتًا، فقال: "يا جبريل، ما هذه الريح الطيبة الباردة؟ وما هذا المسك؟ وما هذا الصوت؟ " قال: هذا صوت الجنة تقول: يا رب آتني ما وعدتني، فقد كثرت غرفي، وإستبرقي وحريري وسندسي، وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني، وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي، وأباريقي ومراكبي، وعسلي ومائي، وخمري ولبني فآتني ما وعدتني. فقال: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحًا ولم يشرك بي، ولم يتخذ من دوني أندادًا، ومن خشيني فهو آمن، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكل عليّ كفيته، إني أنا الله لا إله إلا أنا، لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون، وتبارك الله أحسن الخالقين، قالت: قد رضيت. قال: "ثم أتى على واد فسمع صوتًا منكرًا، ووجد ريحًا منتنة، فقال: ما هذه الريح يا جبريل؟ وما هذا الصوت؟ "

فقال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب آتني ما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي، وسعيري وحميمي، وضريعي، وغساقي وعذابي، وقد بعد قعري، واشتد حري، فآتني كل ما وعدتني، فقال: لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب. قالت: قد رضيت. قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت الصلاة قالوا: يا جبريل، من هذا معك؟ قال: محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: أوقد أرسل محمد؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: ثم لقي أرواح الأنبياء، فأثنوا على ربهم، فقال إبراهيم: الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكًا عظيمًا، وجعلني أمة قانتًا يؤتم بي، وأنقذني من النار، وجعلها عليّ بردًا وسلامًا. ثم إن موسى، عليه السلام، أثنى على ربه، عز وجل، فقال: الحمد لله الذي كلمني تكليمًا، وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي، وجعل من أمتي قومًا يهدون بالحق وبه يعدلون. ثم إن داود، عليه السلام أثنى على ربه [عز وجل]، فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملكًا عظيمًا، وعلمني الزبور، وألان لي الحديد، وسخر لي الجبال يسبحن والطير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب. ثم إن سليمان، عليه السلام، أثنى على ربه [عز وجل] فقال: الحمد لله الذي سخر لي الرياح، وسخر لي الشياطين يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل، وجفان كالجواب وقدور راسيات، وعلمني منطق الطير، وآتاني من كل شيء فضلا وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضلني على كثير من عباده المؤمنين، وآتاني ملكًا عظيمًا لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل ملكي ملكًا طيبًا ليس فيه حساب. ثم إن عيسى، عليه السلام، أثنى على ربه، عز وجل، فقال: الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له: "كن" فيكون، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير، فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذنه، ورفعني وطهرني، وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل. قال: ثم إن محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثنى على ربه، عز وجل، فقال: "فكلكم أثنى على ربه،

وإني مثن على ربي [عز وجل] فقال: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وأنزل عليّ الفرقان فيه بيان لكل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي أمة وسطًا، وجعل أمتي هم الأولين وهم الآخرين، وشرح لي صدري، ووضع عني وزري، ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحًا وخاتمًا" فقال إبراهيم [عليه السلام]: بهذا فضلكم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو جعفر الرازي: خاتم النبوة، فاتح بالشفاعة يوم القيامة. ثم أتي بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتي بإناء منها فيه ماء فقيل: اشرب. فشرب منه يسيرًا، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن، فقيل له: اشرب، فشرب منه حتى روي. ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر فقيل له: اشرب فقال: "لا أريده قد رويت". فقال له جبريل [عليه السلام]: أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل. قال: ثم صعد به إلى السماء فاستفتح، فقيل: من هذا يا جبريل؟ فقال: محمد، فقالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ

ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خلق الناس، عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى وحزن، فقلت: "يا جبريل من هذا الشيخ التام الخلق الذي لم ينقص من خلقه شيء؟ وما هذان البابان؟ " فقال: هذا أبوك آدم [عليه السلام]، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا نظر إلى من يدخل من ذريته ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته بكى وحزن. ثم صعد به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح، فقيل: من هذا معك؟ فقال: محمد رسول الله. قالوا: أوقد أرسل محمد؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فلنعم الأخ ولنعم الخليفة ونعم المجيء جاء. قال: فدخل فإذا هو بشابين فقال: "يا جبريل، من هذان الشابان؟ " قال: هذا عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، ابنا الخالة عليهما السلام. قال: فصعد به إلى السماء الثالثة فاستفتح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس في الحسن كما فضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قال: "من هذا يا جبريل الذي قد فضل على الناس في الحسن؟ " قال: هذا أخوك يوسف، عليه السلام. قال: ثم صعد به إلى السماء الرابعة فاستفتح، فقالوا من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: فدخل، فإذا هو برجل، قال: "من هذا يا جبريل؟ " قال: هذا إدريس رفعه الله [تعالى] مكانًا عليًا. ثم صعد به إلى السماء الخامسة فاستفتح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم، قال: "من هذا يا جبريل؟ ومن هؤلاء حوله؟ " قال: هذا هارون المحبب [في قومه] وهؤلاء بنو إسرائيل. ثم صعد به إلى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء. فإذا هو برجل جالس فجاوزه فبكى الرجل، فقال: "يا جبريل، من هذا؟ " قال: موسى، قال: "فما باله يبكي؟ " قال: زعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله عز وجل، وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسه لم أبال، ولكن مع كل نبي أمته. قال: ثم صعد به إلى السماء السابعة فاستفتح، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء. قال: فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء، فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فدخلوا نهرًا فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء ثم دخلوا نهرًا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص [من] ألوانهم [شيء ثم دخلوا نهرًا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلصت ألوانهم] فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال: "يا

جبريل من هذا الأشمط؟ ثم من هؤلاء البيض الوجوه؟ ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؟ وما هذه الأنهار التي دخلوا فيها فجاءوا وقد صَفَت ألوانهم؟ " قال: هذا أبوك إبراهيم [عليه السلام] أول من شمط على الأرض. وأما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم. وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فقوم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا، فتابوا فتاب الله عليهم. وأما الأنهار فأولها رحمة الله، والثاني نعمة الله، والثالث سقاهم ربهم شرابًا طهورًا. قال: ثم انتهى إلى السدرة فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك. فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذّة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عامًا لا يقطعها. والورقة منها مغطية للأمة كلها. قال: فغشيها نور الخلاق، عز وجل، وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة قال: فكلمه الله عند ذلك قال له: سل، قال: "إنك اتخذت إبراهيم خليلا وأعطيته ملكًا عظيمًا، وكلمت موسى تكليمًا، وأعطيت داود ملكًا عظيمًا، وألنت له الحديد، وسخرت له [الجبال، وأعطيت سليمان ملكًا عظيمًا، وسخرت له الجن والإنس والشياطين، وسخرت له] الرياح، وأعطيت له ملكًا عظيمًا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل". فقال له ربه عز وجل: وقد اتخذتك خليلا - وهو مكتوب في التوراة: حبيب الرحمن - وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك أمة وسطًا، وجعلت أمتك هم الأولين والآخرين، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلت من أمتك أقوامًا قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أول النبيين خلقًا، وآخرهم بعثًا، وأولهم يقضى له، وأعطيتك سبعًا من المثاني لم يعطها نبي قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيًا قبلك، وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانية أسهم: الإسلام، والهجرة، والجهاد، والصدقة، والصلاة، وصوم

رمضان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلتك فاتحًا وخاتمًا. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فضلني ربي بست: أعطاني فواتح الكلام وخواتيمه وجوامع الحديث، وأرسلني إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا وقذف في قلوب عدوي الرعب من مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض كلها طهورًا ومسجدًا". قال: وفرض عليه خمسين صلاة. فلما رجع إلى موسى قال: بم أمرت يا محمد؟ قال: "بخمسين صلاة" قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، فقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ربه، عز وجل، فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرًا. ثم رجع إلى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: "بأربعين" قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ربه [عز وجل] فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرًا، فرجع إلى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: "أمرت بثلاثين"، فقال له موسى: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع إلى ربه [عز وجل] فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلى موسى فقال بكم أمرت؟ قال: "أمرت بعشرين". قال: ارجع إلى ربك [عز وجل] فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع إلى ربه [عز وجل] فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرًا. فرجع إلى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: "أمرت بعشر"، قال: ارجع إلى ربك [عز وجل] فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع على حياء إلى ربه [عز وجل] فسأله التخفيف فوضع عنه خمسًا. فرجع إلى موسى، عليه السلام، فقال بكم أمرت؟ قال: "بخمس" فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: "قد رجعت إلى ربي حتى استحييت، فما أنا براجع إليه"، قيل: أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات، فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة، فإن كل حسنة بعشر أمثالها. قال: فرضي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل الرضا، قال: وكان موسى، عليه السلام، من أشدهم عليه حين مرّ به وخيرهم له حين رجع إليه. ثم

رواه ابن جرير، عن محمد بن عبيد الله، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن أبى جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أو غيره - شك أبو جعفر - عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره بمعناه. وقد رواه الحافظ أبو بكر البيهقي ... فذكر مثل ما رواه ابن جرير عنه، وذكر البيهقي أن الحاكم أبا عبد الله رواه ... عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره. وقال: ابن أبي حاتم: ... عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قال الله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى]} فذكر الحديث بطوله كنحو مما سقناه. قلت: "أبو جعفر الرازي" قال فيه الحافظ أبو زرعة: "الرازي يهم في الحديث كثيرًا" وقد ضعفه غيره أيضًا، ووثقه بعضهم، والأظهر أنه سيئ الحفظ ففيما تفرد به نظر. وهذا الحديث في بعض ألفاظه غرابة ونكارة شديدة، وفيه شيء من حديث المنام من رواية سمرة بن جندب في المنام الطويل عند البخاري، ويشبه أن يكون مجموعًا من أحاديث شتى، أو منام أو قصة أخرى غير الإسراء، والله أعلم. (الإسراء: 1) 500 - قال الحافظ البيهقي: ... حدثني عبد العزيز، وليث بن أبي سليم وسليمان الأعمش، وعطاء بن السائب - بعضهم يزيد في الحديث على بعض - عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس - ومحمد بن إسحاق بن يسار، عمن حدثه عن ابن عباس - وعن سليم بن مسلم العقيلي، عن عامر الشعبي، عن عبد الله بن مسعود - وجويبر، عن الضحاك، ابن مزاحم قالوا: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت أم هانئ راقدًا، وقد صلى العشاء الآخرة. قال أبو عبد الله الحاكم: قال لنا هذا الشيخ. . . وذكر الحديث، فكتب المتن من نسخة مسموعة منه، فذكر حديثًا طويلا يذكر فيه عدد الدرج والملائكة وغير ذلك مما لا ينكر شيء منها في قدرة الله إن صحت الرواية. قال البيهقي: فيما ذكرنا قبل في حديث أبي هارون العبدي في إثبات الإسراء والمعراج كفاية، وبالله التوفيق. قلت: وقد أرسل هذا الحديث غير واحد من التابعين وأئمة المفسرين، رحمة الله عليهم أجمعين. (الإسراء: 1) 501 - عن أم هانئ بنت أبي طالب [رضي الله عنها] في مسرى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها كانت تقول: ما أسري برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وهو في بيتي، نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء الآخرة

ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما صلى الصبح وصلينا معه قال: "يا أم هانئ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين". الكلبي: متروك بمرة ساقط، لكن رواه أبو يعلى في مسنده عن محمد بن إسماعيل الأنصاري، عن ضَمْرَة بن ربيعة، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي صالح، عن أم هانئ بأبسط من هذاالسياق، فليكتب هاهنا. (¬1) (الإسراء: 1) 502 - وقد روى ابن جرير في هذا المكان حديثًا (¬2) أسنده عن حذيفة مرفوعًا ¬

(¬1) قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: فائدة: قال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دَحْيَة في كتابه "التنوير في مولد السراج المنير" وقد ذكر حديث الإسراء من طريق أنس، وتكلم عليه فأجاد وأفاد - ثم قال: وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب، وعلي [بن أبي طالب] وابن مسعود، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وابن عباس، وشداد بن أوس، وأبي بن كعب، وعبد الرحمن بن قُرْط، وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وحذيفة، وبريدة، وأبي أيوب، وأبي أمامة، وسمرة بن جُنْدُب، وأبي الحمراء، وصهيب الرومي، وأم هانئ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم أجمعين. منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، واعترض فيه الزنادقة الملحدون {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]. (¬2) تفسير الطبري (15/ 17) عن حُذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ بنِي إسْرَائِيلَ لَمَّا اعْتَدَوْا وَعَلَوْا، وقَتَلُوا الأنْبِيَاءَ، بَعَثَ الله عَلَيْهِمْ مَلِكَ فَارِسَ بُخْتَنَصَّر، وكانَ الله مَلَّكَهُ سَبْعَ مِئَة سَنةٍ، فسارِ إِلَيْهمْ حتى دَخَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ فَحاصَرَهَا وَفَتَحَها، وَقَتَلَ عَلى دَمِ زَكَرِيَّا سَبْعينَ ألْفا، ثُمَّ سَبَى أهْلَها وبَنِي الأنْبِياء، وَسَلَبَ حُليَّ بَيْتِ المَقْدِسِ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْها سَبْعِينَ ألْفا وَمِئَةَ ألْفِ عَجَلَةٍ مِنْ حُلَيٍّ حتى أوْرَدَهُ بابِلَ، قال حُذيفة: فقلت: يا رسول الله لقد كان بيت المقدس عظيما عند الله؟ قال: أجَلْ بَناهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ ذَهَبٍ وَدُرّ وَياقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ، وكانَ بَلاطُه بَلاطَةً مِنْ ذَهَب وَبَلاطَةً منْ فِضَّةٍ، وعُمُدُهُ ذَهَبا، أعْطاهُ الله ذلك، وسَخَّرَ لَهُ الشَّياطينَ ياتُونَهُ بِهذِهِ الأشْياءِ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، فَسارَ بُخْتَنَصَّر بهذِه الأشْياءِ حتى نزلَ بِها بابِلَ، فَأقامَ بَنُوا إسْرَائِيلَ في يَدَيهِ مِئَةَ سَنَةٍ تُعَذّبُهُمُ المَجُوسُ وأبْناءُ المَجُوسِ، فيهمُ الأنْبِياءُ وأبْناءُ الأنْبِياء، ثُمَّ إِنَّ الله رَحمَهُمْ، فأوْحَى إلى مَلِك مِنْ مُلُوكِ فارِس يُقالُ لَهُ كُورَسُ، وكانَ مُؤْمِنا، أَنْ سِرْ إلى بَقايا بَنِي إِسْرَائِيلَ حتى تَسْتَنْقذَهُمْ، فَسارَ كُورَسُ بِبَنِي إسْرَائِيلَ وحُليِّ بَيْتِ المَقْدِسِ حتى رَدَّهُ إِلَيْهِ، فَأقامَ بَنُو إسْرَائِيلَ مُطِيعينَ لله مِئَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عادُوا في المعَاصِي، فَسَلَّطَ الله عَلَيْهِمْ ابْطيانْحُوسَ (1) فَغَزَا بأبْناءِ مَنْ غَزَا مَعَ بُخْتَنَصَّر، فَغَزَا بَنِي إسْرَائِيلَ حتى أتاهُمْ بَيْتَ المَقْدِسِ، فَسَبى أهْلَها، وأحْرَقَ بَيْتَ المَقْدِسِ، وَقَالَ لَهُمْ: يا بَنِي إسْرَائِيلَ إنْ عُدْتُمْ فِي المعَاصِي عُدْنا عَلَيْكُمْ بالسِّباءِ، فَعادُوا فِي المعَاصِي، فَسَيَّر الله عَلَيْهِمُ السِّباء الثَّالِثَ مَلِكَ رُوميَّةَ، يُقالُ لَهُ قاقِسُ بْنُ إسْبايُوس، فَغَزَاهُم فِي البَرّ والبَحْرِ، فَسَباهُمْ وَسَبى حُلِيّ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأحْرَقَ بَيْتَ المَقْدِسِ بالنِّيرَانِ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذَا مِنْ صَنْعَةِ حُلِيّ بَيْتِ المَقْدِسِ، ويَرُدُّهُ المَهْدِيُّ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ، وَهُوَ ألْفُ سَفِينَةٍ وسَبْعُ مِئَةِ سَفِينَةٍ، يُرْسَى بِها عَلى يافا حتى تُنْقَلَ إلى بَيْتَ المَقْدِسِ، وبِها يَجْمَعُ الله الأوَّلِينَ والآخِرِينَ".

مطولا وهو حديث موضوع لا محالة، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث! والعجب كل العجب كيف راج عليه مع إمامته وجلالة قدره! وقد صرح شيخنا الحافظ العلامة أبو الحجاج المزي، رحمه الله، بأنه موضوع مكذوب، وكتب ذلك على حاشية الكتاب. (الإسراء: 4) 503 - كما جاء في حديث علي بن زيد، عن أنس، عند أبي داود الطيالسي وهو ضعيف، والله أعلم. (¬1) (الإسراء: 15) 504 - عن عبد الله بن أبى قيس مولى غُطَيْف، أنه أتى عائشة فسألها عن ذراري الكفار فقالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هم تبع لآبائهم". فقلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن حرب، عن محمد بن زياد الألهاني، سمعت عبد الله بن أبي قيس، سمعت عائشة تقول: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذراري المؤمنين قال: "هم من آبائهم". قلت: فذراري المشركين؟ قال: "هم مع آبائهم" قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". ورواه [الإمام] أحمد أيضا، عن وكيع، عن أبي عَقِيل يحيى بن المتوكل - وهو متروك - عن مولاته بُهَيَّة عن عائشة؛ أنها ذكرت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطفال المشركين فقال: "إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار". (الإسراء: 15) 505 - عن علي، رضي الله عنه، قال: سألت خديجة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ولدين لها ماتا في ¬

(¬1) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا الربيع، عن يزيد بن أبان قال: قلنا لأنس: يا أبا حمزة، ما تقول في أطفال المشركين؟ فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لم يكن لهم سيئات فيعذبوا بها فيكونوا من أهل النار، ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنة هم من خدم أهل الجنة" رواه أبو نعيم في الحلية (6/ 308) من طريق سفيان الثوري، عن الربيع بن صبيح به، وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 246) وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري، وسمرة بن جندب رضي الله عنهما. وكأن في متن الحديث نكاره لمخالفته ما ورد في الصحيحين أولا، ولأن الله وصف خدم أهل الجنة بالخلود فقال: (ويطوف عليهم ولدان مخلدان) [الإنسان: 19]

الجاهلية فقال: "هما في النار". قال: فلما رأى الكراهية في وجهها [قال]: لو رأيت مكانهما لأبغضتهما". قالت: فولدي منك؟ قال: ["في الجنة". قال: ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]. "إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار" ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ [أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ]} [الطور: 21]. وهذا حديث غريب؛ فإن محمد بن عثمان هذا مجهول الحال، وشيخه زاذان لم يدرك عليًا، والله أعلم. (الإسراء: 15) 506 - عن سليمان بن بُرَيدة، عن أبيه؛ أن رجلا كان في الطواف حاملا أمه يطوف بها، فسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل أديت حقها؟ قال: "لا، ولا بزفرة واحدة" أو كما قال. ثم قال البزار: لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه. قلت: والحسن بن أبي جعفر ضعيف، والله أعلم. (الإسراء: 24) 507 - عن أبي سعيد قال: لما نزلت هذه الآية {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} دعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة فأعطاها "فدك". ثم قال (البزار): لا نعلم حدث به عن فضيل بن مرزوق إلا أبو يحيى التيمي وحميد بن حماد بن أبي الخوار. وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده؛ لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ فهو إذا حديث منكر، والأشبه أنه من وضع الرافضة، والله أعلم. (الإسراء: 26) 508 - عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحا، عليه السلام، قال لابنه: يا بني، آمرك أن تقول: "سبحان الله"، فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق، قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}.إسناده فيه ضعف، فإن الرّبذي ضعيف عند الأكثرين. (الإسراء: 44) 509 - قال ابن جرير: حدثت عن محمد بن الحسن بن زَبَالة، حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، حدثني أبي عن جدي قال: رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني فلان ينزون على منبره نزو القرود فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكًا حتى مات. قال: وأنزل الله في ذلك: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} الآية. وهذا السند

ضعيف جدًا؛ فإن "محمد بن الحسن بن زَبَالة" متروك، وشيخه أيضًا ضعيف بالكلية. (الإسراء: 60) 510 - قال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر، عن زيد بن أسلم قال: قالت الملائكة: يا ربنا، إنك أعطيت بني آدم الدنيا، يأكلون منها ويتنعمون، ولم تعطنا ذلك فأعطناه في الآخرة. فقال الله: "وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان". وهذا الحديث مرسل من هذا الوجه، وقد روي من وجه آخر متصلا. (الإسراء: 70) 511 - عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم". قيل: يا رسول الله ولا الملائكة؟ قال: "ولا الملائكة، الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر". (¬1) وهذا حديث غريب جدًا. (الإسراء: 70) 512 - عن عبد الرحمن بن غَنْم؛ أن اليهود أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما فقالوا: يا أبا القاسم، إن كنت صادقًا أنك نبي، فالحق بالشام؛ فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء. فصدق ما قالوا، فغزا غزوة تبوك، لا يريد إلا الشام. فلما بلغ تبوك، أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} إلى قوله: {تَحْوِيلا} فأمره الله بالرجوع إلى المدينة، وقال: فيها محياك ومماتك، ومنها تبعث. وفي هذا الإسناد نظر. والأظهر أن هذا ليس بصحيح؛ فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يغز تبوك عن قول اليهود، إنما غزاها امتثالا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123]،وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. وغزاها ليقتص وينتقم ممن قتل أهل مؤتة، من أصحابه، والله أعلم. (الإسراء: 76) ¬

(¬1) قال الهيثمي في المجمع (1/ 82): "رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبيد الله بن تمام وهو ضعيف".

513 - عن أبي الدرداء، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر حديث النزول وأنه تعالى يقول: "من يستغفرني أغفر له، من يسألني أعطه، من يدعني فأستجيب له حتى يطلع الفجر". فلذلك يقول: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} فيشهده الله، وملائكة الليل، وملائكة النهار - فإنه تفرد به زيادة، وله بهذا حديث في سنن أبي داود (¬1). (الإسراء: 78) 514 - عن علي بن الحسين قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كان يوم القيامة، مدّ الله الأرض مدّ الأديم، حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدمه. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه قبلها، فأقول رب، إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي. فيقول الله تبارك وتعالى: صدق، ثم أشفع. فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض"، قال: "فهو المقام المحمود". وهذا حديث مرسل. (الإسراء: 79) 515 - عن عبد الله بن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن لله ملكًا، لو قيل له: التقم السماوات السبع والأرضين بلقمة واحدة، لفعل، تسبيحه: سبحانك حيث كنت". وهذا حديث غريب، بل منكر. (الإسراء: 85) 516 - عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه قال في قوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} قال: هو مَلَك من الملائكة، له سبعون ألف وجه، لكل وجه منها سبعون ألف لسان، لكل لسان منها [سبعون] ألف لغة، يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها، يخلق الله من كل تسبيحة مَلَكًا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة. وهذا أثر غريب عجيب، والله أعلم. (الإسراء: 85) 517 - عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في نفر من اليهود، جاءوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا له: إنا نأتيك بمثل ما جئتنا به، فأنزل الله هذه الآية. وفي هذا نظر؛ لأن هذه السورة مكية، وسياقها كله مع قريش، واليهود إنما اجتمعوا به في المدينة. فالله أعلم. (الإسراء: 86) ¬

(¬1) سنن أبي داود برقم (3892) وأوله: "من اشتكى منكم شيئا أو اشتكاه أخ له فليقل". وزيادة منكر الحديث. لفظة (الله) في الحديث لا تصح، والحديث ورد في الصحيح بدونها.

518 - عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "عرض ربي عز وجل ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا، فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يومًا، وأجوع يومًا - أو نحو ذلك - فإذا جُعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك". ورواه الترمذي في "الزهد" عن سُوَيْد بن نصر عن ابن المبارك، به وقال: هذا حديث حسن. وعلي بن يزيد يُضَّعَّفُ في الحديث. (¬1) (الإسراء: 93) 519 - عن صفوان بن عَسّال المرادي، رضي الله عنه، قال: قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] حتى نسأله عن هذه الآية: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) فقال: لا تقل له نبي فإنه لو سمعك لصارت له أربع أعين. فسألاه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تقذفوا محصنة - أو قال: لا تفروا من الزحف - شعبة الشاك - وأنتم يا يهود، عليكم خاصة أن لا تعدوا في السبت". فقبلا يديه ورجليه، وقالا: نشهد أنك نبي. [قال: "فما يمنعكما أن تتبعاني؟ " قالا: لأن داود، عليه السلام، دعا ألا يزال من ذريته نبي]، وإنا نخشى إن أسلمنا أن تقتلنا يهود. فهذا الحديث رواه هكذا الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير في تفسيره من طرق عن شعبة بن الحجاج، به (¬2) وقال الترمذي: حسن صحيح. وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات، فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون، والله أعلم. ولهذا قال موسى لفرعون: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ بَصَائِرَ) أي: حججًا وأدلة على صدق ما جئتك به (وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) ¬

(¬1) المسند (5/ 245) وسنن الترمذي برقم (2347) وعبد الله بن زحر وعلى بن يزيد والقاسم ضعفاء. (¬2) المسند (4/ 239) وسنن الترمذي برقم (3144) وسنن النسائي (7/ 111) وسنن ابن ماجة برقم (3705) وتفسير الطبري (15/ 115).

أي: هالكًا. قاله مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس: ملعونًا. وقال أيضًا هو والضحاك: (مَثْبُورًا) أي: مغلوبًا. والهالك - كما قال مجاهد - يشمل هذا كله، قال عبد الله بن الزبعري: إذْ أجَارِي الشَّيطانَ في سَنن الغـ ... ـيِّ وَمَنْ مَالَ مَيْلهُ مَثْبُور [بمعنى هالك]. وقرأ بعضهم برفع التاء من قوله: "علمت" وروي ذلك عن علي بن أبي طالب. ولكن قراءة الجمهور بفتح التاء على الخطاب لفرعون، كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 13، 14]. فهذا كله مما يدل على أن المراد بالتسع الآيات إنما هي ما تقدّم ذكره من العصا، واليد، والسنين، ونقص من الثمرات، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم. التي فيها حجج وبراهين على فرعون وقومه، وخوارق ودلائل على صدق موسى ووجود الفاعل المختار الذي أرسله. وليس المراد منها كما ورد في هذا الحديث، فإن هذه الوصايا ليس فيها حجج على فرعون وقومه، وأي مناسبة بين هذا وبين إقامة البراهين على فرعون؟ وما جاء هذا الوهم إلا من قبل"عبد الله بن سلمة إن له بعض ما يُنْكر. والله أعلم. ولعل ذينك اليهوديين إنما سألا عن العشر الكلمات، فاشتبه على الراوي بالتسع الآيات، فحصل وَهْم في ذلك. والله أعلم. (الإسراء: 100) 520 - عن أبي هريرة قال: خرجت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدي في يده، فأتى على رجل رث الهيئة، فقال: "أي فلان، ما بلغ بك ما أرى؟ ". قال: السقم والضرّ يا رسول الله. قال: "ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر؟ ". قال: لا. قال: ما يسرني بها أن شهدت معك بدرًا أو أحدًا. قال: فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: "وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع؟ ". قال: فقال أبو هريرة: يا رسول الله، إياي فعلمني قال: فقل يا أبا هريرة: "توكلت على الحي الذي لا يموت، الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيرًا". قال:

سورة الكهف

فأتى عليّ رسول الله وقد حَسُنَت حالي، قال: فقال لي: "مَهْيم".قال: قلت: يا رسول الله، لم أزل أقول الكلمات التي علمتني. (¬1) إسناده ضعيف وفي متنه نكارة. [والله أعلم] (الإسراء: 111) سورة الكهف 521 - عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء، يضيء له يوم القيامة، وغُفر له ما بين الجمعتين " (¬2). وهذا الحديث في رفعه نظر، وأحسن أحواله الوقف. (الكهف: 1) 522 - عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "ماء كالمهل". قال: كعكر الزيت فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه" وهكذا رواه الترمذي في "صفة النار" من جامعه، من حديث رِشْدِين بن سعد عن عمرو بن الحارث، عن دراج، به ثم قال: لا نعرفه إلا من حديث "رشدين"، وقد تكلم فيه من قبل حفظه،، هكذا قال (¬3)، وقد رواه الإمام أحمد كما تقدم عن حسن الأشيب، عن ابن لَهِيعة، عن دَرّاج، والله أعلم. (الكهف: 29) 523 - عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد، فيقول: {مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} فيرى فيه آفة دون الموت".وكان يتأول هذه الآية: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} قال الحافظ أبو الفتح الأزدي: عيسى بن عون، عن عبد الملك بن زرارة، عن ¬

(¬1) مسند أبى يعلى (12/ 23) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 52): "وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف". (¬2) ذكره المنذرى في الترغيب (1/ 513) وقال: "رواه ابن مرديه بإسناد لا بأس به". (¬3) سنن الترمذي برقم (2581).

أنس: لا يصح حديثه. (الكهف: 39) 524 - عن أبي ذر رضي الله عنه، [رفعه] قال: "إن الكنز الذي ذكر الله في كتابه: لوح من ذهب مصمت مكتوب فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر لم نصب؟ وعجبت لمن ذكر النار لم ضَحِك؟ وعجبت لمن ذكر الموت لم غفل؟ لا إله إلا الله، محمد رسول الله". (¬1) بشر بن المنذر هذا يقال له: قاضي المصيصة. قال الحافظ أبو جعفر العقيلي: في حديثه وهم. (الكهف: 82) 525 - قالوا: وكان يكنى أبا العباس، ويلقب بالخضر، وكان من أبناء الملوك، ذكره النووي في تهذيب الأسماء، وحكى هو وغيره في كونه باقيًا إلى الآن ثم إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه، وذكروا في ذلك حكايات وآثارًا عن السلف وغيرهم وجاء ذكره في بعض الأحاديث. ولا يصح شيء من ذلك، وأشهرها حديث التعزية وإسناده ضعيف (¬2). (الكهف: 82) ¬

(¬1) مسند البزار برقم (2229) "كشف الأستار" وقد روى موقوفا من طرق عن ابن عباس وعلى، رضي الله عنهما، لكن أسانيدها ضعيفة. (¬2) حديث التعزية: جاء في البداية والنهاية (1/ 331): قال ابن كثير: (فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي قائلا أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن بالويه حدثنا محمد بن بشر بن مطر حدثنا كامل بن طلحة حدثنا عباد بن عبد الصمد عن أنس بن مالك قال: «لما قبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدق به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت إلى أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت وخلفا من كل هالك فإلى الله أنيبوا وإليه فارغبوا ونظر إليكم في البلاء فانظروا فإن المصاب من لم يجبر وانصرف. فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم، هو أخو رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الخضر عليه السلام.» قال ابن كثير: شيخ الشافعي القاسم العمري متروك. قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: " يكذب" زاد أحمد " ويضع الحديث". قال ابن كثير معقبا: وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن كامل بن طلحة وفي متنه مخالفة لسياق البيهقي ثم قال البيهقي: عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا منكر، قال ابن كثير: قلت: عباد بن عبد الصمد هذا ابن معمر البصري روى عن أنس نسخة، قال ابن حيان والعقيلي: أكثرها موضوع، وقال البخاري: منكر الحديث. (ب) وقال ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 332): (وقال الشافعي في مسنده أخبرنا القاسم بن عبد الله وهو العمري - شيخ الشافعي - بسنده إلى علي بن الحسين قال: لما توفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في الله عزاء عن كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإليه فارجعوا فإن المصاب من حرم الثواب. قال ابن الحسين: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر). انظر مجلة البحوث الإسلامية العدد (23/ 281 - 310) بحث بعنوان (من هو الخضر صاحب موسى عليه السلام) للشيخ يوسف عبد الرحمن البرقاوي.

526 - وهذا يدل على ضعف ما أورده ابن جرير في تفسيره حيث قال: ... عن عكرمة قال: قيل لابن عباس: لم نسمع لفتى موسى بذكر من حديث وقد كان معه؟ فقال ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى قال: شرب الفتى من الماء [فخلد، فأخذه] العالم، فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر، فإنها تموج به إلى يوم القيامة؛ وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب. إسناد ضعيف، والحسن متروك، وأبوه غير معروف. (الكهف: 82) 527 - وقد أورد ابن جرير هاهنا، والأموي في مغازيه، حديثا أسنده وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر، أن نفرًا من اليهود جاؤوا يسألون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاؤوا له ابتداء، فكان فيما أخبرهم به: "أنه كان شابا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقوامًا وجوههم مثل وجوه الكلاب". وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل. والعجب أن أبا زُرْعَة الرازي، مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني، الذي تؤرخ به الروم، فأما الأول فقد ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل، عليه السلام، أول ما بناه وآمن به واتبعه، وكان معه الخضر، عليه السلام، وأما الثاني فهو، إسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور، والله أعلم. وهو الذي تؤرخ به من مملكته ملة الروم. وقد كان قبل المسيح، عليه السلام، بنحو من ثلثمائة سنة، فأما الأول المذكور في القرآن فكان في زمن الخليل، كما ذكره الأزرقي وغيره، وأنه طاف مع الخليل بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم، عليه السلام، وقرب إلى الله قربانًا، وقد ذكرنا طرفًا من أخباره في كتاب "البداية والنهاية" بما فيه كفاية ولله الحمد. (الكهف: 83) 528 - عن عبد الله قال: نظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الشمس حين غابت، فقال: "في نار الله الحامية [في نار الله الحامية]، لولا ما يزعها من أمر الله، لأحرقت ما على الأرض".

قلت: ورواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون. وفي صحة رفع هذا الحديث نظر، ولعله من كلام عبد الله بن عمرو، من زاملتيه اللتين وجدهما يوم اليرموك، والله أعلم. (الكهف: 86) 529 - وقد ذكر ابن جرير هاهنا (¬1) عن وهب بن منبه أثرًا طويلا عجيبًا في سير ذي القرنين، وبنائه السد، وكيفية ما جرى له، وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم، [وطولهم] وقصر بعضهم، وآذانهم. وروى ابن أبي حاتم أحاديث غريبة في ذلك لا تصح أسانيدها، والله أعلم. (الكهف: 93) 530 - عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا قال: يا رسول الله، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج، قال: "انعته لي" قال: كالبرد المحبر، طريقة سوداء. وطريقة حمراء. قال: "قد رأيته". هذا حديث مرسل. (الكهف: 96) 531 - عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس [حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس] قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء الله. ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، [فترجع وعليها هيئة الدم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء]. فيبعث الله عليهم نغفا في رقابهم فيقتلهم بها. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده، إن دواب الأرض لتسمن، وتشكر شكرًا من لحومهم ودمائهم". ورواه أحمد أيضًا عن حسن - هو ابن موسى الأشيب - عن سفيان، عن قتادة، به. وكذا رواه ابن ماجه، عن أزهر بن مروان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة قال: حدث رافع. ¬

(¬1) تفسير الطبري (16/ 14).

وأخرجه الترمذي، من حديث أبي عوانة، عن قتادة. ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬1) وهذا إسناده قوي، ولكن في رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته. ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار: أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون: غدًا نفتحه. فيأتون من الغد وقد عاد كما كان، فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل، فيقولون كذلك، ويصبحون وهو كما كان، فيلحسونه ويقولون: غدًا نفتحه. ويلهمون أن يقولوا: "إن شاء الله"، فيصبحون وهو كما فارقوه، فيفتحونه. وهذا مُتَّجه، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب. فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع، فرفعه، والله أعلم. ويؤكد ما قلناه - من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه، ومن نكارة هذا المرفوع - قول الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن [زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة، عن] زينب بنت جحش زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال سفيان: أربع نسوة - قالت: استيقظ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نومه. وهو محمر وجهه، وهو يقول: "لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا". وحَلَّق. قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث". هذا حديث صحيح، اتفق البخاري ومسلم على إخراجه، من حديث الزهري، ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة، وأثبتها مسلم. وفيه أشياء عزيزة نادرة قليلة الوقوع في صناعة الإسناد، منها رواية الزهري عن عروة، وهما تابعيان ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده، كلهن يروي بعضهن عن بعض. ثم كل منهن صحابية، ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان، رضي الله عنهن. (الكهف: 97) 532 - عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفًا ¬

(¬1) سنن ابن ماجة برقم (4080) وسنن الترمذي برقم (3153).

فصاعدًا، وإن من ورائهم ثلاث أمم: تاويل، وتايس ومنسك". هذا حديث غريب بل منكر ضعيف. (الكهف: 97) 533 - عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له. فلما قام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يا بريدة، هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزنًا" (¬1). ثم قال (البزار): تفرّد به واصل مولى أبي عنبسة وعون بن عُمَارة وليس بالحافظ، ولم يتابع عليه. (الكهف: 105) 534 - عن طاوس قال: قال رجل: يا رسول الله، إني أقف المواقف أريد وجه الله، وأحب أن يرى موطني. فلم يرد عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا. حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً} وهكذا أرسل هذا مجاهد، وغير واحد. (الكهف: 110) 535 - عن شداد بن أوس، رضي الله عنه، أنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: شيء سمعته عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله: [فذكرته] فأبكاني، سمعت رسول الله يقول: "أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية". قلت: يا رسول الله، أتشرك أمتك [من بعدك؟] قال: "نعم، أما إنهم لا يعبدون شمسًا ولا قمرًا، ولا حجرًا ولا وثنًا، ولكن يراؤون بأعمالهم، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائمًا فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه" ورواه ابن ماجه من حديث الحسن بن ذَكْوَان، عن عبادة بن نُسيّ، به. وعبادة فيه ضعف وفي سماعه من شداد نظر. (الكهف: 110) 536 - عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ في ليلة: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} الآية، كان له من النور، من عدن أبين إلى مكة حشو ذلك النور الملائكة". غريب جدا. (الكهف: 110) ¬

(¬1) مسند البزار برقم (2956) "كشف الأستار".

سورة مريم

سورة مريم 537 - عن قتادة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يرحم الله زكريا، وما كان عليه من ورثة، ويرحم الله لوطًا، إن كان ليأوي إلى ركن شديد" (¬1) وقال ابن جرير: ... عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رحم الله أخي زكريا، ما كان عليه من ورثة ماله حين يقول: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}. وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح، والله أعلم. (مريم: 6) 538 - وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: {جَبَّارًا عَصِيًّا}، قال: كان ابن المسيب يذكر قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب، إلا يحيى بن زكريا". قال قتادة: ما أذنب ولا همّ بامرأة. مرسل. (مريم: 15) 539 - عن سعيد بن المسيب، حدثني ابن العاص أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب، إلا ما كان من يحيى بن زكريا". ابن إسحاق هذا مدلس، وقد عنعن هذا الحديث، فالله أعلم. (مريم: 15) 540 - عن ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ، أو همَّ بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا، وما ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى". وهذا أيضًا ضعيف؛ لأن علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة، والله أعلم. (مريم: 15) 541 - عن ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن السري الذي قال الله لمريم: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} نهر أخرجه الله لتشرب منه". وهذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه. وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلي قال فيه أبو حاتم الرازي: ضعيف. وقال أبو زُرْعَة: منكر الحديث. وقال أبو الفتح الأزدي: متروك الحديث. (مريم: 24) 542 - عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أكرموا عمتكم النخلة، ¬

(¬1) تفسير عبد الرزاق (2/ 5) وقد وصل طرفه الثاني: "يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد". الإمام أحمد في مسنده (2/ 350) من طريق الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه.

فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام، وليس من الشجر شيء يُلَقَّح غيرها". وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أطعموا نساءكم الولدَ الرطَبَ، فإن لم يكن رطب فتمر، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران". هذا حديث منكر جدًّا، ورواه أبو يعلى، عن شيبان، به. (مريم: 25) 543 - عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كان عيسى ابن مريم قد درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه فذلك قوله: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}. يحيى بن سعيد العطار الحمصي: متروك. (مريم: 30) 544 - وقد روى ابن جرير هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا، فقال: ... عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعبًا، وأنا حاضر، فقال له: ما قول الله - عز وجل - لإدريس: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه أني أرفع لك كل يوم مثل عمل جميع بني آدم، فأحب أن يزداد عملا فأتاه خليل له من الملائكة فقال: إن الله أوحى إليّ كذا وكذا، فكلم لي ملك الموت، فَلْيؤخرني حتى أزداد عملا فحمله بين جناحيه، حتى صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاهم مَلَك الموت منحدرًا، فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ فقال: هو ذا على ظهري. قال ملك الموت: فالعجب! بعثت وقيل لي: اقبض روح إدريس في السماء الرابعة". فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة، وهو في الأرض؟ فقبض روحه هناك، فذلك قول الله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}. هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة، والله أعلم. (مريم: 57) 545 - عن أبي الرجال، أن عائشة كانت ترسل بالشيء صدقة لأهل الصُّفَّة، وتقول: لا تعطوا منه بربريا ولا بربرية، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "هم الخلف الذين قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ}. هذا الحديث غريب. (مريم: 59) 546 - عن لقمان بن عامر الخزاعي قال: جئت أبا أمامة صُدَيّ بن عَجْلان الباهلي فقلت: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فدعا بطعام، ثم قال: قال رسول الله

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم، ما بلغت قعرها خمسين خريفًا، ثم تنتهي إلى غي وآثام". قال: قلت: وما غي وآثام؟ قال: "بئران في أسفل جهنم، يسيل فيهما صديد أهل النار، وهما اللتان ذكر الله في كتابه: {أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} وقوله في الفرقان: {وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}. هذا حديث غريب ورفعه منكر. (مريم: 59) 547 - عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من غداة من غدوات الجنة، وكل الجنة غدوات، إلا أنه يزف إلى ولي الله فيها زوجة من الحور العين، أدناهن التي خلقت من الزعفران". قال أبو محمد (ابن أبي حاتم): هذا حديث غريب منكر. (مريم: 62) 548 - عن عكرمة قال: أبطأ جبريل النزول على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين يومًا، ثم نزل، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما نزلت حتى اشتقت إليك" فقال له جبريل: بل أنا كنت إليك أشوق، ولكني مأمور، فأوحِيَ إلى جبريل أن قل له: {وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} الآية. رواه ابن أبي حاتم، رحمه الله، وهو غريب. (مريم: 64) 549 - عن أبي سُمَيَّة قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن. وقال بعضهم: يدخلونها جميعا، ثم ينجي الله الذين اتقوا. فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له: إنا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعًا - وقال سليمان مَرَّةً يدخلونها جميعًا - وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه، وقال: صُمّتا، إن لم أكن سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردًا وسلامًا، كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار ضجيجًا من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا، ويذر الظالمين فيها جثيًّا". غريب ولم يخرجوه. (مريم: 71) 550 - عن أبي هريرة، قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود رجلا من أصحابه وعِكًا، وأنا معه، ثم قال: "إن الله تعالى يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن؛ لتكون حظه من النار في الآخرة". غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه. (مريم: 71) 551 - وروى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبًا جدًّا مرفوعًا ... عن أبي معاذ البصري قال: إن عليا كان ذات يوم عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ هذه الآية: {يَوْمَ نَحْشُرُ

الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} فقال: ما أظن الوفد إلا الركب يا رسول الله. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون - أو: يؤتون - بنوق بيض لها أجنحة، وعليها رحال الذهب، شُرُك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان، فيشربون من إحداهما، فتغسل ما في بطونهم من دنس، ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبدًا، وتجري عليهم نضرة النعيم، فينتهون أو: فيأتون باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فيضربون بالحلقة على الصفيحة فيسمع لها طنين يا علي، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتبعث قيمها فيفتح له، فإذا رآه خرّ له - قال مسلمة أراه قال: ساجدًا - فيقول: ارفع رأسك، فإنما أنا قيمك، وكلت بأمرك. فيتبعه ويقفو أثره، فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه، ثم تقول: أنت - حِبّي، وأنا حبّك، وأنا الخالدة التي لا أموت، وأنا الناعمة التي لا أبأس، وأنا الراضية التي لا أسخط، وأنا المقيمة التي لا أظعن. فيدخل بيتًا من أسّه إلى سقفه مائة ألف ذراع، بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق: أصفر وأحمر وأخضر، ليس منها طريقة تشاكل صاحبتها. وفي البيت سبعون سريرًا، على كل سرير سبعون حشية، على كل حشية سبعون زوجة، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الحلل، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه. الأنهار من تحتهم تطرد، أنهار من ماء غير آسن - قال: صاف لا كَدَر فيه - وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من ضروع الماشية، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم يعتصرها الرجال بأقدامهم وأنهار من عسل مصفى لم يخرج من بطون النحل، فيستحلي الثمار، فإن شاء أكل قائمًا، وإن شاء قاعدًا، وإن شاء متكئًا، ثم تلا {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} [الإنسان: 14]، فيشتهي الطعام، فيأتيه طير أبيض، وربما قال: أخضر فترفع أجنحتها، فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء، ثم تطير فتذهب، فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72] ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض، لأضاءت الشمس معها سواد في نور". هكذا وقع في هذه الرواية مرفوعًا، وقد رويناه في المقدمات من كلام علي،

سورة طه

رضي الله عنه، بنحوه، وهو أشبه بالصحة، والله أعلم. (مريم: 85) 552 - عن ثوبان، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن العبد ليلتمس مرضات الله، فلا يزال كذلك فيقول الله، عز وجل، لجبريل: إن فلانًا عبدي يلتمس أن يرضيني؛ ألا وإن رحمتي عليه، فيقول جبريل: "رحمة الله على فلان"، ويقولها حملة العرش، ويقولها من حولهم، حتى يقولها أهل السماوات السبع، ثم يهبط إلى الأرض". غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه. (مريم: 96) 553 - عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن المقة من الله - قال شريك: هي المحبة - والصيت من السماء، فإذا أحب الله عبدًا قال لجبريل، عليه السلام: إني أحب فلانًا، فينادي جبريل: إن ربكم يمق - يعني: يحب - فلانا، فأحبوه - وأرى شريكًا قد قال: فتنزل له المحبة في الأرض - وإذا أبغض عبدًا قال لجبريل: إني أبغض فلانًا فأبغضه"، قال: "فينادي جبريل: إن ربكم يبغض فلانا فأبغضوه". قال: أرى شريكًا قد قال: فيجري له البغض في الأرض". غريب ولم يخرجوه. (مريم: 96) 554 - وقد روى ابن جرير أثرًا أن هذه الآية نزلت في هجرة عبد الرحمن بن عوف (¬1). وهو خطأ، فإن هذه السورة بتمامها مكية لم ينزل منها شيء بعد الهجرة، ولم يصح سند ذلك، والله أعلم. (مريم: 96) سورة طه 555 - روى إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتاب " التوحيد " ... عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق آدم بألف ¬

(¬1) عن عبد الرحمن بن عوف، أنه لما هاجر إلى المدينة، وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة، منهم شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأميه بن خلف، فأنزل الله تعالى: (إن الذي آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا).

عام، فلما سمعت الملائكة قالوا: طوبى لأمة ينزل عليهم هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا، وطوبى لألسن تتكلم بهذا ". (¬1) هذا حديث غريب، وفيه نكارة، وإبراهيم بن مهاجر وشيخه تُكلِّم فيهما. (طه) 556 - عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الأرضين بين كل أرض والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، والعليا منها على ظهر حوت، قد التقى طرفاه في السماء، والحوت على صخرة، والصخرة بيد الملك، والثانية سجن الريح، والثالثة فيها حجارة جهنم، والرابعة فيها كبريت جهنم، والخامسة فيها حيات جهنم والسادسة فيها عقارب جهنم، والسابعة فيها سَقَر، وفيها إبليس مُصَفّد بالحديد، يد أمامه ويد خلفه، فإذا أراد الله أن يطلقه لما يشاء أطلقه". هذا حديث غريب جدًا ورفعه فيه نظر. (طه: 4) 557 - عن جابر بن عبد الله قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فأقبلنا راجعين في حر شديد، فنحن متفرقون بين واحد واثنين، منتشرين، قال: وكنت في أول العسكر: إذ عارضنا رجل فَسَلّم ثم قال: أيكم محمد؟ ومضى أصحابي ووقفت معه، فإذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أقبل في وسط العَسْكَر على جمل أحمر، مُقَنَّع بثوبه على رأسه من الشمس، فقلت: أيها السائل، هذا رسول الله قد أتاك. فقال: أيهم هو؟ فقلت: صاحب البَكْر الأحمر. فدنا منه، فأخذ بخطام راحلته، فكف عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أنت محمد؟ قال: "نعم". قال: إني أريد أن أسألك عن خصال، لا يعلمهن أحد من أهل الأرض إلا رجل أو رجلان، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سل عما شئت". فقال: يا محمد، أينام النبي؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تنام عيناه ولا ينام قلبه". قال: صدقت. ثم قال: يا محمد، مِنْ أين يشبه الولد أباه وأمه؟ قال ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيّ الماءين غلب على الآخر نزع الولد". فقال صدقت. فقال: ما للرجل من الولد وما للمرأة منه؟ فقال: "للرجل العظام والعروق والعصب، وللمرأة اللحم والدم والشعر قال: صدقت. ثم قال: يا محمد، ما تحت هذه، يعني الأرض؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ¬

(¬1) قال ابن حبان: "هذا متن موضوع"، وقال ابن عدي: "لم أجد لإبراهيم - أي: ابن مهاجر - حديثا أنكر من هذا؛ لأنه لا يرويه غيره".

"خلق". فقال: فما تحتهم؟ قال: "أرض". قال: فما تحت الأرض؟ قال "الماء" قال: فما تحت الماء؟ قال: "ظلمة". قال: فما تحت الظلمة؟ قال: "الهواء". قال: فما تحت الهواء؟ قال: "الثرى". قال: فما تحت الثرى؟ ففاضت عينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبكاء، وقال: "انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق، أيها السائل، ما المسئول عنها بأعلم من السائل". قال: فقال: صدقت، أشهد أنك رسول الله. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أيها الناس، هل تدرون من هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا جبريل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. هذا حديث غريب جدًا، وسياق عجيب، تفرد به القاسم بن عبد الرحمن هذا، وقد قال فيه يحيى بن معين: "ليس يساوي شيئًا" وضعفه أبو حاتم الرازي، وقال ابن عدي: لا يعرف. قلت: وقد خلط في هذا الحديث، ودخل عليه شيء في شيء، وحديث في حديث. وقد يُحْتَمل أنه تَعَمَّد ذلك، أو أدخل عليه فيه، فالله أعلم. (طه: 4) 558 - عن علي، رضي الله عنه، قال: إن جبريل، عليه السلام، لما نزل فصعد بموسى إلى السماء، بصر به السامري من بين الناس، فقبض قبضة من أثر الفرس قال: وحمل جبريل موسى خلفه، حتى إذا دنا من باب السماء، صعد وكتب الله الألواح وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح. فلما أخبره أن قومه قد فتنوا من بعده قال: نزل موسى، فأخذ العجل فأحرقه. غريب. (طه: 96) 559 - عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله عز وجل: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قال: "ضمة القبر". الموقوف أصح. (طه: 124)

سورة الأنبياء

560 - عن أبي هريرة، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المؤمن في قبره في روضة خضراء، ويرحب له في قبره سبعون ذراعا، وينور له قبره كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيم أنزلت هذه الآية: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أتدرون ما المعيشة الضنك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده، إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تِنِّينًا، أتدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية، لكل حية سبعة رؤوس، ينفخون في جسمه، ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون". رفعه منكر جدًا. (طه: 124) سورة الأنبياء 561 - عن علي بن رباح اللخمي، حدثني من شهد عبادة بن الصامت، يقول: كنا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، يُقْرِئُ بعضنا بعضا القرآن، فجاء عبد الله بن أبي بن سلول، ومعه نُمْرُقة وزِرْبِيّة، فوضع واتكأ، وكان صبيحًا فصيحًا جدلا فقال: يا أبا بكر، قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الأولون؟ جاء موسى بالألواح، وجاء داود بالزبور، وجاء صالح بالناقة، وجاء عيسى بالإنجيل وبالمائدة. فبكى أبو بكر، رضي الله عنه، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: قوموا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نستغيث به من هذا المنافق. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنه لا يقام لي، إنما يقام لله عز وجل". فقلنا: يا رسول الله، إنا لقينا من هذا المنافق. فقال: "إن جبريل قال لي: اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك، وفضيلته التي فُضِّلت بها، فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود، وأمرني أن أنذر الجن، وآتاني كتابه وأنا أمّي، وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر، وذكر اسمي في الأذان وأيدني بالملائكة، وآتاني النصر، وجعل الرعب أمامي، وآتاني الكوثر، وجعل حوضي من أعظم الحياض يوم القيامة، ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو رءوسهم، وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس، وأدخل في شفاعتي سبعين ألفًا من أمتي الجنة بغير حساب وآتاني السلطان والملك، وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم، فليس فوقي أحد إلا الملائكة الذين يحملون العرش، وأحل لي الغنائم، ولم تحل لأحد كان قبلنا". وهذا الحديث غريب جدًا. (الأنبياء: 5) 562 - عن حكيم بن حِزَام قال: بينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أصحابه، إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا: ما نسمع من شيء. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شِبْر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم". غريب ولم يخرجوه. ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن قتادة مرسلا. . (الأنبياء: 20) 563 - عن ابن عباس، قال رجل: يا رسول الله، ما هذه السماء، قال: "موج مكفوف عنكم" إسناد غريب. (الأنبياء: 32)

564 - ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث الليث بن سعد، عن الزهري، عن حَرام بن مُحَيْصة؛ أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطًا، فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. وقد عُلِّل هذا الحديث، وقد بسطنا الكلام عليه في كتاب "الأحكام" وبالله التوفيق. (الأنبياء: 79) 565 - عن أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد، إلا رجلين من إخوانه، كانا من أخص إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تَعَلَّم - والله - لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين. فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به. فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب، عليه السلام: ما أدري ما تقول، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهة أن يذكرا الله إلا في حق. قال: وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى إلى أيوب في مكانه: أن اركض برجلك، هذا مغتسل بارد وشراب". رفع هذا الحديث غريب جدًا. (الأنبياء: 83) 566 - وقد روى الإمام أحمد (¬1) حديثًا غريبًا فقال: ... عن ابن عمر قال: سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين - حتى عدّ سبع مرات - ولكن قد سمعته أكثر من ذلك، قال: "كان الكفل من بني إسرائيل، لا يتورّع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا، على أن يَطَأها، فلما قعد منها مَقعدَ الرجل من امرأته، أرعِدَت وبكت، فقال: ما يبكيك؟ أكْرَهْتُك؟ قالت: لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حَمَلني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط؟ فَنزل فقال: اذهبي فالدنانير لك. ثم قال: "والله لا يَعصي الله الكفل أبدًا. فمات من ليلته فأصبح مكتوبًا على بابه: قد غفر الله للكفل". هكذا وقع في هذه الرواية "الكفل"، من غير إضافة، فالله أعلم. وهذا ¬

(¬1) المسند حديث رقم (4747) وضعفه شعيب الأرناؤط.

الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة (¬1)، وإسناده غريب، وعلى كل تقدير فلفظ الحديث إن كان "الكفل"، ولم يقل: "ذو الكفل"، فلعله رجل آخر، والله أعلم. (الأنبياء: 85) 567 - عن عَليّ في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} قال: كل شيء يعبد من دون الله في النار إلا الشمس والقمر وعيسى ابن مريم. إسناده ضعيف. (الأنبياء: 101) 568 - وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثا غريبًا جدا، فقال: ... عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} قال: عيسى، وعُزَير، والملائكة (¬2) (الأنبياء: 101) 569 - عن ابن عباس: [{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}]، قال: السجل: هو الرجل. قال نوح: ... عن ابن عباس قال: السجل كاتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهكذا رواه أبو داود والنسائي ... عن ابن عباس قال: السجل كاتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه ابن جرير عن نصر بن علي الجهضمي، كما تقدم. ورواه ابن عدي من رواية يحيى بن عمرو بن مالك النُّكْريّ عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كاتب يسمى السجل وهو قوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}، قال: كما يطوى السجل الكتاب، كذلك نطوي السماء، ثم قال: وهو غير محفوظ. وقال الخطيب البغدادي في تاريخه ... عن ابن عمر، قال: السجلّ: كاتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا منكر جدًا من حديث نافع عن ابن عمر، لا يصح أصلا, وكذلك ما تقدم عن ابن عباس، من رواية أبي داود وغيره، لا ¬

(¬1) الحديث رواه الترمذي في سننه حديث رقم (2496) وقال أبو عيسى: (هذا حديث حسن قد رواه شيبان وغير واحد عن الأعمش نحو هذا ورفعوه وروى بعضهم عن الأعمش فلم يرفعه وروى أبو بكر بن عياش هذا الحديث عن الأعمش فأخطأ فيه وقال عن عبد الله بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن ابن عمرو وهو غير محفوظ وعبد الله الرازي هو كوفي وكانت جدته سرية لعلي بن أبي طالب وروى عن عبد الله بن عبد الله الرازي عبيدة الضبي والحجاج بن أرطأة وغير واحد من كبار أهل العلم).وصعفه الألباني. (¬2) وفي إسناده سعيد بن مسلمة وشيخه ليث بن أبي سليم وهما ضعيفان.

سورة الحج

يصح أيضًا. وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه - وإن كان في سنن أبي داود - منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المِزِّي، فَسَح الله في عمره، ونَسَأ في أجله، وختم له بصالح عمله، وقد أفردت لهذا الحديث جزءًا على حدة، ولله الحمد. وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث، ورده أتم رد، وقال: لا يُعَرف في الصحابة أحد اسمه السجِل، وكُتَّاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معروفون، وليس فيهم أحد اسمه السجل، وصَدَق رحمه الله في ذلك، وهو من أقوى الأدلة على نَكَارة هذا الحديث. وأما مَنْ ذكر في أسماء الصحابة هذا، فإنما اعتمد على هذا الحديث، لا على غيره، والله أعلم. والصحيح عن ابن عباس أن السجل هي الصحيفة، قاله علي بن أبي طلحة والعوفي، عنه. ونص على ذلك مجاهد، وقتادة، وغير واحد. واختاره ابن جرير؛ لأنه المعروف في اللغة، فعلى هذا يكون معنى الكلام: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} أي: على [هذا] الكتاب، بمعنى المكتوب، كقوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103]، أي: على الجبين، وله نظائر في اللغة، والله أعلم. (الأنبياء: 104) سورة الحج 570 - عن أنس بن مالك - رفع الحديث - قال: "المولود حتى يبلغ الحنث، ما عمل من حسنة، كتبت لوالده أو لوالدته وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه، فإذا بلغ الحنث جرى الله عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمنه الله من البلايا الثلاث: الجنون، والجذام، والبرص. فإذا بلغ الخمسين، خفف الله حسابه. فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وشفعه في أهل بيته، وكان أسير الله في أرضه، فإذا بلغ أرذل العمر {لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} كتب الله له مثل ما كان يعمل في

صحته من الخير، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه". هذا حديث غريب جدا، وفيه نكارة شديدة. ومع هذا قد رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا وموقوفا. (الحج: 5) 571 - عن السُّدِّي: أنه سمع مُرَّة يحدث عن عبد الله - يعني ابن مسعود - في قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} قال: لو أن رَجُلا أراد فيه بإلحاد بظلم، وهو بعَدَن أبينَ، أذاقه الله من العذاب الأليم. قال شعبة: هو رفعه لنا، وأنا لا أرفعه لكم. قال يزيد: هو قد رفعه، ورواه أحمد، عن يزيد بن هارون، به. قلت: هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه؛ ولهذا صَمم شعبة على وَقْفه من كلام ابن مسعود. وكذلك رواه أسباط، وسفيان الثوري، عن السدي، عن مُرة، عن ابن مسعود موقوفا، والله أعلم. (الحج: 25) 572 - عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما سمي البيت العتيق؛ لأنه لم يظهر عليه جبار". وكذا رواه ابن جرير ... وقال: إن كان صحيحًا. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ثم رواه من وجه آخر عن الزهري مرسلا. (الحج: 29) 573 - عن أيمن بن خريم قال: قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيبًا فقال: "يا أيها الناس، عدلت شهادة الزور إشراكا بالله" ثلاثا، ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}. وهكذا رواه الترمذي ... ثم قال: "غريب، إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد. وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث، ولا نعرف لأيمن بن خريم سماعا من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". (الحج: 30) 574 - بما رواه أحمد وابن ماجه بإسناد رجاله كلهم ثقات، عن أبي هريرة مرفوعا: "من وجد سَعَة فلم يُضَحِّ، فلا يقربن مُصَلانا"على أن فيه غرابة، واستنكره أحمد بن حنبل. (¬1) (الحج: 37) ¬

(¬1) في إسناده عبد الله بن عياش، قال البوصيري في الزوائد (3/ 50): "وإن روى له مسلم فإنما روى له في المتابعات والشواهد فقد ضعفه أبو داود والنسائي، وقال أبو حاتم، وابن يونس: منكر الحديث وذكره ابن حبان في الثقات". ثم نقل عن البيهقي أنه بلغه عن الترمذي: أن الصحيح عن أبي هريرة موقوف أ. هـ. ويمكن أن يجاب بأن هذا الحديث لا يدل على الوجوب، كما في حديث: "من أكل الثوم فلا يقربن مصلانا" ذكر ذلك ابن الجوزي وهناك لا يلزم استنكاره.

575 - وقد روى الإمام أحمد، وأهل السنن - وحسنه الترمذي - عن مِخْنَف بن سليم؛ أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بعرفات: "على كل أهل بيت في كل عام أضحاة وعَتِيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تدعونها الرَّجبية". (¬1) وقد تكلم في إسناده. (الحج: 37) 576 - قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغَرَانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظَنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا. ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم. قال ابن أبي حاتم: ... عن سعيد بن جُبَيْر، قال: قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة "النجم" فلما بلغ هذا الموضع: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى} قال: فألقى الشيطان على لسانه: "تلك الغَرَانيق العلى. وإن شفاعتهن ترتجى". قالوا: ما ذكر آلهَتنا بخير قبل اليوم. فسجَدَ وسجدوا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]} رواه ابن جرير، عن بُنْدَار، عن غُنْدَر، عن شعبة، به نحوه، وهو مرسل، وقد رواه البزار في مسنده ... عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - فيما أحسب، الشك في الحديث - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ بمكة سورة "النجم"، حتى انتهى إلى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى}، وذكر بقيته. ثم قال البزار: لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد، وهو ثقة مشهور. وإنما يُروى هذا من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ثم رواه ابن أبي حاتم، عن أبي العالية، وعن السدي، مرسلا. وكذا رواه ابن جرير، عن محمد بن كعب القرظي، ومحمد بن قيس، مرسلا أيضا. وقال قتادة: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يصلي] عند المقام إذ نَعَس، فألقى الشيطان على لسانه "وإن شفاعتها لترتجى. وإنها لمع الغرانيق العلى"، فحفظها المشركون. وأجرى الشيطان أن نبي الله قد قرأها، فزَلَّت بها ألسنتهم، فأنزل الله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ ¬

(¬1) المسند (4/ 125) وسنن أبي داود برقم (2788) وسنن الترمذي برقم (1518) وسنن النسائي (7/ 167) وسنن ابن ماجه برقم (3125).

قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ [وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى]} الآية، فدَحَرَ الله الشيطان. ثم قال ابن أبي حاتم: ... عن ابن شهاب قال: أنزلت سورة النجم، وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنه ضلالهم، فكان يتمنى هُداهم، فلما أنزل الله سورة"النجم" قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى} ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت، فقال: "وإنهن لهن الغرانيق العلى. وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى ". وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وزلت بها ألسنتهم، وتباشروا بها، وقالوا: إن محمدا، قد رجع إلى دينه الأول، ودين قومه. فلما بلغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [آخر النجم]، سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك. غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا، فرفع على كفه ترابا فسجد عليه. فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود، لسجود رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين - ولم يكن المسلمون سمعوا الآية التي ألقى الشيطان في مسامع المشركين - فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطانُ في أمنية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدثهم به الشيطان أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قرأها في السورة، فسجدوا لتعظيم آلهتهم. ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان، حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين، عثمان بن مظعون وأصحابه، وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم، وصلوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه، وحُدِّثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته، وحفظه من الفرية، وقال [تعالى]: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}، فلما بين الله قضاءه، وبرأه من سجع

سورة المؤمنون

الشيطان، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم المسلمين، واشتدوا عليهم. وهذا أيضًا مرسل. وفي تفسير ابن جرير عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، نحوه. وقد رواه الإمام أبو بكر البيهقي في كتابه "دلائل النبوة" فلم يَجُزْ به موسى بن عقبة، ساقه في مغازيه بنحوه، قال: وقد روينا عن ابن إسحاق هذه القصة. قلت: وقد ذكرها محمد بن إسحاق في السيرة بنحو من هذا، وكلها مرسلات ومنقطعات، فالله أعلم. وقد ساقها البغوي في تفسيره مجموعة من كلام ابن عباس، ومحمد بن كعب القُرَظِيّ، وغيرهما بنحو من ذلك، ثم سأل هاهنا سؤالا كيف وقع مثل هذا مع العصمة المضمونة من الله لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه؟ ثم حكى أجوبة عن الناس، من ألطفها: أن الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك، فتوهموا أنه صدر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس كذلك في نفس الأمر، بل إنماكان من صنيع الشيطان لا من رسول الرحمن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله أعلم (¬1). (الحج: 52) سورة المؤمنون 577 - عن عمر بن الخطاب يقول: كان إذا نزل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحيُ، يسمع عند وجهه كدَوِيّ النحل فَمَكثنا ساعة، فاستقبل القبلة ورفع يديه، فقال: "اللهم، زدنا ولا تَنْقُصْنا، وأكرمنا ولا تُهِنَّا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثِرْنا ولا تؤثر [علينا، وارض عنا] وأرضِنا"، ثم قال: "لقد أنزلت علي عشر آيات، من أقامهن دخل الجنة"، ثم قرأ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حتى ختم العَشْر. وكذا روى الترمذي في تفسيره، والنسائي في الصلاة، من حديث عبد الرزاق، به. وقال الترمذي: منكر، لا نعرف أحدا رواه غير ¬

(¬1) انظر: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص (314) لمحمد أبي شهبة، ونصب المجانيق لإبطال قصة الغرانيق لمحمد ناصر الدين الألباني.

يونس بن سليم، ويونس لانعرفه. (المؤمنون: 1) 578 - عن أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خلق الله الجنة، لَبِنَةً من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك". قال أبو بكر: ورأيت في موضع آخر في هذا الحديث: "حائط الجنة، لبنة ذهب ولبنة فضة، ومِلاطُها المسك. فقال لها: تكلمي. فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فقالت الملائكة: طوبى لك، منزل الملوك! ". ثم قال البزار: لا نعلم أحدًا رفعه إلا عَدِيّ بن الفضل، وليس هو بالحافظ، وهو شيخ متقدم الموت. (المؤمنون: 1) 579 - عن ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لمّا خلق الله جنة عَدْن، خلق فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ثم قال لها: تكلمي. فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (¬1) بقِيًّة: عن الحجازيين ضعيف. (المؤمنون: 1) 580 - قال ابن سيرين: وكانوا يقولون: لا يجاوز بصره مُصَلاه، فإن كان قد اعتاد النظر فَلْيُغْمِضْ. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. ثم رَوَى ابن جرير عنه، وعن عطاء بن أبي رَبَاح أيضًا مرسلا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك، حتى نزلت هذه الآية. (المؤمنون: 2) 581 - عن قتادة، أن امرأة اتخذت مملوكها، وقالت: تأَوّلْت آية من كتاب الله: {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [قال]: فأُتي بها عمر ابن الخطاب، فقال له ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تأولت آية من كتاب الله على غير وجهها. قال: فَغرب العبد وجزّ رأسه: وقال: أنت بعده حرام على كل مسلم. هذا أثر غريب منقطع، ذكره ابن جرير في أول تفسير سورة المائدة، وهو هاهنا أليق، وإنما حرمها على الرجال معاملة لها بنقيض قصدها، والله أعلم. (المؤمنون: 6) 582 - عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العاملين، ويدخلهم النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، فمن تاب تاب الله عليه: ناكح يده، والفاعل، والمفعول به، ومدمن الخمر، والضارب والديه ¬

(¬1) ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب برقم (2247) والضعيفة برقم (1284) فراجعه.

حتى يستغيثا، والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه، والناكح حليلة جاره". هذا حديث غريب، وإسناده فيه من لا يعرف؛ لجهالته، والله أعلم. (¬1) (المؤمنون: 7) 583 - عن زيد بن ثابت الأنصاري قال: أملى عليَّ رسولُ الله هذه الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} إلى قوله: {خَلْقًا آخَرَ}، فقال معاذ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}، فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال له معاذ: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: "بها ختمت {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. جابر بن يزيد الجُعْفِي ضعيف جدًّا، وفي خبره هذا نَكَارة شَديدة، وذلك أن هذه السورة مكية، وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة أيضًا، فالله أعلم. (المؤمنون: 14) 584 - عن عمر؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ائتدموا بالزيت وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة". ورواه الترمذي وابن ماجه من غير وجه، عن عبد الرزاق. قال الترمذي: ولا يعرف إلا من حديثه، وكان يضطرب فيه، فربما ذكر فيه عمر وربما لم يذكره. . (المؤمنون: 20) 585 - عن مُرَّة البَهْزِي قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لرجل: "إنك ميت بالربوة" فمات بالرملة. وهذا حديث غريب جدًّا. (المؤمنون: 50) 586 - عن أبي خلف مولى بني جُمَح: أنه دخل مع عُبَيد بن عُمَيْر على عائشة، رضي الله عنها، فقالت: مرحبًا بأبي عاصم، ما يمنعك أن تزورنا - أو: تُلِمّ بنا؟ - فقال: أخشى أن أمُلَّك. فقالت: ما كنت لتفعل؟ قال: جئت لأسأل عن آية في كتاب الله عز وجل، كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرؤها؟ قالت: أيَّة آية؟ فقال: {الَّذِينَ يَاتُونَ مَا أَتَوْا} أو {الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} فقالت: أيتهما أحب إليك؟ فقلت: والذي نفسي بيده، لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعًا - أو: الدنيا وما فيها - قالت: وما هي؟ فقلت: {الَّذِينَ يَاتُونَ مَا أَتَوْا} فقالت: أشهد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك كان يقرؤها، وكذلك أنزلت، ولكن الهجاء حرف. ¬

(¬1) قال ابن الجوزي في العلل المتناهيةبرقم (1046): هذا حديث لا يصح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا حسان يعرف ولا مسلمة.

إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف. (المؤمنون: 60) 587 - عن ابن عمر قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرًا ما يحدث عن امرأة كانت في الجاهلية على رأس جبل، معها ابن لها يرعى غنما، فقال لها ابنها: يا أماه، من خلقك؟ قالت: الله. قال: فمن خلق أبي؟ قالت: الله. قال: فمن خلقني؟ قالت: الله. قال: فمن خلق السماء؟ قالت: الله. قال: فمن خلق الأرض؟ قالت: الله. قال: فمن خلق الجبل؟ قالت: الله. قال: فمن خلق هذه الغنم؟ قالت: الله. قال: فإني أسمع لله شأنا ثم ألقى نفسه من الجبل فتقطع. قال ابن عمر: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرًا ما يحدثنا هذا الحديث. قال عبد الله بن دينار: كان ابن عمر كثيرًا ما يحدثنا بهذا الحديث. قلت: في إسناده عبد الله بن جعفر المديني، والد الإمام علي بن المديني، وقد تكلموا فيه، فالله أعلم. (¬1) (المؤمنون: 87) 588 - عن أنس بن مالك يرفعه قال: "إن لله ملكا موكلا بالميزان، فيؤتى بابن آدم، فيوقف بين كفتي الميزان، فإن ثقل ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا، وإن خف ميزانه نادى ملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا". إسناده ضعيف، فإن داود بن المُحَبَّر متروك. (المؤمنون: 101) 589 - قال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجل: "ما تعبد؟ " قال: أعبد الله، وكذا وكذا - حتى عدّ أصناما، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فأيّهم إذا أصابك ضُرٌّ فدعوتَه، كشفه عنك؟ ". قال: الله عز وجل. قال: ["فأيّهم إذا كانت لك حاجة فدعوتَه أعطاكها؟ " قال: الله عز وجل. قال]: "فما يحملك على أن تعبد هؤلاء معه؟ " قال: أردت شكره بعبادة هؤلاء معه أم حسبت أن يغلب عليه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تعلمون ولا يعلمون" قال الرجل بعد ما أسلم: لقيت رجلا خصمني. هذا مرسل من هذا الوجه، وقد روى أبو عيسى الترمذي في جامعه مسندًا عن عمران بن الحُصَيْن، عن أبيه، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ذلك (¬2). (المؤمنون: 117) ¬

(¬1) قال الحافظ ابن كثير في تفسير الغاشية (الآية: 20): (في إسناده ضعف، وعبد الله بن جعفر هذا هو المديني، ضَعّفه ولده الإمام علي بن المديني وغيره). (¬2) سنن الترمذي برقم (3483) وقال: "هذا حديث غريب".

سورة النور

سورة النور 590 - عن أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يقول]: " من أراد أن يلقى الله طاهرًا مُطَهَّرًا، فليتزوج الحرائر". (¬1) في إسناده ضعف. (النور: 3) 591 - عن عبد الله بن عُبَيد بن عمير - وعبد الكريم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن عباس - عبدُ الكريم رفعه إلى ابن عباس، وهارون لم يرفعه - قالا: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن عندي امرأة [هي] من أحبِّ الناس إلي وهي لا تمنع يد لامِس قال: "طلقها". قال: لا صبر لي عنها قال: "استمتع بها"، ثم قال النسائي: هذا الحديث غير ثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي، وهارون أثبت منه، وقد أرسل الحديث وهو ثقة، وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم. قلت: وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث، وقد خالفه هارون بن رئاب، وهو تابعي ثقة من رجال مسلم، فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي. لكن قد رواه النسائي في كتاب "الطلاق"، عن إسحاق بن راهويه، عن النضر بن شميل عن حماد بن سلمة، عن هارون بن رئاب، عن عبد الله بن عُبَيد بن عمير، عن ابن عباس مسندا، فذكره بهذا الإسناد، رجاله على شرط مسلم، إلا أن النسائي بعد روايته له قال: "وهذا خطأ، والصواب مرسل" ورواه غير النضر على الصواب. وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود، عن الحسين بن حُرَيث، أخبرنا الفضل بن موسى، أخبرنا الحسين بن واقد، عن عُمَارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره. وهذا إسناد جيد. وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مُضَعِّف له، كما تقدَّم، عن النسائي، وكما قال الإمام أحمد: هو حديث منكر. وقال ابن قتيبة: إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلا. وحكاه النسائي في سننه، عن بعضهم فقال: وقيل: "سخية تعطي"، ورُدّ هذا بأنه لو كان المراد لقال: لا تَرُدّ يد ملتمس. ¬

(¬1) سنن ابن ماجه برقم (1862).وضعفه الألباني في الضعيفة برقم (1417) ونقل أن المنذري في الترغيب أشار إلى ضعفه أيضا.

وقيل: المراد أن سجيتها لا تَرُدّ يد لامس، لا أن المراد أن هذا واقع منها، وأنها تفعل الفاحشة؛ فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها. فإن زوجها - والحالة هذه - يكون دَيّوثا، وقد تقدم الوعيد على ذلك. ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد، أمره رسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفراقها. فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها؛ لأن محبته لها محققة، ووقوع الفاحشة منها متوهم فلا يُصَار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل، والله سبحانه وتعالى أعلم. (النور: 3) 592 - عن حذيفة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: "لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟ قال: كنت والله فاعلا به شرًا. قال: "فأنتَ يا عمر؟ ". قال: كنتُ والله فاعلا كنت أقول: لعن الله الأعجز، وإنه خبيث. قال: فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} ثم قال (البزار): لا نعلم أحدًا أسنده إلا النَّضر بن شُميْل، عن يونس بن أبي إسحاق، ثم رواه من حديث الثوري عن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيْع مرسلا فالله أعلم. (النور: 6) 593 - عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السلام قبل الكلام". (¬1) ثم قال الترمذي: عنبسة ضعيف الحديث ذاهب، ومحمد بن زاذان مُنكَر الحديث. (النور: 27) 594 - عن أبي أيوب قال: قلت: يا رسول الله، هذا السلام، فما الاستئناس؟ قال: "يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة، ويتنحنح فَيؤذنُ أهل البيت". هذا حديث غريب. (¬2) (النور: 27) 595 - عن أبي أمامة، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة [أوّل مَرّة] ثم يَغُضّ بصره، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها". (¬3) ورُوي هذا مرفوعًا ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (2699). (¬2) قال البوصيري في الزوائد (3/ 171): "هذا إسناد ضعيف". (¬3) المسند (5/ 264). وفي إسناده عبيد الله بن زحر، قال ابن حبان: "يروي الموضوعات عن الأثبات وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن، لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم".

عن ابن عمر، وحذيفة، وعائشة، رضي الله عنهم ولكن في إسنادها ضعف، (¬1) إلا أنها في الترغيب، ومثله يتسامح فيه. وفي الطبراني من طريق عبيد الله بن زَحْر،، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعا: "لَتغضُنَّ أبصاركم، ولتحفظن فروجكم، ولتقيمُنّ وجوهكم - أو: لتكسفن وجوهكم" (¬2). (النور: 30) 596 - عن خالد بن دُرَيك، عن عائشة، رضي الله عنها؛ أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه. (¬3) لكن قال أبو داود وأبو حاتم الرازي: هذا مرسل؛ خالد بن دُرَيك لم يسمع من عائشة، فالله أعلم. (النور: 31) 597 - فأما ما يورده كثير من الناس على أنه حديث: "تزوجوا فقراء يغنكم الله" (¬4)، فلا أصل له، ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف إلى الآن، وفي القرآن غنية عنه، وكذا هذه الأحاديث التي أوردناها. ولله الحمد. (النور: 32) 598 - وروى أبو داود في كتاب المراسيل، عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قال: "إن علمتم فيهم حرفة، ولا ترسلوهم كَلا على الناس". (النور: 33) 599 - عن علي، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ربع الكتابة". (¬5) ¬

(¬1) أما حديث حذيفة، فرواه الحاكم في المستدرك (4/ 314) من طريق إسحاق القرشي، عن هشيم، عن عبد الرحمن، عن إسحاق، عن محارب، عن صلة بن زفر، عن حذيفة، رضي الله عنه، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي. قلت: إسحاق واه وعبد الرحمن هو الواسطي ضعفوه. وأما حديث ابن عمر، فرواه أبو نعيم في الحلية (6/ 101) من طريق أبي اليمان، عن أبي المهدي، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، وإسناده ضعيف جدا. (¬2) المعجم الكبير (8/ 246) وعبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم ضعفاء. (¬3) سنن أبي داود برقم (4104). (¬4) قال السيوطي: لا يعرف. انظر الدرر المنتثرة في الأحاديث المنتشرة. (¬5) ورواه عبد الرزاق في المصنف برقم (15589) من طريق ابن جريج، به. وقال: "قال ابن جريج: وأخبرني غير واحد، عن عطاء بن السائب أنه كان يحدث بهذا الحديث، لا يذكر فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وهذا حديث غريب، ورفعه منكر، والأشبه أنه موقوف على عليّ، رضي الله عنه، كما رواه عنه أبو عبد الرحمن السلمي، رحمه الله. (¬1) (النور: 33) 600 - وروى ابن ماجه عنه (عمربن الخطاب) قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما ساء عملُ قوم قطّ إلا زخرفوا مساجدهم" (¬2) وفي إسناده ضعف. (النور: 36) 601 - 602 - وقد روى ابن ماجه وغيره، من حديث ابن عمر مرفوعًا، قال: "خصال لا تنبغي في المسجد: لا يُتَّخذُ طريقًا، ولا يُشْهَرُ فيه سلاح، ولا يُنبَض فيه بقوس، ولا ينثر فيه نبل، ولا يُمرّ فيه بلحم نِيء: ولا يُضرَبُ فيه حَدٌّ، ولا يُقْتَص فيه من أحد، ولا يُتَّخذ سوقًا". (¬3). (النور: 36) - وعن واثلة بن الأسقع، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "جَنِّبوا المساجد صبيانكم ومجانينكم، وشراءكم وبيعكم، وخصوماتكم ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم وسل سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجَمّروها في الجُمَع". ورواه ابن ماجه أيضًا (¬4) وفي إسنادهما ضعف. (النور: 36) 603 - عن فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، ثم قال: "اللهم، اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك". وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال: "اللهم، اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك". ورواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وإسناده ليس بمتصل؛ لأن فاطمة بنت الحسين الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى. (النور: 36) ¬

(¬1) ورواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (15590) من طريق معمر، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، به. (¬2) سنن ابن ماجه برقم (741) قال البوصيري في الزوائد (1/ 262): "هذا إسناد فيه جبارة بن المغلس وقد اتهم". (¬3) سنن ابن ماجه برقم (748) وقال البوصيري في الزوائد (1/ 264): "هذا إسناد فيه زيد بن جبيرة. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ضعيف". (¬4) سنن ابن ماجه برقم (750) وقال البوصيري في الزوائد (1/ 265): "هذا إسناد ضعيف، أبو سعيد هو محمد بن سعيد المصلوب، قال أحمد: عمدا كان يضع الحديث، ثم قال: والحارث بن نبهان ضعيف".

سورة الفرقان

604 - عن الحسن قال: كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة، فدعي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مُحِقّ أذعن، وعلم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيقضي له بالحق. وإذا أراد أن يظلم فدُعي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرض، وقال: أنطلقُ إلى فلان. فأنزل الله هذه الآية، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كان بينه وبين أخيه شيء، فدُعِي إلى حَكَم من حُكَّام المسلمين فأبى أن يجيب، فهو ظالم لا حق له". وهذا حديث غريب، وهو مرسل. (النور: 50) سورة الفرقان 605 - عن ابن عباس يقول: إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجن والإنس، وهو يوم التلاق، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض، فيقول أهل الأرض: جاء ربنا؟ فيقولون: لم يجئ، وهو آت. ثم تنشق السماء الثانية، ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة. فينزل منها من الملائكة أكثر من [جميع من] نزل من السموات ومن الجن والإنس. قال: فتنزل الملائكة الكَرُوبيُون، ثم يأتي ربنا في حملة العرش الثمانية، بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة. قال: وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه، وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه يقول: سبحان الملك القدوس. وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القَبَاء والعرش فوق ذلك ثم وقف. فمداره على عليِّ بن زيد بن جُدْعان، وفيه ضعف، وفي سياقاته غالبا نكارة شديدة. وقد ورد في حديث الصور المشهور قريب من هذا، والله أعلم. (الفرقان: 25) 606 - عن محمد بن كعب [القرظي] قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود، وذلك أن الله - تعالى وتبارك - بعث نبيا إلى أهل قرية، فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود، ثم إن أهل القرية عدَوا على النبي،

فحفروا له بئرا فألقوه فيها، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم قال: "فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه فيبيعه، ويشتري به طعاما وشرابا، ثم يأتي به إلى تلك البئر، فيرفع تلك الصخرة، ويعينه الله عليها، فيدلي إليه طعامه وشرابه، ثم يردها كما كانت". قال: "فكان ذلك ما شاء الله أن يكون، ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع، فجمع حطبه وحَزم وفرغ منها فلما أراد أن يحتملها وجد سنة، فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً، ثم إنه هَبّ فتمطى، فتحول لشقه الآخر فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم إنه هب واحتمل حُزْمَته ولا يحسبُ إلا أنه نام ساعة من نهار فجاء إلى القرية فباع حزمته، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع. ثم ذهب إلى الحفيرة في موضعها الذي كانت فيه، فالتمسه فلم يجده. وكان قد بدا لقومه فيه بَداء، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه". قال: فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود: ما فعل؟ فيقولون له: لا ندري. حتى قبض الله النبي، وَأهبّ الأسودَ من نومته بعد ذلك". فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن ذلك الأسودَ لأولُ من يدخل الجنة". وهكذا رواه ابن جرير ... عن محمد بن كعب مرسلا. وفيه غرابة ونَكارَةٌ، ولعل فيه إدْرَاجاً، والله أعلم. وأما ابن جرير فقال: لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن؛ لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم، اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث، آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم، والله أعلم. واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود، الذين ذكروا في سورة البروج، فالله أعلم. (الفرقان: 38) 607 - وقال عُمَر مولى غُفْرَة: كان جبريل، عليه السلام، في موضع الجنائز، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا جبريل، إني أحب أن أعلم أمْرَ السحاب؟ " قال: فقال جبريل: يا نبي الله، هذا ملك السحاب فسله. فقال: تأتينا صَكاك مُخَتَّمة: اسق بلاد كذا وكذا، كذا وكذا قطرة. رواه ابن حاتم، وهو حديث مرسل. (الفرقان: 50) 608 - عن شَهْر بن حَوْشَب قال: لقي سلمانُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض فجاج المدينة، فسجد له، فقال: "لا تسجد لي يا سلمان، واسجد للحي الذي لا يموت".

سورة الشعراء

وهذا مرسل حسن. (الفرقان: 58) 609 - طريق غريب: وقال ابن جرير: ... قال عبد الله: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم فاتبعته، فجلس على نَشَز من الأرض، وقعدت أسفل منه، ووجهي حيال ركبتيه، واغتنمت خلوته وقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أي الذنوب أكبر؟ قال: "أن تدعو لله ندًا وهو خلقك".قلت: ثم مه؟ قال: "أن تقتل ولدك كراهية أن يطعم معك". قلت: ثم مه؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك". ثم قرأ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}. [إلى آخر] الآية (¬1). (الفرقان: 68) 610 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: جاءتني امرأة فقالت: هل لي من توبة؟ إني زنيت وولدت وقتلته. فقلت: لا، ولا نَعمت العين ولا كرامة. فقامت وهي تدعو بالحسرة. ثم صليت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصبح، فقصصت عليه ما قالت المرأة وما قلت لها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بئسما قلت! أما كنت تقرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} فقرأتها عليها. فخرَّت ساجدة وقالت: الحمد لله الذي جعل لي مخرجًا. هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي رجاله مَنْ لا يُعرف، والله أعلم. (الفرقان: 70) سورة الشعراء 611 - عن أبي موسى قال: نزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأعرابي فأكرمه، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تعاهدنا. فأتاه الأعرابي فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما حاجتك؟ " قال ناقة برحلها وأعنز يحتلبها أهلي، فقال: "أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل؟ " فقال ¬

(¬1) الحديث ثابت في الصحيحين من غير هذا الطربق انظر: صحيح البخاري برقم (6811) وصحيح مسلم برقم (68).

له أصحابه: وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله؟ قال: "إن موسى لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق، فقال لبني إسرائيل: ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل: نحن نحِّدثك أن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ علينا موثقًا من الله ألا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا، فقال لهم موسى: فأيكم يدري أين قبر يوسف؟ قالوا: ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل. فأرسل إليها فقال لها: دليني على قبر يوسف. فقالت: والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي. قال لها: وما حكمك؟ قالت: حكمي أن أكون معك في الجنة. فكأنه ثقل عليه ذلك، فقيل له: أعطها حكمها. قال: فانطلقت معهم إلى بحيرة - مستنقع ماء - فقالت لهم: أنضبوا هذا الماء. فلما أنضبوه قالت: احتفروا، فلما احتفروا استخرجوا قبر يوسف، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار ". (¬1) هذا حديث غريب جدًا، والأقرب أنه موقوف، والله أعلم. (الشعراء: 52) 612 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغَبَرة والقَتَرة، وقال له: قد نهيتك عن هذا فعصيتني. قال: لكني اليوم لا أعصيك واحدة. قال: يا رب، وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فإن أخزيت أباه فقد أخزيت الأبعد. قال: يا إبراهيم، إني حرمتها على الكافرين. فأخذ منه، قال: يا إبراهيم، أين أبوك؟ قال: أنت أخذته مني. قال: انظر أسفل منك. فنظر فإذا ذيخ يتمرغ في نتنه، فأخذ بقوائمه فألقي في النار". (¬2) هذا إسناد غريب، وفيه نكارة. والذيخ: هو الذكر من الضباع، كأنه حول آزر إلى صورة ذيخ متلطخ بعذرته، فيلقى في النار كذلك. وقد رواه البزار ... عن أبي هُرَيرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه غرابة. ورواه أيضًا ... عن أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه. (الشعراء: 87) 613 - عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن قوم مدين وأصحاب ¬

(¬1) قال الشيخ محمد أبو شهبه - رحمه الله -: (والذي نقطع به، ويجب الإيمان به: أنه كان في بني إسرائيل تابوت _أي صندوق _، من غير بحث في حقيقته، وهيئته، ومن أين جاء، إذ ليس في ذلك خبر صحيح عن المغصوم ...) انظر كتاب الاسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ص) 173) ط دار الجيل 1425هـ (¬2) النسائي في السنن الكبرى برقم (11375). الحديث ثابت في صحيح البخاري برقم (4768)

الأيكة أمتان، بعث الله إليهما شعيبًا النبي عليه السلام". وهذا غريب، وفي رفعه نظر، والأشبه أن يكون موقوفا. والصحيح أنهم أمة واحدة، وصفوا في كل مقام بشيء؛ ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان، كما في قصة مدين سواء بسواء، فدل ذلك على أنهم أمة واحدة. (الشعراء: 176) 614 - طريق أخرى أغرب وأبسط من هذا السياق بزيادات أخر: قال الحافظ أبو بكر البيهقي في "دلائل النبوة": ... عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عرفت أنّي إن بادأتُ بها قومِي، رأيت منهم ما أكره، فَصَمَتُّ. فجاءني جبريل، عليه السلام، فقال: يا محمد، إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك ربك". قال علي، رضي الله عنه: فدعاني فقال: "يا علي، إن الله قد أمرني [أن] أنذر عشيرتي الأقربين، فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره، فَصَمت عن ذلك، ثم جاءني جبريل فقال: يا محمد، إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك. فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام، وأعدّ لنا عُسَّ لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب". ففعلتُ فاجتمعوا له، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا. فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث. فقدّمت إليهم تلك الجَفْنَةَ، فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها حِذْيَة فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها، وقال: "كلوا بسم الله". فأكل القومُ حتى نَهلوا عنه ما يرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها. ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسقهم يا علي". فجئت بذلك القَعب فشربوا منه حتى نَهِلُوا جميعًا، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكلمهم، بَدَره أبو لهب إلى الكلام فقال: لَهَدّ ما سحركم صاحبكم. فتفرقوا ولم يكلّمهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما كان الغدُ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا علي، عُدْ لنا بمثل الذي كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب؛ فإن هذا الرجلّ قد بَدَرني إلى ما سمعتَ قبل أن أكلم القوم". ففعلت، ثم جمعتهم له، فصنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نَهِلُوا عنه، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها. ثم قال

رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسقهم يا علي". فجئت بذلك القَعب فشربوا منه حتى نهلوا جميعًا. وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله. فلما أراد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكلمهم بَدَره أبو لهب بالكلام فقال: لَهَدَّ ما سحركم صاحبكم. فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما كان الغد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا علي، عُدْ لنا بمثل الذي كنت صنعتَ لنا بالأمس من الطعام والشراب؛ فإن هذا الرجل قد بَدَرني إلى ما سمعتَ قبل أن أكلم القوم". ففعلت، ثم جمعتهم له فصنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كما صنع] بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وايم الله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ويشرب مثلها، ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا بني عبد المطلب، إني - والله - ما أعلم شابًا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة". قال أحمد بن عبد الجبار: بلغني أن ابن إسحاق إنما سمعه من عبد الغفار بن القاسم أبي مريم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث. وقد رواه أبو جعفر بن جرير، عن ابن حميد، عن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب، فذكر مثله، وزاد بعد قوله: "إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة". "وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، وكذا وكذا"؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعًا، وقلت - وإني لأحدثهم سنًا، وأرمصُهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا. أنا يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ يَرْقُبُني ثم قال: "إن هذا أخي، وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا". قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم أبي مريم، وهو متروك كذاب شيعي، اتهمه علي بن المديني وغيره بوضع الحديث، وضعّفه الأئمة رحمهم الله. (الشعراء: 214) 615 - عن أبي الحسن سالم البَرّاد - مولى تميم الداري - قال: لما نزلت: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ}، جاء حسان بن ثابت، وعبد الله بن رَوَاحة، وكعب بن مالك إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم يبكون فقالوا: قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنا

سورة النمل

شعراء. فتلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} قال: "أنتم"، {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} قال: "أنتم"، {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} قال: "أنتم". رواه ابن أبي حاتم. وابن جرير، من رواية ابن إسحاق. وقد روى ابن أبي حاتم أيضا ... أن حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة أتيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نزلت: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} يبكيان، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقرؤها عليهما: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} حتى بلغ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، قال: "أنتم". وقال أيضًا: ... عن عروة قال: لما نزلت: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إلى قوله: {يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، قد علم الله أني منهم. فأنزل الله: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إلى قوله: {ينقلبون}. وهكذا قال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وزيد بن أسلم، وغير واحد أن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء، ولكن هذه السورة مكية، فكيف يكون سبب نزول هذه الآية [في] شعراء الأنصار؟ في ذلك نظر، ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها، والله أعلم، ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم، حتى يدخل فيه مَنْ كان متلبسًا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله، ثم تاب وأناب، ورجع وأقلع، وعمل صالحًا، وذكر الله كثيرًا في مقابلة ما تقدم من الكلام السيئ، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما كذب بذمه. (الشعراء: 227) سورة النمل 616 - عن ابن بُرَيدة، عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود" قال: قلت: يا رسول الله، أي آية؟ قال: "سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد". قال: فانتهى إلى الباب، فأخرج إحدى قدميه،

فقلت: نسي، ثم التفت إلي وقال {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف. (النمل: 30) 617 - وقد روى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في هذا أثرًا غريبا عن ابن عباس ... قال: كان سليمان، عليه السلام، يجلس على سريره، ثم تُوضَعُ كراسي حوله، فيجلس عليها الإنس، ثم يجلس الجن، ثم الشياطين، ثم تأتي الريح فترفعهم، ثم تظلهم الطير، ثم يغدون قدر ما يشتهي الراكب أن ينزل شهرًا ورواحها شهرًا، قال: فبينما هو ذات يوم في مسير له، إذ تفقد الطير ففقد الهدهد فقال: {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَاتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}، قال: فكان عذابه إياه أن ينتفه، ثم يلقيه في الأرض، فلا يمتنع من نملة ولا من شيء من هوام الأرض. قال عطاء: وذكر سعيد بن جُبَير عن ابن عباس مثل حديث مجاهد {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} - فقرأ حتى انتهى إلى قوله - {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا} وكتب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، إلى بلقيس: {أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَاتُونِي مُسْلِمِينَ}، فلما ألقى الهدهد بالكتاب إليها، ألقي في رُوعها: إنه كتاب كريم، وإنه من سليمان، وأن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين. قالوا: نحن أولو قوة. قالت: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وإني مرسلة إليهم بهدية. فلما جاءت الهدية سليمان قال: أتمدونني بمال، ارجع إليهم. فلما نظر إلى الغبار - أخبرنا ابن عباس قال: وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومَنْ معها حين نظر إلى الغبار كما بيننا وبين الحيرة، قال عطاء: ومجاهد حينئذ في الأزد - قال سليمان: أيكم يأتيني بعرشها؟ قال: وبين عرشها وبين سليمان حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين، {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ}. قال: وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس، كما يجلس الأمراء ثم يقوم - قال: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ}. قال سليمان: أريد أعجل من ذلك. فقال الذي عنده علم من الكتاب: أنا أنظر في كتاب ربي، ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك. قال: [فنظر إليه سليمان فلما قطع كلامه رد سليمان بصره]، فنبع عرشها من

تحت قدم سليمان، من تحت كرسي كان سليمان يضع عليه رجله، ثم يصعد إلى السرير. قال: فلما رأى سليمان عرشها [مستقرًا عنده] قال: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي}، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا}، فلما جاءت قيل لها: أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو. قال: فسألته عن أمرين، قالت لسليمان: أريد ماء [من زبد رواء] ليس من أرض ولا من سماء - وكان سليمان إذا سئل عن شيء، سأل الإنس ثم الجن ثم الشياطين. [قال] فقالت الشياطين: هذا هين، أجْرِ الخيلَ ثم خذ عرقها، ثم املأ منه الآنية. قال: فأمر بالخيل فأجريت، ثم أخذ عرقها فملأ منه الآنية. قال: وسألت عن لون الله عز وجل. قال: فوثب سليمان عن سريره، فخر ساجدًا، فقال: يا رب، لقد سألَتْني عن أمر إنه يتكايد، أي: يتعاظم في قلبي أن أذكره لك. قال: ارجع فقد كَفَيتكهم، قال: فرجع إلى سريره فقال: ما سألت عنه؟ قالت: ما سألتك إلا عن الماء. فقال لجنوده: ما سألت عنه؟ فقالوا: ما سألتك إلا عن الماء. قال: ونَسوه كلّهم. قال: وقالت الشياطين لسُلَيمان: تُريدُ أن تتخذها لنفسك، فإن اتخذها لنفسه ثم ولد بينهما ولد، لم ننفك من عبوديته. قال: فجعلوا صرحًا ممردًا من قوارير، فيه السمك. قال: فقيل لها: ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة، وكشفت عن ساقيها، فإذا هي شَعْرَاء. فقال سليمان: هذا قبيح، ما يذهبه؟ فقالوا: تذهبه المواسي. فقال: أثر الموسى قبيح! قال: فجعلت الشياطين النورَة. قال: فهو أول من جُعلت له النورة. ثم قال أبو بكر بن أبي شيبة: ما أحسنه من حديث. (¬1) قلت: بل هو منكر غريب جدًا، ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس، والله أعلم. والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما يوجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب - سامحهما الله تعالى - فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ. وقد أغنانا الله، سبحانه، عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة. (النمل: 44) 618 - ذَكَرَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدابة فقال: "لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج ¬

(¬1) قال الألباني في الضعيفة ح (1033): (ضعيف مرفوعا).

خَرجة من أقصى البادية، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني: مكة - ثم تكمن زمانًا طويلا ثم تخرج خَرْجة أخرى دون تلك، فيعلو ذكرها في أهل البادية، ويدخل ذكرها القرية" يعني: مكة. - قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها: المسجد الحرام، لم يَرُعْهم إلا وهي تَرْغو بين الركن والمقام، تنفض عن رأسها التراب. فارفض الناس عنها شتَّى ومعًا، وبقيت عصابة من المؤمنين، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله، فبدأت بهم فجَلَت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدرّي، وولت في الأرض لا يدركها طالب، ولا ينجو منها هارب، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة، فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان، الآن تصلي؟ فيقبل عليها فَتَسِمُهُ في وجهه، ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال، ويصطحبون في الأمصار، يعرف المؤمن من الكافر، حتى إن المؤمن ليقول: يا كافر، اقضني حقي. وحتى إن الكافر ليقول: يا مؤمن، اقضني حقي". ورواه ابن جرير من طريقين، عن حذيفة بن أُسَيْد موقوفًا فالله أعلم. ورواه من رواية حذيفة بن اليمان مرفوعًا، وأن ذلك في زمان عيسى بن مريم، وهو يطوف بالبيت، ولكن إسناده لا يصح. (النمل: 82) 619 - وعن عبد الله بن عمر أنه قال: تخرج الدابة ليلة جَمْع. رواه ابن أبي حاتم. (¬1) وفي إسناده ابن البيلمان. (النمل: 82) ¬

(¬1) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (15/ 180) من طريق عبد الملك بن المغيرة، عن ابن البيلمان، عن ابن عمر قال: "تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى فتحملهم بين عجزها وذنبها فلا يبقى منافق إلا خطمته، قال: وتمسح المؤمن، قال: فيصبحون وهم أشر من الدجال".

سورة القصص

سورة القصص 620 - عن علي بن رَبَاح قال: سمعت عُتبةَ بن النُّدَّر يقول: كنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ {طسم}، حتى إذا بلغ قصة موسى قال: "إن موسى أجَّرَ نفسه ثماني سنين أو: عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه. (¬1) وهذا الحديث من هذا الوجه ضعيف، لأن مسلمة بن علي وهو الخُشَني الدمشقي البلاطيّ ضعيف الرواية عند الأئمة، ولكن قد رُوي من وجه آخر، وفيه نظر أيضا. (القصص: 27) 621 - عن ابن عباس؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "سألت جبريل: أيّ الأجلين قضى موسى قال: أكملهما وأتمهما".ورواه ابن أبي حاتم ... فذكره. قلت: وإبراهيم هذا ليس بمعروف. ورواه البزار ... عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره. ثم قال: لا نعرفه مرفوعا عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. (¬2) وقال ابن أبي حاتم: ... عن يوسف بن تيرح: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل: أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: "لا علم لي". فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل، فقال جبريل: لا علم لي، فسأل جبريل ملكا فوقه فقال: لا علم لي. فسأل ذلك المَلَك ربه - عز وجل - عما سأله عنه جبريل عما سأله عنه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال الرب سبحانه وتعالى: "قضى أبرهما وأبقاهما - أو قال: أزكاهما". وهذا مرسل، وقد جاء مرسلا من وجه آخر، وقال سُنَيد: ... قال مجاهد: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل جبريل: "أيّ الأجلين قضى موسى؟ " فقال: سوف أسأل إسرافيل. فسأله فقال: سوف أسأل الرب عز وجل. فسأله فقال: "أبرهما وأوفاهما". ¬

(¬1) سنن ابن ماجه برقم (2444) وضعفه البوصيري في الزوائد (2/ 260) لتدليس بقية بن الوليد. (¬2) قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/ 124) "إبراهيم بن يحيى العدني عن الحكم بن أبان وعنه سفيان بن عيينة بخبر منكر والرجل نكرة، وحديثه عن الحميدي ومتنه: سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل عليه السلام أي الأجلين قضى موسى، انتهى. وهذا الرجل ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأزدي: لا يتابع في حديثه، وأخرج الحاكم حديثه المذكور في المستدرك".

طريق أخرى مرسلة أيضا: ... عن محمد بن كعب القُرظي قال: سُئِل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي الأجلين قضى موسى؟ قال: "أوفاهما وأتمهما". فهذه طرق متعاضدة، ثم قد روي [هذا] مرفوعا من رواية أبي ذر، رضي الله عنه، قال الحافظ أبو بكر البزار ... عن أبي ذر: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِل: أيّ الأجلين قَضَى موسى؟ قال: "أوفاهما وأبرهما"، قال: "وإن سئلتَ أي المرأتين تزوج؟ فقل الصغرى منهما". ثم قال البزار: لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد. وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عَوبَد بن أبي عمران - وهو ضعيف - ثم قد روي أيضا نحوه من حديث عتبة بن الندر بزيادة غريبة جدا، فقال أبو بكر البزار: ... عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن النّدر يقول: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل: أيّ الأجلين قَضَى موسى؟ قال: "أبرهما وأوفاهما". ثم قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن موسى، عليه السلام، لما أراد فراق شعيب عليه السلام، أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به. فأعطاها ما ولدت غنمه في ذلك العام من قالِب لَون. قال: فما مرت شاة إلا ضرب موسى جنبها بعصاه، فولدت قَوَالب ألوان كلها، وولدت ثنتين وثلاثًا كل شاة ليس فيها فَشُوش ولا ضبُوب، ولا كَمِيشة تُفَوّت الكف، ولا ثَعُول". وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا افتتحتم الشام فإنكم ستجدون بقايا منها، وهي السامرية". هكذا أورده البزار. وقد رواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا فقال: حدثنا أبو زُرْعَة، ... عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة بن النُّدّر السلمي - صاحب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحدث أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن موسى، عليه السلام آجر نفسه بعفة فرجه وطُعمة بطنه. فلما وفى الأجل - قيل: يا رسول الله، أي الأجلين؟ قال - أبرهما وأوفاهما. فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت من غنمه من قالب لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه سوداء حسناء، فانطلق موسى، عليه السلام إلى عصاه فَسَمَّاها من طرفها، ثم وضعها في أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها، ووقف موسى بإزاء الحوض فلم تصدر منها شاة إلا ضرب جنبها شاة شاة قال: "فأتأمت وأثلثت، ووضعت كلها قوالب ألوان، إلا شاة أو شاتين ليس فيها فشوش. قال يحيى: ولا ضبون. وقال صفوان: ولا ضبُوب. قال أبو زرعة: الصواب ضَبُوب - ولا عَزُوز ولا ثَعُول، ولا كميشة تُفَوّت الكف"، قال النبي

سورة العنكبوت

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فلو افتتحتم الشام وجدتم بقايا تلك الغنم وهي السامرية". وحدثنا أبو زُرْعة، حدثنا صفوان قال: سمعت الوليد قال: فسألت ابن لَهِيعة: ما الفشوش؟ قال: التي تَفُشّ بلبنها واسعة الشَّخب. قلت: فما الضبوب؟ قال: الطويلة الضرع تجره. قلت: فما العَزُوز؟ قال: ضيقة الشَّخب. قال فما الثَعُول؟ قال: التي ليس لها ضرع إلا كهيئة حلمتين. قلت: فما الكميشة؟ قال: التي تُفَوّت الكف، كميشة الضرع، صغير لا يدركه الكف. مدار هذا الحديث على عبد الله بن لَهِيعة المصري - وفي حفظه سوء - وأخشى أن يكون رفعه خطأ، والله أعلم. وينبغي أن يُرْوَى ليس فيها فشوش ولا عزوز، ولا ضبوب ولا ثَعول ولا كميشة، لتذكر كل صفة ناقصة مع ما يقابلها من الصفات الناقصة. وقد روى ابن جرير من كلام أنس بن مالك - موقوفا عليه - ما يقارب بعضه بإسناد جيد، فقال: ... عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: لما دعا نبي الله موسى، عليه السلام، صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما، قال له صاحبه: كل شاة ولدت على غير لونها فذلك ولدها لك. فعمد فرفع حبالا على الماء، فلما رأت الخيال فزعت فجالت جولة، فولدن كلهن بلقًا إلا شاة واحدة، فذهب بأولادهن ذلك العام. (القصص: 28) سورة العنكبوت 622 - عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "سيهاجر أهل الأرض هجرة بعد هجرة، إلى مهاجَر إبراهيم، حتى لا يبقى إلا شرار أهلها، تلفظهم الأرضون وتقذرهم روح الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، لها ما سقط منهم". غريب من حديث نافع. والظاهر أن الأوزاعي قد رواه عن شيخ له من الضعفاء، والله أعلم. وروايته من حديث عبد الله بن

عمرو بن العاص أقرب إلى الحفظ. (العنكبوت: 26) 623 - عن عمران بن حصين قال: سُئِل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قول الله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} قال: "مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له". (¬1) وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد بها من الله إلا بعدا".ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية. (¬2) وقال ابن جرير: ... عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} قال: فَمَنْ لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا. فهذا موقوف. قال ابن جرير: ... عن ابن مسعود، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا صلاة لِمَنْ لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر".قال: وقال سفيان: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَامُرُكَ} [هود: 87] قال: فقال سفيان: أي والله، تأمره وتنهاه. (¬3) وقال ابن أبي حاتم: ... عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال أبو خالد مَرَّة: عن عبد الله -: "لا صلاة لِمَنْ لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر". والموقوف أصح، كما رواه الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قيل لعبد الله: إن فلانا يطيل الصلاة؟ قال: إن الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها. وقال ابن جرير: ... عن الحسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد بها من الله إلا بُعْدا". والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود، وابن عباس، والحسن وقتادة، والأعمش وغيرهم، والله أعلم. (العنكبوت: 45) ¬

(¬1) قال الألباني في الضعيفةح (985): (منكر .... وهذا سند ضعيف فيه علتان: الأولى: الانقطاع بين الحسن، وهو البصري، وعمران بن حصين، فإنهم اختلفوا في سماعه منه فإنه ثبت، فعلته عنعنة الحسن فإنه مدلس معروف بذلك. والأخرى: جهالة عمر بن أبي عثمان ...) (¬2) المعجم الكبير (11/ 54)،وقال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: "إسناده لين".قال الألباني في الضعيفةح (2): (باطل. وهو مع اشتهاره على الألسنة لا يصح من قبل إسناده، ولا من جهة متنه). (¬3) تفسير الطبري (20/ 99) وفيه جويبر وهو متروك.

624 - وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت، عليه السلام حتى تعلم الكتابة، فضعيف لا أصل له. (العنكبوت: 48) 625 - عن صفوان بن يعلى، عن أبيه، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "البحر هو جهنم". قالوا: ليعلى، فقال: ألا ترون أن الله يقول: {نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29]، قال: لا والذي نفس يعلى بيده لا أدخلها أبدا حتى أعرض على الله، ولا يصيبني منها قطرة حتى أعرض على الله عز وجل. هذا تفسير غريب، وحديث غريب جدا، والله أعلم. (العنكبوت: 54) 626 - عن ابن عمر قال: خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: "يا ابن عمر، ما لك لا تأكل؟ " قال: قلت: لا أشتهيه يا رسول الله، قال: "لكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك قيصر وكسرى فكيف بك يا ابن عمر إذا بَقِيتَ في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين؟ ". قال: فوالله ما برحنا ولا رِمْنا حتى نزلت: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا، ولا باتباع الشهوات، فَمَنْ كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله، ألا وإني لا أكنز دينارًا ولا درهمًا، ولا أخبئ رزقا لغد ". (¬1) وهذا حديث غريب، وأبو العطوف الجزري ضعيف. (العنكبوت: 60) ¬

(¬1) قال الشوكاني في فتح القدير (4/ 213): "وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته لما كان عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كان يعطي نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة، وفي إسناده أبو العطوف الجزري وهو ضعيف". مستفاد من حاشية تفسير البغوي.

سورة الروم

سورة الروم 627 - ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الإمام سُنَيد بن داود في تفسيره حيث قال: ... عن عكرمة قال: كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال، فدعاها كسرى فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشًا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك، فأشيري عَليَّ، أيَّهم أستعمل؟ فقالت: هذا فلان، وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صقر. وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنان. وهذا شهريراز، وهو أحلم من كذا - تعني أولادها الثلاثة - فاستعمل أيهم شئت. قال: فإني قد استعملت الحليم. فاستعمل شهريراز، فسار إلى الروم بأهل فارس، فظهر عليهم فقتلهم، وخرّب مدائنهم، وقطع زيتونهم. قال أبو بكر بن عبد الله: فحدثت بهذا الحديث عطاء الخراساني فقال: أما رأيت بلاد الشام؟ قلت: لا قال: أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خربت، والزيتون الذي قطع. فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته. قال عطاء الخراساني: حدثني يحيى بن يَعْمَر: أن قيصر بعث رجلا يدعى قطمة بجيش من الروم، وبعث كسرى شهريراز، فالتقيا بأذرعات وبُصرى، وهي أدنى الشام إليكم، فلقيت فارس الروم، فغلبتهم فارس. ففرحت بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون. قال عكرمة: ولقي المشركون أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب [ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب]، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرَنّ عليكم، فأنزل الله: {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا، فلا تفرحوا، ولا يُقرَّن الله أعينكم، فوالله ليظهرن الله الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقام إليه أبيّ بن خَلَف فقال: كذبت يا أبا فضيل. فقال له أبو بكر: أنت أكذب يا عدو الله. فقال: أناحبُكَ عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غَرِمتُ، وإن ظهرت فارس غرمتَ

إلى ثلاث سنين. ثم جاء أبو بكر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال: "ما هكذا ذكرت، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايدْه في الخَطَر ومادّهْ في الأجل"، فخرج أبو بكر فلقي أبيّا فقال: لعلك ندمت؟ فقال: لا تعال أزايدك في الخَطَر وأمادُّك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص لمائة قلوص إلى تسع سنين. قال: قد فعلت، فظهرت الروم على فارس قبل ذلك، فغلبهم المسلمون. قال عكرمة: لما أن ظهرت فارس على الروم، جلس فرخان يشرب وهو أخو شهريراز فقال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى. فبلغت كسرى فكتب إلى شهريراز إذا أتاك كتابي [هذا] فابعث إليَّ برأس فرخان. فكتب إليه: أيها الملك، إنك لن تجد مثل فرخان، له نكاية وصوت في العدو، فلا تفعل. فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفًا منه، فعجّل إليَّ برأسه. فراجعه، فغضب كسرى فلم يجبه، وبعث بريدا إلى أهل فارس: إني قد نزعت عنكم شهريراز، واستعملت عليكم فرخان. ثم دفع إلى البريد صحيفة لطيفة صغيرة فقال: إذا ولي فرخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه. فلما قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعا وطاعة، ونزل عن سريره، وجلس فرخان، ودفع إليه الصحيفة، قال: ائتوني بشهريراز وقَدَّمَه ليضرب عنقه، قال: لا تعجل [عليَّ] حتى أكتب وصيتي، قال: نعم. فدعا بالسَّفط فأعطاه الصحائف وقال: كل هذا راجعتُ فيك كسرى، وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد. فرد الملك إلى أخيه شهريراز وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم: إن لي إليك حاجة لا تحملها البُرُد ولا تحملها الصّحف، فالقني، ولا تلقني إلا في خمسين روميا، فإني ألقاك في خمسين فارسيا. فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا. ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما، مع كل واحد منهما سكين، فدعيا ترجمانا بينهما، فقال شهريراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حَسَدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني. وقد خلعناه جميعا، فنحن نقاتله معك. قال: قد أصبتما. ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا. قال: أجل. فقتلا الترجمان جميعا

سورة لقمان

بسكينيهما. [قال]: فأهلك الله كسرى، وجاء الخبر إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية، ففرح والمسلمون معه. فهذا سياق غريب، وبناء عجيب. (الروم) 628 - عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الريح مسخرة من الثانية - يعني الأرض الثانية - فلما أراد الله أن يهلك عادًا، أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحًا تهلك عادًا، فقال: يا رب، أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور. قال له الجبار تبارك وتعالى: لا إذًا تكفأ الأرض وما عليها، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم"، فهي التي قال الله في كتابه: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذرايات: 42]. هذا حديث غريب، ورفعه منكر. والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. (¬1) (الروم: 51) سورة لقمان 629 - عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن، وأكل أثمانهن حرام، وفيهن أنزل الله عز وجل عَلَيّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}. وهكذا رواه الترمذي وابن جرير، من حديث عُبَيد الله بن زحر بنحوه، ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب. وضعف علي بن يزيد المذكور. قلت: علي، وشيخه، والراوي عنه، كلهم ضعفاء. والله أعلم. (لقمان: 6) 630 - وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة - إن صح السند إليه، فإنه رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث وَكِيع عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة فقال: كان لقمان نبيًا. وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، والله أعلم. (لقمان: 12) ¬

(¬1) قال الحافظ ابن كثير: (هذا الحديث رفعه منكر، والأقرب أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو، من زاملتيه اللتين أصابهما يوم اليرموك، والله أعلم). انظر تفسير (الذاريات: 41).

631 - وقد ورد أثر غريب عن قتادة، رواه ابن أبي حاتم، فقال: ... عن قتادة قال: خَيّر الله لقمان الحكيم بين النبوة والحكمة، فاختار الحكمة على النبوة. قال: فأتاه جبريل وهو نائم فَذرَّ عليه الحكمة - أو: رش عليه الحكمة - قال: فأصبح ينطق بها. قال سعيد: فسمعت عن قتادة يقول: قيل للقمان: كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خَيَّرك ربك؟ فقال: إنه لو أرسل إليَّ بالنبوة عَزْمَة لرجوت فيه الفوز منه، ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خَيّرني فخفت أن أضعف عن النبوة، فكانت الحكمة أحب إليَّ. فهذا من رواية سعيد بن بشير، وفيه ضعف قد تكلموا فيه بسببه، فالله أعلم. والذي رواه سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} أي: الفقه في الإسلام، ولم يكن نبيًا، ولم يوح إليه. (لقمان: 12) 632 - عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن من أمتي مَنْ لو أتى باب أحدكم يسأله دينارًا أو درهما أوفلسًا لم يعطه، ولو سأل الله الجنة لأعطاه إياها، ولو سأله الدنيا لم يعطه إياها، ولم يمنعها إياه لهوانه عليه، ذو طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره". وهذا مرسل من هذا الوجه. (لقمان: 19) 633 - عن ابن عباس؛ أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة: يا محمد، أرأيت قولك: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85]، إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلا". فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنها في علم الله قليل، وعندكم من ذلك ما يكفيكم". وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} الآية. وهكذا روي عن عكرمة، وعطاء بن يَسَار. وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية لا مكية، والمشهور أنها مكية، والله أعلم. (لقمان: 27) 634 - عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: جلس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلسا له، فأتاه جبريل فجلس بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعا كفيه على ركبتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله، حدثني ما الإسلام؟ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلام أن تسلم وجهك لله عز وجل، وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله". قال: فإذا

سورة السجدة

فعلت ذلك فقد أسلمت؟ قال: "إذا فعلت ذلك فقد أسلمت". قال: يا رسول الله، فحدِّثني ما الإيمان؟ قال: "الإيمان: أن تؤمن بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، وتؤمن بالموت، وبالحياة بعد الموت، وتؤمن بالجنة والنار، والحساب والميزان، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره". قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: "إذا فعلت ذلك فقد آمنت". قال: يا رسول الله، حدثني ما الإحسان؟ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإحسان أن تعمل لله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك". قال: يا رسول الله، فحدثني متى الساعة؟ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سبحان الله. في خمس لا يعلمهن إلا هو: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك؟ ". قال: أجل، يا رسول الله، فحدثني. قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا رأيت الأمَة ولدت رَبَّتَها - أو: ربها - ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس، فذلك من معالم الساعة وأشراطها". قال: يا رسول الله، ومَنْ أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: "العرب". حديث غريب، ولم يخرجوه. (لقمان: 34) سورة السجدة 635 - عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيدي فقال: "إن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش في اليوم السابع، فخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين، والمكروه يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر، وخلقه من أديم الأرض، بأحمرها وأسودها، وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله من

سورة الأحزاب

بني آدم الطيب والخبيث". هكذا أورد هذا الحديث إسنادًا ومتنا، وقد أخرج مسلم والنسائي أيضا ... عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحو من هذا السياق. (¬1) وقد علَّله البخاري في كتاب "التاريخ الكبير" فقال: "وقال بعضهم: أبو هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح"،وكذا علَّله غير واحد من الحفاظ، والله أعلم. (¬2) (السجدة: 4) 636 - عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "ثلاث من فعلهن فقد أجرم، من عقد لواء في غير حق، أو عقَّ والديه، أو مشى مع ظالم ينصره، فقد أجرم، يقول الله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}. ورواه ابن أبي حاتم، من حديث إسماعيل بن عياش، به، وهذا حديث غريب جدًا. (السجدة: 22) سورة الأحزاب 637 - عن الحسن، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} الآية: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث، [فَبُدئ بي] قبلهم". سعيد بن بشير فيه ضعف. وقد رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة مرسلا وهو أشبه، ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا، والله أعلم. (¬3) وقال أبو بكر البزار: ... عن أبى ¬

(¬1) صحيح مسلم برقم (2789) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11010). (¬2) التاريخ الكبير للبخاري (1/ 413، 414) وممن أعله من الحفاظ ابن المديني كما نقل ذلك البيهقي في الأسماء والصفات ص (275) وقد رد ذلك الشيخ الألباني في الصحيحة برقم (1833) والحديث يحتاج إلى بحث، والله أعلم. (¬3) قال الألباني في الضعيفة ح (661): (في إسناده علتان: الأولى: الحسن البصري مدلس وقد عنعن. الثانية: سعيد بن بشير ضعيف وقد خولف، خالفه أبو هلال وسعيد بن أبي عروبة كما ذكره المؤلف فقالا: عن قتادة مرسلا).

هريرة قال: خيار ولد آدم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، وخيرهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجمعين. موقوف، وحمزة فيه ضعف. (الأحزاب: 7) 638 - عن البراء، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سَمَّى المدينة يثرب، فليستغفر الله، هي طابة، هي طابة". تفرد به الإمام أحمد، وفي إسناده ضعف، والله أعلم. (الأحزاب: 13) 639 - عن علي، رضي الله عنه: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّر نساءه الدنيا والآخرة، ولم يخيرهن الطلاق. وهذا منقطع، وقد رُوي عن الحسن وقتادة وغيرهما نحو ذلك. وهو خلاف الظاهر من الآية، فإنه قال: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} أي: أعطيكن حقوقكن وأطلق سراحكن. (الأحزاب: 29) 640 - عن أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] إذا طلع الفجر، جاء إلى باب علي وفاطمة فقال: "الصلاة الصلاة {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. أبو داود الأعمى هو: نفيع بن الحارث، كذاب. (الأحزاب: 33) 641 - ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم هاهنا آثارًا عن بعض السلف، رضي الله عنهم، أحببنا أن نضرب عنها صفَحا لعدم صحتها فلا نوردها (¬1) وقد روى الإمام أحمد هاهنا أيضا حديثًا، من رواية حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس (¬2) فيه غرابة تركنا سياقه أيضا. (الأحزاب: 37) 642 - عن أبي هُرَيرة، رضي الله عنه، قال: كان البَدلُ في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: بادلني امرأتك وأبادلُك بامرأتي: أي: تنزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي. فأنزل الله: {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} قال: فدخل عيينة بن حصن على ¬

(¬1) انظر: كتاب الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للشيخ محمد أبو شهبة - رحمه الله - ص (323 - 328) في رد هذه الروايات وبيان باطلها. (¬2) الحديث في المسند (3/ 149) والغرابة من قوله: "فرأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرأته زينب وكأنه دخله" فقد شك مؤمل في الرواية، وهو سيئ الحفظ.

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعنده عائشة، فدخل بغير إذن، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فأين الاستئذان؟ " فقال يا رسول الله، ما استأذنت على رجل من مُضَر منذ أدركت. ثم قال: من هذه الحُمَيْراء إلى جنبك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هذه عائشة أم المؤمنين". قال: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق؟ قال: "يا عيينة إن الله قد حرم ذلك". فلما أن خرج قالت عائشة: مَنْ هذا؟ قال: هذا أحمق مطاع، وإنه على ما ترين لسيد قومه". ثم قال البزار: إسحاق بن عبد الله: لين الحديث جدا، وإنما ذكرناه لأنا لم نحفظه إلا من هذا الوجه، وبينا العلة فيه. (الأحزاب: 52) 643 - عن عائشة قالت: إن أزواج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنّ يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع - وهو صعيد أفيح - وكان عمر يقول لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احجب نساءك. فلم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة. حرْصًا أن ينزل الحجاب، قالت: فأنزل الله الحجاب. هكذا وقع في هذه الرواية. والمشهور أن هذا كان بعد نزول الحجاب، كما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم، ... عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جَسيمَةً لا تخفَى على مَنْ يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة، أما والله ما تَخْفَين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ قالت: فانكفأت راجعة، ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي، وإنه ليتعشى، وفي يده عَرْق، فدخلت فقالت: يا رسول الله، إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا. قالت: فأوحى الله إليه، ثم رُفعَ عنه وإن العَرْق في يده، ما وضعه. فقال: "إنه قد أذنَ لكن أن تخرجن لحاجتكن". لفظ البخاري. (¬1) (الأحزاب: 53) 644 - الحديث الذي رواه ابن ماجه، من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي، ولا ¬

(¬1) المسند (6/ 56) وصحيح البخاري برقم (4795) وصحيح مسلم برقم (2170).

صلاة لمن لم يحب الأنصار. (¬1) ولكن عبد المهيمن هذا متروك. وقد رواه الطبراني من رواية أخيه "أبي بن عباس"، ولكن في ذلك نظر (¬2) وإنما يعرف من رواية"عبد المهيمن"،والله أعلم. (الأحزاب: 56) 645 - عن بُرَيدة قال: قلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد، كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد". أبو داود الأعمى اسمه: نفيع بن الحارث، متروك. (الأحزاب: 56) 646 - حديث آخر موقوف: ... أن عليا، رضي الله عنه، كان يعلم الناس هذا الدعاء: اللهم داحي المدْحُوَّات، وبارئ المسموكات، وَجَبَّار القلوب على فطْرَتها شقيها وسعيدها. اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحننك، على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما أغلق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ جيشات الأباطيل، كما حُمِّل فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك، غير نَكل في قَدَم، ولا وهن في عزم، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك، حتى أورى قبسا لقابس، آلاء الله تصل بأهله أسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم، [وأقام] مُوضحات الأعلام، ومُنِيرات الإسلام ونائرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبَعيثُك نعمة، ورسولك بالحق رحمة. اللهم افسح له مُفسحَات في عدلك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك. مهنَّآت له غير مكدرات، من فوز ثوابك المعلول، وجزيل عطائك المجمول. اللهم، أعل على بناء البانين بنيانه وأكرم مثواه لديك ونزله. وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضي المقالة، ذا منطق عدل، وخُطَّة فصل، وحجة وبرهان عظيم. هذا مشهور من كلام علي، رضي الله عنه، وقد تكلم عليه ابن قتيبة في ¬

(¬1) سنن ابن ماجه برقم (400) وقال البوصيري في الزوائد (1/ 167) "هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد المهيمن". (¬2) المعجم الكبير للطبراني (6/ 121).

مشكل الحديث، وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن في إسناده نظرا. قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: سلامة الكندي هذا ليس بمعروف، ولم يدرك عليا. كذا قال. (¬1) وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الأثر عن محمد بن علي الصائغ، عن سعيد بن منصور، حدثنا نوح بن قيس، عن سلامة الكندي قال: كان علي، رضي الله عنه، يعلمنا الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: "اللهم، داحي المَدْحُوّات" وذكره (¬2). (الأحزاب: 56) 647 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صلوا علي؛ فإنها زكاة لكم، وسلوا الله لي الدرجة الوسيلة من الجنة" فسألناه - أو: أخبرنا - فقال: "هي درجة في أعلى الجنة، وهي لرجل، وأنا أرجو أن أكون ذلك الرجل". في إسناده بعض من تُكُلِّم فيه. (¬3). (الأحزاب: 56) 648 - حديث آخر مرسل: قال إسماعيل: وحدثنا سليمان بن حَرب، حدثنا جرير بن حازم، سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بحسب امرئ من البخل أن أذْكر عنده فلا يُصَلِّي علي" (¬4) صلوات الله عليه. (الأحزاب: 56) 649 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نسي الصلاة عَلَيَّ خَطئ طريق الجنة". (¬5) جُبَارة ضعيف. ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نسي الصلاة عليّ خَطئ طريق الجنة". وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله [والله أعلم]. (الأحزاب: 56) ¬

(¬1) سلامة الكندي ذكره البخاري في التاريخ الكبير (4/ 195) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 300) وأشار إلى هذا الحديث وقال: "مرسل". (¬2) المعجم الأوسط برقم (4653) "مجمع البحرين" لكن فيه: "حدثنا مسعدة بن سعد، حدثنا سعيد بن منصور" فلعل الحافظ نقله هنا من مسند العشرة. (¬3) قال الهيثمي: " فيه داود بن علية، ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما ووثقه ابن نمير، وقال موسى بن داود الضبي: ثنا ذؤاد بن علبة وأثنى عليه خيرا، وقال ابن عدي: هو في جملة الضعفاء ممن يكتب حديثه". كذا فيه ذؤاد بن علبة وهو الصواب. انظر: الكامل (3/ 121) والتهذيب (3/ 221) والميزان (2/ 32). (¬4) فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقم (38). (¬5) قال البوصيري في الزوائد (1/ 313): "هذا إسناد ضعيف لضعف جبارة بن المغلس".

650 - قال جابر: قال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تجعلوني كقدح الراكب، إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء، فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ، وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلا أهراق ما فيه، اجعلوني في أول الدعاء، وفي وسط الدعاء، وفي آخر الدعاء". فهذا حديث غريب، وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث. (الأحزاب: 56) 651 - عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة؛ فإنه مشهود تشهده الملائكة. وإن أحدا لا يصلي علي إلا عُرضت عَلَيّ صلاته حتى يفرغ منها". قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: " [وبعد الموت]، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" [فنبي الله حي يرزق]. هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع بين عُبادة بن نَسي وأبي الدرداء، فإنه لم يدركه، والله أعلم. (¬1) وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وأبي مسعود، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة، ولكن في إسنادهما ضعف، والله أعلم. (¬2) وروي مرسلا عن الحسن البصري، فقال إسماعيل القاضي: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا جرير بن حازم، سمعت الحسن - هو البصري - يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تأكل الأرض جَسَدَ من كَلّمه روح القدس". مرسل حسن. (¬3) (الأحزاب: 56) 652 - وقال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرنا صفوان بن سليم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة، فأكثروا الصلاة علي". هذا مرسل. (¬4) (الأحزاب: 56) 653 - عن علي بن الحسين بن علي: أن رجلا كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصلي عليه، ويصنع من ذلك ما اشتهر عليه علي بن الحسين، فقال له علي بن ¬

(¬1) سنن ابن ماجه برقم (1637). (¬2) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 249) من حديث أبي أمامة، رضي الله عنه، ولم أجده عنده من حديث أبي مسعود وإنما هو من حديث أنس، رضي الله عنه. (¬3) فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقم (23). (¬4) الأم (1/ 184).

الحسين: ما يحملك على هذا؟ قال: أحب السلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقال له علي بن الحسين: هل لك أن أحدثك حديثا عن أبي؟ قال: نعم. فقال له علي بن الحسين: أخبرني أبي، عن جدي أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تجعلوا قبري عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فتبلغني صلاتكم وسلامكم". في إسناده رجل مبهم لم يُسَمَّ. (¬1) وقد رُوي من وجه آخر مرسلا قال عبد الرزاق في مصنفه ... عن الحسن بن الحسن بن علي؛ أنه رأى قوما عند القبر فنهاهم، وقال: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا علي حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم تبلغني". (¬2) فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم فوق الحاجة، فنهاهم. (الأحزاب: 56) 654 - عن أم أنيس بنت الحسن بن علي، عن أبيها قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أرأيت قول الله، عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي} " فقال: "إن هذا هو المكتوم، ولولا أنكم سألتموني عنه لما أخبرتكم، إن الله وكل بي ملكين لا أُذْكَرُ عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قال ذانك الملكان: "غفر الله لك". وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين: "آمين". ولا يصلي أحد إلا قال ذانك الملكان: "غفر الله لك". ويقول الله وملائكته جوابا لذينك الملكين: "آمين". غريب جدا، وإسناده فيه ضعف شديد. (¬3) (الأحزاب: 56) 655 - فأما الحديث الآخر: "مَنْ صلى عَلَيّ عند قبري سمعته، ومَنْ صلى علي من بعيد بُلغته". ففي إسناده نظر، تفرد به محمد بن مروان السدي الصغير، وهو متروك، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا. (¬4) (الأحزاب: 56) ¬

(¬1) فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برقم (20). (¬2) المصنف برقم (6726). (¬3) قال الهيثمي في المجمع (7/ 93): "فيه الحكم بن عبد الله بن خطاف وهو كذاب". (¬4) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (3/ 292) من طريق الأصمعي عن السدي به، ثم روى بإسناده عن ابن قتيبة قال: سألت ابن نمير عن حديث: "من صلى علي عند قبري" فقال: "دع ذا، محمد بن مروان ليس بشيء".

656 - قال إسماعيل القاضي: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عمر بن هارون، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صلوا على أنبياء الله ورسله؛ فإن الله بعثهم كما بعثني". في إسناده ضعيفان، وهما عمر بن هارون وشيخه، والله أعلم. وقد رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن موسى بن عبيدة الربذي، به. (¬1) (الأحزاب: 56) 657 - ومن ذلك: أنه يستحب الصلاة عليه عند طنين الأذن، إن صح الخبر في ذلك، على أن الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قد رواه في صحيحه فقال: حدثنا زياد بن يحيى، حدثنا مَعْمَر بن محمد بن عبيد الله، عن أبيه محمد، عن أبيه أبي رافع قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني وليصل علي، وَلْيَقُل: ذَكَر الله مَن ذكرني بخير". إسناده غريب، وفي ثبوته نظر والله أعلم. (¬2) (الأحزاب: 56) 658 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من صلى عليّ في كتاب، لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب". (¬3) وليس هذا الحديث بصحيح من وجوه كثيرة، وقد رُوي من حديث أبي هريرة، ولا يصح أيضا، (¬4) قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي شيخُنا: أحسبه موضوعا. وقد رُوي نَحوُه عن أبي بكر، وابن عباس. ولا يصح من ذلك شيء، والله أعلم. (الأحزاب: 56) ¬

(¬1) المصنف لعبد الرزاق برقم (3118). (¬2) قال الألباني - رحمه الله -: (وهذا سند ضعيف جدا فيه علتان: الأولى: محمد هذا - ابن عبيدالله بن أبي رفاع - وهو ضعيف جدا. الثانية: ابنه معمر؛ وهو أيضا ضعيف جدا، قال البخاري: منكر الحديث ...) انظر الضعيفة رقم (2631). (¬3) قال الألباني - رحمه الله -: (... وتعقبه ابن عراق بقوله: كادح بن رحمة، ونهشل بن سعيد كذابان فلا يصلح شاهدا. قال ابن قيم الجوزية: وروي من كلام جعفر بن مجمد، وهو أشبه.) انظر الضعيفة رقم (3316). (¬4) ضعفه الألباني جدا. انظر الضعيفة رقم (3316)، وضعيف الترغيب (76).

سورة سبأ

659 - عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر إلا سمعته يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} الآية. غريب جدًا. (الأحزاب: 70) 660 - عن الحكم بن عمير - وكان من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الأمانة والوفاء نزلا على ابن آدم مع الأنبياء، فأرسلوا به، فمنهم رسول الله، ومنهم نبي، ومنهم نبي رسول، ونزل القرآن وهو كلام الله، ونزلت العربية والعجمية، فعلموا أمر القرآن وعلموا أمر السنن بألسنتهم، ولم يدع الله شيئا من أمره مما يأتون وما يجتنبون وهي الحجج عليهم، إلا بينه لهم. فليس أهل لسان إلا وهم يعرفون الحسن والقبيح، ثم الأمانة أول شيء يرفع ويبقى أثرها في جذور قلوب الناس، ثم يرفع الوفاء والعهد والذمم وتبقى الكتب، فعالم يعمل، وجاهل يعرفها وينكرها ولا يحملها، حتى وصل إليّ وإلى أمتي، ولا يهلك على الله إلا هالك، ولا يغفله إلا تارك. فالحذر أيها الناس، وإياكم والوسواس الخناس، فإنما يبلوكم أيكم أحسن عملا". هذا حديث غريب جدا، وله شواهد من وجوه أخرى. (¬1) (الأحزاب: 72) سورة سبأ 661 - وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا فقال: عن أبي ثعلبة الخُشَنيّ؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون". رفعه غريب جدًا. (سبأ: 12) 662 - قد ورد في ذلك حديث مرفوع غريب، وفي صحته نظر، قال ابن جرير: ... عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كان سليمان نبي الله، عليه السلام، إذا صلى ¬

(¬1) تفسير الطبري (22/ 39) وله شاهد من حديث حذيفة أخرجه البخاري في صحيحه برقم (6497).

رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول: كذا. فيقول: لأي شيء أنت؟ فإن كانت لغرس غُرِسَتْ، وإن كانت لدواء كُتِبَتْ. فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخروب. قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت. فقال سليمان: اللهم، عَمّ على الجن موتتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب. فنحتها عصًا، فتوكأ عليها حولا ميتا، والجن تعمل. فأكلتها الأرضة، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين". قال: وكان ابن عباس يقرؤها كذلك قال: "فشكرت الجن الأرضة، فكانت تأتيها بالماء". وهكذا رواه ابن أبي حاتم، من حديث إبراهيم بن طَهْمان، به. وفي رفعه غرابة ونكارة، والأقرب أن يكون موقوفًا، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني له غرابات، وفي بعض حديثه نكارة. وقال السُّدِّي، في حديث ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: كان سليمان يتحرر في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين، وأقل من ذلك وأكثر، يدخل طعامه وشرابه، فأدخله في المرة التي توفي فيها، وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة، فيأتيها فيسألها، فيقول: ما اسمك؟ فتقول: اسمي كذا وكذا. فإن كانت لغرس غرسها، وإن كانت نبْتَ دواء قالت: نَبَتُّ دواء لكذا وكذا. فيجعلها كذلك، حتى نبتت شجرة يقال لها: الخرّوبة، فسألها: ما اسمك؟ فقالت: أنا الخروبة. قال: ولأي شيء نَبَتِّ؟ قالت: نبت لخراب هذا المسجد. قال سليمان: ما كان الله ليُخَرِّبه وأنا حي؟ أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس. فنزعها وغرسها في حائط له، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه، فمات ولم تعلم به الشياطين، وهم في ذلك يعملون له، يخافون أن يخرج فيعاقبهم. وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب له كُوى بين يديه وخلفه، فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول: ألست جلدا إن دخلت فخرجت

من ذلك الجانب؟ فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر، فدخل شيطان من أولئك فمر، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق. فمر ولم يسمع صوت سليمان، ثم رجع فلم يسمع، ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق. ونظر إلى سليمان، عليه السلام، قد سقط ميتا. فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات. ففتحوا عنه فأخرجوه. وَوَجدوا منسأته - وهي: العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات؟ فوضعوا الأرضة على العصا، فأكلت منها يوما وليلة، ثم حسبوا على ذلك النحو، فوجدوه قد مات منذ سنة. وهي في قراءة ابن مسعود: فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولا، فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم ولو أنهم علموا الغيب، لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب يعملون له سنة، وذلك قول الله عز وجل: {مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأرْضِ تَاكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}. يقول: تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين - قال: فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت - قال: ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب؟ فهو ما تأتيها به الشياطين، شكرًا لها. وهذا الأثر - والله أعلم - إنما هو مما تُلُقِّي من علماء أهل الكتاب، وهي وَقْفٌ، لا يصدق منها إلا ما وافق الحق، ولا يُكذب منها إلا ما خالف الحق، والباقي لا يصدق ولا يكذب. (سبأ: 14) 663 - عن عبد العزيز بن يحيى أنه أخبره قال: كنا عند عبيدة بن عبد الرحمن بأفريقية فقال يومًا: ما أظن قوما بأرض إلا وهم من أهلها. فقال علي بن رباح: كلا قد حدثني فلان أن فروة بن مُسَيك الغُطَيفي قدم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن سبأ قوم كان لهم عز في الجاهلية، وإني أخشى أن يرتدّوا عن الإسلام، أفأقاتلهم؟ فقال: "ما أمرت فيهم بشيء بعد". فأنزلت هذه

الآية: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} الآيات، فقال له رجل: يا رسول الله، ما سبأ؟ فذكر مثل هذا الحديث الذي قبله: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن سبأ: ما هو؟ أبلد، أم رجل، أم امرأة؟ قال: "بل رجل، وَلَد له عَشَرَة فسكن اليمن منهم ستة، والشام أربعة، أما اليمانيون: فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير غير ما حلها. وأما الشام: فلخم، وجذام، وغسان، وعاملة". فيه غرابة من حيث ذكر نزول الآية بالمدينة، والسورة مكية كلها، والله أعلم. (¬1) (سبأ: 15) 664 - عن حذيفة أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يديه حذار الإنفاق"، قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، وَيَنْهَل شرار الخلق يبايعون كل مضطر، ألا إن بيع المضطرين حرام، ألا إن بيع المضطرين حرام المسلم أخو المسلم. لا يظلمه ولا يخذله، إن كان عندك معروف، فَعُد به على أخيك، وإلا فلا تَزده هلاكا إلى هلاكه". هذا حديث غريب من هذا الوجه، وفي إسناده ضعف. (¬2) (سبأ: 39) 665 - عن أبي أمامة؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: "أعطيت ثلاثا لم يعطهن مَن قبلي ولا فخر: أحلت لي الغنائم، ولم تحل لمن قبلي، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها. وبُعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث إلى قومه، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، أتيمم بالصعيد، وأصلي حيث أدركتني الصلاة، قال الله: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي". فهو حديث ضعيف الإسناد، وتفسير الآية بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد، ولعله مقحم في الحديث من بعض الرواة، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها والله أعلم. (سبأ: 46) 666 - وحكى ابن جرير عن بعضهم قال: إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين ¬

(¬1) قد حسن الحافظ ابن كثير إسناد الحديث قبل ذلك من رواية الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما -. (¬2) قال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (1 - 404): فبه متروك، ومنقطع.

مكة والمدينة في أيام بني العباس، ثم أورد في ذلك حديثا موضوعا بالكلية. ثم لم ينبه على ذلك، وهذا أمر عجيب غريب منه. (¬1) (سبأ: 51) 667 - وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا أثرًا غريبا عجيبا جدًا، فلنذكره بطوله فإنه قال: ... ¬

(¬1) تفسير الطبري (ج 20 / ص 422): قال ابن جرير الطبري: حدثنا عصام بن روَّاد بن الجراح قال: ثنا أَبي قال: ثنا سفيان بن سعيد قال: ثني منصور بن المعتمرِ عن رِبْعيِّ بن حِراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب، قال: فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فورة ذلك، حتى ينزل دمشق، فيبعث جيشين؛ جيشًا إلى المشرق، وجيشًا إلى المدينة، حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف، ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين إلى الشأم، فتخرج راية هذا من الكوفة، فتلحق ذلك الجيش منها على الفئتين، فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم، ويخلي جيشه التالي بالمدينة، فينهبونها ثلاثة أيام ولياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء، بعث الله جبريل، فيقول: يا جبرائيل اذهب فأبدهم، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم، فذلك قوله في سورة سبأ (وَلَوْ تَرَى إِذْ فُزِعُوا فَلا فَوْتَ ...) الآية، ولا ينفلت منهم إلا رجلان؛ أحدهما بشير والآخر نذير، وهما من جهينة، فلذلك جاء القول: ... ... ... ... ... ...... وَعِنْدَ جُهَينَةَ الْخَبَرُ اليَقِينُ حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال: سألت رواد بن الجراح، عن الحديث الذي حدث به عنه، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعى عن حذيفة، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، عن قصة ذكرها في الفتن، قال: فقلت له: أخبرني عن هذا الحديث سمعته من سفيان الثوري؟ قال: لا قلت: فقرأته عليه؟ قال: لا قلت: فقريء عليه وأنت حاضر؟ قال: لا قلت: فما قصته فما خبره؟ قال: جاءني قوم فقالوا: معنا حديث عجيب، أو كلام هذا معناه، نقرؤه وتسمعه، قلت لهم: هاتوه، فقرءوه عليَّ، ثم ذهبوا فحدثوا به عني، أو كلام هذا معناه. قال أَبو جعفر: وقد حدثني ببعض هذا الحديث محمد بن خلف، قال: ثنا عبد العزيز بن أبان، عن سفيان الثوري، عن منصور عن ربعى عن حذيفة عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، حديثا طويلا قال: رأيته في كتاب الحسين بن علي الصدائي، عن شيخ عن رواد عن سفيان بطوله. فائدة: انظر حديث رقم (720) من هذا الكتاب حيث قرر ابن جرير عدم صحة مثل هذا الإسناد ونقل ابن كثير عنه ذلك وأقره عليه كما في تفسير (الدخان: 10).

عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} إلى آخر الآية، قال: كان رجل من بني إسرائيل فاتحًا - أي فتح الله له مالا - فمات فورثه ابن له تافه - أي: فاسد - فكان يعمل في مال الله بمعاصي الله. فلما رأى ذلك إخوان أبيه أتوا الفتى فعذلوه ولاموه، فضجر الفتى فباع عقاره بصامت، ثم رحل فأتى عينا ثجاجَة فسرَح فيها ماله، وابتنى قصرًا. فبينما هو ذات يوم جالس إذ شمَلت عليه ريح بامرأة من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرَجا - أي: ريحًا - فقالت: من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا امرؤ من بني إسرائيل قالت: فلك هذا القصر، وهذا المال؟ قال: نعم. قالت: فهل لك من زوجة؟ قال: لا. قالت: فكيف يَهْنيك العيش ولا زوجة لك؟ قال: قد كان ذلك. فهل لك من بَعل؟ قالت: لا. قال: فهل لك إلى أن أتزوجك؟ قالت: إني امرأة منك على مسيرة ميل، فإذا كان غد فتزوّد زاد يوم وأتني، وإن رأيت في طريقك هولا فلا يَهُولنَّكَ. فلما كان من الغد تزود زاد يوم، وانطلق فانتهى إلى قصر، فقرع رتاجه، فخرج إليه شاب من أحسن الناس وجهًا وأطيبهم أرَجًا - أي: ريحًا - فقال: من أنت يا عبد الله؟ فقال: أنا الإسرائيلي. قال فما حاجتك؟ قال: دعتني صاحبة هذا القصر إلى نفسها. قال: صدقت، قال فهل رأيت في طريقك هولا؟ قال: نعم، ولولا أنها أخبرتني أن لا بأس عليّ، لهالني الذي رأيت؛ أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل، إذا أنا بكلبة فاتحة فاها، ففزعت، فَوَثَبت فإذا أنا من ورائها، وإذا جراؤها ينبحن في بطنها. فقال له الشاب: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، يقاعد الغلام المشيخة في مجلسهم ويَبُزّهم حديثهم. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل، إذا أنا بمائة عنز حُفَّل، وإذا فيها جَدْي يمصّها، فإذا أتى عليها وظن أنه لم يترك شيئًا، فتح فاه يلتمس الزيادة. فقال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، ملك يجمع صامت الناس كلّهم، حتى إذا ظن أنه لم يترك شيئًا فتح فاه يلتمس الزيادة. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بشجر، فأعجبني غصن من شجرة منها ناضر، فأردت قطعة، فنادتني شجرة أخرى: "يا عبد الله، مني فخذ". حتى ناداني الشجر أجمع: "يا عبد الله، منا فخذ". قال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، يقل الرجال ويكثر النساء،

حتى إن الرجل ليخطب المرأة فتدعوه العشر والعشرون إلى أنفسهن. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا برجل قائم على عين، يغرف لكل إنسان من الماء، فإذا تَصَدعوا عنه صَبّ في جَرّته فلم تَعلَق جَرته من الماء بشيء. قال: لست تدرك هذا، هذا يكون في آخر الزمان، القاص يعلم الناس العلم ثم يخالفهم إلى معاصي الله. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بعنز وإذا بقوم قد أخذوا بقوائمها، وإذا رجل قد أخذ بقرنيها، وإذا رجل قد أخذ بذَنَبها، وإذا رجل قد ركبها، وإذا رجل يحلبها. فقال: أما العنز فهي الدنيا، والذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها، وأما الذي قد أخذ بقرنيها فهو يعالج من عيشها ضيقًا، وأما الذي أخذ بذنبها فقد أدبرت عنه، وأما الذي ركبها فقد تركها. وأما الذي يحلبها فَبخٍ بخٍ، ذهب ذلك بها. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل، وإذا أنا برجل يمْتح على قَليب، كلما أخرج دلوه صبَّه في الحوض، فانساب الماء راجعًا إلى القليب. قال: هذا رجل رَدّ الله عليه صالح عمله، فلم يقبله. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل، إذا أنا برجل يبذُر بذرًا فيستحصد، فإذا حنطة طيبة. قال: هذا رجل قبل الله صالح عمله، وأزكاه له. قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل، إذا أنا برجل مستلق على قفاه، قال: يا عبد الله، ادن مني فخذ بيدي وأقعدني، فوالله ما قعدت منذ خلقني الله فأخذت بيده، فقام يسعى حتى ما أراه. فقال له الفتى: هذا عمْر الأبعد نَفَد، أنا ملك الموت وأنا المرأة التي أتتك أمرني الله بقبض روح الأبعد في هذا المكان، ثم أصيره إلى نار جهنم قال: ففيه نزلت هذه: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} الآية. هذا أثر غريب، وفي صحته نظر، وتنزيل هذه الآية عليه وفي حقه بمعنى أن الكفار كلهم يتوفون وأرواحهم متعلقة بالحياة الدنيا، كما جرى لهذا المغرور المفتون، ذهب يطلب مراده فجاءه الموت فجأة بغتة، وحيل بينه وبين ما يشتهي. (سبأ: 54)

سورة فاطر

سورة فاطر 668 - 669 - عن عبد الله بن الديلمي قال: أتيت عبد الله بن عمرو، وهو في حائط بالطائف يقال له: الوهط، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من نوره يومئذ فقد اهتدى، ومن أخطأه منه ضل، فلذلك أقول: جف القلم على ما علم الله عز وجل". ثم قال: ... عن زيد بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "الحمد لله الذي يهدي من الضلالة، ويلبس الضلالة على من أحب". وهذا أيضًا حديث غريب جدًّا. (¬1) (فاطر: 8) 670 - عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أيصبغ ربك؟ قال: "نعم صبغا لا يُنفَض، أحمر وأصفر وأبيض". ورُوي مرسلا وموقوفا، والله أعلم. (¬2) (فاطر: 28) 671 - عن أبي سعيد الخُدْريّ، رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله تعالى إذا رضي عن العبد أثنى عليه سَبْعةَ أصناف من الخير لم يعمله، وإذا سخط على العبد أثنى عليه سَبْعة أصناف من الشر لم يعمله". غريب جدا. (¬3) (فاطر: 30) 672 - عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال في هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}، قال: "هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة". هذا حديث غريب من هذا الوجه وفي إسناده من لم يسمّ، وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، من حديث شعبة، به نحوه. (¬4) ومعنى قوله: "بمنزلة واحدة" أي: في أنهم من ¬

(¬1) راجع تخريجه في الضعيفة للألباني حديث رقم (2657). (¬2) قال الهيثمي في المجمع (5/ 128): (وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط). (¬3) المسند (3/ 38) ودراج له مناكير وروايته عن أبي الهيثم ضعيفة. وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية برقم (1382): (لا يصح، قال أحمد: أحاديث دراج مناكير). (¬4) المسند (3/ 78) وتفسير الطبري (22/ 90).وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2577).

هذه الأمة، وأنهم من أهل الجنة، وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة. (فاطر: 32) 673 - عن عَوْف بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أمتي ثلاثة أثلات: فثلث يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة، وثلث يُمَحَّصون ويكشفون، ثم تأتي الملائكة فيقولون: وجدناهم يقولون: "لا إله إلا الله وحده". يقول الله عز وجل: صدقوا، لا إله إلا أنا، أدخلوهم الجنة بقولهم: "لا إله إلا الله وحده" واحملوا خطاياهم على أهل النار، وهي التي قال الله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]،وتصديقها في التي فيها ذكر الملائكة، قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} فجعلهم ثلاثة أنواع، وهم أصناف كلهم، فمنهم ظالم لنفسه، فهذا الذي يكشف ويمحص". غريب جدا. (¬1) (فاطر: 32) 674 - عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا كان يوم القيامة قيل: أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله فيه: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير}. وكذا رواه ابن جرير ... وكذا رواه الطبراني من طريق ابن أبي فديك، به. (¬2) وهذا الحديث فيه نظر؛ لحال إبراهيم بن الفضل، والله أعلم. (فاطر: 37) 675 - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُعْتَرك المنايا ما بين الستين إلى السبعين". وبه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أقل أمتي أبناء سبعين". (¬3) إسناده ضعيف. (فاطر: 37) 676 - عن حذيفة أنه قال: يا رسول الله، أنبئنا بأعمار أمتك. قال: "ما بين الخمسين إلى الستين" قالوا: يا رسول الله، فأبناء السبعين؟ قال: "قَلّ مَنْ يبلغها من أمتي، رحم الله أبناء السبعين، ورحم الله أبناء الثمانين". ثم قال البزار: لا يروى بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، وعثمان بن مطر من أهل البصرة ليس بقوي. (فاطر: 37) ¬

(¬1) قال الهيثمي في المجمع (7/ 96): (فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات). (¬2) قال الهيثمي في المجمع (7/ 97): (وفيه إبراهيم بن الفضل المخزومي وهو ضعيف). (¬3) قال الحافظ في الفتح (11/ 239): (من طريق إبراهيم بن الفضل عن سعيد عن أبى هريرة وإبراهيم ضعيف).

سورة يس

سورة يس 677 - قال أبو عيسى الترمذي: ... عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن لكل شيء قلبا، وقلب القرآن يس. ومَنْ قرأ يس كَتَبَ الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات". ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حُميد بن عبد الرحمن. وهارون أبو محمد شيخ مجهول. وفي الباب عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ولا يصح لضعف إسناده، وعن أبي هريرة منظور فيه. (¬1) أما حديث الصديق فرواه الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول. (¬2) وأما حديث أبي هريرة فقال أبو بكر البزار: حدثنا عبد الرحمن بن الفضل، حدثنا زيد - هو ابن الحباب - حدثنا حُميد - هو المكي، مولى آل علقمة - عن عطاء - هو ابن أبي رباح - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن لكل شيء قلبا، وقلب القرآن يس". ثم قال: لا نعلم رواه إلا زيد، عن حميد. (¬3) (يس) 678 - عن أبي سعيد الخدري قال: كانت بنو سلَمة في ناحية من المدينة، فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد، فنزلت: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} فقال لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن آثاركم تُكْتبُ". فلم ينتقلوا. انفرد بإخراجه الترمذي عند تفسير هذه الآية الكريمة، عن محمد بن الوزير، به. ثم قال: "حسن غريب من حديث الثوري" (¬4). ورواه ابن جرير ... عن أبي نضرة، به. وقد رُوِيَ من غير طريق الثوري، ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (2887)، وحكم عليه الألباني بأنه موضوع راجع الضعيفة رقم (169)، وانظركتاب أحاديث ومرويات في الميزان لمحمد عمرو بن عبداللطيف - رحمه الله - فإنه أفاد وأجاد. (¬2) قال ابن الجوزى: "هذا الحديث من جميع طرقه باطل لا أصل له".وانظركتاب أحاديث ومرويات في الميزان لمحمد عمروبن عبداللطيف (1/ 19). (¬3) مسند البزار برقم (2304) "كشف الأستار". وهذا إسناد منكر، له علتان: الأولى: جهالة حال عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق - وهو الثقفي الكوفي - شيخ البزار -. الثانية: جهالة شيخ شيخه - أيضاً -: حميد المكي مولى آل علقمة. انظركتاب أحاديث ومرويات في الميزان لمحمد عمرو بن عبداللطيف (1/ 28 - 29). (¬4) سنن الترمذي برقم (3226) وقال: (هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري وأبو سفيان هو طريف السعدي).وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في الفتح (5/ 20): (وأبو سُفْيَان، فِيهِ ضعف. والصحيح: رِوَايَة مسلمٍ، عَن أَبِي نضرة، عَن جابر، وكذا قاله الدارقطني وغيره.) أي بدون ذكر نزول هذه الآية في الحديث والله أعلم.

فقال الحافظ أبو بكر البزار: ... عن أبي سعيد قال: إن بني سَلَمة شَكوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد منازلهم من المسجد، فنزلت: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}، فأقاموا في مكانهم. و ... عن أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنحوه. وفيه غرابة من حيث ذكْرُ نزول هذه الآية، والسورة بكمالها مكية (¬1)، فالله أعلم. (يس: 12) 679 - عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "السُّبَّق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب" (¬2) فإنه حديث منكر، لا يعرف إلا من طريق حسين الأشقر، وهو شيعي متروك، والله أعلم. (يس: 29) 680 - وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا، وفي إسناده نظر، فإنه قال: ... عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}. قال: "فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم". ورواه ابن ماجه في "كتاب السنة" من سننه، عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، به. (¬3) (يس: 58) 681 - عن عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار، أقبل في ظُلَل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة، فيردون عليه السلام - قال ¬

(¬1) قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في الصحيح المسند ص (174): (وأما قول الحافظ ابن كثير رحمه الله إن فيه غرابة لأن السورة بكمالها مكية فلم يظهر لي اتجاهه، فإذا ثبت أن هذه الآية نزلت بمكة فلا مانع من نزولها مرتين وإن لم يثبت نزولها بمكة فقد تكون السورة مكية إلا آية كما هو معروف. والله أعلم). (¬2) ضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح (6/ 467)، والألباني في الضعيفة رقم (358). (¬3) قال البوصيري في الزوائد (1/ 86): "هذا إسناد ضعيف لضعف الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي". وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2363).

القرظي: وهذا في كتاب الله {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} - فيقول: سلوني. فيقولون: ماذا نسألك أيْ ربّ؟ قال: بلى سلوني. قالوا: نسألك - أيْ رب - رضاك. قال: رضائي أحلكم دار كرامتي. قالوا: يا رب، فما الذي نسألك، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم، لا ينقصنا ذلك شيئًا. قال: إن لديَّ مزيدًا. قال فيفعل ذلك بهم في درجهم، حتى يستوي في مجلسه. قال: ثم تأتيهم التحف من الله، عز وجل، تحملها إليهم الملائكة. ثم ذكر نحوه. وهذا أثر غريب، أورده ابن جرير من طرق. (يس: 58) 682 - عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ما جمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيت شعر قط، إلا بيتا واحدًا. تَفَاءلْ بما تَهْوَى يَكُنْ فَلَقَلَّمَا ... يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إلا تَحَقَّقَا (¬1) سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزّي عن هذا الحديث، فقال: هو منكر. ولم يعرف شيخ الحاكم، ولا الضرير. (يس: 62) 683 - عن شَدَّاد بن أوس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة، لم تقبل له صلاة تلك الليلة" (¬2). وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. والمراد بذلك نظمه لا إنشاده، والله أعلم. (يس: 62) 684 - عن ابن عباس أن العاص بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففتَّه بيده، ثم قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيحيي الله هذا بعد ما أرى؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم، يميتك الله ثم يحييك، ثم يدخلك جهنم". قال: ونزلت الآيات من آخر "يس". ورواه ابن جرير عن يعقوب بن إبراهيم، عن هُشَيْمٍ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، فذكره ولم يذكر "ابن عباس". وروي من طريق العوفي، عن ابن عباس قال: جاء عبد الله بن أبي بعظم ¬

(¬1) السنن الكبرى للبيهقي (7/ 43) وقال: "لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، وفيهم مَنْ يجهل حاله". وَقَالَ الْخَطِيبُ: غَرِيبٌ جِدًّا. راجع التلخيص الحبير (4/ 208). (¬2) قال الألباني في السلسلة الضعيفة ح (2428): (منكر ...) فراجعه إن شئت.

سورة الصافات

ففَتَّه وذكر نحو ما تقدم. وهذا منكر؛ لأن السورة مكية، وعبد الله بن أبي بن سلول إنما كان بالمدينة. وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أُبي بن خلف، أو [في] العاص [بن وائل]،أو فيهما، فهي عامة في كل مَنْ أنكر البعث. والألف واللام في قوله: {أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ} للجنس، يعم كل منكر للبعث. (يس: 77) سورة الصافات 685 - عن زيد بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتلا هذه الآية {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} ينظر بعضهم إلى بعض. حديث غريب (¬1). (الصافات: 44) 686 - عن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي، وبين أن أختبئ شفاعتي، فاختبأت شفاعتي، ورجوت أن تكفر الجَمْ لأمتي، ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لتعجلت فيها دعوتي، إن الله لما فرج عن إسحاق كرْبَ الذبح قيل له: يا إسحاق، سل تعطه. فقال: أما والذي نفسي بيده لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان، اللهم من مات لا يشرك بك شيئا فاغفر له وأدخله الجنة". هذا حديث غريب منكر (¬2). وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث، وأخشى أن يكون في الحديث زيادة مُدْرَجَة، وهي قوله: "إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق" إلى آخره، والله أعلم. فهذا إن كان محفوظا فالأشبه أن السياق إنما هو عن "إسماعيل"، وإنما حرفوه بإسحاق؛ حَسَدًا منهم كما تقدم، وإلا فالمناسك والذبائح إنما محلها بمنى من أرض مكة، حيث كان إسماعيل لا إسحاق [عليهما السلام]، ¬

(¬1) قال ابن أبي حاتم في العلل حديث رقم (2598): (فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، فِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولُونَ).راجع تخريجه بإسناد آخر في الضعيفة للألباني حديث رقم (2657). (¬2) وذكره ابن أبي حاتم في العلل (2/ 219) وقال: "سألت أبي، فقال: هذا حديث منكر".

فإنه إنما كان ببلاد كنعان من أرض الشام. (¬1) (الصافات: 103) 687 - وقد ورد في ذلك حديث - لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين، ولكن لم يصح سنده - قال ابن جرير: ... عن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ذكره قال: هو إسحاق. ففي إسناده ضعيفان، وهما الحسن بن دينار البصري، متروك. وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث. وقد رواه ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن مسلم بن إبراهيم، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، به مرفوعا. ثم قال: قد رواه مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأحنف، عن العباس قوله، وهذا أشبه وأصح. (¬2) (الصافات: 107) 688 - وقد روى ابن جرير في ذلك حديثا غريبا فقال: ... كنا عند معاوية بن أبي سفيان، فذكروا الذبيح: إسماعيل أو إسحاق؟ فقال: على الخبير سقطتم، كنا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين. فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما الذبيحان؟ فقال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها عليه، ليذبحن أحد ولده، قال: فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا: افد ابنك بمائة من الإبل. ففداه بمائة من الإبل، وإسماعيل الثاني. وهذا حديث غريب جدا. وقد رواه الأموي في مغازيه: حدثنا بعض أصحابنا، أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، حدثنا عمر بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا عبيد الله بن محمد العتبي - من ولد عتبة بن أبي سفيان - حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق، وذكره. كذا كتبته من نسخة مغلوطة. (¬3) (الصافات: 107) ¬

(¬1) انظر: كتاب الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للعلامة محمد أبو شهبة ص (252 - 260) حيث أورد هذه الأحاديث وبين حالها. (¬2) قال الألباني في السلسلة الضعيفةح (332): (... وبالجملة فطرق هذا الحديث كلها ضعيفة ليس فيها ما يصلح أن يحتج به، وبعضها أشد ضعفا من بعض، والغالب أنها إسرائيليات رواها بعض الصحابة ترخصا أخطأ في رفعها بعض الضعفاء ...). (¬3) ضعفه الألباني في الضعيفة راجع الحديثين (331)، (1677).

689 - أن يزيد الرّقاشي حَدّثه: أنه سمع أنس بن مالك - ولا أعلم إلا أنّ أنسا يرفع الحديث إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "أن يونس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات، وهو في بطن الحوت، فقال: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين. فأقبلت الدعوة تحف بالعرش، قالت الملائكة: يا رب، هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة؟ فقال: أما تعرفون ذلك؟ قالوا: يا رب، ومن هو؟ قال: عبدي يونس. قالوا: عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل، ودعوة مستجابة؟ قالوا: يا رب، أو لا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجِّيه في البلاء؟ قال: بلى. فأمر الحوت فطرحه بالعراء". ورواه ابن جرير، عن يونس، عن ابن وهب، به. (¬1) (الصافات: 143) 690 - عن أبي بن كعب: أنه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}، قال: "يزيدون عشرين ألفا". ورواه الترمذي ... وقال: غريب. (¬2) ورواه ابن أبي حاتم ... (الصافات: 147) 691 - عن أبي سعيد، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا سلم قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يسلم. إسناده ضعيف. (¬3) (الصافات: 182) ¬

(¬1) قال الحافظ ابن كثير في التفسير: (لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس - ويزيد وإن كان من الصالحين - لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة). انظر: تفسيرسورة (ص: الآية21). (¬2) قال الألباني: ضعيف الإسناد، انظر سنن الترمذي حديث رقم (3229). (¬3) قال الألباني في الضعيفةح (4201): وهذا إسناد ضعيف جداً، أبو هارون العبدي - واسمه عمارة بن جوين -؛ قال الحافظ: "متروك، ومنهم من كذبه".

سورة ص

سورة ص 692 - قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ولكن روى ابن أبي حاتم (¬1) هنا حديثا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس - ويزيد وإن كان من الصالحين - لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا. (ص: 21) 693 - عن قتادة: قال: أمر سليمان، عليه السلام ببناء بيت المقدس فقيل له: ابنه ولا يُسمَعُ فيه صوت حديد. فقال: فطلب ذلك فلم يقدر عليه. فقيل له: إن شيطانا في البحر يقال له: "صخر" شبه المارد. قال: فطلبه وكانت عين في البحر يَردهُا في كل سبعة أيام مرة فنزح ماؤها وجعل فيها خمر، فجاء يوم ورْده فإذا هو بالخمر فقال: إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا. ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا. ثم شربها حتى غلبت على عقله، قال: فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه فَذَلَّ. قال: وكان ملكه في خاتمه فأتي به سليمان فقال: إنه قد أمرنا ببناء هذا البيت وقيل لنا: لا يسمعن فيه صوت حديد. قال: فأتى ببيض الهدهد فجعل عليه زجاجة ¬

(¬1) عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ نَظَرَ إِلَى الْمَرْأَةِ قَطَعَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَوْصَى صَاحِبَ الْجَيْشِ، فَقَالَ: إِذَا حَضَرَ الْعَدُوُّ تَضْرِبُ فُلانًا بَيْنَ يَدَيِ التَّابُوتِ، وَكَانَ التَّابُوتُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يُسْتَنْصَرُ بِهِ مِنْ قُدِّمَ بَيْنَ يَدَيِ التَّابُوتِ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُقْتَلَ، أَوْ يَنْهَزِمَ مِنْهُ الْجَيْشُ فَقُتِلَ، وَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ، وَنَزَلَ الْمَلَكَانِ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَسَجَدَ، فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً سَاجِدًا، حَتَّى نَبَتَ الزَّرْعُ مِنْ دُمُوعِهِ عَلَى رَاسِهِ، فَأَكَلَتِ الْأَرْضُ جَبِينَهُ وَهُوَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: رَبِّ، زَلَّ دَاوُدُ زَلَّةً أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، رَبِّ، إِنْ لَمْ تَرْحَمْ ضَعْفَ دَاوُدَ وَتَغْفِرْ ذُنُوبَهُ جُعِلَتْ ذَنْبُهُ حَدِيثًا فِي الْمَخْلُوقِ مِنْ بَعْدِهِ .. فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ بَعْدِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ: يَا دَاوُدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ اللَّهُ عَدْلٌ لا يَمِيلُ، فَكَيْفَ بِفُلانٍ إِذَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ، دَمِيَ الَّذِي عِنْدَ دَاوُدَ؟ قَالَ جِبْرِيلُ: مَا سَأَلْتَ رَبَّكَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ شِئْتَ لافْعَلَنَّ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَفَرِحَ جِبْرِيلُ، وَسَجَدَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: قَدْ سَأَلْتُ اللَّهَ يَا دَاوُدُ عَنِ الَّذِي أَرْسَلْتَنِي فِيهِ، فَقَالَ: قُلْ لِدَاوُدَ: إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُكُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: "هَبْ لِي دَمَكَ الَّذِي عِنْدَ دَاوُدَ"، فَيَقُولُ: هُوَ لَكَ، فَيَقُولُ: "فَإِنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ مَا شِئْتَ مَا اشْتَهَيْتَ عِوَضًا".

فجاء الهدهد فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه فذهب فجاء بالماس فوضعه عليه فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه. فأخذ الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة. وكان سليمان [عليه السلام] إذا أراد أن يدخل الخلاء - أو: الحمام - لم يدخل بخاتمه فانطلق يوما إلى الحمام وذلك الشيطان صخر معه، وذلك عند مقارفة قارف فيه بعض نسائه. قال: فدخل الحمام وأعطى الشيطان خاتمه فألقاه في البحر فالتقمته سمكة، ونزع مُلك سليمان منه وألقي على الشيطان شَبَه سليمان. قال: فجاء فقعد على كرسيه وسريره وسُلِّط على ملك سليمان كله غير نسائه. قال: فجعل يقضي بينهم، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد فتن نبي الله. وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطاب في القوة فقال: والله لأجربنه. قال: فقال: يا نبي الله - وهو لا يرى إلا أنه نبي الله - أحدنا تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس أترى عليه بأسا؟ فقال: لا. قال: فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة فأقبل فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم، {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} قال: هو الشيطان صخر وقال السدي: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} أي: ابتلينا سليمان، {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} قال: جلس الشيطان على كرسيه أربعين يوما. قال: وكان لسليمان عليه السلام مائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها: "جرادة"، وهي آثر نسائه وآمنهن عنده وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه ولم يأتمن عليه أحدا من الناس غيرها فأعطاها يوما خاتمه ودخل الخلاء فخرج الشيطان في صورته فقال: هاتي الخاتم. فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس سليمان وخرج سليمان بعد ذلك فسألها أن تعطيه خاتمه، فقالت: ألم تأخذه قبل؟ قال: لا. وخرج مكانه تائها. قال: ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما، قال: فأنكر الناس أحكامه فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم فجاءوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا فإن كان سليمان فقد ذهب عقله وأنكرنا أحكامه. قال: فبكى النساء عند ذلك قال: فأقبلوا يمشون حتى أتوا فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرءوا. قال: فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه. ثم طار حتى

ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت من حيتان البحر. قال: وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع وقد اشتد جوعه. فاستطعمهم من صيدهم وقال: إني أنا سليمان. فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه فقالوا بئس ما صنعت حيث ضربته. قال: إنه زعم أنه سليمان. قال: فأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم فلم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام إلى شط البحر فشق بطونهما فجعل يغسل [دمه] فوجد خاتمه في بطن إحداهما فأخذه فلبسه فرد الله عليه بهاءه وملكه، وجاءت الطير حتى حامت عليه فعرف القوم أنه سليمان عليه السلام فقام القوم يعتذرون مما صنعوا [به] فقال: ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم، كان هذا الأمر لابد منه. قال: فجاء حتى أتى ملكه وأرسل إلى الشيطان فجيء به فأمر به فجعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه وقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أمر به فألقي في البحر فهو فيه حتى تقوم الساعة. وكان اسمه حبقيق قال: وسخر له الريح ولم تكن سخرت له قبل ذلك وهو قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} قال: شيطانا يقال له: آصف. فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر فساح سليمان وذهب ملكه، وقعد آصف على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن - ولم يقربنه وأنكرنه. قال: فكان سليمان يستطعم فيقول: أتعرفوني؟ أطعموني أنا سليمان فيكذبونه، حتى أعطته امرأة يوما حوتا فجعل يطيب بطنه، فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفر آصف فدخل البحر فارا. وهذه كلها من الإسرائيليات. (ص: 34). 694 - ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم: عن ابن عباس [رضي الله عنهما] {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} قال: أراد سليمان أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه - وكانت الجرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه - فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها: هاتي خاتمي. فأعطته إياه. فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما

خرج سليمان من الخلاء قال لها: هاتي خاتمي. قالت: قد أعطيته سليمان. قال: أنا سليمان. قالت: كذبت لست سليمان فجعل لا يأتي أحدا يقول له: "أنا سليمان"، إلا كذبه حتي جعل الصبيان يرمونه بالحجارة. فلما رأى ذلك عَرَف أنه من أمر الله عز وجل. قال: وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان. قال: فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن: أتنكرن من سليمان شيئاً؟ قلن: نعم إنه يأتينا ونحن حيض وما كان يأتينا قبل ذلك. فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر، فدفنوها تحت كرسي سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس. وقالوا: بهذا كان يظهر سليمان على الناس [ويغلبهم] فأكفر الناس سليمان عليه السلام فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطانُ بالخاتم فطرحه في البحر فتلقته سمكة فأخذته. وكان سليمان يحمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكاً فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فدعا سليمان فقال: تحمل لي هذا السمك؟ فقال: نعم. قال: بكم؟ قال بسمكة من هذا السمك. قال: فحمل سليمان عليه السلام السمك ثم انطلق به إلى منزله فلما انتهى الرجل إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان فشق بطنها، فإذا الخاتم في جوفها فأخذه فلبسه. قال: فلما لبسه دانت له الجن والإنس والشياطين وعاد إلى حاله وَهَرب الشيطان حتى دخل جزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان في طلبه وكان شيطاناً مريداً فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوماً نائماً فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا أنماط معه من الرصاص قال: فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان، فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخل في جوفه ثم سد بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} قال: يعني الشيطان الذي كان سلط عليه. إسناده إلى ابن عباس قوي ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس - إن صح عنه - من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه السلام فالظاهر أنهم يكذبون عليه ولهذا كان في السياق منكرات من

أشدها ذكر النساء فإن المشهور أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان بل عصمهن الله منه تشريفاً وتكريماً لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف، كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متُلقًّاة من قصص أهل الكتاب والله أعلم بالصواب. وقال يحيى بن أبي عمرو السيباني: وجد سليمان خاتمه في عسقلان، فمشى في خرقة إلى بيت المقدس تواضعا لله عز وجل، رواه ابن أبي حاتم. (¬1) (ص: 34) 695 - وقد روى ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار في صفة كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام خبرا عجيبا فقال: ... عن كعب الأحبار؛ أنه لما فرغ من حديث "إرم ذات العماد" قال له معاوية: يا أبا إسحاق أخبرني عن كرسي سليمان بن داود وما كان عليه؛ ومن أي شيء هو؟ فقال: كان كرسي سليمان من أنياب الفيلة مُفَصّصاً بالدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ. وقد جُعل له درجة منها مُفَصّصة بالدر والياقوت والزبرجد ثم أمر بالكرسي فحُفّ من جانبيه بالنخل، نخل من ذهب شماريخها من ياقوت وزبرجد ولؤلؤ. وجعل على رءوس النخل التي عن يمين الكرسي طواويس من ذهب، ثم جعل على رءوس النخل التي على يسار الكرسي نسور من ذهب مقابلة الطواويس، وجعل على يمين الدرجة الأولى شجرتا صنوبر من ذهب، وعن يسارها أسدان من ذهب وعلى رءوس الأسدين عمودان من زبرجد وجعل من جانبي الكرسي شجرتا كرم من ذهب قد أظلتا الكرسي وجعل عناقيدهما درا وياقوتا أحمر. ثم جُعل فوق دَرَج الكرسي أسَدَان عظيمان من ذهب مجوفان محشوان مسكا وعنبرا. فإذا أراد سليمان أن يصعد على كرسيه استدار الأسدان ساعة ثم يقعان فينضحان ما في أجوافهما من المسك والعنبر حول كرسي سليمان عليه السلام، ثم يوضع منبران من ذهب واحد لخليفته والآخر لرئيس أحبار بني إسرائيل ذلك الزمان. ثم يوضع أمام كرسيه سبعون منبرا من ذهب يقعد عليها سبعون قاضيا من بني ¬

(¬1) انظر: كتاب الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير لمحمد أبو شهبة ص (270 - 275) طبعة دار الجيل بيروت.

إسرائيل وعلمائهم وأهل الشرف منهم والطول ومن خلف تلك المنابر كلها خمسة وثلاثون منبرا من ذهب ليس عليها أحد، فإذا أراد أن يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجة السفلى فاستدار الكرسي كله بما فيه وما عليه، ويبسط الأسد يده اليمنى وينشر النسر جناحه الأيسر ثم يصعد [سليمان] على الدرجة الثانية فيبسط الأسد يده اليسرى وينشر النسر جناحه الأيمن فإذا استوى سليمان على الدرجة الثالثة وقعد على الكرسي أخذ نسر من تلك النسور عظيم تاج سليمان فوضعه على رأسه فإذا وضعه على رأسه استدار الكرسي بما فيه كما تدور الرحى المسرعة. فقال معاوية رضي الله عنه: وما الذي يديره يا أبا إسحاق؟ قال: تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه وهو عظيم مما عمله صخر الجني فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسْدُ والطواويس التي في أسفل الكرسي دُرْنَ إلى أعلاه فإذا وقف وقفن كلهن منكسات رءوسهن على رأس سليمان [ابن داود] عليه السلام وهو جالس ثم ينضحن جميعًا ما في أجوافهن من المسك والعنبر على رأس سليمان عليه السلام. ثم تتناول حمامة من ذهب واقفة على عمود من جوهر التوراةَ فتجعلها في يده فيقرؤها سليمان على الناس. وذكر تمام الخبر وهو غريب جدا. (ص: 34) 696 - وقد روي من حديث رافع بن عمير رضي الله عنه، بإسناد وسياق غريبين فقال الطبراني: ... عن رافع بن عمير قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "قال الله عز وجل لداود عليه السلام: ابن لي بيتًا في الأرض. فبنى داود بيتًا لنفسه قبل البيت الذي أمر به فأوحى الله إليه: يا داود نصبت بيتك قبل بيتي؟ قال: يا رب هكذا قضيت من ملك استأثر ثم أخذ في بناء المسجد فلما تم السور سقط ثلاثا فشكا ذلك إلى الله عز وجل فقال: يا داود إنك لا تصلح أن تبني لي بيتًا قال: ولم يا رب؟ قال: لما جرى على يديك من الدماء. قال: يا رب أو ما كان ذلك في هواك ومحبتك؟ قال: بلى ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم فشق ذلك عليه فأوحى الله إليه: لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان. فلما مات داود أخذ سليمان في بنائه فلما تم قرب القرابين وذبح الذبائح وجمع بني إسرائيل فأوحى الله إليه: قد أرى سرورَك ببنيان بيتي فسلني أعطك. قال: أسألك ثلاث خصال حكما

سورة الزمر

يصادف حكمك وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ومن أتي هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أما ثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة". (¬1) (ص: 35) سورة الزمر 697 - عن أنس قال: دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على رجل وهو في الموت، فقال له: "كيف تجدك؟ " قال: أرجو وأخاف. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله عز وجل الذي يرجو، وأمنه الذي يخافه". ورواه الترمذي والنسائي في (اليوم والليلة)، وابن ماجه ... وقال الترمذي: (غريب. وقد رواه بعضهم عن ثابت، عن أنس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا). (¬2) (الزمر: 9) 697 - عن أنس [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يجاء بالإمام الخائن يوم القيامة، فتخاصمه الرعية فيفلجون عليه، فيقال له: سد ركنا من أركان جهنم". ثم قال: الأغلب بن تميم ليس بالحافظ. (الزمر: 31) 698 - وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا غريبا جدًا - وفي صحته نظر - ولكن نذكره كما ذكره، فإنه قال: ... عن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أنه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تفسير: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} فقال: "ما سألني عنها أحد قبلك يا عثمان"، قال: ¬

(¬1) قال الألباني: (... وقال الهيثمي: (فيه محمد بن أيوب بن سويد الرملي وهو متهم بالوضع). ثم رأيت الذهبي حكم على الحديث بالوضع فأصاب حيث قال في ترجمة ابن أيوب هذا: (ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه. قال أبو زرعة: رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة ...) انظر الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب للألباني ص (546). (¬2) قال الترمذي في العلل الكبيررقم (150): سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: إنما يروى هذا الحديث عن ثابت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على شاب. وحسنه الألباني في الصحيحة (1051).

"تفسيرها: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، أستغفر الله، ولا قوة إلا بالله، الأول والآخر، والظاهر والباطن، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، من قالها يا عثمان إذا أصبح عشر مرار أعطي خصالا ستا: أما أولاهن: فيحرس من إبليس وجنوده، وأما الثانية: فيعطى قنطارا من الأجر، وأما الثالثة: فترفع له درجة في الجنة، وأما الرابعة: فيتزوج من الحور العين، وأما الخامسة: فيحضره اثنا عشر ملكا، وأما السادسة: فيعطى من الأجر كمن قرأ القرآن والتوراة والإنجيل والزبور. وله مع هذا يا عثمان من الأجر كمن حج وتقبلت حجته، واعتمر فتقبلت عمرته، فإن مات من يومه طبع بطابع الشهداء". ورواه أبو يعلى الموصلي من حديث يحيى بن حماد، به مثله. (¬1) وهو غريب، وفيه نكارة شديدة، والله أعلم. (الزمر: 63) 700 - عن جرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنفر من أصحابه: "إني قارئ عليكم آيات من آخر سورة الزمر، فمن بكى منكم وجبت له الجنة"؟ فقرأها من عند قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} إلى آخر السورة، فمنا من بكى، ومنا من لم يبك، فقال الذين لم يبكوا: يا رسول الله لقد جهدنا أن نبكي فلم نبك؟ فقال: "إني سأقرؤها عليكم فمن لم يبك فليتباك". هذا حديث غريب جدا. (¬2) 701 - وأغرب منه ما رواه في المعجم الكبير أيضا: حدثنا هاشم بن مُرْثَد، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثني أبي، حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله تعالى يقول: ثلاث خلال غَيَّبتُهُنَّ عن عبادي، لو رآهن رجل ما عمل سوءًا أبدا: لو كشفت غطائي فرآني حتى نستيقن ويعلم كيف أفعل بخلقي إذا أتيتهم، وقبضت السموات بيدي، ثم قبضت الأرض والأرضين، ثم قلت: أنا الملك، من ذا الذي له الملك دوني؟ ثم أريتهم الجنة وما أعددت لهم فيها من كل خير، فيستيقنوها. وأريهم النار وما أعددت لهم فيها من كل شر ¬

(¬1) قال الهيثمي في المجمع (10/ 115): "رواه أبو يعلى في الكبير، وفيه الأغلب بن تميم، وهو ضعيف". (¬2) رواه الطبراني (3/ 208) وفيه بكر بن خنيس وهو متروك.

فيستيقنوها، ولكن عمدا غيبت ذلك عنهم لأعلم كيف يعملون، وقد بينته لهم". (¬1) وهذا إسناد متقارب، وهي نسخة تروى بها أحاديث جمة، والله أعلم. (الزمر: 67) 702 - عن أبي هريرة [رضي الله عنه]، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "سألت جبريل، عليه السلام، عن هذه الآية: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: هم الشهداء، مقلدون أسيافهم حول عرشه، تتلقاهم ملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت نمارها ألين من الحرير، مَدُّ خطاها مد أبصار الرجال، يسيرون في الجنة يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا إلى ربنا، عز وجل، لننظر كيف يقضي بين خلقه، يضحك إليهم إلهي، وإذا ضحك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه". رجاله كلهم ثقات إلا شيخ إسماعيل بن عياش، فإنه غير معروف والله أعلم (¬2) (الزمر: 68) 703 - إن عليا، رضي الله عنه، كان ذات يوم عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "والذي نفسي، بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يُسْتَقبلون - أو: يُؤْتون - بنوق لها أجنحة، وعليها رحال الذهب، شراك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان، فيشربون من إحداهما فيُغْسَل ما في بطونهم من دنس، ويغتسلون من الأخرى، فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبدا، وتجري عليهم نضرة النعيم، فينتهون - أو: فيأتون - باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، فيضربون بالحلقة على الصفيحة، فيسمع لها طنين يا علي، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتبعث قَيّمها فيفتح له، فإذا رآه خَرّ له - قال مسلمة: أراه قال: ساجدًا - فيقول: ارفع رأسك، فإنما أنا قَيمك، وُكِّلْتُ بأمرك. فيتبعه ويقفو أثره، فتستخف الحوراء العجلة، فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه، ثم تقول: أنت حبي، وأنا حبك، وأنا الخالدة التي لا أموت، وأنا الناعمة التي لا أبأس، وأنا الراضية التي لا أسخط، وأنا ¬

(¬1) المعجم الكبير (3/ 294)، وفي إسناده: محمد بن إسماعيل بن عياش، ضعيف ولم يسمع من أبيه. (¬2) قال الألباني: منكر بهذا التمام. انظر السلسلة الضعيفة (5437)، صحيح الترغيب (1387).

سورة غافر

المقيمة التي لا أظعن". فيدخل بيتًا من أسّه إلى سقفه مائة ألف ذراع، بناؤه على جندل اللؤلؤ، طرائق أصفر وأخضر وأحمر، ليس فيها طريقة تشاكل صاحبتها، في البيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون حَشْيَة، على كل حشية سبعون زوجة، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مُخّ ساقها من باطن الحُلَل، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه. الأنهارمن تحتهم تَطّرد، أنهار من ماء غير آسن - قال: صاف، لا كدر فيه - وأنهار من لبن لم يتغير طعمه - قال: لم يخرج من ضروع الماشية - وأنهار من خمر لذة للشاربين - قال: لم تعصرها الرجال بأقدامهم - وأنهار من عسل مصفى - قال: لم يخرج من بطون النحل. يستجني الثمار، فإن شاء قائما، وإن شاء قاعدا، وإن شاء متكئا - ثم تلا {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا} [الإنسان: 14]- فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض - قال: وربما قال: أخضر. قال: - فترفع أجنحتها، فيأكل من جنوبها، أي الألوان شاء، ثم يطير فيذهب، فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم، تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون. ولوأن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض، لأضاءت الشمس معها سوادًا في نور". هذا حديث غريب، وكأنه مرسل، والله أعلم. (الزمر: 74) سورة غافر 704 - عن يعلى بن مُنْيَه - رفع الحديث إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "ينشئ الله سحابة لأهل النار سوداء مظلمة، ويقال: يا أهل النار، أي شيء تطلبون؟ فيذكرون بها سحاب الدنيا فيقولون: نسأل بَرْد الشراب، فتمطرهم أغلالا تزيد في أغلالهم، وسلاسل تزيد في سلاسلهم، وجمرا يُلْهِبُ النار عليهم". هذا حديث غريب. (غافر: 72)

سورة فصلت

سورة فصلت 705 - عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: اجتمعت قريش يوما فقالوا: انظروا أعْلَمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وعاب ديننا، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه؟ فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة ابن ربيعة. فقالوا: أنت يا أبا الوليد. فأتاه عتبة فقال: يا محمد، أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سَخْلةً قط أشأم على قومك منك؛ فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا، وأن في قريش كاهنا! والله ما ننظر إلا مثل صيحة الحُبْلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف، حتى نتفانى! أيها الرجل، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش [شئت] فلنزوجك عشرا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَرَغْتَ؟ " قال: نعم فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم * تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى بلغ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فقال عتبة: حسبك! حسبك! ما عندك غير هذا؟ قال: "لا" فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته. قالوا: فهل أجابك؟ [قال: نعم، قالوا: فما قال؟] قال: لا والذي نصبها بَنيَّةً ما فَهِمْتُ شيئا مما قال، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك! يكلمك الرجل بالعربية ما تدري ما قال؟! قال: لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة. وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده، مثله سواء. (¬1) وقد ساقه البغوي في تفسيره بسنده عن محمد بن فُضَيل، عن الأجلح - وهو ابن عبد الله الكندي الكوفي - وقد ¬

(¬1) المنتخب لعبد بن حميد برقم (1121) ومسند أبي يعلى (3/ 349) وفي إسناده الأجلح الكندي ضعفه النسائي وغيره.

ضُعِّفَ بعض الشيء عن الذّيَّال بن حرملة، عن جابر، فذكر الحديث إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فأمسك عتبة على فيه، وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم. فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صَبَا إلى محمد، وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة [قد] أصابته، فانطلقوا بنا إليه. فانطلقوا إليه فقال أبو جهل: يا عتبة، ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه، فإن كانت لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب عتبة، وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا، وقال: والله، لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته وقصصت عليه [القصة] فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فأمسكت بفيه، وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخشيت أن ينزل بكم العذاب. وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى، والله أعلم. (فصلت: 5) 706 - عن ابن عباس - قال هناد: قرأت سائر الحديث - أن اليهود أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألته عن خلق السماوات والأرض، فقال: "خلق الله الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} لمن سأل، قال: "وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال، حين يموت من مات، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم، وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة". ثم قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: "ثم استوى على العرش". قالوا: قد أصبت لو أتممت! قالوا: ثم استراح. فغضب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضبا شديدا، فنزل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا

يَقُولُونَ} [ق: 38]. هذا الحديث فيه غرابة. (فصلت: 12) 707 - عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل" فقد رواه مسلم، والنسائي في كتابيهما، عن حديث ابن جريج، به. (¬1) وهو من غرائب الصحيح، وقد عَلَّله البخاري في التاريخ فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار، وهو الأصح. (فصلت: 12) 708 - عن جابر بن عبد الله قال: لما رجعت إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهاجرة البحر قال: "ألا تحدثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ " فقال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها. فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت: سوف تعلم يا غُدَر، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا؟ قال: يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَتْ وصدقت، كيف يُقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟ ". هذا حديث غريب من هذا الوجه. ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا يحيى بن سليم، به. (فصلت: 21) 709 - عن سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة: نسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة. فقال سعيد: أو فيها سوق؟ قال: نعم، أخبرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها، نزلوا بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة في أيام الدنيا فيزورون الله، عز وجل، ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، وتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر ¬

(¬1) صحيح مسلم برقم (2789) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11010).

من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس فيه أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور، ما يرون بأن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا. قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، وهل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "نعم هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ " قلنا: لا. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فكذلك لا تتمارون في رؤية ربكم تعالى، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة، حتى إنه ليقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان، أتذكر يوم عملت كذا وكذا؟ - يذكِّره ببعض غدراته في الدنيا - فيقول: أي رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه. قال: فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط". قال: ثم يقول ربنا - عز وجل -: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، وخذوا ما اشتهيتم". قال: "فنأتي سوقا قد حَفَّت به الملائكة، فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب. قال: فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيه شيء ولا يشترى، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا". قال: "فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه؛ وذلك لأنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها. ثم ننصرف إلى منازلنا، فيتلقانا أزواجنا فيقلن: مرحبا وأهلا بِحِبَّنا، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه. فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار - عز وجل - وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به". وقد رواه الترمذي في "صفة الجنة" من جامعه، عن محمد بن إسماعيل، عن هشام بن عمار، ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار، به نحوه. ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬1) (فصلت: 32) ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (2549) وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد روى سويد بن عمرو عن الأوزاعي شيئا من هذا الحديث)، وسنن ابن ماجه برقم (4336)، وضعفه الألباني في ضعيف، المشكاة (5647)، الضعيفة (1722).

سورة الشورى

سورة الشورى 710 - وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا منكرا، فقال: ... عن أرطاة بن المنذر قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال له - وعنده حُذيفة بن اليمان -: أخبرني عن تفسير قول الله: {حم * عسق} قال: فأطرق ثم أعرض عنه، ثم كرر مقالته فأعرض عنه، فلم يجبه بشيء وكره مقالته، ثم كررها الثالثة فلم يُحِرْ إليه شيئا. فقال حذيفة: أنا أنبئك بها، قد عرفت لم كرهها؟ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له "عبد الإله" - أو: عبد الله - ينزل على نهر من أنهار المشرق تُبْنَى عليه مدينتان، يشق النهر بينهما شقا، فإذا أذن الله في زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم، بعث الله على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة وقد احترقت، كأنها لم تكن مكانها، وتصبح صاحبتها متعجبة: كيف أفلتت؟ فما هو إلا بياض يومها ذلك، حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا، فذلك قوله: {حم * عسق} يعني: عزيمة من الله تعالى وفتنة وقضاء حُمّ: {حم} عين: يعني عدلا منه، سين: يعني سيكون، ق: يعني واقع بهاتين المدينتين. (الشورى: 2) 711 - وأغرب منه ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند ابن عباس، وعن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، ولكن إسناده ضعيف جدا ومنقطع، فإنه قال: ... عن أبي معاوية قال: صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال: أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفسر {حم * عسق}؟ فوثب ابن عباس فقال: أنا. قال: " {حم} اسم من أسماء الله تعالى" قال: فعين؟ قال: "عاين المولون عذاب يوم بدر" قال: فسين؟ قال: "سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" قال: فقاف؟ فسكت. فقام أبو ذر، ففسر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وقال: قاف: قارعة من السماء تغشى الناس. (الشورى: 2) 712 - عن ابن عباس قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا، وكأنهم فخروا فقال ابن عباس - أو: العباس، شك عبد السلام -: لنا الفضل عليكم. فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأتاهم في مجالسهم فقال: "يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي؟ " قالوا:

بلى، يا رسول الله. قال: ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال: "أفلا تجيبوني؟ " قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: "ألا تقولون: ألم يخرجك قومك فآويناك؟ أو لم يكذبوك فصدقناك؟ أو لم يخذلوك فنصرناك"؟ قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله. قال: فنزلت: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}. وهكذا رواه ابن أبي حاتم، عن علي بن الحسين، عن عبد المؤمن بن علي، عن عبد السلام، عن يزيد بن أبي زياد - وهو ضعيف - بإسناده مثله، أو قريبا منه. وفي الصحيحين - في قسم غنائم حنين - قريب من هذا السياق، ولكن ليس فيه ذكر نزول هذه الآية. وذكْرُ نزولها في المدينة فيه نظر؛ لأن السورة مكية، وليس يظهر بين هذه الآية الكريمة وبين السياق مناسبة، والله أعلم. (الشورى: 23) 713 - عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: "فاطمة وولدها، عليهم السلام". وهذا إسناد ضعيف، فيه مبهم لا يعرف، عن شيخ شيعي مُتَخَرّق، وهو حسين الأشقر، ولا يقبل خبره في هذا المحل. وذكر نزول هذه الآية في المدينة بعيد؛ فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية، فإنها لم تتزوج بعلي إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة. (الشورى: 23) 714 - عن حَنَش قال: سمعت أبا ذر وهو آخذ بحلقة الباب يقول: يا أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنما مثل أهل بيتي فيكم مَثَل سفينة نوح، من دخلها نجا، ومن تخلف عنها هلك". هذا بهذا الإسناد ضعيف. (الشورى: 23) 715 - عن ابن عَوْن قال: كنت أسأل عن الانتصار: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} فحدثني علي بن زيد بن جدعان عن أم محمد - امرأة أبيه - قال ابن عون: زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة - قالت: قالت أم المؤمنين: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعندنا زينب بنت جحش، فجعل يصنع بيده شيئا فلم

يَفْطِن لها، فقلت بيده حتى فَطَّنته لها، فأمسك. وأقبلت زينب تقحم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي. فقال لعائشة: "سُبّيها" فسبتها فغلبتها، وانطلقت زينب فأتت عليا فقالت: إن عائشة تقع بكم، وتفعل بكم. فجاءت فاطمة فقال لها: "إنها حبة أبيك ورب الكعبة" فانصرفت، وقالت لعلي: إني قلت له كذا وكذا، فقال لي كذا وكذا. قال: وجاء علي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمه في ذلك. (¬1) هكذا ورد هذا السياق، وعلي بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات غالبا، وهذا فيه نكارة، والحديث الصحيح خلاف هذا السياق، كما رواه النسائي وابن ماجه من حديث خالد بن سلمة الفأفاء، عن عبد الله البَهِيّ، عن عروة قال: قالت عائشة، رضي الله عنها: ما علمتُ حتى دخلت عليَّ زينب بغير إذن وهي غضبى، ثم قالت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذُرَيّعَتَيهَا ثم أقبلت علي فأعرضت عنها، حتى قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها، ما ترد علي شيئا. فرأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتهلل وجهه. وهذا لفظ النسائي. (¬2) (الشورى: 40) 716 - عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من دعا على من ظلمه فقد انتصر". ورواه الترمذي من حديث أبي الأحوص، عن أبي حمزة - واسمه ميمون - ثم قال: "لا نعرفه إلا من حديثه، وقد تكلم فيه من قبل حفظه". (¬3) (الشورى: 40) ¬

(¬1) (ضعيف) أخرجه أبو داود (4898)، وأحمد (6/ 130) ... قاله الألباني في الضعيفة رقم (3342). (¬2) النسائي في السنن الكبرى برقم (11476) وسنن ابن ماجه برقم (1981) قال البوصيري في الزوائد (2/ 115): "هذا إسناد صحيح على شرط مسلم". (¬3) سنن الترمذي برقم (3552). وضعفه الألباني في الضعيفة رقم (4593)، وضعيف الجامع (5578).

سورة الدخان

سورة الدخان 717 - عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ (حم الدخان) في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك". ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وعمَر بن أبي خثعم يضعف. قال البخاري: منكر الحديث. (¬1) (الدخان) 718 - عن الحسن، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ (حم الدخان) في ليلة الجمعة، غفر له". ثم قال (الترمذي): غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وهشام أبو المقدام يضعف، والحسن لم يسمع من أبي هريرة كذا قال أيوب، ويونس بن عبيد، وعلي بن زيد. (¬2) (الدخان) 719 - عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى". فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص. (الدخان: 3) 720 - عن رِبْعِي بن حِرَاش قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أول الآيات الدجال، ونزول عيسى ابن مريم، ونار تخرج من قعر عدن أبين، تسوق الناس إلى المحشر، تقيل معهم إذا قالوا، والدخان - قال حذيفة: يا رسول الله، وما الدخان؟ فتلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} - يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يومًا وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران، يخرج من منخريه وأذنيه ودبره". قال ابن جرير: لو صح هذا الحديث لكان فاصلا وإنما لم أشهد له بالصحة؛ لأن محمد بن خلف العسقلاني حدثني أنه سأل روادا عن هذا الحديث: هل سمعه من سفيان؟ فقال له: لا. قال: فقلت: أقرأته عليه؟ قال: لا. قال: فقلت له: أقرئ عليه وأنت حاضر فأقر به؟ فقال: لا. فقلت له: ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (2888). وحكم عليه الألباني بالوضع في ضعيف الجامع رقم (5766). (¬2) سنن الترمذي برقم (2889). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع رقم (5767).

سورة الجاثية

فمن أين جئت به؟ فقال: جاءني به قوم فعرضوه علي، وقالوا لي: اسمعه منا. فقرءوه عليَّ ثم ذهبوا به، فحدثوا به عني، أو كما قال. (¬1) وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هاهنا، فإنه موضوع بهذا السند، وقد أكثر ابن جرير من سياقه في أماكن من هذا التفسير، وفيه منكرات كثيرة جدًا، ولا سيما في أول سورة "بني إسرائيل" في ذكر المسجد الأقصى، والله أعلم. (الدخان: 10) 721 - عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله وكلامه، فإذا مات فقداه وبكيا عليه" وتلا هذه الآية: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ} وذُكر أنهم لم يكونوا عملواعلى الأرض عملا صالحا يبكي عليهم. ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام طيب، ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم. ورواه ابن أبي حاتم من حديث موسى بن عبيدة وهو الربذي. (¬2) (الدخان: 29) سورة الجاثية 722 - عن أبي أراكة قال: سأل رجل عبد الله بن عمرو قال: مم خلق الخلق؟ قال: من النور والنار، والظلمة والثرى. قال: وائت ابن عباس فاسأله. فأتاه فقال له مثل ذلك، فقال: ارجع إليه فسله: مم خلق ذلك كله؟ فرجع إليه فسأله، فتلا {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}. هذا أثر غريب، وفيه نكارة. (الجاثية: 13) ¬

(¬1) تفسير الطبري (25/ 68) ومن طريقه رواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (1174) والبغوي في معالم التنزيل (7/ 230). (¬2) قال عنه الترمذي حديث (3243): (وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل ..).فضلا أنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس وهي ضعيفة.

723 - عن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: إن الله بنى دينه على أربعة أركان، فمن صبر عليهن ولم يعمل بهن لقي الله [وهو] من الفاسقين. قيل: وما هن يا أبا ذر؟ قال: يسلم حلال الله لله، وحرام الله لله، وأمر الله لله، ونهي الله لله، لا يؤتمن عليهن إلا الله. قال أبو القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كما أنه لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينال الفجار منازل الأبرار". هذا حديث غريب من هذا الوجه. (الجاثية: 21) 724 - وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا فقال: ... عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا، يميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} قال: "ويسبون الدهر، فقال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار". وكذا رواه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن منصور، عن شُرَيْح بن النعمان، عن ابن عيينة مثله. (¬1) (الجاثية: 24) فائدة: قال الحافظ ابن كثير: قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله، عليه الصلاة والسلام: "لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر": كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة، قالوا: يا خيبة الدهر. فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله [عز وجل] فكأنهم إنما سبوا، الله عز وجل؛ لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نُهي عن سب الدهر بهذا الاعتبار؛ لأن الله هو الدهر الذي يعنونه، ويسندون إليه تلك الأفعال. هذا أحسن ما قيل في تفسيره، وهو المراد، والله أعلم. وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى، أخذا من هذا الحديث. (الجاثية: 24) ¬

(¬1) أشارالحافظ ابن كثير إلى ثبوت الحديث بغير هذا السياق انظر: صحيح البخاري برقم (4826) وصحيح مسلم برقم (2246) وسنن أبي داود برقم (5274) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11687).

سورة الأحقاف

سورة الأحقاف 725 - عن ابن عباس، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عن الروح الأمين، عليه السلام، قال: "يؤتى بحسنات العبد وسيئاته، فيقتص بعضها ببعض، فإن بقيت حسنة وسع الله له في الجنة" قال: فدخلتُ على يزداد فَحُدّث بمثل هذا الحديث قال: قلت: فإن ذهبت الحسنة؟ قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}. وهكذا رواه ابن أبي حاتم ... عن المعتمر بن سليمان، بإسناده مثله - وزاد عن الروح الأمين. قال: قال الرب، جل جلاله: يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ... فذكره، وهو حديث غريب، وإسنادٌ جيد لا بأس به. (الأحقاف: 16) 726 - عن أبي أمامة الباهلي، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أربعة لعنهم الله من فوق عرشه، وأَمَّنتْ عليهم الملائكة: مضل المساكين - قال خالد: الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول: هلم أعطيك، فإذا جاءه قال: ليس معي شيء - والذي يقول للمكفوف: اتق الدابة، وليس بين يديه شيء. والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها، والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا". (¬1) غريب جدا. (الأحقاف: 18) 727 - وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب جدًا من غرائب الحديث وأفراده، قال الإمام أحمد: ... عن الحارث البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمررت بالرَبْذَة، فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها، فقالت لي: يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت بها المدينة، فإذا المسجد غاص بأهله، وإذا راية سوداء تخفق، وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها. قال: فجلست، فدخل منزله - أو قال: رحله - فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فسلمت، فقال: "هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم، وكانت لنا ¬

(¬1) قال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 413): "سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر". قال الهيثمي في المجمع (4/ 251): "حماد بن عبد الرحمن العكي عن خالد بن الزبرقان، وكلاهما ضعيف".

الدبرة عليهم (¬1)، ومررت بعجوز من بني تميم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب: فأذن لها فدخلت، فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء، فحميت العجوز واستوفزت (¬2)، وقالت: يا رسول الله، فإلى أين يضطر مضطرك؟ قال: قلت: إن مثلي ما قال الأول: "مِعْزَى حَمَلَت حَتْفَها"، حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصما، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد. قال: "هيه، وما وافد عاد؟ " - وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه - قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له: قَيل، فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما "الجرادتان" - فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مَهْرة فقال: اللهم، إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه، ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه. فمرت به سحابات سود، فنودي منها: "اختر"، فأومأ إلى سحابة منها سوداء، فنودي منها: "خذها رمادًا رمددًا، لا تبقي من عاد أحدا". قال: فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إلا كقدر ما يجري في خاتمي هذا، حتى هلكوا - قال أبو وائل: وصدق - وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا: "لا تكن كوافد عاد". رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، كما تقدم في سورة "الأعراف" (الأحقاف: 25) 728 - عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: استتبعني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا، فخط لي خطا فقال: "كن بين ظهر هذه لا تخرج منها؛ فإنك إن خرجت منها هلكت" فذكر الحديث بطوله. وفيه غرابة شديدة. (الأحقاف: 29) 729 - عن عبد الله قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة وفد الجن، فلما انصرف تنفس، فقلت: ما شأنك؟ قال: "نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود". هكذا رأيته في المسند مختصرا، وقد رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه "دلائل النبوة"، فقال: ... عن ابن مسعود قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة وفد الجن، فتنفس، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: "نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود". قلت: استخلف. قال: "من؟ " قلت: أبو بكر. ¬

(¬1) الدبرة عليهم: هزيمتهم. (¬2) استوفز: جلس على هيئة كأنه يريد القيام.

فسكت، ثم مضى ساعة فتنفس، فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: "نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود". قلت: استخلف. قال: "من؟ " قلت: عمر بن الخطاب. فسكت، ثم مضى ساعة، ثم تنفس فقلت: ما شأنك؟ قال: "نعيت إلي نفسي". قلت: فاستخلف. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من؟ " قلت: علي بن أبي طالب. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أما والذي نفسي بيده، لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين". وهو حديث غريب جدًّا، وأحرى به ألا يكون محفوظا، وبتقدير صحته فالظاهر أن هذا بعد وفودهم إليه بالمدينة على ما سنورده، فإن في ذلك الوقت في آخر الأمر لما فتحت مكة، ودخل الناس والجان أيضا في دين الله أفواجا، نزلت سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، وهي السورة التي نعيت نفسه الكريمة فيها إليه، كما قد نص على ذلك ابن عباس، ووافقه عمر بن الخطاب عليه، وقد ورد في ذلك حديث سنورده عند تفسيرها، والله أعلم. وقد رواه أبو نعيم أيضا، عن الطبراني، ... عن ابن مسعود، فذكره وذكر فيه قصة الاستخلاف. وهذا إسناد غريب، وسياق عجيب. (الأحقاف: 29) 730 - طريق أخرى مرسلة: ... عن عكرمة في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} قال: هم اثنا عشر ألفا جاؤوا من جزيرة الموصل، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن مسعود: "أنظرني حتى آتيك"، وخط عليه خطا، وقال: "لا تبرح حتى آتيك". فلما خشيهم ابن مسعود كاد أن يذهب، فذكر قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يبرح، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو ذهبت ما التقينا إلى يوم القيامة". (¬1) (الأحقاف: 29) 731 - طريق أخرى مرسلة أيضا: قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} قال: ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نِينَوَى، وأن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إني أمرت أن أقرأ على الجن فأيكم يتبعني؟ " فأطرقوا، ثم استتبعهم فأطرقوا، ثم استتبعهم الثالثة فقال رجل: يا رسول الله، إن ذاك لذو ندبة فأتبعه ابن ¬

(¬1) وفي إسناده الحكم بن أبان، وهو ضعيف.

مسعود أخو هذيل، قال: فدخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعبا يقال له: "شعب الحجون"، وخط عليه، وخط على ابن مسعود ليثبته بذلك، قال: فجعلت أهال وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها، وسمعت لغطا شديدا، حتى خفت على نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم تلا القرآن، فلما رجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلت: يا رسول الله، ما اللغط الذي سمعت؟ قال: "اختصموا في قتيل، فقضي بينهم بالحق". رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم. (الأحقاف: 29) 732 - عن زيد بن أسلم: أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني من حدثه عمرو بن غيلان الثقفي قال: أتيت عبد الله بن مسعود فقلت له: حدثت أنك كنت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة وفد الجن؟ قال: أجل. قلت: حدثني كيف كان شأنه؟ فقال: إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجل يعشيه، وتركت فلم يأخذني أحد منهم، فمر بي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "من هذا؟ " فقلت: أنا ابن مسعود. فقال: "ما أخذك أحد يعشيك؟ " فقلت: لا. قال: "فانطلق لعلي أجد لك شيئا". قال: فانطلقنا حتى أتى حجرة أم سلمة فتركني ودخل إلى أهله، ثم خرجت الجارية فقالت: يا ابن مسعود، إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجد لك عشاء، فارجع إلى مضجعك. قال: فرجعت إلى المسجد، فجمعت حصباء المسجد فتوسدته، والتففت بثوبي، فلم ألبث إلا قليلا حتى جاءت الجارية، فقالت: أجب رسول الله. فاتبعتها وأنا أرجو العشاء، حتى إذا بلغت مقامي، خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي يده عسيب من نخل، فعرض به على صدري فقال: "أتنطلق أنت معي حيث انطلقت؟ " قلت: ما شاء الله. فأعادها علي ثلاث مرات، كل ذلك أقول: ما شاء الله. فانطلق وانطلقت معه، حتى أتينا بقيع الغرقد، فخط بعصاه خطا، ثم قال: "اجلس فيها، ولا تبرج حتى آتيك". ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه خلال النخل، حتى إذا كان من حيث لا أراه ثارت مثل العَجَاجة السوداء، ففرقت فقلت: ألحق برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإني أظن أن هوازن مكروا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقتلوه، فأسعى إلى البيوت، فأستغيث الناس. فذكرت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصاني: أن لا أبرح مكاني الذي أنا فيه، فسمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرعهم بعصاه ويقول: "اجلسوا". فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح، ثم ثاروا وذهبوا، فأتاني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "أنمت بعدي؟ " فقلت: لا، ولقد

فزعت الفزعة الأولى، حتى رأيت أن آتي البيوت فأستغيث الناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك، وكنت أظنها هوازن، مكروا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقتلوه. فقال: "لو أنك خرجت من هذه الحلقة ما آمنهم عليك أن يختطفك بعضهم، فهل رأيت من شيء منهم؟ " فقلت: رأيت رجالا سودا مستثفرين بثياب بيض، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أولئك وفد جن نصيبين، أتوني فسألوني الزاد والمتاع، فمتعتهم بكل عظم حائل أو روثة أو بعرة". قلت: وما يغني عنهم ذلك؟ قال: "إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أكل، ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها الذي كان فيها يوم أكلت، فلا يستنقي أحد منكم بعظم ولا بعرة ". وهذا إسناد غريب جدًا، ولكن فيه رجل مبهم لم يسم والله أعلم. (الأحقاف: 29) 733 - عن الزبير بن العوام قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح في مسجد المدينة، فلما انصرف قال: "أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة؟ " فأسكت القوم ثلاثا، فمر بي فأخذ بيدي، فجعلت أمشي معه حتى حبست عنا جبال المدينة كلها، وأفضينا إلى أرض براز، فإذا برجال طوال كأنهم الرماح، مستثفرين (¬1) بثيابهم من بين أرجلهم، فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة، ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود المتقدم. وهذا حديث غريب، والله أعلم. (الأحقاف: 29) 734 - عن إبراهيم قال: خرج نفر من أصحاب عبد الله يريدون الحج، حتى إذا كانوا في بعض الطريق، إذا هم بحية تنثني على الطريق أبيض، ينفخ منه ريح المسك، فقلت لأصحابي: امضوا، فلست ببارح حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمر هذه الحية. قال: فما لبثت أن ماتت، فعمدت إلى خرقة بيضاء فلففتها فيها، ثم نحيتها عن الطريق فدفنتها، وأدركت أصحابي في المتعشى. قال: فوالله إنا لقعود إذ أقبل أربع نسوة من قبل المغرب، فقالت واحدة منهن: أيكم دفن عمرًا؟ قلنا: ومن عمرو، قالت: أيكم دفن الحية؟ قال: قلت: أنا. قالت: أما والله لقد دفنت صواما قواما، يأمر بما أنزل الله، ولقد آمن بنبيكم، وسمع صفته من السماء قبل أن يبعث بأربعمائة عام. قال الرجل: ¬

(¬1) ومعنى مستثفرين: أن يدخل الرجل ثوبه بين رجليه.

سورة محمد

فحمدنا الله، ثم قضينا حجتنا، ثم مررت بعمر بن الخطاب في المدينة، فأنبأته بأمر الحية، فقال: صدقت، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنة". وهذا حديث غريب جدا، والله أعلم. قال أبو نعيم: وقد روى الثوري، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن رجل من ثقيف، بنحوه. وروى عبد الله بن أحمد والِّظهراني، عن صفوان بن المعطل - هو الذي نزل ودفن تلك الحية من بين الصحابة - وأنهم قالوا: أما إنه آخر التسعة موتا الذين أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمعون القرآن. (الأحقاف: 29) سورة محمد 735 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا هذه الآية: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي ثم قال: "هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس" تفرد به مسلم بن خالد الزنجي، ورواه عنه غير واحد، وقد تكلم فيه بعض الأئمة، والله أعلم. (¬1) (محمد: 38) ¬

(¬1) تفسير الطبري (26/ 43) ومسلم بن خالد الزنجي ضعفه ابن معين وقال البخاري: منكر الحديث لكنه لم ينفرد به، فقد توبع: تابعه شيخ من أهل المدينة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه به، أخرجه الترمذي برقم (3260) وقال: "هذا حديث غريب في إسناده مقال". تابعه عبد الله بن جعفر بن نجيح عن العلاء عن أبيه به، أخرجه الترمذي برقم (3261) وعبد الله بن جعفر والد على بن المديني ضعيف.

سورة الفتح

سورة الفتح 736 - عن أنس، قال: قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى تورمت قدماه - أو قال ساقاه - فقيل له: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ ". غريب من هذا الوجه. (¬1) (الفتح) 737 - عن ابن أبْزَى قال: لما خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة، قال له عمر: يا نبي الله، تدخل على قوم لك حَرْب بغير سلاح ولا كُرَاع؟ قال: فبعث إلى المدينة، فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل، فسار حتى أتى منى، فنزل بمنى، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة، فقال لخالد بن الوليد: "يا خالد، هذا ابن عمك أتاك في الخيل، فقال خالد: أنا سيف الله، وسيف رسوله - فيومئذ سمي سيف الله - يا رسول الله، ارم بي أين شئت. فبعثه على خيل، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، فأنزل الله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ [مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ]} إلى: {عَذَابًا أَلِيمًا}. قال: فكف الله النبي عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه. وهذا السياق فيه نظر؛ فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية؛ لأن خالدا لم يكن أسلم؛ بل قد كان طليعة المشركين يومئذ، كما ثبت في الصحيح. ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء، لأنهم قاضوه على أن يأتي من العام المقبل فيعتمر ويقيم بمكة ثلاثة ¬

(¬1) ورواه أبو يعلى في المسند (5/ 280) من طريق عبد الله بن عون الخراز به، ورواه البزار في مسنده برقم (2380) "كشف الأستار" من طريق الحسين بن الأسود عن محمد بن بشر به، وقال البزار: "لا نعلم أحدا حدث بهذا الحديث بهذا الإسناد إلا الحسين بن بشر وعبد الله بن عون الخزار، وقد رواه غيرهما عن محمد بن بشر عن مسعر، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبةن وهو الصواب". فكلام الإمام البزار هنا موضح لقول الحافظ ابن كثير: "غريب من هذا الوجه".

أيام، فلما قدم لم يمانعوه، ولا حاربوه ولا قاتلوه. فإن قيل: فيكون يوم الفتح؟ فالجواب: ولا يجوز أن يكون يوم الفتح؛ لأنه لم يسق عام الفتح هَديًا، وإنما جاء محاربا مقاتلا في جيش عَرَمْرَم، فهذا السياق فيه خلل، قد وقع فيه شيء فليتأمل، والله أعلم. (الفتح: 24) 738 - عن الطفيل - يعني: ابن أبي بن كعب رضي الله عنه - عن أبيه أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قال: "لا إله إلا الله". وكذا رواه الترمذي عن الحسن بن قزعة، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديثه، وسألت أبا زُرْعَة عنه فلم يعرفه إلا من هذا الوجه. (الفتح: 26) 739 - عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة أخبره، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"، وأنزل الله في كتابه، وذكر قوما فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35]، وقال الله جل ثناؤه: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} وهي: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون يوم الحديبية، وكاتبهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قضية المدة ... وكذا رواه بهذه الزيادات ابن جرير من حديث الزهري، والظاهر أنها مدرجة من كلام الزهري، والله أعلم. (الفتح: 26) 740 - عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة، وخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العُوذ المطافيل، قد لبست جلود النمور، يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائرالناس؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله [عليهم] دخلوا في الإسلام

وهم وافرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة". ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة. قال: فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، ركضوا راجعين إلى قريش، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا سلك ثنية المرار، بركت ناقته، فقال الناس: خلأت. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم، إلا أعطيتهم إياها" [ثم] قال للناس: "انزلوا". قالوا: يا رسول الله، ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس. فأخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهمًا من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب، فغرزه فيه فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن. فلما اطمأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا بُدَيل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، وإن محمدًا لم يأت لقتال، إنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحقه، فاتهموهم. قال محمد بن إسحاق: قال الزهري: [و] كانت خزاعة في عَيْبَة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشركها ومسلمها، لا يخفون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا كان بمكة، فقالوا: وإن كان إنما جاء لذلك فوالله لا يدخلها أبدًا علينا عَنْوة، ولا يتحدث بذلك العرب. ثم بعثوا إليه مِكْرَز بن حفص، أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "هذا رجل غادر". فلما انتهى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحو ما كَلَّم به أصحابه، ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]؛ فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني، وهو يومئذ سيد الأحابيش، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهَدْي" في وجهه، فبعثوا الهدي، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عُرْض الوادي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله، رجع ولم يصل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إعظامًا لما رأى، فقال: يا معشر قريش، قد رأيت ما لا يحل صَده، الهدي في قلائده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله. قالوا: اجلس، إنما أنت

أعرابي لا علم لك. فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي، فقال: يا معشر قريش، إن قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم، من التعنيف وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد وأنا ولد، وقد سمعت بالذي نابكم، فجمعت من أطاعني من قومي، ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس بين يديه، فقال: يا محمد جمعت أوباش الناس، ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوة أبدا، وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا. قال: وأبو بكر قاعد خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: امصص بظر اللات! أنحن ننكشف عنه؟! قال: من هذا يا محمد؟ قال: "هذا ابن أبي قحافة". قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بها. ثم تناول لحية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديد، قال: فقرع يده. ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل - والله - لا تصل إليك. قال: ويحك! ما أفظعك وأغلظك! فتبسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: من هذا يا محمد؟ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة". قال: أغدر، وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس؟! قال فكلمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل ما كلم به أصحابه، وأخبره أنه لم يأت يريد حربا. قال: فقام من عند رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ وضوءا إلا ابتدروه، ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه. فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إنى جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، والله ما رأيت مَلكا قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم. قال: وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل ذلك قد بعث خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة، وحمله على جمل له يقال له: "الثعلب" فلما دخل مكة عقرت به قريش، وأرادوا قتل خراش، فمنعتهم الأحابيش، حتى أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة، فقال: يا رسول الله، إنى أخاف قريشا على نفسي، وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو

أعز مني: عثمان بن عفان. قال: فدعاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب أحد، وإنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته. فخرج عثمان حتى أتى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته وحمله بين يديه وردف خلفه، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قال: واحتبسته قريش عندها، قال: وبلغ رسول الله أن عثمان قد قتل. قال محمد: فحدثني الزهري: أن قريشًا بعثوا سهل بن عمرو، وقالوا: ائت محمدًا فصالحه ولا يكون في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فوالله لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدًا. فأتاه سهل بن عمرو فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل". فلما انتهى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكلما وأطالا الكلام، وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب فأت أبا بكر فقال: يا أبا بكر، أو ليس برسول الله؟ أو لسنا بالمسلمين؟ أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ فقال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه حيث كان، فإني أشهد أنه رسول الله. [ثم] قال عمر: وأنا أشهد. ثم أتى رسول الله فقال: يا رسول الله، أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين؟ قال: "بلى" قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ فقال: "أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره ولن يضيعني". ثم قال عمر: ما زلت أصوم وأصلي وأتصدق وأعتق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا. قال: ثم دعا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] فقال: اكتب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". فقال سهل بن عمرو: ولا أعرف هذا، ولكن اكتب: "باسمك اللهم، فقال رسول الله: "اكتب باسمك اللهم. هذا ما صلح عليه محمد رسول الله، سهل بن عمرو"، فقال سهل بن عمرو: ولو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله، وسهل بن عمرو، على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى

رسول الله من أصحابه بغير إذن وليه، رده عليهم، ومن أتى قريشا ممن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا أسلال ولا أغلال، وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب: أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده، دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد رسول الله وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وأنك ترجع عنا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك، وأقمت بها ثلاثًا معك سلاح الراكب لا تدخلها بغير السيوف في القرب، فبينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكتب الكتاب، إذا جاءه أبو جندل بن سهل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وقد كان أصحاب رسول الله خرجوا وهم لا يشكون في الفتح، لرؤيا رآها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع، وما تحمل رسول الله [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] على نفسه، دخل الناس من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا أن يهلكوا. فلما رأى سهل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وقال: يا محمد، قد لجّت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: "صدقت". فقام إليه فأخذ بتلابيبه. قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني؟ قال: فزاد الناس شرا إلى ما بهم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم". قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب فجعل يمشي مع [أبي] جندل إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، قال: ويدني قائم السيف منه، قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه قال: فضن الرجل بأبيه. قال: ونفذت القضية، فلما فرغا من الكتاب، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي في الحرم، وهو مضطرب في الحل، قال: فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "يا أيها الناس، انحروا واحلقوا". قال: فما قام أحد. قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثلها، فما قام رجل. فرجع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل على أم سلمة فقال: "يا أم سلمة ما شأن الناس؟ "

سورة الحجرات

قالت: يا رسول الله، قد دخلهم ما رأيت، فلا تُكَلِّمن منهم إنسانًا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره واحلق، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك. فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكلم أحدًا حتى أتى هديه فنحره، ثم جلس فحلق، قال: فقام الناس ينحرون ويحلقون. قال: حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق نزلت سورة الفتح. هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه، وهكذا رواه يونس بن بُكَيْر وزياد البكائي، عن ابن إسحاق، بنحوه، وفيه إغراب، وقد رواه أيضا عن عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن الزهري، به نحوه وخالفه في أشياء وقد رواه البخاري، رحمه الله، في صحيحه، فساقه سياقة حسنة مطولة بزيادات جيدة، فقال في كتاب الشروط من صحيحه: ... (فساق الحديث بكامله ثم قال:) وهذا أشبه والله أعلم، ولم يسقه أبسط من هاهنا، وبينه وبين سياق ابن إسحاق تباين في مواضع، وهناك فوائد ينبغي إضافتها إلى ما هاهنا، ولذلك سقنا تلك الرواية وهذه، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم. (الفتح: 26) 741 - عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كَثُرَتْ صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار". والصحيح أنه موقوف. (الفتح: 29) 742 - عن جُنْدَب بن سفيان البَجَلي قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر". العرزمي متروك. (الفتح: 29) سورة الحجرات 743 - عن طارق بن شهاب، عن أبى بكر الصديق قال: لما نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، قلت: يا رسول الله، والله لا أكلمك إلا كأخي السّرار. (¬1) حصين بن عمر هذا - وإن كان ضعيفًا - لكن قد رويناه من ¬

(¬1) مسند البزار برقم (2257) "كشف الأستار" وقال: "لا نعلمه يروى متصلا إلا عن أبي بكر، وحصين حدث بأحاديث لم يتابع عليها، ومخارق مشهور، ومن عداه أجلاء".

حديث عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة رضي الله عنهما بنحو ذلك، والله أعلم (¬1). (الحجرات: 2) 744 - وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البُناني، عن أنس بن مالك قال: لما نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} إلى آخر الآية، جلس ثابت في بيته، قال: أنا من أهل النار. واحتبس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسعد بن معاذ: "يا أبا عمرو، ما شأن ثابت؟ أشتكى؟ " فقال سعد: إنه لجاري، وما علمت له بشكوى. قال: فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ثابت: أُنزلَت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنا من أهل النار. فذكر ذلك سعد للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بل، هو من أهل الجنة". ثم رواه مسلم عن أحمد بن سعيد الدارمي، عن حَيَّان بن هلال، عن سليمان بن المغيرة، به، قال: ولم يذكر سعد بن معاذ. وعن قطن بن نُسَير عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس بنحوه. وقال: ليس فيه ذكر سعد بن معاذ. حدثنا هُرَيم بن عبد الأعلى الأسدي، حدثنا المعتمر بن سليمان، سمعت أبي يذكر، عن ثابت، عن أنس قال: لما نزلت هذه الآية، واقتص الحديث، ولم يذكر سعد بن معاذ، وزاد: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رَجلٌ من أهل الجنة. (¬2) فهذه الطرق الثلاث مُعَلّلة لرواية حماد بن سلمة، فيما تفرد به من ذكر سعد بن معاذ. والصحيح: أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا؛ لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل سنة خمس، وهذه الآية نزلت في وفد بني تميم، والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة، والله أعلم. (الحجرات: 2) 745 - عن أنس؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الناس أن يصوموا يوما ولا يفطرن أحدٌ حتى آذن له. فصام الناس، فلما أمسوا جعل الرجل يجيء إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول: ¬

(¬1) أما حديث أبي هريرة فرواه الحاكم في المستدرك (2/ 462) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه، وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. (¬2) صحيح مسلم برقم (119).

سورة ق

ظللت منذ اليوم صائما، فائذن لي. فأفطر فيأذن له، ويجيء الرجل فيقول ذلك، فيأذن له، حتى جاء رجل فقال: يا رسول الله، إن فتاتين من أهلك ظلتا منذ اليوم صائمتين، فائذن لهما فَلْيفطرا فأعرض عنه، ثم أعاد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما صامتا، وكيف صام من ظل يأكل لحوم الناس؟ اذهب، فمرهما إن كانتا صائمتين أن يستقيئا". ففعلتا، فقاءت كل واحدة منهما عَلَقةً علقَةً فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو ماتتا وهما فيهما لأكلتهما النار". إسناد ضعيف، ومتن غريب. (الحجرات: 12) 746 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أكل من لحم أخيه في الدنيا، قُرِّب له لحمه في الآخرة، فيقال له: كله مَيْتًا كما أكلته حَيًّا. قال: فيأكله ويَكْلَح ويصيح". غريب جدا. (الحجرات: 12) 747 - عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر". ثم قال (الترمذي): غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬1) (الحجرات: 13) سورة ق 748 - إن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، رحمه الله، أورد هاهنا أثرا غريبا لا يصح سنده عن ابن عباس فقال: ... عن ابن عباس قال: خلق الله من وراء هذه الأرض بحرًا محيطًا، ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له "ق" السماء الدنيا مرفوعة عليه. ثم خلق الله من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك الأرض سبع مرات. ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطًا بها، ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له "ق" السماء الثانية مرفوعة عليه، حتى عد سبع أرضين، وسبعة أبحر، وسبعة أجبل، ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (1979). وصححه الألباني في الصحيحة ح (276).

سورة الذاريات

وسبع سموات. قال: وذلك قوله: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27]. فإسناد هذا الأثر فيه انقطاع. (ق: 1) 749 - عن ابن عباس قال: بت ليلة عند رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى ركعتين خفيفتين، اللتين قبل الفجر. ثم خرج إلى الصلاة فقال: "يا ابن عباس، ركعتين قبل صلاة الفجر إدبار النجوم، وركعتين بعد المغرب إدبار السجود". ورواه الترمذي ... وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬1) وحديث ابن عباس، وأنه بات في بيت خالته ميمونة وصلى تلك الليلة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث عشرة ركعة، ثابت في الصحيحين وغيرهما، فأما هذه الزيادة فغريبة ولا تعرف إلا من هذا الوجه، ورِشْدِين بن كُرَيْب ضعيف، ولعله من كلام ابن عباس موقوفا عليه، والله أعلم. (ق: 40) سورة الذاريات 750 - عن سعيد بن المسيب قال: جاء صَبِيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن {الذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}؟ فقال: هي الرياح، ولولا أنى سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن {الْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا} قال: هي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله ما قلته. قال: فأخبرني عن {الْجَارِيَاتِ يُسْرًا} قال: هي السفن، ولولا أني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوله ما قلته. ثم أمر به فضرب مائة، وجعل في بيت، فلما برأ دعا به وضربه مائة أخرى، وحمله على قَتَب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري: امنع الناس من مجالسته. فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف بالأيمان الغليظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا. فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: ما إخاله إلا صدق، فخل بينه وبين مجالسة الناس. (¬2) ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (3275). (¬2) قال الهيثمي في المجمع (7/ 112): "فيه أبو بكر بن أبي سبرة، وهو متروك".

سورة الطور

قلت: فهذا الحديث ضعيف رفعه، وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر، فإن قصة صَبِيغ بن عسل مشهورة مع عمر، وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا، والله أعلم. وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة. وهكذا فسرها ابن عباس، وابن عمر، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والسدي، وغير واحد. ولم يحك ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك. (الذاريات: 1 - 4) 751 - عن ابن عباس في قوله: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} قال: من الفرائض، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ}: قبل الفرائض يعملون. وهذا الإسناد ضعيف، ولا يصح عن ابن عباس. وقد رواه عثمان بن أبي شيبة ... عن ابن عباس، فذكره. والذي فسر به ابن جرير فيه نظر؛ لأن قوله: {آَخِذِينَ} حال من قوله: {فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}: فالمتقون في حال كونهم في الجنات والعيون آخذون ما آتاهم ربهم، أي: من النعيم والسرور والغبطة. (الذاريات: 16) 752 - عن الحسن بن محمد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سرية فغنموا، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة فنزلت هذه الآية: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. وهذا يقتضي أن هذه مدنية، وليس كذلك، بل هي مكية شاملة لما بعدها. (الذاريات: 19) 753 - عن الحسن البصري قال: بلغني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قاتل الله أقوامًا أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا". ورواه ابن جرير، عن بُنْدَار، عن ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، فذكره مرسلا. (الذاريات: 23) سورة الطور 754 - عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "في السماء السابعة بيت يقال له: "المعمور"؛ بحيال الكعبة، وفي السماء الرابعة نهر يقال له: "الحيوان" يدخله جبريل كل يوم،

فينغمس فيه انغماسة، ثم يخرج فينتفض انتفاضة يخر عنه سبعون ألف قطرة، يخلق الله من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور، فيصلوا فيه فيفعلون، ثم يخرجون فلا يعودون إليه أبدا، ويولي عليهم أحدهم، يؤمر أن يقف بهم من السماء موقفا يسبحون الله فيه إلى أن تقوم الساعة". هذا حديث غريب جدا، تفرد به روح بن جناح هذا، وهو القرشي الأموي مولاهم أبو سعد الدمشقي، وقد أنكر هذا الحديث عليه جماعة من الحفاظ منهم: الجوزجاني، والعقيلي، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وغيرهم. قال الحاكم: لا أصل له من حديث أبي هريرة، ولا سعيد، ولا الزهري. (الطور: 4) 755 - عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات، يستأذن الله أن ينفضخ عليهم، فيكفه الله عز وجل". (¬1) وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: حدثنا الحسن بن سفيان، عن إسحاق بن راهويه، عن يزيد - وهو ابن هارون - عن العوام بن حوشب، حدثني شيخ مرابط قال: خرجت ليلة لحرسي لم يخرج أحد من الحرس غيري، فأتيت الميناء فصعدت، فجعل يخيل إليَّ أن البحر يشرف يحاذي رءوس الجبال، فعل ذلك مرارا وأنا مستيقظ، فلقيت أبا صالح فقال: حدثنا عمر بن الخطاب: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من ليلة إلا والبحر يشرف ثلاث مرات، يستأذن الله أن ينفضخ عليهم، فيكفه الله عز وجل". فيه رجل مبهم لم يسم. (الطور: 6) 756 - عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الإخوان، فيجيء سرير هذا حتى يحاذي سرير هذا، فيتحدثان، فيتكئ هذا ويتكئ هذا، فيتحدثان بما كان في الدنيا، فيقول أحدهما لصاحبه: يا فلان، تدري أي يوم غفر الله لنا؟ يوم كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله - عز وجل - فغفر لنا". ثم قال البزار: لا نعرفه يُرْوَى إلا بهذا الإسناد. قلت: وسعيد بن دينار الدمشقي قال أبو حاتم: هو مجهول، وشيخه الربيع بن صبيح قد تكلم فيه غير واحد من جهة حفظه، وهو رجل صالح ثقة ¬

(¬1) المسند (1/ 43) ورواه من طريق ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 52) وقال: "العوام ضعيف، والشيخ مجهول".

في نفسه. (الطور: 25) 757 - عن أبي عثمان الفقير؛ أن جبريل علم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام من مجلسه أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. قال معمر: وسمعت غيره يقول: هذا القول كفارة المجالس. (¬1) وهذا مرسل، وقد وردت أحاديث مسندة من طرق - يقوي بعضها بعضا - بذلك، فمن ذلك حديث ابن جُرَيْج، عن سُهَيْل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك". رواه الترمذي - وهذا لفظه - والنسائي في اليوم والليلة، من حديث ابن جريج. وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال: إسناد على شرط مسلم، إلا أن البخاري علله (¬2). قلت: علله الإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو حاتم، وأبو زُرَعة، والدارقطني، وغيرهم. ونسبوا الوهم فيه إلى ابن جُرَيْج. على أن أبا داود قد رواه في سننه من طريق غير ابن جريج إلى أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوه (¬3) ورواه أبو داود - واللفظ له - والنسائي، والحاكم في المستدرك، من طريق الحجاج بن دينار، عن هاشم عن أبي العالية، عن أبي بَرْزَة الأسلمي قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك". فقال رجل: يا رسول الله، إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى؟! قال: "كفارة لما يكون في المجلس". (¬4) وقد روي مرسلا عن أبي العالية، والله أعلم. وهكذا رواه النسائي والحاكم، من حديث الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن رافع بن خَدِيج، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله سواء (¬5) وروي مرسلا أيضا، والله ¬

(¬1) المصنف برقم (19796). (¬2) سنن الترمذي برقم (3433) والنسائي في السنن الكبرى برقم (10230) والمستدرك (1/ 536). (¬3) سنن أبي داود برقم (4858). (¬4) سنن أبي داود برقم (4859) والنسائي في السنن الكبرى برقم (10259) والمستدرك (1/ 537). (¬5) النسائي في السنن الكبرى برقم (10260) والمستدرك (1/ 537).

سورة النجم

أعلم. وكذا رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو؛ أنه قال: "كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات، إلا كفر بهن عنه، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر، إلا ختم له بهن كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" (¬1) وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين عائشة، وصححه، ومن رواية جُبَير بن مطعم ورواه أبو بكر الإسماعيلي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، كلهم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد أفردت لذلك جزءا على حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله، وما يتعلق به، ولله الحمد والمنة. (الطور: 48) سورة النجم 758 - عن أبي العالية قال: سُئِل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل رأيت ربك؟ قال: "رأيت نهرا، ورأيت وراء النهر حجابا، ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير". (¬2) وذلك غريب جدا. (النجم: 11) 759 - وقد رواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس، وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال: عن ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا يا رب. فوضع يده بين كتفي فوجدت بَرْدَها بين ثدييّ، فعلمت ما في السموات والأرض، فقلت: يا رب، في الدرجات والكفارات، ونقل الأقدام إلى الجُمُعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فقلت: يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا وكلمتَ موسى تكليما، وفعلت وفعلت، فقال: ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أضع عنك وِزْرَك؟ ألم أفعل بك؟ ألم أفعل؟ قال: "فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها" قال: "فذاك قوله في كتابه: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * ¬

(¬1) سنن أبي داود برقم (4857). (¬2) ورواه ابن المنذر كما في الدر المنثور (7/ 648) وهو مرسل.

فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، فجعل نور بصري في فؤادي، فنظرت إليه بفؤادي". إسناده ضعيف. (النجم: 11) 760 - قال محمد: أظنه عن ابن مسعود - أنه قال: إن محمدا لم ير جبريل في صورته إلا مرتين، أما مرة فإنه سأله أن يُريه نفسه في صورته، فأراه صورته فسد الأفق. وأما الأخرى فإنه صَعد معه حين صعد به. وقوله: {وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قال: فلما أحسَّ جبريل ربه، عز وجل، عاد في صورته وسجد. فقوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال: خَلْقَ جبريل عليه السلام. (¬1) هكذا رواه الإمام أحمد، وهو غريب (النجم: 18) 761 - عن ابن عباس: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} قال: هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب وقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك ما ألما?! ... وهكذا رواه الترمذي، عن أحمد بن عثمان أبي عثمان البصري، عن أبي عاصم النبيل. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق. وكذا قال البزار: لا نعلمه يُروى متصلا إلا من هذا الوجه. وساقه ابن أبي حاتم والبغوي من حديث أبي عاصم النبيل، وإنما ذكره البغوي في تفسير سورة "تنزيل" وفي صحته مرفوعا نظر. (¬2) (النجم: 32) 762 - عن أبي أمامة قال: تلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} قال: "أتدري ما وفى؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار". ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير، وهو ضعيف (¬3) (النجم: 37) ¬

(¬1) المسند (1/ 407). (¬2) سنن الترمذي برقم (3284) وتفسير البغوي (7/ 128). (¬3) تفسير الطبري (27/ 43).

سورة القمر

763 - عن أبي بن كعب، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}، قال: لا فكرةَ في الرب. قال البغوي: وهذا مثل ما رُوي عن أبي هريرة مرفوعا: "تفكَّروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق، فإنه لا تحيط به الفِكْرة". كذا أورده، (¬1) وليس بمحفوظ بهذا اللفظ، وإنما الذي في الصحيح: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله وَلْيَنْتَه". (¬2) وفي الحديث الآخر الذي في السنن: "تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذات الله، فإن الله خلق ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مَسِيرة ثلاثمائة سنة" أو كما قال. (النجم: 42) سورة القمر 764 - عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أصحابه ذات يوم، وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شِفٌّ يسير، فقال: "والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه، وما نرى من الشمس إلا يسيرا". قلت: هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العَمِّيّ، عن أبيه. وقد ذكره ابن حِبَّان في الثقات، وقال: ربما أخطأ. (¬3) (القمر: 1) سورة الرحمن 765 - عن جابر قال: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أصحابه فقرأ عليهم سورة ¬

(¬1) معالم التنزيل للبغوي (7/ 417). (¬2) صحيح البخاري برقم (3276) وصحيح مسلم برقم (134). (¬3) وقد ذكر ابن كثير بعده ما يعضده ويفسره.

"الرحمن" من أولها إلى آخرها، فسكتوا فقال: "لقد قرأتها على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت على قوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، قالوا: لا بشيء من نعمك - ربنا - نكذب، فلك الحمد". ثم قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد. ثم حكي عن الإمام أحمد أنه كان لا يعرفه، ينكر رواية أهل الشام عن زهير بن محمد هذا. (¬1) ورواه الحافظ أبو بكر البزار ... ثم قال: لا نعرفه يروى إلا من هذا الوجه. وقال أبو جعفر بن جرير: ... عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ سورة "الرحمن" - أو: قُرِئَت عنده - فقال: "ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم؟ " قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: "ما أتيت على قول الله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلا قالت الجن: لا بشيء من نعمة ربنا نكذب". ورواه الحافظ البزار عن عمرو بن مالك، به. ثم قال: لا نعلمه يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. (¬2) (الرحمن) 766 - عن رجل من كندة قال: أتيت عائشة فدخلت عليها، وبيني وبينها حجاب، فقلت: حدثك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد فيها شفاعة؟ قالت: نعم، لقد سألته عن هذا وأنا وهو في شِعَار واحد، قال: "نعم حين يوضع الصراط، ولا أملك لأحد فيها شفاعة، حتى أعلم أين يسلك بي؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، حتى أنظر ماذا يفعل بي - أو قال: يوحى - وعند الجسر حين يستحد ويستحر" فقالت: وما يستحد وما يستحر؟ قال: "يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف، ويستحر حتى يكون مثل الجمرة، فأما المؤمن فيجيزه لا يضره، وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من قدمه فيهوي بيده إلى قدميه، فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه، فتقذفه في جهنم، فيهوي فيها مقدار خمسين عاما". قلت: ما ثقل الرجل؟ قالت: ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (3291). (¬2) مسند البزار (2269) "كشف الأستار" وشيخه عمرو بن مالك الراسبي ضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات.

سورة الواقعة

ثقل عشر خلفات سمان، فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام. هذا حديث غريب جدا، وفيه ألفاظ منكر رفعها، وفي الإسناد من لم يُسَمّ، ومثله لا يحتج به، والله أعلم. (الرحمن: 41) 767 - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة". ثم قال الترمذي: غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر. (¬1) (الرحمن: 60) 768 - عن أنس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام". وكذا رواه الترمذي، عن محمود بن غيلان، عن مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، به ثم قال: غلط المؤمل فيه، وهو غريب وليس بمحفوظ، وإنما يروى هذا عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال الجوهري: ألظ فلان بفلان: إذا لزمه. وقول ابن مسعود: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" أي: الزموا. ويقال: الإلظاظ هو الإلحاح. قلت: وكلاهما قريب من الآخر - والله أعلم - وهو المداومة واللزوم والإلحاح. (الرحمن: 78) سورة الواقعة 769 - عن جابر بن عبد الله، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما نزلت: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}، ذكر فيها {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ}، قال عمر: يا رسول الله، ثلة من الأولين وقليل منا؟ قال: فأمسك آخر السورة سنة، ثم نزل: {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ}، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عمر، تعال فاسمع ما قد أنزل الله: {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ}، ألا وإن من آدم إليَّ ثلة، وأمتي ثلة، ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة الإبل، ممن شهد أن لا إله إلا الله وحده ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (2450) وتفسير البغوي (7/ 451).

لا شريك له". هكذا أورده في ترجمة "عروة بن رويم" إسنادا ومتنا، ولكن في إسناده نظر. (الواقعة: 13 - 14) 770 - عن عِكْراش بن ذؤيب، قال: بعثني بنو مرة في صدقات أموالهم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدمت المدينة فإذا هو جالس بين المهاجرين والأنصار، وقدمت عليه بإبل كأنها عروق الأرطى، قال: "من الرجل؟ " قلت: عِكْراش بن ذؤيب. قال: "ارفع في النسب"، فانتسبت له إلى "مرة بن عبيد"، وهذه صدقة "مرة بن عبيد". فتبسم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: هذه إبل قومي، هذه صدقات قومي. ثم أمر بها أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها. ثم أخذ بيدي فانطلقنا إلى منزل أم سلمة، فقال: "هل من طعام؟ " فأتينا بحفنة كثيرة الثريد والوذر، فجعل يأكل منها، فأقبلت أخبط بيدي في جوانبها، فقبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده اليسرى على يدي اليمنى، فقال: "يا عِكْراش، كل من موضع واحد، فإنه طعام واحد". ثم أتينا بطبق فيه تمر، أو رطب - شك عبيد الله رطبا كان أو تمرا - فجعلت آكل من بين يدي، وجالت يد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الطبق، وقال: "يا عِكْراش، كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد". ثم أتينا بماء، فغسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده ومسح بِبَلَلِ كفيه وجهه وذراعيه ورأسه ثلاثا، ثم قال: "يا عِكْراش، هذا الوضوء مما غيرت النار". وهكذا رواه الترمذي مطولا وابن ماجه جميعًا، عن محمد بن بشار، عن أبي الهزيل العلاء بن الفضل، به. وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديثه. (¬1) (الواقعة: 20) 771 - عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن في الجنة لطيرا فيه سبعون ألف ريشة، فيقع على صحفة الرجل من أهل الجنة فينتفض، فيخرج من كل ريشة - يعني: لونا - أبيض من اللبن، وألين من الزبد، وأعذب من الشهد، ليس منها لون يشبه صاحبه ثم يطير". هذا حديث غريب جدا، والوَصَّافي وشيخه ضعيفان. (الواقعة: 21) ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (1848) وسنن ابن ماجة برقم (3274) وعبيد الله بن عكراش تكلم فيه، وتكلم في حديثه هذا. قال البخاري: "لا يثبت حديثه" ونقل العقيلي عنه أنه قال: "في إسناده نظر".

772 - عن أبي سعيد، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} قال: "ارتفاعها كما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام" (¬1). ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه، إلا من حديث رشدين بن سعد. قال: وقال بعض أهل العلم: معنى هذا الحديث: ارتفاع الفرش في الدرجات، وبعد ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. هكذا قال: إنه لا يعرف هذا إلا من رواية رشدين بن سعد، وهو المصري، وهو ضعيف. وهكذا رواه أبو جعفر بن جرير، عن أبي كُرَيْب، عن رشدين. ثم رواه هو وابن أبي حاتم، كلاهما عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، فذكره. وكذا رواه ابن أبي حاتم أيضًا عن نُعَيم بن حماد، عن ابن وهب. وأخرجه الضياء في صفة الجنة من حديث حرملة عن ابن وهب، به مثله. ورواه الإمام أحمد عن حسن بن موسى، عن ابن لَهِيعَة، حدثنا دراج، فذكره. (الواقعة: 34) 773 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا أَنْشَانَاهُنَّ إِنْشَاءً} قال: "نساء عجائز كُنّ في الدنيا عُمْشًا رُمْصًا". رواه الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم. ثم قال الترمذي: غريب، وموسى ويزيد ضعيفان (¬2). (الواقعة: 35) 774 - عن علي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن في الجنة لمجتمعًا للحور العين، يرفعن أصواتًا لم تسمع الخلائق بمثلها، يقلن نحن الخالدات فلا نبِيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكُنَّا له". ثم قال: هذا حديث غريب. (الواقعة: 35) 775 - وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثلاثٌ لا يُمْنَعْنَ: الماء والكلأ والنار". (¬3) وله من حديث ابن عباس مرفوعًا مثل هذا ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (2540) وفيه: "هذا حديث غريب لا نعرفه" ليس فيه: "حسن" وكذا وقع في تحفة الأشراف. (¬2) سنن الترمذي برقم (3296) وتفسير الطبري (27/ 107). (¬3) سنن ابن ماجه برقم (2472).

سورة الحديد

وزيادة: "وثمنه حرام". (¬1) ولكن في إسناده "عبد الله بن خِرَاش بن حَوْشب" وهو ضعيف، والله أعلم. (الواقعة: 73) 776 - ما رواه الإمام مالك في موطئه، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزم: أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن حزم: ألا يمس القرآن إلا طاهر. (¬2) وروى أبو داود في المراسيل، من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ولا يمس القرآن إلا طاهر". (¬3) وهذه وِجَادةٌ جيدة. قد قرأها الزهري وغيره، ومثل هذا ينبغي الأخذ به. وقد أسنده الدارقطني عن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عمر، وعثمان بن أبي العاص، وفي إسناد كل منها نظر (¬4)، والله أعلم. (الواقعة: 77 - 79) سورة الحديد 777 - عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر بفراشه فيفرش له مستقبل القبلة، فإذا أوى إليه توسد كفه اليمنى، ثم همس - ما يدرى ما يقول - فإذا كان في آخر الليل رفع صوته فقال: "اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، إله كل شيء، ورب كل شيء، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم، أنت الأول الذي ليس قبلك شيء، وأنت الآخر الذي ليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك ¬

(¬1) سنن ابن ماجه برقم (2472). (¬2) الموطأ (1/ 199). (¬3) المراسيل برقم (257). (¬4) سنن الدارقطني (1/ 12، 122).

شيء، اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر" (¬1) السري بن إسماعيل هذا ابن عم الشعبي، وهو ضعيف جداً والله أعلم. (الحديد: 3) 778 - عن قتادة قال: حدث الحسن، عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وأصحابه، إذ أتى عليهم سَحَاب فقال نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل تدرون ما هذا؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هذا العَنَان، هذه رَوَايا الأرض تسوقه إلى قوم لا يشكرونه ولا يَدْعُونه". ثم قال: "هل تدرون ما فوقكم؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال " فإنها الرقيع، سقف محفوظ، وموج مكفوف". ثم قال: "هل تدرون كم بينكم وبينها" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "بينكم وبينها خمسمائة سنة". ثم قال: "هل تدرون ما فوق ذلك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم قال: " فإن فوق ذلك سماء بُعدُ ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة - حتى عدَّ سبع سموات - ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض". ثم قال: "هل تدرون ما فوق ذلك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " فإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السماء بُعدُ ما بين السماءين". ثم قال: "هل تدرون ما الذي تحتكم؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنها الأرض". ثم قال: "هل تدرون ما الذي تحت ذلك؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإن تحتها أرضاً أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة - حتى عدَّ سبع أرضين - بين كل أَرْضَيْن مسيرة خمسمائة سنة". ثم قال: "والذي نفس محمد بيده، لو أنكم دَليتم بحبل إلى الأرض السفلي لهبط على الله"، ثم قرأ: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، ويُروى عن أيوب ويونس - يعني بن عبيد - وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة. وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا: إنما هَبَط على علْم الله وقدرته وسلطانه، وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان، وهو على العرش، كما وصف في كتابه. انتهى كلامه (¬2) وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث عن سريج، عن الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره، وعنده بُعدُ ¬

(¬1) مسند أبي يعلى (8/ 210). (¬2) سنن الترمذي برقم (3298).

ما بين الأرْضين مسيرة سبعمائة عام، وقال: "لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السفلي السابعة لهبط على الله"، ثم قرأ: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ورواه بن أبي حاتم والبزار من حديث أبي جعفر الرازي، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة ... فذكر الحديث، ولم يذكر بن أبي حاتم آخره وهو قوله: "لو دليتم بحبل"، وإنما قال: "حتى عَدّ سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام"، ثم تلا {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقال البزار: لم يروه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أبو هريرة. ورواه بن جرير، عن بشر، عن يزيد، عن سعيد، عن قتادة: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} ذكر لنا أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينما هو جالس في أصحابه إذ ثار عليهم سحاب، فقال: "هل تدرون ما هذا؟ " وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء، إلا أنه مرسل من هذا الوجه، ولعل هذا هو المحفوظ، والله أعلم. وقد روي من حديث أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه وأرضاه، رواه البزار في مسنده، والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات (¬1) ولكن في إسناده نظر، وفي متنه غرابة ونكارة، والله سبحانه وتعالى أعلم. (الحديد: 3) 779 - عن قتادة قال: التقى أربعة من الملائكة بين السماء والأرض، فقال بعضهم لبعض: من أين جئت؟ قال أحدهم: أرسلني ربي، عز وجل، من السماء السابعة وتركته ثَمّ، قال الآخر: أرسلني ربي، عز وجل من الأرض السابعة وتركته ثَمّ، قال الآخر: أرسلني ربي من المشرق وتركته ثَمّ، قال الآخر: أرسلني ربي من المغرب وتركته ثَمّ. وهذا حديث غريب جداً، وقد يكون الحديث الأول موقوفًا على قتادة كما روي هاهنا من قوله، والله أعلم. (الحديد: 3) 780 - قال عمر: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: زودني كلمة أعيش بها فقال: ¬

(¬1) الأسماء والصفات للبيهقي (ص 506) من طريق أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي نصر، عن أبي ذر، ومن طريق البيهقي رواه الجوزقاني في الأباطيل (1/ 68) وقال: "هذا حديث منكر"

"اسْتَحِ الله كما تستحي رجلا من صَالِح عشيرتك لا يفارقك" (¬1) هذا حديث غريب. (الحديد: 4) 781 - عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت". غريب. (الحديد: 4) 782 - عن أبي سعيد الخدري أنه قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية، حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم" فقلنا: من هم يا رسول الله أقريش؟ قال: لا ولكن أهل اليمن، هم أرق أفئدةً وألين قلوبًا". فقلنا: أهم خير منا يا رسول الله؟ قال: "لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه، ما أدرك مُدّ أحدكم ولا نَصيفه، ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس، {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وهذا الحديث غريب بهذا السياق، والذي في الصحيحين من رواية جماعة، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد - ذَكَر الخوارج -: "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" الحديث. ولكن روى ابن جرير هذا الحديث من وجه آخر، فقال: ... عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم". قلنا: من هم يا رسول الله؟ قريش؟ قال: "لا ولكن أهل اليمن، لأنهم أرق أفئدة، وألين قلوبًا". وأشار بيده إلى اليمن، فقال: "هم أهل اليمن، ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية". فقلنا: يا رسول الله، هم خير منا؟ قال: "والذي نفسي بيده، لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مُدّ أحدكم ولا نصيفه". ثم جمع أصابعه ومد خنصره، وقال: "ألا إن هذا فضلُ ما بيننا وبين الناس {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}] " فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم، فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخبارا عما بعده، كما في قوله تعالى في سورة "المزمل" - وهي مكية، ¬

(¬1) وذكره المؤلف في مسند عمر بن الخطاب (2/ 609) من طريق الإسماعيلي وقال: "إسناده غريب ... "

من أوائل ما نزل -: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية [المزمل: 20] فهي بشارة بما يستقبل، وهكذا هذه والله أعلم. (الحديد: 10) 783 - عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خَلَّها في صدره بخلال، فنزل جبريل فقال: مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خَلَّها في صدره بِخلال؟ فقال: "أنفق ماله عليَّ قبل الفتح" قال: فإن الله يقول: اقرأ عليه السلام، وقل له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله: "يا أبا بكر، إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك: أراض أنت عَني في فقرك هذا أم ساخط؟ " فقال: أبو بكر، رضي الله عنه: أسخط على ربي عز وجل؟ إني عن ربي راض. (¬1) هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه. (الحديد: 10) 784 - عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مؤمنو أمتي شهداء". قال: ثم تلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ}. هذا حديث غريب. (الحديد: 19) 785 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها. اقرؤوا: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬2) وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة (¬3) والله أعلم. (الحديد: 20) 786 - عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: كان ملوك بعد عيسى، عليه السلام، بدلت التوراة والإنجيل، فكان منهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل، فقيل لملوكهم: ما نجد شيئًا أشد من شتم يشتمونا هؤلاء، إنهم يقرؤون: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، هذه الآيات، مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم، فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا. فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل، إلا ما بدلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك؟ دعونا: ¬

(¬1) معالم التنزيل للبغوي (8/ 34) وفيه: "إني عن ربي راض" مرتين، ووجه ضعفه أنه فيه العلاء بن عمرو. قال بن حبان: "يروى أبي إسحاق الفزاري العجائب، لا يجوز الاحتجاج به بحال" وساق الحديث. (¬2) تفسير الطبري (27/ 134) وليس في المطبوع هذه الزيادة، فلعل الحافظ رآها في نسخة أخرى. (¬3) صحيح البخاري برقم (6415) من حديث سهل بن سعد، رضي الله عنه.

سورة المجادلة

فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئًا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم. وقالت طائفة: دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش، فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا. وقالت طائفة: ابنوا لنا دورًا في الفيافي، ونحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم. وليس أحد من القبائل إلا له حميم فيهم، ففعلوا ذلك فأنزل الله، عز وجل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} والآخرون قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دورًا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فلما بُعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يبق منهم إلا القليل، انحط منهم رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب الدير من ديره، فآمنوا به وصدقوه، فقال الله، عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم والتوراة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتصديقهم قال: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28]: القرآن، واتباعهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} الذين يتشبهون بكم {أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (¬1) هذا السياق فيه غرابة، وسيأتي تفسير هاتين الآيتين الأخريين على غير هذا، والله أعلم. (الحديد: 27) سورة المجادلة 787 - وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة، حدثنا جرير - يعني بن حازم - قال: سمعت أبا يزيد يحدث قال: لقيت امرأة عُمَرَ - يقال لها: خولة بنت ثعلبة - وهو يسير مع الناس، فاستوقفته فوقف لها ودنا منها ¬

(¬1) تفسير الطبري (27/ 138) وسنن النسائي (8/ 231).

وأصغى إليها رأسه، ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريش على هذه العجوز؟! قال: ويحك! وتدري من هذه؟ قال: لا. قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلى أن تحضر صلاة فأصليها، ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها. (¬1) هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب. وقد روي من غير هذا الوجه. وقال ابن أبي حاتم أيضًا: حدثنا المنذر بن شاذان حدثنا يعلى، حدثنا زكريا عن عامر قال: المرأة التي جادلت في زوجها خولة بنت الصامت، وأمها معاذة التي أنزل الله فيها: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] صوابه: خولة امرأة أوس بن الصامت. (المجادلة: 1) 788 - عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليَّ كظهر أمي، حُرِّمت عليه، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس، وكان تحته ابنة عم له يقال لها: "خويلة بنت ثعلبة. فظاهر منها، فأسقط في يديه، وقال: ما أراك إلا قد حَرُمت علي. وقالت له مثل ذلك، قال: فانطلقي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأتت رسول الله فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه، فقال: "ياخويلة، ما أمرنا في أمرك بشيء فأنزل الله على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا خويلة، أبشري" قالت: خيرًا. قال فقرأ عليها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} إلى قوله: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} قالت: وأي رقبة لنا؟ والله ما يجد رقبة غيري. قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} قالت: والله لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرات لذهب بصره! قال: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} قالت: من أين؟ ما هي إلا أكلة إلي مثلها! قال: فدعا بشطر وَسْق - ثلاثين صاعا، والوسق: ستون صاعا - فقال: "ليطعم ستين مسكينا وليراجعك" ¬

(¬1) ورواه الدرامي في الرد على الجهمية (ص 26) من طريق أبي يزيد، عن عمر بن الخطاب به. قال الذهبي في العلو (ص 113): "هذا إسناد صالح فيه انقطاع، أبو يزيد لم يلحق عمر".

وهذا إسناد جيد قوي، وسياق غريب، (¬1) وقد روي عن أبي العالية نحو هذا. (المجادلة: 2) 789 - عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله، إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر. فقال: "ما حملك على ذلك يرحمك الله؟ ". قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر. قال: "فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله، عز وجل". وقال الترمذي: حسن غريب صحيح ورواه أبو داود والنسائي من حديث عكرمة مرسلا. قال النسائي: وهو أولى بالصواب (¬2) (المجادلة: 3) 790 - عن ابن عباس قال: أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فقال: إني تظاهرت من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ألم يقل الله {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} قال: أعجبتني؟ قال: "أمسك حتى تكفر" ثم قال البزار: لا يروي عن ابن عباس بأحسن من هذا، وإسماعيل بن مسلم تكلم فيه، وروي عنه جماعة كثيرة من أهل العلم، وفيه من الفقه أنه لم يأمره إلا بكفارة واحدة. (المجادلة: 3) 791 - عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا نتناوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نبيت عنده؛ يطرُقه من الليل أمر وتبدو له حاجة. فلما كانت ذات ليلة كَثُر أهل النّوب والمحتسبون حتى كنا أندية نتحدث، فخرج علينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ما هذا النجوى؟ ألم تُنْهَوا عن النجوى؟ ". قلنا: تبنا إلى الله يا رسول الله، إنا كنا في ذكر المسيح، فَرقا منه. فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه؟ ". قلنا: بلى يا رسول الله. ¬

(¬1) تفسير الطبري (28/ 3) ورواه البزار في مسنده برقم (1076) "كشف الأستار" من طريق عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة به وقال: "لا نعلمه بهذا اللفظ في الظهار عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد، وأبو حمزة لين الحديث، وقد خالف في روايته ومتن حديثه الثقاب في أمر الظهار؛ لأن الزهري رواه عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وهذا إسناد لا نعلم بين علماء أهل الحديث اختلافًا في صحته، وأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بإناء فيه خمسة عشر صاعًا، وحديث أبي حمزة منكر، وفيه لفظ يدل على خلاف الكتاب؛ لأنه قال: "وليراجعك، وقد كانت امرأته، فما معنى مراجعته امرأته ولم يطلقها، وهذا مما لا يجوز على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما أتي هذا من رواية أبي حمزة الثمالي". (¬2) سنن أبي داود برقم (2221، 2222) وسنن النسائي (6/ 168).

سورة الحشر

قال: "الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل". هذا إسناد غريب، وفيه بعض الضعفاء. (المجادلة: 8) سورة الحشر 792 - قال عمر رضي الله عنه: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} قال الزهري: قال عمر: هذه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، قُرى [عربية: فَدَك وكذا] وكذا، فما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فاستوعبت هذه الآية الناس، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق - قال أيوب: أو قال: حظ - إلا بعض من تملكون من أرقائكم. كذا رواه أبو داود، وفيه انقطاع. (¬1) (الحشر: 10) 793 - عن مَعقِل بن يسار، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وَكَّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة". ورواه الترمذي ... وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. (¬2) (الحشر: 24) ¬

(¬1) سنن أبي داود برقم (2966) (¬2) المسند (5/ 26) وسنن الترمذي برقم (2922). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (5732).

سورة الممتحنة

سورة الممتحنة 794 - عن عائشة وأسماء أنهما قالتا: قدمت علينا أمنا المدينة، وهي مشركة، في الهدنة التي كانت بين قريش وبين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، إن أمنا قدمت علينا المدينة راغبةً، أفنصلها؟ قال: "نعم، فَصِلاها". (¬1) ثم قال (البزار): وهذا الحديث لا نعلمه يروي عن الزهري، عن عروة، عن عائشة إلا من هذا الوجه. قلت: وهو منكر بهذا السياق؛ لأن أم عائشة هي أم رومان، وكانت مسلمة مهاجرة وأم أسماء غيرها، كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة (¬2) والله أعلم. (الممتحنة: 8) 795 - عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ابنته زينب على أبي العاص [ابن الربيع] وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول، ولم يحدث شهادة ولا صَدَاقًا. ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة (¬3). ومنهم من يقول: "بعد سنتين"، وهو صحيح؛ لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين. وقال الترمذي: "ليس بإسناده بأس، ولا نعرف وجه هذا الحديث (¬4)، ولعله جاء من حفظ داود بن الحصين. وسمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن بن إسحاق هذا الحديث، وحديث ابن الحجاج - يعني ابن أرطاة - عن عمرو بن شعيب، عن ¬

(¬1) مسند البزار برقم (1873) "كشف الأستار" وقال الهيثمي: "حديث أسماء في الصحيح، وأم عائشة غير أم أسماء"؛ ولهذا أنكره الحافظ هنا، وفيه عبد الله بن شبيب شيخ البزار ضعيف. وراجع تخريجه في النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة للحويني ح (104). (¬2) ذكرها ابن كثير قبلها فقال: (وفي رواية لأحمد وابن جرير: قُتَيلة بنت عبد العزي بن سعد، من بني مالك بن حسل.) (¬3) المسند (1/ 261) وسنن أبي داود برقم (2240) وسنن الترمذي برقم (1143) وسنن ابن ماجة برقم (2009). (¬4) قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس: لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ رَدَّهَا إِلَيْهِ بَعْد سِتّ سِنِينَ أَوْ بَعْد سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاث مُشْكِل لِاسْتِبْعَادِ أَنْ تَبْقَى فِي الْعِدَّة هَذِهِ الْمُدَّة، وَلَمْ يَذْهَب أَحَد إِلَى جَوَاز تَقْرِير الْمُسْلِمَةِ تَحْت الْمُشْرِك إِذَا تَأَخَّرَ إِسْلَامه عَنْ إِسْلَامهَا حَتَّى اِنْقَضَتْ عِدَّتهَا، وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاع فِي ذَلِكَ اِبْن عَبْد الْبَرّ ...)

أبيه، عن جده، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد. فقال يزيد: حديث ابن عباس أجودُ إسنادًا والعمل على حديث عمرو بن شعيب". قلت: وقد رَوَي حديث الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب الإمامُ أحمد والترمذي وابن ماجة (¬1)، وضعفه الإمام أحمد وغير واحد، والله أعلم. (¬2) (الممتحنة: 10) 796 - عن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر عمر بن الخطاب فقال: " قل لهن: إن رسول الله يبايعكن على ألا تشركن بالله شيئًا" - وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة مُنَكرة في النساء (¬3) - فقالت: "إني إن أتكلم يعرفني، وإن عرفني قتلني". وإنما تنكرت فرقًا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسكت النسوة اللاتي مع هند، وأبين أن يتكلمن. فقالت هند وهي مُنَكَّرة: كيف تقبل من النساء شيئًا لم تقبله من الرجال؟ ففطن إليها رسول الله وقال لعمر: "قل لهن: ولا تسرقن". قالت هند: والله إني لأصيب من أبي سفيان الهَنَات، ما أدري أيحلهن لي أم لا؟ قال أبو سفيان: ما أصبت من شيء مضى أو قد بقي، فهو لك حلال. فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرفها، فدعاها فأخذت بيده، فعاذت به، فقال: "أنت هند؟ ". قالت: عفا الله عما سلف. فصرف عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ولا يزنين"، فقالت: يا رسول الله، وهل تزني الحرة؟ قال: "لا والله ما تزني الحرة". فقال: "ولا يقتلن أولادهن". قالت هند: أنت قتلتهم يوم بدر، فأنت وهم أبصر. قال: {وَلا يَاتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} قال {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قال: منعهن أن ينحن، وكان أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه، ¬

(¬1) المسند (2/ 207) وسنن الترمذي برقم (1142) وسنن ابن ماجة برقم (2010).وضعفه الألباني في (ضعيف ابن ماجه، برقم (436)، والإرواء (1922)). (¬2) قال الحافظ ابن كثير: (وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأن ذلك كان قضية عين يحتمل أنه لم تنقض عِدّتها منه؛ لأن الذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم انفسخَ نِكاحُها منه. وقال آخرون: بل إذا انقضت العدة هي بالخيار، إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت، وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت، وحملوا عليه حديث ابن عباس، والله أعلم.) انظر تفسير (الممتحنة: 10). (¬3) قلت: لم يثبت خبر صحيح أن هند بنت عتبة بقرت بطن حمزة. انظر كتابي التعليق على الرحيق المختوم.

سورة المنافقون

ويقطعن الشعور، ويدعون بالثبور. والثبور: الويل. وهذا أثر غريب، وفي بعضه نكارة، والله أعلم؛ فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخيفهما، بل أظهر الصفاء والود له، وكذلك كان الأمر من جانبه، عليه السلام، لهما. (الممتحنة: 12) سورة المنافقون 797 - أن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت الأنصاري أخبراه: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزا غزوة المريسيع، وهي التي هدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها مناة الطاغية التي كانت بين قفا المُشَلّل وبين البحر، فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد فكسر مناة، فاقتتل رجلان في غزوة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك، أحدهما من المهاجرين، والآخر من بَهْز، وهم حلفاء الأنصار، فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين على البهزي، فقال البهزي: يا معشر الأنصار، فنصره رجال من الأنصار، وقال المهاجري: يا معشر المهاجرين. فنصره رجال من المهاجرين، حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين والرجال من الأنصار شيء من القتال، ثم حُجز بينهم فانكفأ كل منافق - أو: رجل في قلبه مرض - إلى عبد الله بن أبيّ بن سلول، فقال: قد كنت تُرْجَى وتَدفع فأصبحت لا تضر ولا تنفع، قد تناصرت علينا الجلابيب - وكانوا يَدْعُون كُلّ حديث هجرة الجلابيب - فقال عبد الله بن أبي عدو الله: [والله] لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال مالك بن الدخْشُم - وكان من المنافقين -: أولم أقل لكم لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا. فسمع بذلك عمرُ بن الخطاب، فأقبل يمشي حتى جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس، أضربُ عنقه - يريد عمرُ عبدَ الله بن أبي - فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر: "أو قاتله أنتَ إن أمرتُك بقتله؟ ". قال: عمر [نعم] والله لئن أمرتني بقتله لأضربَنّ عنقه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجلس". فأقبل أسيدُ بن

الحضير - وهو أحد الأنصار، ثم أحد بني عبد الأشهل - حتى أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس [حتى] أضرب عنقه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أوقاتله أنتَ إن أمرتُك بقتله؟ ". قال: نعم، والله لئن أمرتني بقتله لأضربن بالسيف تحت قُرط أذنيه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجلس". ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "آذنوا بالرحيل". فَهَجَّرَ بالناس، فسار يومه وليلته والغد حتى مَتَعَ النهار، ثم نزل. ثم هَجَّر بالناس مثلها، فَصبح بالمدينة في ثلاث سارها من قفا المُشلَّل فلما قدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة أرسل إلى عمر فدعاه، فقال له رسول الله: "أي عمر، أكنت قاتله لو أمرتك بقتله؟ " قال عمر: نعم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والله لو قتلته يومئذ لأرغمتَ أنوف رجال لو أمرتهم اليوم بقتله امتثلوه فيتحدث الناسُ أني قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صبرًا". وأنزل الله عز وجل: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} إلى قوله: {لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ [لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَل]} الآية. وهذا سياق غريب، وفيه أشياء نفيسة لا توجد إلا فيه. (المنافقون: 8) 798 - عن ابن عباس قال: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه، أو تجب عليه فيه زكاةٌ، فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت. فقال رجل: يا ابن عباس، اتق الله، فإنما يسأل الرجعة الكفار. فقال سأتلوا عليك بذلك قرآنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ [وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا] وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} قال: فما يوجب الزكاة؟ قال: إذا بلغ المال مائتين فصاعدا. قال: فما يوجب الحج؟ قال: الزاد والبعير. ثم قال (الترمذي): ... عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنحوه (¬1) ثم قال: وقد رواه سفيان بن عيينة وغيره، عن أبي جَنَاب، عن ابن الضحاك، عن ابن عباس، من قوله. وهو أصح، وضعَّف أبا جناب الكلبي. قلت: رواية الضحاك عن ابن عباس فيها انقطاع، والله أعلم. (المنافقون: 9) ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (3316).

سورة التغابن

سورة التغابن 799 - عن عبد الله بن عَمرو، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من مولود يولد إلا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن" أورده ابن عساكر في ترجمة "الوليد بن صالح" وهو غريب جدًّا، بل منكر. (التغابن) سورة الطلاق 800 - عن أبي بن كعب قال: قلت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} المطلقة ثلاثا أو المتوفى عنها؟ فقال: "هي المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها" (¬1) هذا حديث غريب جدا، بل منكر؛ لأن في إسناده المثنى بن الصباح، وهو متروك الحديث بمِرّة ولكن رواه ابن أبي حاتم بسند آخر، فقال: حدثنا محمد بن داود السِّمْناني، حدثنا عمرو بن خالد - يعني: الحراني - حدثنا ابن لَهِيعة، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب، أنه لما نزلت هذه الآية قال لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا أدري أمشتركة أم مبهمة، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أية آية؟ ". قال: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} المتوفى عنها والمطلقة؟ قال: "نعم". (الطلاق: 4) 801 - عن عبد الكريم بن أبي المخارق أنه حدث عن أبيّ بن كعب قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن: {وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قال: "أجل، كل حامل أن تضع ما في بطنها". (¬2) عبد الكريم هذا ضعيف، ولم يدرك أُبَيّا. (الطلاق: 4) 802 - عن أبي مالك الأشعري - واسمه الحارث - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ¬

(¬1) زوائد المسند (5/ 116). (¬2) تفسير الطبري (28/ 93) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 654) بعد ما ساق هذه الرواية: (وهذا المرفوع وإن كان لا يخلو شيء من أسانيده عن مقال، لكن كثرة طرقه تشعر بأن له أصلا، ويعضده قصة سبيعة المذكورة).وضعفه الألباني في الإرواء ح (2116).

"ثلاثة نفر، كان لأحدهم عشرة دنانير، فتصدق منها بدينار. وكان لآخر عشر أواق، فتصدق منها بأوقية. وكان لآخر مائة أوقية، فتصدق منها بعشر أواق". فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هم في الأجر سواء، كل قد تصدق بعشر ماله، قال الله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} (¬1) هذا حديث غريب من هذا الوجه. (الطلاق: 7) 803 - عن ابن عباس في هذه الآية {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ} قال عمرو قال: في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق. وقال ابن المثنى في حديثه: في كل سماء إبراهيم وقد وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات هذا الأثر عن ابن عباس بأبسط من هذا [السياق] فقال: ... عن ابن عباس قال {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ} قال: سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى. ثم رواه البيهقي ... عن ابن عباس في قول الله عز وجل {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنّ} قال: في كل أرض نحو إبراهيم عليه السلام. ثم قال البيهقي: إسناد هذا عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا والله أعلم. (الطلاق: 12) 804 - عن عثمان بن أبي دهرش قال: بلغني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى إلى أصحابه وهم سكوت لا يتكلمون فقال: "ما لكم لا تتكلمون؟ "فقال: نتفكر في خلق الله عز وجل. قال: "فكذلك فافعلوا تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا فيه فإن بهذا المغرب أرضا بيضاء نورها ساحتها - أو قال ساحتها نورها - مسيرة الشمس أربعين يومًا بها خلقُ الله تعالى لم يعصُوا الله طَرفة عين قطّ "قالوا فأين الشيطان عنهم؟ قال "ما يدرون خلق الشيطان أم لم يخلق؟ "قالوا أمن ولد آدم؟ قال "لا يدرون خلق آدم أم لم يخلق؟ " (¬2) وهذا ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 292/3439) قال الألباني: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه ثلاث علل: الأولى: الانقطاع بين شريح والأشعري. الثانية: ضعف محمد بن إسماعيل. الثالثة: هاشم بن مرثد الطبراني، أورده الذهبي في (الميزان) فقال: (هاشم بن مرثد الطبراني، عن آدم. قال ابن حبان: ليس بشيء). ولذلك أورده في (الضعفاء). راجع السلسلة الضعيفة ح (3449). (¬2) الحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور (2/ 408) وعزاه لابن أبي الدنيا

سورة التحريم

حديث مرسل وهو منكر جدًّا وعثمان بن أبي دهرش ذكره ابن أبي حاتم في كتابه فقال: روى عن رجل من آل الحكم بن أبي العاص وعنه سفيان بن عيينة ويحيى بن سليم الطائفي وابن المبارك سمعت أبي يقول ذلك. (¬1) (الطلاق: 12) سورة التحريم 805 - عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (التحريم: 1) وهذا قول غريب، والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العَسَل، كما قال البخاري عند هذه الآية: 806 - محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال: أخبرني رجل ثقة يرفعه إلى علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} قال: هو علي بن أبي طالب. إسناده ضعيف. وهو منكر جدًا. (التحريم: 4) 807 - عن ابن عباس في قوله: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} قال: دخلَت حفصة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتها وهو يَطَأ مارية، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة، فإن أباك يَلي الأمرَ من بعد أبي بكر إذا أنا مت". فذهبت حفصة فأخبَرتْ عائشة، فقالت عائشة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أنبأك هذا؟ قال: {نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} فقالت عائشة: لا أنظر إليك حتى تحرم مارية فحرمها، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ}. (¬2) إسناده فيه نظر. (التحريم: 4) 808 - 809 - عن ابن عمر قال: جاء جبريل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بموت خديجة ¬

(¬1) الجرح والتعديل (6/ 149) (¬2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 117) وقال الهيثمي في المجمع: (رواه الطبراني وفيه إسماعيل بن عمرو البجلى وهو ضعيف وقد وثقه ابن حبان، والضحاك بن مزاحم لم يسمع من ابن عباس، وبقية رجاله ثقات.)

فقال: إن الله يقرئها السلام، ويبشرها ببيت في الجنة من قَصَب، بعيد من اللهب لا نَصَب فيه ولا صَخَب، من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم. (التحريم: 5) و ... عن ابن عباس: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على خديجة، وهي في الموت فقال: "يا خديجة، إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام". فقالت: يا رسول الله، وهل تزوجت قبلي؟ قال: "لا"، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وكلثم أخت موسى". ضعيف أيضًا. (التحريم: 5) 810 - عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُعْلِمتُ أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون". فقلت: هنيئًا لك يا رسول الله. (¬1) وهذا أيضًا ضعيف وروي مرسلا عن ابن أبي داود. (التحريم: 5) 811 - حدثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي رَاَّود - قال: بلغني أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} وعنده بعض أصحابه، وفيهم شيخ، فقال الشيخ: يا رسول الله، حجارة جهنم كحجارة الدنيا؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده، لَصَخرة من صخر جهنم أعظمُ من جبَال الدنيا كلها". قال: فوقع الشيخُ مغشيًا عليه، فوضع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على فؤاده فإذا هُوَ حَيّ فناداه قال: "يا شيخ"، قل: "لا إله إلا الله". فقالها، فبشره بالجنة، قال: فقال أصحابه: يا رسول الله، أمن بيننا؟ قال: "نعم، يقول الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 14]. هذا حديث مرسل غريب. (التحريم: 6) 812 - عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التوبة من الذنب أن يتوب منه، ثم لا يعود فيه". (¬2) تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهَجَري، وهو ¬

(¬1) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 309) والعقيلي في الضعفاء (4/ 459) من طريق عبد النور بن عبد الله به، وعبد النور كذاب، قال العقيلي: "وليس بمحفوظ". (¬2) المسند (1/ 446). وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 330)، والمناوي في فيض القديرح (3421).

سورة الملك

ضعيف، والموقوف أصح والله أعلم. (التحريم: 8) 813 - وقد استدل بهذه الآية الكريمة بعضُ العلماء على ضعف الحديث الذي يأثرُه كثير من الناس: "من أكل مع مغفور له غفر له". وهذا الحديث لا أصل له، وإنما يروى هذا عن بعض الصالحين أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال: يا رسول الله، أنت قلت: من أكل مع مغفور له غفر؟ قال: "لا ولكني الآن أقوله". (¬1) (التحريم: 10) سورة الملك 814 - عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خباءه على قبر، وهو لا يحسب أنه قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا إنسان يقرأ سورة الملك " تَبَارَكَ " حتى ختمها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر" ثم قال (الترمذي): "هذا حديث غريب من هذا الوجه. (¬2) (الملك) 815 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي" يعني: " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ". ¬

(¬1) قال الألباني في الضعيفةح (315): (كذب لا أصل له، ونقل كلام ابن كثير على الحديث .... ،وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا ليس له إسناد عند أهل العلم ولا هو في شيء من كتب المسلمين، وإنما يروونه عن سنان، وليس معناه صحيحًا على الإطلاق، فقد يأكل مع المسلمين الكفار والمنافقون"، وذكره الإمام ابن القيم في المنار المنيف (ص 140) وقال: "موضوع، وغاية ما روي فيه أنه منام رآه بعض الناس". (¬2) سنن الترمذي برقم (2890) وقال الألباني: ضعيف، وإنما يصح منه قوله: "هي المانعة ... " الصحيحة (1140).

هذا حديث غريب، وإبراهيم ضعيف، وقد تقدم مثله في سورة "يس" وقد روى هذا الحديث عبد بن حُمَيد في مسنده بأبسط من هذا، فقال: ... عن ابن عباس أنه قال لرجل: ألا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال: بلى. قال اقرأ: " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ " وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك، فإنها المنجية والمجادلة، تجادل - أو تخاصم - يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له أن [ينجيه] من عذاب النار، وينجي بها صاحبها من عذاب القبر؛ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لوددتُ أنها في قلب كل إنسان من أمتي". (الملك) 816 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن رجلا ممن كان قبلكم مات، وليس معه شيء من كتاب الله إلا " تَبَارَكَ "، فلما وضع في حفرته أتاه المَلَك فثارت السورة في وجهه، فقال لها: إنك من كتاب الله، وأنا أكره مساءتك، وإني لا أملك لك ولا له ولا لنفسي ضرا ولا نفعا، فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب تبارك وتعالى فاشفعي له. فتنطلق إلى الرب فتقول: يا رب، إن فلانًا عَمَد إليَّ من بين كتابك فتَعَلَّمني وتلاني أفتحرقه أنت بالنار وتعذبه وأنا في جوفه؟ فإن كنت فاعلا ذاك به فامحني من كتابك. فيقول: ألا أراك غضبت؟ فتقول: وحُقّ لي أن أغضب. فيقول: اذهبي فقد وهبته لك، وشَفّعتك فيه. قال: فتجيء فيخرج الملك، فيخرج كاسف البال لم يَحْلَ منه بشيء. قال: فتجيء فتضع فاها على فيه، فتقول مرحبا بهذا الفم، فربما تلاني، ومرحبا بهذا الصدر، فربما وعاني، ومرحبا بهاتين القدمين، فربما قامتا بي. وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه". قال: فلما حَدّث بهذا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبق صغير ولا كبير ولا حُرّ ولا عبد، إلا تعلمها، وسماها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنجية. قلت: وهذا حديث منكر جدا، وفرات بن السائب هذا ضعفه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو حاتم، والدارقطني وغير واحد. وقد ذكره ابن عساكر من وجه آخر، عن الزهري، من قوله مختصرا. وروى البيهقي في كتاب "إثبات عذاب القبر" عن ابن مسعود موقوفًا ومرفوعًا ما يشهد لهذا وقد كتبناه في كتاب الجنائز من الأحكام الكبرى، ولله الحمد. (الملك)

سورة القلم

817 - عن قتادة في قوله: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله أذل بني آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء". ورواه مَعْمَر، عن قتادة (¬1) (الملك: 1) 818 - عن أنس قال: قالوا: يا رسول الله، إنا نكون عندك على حال، فإذا فارقناك كنا على غيره؟ قال: "كيف أنتم وربكم؟ " قالوا: الله ربنا في السر والعلانية. قال: "ليس ذلكم النفاق". (¬2) لم يروه عن ثابت إلا الحارث بن عُبَيد فيما نعلمه. (الملك: 12) سورة القلم 819 - عن معاوية بن قُرّة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} لوح من نور، وقلم من نور، يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة". وهذا مرسل غريب. (القلم: 1) 820 - وقد روي في هذا حديث مرفوع غريب جدًا فقال ابن أبي حاتم: ... عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "خلق الله النون، وهي الدواة" (¬3) (القلم: 1) ¬

(¬1) ورواه الطبري في تفسيره (29/ 2) من طريق معمر، عن قتادة، ومن طريق سعيد، عن قتادة به مرسلاً. (¬2) مسند البزار برقم (52) "كشف الأستار" وقال الحافظ ابن حجر في مختصر الزوائد (1/ 67): "الحارث له مناكير وإن أخرج له في الصحيح". (¬3) ذكر ابن كثير في أول السورة حديثا قريبا منه - كان من الأولى أن يعلق عليه مثل مافعل هنا - رواه ابن عساكر ... عن أبي هُرَيرة: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق "النون" وهي: الدواة. ثم قال له: اكتب. قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما يكون - أو: ما هو كائن - من عمل، أو رزق، أو أثر، أو أجل. فكتب ذلك إلى يوم القيامة، فذلك قوله: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل وقال: وعزتي لأكملنك فيمن أحببت، ولأنقصنك ممن أبغضت".

821 - عن ابن عباس: أنه كان يحدث أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء". غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه. (القلم: 1) 822 - عن عبد الرحمن بن غَنْم قال: سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العُتلِّ الزنيم، فقال: "هو الشديد الخَلْق المصحح، الأكول الشروب، الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، رحيب الجوف". (¬1) وبهذا الإسناد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يدخل الجنة الجَواظ الجعظري، العتل الزنيم". وقد أرسله أيضًا غير واحد من التابعين. (القلم: 13) 823 - عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تبكي السماء من عبد أصح الله جسمه، وأرحب جوفه، وأعطاه من الدنيا مِقضَمًا فكان للناس ظلومًا. قال: فذلك العُتُل الزنيم" (¬2). وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين. (القلم: 13) 824 - عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قال: "عن نور عظيم، يخرون له سجدًا". ورواه أبو يعلى، عن القاسم بن يحيى، عن الوليد بن مسلم، به. وفيه رجل مبهم والله أعلم. (القلم: 42) 825 - عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن العين لتولع الرجلَ بإذن الله، فيتصاعد حالقا، ثم يتردى منه". إسناده غريب، ولم يخرجوه. (القلم: 51) 826 - حدثني حَيَّة بن حابس التميمي: أن أباه أخبره: أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطيَرَة الفَألُ". وقد رواه الترمذي ... ثم قال: غريب. قال: وروى شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن حَيَّة بن حابس، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: كذلك رواه الإمام أحمد، عن حسن بن موسى وحُسَين بن محمد، عن شيبان، يحيى بن أبي كثير، عن حَيَّة، حدثه عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا بأس في الهام، والعين حق، وأصدق الطيرة الفأل ". (¬3) (القلم: 51) ¬

(¬1) المسند (4/ 227) وقال الهيثمي في المجمع (10/ 393): "إسناده حسن، إلا أن ابن غنم لم يسمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وقال في موضع آخر (7/ 128): "فيه شهر بن حوشب وثقه جماعة وفيه ضعف، وعبد الرحمن بن غنم ليس له صحبة على الصحيح". (¬2) تفسير الطبري (19/ 16) وهو مرسل. (¬3) ضعيف بهذا التمام. راجع تخريجه في النافلة في الأحاديث الضعيفة للحويني ح (64).

سورة الحاقة

827 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العين حق، العين حق، تستنزل الحالق". غريب. (القلم: 51) 828 - عن علي أن جبريل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوافقه مغتما، فقال: يا محمد، ما هذا الغم الذي أراه في وجهك؟ قال: "الحسن والحسين أصابتهما عين". قال: صَدَق بالعين، فإن العين حق، أفلا عوذتهما بهؤلاء الكلمات؟ قال: "وما هن يا جبريل؟ ". قال: قل: اللهم ذا السلطان العظيم، ذا المن القديم، ذا الوجه الكريم، ولي الكلمات التامات، والدعوات المستجابات، عاف الحسن والحسين من أنفس الجن، وأعين الإنس. فقالها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقاما يلعبان بين يديه. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَوِّذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ، فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله". قال الخطيب البغدادي: تفرد بروايته أبو رجاء محمد بن عبيد الله الحَيَطي (¬1) من أهل تُسْتَر. ذكره ابن عساكر في ترجمة "طراد بن الحسين"، من تاريخه. (القلم: 51) سورة الحاقة 829 - عن مكحول يقول: لما نزل على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "سألت ربي أن يجعلها أذُنَ عَلِيّ". [قال مكحول] فكان عَلِيّ يقول: ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا قط فنسيته. وهكذا رواه ابن جرير ... عن مكحول به. وهو حديث مرسل. (الحاقة: 12) 830 - عن بريدة الأسلمي يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: "إني أمرت أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك وأن تعي، وحُقّ لك أن تعي".قال: فنزلت هذه الآية {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}. ورواه ابن جرير عن محمد بن خلف، عن بشر بن آدم، به ثم رواه ابن جرير من ¬

(¬1) وقع في تاريخ دمشق: "محمد بن عبد الله الحنظلى" وفي كنز العمال: "محمد بن عبد الله الخطيبى" ولم يتبين لى الصواب، والله أعلم. (قاله السلامة).

سورة المعارج

طريق آخر عن داود الأعمى، عن بُرَيدة، به. ولا يصح أيضا. (¬1) (الحاقة: 12) سورة المعارج 831 - عن أبي سعيد قال: قيل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده، إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا". ورواه ابن جرير، عن يونس، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن دراج، به (¬2) إلا أن دَرّاجا وشيخه ضعيفان، والله أعلم. (المعارج: 4) سورة نوح 832 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو رحم الله من قوم نوح أحدا، لرحم امرأة، لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت الجبل، فلما بلغها الماء صعدت به منكبها، فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها، فلما بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيدها. فلو رحم الله منهم أحدا لرحم هذه المرأة". هذا حديث غريب، ورجاله ثقات. (نوح: 26) ¬

(¬1) تفسير الطبري (29/ 36) ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق كما في الكنز برقم (36426) وقال ابن عساكر: "هذا إسناد لا يعرف والحديث شاذ". (¬2) المسند (3/ 75/11740) وتفسير الطبري (29/ 45) ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.

سورة الجن

سورة الجن 833 - وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه السلام، لا يؤلف تحت الأرض، كذب لا أصل له، ولم نره في شيء من الكتب. (¬1) وقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأل عن وقت الساعة فلا يجيب عنها. (الجن: 25) سورة المزمل 834 - عن جابر قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا: سموا هذا الرجل اسمًا تصدر الناس عنه. فقالوا: كاهن. قالوا: ليس بكاهن. قالوا: مجنون قالوا: ليس بمجنون. قالوا: ساحر. قالوا: ليس بساحر. فتفرق المشركون على ذلك، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتزمل في ثيابه وتدثر فيها. فأتاه جبريل عليه السلام فقال: " يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ "، " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ". ثم قال البزار: معلى بن عبد الرحمن: قد حدث عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه، لكن تفرد بأحاديث لا يتابع عليها. (¬2) (المزمل) 835 - عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته، وضعت جرانها، فما تستطيع أن تحرك حتى يُسَرّى عنه. وهذا مرسل. الجران: هو باطن العنق. (المزمل: 4) ¬

(¬1) قال السخاوي في المقاصد الحسنة (1/ 693): (لا أصل له، وممن صرح ببطلانه العز الديريني في (الدرر الملتقطة في المسائل المختلطة) ولكنه قال: إنه مما نقل عن علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار). (¬2) مسند البزار برقم (2276) "كشف الأستار"، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (3408) من طريق محمد بن موسى القطان به مثله، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 130): "وفيه معلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو كذاب".

836 - عن عائشة قالت: كنت أجعل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصيرا يُصَلي عليه من الليل، فتسامع الناس به فاجتمعوا، فخرج كالمغضب - وكان بهم رحيما، فخشي أن يكتب عليهم قيام الليل - فقال: "أيها الناس، اكلَفُوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يَمَلّ من الثواب حتى تملوا من العمل، وخير الأعمال ما ديمَ عليه". ونزل القرآن: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه، فرحمهم فردهم إلى الفريضة، وترك قيام الليل. ورواه ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف. والحديث في الصحيح (¬1) بدون زيادة نزول هذه السورة، وهذا السياق قد يُوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة، وليس كذلك، وإنما هي مكية. وقوله في هذا السياق: إن بين نزول أولها وآخرها ثمانية أشهر - غريب؛ فقد تقدم في رواية أحمد أنه كان بينهما سنة. (المزمل: 7) 837 - عن ابن عباس، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} قال: "ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم: قم فابعث من ذريتك بعثا إلى النار. قال: من كم يا رب؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، وينجو واحد". فاشتد ذلك على المسلمين، وعرف ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال حين أبصر ذلك في وجوههم: "إن بني آدم كثير، وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنه لا يموت منهم رجل حتى يرثه لصلبه ألف رجل. ففيهم وفي أشباههم جنة لكم". (¬2) هذا حديث غريب. (المزمل: 17) 838 - وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن سعيد بن فرقد الجُدّي، حدثنا أبو حمة محمد بن يوسف الزبيدي، حدثنا عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الله بن طاوس - من ولد طاوس - عن أبيه، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} قال: "مائة آية". وهذا حديث غريب جدًا لم أره إلا في معجم الطبراني رحمه الله. (المزمل: 20) ¬

(¬1) صحيح البخاري برقم (6465)، وصحيح مسلم برقم (782). (¬2) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 366)، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 171): (وفيه عثمان بن عطاء الخراساني وهو متروك وضعفه الجمهور واستحسن أبو حاتم حديثه).

سورة المدثر

سورة المدثر 839 - عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا وعليه ملك ساجد أو قائم، وذلك قول الملائكة: {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} [الصافات: 164 - 166]. وهذا مرفوع غريب جدا. (المدثر: 31) 840 - عن العلاء بن سعد - وقد شهد الفتح وما بعده - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوما لجلسائه: "هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا: وما تسمع يا رسول الله؟ قال: "أطَّتِ السماء وحقّ لها أن تَئط، إنه ليس فيها موضع قَدَم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد، وقالَ الملائكة: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}. وهذا إسناد غريب جدا. (المدثر: 31) 841 - عن عبد الله بن عمر: أن عمر جاء والصلاة قائمة، ونفر ثلاثة جلوس، أحدهم أبو جحش الليثي، فقال: قوموا فصلوا مع رسول الله. فقام اثنان وأبى أبو جحش أن يقوم، وقال: لا أقوم حتى يأتي رجل هو أقوى مني ذراعين، وأشد مني بطشًا فيصرعني، ثم يَدس وجهي في التراب. قال عمر: فصرعته ودسست وجهه في التراب، فأتى عثمان بن عفان فحجزني عنه، فخرج عمر مغضبا حتى انتهى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ما رَأيَكَ يا أبا حفص؟ ". فذكر له ما كان منه فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن رضى عمر رحمةٌ، والله لوددْتُ أنك جئتني برأس الخبيث"، فقام عمر يُوجّهُ نحوه، فلما أبعد ناداه فقال: "اجلس حتى أخبرك بغنى الرب عز وجل عن صلاة أبي جحش، إن لله في السماء الدنيا ملائكة خشوعًا لا يرفعون رءوسهم حتى تقوم الساعة. فإذا قامت رفعوا رءوسهم ثم قالوا: ربنا، ما عبدناك حق عبادتك، وإن لله في السماء الثانية ملائكة سجودًا لا يرفعون رءوسهم حتى تقوم الساعة فإذا قامت الساعة رفعوا رءوسهم، وقالوا: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك" فقال له عمر: وما يقولون يا رسول الله؟ فقال: " أما أهل السماء الدنيا فيقولون: سبحان ذي الملك والملكوت. وأما أهل السماء الثانية فيقولون: سبحان ذي العزة والجبروت. وأما أهل السماء الثالثة فيقولون: سبحان الحي الذي لا يموت.

فقلها يا عمر في صلاتك". فقال عمر: يا رسول الله، فكيف بالذي كنت علمتني وأمرتني أن أقوله في صلاتي؟ فقال: "قل هذا مرة وهذا مرة". وكان الذي أمره به أن يقول: "أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخَطك، وأعوذ بك منك، جل وجهك" (¬1) وهذا حديث غريب جدا، بل منكر نكارة شديدة، وإسحاق الفروي روى عنه البخاري، وذكره ابن حبان في الثقات، وضعفه أبو داود والنسائي والعقيلي والدارقطني. وقال أبو حاتم الرازي: كان صدوقا إلا أنه ذهب بصره فرُبما لقن، وكتبه صحيحة. وقال مرة: هو مضطرب، وشيخه عبد الملك بن قدامة أبو قتادة الجمحي: تكلم فيه أيضا. والعجب من الإمام محمد بن نصر كيف رواه ولم يتكلم عليه، ولا عَرَّف بحاله، ولا تعرض لضعف بعض رجاله؟! غير أنه رواه من وجه آخر عن سعيد بن جبير مرسلا بنحوه. ومن طريق أخرى عن الحسن البصري مرسلا قريبًا منه. (المدثر: 31) 842 - عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} وقال: "قال ربكم: أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلها كان أهلا أن أغفر له". ورواه الترمذي، وابن ماجه ... (¬2) وقال الترمذي: حسن غريب، وسهيل ليس بالقوي. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن هُدْبَة بن خالد، عن سُهَيل، به. وهكذا رواه أبو يعلى، والبَزار، والبَغَوي، وغيرهم، من حديث سُهَيل القُطَعي، به. (المدثر: 56) ¬

(¬1) تعظيم قدر الصلاة برقم (256)، ورواه الحاكم في المستدرك (3/ 87) من طريق إسحاق الفروي به، وقال: "حديث صحيح الإسناد على شريط البخاري ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي. قلت: "منكر غريب، وما هو على شرط البخاري، وفيه عبد الملك بن قدامة الجحمي ضعيف، تفرد به". (¬2) المسند (3/ 142)، وسنن الترمذي برقم (3328)، وسنن ابن ماجة برقم (4299)، وتفسير النسائي (2/ 475).وضعفه الألباني في ضعيف الجامع ح (8492).

سورة الإنسان

سورة الإنسان 843 - عن ابن زيد: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ هذه السورة: " هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ " وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود، فلما بلغ صفة الجنان، زفر زفرة فخرجت نفسه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أخرج نفس صاحبكم - أو قال: أخيكم - الشوقُ إلى الجنة". مرسل غريب. (الإنسان) 844 - وقد روى الطبراني هاهنا حديثًا غريبًا جدًا فقال: ... عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقال له رسول الله: "سل واستفهم". فقال: يا رسول الله، فُضّلْتُم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيتَ إن آمنتُ بما آمنتَ به وعملتُ بمثل ما عملتَ به، إني لكائن معكَ في الجنة؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده، إنه لَيُرَى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام". ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قال: لا إله إلا الله، كان له بها عَهدٌ عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده، كتب له مائة ألف حسنة، وأربعة وعشرون ألف حسنة". فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وُضِعَ على جبل لأثقله، فتقوم النعمة - أو: نعَم الله - فتكاد تستنفذ ذلك كله، إلا أن يَتَغَمّده الله برحمته". ونزلت هذه السورة: {هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} إلى قوله: {وَمُلْكًا كَبِيرًا} فقال الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة؟ قال: "نعم". فاستبكى حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر: فلقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدليه في حُفرَته بيده. (الإنسان: 20)

سورة النبأ

سورة النبأ 845 - عن أبي أمامة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} قال: فالحقب [ألف] شهر، الشهر ثلاثون يوما، والسنة اثنا عشر شهرا، والسنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم منها ألف سنة مما تعدون، فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة. وهذا حديثٌ منكر جدًا، والقاسم هو والراوي عنه وهو جعفر بن الزبيركلاهما متروك. (النبأ: 23) 846 - عن الحسن قال: سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله على أهل النار. قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} فقال: "هلك القوم بمعاصيهم الله عَزّ وجل". جسرُ بن فَرقد: ضعيف الحديث بالكلية. (النبأ: 30) 847 - عن ابن مسعود قال: الروح: في السماء الرابعة هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة، يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله من كل تسبيحة مَلَكًا من الملائكة يجيء يوم القيامة صفًا وحده. وهذا قول غريب جدًا. (النبأ: 38) 848 - عن عبد الله بن عباس: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن لله ملكا لو قيل له: التقم السماوات السبع والأرضين بلقمة واحدة، لفعل، تسبيحه: سبحانك حيث كنت". وهذا حديث غريب جدًا، وفي رفعه نظر، وقد يكون موقوفًا على ابن عباس، ويكون مما تلقاه من الإسرائيليات، والله أعلم. (النبأ: 38)

سورة النازعات

سورة النازعات 849 - عن علي قال: لما خلق الله الأرض قمصت وقالت: تخلق عَلَيّ آدم وذريته، يلقون علي نتنهم ويعملون عَلَيّ بالخطايا، فأرساها الله بالجبال، فمنها ما ترون، ومنها ما لا ترون، وكان أول قَرَار الأرض كلحم الجزور إذا نحِر، يختلج لحمه. غريب جدا (¬1) (النازعات: 32) سورة عبس 850 - عن ابن عباس قوله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى) قال: بينا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يناجي عتبةَ بن ربيعة، وأبا جهل بنَ هشام، والعباس بن عبد المطلب - وكان يتصدى لهم كثيرا، ويحرص عليهم أن يؤمنوا - فأقبل إليه رجل أعمى - يقال له عبد الله بن أم مكتوم - يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرئ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، علمنى مما علمك الله. فأعرض عنه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبس في وجهه، وتولى وكَرهَ كَلامَه، وأقبل على الآخرين، فلما قضى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نجواه، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك الله بعض بصره، ثم خَفَق برأسه، ثم أنزل الله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) فلما نزل فيه ما نزل، أكرمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكلمه وقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما حاجتك؟ هل تريد من شيء؟ " وإذا ذهب من عنده قال: "هل لك حاجة في شيء؟ ". وذلك لما أنزل الله تعالى: (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى). (¬2) فيه غرابة ونكارة، وقد تُكُلّم في ¬

(¬1) في طبعة السلامة (8/ 317): غريب. وفي طبعة مؤسسة الريان (4/ 602): غريب جدا. وانظر تفسير الطبري (30/ 30). (¬2) تفسير الطبري (30/ 32).

سورة التكوير

إسناده. (عبس: 10) 851 - عن سودة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يبعث الناس حفاة عراة غُرلا قد ألجمهم العرق، وبلغ شحوم الآذان".فقلت: يا رسول الله، واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال: "قد شُغل الناس، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيهِ). هذا حديث غريب من هذا الوجه جدا، وهكذا رواه ابن جرير ... (¬1) ولكن قال أبو حاتم الرازي: عائذ بن شريح ضعيف، وفي حديثه ضعف. (¬2) (عبس: 37) سورة التكوير 852 - عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشمس والقمر ثوران عقيران في النار". هذا حديث ضعيف؛ لأن يزيد الرقاشي ضعيف، والذي رواه البخاري في الصحيح بدون هذه الزيادة، ثم قال البخاري: ... عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الشمس والقمر يكوران يوم القيامة". انفرد به البخاري وهذا لفظه، وإنما أخرجه في كتاب "بدء الخلق"، (¬3) وكان جديرًا أن يذكره هاهنا أو يكرره، كما هي عادته في أمثاله، وقد رواه البزار فَجَوّد إيراده ... (التكوير: 1) 853 - عن معاوية بن سعيد قال: إن هذا البحر بركة - يعني بحر الرُّوم - وسط الأرض، والأنهار كلها تصب فيه، والبحر الكبير يصب فيه، وأسفله آبار مطبقة بالنحاس، فإذا كان يوم القيامة أسجر. وهذا أثر غريب عجيب. (التكوير: 6) 854 - الحسن يقول: قيل: يا رسول الله، من في الجنة؟ قال: "الموءودة في الجنة". هذا حديث مرسل من مراسيل الحسن، ومنهم من قبله. (التكوير: 8) ¬

(¬1) تفسير الطبري (30/ 39) (¬2) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/ 16). (¬3) صحيح البخاري برقم (3200).

سورة الانفطار

سورة الانفطار 855 - عن موسى بنُ عُلَيِّ بن رَبَاح، حدثني أبي، عن جدي: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: "ما ولد لك؟ " قال: يا رسول الله، ما عسى أن يُولَد لي؟ إما غلام وإما جارية. قال: "فمن يشبه؟ ". قال: يا رسول الله، من عسى أن يشبه؟ إما أباه وإما أمه. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها: "مه. لا تقولَنَّ هكذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم؟ أما قرأت هذه الآية في كتاب الله: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} " قال: سَلَكك. وهكذا رواه ابن أبي حاتم والطبراني، من حديث مُطهر بن الهيثم، به وهذا الحديث لو صح لكان فيصلا في هذه الآية، ولكن إسناده ليس بالثابت؛ لأن "مُطَهَّر بن الهيثم" قال فيه أبو سعيد بن يونس: كان متروك الحديث. وقال ابن حبان: يُرْوى عن موسى بن علي وغيره ما لا يُشبهُ حَديثَ الأثبات. ولكن في الصحيحين عن أبي هُرَيرة أن رَجُلا قال: يا رسول الله، إن امرأتي وَلَدت غُلامًا أسودَ؟. قال: "هل لك من إبل؟ ". قال: نعم. قال: "فما ألوانها؟ " قال: حُمر. قال: "فهل فيها من أورَق؟ " قال: نعم. قال: "فأنى أتاها ذلك؟ " قال: عسى أن يكون نزعة عِرْق. قال: "وهذا عسى أن يكون نزعة عرق". (¬1) (الانفطار: 8) 856 - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله ينهاكم عن التعرِّي، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم، الكرام الكاتبين، الذين لا يُفَارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط، والجنابة، والغسل. فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه، أو بحرم حائط، أو ببعيره". ثم قال (البزار): حفص بن سليمان لين الحديث، وقد روي عنه، واحتمل حديثه. (الانفطار: 10) 857 - عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما من حافظين يرفعان إلى الله، عز وجل، ما حفظا في يوم، فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفار إلا قال الله تعالى: قد غفرت لعبدي ما بين طرفى الصحيفة". ثم قال: تفرد به تمام بن نجيح، وهو صالح الحديث. قلت: وثقه ابن معين وضعفه البخاري، وأبو زُرْعة، وابن أبي حاتم ¬

(¬1) صحيح البخاري برقم (5305) وصحيح مسلم برقم (1500).

سورة المطففين

والنسائي، وابن عدي. ورماه ابن حبان بالوضع. وقال الإمام أحمد: لا أعرف حقيقة أمره. (الانفطار: 10) 858 - عن أبي هُرَيرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن لله ملائكة يعرفون بني آدم - وأحسبه قال: ويعرفون أعمالهم - فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسَمَّوه، وقالوا: أفلح الليلة فلان، نجا الليلة فلان. وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله وذكروه بينهم وسموه، وقالوا: هلك الليلة فلان" ثم قال البزار: سلام هذا، أحسبه سلام المدائني، وهو لين الحديث. (الانفطار: 10) سورة المطففين 859 - وقد روى ابن جرير في ذلك حديثا غريبا منكرا لا يصح فقال: ... عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الفلق: جب في جهنم مغطى، وأما سجين فمفتوح". (¬1) (المطففين: 8) سورة الانشقاق 860 - عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن ابن آدم لفي غفلة مما خُلِقَ له؛ إن الله إذا أراد خلقه قال للملك: اكتب رزقه، اكتب أجله، اكتب أثره، اكتب شقيا أو سعيدًا، ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله إليه مَلَكا آخر فيحفظه حتى يدرك، ثم يرتفع ذلك الملك، ثم يوكل الله به ملكين يكتبان حسناته وسيئاته، فإذا حَضَره ¬

(¬1) تفسير الطبري (30/ 61).

سورة البروج

الموتُ ارتفع ذانك الملكان، وجاءه ملك الموت فقبض روحه، فإذا دخل قبره رَدَّ الروح في جسده، ثم ارتفع ملك الموت، وجاءه مَلَكا القبر فامتحناه، ثم يرتفعان، فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات، فانتشطا كتابا معقودا في عنقه، ثم حضرا معه: واحدٌ سائقا وآخر شهيدا"، ثم قال الله عز وجل: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق: 22] قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قال: "حالا بعد حال". ثم قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن قدامكم لأمرا عظيما لا تَقدرُونه، فاستعينوا بالله العظيم". هذا حديث منكر، وإسناده فيه ضعفاء، ولكن معناه صحيح، والله - سبحانه وتعالى - أعلم. (الانشقاق: 19) سورة البروج 861 - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} يوم القيامة {وَشَاهِدٍ} يوم الجمعة. وما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه، ولا يستعيذ فيها من شر إلا أعاذه، {وَمَشْهُودٍ} يوم عرفة". وهكذا روى هذا الحديث ابن خُزَيمة، من طرق عن موسى بن عُبَيدة الربذي - وهو ضعيف الحديث - وقد روي موقوفا على أبي هريرة، وهو أشبه. (البروج: 3) 862 - عن سعيد بن المسَيَّب أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن سيد الأيام يوم الجمعة، وهو الشاهدُ، والمشهود يوم عرفة" وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيَّب. (البروج: 3)

سورة الأعلى

سورة الأعلى 863 - وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ في العيدين ب " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى "و" هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعا. (¬1) هكذا وقع في مسند الإمام أحمد إسناد هذا الحديث. وقد رواه مسلم - في صحيحه - وأبو داود والترمذي والنسائي، من حديث أبو عَوَانة وجرير وشعبة، ثلاثتهم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير، به (¬2) قال الترمذي: "وكذا رواه الثوري ومسعر، عن إبراهيم - قال: ورواه سفيان بن عيينة عن إبراهيم - عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان. ولا يعرف لحبيب رواية عن أبيه". وقد رواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن المنتشر، عن أبيه عن حبيب بن سالم، عن النعمان به كما رواه الجماعة (¬3)، والله أعلم. (الأعلى) 864 - عن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} قال: "سبحان ربي الأعلى". وهكذا رواه أبو داود عن زُهَير بن حرب، عن وكيع، به (¬4) وقال: "خولف فيه وكيع، رواه أبو وكيع وشعبة، عن أبي إسحاق، عن سعيد، عن ابن عباس، موقوفا". (الأعلى: 1) 865 - عن جابر بن عبد الله، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قال: "من شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول الله"، {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} قال: "هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها". (¬5) ثم قال: لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه. (الأعلى: 9) ¬

(¬1) المسند (4/ 271) (¬2) مسلم برقم (878) وأبي داود برقم (1122) والترمذي برقم (533) والنسائي (3/ 112). (¬3) سنن ابن ماجة برقم (1281). (¬4) المسند (1/ 232) وسنن أبي داود برقم (883). (¬5) قال الهيثمي في المجمع (7/ 137): "رواه البزار عن شيخه عباد بن أحمد العرزمي وهو متروك".

سورة الفجر

سورة الفجر 866 - عن جابر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر". ورواه النسائي ... (¬1) ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم، من حديث زيد بن الحباب، به (¬2) وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندي أن المتن في رفعه نكارة (¬3) والله أعلم. (الفجر: 2) 867 - عن جابر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الشفع اليومان، والوتر اليوم الثالث". (¬4) هكذا ورد هذا الخبر بهذا اللفظ، وهو مخالف لما تقدم من اللفظ في رواية أحمد والنسائي وابن أبي حاتم، وما رواه هو أيضا، والله أعلم. (الفجر: 3) 868 - عن قتادة، عن عمران بن حصين: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} قال: هي الصلاة المكتوبة، منها شفع ومنها وتر. وهذا منقطع وموقوف، ولفظه خاص بالمكتوبة. وقد روي متصلا مرفوعا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولفظه عام، قال الإمام أحمد: حدثنا أبو داود - هو الطيالسي - حدثنا همام، عن قتادة، عن عمران بن عصام: أن شيخا حدثه من أهل البصرة، عن عمران بن حصين: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِل عن الشفع والوتر، فقال: "هي الصلاة، بعضها شفع، وبعضها وتر". (¬5) هكذا وقع في المسند، وكذا رواه ابن جرير عن بُنْدَار، عن عفان وعن أبي كُرَيْب، عن عبيد الله بن موسى، كلاهما عن همام - وهو ابن يحيى - عن قتادة، عن عمران بن عصام، عن شيخ، عن عمران بن حصين (¬6) وكذا رواه أبو عيسى الترمذي، عن عمرو بن علي، عن ابن مَهْدِيّ وأبي داود، كلاهما عن همام، عن قتادة، عن عمران بن عصام، عن رجل من أهل البصرة، عن عمران بن ¬

(¬1) المسند (3/ 327) وسنن النسائي الكبرى برقم (1671). (¬2) تفسير الطبري (30/ 108). (¬3) قال الألباني في الضعيفة ح (3178): (ورجاله ثقات غير أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، فهي علة الإسناد). (¬4) تفسير الطبري (30/ 109). (¬5) المسند (4/ 437). (¬6) تفسير الطبري (30/ 109).

حصين، به. ثم قال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث قتادة، وقد رواه خالد بن قيس أيضا عن قتادة. (¬1) وقد روي عن عمران بن عصام، عن عمران نفسه، والله أعلم. قلت: ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همام عن قتادة، عن عمران بن عصام الضبعي - شيخ من أهل البصرة - عن عمران بن حصين، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكره، هكذا رأيته في تفسيره، فجعل الشيخ البصري هو عمران بن عصام [الضبعي]. وهكذا رواه ابن جرير: حدثنا نصر بن علي، حدثني أبي، حدثني خالد بن قيس، عن قتادة، عن عمران بن عصام، عن عمران بن حصين، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشفع والوتر قال: "هي الصلاة منها شفع، ومنها وتر". (¬2) فأسقط ذكر الشيخ المبهم، وتفرد به عمران بن عصام الضبعي أبو عمارة البصري، إمام مسجد بني ضُبَيعة وهو والد أبي جَمْرَة نصر بن عمران الضبعي. روى عنه قتادة، وابنه أبو جمرة والمثنى بن سعيد، وأبو التياح يزيد بن حميد. وذكره ابن حبَّان في كتاب الثقات وذكره خليفة ابن خَيَاط في التابعين من أهل البصرة، وكان شريفا نبيلا حظيا عند الحجاج بن يوسف، ثم قتله يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين لخروجه مع ابن الأشعث، وليس له عند الترمذي سوى هذا الحديث الواحد. وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه، والله أعلم. ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر. (الفجر: 3) 869 - وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا غريبًا جدًا - وفي إسناده نظر وفي صحته - فقال: ... عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا معاذ، إن المؤمن لدى الحق أسير. يا معاذ، إن المؤمن لا يسكن روعه ولا يأمن اضطرابه حتى يُخَلَّف جسر جهنم خلف ظهره. يا معاذ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته، وعن أن يهلك فيها هو بإذن الله، عز وجل، فالقرآن دليله، والخوف محجته، والشوق مطيته، والصلاة كهفه، والصوم جنته، والصدقة فكاكه، والصدق أميره، والحياء وزيره، وربه، عز وجل، ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (3342). (¬2) تفسير الطبري (30/ 109).

سورة البلد

من وراء ذلك كله بالمرصاد". قال ابن أبي حاتم: يونس الحذاء وأبو حمزة مجهولان، وأبو حمزة عن معاذ مرسل. ولو كان عن أبي حمزة لكان حسنًا. أي: لو كان من كلامه لكان حسنًا. (الفجر: 14) 870 - عن ابن عباس في قوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} قال: نزلت وأبو بكر جالس، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذا. فقال: "أما إنه سيقال لك هذا". ثم قال: ... عن سعيد بن جبير قال: قرأت عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} فقال أبو بكر، رضي الله عنه: إن هذا حسن. فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أما إن الملك سيقول لك هذا عند الموت". وكذا رواه ابن جرير، عن أبي كُرَيْب، عن ابن يمان، به. وهذا مرسل حسن. (الفجر: 30) سورة البلد 871 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هما نجدان، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير" تفرد به سنان بن سعد - ويقال: سعد بن سنان - وقد وثقه ابن معين. وقال الإمام أحمد والنسائي والجوزجاني: منكر الحديث. وقال أحمد: تركت حديثه لاضطرابه. وروى خمسة عشر حديثا منكرة كلها، ما أعرف منها حديثا واحدا. يشبه حديثه حديثَ الحسن - يعني البصري - لا يشبه حديثَ أنس. وقال ابن جرير: ... سمعت الحسن يقول: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} قال: ذكر لنا أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول: "يا أيها الناس، إنهما النجدان، نجد الخير ونجد الشر، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير". وكذا رواه حبيب بن الشهيد، ويونس بن عبيد، وأبو وهب، عن الحسن مرسلا. وهكذا أرسله قتادة. (البلد: 10)

سورة الشمس

سورة الشمس 872 - عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في قول الله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفلحت نفس زكاها الله". ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك، به. وجويبر هذا هو ابن سعيد، متروك الحديث، والضحاك لم يلق ابن عباس. (الشمس: 9) سورة الليل 873 - عن ابن عباس؛ أن رجلا كان له نخل، ومنها نخلة فرعها إلى دار رجل صالح فقير ذي عيال، فإذا جاء الرجل فدخل داره وأخذ الثمر من نخلته، فتسقط الثمرة فيأخذها صبيان الفقير فنزل من نخلته فَنزع الثمرة من أيديهم، وإن أدخل أحدهم الثمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام ونزع الثمرة من حلقه. فشكا ذلك الرجلُ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذهب". ولقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحب النخلة، فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة" فقال له: لقد أعطيت، ولكن يعجبني ثمرها، وإن لي لنخلا كثيرًا ما فيها نخلة أعجب إلي ثمرة من ثمرها. فذهب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبعه رجل كان يسمع الكلام من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن صاحب النخلة. فقال الرجل: يا رسول الله، إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتها أتعطيني بها ما أعطيته بها نخلة في الجنة؟ قال: "نعم". ثم إن الرجل لقي صاحب النخلة، ولكلاهما نخل، فقال له: أخبرك أن محمدًا، [قد] أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة، فقلت، له: قد أعطيتُ ولكن يعجبني ثمرها. فسكت عنه الرجلُ، فقال له: أتُراك إذا بعتها؟ قال: لا إلا أن أعطى بها شيئًا، ولا أظنني أعطاه. قال: وما مناك بها؟ قال: أربعون

سورة الضحى

نخلة. فقال الرجل: لقد جئتَ بأمر عظيم، نخلتك تطلب بها أربعين نخلة؟! ثم سكتا وأنشأ في كلام [آخر] ثم قال: أنا أعطيتك أربعين نخلة، فقال: أشهد لي إن كنت صادقا. فأمر بأناس فدعاهم فقال: اشهدوا أني قد أعطيته من نخلي أربعين نخلة بنخلته التي فرعها في دار فلان ابن فلان. ثم قال: ما تقول؟ فقال صاحب النخلة: قد رضيت. ثم قال بعدُ: ليس بيني وبينك بيع لم نفترق قال له: قد أقالك الله، ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة. فقال صاحب النخلة: قد رضيتُ على أن تعطيني الأربعين على ما أريد. قال: تعطينيها على ساق. ثم مكث ساعة، ثم قال: هي لك على ساق وأوقف له شهودًا وعد له أربعين نخلة على ساق، فتفرقا، فذهب الرجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، إن النخلة المائلة في دار فلان قد صارت لي، فهي لك. فذهب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الرجل صاحب الدار فقال له: "النخلة لك ولعيالك". قال عكرمة: قال ابن عباس: فأنزل الله عز وجل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} إلى قوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} إلى آخر السورة. (¬1) هكذا رواه ابن أبي حاتم، وهو حديث غريب جدًا. (الليل: 10) سورة الضحى 874 - روينا من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بَزةَ المقرئ قال: قرأت على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عبَّاد، فلما بلغت " وَالضُّحَى " قالا لي: كَبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة، فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك. وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك. وأخبره ¬

(¬1) ذكره السيوطي في الدر المنثور (8/ 532) وقال: "أخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس".

مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك، وأخبره أبي أنه قرأ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمره بذلك. (¬1) فهذه سُنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي، من ولد القاسم بن أبي بزة، وكان إمامًا في القراءات، فأما في الحديث فقد ضَعَّفَه أبو حاتم الرازي وقال: لا أحدث عنه، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال: هو منكر الحديث. لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في شرح الشاطبية عن الشافعي أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة، فقال له: أحسنت وأصبت السنة. وهذا يقتضي صحة هذا الحديث ... وذكر الفراء في مناسبة التكبير من أول سورة "الضحى": أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفتر تلك المدة [ثم] جاءه الملك فأوحى إليه: " وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى " السورة بتمامها، كبر فرحًا وسرورًا. ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف، فالله أعلم. (¬2) (الضحى) 875 - الأسود بن قيس، أنه سمع جندبًا يقول: رمي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحجر في أصبعه فقال: هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت? قال: فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم، فقالت له امرأة: ما أرى شيطانك إلا قد تركتك فنزلت: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} والسياق لأبي سعيد. قيل: إن هذه المرأة هي: أم جميل امرأة أبي لهب، وذكر أن إصبعه، عليه السلام، دميت. وقوله - هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون - ثابت في الصحيحين (¬3) ولكن الغريب هاهنا جعله سببًا لتركه القيام، ونزول هذه السورة. (الضحى: 1) 876 - عن عبد الله ابن شداد: أن خديجة قالت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أرى ربك إلا قد قلاك. فأنزل الله: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ... عن هشام بن ¬

(¬1) ورواه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال (1/ 145) ثم قال: "هذا حديث غريب، وهو مما أنكر على البزي، قال أبو حاتم: هذا منكر". (¬2) والصواب أن هذا مما لم يصح فيه شيء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن صحابته، رضي الله عنهم، وما روى فيها مما لا تقوم به الحجة. انظر مرويات دعاء ختم القرآن للشيخ بكر أبو زيد (ص6). (¬3) صحيح البخاري برقم (2802) وصحيح مسلم برقم (1796).

سورة الشرح

عُرْوَة، عن أبيه قال: أبطأ جبريل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجزع جزعًا شديدًا، فقالت خديجة: إني أرى ربك قد قلاك مما نَرى من جزعك. قال: فنزلت: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} إلى آخرها. فإنه حديث مرسل من هذين الوجهين ولعل ذكر خديجة ليس محفوظًا، أو قالته على وجه التأسف والتحزن، والله أعلم. (الضحى: 1) 883 - عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر: "من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله. والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر. والجماعة رحمة، والفرقة عذاب" إسناده ضعيف. (الضحى: 11) سورة الشرح 877 - أنس بن مالك يقول: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسًا وحياله حجر، فقال: "لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه"، فأنزل الله عز وجل: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن مَعْمَر، عن حُميد بن حماد، به ولفظه: "لو جاء العسر حتى يدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يخرجه" ثم قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ثم قال البزار: لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح. قلت: وقد قال فيه أبو حاتم الرازي: في حديثه ضعف، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرة، عن رجل، عن عبد الله بن مسعود موقوفا. (الشرح: 5) 878 - عن الحسن قال: خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومًا مسرورًا فرحًا وهو يضحك، وهو يقول: "لن يَغْلِب عُسْر يسرين، لن يغلب عسر يسرين، فإن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا". (¬1) ¬

(¬1) تفسير الطبري (30/ 151) ورواه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 309) عن معمر، عن الحسن به مرسلا، وقد جاء موقوفا على ابن مسعود، رواه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 309) من طريق ميمون عن إبراهيم النخعي عنه، وجاء مرفوعا عن جابر، رواه ابن مردويه في تفسيره، وقال الحافظ ابن حجر: "إسناده ضعيف".

وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد، عن الحسن مرسلا. (الشرح: 5) 879 - عن يوسف بن سعد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال: سَوّدتَ وجوهَ المؤمنين - أو: يا مسود وجوه المؤمنين - فقال: لا تؤنبني، رحمك الله؛ فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريَ بني أمية على منبره، فساءه ذلك، فنزلت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} يا محمد، يعني نهرًا في الجنة، ونزلت: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يملكها بعدك بنو أمية يا محمد. قال القاسم: فعددنا فإذا هي ألف شهر، لا تزيد يومًا ولا تنقص يومًا. (¬1) ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل، وهو ثقة وثقه يحيى القطان وابن مهدي. قال: وشيخه يوسف بن سعد - ويقال: يوسف بن مازن - رجل مجهول، ولا نعرف هذا الحديث، على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه. وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه، من طريق القاسم بن الفضل، عن يوسف بن مازن، به وقول الترمذي: إن يوسف هذا مجهول - فيه نظر؛ فإنه قد روى عنه جماعة، منهم: حماد بن سلمة، وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد. وقال فيه يحيى بن معين: هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين قال: هو ثقة. ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل، عن عيسى بن مازن، كذا قال، وهذا يقتضي اضطرابًا في هذا الحديث، والله أعلم. ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدًا، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزّي: هو حديث منكر. قلت: وقول القاسم بن الفضل الحُدّاني إنه حسب مُدّة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يومًا ولا تنقص، ليس بصحيح؛ فإنّ معاويةَ بن أبي سفيان، رضي الله عنه، استقل بالملك حين سَلّم إليه الحسن بن علي الإمرة سنةَ أربعين، واجتمعت البيعة لمعاوية، وسمي ذلك عام الجماعة، ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها، لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريبًا من تسع سنين، لكن لم تَزُل يدهم عن الإمرة ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (3350).

بالكلية، بل عن بعض البلاد، إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة، وذلك أزيد من ألف شهر، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير، وعلى هذا فتقارب ما قاله الصحة في الحساب، والله أعلم. ومما يدلّ على ضَعف هذا الحديث أنَّه سِيقَ لذم دولة بني أمية، ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق؛ فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذَم أيامهم، فإنّ ليلة القدر شريفة جدًا، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر، فكيف تُمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة، بمقتضى هذا الحديث، وهل هذا إلا كما قال القائل: ألَم تَرَ أنّ السيف ينقُصُ قَدْرُه ... إذا قِيل إنّ السيف أمضَى مِن العَصَا ... وقال آخر: إذا أنتَ فَضَّلتَ امرأ ذا بَرَاعَة ... عَلى نَاقص كَانَ المديحُ منَ النَّقص ... ثم الذي يفهم من ولاية الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية، والسورة مكية، فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها؟! والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة، فهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث ونكارته، والله أعلم (¬1) (القدر: 1) 880 - وروى البيهقي في كتابه "فضائل الأوقات" عن عليٍّ أثرًا غريبًا في نزول الملائكة، ومرورهم على المصلين ليلة القدر، وحصول البركة للمصلين. وروى ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار أثرًا غريبًا عجيبًا مطولا جدًا، في تنزل الملائكة من سدرة المنتهى صحبة جبريل، عليه السلام، إلى الأرض، ودعائهم للمؤمنين والمؤمنات. (¬2) (القدر: 4) 881 - عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ليلة القدر في العشر البواقي، من قامهن ابتغاء حسبتهن، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي ليلة وتر: تسع أو سبع، أو خامسة، أو ثالثة، أو آخر ليلة". وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أمارة ليلة ¬

(¬1) وانظر: البداية والنهاية (6/ 243،244) فقد توسع أيضا في الكلام على هذا الحديث. (¬2) انظر الأثر كاملا في رقم (885).

القدر أنها صافية بَلْجَة، كأن فيها قمرًا ساطعًا، ساكنة سجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب يُرمَى به فيها حتى تصبح. وأن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية، ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ". وهذا إسناد حسن، وفي المتن غرابة، وفي بعض ألفاظه نكارة. (القدر: 4) 882 - عن عبد الله بن عمر قال: سُئِل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أسمع عن ليلة القدر، فقال: "هي في كل رمضان". (¬1) وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن أبا داود قال: رواه شعبة وسفيان عن أبي إسحاق فأوقفاه. (القدر: 5) 883 - عن بلال قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين". ابن لهيعة ضعيف. وقد خالفه ما رواه البخاري ... عن أبي عبد الله الصنابحي قال: أخبرني بلال - مؤذنُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنها أول السبع من العشر الأواخر، فهذا الموقوف أصح، والله أعلم. وهكذا رُوي عن ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن وهب: أنها ليلة أربع وعشرين. وقد تقدم في سورة "البقرة" حديث واثلة بن الأسقع مرفوعًا: "إن القرآن أنزل ليلة أربع وعشرين". (القدر: 5) 884 - قال ابن عباس: دعا عمر بن الخطاب أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألهم عن ليلة القدر، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر. قال ابن عباس: فقلت لعمر: إني لأعلم - أو: إني لأظن - أي ليلة القدر هي؟ فقال عمر: أي ليلة هي؟ [فقلت] سابعة تمضي - أو: سابعة تبقى - من العشر الأواخر. فقال عمر: ومن أين علمت ذلك؟ قال ابن عباس: فقلت: خلق الله سبع سموات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإن الشهر يدور على سبع، وخلق الإنسان من سبع، ويأكل من سبع، ويسجد على سبع، والطواف بالبيت سبع، ورمي الجمار سبع ... لأشياء ذكرها. فقال عمر: لقد فطنت لأمر ما فطنا له. وكان قتادة يَزيد عن ابن عباس في قوله: ويأكل من سبع، قال: هو قول الله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا [وَقَضْبًا]} الآية [عبس: 27، 28]. (¬2) وهذا إسناد جيد قوي، ¬

(¬1) سنن أبي داود برقم (1387). (¬2) المعجم الكبير (10/ 322).

ومتن غريب جدًا، والله أعلم. (القدر: 5) 885 - ذكر أثر غريب ونبأ عجيب، يتعلق بليلة القدر، رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم، عند تفسير هذه السورة الكريمة فقال: ... عن كعب أنه قال: إن سدرة المنتهى على حد السماء السابعة، مما يلي الجنة، فهي على حَدّ هواء الدنيا وهواء الآخرة، عُلوها في الجنة، وعروقها وأغصانها من تحت الكرسي، فيها ملائكة لا يعلم عدّتهم إلا الله، عز وجل، يعبدون الله، عز وجل، على أغصانها في كل موضع شعرة منها ملك. ومقام جبريل، عليه السلام، في وسطها، فينادي الله جبريل أن ينزل في كل ليلة قَدْر مع الملائكة الذين يسكنون سدرة المنتهى، وليس فيهم ملك إلا قد أعطى الرأفة والرحمة للمؤمنين، فينزلون على جبريل في ليلة القدر، حين تغرب الشمس، فلا تبقى بقعة في ليلة القدر إلا وعليها ملك، إما ساجد وإما قائم، يدعو للمؤمنين والمؤمنات، إلا أن تكون كنيسة أو بيعة، أو بيت نار أو وثن، أو بعض أماكنكم التي تطرحون فيها الخبَث، أو بيت فيه سكران، أو بيت فيه مُسكر، أو بيت فيه وثن منصوب، أو بيت فيه جرس مُعَلّق، أو مبولة، أو مكان فيه كساحة البيت، فلا يزالون ليلتهم تلك يدعون للمؤمنين والمؤمنات، وجبريل لا يدع أحدًا من المؤمنين إلا صافحه، وعلامة ذلك مَن اقشعر جلدهُ ورقّ قلبه ودَمعَت عيناه، فإن ذلك من مصافحة جبريل. وذكر كعب أنه من قال في ليلة القدر: "لا إله إلا الله"، ثلاث مرات، غَفَر الله له بواحدة، ونجا من النار بواحدة، وأدخله الجنة بواحدة. فقلنا لكعب الأحبار: يا أبا إسحاق، صادقًا؟ فقال كعب وهل يقول: "لا إله إلا الله" في ليلة القدر إلا كل صادق؟ والذي نفسي بيده، إن ليلة القدر لتثقل على الكافر والمنافق، حتى كأنها على ظهره جبل، فلا تزال الملائكة هكذا حتى يطلع الفجر. فأول من يصعد جبريل حتى يكون في وجه الأفق الأعلى من الشمس، فيبسط جناحيه - وله جناحان أخضران، لا ينشرهما إلا في تلك الساعة - فتصير الشمس لا شعاع لها، ثم يدعو مَلَكًا فيصعد، فيجتمع نور الملائكة ونور جناحي جبريل، فلا تزال الشمس يومها ذلك متحيرة، فيقيم جبريل ومن معه بين الأرض وبين السماء الدنيا يومهم ذلك، في دعاء

ورحمة واستغفار للمؤمنين والمؤمنات، ولمن صام رمضان احتسابًا، ودعاء لمن حَدث نفسه إن عاش إلى قابل صام رمضان لله. فإذا أمسوا دخلوا السماء الدنيا، فيجلسون حلقًا [حلقا] فتجتمع إليهم ملائكة سماء الدنيا، فيسألونهم عن رجل رجل، وعن امرأة امرأة فيحدثونهم حتى يقولوا: ماذا فعل فلان؟ وكيف وجدتموه العامَ؟ فيقولون: وجدنا فلانا عام أول في هذه الليلة متعبدًا ووجدناه العام مبتدعًا، ووجدنا فلانا مبتدعًا ووجدناه العام عابدًا قال: فيكفون عن الاستغفار لذلك، ويقبلون على الاستغفار لهذا، ويقولون: وجدنا فلانا وفلانا يذكران الله، ووجدنا فلانًا راكعًا، وفلانًا ساجدًا، ووجدناه تاليا لكتاب الله. قال: فهم كذلك يومهم وليلتهم، حتى يصعدون إلى السماء الثانية، ففي كل سماء يوم وليلة، حتى ينتهوا مكانهم من سدرة المنتهى، فتقول لهم سدرة المنتهى: يا سكاني، حدثوني عن الناس وسموهم لي. فإن لي عليكم حقًا، وإني أحبُّ من أحبَّ الله. فذكر كعب الأحبار أنهم يَعدُون لها، ويحكون لها الرجل والمرأة بأسمائهم وأسماء آبائهم. ثم تقبل الجنة على السدرة فتقول: أخبرني بما أخبرك سكانك من الملائكة. فتخبرها، قال: فتقول الجنة: رحمة الله على فلان، ورحمة الله على فلانة، اللهم عجِّلهم إليَّ، فيبلغ جبريل مكانه قبلهم، فيلهمه الله فيقول: وجدت فلانًا ساجدًا فاغفر له. فيغفر له، فيسمعُ جبريلُ جميعَ حملة العرش فيقولون: رحمة الله على فلان، ورحمة الله على فلانة، ومغفرته لفلان، ويقول: يا رب، وجدت عبدك فلانًا الذي وجدته عام أول على السُنَّة والعبادة، ووجدته العام قد أحدث حدثًا وتولى عما أمر به. فيقول الله: يا جبريل، إن تاب فأعتبني قبل أن يموت بثلاث ساعات غفرت له. فيقول جبريل: لك الحمد إلهي، أنت أرحم من جميع خلقك، وأنت أرحم بعبادك من عبادك بأنفسهم، قال: فيرتج العرش وما حوله، والحجب والسموات ومن فيهن، تقول: الحمد لله الرحيم، الحمد لله الرحيم. قال: وذكر كعب أنه من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان ألا يعصي الله، دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب. (القدر: 5)

سورة البينة

سورة البينة 886 - عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أبا المنذر، إني أمرت أن أعرض عليك القرآن". قال: بالله آمنت، وعلى يدك أسلمت، ومنك تعلمت. قال: فرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القول. [قال] فقال: يا رسول الله، أذكرت هناك؟ قال: "نعم، باسمك ونسبك في الملأ الأعلى". قال: فاقرأ إذًا يا رسول الله. هذا غريب من هذا الوجه، والثابت ما تقدم. (¬1) (البينة: 1) 887 - عن إسماعيل بن أبي حكيم المدني، حدثني فُضَيل، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إن الله ليسمع قراءة " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " فيقول: أبشر عبدي، فوعزتي لأمكننه لك في الجنة حتى ترضى". حديث غريب جدًا. وقد رواه الحافظ أبو موسى المديني وابن الأثير، ... عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله ليسمع قراءة " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " ويقول: أبشر عبدي، فوعزتي لا أنساك على حال من أحوال الدنيا والآخرة، ولأمكنن لك في الجنة حتى ترضى". (البينة: 1) سورة الزلزلة 888 - عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ " إِذَا زُلْزِلَتِ " عدلَت له بنصف القرآن". ثم قال (الترمذي): هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن سلم. (¬2) وقد رواه البزار عن محمد بن موسى الحرشي، عن الحسن بن سلم عن ¬

(¬1) يقصد ابن كثير هذا الحديث: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بن كعب: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك: " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " قال: وسماني لك؟ قال: "نعم". فبكى. رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث شعبة، به. (¬2) سنن الترمذي برقم (2893).والحسن بن سلم العجلي قال عنه البيهقي في السنن ح (2516): مجهول.

سورة العاديات

ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تَعدلُ ثلث القرآن، و " إِذَا زُلْزِلَتِ " تَعدلُ ربع القرآن". هذا لفظه. (الزلزلة) 889 - وقال الترمذي أيضا: حدثنا علي بن حُجْر، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا يمان بن المغيرة العنزي، حدثنا عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " إِذَا زُلْزِلَتِ " تَعْدلُ نصف القرآن، و " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " تعدل ثلث القرآن، و " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ " تعدل ربع القرآن". ثم قال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة. (¬1). (الزلزلة) سورة العاديات 890 - وقد روى أبو بكر البزار هاهنا حديثًا غريبًا جدًا فقال: ... عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيلا فأشهرت شهرًا لا يأتيه منها خبر، فنزلت: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} ضبحت بأرجلها، {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا} قدحت بحوافرها الحجارة فأورت نارًا، {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا} صبَّحت القوم بغارة، {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} أثارت بحوافرها التراب، {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} قال: صبحت القوم جميعا. (¬2) (العاديات: 5) 891 - وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} قال: "الكفور الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده". ورواه ابن أبي حاتم، من طريق جعفر بن الزبير - وهو متروك - فهذا إسناد ضعيف. وقد رواه ابن جرير أيضا من حديث حريز بن عثمان، عن حمزة بن هانئ، عن أبي ¬

(¬1) سنن الترمذي برقم (2894). ويمان بن المغيرة قال عنه البخاري: منكر الحديث. وانظر الضعيفة للألباني ح (1342). (¬2) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 142): "فيه حفص بن جميع وهو ضعيف".

سورة التكاثر

أمامة موقوفا (¬1) (العاديات: 6) سورة التكاثر 892 - عن علي قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} ورواه الترمذي عن أبي كُرَيب، عن حَكَّام بن سلم به وقال: غريب (¬2) (التكاثر: 2) 893 - عن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند الظهيرة، فوجد أبا بكر في المسجد فقال: "ما أخرجك هذه الساعة؟ " قال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله. قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال: "ما أخرجك يا ابن الخطاب؟ " قال أخرجني الذي أخرجكما. قال: فقعد عمر، وأقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثهما، ثم قال: "هل بكما من قوة، تنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعامًا وشرابًا وظلا؟ " قلنا: نعم. قال: "مُروا بنا إلى منزل ابن التَّيهان أبي الهيثم الأنصاري". قال: فتقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أيدينا، فسلم واستأذن - ثلاث مرات - وأم الهيثم من وراء الباب تسمع الكلام، تريد أن يزيدها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السلام، فلما أراد أن ينصرف خرجت أم الهيثم تسعى خلفهم، فقالت: يا رسول الله، قد - والله - سمعت تسليمك، ولكن أردت أن تزيدنا من سلامك. فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خيرًا". ثم قال: "أين أبو الهيثم؟ لا أراه". قالت: يا رسول الله، هو قريب ذهب يَستعذبُ الماء، ادخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء الله، فبسطت - بساطا تحت شجرة، فجاء أبو الهيثم ففرح بهم وقرت عيناه بهم، فصعد على نخلة فصرم لهم أعذاقًا، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَسْبُكَ يا أبا ¬

(¬1) تفسير الطبري (30/ 180).وقال الهيثمي في المجمع (7/ 142): (رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما جعفر بن الزبير وهو ضعيف، وفى الآخر من لم أعرفه).وضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد. (¬2) سنن الترمذي برقم (3355).وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي.

سورة الفيل

الهيثم". قال: يا رسول الله، تأكلون من بُسره، ومن رطبه، ومن تَذْنُوبه (¬1)، ثم أتاهم بماء فشربوا عليه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه". (¬2) هذا غريب من هذا الوجه. (التكاثر: 2) سورة الفيل 894 - عن عثمان بن المغيرة قصة أصحاب الفيل، ولم يذكر أن أبرهة قدم من اليمن، وإنما بعث على الجيش رجلا يقال له: شمر بن مفصود، وكان الجيش عشرين ألفًا، وذكر أن الطير طرقتهم ليلا فأصبحوا صرعى. وهذا السياق غريب جدًا، وإن كان أبو نعيم قد قواه ورجحه على غيره. والصحيح أن أبرهة الأشرم الحبشي قدم مكة كما دل على ذلك السياقات والأشعار. وهكذا روى ابن لَهِيعة، عن الأسود، عن عُرْوَة: أن أبرهة بعث الأسود بن مفصود على كتيبة معهم الفيل، ولم يذكر قدوم أبرهة نفسه، والصحيح قدومه، ولعل ابن مقصود كان على مقدمة الجيش، والله أعلم. الفيل: 5) ¬

(¬1) أي: الذي بدأ فيه الإرطاب من قبل ذنبه. (¬2) قال الهيثمي في المجمع (10/ 570): (رواه البزار وأبو يعلى باختصار قصة الغلام والطبراني كذلك وفي أسانيدهم كلها عبد الله بن عيسى أبو خلف وهو ضعيف).وقال الألباني في الضعيفةح (5206): (عبد الله بن عيسى متفق على تضعيفه، وهو الخزاز أبو خلف قال العقيلي في "الضعفاء" (ص 216): "لا يتابع على أكثر حديثه") ..

سورة قريش

سورة قريش 895 - ذكر حديث غريب في فضلها: ... عن أم هانئ بنت أبي طالب؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "فضل الله قريشًا بسبع خلال: أني منهم وأن النبوة فيهم، والحجابة، والسقاية فيهم، وأن الله نصرهم على الفيل، وأنهم عبدوا الله، عز وجل، عشر سنين لا يعبده غيرهم، وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن" ثم تلاها رسول الله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (¬1). (قريش) سورة الماعون 896 - عن أبي هريرة قال: كنت أصلي، فدخل علي رجل، فأعجبني ذلك، فذكرته لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "كتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية". (¬2) قال أبو علي هارون بن معروف: بلغني أن ابن المبارك قال: نعم الحديثُ للمرائين. وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وسعيد بن بشير متوسط، وروايته عن الأعمش عزيزة وقد رواه غيره عنه. قال أبو يعلى أيضا: ... عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل يعمل ¬

(¬1) ورواه البيهقي في مناقب الشافعي (1/ 34) وهو في المستدرك (2/ 536) وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وتعقبه الذهبي فقال: "فيه يعقوب بن محمد الزهري ضعيف، وإبراهيم صاحب مناكير هذا أنكرها" وقد حسن الحافظ العراقي هذا الحديث. وللشيخ الألباني مبحث حول هذا الحديث في السلسلة الصحيحة برقم (1944) ذهب إلى تحسينه، والله أعلم. (¬2) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (4949) "مجمع البحرين"، وقال الطبراني: "لم يروه عن سعيد إلا محمد بن معاذ، ومحمد بن بكار". وقال الهيثمي في المجمع (10/ 290): "رجاله ثقات". قلت: سعيد بن بشير ضعفه الأئمة.

العمل يَسُرُّه، فإذا اطُّلعَ عليه أعجبه. قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "له أجران: أجر السر وأجر العلانية". (¬1) وقد رواه الترمذي عن محمد بن المثنى، وابن ماجة عن بُنْدَار، كلاهما عن أبي داود الطيالسي عن أبي سنان الشيباني - واسمه: ضرار بن مرة. ثم قال الترمذي: غريب، وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيب أبي صالح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلا. (¬2) (الماعون: 6) 897 - عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قال: "الله أكبر، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يَرْجُ خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه". (¬3) فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وشيخه مبهم لم يُسَم، والله أعلم. (الماعون: 6) 898 - عن سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} قال: "هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها". (¬4) وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، أو صلاتها بعد وقتها شرعا، أو تأخيرها عن أول الوقت سهوا حتى ضاع الوقت. وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فَرُّوخ، عن عكرمة بن إبراهيم، به. ثم رواه عن أبي الربيع، عن جابر، عن عاصم، عن مصعب، عن أبيه موقوفًا (¬5) وهذا أصح إسنادًا، وقد ضعف البيهقي رفعه، وصحح وقفه، (¬6) وكذلك الحاكم. (الماعون: 6) ¬

(¬1) الحديث في مسند الطيالسي برقم (2430). (¬2) وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ح (416)، والسلسلة الضعيفة ح (4344). (¬3) تفسير الطبري (30/ 202). (¬4) تفسير الطبري (30/ 202). (¬5) مسند أبي يعلى (2/ 63). (¬6) السنن الكبرى (2/ 214). وقال الهيثمي في المجمع (1/ 325): (رواه البزار وأبو يعلى مرفوعا بنحو هذا وموقوفا، وفيه عكرمة بن إبراهيم ضعفه ابن حبان وغيره، وقال البزار: رواه الحفاظ موقوفا ولم يرفعه غيره). وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب ح (313).

سورة الكوثر

899 - وروى (ابن أبي حاتم) هاهنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال: حدثنا أبي، وأبو زُرْعَة قالا حدثنا قيس ابن حفص الدارمي، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي، حدثنا عائذ بن ربيعة النَميري، حدثني قرة بن دعموص النميري: أنهم وفدوا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا رسول الله، ما تعهد إلينا؟ قال: "لا تمنعون الماعون". قالوا: يا رسول الله، وما الماعون؟ قال: "في الحَجَر، وفي الحديدة، وفي الماء". قالوا: فأي حديدة؟ قال: "قدوركم النحاس، وحديد الفأس الذي تمتهنون به". قالوا: وما الحجر؟ قال: "قدوركم الحجارة". غريب جدا، ورفعه منكر، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم. (الماعون: 7) سورة الكوثر 900 - عن ابن أبي نجيح، عن عائشة قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر، فَلْيَجعل أصبعيه في أذنيه. (¬1) وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة، وفي بعض الروايات: "عن رجل، عنها". ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك، لا أنه يسمعه نفسه، والله أعلم. قال السهيلي: ورواه الدارقطني مرفوعا، من طريق مالك بن مِغْوَل عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (¬2) (الكوثر: 1) 901 - عن أسامة بن زيد: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده، فسأل امرأته عنه - وكانت من بني النجار - فقالت: خرج يا نبي الله آنفا عامدًا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أولا تدخلُ يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا، فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئتَ وأنا ¬

(¬1) تفسير الطبري (30/ 207)، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (1/ 89): (وهذا مع وقفه منقطع وقد رواه بعضهم عن ابن أبي نجيح عن رجل عنها ولا يثبت). (¬2) الروض الأنف للسهيلي (1/ 241).

سورة النصر

أريد أن آتيك فأهْنيك وأمْريك؛ أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر. فقال: "أجل، وعرضه - يعني أرضه - ياقوت ومرجان، وزبرجد ولؤلؤ". حَرَام بن عثمان ضعيف. ولكن هذا سياق حسن، وقد صح أصل هذا، بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث، وكذلك أحاديث الحوض. (الكوثر: 1) 902 - وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا منكرا جدا فقال: ... عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه السورة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال رسول الله: "يا جبريل، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ " فقال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة. وهكذا رواه الحاكم في المستدرك، من حديث إسرائيل بن حاتم، به. (¬1) (الكوثر: 2) سورة النصر 903 - عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء، إلا قال: "سبحان الله وبحمده". فقلت: يا رسول الله، إنك تكثر من سبحان الله وبحمده، لا تذهب ولا تجيء، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: سبحان الله وبحمده؟ قال: "إني أمرت بها"، فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخر ¬

(¬1) وقال ابن حبان: "هذا متن باطل إلا ذكر رفع اليدين فيه، وهذا خبر رواه عمر بن صبح، عن مقاتل بن حيان، وعمر بن صبح يضع الحديث فطفر عليه إسرائيل بن حاتم فحدث به عن مقاتل".وقال الشوكاني في الفوائد المجموعةح (62): (... وهو موضوع لا يساوي شيئا ... وقال ابن حجر: إسناده ضعيف جدا).

سورة الإخلاص

السورة. (¬1) غريب. (النصر: 3) سورة الإخلاص 904 - عن أنس قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "أما يستطيع أحدكم أن يقرأ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " ثلاث مرات في ليلة فإنها تعدلُ ثلث القرآن؟ " (¬2) هذا إسناد ضعيف. (الإخلاص) 905 - عن تميم الداري قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قال: لا إله إلا الله واحدًا أحدًا صمدًا، لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا، ولم يكن له كفوا أحدا، عشر مرات، كُتِب له أربعون ألف ألف حسنة". تفرد به أحمد والخليل بن مُرّة: ضعفه البخاري وغيره بمُرّة. (الإخلاص) 906 - سعيد بن المسيب يقول: إن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قرأ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة". فقال عمر بن الخطاب: إذا لتكثر قصورنا؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله أوسع من ذلك". وهذا مرسل جيد. (الإخلاص) 907 - عن أنس بن مالك، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من قرأ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " خمسين مرة غُفرت له ذنوب خمسين سنة" إسناده ضعيف. (الإخلاص) 908 - عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قرأ في يوم: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " مائتي مرة، كتب الله له ألفًا وخمسمائة حسنة إلا أن يكون عليه دين". (¬3) إسناده ضعيف، ¬

(¬1) تفسير الطبري (30/ 216). (¬2) مسند أبي يعلى (8/ 150)، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 147): "فيه عبيس، وهو متروك". (¬3) مسند أبي يعلى (6/ 103). قال الألباني في الضعيفةح (300): (موضوع).

حاتم بن ميمون: ضعفه البخاري وغيره. ورواه الترمذي، عن محمد بن مرزوق البصري، عن حاتم بن ميمون، به. ولفظه: "من قرأ كل يوم، مائتي مرة: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " محي عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دَين". (¬1) قال الترمذي: وبهذا الإسناد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب، عز وجل: يا عبدي، ادخُل على يمينك الجنة". (¬2) ثم قال: غريب من حديث ثابت، وقد رُوي من غير هذا الوجه، عنه. (الإخلاص) 909 - عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من قرأ: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " حين يدخل منزله، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران". إسناده ضعيف. (الإخلاص) 910 - أنس بن مالك يقول: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتبوك، فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت فيما مضى بمثله، فأتى جبريل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا جبريل، ما لي أرى الشمس طلعت اليوم بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت بمثله فيما مضى؟ ". قال: إن ذلك معاوية بن معاوية الليثي، مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: "وفيم ذلك؟ " قال: كان يكثر قراءة: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " في الليل وفي النهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال: "نعم". فصلى عليه. وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة" من طريق يزيد بن هارون، عن العلاء أبي محمد - وهو متهم بالوضع - (¬3) فالله أعلم. 911 - عن أنس قال: نزل جبريل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: مات معاوية بن معاوية الليثي، فتحب أن تصلي عليه؟ قال: "نعم". فضرب بجناحه الأرض، فلم تبق شجرة ¬

(¬1) قال الألباني في الضعيفة ح (295): (منكر). (¬2) سنن الترمذي برقم (2898). (¬3) مسند أبي يعلى (7/ 256) ودلائل النبوة (5/ 245).

سورة الفلق

ولا أكمة إلا تضعضعت، فرفع سريره فنظر إليه، فكبر عليه وخلفه صفان من الملائكة، في كل صف سبعون ألف ملك، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا جبريل، بم نال هذه المنزلة من الله تعالى؟ ". قال بحبه: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وقراءته إياها ذاهبًا وجائيًا قائمًا وقاعدًا، وعلى كل حال. ورواه البيهقي، من رواية عثمان بن الهيثم المؤذن، عن محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس، فذكره. وهذا هو الصواب، (¬1) ومحبوب بن هلال قال أبو حاتم الرازي: "ليس بالمشهور". (¬2) وقد روي هذا من طرق أخر، تركناها اختصارًا، وكلها ضعيفة. (الإخلاص:) 912 - عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال - لا أعلم إلا قد رفعه - قال: {الصَّمَدُ} الذي لا جوف له. وهذا غريب جدًا، والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة. (الإخلاص: 2) سورة الفلق 913 - وقد ورد في ذلك حديثٌ مرفوع منكر، فقال ابن جرير: ... عن أبي هُريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " {الْفَلَقِ} جُبّ في جهنم مغطى". (¬3) إسناده غريب ولا يصح رفعه. (الفلق: 1) 914 - عن أبي هُرَيرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قال: النجم الغاسق". (¬4) قلت: وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (الفلق: 3) 915 - وقال الأستاذ المفسر الثعلبي في تفسيره: قال ابن عباس وعائشة، رضي الله عنهما: كان ¬

(¬1) وساقه المؤلف في البداية والنهاية من رواية البيهقي (5/ 14)، وقال: "منكر من هذا الوجه". (¬2) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (8/ 389). (¬3) تفسير الطبري (30/ 225). (¬4) تفسير الطبري (30/ 227).

غلام من اليهود يخدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدبَّت إليه اليهود، فلم يزالوا به حتى أخذ مُشَاطة رأس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدة أسنان من مُشطه، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها. وكان الذي تولى ذلك رجل منهم - يقال له: لبيد بن أعصم - ثم دسها في بئر لبني زُرَيق، ويقال لها: ذَرْوان، فمرض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتثر شعر رأسه، ولبث ستة أشهر يُرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يَذُوب ولا يدري ما عراه. فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فَقَعَد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طُبَ. قال: وما طُبَ؟ قال: سحر. قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي. قال: وبم طَبَه؟ قال: بمشط ومشاطة. قال: وأين هو؟ قال: في جُفَ طلعة تحت راعوفة في بئر ذَرْوَان - والجف: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر ناتئ يقوم عليه الماتح - فانتبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مذعورًا، وقال: "يا عائشة، أما شعرت أن الله أخبرني بدائي؟ ". ثم بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر كأنه نُقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة، وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه، وإذا فيه وتر معقود، فيه اثنتا عشرة عقدة مغروزة بالإبر. فأنزل الله تعالى السورتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفة حين انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نَشطَ من عقال، وجعل جبريل، عليه السلام، يقول: باسم الله أرْقِيك، من كل شيء يؤذيك، من حاسد وعين الله يشفيك. فقالوا: يا رسول الله، أفلا نأخذ الخبيث نقتله؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أما أنا فقد شفاني الله، وأكره أن يثير على الناس شرًا". هكذا أورده بلا إسناد، وفيه غرابة، وفي بعضه نكارة شديدة، ولبعضه شواهد مما تقدم، والله أعلم. (الفلق: 4)

سورة الناس

سورة الناس 916 - عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر خَنَس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس" (¬1) غريب. (الناس) ¬

(¬1) مسند أبي يعلى (7/ 278،279)، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 311): (رواه أبو يعلى وفيه عدي بن أبي عمارة وهو ضعيف).وضعفه الألباني في الضعيفةح (1367).

§1/1