الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري
عبد المجيد محمود
الاِتِّجَاهَاتُ الفِقْهِيَّةُ عِنْدَ أَصْحَابِ الحَدِيثِ فِي القَرْنِ الثَّالِثِ الهِجْرِيِّ تأليف الدكتور عبد المجيد محمود عبد المجيد أستاذ الشريعة المساعد بكلية دار العلوم 1399 هـ - 1979 م
مقدمة
مُقَدِّمَةٌ: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله إمام المُتَّقِينَ، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وبعد. فقد كان لحديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أثر بعيد في الحياة الفكرية الإسلامية، منذ أن حمله الصحابة في صدورهم، وصاغوا منه ومن القرآن أعمالهم وسلوكهم، ثم كان لزامًا عليهم أن يسلموا حصيلتهم من هذا الحديث إلى الأجيال التالية لهم، امتثالاً لما افترضه الله على المسلمين في قرآنه من طاعة رسوله الذِي يُبَيِّنُ للناس مَا نُزِّلَ إليهم، وامتثالاً لما أرشد إليه رسول الله في قوله: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرَ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ». وقد تولى المُحَدِّثُونَ بعد الصحابة هذه المهمة الهامة، وأخذوا على عاتقهم تقديم السنة إلى الناس، وأهدوا إلى الفقهاء الأصل الثاني من أصول التشريع، ولم تكن هذه المهمة يسيرة هينة، بل خاض المُحَدِّثُونَ في أثنائها غمار حرب فكرية ونفسية، ألقى أعداء الإسلام فيها بكل مَا يُشَوِّشُ على الإسلام ويدلس على أهله، فقدموا أفكارًا غريبة خبيثة متنكرة في هيئة أحاديث يختلقونها، وأسانيد يُلَفِّقُونَهَا، ثم حاولوا ترويجها في الأوساط العلمية، حيث خدع بها بعض السطحيين من الرواة. أما علماء الحديث ونقاده فقد وقفوا لها بالمرصاد، وصمدوا أمام سيلها الجارف مبينين زيفها. وأسفر صمودهم عن أدق منهج وأحكمه في نقد الروايات وتمحيصها، والتمييز بين غثها وسمينها، فأبلوا في ذلك أحسن البلاء. ولقد برز المُحَدِّثُونَ في هذا الجانب، واستحدثوا فيه العلوم وضبطوها
وَأَصَّلُوهَا، حتى شاع في الأذهان أنهم لا يعرفون غير الحديث، وحصرهم الرأي العام في حدود الرواية وعلومها، واستبعد كثيرون أن يكون لِلْمُحَدِّثِينَ نشاط فقهي، بل شاع الفصل بين المحدث والفقيه: فعلى المحدث أن يجمع المادة، وعلى الفقيه أن يستعملها ويضعها موضعها. وهذا ما أشار إليه الأعمش حين قال لأحد الفقهاء: «أَنْتُمُ الأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ». وقد ساعد على ترويج هذه الفكرة نماذج من الرواة لم تكن تنظر فيما تحمل، ولم يكن لها القدرة على الاجتهاد والاستنباط، مثل مطر الورَّاق - من مُحَدِّثِي القرن الثاني - الذي سأله رجل عن حديث، فحدثه به، فلما سأله الرجل عن معناه، أجابه مطر بقوله: «لَا أَدْرِي، إِنَّمَا أَنَا زَامِلَةٌ». كما ساعد على ترويج هذه الفكرة كذلك كثرة طلبة الحديث وتزاحمهم على سماعه، وقد أساء كثير من هؤلاء الطلبة إلى المُحَدِّثِينَ بسلوكهم وسطحيتهم ولكن هذا لا يعني أن المُحَدِّثِينَ جميعًا كذلك، إذ ليس صنف من الناس إلا وله حشو وشوب. وقد أجهد أئمة الحديث أنفسهم في تثقيف طلبتهم، وَأَلَّفُوا المؤلفات العديدة في توجيههم وتأديبهم. والواقع أن المُحَدِّثِينَ لم يقتصر نشاطهم على علوم الحديث، بل كان لهم نشاط فقهي ملحوظ، لا يخطئه من يقرأ كُتُبَ السُنَّةِ قراءة عابرة، أما من يقرأها قراءة متأنية فاحصة، فسيلمس هذا النشاط، وتتكشف له أصالتهم ورسوخ أقدامهم في الفقه، وتتجلى له أصولهم ومناهجهم. وإنما آثرنا القرن الثالث بالبحث، لأنه كان أزهى العصور بالنسبة لأهل الحديث، وأغناها برجاله وأئمته، وأحفلها بعلومه، وأنشطها في التأليف فيه. جمع علماؤه في هذا القرن، وَهَذَّبُوا، وَصَنَّفُوا وأتوا بما فاقوا فيه من قبلهم ولم يلحقهم فيه من بعدهم. وقد ذكر ابن الأثير أن نهضة الحديث قد بلغت ذروتها في عصر
البخاري ومسلم، وأصحاب الكتب الستة. ثم قال: «فكان ذلك العصر خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم، وإليه المنتهى، ثم من بعده نقص ذلك الطلب بعد، وقل ذلك الحرص، وفترت تلك الهمم. وكذلك كل نوع من أنواع العلوم والصنائع والدول وغيرهم، فإنه يبتدئ ضئيلاً، وينمو قليلاً قليلاً. ولا يزال ينمو ويزيد ويعظم إلى أن يصل إلى غاية هي منتهاه، ويبلغ إلى أمد هو أقصاه، ثم يعود يكبر، ولا يلبث أن يعود كما بدأ. فكأن غاية هذا العلم انتهت إلى البخاري ومسلم ومن كان في عصرهما من علماء الحديث، ثم نزل وتقاصر إلى زماننا هذا، وسيزداد تقاصر الهمم سنة الله في خلقه {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (¬1)» (¬2). وقد بحثت في فصل خاص أثر القرن الثالث في ظهور فقه المُحَدِّثِينَ وكيف توفَّرت في هذا القرن العوامل التي أدت إلى إعلان هذا الفقه، واستقلاله وتميزه عن المذاهب الفقهية التي عاصرته، والعلاقة بينه وبين هذه المذاهب. لكن هذا الفقه أخذ في التناقص التدريجي بعد القرن الثالث، سنة الله في خلقه، كما ذكر ابن الأثير، حتى انزوى هذا الفقه، وطغت عليه المذاهب الأخرى، فاندرج تحت ما يقاربه منها، وبخاصة المذهب الحنبلي، والمذهب الظاهري، وهما المذهبان اللذان ينطويان على كثير من خصائص فقه المُحَدِّثِينَ. وَقَدْ صَوَّرَ الخطيب البغدادي حالة أهل الحديث في عصره بما يبين سوء مستواهم العلمي، فيقول: «وَأَكْثَرُ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَعِيدٌ مِنْ حِفْظِهِ , خَالٍ مِنْ مَعْرِفَةِ فِقْهِهِ , لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُعَلِّلٍ وَصَحِيحٍ ... كُلُّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ بَصِيرَةِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِمَا جَمَعُوهُ , وَعَدَمِ فِقْهِهِمْ بِمَا كَتَبُوهُ وَسَمَعُوهُ , وَمَنْعِهِمْ ¬
نُفُوسَهُمْ عَنْ مُحَاضَرَةِ الفُقَهَاءِ , وَذَمِّهِمْ مُسْتَعْمِلِي القِيَاسِ مِنَ العُلَمَاءِ , لِسَمَاعِهِمْ الْأَحَادِيثَ التِي تَعَلَّقَ بِهَا أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ , وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ مَحْمُودِ الرَّأْيِ وَمَذْمُومِهِ , بَلْ سَبَقَ إِلَى نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَى عُمُومِهِ , ثُمَّ قَلَّدُوا مُسْتَعْمِلِي الرَّأْيِ فِي نَوَازِلِهِمْ , وَعَوَّلُوا فِيهَا عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ» (¬1) (*). لهذا كان القرن الثالث عصر المُحَدِّثِينَ والمجتهدين، وسجلاً حافلاً بأعمالهم وفقههم، ولذا آثرناه بالبحث، ونسأل الله التوفيق والعون. وقد اخترت للدراسة من بين مُحَدِّثِي هذا القرن العناصر الرئيسية والنماذج الممتازة من بينهم، واكتفيت بها في تمثيل الاتجاهات العامة التي تنطبق على سائر المُحَدِّثِينَ، ولم تكن الإحاطة بكل المُحَدِّثِينَ في القرن الثالث من بين أهداف هذا البحث ولا مما يفيده، وكان هذا هو سر اقتصاري على أصحاب الكتب الستة، مراعيًا الخلاف في سادس هذه الكتب، حيث تناولت بالدراسة كُلاً من البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، والدارمي، وابن ماجه. ثم أضفت إليهم ثلاثة من شيوخهم ومن أعلام عصرهم المؤثِّرين فيه، وهم أحمد بن حنبل، وابن راهويه إسحاق بن إبراهيم، وابن أبي شيبة عبد الله بن محمد. وقد قصدت في أثناء دراستي لهؤلاء المُحَدِّثِينَ ألا أستعين بالشُرَّاحِ إلا في نطاق محدود، ولم يكن ذلك رغبة عن الشروح أو غضًا من شأنها، وإنما كان رغبة في أن أتصل بكتب المُحَدِّثِينَ اتصالاً مباشرًا، أستشف منه اتجاهاتهم الفقهية في ضوء ما يُؤدِّي إليه البحث، دون أن أقع تحت تأثير الآراء الذاتية لِلْشُرَّاحِ، الذين كانوا بدورهم متأثِّرين بمذهبهم الفقهي، ¬
يحكمون من خلاله على رأي المُحدِّث، محاولين أن يصوروا رأيه بصورة تتلاءم مع مذهبهم وَتُعضِّدُهُ. فالبخاري مثلاً عندما يتناول موضوع الكَفَّارَةِ لِمَنْ تَعَمَّدَ الجِمَاعَ في نهار رمضان، في ترجمة: (بَابُ إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» ...) - يستنتج بَعْضُ الشُرَّاح من هذه الترجمة أن البخاري يوجب الكفارة على الآكل والشارب عمدًا قياسًا على المجامع الذي ورد فيه الحديث، على حين يُرَجِّحُ آخرون منهم أنه لم يرد ذلك (¬1). هذا على الرغم من أن البخاري هو الوحيد من بين أصحاب الصحاح والسُنن، الذي حظي فقهه باهتمام العلماء مِنْ قُدَمَاءٍ ومُحْدَثِينَ، ولكنه اهتمام غير مستوعب، وَلَا مُبَيِّنٍ للأصول والاتجاهات العامة التي صدر عنها. أما بقية أصحاب السُنن، فلم يهتم أحد بفقههم ولو بإشارة موجزة. وقد كان هذا من المصاعب التي اعترضت هذا البحث، حيث كان بهذا الاعتبار بحثًا لا سلف له. وقد كانت كتب هؤلاء المُحَدِّثِينَ، من صحاح وسنن ومصنفات - هي المصدر الأساسي الذي يستمد منه هذا البحث، قرأتها أكثر من مرة، أجمع منها شتات المسائل ومنثور الجزئيات، لأنظِّمها في خيط يجمعها، وكلي يشملها، ثم كان عَلَيَّ أن أوازن بين فقههم وفقه المذاهب الأخرى، وبخاصة المذهب الحنفي، حتى تتضح الميزات، وتتميز الفروق، وقد استعنت على ذلك بكثير من الكتب الفقهية وكتب اختلاف الفقهاء، وبكثير من كتب الأصول، وكتب تاريخ التشريع والتراجم. ¬
أما منهج هذا الكتاب فيقوم على تمهيد وخمسة أبواب وخاتمة: شرحت في التمهيد المصطلحات التي تضمنها عنوان الكتاب. أما الباب الأول فهو عن المدرسة الفقهية لِلْمُحَدِّثِينَ، شرحت فيه الصراع بين أهل الحديث وغيرهم، مُبيِّنًا دوافع هذا الصراع ونتائجه، مُثْبِتًا أنهم أصحاب مذهب فقهي مستقل كشف عن ذاته، وأعلن عن نفسه في القرن الثالث الهجري، مُزاحمًا غيره من المذاهب المعروفة آنذاك. وفي الفصل الأخير من هذا الباب وصف للاتجاهات الفقهية عند رُواة الحديث من الصحابة، توضيحًا للجذور العميقة لمذهب المُحَدِّثِينَ. أما الباب الثاني فهو عن اتجاه المُحَدِّثِينَ إلى الآثار، ويقع في ثلاثة فصول: تناول الفصل الأول علاقة السنة بالقرآن، من حيث مكانتها بالنسبة له، وعرضها عليه، وَوُرُودِهَا بِحُكْمٍ زَائِدٍ، ونسخه بها وتخصيصًا له. وتناول الفصل الثاني المناهج في الأخذ بأخبار الآحاد، والآراء في المرسل وأقوال التابعين. وتناول الفصل الثالث نتائج هذا الاتجاه. أما الباب الثالث فهو عن الاتجاه إلى الظاهر. وقد عني هذ الباب بذكر أمثلة لهذا الاتجاه، وبحث عن علاقة أهل الحديث بأهل الظاهر في فصله الأول وعن أصول الظاهرية في فصله الثاني، وعن طبيعة العلاقة بين الظاهرية وغيرهم في الفصل الثالث. وعني الباب الرابع بشرح الاتجاه الخلقي النفسي عند أهل الحديث. أما الباب الخامس فهو عن موضوعات الخلاف بين أهل الحديث وأهل الرأي ويقع في فصلين:
عني الفصل الأول بموضوعات الخلاف بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة. وعني الفصل الثاني بموضوعات الخلاف بين البخاري وأهل الرأي. ثم كانت الخاتمة تلخيصًا لأهم نقاط البحث ونتائجه. وبعد، فأرجو أن يكون هذا البحث قد أوضح جانبًا من تراثنا الفكري، ومهد السبيل لاستكشاف آفاق جديدة في فقه الحديث. والله ولي التوفيق. عبد المجيد محمود عبد المجيد
تمهيد
تَمْهِيدٌ: لعل من الأفضل قبل أن نمضي في البحث، وتتشعب بنا مسائله أن نحدد معاني بعض الألفاظ التي عليها مدار الموضوع، وأن نوضح العلاقة بين معانيها ومعاني ألفاظ قريبة منها في الاستعمال. وسأتناول في هذا التمهيد النقاط الآتية بإيجاز: • بين الاتجاهات والمنهج. • بين الحديث والسنة. • الفقه: معناه، لمحة عن تطوره، علاقته بالحديث، فضله. [أ] بَيْنَ الاِتِّجَاهَاتِ وَالمَنْهَجِ: نعني (بالاتجاهات) الطرق التي سار فيها المُحَدِّثُونَ ليصلوا إلى استنباط الأحكام، مع التجاوز عن المنحنيات اليسيرة التي سار فيها فريق منهم دون إغفال لمفارق الطرق التي تباعد بينهم وبين غيرهم. أو هي الخصائص والسمات العامة المُمَيِّزَةِ لفقه أهل الحديث. أو هي القضايا الكلية التي كانت تحكم المُحَدِّثِينَ عند نظرهم في الفقه. أما المنهج فهو أخص من ذلك، إذ هو الطريق الواضح الذي يبين كيفية التطبيق لهذه القضايا والسمات. ويمكن أن أقول إن كاتبًا ما له اتجاه اجتماعي، لكن منهجه هو سلوكه إزاء قضايا المجتمع، وكيفية علاجه لها، وتنبيهه لمشكلات عصره، واقتراحاته لحلها.
فالاتجاه عام وصفي، أما المنهج فهو خاص تطبيقي. وقد يعين على هذه التفرقة قول الله - عَزَّ وَجَلَّ - {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (¬1). فالشرعة - أي الشريعة - هي الفرائض والحدود والحلال والحرام. والمنهاج هو كيفية تقنين هذه الأحكام، وطريقة تنفيذها، وبيان السبل التطبيقية لها، وغير ذلك مما يختلف باختلاف الأديان. وبهذا تبرز العلاقة الوثيقة بين الاتجاه والمنهج، فللحصول على الاتجاه، يلزم التعرف على الجزئيات، وإعمال النظر في المنهج، وتلك طريقة تجمع بين التحليل والتركيب. [ب] بَيْنَ الحَدِيثِ وَالسُنَّةِ: الحديث في اللغة، يطلق على الجديد، ضد القديم، كما يطلق على الخبر والقصص. في " القاموس المحيط ": «والحديث: الجديد، والخبر، كالحديثي» وفي " لسان العرب ": «والحديث: الجديد من الأشياء، والحديث: الخبر، يأتي على القليل والكثير والجمع أحاديث، كقطيع وأقاطيع، وهو شاذ على غير قياس ...» ثم قال صاحب " اللسان ": «ورجل حدِث، وحدوث، وحدْث، وحديث، ومحدث، بمعنى واحد: كثير الحديث، حسن السياق له، والأحاديث في الفقه وغيره معروفة». وعند إطلاق لفظ الحديث الآن ينصرف إلى حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو ما نقل عنه من قول أو فعل أو تقرير. ¬
وتخصيص الحديث بما قاله الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُجِدَ في وقت مبكر أي في حياته - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. يَشْهَدُ لِهَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَأَجَابَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ. لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ» (¬1) ثم اتسع استعمال الحديث بعد وفاة الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأصبح يشمل مع القول فعله وتقريره - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وللحديث أقسام كثيرة باعتبارات مختلفة ليس هنا موضع بحثها. أما السُنَّةُ فلها استعمالات كثير في اللغة، فتستعمل بمعنى الطريقة، والطبيعة والسيرة: حسنة كانت أو قبيحة. «فَسُنَّةُ كُلِّ أَحَدٍ مَا [عُهِدَتْ] مِنْهُ المُحَافَظَةُ عَلَيْهِ، وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ، كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الحَمِيدَةِ أَوْ غَيْرِهَا» (¬2). وإذا أضيفت إلى لفظ الجلالة، فقيل: (سُنَّةُ اللَّهِ) فمعناها أحكامه وأمره ونهيه أو قوانينه الطبيعية والإنسانية. والسنة في الشرع لها عدة إطلاقات (¬3)، يجمعها أنها الطريقة المرضية المسلوكة في الدين. ومن أشهر هذه الإطلاقات: 1 - أنها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد الكتاب العزيز، وعرفها بعض العلماء حينئذٍ بأنها «مَا صَدَرَ عَنِ الرَّسُولِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مِمَّا لَيْسَ بِمَتْلُوٍّ، وَلَا هُوَ مُعْجِزٌ وَلَا دَاخِلٌ فِي الْمُعْجِزِ ... وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَقْوَالُ النَّبِيِّ ¬
- عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَفْعَالُهُ وَتَقَارِيرُهُ» (¬1) وقد قرر ابن بدران «أَنَّ هَذَا مَعْنَاهَا بِاعْتِبَارِ العُرْفِ الخَاصِّ (¬2) وَهِيَ بِهَذَا تُشَارِكُ الحَدِيثَ فِي مَعْنَاهَا المُتَقَدِّمِ» وإن كان الحديث يشمل ما ينقل في الأحكام وغيرها، أما السنة فهي خاصة بما يقرر حكمًا أو يستدل بها عليه. 3 - كما تطلق السُنَّةُ على ما كان من العبادات نافلة منقولة عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن تعلقت بتركها كراهة وإساءة فهي سُنَّةُ الهُدَى، وَتُسَمَّى سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، كالأذان والجماعة وسنة الفجر وغيرها، وإنْ لم تتعلق بتركها كراهة وإساءة تسمى سنن الزوائد «أَوْ سُننًا غَيْرَ مُؤكَّدَةٍ» (¬3). وقد تطلق السنة على العادة الدينية أو القانونية التي أقرها الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكانت سائدة في عصره، ونُقلت عن السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة المُقتدى بهم. وهذا معناها باعتبار العرف العام (¬4). وهذا الإطلاق الثالث للسنة كان هو الأسبق، وهو الذي كان شائعًا في العصر. قال السرخسي: «وَالسَّلَفُ كَانُوا يُطْلِقُونَ اسْمَ السُنَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، وَكَانُوا يَأْخُذُونَ البَيْعَةَ عَلَى سُنَّةِ العُمَرَيْنِ» (¬5) كما كان شائعًا على ألسنة العلماء في القرن الثاني للهجرة. يَقُولُ ابْنُ مَهْدِي (¬6) عَنْ ¬
حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: «لَمْ أرَ أَحَدًا قَطُّ أَعْلَمَ بِالسُنَّةِ وَلاَ بِالحَدِيثِ الذِي يَدْخُلُ فِي السُّنَّةِ مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ». والمتبادر من هذا اللفظ أنّ السنة تغاير الحديث، وأنها أعم منه، وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضًا: «النَّاسُ عَلَى وُجُوهٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ إِمَامٌ فِي السُنَّةِ إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ إِمَامٌ فِي السُنَّةِ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فِي الحَدِيثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ لَيْسَ بِإِمَامٍ فِي السُنَّةِ، فَأَمَّا مَنْ هُوَ إِمَامٌ فِي السُنَّةِ وَإِمَامٍ فِي الحَدِيثِ فَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ» (¬1). ولأن السنة كانت شائعة بهذا المعنى - وهو الحض على اتباع التقاليد الإسلامية، والتمسك بما كان عليه المسلمون في خير أوقاتهم - سُمِّيَتْ المَدِينَةُ (مَهْدَ السُنَّةِ) وَ (دَارَ السُنَّةِ). وهو ما حمل مالك بن أنس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - على أن يُخَصِّصَ لعمل أهل المدينة وإجماعهم مكانًا بين أدلة الشرع. ولهذا الاستعمال الشائع للسنة أيضًا كانت مثار اختلاف العلماء عند إطلاقها كما إذا قيل: «مِنَ السُنَّةِ كَذَا»، فهل المراد حينئذٍ سنة الرسول خاصة، أو سنة غيره من السلف الصالح؟ فالذين لا يأخذون أقوال الصحابة كدليل شرعي يقصرونها على الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والذين يأخذون بأقوال الصحابة يوسعون في مدلولها. وفي هذا يقول البزدوي: «لَا خِلَافَ فِي أَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الطَّرِيقَةُ المَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا الخِلَافُ فِي أَنَّ لَفْظَ السُّنَّةُ [إذَا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ] إلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ أَوْ إلَيْهَا، [وَإِلَى سُنَّةِ الصَّحَابِيِّ]». وثمرة هذا الخلاف تظهر إذا قال الراوي: «مِنَ السُنَّةِ كَذَا» فهل يحمل هذا القول على سُنَّة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ إِلَّا بِدَلِيلٍ» (¬2). ¬
ونستطيع أن نحدد العلاقة بين الحديث والسنة بهذا الإطلاق الأخير بأن الحديث أمر علمي نظري، وأن السنة أمر عملي، إذ أنها كانت تعتبر المثل الأعلى للسلوك في كل أمور الدين والدنيا وكان هذا سبب الاجتهاد في البحث عنها والاعتناء بحفظها والاقتداء بها (¬1). والسنة بهذا الإطلاق العام قد تنتظم الفرض والواجب، مع اشتمالها على المستحب والمباح (¬2)، فَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «السُّنَّةُ سُنَّتَانِ سُنَّةٌ فِي فَرِيضَةٍ وَسُنَّةٌ فِي غَيْرِ فَرِيضَةٍ: السُّنَّةُ التَّي فِي الفَرِيضَةِ أَصْلُهَا في كِتَابِ الله تَعَالَى، أَخْذُها هُدًى وَتَرْكُهَا ضَلاَلَةٌ، وَالسُّنَّة التَّي أَصْلُهَا لَيْسَ في كِتَابِ الله تَعَالَى: الأَخْذُ بِهَا فَضِيلَةٌ وَتَرْكُهَا لَيْسَ بِخَطِيئَةٍ» (¬3) ولهذا قال مكحول: «السُّنَّةُ سُنَّتَانِ. سُنَّةٌ الْأَخْذُ بِهَا فَرِيضَةٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَسُنَّةٌ الْأَخْذُ بِهَا فَضِيلَةٌ وَتَرْكُهَا إِلَى غَيْرِ حَرَجٍ» (¬4). ولن يكون ترك السُنَّةِ كُفْرًا إلا إذا كانت عادة إسلامية، وشعيرة من شعائر الإسلام، بحيث إذا خلا منها بلد مسلم كان في ولائه للإسلام شك، ويشرح السرخسي هذه العبارة بقوله: «حُكْمُ السُنَّةِ هُوَ الاتِّبَاعُ ... وَهَذَا الاتِّبَاعُ الثَّابِتُ بِمُطْلَقِ السُنَّةِ خَالٍ عَنْ صِفَةِ الفَرْضِيَّةِ وَالوُجُوبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الوَاجِبِ فِي حُكْمِ العَمَلِ بِهْ، عَلَى مَا قَالَ مَكْحُولٌ - رَحِمَهُ اللهُ -: " السُّنَّةُ سُنَّتَانِ. سُنَّةٌ أَخْذُهَا هُدًى وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ، وَسُنَّةٌ أَخْذُهَا ¬
حَسَنٌ وَتَرْكُهَا لَا بَأْسَ فِيهِ "، فَالأَوَّلُ نَحْوُ صَلَاةِ العِيدِ وَالأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ بِالجَمَاعَةِ، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهَا قَوْمٌ اسْتَوْجَبُوا اللَّوْمَ وَالعِتَابَ وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ بَلْدَةٍ وَأَصَرُّوا عَلَى ذَلِكَ قُوتِلُوا عَلَيْهَا لِيَأْتُوا بِهَا» (¬1). ويُعَرِّفُ ابن حزم السُنَّةَ تعريفًا يقترب من هذا الإطلاق العام للسُنَّة، فيقول: «وَالسُنَّةُ هِيَ الشَّرِيعَةُ نَفْسُهَا، وَهِيَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: وَجْهُ الشَّيْءِ وَظَاهِرُهُ. قَالَ الشَّاعِرُ: تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ ... مَلْسَاءُ لَيْسَ بِهَا خَالٌ وَلاَ نَدْبُ وَأَقْسَامُ السُنَّةِ فِي الشَّرِيعَةِ: فَرْضٌ أَوْ نَدْبٌ، أَوْ إِبَاحَةٌ أَوْ كَرَاهَةٌ، أَوْ تَحْرِيمٌ، كُلُّ ذَلِكَ قَدْ سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -» (¬2). مِنْ تَقْسِيمَاتِ السُنَّةِ: ومع أنّ العلماء متفقون على وجوب الاقتداء بالرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولزوم اتباع سنته قد يختلفون في الأمر من قول الرسول أو فعله: هل هذا القول أو الفعل جرى من الرسول مجرى الجبلة والعادة، أو التجربة الشائعة في قومه، فالاتباع فيه غير لازم، كما لا يلزم إذا كان الفعل من خواص الرسول. أم أن القول والفعل مقصود بهما التشريع فيلزم حينئذٍ الاتباع؟. ومرجع ذلك أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشر، له مطالب البشر، ويحتاج إلى ضرورات الحياة وخبرتها وتجاربها، وَقَدْ نبَّهَ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أصحابه إلى التفرقة بين أمور التشريع وأمور الحياة العادية في قوله أو فعله، فقال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، ¬
وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ». وقال في قصة تأبير النخيل: «فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلاَ تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ» (¬1). وكما نبه الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصحابه إلى مراعاة الفرق بين التشريع وغيره في قوله وفعله - نبه الصحابة بدورهم تلامذتهم من التابعين إلى مراعاة هذا الفرق. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الحَرِيصِينَ عَلَى الحَدِيثِ دَخَلُوا عَلَى زَيدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فَقَالُوا: «حَدِّثْنَا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم، قَالَ: كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ بَعَثَ إِليَّ فَكَتَبْتُهُ لَهُ، فَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا، فَكُلُّ هَذَا أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟!» (¬2). وفي ذلك يقول البطليوسي: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَذْكُرُ فِي مَجْلِسِهِ الأَخْبَارَ حِكَايَةً، وَيَتَكَلَّمُ بِمَا لاَ يُرِيدُ بِهِ أَمْرًا وَلاَ نَهْيًا. وَلاَ أَنْ يُجْعَلَ أَصْلاً فِي دِينِهِ. وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ فِعْلِهِ مَشْهُورٌ مِنْ قَوْلِهِ» (¬3). ¬
لهذا أفاض العلماء في الكلام عن سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقسيمها إلى سنة تشريعية وسنة عادية كما قسموا التشريعية إلى أقسام مختلفة عبروا عنها أحيانًا بشخصيات الرسول (¬1). [جـ]- الفِقْهُ، تَعْرِيفُهُ: كلمة «الفقه» كانت موجودة في كلام العرب قبل الإسلام، لا بالمعنى الاصطلاحي الذي اكتسبته في الإسلام، إذ لم يكن لديهم ما يمكن أن تطلق عليه، ولهذا أيضًا لم يوجد عندهم من يطلق عليهم «الفقهاء» وإنما كانت الكلمة تستعمل بمعنى العلم بالشيء وتفهمه والوصول إلى أعماقه. قال تعالى: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي} (¬2) أي يعلموا المراد منه ويفهموه. وقد فرق الآمدي بين العلم والفهم فقال: «الفَهْمُ عِبَارَةٌ عَنْ جَوْدَةِ الذِّهْنِ مِنْ جِهَةِ تَهْيِئَتِهِ لِاقْتِنَاصِ كُلِّ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ المَطَالِبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ المُتَّصِفُ بِهِ عَالِمًا كَالعَامِّيِّ الفَطِنِ» (¬3) أما ابن القيم فإنه يجعل الفقه في درجة أعلى من الفهم فيقول: «وَالفِقْهُ أَخَصُّ مِنْ الفَهْمِ، وَهُوَ فَهْمُ مُرَادِ المُتَكَلِّمِ مِنْ كَلَامِهِ، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ فَهْمِ وَضْعِ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ، وَبِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَرَاتِبِ النَّاسِ فِي هَذَا تَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُمْ فِي الفِقْهِ وَالعِلْمِ» (¬4). ¬
ثم خصت الكلمة في الاصطلاح «بِالْعِلْمِ الحَاصِلِ بِجُمْلَةٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ [الفُرُوعِيَّةِ] بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ» (¬1) وهذا التعريف بجعل الفقه صفة علمية للإنسان، ولكننا عندما نقول: «إِنَّ الفِقْهَ الإِسْلَامِيَّ يَتَّسِمُ بِالمُرُونَةِ وَالشُّمُولِ»، فإننا نعني بالفقه حينئذٍ «مَجْمُوعَةَ الأَحْكَامِ العَمَلِيَّةِ وَالمَشْرَوعَةَ فِي الإِسْلَامِ» (¬2). وهذا التجديد الاصطلاحي لكلمة الفقه، لم يتم فجأة وإنما استغرق وقتًا كافيًا تقلبت فيه الكلمة في مراحل مختلفة قبل أن تنتهي إلى هذا الاصطلاح، فقد وجدنا علماء القرنين الأول والثاني يطلقون كلمة الفقه على ما يشمل موضوعات الزهد وعلم الكلام: فَقَدْ رَوَى " الدَّارِمِيُّ " بِسَنَدِهِ عَنْ عِمْرَانَ المِنْقَرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ يَوْمًا فِي شَيْءٍ قَالَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، لَيْسَ هَكَذَا يَقُولُ الفُقَهَاءُ. فَقَالَ: «وَيْحَكَ وَرَأَيْتَ أَنْتَ فَقِيهًا قَطُّ؟، إِنَّمَا الفَقِيهُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا، الرَّاغِبُ فِي الْآخِرَةِ، البَصِيرُ بِأَمْرِ دِينِهِ، المُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ» (¬3). وَرَوَى أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (*)، قَالَ: قِيلَ لَهُ: «مَنْ أَفْقَهُ أَهْلِ المَدِينَةِ؟»، قَالَ: «أَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ [عَزَّ وَجَلَّ]» (¬4). كَمَا رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «إِنَّ الفَقِيهَ حَقَّ الفَقِيهِ، مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَلَمْ يَدَعْ القُرْآنَ رَغْبَةً عنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، إِنَّهُ لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا عِلْمَ فِيهَا، وَلَا عِلْمٍ لَا فَهْمَ فِيهِ، وَلَا قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا» (¬5). وقد استمر عدم التحديد هذا حتى منتصف القرن الثاني، فقد رأينا أن أبا حنيفة ألف في العقائد ما سمي بـ " الفقه الأكبر ". ¬
وفي تحقيق هذا التطور التاريخي لكلمة «الفِقْهِ» يقول الغزالي: «وَلَقَدْ كَانَ اسْمُ الفِقْهِ فِي العَصْرِ الأَوَّلِ مُطْلَقًا عَلَى عِلْمِ الآخِرَةِ، وَمَعْرِفَةِ دَقَائِقِ وَآفَاتِ النُّفُوسِ وَمُفْسِدَاتِ الأَعْمَالِ، وَقُوَّةِ الإِحَاطَةِ بِحَقَارَةِ الدُّنْيَا، وَشِدَّةِ التَّطَلُّعِ إِلَى نَعِيمِ الآخِرَةِ، وَاسْتِيلَاءِ الخَوْفِ عَلَى القَلْبِ» إلى أن قال: «وَلَسْتُ أَقُولُ إِنَّ اسْمَ الفِقْهِ لَمْ يَكُنْ مَتْنًا وَلَا لِلْفَتَاوَى فِي الأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ، وَلَكِنْ بِطَرِيقِ العُمُومِ وَالشَّمُولِ لَا بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ كَمَا حَدَثَ فِي العُصُورِ المُتَأَخِّرَةِ» (¬1). وقد لاحظ بعض العلماء هذه الإطلاقات المتعددة لكلمة الفقه، فوضع تعريفًا يمكن أن يشملها فقال: «الفِقْهُ مَعْرِفَةُ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا» وهذا يشمل الاعتقاديات والوجدانيات، فإذا أضفت إلى التعريف كلمة (عَمَلاً) خرج علم الكلام والتصوف (¬2). مَرَاحِلُ التَّطَوُّرِ لِلْفِقْهِ الإِسْلاَمِيِّ: (¬3). لا شك أن العرب قبل الإسلام كانت لهم طقوس دينية، وعادات اجتماعية، وعلاقات تجارية وحربية، وبعض هذه العلاقات والعادات والطقوس بقايا دين إبراهيم وإسماعيل - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - ورثها العرب عن آبائهم مشوهة أو صحيحة وبعضها أملته عليهم طبيعة البيئة البدوية التي يعيشون فيها، وبعض ثالث كان نتيجة احتكاكهم بالأمم المجاورة لهم وتأثرهم بها في بعض شؤون حياتهم. هذه العادات والأعراف المختلفة المصادر كان لها قوة القانون، بل كانت هي القانون النافذ فيهم فلما جاء الإسلام ألغى ¬
الأعراف الفاسدة، والعادات السيئة وأبقى على ما كان منها صالحًا أو تناوله بالتهذيب والتقويم، كقولهم في القصاص: «القَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ»، وكحكمهم بأن الدية على العاقلة، إلى غير ذلك من القواعد القليلة التي كانت شائعة بينهم والتي لم تكن تكفي لسد حاجات شَعْبٍ مُتَحَضِّرٍ. وقد قسم الأستاذ مصطفى الزرقا الأدوار التي مر بها الفقه الإسلامي إلى سبعة أدوار: 1 - عصر حياة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكانت سلطة التشريع والفتوى والقضاء بيده وحده، ولم يترك - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فِقْهًا مُدَوَّنًا، وإنما ترك جملة من الأصول والقواعد الكلية والأحكام الجزئية مثبوتة في القرآن والسنة. 2 - عصر الخلفاء فما بعده إلى منتصف القرن الأول حيث استبد الأمويون بالأمر. وهذان الدوران هما المرحلة التمهيدية للفقه الإسلامي. 3 - من منتصف القرن الأول إلى أوائل القرن الثاني، حيث استقل علم الفقه وأصبح اختصاصًا يقصر العلماء جهودهم عليه، وتكونت المدارس الفقهية أو الاجتهادات المسماة بالمذاهب. وهذا الدور هو المرحلة التأسيسية في الفقه. 4 - من أوائل القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع، حيث بلغ الفقه الأوج في الاجتهاد والتدوين والتفريغ المذهبي، وتم فيه وضع أصول الفقه وتكامل. وهذا الدور هو دور الكمال في الفقه الإسلامي. 5 - من منتصف القرن الرابع إلى سقوط بغداد في أيدي التتار في منتصف القرن السابع وفيه نشطت حركة التحرير والتخريج والترجيح في المذاهب مع غلبة التقليد والتعصب.
6 - من منتصف القرن السابع إلى ظهور " مجلة الأحكام العدلية " سنة 1286 هـ، والتي عمل بها منذ سنة 1292 هـ. وهذا هو دور الانحطاط الفقهي. 7 - منذ ظهور المجلة إلى اليوم (¬1). ولقد يختلف المؤرخون للفقه الإسلامي في تحديدهم للمراحل التي مر بها تطور الفقه، تبعًا لاعتبارات خاصة، وسمات معينة تميز في نظرهم مراحله المختلفة. لهذا فإني أرى أن المرحلتين الثانية والثالثة من هذه المراحل المذكورة تشكلان مرحلة واحدة يمكن أن نطلق عليها (عصر الصحابة والتابعين) كما يلاحظ أَنَّ تَكَوُّنَ المَذَاهِبِ الفِقْهِيَّةِ قد بدأ حقيقة منذ العقود الأولى من القرن الثاني، ولكن حركة هذا التكوين قد استمرت حتى أواخر القرن الثالث، كما يجدر بنا أن نشيد بالنهضة الفقهية في العصر الحديث، فإن المتأمل في حال الفقه الإسلامي اليوم يستطيع أن يرى حياة جديدة تسري في أعضائه وتموج في جنباته فتحرك كيانه وتنفض عنه ركود السنين وتزيل كثبان الجمود التي جمعتها الأحقاب المتتابعة وتدعوه إلى ورود منابعه الأصلية الصافية، بعيدًا عن التقليد والتعصب وتطالبه بأن ينزل إلى معترك الحياة فيُدلي برأيه في هذا المجتمع الحديث، ويعمل على حل مشكلاته، وإنه على هذا قدير، وله كفء، فقد أثبت الذين قاموا بدراسات مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي أن الفقه الإسلامي عظيم وأصيل، ومرن وشامل. ولا شك أن نهضة الفقه في هذا العصر هي نتيجة لجهود سبقت، ودعوات للإصلاح لم يعدم الإسلام طائفة تنادي بها حتى أحلك العصور (¬2). ¬
عَلاَقَةُ الحَدِيثِ بِالفِقْهِ: والحديث يساند القرآن الكريم في تقديم مادة الفقه، فمن نصوصهما صيغت القواعد واستنبطت الأحكام، ولا غنى للباحث في الفقه الإسلامي عن الحديث لأنه المُبَيِّنُ لِلْقُرْآنِ، المُفَصِّلُ لِمُجْمَلِهِ، المُقيِّدُ لِمُطْلَقِهِ، المُخَصِّصُ لِعَامِّهِ، المُعَبِّرُ عن روحه واتجاهه. وعلاقة الفقه بالحديث علاقة وثيقة متلازمة، نشأت منذ عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعندما ينطق الرسول بحديث تشريعي إنما يقرر حكمًا، وعندما تعرض له - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - حالة من القضاء إنما يفصل فيها بحديث، ولهذا لم يكن البحث عن الحديث لمجرد جمعه في دواوين، أو المحافظة عليه من الضياع - وإن كان هذا في ذاته جليلة - وإنما كان البحث عن الأحكام التي تقررها الأحاديث هو الدافع الأول والأهم، ولهذا لم يكن في عصر الصحابة والتابعين فاصل بين المحدث والفقيه، حتى إذا وجد من يتخصص في استنباط الأحكام من القرآن والحديث، ومن يتخصص في رواية الأحاديث ونقدها ومعرفة إسنادها وعللها - أخذ الحديث ينفصل عن الفقه، وبدأ المحدث يتميز عن الفقيه، واقتضى هذا الفصل فترة من الزمن استغرقت جل القرن الثاني، فقد وجدنا في هذا القرن كُتُبًا اختلطت فيها الأحاديث بالأحكام وآراء الصحابة والتابعين وآراء المؤلف كما هو واضح في " موطأ " الإمام مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الذي يمثل بحق مرحلة متوسطة بين دمج الحديث بالفقه وانفصالهما كل في كتب خاصة، وكما يتضح في كتاب " المجموع " المنسوب للإمام زيد (ت 121) والذي ألفه في مطلع القرن الثاني على أننا ينبغي أن نلاحظ أن الحديث لم ينس علاقته بالفقه، حتى ¬
عندما أصبح له دواوين مستقلة متمثلة في الجوامع والسنن، وهو ما جعل مؤلفي هذه الكتب يراعون في ترتيبها أن تكون على أبواب الفقه، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله. فَضْلُ الفِقْهِ وَالفُقَهَاءِ: قال الله - عَزَّ وَجَلَّ - {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (¬1) وقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (¬2) وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا: «فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» (¬3). وروى الخطيب بسنده عن أبي هريرة يرفعه: «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الفِقْهِ في الدِّينِ» (¬4)، وقال أبو هريرة: «لَأَنْ أَفْقَهُ سَاعَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحْيِيَ لَيْلَةً أُصَلِّيهَا حَتَّى أُصْبِحَ، وَالفَقِيهُ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ، وَلِكُلِّ دِعَامَةٌ، وَدِعَامَةُ الدِّينِ الفِقْهُ» (¬5). وروى الرامهرمزي عَنْ البُخَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِينِيِّ يَقُولُ: «التَّفَقُّهُ فِي مَعَانِي الحَدِيثِ نِصْفُ العِلْمِ، وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ نِصْفُ العِلْمِ» (¬6). ¬
هذه النصوص وكثير غيرها تنبئ عن أهمية الفقه , وبالتالي عن مكانة الفقيه لأن الإسلام يحرص على العلم وَيُجِلُّ العُلَمَاءَ، ويسند إليهم ما هو من وظيفة الأنبياء، فالله تعالى يقول: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} (¬1)، {وَأَنْذِرِ النَّاسَ} (¬2)، {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (¬3). هذا (الإنذار) الذي أمر به النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد كلف به العلماء وأمروا بالتفقه من أجله {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} (¬4)، ولهذا كان للفقيه في الإسلام مركز الريادة والتوجيه، والإنكار والتقويم والإرشاد إلى النهج الواضح في شؤون الدين والدنيا، منصاعًا لمبدأ الإسلام في المزج بينهما مزجًا تامًا تجعل فيه الدنيا مزرعة للآخرة، وتجعل فيه الآخرة حافزًا على الإنتاج والعمل الصالح في الدنيا. ولهذا كان علماء الدين في الإسلام عنوانًا لمستوى السلوك في المجتمع الإسلامي وكتابًا تُدوَّنُ فيه أدوار القوة والضعف التي يمر بها، وميزانًا يوزن به استمساكه بالقيم الدينية ومقومات حياته الروحية أو إهداره لهذه القيم: فحيث وجد علماء يرفعون لواء الحق ولا يبالون بما يلقون في سبيله فإننا نحكم بوجود روح دينية عامة. وحيث ينغمس علماء الدين في ترف الحياة، ويفقدون استقلالهم الفكري فيجعلون الحق طوعًا لمن يملك الرهبة أو الرغبة - فإننا نحكم بأن القيم الدينية تمر بأزمة حادة لأن خطورة عالم الدين أو الفقيه تتركز في أنه مَثَلٌ وَقُدْوَةٌ وأن له خبرة في الأحكام فقوله فيها مصدق، ورأيه فيها له وزنه، فإذا لم يكن لديه من فقهه ما يَزَعُهُ عن تنكب الطريق - كان له أثر بالغ في تشويه الدين وتضليل العامة، وهذا ما حدا بعض العلماء إلى التنبيه على خطورة اقتصار الفقيه على معرفة الأحكام، بَلْ صَرَّحَ الغزالي بأن المشاهد أن التجرد لمعرفة هذه الأحكام يقسي القلب ¬
وينزع الخشية منه (¬1). إنَّ النصوص التي أشادت بالعلماء والفقهاء إنما امتدحتهم إذا امتلأت قلوبهم بالتقوى ونفوسهم بالخشية وإذا نصبوا من أنفسهم أعوانًا على الحق، إن قوله تعالى في مدح العلماء: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} قد سبقه مباشرة قول الله - عَزَّ وَجَلَّ - {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} (¬2). ¬
الباب الأول: المدرسة الفقهية للمحدثين
البَابُ الأَوَّلُ: المَدْرَسَةُ الفِقْهِيَّةُ لِلْمُحَدِّثِينَ: • الفصل الأول: أهل الحديث وأهل الرأي. • الفصل الثاني: الخصومة بين المُحَدِّثِينَ وغيرهم. • الفصل الثالث: فقهاء المُحَدِّثِينَ ومذهب أهل الحديث. • الفصل الرابع: رُواة الحديث من الصحابة وتأثيرهم في أهل الحديث.
الفصل الأول: أهل الحديث وأهل الرأي
الفَصْلُ الأَوَّلُ: أَهْلُ الحَدِيثِ وَأَهْلُ الرَّأْيِ: (تَتَبُّعٌ وَتَحْدِيدٌ): الاتجاهات الفقهية لأهل الحديث لا يتصور أن نضع يدنا عليها إلا بعد أن نعرف أولاً من هم المُحَدِّثُونَ؟ ومن هم أهل الرأي؟ حتى يمكن التمييز بينهما. وقد يبدو للوهلة الأولى أن الإجابة عن هذا السؤال أمر سهل ميسّر ولكن الخلط الذي يلحظه مطالع كتب الفقه والتاريخ، وما يرى فيه من اختلاف الأنظار في الشخص الواحد فِي عَدِّهِ من أهل الحديث أو من أهل الرأي - هذا الخلط يحمل الإنسان على الحذر من الإجابة الفورية، ويحثه على الأناة والتتبع حتى تكون إجابته أقرب إلى الحق، وأميل للصواب. والحق أنه ما من كتاب في التاريخ الإسلامي بعامة، أو في تاريخ التشريع بخاصة، في القديم والحديث إلا تطالعك بعد صفحات قليلة أو كثيرة منه هذه العبارة (أَهْلِ الحَدِيثِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ)، يتناقلها المؤرخون، ويتداولها الدارسون. وإذا استثنينا قليلاً من المحققين الذين وقفوا عند هذه العبارة محاولين الرجوع بها إلى أصل إطلاقها، ومسمى أهلها، فإن الكثرة الغالبة من المؤرخين كانوا يذكرونها نقلاً عمن سبقهم، وتقليدًا لهم، دون عناية بمعرفة حقيقة هذا الإطلاق، ودون إدراك لعامل الزمن في تطويره لهذا المصطلح، بما يجعل إطلاقه غير متساوٍ تمامًا في عصرين مختلفين.
وبدهي ألا يُتاح لهذه العبارة أن تكون عَلَمًا على طائفتين في الفقه الإسلامي إلا بعد وجود هاتين الطائفتين في الواقع، وإلا بعد بروز الخصائص التي تميز إحداهما عن الأخرى. ولم يحدث في عصر الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - أن وضح هذا التكوين للطائفتين، ولم يتجسم اختلافهم فيما اختلفوا فيه من مسائل، ولم يتطور حتى يتمخض عن وجود مدارس فقهية متنافسة في عصرهم وإن وضعوا بذورها. وعلى الرغم من أن فتنة عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قد نشأ عنها انقسام المسلمين إلى شيعة وخوارج وجمهور، فإنه لم يكن بين هذه الفرق - ممن لم يخرج منهم بآرائه عن الإسلام - اختلافات في التشريع تستدعي إطلاق هذه العبارة على فريق منهم. وفي عصر التابعين - ونتيجة لنزول أعداد كبيرة من الصحابة في البلدان المختلفة - نمت البذور التي غرسها الصحابة، واشتد عودها، فنشأ في البلدان المختلفة من التلاميذ من أعلن تمسكه واعتزازه بمن أخذ عنهم من الصحابة، واثقًا بما رواه عنهم، عاملاً به، مخضعًا حكم مَا يَجِدُّ من أحداث لما يفهمه من القرآن وما يرويه عنهم مِنْ سُنَّةٍ، وما أفتوا به من رأي مما يتلاءم مع بيئتهم وَعُرْفِهِمْ. وعلى الرغم من أن هذه المدارس الفقهية قد تكونت في معظم الأمصار الإسلامية، فإن الأضواء في عصر التابعين تركزت على مدرستين هما: مدرسة الكوفة، ومدرسة المدينة، لعوامل توافرت فيهما، أبرزت زعامتهما للمدارس الفقهية. فالمدينة موطن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيها قبره، وهي مقام جمهور الصحابة وعاصمة الخلافة الإسلامية حتى عهد عثمان. والكوفة هي المنشأة الإسلامية الخالصة، التي خطها الصحابة وبنوها
وعمروها، وفيها وجوه الناس، كما قال عنها عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (¬1) إذ قام بها كثير من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، يقول إبراهيم النخعي: «هَبَطَ الكُوفَةَ ثَلاثُمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَسَبْعُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ» (¬2)، واتخذها علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عاصمة خلافته، واعترف بقيمتها العلمية علماء الأمصار، كعطاء الذي قال لشخص يسائله: «مِمَّنْ أَنْتَ؟»، فقال: «مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ». فقال عطاء: «مَا يَأْتِينَا العِلْمُ إِلا مِنْ عِنْدِكُمْ» (¬3). وإطلاق مدرسة المدينة ومدرسة الكوفة، أو بعبارة أرحب: مدرسة الحجاز ومدرسة العراق، على هاتين الطائفتين المتميزتين في عصر التابعين أصدق تاريخًا، وأدق تعبيرًا، وأولى بالمنهج العلمي من أن يطلق عليهما «أَهْلَ الحَدِيثِ وَأَهْلَ الرَّأْيِ»، لأن الاختلاف بينهما لم يكن اختلافًا في مصادر التشريع أو المنهج، بقدر ما كان اختلافًا في التلقين، وتنوعًا في الأساتذة، وتباينًا في البيئة والعُرف (¬4): ولذا لم تعرف هذه العبارة في عصر التابعين. ويمكن أن ندعم هذا بأمرين: الأمر الأول: أن علماء العراق لم يكونوا بمعزل عن علماء الحجاز في العصور الأولى، وبخاصة في عصر التابعين فقد كانا يصدران عن وِرْدٍ وَاحِدٍ في أغلب الأحيان، وإذا كانت الرحلة العلمية إلى الأقطار المختلفة قد بدأت ¬
منذ عصر الصحابة (¬1) فإن الرحلة إلى الحجاز لم تنقطع، لما له من مركز ديني ممتاز ولما لمكة والمدينة من قدسية في نفوس المسلمين، زكاها وباركها فرض الحج على من استطاعه منهم، مما يتيح الفرصة لعلماء الأقطار أن يتصلوا بعلماء الحجاز - وهذه اللقاءات كان لها أثرها في التقارب الفكري بين أهل العراق وأهل الحجاز. وإذا كان قوام مدرسة الحجاز وأساسها هو مرويات عمر، وابنه عبد الله وعائشة وزيد بن ثابت (¬2) فإن العراقيين من التابعين كانوا حريصين على الاستفادة من هؤلاء الصحابة، يقول ابن القيم عن تابعي الكوفة: «وَأَكْثَرُهُمْ أَخَذَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعَلِيٍّ» (¬3). وإذا استعرضنا أعلام مدرسة التابعين من أهل العراق وجدناهم قد ذهبوا إلى المدينة وأخذوا عن الصحابة المُقيمين بها إلى جانب من أقام منهم بالكوفة، وهم كثرة من كبار الصحابة كما سبق. وسوف نتبين بعد هذا العرض أن الفكرة، وهم كثرة من كبار الصحابة كما سبق. وسوف نتبين بعد هذا العرض أن الفكرة التي راجت عن أهل العراق من أنهم لم تكن لديهم حصيلة كافية من الحديث، فكرة تنقضها الدقة، وينقضها الواقع. وهاك بعض أعلام التابعين من العراقيين وبيان مَنْ رَوَوْا عنهم من الصحابة: 1 - علقمة بن قيس النخعي (ت سنة 62 هـ) روى عن عمر، وعثمان، وَعَلِيٍّ، وابن مسعود، وحذيفة، وغيرهم (¬4). 2 - مسروق بن الأجدع الهمداني (ت 61 هـ) روى عن عمر، وَعَلِيٍّ ¬
وعبد الله بن مسعود، وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وابن عمر، وعائشة (¬1). 3 - الأسود بن يزيد (ت 74 هـ) روى عن أبي بكر، وعمر، وَعَلِيٍّ، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري، وعائشة، وروى أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا بِالعِرَاقِ رَجُلٌ أَكْرَمُ [عَلَيَّ] مِنَ الأَسْوَدِ». كَمَا رُوِىَ أَنَّ «الأَسْوَدَ كَانَ يَلْزَمُ عُمَرَ. وَكَانَ عَلْقَمَةُ يَلْزَمُ عَبْدَ اللَّهِ. وَكَانَا يَلْتَقِيَانِ فَلَا يَخْتَلِفَانِ» (¬2). 4 - سعيد بن جُبير (ت 94 هـ) روى عن عبد الله بن عباس، وكان يأمره أَنْ يُحَدِّثَ مَع وُجُودِهِ، كما أخذ عن ابن عمر. يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «كُنَّا إِذَا اخْتَلَفْنَا بِالكُوفَةِ فِي شَيْءٍ كَتَبْتُهُ عِنْدِي حَتَّى أَلْقَى ابْنَ عُمَرَ فَأَسْأَلُهُ عَنْهُ». وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ فَرِيضَةٍ فَقَالَ: «ائْتِ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِالحِسَابِ مِنِّي، وَهُوَ يَفْرِضُ مِنْهَا مَا أَفْرَضَ» (¬3). 5 - عَامِرُ بنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ (ت 102 هـ في أحد الأقوال) - روى عن كثير من الصحابة، وقال: «أَقَمْتُ بِالمَدِينَةِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ أَوْ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ» (¬4). ¬
هذا الأمر الأمر الأول الذي قرَّرناه، والذي أردنا منه أن نسوي ¬
بين تابعي العراق وتابعي الحجاز في الأخذ بالسنة، وفي التلقي عن الصحابة الذين يعتبرهم المدنيون أساسًا لمدرستهم - قد فطن إليهم ابن حزم، وهاله اعتزاز أهل المدينة بأنفسهم وزعمهم أنهم أهل السنة حتى جعلوا من أصولهم عرض الحديث على عمل أهل المدينة وتعليله إذا كان عملهم على خلافه، فنقدهم ابن حزم في هذا نقدًا مُرًّا، وهاجمهم هجومًا عنيفا، وفي مناقشته لهم ذكر أن عمر بن الخطاب مَصَرَ البصرة والكوفة ومصر والشام وأسكنها المسلمين، وولى عليهم الصحابة، أفترى عمر وعثمان وعليًا وعمالهم المذكورين كتموا رعيتهم من أهل هذه الأمصار دين الله تعالى والحكم في الإسلام والعمل بشرائعه؟ ما يفعل هذا مسلم، بل الذي لا شك فيه أنهم كلهم علموا رعيتهم كل ما يلزمهم كأهل المدينة ولا فرق. ثم سكن عَلِيٌّ الكوفة، أَفَتَرَاهُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كتم أهلها شرائع الإسلام وواجبات الأحكام؟ والله ما يظن هذا مسلم ولا ذمي مميز بالسير. فإذ لا شك في هذا، فما بالمدينة سنة إلا وهي في سائر الأمصار كلها ولا فرق. «وَأَمَّا مُذْ مَضَى هَذَا الصَّدْرُ الكَرِيمُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - فَوَاللَّهِ مَا وَلِيَ المَدِينَةَ وَلَا حَكَمَ فِيهَا إِلَّا فُسَّاقُ النَّاسِ، كَعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَالحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ، وَطَارِقٍ وَخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ القَسْرِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الضَّحَّاكِ، وَعُثْمَانِ بْنِ حَيَّانَ المُرِّيِّ، وَكُلٌّ عَدُوٌّ [لِلَّهِ]، [حَاشَى] أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ فَإِنَّهُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَاضِلاً» (¬1). وفي إثبات أخذ تابعي الكوفة عن الصحابة بالمدينة يقول: «وَرَحَلَ عَلْقَمَةُ وَالأَسْوَدُ إِلَى عَائِشَةَ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - وَرَحَلَ عَلْقَمَةُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ بِالشَّامِ» (¬2). ¬
وفي مناقشة حُجِيَّة إِجْمَاعِ أَهْلِ المَدِينَةِ يُبيِّنُ أنهم أترك الناس لأقوال أهل المدينة كعمر وابنه وعائشة ثم سعيد بن المسيب والقاسم وغيرهم وأنهم في الحقيقة مُقَلِّدُونَ لِمَالِكٍ فَقَطْ ويأخذون برأي ابن القاسم المصري وسحنون الإفريقي، لأن القاسم أخذ عن مالك، ولأن سحنون أخذ عن ابن القاسم عن مالك «وَلَا يَرَوْنَ لِأَخْذِ مَسْرُوقٍ وَالأَسْوَدَ وَعَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - وَجْهًا وَلَا مَعْنَى» (¬1). وفي بيانه للتأثير والتأثر المتبادلين بين المدينة وغيرها يقول: «وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ بَقِيَ بِالمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، كَانُوا يُجَاهِدُونَ وَيَحُجُّونَ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ المَدِينَةِ مِنْهُمْ كَانُوا يَفِدُونَ عَلَى عُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَقَدْ وَجَبَ التَّدَاخُلُ بَيْنَهُمْ وَهَكَذَا صَحَّتْ الآثَارُ بِنَقْلِ التَّابِعِينَ مِنْ سَائِرِ الأَمْصَارِ عَنْ أَهْلِ المَدِينَةِ وَبِنَقْلِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ، فَقَدْ صَحِبَ عَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَاخْتَصُّوا بِهِمْ، وَأَكْثَرُوا الأَخْذَ عَنْهُمْ» (¬2). بل لم يقتصر ابن حزم على إثبات التساوي بين تابعي المدينة وتابعي العراق بل إنه يفضل تابعي العراق وغيرهم على تابعي المدينة، ففي معرض كلامه عن الأذان والإقامة واختلاف الطرق ما بين التثنية والإفراد فيها، يَرُدُّ ابن حزم على المالكيين في زعمهم أن مذاهب أهل الكوفة ومكة قد غُيِّرَ فِيهَا بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ. قال: «فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ لَكِنْ غَيّرَ مَنْ بَعْدُهُمْ، قُلْنَا: إِنْ جَازَ ذَلِكَ عَلَى التَّابِعِينَ بِمَكَّةَ وَالكُوفَةَ فَهُوَ عَلَى التَّابِعِينَ بِالمَدِينَةِ أَجْوَزُ، فَمَنْ كَانَ بِالمَدِينَةِ فِي التَّابِعِينَ كَعَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَسُوَيْدَ بْنَ غَفْلَةٍ، وَالرُّحَيْلَ، وَمَسْرُوقٍ، وَنُبَاتَةَ، وَسَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَغَيْرِهِمْ ¬
فَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَفْتَى فِي حَيَاةِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَمَا يَرْتَفِعُ أَحَدٌ مِنْ تَابِعِي أَهْلِ المَدِينَةِ عَلَى طَاوُوسٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُظَنَّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ تَبْدِيلُ عَمُودِ الدِّينِ؟ فَإِنْ هَبَطُوا إلَى تَابِعِي التَّابِعِينَ، فَمَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، إلَّا جَازَ مِثْلُهُ عَلَى مَالِكٍ، فَمَا لَهُ عَلَى هَذَيْنِ فَضْلٌ، لَا فِي عِلْمٍ وَلَا فِي وَرَعٍ» (¬1). أما الأمر الثاني الذي يدعم فكرة عدم إطلاق عبارة (أَهْلِ الحَدِيثِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ) على مدرستي التابعين في الحجاز والكوفة، فهو أن كلتا المدرستين قد استعملتا الحديث واستعانتا بالرأي على حد سواء. فسعيد بن المسيب وهو الزعيم الفقهي لمدرسة التابعين في الحجاز كان يحفظ آثار عمر وأحكامه المثربة، وكان يحفظ فتاوى زيد بن ثابت، وكلاهما كان لا يتحرج من الرأي. وكان سعيد بن المسيب يوصف بالجرأة على الفتوى «وَلَا يَجْرُؤُ عَلَى الإِفْتَاءِ بِكَثْرَةِ مَنْ لَا يَجْرُؤُ عَلَى الرَّأْيِ، وَلَا يُوصَفُ بِالجَرِيءِ فِي الفَتْوَى مَنْ يَقِفُ عِنْدَ الأَثَرِ لَا يَعْدُوهُ. بَلْ يُوصَفُ الجَرِيءُ مَنْ يَسِيرُ فِي دَائِرَةِ المَأْثُورِ، وَيُكْثِرُ مِنَ التَّخْرِيجِ عَلَيْهِ وَيَسِيرُ عَلَى مِنْهَاجِهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ نَصٌّ أَوْ أَثَرٌ يُفْتِي بِهِ» (¬2). ويصفه عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ بالفقه في الرأي فيقول: «سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الآثَارِ وَأَفْقَهُهُمْ فِي رَأْيِهِ» (¬3). ومما يدل على إكثاره من الرأي قَوْلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: «أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَهَابُونَ الكُتُبَ وَلَوْ كُنَّا نَكْتُبُ يَوْمَئِذٍ لَكَتَبْنَا مِنْ عِلْمِ سَعِيدٍ وَرَأْيِهِ شَيْئًا كَثِيرًا» (¬4). ¬
ومن تلاميذ سعيد بن المسيب، ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ، الذي كان يستعمل الرأي كثيرًا حتى أضيف إليه، فقيل له: (ربيعة الرأي). وَلَمْ يَكُنْ ابْنُ شِهَابٍ يَتَحَرَّجُ مِنَ الرَّأْيِ، وَيَقُولُ لَهُ رَبِيعَةُ: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِذَا حَدَّثْتَ النَّاسَ بِرَأْيِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ رَأْيُكَ، وَإِذَا حَدَّثْتَ النَّاسَ بِشَيْءٍ مِنَ السُّنَّةِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ [سُنَّةٌ لَا يَظُنُّوا] أَنَّهُ رَأْيُكَ» (¬1). ومع هذه المقاربة في المادة والمنهج بين الحجازيين والعراقيين، نلاحظ أن الحجازيين لا ينظرون بعين الرضا إلى العراقيين ويتهمونهم بالرأي. فسعيد بن المسيب - هذا الجريء على الفتوى والرأي - يضيق صدره بسؤال تلميذه ربيعة عندما يناقشه في أرش الأصابع، ويتهمه بأنه عراقي فيقول له: «أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟» فيسارع ربيعة بدفع التهمة عنه ويجيبه سعيد بقوله: «[إِنَّهَا] السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي»، مع أن مأخذهما إنما هو من قول زيد بن ثابت، كَمَا حَقَّقَ الطَّحَاوِيُّ ذَلِكَ (¬2). ¬
أنَّ اتهام سعيد لربيعة بـ «العراقية» مع اهتمام ربيعة بدفع هذه التهمة عنه - يدعونا إلى استنباط أن التهمة التِي يُرْمَى بِهَا العِرَاقُ لم تكن الرأي الفقهي واستعماله، لأن سعيدًا وربيعة يستعملان الرأي ويكثران منه - فليس معقولاً أَنْ يُنْكِرَا على غيرهما ما يستعملانه، أَوْ يُحَرِّمَا على علماء العراق ما يستحلانه، وإنما كان إنكارهما على أهل العراق - في غالب الظن - تقديم الرأي على النص في بعض المسائل فضلاً عما فيه من الآراء المتطرفة في العقيدة، التي اعتنقتها الفرق السياسية والدينية المختلفة، والتي وجدت في العراق بيئة صالحة لنموها لما تعاقب عليه من حضارات وديانات متنوعة، وثقافات مختلفة وأجناس متباينة، حتى أصبح مأوى الخارجين على السلطة المركزية، وملتقى الأفكار الشاذة، منه نشأت معظم الفتن التي أجهدت المسلمين، وفيه نبتت جل الأفكار الغريبة عن فطرة الإسلام، حتى أصبح العراق عَلَمًا على المخالفات المتطرفة والبدع المضللة، وكل هذا يلقي ظلاله على الآراء الفقهية، يوضح هذا ما قاله ربيعة عندما عاد من العراق كارهًا له، مُؤْثِرًا العودة إلى المدينة، فقد سأله أهلها: كَيْفَ رَأَيْتَ العِرَاقَ وَأَهْلَهُ؟ فَقَالَ: «رَأَيْتُ قَوْمًا حَلَالُنَا حَرَامُهُمْ، وَحَرَامُهُمْ حَلَالُنَا، وَتَرَكْتُ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ أْلْفًا يَكِيدُونَ هَذَا الدِّينَ» (¬1) (*). ويزكي هذا الاستنباط أن أعلام مدرسة العراق أنفسهم كانوا ينكرون ما ظهر فيهم من الآراء المتطرفة: فإبراهيم النخعي - وهو لمدرسة العراق كسعيد بن المسيب لمدرسة المدينة - يقول: «وَاللهِ مَا رَأَيْتُ فِيمَا أَحْدَثُوا مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَيْرٍ» ويعلق الراوي على هذه العبارة بقوله: «يَعْنِي أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَالرَّأْيِ وَالقِيَاسِ» (¬2) وإقحام الرأي الفقهي والقياس فيما يعنيه ¬
إبراهيم خطأ ظاهر، بدليل إكثار إبراهيم من الرأي والقياس، كما سيأتي، وبدليل رواية أخرى عن الراوي نفسه، ونصها: «عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الأَعْوَرِ، قَالَ: لَمَّا كَثُرَتِ المَقَالاَتُ بِالْكُوفَةِ أَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عِمْرَانَ، أَمَا تَرَى مَا ظَهَرَ بِالكُوفَةِ مِنَ المَقَالاَتِ؟ فَقَالَ: " أُوَّهْ، دَقَّقُوا قَوْلاً، وَاخْتَرَعُوا دِينًا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، لَيْسَ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَلاَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: هَذَا هُوَ الحَقُّ، وَمَا خَالَفَهُ بَاطِلٌ، لَقَدْ تَرَكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِيَّاكَ وَإِيَّاهُمْ "» (¬1) كما روى أن إبراهيم قال أيضًا: «إِيَّاكُمْ وَهَذَا الرَّأْيَ المُحْدَثَ، يَعْنِي المُرْجِئَةَ» (¬2). وبعد ما تقدم نستطيع أن نجمل مظاهر الاتفاق والاختلاف بين المدرستين في عصر التابعين فيما يأتي: 1 - أن كلتا المدرستين تعتمدان على القرآن والحديث في تعرف الحكم. 2 - أن كلا منهما كانت عندها حصيلة متقاربة من الحديث، سواء في الشيوخ أو في العدد، وساعد على هذا التقارب الرحلات العلمية واللقاءات المستمرة. 3 - أن الإرسال كان شائع الاستعمال مقبولاً عند كل من المدرستين بلا إنكار إذ لم يكن الاهتمام بالرواية والإسناد قد أخذ صورة جادة فقد كان الاهتمام الفقهي أبرز من صناعة الرواية. 4 - أنهما كانا يستعملان الرأي بدرجة متقاربة، وصورة متشابهة فكل من المدرستين تجمع ما استطاعت من أقوال الصحابة وفتاواهم وقضاياهم، وتنظر فيها نظر اعتبار وتحقيق وتطبيق. يقول الحجوي: ¬
«عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ الذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مَا مِنْ إِمَامٍ مِنْهُمْ إِلَّا وَقَدْ قَالَ بِالرَّأْيِ، وَمَا مِنْ إِمَامٍ مِنْهُمْ إِلَّا وَقَدْ تَبِعَ الأَثَرَ، إِلَّا أَنَّ الخِلَافَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ فِي المَبْدَأِ، لَكِنْ فِي التَّحْقِيقِ إِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الجُزْئِيَّاتِ» (¬1). 5 - وهذا الرأي الذي تستعمل كلتا المدرستين لم يكن محددًا بصورة معينة فهو أحيانًا سنة، وأحيانًا مصلحة مرسلة. أو قياس، أو عرف، أو غير ذلك يوحى إليهم به، ويهديهم إلى فطرة سليمة، وعلم باللغة، وإيمان عميق، ومعرفة بالروح الإسلامي في التشريع، فابن القيم يفسر الرأي الذي أثر عن الصحابة والتابعين بأنه ما يراه القلب بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب. مما تتعارض فيه الأمارات (¬2). ومن قبله يصف ابن عبد البر معظم التابعين في مختلف الأمصار بالرأي، فيقول: «وَ [مِمَّنْ] حُفِظَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَأَفْتَى مُجْتَهِدًا رَأْيَهُ وَقَايِسًا عَلَى الْأُصُولِ فِيمَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصًّا مِنَ التَّابِعِينَ: فَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ...» (¬3). 6 - أنَّ كُلاًّ من المدرستين في جمعها فروع الفقه مما أفتى به الصحابة وما خرجته على المحفوظ، قد اتجهت إلى الواقع، ولم يكن لها اتجاه إلى فرض المسائل أو تقديرها قبل وقوعها لاستنباط حكم لها. 7 - أن البيئة التي نشأت فيها المدرستان كانت مختلفة، فصبغت فقه كل منهما بصيغتها، وأثرت في بعض صور الاستنباط عندهما. فالمدينة قد احتفظت دون شك بالكثير من التقاليد الإسلامية التي كانت شائعة في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفائه الراشدين، وأن هذه التقاليد لم ¬
تأثر كثيرًا بأعراف أجنبية، فقلت الأحداث الجديدة أو التغيرات الطارئة التي تتطلب أحكامًا جديدة وسهل ذلك على فقهائها أن يفتوا بما يقارب الروح الإسلامية، وتوفرت عندهم المصادر التي تمدهم بالإجابة عما يستفتون فيه. أما العراق، فمع وفرة ما عند فقهائه من حديث، فكان في بيئته الكثير من العادات والصور التي تتطلب حكم الإسلام فيها، وفيها من الضروريات والمصالح ما يلجئهم إلى مراعاتها في الاستنباط، وفيها من حرية الفكر وتنوع الثقافات وتصارع الآراء ما يرهف ملكتهم، وَيُنَمِّي قدرتهم على المناقشة والحجاج والتخريج (¬1). 8 - اعتزت كلتا المدرستين بمن أخذتا عنه من الصحابة، وكان عندها من الإقناع بكفاءة الشيوخ وفضلهم ما حمل كُلاًّ منهما على تفضيل شيوخها في مجال المفاخرة أو عند الموازنة وبالتالي ادعاء كل من المدرستين أنها أمكن في الفقه وأثبت فِي السُنَّةِ من الأخرى. وأرهف هذا الاعتزاز ونَمَّاهُ المنافسة الإقليمية بين البلدين: فقد روى ابن حزم «عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ ¬
كَانَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَخَوَاتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَجَعَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَخَرَجَ إلَى المَدِينَةِ، فَجَاءَ وَهُوَ يَرَى أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ: مَا رَدُّكَ عَنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ، أَلَقِيتَ أَحَدًا هُوَ أَثْبَتُ فِي نَفْسِك مِنْهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَقِيت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدْته فِي الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ» (¬1). وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فْقَهَ مِنْ صَاحِبِنَا عَبْدِ اللَّهِ، - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ -» وَقَالَ أَيْضًا: «مَا دَخَلَهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفَعُ عِلْمًا وَلا أَفْقَهُ صَاحِبًا مِنْهُ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ -» (¬2). وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: «كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ سَرْجَ هَذِهِ القَرْيَةِ» (¬3)، وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: «مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفْقَهَ مِنَ الشَّعْبِيِّ، [إِلاَّ] (*) سَعِيْدَ بنَ المُسَيِّبِ، وَلَا طَاوُوسَ، وَلَا عَطَاءً، وَلَا الحَسَنَ، وَلَا ابْنَ سِيرِينَ» (¬4). وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي تَابِعِي المَدِينَةِ: «كُنْتُ أَطْلُبُ العِلْمَ مِنْ ثَلَاثَةٍ: سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وَكَانَ أَفْقَهَ النَّاسِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ بَحْرًا لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ، وَكُنْتَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَجِدَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ طَرِيقَةً مِنْ عِلْمٍ لَا تَجِدُهَا عِنْدَ ¬
غَيْرِهِ إلَّا وَجَدْت» (¬1). 9 - وجد في كل من المدرستين من هاب الفُتيا وانقبض عنها إذا لم يكن في حكمها أثر محفوظ، كما وجد في كلتيهما من جرؤ على الفتيا، واستخدم عقله في التخريج والقياس، وانتصب للناس وقصدوه، لذلك يقول الدهلوي: «اعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ مِنَ العُلَمَاءِ فِي عَصْرِ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ، وَفِي عَصْرِ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ، وَبَعْدَ ذَلِكَ قَوْمٌ يَكْرَهُونَ الخَوْضَ بِالرَّأْيِ، وَيَهَابُونَ الفُتْيَا وَالاسْتِنْبَاطَ إِلَّا لِضَرُورَةِ لَا يَجِدُونَ مِنْهَا بُدًّا» (¬2). ففي العراق كان الشعبي يمثل الفريق الأول، وكان إبراهيم ومجاهد يمثلان الفريق الثاني، يقول ابن قُتيبة: «وَكَانَ أَشَدُّ أَهْلِ العِرَاقِ، فِي الرَّأْيِ وَالقِيَاسِ، الشَّعْبِيَّ، وَأَسْهَلُهُمْ فِيهِ، مُجَاهِد، حَدَّثَنِي أَبُو الخَطَّابِ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنْ سَعِيدٍ قَالَ: أَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ العِبَادَةِ الرَّأْيُ الحَسَنُ» (¬3). وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: «كَانَ الشَّعْبِيُّ إِذَا جَاءَ شَيْءٌ اتَّقَاهُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ مُنْبَسِطًا، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مُنْقَبِضًا، فَإِذَا وَقَعَتْ الفَتْوَى انْقَبَضَ الشَّعْبِيُّ وَانْبَسَطَ إِبْرَاهِيمُ» (¬4). وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: «كَانَ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو الضُّحَى وَإِبْرَاهِيمُ وَأَصْحَابُنَا يَجْتَمِعُونَ فِي المَسْجِدِ فَيَتَذَاكَرُونَ الحَدِيثَ، فَإِذَا جَاءَتْهُمْ فُتْيَا لَيْسَ ¬
عِنْدَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ رَمَوْا بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ» (¬1). ومما يبين موقف إبراهيم النخعي من القياس، وبراعته فيه، وعدم تحرجه من الإكثار منه - بله استعماله - قوله: «إِنِّي لَأَسْمَعُ الحَدِيثَ وَأَقِيسُ عَلَيْهِ مِائَةَ شَيْءٍ» وقال أيضًا: «مَا كُلُّ شَيْءٍ نُسْأَلُ عَنْهُ نَحْفَظُهُ، وَلَكِنَّا نَعْرِفُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ وَنَقِيسُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ»، بل في رواية أخرى أنه سئل: «أَكُلُّ مَا تُفْتِي بِهِ النَّاسُ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: «لَا وَلَكِنْ [بَعْضَهُ سَمِعْتُ] وَقِسْتُ مَا لَمْ أَسْمَعْ عَلَى مَا سَمِعْتُ» (¬2)، وَقَالَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: «مَا رَأَيْتُ أَحْضَرَ قِيَاسًا مِنْ إِبْرَاهِيمَ» (¬3). ويوازن ابن أبي ليلى بين الشعبي وإبراهيم فيقول: «كَانَ الشَّعْبِيُّ صَاحِبَ آثَارٍ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ صَاحِبَ قِيَاسٍ» (¬4). ويروى عن الشعبي كثير من العبارات التي تُقلِّلُ من شأن الرأي وتُنَفِّرُ مِنْهُ، وقد سئل عن شيء فلم يجب عنه لأنه لم يكن يحفظ فيه أثرًا، فقيل له: قل برأيك، قال: «وَمَا تَصْنَعُ بِرَأْيِي؟ بُلْ عَلَى رَأْيِي» (¬5)، ومثل قوله في التحذير من القياس والبرهنة على قصوره: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ قُتِلَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، [وَقُتِلَ طفلٌ]، أَكَانَتْ دِيَتُهُمَا سَوَاءً، أَمْ يُفَضَّلُ الأَحْنَفُ لِعَقْلِهِ وَحِلْمِهِ؟ قُلْتُ: بَلْ سَوَاءً، قَالَ: فَلَيْسَ القِيَاسُ بِشَيْءٍ» (¬6). وفي الحجاز أيضًا وجد المكثرون من الفتوى، المجتهدون في الأحكام بآرائهم، كما وجد المُقِلُّونَ وَالمُحْتَرِزُونَ مِنْهَا. ¬
وقد قدمنا ما قيل في سعيد بن المسيب، وما وصف به من كثرة الرأي والجُرأة على الفتوى، وقد كان من معاصريه من لا يقل عنه علمًا وفقهًا، ولكنه كان يخاف ويحترز. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ: «فَأَمَّا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ [فَبِئْرٌ] لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ، وَأَمَّا [ابْنُ المُسَيَّبِ] فَانْتَصَبَ لِلنَّاسِ، فَذَهَبَ اسْمُهُ كُلَّ مَذْهَبٍ» (¬1). وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: «" مَا سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي شَيْءٍ [قَطُّ] بِرَأْيِهِ ". قَالَ: وَرُبَّمَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ فَيَقُولُ: " هَذَا مِنْ خَالِصِ السُّلْطَانِ "» (¬2). ويشير ابن حزم إلى بعض المُقِلِّينَ من أهل المدينة فيقول: «وَمَا أَدْرَكَ مَالِكٌ بِالمَدِينَةِ أَعْلَى مِنْ نَافِعٍ، وَهُوَ قَلِيلُ الفُتْيَا جِدًّا، وَرَبِيعَةَ، وَكَانَ كَثِيرُ الرَّأْيِ قَلِيلَ العِلْمِ بِالحَدِيثِ، وَأَبِي الزِّنَادِ وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، وَكَانَا قَلِيلَيْ الفُتْيَا» (¬3). وكما كان أصحاب إبراهيم النخعي يرمون بأبصارهم إليه عند وجود فُتيا ليس عندهم فيها شيء، كذلك كان معاصرو ابن المسيب من علماء المدينة يفعلون، فيدفعون المستفتي إلى ابن المسيب. رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ المَرَادِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: «كُنْت أَرَى الرَّجُلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَإِنَّهُ لَيَدْخُلُ يَسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ، فَيَدْفَعُهُ النَّاسُ عَنْ مَجْلِسٍ إلَى مَجْلِسٍ، حَتَّى يُدْفَعَ إلَى مَجْلِسِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَرَاهِيَةً لِلْفُتْيَا، قَالَ: وَكَانُوا يَدْعُونَهُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ الجَرِيءَ» (¬4). 10 - وجد في كل من المدرستين صراع وخصومة بَيْنَ المُكْثِرِينَ مِنَ الفَتْوَى ¬
وَالمُقِلِّينَ، وهو صراع طبيعي ملازم لوجود الإنسان، ما دام لم يخلق على نمط واحد من التفكير والتقدير، ولذا كان لنا أن نستنتج أن الصراع بينهما كان موجودًا في غير العراق والحجاز من أمصار المسلمين، بدليل أننا رأينا مصر صورة من صور النزاع بين النصيين والعقليين - وإن كانت في طبقة متأخرة عن التابعين - فيما يرويه ابن عبد البر، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى قَالَ: «قَالَ يَحْيَى: كُنْتُ آتِي ابْنَ القَاسِمِ فَيَقُولُ لِي: " مِنْ أَيْنَ؟ " فَأَقُولُ: " مِنْ عِنْدِ ابْنِ وَهْبٍ "، فَيَقُولُ: " اللهَ اللهَ اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ لَيْسَ عَلَيْهَا العَمَلُ ". قَالَ: " ثُمَّ آتِي ابْنَ وَهْبٍ فَيَقُولُ: " مِنْ أَيْنَ؟ " فَأَقُولُ: " مِنْ عِنْدِ ابْنِ القَاسِمِ "، فَيَقُولُ: " اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ المَسَائِلِ رَأْيٌ "» (¬1). وَقَدْ تَبَيَّنَ لِي أَنَّ اختلاف النظرة إلى الرأي بين الفريقين لم يكن هو السبب الوحيد فيما شجر بينهما من خصومة، بل كانت هناك عوامل أخرى أضرمت الصراع وزادت مِنْ حِدَّتِهِ، ومن أبرز هذه العوامل: المعاصرة، وزحف الموالي إلى الصدارة العلمية. ومعلوم أن التنافس بين المعاصرين قد يدفع إلى الإسراف في النقد، والجور في الحكم، وقد جمع ابن عبد البر أخبارًا في ذلك (¬2)، وَبَيَّنَ أنه «لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ بَعْضِ العُلَمَاءِ فِي بَعْضٍ». وكانت العلاقة بين الشعبي وإبراهيم خاضعة لهذا العامل متأثرة به، قَالَ الْأَعْمَشُ: «كُنْتُ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ فَذَكَرُوا إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا لَيْلًا وَيُحَدِّثُ النَّاسَ نَهَارًا، [قَالَ]: فَأَتَيْتُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: [ذَاكَ يُحَدِّثُ] عَنْ مَسْرُوقٍ، وَاللَّهِ مَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ» (¬3). ¬
هذه العلاقة المتوترة بين العالمين الجليلين لم يكن سببها اختلاف المنهج العلمي فقط، بل انضم إلى ذلك التنافس، الذِي سَبَّبَ الجفوة والتهاتر بين هذين المتعاصرين، دون أن يؤثر في الحقيقة على مكانة أحدهما، لا عند الناس ولا عند صاحبه: فالشعبي كان حسن الظن بإبراهيم، مُثنِيًا عَلَيْهِ، معترفًا بفضله، على الرغم مما كان بينهما، يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُ إِبْرَاهِيمَ - وَكَانَ قَدْ دُفِنَ لَيْلاً مَخَافَةَ الحَجَّاجِ: «لَوْ قُلْتُ أَنْعِي العِلْمَ مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: إِنَّهُ نَشَأَ فِي أَهْلِ بَيْتِ فِقْهٍ، فَأَخَذَ فِقْهَهُمْ ثُمَّ جَالَسَنَا، فَأَخَذَ صَفْوَ حَدِيثِنَا إِلَى فِقْهِ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَمَنْ كَانَ مِثْلَهُ؟، وَالعَجَبُ مِنْهُ حِينَ يُفَضِّلُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَلَى نَفْسِهِ» (¬1) وَقَالَ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «دَفَنْتُمْ أَفْقَهَ النَّاسِ» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ: «وَمِنَ الحَسَنِ؟» فَقَالَ: «أَفْقَهُ مِنَ الحَسَنِ، وَمِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ» (¬2). وإذا كانت المعاصرة واختلاف النظر في تناول الفتوى سببًا فيما كان بين الشعبي وإبراهيم فقد أضيف إلى هذين العاملين عامل ثالث ظاهر على إساءة العلاقة بين الشعبي وحماد (¬3) الذِي خَلَفَ إبراهيم في حلقته، وهو كون حماد من الموالي. يشير إلى ذلك ما قاله الشعبي مُعْرِضًا بحماد، عندما ¬
سأله أبو حنيفة عن مسألة فأجابه الشعبي: «مَا يَقُولُ فِيهَا بَنُو اسْتِهَا» - يَعْنِي المَوَالِي - (¬1). وكثيرًا ما كان الشعبي وحماد يتناظران، وكثيرًا ما كانت الغلبة في هذه المناظرات لحماد، فيزداد الصراع وتحتدم الخصومة: رَوَى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ، وَحَمَّادًا تَمَارَيَا فِي شَيْءٍ إِلَّا غَلَبَهُ حَمَّادٌ إِلَّا هَذَا، سُئِلَ عَنْ القَوْمِ يَشْتَرِكُونَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ وَهُمْ حُرُمٌ فَقَالَ حَمَّادٌ: " عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ "، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: " عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ ". ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: " أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلُوا رَجُلًا أَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ؟ " فَظَهَرَ عَلَيْهِ الشَّعْبِيُّ» (¬2). إِنِّي أُرَجِّحُ أَنَّ أكثر ما رُوي عن الشعبي في ذم الرأي والقياس كان بعد وفاة إبراهيم، وتصدر حماد للفتوى، وتفوقه عليه بما أتقنه وَتَمَرَّسَ بِهِ من الأسلوب العقلي، وكثرة المساءلة التي ضاق بها الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ: «لَوْ أَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَزَلَتْ عَامَّةُ القُرْآنِ " يَسْأَلُونَكَ يَسْأَلُونَكَ "» (¬3). إن ما تقدم يفسر لنا سبب ضيق الشعبي بحماد وأصحابه حتى أنه لما دخل المسجد فوجد حَمَّادًا وَالحَكَمَ (¬4) وَأَصْحَابَهُمَا، ولهم أصوات وضوضاء بسبب احتدام المناقشة بينهم - كره أن يقعد بالمسجد ورجع إلى داره وقال: «وَاللهِ لَقَدْ بَغَّضَ إِلَيَّ هَؤُلاَءِ هَذَا المَسْجِدَ حَتَّى تَرَكُوهُ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي» (¬5). ¬
ولم تكن هذه الخصومة المسببة عن زحف الموالي إلى مكان الصدارة العلمية - أو الناتجة عن التنافس بين المتعاصرين - مقصورة على العراق بل وجدت نماذج لها في الحجاز أيضًا، يُرْوَى أَنَّهُ قِيلَ لابْنِ شِهَابٍ: «" تَرَكْتَ الْمَدِينَةَ وَلَزَمْتَ شَغْبًا وَإِدَامًا - موضعان قرب المدينة - وَتَرَكْتَ العُلَمَاءَ بِالمَدِينَةِ يَتَامَى "، فَقَالَ: " أَفْسَدَهَا عَلَيْنَا العَبْدَانِ، رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ "» (¬1). وكان هذا التنافس نفسه بين العرب والموالي سببًا فيما كان من خصومة بين سعيد بن المسيب وعكرمة (¬2). ولعلنا أطلنا هنا بعض الشيء، لنوضح طبيعة مدرسة العراق في القرن الأول، ونزيل ما علق بالأذهان من قلة الحديث أو إهماله في هذه المدرسة، وبذلك يتضح أن الخصومة بين أهل الحجاز وأهل العراق لم تكن بسبب استعمال أهل المدينة للحديث وإهمال أهل العراق له، ولم تكن بسبب استعمال الرأي في العراق وتجنب أهل الحجاز له ولكن التنافس الإقليمي هو منشؤها. كما يتضح أيضًا أن ذم النصيين للمُقلين أو لأسلوبهم، في المدرستين أو في غيرهما، لم يكن بسبب إهمال الحديث أو استعمال القياس: - فالشعبي - مع ما روي عنه في ذم القياس، حتى كانت أقواله مستند الذامين له وللرأي بعد ذلك - لم يكن من المتجنبين للقياس، بل كان كثيرًا ما يستعمله، كما يقول هو نفسه: «أَنَا نَأْخُذُ فِي زَكَاةِ البَقَرِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينِ بِالمَقَايِيسِ» (¬3)، وقال ابن أبي حاتم: «سُئِلَ أَبِي عَنْ الفَرَائِضِ التِي رَوَاهَا الشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، فَقَالَ: هَذَا عِنْدِي مَا قَاسَهُ الشَّعْبِيُّ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، وَمَا أَرَى ¬
عَلِيًّا كَانَ يَتَفَرَّغُ لِهَذَا» (¬1). وقد لاحظ ابن عبد البر التناقض الظاهر بين ما أثر عن الشعبي في ذم القياس وما روي عنه من استعماله والإفتاء بمقتضاه، وذهب في دفع هذا التناقض، إلى أن الشعبي إنما كان يذم القياس المبني على غير الأصل (¬2)، ولعل فيما قدمناه ما يوضح الجانب النفسي الذي صدر عنه ما أثر عن الشعبي في ذم القياس والرأي. وإبراهيم النخعي - على الرغم من تناوله للرأي وكثرة استخدامه للقياس لم يكن يجهل السُنَّةَ أو يهمل استخدام الحديث، بل إنه أخذ صفو الحديث، كما سبق عن الشعبي، وكان بصيرًا بنقده، عالمًا بوجوه علله، يَقُولُ الْأَعْمَشُ: «كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَيْرَفِيَّ الحَدِيثِ، فَكُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ الحَدِيثَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ» (¬3) وقال أيضًا: «مَا ذَكَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا زَادَنِي فِيهِ» (¬4). ولكنه مع هذا العلم بالحديث والدراية بنقده لم يكن يرغب في الاشتغال بالرواية، تَوَرُّعًا وَخَوْفًا مِنَ الزَّلَلِ، قِيلَ لَهُ: «" [يَا أَبَا عِمْرَانَ] أَمَا بَلَغَكَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلّى الله عليه وسلم -[تُحَدِّثُنَا]؟ "، قَالَ: " بَلَى وَلَكِنْ أَقُولُ: قَالَ عُمَرُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ، وَقَالَ عَلْقَمَةُ، وَقَالَ الْأَسْوَدُ، أَجِدُ ذَاكَ أَهْوَنَ عَلَيَّ» (¬5). وسَأَلَهُ أَحَدُهُمْ فَقَالَ: «" أَلَا تُحدِّثُنَا؟ " فرَدَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " [تُرِيدُ] أَنْ أَكُونَ مِثْلَ فُلانٍ؟ ائْتِ مَسْجِدَ الحَيِّ، فَإِنْ جَاءَ إِنْسَانٌ يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ فَسَتَسْمَعُهُ» (¬6). ¬
في القرن الثاني
والذي نخلص إليه في عرضنا للقرن الأول الهجري أن فقهاء الحجاز وفقهاء العراق لم تكن الفجوة بينهما واسعة أو عميقة، وأنهما لذلك لم ينقسما - ولا كل منهما - إلى أهل حديث وأهل رأي، لكن الخلافات السياسية التي اجتاحت العالم الإسلامي آنذاك هي التي تظاهرت مع الفرق الدينية والمذاهب المتطرفة، على وصم العراق بالبدعة، ووصفه باتباع الرأي والهوى في مجال العقيدة، وألقى ذلك ظلالاً قائمة على فقه العراق، فسرت كراهية الرأي في العقيدة إلى الرأي في الفقه، ووقف منه كثير من العلماء موقف الحذر والاتهام. فِي القَرْنِ الثَّانِي: فإذا تركنا القرن الأول - هذا القرن الحيوي البناء، الذي شيدت فيه دولة الإسلام، وفقه الإسلام، وتكونت فيه المدارس الفقهية في كثير من الأمصار - إذا جاوزنا هذا القرن وعبرنا التاريخ إلى القرن الثاني، فسوف نشهد نهضة فقهية عظيمة، وحركة علمية نشيطة، أكل فيها البناء، وتميزت المدارس الفقهية، واتسعت قاعدتها من طلاب العلم، وأقبل الناس على الفقه يعرضون عليه عاداتهم ومعاملاتهم، ويستنبئونه عن الحكم في كل جديد يعرض لهم. فماذا كان من أمر المدرستين في هذا القرن؟ وهل تميز فيه أهل الحديث من أهل الرأي؟ قد يمكن تلخيص معالم المدرستين في القرن الثاني فيما يلي: أ - زادت حِدَّةُ التنافس الإقليمي، وأصبح الشعور بالانتماء للمشيخة والتعصب لها أكثر عُمْقًا وأشد اعتزازًا. وإذا كانت الطبقة القريبة الصلة بالصحابة من أعيان التابعين متسعة الإدراك في تفهم خلافات الصحابة، مرهفة الذوق في مسايرة روح التشريع، وهي مع ذلك معتزة بمشيختها
مفضلة علمها على علم غيرها، كما سبق، إذا كان ذلك كذلك بالنسبة للتابعين، فليس مستغربًا ممن يجيء بعدهم من طبقات أن يكون أكثر اعتزازًا، وأشد استمساكًاً وَتَشَبُّثًا بشيوخهم، وبخاصة أنهم قد بعدوا عن مسرح الأحداث الإسلامية الأولى، وتلقوها من طريق معين، وتفهموها من وجهة نظر خاصة، هي طريق الشيخ ونظر الشيخ، والثقة والاعتزاز بالشيوخ تحمل على ترجيح رأيهم في موطن الخلاف، كما تحمل على تجسيم هذا الخلاف وإعطائه أهمية لم تكن له عند من سبقهم، وقد ينتج عن ذلك تنقص أقدار أو آراء المخالفين. فَالزُّهْرِيُّ، مَثَلاً، كَانَ يُضَعِّفُ عِلْمَ أَهْلِ العِرَاقِ إِذَا ذُكِرُوا عِنْدَهُ، فلما قيل له إن بالكوفة من يروي أربعة آلاف حديث - يقصدون الأعمش - وجاءوه ببعض حديثه، قال بعد أن اطلع عليه: «وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ، وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ بِالعِرَاقِ [وَاحِدًا] يَعْلَمُ هَذَا» (¬1). وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ عَنْ أَهْلِ العِرَاقِ فَقَالَ: «أَنْزِلُوهُمْ [عِنْدَكُمْ] بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الكِتَابِ لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} [العنكبوت: 46]»، وقد حدث أن دخل عليه محمد بن الحسن وهو يقول هذه العبارة، فاستحيا مالك منه، واعتذر له بقوله: «كَذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ» (¬2). أَمَّا حَمَّادُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ العِرَاقِيُّ، فَقَدْ قَالَ عَنْ عَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الحِجَازِ فَقَالَ: «قَدْ سَأَلْتُهُمْ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، وَاللَّهِ لَصِبْيَانُكُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ بَلْ صِبْيَانُ صِبْيَانِكُمْ»، قَالَ مُغِيرَةُ رَاوِي هَذِهِ العِبَارَةِ بِقَوْلِهِ: «هَذَا بَغْيٌ [مِنْهُ]». ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: «صَدَقَ مُغِيرَةُ، وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - وَهُوَ أَقْعُدُ النَّاسِ بِحَمَّادٍ - يُفَضِّلُ عَطَاءً عَلَيْهِ» (¬3). ¬
وقصة أبي حنيفة مع الأوزاعي تعطينا صورة واضحة من هذا العمق في الانتماء وتوضح مدى الاعتزاز بالشيوخ والعصبية لهم. فَقَدْ اجْتَمَعَ الأَوْزَاعِيُّ بِأَبِي حَنِيفَةَ فِي مَكَّةَ، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «مَا بَالُكُمْ لاَ تَرْفَعُونَ أَيْدِيكُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ؟»، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْءٌ»، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «كَيْفَ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ»، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَلاَةِ، ثُمَّ لاَ يَعُودُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ». فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «أُحَدِّثُكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَتَقُولُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ؟». فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «كَانَ حَمَّادٌ أَفْقَهَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ، وَعَلْقَمَةُ لَيْسَ بِدُونِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِنْ كَانَ لابْنِ عُمَرَ صُحْبَةٌ أَوْ لَهُ فَضْلُ صُحَبَةٍ، فَالأَسْوَدُ لَهُ فَضْلٌ كَبِيرٌ، وَعَبْدُ اللهِ هُوَ عَبْدُ اللهِ، فَسَكَتَ الأَوْزَاعِيُّ» (¬1). وهذه القصة - فوق دلالتها على اعتزاز كل من الإمامين بالمدرسة التي نشأ فيها وتلقى عنها - تُوضِّحُ لنا كيف أن الخلافات البسيطة المروية عن مدارس التابعين أصبحت أكثر عُمْقًا وأشد اتساعًا، فالمناظرة قد حدثت في جزئيات لم تكن تثير شيئًا من الاهتمام وفي الطبقات التي قبلها، والتي كانت أكثر تسامحًا وأوسع صدرًا في تقبل الخلاف وهذه الجزئيات، ولعلهم كانوايفهمون أن كِلَا العملين جائز، وللمصلي أن يفعل أيهما بدون نكير. ب - وكنتيجة لهذا الانتماء والتعصب الذي زاد من حدته طول السلسلة ¬
وبعد الطريق من الصحابي، بدأت تتكون المذاهب الفقهية حتى تميز من بينها في نهاية هذا القرن المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، ثم المذهب الشافعي. وكل من المذهبين الحنفي والمالكي يعتبر امتدادًا للمرحلة السابقة في بيئته، وعملها لا يعدو أن يكون جمعًا للفتاوى والآراء والآثار التي ورثها كل منهما عن مشيخته، والذين ورثوها بالتالي عمن سبقهم، ثم الإفتاء في الوقائع التِي تّجِدُّ، إما بالتخريج على الأقوال السابقة وإما بمراعاة الأصول في التشريع. وإذا كان " الدهلوي " يعتبر أبا حنيفة مُقَلِّدًا فِي الفِقْهِ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ - الوارث فقه أصحاب ابن مسعود -، ويكاد ينحصر إنتاجه فيه في التخريج على أقوال إبراهيم، ودقة النظر في هذا التخريج (¬1) فإن مالكًا في كثير من مسائله يبدو مُقَلِّدًا لمن سبقه من فقهاء المدينة من صحابة وتابعين، بدليل أن مالكًا قال في " موطئه ": «إِنْ كَانَ فِي كِتَابِي حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَرَأْيًا هُوَ إِجْمَاعُ أَهْلِ المَدِينَةِ لَمْ أَخْرُجْ عَنْهُمْ» (¬2). وَالمُطَّلِعُ عَلَى " المُوَطَّأِ " يُلَاحِظُ ذَلِكَ بِوُضُوحٍ، حَتَّى إِنَّ الإِمَامَ مَالِكًا لَيُسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ تَقْدِيرِيَّةٍ، فَيُجِيبُ عَنْهَا، حَتَّى يُخَيَّلُ لِلْقَارِئِ أَنَّ الإِجَابَةَ مِنْ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، لَوْلَا أَنَّهُ يُعَقِّبُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: «وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ» (¬3). وقد لاحظ ذلك الأستاذ أمين الخولي - رَحِمَهُ اللهُ -، «فقرَّرَ أنَّ مَالِكًا مُتَّبِعٌ ¬
مُسْرِفٌ فِي الاتِّبَاعِ، بِحَيْثُ يُخَيَّلُ لِلْبَعْضِ أَنَّهُ مُقَلِّدٌ» (¬1). وليس معنى نشوء هذين المذهبين في القرن الثاني أنهما قد استوعبا كل المجتهدين، بل وجد معهما كثير من المجتهدين الذين كانت لهم آراؤهم الخاصة، وقد نجح بعضهم في أن يكون له تلاميذ قاموا بمذهبه فترة من الزمن، ويستوي في ذلك العراق والحجاز وغيرهما من الأمصار (¬2). ج - مازالت المدرستان تستخدمان الرأي في استنباطهما الفقهي. ومن الخطأ أن نتصور أن الإمام مالكًا لم يستعن بالرأي عند الحاجة إليه. وإذا لم يكن الرأي غريبًا على مدرسة المدينة منذ نشأتها - كما سبق عن عمر وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب، وربيعة، فإنه ليس بمستغرب أن يرث مالك هذا المنهج الاجتهادي، الذي لا يستنكف من إعمال العقل، وإبداء الرأي ومراعاة المصلحة ومسايرة روح التشريع، وَقَدْ سُئِلَ أَبُو الأَسْوَدِ (*): «مَنْ لِلْرَّأْيِ بَعْدَ رَبِيعَةَ بِالمَدِينَةِ؟»، فَيُجِيبُ بِقَوْلِهِ: «الغُلَامُ الأَصْبَحِيُّ - يَعْنِي مَالِكًا - ثُمَّ يعده ابن رشد أمير المؤمنين في الرأي والقياس» (¬3). ولقد وجدنا ابن قتيبة في كتابه " المعارف " يعد مالكًا من أصحاب الرأي. ولعله نظر إلى إكثار مالك من الرأي، وإن كان العالم في الحديث الذي عد في الرعيل الأول من رجاله. وبذلك تنهار النظرية التي تقرر أن سبب الإكثار من الرأي هو قلة العلم بالحديث، فما كان علم مالك بالحديث قليلاً، بل كان كثيرًا ولكن الحوادث التي وقعت، والمسائل التِي سُئِلَ فيها كانت أكثر بقدر كبير جدًا. فكان لا بد من الرأي، ولا بد من الإكثار ¬
منه ما دام يُفتي ويستفتى (¬1). ونقل عن مالك أنه قال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ. فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي: فَكُلَّ مَا وَافَقَ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ , وَكُلَّ مَا لَمْ يُوَافِقِ الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ , فَاتْرُكُوهُ» (¬2). وَيُبيِّنُ الإمام مالك أهل الرأي من شيوخه، فَيَقُولُ: «قَالَ لِي ابْنُ هُرْمُزَ: " لَا تُمْسِكْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَ مِنِّي مِنْ هَذَا الرَّأْيِ؛ فَإِنَّمَا افْتَجَرْتُهُ أَنَا وَرَبِيعَةُ فَلَا تُمْسِكْ بِهِ» (¬3). وبهذا يتضح أن الرأي لم يكن مقصورًا على المذهب الحنفي. والحق أنه ما وجد فقه فالرأي لازم له، اعترف بهذا أهل الحديث أنفسهم، مما يدل على أن الرأي في هذا القرن كان يستعمل من غير نكير. «فَقَدْ سُئِلَ عَبْدُ اللَهِ بْنُ المُبَارَكِ: مَتَى يُفْتِي الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: " إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَثَرِ، بَصِيرًا بِالرَّأْيِ "» (¬4). ويقول ابن المبارك أيضًا: «إِنْ كَانَ الأَثَرُ قَدْ عُرِفَ وَاحْتِيجَ إِلَى الرَّأْيِ، فَرَأْيُ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَبُو حَنِيفَةَ أَحْسَنُهُمْ، وَأَدَقُّهُمْ فِطْنَةً، وَأَغْوَصُهُمْ عَلَى الفِقْهِ وَهُوَ أَفْقَهُ الثَّلَاثَةِ» (¬5). وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: «إِنَّا لَا نَنْقِمُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَأَى، كُلُّنَا يَرَى، وَلَكِنَّنَا نَنْقِمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِيئُهُ الحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ¬
فَيُخَالِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ» (¬1). ويسأل الإمام أحمد بن حنبل عمن يريد أن ينظر في الرأي، ورأي من ينظر؟ فيقول: «رَأْيُ مَالِكٍ» (¬2). كلا المذهبين يستعين بالرأي في اجتهاده إذن، غاية الأمر أن منهجهما في هذا الرأي مختلف: فالمذهب الحنفي يلجأ إلى القياس لاستخراج الحكم فيما لا نص فيه، على حين يتجه المذهب المالكي إلى تعرف المصلحة فيما يرد عليه من مسائل ليس فيهما قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ. ولعل البيئة والثقافة لهما تأثير ظاهر في اتجاه المذهبين في استنباط حكم ما وجد من الأحداث، مما لا تتناوله النصوص بطريق مباشر: فالعراقيون بعامة حيث تعددت وتنوعت منابع الثقافة عندهم، من الكتب المترجمة والفلسفات المتنوعة، وحيث كثرت عندهم المناظرات العقلية .. وأبو حنيفة بخاصة، حيث اشتغل بعلم الكلام حتى غلبت عليه الثقافة الكلامية (¬3)، كان لا بد أن ينطبع فقههم بطابع استخراج العلل، وتعميم الأحكام وربط الفروع بعضها ببعض. وقد أعانت أبا حنيفة كثرة الفروع في زمنه على تطبيق منهجه العقلي، فكل جيل كان يحفظ المسائل التي كانت قبله، ويضيف إليها مَا جَدَّ مِنْ فُرُوعٍ ثم يسلم هذه الحصيلة إلى الجيل التالي له، ليصنع فيها مثل هذا الصنيع، ¬
فيثري الفقه وبذلك وتكثر فروعه فإذا صادفت هذه الحصيلة المثرية من الفروع عقلية قياسية كعقلية أبي حنيفة، اتجهت فورًا إلى تجميع هذه الفروع وربطها ما أمكن بقواعد عامة. أما المدنيون حيث لم تتعقد الحياة عندهم، وحيث العرف الإسلامي هو الشائع الغالب على مجتمعهم وحيث كانوا بعيدين عن الثقافات الأجنبية المستوردة، فقد بعدوا عن استعمال المقاييس الضابطة، واتجهوا إلى مراعاة المصلحة والعرف، في الغالب الأعم. هذا الاختلاف في تناول الرأي كان أحد مظهرين مَيَّزَا بَيْنَ المَذْهَبَيْنِ وفارقا بين الاتجاهين. أما المظهر الآخر فهو الفقه التقديري، أو فرض المسائل وتقدير الوقائع وهو نتيجة لاستعمال القياس والإكثار منه، حيث يصبح الفقه التقديري ميدانًا لتطبيق الأقيسة، ومجالاً لاختبار العلل. وقد أصبحت ظاهرة فرض الفروض وتفريع المسائل من أهم خصائص الفقه العراقي في القرن الثاني وَعَمَّتْ شهرته بذلك الآفاق، حتى إن الإمام مالكًا يرشد من قد يكون عنده هذا الاتجاه من تلاميذه إلى أن يذهب إلى العراق، فيُرْوَى أَنَّ أسد بن الفرات عندما ذهب إلى مالك أخذ يلقي عليه المسائل يَتَعَرَّفُ أَحْكَامَهَا، حتى عرف مالك فيه رغبته في التفريع، فأوصاه بأن يذهب إلى العراق، فقد سأل مالكًا يومًا عن مسألة فأجابه، ثم أخرى فأجابه، ثم أخرى فأجابه، وقال له: «حَسْبُكَ يَا مَغْرِبِيُّ إِنْ أَحْبَبْتَ الرَّأْيَ فَعَلَيْكَ بِالعِرَاقِ»، فارتحل إلى محمد بن الحسن، ولا شك أن هذه الرواية تدل على إخلاص أولئك العلماء في طلب الحقيقة وحسن إرشادهم لتلاميذهم، فإنه لما رأى مالك فيه نزعة الفرض والتفريع وأن ذلك يحسن عند العراقيين أرشده إليه مخلصًا (¬1). ¬
ويستنبط من إجابة مالك لسائله مرة بعد أخرى، أنه لَمْ يَكُنْ يَتَجَنَّبُ فَرْضَ المَسَائِلِ وإن كان لا يكثر منها بل كان يرى أن تفريغ المسائل مما يمدح به وأن الفقه فيه مقصور على أهل المدينة والكوفة، فَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يُخَالِفُونَكَ فِيهَا ... فَقَالَ: «وَمَتَى كَانَ هَذَا الشَّأْنُ بِالشَّامِ؟ إِنَّمَا هَذَا الشَّأْنُ وَقْفٌ عَلَى أَهْلِ المَدِينَةِ وَالكُوفَةِ» ويُعلِّقُ ابن عبد البر بقوله: «لِأَنَّ شَأْنَ المَسَائِلِ بِالكُوفَةِ مَدَارُهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالثَّوْرِيِّ» (¬1). ولا شك أنَّ أبا حنيفة لم يبتدع فرض المسائل، بل كانت موجودة قبل ذلك بدلالة أقوال الصحابة والتابعين في كراهتها مما سنتناوله بعد قليل ولكن أبا حنيفة هو الذي أكثر منها. يقول الحجوي: «أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَهُوَ الذِي تَجَرَّدَ لِفَرْضِ المَسَائِلِ وَتَقْدِيرِ وُقُوعِهَا وَفَضِّ أَحْكَامِهَا، إِمَّا بِالقِيَاسِ عَلَى مَا وَقَعَ، وَإِمَّا بِانْدِرَاجِهَا فِي العُمُومِ مَثَلاً، فَازْدَادَ الفِقْهُ نُمُوًّا وَعَظَمَةً، وَصَارَ أَعْظَمَ مِنْ ذِي قَبْلٍ بِكَثِيرٍ. قَالُوا: إِنَّهُ وَضَعَ سِتِّينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ، وَقِيلَ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ» (¬2). ولذلك قال خصومه مُشنِّعِينَ عَلَيْهِ: «[هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَأَجْهَلُهُمْ بِمَا قَدْ كَانَ]» (¬3) (*). وذكر ابن عبد البر عن ابن جرير الطبري «أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ تَحَامَوْا حَدِيثَ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَجْلِ غَلَبَةِ الرَّأْيِ وَتَفْرِيعِهِ الفُرُوعَ وَالمَسَائِلَ فِي الأَحْكَامِ» (¬4). والفقه التقديري كان منار خلاف بين العلماء، والكارهون له هم امتداد لمن كرهه من الصحابة والتابعين. ¬
وقد استند الكارهون له إلى قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (¬1) كما استدلوا بما رواه " مسلم " عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». قال كثير من العلماء: المراد بقوله: «وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» التَّكْثِيرُ مِنَ السُّؤَالِ فِي المَسَائِلِ الفِقْهِيَّةِ تَنَطُّعًا وَتَكَلُّفًا فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ (¬2). كما استدلوا بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الله فَرَضَ أَشْيَاءَ فَلاَ تُضَيِعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا». رواه أحمد وغيره (¬3). وقوى من كراهية فرض المسائل في نفوس هؤلاء العلماء عبارات لبعض السلف رويت عنهم في كراهة السؤال عما لم يكن؛ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنُ عُمَرَ مَسْأَلَةً، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَا تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ» (¬4). وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «بَلَغَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ -، «كَانَ يَقُولُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْأَمْرِ: أَكَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قَدْ كَانَ، حَدَّثَ فِيهِ بِالذِي يَعْلَمُ ¬
وَالذِي يَرَى، وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ، قَالَ: " فَذَرُوهُ حَتَّى يَكُونَ "» (¬1)، وَسُئِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: «هَلْ كَانَ هَذَا بَعْدُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: دَعُونَا حَتَّى يَكُونَ، فَإِذَا كَانَ، تَجَشَّمْنَاهَا لَكُمْ» (¬2). «وَسُئِلَ طَاوُوسُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: " كَانَ هَذَا؟ "، قُلْتُ: " نَعَمْ "، قَالَ: " آللَّهِ ". قُلْتُ: " آللَّهِ "». ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَنَا أَخْبَرُونَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ قَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَعْجَلُوا بِالبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ، فَيُذْهَبُ بِكُمْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْجَلُوا بِالبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ، لَمْ يَنْفَكَّ المُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ إِذَا سُئِلَ، سُدِّدَ، وَإِذَا قَالَ، وُفِّقَ "» (¬3). أما من يرون جواز تقدير المسائل، والبحث عن أحكامها فقد استدلوا بحديث الصحيح عن المقداد بن الأسود: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ. أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَقْتُلْهُ» قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التِي قَالَ». ففي الحديث لم ينهه عن فرض مسألة، بل أجابه وبَيَّنَ لَهُ الحُكْمَ، فدل على الجواز (¬4). وأجابوا عن آية {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]: بأنَّ هناك شرطًا {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فمفهومه: إن لم تكن مساءة في إبدائها فلا نهي، يقول ابن العربي: «اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الغَافِلِينَ تَحْرِيمَ أَسْئِلَةِ النَّوَازِلِ حَتَّى تَقَعَ تَعَلُّقًا بِهَذِهِ الآيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُصَرِّحَةٌ ¬
بِأَنَّ السُّؤَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إِنَّمَا كَانَ فِيمَا تَقَعُ [الْمَسَاءَةُ] فِي جَوَابِهِ، وَلَا [مَسَاءَةَ] فِي جَوَابِ نَوَازِلِ الْوَقْتِ فَافْتَرَقَا» (¬1). ويلحظ ابن عبد البر أن النهي عن السؤال في الآية كان خوفًا من أن ينزل بسببه تحريم أو تشديد أو عقوبة، لكن السؤال اليوم لا يخشى أن ينزل بسببه تحريم أو تحليل (¬2). وأما حديث المغيرة بن شعبة الذي فيه نهى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كثرة السؤال، فالمراد منه النهي عن سؤال الناس أموالهم وحاجاتهم إلحاحًا واستكثارًا. وقد خص هؤلاء كراهية السؤال بما لا ينتج عِلْمًا وَلَا فِقْهًا، ولكنه على وجه التعنت والتكلف والإحراج، وقد ذكر ابن القيم أن المسألة إذا لم يكن فيها نص «فَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةَ الوُقُوعِ أَوْ مُقَدَّرَةً لَا تَقَعُ، لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الكَلَامُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ وُقُوعُهَا غَيْرَ نَادِرٍ وَلَا مُسْتَبْعَدٍ، وَغَرَضُ [السَّائِلِ] الْإِحَاطَةُ بِعِلْمِهَا لِيَكُونَ مِنْهَا عَلَى بَصِيرَةٍ إذَا وَقَعَتْ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْجَوَابُ بِمَا يَعْلَمُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ السَّائِلُ يَتَفَقَّهُ بِذَلِكَ وَيَعْتَبِرُ بِهَا نَظَائِرَهَا، وَيَقْرَعُ عَلَيْهَا، فَحَيْثُ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الجَوَابِ رَاجِحَةً كَانَ هُوَ الْأَوْلَى» (¬3). وقد بين ابن رجب الحنبلي أن العلماء حيال المسائل المفروضة ينقسمون ثلاثة أقسام، ثم ذكر أن الطريقة المثلى في ذلك هي طريقة أحمد بن حنبل، يقول ابن رجب: «وَقَدْ انْقَسَمَ النَّاسُ فِي هَذَا أَقْسَامًا فَمِنْ أَتْبَاعِ أَهْلِ الحَدِيثِ مَنْ سَدَّ بَابَ المَسَائِلِ حَتَّى قَلَّ فِقْهُهُ وَعِلْمُهُ بِحُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَصَارَ حَامِلَ فِقْهٍ غَيْرَ فَقِيهٍ وَمِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الرَّأْيِ مَنْ تَوَسَّعَ فِي تَوْلِيدِ المَسَائِلِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، [مَا] يَقَعُ فِي العَادَةِ مِنْهَا وَمَا لَا يَقَعُ وَاشْتَغلُوا ¬
[بِتَكْلِيفِ] الجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَكَثْرَةِ الخُصُومَاتِ فِيهِ وَالجَدَلِ عَلَيْهِ، حَتَّى يَتَوَلَّدَ مِنْ ذَلِكَ افْتِرَاقُ القُلُوبِ، وَيَسْتَقِرُّ فِيهَا بِسَبَبِهِ الأَهْوَاءُ وَالشَّحْنَاءِ، وَالعَدَاوَةِ وَالبَغْضَاءِ، وَيَقْتَرِنُ ذَلِكَ كَثِيرًا بِنِيَّةِ المُغَالَبَةِ، وَطَلَبِ العُلُوِّ وَالمُبَاهَاةِ، وَهَذَا مِمَّا ذَمَّهُ العُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ، وَدَلَّتْ السُنَّةُ عَلَى قُبْحِهِ وَتَحْرِيمِهِ: وَأَمَّا فُقَهَاءُ أَهْلِ الحَدِيثِ العَامِلُونَ بِهِ، فَإِنَّ مُعْظَمَ هَمِّهِمْ البَحْثُ عَنْ مَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمَا يُفَسِّرُهُ مِنَ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ، وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ، وَعَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحِيحِهَا وَسَقِيمِهَا، ثُمَّ الفِقْهَ فِيهَا وَتَفْهِيمِهَا وَالوُقُوفَ عَلَى مَعَانِيهَا، ثُمَّ مَعْرِفَةَ كَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فِي أَنْوَاعِ العُلُومِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالحَدِيثِ، وَمَسَائِلِ الحَلَالِ وَالحَرَامِ، وَأُصُولِ السُنَّةِ، وَالزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَذِهِ هِيَ طَرِيقَةُ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ من أَهْلِ الحَدِيثِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَفِي مَعْرِفَةِ هَذَا شُغْلُ شَاغِلٍ عَنْ التَّشَاغُلِ بِمَا أُحْدِثَ مِنَ الرَّأْيِ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَقَعُ، وَإِنَّمَا يُورِثُ التَّجَادُلَ فِيهِ الخُصُومَاتِ وَالجِدَالِ وَكَثْرَةِ القِيلِ وَالقَالِ» (¬1). ولا أدري ما الفرق بين النوع الأول الذي ذمَّهُ والنوع الثالث الذي ارتضاه، فكلاهما لا يتجه إلى فرض المسائل، وهو موضوع الكلام، إذ ليس الكلام في حفظ المسائل، وهو موضوع الكلام، إذ ليس الكلام في حفظ المسائل وتفهُّمها، وإنما في فرضها والقدرة على استنباط أحكامها. وعلى الرغم من أن الفقه التقديري كان هدفًا لحملات كثير من العلماء، وكان من أسباب الهجوم على أبي حنيفة ومدرسته، نراه قد اجتذب إليه بعد ذلك كثيرًا من العلماء، وَ «تَابَعَ أَبَا حَنِيفَةَ جُلُّ الفُقَهَاءِ بَعْدَهُ، فَفَرَضُوا المَسَائِلَ وَقَدَّرُوا وُقُوعَهَا، ثُمَّ بَيَّنُوا أَحْكَامَهَا» (¬2). والتقى الفقه المدني بالفقه ¬
العراقي في فرض المسائل بعد ذلك على يد أسد بن [الفرات] (*)، الذي أذهلته كثرة المسائل في العراق، فأراد أن يستخرج فتاوى مالك في مثل مسائلها، وذاكر أصحابه في ذلك، فما وجدوه منصوصًا عليه في المروي عن مالك ذكروه، وما لم يجدوا له فتوى رواها أصحاب مالك عنه اجتهدوا فيها بالقياس على ما أثر عن مالك (¬1). وفي هذا القرن خُصَّ أبو حنيفة ومدرسته بأنهم أهل الرأي (¬2)، بحيث إذا أطلقت هذه العبارة على فرد أو جماعة فهم منها أن هذا الفرد أو هذه الجماعة ممن يتجه اتجاه أبي حنيفة في الفقه، وبسبب هذا الرأي تعرض أبو حنيفة لحملات كثيرة ووجهت إليه وإلى مدرسته انتقاداتٍ مُرَّةٍ، سواء من المدنيين، بدافع من العصبية للمشيخة والوطن، أَمْ مِنَ المُحَدِّثِينَ بدافع من اختلاف المنهج وطريقة التفكير، ثم كثرت المهاترات والاتهامات، وسجل الشعر جانبًا من هذه المعركة فقال شاعر كوفي يُفَضِّلُ أهل الكوفة على أهل المدينة في الفقه: وَلَيْسَ يَعْرِفُ هَذَا الدِّينَ نَعْلَمُهُ ... إِلاَّ حَنِيفَةُ كُوفِيَّةَ الدُّرَرِ لَا تَسْأَلَنَّ مَدِينِيًّا فَتُحْرِجُهُ ... إِلَّا عَنْ البَمِّ وَالمَثْنَاةِ وَالزِّيرِ فأجابه رجل من أهل المدينة: لَقَدْ عَجِبْتُ لِغَاوٍ سَاقَهُ قَدَرُ ... وَكُلُّ أَمْرٍ إِذَا مَا حُمَّ مَقْدُورُ ¬
قَالَ المَدِينَةُ أَرْضٌ لَا يَكُونُ بِهَا ... إلاَّ الغناء وَإِلَّا البَمُّ وَالزِّيرُ لَقَدْ كَذَبْتَ، لَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّ بِهَا ... قَبْرُ الرَّسُولِ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَقْبُورُ (¬1) ومدح شاعر أهل الرأي، مُبرِزًا أهم خصائصهم فقال: إِذَا مَا النَّاسُ يَوْمًا قَايَسُونَا ... بِآبِدَةٍ مِنَ [الفُتْيَا] طَرِيفَهْ أَتَيْنَاهُمْ بِمِقْيَاسِ صَحِيحٍ ... تِلَادٍ مِنْ طِرَازِ أَبِي حَنِيفَهْ فأجابه مجيب من أصحاب الحديث: إِذَا ذُو الرَّأْيِ خَاصَمَ عَنْ قِيَاسٍ ... وَجَاءَ بِبِدْعَةٍ هَنَةٍ سَخِيفَهْ أَتَيْنَاهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ فِيهَا ... وَآثَارِ مُبَرَّزَةٍ شَرِيفَهْ فَكَمْ مِنْ فَرْجِ مُحْصَنَةٍ عَفِيفٍ ... أُحِلَّ حَرَامُهَا بِأَبِي حَنِيفَهْ (¬2) وكان من أبرز ما اتهم به أبو حنيفة هو أَنَّ القِيَاسَ عِنْدَهُ أَجَلُّ مِنَ الحَدِيثِ وَأَعْلَى مِنْهُ مَنْزِلَةً، حتى إنه لُيُقدِّمُ القياس على الحديث في موطن التعارض، إما لعدم علمه بالحديث وقلة محفوظه منه - كما يقول المعتذرون عنه - وإما إعراضًا عن السُنَّةِ، كما يقول الناقمون عليه. ولسنا الآن بصدد تفصيل هذا الاتهام أو تفنيده، فسوف يأتي هذا في موضعه، ولكنا نجمل القول هنا بأن المذهب الحنفي كغيره من المذاهب السُنية في اعتبار الحديث والأخذ به، وإذا وجدت بعض أحاديث رفضها العراقيون، فإنما ذلك لمأخذ قوي في نظرهم، من تضعيف الحديث أو تأويله، أو ادعاء نَسْخِهِ، أو غير ذلك. وَهُمْ لَيْسُوا بِدَعًا في ذلك، فعمر بن الخطاب ¬
رفض رواية فاطمة بنت قيس في عدم وجوب النفقة والسُكنى للمطلقة البائن، كما رفض حديثها هذا أسامة بن زيد وعائشة (¬1) - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -. والإمام مالك يصنع مثل ذلك إذا عارض الخبر إجماع أهل المدينة أو عملهم، وأورد ابن القيم أمثلة كثيرة لذلك (¬2). وإذا كان أبو حنيفة يتساوى مع مالك وغيره من المجتهدين في الاعتماد على السُنَّةِ، وفي رد ما لا يوثق به منهما، وفي استعمال الرأي، فَلِمَ خُصَّ المَذْهَبُ الحَنَفِيُّ بِالهُجُومِ؟ لم أتهم بنبذ السُنَّةِ وتقديم الرأي عليها، مع أن غيره يصنع أيضًا مثل هذا الصنيع؟. إنَّ السبب في رأيي يرجع إلى ظاهرتين عاصرهما الفقه الحنفي، وشهد نشأتهما. الظاهرة الأولى: تَكَوُّنُ طَائِفَةِ المُحَدِّثِينَ وتجمعهم وبروزهم إلى المجتمع كمدرسة لها تخصصاتها واهتماماتها، مما أضفى عليها ملامح خاصة تميزهم عن غيرهم. ففي بداية هذا القرن بدأ تدوين الحديث وجمعه من الأقطار المختلفة يأخذ صبغة رسمية، وينال عناية الدولة، منذ أن أمر عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن حزم عامله على المدينة بأن يجمع ما عنده من سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكتب إلى الآفاق: «انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْمَعُوهُ» (¬3)، فنشط العلماء لذلك وأكثروا من الرحلات ولم يقتصروا على ¬
جمع حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل أضافوا إليه أقوال الصحابة والتابعين، والمأثور من أعمالهم، يقول أبو الزناد: «كُنَّا نَكْتُبُ الحَلاَلَ وَالحَرامَ، وَكَانَ ابنُ شِهَابٍ يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ، فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَعْلَم النَاسِ» (¬1). واستغرق هذا المنهج في تأليف الحديث وجمع أقوال الصحابة والتابعين وأحكام مسائل الفقه - جل القرن الثاني. والذي يهمنا هنا أن جمع الحديث قد اتسعت دائرته فلم يعد مقصورًا على أحاديث بلد معين أو باب معين، وأن البحث عن الحديث والأثر لم يكن لما يحمله من فقه فقط - كما كانت الحال قبل ذلك - بل كان يجمع أيضًا لذاته، وتجردت لهذا الجمع طائفة تفرغت له، وجابت الأقطار في سبيله، وأطلق عليها (المُحَدِّثُونَ)، وكان من هؤلاء مَنْ لَمْ يُعْنَ بِالإِفْتَاءِ فلم يهتم بالفقه الذي يتضمنه الحديث أو الأثر الذي يحفظه، كما كان منهم من قصد إليه للاستفتاء فكان يُفتي بما يحفظ، سواء أكان ما حفظه مما يفتي به حديثًا لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أم كان قولاً لصحابي أو تابعي أم رأيًا لشيوخه. هؤلاء المُحَدِّثُونَ مِمَّنْ لا قدرة لهم على النظر العقلي لم يكن في استطاعتهم الثبات أمام المدرسة العقلية الافتراضية الحنفية إذا حدثت مناظرة أو نقاش في المسائل الخلافية، بل كانوا يصمدون بما يرونه من اعتزاز هذه العقلية بنفسها، وجُرأتها في النقد والموازنة، فيسرع إلى نفوسهم الظن بمخالفة هؤلاء للحديث والسنة، وتضيق بذلك صدورهم، فيطلقون فيها ألسنتهم بالاتهام والتشنيع، وتنتشر التهمة، وتتناقلها المجالس العلمية دون تحقيق، ودون احتكاك عملي بالمتهم. فالأوزاعي يَتَّهِمُ أَبَا حَنِيفَةَ بِالبِدْعَةِ، وسنده في ذلك ما نقل إليه عنه، لكنه يعدل عن ذلك عندما يُطْلِعُهُ عبد الله بن المبارك على ¬
مسائل أبي حنيفة، فيعجب بها، ثم يلتقي بأبي حنيفة في مكة ويناظره، ثم يقول: «غُبِطْتُ الرَّجُلُ بِكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَوُفُورِ عَقْلِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى، لَقَدْ كُنْتُ فِيْ غَلَطٍ ظَاهِرٍ، اِلْزَمْ [الرَّجُلَ]، فَإِنَّهُ بِخِلاَفِ مَا بَلَغَنِيَ عَنْهُ» (¬1). وعندما ظهر الشافعي - الذي درس مذهب الفريقين وَتَمَرَّسَ بمَنْهَجَيْهِمَا وأخذ يناقش العراقيين مستعملاً طريقتهم متمكنًا من منهجهم العقلي - لاقى ارتياحًا وإعجابًا من المُحَدِّثِينَ، الذِينَ لَقَّبُوهُ بِ " نَاصِرِ السُنَّةِ "، على الرغم من أنه كَانَ يُقَدِّرُ أبا حنيفة وأصحابه، ويذكر فضلهم وأياديهم على الفقه. وقد يخطئ أبو حنيفة في بعض المسائل وكذلك أصحابه - وَهُوَ وَهُمْ ليسوا معصومين - وقد يخالفون حديثًا ما بهذا الاجتهاد، ومثل هذا يقع لعامة المُجتهدين، إلا أن الفكرة السيئة عن مدرسة أبي حنيفة، والخصومة الناشبة بين هذه المدرسة وغيرها سرعان ما تحمل الخصوم على نشر هذا الخطأ والتشنيع به، وإذا كان الشعبي يخشى تشنيع المُحَدِّثِينَ عليه إذا أخطأ، مع أنه من أئمتهم وموضع إجلالهم - فما بالك بهم إذا أخطأ أبو حنيفة؟ يقول الشعبي: «وَاللَّهِ لَوْ أَصَبْتُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ مَرَّةً أَخْطَأْتُ مَرَّةً لَعَدُّوا عَلَيَّ تِلْكَ الوَاحِدَةَ» (¬2). أما الظاهرة الثانية: التي عاصرت نشأة المذهب الحنفي وساعدت على الإساءة إليه فكانت ظهور فرقة المعتزلة، وَقَدْ بَيَّنَ الذهبي أن المعتزلة وبعض الفرق الأخرى قد نشأت في هذا القرن الثاني، فذكر أنه في زمان الطبقة الرابعة من الحفاظ - وهي الثالثة من التابعين - تحولت الدولة من الأموية إلى العباسية كما ظهر في ذلك الزمان «عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ العَابِدُ، وَوَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ ¬
الغَزَّالُ، وَدَعُوا إِلَى الاعْتِزَالِ بِالقَدَرِ، وَظَهَرَ بِخُرَاسَانَ الجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَدَعَا إِلَى تَعْطِيلِ الرَّبِّ - عَزَّ وَجَلَّ - وَخَلْقِ القُرْآنِ، وَظَهَرَ بِخُرَاسَانِ فِي قُبَالَتِهِ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ المُفَسِّرُ، وَبَالَغَ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ حَتَّى جَسَّمَ، وَأَقَامَ عَلَى هَؤُلَاءِ عُلَمَاءُ التَّابِعِينَ وَأَئِمَّةُ السَّلَفِ وَحَذَّرُوا مِنْ بِدَعِهِمْ» (¬1). وللمعتزلة دون شك دور هام في الدفاع عن الإسلام والتصدي لخصومه، بيد أنهم أحيانًا يشتطون في آرائهم، ويجري على ألسنتهم بعض مما سرى إليهم من ألفاظ خصومهم أو عقائدهم، فيسيء إليهم،، نقل ابن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل قال: «وَقَدْ أَفْضَى الكَلَامُ بِأَهْلِهِ إِلَى الشُّكُوكِ، وَبِكَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى الإِلْحَادِ، تَشِعُّ رَوَائِحُ الإِلْحَادِ مِنْ فَلَتَاتِ كَلَامِ المُتَكَلِّمِينَ. وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَا قَنَعُوا بِمَا قَنَعَتْ بِهِ الشَّرَائِعُ وَطَلَبُوا الحَقَائِقَ، وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ العَقْلِ إِدْرَاكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الحِكْمَةِ التِي انْفَرَدَ بِهَا» (¬2). وقد ذكر ابن الجوزي جملة مما خرج به المعتزلة من آراء غريبة على الإسلام (¬3) وسوف نفصل في الفصل القادم أسباب الخصومة بَيْنَ المُعْتَزِلَةِ وَالمُحَدِّثِينَ إلا أن الذي يهمنا هنا أن بعض هؤلاء المعتزلة انتسب إلى المذهب الحنفي، كَبِشْرِ المَرِيسِي (¬4) فضاعف ذلك من الحملة عليه والتشهير به. يضاف إلى ذلك أن أبا حنيفة نفسه لم يعتزل معركة الكلام التي كانت محتدمة بين المعتزلة والخوراج وغيرهم، بل أدلى فيها، وعرض في حلقاته ¬
المتعددة آراء العقيدة وترك في ذلك كتب " الفقه الأكبر " المنسوب إليه، وهو إن لم يكن كله له فهو يعبر عن أكثر آرائه، كما ترك " رسالة " في الإرجاء عرفت برسالة أبي حنيفة إلى إمام أهل البصرة عثمان بن مسلم البتي في الإرجاء، بل كانت مدرسة أبي حنيفة في العقيدة «هِيَ المَدْرَسَةُ الكَلَامِيَّةُ السُّنِّيَّةُ الأُولَى التِي وَقَعَتْ فِي العِرَاقِ مَوْطِنَ الفِرَقِ المُخْتَلِفَةِ وَحَارَبَتْهَا أَشَدَّ الحَرْبِ» (¬1). ومما يدل على أن أبا حنيفة كانت له آراء في العقيدة يدرسها جنبًا إلى جنبٍ مع مسائل الفقه، أن أبا جعفر الطحاوي عندما ألف رسالته المشهورة في العقيدة صَدَّرَهَا بقوله: «هَذَا بَيَانُ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ عَلَى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ المِلَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ بْنَ ثَابِتٍ الكُوفِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ» (¬2)، فكيف يتأتى للطحاوي أن يزعم أن هذا «مَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَيَدِينُونَ بِهِ رَبَّ العَالَمِينَ» إلا إذا كانت آراؤهم الكلامية تصل إلى الخلف عن نفس الطريق الذي تسلكه آراؤهم الفقهية؟. وقد قرر أبو حنيفة في بعض المسائل الاعتقادية آراء لم يوافق عليها أهل الحديث، منها قوله: «إِنَّ الإِيمَانَ اعْتِقَادٌ لَا دَخْلَ لِلْعَمَلِ فِيهِ»، فكان هذا من أسباب الحملة عليه. ويحمل ابن عبد البر أَسْبَابَ حَمْلَةِ المُحَدِّثِينَ على أبي حنيفة فيقول: «كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ اسْتَجَازُوا الطَّعْنَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لِرَدِّهِ كَثِيرًا مِنْ أَخْبَارِ [الآحَادِ] العُدُولِ لأَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى عَرْضِهَا عَلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَمَعَانِي القُرْآنِ، فَمَا شَذَّ عَنْ ذَلِكَ رَدَّهُ وَسَمَّاهُ شَاذًّا، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا يَقُولُ: " الطَّاعَاتُ مِنَ الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا لَا تُسَمَّى إِيمَانًا " وَكُلُّ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ ¬
الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يُنْكِرُونَ قَوْلَهُ وَيُبَدِّعُونَهُ بِذَلِكَ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مَحْسُودًا لِفَهْمِهِ وَفِطْنَتِهِ» (¬1). وقد يفسر هذا تحالف بعض المعتزلة مع أهل الحديث - مع ما بينهما من عِدَاءٍ - على حرب أبي حنيفة. إِنِّي أُرَجِّحُ أن النصف الثاني من هذا القرن كان مولد هذه العبارة (أَهْلُ الحَدِيثِ وَأَهْلُ الرَّأْيِ) بعد أن أصبح المُحَدِّثُونَ فئة متميزة متناصرة تهاجم غيرها، ولها سلطة التجريح والتعديل، هذه السلطة التي كانت من أقسى الأسلحة التي حاربوا بها خصومهم، ومنهم المدرسة العقلية الحنفية. وينبغي أن نشير إلى أن المحدثين لم يكونوا مجمعين على الرأي السيء في أبي حنيفة، فقد وجد من بينهم أفراد قَدَّرُوهُ وأشادوا بفضله، ونقل ابن النديم أبياتًا قالها أحد المحدثين، وهو عبد الله بن المبارك في مدح أبي حنيفة وهي: لَقَدْ زَانَ البِلَادَ وَمَنْ عَلَيْهَا ... إِمُامُ المُسْلِمِينَ أَبُو حَنِيفَهْ بِآثَارِ وَفِقْهٍ فِي حَدِيثٍ ... كَآيَاتِ الزَّبُورِ عَلَى الصَّحِيفَهْ فَمَا بِالمَشرِقَيْنِ لَهُ نَظيرٌ ... وَلَا بِالمَغْرِبَينِ وَلَا بِكُوفَهْ رَأَيْتُ العَايِبِينَ لَهُ سُفَّاهًا ... خِلَافَ الحَقِّ مَعَ حُجَجٍ ضَعِيفَهْ (¬2) كما ينبغي أن نتنبه إلى أنّ اللقاءات التي كانت موجودة في القرن الأول لم تنقطع في هذا القرن، بل كانت دائرتها متصلة، وكثيرًا ما أنتجت هذه اللقاءات مناقشات ومناظرات كانت ذات أثر لا ينكر في تقارب الأفكار، ¬
في القرن الثالث
والاطلاع على ثمرات العقول المختلفة: فأبو حنيفة يلتقي مع الأوزاعي ويناقشه، كما سبق، ويناظر مالك أبا حنيفة حتى يعرق من المناظرة معه ويقول لليث: «إِنَّهُ لَفَقِيهٌ يَا مِصْرِيُّ» (¬1) ويزامل الليث بن سعد مالكًا في الدراسة، ويتلقى عمن تلقى عنه، ثم يسافر إلى العراق، ويرى أبا حنيفة يجيب عن مسألة فيصور الليث انطباعه لهذه الإجابة بقوله: «وَاللَّهِ مَا أَعْجَبَنِي صَوَابُهُ، كَمَا أَعْجَبَنِي سُرْعَةُ جَوَابِهِ» (¬2)، ثم يعود الليث إلى مصر، كما يلتقي أبو يوسف بمالك، ثم يتتلمذ محمد بن الحسن عليه ويروي عنه " الموطأ "، ويعلق عليه من وجهة نظر مدرسته، ويتعلم الشافعي بمكة والمدينة، ثم يلتقي بمحمد بن الحسن ويأخذ عنه ويناظره، ويرحل أسد بن الفرات إلى مالك ويسمع منه، ثم يذهب إلى العراق فيلقى أبا يوسف ومحمد بن الحسن، وقد ذكر القاضي عياض أن أبا يوسف أخذ عنه " موطأ " مالك (¬3). وهكذا كانت اللقاءات مستمرة بين علماء العالم الإسلامي، وكانت الخلافات بينهم لا تعدو أن تكون وجهات نظر تحتمل الصواب والخطأ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يُقَدِّرُ مُخَالِفَهُ وَيَحْتَرِمُهُ. فِي القَرْنِ الثَّالِثِ: وتواكب أهل الحديث وأصحاب الرأي في مسيرتهم عبر التاريخ، وتجاوز القرن الثاني منحدرين إلى القرن الثالث، حيث نجد أن المذاهب قد استكملت وجودها، ووضحت معالمها، وأضيف المذهب الشافعي والحنبلي والظاهري إلى المذاهب التي كانت موجودة من قبل، وهي المالكية والحنفية وغيرها من مذاهب المجتهدين في القرن الثاني من تلك المذاهب التي لم يقدر لها البقاء إلا فترة من الزمن كمذهب الأوزاعي وسفيان الثوري. ¬
ولكننا نلاحظ أن هذه المذاهب أخذت تتلاقى بمقدار ما بدأت تتباعد: تتلاقى في مناهجها، وتتقارب في أدلتها نتيجة لعامل التأثير وإذعانًا لما تنتهي إليه المناظرات من التسليم بحقائق، ومن التنبه إلى ثغرات، إذ لم تكن المناظرات حينئذٍ مقصودًا بها الغلبة والصدارة، بل كان الوصول إلى الحقيقة غايتها. فإذا عيب على أهل الرأي أنهم لا يشتغلون برواية الحديث فقد نفعهم هذا النقد، وحاولوا أن يسدوا هذه الثغرة، فاشتغلوا برواية الحديث على يد أبي يوسف ومحمد بن الحسن. وإذا عيب على أهل المدينة أنهم لا يعطون العقل حريته في التصور وفرض الفروض، فقد سلموا عمليًا بذلك وامتلأت كتبهم من بعد بِالفُرُوعِ المُقَدَّرَةِ وَالفُرُوضِ المُمْكِنَةِ، سواء في ذلك الفقه المالكي والفقه الشافعي، وَ «اتَّخَذُوا ثَلَاثَةَ مَوْضُوعَاتٍ أَسَاسًا لِمِئَاتٍ مِنَ المَسَائِلِ التِي كَدُّوا أَذْهَانَهُمْ فِي إِبْرَازِ الجَوَابِ عَنْهَا: وَهِيَ الرَّقِيقُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَالزَّوْجَةُ وَطَلَاقُهَا، وَالأَيْمَانُ وَالحِنْثُ فِيهَا» (¬1). غير أن هذه المذاهب المتلاقية شرعت تتباعد برجالها، وتتجافى بالقائمين عليها، والمنتسبين إليها، ببدء شيوع فكرة التقليد للمذهب، والتعصب لرجاله والمناظرات التي اتخذت قاعدتها أن تعرف الحق بالرجال، لا أن تعرف الرجال بالحق، مما جعل التنافس المذهبي يستعر، والتنابز بالألقاب ينتشر كالوباء الباسط جناحيه على أفق العالم الإسلامي لا يكاد ينجو منه أحد إلا من عصم اللهُ. أما المشتغلون بالحديث فقد كثر عددهم، وعظم خطرهم، وراجت مدرستهم وأصبحوا قوة لا ينكر أثرها على الخاصة أو العامة، وشهروا على مخالفيهم سلاح التجريح المبهم. مستخدمين ألفاظًا تحمل ظلالاً تدعو إلى النفرة أو التوجس والإنكار، مثل قولهم: فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، أَوْ تَحَامُوا ¬
رِوَايَتَهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِالرَّأْيِ، أَوْ لِأَنَّهُ شِيعِيٌّ أَوْ مُرْجِئٌ ... إلخ، هذه الألفاظ التي تداولوها، والتي كانت تدعو إلى الوقوف من الموصوفين بهذه الأوصاف موقف الحذر والريبة، مع أن بعض هذه الألفاظ يدخل في مفهومها الصالح والطالح فهي أشبه بالمشترك اللفظي، كالوصف بالإرجاء أو التشيع فقد يراد بالإرجاء تأخير القول في الحكم بتصويب إحدى الطائفتين المتقاتلتين بعد عثمان، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَنَّ مُرْتَكِبَ الكَبِيرَةِ لَا يُكَفَّرُ بَلْ حُكْمُهُ مَوْكُولٌ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ. وقد يراد به الدعوة إلى التهاون في الشرائع والأحكام تسهيل ارتكاب الكبائر بإعلان مبدأ القائل بأنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة (¬1). وكذلك الشأن في التشيع، إِذْ هُوَ مَحَبَّةُ عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيعه، ويطلق عليه رافضي وإلا فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السَبُّ أو التصريح بالبغض فهو غالٍ في الرفض وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشد في الغلو (¬2). ولغموض الجرح أحيانًا، ولأنه في أحيان أخرى قد يكون بسبب العصبية المذهبية أو الخلاف في الرأي الفقهي، أَوْ بِمَا لَا يُعَدُّ قَادِحًا فِي الحَقِيقَةِ - طالب المتأخرون بأن يكون مشفوعًا بذكر السبب وهو الجرح المفسر (¬3) فإنه لا ينبغي أن يستقل الجارح وحده بالحكم، بل عليه أن يشرك فيه غيره، وَذَلِكَ بِأَنْ يُهَيِّئَ له فرصة تقدير حكمه ووزنه، ثم إمضائه أو رَدِّهِ. ¬
بهذا فقط تقل خطورة الذاتية في الجرح، ويسلم من الخطأ أو يكاد. وفي هذا القرن حدثت ظاهرتان كان لكل منهما أثر كبير في إذكاء الخلاف بين أهل الحديث ومدرسة أبي حنيفة وجعلت الرأي ألصق بأصحاب هذه المدرسة وأخص بهم. أما الظاهرة الأولى فكانت شيوع مهاجمة القياس الفقهي، سواء مِنَ المُحَدِّثِينَ - وبخاصة أهل الظاهر منهم -، أو من المتكلمين الذين كانوا يتفقون مع أهل الحديث في فكرة التعبد المحض، ويخالفونهم في اعتبار السنة أصلاً من أصول التشريع (¬1)، أم من الشيعة الذين كانوا يضعون أقوال أئمتهم واجتهادهم موضع النصوص القطعية. وَيَسَّرَ لمهاجمي القياس هجومهم أن السُنَّةَ وَالآثَارَ قد استقصيت وجمعت من مختلف البلدان الإسلامية، وتحصل لهم منها ذخيرة عظيمة من الفتاوى والأحكام في كل فروع الفقه بحيث لم تعد الحاجة إلى القياس ضرورة ملحة في نظر الكثيرين. أما الظاهرة الثانية فهي انتشار سلطان المعتزلة، وتحكمهم في الحياة الفكرية في العالم الإسلامي فترة من الوقت. والمعتزلة أصحاب مدرسة عقلية تقتحم مباحث العقيدة والألوهية بكثير من الجُرأة النظرية، وتنظر ¬
إلى الحديث نظرة فيها الكثير من الشك والريبة في صحة ثبوته، وبالتالي في صلاحية استخدامه، سواء في ميدان العقيدة أو في ميدان الفروع العلمية، كما تنظر إلى المُحَدِّثِينَ نظرة استعلاء تَكَادُ تُصَرِّحُ بأنهم - أي المعتزلة - أكثر فهمًا وتطورًا، وأقدر على خدمة الشريعة من هؤلاء المتخلفين، وهو موقف سوف نعالج أسبابه ومراحله في الفصل القادم إن شاء الله. والذي يهمنا هنا أن المعتزلة قد نجحوا في استمالة السلطة التنفيذية متمثلة في الخلفاء: المأمون والمعتصم والواثق - وكسبوا عطفها وتأييدها، وأوغروا صدرها عَلَى المُحَدِّثِينَ، وأغروها بهم، متخذين من القول بخلق القرآن طُعْمًا يَتَصَيَّدُونَهُمْ بِهِ، وبلاء يقهرهم، وعذابًا يصبونه عليهم، وقد ابتلي بهذه الفتنة كثيرون، كان فيهم الإمام أحمد بن حنبل،، الذي تمسك بموقفه المعارض للمعتزلة، لم ترهبه قوة، وَلَمْ يُغيِّرْ مِنْ رَأْيِهِ بَلَاءٌ، واستمرت محنته أخريات عهد المأمون وطيلة خلافة المعتصم والواثق حتى رفع هذه المحنة الخليفة المتوكل. كان رد الفعل لهذه الفترة عنيفًا جدًا، فَقَدْ كَرَّ المُحَدِّثُونَ على المعتزلة يحطمونهم وينتقمون منهم، ويوفون لهم الدين، ويكيلون لهم بنفس الكيل، ويرمونهم بكل نقيصة، وأصبح القول بخلق القرآن تهمة يكفي أن يتهم بها إنسان ما حتى يصدر الحكم عليه بالمقاطعة والتجريح، ولا تشفع له منزلته في العلم ولا بلاؤه فيه، كما حدث للبخاري والكرابيسي وداود الظاهري (¬1). ¬
وقد أدى موقف ابن حنبل وثباته في هذه المحنة إلى تكتل الجماهير حوله وإعجابهم به، سواء أكانوا من العامة أَمْ مِنَ المُحَدِّثِينَ، وَتَعَصَّبُوا لَهُ وَأَجَلُّوا آرَاءَهُ. فإذا أصدر حُكْمًا كان أمرًا لازمًا وَحُكْمًا نَافِذًا. قال علي بن المديني: «إِنَّ اللهَ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ بِرَجُلَيْنِ: أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ الرِدَّةِ، وَابْنَ حَنْبَلٍ يَوْمَ المِحْنَةِ». وَقَالَ بِشْرُ الحَافِيُّ: «قَامَ أَحْمَدُ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، قَدْ تَدَاوَلَتْهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الخُلَفَاءِ بِالضَرَّاءِ وَالحَبْسِ، وَبَعْضُهُمْ بِالإِخَافَةِ وَالإِرْهَابِ، فَمَا تَرَكَ دِينَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ صَارَ زَعِيمَ حِزْبٍ عَظِيمٍ مِنْ أَحْزَابِ الإِسْلاَمِ، حَتَّى إِنَّ العَالِمَ إِذَا وَضَعَهُ أَحْمَدُ لَمْ يَرْتَفِعْ، وَإِذَا رَفَعَهُ لَمْ يَنْحَطَّ، وَإِذَا قَالَ فِي وَاحِدٍ: بِئْسَ، نُبِذَ وَلَمْ يَشْهَدُوا حَتَّى جَنَازَتَهُ، وَإِذَا قَالَ فِي عَالِمٍ: نَعْمَ، صَارَ مَقْبُولاً مَحْبُوبًا ...» (¬1). هؤلاء المعتزلة الذين أصبحوا أعداء الجمهور الأعظم من المسلمين، والذين كان يقترن بذكرهم صور الإرهاب والاضطهاد وأقوال مستحدثة غريبة عن روح الإسلام - هؤلاء المعتزلة كان منهم من ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة فأدى ذلك إلى استهداف المذهب للحملات، بل حاول بعضهم تشويهه فَرَمَى ¬
أبا حنيفة بأنه كان يذهب إلى القول بخلق القرآن، ولكن الخطيب يقول: «مَا تَكَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا أَبُو يُوسُفَ وَلَا زُفَرُ وَلَا مُحَمَّدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمْ فِي القُرْآنِ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمِ فِي القُرْآنِ بِشْرُ المَرِيسِيُّ وَابْنُ أَبِي دُؤَادَ، فَهَؤُلَاءِ شَانُوا أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ» (¬1). وهكذا رأينا أن القرن الأول لم تكن فيه خصومة بين أهل الرأي وأهل الحديث إذ لم تكن الفئتان قد تميزتا بعد، وإنما كان هناك شيء من التنافس الإقليمي بين المدينة والعراق. أما في القرن الثاني فقد زاد المُحَدِّثُونَ من نشاطهم، وبرزوا إلى المجتمع كطائفة متميزة، فبدأ الصراع بينهم وبين أبي حنيفة ومدرسته الذين اختصوا بأنهم أهل الرأي، وكان من أبرز خصائصهم التي من أجلها خصوا بهذه الصفة كثرة استخدام القياس والبراعة في استعماله، وفرض الفروض وتفريع الفروع، وإن حاول خصومهم أن يشيعوا عنهم رغبتهم عن الحديث وتقديمهم الرأي عليه كما يتضح مما نقلناه عن الأوزاعي، وكما جمع ابن أبي شيبة ما خالف فيه أبو حنيفة الأحاديث الصحيحة في خمس وعشرين ومائة مسألة، وَرَدَّ عليه الكوثري في كتابه " النكت الطريفة ". وفي القرن االثالث أخذت هذه العبارة (أَهْلِ الرَّأْيِ وَأَهْلِ الحَدِيثِ) صورة مذهبية عنيفة بسبب ظهور مذهب أهل الحديث واستكمال بنائه، يقول ابن عبد البر: «وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الحَدِيثِ فَهُمْ كَالأَعْدَاءِ لأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ» (¬2). فالبخاري لا يذكر اسم أبي حنيفة - عند بيانه للمسائل التي خالف فيها غيره، ويكني عنه بـ (بَعْضِ النَّاسِ) والترمذي يصنع مثل هذا الصنيع في ¬
" سُننه " فَلَا يُسَمِّي أَبَا حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُهُ فِي جُمْلَةِ العِرَاقِيِّينَ، أَوْ يَكَنِّي عَنْهُ بِـ (بَعْضِ أَهْلِ العِرَاقِ). وتكاد النظرة إلى أبي حنيفة هذا القرن تساوي النظرة إلى أهل البدع ويشيع ذلك بين الناس حتى يقول الشاعر: إِنْ كُنْتِ كَاذِبَةً بِمَا حَدَّثْتِنِي ... فَعَلَيْكِ إِثْمُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ زُفَرِ ولما سمع الطحاوي الحنفي هذا البيت قال: «وَدِدْتُ أَنَّ لِيَ أَجْرَهُمَا وَحَسَنَاتِهِمَا وَعَلَيَّ إِثْمُهُمَا [وَسَيِّئَاتُهُمَا]» (¬1) (*) وإذا كان القرنان الثاني والثالث يمثلان العصر الذهبي للاجتهاد والتصنيف في الحديث، ومع ذلك وجد فيه شيء من الخصومة والعصبية، فإن تلك الخصومة وهذه العصبية قد ألقتا بثقلهما كله في القرون التالية، حيث ندر الاجتهاد وفشا التقليد، وساد ضيق الأفق وجمود الفكر لتباعد ما بين الخلف والمنابع الإسلامية الأولى، فنظرتهم إلى الشريعة محدودة بحدود رجال المذهب، مسورة بأفكارهم، فورثوا فيما ورثوا، الخصومة بين أصحاب الحديث وأصحاب الرأي، على الرغم من أن الفوارق بين المذاهب المختلفة قد ذابت إلى حد كبير، واشترك الأتباع في التقليد حتى لم يعد مبرر للتفرقة بينهم، ولم يعد هناك داع لإطلاق أهل الحديث على طائفة وإطلاق أهل الرأي على طائفة أخرى، بل الأولى أن يطلق عليهم: مقلدو أهل الحديث، ومقلِّدُو أهل الرأي. وكفى بالتقليد وصمة للفريقين. ¬
اضطراب المؤرخين في تعيين أهل الرأي وأهل الحديث
اضْطِرَابُ المُؤَرِّخِينَ فِي تَعْيِينِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَأَهْلِ الحَدِيثِ: وقد اضطرب المؤرخون في تحديدهم أهل الحديث وأهل الرأي، فاختلفوا في التقسيم، كما اختلفوا في التقويم، لاختلاف وجهاتهم في أسباب التقسيم من ناحية، ولنظرتهم إلى فترة زمنية معينة يُعَمَّمُونَ نَتَائِجَهَا على كل العصور السابق منها واللاحق من ناحية ثانية، وأحيانًا تتعدد وجهات النظر لدى الشخص الواحد، وتغمض عليه الفوارق، فيضطرب في تقويمه لشخص ما، يُرَدِّدُهُ بين أهل الحديث وأصحاب الرأي: فابن قتيبة (ت 270 هـ) يَعُدُّ كل المجتهدين تقريبًا في أصحاب الرأي، ولم يذكر في المُحَدِّثِينَ إلا المشتغلين بالرواية ممن لا شهرة لهم في ميدان الفقه، ثم لم يَعُدَّ أحمد بن حنبل لا في جملة الفقهاء وَلَا فِي زُمْرَةِ المُحَدِّثِينَ، ولكنه يشير إليه في مقدمة كتابه " تأويل مختلف الحديث " فيذكره من بين العلماء المبرزين، والفقهاء المتقدمين، وَالعُبَّادِ المُجْتَهِدِينَ الذين لا يجارون ولا يبلغ شأوهم، وأمثال هؤلاء ممن قرب من زماننا، ثم يذكر من بين الأخيرين أحمد بن حنبل ولكنه يعود فيُخَصِّصَ في هذا الكتاب نفسه أهل الرأي بأبي حنيفة وأصحابه (¬1). ويجيء المقدسي فيَعُدُّ أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه من أصحاب الحديث، وَلَا يَعُدَّهُمَا من أهل المذاهب الفقهية الذين عَدَّ منهم الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية. وفي موضع آخر يعتبر المقدسي الشافعية أصحاب الحديث خلافًا للحنفية، ولكنه في موضع ثالث يعتبر أبا حنيفة والشافعي أهل رأي خلافًا لأحمد بن حنبل (¬2). ¬
ولكن الترمذي حرص على أن يذكر الشافعي من أصحاب الحديث في مواضع كثيرة من " جامعه ": كقوله في (بَابُ [مَا جَاءَ] فِي كَرَاهِيَةِ تَلَقِّي البُيُوعِ): «وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ تَلَقِّي البُيُوعِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الخَدِيعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا» (¬1). أو قوله: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا» (¬2). وقال في حديث المصراة: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا [الحَدِيثِ] عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ» (¬3). أما الشهرستاني فيحصر المجتهدين في قسمين، ويجعل أصحاب الرأي عَلَمًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعِهِ، فيقول: «ثُمَّ المُجْتَهِدُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الأُمَّةِ مَحْصُورُونَ فِي صِنْفَيْنِ لَا يَعْدُوَانِ إِلَى ثَالِثٍ: أَصْحَابُ الحَدِيثِ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ. أَصْحَابُ الحَدِيثِ وَهُمْ أَهْلُ الحِجَازِ. هُمْ أَصْحَابُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَصْحَابُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسٍ الشَّافِعِيّ، وَأَصْحَابَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَأَصْحَابُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلَ وَأَصْحَابُ دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَصْفَهَانِيَّ. وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُمْ أَهْلُ العِرَاقِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ» (¬4). ويلاحظ على هذا التقسيم أنه مبني على فترة زمنية معينة هي فترة قيام المذاهب، كما أنه راعى البيئة الإقليمية، بذكره أهل العراق مقابلاً لأهل ¬
الحجاز مرادفًا لأهل الرأي، دون أن يلاحظ أن كثيرين ممن ذكرهم من أهل الحديث ليسوا من الحجاز، بل إن معظمهم من أهل العراق. وقد جرى كثيرون من المؤرخين على هذا النسق من تقسيمهم للمجتهدين إلى أهل حديث وأهل رأي، كابن القيم الذي تبع الشهرستاني في تقسيمه، حيث قال في أثناء عرضه لموضوع اليمين مع الشاهد الواحد: «وَالذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ أَنَّ اليَمِينَ تُشْرَعُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى المُتَدَاعِيَيْنِ، فَأَيُّ الخَصْمَيْنِ تَرَجَّحَ جَانِبُهُ جُعِلَتْ اليَمِينُ مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الجُمْهُورِ كَأَهْلِ المَدِينَةِ وَفُقَهَاءِ الحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَهْلُ العِرَاقِ فَلَا يُحَلَّفُونَ إلَّا المُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ. فَلَا يَجْعَلُونَ اليَمِينَ إلَّا مِنْ جَانِبِهِ فَقَطْ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ..» (¬1). وذكر البيهقي عن يحيى بن محمد العنبري قال: «طَبَقَاتُ أَصْحَابِ الحَدِيثِ خَمْسَةٌ: المَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالحَنْبَلِيَّةُ، وَالرَّاهَوِيَّةُ، وَالخُزَيْمِيَّةُ أَصْحَابُ ابْنِ خُزَيْمَةَ» (¬2) وقد يعني ابن القيم بـ (أَهْلِ الحَدِيثِ) أهل السُنَّةِ، فيذكرهم في مقابلة أصحاب البدع من الفرق الكلامية ولذا يُدْخِلُ فيهم أبا حنيفة وغيره، كقوله: «وَأَمَّا طَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَئِمَّةِ الحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالبُخَارِيِّ وَإِسْحَاقَ ...» (¬3). ولكن فريقًا من المُؤَرِّخين ذهب إلى تقسيم ثلاثي لا ثنائي، فقسم المجتهدين إلى: ¬
أ - أهل الحديث وهم أهل الحجاز، وإمامهم مالك بن أنس. ب - أهل الرأي. ج - أهل الظاهر. صنع ذلك ابن خلدون في " مقدمته " (¬1)، وصنع قريبًا منه الدهلوي (¬2) حيث قسمهم إلى أهل الرأي، وأهل الظاهر، وَبَيَّنَ هَذَيْنِ المُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ السُنَّةِ. وإنما اختلفوا في التقسيم وفيمن ينضوي تحت هذا التقسيم نتيجة للقياس كل منهم في تحديده لأهل الحديث وأهل الرأي، فبعضهم يرى أن كل من قاس واستنبط فهو من أهل الرأي، وبذلك قسم العلماء إلى قسمين لا يعدوانهما إلى ثالث هما: أهل الرأي وأهل الظاهر (¬3)، وبعضهم يجعل التعامل مع السنة هُوَ المُحَدِّدُ لمكان العالم إما في أهل الحديث وإما في أصحاب الرأي: فمن يتمسّك بالسنة ويحرص على روايتها ويعتني بالقياس واستخراج العلل وفرض الفروض فهو من أهل الرأي. وبعضهم مقياسه التعامل مع السنة مضافًا إليه النظرة إلى القياس، مَا بَيْنَ مُسْرِفٍ فِيهِ، وَمُقتَصِدٍ، وَمُمْتَنِعٍ مِنْهُ، فجاء التقسيم إلى أهل حديث وأهل رأي وأهل ظاهر. ثم جاء الدهلوي ورأى أن «التخريج» هو أهم الفروق بين أهل الحديث وأصحاب الرأي. وقد شرح «نظرية التخريج» هذه في كتابه " الإنصاف " و" حُجَّة الله البالغة " ويقرر الدهلوي هذه النظرية فيقول: «بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ هُنَاكَ فِرْقَتَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَأَهْلُ الرَّأْيِ ¬
وَأَنَّ كُلَّ مَنْ قَاسَ وَاِسْتَنْبَطَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ. كَلَّا وَاللَّهِ، بَلْ لَيْسَ المُرَادُ بِالرَّأْيِ نَفْسُ الفَهِمِ وَالعَقْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ أَحَدٍ مِنَ العُلَمَاءِ، وَلَا الرَّأْيَ الذِي لَا يَعْتَمِدُ عَلَى سُنَّةٍ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَحِلُهُ مُسْلِمٌ البَتَّةَ، وَلَا القُدْرَةَ عَلَى الاِسْتِنْبَاطِ وَالقِيَاسَ فَإِنَّ أَحَمْدَ وَإِسْحَاقَ، بَلْ الشَّافِعِيَّ أَيْضًا لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ بِالْاِتِّفَاقِ، وَهُمْ يَسْتَنْبِطُونَ وَيَقِيسُونَ .. بَلْ المُرَادُ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ قَوْمٌ تَوَجَّهُوا بَعْدَ المَسَائِلِ المُجْمِعِ عَلَيْهَا بَيْنَ المُسْلِمِينَ أَوْ بَيْنَ جُمْهُورِهِمْ إِلَى التَّخْرِيجِ عَلَى أَصْلِ رَجُلٍ مِنَ المُتَقَدِّمِينَ فَكَانَ أَكْثَرُ أَمْرِهِمْ حَمْلُ النَّظَرِ عَلَى النَّظَرِ، وَالرَّدِّ إِلَى أَصْلٍ مِنَ الأُصُولِ، دُونَ تَتَبُّعِ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ، وَالظّاهِرِ لِمَنْ لَا يَقُولُ بِالقِيَاسِ وَلَا بِالآثَارِ كَدَاوُدَ وَاِبْنِ حَزْمٍ وَبَيْنَهُمَا المُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ» (¬1). وقد شرح نظرية التخريج هذه مُبَيِّنًا أنه كان في عصر مالك وسفيان ومن بعدهما قوم لا يكرهون المسائل ولا يهابون الفتيا، ولم يكن عندهم من الأحاديث والآثار ما يقدرون به على استنباط الفقه على الأصول التي اختارها أهل الحديث ولم تنشرح صدورهم للنظر في أقوال علماء البلدان وجمعها والبحث عنها، وكان عندهم من الفطانة والحدس وسرعة انتقال الذهن من شيء إلى شيء ما يقدرون به على تخريج جواب المسائل على أقوال أصحابهم. «فَمَهَّدُوا الفِقْهَ عَلَى قَاعِدَةِ التَّخْرِيجِ: وَذَلِكَ أَنْ يَحْفَظَ كُلُّ أَحَدٍ كِتَابَ مَنْ هُوَ لِسَانُ أَصْحَابِهِ وَأَعْرَفَهُمْ بِأَقْوَالِ القَوْمِ، وَأَصَحَّهُمْ نَظَرًا فِي التَّرْجِيحِ فَيَتَأَمَّلُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهَ الحُكْمِ، فَكُلَّمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ أَوْ احْتَاجَ إِلَى شَيْءٍ رَأَى فِيمَا يَحْفَظُهُ مِنْ تَصْرِيحَاتِ أَصْحَابِهِ، فَإِنْ وَجَدَ الجَوَابَ فِيهَا وَإِلَّا نَظَرَ إِلَى عُمُومِ ¬
كَلَامِهِمْ فَأَجْرَاهُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، أَوْ إِشَارَةٍ ضِمْنِيَّةٍ لِكَلَامٍ فَاسْتَنْبَطَ مِنْهَا، وَرُبَّمَا كَانَ لِبَعْضِ الكَلَامِ إِيمَاءٌ أَوْ اِقْتِضَاءٌ يُفْهِمُ المَقْصُودَ، وَرُبَّمَا كَانَ لِلْمَسْأَلَةِ المُصَرَّحِ بِهَا نَظِيرٌ يُحْمَلُ عَلَيْهَا. فَهَذَا التَّخْرِيجُ، وَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ: المُجْتَهِدُونَ فِي المَذْهَبِ، وَعَنْ هَذَا الاِجْتِهَادِ عَلَى هَذَا الأَصْلِ مَنْ قَالَ: مَنْ حَفِظَ " المَبْسُوطَ " كَانَ مُجْتَهِدًا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِرِوَايَةٍ أَصْلاً، وَلَا بِحَدِيثٍ وَاحِدٍ فَوَقَعَ التَّخْرِيجُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ وَكَثُرَ ...» (¬1). ومن هذا النص نتبين أن الدهلوي يُشَخِّصُ فترة زمنية معينة، ثُمَّ يُعَمِّمُ أعراضها على كل العصور منذ (عصر سعيد بن المسيب وإبراهيم والزُهري، وفي عصر مالك وسفيان وبعد ذلك)، على حين أن التخريج بصورته التي ذكرها لم ينشأ إلا في عصور التقليد، ويعني ذلك أنه لم يكن موجودًا في القرنين الأولين، كما يعترف بذلك الدهلوي نفسه حين يقول: «اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ قَبْلَ المِائَةِ الرَّابِعَةِ لَمْ يَكُونُوا مُجْمِعِينَ عَلَى التَّقْلِيدِ الخَالِصِ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ المَكِّيُّ فِي " قُوتِ القُلُوبِ ": " إِنَّ الكُتُبَ وَالمَجْمُوعَاتِ مُحْدَثَةٌ، وَالقَوْلُ بِمَقَالَاتِ النَّاسِ، وَالفُتْيَا بِمَذْهَبِ الوَاحِدِ مِنَ النَّاسِ وَاتِّخَاذِ قَوْلِهِ وَالحِكَايَةِ لَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالتَّفَقُّهِ عَلَى مَذْهَبِهِ، لَمْ يَكُنْ النَّاسُ قَدِيمًا عَلَى ذَلِكَ فِي القَرْنَيْنِ الأَوَّلِ وَالثَّانِي ". اهـ. وَبَعْدَ القَرْنَيْنِ حَدَثَ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنَ التَّخْرِيجِ» (¬2). ومع اعترافه في هذا الموضع بأن التخريج حدث بعد القرنين، فَإِنَّهُ يَزْعُمُ، فِي مُحَاوَلَةٍ تَعَسُّفِيَّةٍ لِتَطْبِيقِ نَظَرِيَّتِهِ وَقَصْرِ الوَصْفِ بِالرَّأْيِ عَلَى الأَحْنَافِ، أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ مُقلِّدًا لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمُخَرِّجًا عَلَى أَقْوَالِهِ (¬3)، هذا إلى اعترافه بأنّ التخريج لم يكن مقصورًا على المذهب الحنفي أو أهل ¬
الرأي حيث قال فيما سبق: «فَوَقَعَ التَّخْرِيجُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ وَكَثُرَ» وكما يقول في بيان أصول أهل الحديث: «وَكَانَ أَهْلُ التَّخْرِيجِ مِنْهُمْ يُخْرِجُونَ فِيمَا لَا يَجِدُونَهُ مُصَرَّحًا، وَمُجْتَهِدُونَ فِي المَذْهَبِ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ لَا يُنْسَبُونَ إِلَى مَذْهَبِ أَحَدِهِمْ، فَيُقَالُ فُلَانٌ شَافِعِيٌّ، وَفُلَانٌ حَنَفِيٌّ» (¬1)، وبذلك كان ينبغي له أن يشير إلى أنّ المَذَاهِبَ السُّنِّيَّةَ ليس بينها خلافات جوهرية «فَأُصُولُهَا جَمِيعًا وَاحِدَةٌ، وَخِطَّةُ الاِسْتِنْبَاطِ فِيهَا لَا تَخْتَلِفُ اِخْتِلَافًا يُؤَدِّي إِلَى اِعْتِنَاقِ بَعْضِهَا وَنَبْذِ بَعْضِهَا الآخَرِ، وَفِي أَحْكَامِهَا جَمِيعًا مَا فِيهِ يُسْرٌ وَتَخْفِيفٌ عَلَى النَّاسِ وَمَا بِهِ شِدَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَكُلُّهَا قَامَتْ عَلَى مُسَايَرَةِ التَّطَوُّرِ مَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى صَلَاحِ النَّاسِ» (¬2). إن اعتبار الدهلوي أبا حنيفة مِنَ المُخَرِّجِينَ، وَعَدِّهِ من أهل الرأي لذلك، هو اعتبار ينقصه الدليل، إذ يلزم أن يثبت أن المعاصرين لأبي حنيفة كانوا يصفونه بالرأي لذلك، مع ما سبق من قول الأوزاعي أنه لا ينكر الرأي على أبي حنيفة، وإنما ينكره عليه تركه للحديث. وفي رأيي أن التقسيم الذي نبذه الدهلوي والذي يقسم المجتهدين إلى قسمين: هما أهل الظاهر وأهل الرأي، كان يمكن أن يكون أقرب التقسيمات إلى الواقع في القرن الثالث، لو لم يظهر في هذا القرن مَذْهَبُ المُحَدِّثِينَ، إذ ليس بين المذاهب الأربعة خلاف يرجع إلى الأصل والأساس، كما سبق وإنما هو خلاف يرجع إلى الفهم والوزن والتقدير كخلاف أصحاب المذهب الواحد، فخلاف أبي حنيفة مع أصحابه لا يختلف في وسائله وأسبابه عن خلافه مع الشافعي أو خلافه مع مالك إذا ما دققنا النظر وحققنا أسباب الخلاف، والشافعي بدوره كان تابعًا لمالك في بداية أمره، ثم لم ينفصل عنه ¬
بمذهب يعتبر به مفارقًا لمالك إلا بعد أن عني برأيه وحده ونشره بين الناس، وكذلك الحال في كثير من الفقهاء كأبي ثور والطبري، فقد كانا في بداية أمرهما شَافِعِيَيْنِ، وكل هذه المذاهب تعتمد على الرأي وتستعمل القياس على خلاف بينهما في الكثرة والقلة، وبذلك يصح أن تندرج كلها تحت (أَهْلِ الرَّأْيِ). أما أهل الظاهر فهو يختلفون عن غيرهم اختلافًا يرجع إلى الأصل والأساس فإن من لا يرى العمل بالقياس أو بالمصالح المرسلة لا شك أنه يختلف مع من يراهما أصلين يعمل بهما ويبني عليهما كثيرًا من الأحكام (¬1). أما التقسيم الذي يضع المذهب الحنفي تحت شعار (أَهْلِ الرَّأْيِ) ويضع باقي المذاهب تحت شعار (أَهْلِ الحَدِيثِ) فليس قائمًا على أساس موضوعي، وإنما يقوم على أساس عاطفي نفسي، فمالك ممن اشتغل برواية الحديث والشافعي شيخ أحمد بن حنبل، ورأي أحمد فيه رأي حسن، وقد تبع أحمد في ذلك من اشتغلوا برواية الحديث، ومن لم يشتغل بروايته من العامة الذين كانوا متعصبين لأحمد منذ المحنة، انسياقًا وراء العاطفة الدينية، دون أن يكون عندهم مقدرة عقلية على الموازنة والمقارنة. إِنَّ الظَّاهِرِيَّةَ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ المُحَدِّثِينَ أصرح مواجهة مع أنفسهم ومع غيرهم، فما دامت الآثار كثيرة، وما دام القياس مذمومًا - وَهَذَا رَأْيُ عَامَّةِ المُحَدِّثِينَ - وَجَبَ حِينَئِذٍ أَنْ يُنْبَذَ القِيَاسُ وَيُكْتَفَى بِالنُّصُوصِ. أما أن القياس مذموم، ولا بأس في استعماله عند الضرورة، كما يضطر الجائع إلى أكل الميتة، فهذا رأي ينطوي في ثناياه اعترافًا بأهمية القياس وَتَعَيُّنِهِ في بعض المسائل، وَهُوَ مَا يَؤُولُ بِهِمْ إِلَى رَأْيِ أَهْلِ الرَّأْيِ الذين يعلنون أنهم لا يستخدمون القياس إلا حيث لا توجد نصوص صحيحة. ¬
إن أصدق تقسيم يمكن أن ينطبق على العلماء في القرن الثالث الهجري وهو القرن الذي نُعْنَى بِهِ في دراستنا هذه، هو الذي يقسمهم إلى ثلاثة أقسام: [أ] أهل حديث. [ب] وأهل رأي. [ج] وأهل ظاهر. على أن يدخل في مفهوم أهل الرأي المالكية، والشافعية، والحنفية، والحنبلية بعد وفاة أحمد بن حنبل. أما أهل الحديث فهم: أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأصحاب الكتب الستة وغيرهم من المشتغلين برواية الحديث في هذا القرن. وقد أحسن الأستاذ الخضري - رَحِمَهُ اللهُ - في التعريف بأهل الحديث وأهل الرأي، ووصفهم بما ينطبق مع فهمنا الذي قدمناه، وذلك حيث قال: «أَهْلُ الحَدِيثِ قِبْلَتُهُمْ السُّنَّةُ بِاعْتِبَارِهَا مُكَمِّلاً لِلْقُرْآنِ، وَبِاعْتِبَارِهَا نُصُوصًا تُعُبِّدَ بِهَا الشَّارِعُ الإِسْلَامِيُّ مَنْ دَانَ بِالإِسْلَامِ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى عِلَلٍ رَاعَاهَا فِي تَشْرِيعِهِ، وَلَا أُصُولَ عَامَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا المُجْتَهِدُ، وَلَا أُصُولَ خَاصَّةً بِالأَبْوَابِ المُخْتَلِفَةِ، فَهُوَ المُتَشَرِّعُونَ الحِرَفِيُّونَ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَرَاهُمْ إِذَا لَمْ يَجِدُوا نَصًّا فِي المَسْأَلَةِ سَكَتُوا وَلَمْ يُفْتُوا. أَمَّا أَهْلُ الرَّأْيِ وَالقِيَاسِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا الشَّرِيعَةَ مَعْقُولَةَ المَعْنَى، رَأَوْا أُصُولاً عَامَّةً نَطَقَ بِهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ وَأَيَّدَتْهَا السُّنَّةُ، وَرَأْوا كَذَلِكَ لِكُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الفِقْهِ أُصُولاً أَخَذُوهَا مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَرَدُّوا إِلَيْهَا جَمِيعَ المَسَائِلِ التِي تُعْرَضُ مِنْ هَذَا البَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ، وَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّنَّةِ كَالأَوَّلِينَ مَتَى وَثِقُوا مِنْ صِحَّتِهَا» (¬1). ¬
أما أهل الظاهر فهم طَائِفَةٌ مِنَ المُحَدِّثِينَ، فيهم بعض ما قدمه الأستاذ الخضري في وصف أهل الحديث، ولكنهم يفارقونهم في أمور أخرى، سوف يعنى هذا البحث ببيانها في فصل خاص، ولكننا نستطيع أن نقول بصورة عامة إن أهم مَا يُميِّزُهُمْ هو أن لهم أصولاً عامة مطردة، قد يتطرفون في تطبيقها وأنهم - استنادًا إلى هذه الأصول - لا يتوقفون في المسائل، ولا يتحرجون من الإفتاء.
الفصل الثاني: الخصومة بين المحدثين وغيرهم، أسبابها ونتائجها
الفَصْلُ الثَّانِي: الخُصُومَةُ بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ، أَسْبَابُهَا وَنَتَائِجُهَا: أشرنا في الفصل السابق إلى الخصومة بين المحدثين وغيرهم من المتكلمين وأصحاب الرأي، وفي هذا الفصل بسط لما أوجز في سابقه، ومحاولة لتتبع الأسباب التي أفضت إلى هذه الخصومة، وتفصيل للمآخذ التي طعن بها المحدثون، ومدى صحتها، وبيان لموقف المحدثين منها، وكيف دفعوها عن أنفسهم. وقد سبق أن ذكرنا أن المعتزلة أصحاب مدرسة عقلية تُمَجِّدُ العَقْلَ وتعتمد عليه وَتُغذِّيهِ بالفلسفات المختلفة، وتجول به بين الديانات والعقائد المتنوعة، مستعينة بنشاط العصر في الترجمة، مستعملة المنطق ومتأدبة بآداب الجدل والمناظرة وملتزمة قوانينا (¬1). وبهذا كان التكوين الثقافي للمعتزلة غريباً عمَّا ألفه علماء الحديث والفقه، مما نتج عنه اختلاف في المنهج عند تناول قضايا العقيدة أو مسائل الفروع، وباعد هذا الاختلاف في المنهج بين الطرفين، وحال دون التقاء الاتجاهين، ¬
فتبادلا الاتهامات، وبالغ كل من الطرفين في الانتقاص من الطرف الآخر والتشهير به، وَأَلَّفُوا فِي ذَلِكَ كُتُبًا. فالمعتزلة يتهجمون على أهل الحديث في كتب أفردوها لذلك، وأودعوها طعونهم ومآخذهم، ويشير إليها ابن قتيبة بقوله: «فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تُعْلِمُنِي مَا وَقَفْتَ عَلَيْهِ مِنْ ثَلْبِ أَهْلِ الكَلَامِ أَهْلَ الحِدِيثِ وَامْتِهَانِهِمْ، وَإِسْهَابِهِمْ فِي الكُتُبِ بِذَمِّهِمْ» (¬1). ومن كتبهم في ذلك كتاب " قبول الأخبار ومعرفة الرجال " (*) لأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي (ت 317 أو 319 هـ) ويقول في مقدمته: «... فَإِنِّي لَمَّا عَارَضْتُ شَيْخَنَا أَبَا الحُسَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ الذِي طَعَنَ بِهِ عَلَى خَبَرِ الوَاحِدِ، وَقُلْتُ فِي إِثْبَاتِهِ وَإِيجَابِ قَبُولِهِ فِي المَوَاضِعِ التِي ذَكَرْتُهَا وَعَلَى المَوَاضِعِ التِي بَيَّنْتُهَا مَا وُفِّقْتُ إِلَيْهِ - خِفْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَجَاوَزَ الحَدَّ فِي حُسْنِ الظَّنِّ بِأَخْبَارِ كَثِيرٍ مِنَ المُنْتَسِبِينَ إِلَى الحَدِيثِ وَأَنْ تَغْتَرَّ بِانْتِشَارِ ذِكْرِهِمْ، وَبُعْدِ صَوْتِهِمْ عِنْدَ أَصْحَابِهِمْ، فَعَمَلْتُ كِتَابِي هَذَا، وَذَكَرْتُ لَكَ فِيهِ أَحْوَالَ القَوْمِ، وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، دُونَ مَا قَالَهُ فِيهِمْ خُصُومُهُمْ، وَوَصَفُوهُمْ بِهِ مِنَ المُنَاقَضَةِ وَالخَطَأِ، لِتَعْرِفَ بِذَلِكَ مِقْدَارَهُمْ» (¬2). وَالمُحَدِّثُونَ مِنْ جَانِبِهِمْ يَذُمُّونَ الكَلَامَ وَأَهْلَهُ، ويؤلفون الكتب دفاعًا عن أنفسهم، ولا ينسون أن يشيروا إلى المعتزلة وتهجمهم على أهل الحديث حتى في كتب علوم الحديث، فالرامهرمزي يقول في كتابه: «اعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَشْنَأُ الحَدِيثَ وَيُبْغِضُ أَهْلَهُ، فَقَالُوا بِتَنَقُّصِ أَصْحَابِ الحَدِيثِ وَالْإِزْرَاءِ بِهِمْ، وَأَسْرَفُوا فِي ذَمِّهِمْ وَالتَّقَوُّلِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ شَرَّفَ اللَّهُ الحَدِيثَ وَفَضَّلَ أَهْلَهُ» (¬3). ¬
ويؤلِّف الخطيب كتابًا يُسَمِّيهِ " شرف أصحاب الحديث " (*) يقول في مقدمته: «فَقَدْ وَقَفْنَا عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ عَيْبِ المُبْتَدِعَةِ لِأَهْلِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَطَعْنِهِمْ عَلَى مَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِسَمَاعِ الْأَحَادِيثِ وَحِفْظِ الْأَخْبَارِ وَتَكْذِيبِهِمْ بِصَحِيحِ مَا نَقَلَهُ إِلَى الْأُمَّةِ الْأَئِمَّةُ الصَّادِقُونَ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِأَهْلِ الحَقِّ فِيمَا وَضَعَهُ عَلَيْهِمُ المُلْحِدُونَ {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15] وَلَيْسَ ذَاكَ عَجِيبًا مِنْ مُتَّبِعِي الْهَوَى وَمَنْ أَضَلَّهُمُ اللَّهُ عَنْ سُلُوكِ سَبِيلِ الْهُدَى وَمِنْ وَاضِحِ شَأْنِهِمُ الدَّالُّ عَلَى خِذْلَانِهِمْ صُدُوفُهُمْ عَنِ النَّظَرِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَتَرْكِهِمُ الْحِجَاجَ بِآيَاتِهِ الوَاضِحَةِ الْبُرْهَانِ وَاطِّرَاحِهِمُ السُّنَنَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَتَحَكُّمِهِمْ فِي الدِّينِ بِآرَائِهِمْ فَالْحَدَثُ مِنْهُمْ مَنْهُومٌ بِالْغَزَلِ وَذُو السِّنِّ مَفْتُونٌ بِالكَلَامِ وَالْجَدَلِ قَدْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ وَأَرْسَلَ نَفْسَهُ فِي مَرَاتِعِ الهَلَكَاتِ وَمَنَّاهُ الشَّيْطَانُ دَفْعَ الحَقِّ بِالشُّبُهَاتِ إِنْ عُرِضَ عَلَيْهِ بَعْضُ كُتُبِ الْأَحْكَامِ المُتَعَلِّقَةِ بِآثَارِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ السَّلَامِ نَبَذَهَا جَانِبًا وَوَلَّى ذَاهِبًا عَنِ النَّظَرِ فِيهَا يَسْخَرُ مِنْ حَامِلِهَا وَرَاوِيهَا مُعَانَدَةً مِنْهُ لِلدِّينِ وَطَعْنًا عَلَى أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ ثُمَّ هُوَ يَفْتَخِرُ عَلَى العَوَامِ بِذَهَابِ عُمْرِهِ فِي دَرْسِ الكَلَامِ وَيَرَى جَمِيعَهُمْ ضَالِّينَ سِوَاهُ وَيَعْتَقِدُ أَنْ لَيْسَ يَنْجُو إِلَّا إِيَّاهُ لِخُرُوجِهِ زَعَمَ عَنْ حَدِّ التَّقْلِيدِ وَانْتِسَابِهِ إِلَى الْقَوْلِ بِالْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ ...» (¬1). ثم يروي الخطيب ما رُوِيَ عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحث على التبليغ عنه، وَمَا رُوِيَ عن الصحابة والعلماء في فضل الحديث وأهله. ومن قبل الرامهرمزي والخطيب كتب ابن قتيبة كتابه " تأويل مختلف الحديث "، وَدَافَعَ عَنْ المُحَدِّثِينَ، وَبيَّنَ مخارج الأحاديث التي زعم أهل ¬
الكلام أنها متناقضة أو معارضة للعقل، ويشير الخطيب إلى هذا الكتاب فيقول: «قَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفِ فِي تَأْوِيلِ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ مِنَ الطَّعْنِ عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيثِ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ فَسَادِ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ، مَا فِيهِ مُقْنِعٌ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِرُشْدِهِ، وَرَزَقَهُ السَّدَادَ فِي قَصْدِهِ» (¬1) ولنا أنْ نتساءل: ما الذي نقمه المعتزلة من المُحَدِّثِينَ؟ وما الذي أنكره المُحَدِّثُونَ على المعتزلة؟ أما ما نقمه المعتزلة على المُحَدِّثِينَ فقد حكاه ابن قتيبة في مقدمة كتابه " تأويل مختلف الحديث " ويمكن أن نلخصه فيما يأتي: [أ] كثرة الأحاديث المختلفة والمتناقضة، بحيث تجد كل فرقة في هذه الأحاديث ما تحتج به على صحة ما ذهبت إليه، مع ما بين هذه الفرق من التضاد والنفرة، سواء في العقائد كالخوارج والمرجئة والقدرية والرافضة وغيرها، أو في الفروع كاختلاف العراقيين والحجازيين. والتناقض لا يمكن أن يصدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ففي هذه المتناقضات ما هو كذب، والمحدثون يحملونه (¬2). [ب] روايتهم للأحاديث الموضوعة التي تجافي تنزيه الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وتتنافر مع روح الإسلام، إذ تبرزه كأنه يتآلف مع العقائد التي تدعو إلى التجسيم والتشبيه والحلول (¬3). [ج] تناقضهم في الجرح والتعديل «قَالُوا: وَمِنْ عَجِيبِ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ يَنْسُبُونَ ¬
الشَّيْخَ إِلَى الْكَذِبِ وَلاَ يَكْتُبُونَ عَنْهُ مَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْمُحَدِّثُونَ، بِقَدْحِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَعَلِيِّ بن المَدِينِيّ وَأَشْبَاهَهُمَا. وَيَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - فِيمَا لاَ يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ... وَيُبَهْرِجُونَ الرَّجُلَ بِالقَدَرِ، فَلاَ يَحْمِلُونَ عَنْهُ كَغَيْلَانَ، وَعَمْرَو بْنِ عُبَيْدٍ وَمَعْبَدَ الجُهَنِيِّ، وعَمْرو بْنِ فَائِدٍ، وَيَحْمِلُونَ عَنْ أَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَقَالَتِهِمْ، كَقَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ...» (¬1). [د] جَهْلُهُمْ بِمَا يَرْوُونَهُ، وَوُقُوعِ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ مِنْهُمْ، وَقالُوا فِي ذَلِكَ: زوامِلُ لِلأشْعَارِ، لاَ عِلْمَ عِنْدَهُمْ ... بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلْمِ الْأَبَاعِرِ لَعَمْرُكَ مَا يَدْرِي الْبَعِيرُ إِذَا غَدَا ... بِأَحْمَالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الْغَرَائِرِ وَرَضُوا بِأَنْ يُقَال: فُلَانٌ عَارِفٌ بِالطُّرُقِ، وَرَاوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ، وَزَهِدُوا فِي أَنْ يُقَالَ: عَالِمٌ بِمَا كَتَبَ، أَوْ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ. [ثُمَّ رَوَوْا طَرَفًا مِنْ أَخْبَارِ تَصْحِيفِهِمْ وَعَدَمِ فَهْمِهِمْ] (¬2) (*). هذا موجز لما حكاه ابن قتيبة مما أخذه المتكلمون على أهل الحديث وَقَدْ رَدَّ ابن قتيبة على المعتزلة، مدافعًا عن أهل الحديث، مُفنِّدًا ما أخذ عليهم. أما بالنسبة للأحاديث المختلفة والمشكلة، أو بعبارة أخرى: الآحاديث التي ظنها المتكلمون مختلفة أو مشكلة، فلا اختلاف فيها ولا إشكال في الحقيقة، ولو ردوها إلى أهل العلم بها لوضح لهم المنهج، ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة وحب الاتباع، وقد ألف ابن قتيبة كتابه هذا لينفي التعارض والإشكال عن الحديث، كما ألف غيره في هذا الموضوع. ¬
وأما بالنسبة للاتهام الثاني، وهو حمل الضعيف ورواية الموضوعات من الأحاديث فَيُفَنِّدُهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِقَوْلِهِ: «وَقَدْ يَعِيبُهُمُ الطَّاعِنُونَ بِحَمْلِهِمُ الضَّعِيفَ، وَطَلَبِهِمْ الغَرَائِبَ، وَفِي الغَرِيبِ الدَّاءُ. وَلَمْ يَحْمِلُوا الضَّعِيفَ وَالغَرِيبَ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُمَا حَقًّا، بَلْ جَمَعُوا الغَثَّ وَالسَّمِينَ، وَالصَّحِيحَ وَالسَّقِيمَ، لِيُمَيِّزُوا بَيْنَهُمَا، وَيَدُلُّوا عَلَيْهِمَا، وَقَدْ فَعَلُوا ...» (¬1)، ثم أورد جملة من الأحاديث التِي نَبَّهَ المُحَدِّثُونَ على بطلانها، ومنها أحاديث وضعها الزنادقة ليُشَنِّعُوا بها على المسلمين وعلى أهل الحديث. والحق أَنَّ المُحَدِّثِينَ في تحقيقهم للنصوص، ونقدهم للحديث شكلاً وموضوعًا أو إسنادًا ومتنًا، منذ وقت مبكر للعصور الأولى للإسلام ليدخلون في زمن الأوائل القلائل الذين يرتادون ميدان البحث العلمي المنهجي على غير مثال يُحْتَذَى أَوْ نَمُوذَجٍ يُقلَّدُ، وكان يدفعهم إلى ذلك غيرة على الدين وجهاد في سبيله، فَبَنَوْا سدودًا منيعة أمام سيل الوضع من الزنادقة وغيرهم من خصوم الإسلام. وقد شكا أحد الناس كثرة الأحاديث الموضوعة إلى أحد علماء الحديث - هو ابن المبارك - فرد عليه بأن الجهابذة من النُقَّادِ لها بالمرصاد (¬2) (*). ورد ابن قتيبة التهمة الثالثة مُبَيِّنًا أَنَّ المُحَدِّثِينَ أخذوا عن المبتدعة ما لا يحتجون به لمذاهبهم إذا كانوا صادقين: «وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الحَدِيثَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ مُخَالِفِيهِمْ، كَقَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَيَمْتَنِعُونَ عَنِ الكِتَابَةِ عَنْ مِثْلِهِمْ، مِثْلَ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وَعَمْرِو بْنِ فَائِدٍ، وَمَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَتَبُوا عَنْهُمْ، أَهْلُ عِلْمٍ وَأَهْلُ صِدْقٍ فِي الرِّوَايَةِ، وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ، فَلَا بَأْسَ بِالكِتَابَةِ عَنْهُ، وَالعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ، إِلَّا فِيمَا اعْتَقَدَهُ مِنَ الهَوَى، ¬
فَإِنَّهُ لاَ يَكْتُبُ عَنْهُ، وَلاَ يَعْمَلُ بِهِ، كَمَا أَنَّ الثِّقَةَ العَدْلَ، تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَلاَ لابْنِهِ، وَلاَ لأَبِيهِ، وَلاَ فِيمَا جرَّ إِلَيْهِ نَفَعًا، أَوْ دَفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا. وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الصَّادِقِ، فِيمَا وَافَقَ نِحْلَتَهُ، وَشَاكَلَ هَوَاهُ، لأَنَّ نَفْسَهُ تُرِيهِ أَنَّ الحَقَّ فِيمَا اعْتَقَدَهُ، وَأَنَّ القُرْبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَثْبِيتِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلاَ يُؤْمَنُ مَعَ ذَلِكَ، التَّحْرِيفُ، وَالزِّيَادَةُ، وَالنُّقْصَانُ» (¬1). وبالنسبة للاتهام الرابع أجاد ابن قتيبة في دفعه، مُبَيِّنًا أنَّ المُحَدِّثِينَ صِنْفٌ فِيهِمْ الجَيِّدُ والرَدِيء، وأنه لا وجه لتخصيص أهل الحديث بإحصاء السقطات عليهم وعيبهم بذلك، فقال: «وَأَمَّا طَعْنُهُمْ عَلَيْهِمْ بِقِلَّةِ المَعْرِفَةِ لِمَا يَحْمِلُونَ، وَكَثْرَةِ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ، فَإِنَّ النَّاسَ لاّ يَتَسَاوُونَ جَمِيعًا فِي المَعْرِفَةِ وَالفَضْلِ، وَلَيْسَ صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ وَلَهُ حَشْوٌ وَشَوْبٌ، فَأَيْنَ هَذَا العائب لَهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِكُلِّ فَنٍّ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، [وَابْنِ عَوْنٍ]، وَأَيُّوبَ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ المُبَارَكِ، وَأَمْثَالِ هَؤُلاَءِ مِنَ المُتْقِنِينَ؟. عَلَى أَنَّ المُنْفَرِدَ بِفَنٍّ مِنَ الفُنُونِ، لاَ يُعَابُ بِالزَّلَلِ فِي غَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَى المُحَدِّثِ عَيْبٌ أَنْ يَزِلَّ فِي الإِعْرَابِ، وَلاَ عَلَى الفَقِيهِ أَنْ يَزِلَّ فِي الشِّعْرِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عِلْمٍ أَنْ يُتْقِنَ فَنَّهُ، إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَانْعَقَدَتْ لَهُ الرِّئَاسَةُ بِهِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ لِلْوَاحِدِ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ، وَاللَّهُ يُؤْتِي الفَضْلَ مَنْ يَشَاءُ ... وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالأَدَبِ إِلاَّ وَقَدْ أَسْقَطَ فِي عِلْمِهِ كَالأَصْمَعِيِّ، وَأَبِي زَيْدٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَسِيبَوَيْهِ، وَالاَخْفَشِ، وَالكِسَائِيِّ، وَالفَرَّاءِ، وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، وَكَالأَئِمَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ، ¬
وَالْأَئِمَّةِ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ عَلَى الشُّعَرَاءِ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَالإسْلامِ الخَطَأَ فِي المَعَانِي وَفِي الإعْرَابِ، وَهُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَبِهِمْ يَقَعُ الاحْتِجَاجُ. فَهَلْ أَصْحَابُ الحَدِيثِ فِي سَقَطِهِمْ إِلاَّ كَصِنْفٍ مِنَ النَّاسِ؟» (¬1). وبعد أن عرضنا لمآخذ المتكلمين على المحدثين، وما دافع به المحدثون عن أنفسهم، ننتقل إلى استعراض مآخذ أهل الحديث على المعتزلة من وجهة نظر ابن قتيبة أيضًا. وهي تتلخص فيما يأتي: [أ] كثرة خلاف المعتزلة مما نتج عنه كثرة فرقهم، وإذا كانت الأحاديث المختلفة هي السر في اختلاف الفقهاء كما زعموا، فما الذي جعل المعتزلة يختلفون مع أنهم يعتمدون على العقل والنظر، ولو كان اختلاف المعتزلة في الفروع لاتسع لهم العذر، ولكن اختلافهم في العقائد «وَقَدْ كَانَ يَجِبُ -[مَعَ] مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ القِيَاسِ وَإِعْدَادِ آلَاتِ النَّظَرِ- أَنْ لَا يَخْتَلِفُوا ... فَمَا بَالُهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ اخْتِلَافًا، لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ فِي الدِّينِ. فَأَبُو الهُذَيْلِ العَلَّافُ يُخَالِفُ النَّظَّامَ، وَالنَّجَّارُ يُخَالِفُهُمَا، وَهِشَامُ بْنُ الحَكَمِ يُخَالِفُهُمْ ... لَيْسَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ إِلَّا وَلَهُ مَذْهَبٌ فِي الدِّينِ، يُدَانُ بِرَأْيهِ وَلَهُ عَلَيْهِ تَبَعٌ» (¬2). [ب] انحرافات بعض أئمتهم سواء في سلوكهم أو في آرائهم في العقيدة والفروع (¬3). [ج] تهجم بعضهم على الصحابة وَجُرْأتُهُمْ عَلَيْهِمْ. وتجريحهم لهم، وانتقاصهم إياهم، كما جَرَّحَ النَّظَّامُ أبا بكر وعمر وابن مسعود وأبا هريرة وحُذيفة وغيرهم (¬4). ¬
[د] رَفْضُ بعضهم لِلْسُّنَّةِ أَصْلاً وعدم اعتبارها أصلاً من أصول التشريع، ورَفْضُ بعضهم خبر الآحاد وعدم اعترافه إلاّ بالخبر المتواتر، وقد ناقش هذين الإمام الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (¬1)، أما الذين قبلوا أخبار الآحاد منهم فقد اختلفوا اختلافًا كبيرًا في شروط قبولها ممّا قد يظن معه عزوفهم عن السنة، «فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَثْبُتُ الخَبَرُ بِالوَاحِدِ الصَّادِقِ، وَقَالَ آخَرُ: يَثْبُتُ بِثَلَاثَةٍ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (¬2) قَالُوا: وَأَقَلُّ مَا تَكُونُ الطَّائِفَةُ ثَلَاثَةٌ، وَغَلَطُوا فِي هَذَا القَوْلِ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ تَكُونُ وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَكْثَرَ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ بِمَعْنَى القِطْعَةِ، وَالوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ قِطْعَةً مِنَ القَوْمِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3) يُرِيدُ الوَاحِدَ وَالاِثْنَيْنِ، وَقَالَ آخَرُ: يَثْبُتُ بِأَرْبَعَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (¬4)، وَقَالَ آخَرُ: يَثْبُتُ بِاثْنَيْ عَشَرَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} (¬5)، وَقَالَ آخَرُ: يَثْبُتُ بِعِشْرِينَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (¬6) وَقَالَ آخَرُ: يَثْبُتُ بِسَبْعِينَ رَجُلاً، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} (¬7)، فَجَعَلُوا كُلَّ عَدَدٍ ذُكِرَ فِي القُرْآنِ حُجَّةً فِي صِحَّةِ الخَبَرِ» (¬8). ¬
[هـ] تَعَسُّفُهُمْ في تأويل القرآن لحمله على مذاهبهم. «وَفَسَّرُوا القُرْآنَ بِأَعْجَبِ تَفْسِيرٍ، يُرِيدُونَ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَى مَذَاهِبِهِمْ، وَيَحْمِلُوا التَّأْوِيلَ عَلَى نِحَلِهِمْ» (¬1). هذا موجز لمآخذ المحدثين على المعتزلة كما عرضها ابن قتيبة ونضيف إليها ما سبق أن ذكرناه من أن أهم ظاهرة أساءت إلى المعتزلة وَنَفَّرَتْ مِنْهُمْ جُمْهُورَ الأُمَّةِ هي محاولتهم حمل الناس على آرائهم بالقوة، وسعيهم في قهر المُحَدِّثِينَ على أن يعترفوا بأن كل آرائهم المخالفة للمعتزلة أخطاء توجب عليهم التوبة والاستغفار. على أننا ينبغي أن نلاحظ أن المآخذ السابقة هي ظواهر للخلاف، أما السبب الرئيسي أو جوهر الخلاف فيجدر بنا أن نستخرجه من نشأة المعتزلة الذين أَدُّوا دَوْرًا هَامًّا فِي الفِكْرِ الإِسْلَامِيِّ، والذين كانوا من مظاهر الصحة له في النصف الأول من القرن الثاني، حيث هَالَهُمْ هذا الحشو الكبير الذي دخل في الحديث مما كان التسليم به يُشَوِّهُ جوهر الإسلام، بل كان فيما دخل في الحديث دعوة صريحة إلى التجسيم والحلول والثنوية وغيرها من الأفكار الدخيلة التي تتسرب بسرعة إلى العامة، وتجد لها في صفوف المُحَدِّثِينَ وبعض المشهورين في العلم أئمة يدعون إليها كمقاتل بن سليمان (¬2). ومن ثَمَّ أخذ أوائل المعتزلة يحاربون هذه الأحاديث لا عن طريق السند فقط بل عن طريق العقل أيضًا، والحملة على هذه الأحاديث تستتبع الحملة على رُواتها من المُحَدِّثِينَ، بل يذهب بعضهم في سوء الظن إلى غايته فيشك في الحديث كله. وفي الرُواة كلهم حتى الصحابة. إن منهج السلف لم يعد يعجبهم، منهج التمسك بالظاهر وعدم التأويل إذ في هذا حَجْرٌ عَلَى العَقْلِ، ولا غناء فيه لمن يبغي محاربة أعداء الإسلام ممن لا يؤمن بالنقل، بَلْ يَتَسَلَّحُ بالمنطق والفلسفة والجوهر. ¬
والعرض، وهكذا ظهر (العقل) في مقابلة (النقل)، و (التأويل) مقابلاً لـ (التقليد)، وظهر (التوفيق) و (الدراية) مقابلة لـ (الرواية)، وبدأ النزاع عنيفًا، تتدخل فيه السياسة أحيانًا والتنافس العلمي أحيانًا أخرى، ويوجد من الفريقين متطرفون يبعدون بتطرفهم عن قصد الإسلام وَمَنْهَجِهِ السَّوِيِّ، وينسى هؤلاء وهؤلاء الغاية المشتركة بين المخلصين منهم وهي تنزيه الله سبحانه والدفاع عن الإسلام فيستغرقون في الخصومة حتى تصل بهم إلى المُهاترة، فيبالغون في التشويه والاستهزاء ويتناول كل من الطرفين الجانب السيء من خصمه فيذيعه ويجعله عَلَمًا عَلَيْهِ، ويغفل فيه جانبه الوضيء ويواريه. لقد أطلق المعتزلة ألسنتهم في أهل الحديث، واتهموهم بالجمود والغفلة، وعدم الفطنة، «وَقَدْ لَقَّبُوهُمْ بِالحَشْوِيَّةِ، وَالنَّابِتَةِ، وَالمُجَبِّرَةِ، وَرُبَّمَا قَالُوا: الجَبْرِيَّةَ. وَسَمَّوْهُمُ الغُثَاءَ وَالغُثْرَ» (¬1). ويشير كتاب المأمون الذي أرسله إلى عامله إسحاق بن إبراهيم بخصوص محنة خلق القرآن - يشير إلى استعلاء المعتزلة وغُرورهم الفكري، من مثل قوله: «وَقَدْ عَرَفَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَنَّ الجُمْهُورَ الأَعْظَمَ، وَالسَّوَادَ الأَكْبَرَ مِنْ حَشْوِ الرَّعِيَّةِ وَسَفَلَةِ العَامَّةِ، مِمَّنْ لَا نَظَرَ لَهُ وَلَا رَوِيَّةَ، وَلَا اسْتِدْلَالَ لَهُ بِدَلَالَةِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ، وَلَا اسْتِضَاءَةً بِنُورِ العِلْمِ وَبُرْهَانِهِ، فِي جَمِيعِ الأَقْطَارِ وَالآفَاقِ - أَهْلِ جَهَالَةٍ بِاللَّهِ وَعُمْيٍ عَنْهُ، وَضَلَالَةٍ عَنْ حَقِيقَةِ دِينِهِ وَتَوْحِيدِهِ ¬
وَالإِيمَانِ بِهِ، وَنُكُوبٍ عَنْ وَاضِحَاتِ أَعْلَامِهِ وَوَاجِبِ سَبِيلِهِ .. لِضَعْفِ آرَائِهِمْ وَنَقْصِ عُقُولِهِمْ، وَجَفَائِهِمْ عَنْ التَّفَكُّرِ وَالتَّذَكُّرِ». ويقول عن المحدثين: «ثَمَّ هُمْ الذِينَ جَادَلُوا بِالبَاطِلِ فَدَعُوا إِلَى قَوْلِهِمْ وَنَسَبُوا أَنَفْسَهُمْ إِلَى السُّنَّةِ .. ثَمَّ أَظْهَرُوا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَهْل الحَقِّ وَالدِّينِ وَالجَمَاعَةِ، وَأَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ أَهْلُ البَاطِلِ وَالكُفْرِ وَالفُرْقَةِ، فَاسْتَطَالُوا بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَغَرُّوا بِهِ الجُهَّالَ، حَتَّى مَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السَّمْتِ الكَاذِبِ وَالتَّخَشُّعِ لَغَيْرِ اللَّهِ وَالتَّقَشُّفِ لَغَيْرِ الدِّينِ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ عَلَيْهِ وَمُوَاطَأَتِهِمْ عَلَى سَيِّئِ آرَائِهِمْ، تَزَيُّنًا بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَتَصَنُّعًا لِلْرِّيَاسَةِ وَالعَدَالَةِ فِيهِمْ، فَتَرَكُوا الحَقَّ إِلَى بَاطِلِهِمْ، وَاِتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ إِلَى ضَلاَلَتِهِمْ، فَقَبِلَتْ بِتَزْكِيَتِهِمْ لَهُمْ شِهَادَتَهُمْ وَنَفَّذَتْ أَحْكَامَ الكِتَابِ بِهِمْ، عَلَى دَغَلِ دِينِهِمْ وَنَغَلِ أَدِيمِهِمْ، وَفَسَادِ نِيَّاتِهِمْ وَيَقِينِهِمْ» (¬1). ويروي ابن قتيبة «عَنْ عَمْرِو بْنِ النَّضْرِ قَالَ: مَرَرْتُ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَذَكَرَ شَيْئًا، فَقُلْتُ: " مَا هَكَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا ". قَالَ: " وَمَنْ أَصْحَابُكَ؟ ". قُلْتُ: " أَيُّوبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَيُونُسُ، وَالتَّيْمِيُّ ". فَقَالَ: " أُولَئِكَ أَرْجَاسٌ أَنْجَاسٌ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ "». ثم يعلق ابن قتيبة بقوله: «وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ [الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ]، غُرَّةُ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، فِي العِلْمِ، وَالْفِقْهِ، وَالْاجْتِهَادِ فِي العِبَادَةِ، وَطِيبِ الْمَطْعَمِ» (¬2). ¬
الخصومة بين المحدثين والفقهاء
وَسَمَّى المُحَدِّثُونَ خُصُومَهُمْ (أَهْلَ البَاطِلِ وَالكُفْرِ وَالفُرْقَةِ) كما سبق في كتاب المأمون، وَرَمَوْهُمْ بالبدعة والهوى والضلالة والغُرُورِ، كما سبق في مقدمة الخطيب لكتابه " شرف أصحاب الحديث " (¬1). وينبغي أن نشير إلى أن الخصومة للمتكلمين لم تكن مقصورة على أهل الحديث، بل إن الفقهاء أيضًا لم تكن علاقتهم بالمتكلّمين علاقة مَوَدَّةٍ، ولم يكن رأيهم فيهم حسنًا. ولكن البحث يدور هنا على العلاقة التي يكون أهل الحديث طرفًا فيها (¬2). الخُصُومَةُ بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَالفُقَهَاءِ: وكما نشبت الخصومة بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الكَلَامِ نشبت أيضًا خصومة بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَالفُقَهَاءِ، ولكنها كانت مقصورة على فقهاء الرأي في البداية ثم أصحبت بينهم وبين عامة الفقهاء في عصور التقليد. اتهم المحدثون فقهاء أهل الرأي بجهل السنة والرغبة عنها، والاغترار بالعقل وإعطائه من التقدير فوق ما يستحق. ولذلك يضعهم ابن قتيبة في صف المتكلّمين فيوجه هجومه إلى هؤلاء وهؤلاء، يقول: «ثُمَّ نَصِيرُ إِلَى أَصْحَابِ الرَّأْيِ، فَنَجِدُهُمْ أَيْضًا يَخْتَلِفُونَ وَيَقِيسُونَ، ثُمَّ يَدَّعُونَ القِيَاسَ وَيَسْتَحْسِنُونَ، وَيَقُولُونَ بِالشَّيْءِ وَيَحْكُمُونَ بِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ ...» (¬3). ويقول: «وَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَلْهَجَ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وتنقصهم والبعث عَلَى قَبِيحِ أَقَاوِيلِهِمْ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهَا، مِنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ¬
الْحَنْظَلِيِّ المَعْرُوفِ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ». «وَكَانَ يَقُولُ: نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَنَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَزِمُوا القِيَاسَ ...» (¬1). والواقع أَنَّ حَمْلَةَ المُحَدِّثِينَ على أصحاب الرأي - أو بعبارة مساوية، على أصحاب أبي حنيفة - كانت عنيفة ملتهبة، يشوبها شيء من الجور، ويقودها كثير من التزمت وعدم التسامح، حتى إن بعضهم ما كانوا يسمحون لأصحاب الرأي بالجلوس إليهم والاستماع منهم، وقد نلتمس لهم العذر إذا تذكرنا ما سبق أن أشرنا إليه، من سلوك أهل الرأي طريق الجدل والمناقشة التي قد تدفع المحدثين إلى مضايق الكلام أو مجاهله، فيحصرون أو يفحمون (¬2). ولكن هذا لا يعني أَنَّنَا نُؤَيِّدُ هَذَا السُّلُوكَ مِنْ بَعْضِ المُحَدِّثِينَ، فإن العلم الذي يحملونه مأمورون بتبليغه، وليس لهم الحق في منعهم من شاءوا منه. وقد ذكر لنا الخطيب بَعْضَ هَؤُلَاءِ المُتَزَمِّتِينَ، فَرَوَى عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، قَالَ: «" قَدِمَ عَلَيْنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الفَزَارِيُّ [قَالَ]: فَاجْتَمَعَ النَّاسُ يَسْتَمِعُونَ مِنْهُ قَالَ: فَقَالَ لِي: " اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَقُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ القَدَرِ فَلَا يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، وَمَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، وَمَنْ كَانَ يَأْتِي السُّلْطَانَ فَلَا يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا "، قَالَ: " فَخَرَجْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّاسَ "». وَرَوَى «أَنَّ أَبَا يُوسُفَ جَاءَ إِلَى شَرِيكٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ [بِهَذَا الحَدِيثِ]، فَأَبَى شَرِيكٌ أَنْ يُحَدِّثَهُ». ¬
كما يروى أنَّ شريكًا قال في مجلس تحديثه: «مَنْ كَانَ هَهُنَا مِنْ أَصْحَابِ يَعْقُوبَ فَأَخْرِجُوهُ»، قَالَ: «يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ» (¬1). ويحكي أبو زُرعة الرازي صورة من الصراع بين المحدثين والفقهاء، فينقل عن بعض أصحاب الحديث (*) أنه قال: «كُنْتُ بِمِصْرَ، فَرَأَيْتُ قَاضِيًا لَهُمْ فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ، وَأَنَا مِمْرَاضٌ. فَسَمِعْتُ القَاضِيَ يَقُولُ: " مَسَاكِينُ أَصْحَابِ الحَدِيثِ لَا يُحْسِنُونَ الفِقْهَ ". فَحَبَوْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: " اخْتَلَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِرَاحَاتِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَأَيُّ شَيْءٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَأَيُّ شَيْءٍ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَيُّ شَيْءٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ؟ " فَأُفْحِمَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - بْنِ الحَسَنِ [الهِسِنْجَانِيُّ] (*) الذي يروي عنه أبو زرعة -: " فَقُلْتُ لَهُ: زَعَمْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الحَدِيثِ لَا يُحْسِنُونَ الفِقْهَ، وَأَنَا مِنْ أَخَسِّ أَصْحَابِ الحَدِيثِ، سَأَلْتُكَ عَنْ هَذِهِ فَلَمْ تُحْسِنْهَا، فَكَيْفَ تُنْكِرُ عَلَى قَوْمٍ أَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ شَيْئًا وَأَنْتَ لَا تُحْسِنُهُ؟» (¬2). فهذه صورة فيها انتصار لأهل الحديث تبين لون نشاطهم ومجال براعتهم إذ لم يفخر المناظر بدقة استنباط أو براعة تطبيق، بل بحفظ آثار ومعرفة اختلاف. ولكن هلال الرأي في الطرف الآخر ينقل صورة تبرز مكانة الفقهاء وفضلهم على أهل الحديث باستنباطهم للمعاني الدقيقة، يَقُولُ هِلَالُ الرَّأْيِ: «كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى غُنْدَرٍ أَكْتُبُ عَنْهُ، وَكَانَ يَسْتَثْقِلُنِي لِلْمَذْهَبِ فَأَتَيْتُهُ يَوْمًا، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَآنِي أَظْهَرَ اسْتِثْقَالًا، وَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيثِ يُحَدِّثُهُمْ لِكَرَاهَتِهِ لِي، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ فَقُلْتُ:" أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِيثَ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ المُرَادِيِّ: أَنْ يَهُودِيَّيْنِ نَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ ¬
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَالَا إِلَيْهِ، فَقَالَا: " نَسْأَلُكَ عَنِ التِّسْعِ الْآيَاتِ التِي جَاءَ بِهَا مُوسَى " قَالَ: " فَأَخْبَرَهُمَا بِهَا "، فَقَالَا لَهُ: " نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيُّ " قَالَ: " فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا؟ ". قَالَا: " نَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ ". فَقَالَ: " نَعَمْ حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، فَأَيُّ شَيْءٍ لِصَاحِبِكَ فِي هَذَا؟ ". قُلْتُ: " إِنَّهُمَا قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيُّ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى اليَهُودِيَّةِ، فَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ رِدَّةً مِنْهُمَا " فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِ الحَدِيثِ، فَقَالَ: " أَتُحْسِنُونَ أَنْتُمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ " ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: " أُحِبُّ أَنْ تَلْزَمَنِي وَتَبَسَّطَ إِلَيَّ "، ثُمَّ قُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَتَرَكْتُهُ» (¬1). وإذا كانت المرحلة في طلب الحديث من مفاخر المحدثين ومآثرهم حيث ينتقلون في البلدان، ويتحملون مشاق السفر وعناء الغربة من أجل العلم بالآثار وجمعها، فإن الفقهاء نازعوهم في هذه المأثرة، وادعوا أنها في كثير من الأحيان جهد ضائع ونصب لا طائل منه، وندع الرامهرمزي ينقل لنا صورة هذا النزاع في موضوع الرحلة بين المُحَدِّثِينَ وَالفُقَهَاءِ: «وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الفُقَهَاءِ يَذُمُّ أَهْلَ الرِّحْلَةِ فِي فَصْلٍ مِنْ كَلامٍ لَهُ: نَبَغُوا فَعَابُوا النَّاظِرِينَ المُمَيِّزِينَ وَبَدَّعُوهُمْ، وإِلَى الرَّأْيِ وَالكَلامِ فَنَسَبُوهُمْ، وَجَعَلُوا العِلْمَ الوَاجِبَ طَلَبَهُ، الدَّوَرَانَ وَالجَوَلَانَ فِي البُلْدَانِ، لالْتِمَاسِ خَبَرٍ لا يُفِيدُ طَائِلاً، وَأَثَرٍ لاَ يُوَرِّثُ نَفْعًا فَأَسْهَرُوا لَيْلَهُمْ، وَأَظْمَأُوا نَهَارَهُمْ، وَأَتْعَبُوا مَطِيَّهُمْ، وَاغْتَرَبُوا عَنْ بِلاَدِهِمْ، وَضَيَّعُوا مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ خُلَفَائِهِمْ، وَعَقُّوا الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ ... ، فَهُمْ حَيَارَى كَالأَنْعَامِ، إِنْ سُئِلُوا عَنْ مَسْأَلَةٍ، قَالُوا: هَلْ حَدَثَتْ هَذِهِ المَسْأَلَةُ حَتَّى تَقُولَ فِيهَا؟ فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ: هِيَ نَازِلَةٌ قَالُوا: مَا نَحْفَظُ فِيهَا شَيْئًا، فَإِنْ سُئِلُوا عَنِ السُّنَنِ، يَقُولُ خَطِيبُهُمْ: مَا تَحْفَظُونَ فِي " مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا "، وَ" مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا "، وَفِي " أَسْلَمَ سَالَمَهَا اللَّهُ " وَفِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ. وَقَالَ المُعَارِضُ لِصَاحِبِ هَذَا الكَلامِ: تَهَيَّبُوا كَدَّ الطَّلَبِ، وَمُعَالَجَةِ السَّفَرِ، وَبُعِلُوا - أي بهتوا ودهشوا - بِحِفْظِ الآثَارِ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهِمْ ¬
طَرَائِقُ الأَسَانِيدِ، وَوُجُوهُ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، فَآثَرُوا الدِّعَةَ، وَاسْتَلَذُّوا الرَّاحَةَ، وَعَادُوا مَا جَهِلُوا، وَعَلَى المَطَامِعِ تَأَلَّفُوا، وَفِي المَآثِمِ وَالحُطَامِ تَنَافَسُوا، وَتَبَاهُوا فِي الطَّيَالِسِ وَالقَلانِسِ، وَلازَمُوا أَفْنِيَةَ المُلُوكِ، وَأَبْوَابَ السَّلاطِينِ، وَنَصَبُوا المَصَايِدَ لأَمْوَالِ الأَيْتَامِ، وَالإِغَارَةِ عَلَى الوقُوفِ وَالأَوْسَاخِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى ابْتِيَاعِ صُحُفٍ دَرَسُوهَا ... فَإِنْ حَفِظَ أَحَدُهُمْ فِي السُّنَنِ شَيْئًا، فَمِنْ صَحِيفَةٍ مُبْتَاعَةٍ، كَفَاهُ غَيْرُهُ مُؤْنَةَ جَمْعِهِ وَشَرْحِهِ وَتَبْوِيبِهِ، مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ لَهَا وَلا دِرَايَةٍ بِوَزْنٍ مِنْ نَقْلِهَا فَإِنْ تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَسِيرُ، خَلَطَ الغَثَّ بِالسَّمِينِ، وَالسَّلِيمِ بِالجَرِيحِ، ثُمَّ فَخَّمَ مَا لَفَّقَ مِنَ المَسَائِلِ مَا شَاءَ، وَإِنَّهَا وَالسُّنَنَ المَأْثُورَةِ ضِدَّانِ، فَإِنْ قُلِبَ عَلَيْهِ إِسْنَادُ حَدِيثٍ تَحَيَّرَ فِيهِ تَحَيُّرَ المَفْتُونِ، وَصَارَ كَالحِمَارِ فِي الطَّاحُونِ، وَإِنْ شَاهِدَ المُذَاكَرَةَ سَمِعَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ الجَرَيَانِ فِيهِ، فَلَجَأَ إِلَى الإِزْرَاءِ بِفُرْسَانِهِ» (¬1). والواقع أن فئة ممن كانوا ينتسبون إلى الحديث كانوا يمثلون الثغرة التي أتى المحدثون مِنْ قِبَلِهَا، والتي أتاحت للمتكلمين ولأهل الرأي ولكل من عادى المحدثين، أَنْ يَتَسَوَّرُوا حِصْنَهُمْ، ويتمكنوا من طعنهم، هذه الفئة كان يغلب عليها التزمت، وضيق الأفق، وسطحية التفكير، مما كان يحملها على التسرع في الحكم، ويحول بينها وبين الفهم الصحيح. كان الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يتناشد مع بعض معاصريه شعر هُذيل، فأتى عليه الشافعي حفظًا، وقال لمن كان يتناشد معه: «لَا تُعْلِمْ بِهَذَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْتَمِلُونَ ذَلِكَ» (¬2). وقد جمع ابن الجوزي المآخذ التي أخذت على المحدثين والفقهاء في كتابه " نقد العلم والعلماء ". ويفهم من كلامه أنه يعني المحدثين والفقهاء في عصره، وقد نقدهم نقدًا شديدًا، فأما المحدثين فقد ذكر أن قومًا منهم «اسْتَغْرَقُوا أَعْمَارَهُمْ فِي ¬
سَمَاعِ الحَدِيثِ وَالرِّحْلَةِ فِيهِ وَجَمْعِ الطُّرُقِ الكَثِيرَةِ وَطَلَبِ الأَسَانِيدِ العَالِيَةِ وَالمُتُونِ الغَرِيبَةِ (¬1) وَهَؤُلَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ قَصَدُوا حِفْظَ الشَّرْعِ بِمِعْرِفَةِ صَحِيحِ الحَدِيثِ مِنْ سَقِيمِهِ وَهُمْ مَشْكُورُونَ عَلَى هَذَا القَصْدِ إِلَّا أَنَّ إِبْلِيسَ يُلَبِّسُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَشْغَلَهُمْ بِهَذَا عَمَّا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ مِنْ مِعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَالاجْتِهَادُ فِي أَدَاءِ اللَّازِمِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الحَدِيثِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ فَعَلَ هَذَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ كَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَابْنُ المَدِينِيِّ وَالبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَالجَوَابُ أَنَّ أُولَئِكَ جَمَعُوا بَيْنَ مَعْرِفَةِ المُهِمِّ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالفِقْهِ فِيهِ وَبَيْنَ مَا طَلَبُوا مِنَ الحَدِيثِ ...» ثم يقول عَنْ مُحَدِّثِي زَمَانِهِ: «فَتَرَى المُحَدِّثَ يَكْتُبُ وَيَسْمَعُ خَمْسِينَ سَنَةً وَيَجْمَعُ الكُتُبَ وَلَا يَدْرِي مَا فِيهَا وَلَوْ وَقَعَتْ لَهُ حَادِثَةٌ فِي صَلَاتِهِ لافْتَقَرَ إِلَى بَعْضِ أَحْدَاثِ المُتَفَقِّهَةِ الذِينَ يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ لِسَمَاعِ الحَدِيثِ مِنْهُ وَبِهَؤُلَاءِ تَمَكَّنَ الطَّاعِنُونَ عَلَى المُحَدِّثِينَ فَقَالُوا: " زَوَامِلُ أَسْفَارٍ لَا يَدْرُونَ مَا مَعَهُمْ "، فَإِنْ أَفْلَحَ أَحَدُهُمْ وَنَظَرَ فِي حَدِيثِهِ فَرُبَّمَا عَمِلَ بِحَدِيثٍ مَنْسُوخٍ، وَرُبَّمَا فَهِمَ مِنَ الحَدِيثِ مَا يَفْهَمُ العَامِّيُّ الجَاهِلُ وَعَمِلَ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ بِالمُرَادِ مِنَ الحَدِيثِ». ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ فَهِمَ مِنْ نَهْيِ الحَدِيثِ " أَنْ يَسْقِي الرَّجُلُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ " أنه نَهْيٌ عَنْ سَقْيِ البَسَاتِينِ، مَعَ أَنَّهُ " نَهْيٌ عَنْ وَطْءِ الحَبَالَى "، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنَ " النَّهْيِ عَنْ الحِلَقِ قَبْلَ الجُمُعَةِ " أنَّهُ الحَلْقُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ صَاعِدٍ كَبِيرَ القَدْرِ في المُحَدِّثِينَ، لَكِنَّهُ لَمَّا قَلَّتْ مُخَالَطَتُهُ لِلْفُقَهَاءِ كَانَ لَا يَفْهَمُ جَوَابَ فَتْوَى - ثُمَّ رَوَى حَادِثَةً فِي ذَلِكَ -، قال المُصَنِّفُ: «وَكَانَ ابْنُ شَاهِينَ قَدْ صَنَّفَ فِي الحَدِيثِ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةً أَقَلُّهَا جُزْءٌ، وَأَكْثَرُهَا التَّفْسِيرُ وَهُوَ ¬
أَلْفَ جُزْءٍ وَمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ الْفِقْهِ شَيْئًا وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ يُقْدِمُ عَلَى الْفَتْوَى بِالخَطَأِ لِئَلَّا يُرَى بِعَيْنِ الْجَهْلِ، فَكَانَ فِيهِمْ مِنْ يَصِيرُ بِمَا يُفْتِي بِهِ ضُحَكَةً، فَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ مِنَ الْفَرَائِضِ فَكَتَبَ فِي الْفَتْوَى: تُقَسَّمُ عَلَى فَرَائِضِ اللَهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ... وَقَدْ رَأَّيْنَا فِي زَمانِنَا مِنْ يَجْمَعُ الْكُتُبَ مِنْهُمْ وَيُكْثِرُ السَّمَّاعَ وَلَا يَفْهَمُ مَا حَصَلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْفِّظُ القُرْآنَ وَلَا يَعْرِفُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ فَتَشَاغَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى زَعْمِهِمْ بِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ عَنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَإِيثَارِ مَا لَيْسَ بِمُهِمِّ عَلَى الْمُهِمِّ مِنْ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ. الْقِسْمُ الثَّانِي: قَوْمٌ أَكَثَّرُوا سَمَاعَ الْحَديثِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ صَحِيحًا وَلَا أَرَادُوا مَعْرِفَةَ الصَّحِيحَ مِنْ غَيْرِه بِجَمْعِ الطُّرُقِ وَإِنَّمَا كَانَ مُرَادُهُمْ الْعَوَالِي وَالْغرائبَ فَطَافُوا الْبُلْدَانَ لِيَقُولَ أَحَدُهُمْ: لَقِيَتُ فُلَانًا وَلِي مِنَ الأَسَانِيدِ مَا لَيْسَ لَغَيْرِي وَعِنْدِي أَحَادِيثٌ لَيْسَتْ عِنْدَ غَيْرِي ... وَمِنْ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ عَلَى أَصِحَابِ الْحَديثِ قَدْحُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ طَلَبًا لِلْتَّشَفِّي وَيُخْرِجُونَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، الذِي اِسْتَعْمَلَهُ قُدَمَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ لِلْذَّبِّ عَنْ الشَّرْعِ، وَاللَّهُ أَعلمَ بِالْمَقَاصِدِ. وَدَليلُ مَقْصَدِ خُبْثِ هَؤُلَاءِ سُكُوتُهُمْ عَمَّنَ أَخَذُوا عَنْهُ وَمَا كَانَ الْقُدَمَاءُ هَكَذَا فَقَدْ كَانَ عَلَيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ ضَعِيفًا ثَمَّ يَقُولُ: " وَفِي حَديثَ الشَّيْخِ مَا فِيه "» (¬1). وأما الفقهاء فيسرد ابن الجوزي ما يؤخذ عليهم وما به يلامون، وينقدهم بقوله: «كَانَ الْفُقَهَاءُ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ هُمْ أَهْلُ القُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فَمَا زَالَ الأَمْرُ يَتَنَاقَصُ حَتَّى قَالَ المُتَأَخِّرُونَ: يَكْفِينَا أَنْ نَعْرِفَ آيَاتَ الأَحْكَامِ مِنَ القُرْآنِ وَأَنْ نَعْتَمِدَ عَلَى الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْحَديثِ، كَـ " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " وَنَحْوِهَا ثُمَّ اِسْتَهَانُوا بِهَذَا الأَمْرِ أَيْضًا وَصَارَ أَحَدُهُمْ يَحْتَجُّ بِآيَةٍ لَا يَعْرِفُ مَعَنَاهَا؛ وَبِحَدِيثٍ لَا يَدْرِي أَصَحِيحٌ هُوَ أَمْ لَا، وَرُبَّمَا اِعْتَمَدَ عَلَى قِيَاسٍ ¬
من نتائج صراع المحدثين مع الفقهاء والمتكلمين
يُعَارِضُهُ حَديثٌ صَحِيحٌ وَلَا يَعْلَمُ لِقِلَّةِ اِلْتِفَاتِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّقْلِ. وَإِنَّمَا الْفِقْهُ اِسْتِخْرَاجٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَخْرِجُ مِنْ شَيْءٍ لَا يَعْرِفُهُ، وَمِنَ الْقَبِيحِ تَعْلِيقُ حُكْمٍ عَلَى حَديثٍ لَا يَدْرِي أَصَحِيحٌ هُوَ أَمْ لَا. وَمِنْ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ عَلَى الْفُقَهَاءِ أَنَّ جُلَّ اِعْتِمادِهِمْ عَلَى تَحْصِيلِ عَلْمِ الْجَدَلِ وَيَطْلُبُونَ بِزَعْمِهِمْ تَصْحِيحَ الدَّليلِ عَلَى الْحُكْمِ وَالاِسْتِنْبَاطِ لِدَقائِقِ الشَّرْعِ وَعِلَلِ الْمَذَاهِبِ، وَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْهُمْ لَتَشَاغَلُوا بِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ وَإِنَّمَا يَتَشَاغَلُونَ بِالْمَسَائِلِ الْكِبَارِ لِيَتَّسِعَ فِيهَا الْكَلَامُ فَيَتَقَدَّمُ الْمُنَاظِرُ بِذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ فِي خِصَامِ النَّظَرِ، فَهَمَّ أَحَدُهُمْ بِتَرْتِيبِ الْمُجَادَلَةِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَى الْمُنَاقَضَاتِ طَلَبًا لِلْمُفَاخَرَاتِ وَالْمُبَاهَاةِ وَرُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ الْحُكْمَ فِي مَسْأَلَةٍ صَغِيرَةٍ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى. وَمِنْ ذَلِكَ إِيثَارُهُمُ لِلْقِيَاسِ عَلَى الْحَديثِ الْمُسْتَدَلِّ بِهِ فِي المَسْأَلَةِ لِيَتَّسِعَ لَهُمْ الْمَجَالُ فِي النَّظَرِ وَإِنْ اِسْتَدَلَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْحَدِيثِ هَجَنَ. وَمِنَ الأَدَبِ تَقْدِيمُ الاِسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا النَّظَرِ جُلَّ اِشْتِغَالِهِمْ وَلَمْ يَمْزِجُوهُ بِمَا يُرَقِّقُ الْقُلُوبَ مِنْ قِرَاءةِ الْقُرْآنِ وَسَمَاعِ الْحَدِيثِ وَسِيرَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقُلُوبَ لَا تَخْشَعُ بِتِكْرَارِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ، وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى التِّذْكَارِ وَالْمَوَاعِظِ لِتَنْهَضَ لِطَلَبِ الآخِرَةِ» (¬1). مِنْ نَتَائِجِ صِرَاعِ المُحَدِّثِينَ مَعَ الفُقَهَاءِ وَالمُتَكَلِّمِينَ: هذه هي أهم مظاهر النزاع بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَخُصُومِهِمْ من المُتَكَلِّمِينَ والفقهاء، وقد أسفرت هذه الخصومة عن نتائج، كان أهمها ما يلي: ¬
أولاً: كان اتهام المحدثين بقلة الفقه وكثرة التصحيف والاشتغال بما لا يفيد من جمع الغرائب والشواذ وغير ذلك، سببًا في أن يتنبه المحدثون للدخلاء عليهم من الطلبة السطحيين، فحذروا منهم وحاولوا تأديبهم وتثقيفهم، لِيَسُدُّوا الثغرة التي يؤتون منها. وكان هؤلاء الطلبة قد زاد عددهم زيادة ملحوظة منذ القرن الثاني: يقول أنس بن سيرين، مُبَيِّنًا ضخامة عددهم، ومُشيرًا إلى قلة الفقهاء منهم: «أَتَيْتُ الكُوفَةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا أَرْبَعَةَ آلافٍ يَطْلُبُونَ الحَدِيثَ، وَأَرْبَعَمِائَةٍ قَدْ فَقِهُوا» (¬1). هذا العدد الكبير في الكوفة، ومثلها غيرها من الأمصار قد اتخذ الحديث صناعة يرويه ويتفاخر أفراده بكثرة الشيوخ، ويتنافس بكثرة الطرق ويتكسب به، دون عناية بحسن الفهم أو صالح العمل، هذا الصنف من الطلبة هو الذي أساء إلى الحديث وإلى المحدثين، فكان من الطبيعي أن يتنبه إليهم المحدثون، وأن يكون إعلان الحرب عليهم أول وسائل الدفاع عن أنفسهم وبخاصة أنه كان لهذا الصنف من الطلبة سلف منذ عصر الصحابة، فقد نَظَرَ «[عُبَيْدُ اللَّهِ] بْنُ عُمَرَ إِلَى أَصْحَابِ الحَدِيثِ وَزِحَامِهِمْ، فَقَالَ: " شِنْتُمُ الْعِلْمَ وَذَهَبْتُمْ بِنُورِهِ. وَلَوْ أَدْرَكْنَا وَإِيَّاكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَأَوْجَعَنَا ضَرْبًا "» (¬2)، ونتج عن الحملة عليهم ومحاولة إصلاحهم التأليف في علوم الحديث. فابن قتيبة مع حسن بلائه في الدفاع عن أهل الحديث لا يسعه إلا أن يهاجم هذه الفئة بقوله: «عَلَى أَنَّا لَا نُخَلِّي أَكْثَرَهُمْ مِنَ الْعَذْلِ فِي كُتُبِنَا، فِي تَرْكِهِمُ الاشْتِغَالَ بِعِلْمِ مَا قَدْ كَتَبُوا، وَالتَّفَقُّهَ بِمَا جَمَعُوا، وَتَهَافُتِهِمْ عَلَى طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنْ عَشْرَةِ أَوْجُهٍ، أوعشرين وَجْهًا. وَقَدْ كَانَ فِي الْوَجْهِ الْوَاحِدِ الصَّحِيحِ، [وَالْوَجْهَيْنِ] مَقْنَعٌ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِهِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ أَعْمَارُهُمْ، وَلَمْ يَحِلُّوا مِنْ ذَلِكَ إِلا بِأَسْفَارٍ أَتْعَبَتِ الطَّالِب، وَلم ¬
تَنْفَع الْوَارِث. فَمَنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ، فَهُوَ عِنْدَنَا مُضَيِّعٌ لِحَظِّهِ، مُقْبِلٌ عَلَى مَا كَانَ غَيْرُهُ أَنْفَعَ لَهُ مِنْهُ» (¬1). ويؤلِّف الرامهرمزي كتابه في علوم الحديث " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ويشير العنوان إلى الفرق بين الراوي المجرد ومن يجمع إلى الرواية الوعي والدراية، ويؤكد الرامهرمزي هذا الفرق عِنْدَمَا بَيَّنَ أن الراوي المجرد قد يسيء إلى أهل الحديث، قال القاضي: «وَلَيْسَ لِلْرَاوِي الْمُجَرَّدِ أَنْ يَتَعَرَّفَ لَمَّا لاَ يَكْمُلُ لَهُ، فَإِنَّ تَرْكَهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ أَوْلَى بِهِ وَأَعْذَرُ لَهُ، وَكَذَلِكَ سَبِيلُ كُلِّ ذِي عِلْمٍ وَكَانَ حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السِّيرْجَانِيُّ، قَدْ أَكْثَرَ مِنَ السَّمَاعِ وَأَغْفَلَ الاسْتِبْصَارَ، فَعَمِلَ رِسَالَةً سَمَّاهَا (السُّنَّةُ وَالْجَمَاعَةُ) تَعَجْرَفَ فِيهَا، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهَا بَعْضُ الْكَتَبَةِ مِنْ أَبْنَاءِ خُرَاسَانَ مِمَّنْ يُتَعَاطَى الْكَلاَمَ، وَيُذْكَرُ بِالرِّيَاسَةِ فِيهِ وَالتَّقَدُّمِ، فَصَنَّفَ فِي ثَلْبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ كِتَابًا تَلَفَّظَ فِيهِ مِنْ كَلاَمِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَمِنْ كِتَابِ " التَّدْلِيسِ " لِلْكَرَابِيسِيِّ، وَ" تَارِيخِ " ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالْبُخَارِيِّ، مَا شَنَعَ بِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِ الْعِلْمِ، خَلَطَ الغَثَّ بِالسَّمِينِ، وَالْمَوْثُوقَ بِالظَّنِينِ ... وَلَوْ كَانَ حَرْبٌ مُؤَيِّدًا مَعَهُ الرِّوَايَةَ بِالْفَهْمِ لَأَمْسَكَ مِنْ عَنَانِهِ، وَدَرَى مَا يَخْرُجُ مِنْ لِسَانِهِ» (¬2). وتشير القصة السابقة إلى سبب تأليف هذا الكتاب، وقد صرح المؤلف بغرضه من هذا التأليف في مقدمته حيث قال: «اعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَشْنَأُ الْحَدِيثَ وَيُبْغِضُ أَهْلَهُ، فَقَالُوا بِتَنَقُّصِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالإِزْرَاءِ بِهِمْ، وَأَسْرَفُوا فِي ذَمِّهِمْ وَالتَّقَوُّلِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ شَرَّفَ اللَّهُ الْحَدِيثَ وَفَضَّلَ أَهْلَهُ ...» (¬3). ¬
ويوجه الخطاب إلى المحدثين ناصحاً لهم: «فَتَمَسَّكُوا ـ جَبَرَكُمُ اللَّهُ ـ بِحَدِيثِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبَيَّنُوا مَعَانِيهِ، وَتَفَقَّهُوا بِهِ، وَتَأَدَّبُوا بِآدَابِهِ، وَدَعُوا مَا بِهِ تُعَيَّرُونَ مَنْ تَتَبُّعِ الطُّرُقِ وَتَكْثِيرِ الأَسَانِيدِ، وَتَطَلُّبِ شَوَاذِّ الأَحَادِيثِ، وَمَا دَلَّسَهُ الْمَجَانِينُ، وَتَبَلْبَلَ فِيهِ الْمُغَفَّلُونَ، وَاجْتَهِدُوا فِي أَنْ تُوفُوهُ حَقَّهُ مِنَ التَّهْذِيبِ وَالضَّبْطِ وَالتَّقْوِيمِ، لِتَشْرُفُوا بِهِ فِي الْمَشَاهِدِ، وَتَنْطَلِقُ أَلْسِنَتُكُمْ فِي الْمَجَالِسِ» (¬1). إن كتاب " المحدث الفاصل " من أقدم الكتب في علوم الحديث إن لم يكن أقدمها على الإطلاق، فإذا وقعت الإشارة في مقدمته وفي موطن منه إلى أن سبب التأليف كان طعن المتكلمين في أهل الحديث، وأن هذا الكتاب دعوة إلى الوعي والفهم وترك ما يعاب به أهل الحديث، إذا كان ذلك كذلك كان لنا أن نستنتج أن التأليف في علوم الحديث كان من نتائج الخصومة بين المحدثين والمكتلمين، دفاعًا عن المحدثين وإرشادًا لهم، وأن أغلب موضوعاته كان منبعثًا عن قضايا علمية ماجت بها عصور التأليف وثارت فيها مناقشات بين المحدثين وغيرهم. ومما يؤكد ذلك أن الخطيب - وهو ممن أحسن التأليف في علوم الحديث وله فيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ - صَرَّحَ في كتابه " شرف أصحاب الحديث " بأن الدافع إلى تأليفه هذا الكتاب هو تهجم المتكلمين على أهل الحديث كما سبق (¬2)، ثم يؤلف كتابه " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " ويشير في مقدمته إلى كتاب " شرف أصحاب الحديث " وأنه كان قد ذكر في هذا الكتاب فضل المُتَتَبِّعِينَ لِآثَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالمُجْتَهِدِينَ ¬
في طلبها، ثم يبين غرضه من تأليف كتابه الثاني فينعى على كثير من المنتسبين للحديث سوء أدبهم وَقِلَّةَ فهمهم وسوء عنايتهم بالثقافة الإسلامية، وأن تأليفه هذا الكتاب إنما هو لإرشادهم وتأديبهم ويقول: «وَلِكُلِّ عِلْمٍ طَرِيقَةٌ يَنْبَغِي لأَهْلِهِ أَنْ يَسْلُكُوهَا، [وَآلاَتٌ] يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِهَا وَيَسْتَعْمِلُوهَا. وَقَدْ رَأَيْتُ خَلْقًا مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْحَدِيثِ، وَيَعُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ الْمُتَخَصِّصِينَ بِسَمَاعِهِ وَنَقْلِهِ، وَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ مِمَّا يَدَّعُونَ، وَأَقَلُّهُمْ مَعْرِفَةً بِمَا [إِلَيْهِ] يَنْتَسِبُونَ، يَرَى الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا كَتَبَ عَدَدًا قَلِيلاً مِنَ الأَجْزَاءِ، وَاشْتَغَلَ بِالسَّمَاعِ بُرْهَةً يَسِيرَةً مِنَ الدَّهْرِ، أَنَّهُ صَاحِبُ حَدِيثٍ عَلَى الإِطْلَاقِ، وَلَمَّا يُجْهِدْ نَفْسَهُ وَيُتْعِبْهَا فِي طِلاَبِهِ، وَلاَ لَحِقَتْهُ مَشَقَّةُ الْحِفْظِ لِصُنُوفِهِ وَأَبْوَابِهِ ... وَهُمْ مَعَ قِلَّةِ كَتْبِهِمْ لَهُ، وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهِ أَعْظَمُ النَّاسِ كِبْرًا، وَأَشَدُّ الْخَلْقِ تِيهًا وَعُجْبًا، لاَ يُرَاعُونَ لِشَيْخٍ حُرْمَةً، وَلاَ يُوجِبُونَ لِطَالِبٍ ذِمَّةً، ... خِلاَفَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعِلْمُ الَّذِي سَمِعُوهُ، وَضِدَّ الْوَاجِبِ مِمَّا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ، وَقَدْ وَصَفَ أَمْثَالَهُمْ بَعْضُ السَّلَفِ». ثم روى بسنده عن حماد بن سلمة قال: «لَا تَرَى صِنَاعَةً أَشْرَفَ، وَلَا قَوْمًا أَسْخَفَ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابِهِ، وَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ طَلَبَةُ الْحَدِيثِ أَكْمَلَ النَّاسِ أَدَبًا ...». ثُمَّ يَقُولُ مُبيِّنًا موضوعات كتابه: «وَأَنَا أَذْكُرُ فِي كِتَابِي هَذَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ مَا بِنَقَلَةِ الْحَدِيثِ وَحُمَّالِهِ حَاجَةٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ، مِنَ الأَخْذِ بِالْخَلاَئِقِ الزَّكِيَّةِ، وَالسُّلُوكِ لِلطَّرَائِقِ الرَّضِيَّةِ، فِي السَّمَاعِ وَالْحَمْلِ وَالأَدَاءِ وَالنَّقْلِ، وَسُنَنِ الْحَدِيثِ وَرُسُومِهِ، وَتَسْمِيَةِ أَنْوَاعِهِ وَعُلُومِهِ» (¬1). إن فيما كتبه الرَّامَهُرْمُزِي وفيما كتبه الخطيب في كتبه " تقييد العلم " و" الكفاية " و" الجامع " إرساء لأصول علم الحديث، وبيانًا لقواعده ¬
وآدابه، وفيها فصول هامة في كيفية كتابة الحديث، وفي تجويد الخط ووجوب الإعجام والشكل حذرًا من التصحيف، ووجوب المعارضة بالكتاب للتصحيح وإزالة الشك والارتياب وعقد الخطيب فصلاً في كتابه " الجامع " نص فيه على: «بَعْضُ أَخْبَارِ أَهْلِ الْوَهْمِ وَالتَّحْرِيفِ وَالْمَحْفُوظِ عَنْهُمْ مِنَ الْخَطَأِ وَالتَّصْحِيفِ» (¬1). ونقل عنهم صورًا مما حرفوه في السند، ثم عقد فصلاً آخر بعنوان (مَنْ صَحَّفَ فِي مُتُونِ الْأَحَادِيثِ) (¬2) ويعقد الرامهرمزي فصلين لبيان فضل من جمع بين الرواية والدراية وأن الرواة من تشتبه أسماؤهم أو كناهم، وهؤلاء محل إشكال، فإن منهم الثقة والضعيف، ويزداد الإشكال إذا كانوا في عصر واحد أو يروون عن شيخ واحد ثم يقول في نهاية الفصل الخاص بالمشكلة أسماؤهم أو كُناهم، مشيدًا بأهل الحديث ناعيًا على من يجهل هذا الباب ممن ينتسب إلى الحديث دون أن يعد له عدته: «فَهَذَا بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ جَسِيمٌ، مَقْصُورٌ عِلْمُهُ عَلَى أَهْلِ الحَدِيثِ الَّذِينَ نَشَؤُوا فِيهِ، وَعَنُوا بِهِ صِغَارًا، فَصَارَ لَهُمْ رِيَاضَةٌ، وَلاَ يَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ يَتَكَلَّفُهُ عَلَى الْكِبَرِ ... وَأَيُّ شَيْءٍ أَقْبَحُ مِنْ شَيْخٍ لَنَا يَتَصَدَّرُ مُنْذُ زَمَانٍ، كَتَبَ بِخَطِّهِ: وَكِيعٌ عَنْ شُقَيْقٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ حَدِيثًا، يَفْتَحُ القَافَ فِيهَا كُلَّهَا، وَيُنْقِطُهَا، وَيُحَلِّقُهَا، وَلاَ يَعْرِفُ سُفْيَانَ مِنْ شَقِيقٍ، وَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ عَصْرَيْهِمَا، وَلاَ يُمَيِّزُ عَصْرَ وَكِيعٍ مِنْ عَصْرِ كُبَرَاءِ التَّابِعِينَ وَالْمُخَضْرَمَةِ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ، وَإِذَا أَفْتَى فِي بَلْوَى أَغْمَضَ تَكَبُّرًا عَيْنَيْهِ» (¬3). إن طلبة الحديث ممن لا فقه لهم ولا ثقافة قد لاقوا مقاومة عنيفة من المحدثين وباءوا بقسط وافر من الذم، حتى أن أئمة من أهل الحديث كرهوا الاشتغال براية الحديث وندموا على ما أسمعوه لطلبتهم عندما لمسوا سوء ¬
مستوى هؤلاء الطلبة العلمي والسلوكي، يقول الخطيب: «وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَحْتَسِبُونَ فِي بَذْلِ الحَدِيثِ، وَيَتَأَلَّفُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَ عَنْهُمْ كَرَاهَةُ الرِّوَايَةِ عِنْدَمَا رَأَوْا مِنْ قِلَّةِ رِعَةِ الطَّلَبَةِ، وَإِبْرَامِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَاطِّرَاحِهِمْ حِكَمَ الأَدَبِ» (¬1). وقد عقد الخطيب فصلاً ساق فيه أقوال بعض أئمة الحديث عندما أضجرهم الطلبة وساء أدبهم (¬2). فَرَوَى عَنِ الحَسَنِ قَالَ: «تَعَلَّمُوا [مَا شِئْتُمْ أَنْ تَعَلَّمُوا]، فَلَنْ يُجَازِيَكُمُ اللَّهُ عَلَى العِلْمِ حَتَّى تَعْمَلُوا، فَإِنَّ السُّفَهَاءَ هِمَّتُهُمُ الرِّوَايَةُ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ هِمَّتُهُمُ الرِّعَايَةُ» (¬3) وَ «قِيلَ لِسُفْيَانَ مَنِ النَّاسُ؟ قَالَ: «العُلَمَاءُ»، قِيلَ: فَمَنِ السَّفَلَةُ؟ قَالَ: «الظَّلَمَةُ»، قِيلَ: فَمَنِ الْغَوْغَاءُ؟ قَالَ: «الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْحَدِيثَ، يَأْكُلُونَ بِهِ النَّاسَ (*)» (¬4). وأشرف الليث بن سعد على أصحاب الحديث فرأى منهم شيئًا فقال: «مَا هَذَا؟ أَنْتُمْ إِلَى يَسِيرٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ» (¬5)، وَقَاَل مُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ الضَبِّي: «كَانَ [مَرَّةٌ] خِيَارَ النَّاسِ يَطْلُبُونَ الْحَدِيثَ، فَصَارَ الْيَوْمَ شِرَارَ النَّاسِ يَطْلُبُونَ الْحَدِيثَ. لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا حَدَّثْتُ» (¬6). ويعلق الخطيب على هذه الجملة مُبَيِّنًا سببها فيقول: «طَلَبَةُ الْعِلْمِ عَلَى طَبَقَاتٍ، وَرُبَّمَا حَضَرَ عِنْدَ الْعَالِمِ مِنْ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ مَنْ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ فِي طَلَبِهِ، فَيَتَأَدَّبُ بِأَدَبِهِ. وَكَانَ مُغِيرَةُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - قَدْ رَأَى بَعْضَ أُولَئِكَ فِي مَجْلِسِهِ، فَشَاهَدَ مِنْ سُوءِ أَدَبِهِ، وَقُبْحِ عِشْرَتِهِ مَا أَغْضَبَهُ، فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ. وَلَيْسَ تَكَادُ مَجَالِسُ الْعِلْمِ تَخْلُوَ مِنْ حُضُورِ مَنْ ذَكَرْنَا وَصْفَهُ» (¬7). ويهاجم الخطيب كَتَبَةَ الحَدِيثِ هؤلاء فيقول: ¬
«وَأَكْثَرُ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَعِيدٌ مِنْ حِفْظِهِ , خَالٍ مِنْ مَعْرِفَةِ فِقْهِهِ , لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُعَلِّلٍ وَصَحِيحٍ , وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مُعَدَّلٍ مِنَ الرُّوَاةِ وَمَجْرُوحٍ , وَلَا يَسْأَلُونَ عَنْ لَفْظٍ أَشْكَلً عَلَيْهِمْ رَسْمُهُ ...» (¬1). وكتبة الحديث هؤلاء هاجمهم ابن الجوزي، كما سبق، وهاجمهم الذهبي، مما يدل على أنَّ حَمْلَةَ المُحَدِّثِينَ عَلَيْهِمْ، ومحاولة إرشادهم وتأديبهم لم تنقطع ولم تفلح أيضًا في القضاء عليهم، وأنهم أساءوا إلى المحدثين في كل العصور حتى أصبحوا في عصر الذهبي هم المحدثين، فيهاجمهم بقوله: «وَأَمَّا المُحَدِّثُونَ فَغَالِبُهُمْ لَا يَفْهُمُونَ، وَلَا هِمَّةَ لَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيثِ وَلَا فِي التَّدَيُّنِ بِهِ، بَلْ الصَّحِيحُ وَالمَوْضُوعُ عِنْدَهُمْ بِنِسْبَةٍ، وَإِنَّمَا هِمَّتُهُمْ فِي السَّمَاعِ عَلَى جَهَلَةِ الشُّيُوخِ ...» (¬2). ثانيًا: وكما كان التأليف في علوم الحديث نتيجة الخصومة بين المحدثين وغيرهم كان ظهور المؤلفات في التصحيف وفي مختلف الحديث ومشكله، وناسخ الحديث ومنسوخه، من نتائج هذه الخصومة أيضًا، كل ذلك ليكون لدى طالب الحديث ثقافة تجمع إلى الرواية الوعي والدراية فلا يجد مهاجموهم ثغرة ينفذون منها إليهم. فيؤلف الشافعي في اختلاف الحديث، وابن قتيبة في مشكل الحديث كتابه " تأويل مختلف الحديث " ويؤلف الطحاوي في اختلاف الحديث كتابه " شرح معاني الآثار " ويشير في مقدمته إلى بعض أسباب تأليفه: «سَأَلَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ أَضَعَ لَهُ كِتَابًا أَذْكُرُ فِيهِ الآثَارَ الْمَأْثُورَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الأَحْكَامِ الَّتِي يَتَوَهَّمُ أَهْلُ الإِلْحَادِ , وَالضَّعَفَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ أَنَّ بَعْضَهَا يَنْقُضُ بَعْضًا؛ لِقِلَّةِ عِلْمِهِمْ بِنَاسِخِهَا مِنْ مَنْسُوخِهَا ...» كما يؤلف كتابه " مشكل الآثار " ويجيء بعض العلماء إلى الأحاديث الموهمة للتشبيه فيفردها بالتأليف كما صنع أبو بكر محمد بن الحسين ¬
ابن فورك (ت 406 هـ) في كتابه " مشكل الحديث وبيانه "، ويقول في مقدمته أنه ذكر في كتابه «مَا اشْتَهَرَ مِنَ الأَحَادِيثِ المَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يُوهِمُ ظَاهِرُهُ التَّشْبِيهَ مِمَّا يَتَسَلَّقُ بِهِ الْمُلْحِدُونَ عَلى الطَّعْنِ فِي الدِّينِ وَخَصُّوا بِتَقْبِيحِ ذَلِكَ الطَّائِفَةَ الَّتِي هِيَ الظَّاهِرَةُ بِالْحَقِّ لِسَانًا وَبَيَانًا وَقَهْرًا وَعُلُوًّا وَإِمْكَانًا، الطَّاهِرَةُ عَقَائِدُهَا مِنْ شَوَائِبِ الأَبَاطِيلِ وَشَوَائِبِ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ الْفَاسِدَةِ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةِ بِأَنَّهَا أَصْحَابُ الحَدِيثِ» (¬1). وكذلك ألف السيوطي كتابه " تأويل الأحاديث الموهمة للتشبيه " (¬2). وإلى عند قريب كانت الخصومة في الأحاديث المشكلة تدفع بعض الغيورين للتصدي لدفع اعتراضات العقلية الحديثة على بعض الروايات التي يظنونها مناقضة لبعض الحقائق العلمية من طبية وفلكية وغيرها، فنجد عبد الله بن علي النجدي القصيمي قد أَلَّفَ كتابًا سماه " مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها " ذكر فيه قرابة ثلاثين حديثًا، وصدره بقوله: «يحتوي هذا الكتاب على الأحاديث النبوية التي استشكلتها العلوم الحديثة من طبية وجغرافية وفلكية وحسية ... الخ. وفيه بيانها بنفس العلوم الحديثة» (¬3). ثالثًا: الحملة على الرأي والقياس كانت أثرًا من آثار هذه الخصومة ورد فعل لمهاجمة المتكلمين والفقهاء أهل الحديث، ولم يفرق المحدثون - في صولة هجومهم - بين الرأي في العقيدة والرأي الفقهي، ولا بين الرأي المحمود والرأي المذموم، فاندفعوا في حملتهم على المتكلمين وعلى فقهاء أهل الرأي وَسَدَّدُوا طَعَنَاتِهِمْ إِلَى القِيَاسِ، حتى انتهى بهم الأمر إلى إنكاره، فنشأ أهل الظاهر، الذين يمثلون الجانب المتطرف من المحدثين، كطرف مقابل ¬
للمبالغين في استعمال القياس، وحتى أدى الأمر بالمحدثين في عصر الخطيب إلى أن يغفلوا فقه الحديث فيقول متذمرًا منهم: «... كُلُّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ بَصِيرَةِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِمَا جَمَعُوهُ , وَعَدَمِ فِقْهِهِمْ بِمَا كَتَبُوهُ وَسَمَعُوهُ , وَمَنْعِهِمْ نُفُوسَهُمْ عَنْ مُحَاضَرَةِ الْفُقَهَاءِ , وَذَمِّهِمْ مُسْتَعْمِلِي الْقِيَاسِ مِنَ الْعُلَمَاءِ , لِسَمَاعِهِمُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا أَهْلُ الظَّاهِرِ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ [وَالنَّهْيِ عَنْهُ , وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ , وَأَنَّهُمْ لَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ مَحْمُودِ الرَّأْيِ] وَمَذْمُومِهِ , بَلْ سَبَقَ إِلَى نُفُوسِهِمْ أَنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَى عُمُومِهِ ...» (*). رابعًا: اهتمام الفقهاء بالحديث وعنايتهم به، حتى يدفعوا عن أنفسهم ما يتهمهم به المحدثون، من جهل بالحديث، أو عزوف عنه، فنجد أبا يوسف القاضي ومحمد بن الحسن - صاحبي أبي حنيفة - يقبلان على رواية الحديث ويقتدي بهما في ذلك أبو جعفر الطحاوي حتى جمع بين إمامة الحديث وإمامة الفقه، وكان من نتيجة ذلك أن حدث شيء من التقارب بين المحدثين والفقهاء. خامسًا: ومن النتائج الهامة التي أسفر عنها الصراع بين المحدثين وخصومهم، بروز فقه المحدثين وظهوره إلى الوجود، مستقلاً عن مذاهب الفقهاء متميزًا عنهم، شَاقًّا لنفسه طريقًا لا تنتسب لأحد غير المحدثين. أما المراحل التي مر بها هذا الفقه، والأشخاص الذين أسهموا في بنائه، فهو موضوع الفصل التالي. ¬
الفصل الثالث: فقهاء المحدثين ومذهب أهل الحديث
الفَصْلُ الثَّالِثُ: فُقَهَاءُ المُحَدِّثِينَ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الحَدِيثِ: أثبتنا فيما تقدم أنه لم يكن هناك فرق بين المحدث والفقيه في عصر الصحابة والتابعين، وأن البحث عن الحديث كان يعني في نفس الوقت البحث عن الأحكام الفقهية، غاية الأمر أن فريقًا من الصحابة والتابعين أكثروا من رواية الحديث، وأن آخرين منهم أكثروا من الفتوى، وقد عد ابن عبد البر في جملة المُفْتِينَ برأيهم كل المعروفين من التابعين في مختلف الأمصار (¬1) وكذلك فعل ابن القيم تبعًا لابن حزم (¬2). وكان هذا المزج بين المحدث والفقيه معروفًا حتى عصر عمر بن عبد العزيز، إذ يروي ابن سعد أن عمر بن عبد العزيز لما قدم المدينة واليًا عليها دعا عشرة نفر من فقهاء البلد وقال لهم: «إِنِّي دَعَوْتُكُمْ لأَمْرٍ تُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ [وَتَكُونُونَ فِيهِ أَعْوَانًا عَلَى الْحَقِّ]. مَا أُرِيدُ أَنْ أَقْطَعَ أَمْرًا إِلَّا بِرَأْيِكُمْ أَوْ بِرَأْيِ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَحَدًا يَتَعَدَّى أَوْ بَلَغَكُمْ عَنْ عَامِلٍ لِي ظَلامَةً: فَأُحَرِّجُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ بَلَغَهُ ذَلِكَ إِلا أَبْلَغَنِي. فَجُزُّوهُ خَيْرًا وَافْتَرِقُوا» (¬3). هؤلاء الفقهاء العشرة يذكرون أيضًا كرواة الحديث على اختلاف بينهم قلة وكثرة من الحديث أو الإفتاء. وقلة الفتوى أو كثرتها قد ترجع إلى عوامل نفسية، تدفع بعض العلماء إلى ¬
الإكثار من الفتوى لثقتهم بأنفسهم. واطمئنانهم إلى سلامة مسلكهم استنادًا إلى أن الشرع أشاد بالعقل ومنحه قدرًا من الحرية، ووعده بأن يثيبه على اجتهاده في حالتي الصواب والخطأ. على حين تدفع هذه العوامل آخرين منهم إلى الانقباض عن الفتوى خوفًا من الخطأ وتحرجًا من الزلل وتورعًا عن أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام. وقد يكون مصدر القلة والكثرة في الفتوى هو العامل العقلي، الذي يتيح لبعض الناس أن يجاوزوا الألفاظ إلى ما وراءها من المعاني، وأن يصل الأسباب بالنتائج، ويربط الجزئيات المتشابهة ويدرجها تحت الكلي الذي يشملها، مستوحيًا روح التشريع في كل ذلك، على حين أن بعض الناس لم تؤهلهم مواهبهم العقلية لمثل ذلك، أو لم يستعملوا مواهبهم العقلية وَلَمْ يُوَجِّهُوهَا هذه الوجهة. إن بعض الناس قد يستطيع حفظ الكثير من النصوص، ولكنه لا يعرف كيف يستخدمها، وصدق القائل: «قَدْ يَسْتَطِيعُ الإِنْسَانُ أَنْ يَكُونَ تِلْمِيذًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَكُونَ أُسْتَاذًا» (¬1). بل صدق رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين أشار بقوله: «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ». وَيُعَلِّقُ الشافعي على هذا الحديث بقوله: «دَلَّ هَذَا الحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الفِقْهَ غَيْرُ فَقِيهٍ، يَكُونُ لَهُ حَافِظًا، وَلَا يَكُونُ فِيهِ فَقِيهًا» (¬2). كما أشار - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - إلى أصناف حملة العلم، في قوله الذي قسم فيه الناس تبعًا لاختلاف استجابتهم لدعوته: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ ¬
كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، [وَأَصَابَتْ] مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» (¬1). قال ابن حزم في هذا الحديث: «فَقَدْ جَمَعَ رَسُولُ الْلَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الحَدِيثِ مَرَاتِبِ أَهْلَ العِلْمِ دُوْنَ أَنْ يَشُذَّ مِنْهَا شَيْءٌ، فَالأَرْضُ الطَيِّبَةُ النَّقِيَّةُ هِيَ مِثْلُ الفَقِيهِ الضَّابِطِ لِمَا رَوَىَ الفَهْمَ لِلْمَعَانِي التِي يَقْتَضِيهَا لَفْظَ النَصِّ المُتَنَبِّهِ عَلَىَ رَدِّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ إِلَىَ نَصِّ حُكْمِ القُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمَّا الأَجَادِبُ الْمُمْسِكَةُ لِلْمَاءِ التِي يَسْتَقِي مِنْهَا النَّاسُ فَهِيَ مِثْلُ الطَّائِفَةِ التِي حَفِظَتْ مَا سَمِعَتْ أَوْ ضَبَطَتْهُ بِالكِتَابِ وَأَمْسَكَتْهُ حَتَّى أَدَّتْهُ إِلَى غَيْرِهَا غَيْرَ مُغَيِّرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَنَبُّهٌ عَلَى مَعَانِي أَلْفَاظِ مَا رَوَتْ وَلاَ مَعْرِفَةٍ بِكَيْفِيَّةِ رَدِّ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ إِلَىَ نَصِّ القُرْآنِ وَالسُّنَنِ التِي رَوَتْ، لَكِنْ نَفَعَ اللهُ تَعَالَىْ بِهِمْ فِي التَّبْلِيغِ فَبَلَّغُوهُ إِلَىَ مَنْ هُوَ أَفْهَمَ بِذَلِكَ فَقَدْ أَنْذَرَ رَسُوْلُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا إِذْ يَقُولُ: " فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَىَ مِنْ سَامِعٍ ". وَكَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - أَنَّهُ قَالَ: " فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ". قَالَ أَبُوْ مُحَمَّدٍ: فَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ مَا سَمِعَ وَلاَ ضَبَطَهُ فَلَيْسَ مِثْلَ الأَرْضِ الطَيِّبَةِ وَلاَ مِثْلَ الأَجَادِبِ المُمْسِكَةِ لِلْمَاءِ بَلْ هُوَ مَحْرُومٌ مَعْذُورٌ أَوْ مَسْخُوطٌ بِمَنْزِلَةِ القِيَعَانِ التِي لاَ تُنْبِتُ الكَلأَ وَلاَ تُمْسِكُ المَاءَ» (¬2). وبحكم هذا الاختلاف الفطري في الإنسان - وهو الاختلاف الذي أكده ما قدمناه من نصوص - وجد من المحدثين من نظر فيما جمع، ودرى ما يحمله ¬
سواء من ناحية الأسانيد والحكم عليها أو من ناحية الألفاظ وضبطها أو ناحية المعاني وما يستنبط منها. فبلغوا بذلك مرتبة الفقه، كما وجد منهم من لم يحظ بهذه الرتبة. روى ابن القيم أن مالكًا، وعبد العزيز بن أبي سلمة، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وغيرهم كانوا يختلفون إلى ابن هرمز: فكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما، وإذا سأله ابن دينار وذووه لا يجيبهم، ولما عاتبه ابن دينار في ذلك أجابه بقوله: «إنِّي قَدْ كَبُرَتْ سِنِّي وَدَقَّ عَظْمِي، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي فِي عَقْلِي مِثْلُ الَّذِي خَالَطَنِي فِي بَدَنِي، وَمَالِكٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَالِمَانِ فَقِيهَانِ، إذَا سَمِعَا مِنِّي حَقًّا قَبِلاَهُ، وَإِنْ سَمِعَا خَطَأً تَرَكَاهُ، وَأَنْتَ وَذَوُوك مَا أَجَبْتُكُمْ بِهِ قَبِلْتُمُوهُ» (¬1). وروى ابن عبد البر أن (مطر الوراق) سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ تَفْسِيرِهِ، قَالَ: «لَا أَدْرِي، إِنَّمَا أَنَا زَامِلَةٌ» (¬2). وعلى قدر ما كان أمثال مطر هذا قليلين في القرن الأول، حيث كان القصد إلى الفقه من أول الأمر عند رواية الحديث - أخذ عددهم في الزيادة المطردة منذ القرن الثاني، حيث أصبحت رواية الحديث وجمع طرقه هو السمة التي تجمع بينهم، والشغل الذي يهمهم، وحيث سلم كثير منهم بالفصل بين الفقه والحديث: ¬
فعلى المحدث أن يجمع المادة، وعلى الفقيه أن يستعملها، ويبين خصائصها، والنسب التي تتألف منها، وذلك هو تشبيه الأعمش في قوله لأبي حنيفة: «أَنْتُمُ الأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ» (¬1). ويبين الثوري أنه ليس كل من حمل الحديث يمكن أن يستفاد منه العلم بالأحكام، فينصح أحد تلامذته بقوله: «خُذِ الْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ مِنَ الْمَشْهُورِينَ فِي الْعِلْمِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَمِنَ الْمَشْيَخَةِ» (¬2). وهكذا يضع الثوري (الشيخ) في مقابلة المشهورين في العلم. ويبدو أن لفظ (الشيوخ أو المشيخة) صار اصطلاحًا يطلق على غير الفقهاء من المحدثين كما سبق في عبارة الثوري، وكما روى عن وكيع بصورة أوضح وأكثر تحديدًا، حيث استعمل (الشيوخ) في مقابله (الفقهاء) أو (الشيخ) في مقابله (الفقيه): فقد سأل وكيع بعض من في مجلسه مختبرًا لهم، فقال: «الأَعْمَشُ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَوْ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؟». فَقُلْنَا: «الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَقْرَبُ». فَقَالَ: «الأَعْمَشُ شَيْخٌ وَأَبُو وَائِلٍ شَيْخٌ، وَسُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، فَقِيهٌ عَنْ فَقِيهٍ عَنْ فَقِيهٍ [عَنْ فَقِيهٍ]» (¬3). ومما يدل على تسليم الفقهاء بفكر التخصص في الحديث أو الفقه قول الإمام الشافعي للمحدثين فيما رواه أحمد بن حنبل: «أَمَّا أَنْتُمْ فَأَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَالِ مِنِّي، فَإِذَا كَانَ الحَدِيثُ صَحِيحًا فَأَعْلِمُونِي أَنْ يَكُونَ كُوفِيًّا أَوْ بَصْرِيًّا أَوْ شَامِيًّا أَذْهَبُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ صَحِيحًا» (¬4). ¬
وكلما تميزت صناعة الحديث وتفرعت فنونها وتكامل نضجها بعدت عن الفقه، وقل الفقهاء من المحدثين تدريجيًا، واستهدفوا الحملات خصومهم حتى كان عصر ابن حنبل حيث بلغ الصراع إلى غايته، ومع ذلك فالمحدثون منصرفون عن الفقه، فقال [إسحاق بن راهويه] (*): «كُنْتُ أُجَالِسُ بِالعِرَاقِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلَ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَأَصْحَابَنَا، فَكُنَّا نَتَذَاكَرُ الحَدِيثَ مِنْ طَرِيقٍ وَطَرِيقَيْنِ وَثَلَاثَةً، فَيَقُولُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ مِنْ بَيْنِهِمْ وَطَرِيقِ كَذَا فَأَقُولُ أَلَيْسَ قَدْ صَحَّ هَذَا بِإِجْمَاعِنَا؟، فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَأَقُولُ: مَا مُرَادُهُ؟ مَا تَفْسِيرُهُ؟ مَا فِقْهُهُ؟ فَيَقِفُونَ كُلُّهُمْ إِلَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ» (¬1). وفي عصر أحمد بن حنبل، وبتأثير التيارات النقدية، وحدة الصراع الفكري وعنف محنة خلق القرآن وصلابة أحمد بن حنبل فيها، برز فقه المحدثين، ووجد التربة صالحة لنموه ونضجه. ولئن كانت محنة خلق القرآن حدثًا كبيرًا في الإسلام فقد كانت نقطة تحول كبير في حياة ابن حنبل الفكرية، كما كان لها أثر بالغ في تكتل المحدثين والتفافهم، أو كانت السبب المباشر في إعلان اللون الفقهي الخاص بهم، يثبتون به وجودهم، ويحققون فيه ذاتهم، ويؤكدون استقلالهم، وإن وجد فيمن سبقهم الجذور التي أمدته بالغذاء، وهيأت له أسباب الحياة. إن أحمد بن حنبل قبل المحنة لم يكن له منهج فقهي متميز ولعل تقسيم حياته إلى فترتين تفصيل المحنة بينهما، يوضح كثيرًا من التناقض فيما يروى عنه من الأخبار حول الرأي والأخذ به: فعلى حين يروى عنه النصح بكتابة رأي الشافعي أو مالك أو الأخذ برأيهما (¬2)، إذا به يروى عنه التحذير من كتابة الرأي، لا فرق بين ¬
رأي مالك والشافعي وسفيان وغيرهم، بل كان ينكر على مالك تصنيف " الموطأ "، ويقول: «ابْتَدَعَ مَا لَمْ تَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ» (¬1). ولكن تأثير ابن حنبل في المحدثين بعد المحنة كان عظيمًا، فقد صار رمزًا لهم وبطلاً يملأ قلوب الناس وأسماعهم، ونجمًا يشد إليه أبصارهم وتمتد إليه أعناقهم، فسعت إليه الإمامة والصدارة وأصبح مرجعًا لأمور الدين تحترم كلمته وتقدم فتواه ولعله لم يرد لنفس ما صار إليه، ولكن هكذا صار. وقد سبق قول بشر الحافي في أن أحمد بعد المحنة وبذلك «صَارَ زَعِيمَ حِزْبٍ عَظِيمٍ مِنْ أَحْزَابِ الإِسْلاَمِ» وقد يقال إن المقصود من إطلاق (حزب) هو زعامة الإمام ابن حنبل لأهل السنة، في مقابلة المعتزلة، ولكن هذا لا يمنع من أن يفهم من العبارة زعامة أحمد لأهل الحديث، وأنهم المعنيون بكلمة (حزب)، ويرشح لهذا الفهم أن ابن عبد البر قد أثبت فقه أهل الحديث، وصرح بإمامة أحمد لهم في هذا الفقه: فقد قال عن أحمد بن حنبل: «وَلَهُ [اخْتِيَارٌ] فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ إِمَامُهُمْ» (¬2) هذا على الرغم من أن ابن عبد البر لم يذكره مع الفقهاء الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة، ولكن اقتصاره على هؤلاء لا يعني أن الفقه محصور فيهم، فقد وجد لغيرهم مذاهب امتدت حياتها حتى عاصرت ابن عبد البر، وإنما اقتصر على هؤلاء لكثرة أتباعهم، وما جرته المنافسة بينهم من طعن في هؤلاء الأئمة، ولعل ابن عبد البر قد تابع أبا داود السجستاني في قوله الذي ترحم فيه على هؤلاء الثلاثة اعترافًا منه بإمامتهم، وتنبيهًا ¬
للمتعصبين المغالين «رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ الشَّافِعِيَّ كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ إِمَامًا» (¬1). إن القول باستقلال فقه المحدثين في القرن الثالث، وإعلانه على يد أحمد بن حنبل يرفع كثيرًا من الاضطراب حول المجتهدين قبله في أهل الرأي أو في أهل الحديث كما يحسم الخلاف حول ابن حنبل نفسه في اعتباره من الفقهاء أو من المحدثين. لقد أثبتنا من قبل أنه لم يكن يوجد خلال القرن الأول تنافس بين أهل الحجاز، وأهل العراق، وأن الاختلاف بينهما كان اختلافًا في البيئة والشيوخ، وقد وجد في كلا القطرين من أكثر من الرأي والفتوى، كما وجد فيهما من انقبض عن الفتوى وتحرج من الرأي، أو ذمه وحذر منه، واستمر الحال على ذلك حتى تسللت عبارة «أَهْلِ الرَّأْيِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ» إلى الحياة الفقهية في النصف الثاني من القرن الثاني، مكونة جبهة موحدة من كل المذاهب الفقهية ضد المذهب الحنفي، فلما كان القرن الثالث تميز فقه المحدثين، واتخذ طابعه الخاص، وأصبح مقابلاً لغيره من المذاهب. أما المحدثون قبل تميز هذا الفقه فقد كان الفقهاء منهم يذهبون مذهب الحجازيين أو الكوفيين: فسفيان الثوري مثلاً كوفي في منهجه ومأخذه، واختياره، قال علي بن المديني: «أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - سِتَّةٌ، الذِينَ يُقْرِئُوْنَ وَيُفْتُونَ وَمِنْ بَعْدِهِمْ أَرْبَعَةٌ، وَمِنْ بَعْدِ هَؤُلاَءِ سُفْيَانُ الثَّوْرِي كَانَ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ وَيُفْتِي بِفَتْوَاهُمْ» (¬2). وروى ابن عبد البر بسنده عن أبي يوسف قال: «سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَكْثَرُ مُتَابَعَةً لأَبِي حَنِيفَةَ مِنِّي» (¬3). ¬
وكذلك كان يحيى بن سعيد القطان: قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: «وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَذْهَبُ فِي الْفَتْوَى مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ» (¬1). وقال يحيى بن سعيد: «كَمْ [مِنْ] شَيْءٍ حَسَنٍ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَرُبَّمَا اسْتَحْسَنَّا الشَيْءَ مِنْ رَأْيِهِ فَأَخَذْنَا بِهِ» (¬2)، وعن يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وَكِيعٍ، وَكَانَ يُفْتِي بِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ» (¬3). وقد رأينا أن أحمد بن حنبل نفسه قبل المحنة كان يفتي برأي مالك أو برأي الشافعي، ويروي البيهقي مناظرة حدثت بين علي بن المديني ويحيى بن معين، وأن ابن المديني تقلد فيها قول الكوفيين وقال به (¬4)، وكان موضوع المناظرة هو الوضوء من مس الذكر فذهب الكوفيون إلى عدم الوضوء منه، وذهب الحجازيون إلى الوضوء منه، وقد ذكر البيهقي أَنَّ سُفْيَانَ وَابْنُ جُرَيْجٍ اجْتَمَعَا فَتَذَاكَرَا مَسَّ الذَّكَرِ، فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ - وهو حجازي -: «يُتَوَضَّأُ مِنْهُ»، وَقَالَ سُفْيَانُ: «لاَ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَمْسَكَ بِيَدِهِ مَنِيًّا، مَا كَانَ عَلَيْهِ؟» فَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «يَغْسِلُ يَدَهُ». قَالَ: «فَأَيُّهُمَا أَكْبَرُ: المَنِيُّ أَوْ مَسُّ الذَّكَرِ؟» (¬5). وهذه القصة تبين مدى تأثر الثوري بمنهج الجدل الذي امتاز به الكوفيون، والذي كانوا يفحمون به خصومهم فلا يملكون إزاء هذا الإفحام إلا التشنيع عليهم، كَمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ بَعْدَ أَنْ حَجَّهُ سُفْيَانُ: «مَا أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِكَ إِلاَّ الشَّيْطَانُ» (¬6). وأما غير الفقهاء من المحدثين فقد كانوا مقلدين لمن يرتضونه من العلماء ويوضح أبو حاتم الرازي منهجهم بقوله: «العِلْمُ عِنْدَنَا مَا كَانَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كِتَابٍ نَاطِقٍ نَاسِخٍ غَيْرِ مَنْسُوخٍ، وَمَا صَحَّتْ بِهِ الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ ¬
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لاَ مُعَارِضَ لَهُ، وَمَا جَاءَ عَنْ الأَلِبَّاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا لَمْ يُخْرِجْ مِنْ اخْتِلاَفِهِمْ، فَإِذَا خَفِيَ ذَلِكَ وَلَمْ يُفْهَمْ فَعَنْ التَّابِعِينَ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ عَنْ التَّابِعِينَ فَعَنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى مِنْ أَتْبَاعِهِمْ، مِثْلِ: أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَسُفْيَانَ، وَمَالِكٍ وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، ثُمَّ مَا لَمْ يُوجَدْ عَنْ أَمْثَالِهِمْ فَعَنْ مِثْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ، وَيَحْيَى بْنِ آدَمَ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنِ سَلاَّمٍ» (¬1). فإذا ثبت أن المحدثين كان لهم فقه خاص من القرن الثالث، وأن هذا الفقه قد وضح لونه وتحددت معالمه بعد محنة ابن حنبل، فإنه يكون واضحًا أن المجتهدين قبل هذا الفقه لم ينقسموا إلى أهل حديث وأهل رأي، وأصبح معلومًا أن هذا التقسيم إنما كان ظهور هذا المذهب الفقهي الجديد المميز لأهل الحديث والذي أصبح يطلق في مقابلة المذاهب الأخرى التي اندرجت تحت عبارة أهل الرأي، لا فرق بين مالكية وحنفية وشافعية: يقول ابن حنبل: «رَأْيُ الأَوْزَاعِي، وَرَأْيُ مَالِكٍ، وَرَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّهُ رَأْيٌ وَهُوَ عِنْدِي سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الحُجَّةُ فِي الآثَارِ» (¬2). وبذلك أيضًا يتضح أن سبب خلط المؤرخين في حكمهم على الأئمة بأنهم من أهل الحديث تارة، ومن أهل الرأي تارة أخرى، يكمن في تشخيصهم فترة زمنية معينة، وملاحظتهم بعض ظواهرها ثم محاولتهم تعميم هذه الظواهر على المراحل السابقة واللاحقة. أما الخلاف في اعتبار أحمد بن حنبل من الفقهاء فهو خلاف قديم، نتج ¬
عن قياسه بمن سبقه من الفقهاء، ووزنه بمعايير فقههم من دقة الاستنباط وحسن التخريج، أو بما بلغوه من شهرة، وما نالوه من كثرة في التلاميذ والأتباع، دون ملاحظة منهجه الخاص، ودون تنبه لتكون المدرسة الجديدة التي أخذت تقتحم عالم الفقه، لتزاحم بقية المذاهب، ولتأخذ مكانها بين المدارس الفقية، تحت شعار (المحدثين) أو (أهل الحديث). لقد أهمل ابن جرير ذكر ابن حنبل في " الخلافيات " مذهب ابن حنبل وقال: «إِنَّمَا هُوَ رَجُلُ حَدِيثٍ لَا رَجُلَ فِقْهٍ»، وواجه المحن من الحنابلة من أجل ذلك، كذلك أهمل مذهبه كثير ممن صنفوا في الخلافيات، «كَالطَّحَاوِيِّ، وَالدَّبُّوسِيِّ، وَالنَّسَفِيِّ فِي " مَنْظُومَتِهِ "، وَالعَلَاءِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَالفَرَاهِيِّ الحَنَفِيِّ أَحَدُ عُلَمَاءِ المِائَةِ السَّابِعَةِ فِي " مَنْظُومَتِهِ " ذَاتِ العِقْدَيْنِ، وَكَذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَصِيلِيُّ المَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ " الدَّلَائِلَ " وَالغَزَالِيُّ فِي " الوَجِيزِ " وَأَبُو البَرَكَاتِ النَّسَفِيُّ فِي " الوَافِي "» (¬1). قال في " المدارك ": «إِنَّهُ دُونَ الإِمَامَةِ فِي الفِقْهِ وَجَوْدَةِ النَّظَرِ فِي مَأْخَذِهِ عَكْسَ أُسْتَاذِهِ الشَّافِعِيَّ» (¬2). ولكن أصحابه والمنتسبين إليه وأهل الحديث لا يسلمون بذلك، بل يبالغ بعضهم في وصفه بالفقه فيقول [الخلال]: «كَانَ أَحْمَدُ قَدْ كَتَبَ كُتُبَ الرَّأْيِ وَحَفِظَهَا ثُمَّ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا وَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ فِي الْفِقْه تَكَلَّمَ كَلاَمَ رَجُلٍ قَدْ انْتَقَدَ العُلُومَ فَتَكَلَّمَ عَنْ مَعْرِفَةٍ» (¬3). ويرد ابن عقيل الحنبلي على من لم يعتد بفقه أحمد، فيقول: «وَمِنْ عَجِيبِ مَا نَسْمَعُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الجُهَّالِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَحْمَدُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ، لَكِنَّهُ مُحَدِّثٌ وَهَذَا غَايَةُ الجَهْلِ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْهُ اخْتِيَارَاتٌ بَنَاهَا عَلَى الأَحَادِيثِ بِنَاءً لَا يَعْرِفُهُ ¬
أَكْثَرُهُمْ وَخَرَجَ عَنْهُ مِنْ دَقِيقِ الفِقْهِ مَا لَيْسَ نرَاهُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَانْفَرَدَ بِمَا سَلَّمُوهُ لَهُ مِنَ الحِفْظِ» (¬1). والحق أنه نهج في الفقه نهجًا مستقلاً، وأنه مهد للمحدثين من بعده طريق هذا الفقه ويسر لهم التأليف فيه، وهيأ لهم الالتفاف حوله بحفظه الكثير من الآثار، وبما أسبغت عليه المحنة من تأثير بالغ في النفوس، ونحن مع الأستاذ محمد أبي زهرة إذ يقول: «لِذَلِكَ يَحِقُّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ أَحْمَدَ إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ، وَمِنْ طَرِيقِ هَذِهِ الإِمَامَةِ فِي الحَدِيثِ وَالآثَارِ كَانَتْ إِمَامَتُهُ فِي الفِقْهِ، وَأَنَّ فِقْهَهُ آثَارٌ فِي حَقِيقَتِهِ، وَمَنْطِقُهُ، وَمَقَايِيسُهُ، وَضَوَابِطُهُ، وَلَوْنُهُ، وَمَظْهَرُهُ، وَلَقَدْ أَنْكَرَ لِهَذَا ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا، وَعَدَّهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي المُحَدِّثِينَ وَلَمْ يَعُدَّهُ فِي الفُقَهَاءِ، وَكَثِيرُونَ قَالُوا مِثْلَ هَذِهِ المَقَالَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، وَلَكِنَّ النَّظْرَةَ الفَاحِصَةَ لِدِرَاسَاتِهِ وَمَا أُثِرَ عَنْهُ مِنْ أَقْوَالٍ وَفَتَاوَى فِي مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ تَجْعَلُنَا نَحْكُمُ بِأَنَّهُ كَانَ فَقِيهًا غَلَبَ عَلَيْهِ الأَثَرُ وَمَنَحَاهُ» (¬2). ونخلص من هذا إلى ما قررناه، من أن فقه أهل الحديث وبروزه في هذا القرن هو الذي يفسر لنا موقف الإمام أحمد بن حنبل، وأنه كان - كما قال ابن عبد البر - فقيهًا على مذهب أهل الحديث، وهو إمامهم. ولنوثق ما أثبتناه من أن كلمة (المحدثين) أو (أهل الحديث) لم تكن تطلق على أحد من التابعين، وإنما كانت تطلق على قوم بأعيانهم، هم المشتغلون برواية الحديث والتأليف فيه منذ النصف الثاني من القرن الثاني على وجه التقريب، وأن (أصحاب الحديث) هؤلاء كان لهم فقه متميز مخالف ¬
لبقية المذاهب وقسيم لها، فنذكر من أقوال الأقدمين وفهمهم ما يؤيد مذهبنا. فقد روى الخطيب عن قتيبة بن سعيد قال: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ، يُحِبُّ أَهْلَ الْحَدِيثِ، مِثْلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ - وَذَكَرَ قَوْمًا آخَرِينَ - فَإِنَّهُ عَلَى السُّنَّةِ، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ» (¬1). ويذكر الرامهرمزي أَوَّلَ مَنْ صَنَّفَ وَبَوَّبَ «الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ بِالبَصْرَةِ، ثُمَّ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ بِهَا، وَخَالِدُ بْنُ جَمِيلٍ الذِي يُقَالُ لَهُ العَبْدُ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ بِاليَمَنِ، وَابْنُ جُرَيْجٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِالكُوفَةِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِالبَصْرَةِ، وَصَنَّفَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِمَكَّةَ، وَالوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ بِالشَّامِ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ بِالرَيِّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ بِمَرْوٍ وَخُرَاسَانِ، وَهُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ بِوَاسِطٍ، وَصَنَّفَ فِي هَذَا العَصْرِ بِالكُوفَةِ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنُ فُضَيْلٍ، وَوَكِيعٌ، ثُمَّ صَنَّفَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِاليَمَنِ، وَأَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ، وَتَفَرَّدَ بِالكُوفَةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِتَكْثِيرِ الأَبْوَابِ وَجَوْدَةِ التَّرْتِيبِ، وَحُسْنِ التَّأْلِيفِ، وَسَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ المُصَنِّفِينَ ثَلاَثَةٌ، فَذَكَرَ أَبَا عُبَيْدِ الْقَاسِمَ بْنَ سَلاَّمٍ، وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ بَحْرٍ فِي مَعْنَاهُ» (¬2). وذكر ابن النديم في فصل خاص (¬3) فقهاء المحدثين وأصحاب الحديث وساق منهم عددًا، دون أن يعنى بالفصل بين المتجردين للحديث فقط، ومن جمعوا إلى الحديث الفقه فيه، ويلاحظ على من أوردهم أن تاريخ وفياتهم تنحصر ما بين منتصف القرن الثاني، ومنتصف القرن الرابع، كما يلاحظ أنه لم يذكر ¬
في جملة من ذكرهم مالكًا والشافعي، وكذلك لم يذكرهما الرامهرمزي. وقد أحصى الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي من أطلق عليه (أمير المؤمنين) في الحديث، ونظمهم في " منظومته " (¬1) قال فيها: فَمَالِكٌ إِمَامُنَا المُقَدَّمُ ... وَشَيْخُهُ أَبُو الزِّنَادِ المُعَلِّمُ ثُمَّ إِمَامَ العَارِفِينَ الثَّوْرِي ... مَنْ زَانَهُ الزُّهْدِ كَزَيْنِ النُّورِ فَشُعْبَةُ المُحَقِّقُ الِإمَامُ ... مَنْ ازْدَهَتْ بِعِلْمِهِ الأَيَّامُ كَذَاكَ إِسْحَاقُ الِإمَامُ الحَنْظَلِي ... ثُمَّ هِشَامُ الدُّسْتُوَائِيُّ العَلِي وَابْنُ دُكَيْنٍ الفَضْلُ الأَلْمَعِي ... كَذَا ابْنُ يَحْيَى الحَافِظُ الذُّهَلِي ثُمَّ البُخَارِيُّ الشَّهِيرُ الفَخْمُ ... وَالدَّارَقُطْنِيُّ الإِمَامُ الشَّهْمُ ثُمَّ ابْنُ إِسْحَاقَ إِمَامُ السِّيرَةِ ... مَنْ كَانَ ذَا بَصِيرَةٍ مُنِيرَةِ قَدْ قَالَ ذَاكَ الذَّهَبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ ... وَغَيْرُهُ إِذَ حَازَ تِلْكَ المَفْخَرَةِ وَالوَاقِدِيُّ الشَّهْمُ ذُو البَصِيرَةِ ... مِنْهُمْ وَكَانَ مَاهِرًا فِي السِّيرَةِ كَمَا لِذَاكَ الدَّرَاوُرْدِيُّ أَقَرْ ... كَمَا لَهُ العَيْنِيُّ تَصْرِيحًا ذَكَرْ وَهَكَذَا حَمَّادُ نَجْلُ سَلَمَهْ ... فَابْنُ المُبَارَكِ، وَكَمْ مَنْ عَظَّمَهْ وَالدَّرَاوُرْدِيُّ لِذَاكَ يَصْلُحُ ... قَدْ قَالَهُ مَعْنُ بْنُ عِيسَى المُفْلِحُ وَنَجْلُ عَلَّانَ المُحَقِّقُ ذَكَرْ ... مِنْ أُمَرَاءِ المُؤْمِنِينَ ابْنُ حَجَرْ قُلْتُ: وَلَا يَبْعُدُ فِي السُّيُوطِي ... ذَاكَ لِمَا حَازَ مِنَ الشُّرُوطِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ عَلَى صِفَهْ ... تُعْطِيهِ ذَا مَعَ وَرَعٍ وَمَعْرِفَهْ وَابْنُ مَعِينٍ مِثْلُهُ فِيمَا سَلَفْ ... وَلَمْ أَجِدْ هَذَا لَهُمْ عَنْ السَّلَفْ ¬
وهؤلاء المؤرخون الذين قدمناهم كانوا يراعون جانب التحديث ويغلبونه، ولهذا أدخلوا فيمن ذكروهم أمثال مالك والثوري والأوزاعي دون أن يراعوا الجانب الفقهي، وما يتميز به فقه هؤلاء، وما فارق به فقه المحدثين الذي ظهر فيما بعد. ولكن الفقهاء الذين يعنون بذكر المذاهب الفقهية واختلاف العلماء، يسوقون أمثال مالك والثوري والأوزاعي كأصحاب مذاهب مستقلة ثم يعطفون عليها مذهب أهل الحديث: فابن قدامة في عرضه الخلاف في إباحة ترك الاغتسال من الجنابة في رمضان حتى يطلع الفجر، يثبت أن القول بالإباحة هو قول عامة أهل العلم من الصحابة، «وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، فِي أَهْلِ العِرَاقِ وَالأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ، فِي أَهْلِ مِصْرَ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، فِي أَهْلِ الحَدِيثِ، وَدَاوُدُ، فِي أَهْلِ الظَّاهِرِ» (¬1). ويقول ابن حزم في بيان أن مدة المسح على الخفين: يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر: «وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَجُمْلَةِ أَصْحَابِ الحَدِيثِ» (¬2). وَقَالَ فِيمَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ أَوْ كَانَ مَرِيضًا، أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ زَوْجَتَهُ وَأَنْ يَطَأَهَا «وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وَقَتَادَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ» (¬3). ¬
وقال في إمامة المرأة للنساء: «وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الحَدِيثِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِمْ» (¬1). وفي سجود التلاوة من المفصل قال: «وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ النَّاسَ بِذَلِكَ، [وَالشَّعْبِيِّ]، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، [وَالشَّافِعِيِّ]، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَدَاوُد، وَأَصْحَابِهِمْ، وَأَصْحَابِ الحَدِيثِ» (¬2). ولئن احتمل بعض ما تقدم من نصوص ابن حزم أن تكون من قبيل عطف العام على الخاص، أو العكس، فقد وجدنا له نصًا قاطعًا بأن أصحاب الحديث جماعة مستقلة لهم فقههم الخاص بهم، وهو فقه يفارق مذاهب غيرهم من المتقدمين وذلك في معرض مناقشة ابن حزم [لمفهوم] الإجماع والمراد به، قال: «فَإِنْ قَالُوا إِنَّمَا أَرَادَ أَهْلَ السُّنَّةِ قُلْنَا أَهْلُ السُّنَّةِ فِرَقٌ: فَالحَنَفِيَّةُ جَمَاعَةٌ، وَالمَالِكِيَّةُ جَمَاعَةٌ وَالشَّافِعِيَّةُ جَمَاعَةٌ وَالحَنْبَلِيَّةُ جَمَاعَةٌ وَأَصْحَابُ الحَدِيثِ الذِينَ لَا يَتَعَدُّونَهُ جَمَاعَةٌ» (¬3). ويقول في موضع آخر: «وَلَا أَكْثَرَ مِنْ غَلَبَةِ مَذْهِبِ مَالِكٍ عَلَى الأَنْدَلُسِ وَإِفْرِيقِيَّةَ وَقَدْ كَانَ طَوَائِفٌ [عُلَمَاءٌ] مُخَالِفُونَ لَهُ جُمْلَةٌ قَائِلُونَ بِالحَدِيثِ أَوْ بِمَذْهِبِ الظَّاهِرِ» (¬4). ونلاحظ أن ابن حزم ذكر (الحنبلية جماعة) مستقلة عن (أصحاب الحديث) ونحن نؤيده فيما ذهب إليه. وهذا لا يعني أن أحمد بن حنبل ليس من ¬
أصحاب الحديث، بل يعني أن الحنبلية غير أحمد بن حنبل، وغير أصحاب الحديث، فإن أحمد كان محدثًا سلك مسلك المحدثين وأفتى على وفقه، ولكن المطلع على كتب الحنبلية مثل " المغني " لابن قدامة يجد كثيرًا من التفريعات والمسائل الافتراضية التي لم تؤثر عن ابن حنبل، بل أثر عنه كراهيته لها وتحذيره منها، ولكن فقهاء الحنبلية أخذوا مسائل أهل الرأي. ثم حاولوا أن يجيبوا عنها على وفق أصول إمامهم، كما صنع أسد وسحنون في الفقه المالكي. وقد عثرت على نص لابن القيم يؤيدني فيما ذهبت إليه من أن أتباع أحمد بن حنبل هم المحدثون، وليسوا الحنابلة ففي بسطه وجوه الاحتجاج على أهل التقليد، ذكر أن الطبقة الأولى من أصحاب أئمة المذاهب كانوا أتبع للأئمة من المقلدين المتأخيرن «فَأَتْبَعُ النَّاسِ لِمَالِكٍ ابْنُ وَهْبٍ وَطَبَقَتُهُ مِمَّنْ يُحَكِّمُ الحُجَّةَ وَيَنْقَادُ لِلدَّلِيلِ أَيْنَ كَانَ، وَكَذَلِكَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَتْبَعُ لأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ المُقَلِّدِينَ لَهُ مَعَ كَثْرَةِ مُخَالَفَتِهِمَا لَهُ، وَكَذَلِكَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالأَثْرَمُ وَهَذِهِ الطَّبَقَةُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَتْبَعُ لَهُ مِنْ المُقَلِّدِينَ المَحْضِ المُنْتَسِبِينَ إلَيْهِ» (¬1). وقد ساعدت نظرية (بروز فقه المحدثين) على توضيح التناقض المروي عن الإمام أحمد في ذمه الرأي ومدحه له، فإنها يمكن أن تلقى مزيدًا من الضوء حول الظاهرة التي اشتهر بها الفقه الحنبلي وهي كثرة الروايات المختلفة والمتعارضة أحيانًا عن الإمام أحمد في المسألة الواحدة، والتي يتأرجح بعضها من الإثبات المطلق إلى النفي المطلق، مما لا يتأتى معه إمكان الجمع بينهما. وقد كانت هذه الظاهرة محل دراسة للعلماء، ناقشوا أسبابها، وبينوا دوافعها (¬2) ولكن الذي أضيفه هنا وأود أن يؤخذ في الاعتبار عند دراسة هذه ¬
الظاهرة، أن بعض هذا الاختلاف المروي، يمثل المراحل التي مر بها الإمام أحمد في تكوينه الفقهي، أي ما بين اختياره لرأي من يرتضيه ممن سبقه من الفقهاء واستقراره أخيرًا على مذهب أهل الحديث ورفضه لكل رأي. ولا شك أن هذه النقطة تحتاج إلى دراسة خاصة ليس هذا مكانها، يكون من نتيجتها معرفة المتأخر من أقواله، ومقارنتها بما تقدم منها قبل المحنة. ¬
الفصل الرابع: رواة الحديث من الصحابة وتأثيرهم في أهل الحديث
الفَصْلُ الرَّابِعُ: رُوَّاةُ الحَدِيثِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَتَأْثِيرُهُمْ فِي أَهْلِ الحَدِيثِ: نستطيع أن نعتبر عصر الصحابة منبع الآراء الفقهية: منه تنبع وتتدفق، ثم تسيل متشعبة في أودية الزمن، مكتسبة في مسيرتها ما اختلطت به من الطبائع والعقول والبيئات المتفاوتة، مثلما يكتسب الماء من خواص الأرض التي يمر عليها ما يحفظ عذوبته وخواصه أو يخرجه عنها. ونظرة فاحصة إلى معظم المذاهب الإسلامية بما تمثله من اتجاهات فقهية تؤكد ما نقول، وتكشف عن جذور هذه المذاهب الممتدة إلى عصر الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - تمتص منه حياتها، وتتلمس فيه البراهين على صحتها، واستقامة طريقها، وتستأنس به لما تذهب إليه، فإن العصر الممتلئ بالإيمان، الفياض بالحركة - قد جرى فيه من الأحداث، وصراع الأفكار، وألوان النزاع - ما جعل له الأثر الأول في اتجاهات العصور التالية لهم. وتعرضنا لهذا العصر، إنما هو من جانب تأثيره في المحدثين وتأثرهم به، عن طريق النماذج التي يشبهونها، أو التي يلتقون معها في المنزع، ويشاركونها في المشرب، ويقتفون أثرها: سواء في السلوك أو التفكير. وقبل أن نخوض في ذلك نوجز القول في تعريف الصحابي، وفي بيان مراتب الصحابة من العلم: حَدُّ الصَّحَابِيِّ: للعلماء أقوال كثيرة في حد الصحابي، وهذه الأقوال يمكن حصرها في اتجاهين رئيسيين:
أولهما: اتجاه جمهور المحدثين، ويميلون في تعريفه إلى أنه «كُلُّ مُسْلِمٍ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ لَحْظَةً». وهو تعريف مشتق من أصل المعنى اللغوي لمادة الصحبة. وقد اختار هذا التعريف النووي، ووصفه بأنه مذهب أحمد بن حنبل والبخاري وكافة المحدثين (¬1). ويؤيده أن البخاري ترجم لفضائل الصحابة في " صحيحه " بقوله: (بَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ رَآهُ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ) (¬2). وإلى هذا التعريف أيضًا يميل ابن حزم، بعد أن يعترض على بعض التعريفات الأخرى فيقول: «وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَآهُ صَحَابِيًّا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ أَبُو جَهْلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَادَثَهُ وَجَالَسَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَدْرَكَهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَلَمْ يَلْقَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - أَوْ فِي حَيَاتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَعْدُودًا فِي الصَّحَابَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - صَحَابِيًّا وَلَا [خِلَافَ] بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدَ لَيْسَا صَحَابِيَيْنِ وَهُمَا مِنَ الفَضْلِ وَالعِلْمِ وَالبِرِّ بِحَيْثُ هُمَا وَقَدْ كَانَا عَالِمَيْنِ جَلِيلَيْنِ أَيَّامَ عُمَرَ وَأَسْلَمَا فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا الصَّحَابَةُ الذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] الآيَةُ، وَمَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُ بِشَيْءٍ وَالسَّامِعُ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَدَّثَ بِهِ وَهُوَ عَدْلٌ فَهُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ وَاجِبُ الأَخْذِ بِهِ ... وَقَدْ كَانَ فِي المَدِينَةِ فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - مُنَافِقُونَ بِنَصِّ ¬
تفاوت الصحابة في العلم
القُرْآنِ وَكَانَ بِهَا أَيْضًا مَنْ لَا تُرْضِي حَالُهُ كَهَيْتٍ المُخَنَّثُ (*) الذِي أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِنَفْيِهِ وَالحَكَمِ الطَّرِيدِ (**) وَغَيْرَهُمَا فَلَيْسَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ اسْمُ الصَّحَابَةِ» (¬1). أما الاتجاه الثاني في تعريف الصحابي، فهو اتجاه الفقهاء والأصوليين وبعض المحدثين، وهو يميل إلى المعنى العرفي ويحكم الاستعمال الشائع الذي يجعل الصحبة أخص من الرؤية. ويوضح الباقلاني الاتجاهين السابقين فيقول: «لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللَّغَةِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ مُشْتَقٌّ مِنَ الصُّحْبَةِ جَارٍ عَلَى كُلِّ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ، قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا، يُقَالُ صَحِبَهُ شَهْرًا وَيَوْمًا وَسَاعَةً. قَالَ: وَهَذَا يُوجِبُ فِي حُكْمِ اللُّغَةِ إِجْرَاءَ هَذَا عَلَى مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ سَاعَةً. هَذَا هُوَ الأَصْلُ. قَالَ: وَمَعَ هَذَا فَقَدْ تَقَرَّرَ لِلْأُمَّةِ عُرْفٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَهُ إِلَّا فِيمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَاتَّصَلَ لِقَاؤُهُ وَلاَ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَقِيَ المَرْءَ سَاعَةً وَمَشَى مَعَهُ خُطُوَاتٍ وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجْرِي فِي الاسْتِعْمَالِ إِلَّا عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ» (¬2). وما يميل إليه الباقلاني من تحكيم العرف في ذلك هو الصحيح فإن الصحبة أخص من الرؤية بدليل أن من الصحابة أنفسهم من كان يرى ذلك، فقد سُئِلَ أنس بن مالك: «هَلْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ غَيْرُكَ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ رَأَوْهُ، فَأَمَّا مَنْ صَحِبَهُ فَلاَ» (¬3). تَفَاوُتُ الصَّحَابَةِ فِي العِلْمِ: هؤلاء الصحابة الذين أثنى الله عليهم، واقتبسوا من مشكاة النبوة - لم ¬
يكونوا متساويين في القدرات العقلية، ولم تكن الظروف المهيأة للتحصيل العلمي مواتية لكل منهم، إذ أن بعضهم كان يطيل ملازمة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيسمع منه ويتفقه عليه، على حين أن آخرين منهم كانوا مشغولين بالجهاد في سبيل الله، أو بشؤون الحياة من زراعة، أو تجارة أو غير ذلك، كما قال طلحة بن عبيد الله الصحابي: «إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوتَاتٍ وَغَنَمٍ وَعَمَلٍ، كُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيْ النَّهَارِ» (¬1)، ولذلك قال مسروق: «جَالَسْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانُوا كَالإِخَاذِ: الإِخَاذَةُ تَرْوِي الرَّاكِبَ، وَالإِخَاذَةُ تَرْوِي الرَّاكِبَيْنِ وَالإِخَاذَةُ تَرْوِي العَشَرَةَ، وَالإِخَاذَةُ لَوْ نَزَلَ بِهَا أَهْلُ الأَرْضِ لأَصْدَرْتُهُمْ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ - يعني ابن مسعود - مِنْ تِلْكَ الإِخَاذِ» (¬2). ولذلك كان يغيب عن كثير من الصحابة سنن حفظها غيرهم (¬3). وإذا كان الإحصاء التقريبي لعدد الصحابة الذين توفي عنهم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو مائة وأربعة عشر ألفًا (¬4) فإن من أثر عنهم الفتوى من الصحابة لا يتجاوز المائتين، فقد ذكر ابن حزم أسماء الصحابة مرتبًا لهم حسب ما أثر عنهم من الفتوى قلة وكثرة، ثم قال: «فَهُمْ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً وَعِشْرُونَ امْرَأَةً، فَالجَمِيعُ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ، مِنْهُمْ المُكْثِرُونَ سَبْعَةٌ، ذَكَرْنَاهُمْ أَوَّلاً عَلَى الوَلَاءِ، وَمِنْهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مُتَوَسِّطُونَ، وَالبَاقُونَ مُقِلُّونَ جِدًّا» (¬5). ¬
المحدثون من الصحابة
ولا نستطيع أن نحكم بقلة الفقه على من أثر عنه قليل من الفتوى، فقد تكون هناك أسباب ثانوية صاحبت هذه القلة، كالتبكير بالوفاة، أو عدم التفرغ للتعليم حتى ينهض التلاميذ بنقل الفتوى، أو غير ذلك فمعاذ بن جبل - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان من كبار فقهاء الصحابة، وَكَانَ أَحَدَ أَرْبَعَةٍ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِ القُرْآنِ عَنْهُمْ (¬1)، وكان الصحابة إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له (¬2)، لكن وفاته في وقت مبكر (سنة 18 هـ) قللت من فتاواه لقلة الآخذين عنه، وكذلك عثمان بن عفان كان أعلم الصحابة بالمناسك (¬3). وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «لَوْ هَلَكَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، لَهَلَكَ عِلْمُ الفَرَائِضِ، لَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَمَا يَعْلَمُهَا غَيْرُهُمَا» (¬4)، ومع ذلك فلم يكن من المكثرين في الفتوى لأنه كان يهاب الحديث - كما نقل ابن سعد -، ولأن الظروف السياسية التي أحاطت به لم تمكن لفتاويه من الانتشار. المُحَدِّثُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ: وكما تفاوت الصحابة في مقدار ما أثر عنهم من فتوى تفاوتوا في مقدار روايتهم للحديث ما بين مُقِلٍّ وَمُكْثِرٍ، غير أن قلة المروي من الحديث عن فقهاء الصحابة - ممن كانت لهم عناية بالفتوى - لا تعني أنهم لم يكونوا يعلمون من الحديث إلا ما رووه، فإنهم ما كانوا يرون الحديث إلا في مناسبة تستدعيه، إذ لم يكن من همهم ولا من قصدهم الاشتغال بالرواية وحدها. إنهم في الحقيقة قد امتلأت قلوبهم بسنة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأشربت بها نفوسهم، وامتزجت ¬
بتعاليمها دماؤهم، فأصبحت دَمًا يَسْرِي في عروقهم، بعد أن هضموها وتمثلوها، وأدركوا مقاصدها، فصدروا عنها في كل ما يمس حياتهم: في فتاويهم، وقضاياهم، وسلوكهم الفردي والجماعي. فإذا كان بعض هؤلاء المكثرين في الفتوى لم يكثروا من رواية الحديث ولم يشغلوا به، فليس معنى ذلك أنهم لم يكن عندهم علم بالحديث، بل كان علمهم الكثير به هو الذي يوجه حياتهم، ويقود تصرفاتهم وتقوم عليه فتاواهم وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، ولم يكثروا من روايته خوفًا من الخطأ، فقد روى ابن سعد عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا حَدَّثَ أَتَمَّ حَدِيثًا وَلا أَحْسَنَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. إِلا أَنَّهُ كَانَ رَجُلا يَهَابُ الحَدِيثَ» (¬1). وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: هَلْ تُنْكِرُ مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ، وَجَبُنَّا» (¬2). وإنما اشتغل برواية الحديث منهم من تأخر به العصر بعد الفتوحات الإسلامية واستقرار المسلمين، فاحتيج إليه، وقصد للفتوى والحديث. ولعل بدء الاشتغال برواية الحديث وتدريسه، واتخاذ الحلقات الخاصة به، كان بعد وفاة عمر بن الخطاب، وعلى يد أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - بدليل قول أبي هريرة: «لَقَدْ حَدَّثَتُكُمْ بِأَحَادِيثَ، لَوْ حَدَّثْتُ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ لَضَرَبَنِي عُمَرُ بِالدِّرَّةِ» (¬3). وبدليل إنكار عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - عليه سرده للحديث وتتابع الرواية فيه في موضوعات مختلفة لم تنبعث عن حاجة الناس وسؤالهم في مجلس التحديث (¬4). فقد روى ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن ¬
عائشة قالت: «أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ [فَجَلَسَ] إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُسْمِعُنِي [ذَلِكَ]، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ». وكان لأبي هريرة مواعيد منظمة للدرس، فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُومُ كُلَّ خَمِيسٍ فَيُحَدِّثُهُمْ» (¬1). وكان الناس يتواعدون في بعض الأماكن ليسمعوا منه الحديث، فيقضي ساعات طويلة يحدثهم (¬2). وإذا استعنا بإحصائية ابن حزم في عدد الأحاديث التي رواها كل صحابي فسوف نرى أبا هريرة في المقدمة، حيث روى [5374] خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثًا، يليه عبد الله بن عمر بن الخطاب [2630]، ثم أنس بن مالك [2286]، ثم عائشة [2210]، ثم عبد الله بن عباس [1660] (¬3). وسوف نختار هؤلاء الصحابة المكثرين من رواية الحديث - باستثناء أنس - لنبين جوانب من فقههم ونلقي الضوء على بعض اتجاهاتهم لندرك تأثيرهم. وقبل ذلك نرى أنه من الواجب أن نشير إلى ما قررناه من أن الاشتغال برواية الحديث قد بدأ على يد أبي هريرة - بعد وفاة عمر - لا يتعارض مع ما تقدم من أن تجمع أهل الحديث كطائفة متميزة لم يوجد في عصر الصحابة والتابعين، حيث لم يتميز الحديث من الفقه، أما في القرن الثاني وما بعده حيث أفرد الحديث بالتصنيف، وأصبح الاستكثار منه ومن تعدد طرقه هو الغاية من جمعه، دون ¬
1 - الموازنة بين المجموعتين في كمية الفتوى
نظر إلى فهم، أو عمل، أو تطبيق - منذ هذا القرن الثاني تميز المحدثون وأخذوا مكانهم بين المذاهب المختلفة. يقول بِشْرِ بْنِ الحَارِثِ الحَافِي (ت 222 هـ) مُخَاطِبًا المُحَدِّثِينَ: «أَدُّوا زَكَاةَ هَذَا الحَدِيثِ. قَالُوا وَمَا زَكَاتُهُ؟ قَالَ: أَنْ تَعْمَلُوا بِخَمْسَةِ أَحَادِيثَ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ حَدِيثٍ» (¬1) وهذه العبارة تدل دلالة واضحة على كثرة الجمع وقلة العمل. هؤلاء الصحابة الأربعة المكثرون من رواية الحديث، والذين اخترناهم للدراسة، كنماذج للمحدثين في عصر الصحابة، نستطيع أن نقسمهم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى: تضم السيدة عائشة وابن عباس. المجموعة الثانية: تضم أبا هريرة وابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -. وهذا التقسيم يستند على أسس كثيرة، تبرزها المقارنة بين المجموعتين، فمن هذه الأسس: 1 - المُوَازَنَةُ بَيْنَ المَجْمُوعَتَيْنِ فِي كَمِّيَّةِ الفَتْوَى: كمية الفتوى: فالمجموعة الأولى أجرأ على الفتوى، وما أثر عنها من الفتوى أكثر مما أثر عن المجموعة الثانية. وإثبات ذلك بالنسبة لأبي هريرة أمر سهل، حيث ذكره ابن حزم في المتوسطين في الفتيا، غير أنا إذا قارناه بهما، فسوف ترجح أنه كان في الفتيا أقل منهما، يشهد لذلك ما عرف عنه من ورعه وتشدده وما شهد عليه به تلاميذه في مجال المقارنة بينه وبين ابن عباس: فَقَدْ رَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَجْلِسُ بِمَكَّةَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَوْمًا، وَإِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَوْمًا، فَمَا يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ فِيمَا يُسْأَلُ: " لَا عِلْمَ لِي "، أَكْثَرُ مِمَّا يُفْتِي بِهِ» (¬2). ¬
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: «كُنْتُ أُقَسِّمُ نَفْسِي بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، فَكُنْتُ أَكْثَرَ مَا أَسْمَعُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: " لَا أَدْرِي "، وَابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَرُدُّ أَحَدًا، فَسَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: " عَجَبًا لابْنِ عُمَرَ وَرَدِّهِ النَّاسَ، أَلاَ يَنْظُرُ فِيمَا يَشُكُّ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَضَتْ بِهِ سُنَّةٌ قَالَ بِهَا، وَإِلاَّ قَالَ بِرَأْيِهِ "» (¬1). وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: «شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ: " إِيَّاكُمْ عَنِّي، إِيَّاكُمْ عَنِّي، فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنِّي أَبْقَى حَتَّى يُفْتَقَرَ إِلَيَّ لَتَعَلَّمْتُ لَكُمْ» (¬2). أما ابن عباس فقد كان يعلم أنه سيحتاج إليه، فكان يطلب العلم استعدادًا لذلك، فقد روي عنه أنه قال: «لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ , قَلَتْ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ بِنَا نَسْأَلُ الصَّحَابَةَ , فَإِنَّهُمْ اليَوْمَ كَثِيرٌ، قَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ , أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ؟! قَالَ: فَتَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ أَسْأَلُ. قَالُ: إِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الحَديثُ عَنْ رَجُلِ فَآتِي بَابَهُ وَهُوَ قَائِلٌ، فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ [تُسْفِي] الرِّيحُ عَلَيَّ مِنَ التُّرَابِ، فَيَخْرُجُ فَيَرَانِي فَيَقُولُ: " يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ، مَا جَاءَ بِكَ؟ أَلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيكَ؟ " فَأَقُولُ: " لَا، أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ "، فَأَسْأَلُهُ عَنِ الحَدِيثِ فَعَاشَ الرَّجُلُ الأَنْصَارِيُّ حَتَّى رَآنِي وَقَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلِي يَسْأَلُونِي، فَقَالَ: " هَذَا الفَتَى كَانَ أَعْقَلَ مِنِّي "» (¬3). وقال ابن حزم: «هُوَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فَتْوَى عَلَى الإِطْلاَقِ وَقَدْ جَمَعَ فَتَاوِيهِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبٍ ابْنُ الخَلِيفَةَ المَأْمُونِ أَحَدُ أَئمَّةِ الإِسْلاَمِ فِي العِلْمِ وَالحَدِيثِ فِي عِشْرِينَ مُجَلَّدًا» (¬4). ¬
2 - الموازنة بينهما في الملكة الفقهية
2 - المُوَازَنَةُ بَيْنَهُمَا فِي المَلَكَةِ الفِقْهِيَّةِ: الملكة الفقهية ودقة الاستنباط: وقد كان للمجموعة الأولى من ذلك حظ أوفى، ونصيب أكبر، وهو ما مكنها من كثرة الفتوى، بسبب استعمال العقل وعدم التحرج من الرأي. وما تقدم من قول ابن عباس في إنكاره على ابن عمر ما يوضح منهجه في الفتوى: «أَلَا يَنْظُرُ فِيمَا يَشُكُّ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَضَتْ بِهِ سُنَّةٌ قَالَ بِهَا، وَإِلَّا قَالَ بِرَأْيِهِ». وَكَانَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ إذَا ذُكِرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُ يَقُولُ: «ابْنُ عُمَرَ أَوْرَعُهُمَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُهُمَا» (¬1). ويؤكد ابن القيم هذا الاستنتاج الذي ظهر من المقارنة بين المجموعتين في أثناء عرضه لدلالة النصوص وتقسيمه لها إلى حقيقية وإضافية وأن الحقيقية تابعة لقصد المتكلم وهي دلالة لا تختلف، أما الإضافية فهي تابعة لفهم السامع وإدراكه وجودة فكره وقريحته، وصفاء ذهنه، ومعرفتة بالألفاظ ومراتبها. وهذه الدلالة تختلف اختلافًا متباينًا بحسب تباين السامعين في ذلك، ثم قال: «وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَحْفَظَ الصَّحَابَةِ لِلْحَدِيثِ وَأَكْثَرَهُمْ رِوَايَةً لَهُ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَفْقَهَ مِنْهُمَا، بَلْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَفْقَهُ مِنْهُمَا وَمِنْ [عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ] (¬2). أما السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فإن فقهها أشهر من أن ينكر، حُمِلَ عنها وحدها ربع الشريعة، ويكفيها أن الأكابر من الصحابة كانوا إذا أشكل عليهم الأمر في الدين استفتوها فيجدون علمه عندها. قال أبو موسى الأشعري: «مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ إِلاَّ وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا». وَقَالَ مَسْرُوْقٌ: «رَأَيْتُ مَشِيْخَةَ أَصْحَابِ ¬
3 - الموازنة بينهما في نقد الحديث
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهَا عَنْ الفَرَائِضِ» (¬1). ويقول عنها الذهبي: «كَانَتْ مِنْ أكَبَرِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ فُقَهَاءُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْجِعُونَ إِلَيهَا» (¬2). 3 - المُوَازَنَةُ بَيْنَهُمَا فِي نَقْدِ الحَدِيثِ: نقد الحديث والنظر فيه: وعرضه على العقل وعلى الأصول العامة في التشريع - من الأسس التي تميز المجموعة الأولى عن الثانية، ولعائشة وابن عباس في ذلك أخبار كثيرة نكتفي منها بما يأتي: [أ] نَقْضُ الوُضُوءِ بِمَا مَسَّتْ النَّارُ: وقد اختلف الصدر الأول في إيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وذهبوا في ذلك ثلاثة مذاهب: - الأول: لا يجب الوضوء بأكل شيء ما، سواء في ذلك ما مسته النار وما لم تمسه، ولا فرق في ذلك بين لحم جزور ولحم غيره، وهذا مذهب الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس لما روي في الصحاح وغيرها من «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»، ولما رواه جابر: «كَانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ». - المذهب الثاني: وجوب الوضوء مما مست النار، وهو مذهب أبي هريرة وابن عمر وعائشة. - المذهب الثالث: وجوب الوضوء بأكل لحم الإبل خاصة، لأحاديث وردت في ذلك، فيها التفريق بين أكل لحم الشاة وأكل لحم الجزور، وفيها الأمر بالوضوء من لحم الإبل خاصة (¬3). ¬
[ب] الوضوء من حمل الجنازة
والذي يهمنا هنا هو موقف ابن عباس من نقد ما رواه أبو هريرة في إيجاب الوضوء مما مست النار، ومناظرته له في ذلك، وعن أي شيء صدر النقد من ابن عباس. وقد بين لنا الترمذي موقف ابن عباس فيما رواه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الدُّهْنِ؟ أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الحَمِيمِ؟»، قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ تَضْرِبْ لَهُ مَثَلاً» (¬1). [ب] الوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ الجَنَازَةِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا اغْتَسَلَ وَمَنْ حَمَلَهُ تَوَضَّأَ»، فبلغ ذَلِكَ عَائِشَة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: «أَوَ نَجَسٌ مَوْتَى الْمُسْلِمِيْنَ؟ وَمَا عَلَى رَجُلٍ لَوْ حَمَلَ عُودًا» (¬2). وقال ابن عباس في ذلك أيضًا: «لَا يَلْزَمُنَا الوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ عِيدَانٍ يَابِسَةٍ» (¬3). وكأن عائشة وابن عباس لاحظَا أن الأصل في نقض الوضوء هو قوله تعالى: ¬
[ج] قطع الصلاة إذا مر أمام المصلي امرأة أو كلب أو حمار
{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] و [المائدة: 6]، ولذا اتفق على انتقاض الوضوء من البول والغائط والريح والمذي والودي، واختلف فيما عداها، على أن أكثر المختلف فيه يمكن اعتباره ذريعة مفضية إلى إحداث ما اتفق على نقض الوضوء منه: مثل ما يخرج من الجسم كالدم وغيره من السبيلين أو من غيرهما، ومثل النوم ولمس المرأة ومس الذكر وغير ذلك، أما حمل الميت أو أكل ما مست النار فَلَيْسَا دَاخِلَيْنِ في الأصل المتفق عليه، ولا فيما يفضي إليه، ولذا كان الوضوء منهما محل استنكار. [ج] قَطْعُ الصَّلاَةِ إِذَا مَرَّ أَمَامَ المُصَلِّي امْرَأَةٌ أَوْ كَلْبٌ أَوْ حِمَارٌ: وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ، أَوْ كَوَاسِطَةِ الرَّحْلِ: قَطَعَ صَلَاتَهُ الكَلْبُ الأَسْوَدُ وَالمَرْأَةُ وَالحِمَارُ». وقد أثار هذا الحديث كثيرًا من النقاش والتساؤلات في عصر الصحابة واتجهوا في فهمه اتجاهات مختلفة، تَبَعًا لاستعداداتهم، إذ أسرع بعضهم إلى التسليم به والعمل بظاهره، ومنهم ابن عمر، وعرضه آخرون منهم على الأصول العامة وعلى موازين النقد، فلم يسلموا بصحته، أو لم يذهبوا إلى ظاهره. وجدير بالذكر أن البخاري لم يذكر قطع الصلاة بهؤلاء الثلاثة مرفوعًا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما ذكر أن هذا الكلام كان محل مناظرة بين الصحابة فكأنه كان رأيًا لبعضهم، أما الذي رواه البخاري مرفوعًا فهو: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْشَدَ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ المُصَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَرِيقِ النَّاسِ سُتْرَةً أَيَّ سُتْرَةٍ»، قد يكون جدارًا أو سارية، أو حربة يغرسها أو خشبة كذلك، وحذر من المرور بين يدي المصلي لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، تجنبًا من شغل المصلي حتى إن عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كره أن يصلي الرجل تجاه الرجل، وحمله البخاري على ما إذا اشتغل به
المصلي فأما إذا لم يشتغل به فقد قال زيد بن ثابت: «مَا بَالَيْتُ إِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ». ولذلك أنكرت السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - ما قيل في قطع الصلاة بهؤلاء الثلاثة، بل غضبت، فالمرأة في الإسلام ليست من الهوان بحيث تُسَوَّى بِالحِمَارِ وَالكَلْبِ، ولو كانت تعتقد أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو الذي قرر هذا الكلام ما كان لها ولا لغيرها سبيل إلى الإنكار، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} [الأحزاب: 36]. وقد أورد البخاري إنكارها مترجمًا له بقوله: (بَابُ مَنْ قَالَ: لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ) رَوَى فِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالأَسْوَدَ عَنْ عَائِشَةَ، ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ، فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالحُمُرِ وَالكِلاَبِ، وَاللَّهِ «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الحَاجَةُ، فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ، فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ»، وفي رواية عنها: «بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالكَلْبِ وَالحِمَارِ». وذهب ابن عباس أيضًا إلى ما ذهبت إليه عائشة، وترجم الترمذي لحديثه بقوله: (بَابُ مَا جَاءَ لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ) روى فيه عن ابن عباس قَالَ: «كُنْتُ رَدِيفَ الفَضْلِ عَلَى أَتَانٍ، فَجِئْنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى، قَالَ: فَنَزَلْنَا عَنْهَا فَوَصَلْنَا الصَّفَّ، فَمَرَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَلَمْ تَقْطَعْ صَلاَتَهُمْ»، وإن حمل البخاري حديث ابن عباس على أن سترة الإمام سترة للمأموم فلا يضر المأموم ما يمر أمامه (¬1). ¬
[د] تعذيب الميت ببكاء أهله عليه
[د] تَعْذِيبِ المَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ: رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِمَكَّةَ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا - أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي - فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلَا تَنْهَى عَنِ البُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: قَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ، قَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاَءِ الرَّكْبُ، قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ادْعُهُ لِي، فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالحَقْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا صُهَيْبُ، أَتَبْكِي عَلَيَّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ المُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، وَقَالَتْ: حَسْبُكُمُ القُرْآنُ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «عِنْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى» قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: «وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - شَيْئًا» (¬1). ¬
وهكذا تنكر السيدة عائشة أن يكون الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال هذا الحديث بهذا اللفظ، وتعزو روايته هكذا إلى الخطأ والنسيان، فقد روت عَمْرَةُ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ، وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» (¬1) (*)، والذي نريد أن نبرزه أن السيدة عائشة استندت في دعواها إلى ظاهر القرآن الذي يقرر أصلاً ثابتًا في الإسلام، وهو أن الإنسان مجازى عن عمله لا عن عمل غيره: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. على أن البخاري يميل إلى عدم الوهم في رواية عمر وابنه ويحمل ما جاء عنهما إلى نوع خاص من البكاء هو الذي فيه أصوات عالية وترديد لعادات الجاهلية في ذلك، إذا أوصى به الميت أو كان ذلك من عادة أهله فأقرهم عليه ولم ينكره وحينئذٍ يكون البكاء عليه من كسبه، فهو محتمل وزره لا وزر غيره. ولهذا ترجم البخاري لحديث عمر بقوله: (بَابُ [قَوْلِ] النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ " لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ، فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: {لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] " وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} [فاطر: 18]- ذُنُوبًا - {إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18] وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ البُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ» وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬
[هـ] متعة النساء
«لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ ") (¬1). ومما يؤيد ما ذهب إليه البخاري أَنَّ عُمَرَ كَانَ لَا يُنْكِرُ البُكَاءَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا كَانَ يُنْكِرُ مِنْهُ عَادَاتِ الجَاهِلِيَّةِ فقد نقل البخاي أَنَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ» (¬2) وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ ". فلعل عمر أنكر على صهيب رفع صوته بقوله: «وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ». وأصل القصة في حديث عمر وابنه ينفي الوهم والخطأ في روايته ويدل على أن حديث عائشة وابن عمر حديثان متغايران، قِيلاَ في ظرفين مختلفين، فقد روى البخاري بسنده عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ، فَقَالَ: «قَدْ قَضَى؟» قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى القَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَوْا، فَقَالَ: «أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ، وَإِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يَضْرِبُ فِيهِ بِالعَصَا، وَيَرْمِي بِالحِجَارَةِ، وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ» (¬3). [هـ] مُتْعَةُ النِّسَاءِ: ذهب كل من السيدة عائشة وابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - في متعة ¬
النساء مذهبًا مناقضًا للآخر: فالسيدة عائشة - كجمهور المسلمين - تحرم المتعة (وهي النكاح إلى أجل ملفوظ به عند العقد) -، وابن عباس يذهب إلى تحليلها في بعض الحالات الخاصة. وعلى الرغم من تناقضهما بشأن المتعة، فإن الذي يجمع بينهما فيها هو وحدة المنهج في إثبات ما يدعيانه، إذ كلاهما يعرض ما روي من الحديث في المتعة على القرآن الكريم: فعندما سئلت السيدة عائشة عن متعة النساء قالت: «بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ وَقَرَأَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6] فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ مَا زَوَّجَهُ اللهُ أَوْ مَلَّكَهُ، فَقَدْ عَدَا» (¬1). وأما ابن عباس فقد اشتهر عنه تحليل المتعة، وتبعه في ذلك أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن، حتى قال الزهري يذم أهل مكة بسبب ما روى عنهم في الصرف ومتعة النساء. «مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَنْقَضَ لِعُرَى الإِسْلاَمِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ» (¬2). ويستدل ابن عباس على مذهبه أيضًا بالقرآن، وقرأ قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 24]، وروى في قراءة عنه زيادة، إلى أجل مسمى» (¬3). وكأن الأحاديث التي رويت في نسخ المتعة لم تصح عنده. وقد رجح بعض العلماء أنه رجع عن رأيه في المتعة إلى رأي الجمهور، ومن هؤلاء الترمذي، حيث قال: «وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي المُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ»، ثم روي أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّمَا [كَانَتِ] المُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ، فَيَتَزَوَّجُ المَرْأَةَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يُقِيمُ فَتَحْفَظُ لَهُ مَتَاعَهُ، وَتُصْلِحُ لَهُ شَيْئَهُ، حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الآيَةُ: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ¬
[و] تحريم أكل الحمر الأهلية
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَى هَذَيْنِ [فَهُوَ] حَرَامٌ "» (¬1). وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - رَحِمَ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْلاَ نَهْيُ [عُمَرَ] (*) عَنْهَا مَا اضْطُرَّ إِلَى الزِّنَا إِلاَّ شَقِيٌّ» (¬2). ولكن الأظهر أن ابن عباس ثبت على رأيه في المتعة، من أنها مشروعة إذا ألجأت الضرورة إليها، بدليل ما روى البخاري عن أبي جمرة قال: «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَرَخَّصَ»، فَقَالَ مَوْلَى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الحَالِ الشَّدِيدَةِ وَفِي النِّسَاءِ قِلَّةٌ وَنَحْوِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ» (¬3). وقد قرر ابن حزم أن جماعة من الصحابة، منهم ابن عباس - ثبتوا على تحليلها بعد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذهب إلى تحليلها من التابعين، أصحاب ابن عباس، طاووس وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة (¬4) ولهذا قال فيهم الزهري ما قال. [و] تَحْرِيمُ أَكْلِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ: المَشْهُورُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ لُحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وقد جاءت بذلك أحاديث صحيحة، وعلى الرغم من ذلك فإن في هذه المسألة خلافًا نتج عن معارضة هذه الأحاديث لقول الله تعالى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، فإن ظاهر هذه الآية تدل على أن ما عدا المذكور فيها حلال. وقد حكى ابن حزم الخلاف في هذا الموضوع، وذكر أن الذاهبين إلى أنها حلال استدلوا بأن عائشة أم المؤمنين احتجت بالآية السابقة عند سؤالها عن الحمر الأهلية فكأنها ¬
[ز] نفقة المبانة وسكناها
تذهب إلى حليتها (¬1)، وقد وافقها ابن عباس أيضًا فذهب إلى أنها حلال، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: «يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، قَالَ: قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الغِفَارِيُّ عِنْدَنَا بِالبَصْرَةِ، وَلَكِنْ أَبَى ذَلِكَ البَحْرُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَرَأَ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145]» رَوَاهُ البُخَارِيُّ (¬2). [ز] نَفَقَةُ المُبَانَةِ وَسُكْنَاهَا: رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ: طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلاَثًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا سُكْنَى لَكِ وَلاَ نَفَقَةَ»، قَالَ مُغِيرَةُ: فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: قَالَ عُمَرُ: «لاَ نَدَعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لاَ نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ»، وَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ (¬3). أنكر مجموعة من الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - هذا الحديث منهم عمر وأسامة بن زيد، وعائشة فقد روى أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ , فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الحَكَمِ. فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ: «أَنِ اتَّقِ اللهَ , وَارْدُدِ المَرْأَةَ إِلَى بَيْتِهَا». فَقَالَ مَرْوَانُ ... : «أَمَا بَلَغَكِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟» , فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «لَا [يَضُرُّكَ] أَنْ لاَ تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ» (¬4). ¬
4 - الموازنة بينهما في البحث عن علل الأحكام
وإنكار من أنكر هذا الحديث مبني على أنه معارض للأمر بالإسكان في قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6]، فذهب بعض الصحابة إلى رد ما روته فاطمة وأوجب للبائنة النفقة والسكنى، وذهب بعضهم إلى ما قرره حديث فاطمة فلم يوجب لها نفقة ولا سكنى، وذهب بعض العلماء منهم مالك والليث والشافعي، إلى وجوب السكنة لها دون النفقة لأن الآية أوجبت السكنى دون النفقة، ولأن بعض روايات الحديث أثبتت أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسكنها دار ابن أم مكتوم مدة العدة، لأنها كانت تخشى على نفسها إن سكنت دار زوجها الذي كان غائبًا باليمن ولم يكن بينها وبين أهله مودة، بل كانت تتطاول عليهم بلسانها (¬1). 4 - المُوَازَنَةُ بَيْنَهُمَا فِي البَحْثِ عَنْ عِلَلِ الأَحْكَامِ: ومما يميز السيدة عائشة وابن عباس عن ابن عمر وأبي هريرة، دأبهما على البحث عن علل الأحكام، وتحري غايات الشريعة، وعدم الوقوف عند ظاهر النصوص في أغلب الأحوال. وقد سبق ذكر رأي السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - في حكم أكل الحمر الأهلية وميلها إلى الحل مستندة إلى عموم القرآن، وكان ابن عباس يميل نفس الميل، إلا أن مستنده فيما ذهب إليه أن النهي عن أكل لحم الحمر الأهلية مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ يجب البحث عنها، ومقتضى ذلك أنه إذا زالت العلة زال النهي وعادت الإباحة. وإذا كان ابن حزم قد اعتذر عن السيدة عائشة بأن النهي لم يبلغها ولو ¬
فإنه لا يستطيع أن يعتذر بمثل ذلك عن ابن عباس الذي قد بلغه النهي، فلم يقف عند ظاهره، بل نظر إلى الدواعي التي دعت إليه، وإلى العلة التي كانت عليها مداره: فقد روي عنه أنه قال: «لَا أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ، فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ، أَوْ [حَرَّمَهُ] فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ» ويعلق ابن حزم بأن هذا ظن من ابن عباس ووهلة - أي غلط وسهو - لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ وجه النهي عنها، وكان ابن حزم قد روى من طريق " البخاري "، «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ» (¬1). وكان البحث عن علة النهي عن أكل لحم الحمر الأهلية سببًا لاختلاف الصحابة، فمن قائل: حرمت لأنها كانت تأكل العذرة، ومن قائل: لأنها لم تخمس، وقائل: إنه خشي فناء الظهر، وقال بعضهم حرمت البتة (¬2) بدون نظر إلى العلل. وقد تأثر بابن عباس في هذه المسألة تلميذه سعيد بن جبير، فقد ذهب أيضًا إلى أن لحم الحمر حلال، فَقَدْ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «أَصَبْنَا حُمُرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ وَطَبَخْنَاهَا، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَكْفِئُوا القُدُورَ بِمَا فِيهَا». قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا، لأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الجِلَّة (¬3). ومما يُؤْثَرُ عن السيدة عائشة مندرجًا تحت هذا الاتجاه ما قالته خاصًا بخروج النساء إلى المساجد: «لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ ¬
لَمَنَعَهُنَّ المَسَاجِدَ» (¬1). وهذا يعني أنها تأخذ في اعتبارها عامل الزمن، وَرُجْحَانَ المصلحة في ضوء المقصود العام من التشريع. وأيضًا ما روي عنها في هدي التطوع إذا عطب منه شيء قبل أن يبلغ محله، فإن هذا الهدي يجب حينئذٍ أن ينحر ويخلي بينه وبين الناس ولا يأكل منه، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِالهَدْيِ مَعَ نَاجِيَةَ الأَسْلَمِيِّ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيْهِ فِي دَمِهِ، وَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ». وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [هَذَا الحَدِيثُ]، فَزَادَ فِيهِ: «وَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ أَنْتَ، وَلَا أَهْلُ رُفْقَتِكَ». وَقَالَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ دَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ» (¬2). ولكن الهدي إذا عطب في الطريق ولا يوجد فقراء يخل بينهم وبينه، أيمتنع المهدي من أكله أخذًا بظاهر النص النبوي الكريم، فيترك حينئذٍ للسباع، أم يأكله هو ومن معه تجنبًا لإضاعة المال وحذرًا من الإسراف المذموم؟ إن السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - تقول في ذلك: «أَكْلُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ تَرْكِهِ لِلسِّبَاعِ» (¬3). ويوضح هذا الاتجاه إلى التعليل أيضًا ما روي من نزول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأبطح عند النفر من الحج - والنفر: هو الرجوع من مِنَى إلى مكة بعد رمي الجمرات - فقد ذهب أبو هريرة وابن عمر إلى أن ذلك من النسك فجعلاه من سنن الحج، وذهب ابن عباس وعائشة إلى أنه كان اتفاقيًا وليس من السنن ويحكي ابن قدامة هذا الخلاف فيقول: «قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ ¬
نَفَرَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ، وَهُوَ الأَبْطَحُ، وَحَدُّهُ مَا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ إلَى المَقْبَرَةِ، فَيُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ، ثُمَّ يَضْطَجِعَ يَسِيرًا، ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً ... وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ، لاَ يَرَيَانِ ذَلِكَ سُنَّةً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التَّحْصِيبُ لَيْسَ بِشَيْءِ، إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ نُزُولَ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا (¬1). وهكذا الرمل في الطواف: كان ابن عباس يراه اتفاقيًا، لقول المشركين حطمتهم حمة يثرب، وقد ذهب حكمه لزوال سببه من النسك إذن فقد روى الإمام أحمد بإسناده عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَلَ بِالبَيْتِ، وَأَنَّهَا سُنَّةٌ، قَالَ: «صَدَقُوا وَكَذَبُوا»، قُلْتُ: كَيْفَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: «قَدْ رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالبَيْتِ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، قَدْ رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَالمُشْرِكُونَ عَلَى جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ بِهِمْ هَزْلاً، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا لِيُرِيَهُمْ أَنَّ بِهِمْ قُوَّةً» (¬2). والحق أن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كان أكثر هؤلاء الصحابة الأربعة الذين ذكرناهم إعمالاً للرأي، وأشدهم عناية بالمعنى، وكان علمه باللغة والشعر وتمرسه بأساليب العرب خير معين له على الفهم والتذوق وإدراك المقصود من الألفاظ وما وراء الألفاظ، سواء في القرآن أو في الحديث، ولقد اشتهر ¬
بين الصحابة بغوصه على معاني القرآن وحسن تفسيره له وبراعة استنباطه منه حتى لقب بترجمان القرآن. ومن أمثلة استنباطه من القرآن أنه سئل عن السجدة التي في (سورة ص) عند قوله تعالى: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]، فأجاب ابن عباس بقوله: أَتَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} وَفِي آخِرِهَا: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] قَالَ: «أُمِرَ نَبِيُّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْتَدِيَ بِدَاوُدَ» (¬1). وسأله رجل عن معنى قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]- فَأَجَابَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَرَابَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «عَجِلْتَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِلا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]: إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» (¬2). وقد جاءت روايات مختلفة في التيمم، بعضها يأمر بمسح الكفين والوجه، وبعضها الآخر يأمر بمسح اليدين إلى المرفقين مع الوجه. ولما سئل ابن عباس عن ذلك لَمْ يُحَاوِلْ أَنْ يُرَجِّحَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ المُخْتَلِفَةِ عَنْ طَرِيقِ الأَسَانِيدِ بل اتجه إلى القرآن مستنبطًا منه إجابته، مدعمًا به رأيه فقال: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذَكَرَ الوُضُوءَ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ} [المائدة: 6]، وَقَالَ فِي التَّيَمُّمِ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43]، وَقَالَ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، فَكَانَتِ السُّنَّةُ فِي القَطْعِ الكَفَّيْنِ، إِنَّمَا هُوَ الوَجْهُ وَالكَفَّانِ: «يَعْنِي التَّيَمُّمَ» (¬3). وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ ذَبْحَ ابْنَهُ فَقَالَ: «لاَ يَنْحَرِ ابْنَهُ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ»، ¬
فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ يَكُونُ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ كَفَّارَةُ [اليَمِينِ]؟ فَقَالَ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3]، ثُمَّ جَعَلَ فِيهِ مِنَ الكَفَّارَةِ مَا قَدْ رَأَيْتَ» (¬1). ولفهمه القرآن ولدقته وعمقه في هذا الفهم كان محل إعجاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وكان يدخل عليه وهو فتى في جملة المشيخة من أهل بدر، ولما استكثروا عليه ذلك أراد عمر أن يعطيهم صورة من فهم ابن عباس وفطنته، فسألهم عمر عن هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]. فَقَالُوا: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إذَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَهُ وَيَتُوبَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ بِحُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، فَتْحُ مَكَّةَ، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 2]، فَذَلِكَ عَلاَمَةُ مَوْتِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]، فَتَوَجَّهُ عُمَرُ إِلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ تَقْدِيمَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَائِلاً: «كَيْفَ تَلُومُونِي عَلَى مَا تَرَوْنَ؟» (¬2). إن ابن عباس كان عنده اتجاه أصيل للتعليل، والتنقيب عن المعاني والغوص وراءها، ولذلك لم يكن غريبًا أن يعرف بكثرة القياس والرأي تبعًا لما قدمناه عنه من كثرة الفتوى، مع جرأة في الإفتاء بمقتضى فهمه حتى ولو كانت فتواه مخالفة للرأي الشائع المعمول به. ¬
وسنعرض هنا أمثلة موجزة تبين أصالة هذا الاتجاه عنده. فمن ذلك ما روي «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ القَبْضِ». فهل هذا النهي مقصور على الطعام، فيصح بيع غيره قبل القبض، أم أن المقصود هو النهي عن بيع كل شيء قبل القبض؟ وتخصيص الطعام بالذكر لكونه هو البيع الشائع الذي تكثر فيه المخاصمة؟ وإذا قيس على الطعام غيره في النهي، فهل يقتصر في هذا القياس على المنقول فقط، أم يقاس عليه كل بيع، منقولاً وغير منقول؟ إن ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ». ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ» (¬1). ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد بإسناده عن جابر بن زيد (*)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ» قِيلَ لابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ» (¬2). ¬
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الرِّجَالَ عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ، وهو نهي يتناول القليل والكثير. ولكن ابن عباس يرى أن المنهي عنه أن يكون الثوب كله حريرًا، ويقول: «إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ قَزٍّ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَمَّا السَّدَى وَالعَلَمُ فَلا نَرَى بِهِ بَأْسًا» (¬1). ولا يقف ابن عباس عند هذا الحد، بل يحاول أن يتلمس العلة في النهي عن لبس الحرير، ليربط بين العلة والحكم، فَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ المِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ يَعُودُهُ فِي مَرَضٍ مَرِضَهُ، فَرَأَى عَلَيْهِ ثَوْبَ إِسْتَبْرَقٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَانُونٌ عَلَيْهِ تَمَاثِيلُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ، مَا هَذَا الثَّوْبُ الذِي عَلَيْكَ؟ قَالَ: [وَمَا هُوَ؟] قَالَ: إِسْتَبْرَقٌ، قَالَ: «وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِهِ، وَمَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ إِلاَّ لِلتَّجَبُّرِ، وَالتَّكَبُّرِ، وَلَسْنَا بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ» قَالَ: فَمَا هَذَا الكَانُونُ الذِي عَلَيْهِ الصُّوَرُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَلَا تَرَى كَيْفَ أَحْرَقْنَاهَا بِالنَّارِ؟» (¬2). فهو يعلل النهي عن لبس الحرير لما يبعثه على التجبر والخيلاء، كما أن النهي عن التماثيل واتخاذ الصور لما قد يكون من تعظيمها وما يؤدي إلى معاملتها بما يشعر بالاحترام والتقديس. أما جرأته على الإفتاء بما يؤديه إليه اجتهاده حتى ولو خالف الرأي الشائع المعمول به بين الصحابة، فقد أثر عنه في ذلك ما لم يؤثر عن زملائه المكثرين من رواية الحديث. وليست الجرأة أن يفتي بما يخالف الحديث عن جهل به، فَإِذَا بَلَغَهُ عَدَلَ عَنْ رَأْيِهِ - كصنيع أبي هريرة في إبطاله صوم الجنب إذا أصبح من غير طهارة، ثم عدوله عن ذلك عندما بلغه حديث عائشة «أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا [مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ]، ثُمَّ يَصُومُ» (¬3) - ولكننا نعني بالجرأة أن ¬
يبلغه الحديث بما يخالف فتواه فلا يتزحزح عن رأيه، إما لترجيحه دخول الوهم والخطأ في روايته وإما لتأويله، وفي الحالتين يستلهم القرآن، ويستند إلى ما فهمه منه في موضوع النزاع، وقد كان من منهجه - كما قررنا فيما سبق - نقد الحديث وعرضه على القرآن، ولعله في ذلك متأثر بعمر بن الخطاب في رفضه لحديث فاطمة ورفضه لحديث الجنب كما تأثر به في ذلك ابن مسعود. وقد سبق أن ذكرنا رأي ابن عباس في نكاح المتعة ومخالفته لكثير من الصحابة في القول بحليته مستندًا إلى ما فهمه من القرآن، ولم ير فيما روى في تحريم المتعة من الأحاديث ما يجعلها مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ، كما ذهب غيره، بل رأى أن المتعة حلال إذا دعت الضرورة، حرام عند عدم وجود الداعي إليها. ورأي ابن عباس في الربا قريب من رأيه في نكاح المتعة، فقد كان يذهب إلى أن الربا المحرم هو ربا النسيئة، أما الزيادة في البيع [الحلال]، فلا ربا فيها، الذهب والفضة وغيرهما في ذلك سواء. فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، قَالَ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الذِي تَقُولُ؟ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» (¬1). وروى الترمذي حديث أبي سعيد الخدري فِي «نَهْيِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬
عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ بِالفِضَّةِ إِلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ»، ثم قال: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُبَاعَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلاً، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ مُتَفَاضِلاً، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وقَالَ: " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ "، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ حِينَ حَدَّثَهُ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (¬1). ومما أشار إليه الترمذي من رجوع ابن عباس عن قوله قد فَصَّلَهُ ابن حزم بما رواه عن حيان بن عبيد الله، عن أبي مجلز، لكنه ضعف ما روي في ذلك ووصفه بأنه قول باطل، ثم قال: «وَرَوَى عَنْهُ طَاوُوسٌ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ. وَرَوَى الثِّقَةُ المُخْتَصُّ بِهِ خِلاَفَ هَذَا». ثُمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا كَانَ الرِّبَا قَطُّ فِي هَاءٍ وَهَاتٍ. وَحَلَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بِاَللَّهِ مَا رَجَعَ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ». ثم ذكر ابن حزم أن ذلك كان رأي ابن مسعود أيضًا وعليه كان عطاء وأصحاب ابن عباس وفقهاء أهل مكة (¬2). ومن ذلك رأيه في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها: هل تنتهي بوضع الحمل، أو لا بد من أقصى الأجلين: وضع الحمل وأربعة أشهر وعشر؟. يبين لنا الترمذي موقف ابن عباس وأبي هريرة من هذه المسألة بِمَا رَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَذَاكَرُوا المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الحَامِلَ تَضَعُ عِنْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " تَعْتَدُّ آخِرَ الأَجَلَيْنِ "، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: " بَلْ تَحِلُّ حِينَ تَضَعُ "، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي "، - يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ -، فَأَرْسَلُوا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ ¬
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " قَدْ وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ الأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِيَسِيرٍ، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ "» (¬1). ومن ذلك ما ذهب إليه ابن عباس من أن الأخت لا ترث أصلاً مع البنت ولا مع بنت الابن، لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]، ولفظ الولد يقع على المذكر والمؤنث، ولقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ [بِأَهْلِهَا]، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». وَرَأْيُ ابن عباس هنا مخالف لما ذهب إليه معظم الفقهاء من اعتبار الأخوات عصبة مع البنات، مستندين إلى ما روي مِنْ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ سُئِلَ عَنْ [بِنْتٍ] وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ، ... فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلأُخْتِ». ولكن يبدو أن ابن عباس لا يعترف بصحة هذا الحديث لمخالفته ظاهر الآية السابقة، مع معارضته لحديث: «أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ [بِأَهْلِهَا]»، فقد روى ابن حزم عنه أنه قال: قال الله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: لَهَا النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ». وَرُوِيَ عَنْهُ أيضًا أنه قال: «أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا فِي قَضَاءِ ¬
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَتَجِدُونَهُ فِي النَّاسِ كُلِّهِمْ: مِيرَاثُ الأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ؟» (¬1). وقد أخذ بقول ابن عباس في ذلك داود الظاهري. ومن ذلك أيضًا رأي ابن عباس في ميراث الجدة، فقد ذهب الجمهور إلى إعطاء الجدة السدس، على اختلاف بينهم في توريث الجدات إذا اجتمعن وفي حجبهن، يستندون في ذلك إلى ما روي مِنْ «أَنَّ الجَدَّةَ جَاءَتِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَسْأَلُهُ عَنْ مِيرَاثِهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [شَيْءٌ] وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ المُغِيرَةُ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهَا، ثُمَّ جَاءَتِ الجَدَّةُ الأُخْرَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شَيْءٌ، وَمَا كَانَ القَضَاءُ الذِي قَضَى بِهِ إِلاَّ لِغَيْرِكَ، وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الفَرَائِضِ، وَلَكِنَّهُ ذَلِكَ السُّدُسُ، فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا فِيهِ فَهُوَ لَكُمَا، وَأَيَّتُكُمَا انْفَرَدَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا» (¬2). أما رأي ابن عباس فهو رأي مخالف لما ذهب إليه الجمهور، ولذلك وصفه ابن رشد بأنه «رَأْيٌ شَاذٌّ عِنْدَ الجُمْهُورِ، وَلَكِنْ لَهُ حَظٌّ مِنَ القِيَاسِ» (¬3)، وهو متلائم مع منهجه في تحكيم القرآن، فكما أن الأب في عرف القرآن ¬
يطلق على الجد {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} (¬1)، {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} (¬2) فكذلك الأم تطلق على الجدة، قال تعالى: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} (¬3). فإذا كان أبو بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يرى أن نصيب الجدة غير مذكور في القرآن فإن ابن عباس يرى أنه مذكور في القرآن، داخل في قوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11]، وعلى ذلك فالجدة أم عند عدم الأم، لها السدس عند وجود جمع من الإخوة أو وجود أولاد للمتوفى، ولها الثلث فيما عدا ذلك، وقد روى ابن حزم بسنده عن ابن عباس قال: «الجَدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ إذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ»، وبسنده عن طاووس مثل ذلك، وبقوله في ذلك أخذ ابن حزم الظاهري (¬4). وإعطاء الجدة الثلث قول انفرد به ابن عباس وهو مصدر وصف رأيه في ذلك بالشذوذ، هذا مع عدم أخذه بما روى من الحديث في ذلك. ويدعونا الكلام في الفرائض والمواريث إلى أن نشير إلى ظاهرة هامة عند ابن عباس، هي أنه - على الرغم من اتجاهه إلى التعليل، وأصالة هذا الاتجاه عنده كما سبق أن قررناه - كان يبدو أحيانًا متمسكًا بظاهر اللفظ، مناظرًا من يخالفه في ذلك ولعل آراءه في الفرائض هي أبرز الأمثلة على هذا الجانب من فقهه. وجدير بالذكر أن كثيرًا من آرائه في الفرائض أخذ بها أهل الظاهر، كما ظهر في المثالين السابقين، وكما سيتبين مما يأتي، وهذا يؤكد ما سبق أن ذكرناه في بداية الفصل من أن عصر الصحابة هو الملتقى الذي تتجمع عنده معظم الاتجاهات أو تتفرع منه معجم التيارات الفقهية. ¬
وقد لاحظ ابن القيم هذه العلاقة التي بين عصر الصحابة وبين الاتجاهات التي ظهرت فيما تلاه من عصور، وضرب لذلك مثلاً باجتهاد الصحابة عِنْدَمَا أَمَرَهُمْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الأَحْزَابِ بِأَنْ يُصَلُّوا العَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، «فَاجْتَهَدَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا التَّأْخِيرَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ سُرْعَةَ النُّهُوضِ، فَنَظَرُوا إلَى الْمَعْنَى، وَاجْتَهَدَ آخَرُونَ وَأَخَّرُوهَا إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلَّوْهَا لَيْلًا، نَظَرُوا إلَى اللَّفْظِ، وَهَؤُلَاءِ سَلَفُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، [وَهَؤُلَاءِ] سَلَفُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي وَالْقِيَاسِ» (¬1). فمن مسائل الميراث التي مال فيها ابن عباس إلى ظاهر اللفظ: 1 - أنه ذهب إلى أن الاثنين من الإخوة أو الأخوات لا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس، واشترط لتأثيرهم في نصيبها أن يكونوا ثلاثة فصاعدًا، تمسكًا بظاهر اللفظ في قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]. وقد روى ابن حزم بسنده أَنَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ لَهُ: «إنَّ الأَخَوَيْنِ لا يَرُدَّانِ الأُمَّ إلَى السُّدُسِ، إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] وَالأَخَوَانِ فِي لِسَانِ قَوْمِك لَيْسُوا بِإِخْوَةٍ؟». فَقَالَ عُثْمَانُ: «لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي، تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَمَضَى فِي الأَمْصَارِ» (¬2) وإلى هذا ذهب ابن حزم. وجمهور الصحابة - كما أشار سيدنا عثمان في مناظرته لابن عباس - على أن الاثنين لهما حكم الجمع في الميراث، فيدخلان في لفظ (الإِخْوَةِ)، فإن قاعدة الفرائض المستنبطة من آيات المواريث - أن كل حكم اختص به الجماعة عن الواحد فإن الاثنين يشتركان فيه، فالإخوة لأم مثلاً: بين الله سبحانه نصيب ¬
الواحد والواحدة عند الانفراد ثم نص على نصيبهم عندما يكونون أكثر من واحد، فقال تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12]، فإن قوله: {أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ} أي أكثر من أخ أو أخت، أي أكثر من واحد أو واحدة، فيدخل فيه الاثنان، وكوضعه تعالى نصيب الأختين فما فوقهما في مقابلة نصيب الواحدة المنفردة {... فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ} [النساء: 176]، وقد قال ابن القيم في الموازنة بين رأي ابن عباس ورأي الجمهور في هذه المسألة: «وَنَظَرُهُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَنَظَرُ الصَّحَابَةِ أَقْرَبُ إلَى المَعْنَى» (¬1). ومن المسائل التي خالف ابن عباس فيها الجمهور بسبب ميله إلى الظاهر - نصيب الأم إذا انحصرت التركة في الأبوين وأحد الزوجين: فقد ذهب الجمهور إلى أن لها حينئذٍ ثلث الباقي بعد نصيب أحد الزوجين، إذ لو أعطيت ثلث الكل لكان نصيبها ضعف نصيب الأب في وجود الزوج، وقريبًا من نصيبه في وجود الزوجة، مع أن الملاحظ في نظام التوريث أنه إذا اجتمع ذكر وأنثى في طبقة واحدة كالابن والبنت، والجد والجدة، والأب والأم، والأخ والأخت، فإما أن يأخذ الذكر ضعف ما تأخذه الأنثى، أو يساويها. فأما أن تأخذ الأنثى ضعف الذكر فهذا خلاف قاعدة الفرائض التي أوجبها شرع الله وحكمته، وقد عهدنا الله سبحانه أعطى الأب ضعف ما أعطى الأم إذا انفرد الأبوان بميراث ابنهما، وساوى بينهما عند وجود ولد له، ولم يفضلها عليه في موضع واحد، ولهذا ذهب الجمهور إلى أن لها ثلث الباقي بعد نصيب أحد الزوجين. أما ابن عباس فقد ذهب إلى أن نصيب الأم هو ثلث التركة كلها، وجد أحد الزوجين أو لم يوجد، تَمَسُّكًا بظاهر قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]. ¬
وتسفر مناظرته في هذه المسألة لزيد بن ثابت عن ميله الواضح لظاهر اللفظ فيها، فقد أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت: أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؟. فَقَالَ زَيْدٌ: «إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ تَقُولُ بِرَأْيِكَ، وَأَنَا رَجُلٌ أَقُولُ بِرَأْيِي» (¬1). وقد روى الدارمي عن إبراهيم النخعي قال: «خَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَهْلَ القِبْلَةِ فِي امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ: جَعَلَ لِلأُمِّ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ المَالِ» (¬2). ومذهب ابن عباس في هذه المسألة هو ما ذهب إليه بعده أهل الظاهر، كداود وابن حزم (¬3). ومن رأي ابن عباس أيضًا رفض العول، مخالفًا بذلك جمهور الصحابة، وقد أخذ برأيه في رفض العول داود وابن حزم وغيرهما من أهل الظاهر، تَشَبُّثًا منهم بأن مجموع الأنصبة يجب ألا يزيد على الواحد الصحيح، فالتركة تستوعب نصفين، فإذا وجد من له الثلث معهما لم يصادف هذا الثلث مقابلاً له من التركة، وهذا أمر بديهي، وإذا كان بعض الورثة حينئذٍ لن يكون له حظ من التركة، وجب أن ينظر فيمن يقدم منهم ليكون أولى بأخذ نصيبه، وقد رأى ابن عباس أن التركة إذا تزاحمت فيها الفروض قدم من الورثة من ينتقل من فرض مقدر إلى فرض آخر مقدر، فإذا بقي منها شيء أخذه من ينتقل من فرض مقدر إلى نصيب غير مقدر. فمثلاً إذا كان الورثة زوجًا وأختًا شقيقة وَأُمًّا، فللزوج النصف، وللأخت النصف، وللأم الثلث، فابن عباس يقدم الزوج والأم، فيأخذان نصيبهما كاملاً، لأنهما ينتقلان من فرض مقدر هو النصف للزوج والثلث إلى فرض مقدر وهو الربع للزوج والسدس للأم وما بقي بعد نصيبهما تأخذه الأخت لأنها تنتقل من فرض ¬
مقدر هو النصف إلى نصيب غير مقدر عندما تكون عصبة بالغير أو مع الغير، فإذا لم يبق من التركة شيء لم تأخذ شيئًا. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: «أَعَالَ الفَرَائِضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَخَّرَ مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ»، قِيلَ لَهُ: وَأَيُّهَا قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَيُّهَا أَخَّرَ اللَّهُ؟. قَالَ: «كُلُّ فَرِيضَةٍ لَمْ يُهْبِطْهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُوجَبِهَا إِلاَّ إِلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى، فَهِيَ مَا قَدَّمَ اللَّهُ، وَكُلُّ فَرِيضَةٍ إِذَا زَالَتْ عَنْ فَرْضِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلاَّ مَا بَقِيَ فَتِلْكَ التِي أَخَّرَ اللَّهُ فَالأَوَّلُ مِثْلُ الزَّوْجَةِ وَالأُمِّ، وَالمُتَأَخِّرُ مِثْلُ الأَخَوَاتِ وَالبَنَاتِ». قَالَ: «فَإِذَا اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ بُدِئَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَلِمَنْ أَخَّرَ اللَّهُ، وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ لَهُ»، قِيلَ لَهُ: فَهَلاَّ قُلْتَ هَذَا القَوْلَ لِعُمَرَ: قَالَ: «هِبْتُهُ» (¬1). ورأي الجمهور أقرب للعدل والنظر من رأي ابن عباس، فالورثة أشبه بالغرماء في مال المدين إذا قصر عن الوفاء بكل حقوقهم. فإن المال حينئذٍ يقسم بقدر حصصهم من الدين، ولا يحق لبعضهم أن يستوفي حقه كاملاً على حساب حرمان الآخرين. هذا هو ابن عباس، آثرناه بمزيد من البيان بعد أن أجملنا الخطوط العامة لرواة الحديث من الصحابة، ووصفنا الملامح الرئيسية لفقههم. ونرى لزامًا علينا - لتتضح الصورة، وتتميز الفروق - أن نذكر ابن عمر من بين المجموعة الثانية كطرف مقابل لابن عباس -، فنختصه بكلمة تجلي لنا جوانب من شخصيته، وتكشف لنا عن بعض اتجاهاته في الفقه، لتسهل الموازنة بين المجموعتين. وأول ما يطالعنا من سلوك ابن عمر وشخصيته هو حرصه على السنة وتمسكه بها، واقتداؤه بالرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقتداءً تامًا لا استثناء فيه حتى لقد رأى معاصروه أنه قد بالغ في ذلك، فقد «ذَكَرَ نَافِعٌ أنَّ عَبْدَ اللهِ تَتَبَّعَ ¬
أَمْرَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَآثَارَهُ، وَأَفْعَالَهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ خِيفَ عَلَى عَقْلِهِ» (¬1). ومن أمثلة تحريه وحمله نفسه على أن يكون سلوكه مطابقًا سلوك الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يرويه مُجَاهِدٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَمَرَّ بِمَكَانٍ فَحَادَ عَنْهُ، فَسُئِلَ لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا فَفَعَلْتُ». وَعَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللهُ - بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا كَانَ حِينَ رَاحَ رُحْتُ مَعَهُ، حَتَّى أَتَى الإِمَامَ فَصَلَّى مَعَهُ الأُولَى وَالعَصْرَ، ثُمَّ وَقَفَ مَعَهُ وَأَنَا وَأَصْحَابٌ لِي حَتَّى أَفَاضَ الإِمَامُ فَأَفَضْنَا مَعَهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى المَضِيقِ دُونَ المَأْزِمَيْنِ، فَأَنَاخَ وَأَنَخْنَا، وَنَحْنُ نَحْسَبُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَقَالَ غُلاَمُهُ الذِي يُمْسِكُ رَاحِلَتَهُ: إِنَّهُ لَيْسَ يُرِيدُ الصَّلاَةَ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذَا المَكَانِ قَضَى حَاجَتَهُ، فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» (¬2). وقد عرف ابن عمر بهذا الحرص الشديد على الاقتداء والتأسي، وذاعت شهرته بذلك في الأوساط المختلفة حتى غلب على ظن كثير من الناس، أن ما صدر عنه من أفعال وتصرفات تمثل صورة من أفعال الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولها ارتباط بما صدر عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وقد كان ابن عمر يعلم أنه - لتأسيه بالرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - - صار قدوة، ولذلك، كان يحرص عندما يصدر منه فعل ليس متابعًا فيه للرسول، على أن ينبه الناس إلى ذلك، مثل ما روي أنه أمر أصحابه أن يمسحوا على خفافهم، ولكنه خلع نعليه، وغسل رجليه، ولما خشي أن يظن الناس أن غسل القدمين أفضل من المسح على الخفين وأن يتابعوه في فعله اضطر أن ¬
ينبههم إلى أنه غسل قدميه استجابة لميله الطبيعي إلى غسل القدمين وَقَالَ: «حُبِّبَ إلَيَّ الوُضُوءُ». وَقَالَ: «إنِّي لَمُولَعٌ بِغَسْلِ قَدَمَيَّ، فَلَا تَقْتَدُوا بِي» (¬1). وكما كان ابن عمر حريصًا على تتبع أمر الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآثاره وأفعاله - كان حريصًا على حفظ حديثه ينقله بألفاظه، لا يزيد فيها ولا ينقص منها، وينقل لنا أبو جعفر محمد بن علي [بن الحسين بن علي] (*) بن أبي طالب هذا الجانب من شخصية ابن عمر فيقول: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا أَحْذَرَ أَلاَّ يَزِيدَ فِيهِ أَوْ يُنْقِصَ مِنْهُ، وَلاَ، وَلاَ ... مِنْ ابْنِ عُمَر» (¬2) (*). أما سرعة استجابته للحديث وأخذه به وقلة نقده له - فهي ظاهرة واضحة عند ابن عمر. وإذا كان ابن عباس يبلغه الحديث فيما يخالف اجتهاده، فيعلله أو يؤوله - كما سبق أن قدمنا - فإن ابن عمر على العكس من ذلك، متى يبلغه الحديث يرجع إليه دون معارضة، ودون ضرب الأمثال له، كما أخذ ذلك أبو هريرة على ابن عباس. وقد ذكرنا من قبل رأي ابن عباس في ربا الفضل، وثباته على هذا الرأي رغم معارضته لحديث أبي سعيد الخُدري، وقد صح عن ابن عمر أنه كان يقول بقول ابن عباس في الربا (¬3)، ولكنه ما لبث أن رجع عنه عندما بلغه الحديث في ذلك. وهذا فرق هام بين ابن عمر وابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -. ولعل أوضح مثال يؤكد هذا الفرق بينهما هو ما أثر عنهما في حكم المزارعة، واختلاف موقفهما حيال ما روي فيها، فقد كان شائعًا بينهم إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها حتى حديث بعض متأخري الصحابة أن النبي ¬
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عنها. فماذا كان موقف هذين الصحابيين الجليلين من هذا النهي؟ أما ابن عباس فقد نقد ما روي في المزارعة، وعلله بسهو الراوي أو بعدم إحاطته بالظروف التي قيل فيها الحديث، فلم يعمل بما روي فيها. وأما ابن عمر، فمع تشككه في صحة الحديث فيها، لمناقضته لما مضى عليه العمل في عهد النبوة وفي عهد الخلفاء الراشدين، ولما كان يعلمه من أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقر هذا التعامل، عندما عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج من الأرض - فإنه لم يسعه إلا أن يأخذ به، ويمتثل له ويفضل أن يتهم نفسه ولا يتهم الرواية. والأحاديث في المزارعة كثيرة لا تخلو من تعارض، ويهمنا هنا أن نذكر ما يوضح هذا الفرق الذي ذكرناه بين ابن عمر وابن عباس. فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ رَافِعِ بْنَ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ ظُهَيْرٌ: " لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا "، قُلْتُ: مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ حَقٌّ، قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟»، قُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ، وَعَلَى الأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ: «لَا تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا، [أَوْ أَزْرِعُوهَا]، أَوْ أَمْسِكُوهَا» قَالَ رَافِعٌ: قُلْتُ: سَمْعًا وَطَاعَةً (¬1). وَرَوَى البُخَارِيُّ معنى ذلك عن جابر وأبي هريرة. ثُمَّ رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَكِنْ قَالَ: «أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا» (¬2). ¬
وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّمِ المُزَارَعَةَ، وَلَكِنْ أَمَرَ أَنْ يَرْفُقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ» (¬1). أما ابن عمر فيتبين موقفه مما رواه البخاري عن نافع أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ» ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ» فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَافِعٍ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ». فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِمَا عَلَى الأَرْبِعَاءِ، وَبِشَيْءٍ مِنَ التِّبْنِ» (¬2). إن هذه الرواية توضح شك ابن عمر في صحة الحديث، وتشير إلى القلق الذي نشب في نفسه بين قبول هذا الحديث أو رفضه. فماذا كانت نتيجة هذا الصراع؟. إن الرواية التالية تبين أن هذا الصراع قد انتهى إلى ما يتسق مع شخصية ابن عمر ومنهجه، مِنْ أَخْذٍ بِالحَدِيثِ وَامْتِثَالٍ لَهُ، فحرم المزارعة على نفسه، رغم الظواهر التي تشكك في صحة الحديث، وترجح غلبه الوهم أو الخطأ في روايته، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: «كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الأَرْضَ تُكْرَى»، ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ ¬
يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، «فَتَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ» (¬1). ولعل ورع ابن عمر وحيطته لدينه هي الدوافع في اتجاهه هذا بل هي الضوء الذي يفسر كثيرًا من تصرفاته. وكان هذا الورع يحمله على أن يترك بعض الحلال مخافة أن يقترب من الحرام، وقد روى مالك عنه أنه قال: «إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الحَلاَلِ» (¬2). كما كان هذا الورع يحمله على التشديد على نفسه وعلى غيره، فقد صح عنه «أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ المَاءَ فِي بَاطِنِ عَيْنَيْهِ فِي الوُضُوءِ وَالغُسْلِ» (¬3) (*). وقد تميز ابن عمر بشدته هذه وعرف بها، وكانت موازنة أبي جعفر المنصور في ذلك بين ابن عمر وابن عباس موازنة صادقة صحيحة، عندما طلب من الإمام مالك أن يكتب للناس كتابًا يتجنب فيه «رُخَصَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَشَدَائِدَ ابْنَ عُمَرَ». وإذا استعرضنا طرفًا من المسائل التي استدركتها السيدة عائشة على ابن عمر - وجدناه يميل في معظمها إلى جانب الشدة، أخذًا بالحيطة حتى يبلغه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خلاف ما ذهب إليه، فيترك قوله. فمن ذلك أنه كان يقول: «فِي القُبْلَةِ الوُضُوءُ»، فاستدركت عليه السيدة عائشة وَقَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ [ثُمَّ] لاَ يَتَوَضَّأُ» (¬4). ¬
ومن ذلك أنه كان يمنع المحرم أن يتطيب قبل إحرامه، وكان يقول: «لَأَنْ أُصْبِحَ مُطَّلِيًا بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا»، ولما بلغ ذلك السيدة عائشة قالت: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا»، وفي لفظ " البخاري ": قالت: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا» (¬1). ومن ذلك أنه كان يأمر بقطع الخفين للمرأة المحرمة إذا لم تجد نعلاً ثُمَّ حَدَّثَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ، أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - حَدَّثَتْهَا، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الخُفَّيْنِ» فَتَرَكَ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ (¬2). وهذا الورع ذاته كان من العوامل التي دفعت ابن عمر إلى الإقلال من الفتوى، وإلى كثرة إجابته بقوله: «لَا أَعْلَمُ»، كما كان سببًا في ميله إلى الظاهر في أغلب الأحيان، وحرصه على ظاهر اللفظ، دون تأويل له أو نظر إلى المعنى، كما سبق أن رأينا صورة من ذلك في أخذه بظاهر ما روى في قطع الصلاة بالكلب والحمار والمرأة إذا مر أحدها أمام المصلي .. ويشاركه في هذا الاتجاه أبو هريرة (¬3). لكن هذا الاتجاه إلى الظاهر لم يكن مذهبًا ملتزمًا لا يعدل عنه، بل كان الأمر مرتبطًا بمدى الاطمئنان النفسي والأخذ بالأحوط. فلو اقتضى الورع والأخذ بالأحوط أن تصرف الألفاظ عن ظاهرها، وأن تتجاوزه إلى المعاني المقصودة من ورائها - فإن الظاهر حينئذٍ يطرح ولا يلتزم. ¬
ولعل أبرز مثال لذلك ينبئ عما وراءه، هو ما روي عنه في (الإيلاء) وهو في اللغة الحلف والقسم واليمين، ولكن معناه الفقهي مختلف فيه، لاختلافهم فيما يكون به المرء موليًا: (أ) هل هو الحلف ألا يجامع الزوج زوجته على وجه الضرر والغضب؟ (ب) أو هو كل يمين حالت دون الجماع، دون فرق بين الرضا والغضب؟. (ج) أو هو كل يمين يؤدي إلى الإضرار بالزوجة، سواء أكانت اليمين على ترك الجماع أو على عدم الكلام معها مثلاً؟ وقد التقت الأقوال الثلاثة السابقة حول ضرورة اليمين في اعتبار الإيلاء، فهي من أهم شروطه. (د) أما الرأي الرابع فهو رأي ابن عمر، فقد ذهب إلى أن الزوج إذا هجر زوجته فهو إيلاء، ولو لم يذكر الحلف، ولو لم يكن هناك قسم: قال الجصاص تعليقًا على رأي ابن عمر: «وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّ الهِجْرَانَ يُوجِبُ الطَّلاَقَ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ شَاذٌّ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ إذَا حَلَفَ ثُمَّ هَجَرَهَا مُدَّةَ الإِيلاَءِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خِلاَفُ الكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] وَالأَلِيَّةُ اليَمِينُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهِجْرَانُهَا لَيْسَ بِيَمِينٍ، فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الكَفَّارَةِ» (¬1). ولا شك أن ابن عمر قد علم أن الإيلاء معناه اليمين، إذ هو عربي يفهم ألفاظ القرآن ويحتج بفهمه ولغته وقد احتج الجصاص بفهم ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ} [البقرة: 227]، حيث قال: «عَزِيمَةُ الطَّلاَقِ انْقِضَاءُ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ» قبل الفيء إليها. «لأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ شَرْعًا أَوْ لُغَةً، وَأَيُّ الْوَجْهَيْنِ كَانَ فَحُجَّتُهُ ثَابِتَةٌ» (¬2). ¬
إن ابن عمر في هذه المسألة جاوز اللفظ ولم يقف عنده، وتوجه مباشرة إلى الغاية والمعنى المقصود من الإيلاء. ورأيه في ذلك له وزنه وقيمته. ويسد الطريق أمام من يهجرون زوجاتهم بقصد الإضرار، آمنين من تطبيق حكم الإيلاء عليهم، ما داموا لم يستكملوا المظهر الشكلي وهو القَسَمَ وَاليَمِينَ. ومن ذلك أيضًا رأى ابن عمر في حكم المرأة الحامل في رمضان إذا خافت على ولدها وصعب عليها الصيام: فقد سئل عن ذلك فأجاب: «تُفْطِرُ، وَتُطْعِمُ، مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». ويعلق الإمام مالك على رأي ابن عمر بقوله: «وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ عَلَيْهَا القَضَاءَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مَرَضًا مِنَ الأَمْرَاضِ مَعَ الخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا» (¬1). ولكن رأي ابن عمر في ذلك رأي سديد، فالله تعالى أوجب الصيام على المكلفين. ثم استثنى نوعين: أولهما: المريض والمسافر، بشرط أن يقضيا ما رخص لهما في فطره، وثانيهما: المطيق له، بشرط الفدية. وكأنه يذهب إلى أن معنى الإطاقة هي استطاعة الصوم مع شدة وجهد لا يخلو من ضرر أو خطر. والقول بنسخ هذا الحكم قول مرجوح (¬2). وبهذا نكون قد أتينا على ما أردنا بيانه في هذا الكتاب من تحديد أهل الحديث وإثبات أن لهم مذهبًا فقهيًا مستقلاً، وإيضاح اتجاهات سلفهم مِنْ مُحَدِّثِي الصَّحَابَةِ. ونشرع الآن في بيان ملامح مذهب المحدثين ومنهجهم الفقهي. ¬
الباب الثاني: الاتجاه إلى الآثار
البَابُ الثَّانِي: الاِتِّجَاهُ إِلَى الآثَارِ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ لِأَبِي حَنِيفَةَ: «اجْهَدْ [جَهْدَكَ]، هَاتِ مَسْأَلَةً لَا أَرْوِي لَكَ فِيهَا شَيْئًا». وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: «رَأْيُ الأَوْزَاعِي، وَرَأْيُ مَالِكٍ وَرَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّهُ رَأْيٌ وَهُوَ عِنْدِي سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الحُجَّةُ فِي الآثَارِ». • • • • الفصل الأول: رأي المحدثين في علاقة السنة بالقرآن، ويشمل: (أ) مكانتها بالنسبة له. (ب) عرضها عليه. (ج) ورودها بحكم زائد عليه. (د) نسخه بها وتخصيصها له. • الفصل الثاني: المناهج في الأخذ بأخبار الآحاد، والآراء في المرسل، وأقوال الصحابة والتابعين. • الفصل الثالث: نتائج هذا الاتجاه.
تمهيد
تَمْهِيدٌ: الاتجاه إلى الآثار اتجاه أصيل عند أهل الحديث، وظاهرة مشتركة بينهم وقد قرر ابن جريج هذا الاتجاه عندما تحدى أبا حنيفة بقوله: «اجْهَدْ جَهْدَكَ، هَاتِ مَسْأَلَةً لاَ أَرْوِي لَكَ فِيهَا شَيْئًا» (¬1)، كما يقرره ابن حنبل أيضًا في كلمته التي رفض فيها الرأي، وحصر الحجة في الآثار: «... وَإِنَّمَا الحُجَّةُ فِي الآثَارِ» (¬2). هذا الذي قرر ابن جريج وابن حنبل يشير إلى منهج أهل الحديث في هذا الشأن، ويدل على وفرة الآثار التي اجتهد فيها المحدثون في جمعها، حتى أصبح ميسورًا لهم أنْ يجيبوا عن كثير من المسائل التي يفرعها أهل الرأي، دون أنْ يضطروا إلى القياس الذي يكرهونه. ولذلك حرص المحدثون عَلَى أَنْ يُبَيِّنُوا أهمية الآثار، فَرَوَوْا طرفًا من أقوال التابعين والعلماء في الدعوة إلى الأخذ بها، وتقديمها على الرأي والقياس. مِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ شُرَيْحٍ: «إنَّ السُنَّةَ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ، فَاتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا أَخَذْتُمْ بِالأَثَرِ». وقول الشعبي: «إِنَّمَا هَلَكْتُمْ حِينَ تَرَكْتُمْ الآثَارَ، وَأَخَذْتُمْ بِالمَقَايِيسِ». وقول ابن سيرين: «كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ مَا دَامَ عَلَى الأَثَرِ». وقول سفيان: «إِنَّمَا الدِّينُ الآثَارُ». ¬
وقول ابن المبارك: «لِيَكُنْ الذِي تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الأَثَرَ وَخُذْ مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكَ الْحَدِيثَ» (¬1). فما هو هذا الأثر الذي يدعو إليه المحدثون، ويحرضون على التمسك به؟ إنَّ الأثر قد يراد به ما يرادف الحديث، وقد يطلق على ما هو أعم من الحديث، أي على ما يضاف إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما يضاف إلى الصحابة والتابعين أيضًا. وفقهاء خراسان يخصون الموقوف باسم الأثر ويسمون المرفوع خبرًا (¬2). وجمع هذه الآثار عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أو عن الصحابة والتابعين، هو عمل أهل الحديث، الذي تخصصوا فيه وتفرغوا له، وهو صناعتهم التي أتقنوها ونافحوا عنها، فليس غريبًا أن يبينوا أهميتها، ويركزوا دعوتهم إليها، ويوجهوا همتهم إلى استخدامها، ويجعلوا الإكثار منها شرطًا لبلوغ درجة الفقه. فقد ذكر ابن القيم أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ: «إذَا حَفِظَ الرَّجُلُ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ يَكُونُ فَقِيهًا؟ قَالَ: " لاَ "، قَالَ: " فَمِائَتَيْ أَلْفٍ؟ " قَالَ: " لاَ "، قَالَ: " فَثَلاَثَ مِائَةِ أَلْفٍ؟ " قَالَ: " لاَ "، قَالَ: " فَأَرْبَعَ مِائَةِ أَلْفٍ "، قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَحَرَّكَ يَدَهُ». ولا شك أَن في هذا العدد الضخم كثيرًا من أقوال الصحابة والتابعين، بدليل أن ابن القيم نفسه ذكر أن الأحاديث التي تدور عليها أصول الأحكام خمسمائة حديث، وفرشها وتفاصيلها نحو أربعة آلاف حديث (¬3). ¬
ولأن الأثر يشتمل على سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. كما يشمل أقوال الصحابة والتابعين، سنذكر كل قسم من هذه الأقسام على حدة، مبينين موقف المحدثين منه، ونظرتهم إليه، ومسلكهم في استخدامه. ¬
الفصل الأول: السنة وعلاقتها بالقرآن
الفَصْلُ الأَوَّلُ: السُنَّةُ وَعَلاَقَتُهَا بِالقُرْآنِ: 1 - السُنَّةُ وَعَلاَقَتُهَا بِالقُرْآنِ: قدمنا في التمهيد أقسام السنة وإطلاقاتها، ونذكر هنا أن الجمهور الأعظم من المسلمين - على اختلاف مذاهبه - يقول بحجية السنة، ويعتبرها - ككل - مصدرًا من مصادر التشريع، ويعترف بأهميتها. بل إن المستشرقين، على الرغم من التواء تفكيرهم بالنسبة للإسلام، سواء عن جهل بطبيعته، أو عن سوء قصد وخبث طوية، - لم يسع بعضهم إلا أن يعترف بأهمية السنة، ويدرك الدور الخطير الذي تقوم به، فيصرح بأن الإسلام إذا كان يبغي المحافظة على جوهره وطابعه ليظل إسلامًا - فما من سبيل يبلغ بها هذه الغاية أفضل من سبيل المحافظة على السُنَّةِ والاستمساك بعراها (¬1). وعلى الرغم من أن جمهور المسلمين يعترف بالسنة، لم يمنع هذا من اختلاف وجهات النظر بالنسبة إليها. فهم يتفقون على الأخذ بالسنة ككل ولكنهم يختلفون في كيفية الأخذ، فتتفاوت لذلك كمية ما يأخذونه منها. وهذا التفاوت وذلك الاختلاف هو الذي سوغ لنا أن نخص المحدثين فنبين موقفهم من السنة، ومدى أخذهم بها، موازين بينهم وبين غيرهم في ذلك. وأول ما يواجهنا من مباحث السنة هو علاقتها بالقرآن الكريم ونتناول في هذه العلاقة النقاط الآتية: ¬
1 - مكانة السنة ومرتبتها بالنسبة للقرآن. 2 - عرض السنة على القرآن. 3 - ورود السنة بحكم الزائد على القرآن. 4 - نسخ السنة بالقرآن والعكس. 5 - تخصيص القرآن بالسنة. [1] أما النقطة الأولى، وهي مكانة السنة بالنسبة للقرآن - ففيها ثلاثة اتجاهات: - الإتجاه الأول: أن القرآن والسنة في مرتبة واحدة، فكلاهما وحي من عند الله، ولا فرق بينهما إلا أن القرآن مُوحَى بلفظه ومعناه. فهو معجز متعبد بتلاوته، وليست السنة كذلك، حيث أُوحِيَ إلى الرسول معناها دون لفظها. فالقرآن والسنة كلاهما نصوص، يستعملان مَعًا، ولا يقدم أحدهما على الآخر. وإذا كان يطلق أحيانًا أن السنة تالية للكتاب وأنها المصدر الثاني بعده فليس هذا الإطلاق إلاَّ ترتيبًا لفظيًا اعتباريًا، من حيث إن القرآن هو الذي دل على حُجِيَّةِ السُنَّةِ، فإذا ثبتت حُجِيَّتُهَا صارت في قوة القرآن. وَرَوَى الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: «كَانَ الوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَيُخْبِرُهُ] جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِالسُّنَّةِ الَّتِي تُفَسِّرُ ذَلِكَ» (¬1). - الاتجاه الثاني: تقديم الكتاب على السنة، لأن الكتاب مقطوع به جملة وتفصيلاً لتواتره، والسنة مظنونة، والقطع فيها إنما يصح في الجملة لا في ¬
التفصيل. والمقطوع على المظنون. وقد دل على تقديم الكتاب أخبار وآثار كثيرة كَحَدِيثِ مُعَاذٍ: «بِمَ تَحْكُمُ؟»، قَالَ: «بِكِتَابِ اللَّهِ». قَالَ: «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟». قَالَ: «بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ...». وكتاب عمر إلى شُرَيْح: «إِذَا أَتَاكَ أَمْرٌ فَاقْضِ [فِيهِ] بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ أَتَاكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِمَا سَنَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ...». وفي بعض الروايات: إِذَا وَجَدْتَ شَيْئًا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ وَلاَ تَلْتَفِتْ إِلَى غَيْرِهِ»، وَرُوِيَ مثل ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وكثير من السلف الصالح (¬1). - الاتجاه الثالث: تقديم السنة على الكتاب. وقد نشأ هذا الاتجاه في مقابلة الاتجاه الثاني، وَرَدِّ فعل له. وهو المراد بقولهم: إن السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاض على السنة، لأن الكتاب قد يكون محتملاً لأمرين فأكثر، فتأتي السنة بتعيين أحدهما، فيرجع إلى السنة ويترك مقتضى الكتاب، وهذا دليل على تقديم السنة. يقول الأَوْزَاعِيُّ: «الْكِتَابُ أَحْوَجُ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْكِتَابِ». قَالَ أَبُو عُمَرَ - ابن عبد البر -: «يُرِيدُ أَنَّهَا تَقْضِي عَلَيْهِ وَتُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْهُ». ويقول مكحول: «القُرْآنُ أَحْوَجُ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ السُّنَّةِ إِلَى الكِتَابِ». ويقول يحيى بن أبي كثير: «السُّنَّةِ قَاضِيَةٌ عَلَى الكِتَابِ، وَلَيْسَ الْكِتَابُ قَاضِيًا عَلَى السُّنَّةِ» (¬2). هذه هي الاتجاهات الثلاثة حول مرتبة السُنَّةِ بالنسبة للقرآن. ولعل ¬
الخلاف بينهما كان نتيجة عدم الدقة في تحديد موضوع النزاع، بسبب الخلط بين الاعتبارات المتعددة للسنة. فالذين رأوا أن القرآن والسنة في مرتبة واحدة، هي مرتبة النصوص، نظروا إلى السنة باعتبار أنها صادرة من الرسول المبلغ عن ربه، والذي لا ينطق عن الهوى، فالقرآن ما كان يظهر للناس لولا تبليغ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه. وكلمات الرسول وبيانه وهديه في أحاديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي وحي أيضًا، أو اجتهاد أقره الله فتلحق بالوحي. وكما نسمع للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونصدقه ونطيعه فيما يبلغه لنا على أنه قرآن من عند الله يجب علينا بدرجة مساوية، أن نسمع للرسول ونطيعه فيما يبلغه لنا على أنه سنة. وهذه النظرة إلى السنة لا ينكرها أحد، بل يعتنقها مخالفوهم ويحتجون لها. والذين ذهبوا إلى أن الكتاب مقدم على السنة نظروا إلى السنة من جهة الرواية وطريق الثبوت، فرأوها مجموعة من الأخبار قد رويت بطريق لا يخلو من الاحتمال، ورأوا أن القرآن قد أحيط منذ البداية بكل صنوف الرعاية والحفظ، وأنه قد تواتر تواترًا يفيد العلم اليقيني، فما يفيده القرآن يكون قطعيًا وما تفيده السنة لا يرقى إلى ما يفيده القرآن. ولا ينكر أحد هذه الموازنة بين السنة والقرآن من حيث الرواية ودرجة الثبوت. أما الذين ذهبوا إلى أن السنة مقدمة على الكتاب فيريدون بذلك أن ما جاء في القرآن من عموم أو إطلاق أو إجمال أو غير ذلك، إنما يكون فهم معناه والعمل به متوافقًا على ما جاءت به السنة من بيان وإيضاح، وبيانها
حينئذ هو خير البيان وأولاه بالاتباع، لأنه عن مصدر التشريع، ومن أجل هذا يجب ألا يقتصر على ظاهر القرآن حتى يضم إليه ما جاءت به السنة، التي قد تصرفه عن ظاهره، أو تخصص عمومه أو تقيد مطلقه، أو توضح ما فيه من إجمال، ولا شك أن هذه تنطوي على الحق، ويقررها المخالفون. ليس بين هذه الاتجاهات إذن خلافات جوهرية أو عميقة، ولكنها مع ذلك أدت إلى الخلاف حول عدد من الموضوعات، كما إذا تعارض ظاهر الكتاب مع ظاهر السنة، هل يقدم الكتاب، أم السنة؟ (¬1). ويجدر بنا أن نشير إلى أن المحدثين لم يميلو إلى الاتجاه الذي يقدم الكتاب على السُنَّةِ، بل انحصر ميلهم في الاتجاهين الآخرين، فذهب أكثرهم إلى تقديم السُنَّةِ على الكتاب، وذهب القليل منهم إلى أنهما في مرتبة متساوية، كالإمام أحمد بن حنبل والإمام البخاري: فابن حنبل رأى أَنَّهُمَا نُصُوصٌ يُكَمِّلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، ولم يستسغ ما يقال من أن السُنَّةَ قَاضِيَةٌ عَلَى الكِتَابِ، فأبى أن يُرَدِّدَهُ وقال: «مَا أَجْسُرُ عَلَى هَذَا أَنْ أَقُولَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ السُّنَّةَ تُفَسِّرُ الْكِتَابَ وَتُبَيِّنُهُ» (¬2). ¬
وقد تبعه في ذلك البخاري، كما يفهم من منهجه في " صحيحه ". والحق أن البخاري من بين مُحَدِّثِي القرن الثالث (¬1)، هو الذي اهتم بالقرآن في " صحيحه "، وهو الذي تفرد بالعناية بذكر الآيات المناسبة للأبواب المختلفة تأكيدًا للصلات القوية بين القرآن والحديث، وإيضاحًا إلى تظاهرهما في إثبات الأحكام، وَنَفْيًا لما يظن من خلافهما أو تعارضهما، وكأني به قد نثر أمامه آيات الكتاب الحكيم، وقسمها إلى موضوعات، ثم نظر في السُنَّةِ، فذكر منها ما يرتبط بالقرآن مُبَيِّنًا لَهُ، على أي وجه كان ذلك البيان. والنظرة السريعة إلى " صحيحه " تشهد بصحة ما ذكرناه من اهتمامه بالقرآن واستدلاله به. ونستطيع أن نسجل بعض الملاحظات على هذا المنهج الذي سلكه البخاري، من إيراده للآيات في عناوين الأبواب، فنذكر في وصفه - على سبيل المثال، لا الحصر - النقاط الآتية: 1 - قد يذكر البخاري عنوان الكتاب، مقترنًا بالآيات التي تعتبر أصلاً تتفرع منه الفروع وتبوب الأبواب، ثم لا يمنعه هذا من ذكر الآيات المناسبة للأبواب المندرجة تحت هذا الكتاب، أو تحت هذا الأصل الذي قررته الآيات: ¬
فمن ذلك قوله: (كِتَابُ التَّيَمُّمِ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (¬1). ثم عقب على ذلك بذكر الأبواب المندرجة تحت هذا الكتاب: من بيان السبب في نزول الآية، وكيفية التيمم، وحكم التيمم في الحضر إذا لم يجد ماء وخاف فوات الوقت، إلى غير ذلك. وكقوله: (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ، وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (¬2). 2 - قد يكون الباب أصلاً لأبواب أخرى تندرج فيه، فيصنع فيه ما يصنعه في الكتاب، لأن الباب حينئذٍ يشبه الكتاب في أنه أصل تتفرع عنه فروع. ويعتبر هذا من الأسباب التي جعلت البخاري يكتفي في ترجمته بالآية، دون أن يذكر في الباب حديثًا. فيقول مثلاً: (كِتَابُ العِلْمِ، بَابُ فَضْلِ العِلْمِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]، وَقَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}) (¬3)، ولم يرو البخاري في هذا الباب شيئًا، وكأنه اعتبر هذا الباب مُكَمِّلاً لترجمة الكتاب، وأصلاً لما سيعقبه من الأبواب. ومن هذا القبيل قوله: (بَابُ المُحْصَرِ وجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ ¬
مَحِلَّهُ} (¬1)، ولم يذكر شيئًا من الأحاديث في هذا الباب، لكنه ذكر الأبواب التي تتفرع على ذلك من إحصار المعتمر، وإحصار الحاج، وغير ذلك. وكقوله أيضًا: (بَابٌ فِي الشُّرْبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30]، وقوله - جَلَّ ذِكْرُهُ -: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68 - 70]، الأُجَاجُ: المُرُّ. المُزْنُ: السَّحَابُ (¬2)، ثم فرع على هذا الباب غيره، فجاء بعده مباشرة (بَابٌ فِي الشُّرْبِ وَمَنْ رَأَى صَدَقَةَ الْمَاءِ وَهِبَتَهُ وَوَصِيَّتَهُ ...). 3 - قد يأتي بالآيات المذكورة في الترجمة، للاحتجاج بها على فهمه أو استنباطه لأمر ما، وبخاصة إذا كان الموضوع خلافيًا: كقوله: (كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]). وقد عَلَّقَ السِّنْدِي على هذا العنوان بقوله: «لَمَّا كَانَ الوَحْيُ يُسْتَعْمَلُ فِي الإِلْهَامِ وَغَيْرِهِ. كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]، وَقَوْلُهُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: 7]، ذَكَرَ الآيَةَ التِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِيحَاءَ إِلَيْهِ إِيحَاءَ نُبُوَّةٍ، كَمَا أَوْحَى إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ» (¬3). ¬
وقد ذهب البخاري إلى أن الإيمان يزيد وينقص، فقال في كتاب الإيمان مستدلاً على ذلك: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»، وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]، {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76]، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]، وَقَوْلُهُ: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124]، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] (¬1). فانظر كيف جمع البخاري هذا الحشد من الآيات المتناظرة ليستدل بها على ما ذهب إليه!. وكقوله: بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد: 19] فَبَدَأَ بِالعِلْمِ (¬2). وفي «تَعْذِيبِ المَيِّتِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» يجمع بين ما روى عن ابن عمر في ذلك، وما روى عن عائشة، مستدلاً بالقرآن، فيقول: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ¬
مِنْ سُنَّتِهِ، فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]) (¬1). 4 - وفي بعض الأحيان قد يجعل البخاري الآية عنوانًا للباب، ليس له عنوان غيرها، ثم يذكر من الأحاديث ما هو تفسير للآية، أو بيان لها، أو تعريف بسبب نزولها. فمن ذلك (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ} [الروم: 31]). وقد روى في هذا الباب: حَدَّثَنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: إِنَّا [مِنْ] هَذَا الحَيِّ مِنْ رَبِيعَةَ وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ، ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَيَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ ...»). قال السندي في تعليقه على هذا الحديث: «كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُفِيدُ أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ مِنْ أَفْعَالِ المُشْرِكِيْنَ، بِنَاءً عَلَىَ أَنَّ مَعْنَى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، أَيْ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ وَقَدْ قَرَّرَهُ الحَدِيثُ، حَيْثُ عَدَّ فِيهِ الصَّلاَةَ مِنَ الإِيمَانِ، فَصَارَ الحَدِيْثُ مُبَيِّنًا لِمَعْنَى القُرْآنِ» (¬2). ومن ذلك أيضًا: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 6]) وقد روى في هذا الباب قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬
«مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» (¬1). وكقوله في كتاب الحج (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، وَهُوَ مُخَيَّرٌ، فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ) ثُمَّ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟»، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ بِشَاةٍ» (¬2). ثم أعقب بباب آخر بَيَّنَ فِيهِ أن مقدار الصدقة إطعام ستة مساكين، روى فيه الحديث السابق نفسه مع اختلاف يسير في الألفاظ. وكقوله أيضًا: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197])، ثم روى عن ابن عباس سبب نزول هذه الآية: «كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]» (¬3). 5 - وقد يكون ظاهر الآية غير مراد، فيذكرها البخاري في الترجمة، ثم يروي من الحديث ما هو بيان لها، لئلا تؤخذ على ظاهرها: ومن ذلك قوله: ([بَابُ] الرَّهْنِ فِي الحَضَرِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ...) وروى فيه عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «وَلَقَدْ رَهَنَ ¬
2 - عرض السنة على القرآن
[النَّبِيُّ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ ...) (¬1). وكقوله، (بَابُ تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ [يُوصِي] بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَيُذْكَرُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ»، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] «فَأَدَاءُ الأَمَانَةِ أَحَقُّ مِنْ تَطَوُّعِ الوَصِيَّةِ») (¬2). والبخاري يشير بهذا إلى أن تقديم الوصية على الدَّيْنَ في نسق الآية لا يفيد عليه في الواقع، بل يقضي الدَّيْنَ أولاً، ثم تنفذ الوصية. فإن بقي شيء فهو للورثة. هذه بعض الملاحظات التي أمكن استنتاجها من منهج البخاري في ربطه بين القرآن والسنة في " صحيحه "، وهي تدل دلالة واضحة على أنه يرى أنهما متعاونان في إثبات الأحكام. ومن منهجه في ذلك يمكن القول بأنه كان أميل إلى رأي من يجعل الكتاب أصلاً لكل ما جاءت به السنة. وإذا لم تكن الملاحظات السابقة قاطعة بذلك، فإنها على الأقل تؤكد أن البخاري لم يندفع في تيار الذين قَدَّمُوا السُّنَّةَ عَلَى القُرْآنِ، ولا شك أن موقفه في ذلك موقف معتدل سليم، ومنهجه وسط قديم. 2 - عَرْضُ السُّنَّةِ عَلَى القُرْآنِ: يراد بعرض السنة على القرآن أَلا يكتفى بالنظر إلى السند في الحكم على الحديث، بل يجب أن يضاف إليه النظر في متنه ومعناه، للتأكد من أنه لم يأت بما يخالف القرآن، فإن جاء الحديث بما يخالف القرآن، اعتبرت هذه المخالفة علة يضعف بها الحديث، وقرينة على خطأ ما في الرواية، ¬
فالقرآن قاض على الحديث من حيث الصحة والضعف، حاكم على السنة من حيث الأخذ بها أو الترك، إذ هو الأصل الثابت المقطوع بثبوته. وقد اختلف في الأخذ بهذا المبدأ في اعتبار صحة الحديث. وقد ذكر الأسنوي أن الشافعي ذهب إلى أنه لا يجب عرض خبر الواحد على الكتاب، وأن عيسى بن أبان رأى أن ذلك واجب (¬1). وقد قسم بعض العلماء الحديث بالنسبة للقرآن ثلاثة أقسام: «حَدِيثٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي القُرْآنِ، فَالأَخْذُ بِهِ فَرْضٌ، وَحَدِيثٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي القُرْآنِ، فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى مَا فِي القُرْآنِ، وَالأَخْذُ بِهِ فَرْضٌ، وَحَدِيثٌ مُخَالِفٌ لِمَا فِي القُرْآنِ فَهُوَ مُطَّرِحٌ» (¬2). وإلى عرض السنة على الكتاب ذهب أبو يوسف، كما يفهم من مناقشته للأوزاعي في حكم الرجل يموت في دار الحرب أو يقتل، هل يضرب له بسهم في الغنيمة؟ فذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يضرب له بسهم، وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ فَأَجْمَعَتْ أَئِمَّةُ الهُدَى عَلَى الإِسْهَامِ لِمَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ». وقد رد أبو يوسف على الأوزاعي ذلك، وكان مما قاله: «فَلاَ نَعْلَمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لأَحَدٍ مِنَ الغَنِيمَةِ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَلاَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَلاَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدْ قُتِلَ بِهَا رَهْطٌ مَعْرُوفُونَ فَمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ أَسْهَمَ لأَحَدٍ مِنْهُم وَهَذَا مَا لاَ يَخْتَلِفُ فِيهِ، فَعَلَيْكَ مِنَ الْحَدِيثِ بِمَا تَعْرِفُ العَامَّةُ وَإِيَّاكَ وَالشَّاذَّ مِنْهُ فَإِنَّهُ حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي كَرِيمَة عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَعَا اليَهُودَ فَسَأَلَهُمْ فَحَدَّثُوهُ حَتَّى ¬
كَذَبُوا عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاس فَقَالَ: " إِنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي فَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي وَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ مِنِّي "» (¬1). وقد تابع أبا يوسف في ذلك معظم الأحناف، فجعلوا عرض السنة على الكتاب من أسس نقد الحديث. فالسرخسي يقسم الانقطاع في الخبر إلى انقطاع في اللفظ - ويعني به المرسل -، وانقطاع في المعنى ثم يبين أن من الانقطاع في المعنى أن يكون الحديث مخالفًا لكتاب الله تعالى، فإنه حينئذٍ لا يكون مقبولاً ولا يكون حجة، عامًا كان ما تقرره الآية أو خاصًا، نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا. وقد استدل على ما ذهب إليه بالنقل والعقل. أما النقل، فقوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ». وقد فسر السرخسي هذا الحديث بقوله: «وَالمُرَادُ كُلَّ شَرْطٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مَا لَا يُوجَدُ عَيْنُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ...». كما استدل أيضًا بما رواه من قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «تَكْثُرُ لَكُمْ الأَحَادِيثُ بَعْدِي، فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَمَا وَافَقَهُ فَاقْبِلُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِنِّي، وَمَا خَالَفَهُ فَرُدُّوهُ وَاعْلَمُوا أَنِّي مِنْهُ بَرِيءٌ». أما استدلاله العقلي فيتركز على الموازنه بين الكتاب والخبر من جهة الثبوت «لِأَنَّ الكِتَابَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَفِي اتِّصَالِ الخَبَرِ الوَاحِدِ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُبْهَةٌ فَعِنْدَ تَعَذُّرِ الأَخْذِ بِهِمَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ بِالمُتَيَقَّنِ وَيُتْرَكَ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَالعَامَّ وَالخَاصَّ فِي هَذَا سَوَاءٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ العَامَّ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ ¬
فِيمَا يتَنَاوَلُهُ قَطْعًا كَالخَّاصِّ وَكَذَلِكَ النَّصُّ وَالظَّاهِرُ سَوَاءٌ لِأَّنَّ المَتْنَ مِنَ الكِتَابِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَمَتْنُ الحَدِيثِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ شُبْهَةٍ لاحْتِمَالِ النَّقْلِ بِالمَعْنَى. ثمَّ قَوَامُ المَعْنى بِالمَتْنِ فَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ حَيْثُ المَتْنِ أَوَّلاً إِلَى أَنْ يَجِيءَ إِلَى المَعْنَى وَلَا شَكَّ أَّنَّ الكِتَابَ يَتَرَجَّحُ بِاعْتِبَارِ النَّقْلِ المُتَوَاتِرِ فِي المَتْنِ عَلَى خَبَرِ الوَاحِدِ فَكَانَتْ مُخَالفَةَ الخَبَرِ لِلْكِتَابِ دَلِيلاً ظَاهِرًا عَلَى الزَّيَافَةِ فِيهِ» (¬1). ثم ذكر السرخسي أن الأحناف بناءً على هذا الأصل رَدُّوا أحاديث مس الذكر، وحديث فاطمة بنت قيس، وخبر القضاء بالشاهد واليمين. ثم يقول السرخسي مؤكدًا أهمية عرض الحديث على القرآن والسنة المشهورة، مُثْنِيًا على طريقة أئمة الأحناف في هذا الصدد: «فَفِي هذَيْن النَّوْعَيْنِ مِنَ الانْتِقَادِ لِلْحَدِيثِ عِلْمٌ كَثِيرٌ، وَصِيَانَةٌ لِلْدِّينِ بَلِيغَةٌ، فَإِنَّ أَصْلَ البِدَعِ وَالأَهْوَاءِ إِنَّمَا ظَهَرَ مِنْ قَبْلِ تَرْكِ عَرْضَ أَخْبَارِ الآحَادِ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ المَشْهُورَةِ فَإِنَّ قَوْمًا جَعَلُوهَا أَصْلاً مَعَ الشُّبْهَة فِي اتِّصَالِهَا بِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَمَعَ أَنَّهَا لَا تُوجِبُ عِلْمَ اليَقِين، ثُمَّ تَأَوَّلُوا عَلَيْهَا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ فَجَعَلُوا التَّبَعَ مَتْبُوعًا، وَجَعَلُوا الأَسَاسَ مَا هُوَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِهِ فَوَقَعُوا فِي الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَنْكَرَ خَبَرَ الوَاحِدِ» إلى أن قال: «وَإِنَّمَا سَوَاءُ السَّبِيلِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ - مِنْ إِنْزَالِ كُلِّ حُجَّةٍ مَنْزِلَتَهَا فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الكِتَابَ وَالسُّنَّةَ المَشْهُورَةَ أَصْلاً ثمَّ خَرَجُوا عَلَيْهِمَا مَا فِيهِ بَعْضَ الشُّبْهَةِ وَهُوَ المَرْوِيُّ بِطَرِيقِ الآحَادِ مِمَّا لَمْ يَشْتَهرْ فَمَا كَانَ مِنْهُ مُوَافِقًا لِلْمَشْهُورِ قَبِلُوهُ وَمَا لَمْ يَجِدُوا فِي الكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ المَشْهُورَةِ لَهُ ذِكْرًا قَبِلُوهُ أَيْضًا وَأَوْجَبُوا العَمَلَ بِهِ وَمَا كَانَ مُخَالِفًا لَهُمَا رَدُّوهُ» (¬2). ¬
وممن ذهب مذهب الأحناف في ذلك - مع اختلاف يسير - الإمام مالك، فقد قارب فقهاء العراق في عرضهم أخبار الآحاد على الكتاب، وقد استنبط المالكية من صنيع إمامهم أن مالكًا يقدم ظاهر القرآن على السنة إلا إذا عارض السنة أمر آخر، من قياس أو عمل أهل المدينة، وَرَدَّ لذلك بعض السنن (¬1). وقد أيد الشاطبي مسلك الأحناف في عرض السنة على القرآن وذكر أن السلف الصالح كانوا يفعلونه، ثم قال بعد أن ذكر أمثلة لذلك: «وَفِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَفِي اعْتِبَارِ السَّلَفِ لَهُ نَقْلٌ كَثِيرٌ. وَلَقَدِ اعْتَمَدَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ لِصِحَّتِهِ فِي الاعْتِبَارِ». ثم ذكر بعض الأمثلة لأخذ مالك بهذا الأصل، وَرَدَّ بناء على القول به " حَدِيثَ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنَ الكَلْبِ "، وَ" حَدِيثَ خِيَارِ المَجْلِسِ "، وَ" حَدِيثَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " (¬2). أما المحدثون وغيرهم ممن ذهب إلى أن الكتاب والسنة في مرتبة سواء، أو أن السنة قاضية على الكتاب - فإنهم لم يأخذوا بمبدأ عرض الحديث على القرآن، بل هاجموه بشدة، ومنعوا أن يكون هناك حديث صحيح مخالف للقرآن ويعبر ابن حزم عن رأيهم فيقول: «لَا سَبِيلَ إِلَى وُجُودِ خَبَرٍ صَحِيحٍ مُخَالِفٍ لِلْقُرْآنِ أَصْلاً، وَكُلُّ خَبَرٍ شَرِيعَةٍ فَهُوَ إِمَّا مُضَافٌ إِلَى مَا فِي القُرْآنِ وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَمُفَسِّرٌ لِجُمْلَتِهِ وَإِمَّا مُسْتَثْنَى مِنْهُ مُبَيِّنٌ لِجُمْلَتِهِ وَلَا سَبِيلَ إِلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ» (¬3). وقد صنف الإمام أحمد بن حنبل كتابًا في طاعة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ فيه على من احتج بظاهر القرآن في معارضة السنن، وقد ذكر ¬
وقد ذكر ابن القيم خطبة أحمد في هذا الكتاب (¬1). وكما استدلت الفئة الأولى بحديث يفيد وجوب عرض السنة على القرآن، استدل المحدثون أيضًا بحديث يفيد عدم وجوب هذا العرض، فقد روى ابن ماجه عَنِ المِقْدَامِ بْنِ معْدِ يكَرِبَ الكِنْدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ». ونقل السندي عن الخطابي أن في هذا الحديث تحذيرًا من مخالفة السنن التي ليس لها في القرآن ذكر، «عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ القُرْآنِ وَتَرَكُوا التِي قَدْ ضُمِّنَتْ بَيَانَ الكِتَابِ فَتَحَيَّرُوا وَضَلُّوا. قَالَ: وَفِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ حَاجَةَ بِالحَدِيثِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الكِتَابِ وَأَنَّهُ مَهْمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ حُجَّةً بِنَفْسِهِ» (¬2). وروى ابن ماجه أيضًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ» (¬3). أما الحديث الذي رواه من رأى وجوب عرض الحديث على القرآن، ¬
فقد ضعفه المحدثون، بل حكموا عليه بالوضع، فنقل الخطابي عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ وَضَعَهُ الزَّنَادِقَةُ» (¬1)، قَالَ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: «الزَّنَادِقَةُ وَالخَوَارِجُ وَضَعُوا هَذَا الحَدِيثَ». «وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الحَدِيثَ قَوْمٌ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَعْرِضُهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ [قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَنَعْتَمِدُ عَلَى ذَلِكَ]، [قَالُوا]: فَلَمَّا عَرَضْنَاهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، [وَجَدْنَاهُ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ]، لأَنَّا لَمْ نَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ لَا نَقْبَلَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلاَّ مَا وَافَقَ [كِتَابَ اللَّهِ]، بَلْ وَجَدْنَا كِتَابَ اللَّهِ يُطْلِقُ التَّأَسِّيَ [بِهِ]، وَالأَمْرَ بِطَاعَتِهِ، وَيُحَذِّرُ مِنَ المُخَالَفَةِ عَنْ أَمْرِهِ جُمْلَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ» (¬2). وقد رأى المحدثون أن الاتجاه إلى عرض السنة على القرآن اتجاه خطير، يؤدي إلى القول بترك السنة أصلاً، والاقتصار على الكتاب. وهذا رأي [قَوْمٍ] لا خلاق لهم من الدين خارجين على إجماع المسلمين، وقد أشار الخطابي آنفًا إلى أن هذا هو رأي الخوارج والروافض، ويقرر ابن القيم رأي المحدثين في مناصرته لرأي الإمام أحمد، فيقول: «وَلَوْ سَاغَ رَدُّ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا فَهِمَهُ الرَّجُلُ مِنْ ظَاهِرِ الكِتَابِ لَرُدَّتْ بِذَلِكَ أَكْثَرُ السُّنَنِ، وَبَطَلَتْ بِالْكُلِّيَّةِ. فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ تُخَالِفُ مَذَاهِبَهُ وَنِحْلَتَهُ إلاَّ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَتَشَبَّثَ بِعُمُومِ آيَةٍ أَوْ إطْلاَقِهَا، وَيَقُولُ: هَذِهِ السُّنَّةُ مُخَالِفَةٌ لِهَذَا الْعُمُومِ وَالإِطْلاَقِ فَلاَ تُقْبَلُ» (¬3) (*). ولعل الخوارج والروافض وغيرهما من الفرق التي عاصرت هذا الخلاف هي التي أدت إلى احتدامه، وحالت دون لقائهما حول معنى ¬
قريب. بالإضافة إلى فقهاء أهل الرأي قد أدخلوا في مفهوم عرض الحديث على الكتاب ما عرف بمسألة الزيادة على النص - التي سنعرض لها في النقطة التالية - حين ردوا أحاديث لمجرد أنها أتت بأحكام زائدة على القرآن، وإلا فإن فكرة عرض الحديث على الكتاب فكرة سليمة لا غبار عليها. والقول بها ليس بدعة ولا حدثًا في الدين. فقد رأينا في فصل سابق أنها كانت موجودة في عصر الصحابة. استعملها من أكثر الرواية منهم ومن لم يكثر، ولكنهم في الواقع لم يستعملوها على أنها مبدأ ملتزم به، بل على أنها حكم عند التنازع، وأصل يرجع إليه عند الاختلاف أو الشك في صحة بعض الأحاديث. وَلِذَا رَأَى السِّنْدِيُّ أن العرض المذموم هو الذي يقصد منه رد الحديث بمجرد أنه ذكر فيه ما ليس في الكتاب «وَإِلاَّ فَالعَرْضُ لِقَصْدِ الفَهْمِ وَالجَمْعِ وَالتَّثَبُّتِ لاَزِمٌ» (¬1). يقول الأستاذ الشيخ أبو زهرة: «وَمِنْ هُنَا تَرَى أَنَّ فُقَهَاءَ الرَّأْيِ الذِينَ لَا يَقْبَلُونَ الأَحَادِيثَ إِلَّا بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَى المُحْكَمِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ - قَدْ اعْتَمَدُوا فِي مَنْهَجِهِمْ عَلَى الصَّحَابَةِ، أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرَهُمْ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - وَحَاكُوهُمْ فِي مَنَاهِجِهِمْ، وَلَمْ يُبَاعِدُوا عَنْ سَمْتِهِمْ، فَمَا كَانُوا مُبْتَدِعِينَ، وَلَكِنْ كَانُوا مُتَّبِعِينَ» (¬2). ومما يدل على أن الفكرة في حد ذاتها فكرة [سليمة] وأن الاختلاف فيها نشأ بسبب الظروف المحيطة بها والاختلاف في مفهومها - أن المحدثين أنفسهم لم يغفلوها بل راعوها، وجعلوها من أسس نقد الحديث، جعلوا مناقضة الحديث لصريح القرآن من علامات الوضع في المتن (¬3). ¬
3 - ورود السنة بحكم زائد على ما في القرآن
ولذلك علق الشاطبي على حديث عرض السنة على القرآن، وهوالذي رفضه المحدثون، بأن معناه صحيح، صَحَّ سَنَدُهُ أَوْ لَا، واحتج لذلك ببعض ما رواه الطحاوي في هذا المعنى، ثم قال: «وَالحَاصِلُ مِنَ الجَمِيعِ صِحَّةُ اعْتِبَارِ الحَدِيثِ بِمُوَافَقَةِ القُرْآنِ وَعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ، وَهُوَ المَطْلُوبُ عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ هَذِهِ المَنْقُولاَتِ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ تَصِحَّ، فَلاَ عَلَيْنَا إِذْ المَعْنَى المَقْصُودُ صَحِيحٌ» (¬1). 3 - وُرُودِ السُنَّةِ بِحُكْمٍ زَائِدٍ عَلَى مَا فِي القُرْآنِ: والخلاف في هذا الموضوع مبني على اختلاف الاتجاهات في مكانة السنة بالسنة للقرآن، أما غيرهم فلم يمنع ذلك. وقد أشرنا في موضوع عرض السنة على القرآن إلى أن القائلين به كانوا يقصدون منه أحيانًا رَدَّ السُّنَنِ التي تأتي بحكم زائد على ما في القرآن فخلطوا أحد الموضوعين بالآخر. وقد آثرنا أن نعالجهما كموضوعين مستقلين، على أن يخص موضوع العرض بمخالفة الحديث لصريح القرآن فيكون حينئذٍ أحد عناصر نقد متن الحديث، بخلاف موضوع الزيادة. ونتناول الآن الموضوع بشيء من التفصيل فنقول: قَسَّمَ الإمام الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - البيان الملزم للناس إلى أقسام: فمنه ما أبانه لخلقه نصًا، مثل جمل فرائضه في أن عليهم صلاة وزكاة وصومًا وَحَجًّا. ¬
ومنه ما أحكم فرضه بكتابه، وَبَيَّنَ كيف هو على لسان نبيه، مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها. ومنه ما «سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ نَصُّ حُكْمٍ، وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ طَاعَةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالانْتِهَاءِ إِلَى حُكْمِهِ، فَمَنْ قَبِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فبِفَرْضِ اللَّهِ قَبِل. وَمِنْهُ مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى خَلْقِهِ الاجْتِهَادَ فِي طَلَبِهِ، وَابْتَلَى طَاعَتَهُمْ فِي الاجْتِهَادِ، كَمَا ابْتَلَى طَاعَتَهُمْ فِي غَيْرِهِ» (¬1). ويشير الشافعي فيما تقدم إلى أن السنة قد تكون مُبَيِّنَةً لِلْكِتَابِ، وقد تأتي بحكم جديد سكت عنه الكتاب. ويؤكد الشافعي هذا القسم الثاني للسنة، ويحتج له، فيقول: «وَمِنْهَا: مَا بَيَّنَهُ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ بِلَا نَصِّ كِتَابٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا بَيَانٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ قَبِلَ عَنْ اللَّهِ فَرَائِضَهُ فِي كِتَابِهِ - قَبِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ سُنَنَهُ بِفَرْضِ اللَّهِ طَاعَةَ رَسُولِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَأَنْ يَنْتَهُوا إِلَى حُكْمِهِ، وَمَنْ قَبِلَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَمِنَ اللَّهِ قَبِلَ لِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ مِنْ طَاعَتِهِ ...» (¬2). وبتفصيل أكثر، ومزيد من البيان للآراء حول هذا الموضوع، يقول في موضع ثالث: «فَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ [مُخَالِفًا] فِي أَنَّ سُنَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ، فَاجْتَمَعُوا مِنْهَا عَلَى [وَجْهَيْنِ]. وَالوَجْهَانِ يَجْتَمِعَانِ وَيَتَفَرَّعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ نَصَّ كِتَابٍ، فبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَصَّ الكِتَابُ. وَالآخَرُ: مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ جُمْلَةَ كِتَابٍ، فَبَيَّنَ عَنْ اللَّهِ مَعْنَى مَا أَرَادَ، وَهَذَانِ الوَجْهَانِ اللَّذَانِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِمَا. ¬
وَالوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَعَلَ اللهُ [لَهُ]، بِمَا افْتَرَضَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَسَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ تَوْفِيقِهِ لِرِضَاهُ، أَنْ يَسُنَّ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نَصُّ كِتَابٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَمْ يَسُنَّ سُنَّةً قَطُّ إِلَّا وَلَهَا أَصْلٌ فِي الكِتَابِ، كَمَا كَانَتْ سُنَّتُهُ لِتَبْيِينِ عَدَدِ الصَّلَاةِ وَعَمَلِهَا، عَلَى أَصْلِ جُمْلَةِ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ مَا سَنَّ مِنَ البُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنَ الشَّرَائِعِ، لِأَنَّ اللهَ قَالَ: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]، وَقَالَ: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، فَمَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ فَإِنَّمَا بَيَّنَ فِيهِ عَنْ اللهِ، كَمَا بَيَّن الصَّلَاةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ جَاءَتْهُ [بِهِ] رِسَالَةُ اللهِ، فَأَثْبَتَتْ سُنَّتَهُ بِفَرْضِ اللهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ كُلُّ مَا سَنَّ، وَسُنَّتُهُ الحِكْمَةُ: الذِي أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ عَنْ اللهِ، فَكَانَ مَا أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ سُنَّتُهُ. ... ، وَهِيَ الحِكْمَةُ التِي ذكَرَ اللهُ، وَمَا نَزَلَ بِهِ عَلَيْهِ كِتَابٌ، فَهُوَ كِتَابُ اللهِ، وَكُلٌّ جَاءَهُ مِنْ نِعَمِ اللهِ، كَمَا أَرَادَ اللهُ، وَكَمَا جَاءَتْهُ النِّعَمُ، تَجْمَعُهَا النِّعْمَةُ، وَتَتَفَرَّقُ بِأَنَّهَا فِي أُمُورٍ بَعْضُهَا غَيْرُ بَعْضٍ، وَنَسْأَلُ اللهَ العِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ. وَأَيُّ هَذَا كَانَ، فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ أَنَّهُ فرَضَ فِيهِ طَاعَةُ رَسُولِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ عُذْرًا بِخِلَافِ أَمْرٍ عَرَفَهُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ» (¬1). ومن هذا القول عن الإمام الشافعي نجده قد قسم السنة بالنسبة لما جاء في القرآن إلى ثلاثة أقسام: [أ] القسم الأول: أن تكون السنة موافقة للقرآن من كل وجه، فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتضافرها، كالأحاديث الدالة على وجوب الصلاة والزكاة وغيرهما مما صرح به القرآن. ¬
[ب] القسم الثاني: أن تكون السنة بيانًا لما أريد بالقرآن وتفسيرًا له، إما بتفصيل مجمله، كبيان عدد الصلوات ومواقيتها وأركانها، ومقادير الزكاة وغير ذلك مما أجمله القرآن وتولت السنة تفصيله، وإما بتقييد مطلقه، كتقييد السنة لقطع يد السارق بأن يكون من الرسغ، وكتقييد السنة للوصية في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] بألا تزيد على الثلث. وإما بتخصيص عامه، كقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، فخصصت السنة هذا العموم بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»، وقوله: «لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا». وهذان القسمان محل اتفاق بين المحتجين بالسنة، كما قال الشافعي، وإن كان هناك خلاف في التفصيل مثل تخصيص خبر الواحد لعام القرآن حيث خالف الحنفية في جوازه، وقصروا تخصيصه على السنة المتواترة والمشهورة. [ج] القسم الثالث: أن تكون السنة موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه. وهذا هو القسم المختلف فيه (¬1). ويبدو أن الخلاف حول هذا الموضوع قد بدأ منذ عصر الصحابة، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدُ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: يَا أَبَا نُجَيْدٍ، إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَنَا بِأَحَادِيثَ مَا نَجِدُ لَهَا أَصْلاً فِي القُرْآنِ. فَغَضِبَ عِمْرَانُ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «أَوَجَدْتُمْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَمِنْ كُلِّ كَذَا وَكَذَا شَاةً شَاةٌ، وَمِنْ كُلِّ كَذَا وَكَذَا بَعِيرًا كَذَا وَكَذَا، أَوَجَدْتُمْ هَذَا فِي القُرْآنِ؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟ أَخَذْتُمُوهُ عَنَّا، وَأَخَذْنَاهُ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ ¬
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ نَحْوَ هَذَا» (¬1). وقد ذهب المحدثون إلى أن السنة قد تأتي بأحكام لا توجد في القرآن، إذ كل منهما أصل تفترض طاعته، ولا مانع من أن تأتي في أحدهما ما لم يأت في الآخر، فقد ترك الكتاب موضعًا للسنة، وتركت السنة موضعًا للكتاب، فما كان من السنة زائدًا على ما في القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته «وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلاَّهُ مَنْصِبَ التَّشْرِيعِ عَنْهُ ابْتِدَاءً، كَمَا وَلاَّهُ مَنْصِبَ البَيَانِ لِمَا أَرَادَهُ بِكَلاَمِهِ» (¬2). وليس هذا تقديمًا لها على الكتاب، بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله. ولو كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به. «بَلْ أَحْكَامُ السُّنَّةِ التِي لَيْسَتْ فِي القُرْآنِ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْهَا. فَلَوْ سَاغَ لَنَا رَدُّ كُلِّ سُنَّةٍ زَائِدَةٍ كَانَتْ عَلَى نَصِّ القُرْآنِ لَبَطَلَتْ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا إلاَّ سُنَّةً دَلَّ عَلَيْهَا القُرْآنُ» (¬3). واستدل المحدثون على رأيهم في جواز وُرُودِ السُّنَّةِ بِالزِّيَادَةِ، ووقوعها فعلاً ووجوب قبولها بما يأتي: [أ] بالآيات القرآنية التي أوجبت طاعة الرسول وحذرت من مخالفة أمره. وقد حشد الإمام أحمد كثيرًا من الآيات في مقدمة كتابه، الذي رد فيه على من عارض السنن بظاهر القرآن. وقد ذكر ابن القيم طرفًا منه في " إعلام الموقعين " (¬4). فمن هذه الآيات قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا ¬
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ...} (¬1) الآية. والرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد موته. وقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} (¬2). وغيرها من الآيات التي اقترنت فيها طاعة الرسول بطاعة الله - إنما تدل على أن طاعة الله هي امتثال ما أمر به ونهى عنه في كتابه. وطاعة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي امتثال ما أمر به ونهى عنه مما ليس في القرآن، إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله. وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3)، وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬4). وذلك يدل على أن الرسول اختص بشيء يطاع فيه، وأن كل ما أمر به ونهى عنه فهو لاحق في الحكم بما جاء في القرآن، فلا بد أن يكون زائدًا عليه. [ب] واستدلوا ثانيًا بما روي من الأحاديث التي تحذر من ترك السنة والاقتصار على الكتاب، مما ذكرناه قبل ذلك من حديث المقدام بن معد يكرب الكندي، وحديث عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه، وهي تدل دلالة واضحة على أن في السنة ما ليس في الكتاب. [ج] دل التتبع والاستقراء على أن في السنة أشياء لا تحصى كثرة وهي غير منصوص عليها في القرآن كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، ¬
وتحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع، وعدم قتل المسلم بالكافر، وجواز الرهن في الحضر وغير ذلك (¬1). أما الذين يقدمون الكتاب على السنة من حيث الاعتبار ومن حيث الاستنباط، ويوجبون تبعًا لذلك عرض أخبار الآحاد على الكتاب (¬2) فإنهم يرون أن السنة لا تأتي بحكم ليس له في القرآن أصل، فكل ما جاءت به السنة فإن معناه راجع إلى الكتاب، لأنها بيان له. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬3)، فلا تجد السنة أمرًا إلا والقرآن قد دل على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية. واستدلوا لمذهبهم: [أ] بالآيات التي تدل على ذلك، من قوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (¬4)، فيلزم أن تكون السنة حاصلة فيه في الجملة، ومثله قوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (¬5)، وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (¬6)، وهو يريد بها إنزال القرآن. فالسنة إذن بيان لما فيه، وذلك معنى كونها راجعة إليه، وقد فسرت السيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (¬7) بِـ «أَنَّ خُلُقَهُ القُرْآنُ» واقتصرت في بيان خلقه على ذلك، وهذا يدل على أن قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفعله وتقريره راجع إلى القرآن، لأن الخلق محصور في هذه الأشياء. ¬
[ب] كما استدلوا بالأحاديث التي تدل على أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ملتزم بالقرآن في تشريعه، فقد روى ابن حزم بسنده عن مالك «لَا يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ شَيْئًا، لَا أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» (¬1). وروى أيضًا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَيْرٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ إَلَى جَانِبِ الحَجَرِ، فَحَذَّرَ الْفِتَنَ، وَقَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ لَا يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، إِنِّي لَا أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» (¬2). وقد جاء عن عائشة مثل ذلك، حيث قالت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُمْسِكُوا عَنِّي شَيْئًا، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَلا أُحَرِّمُ إِلاَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ» (¬3). ثم ردوا الحجج التي استدل بها المخالفون، وَبَيَّنُوا أنها لا تدل على أن السنة تأتي بحكم زائد: أما بالنسبة للآيات التي تدل على طاعة الله وطاعة رسوله فلا يلزم من إفراد الطاعتين تباين المطاع فيه بإطلاق، وإذا لم يلزم ذلك لم يكن في الآيات دليل على أن ما في السنة ليس في الكتاب، بل قد يجتمعان في المعنى، ويقع العصيانان والطاعتان من جهتين، فإذا بنينا على أن السنة بيان للكتاب، فلا بد أن تكون بيانًا لما فيه احتمال، فتبين السنة أحد الاحتمالين أو ¬
الاحتمالات، فإذا عمل المكلف على وفق البيان، أطاع الله فيما أراد بكلامه، وأطاع الله في مقتضى بيانه، ولو عمل على مخالفة البيان عصى الله تعالى، إذا صار عمله على خلاف ما أراد بكلامه، وعصى رسوله في مقتضى بيانه، فزيادة السنة هنا هي كزيادة الشرح على المشروح. أما الأحاديث التي استدل بها المحدثون فإنها لا تتناول موضوع الخلاف، لأنها إنما جاءت فيمن يطرح السنة، معتمدًا على رأيه في فهم القرآن، ولم نقل بهذا. وأما قولهم إن الاستقراء قد دل على أن هناك سُنَنًا كثيرة أثبتت أحكامًا زائدة على ما في القرآن - فقد أمكن رد هذه الأحكام إلى أصولها في الكتاب، لأنها إما تفريع للكتاب وبيان لما فيه، بتفصيل مجمله أو تقييد مطلقه أو تخصيص عامه، فإن جاءت بغير ذلك فالمقصود منها إما إلحاق فرع بأصله الذي خفي إلحاقه به، وإما إلحاقه بأحد أصلين واضحين يتجاذبانه: فمن الأول ما ورد في السنة من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها فإنه في الحقيقة قياس على ما نص [عليه من] تحريم الجمع بين الأختين، ولذلك تعرض الحديث لبيان المصلحة المترتبة على الحكم، إذ قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ». ومن الثاني أن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث، فمن الأشياء ما اتضح إلحاقه بأحد الأصلين، ومنها ما اشتبه، كالحمر الأهلية وذي الناب والمخلب، فنصت السنة على ما يرفع الشبهة، ويرجح أحد الجانبين المشتبهين، بالنهي عن أكل الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي
مخلب من الطير وإباحة أكل الضب والأرنب وما شابههما (¬1). وإذا نظرنا إلى هذا الخلاف حول وُرُودِ السُّنَّةِ بحكم زائد على القرآن، وجدناه لا يخلو من أن يكون حول مهمة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومدى سلطته في التشريع، أو أن يكون حول السنة باعتبارها مجموعة من الأخبار المروية. فإن كان الخلاف حول مهمة الرسول، وهل من سلطته أن يأتي بحكم زائد على ما في القرآن - فإنه حينئذٍ خلاف نظري لفظي، لا يترتب عليه شيء عملي، إذ أن الإجابة على ما سبق سواء أكانت بالإيجاب أم بالنفي، فإنها تلتقي حول وجوب الأخذ بما قاله الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفرض طاعته فيه. ولا يضير بعد ذلك أن يقال إن ما قرره الرسول ليس له أصل في القرآن فإن النتيجة واحدة هي وجوب الأخذ والطاعة. ولنضرب لهذا مثلاً من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها: فالقائل بأنه تشريع مبتدأ ليس في القرآن يأخذ به، لأن للرسول حق التشريع المبتدأ، وطاعته فيه واجبة، والقائل بأن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يأتي بما ليس في القرآن، يأخذ هو أيضًا بهذا التحريم، لأن الرسول ألحق أحدهما بأصل في القرآن، وطاعة الرسول في ذلك واجبة. ولكن هذا الخلاف يتجاوز حدود اللفظ إن كان موضوعه السنة المروية لنا، حيث تعتبر الزيادة على القرآن حينئذٍ - عند من يقول بها - من طرق نقد متن الحديث فَيَرُدُّ بها خبر الآحاد، وهذه المسألة هي المشهور عند الأحناف بمسألة الزيادة على النص، ويعنون بها تقييد المطلق (¬2)، ¬
فلا يجوز عندهم تقييد مطلق الكتاب بخبر الآحاد. وقد نصحهم السِّنْدِيُّ بأن يبحثوا عن اسم آخر لهذه المسألة غير الزيادة على النص، لأنها حينئذٍ - من حيث الصورة - تدخل في نطاق ذم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمن يترك مقتصرًا على ظاهر الكتاب، وذلك في تعليقه على حديث [ابن] بريدة السابق حيث قال: «وَقَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الأُصُولِ: لاَ يَجُوزُ [الزِّيَادَةُ] عَلَى الكِتَابِ [بِخَبَرٍ] فِي الصُّورَةِ، أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهَذَا المَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ لاَ يَجُوزُ تَقْيِيدُ إِطْلاَقِ الكِتَابِ بِخَبَرِ الآحَادِ فَالاِحْتِرَازُ عَنْ إِطْلاَقِ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَحْسَنُ وَأَوْلَى» (¬1). والأحناف يقسمون السنن التي أتت بزيادة على ما في القرآن ثلاثة أقسام: أ - أن تكون الزيادة التي أتت بها السنة من قبيل البيان للقرآن. ب - أن تكون الزيادة التي أتت بها السنة منشئة لحكم لم يتعرض له القرآن. وهذان القسمان لا نزاع فيهما، بل هما حُجَّةٌ باتفاق. ج - أن تكون السنة مغيرة لحكم تعرض له القرآن. وهذا هو محل النزاع. وقد ذهب أبو الحسن الكرخي، وجماعة كثيرة من أصحاب أبي حنيفة إلى أن الزيادة المغيرة نسخ وهو المُسَمَّى عندهم بالنسخ بالزيادة، كزيادة جزء في الواجب، مثل التغريب في حد الزنا، أو زيادة شرط بعد إطلاق الواجب عنه، كاشتراط الإيمان في رقبة اليمين (¬2). ويحث ¬
كانت الزيادة نسخًا، فيجب أن تكون سنة: متواترة أو مشهورة، إذ لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الآحاد. أما أبو بكر الرازي الجصاص، فقد فرق بين الزيادة المقارنة للنص والمتأخرة عنه، فإن وردت الزيادة بعد استقرار حكم النص منفردة عنه كانت ناسخة، وإن وردت متصلة بالنص قبل استقرار حكمه لم تكن ناسخة وإن وردت ولا يعلم تاريخها، فإن كانت متواترة أو مشهورة، وشهدت الأصول من عمل السلف أو النظر على ثبوتهما مَعًا - أثبتناهما، وإن شهدت الأصول بالنص منفردًا عنها أثبتناه دونها، وإن لم يكن في الأصول دلالة على أحدهما فالواجب أن يحكم بورودهما مَعًا، ويكونان بمنزلة الخاص والعام إذا لم يعلم تاريخهما، ولم يكن في الأصول دلالة على وجوب القضاء بأحدهما على الآخر، فإنهما يستعملان معًا. أما إن جاءت الزيادة من جهة أخبار الآحاد، فلا يجوز إلحاقها بالنص الثابت بالكتاب ولا العمل بها. وإنما لم يقبل خبر الواحد بالزيادة على النص، لأن الزيادة لو كانت موجودة معه لنقلها إلينا من نقل النص، إذ غير جائز أن يكون المراد إثبات النص معقودًا بالزيادة، فيتقتصر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على إبلاغ النص منفردًا عنها، فواجب إذن أن يذكرها معه، ولو ذكرها لنقلها إلينا من نقل النص. فإن كان النص مذكورًا في القرآن، والزيادة واردة من جهة السنة، فغير جائز أن يقتصر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على تلاوة الحكم المنزل في القرآن دون أن يعقبها بذكر الزيادة، لأن حصول الفراغ من النص الذي يمكننا استعماله بنفسه يلزمنا اعتقاد مقتضاه من حكمه، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، فإن كان الحد هو الجلد والتغريب فغير جائز أن يتلو النبي
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الآية على الناس عارية من ذكر النفي عقبها، لأن سكوته عن ذكر الزيادة يلزمنا اعتقاد موجبها وأن الجلد هو كمال الحد، فلو كان معه تغريب لكان بعض الحد لا كماله، فإذا أخلى التلاوة من ذكر النفي عقيبها، فقد أراد منا اعتقاد أن الجلد المذكور في الآية هو تمام الحد وكماله، فغير جائز إلحاق الزيادة معه إلا على وجه النسخ، ولهذا كان قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» - ناسخًا لحديث عُبادة بن الصامت: «... وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ»، وكذلك لما رجم ماعزًا ولم يجلده، كذلك يجب أن يكون قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ناسخًا لحكم التغريب في قوله: «البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ». والمقصود أن هذه الزيادة لو كانت ثابتة مع النص لذكرها النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عقيب التلاوة، ولنقلها إلينا من نقل المزيد عليه، إذ غير جائز عليهم أن يعلموا أن الحد مجموع الأمرين، وينقلوا بعضه دون بعض، وقد سمعوا الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يذكر الأمرين، فامتنع حينئذٍ العمل بالزيادة إلا من الجهة التي ورد منها الأصل، فإن وردت من جهة الآحاد: فإن كانت قبل النص فقد نسخها النص المطلق عاريًا من ذكرها، وإن كانت بعده فهذا يوجب نسخ الآية بخبر الواحد، وهو ممتنع. فإن كان المزيد عليه ثابتًا بخبر الواحد جاز إلحاق الزيادة بخبر الواحد على الوجه الذي يجوز نسخه به، فإن كانت واردة مع النص في خطاب واحد لم تكن نسخًا وكانت بيانًا (¬1). ولم يوافق جمهور الفقهاء - ومنهم المحدثون - على ما ذهب إليه علماء الأحناف، من اعتبارهم الزيادة المغيرة نسخًا، بل الزيادة بجميع وجوهها ¬
لا تخرج عن البيان بوجه من الوجوه، وتسميتها نسخًا اصطلاح من الأحناف لا يلزم غيرهم، فإنه لا مشاحة في الأسماء، فما يسمونه نسخًا، يسميه غيرهم تقييدًا، وهناك فروق جوهرية بين النسخ والتقييد، أهمها: «أَنَّ التَّعَارُضَ الذِي قَامَ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ، لَا يُعَدُّ تَعَارُضًا إِذَا قِيسَ بِالتَّعَارُضِ الذِي قَامَ عَلَيْهِ النَّسْخُ، إِنَّمَا شُيُوعٌ فِي النَّصِّ المُطْلَقِ يُضَيِّقُ دَائِرَتَهُ القَيْدُ الذِي جَاءَ فِي النَّصِّ المُقَيَّدِ، وَالحُكْمُ - بَعْدُ - بَاقٍ لَمْ يَرْتَفِعْ وَلَمْ يَنْتَهِ العَمَلُ بِهِ، وَمَا زَالَ النَّصُّ المُطْلَقُ دَلِيلاً عَلَى هَذَا الحُكْمِ، وَلَكِنْ مَعَ مُلَاحَظَةِ القَيْدِ الذِي جَاءَ فِي النَّصِّ المُقَيَّدِ» (¬1). وقد رد ابن القيم على ما ذهب إليه الأحناف باثنين وخمسين وجهًا (¬2)، تتلخص في وجوب طاعة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي إثبات أن الزيادة ليست نسخًا، ثم في إيراد أمثلة كثيرة لتناقض الأحناف حيث أخذوا ببعض الأحاديث، مع زيادتها على القرآن، وردوا بعضًا آخر منها بحجة الزيادة على القرآن، ويضيق بهذا التناقض قائلاً: «فَهَاتُوا لَنَا الفَرْقَ بَيْنَ مَا يُقْبَلُ مِنَ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ، وَمَا رُدَّ مِنْهَا، فَإِمَّا أَنْ تَقْبَلُوهَا كُلَّهَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى القُرْآنِ» (¬3). هذه هي اتجاهات الأنظار حول ورود السنة بحكم زائد على ما في القرآن وقد رأينا أن الخلاف حول سلطة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يسعه إلا أن يذعن له، ويسلم به، دون توقف على شيء آخر، {وَمَا كَانَ ¬
لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا} (¬1). {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2). أما الخلاف فهو في الحقيقة محصور في النظر إلى السنة من حيث الرواية والثبوت، وهو ما سوغ للمجتهدين أن يخالفوا الحديث في بعض الأحيان، حين لا يطمئن قلبهم إلى صحته وسلامة طريقه، أو لمعارضته لما هو أقوى منه، وهذا هو ما قرره الإمام الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - حين قال: «فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى رَجُلٍ بِأَنْ يَقُولَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ حَدِيثُ كَذَا، وَحَدِيثُ كَذَا، وَكَانَ فُلَانٌ يَقُولُ قَوْلاً يُخَالِفُ ذَلِكَ الحَدِيثِ، فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي [عَنْ] عَالِمٍ أَنْ يُثْبِتَ خَبَرَ وَاحِدٍ كَثِيرًا، وَيُحِلُّ بِهِ، وَيُحَرِّمُ، وَيُردَّ مِثْلَهُ: إِلَّا مِنْ جِهَةِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حَدِيثٌ يُخَالِفُهُ، أَوْ يَكُونَ مَا سَمِعَ وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ أَوْثَقَ عِنْدَهُ مِمَّنْ حَدَّثَهُ خِلَافَهُ، أَوْ يَكُونَ مَنْ حَدَّثَهُ لَيْسَ بِحَافِظٍ، أَوْ يَكُونَ مُتَّهَمًا عِنْدَهُ، أَوْ يَتَّهِمَ مَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ حَدَّثَهُ، أَوْ يَكُونُ الحَدِيثُ مُحْتَمِلاً مَعْنَيَيْنِ، فَيَتَأَوَّلُ فَيَذْهَبُ إِلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ. فَأَمَّا أَنْ يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ فَقِيهًا عَاقِلاً يُثْبِتُ سُنَّةً بِخَبَرٍ وَاحِدٍ مَرَّةً وَمِرَارًا، ثُمَّ يَدَعُهَا بِخَبَرٍ مِثْلِهِ وَأَوْثَقَ، بِلاَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الوُجُوهِ التِي تُشَبَّهُ بِالتَّأْوِيلِ، كَمَا شُبِّهَ عَلَى المُتَأَوِّلِينَ فِي القُرْآنِ، وَتُهْمَةِ المُخْبِرِ، أَوْ عِلْمٍ بِخَبَرٍ خِلَافِهِ، فَلَا يَجُوزُ إِنْ شَاءَ اللَهُ» (¬3). وتجدر الإشارة هنا إلى أن أخبار الآحاد بزيادة على ما في ¬
القرآن لا تعتبر كلها ضعيفة في رأي الأحناف، وليس كلها مهملاً، بل هم يمنعون أساسًا أن تفيد هذه الأحاديث الإلزام بالفعل أو الترك على وجه الفرضية، وهذا لا يمنع من أن يعمل بها في بعض الأحيان على جهة أخرى غير الفرضية: فحد الزنى لغير المحصن هو الجلد، كما جاء في القرآن، وقد جاءت السنة بزيادة النفي أو التغريب على الجلد، وليست هذه الزيادة مفيدة للإلزام عند الأحناف، فلا يفترض على ولي الأمر أن يأخذ بها، ولا مانع من أن يأخذ بها على وجه السياسة في بعض الظروف لبعض الأشخاص (¬1). وقراءة ما تيسر من القرآن في الصلاة فرض بنص القرآن {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]، وهو يفيد صحة الصلاة بقراءة أي جزء منه، فاتحة أو غيرها، وقد جاء في الحديث أن الصلاة لا تصح بدون قراءة الفاتحة، وهذا نسخ لإطلاق الآية، وهو لا يجوز بخبر الآحاد، لأن الكتاب قطعي الثبوت، وهم مع ذلك لا يهملون هذا الخبر، إذ يثبتون بالقرآن فرض قراءة ما تيسر ويثبتون بالخبر وجوب قراءة الفاتحة، فيفرقون بين الفرض والواجب: فالأول ما ثبت بدليل قطعي لا شبهة فيه، والثاني ما يثبت بدليل ظني فيه شبهة، وهو متأخر عن الأول في الرتبة. ولا شك أن هذه التفرقة نتيجة اتجاههم في تقديم الكتاب على السنة. ويقال مثل ذلك فيما أثبته القرآن من الأمر بالركوع والسجود المطلقين، مع ما جاءت به السنة من تعديل الأركان والاطمئنان في الركوع والسجود (¬2). ¬
وقد ذهب الأحناف إلى استحباب النية في الوضوء، وكذا الترتيب والموالاة والتسمية وتخليل الأصابع، ولم يقولوا بأن شيئًا من ذلك فرض أو واجب لأن الأخبار فيها زائدة على آية الوضوء التي تدل على إجزاء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس مطلقًا عن النية وغيرها. فلو زيد أحد هذه الأشياء لزم انتساخ القاطع بخبر الواحد (¬1). فإذا لم يكن هناك مجال للعمل بالخبر الزائد على وجه من الوجوه السابقة لم يعملوا به، كحديث القضاء بالشاهد واليمين. وهو مروي عن أبي هريرة، وزيد بن ثابت، وابن عباس، ورواه مالك مرسلاً عن جعفر بن محمد عن أبيه. وفي بعض هذه الروايات أن ذلك في الأموال الخاصة. وقد سلك الأحناف في تضعيف هذه الروايات مسالك: بينوا في بعضها ضعف الإسناد، وبينوا في بعضها الآخر أن المروي عنه أنكر هذا الحديث فَقَدْ أَنْكَرَ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ بِهِ عَنْ رَبِيعَةَ. وكان بعد ذلك يقول في روايته لهذا الحديث: «أَخْبَرَنِي بِهِ رَبِيعَةُ عَنِّي، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، أَنِّي حَدَّثْتُهُ إِيَّاهُ وَلاَ أَحْفَظُهُ». وأصبحت هذه المسألة إحدى مسائل الأصول التي يدور حولها الجدل (¬2). والذي يهمنا الآن هو مسلك الأحناف في تضعيف هذا الحديث على فرض صحة إسناده، حيث قالوا إنه حتى لو ورد من طريق مستقيمة، لما جاز الاعتراض به على نص القرآن، إذ غير جائز نسخ القرآن بأخبار الآحاد، لأن المفهوم من الآية حظر قبول أقل من شاهدين أو رجل وامرأتين، وفي استعمال هذا الخبر ترك موجب الآية، والأولى حمل الخبر ¬
على أنه منسوخ «وَإِذَا كَانَ خَبَرُ الشَّاهِدِ وَاليَمِينِ مُحْتَمِلاً لِمَا وَصَفْنَا، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَأَنْ لاَ يُزَالَ بِهِ حُكْمٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ نَصِّ القُرْآنِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَا أَتَاكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ مِنِّي، وَمَا خَالَفَهُ فَلَيْسَ مِنِّي "» (¬1). وقد ذهب المحدثون (¬2) - حاشا البخاري - إلى الأخذ بحديث الشاهد واليمين، وسبقهم إلى الأخذ به مالك والشافعي وفقهاء المدينة، ولم يأخذ به زيد بن علي والزهري والنخعي، وأبو حنيفة وأصحابه. أما البخاري فلم يأخذ بهذا الحديث، ولم يروه في " صحيحه "، بل روى ما يدل على أنه غير صحيح، يستنبط ذلك من قوله: (بَابٌ اليَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الأَمْوَالِ وَالحُدُودِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَقَالَ قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ، كَلَّمَنِي أَبُو الزِّنَادِ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَمِينِ المُدَّعِي، فَقُلْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: 282]، قُلْتُ: «إِذَا كَانَ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ المُدَّعِي، فَمَا تَحْتَاجُ أَنْ تُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى مَا كَانَ يَصْنَعُ بِذِكْرِ هَذِهِ الأُخْرَى؟»). وقد روى البخاري في هذا الباب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِاليَمِينِ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ»، كما روى أيضًا قول النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأحدد الخصمين المترافعين إليه: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» (¬3). ¬
4 - نسخ السنة بالقرآن والعكس
فقوله في الترجمة إن اليمين على المدعى عليه، لا فرق بين الأموال والحدود يشير إلى رده على الذين قالوا إن يمين المدعي تقبل في الحقوق والأموال، وروايته مناقشة ابن شبرمة لأبي الزناد، واحتجاجه عليه بالآية التي اشترطت العدد في الشهود لنفي أسباب التهمة والنسيان، وأن في مضمونها ما ينفي قبول يمين الطالب والحكم له بشاهد واحد، وإقرار البخاري لابن شبرمة في ذلك، وروايته الأحاديث التي تفيد قصر اليمين على المدعى عليه، كل ذلك يؤيد أن البخاري لا يأخذ بحديث الشاهد واليمين، وأنه لا يصح عنده. وإن مسلك البخاري في هذا المثال يؤكد ما سبق أن ذكرناه عنه من ميله إلى الربط بين القرآن والحديث في " صحيحه "، كما يؤكد هذا المثال أيضًا ما سبق أن قلناه من أن عرض الحديث على القرآن مبدأ لا غبار عليه من حيث الأصل والأساس، بدليل استعمال ابن شبرمة له، وتقرير البخاري له وعدم إنكاره عليه. 4 - نَسْخُ السُنَّةِ بِالقُرْآنِ وَالعَكْسِ: وهذا النسخ هو النقطة الرابعة التي نتناولها في علاقة السنة بالقرآن، لنستشف منها اتجاه المحدثين. وقد ذهب جمهور الفقهاء والأصوليين إلى أن نسخ السنة بالقرآن، ونسخ القرآن بالسنة، جائز في العقل وواقع بالفعل. وحجتهم في ذلك محصورة في أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا ينطق عن الهوى، فسنته وحي كالقرآن وكل من عند الله تعالى، فما المانع حينئذٍ من أن ينسخ أحدهما الآخر؟.
وذهب الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في أشهر قوليه إلى منع نسخ السنة بالقرآن. واختلف النقل عنه في سبب المنع: هل هو العقل، أو السمع؟ أو لا العقل ولا السمع ولكن السبب هو عدم الوقوع بالفعل. قال السبكي: «نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - لَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا». أما نسخ القرآن بالسنة فإن للشافعي فيه قولاً واحدًا هو المنع. والنص الذي يشير إليه السبكي، هو قول الشافعي في " الرسالة ": «وَأَبَانَ اللهُ لَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنَ الكِتَابِ بِالكِتَابِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لَا نَاسِخَةٌ لِلْكِتَابِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ لِلْكِتَابِ، يُمَثِّلُ مَا نَزل نَصًّا، وَمُفَسِّرَةٌ مَعْنَى مَا أَنْزَل اللَهُ مِنْهُ جُمَلاً ...» (¬1). وقوله: «وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَهِ، لَا يَنْسَخُهَا إِلَّا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَهِ؛ وَلَوْ أَحْدَثَ اللَهُ لِرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ سَنَّ فِيهِ، غَيْرَ مَا سَنَّ رَسُولُ اللَهِ: لَسَنَّ فِيمَا أَحْدَثَ اللَهُ إِلَيْهِ، حَتَّى يُبَيِّنَ لِلْنَّاسِ أَنَّ لَهُ سُنَّةٌ نَاسِخَةَ لِلَّتِي قّبْلَهَا مِمَّا يُخَالِفُهَا» (¬2). وبقول الشافعي قال أحمد بن حنبل من المحدثين (¬3). واحتج الشافعي لرايه بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (¬4)، والسنة ليست مثلاً للقرآن، ولا خيرًا منه. ورد المجيزون بأن المعنى: «نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا لَكُمْ أَوْ مِثْلَهَا لَكُمْ»، لأن القرآن أيضًا ليس بعضه خيرًا من بعض، وأيضًا فالسنة يمكن اعتبارها مثل القرآن، لأنها وحي مثله، ولاستوائها معه في وجوب الطاعة. وإنما افترقا في ألا يكتب في المصحف غير القرآن، ولا يتلى معه غيره مخلوطًا به، ¬
وفي أنه معجز دونها. وهذا لا يعترض به على أنها ليست مثله، إذ ليس في العلم شيئان إلا وهما يشتبهان من وجه، ويختلفان من آخر. لا بد من ذلك ضرورة، ولا سبيل إلى أن يختلفا من كل وجه، ولا أن يتماثلا من كل وجه. كما استدل الشافعي أيضًا بقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} (¬1) وبقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} (¬2). فكل هذه الآيات تنسب النسخ والتبديل إلى الله تعالى. وقد نوقش الشافعي في معاني هذه الآيات، فالاستدلال بالآية الأولى مبني على القول بمفهوم المخالفة، وهذا غير مُسَلَّمٍ، إذ معنى الآية أن الله يبدل آية مكان آية، وهذا أَمْرٌ مُسَلَّمٌ، وليس في الآية ما ينفي أن الله يبدل وحيًا غير متلو مكان آية ببراهين أخرى. وكذلك بالنسبة للآية الأخيرة، لأن الرسول لا يبدل شيئًا من تلقاء نفسه، وإنما يبدله بوحي من عند الله. كما احتج الشافعي بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬3). وهذا يفيد أن السنة مقصورة على البيان، والبيان ينافي الرفع الذي يفيده النسخ، ورد المجوزون للنسخ بأن المراد بالتبيين في الآية هو التبليغ، وبأن النسخ نوع من أنواع البيان، لأنه بيان ارتفاع الأمر ¬
فمن أمثلة نسخ السنة بالقرآن
المنسوخ، وبيان إثبات الأمر الناسخ (¬1). وما قالوه من أن المراد بالتبيين هو التبليغ غير مقبول، فإن البيان أمر زائد على التبليغ قطعًا. وما جاء في القرآن من أنه ليس عليه إلا البلاغ فالحصر فيه إضافي، يراد به أنه ليس عليه هداهم، فإن الله يهدي من يشاء (¬2). وقول الشافعي: «إِذَا أَحْدَثَ اللَهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ أَمْرًا بِرَفْعِ سُنَّةٍ تَقَدَّمَتْ، أَحْدَثَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - سُنَّةً تَكُونُ نَاسِخَةً لِتِلْكَ السُّنَّةِ الأُولَى» - أنكره عليه بعض أصحابه، وقال: «لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ النَّاسُ إِذَا عَمِلُوا بِسُنَّةٍ نَاسِخَةٍ - صَحَّ أَنْ يُنْسَبَ النَّسْخُ إِلَيْهِمْ»، وهذا خطأ، فكذلك الأمر بالنسبة للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، المفترض عليه الانقياد لأمر ربه - عَزَّ وَجَلَّ -، فالناسخ هو الأمر الوارد له من الله، لا علمه الذي يأتي به انقيادًا لأمر الله (¬3). فإذا ادعى أن النسخ لم يقع بين القرآن والسنة، فهناك الأمثلة التي تثبت وقوعه: فمن أمثلة نسخ السنة بالقرآن: وجوب التوجه إلى بيت المقدس في الصلاة، وهذا ثابت بالسنة، نسخ بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144، 149، 150]، وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (¬4). ¬
ونسخ وجوب صيام عاشوراء بصوم رمضان، فقد روى البخاري عن ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قال: «صَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ»، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَصُومُهُ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ. كما روى عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» (¬1). وذكر الغزالي من أمثلة نسخ السنة بالقرآن، ما ورد في القرآن من صلاة الخوف فإن الأمر بصلاة الخوف ناسخ لما ثبت في السنة من جواز تأخيرها إلى انجلاء القتال، حَتَّى قَالَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يَوْمَ الخَنْدَقِ وَقَدْ أَخَّرَ الصَّلاَةَ: «حَشَا اللَّهُ قُبُورَهُمْ نَارًا» لِحَبْسِهِمْ لَهُ عَنْ الصَّلاَةِ (¬2). ولكن البخاري يميل إلى عدم النسخ، وأن حكم التأخير ما زال باقيًا عند اشتداد المعركة، ففي ترجمة لـ (بَابُ الصَّلاَةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الحُصُونِ [وَلِقَاءِ العَدُوِّ]) - نقل عن الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ القِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا، فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لاَ يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ، وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا» وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ. وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ (تُسْتَرَ) عِنْدَ إِضَاءَةِ الفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ القِتَالِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلاَّ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا»، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلاَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». ثم روى في هذا الباب «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ¬
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَمَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ» (¬1). ومن الأمثلة أيضًا نسخ حرمة مباشرة النساء في ليالي رمضان، بقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ...} [البقرة: 187] الآية، وقد جعل البخاري هذه الآية عنوانًا لباب، روى فيه عَنِ البَرَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلاَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ}» (¬2). أما نسخ القرآن بالسنة: فمن الأمثلة التي ذكروها لذلك قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»؛ فقد نسخ هذا الحديث عندهم الوصية الواجبة المذكورة في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} (¬3)، ولا يقال إن آية المواريث هي الناسخة، لأنها لا تعارض الوصية، وليس فيها ما يمنع الوصية للوالدين والأقربين. ¬
ومن الأمثلة التي ذكرها ابن حزم (¬1) دليلاً على نسخ القرآن بالسنة، أن القرآن أمر بمسح الرجلين في الوضوء، وجاءت السنة بالأمر بغسل الرجلين، لأن {أَرْجُلَكُمْ} في قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، سواء قرئت بالخفض أو بالفتح - لا يجوز إلا أن تكون معطوفة على الرؤوس في المسح، لأن القول بغير ذلك إشكال وتلبيس «لَا تَقُولُ ضَرَبْتُ مُحَمَّدًا وَزَيْدًا وَمَرَرْتُ بِخَالِدٍ وَعَمْرًا وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنَّكَ ضَرَبْتَ عَمْرًا أَصْلاً، فَلَمَّا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ صَحَّ أَنَّ المَسْحَ مَنْسُوخٌ عَنْهُمَا وَهَكَذَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَمْسَحُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ حَتَّى قَالَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: " وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ وَالعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ " وكذلك قال ابن عباس: " نَزَلَ القُرْآنُ بِالمَسْحِ "» (¬2). والذين جَوَّزُوا نسخ القرآن بالسنة، اشترط أكثرهم في السنة الناسخة أن تكون متواترة أو مشهورة، وذكر عن بعض أهل الظاهر أنه لا يشترط ذلك، بل يجوز النسخ عندهم بأخبار الآحاد، وإلى ذلك ذهب ابن حزم، حيث قال: «وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا السُّنَّةُ المَنْقُولَةُ بِالتَّوَاتُرِ وَالسُّنَّةِ المَنْقُولَةِ بِأَخْبَارِ الآحَادِ، كُلَّ ذَلِكَ يَنْسِخُ بَعْضَهُ بَعْضًا، وَيَنْسِخُ الآيَاتِ مِنَ القُرْآنِ، وَيَنْسِخُهُ الآيَاتُ مِنَ القُرْآنِ» (¬3). وقد احتج أهل الظاهر بالآيات التي تثبت أن السنة وحي كالقرآن: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [سورة النجم، الآيتان: 3، 4]، وبأن الحكم بأخبار الآحاد معلوم بدليل قاطع، والحكم به كالحكم بالآية، فجاز نسخ الآية به، كما جاء نسخ آية بآية. واعترض عليهم بأن الدليل القاطع الدال على ¬
قبول الأخبار لم يتناول أخبار الآحاد إذا كانت ناسخة لدليل الكتاب، فلا يمكن أن يقال إن الحكم بها والحال هذه معلوم. ومن حجج أهل الظاهر، أنه إذا جاز تخصيص القرآن بأخبار الآحاد فإنه يجوز النسخ بها أولى. وأجيبوا بأن ما ذكروه يدل على جواز النسخ من جهة العقل، ولا يدل على أنه ممنوع منه في الشريعة، وقد منع الإجماع منه. وقد أورد أهل الظاهر أمثلة واقعية لنسخ الكتاب بأخبار الآحاد، منها: قوله تعالى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145]، فقد نسخت هذه الآية بما روى الآحاد من تحريم أكل كل ذي ناب من السباع. ورد عليهم بأن قوله: {قُلْ لاَ أَجِدُ} إنما يتناول ما أوحي إليه إلى تلك الغاية، ولا يتناول ما بعد ذلك. ومنها قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» نسخ قوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ...} [البقرة: 180] الآية، وأجيبوا بأن هذا الحديث جار مجرى التواتر، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا نَسَخَا ذَلِكَ بِآيَةِ المَوَارِيثِ، وَجَعَلَا الحَدِيثَ بَيَانًا لِوُقُوعِ النَّسْخِ بِالآيَةِ (¬1). واتجاه أهل الظاهر إلى جواز نسخ القرآن بأخبار الآحاد اتجاه يتواءم مع ما عرف عنهم من توسع في استخدام الحديث، ويتلاءم مع مذهبهم في أن أخبار الآحاد توجب العلم، فخبر العدل الصحيح يفيد عندهم من العلم ما يفيده القرآن، وليس الأمر كذلك عند الجمهور، لأن أخبار الآحاد مفيدة للظن، فلا يتحقق التعارض المقتضي النسخ بينهما وبين ¬
القرآن، لعدم استوائهما في القطعية، «وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ المُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ لَا يَنْسِخُ القُرْآنَ وَلَا الخَبَرَ المُتَوَاتِرَ، لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْمَقْطُوعِ بِهِ بِالمَظْنُونِ» (¬1). على أن معظم الأمثلة التي استدل بها على وقوع نسخ القرآن بالسنة لم تسلم من المعارضة والتأويل بما يجعلها لا تدل على النسخ، مع الاتجاه - من بعض المعارضين - إلى قصر مهمة السنة على البيان بتخصيص عام القرآن، وتقييد مطلقه، وتفصيل مجمله، إلا أن يراد بالنسخ حينئذٍ ما أراده الأحناف حين سموا بعض أنواع التخصيص نسخًا - وهو التخصيص بكلام مستقل منفصل - وحين سموا بعض أنواع التقييد (نسخًا بالزيادة). ولذلك نقل عن بعض الأحناف (*) أنه قال: «لَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِ اللَهِ مَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الزِّيَادَةِ» (¬2)، ولذلك يكتفون في السنة الناسخة حينئذٍ أن تكون مشهورة - وهي الوسط بين أخبار الآحاد، والمتواتر، وتفيد ظنًا قريبًا من اليقين - لأنهم يشترطون التواتر في السنة الناسخة للقرآن. ولا يجيزون نسخ المقطوع بالخبر المشهور إلا النسخ بالزيادة (¬3). ¬
5 - تخصيص القرآن بالسنة
5 - تَخْصِيصُ القُرْآنِ بِالسُنَّةِ: والمقصود تخصيص عام القرآن بخبر الآحاد، وهي من النقاط المختلف فيها، والتي تفرق بين المحدثين وأهل الرأي، بل جعلها الأستاذ أبو زهرة «فَيْصَلَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الفُقَهَاءِ الذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الرَّأْيُ، وَالفُقَهَاءِ الذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الأَثَرُ، فَإِنَّ الذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الرَّأْيُ لَا يَأْخُذُونَ بِأَخْبَارِ الآحَادِ فِي مَقَامِ تَعَرَّضَ لَهُ القُرْآنُ، وَلَوْ بِصِيغَةِ العُمُومِ، إِذْ يَجْعَلُونَ عُمُومَاتِ القُرْآنِ فِي عُمُومِهَا، وَلَا يَجْعَلُونَ خَبَرَ الآحَادِ فِي مَرْتَبَةِ تَخْصِيصِهَا، أَمَّا الفُقَهَاءُ الذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الأَثَرُ فَيُخَصِّصُونَ عَامَّ القُرْآنَ بِالخَبَرِ مُطْلَقًا» (¬1). وتوضيح هذين الاتجاهين يستلزم إلمامة سريعة تتعرض فيها لتعريف العام، وكيف يخصص، ونبين الأساس الذي انبنى عليه كلاهما. والعام - في أرجح الأقوال -: هو لفظ وضع للدلالة على أفراد غير محصورين، على سبيل الاستغراق والشمول، سواء كانت دلالته على ذلك بلفظه ومعناه، بأن كان بصيغة الجمع: كالمسلمين والمسلمات، والرجال والنساء، أو كانت دلالته على ذلك بمعناه فقط، كالقوم ومن وما. والخاص لفظ وضع للدلالة على فرد واحد أو أفراد محصورين. والتخصيص: قصر العام على بعض أفراده (¬2). وهذا الدليل المخصص قد يكون كلامًا مستقلاً (منفصلاً أو متصلاً)، وقد يكون كلامًا غير مستقل، وقد يكون أمرًا آخر غير الكلام: هو ¬
العقل، والحس الواقعي، والعادة والعرف، ونقص المعنى في بعض الأفراد وزيادته في بعض الأفراد (¬1). والكلام غير المستقل - وهو الاستثناء المتصل، وبدل البعض، والصفة، والشرط والغاية - (¬2) لا يتعتبر ضمن المخصصات عند الأحناف، إذ تعتبر أنواعه أجزاء من الكلام متصلة به، فلا غنى لها عنه، ولا استقلال لها بدونه، وهم يشترطون في المخصصات الاستقلال عن العام، أي تمامها بنفسها (¬3). والذي يهمنا هنا هو المخصص عندما يكون كلامًا مستقلاً منفصلاً، فإن اختلاف النظرة إليه وإلى حجية العام - هو الذي ترتب عليه اختلاف أهل الرأي مع المحدثين في مسألتنا التي نحن بصدد الحديث عنها الآن، وهي تخصيص عام القرآن بخبر الآحاد. أما بالنسبة لحجة العام، فقد ذهب جمهور الحنفية إلى أن دلالة العام على كل أفراده قطعية، ما لم يدل دليل على خروج بعضها منه، لأنه موضوع للدلالة على أفراده على سبيل الشمول والاستغراق، واحتمال خروج بعض أفراده منه دون دليل - لا يؤبه له، وإلا ضاعت الثقة باللغة. ولكن هل معنى ذلك أنه إذا قام الدليل على خروج بعض أفراد العام منه، يكون الباقي حجة ظنية عند الأحناف. الواقع أن هذا ليس على إطلاقه، فإنما يكون الدليل القاصر مؤثرًا في حجية العام إذا أخرج منه قدرًا غير معين، ويتحقق هذا إذا كان القاصر كلامًا مستقلاً متصلاً. ¬
فإذا كان كلامًا مستقلاً منفصلاً، اعتبروه نسخًا لا تخصيصًا، ولا أثر له فتبقى دلالته على الباقي بعده قطعية، وكذلك يكون الباقي قطعيًا إذا خرج منه شيء بكلام غير مستقل، لأن هذا ليس تخصيصًا عند الحنفية. والتفريق في الكلام المستقل بين المتصل والمنفصل، واعتبار الأحناف الأول تخصيصًا، والثاني - وهو المنفصل - نسخًا، هذا التفريق مبني على قاعدة عندهم، مؤداها أن البيان يجب ألا يتأخر عن وقت الحاجة، فالشارع إذا أراد بالعام من أول الأمر بعض أفراده - قرنه بما يدل على مراده من المخصصات حتى لا يقع التجهيل الذي يتنزه الشارع الحكيم عنه، فإذا ورد العام من غير مخصص دل على أن الشارع يريد جميع أفراده ابتداء، فإذا جاء بعد ذلك نص يخرج من العام بعض ما كان داخلاً فيه - كان ناسخًا، لا مخصصًا. فالخارج من العام بالتخصيص لم يدخل فيه ابتداء، والخارج منه بالنسخ دخل فيه ابتداءً (¬1). ولأن العام عند الأحناف حجة قطعية، اشترطوا أن يكون الخاص المخرج بعض أفراد العام قطعيًا مثله، سواءً أكان متصلاً أم منفصلاً، لأنه إذا كان متصلاً كان تخصيصًا، والقطعي لا يخصص إلا بمثله. وإذا كان منفصلاً كان نسخًا والقطعي لا ينسخه إلا قطعي مثله. ومن هنا منعوا أن يخصص عام الكتاب بخبر الآحاد، لأن أخبار الآحاد ظنية فلا تصلح لتخصيص القطعي ولا لنسخه، إلا إذا خصص العام قبل ذلك بقطعي مثله، فإن دلالته على الباقي حينئذٍ تصبح ظنية، يمكن بأخبار الآحاد تخصيصها لتساويهما في الظنية: العام المخصص ظني الدلالة وخبر الآحاد ظني الثبوت. ¬
أما جمهور الفقهاء - ومنهم المحدثون - فقد ذهبوا إلى أن دلالة العام على جميع أفراده دلالة ظنية، سواء قبل التخصيص أو بعده، لأن أكثر ما ورد من ألفاظ العموم أريد به بعض أفراده، وهذا يورث شبهة في شمول العام لكل أفراده، فتكون دلالته عليها ظنية. ولهذا يجب على المجتهد إذا عرض له لفظ عام - أن يطيل البحث والتحري، حتى لا يفوقه التخصيص مع وجود المخصص (¬1). وما دام العام عند الجمهور حجة ظنية، فليس هناك ما يمنع من تخصيصه بأخبار الآحاد سواء منها المستقل المنفصل، والمستقل المتصل، لا كما فعل الحنفية من التفرقة بينهما، فهما عند الجمهور سواء في إفادة التخصيص، والتخصيص عند الجمهور من بيان التفسير، لا من بيان التبيدل الذي هو النسخ. ¬
الفصل الثاني: خبر الواحد بين المحدثين وغيرهم
الفَصْلُ الثَّانِي (*): خَبَرُ الوَاحِدِ بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ: بعد أن بينا علاقة السنة بالقرآن، وأشرنا إلى الاتجاهات المختلفة في تحديد هذه العلاقة، وبعد أن رأينا أن معظم مباحث هذه العلاقة يدور حول خبر الآحاد، إذ هو جل السنة، حتى لكأنه المعني بها عند الإطلاق - لم يكن بد من التعرض لخبر الآحاد، وبيان اختلاف العلماء في الشروط التي يجب أن تتوافر فيه ليكون صالحًا للاحتجاج به، حتى تتضح الفروق بين المحدثين وغيرهم من القائلين بحجية خبر الآحاد. أما الذين أنكروا حجية خبر الآحاد. فليست مناقشتهم مما تعنينا هنا. وقد كفانا العلماء من السلف والخلف مؤونة هذه المناقشة (¬1). وخبر الآحاد قسيم الخبر المتواتر ومقابله، إذ الخبر ينقسم إلى متواتر وآحاد: فالمتواتر «مَا اتَّصَلَ بِنَا عَن رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتر مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ القَائِلِ: تَوَاتَرَتْ الكُتُبُ، إِذَا اتَّصَلَتْ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فِي الوُرُودِ مُتَتَابِعًا. وَحَدُّ ذَلِكَ أَّنْ يَنْقُلَهُ قَوْمٌ لَا يُتَوَهَّمُ اجْتِمَاعُهُمْ وَتَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الكَذِبِ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَتَبَايُنِ أَمْكِنَتِهِمْ عَنْ قَوْمٍ مِثْلَهُمْ هَكَذَا إِلَى أَنْ يَتَّصِلَ بِرَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ أَوَّلُهُ كَآخِرِهِ، ¬
وَأَوْسَطِهِ كَطَرَفَيْهِ وَذَلِكَ نَحْوَ نَقْلِ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكِ» (¬1). والمتواتر يفيد العلم، خلافًا لِلْسُّمَنِيَّةِ الذين حصروا العلوم في الحواس وحصرهم باطل (¬2). والجمهور على أن العلم الحاصل بالتواتر ضروري أي لا يحتاج إلى نظر وكسب، وذهب إمام الحرمين وأبو الحسين البصري وغيرهم إلى أنه نظري. وهناك اختلاف في أقل عدد يفضي إلى العلم في المتواتر. والصحيح هو ما قرره الغزالي حين قال: «أَقَلُّ عَدَدٍ يُورِثُ العِلْمَ لَيْسَ مَعْلُومًا لَنَا، لَكِنَّا بِحُصُولِ العِلْمِ الضَّرُورِيِّ نَتَبَيَّنُ كَمَالَ العَدَدِ لَا أَنَّا بِكَمَالِ العَدَدِ نَسْتَدِلُّ عَلَى حُصُولِ العِلْمِ» (¬3). ولذلك هاجم الغزالي فكرة تحديد العدد، كما هاجمها أيضًا ابن حزم وأجاز أن يحصل العلم الضروري بخبر اثنين فأكثر، حتى خبر الواحد قد يصبح العلم بصحته ضروريًا، إلا أن ضروريته ليست بمطردة ولا في كل وقت ولكن على قد ما يتهيأ (¬4). ¬
أما خبر الآحاد فهو ما لا ينتهي من الأخبار إلى حد التواتر المفيد للعلم، سواء كان مستفيضًا - وهو ما زاد عدد رواته على الثلاثة، كما جزم به ابن الحاجب والآمدي - (¬1) أو غير مستفيض. وقد جعل الأحناف الخبر المستفيض قسمًا وسطًا بين المتواتر والآحاد، وعرفوه بأنه ما كان متواتر الفرع آحاد الأصل، ويشيرون إليه بقولهم: «فِي حَيِّزِ المُتَوَاتِرِ، أَوْ المَشْهُورِ». وكان الجصاص يعده أحد قسمي المتواتر، على معنى أنه يثبت به علم اليقين، ولكنه علم اكتساب. «وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُول: " لَا يَكُونُ المُتَوَاتِرُ إِلاَّ مَا يُوجِبُ العِلْمَ [ضَرُورِيًّا] فَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَهُوَ مَشْهُورٌ وَلَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ [وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا، وَبَيَانُ هَذَا النَّوْعِ فِي] كُلِّ حَدِيثٍ نَقَلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَدٌ يُتَوَهَّمُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الكَذِبِ وَلَكِنْ تَلَقَّتْهُ العُلَمَاءُ بِالقَبُولِ وَالعَمَلِ بِهِ [فَبِاعْتِبَارِ الأَصْلِ هُوَ مِنَ الآحَادِ وَبِاعْتِبَارِ الفَرْعِ هُوَ مُتَوَاتِرٌ وَذَلِكَ] نَحْوَ خَبَرِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ وَ [خَبَرِ] تَحْرِيمِ المُتْعَةِ بَعْدَ الإِبَاحَةِ وَ [خَبَرِ] تَحْرِيمِ نِكَاحِ المَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَعَلَى خَالَتِهَا [وَخَبَرِ حُرْمَةِ التَّفَاضُلِ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَمَا أَشْبَهَ] ذَلِكَ» (¬2). والقائلون بوجوب العمل بخبر الواحد مختلفون في دليل الوجوب، بين أن يكون هذا الدليل هو السمع، أو العقل، أو هما مَعًا. وهو اختلاف لا يفضي إلى نتيجة. لكن اختلافهم في إفادة خبر الواحد العلم هو الجدير بالاهتمام، لما يترتب عليه من النظر المختلف في مدى تأثير خبر الواحد في الفروع وفي الاعتقاد. والمحدثون أو معظمهم - وبخاصة أهل الظاهر منهم - يميلون إلى أن خبر الآحاد مفيد للعلم، يعمم بعض الأصوليين هذا الحكم على المحدثين ويقصر آخرون على بعضهم. ¬
ويقول الغزالي: «وَمَا حُكِيَ عَنْ المُحَدِّثِينَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ العِلْمَ، فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ بِوُجُوبِ العَمَلِ، إذْ يُسَمَّى [الظَّنُّ] عِلْمًا، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: يُورِثُ العِلْمَ الظَّاهِرَ وَالعِلْمُ لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ وَإِنَّمَا هُوَ الظَّنُّ» (¬1). ويقول السرخسي: «وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ: يَثْبُتُ بِخَبَرِ الوَاحِدِ عِلْمُ اليَقِينِ، مِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ فِيهِ عَدَدَ الشَّهَادَةِ لِيَكُونَ حُجَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أقْصَى عَدَدِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الأَرْبَعَة» (¬2). ويفصل الآمدي الآراء في هذا الموضوع فيقول: «اخْتَلَفُوا فِي الوَاحِدِ العَدْلِ. إِذَا أَخْبَرَ بِخَبَرٍ، هَلْ يُفِيدُ خَبَرُهُ العِلْمَ؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ بِمَعْنَى الظَّنِّ لَا بِمَعْنَى اليَقِينِ، فَإِنَّ العِلْمَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] أَيْ: ظَنَنْتُمُوهُنَّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ اليَقِينِيَّ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، لَكِنْ مِنْ هَؤُلاَءِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُطَّرِدٌ فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ، كَبَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَخْبَارِ الآحَادِ لَا فِي الكُلِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ، إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ، كَالنَّظَّامِ، وَمَنْ تَابَعَهُ فِي مَقَالَتِهِ. وَذَهَبَ البَاقُونَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفِيدُ العِلْمَ اليَقِينِيَّ مُطْلَقًا، لَا بِقَرِينَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ» (¬3). ثُمَّ اخْتَارَ الآمِدِيُّ حُصُولَ العِلْمِ بِخَبَرِ الآحَادِ إِذَا احْتَفَتْ بِهِ القَرَائِنُ. ¬
وذكر ابن حزم أن إفادة خبر الآحاد العلم هو مذهب الحارث بن أسد المحاسبي، والحسين بن علي الكرابيسي، وداود الظاهري، ورواية عن مالك. أما الحنفيون والشافعيون وجمهور المالكيين وجميع المعتزلة والخوارج فذهبوا إلى أن خبر الواحد لا يوجب العلم، لما فيه من احتمالات السهو والانقطاع. وقد انحاز ابن حزم إلى رأي الطائفة الأولى وأطال في الاستدلال لمذهبه، وتفنيد حجج خصومه (¬1). ونلاحظ أن ابن حزم لم يشر إلى رأي أحمد بن حنبل، ولا إلى رأي الحنابلة في هذه المسألة، وقد نقلنا عن الآمدي آنِفًا أن ابن حنبل له قولان في إفادة خبر الآحاد العلم، ويقر ابن بدران أن القول بعدم حصول العلم به هو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحاب أحمد، وينقل عن الطوفي أن ذلك هو أظهر القولين. وحمل بعض العلماء قول الإمام أحمد الثاني - أي الخاص بإفادة خبر الآحاد العلم - على أخبار مخصوصة كثرت رواتها وتلقتها الأمة بالقبول، ودلت القرائن على صدق ناقليها، فيكون إذن من المتواتر (¬2). وقد رجح الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه عن " ابن حنبل " الرواية التي تقرر أن ابن حنبل كان يذهب إلى أن أخبار الآحاد مفيدة للعلم، وأنه كان يأخذ بها في الاعتقاد وفي الفروع، «فَيُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، كَمَا يُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الكِتَابُ الكَرِيمُ، وَلَا يُفَرِّقُ فِي الأَخْذِ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَهِ ¬
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ عَمَلٍ وَاعْتِقَادٍ، وَلَا بَيْنَ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ وَإِذْعَانِ القَلْبِ وَالعَقْلِ» (¬1). وقول ابن حنبل الذي رجحه الأستاذ أبو زهرة في هذه المسألة هو قول عامة المحدثين في القرن الثالث، وقول بعض المتأخرين منهم (¬2). وهذا الاتجاه يعني أن خبر الآحاد إذا استوفى شروط الصحة فإن صدوره عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينئذٍ أمر مقطوع به، متيقن منه، لا يحتمل الشك. ومن هنا كانت حملتهم الشديدة على الذين لا يأخذون بالخبر في بعض المواطن، واتهامهم لهم بمخالفة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتشنيعهم عليهم لذلك. ولكن لما كانت أخبار الآحاد عند غير المحدثين تفيد ظنًا راجحًا، لأن الاحتمالات التي يتعرض لها خبر الواحد، كالكذب والسهو والخطأ وغيرها تقصر به عن إفادة ما يفيده المتواتر من العلم - لما كان ذلك كذلك، وضع هؤلاء الفقهاء شروطًا لخبر الواحد تراعى فيها هذه الاحتمالات، وحددوا مجال العمل به بالنسبة لما هو مقطوع به من القرآن والسنة المتواترة. وكثير من هذه الشروط موضع نزاع بينهم وبين المحدثين وهذا يدعونا إلى أن نستعرض شروط الصحيح بين المحدثين وغيرهم. ويشترط المحدثون في الحديث الصحيح شروطًا يمكن حصرها في عدالة الراوي وضطبه، واتصال الإسناد، وسلامة الحديث من الشذوذ والعلل (¬3) ¬
فإذا توافرت هذه الشروط في الحديث فهو صحيح يجب العمل به سواء أكان في الاعتقاد أم في الفروع. وقد يختلف المحدثون فيما بينهم في عدالة راو أو ضبطه أو صحة سماعه ممن روى عنه، كما قد يختلفون في درجة الوصف، بمعنى هل العدالة والضبط عنده في درجة ممتازة أو متوسطة أو ضعيفة، مما يترتب عليه اختلافهم في الترجيح. فالبخاري مثلاً لا يكتفي بمعاصرة الراوي لمن روى عنه حتى يثبت اتصاله به ومسلم يكتفي بالمعاصرة، والبخاري ترك رجالاً رأى مسلم أنه لا بأس بهم، وكذلك ترك مسلم رجالاً لم ير البخاري بهم بأسًا، ورأى غيرهما من أصحاب السنن أَنْ يَرْوُوا أحاديث صحت في نظرهم لثقتهم في رواتها، أو لأنه لا بأس برواتها وإن لم يكونوا في الدرجة العليا من العدالة والضبط. أما غير المحدثين فيضيفون إلى هذه الشروط شروطًا أخرى تتعلق بمتن الحديث، فليس كل ما صح سنده يلتزم قبوله. حتى يكون متنه سالمًا من المعارضة، وللأحناف والمالكية في ذلك ما ليس لغيرهم. ولهذا رأينا الأحناف في نقدهم للحديث وبيان وجوه الانقطاع فيه يقسمون الانقطاع إلى انقطاع في الصورة، وانقطاع في المعنى. ويعنون بالمنقطع صورة المرسل - وسيأتي الحديث عنه. أما الانقطاع في المعنى فقد يكون نتيجة عدم توافر الشروط المطلوبة في الراوي. فسلسلة الإسناد مترابطة من حيث الظاهر، غير أن إحدى ¬
حلقاتها لما فقدت الشروط أصبحت في حكم المعدوم، وذلك كرواية الفاسق والكافر والمعتوه، وأمثال ذلك. وقد يكون الانقطاع في المعنى نتيجة معارضة متن الحديث لدليل آخر. وهذا القسم هو الذي يمثل بحق نقد متن الحديث، إذ قد يردونه نتيجة لهذا النقد، حتى مع استيفائه شروط الصحة في الإسناد وهو يعد من الفروق الجوهرية بين المحدثين وأهل الرأي. ومن أنواع هذا القسم المخالف للدليل: [أ] أن يكون الحديث مخالفًا لكتاب الله تعالى. [ب] أو لسنة مشهورة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [ج] أن يكون الحديث شاذًا لم يشتهر فيما تعم به البلوى ويحتاج الخاص والعام إلى معرفته. [د] أو يكون حديثًا قد أعرض عنه الأئمة من الصدر الأول، بأن ظهر منهم الاختلاف في حادثة يقررها الحديث المروي، ومع ذلك لم تجر المحاجة بينهم به. [هـ] مخالفة الصحابي قولاً أو عملاً لما رواه (¬1). [أ، ب] وقد قدمنا في موضوع علاقة السنة بالقرآن وجهة نظر المحدثين وغيرهم في عرض السنة على القرآن، وتخصيصها لعامه، وتقييدها لمطلقه، وقد بينا أن المحدثين أيضًا يمنعون أن تأتي السنة بما يعارض القرآن، ¬
وأن الخلاف بينهم وبين الأحناف إنما هو في المسائل الجزئية، هل السنة فيها معارضة أم مبينة. وكذلك خبر الآحاد إذا خالف السنة المشهورة اعتبر ذلك انقطاعًا في المعنى، ولا يبعد أن يكون هذا الأصل أيضًا محل اتفاق، والخلاف إنما هو في التطبيق. فقد ذكروا مثالاً لذلك ما جاء في بيع الرطب بالتمر، وهو ما روى أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ البَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟، قَالَ: البَيْضَاءُ، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ (¬1). وقد رأى أبو حنيفة أن خبر سعد هذا مخالف للسنة المشهورة، وهو قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ»، فلم يأخذ به، وأخذ به أبو يوسف ومحمد، لأن السنة المشهورة لا تتناول الرطب، لأن مطلق اسم التمر لا تتناوله، بدليل أن من حلف لا يأكل تمرًا فأكل رطبًا لم يحنث، ولو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعد ما صار تمرًا لم يحنث، فإذا لم تتناوله السنة المشهورة، وجب إثبات الحكم فيه بالخبر الآخر. وهذا هو الذي ذهب إليه أصحاب الحديث، فقد قال الترمذي بعد روايته لحديث سعد هذا: «... وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا». ¬
[ج] أما الحديث الغريب فيما تعم به البلوى فقد رده بعض الحنفية والمالكية (¬1)، لأن عدم اشتهاره مع الحاجة إليه قرينة على علة فيه، وأحسن أحواله أن يصرف عن ظاهره: فإن جاء بأمر كان للندب والاستحباب لا للوجوب، وإن جاء بنهي كان للكراهية لا للتحريم، إذ لو كان المراد به الإيجاب أو التحريم لاشتهر ذلك الحكم بين السلف، ولنقل إلينا الخبر مستفيضًا، فنقله على خلاف ذلك يدل على أنه قد ترك العمل به عند أكثر الناس، لعدم حرمة ترك العمل به (¬2). أما المحدثون فلم يعتبروا هذا الشرط، لأن الأدلة التي أوجبت قبول خبر الواحد لم تفرق بين ما تعم به البلوى من الأخبار وغيرها، ولأن الراوي عدل ثقة، وذلك يغلب على الظن [صِدْقُهُ]، وكما يقبل خبره في غير ذلك يقبل أيضًا فيما تعم به البلوى. وكان البخاري يرد على أهل الرأي في ترجمته التي يقول فيها: (بَابُ الحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ ظَاهِرَةً، وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُورِ الإِسْلاَمِ) (¬3). وذكر الأحناف أمثلة لذلك منها: خبر مس الذكر، والجهر بالتسمية في الصلاة، وخبر رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، والوضوء مما مسته النار (¬4). وقد يوافق بعض المحدثين الأحناف في عدم الأخذ ببعض هذه الأخبار ولكن مسلكهم في ذلك يختلف عن مسلك الأحناف، إذ عدم أخذهم بها ¬
إنما هو بسبب نسخها أو ترجيح غيرها من الأخبار عليها (¬1). وتجدر الإشارة إلى أن الآمدي «قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا تَعُمُّ بِهِ البَلْوَى، ومَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ إِذَا نَقَلَهُ وَاحِدٌ، فَرَدَّ الثَّانِي، وَلَمْ يُوَافِقْ الأَحْنَافَ عَلَى رَدِّهِمْ لِلْأَوَّلِ، وَمَثَّلَ لِلْثَّانِي بِمَا إِذَا أَخْبَرَ إِنْسَانٌ بِأَنَّ الخَلِيفَةَ قَدْ قُتِلَ وَسَطَ الجَامِعِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الخَلْقِ، وَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ سِوَى وَاحِدٌ» (¬2). [د] أما الحديث الذي يقرر حكمًا اختلف فيه الصحابة، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه احتج به مع حاجتهم إليه - فإن هذا الحديث حينئذٍ غير مقبول، لأنه لو كان موجودًا في عصر الصحابة لردوه، ولم يشتغلوا عنه بما ليس بحجة، وهم غير متهمين بالكتمان حتى يتفقوا على كتمانه وعدم الاحتجاج به. فإذا ظهر منهم الاختلاف في الحكم، وجرت المحاجة بينهم بالرأي - والرأي ليس بحجة مع ثبوت الخبر - دَلَّ ذلك على أن هذا الخبر غير صحيح، إذ لو كان صحيحًا لاحتج به بعضهم على بعض حتى يرتفع الخلاف الواقع بينهم، فكان إعراض الجميع عن الاحتجاج به دليلاً ظاهرًا على أنه سهو ممن رواه بعدهم أو أنه منسوخ. وذلك نحو ما يروى: «الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنسَاءِ»، فإن الكبار من الصحابة اختلفوا في هذا، ولم يحتج أحد منهم بهذا الحديث، بل أعرضوا عنه، فكان ذلك دليلاً على أنه غير ثابت أو مُؤَوَّلٍ (¬3). ¬
ولكن سؤالاً يَرِدُ على الآخذين بهذا الأصل: هل جاء الحديث الذي ردوه بناء على هذا الأصل من طريق صحيحة، حتى يكون هذا الأصل هو السبيل الوحيدة لنقده. إن سند الحديث إذا كان صحيحًا، فإن الاحتمالات الموجبة للأخذ به تتداعى أمام قوتها الاحتمالات الداعية إلى رده، لأن كل صحابي لم يكن محيطًا بكل السنة، بل يعمل البعض ويجهل الآخر منها، وقد يسمع بعضها شخص أو أكثر، ثم لم تكن داعية تدعو إلى نشره، فيجهله كثير من الصحابة ويتركون العمل به لعدم العلم بالحكم. لا تركًا له بعد العلم، وهذا أبو هريرة كان يقول: «إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَانِي مِنْ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ العَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ»، وهناك العديد من الأمثلة التي تدل على أن الصحابة كانوا يجهلون كثيرًا من السنن، ثم يجدون علمها عند غيرهم إذا سألوا عنها (¬1). وبسبب ذلك رفض المحدثون الأخذ بهذه القاعدة التي قررها الأحناف. كما لم يأخذوا أيضًا بقاعدة قريبة من هذه، قررها المالكية وجعلوها من أسس نقد الحديث، هي تركهم لخبر الآحاد إذا كان العمل في المدينة على خلافه، وقد رفض المحدثون هذه القاعدة، لأن الواجب هو العمل بالخبر، ولا يضره عمل ولا ترك «وَهَذَا أَصْلٌ قَدْ نَازَعَهُمْ فِيهِ الجُمْهُورُ، وَقَالُوا: عَمَلُ أَهْلِ المَدِينَةِ كَعَمَلِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ عَمَلِهِمْ وَعَمَلِ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ؛ فَمَنْ كَانَتْ السُّنَّةُ مَعَهُمْ فَهُمْ أَهْلُ العَمَلِ المُتَّبَعِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ المُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ عَمَلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ، وَإِنَّمَا الحُجَّةُ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ، وَلاَ تُتْرَكُ السُّنَّةُ لِكَوْنِ عَمَلِ بَعْضِ المُسْلِمِينَ عَلَى خِلاَفِهَا ...» (¬2). ¬
وقد هاجم ابن حزم هذا الأصل، وذكر كثيرًا من السنن التي خالفها المالكيون بحجة أن عمل أهل المدينة على خلافها، ثم قال: «فَهَذَا مَا تَرَكُوا فِيهِ عَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَتِهِمْ فِي " المُوَطَّأِ " خَاصَّةً وَلَوْ تَتَبَّعْنَا ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ لَبَلَغَ أَضْعَافَ مَا ذَكَرْنَا وَمَا خَالَفُوا فِيهِ أَوَامِرَهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - مِنْ رِوَايَتِهِمْ وَرِوَايَةِ غَيْرِهِمْ أَضْعَافَ ذَلِكَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَتَجَاوَزُ الأُلُوفَ» (¬1). [هـ] ومما ذكره الأحناف متصلاً بهذا النوع الذي سموه بالانقطاع في المعنى - أن يروي الصحابي حديثًا، ثم يظهر منه ما يخالف الحديث قولاً أو عملاً. فإن هذه المخالفة تعتبر طعنًا في الحديث في بعض أحواله، لأن مخالفة الصحابي إن كانت قبل الرواية فإنها لا تقدح في الخبر، ويحمل على أنه كان مذهبه قبل أن يسمع الحديث، فلما سمع الحديث رجع إليه. وكذلك إذا لم يعلم هل المخالفة كانت قبل روايته للحديث أو بعدها، لأن الحمل على أحسن الوجوه مطلوب ما لم يثبت خلافه، أما إذا علم أن خلافه للحديث كان بعد روايته له، فإن هذا الحديث حينئذٍ يخرج عن أن يكون حجة، لأن فتواه أو عمله بخلاف الحديث من أبين الدلائل على الانقطاع فيحمل ما رواه على النسخ، حملاً له على أحسن الوجوه. وذكروا من أمثلة ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُغْسَلُ الإِنَاءُ مِنَ وُلُوغِ الكَلْبِ سَبْعًا»، ثُمَّ صَحَّ مِنْ فَتْوَاهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالغَسْلِ ثَلَاثًا. وما روته السيدة عائشة من قوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ [بِغَيْرِ] إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ»، ثُمَّ صَحَّ «أَنَّهَا زَوَّجَتْ ابْنَةَ أَخِيهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَالَفَتْ بِعَمَلِهَا رِوَايَتَهَا». ¬
ومن أمثلة ذلك أيضًا ما رواه ابن عمر مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ»، ثم صح عن مجاهد قال: «صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ سِنِينَ وَكَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ»، وهذا يدل على نسخ الحكم (¬1). أما إذا كان الحديث محتملاً لعدة معان، فيعين الصحابي بعض محتملات الحديث فإن ذلك لا يمنع كون الحديث معمولاً به على ظاهره، لأن تأويل الصحابي ليس بحجة على غيره، وإنما الحجة هو الحديث. وذلك كالذي رواه ابن عمر من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المُتَبَايِعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا»، فـ «التَّفَرُّقُ فِي الحَدِيثِ يَحْتَمِلُ التَّفَرُّقَ بِالأَبْدَانِ»، فكان إذا أوجب البيع مشى هنيهة، ولم يأخذ الأحناف بهذا التأويل من ابن عمر، وحملوا التفرق على التفرق بالأقوال، أما المالكية فقد رَدُّوا هذا الحديث لمخالفته لما عليه العمل. ويقول الأحناف: إن الشافعي قد فعل مثل ذلك في حديث ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، ثُمَّ أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِـ «أَنَّ المُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلَ»، وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لَحَقَ الحَدِيثَ مِنَ الرَّاوِي، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّأْوِيلِ، لا يكون حجة على غيره، وأخذ بظاهر الحديث، فأوجب القتل على المرتدة (¬2). وقد اختار الآمدي أنه إن علم مأخذ الصحابي في المخالفة، وكان ذلك مما يوجب حمل الخبر على ما ذهب إليه الراوي وجب اتباع ذلك الدليل، ¬
لا لأن الراوي عمل به، فإنه ليس عمل أحد المجتهدين حجة على الآخر، وإن جهل مأخذه فالواجب العمل بظاهر الحديث (¬1). وقد رَدَّ بعض المالكيين بناء على هذا الأصل ما روي عن عائشة مرفوعًا: «مَنْ [مَاتَ] (*) وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، لِأَنَّهَا «أَفْتَتْ بِخِلَافِهِ حِينَ سُئِلَتْ عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ»، فقالت: «يُطْعَمُ عَنْهَا». وأخرج البيهقي أَنَّهَا قَالَتْ: «لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ , وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ» (¬2). وقد استنكر المحدثون هذا الاتجاه في نقد الحديث، لأن الحجة في قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي يرويه الصحابي، لا في فتوى الصحابي الذي قد ينسى ما رواه، أو يجتهد فيه فيؤوله، أو تكون فتواه قبل أن يبلغه الحديث، [فإن] هذه الوجوه كلها محتملة فيما روى عنهم، لا يحل لأحد ترك كلامه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لفتيا جاءت عن صاحب مخالفة لما صح عنه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - (¬3). ولكن أبا داود كان يميل إلى اتجاه الأحناف والمالكية في هذا الموضوع، فَـ «كَانَ يَرَى أَنَّ عَمَلَ الرَّاوِي بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ يُضَعِّفُ الحَدِيثَ».: فَقَدْ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ عَطَاءٍ - عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلاَةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ». ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُدُ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلاً». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا يُضَعِّفُ ذَلِكَ الحَدِيثَ» (¬4). وقد رأى بعض الأصوليين أن عمل الصحابي بخلاف ما روى لا يسقط ¬
خبره، بل يفتح الاجتهاد فيه، لاحتمال ألا يكون منسوخًا، بل يكون مصروفًا عن ظاهره، أو مفهومًا على وجه لا يتعارض مع عمله. فيقال في «حَدِيثِ غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعًا» الذي رواه أبو هريرة: إن الغسل سبع مرات إحداهن بالتراب يتعلق بالإناء الذي يوضع فيه الطعام والشرب وما أفتى به أبو هريرة من الغسل ثلاثًا يتعلق بغير ذلك من ثوب أو بدن. ويقال في مخالفة عائشة بإنكاحها ابنة أخيها لما روته من اشتراط الولي في النكاح: إن عملها يقتضي تقييد حديثها بحضور الولي، فإذا كان غائبًا كانت الحادثة محل اجتهاد، وجاز أن يكون الزواج بإذن من يهتم بمصلحة الزوجة من أقاربها، حتى لا يفوتها الزوج الكفء (¬1). ولأن الاحتمالات في خبر الواحد كانت دائمًا نصب أعين الفقهاء من غير المحدثين، حتى إنهم لم يكتفوا بصحة الإسناد في نقدهم للحديث نظروا أيضًا في بعض ألفاظ الصحابي عند أدائه للحديث، فاختلفوا مع المحدثين فيها، كما اختلفوا معهم في بعض صور الإسناد. وقد قسم الأصوليون ألفاظ الصحابي درجات، بعضها أقوى من بعض، وجعلها بعضهم سبعًا، وجعلها آخرون خمسًا (¬2). 1 - أعلاها قول الصحابي: «حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، أَوْ «أَخْبَرَنِي»، أَوْ «قَالَ لِي»، وما أشبه ذلك. 2 - ثم قوله: «قَالَ رَسُولُ اللَهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وهذه الصيغة في مرتبة ثانية، لاحتمال أن يكون بينه وبين النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واسطة، بدليل ما رواه أبو هريرة مرفوعًا: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلاَ صَوْمَ لَهُ»، فلما روجع فيه قال: «حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ»، وكذلك روى ابن عباس عَنْ ¬
النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ»، وَلَمَّا رُوجِعَ فِيهِ «أَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الحَدِيثَ مِنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ». إلا أن احتمال الواسطة بعيد، والظاهر هو المشافهة، وعلى فرض أن هناك واسطة، فإن الصحابي المسكوت عنه عدل، باعتبار أن الصحابة كلهم عدول فلا يضر عدم ذكره. وقد نقلت إلينا جل الأخبار بهذه الصيغة فلم يفهم منها إلا السماع. 2 - ثم يأتي في الدرجة الثالثة قول الصحابي: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ بِكَذَا» أَوْ «نَهَى عَنْ كَذَا»، وهذه الصيغة فوق احتمالها التوسط الذي ذكر في سابقتها - تحتمل أيضًا اعتقاد الصحابي ما ليس بأمر أو نهي أمرًا أو نهيًا، كما أنه ليس فيها ما يدل على أنه أمر الكل أو البعض، وعلى جهة الدوام أو التوقيت بوقت معين. ولما فيه من هذه الاحتمالات ذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه لا حجة فيه، ما لم ينقل لفظ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نفسه. لكن الأكثرين ذهبوا إلى حجية هذه الصيغة، لأن الظاهر أن الراوي لا يطلقها إلا إذا تيقن المراد. وهذه الدرجات الثلاث يتفق الأحناف مع المحدثين وجمهور الفقهاء في الأخذ بها. لكن الذي فيه الخلاف بين المحدثين والأحناف هو قول الصحابي: «أُمِرْنَا بِكَذَا» أَوْ «نُهِينَا عَنْ كَذَا» - بصيغة المجهول - أو قول الصحابي: «السُنَّةُ كَذَا»، فقد ذهب الأحناف إلى أن قول الصحابي ذلك لا يعتبر حديثًا مرفوعًا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلا يكون حجة، لأن هذه الصيغة تحتمل - زيادة على الاحتمالات السابقة - أن يكون الآمر أو الناهي غير
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، من الأئمة والولاة والعلماء، وأن يكون المراد بالسنة سنة البلدان والرؤساء. ولهذا قال أبو يوسف: «وَأَهْلُ الحِجَازِ يَقْضُونَ بِالقَضَاءِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: عَمَّنْ؟ فَيَقُولُونَ بِهَذَا جَرَتْ السُّنَّةُ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ قَضَى بِهِ عَامِلُ السُّوقِ، أَوْ عَامِلٌ مَا مِنَ الجِهَاتِ» (¬1). وقد نقل عن الشافعي في القديم أن هذه الصيغة لها حكم الرفع عند الإطلاق، ونقل عنه في الجديد أنها لا تنصرف إلى سنة الرسول بدون البيان، للاحتمال السابق، حتى قال: «فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللهُ -: " السُنَّةُ بِبَلَدِنَا كَذَا "، فَإِنَّمَا أَرَادَ سُنَّةَ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ، الذِي كَانَ عَرَيفًا بِالمَدِينَةِ» (¬2). وقد كانوا يطلقون السنة على سنة الصحابة وآرائهم، كما يبين ذلك الخلاف الذي حدث بين الزهري وأحد زملائه، فعن صَالِحِ بْنَ كَيْسَانَ قَالَ: «اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالزُّهْرِيُّ وَنَحْنُ نَطْلُبُ العِلْمَ، فَقُلْنَا: نَكْتُبُ السُّنَنَ، فَكَتَبْنَا مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: نَكْتُبُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ، وَقُلْتَ أَنَا: لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلاَ نَكْتُبُهُ، وَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ» (¬3). وقد بَيَّنَ ذلك الطحاوي في كلامه عن صفة القعود في الصلاة، وما روي عن ابن عمر قوله: «إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ اليُمْنَى وَتَثْنِيَ اليُسْرَى»، ¬
وأن قومًا ذهبوا إلى أن صفة القعود في الصلاة كلها أن ينصب الرجل رجله اليمنى ويثني اليسرى ويقعد بالأرض، مستندين إلى ما روي عن ابن عمر من أن ذلك سنة، والسنة لا تكون إلا عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وذهب آخرون إلى غير ذلك، لأن قول ابن عمر لا يدل على أنه عن النبي، إذ قد يجوز أن يكون رأى ذلك رأيًا، أو يكون أخذهم ممن بعد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد قال - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي». وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَمَّا سَأَلَهُ رَبِيعَةُ , عَنْ أُرُوشِ أَصَابِعِ المَرْأَةِ «إِنَّهَا السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي» وَلَمْ يَكُنْ مَخْرَجُ ذَلِكَ إِلاَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَسَمَّى سَعِيدٌ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سُنَّةً (¬1). أما المحدثون فقد ذهبوا إلى أن قول الصحابي: «أُمِرْنَا بِكَذَا، أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا، أَوْ السُّنَّةُ كَذَا»، يعتبر حديثًا مرفوعًا إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن الصحابي يريد به إثبات شرع وإقامة حجة، فلا يحمل على قول من لا حجة في قوله. ولذلك جعل البخاري لهذه الصيغ حكم الرفع، فمن ذلك قوله: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: «نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ» (¬2). وروى بسنده عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: «أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ [الحُيَّضَ] يَوْمَ العِيدَيْنِ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ ...» (¬3). ¬
وروي عنها أيضًا قالت: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ» (¬1). وقد ذهب إلى ذلك الشافعية - كما ذكرنا عن النووي -، والحنابلة، فقد جاء في " المغني " عن ابن عمر قال: «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا، فَهُوَ مِنْ مَالِ المُبْتَاعِ». ثم قال صاحب " المغني ": «وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ، يَقْتَضِي سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وقد استدل الحنابلة بذلك على أن بيع ما لم يقبض من غير الطعام جائز، وإن تلف قبل القبض فهو من ضمان المشتري (¬2). لكن الظاهرية من المحدثين لم يجعلوا لهذه الصيغ حكم الرفع، وفي ذلك يقول ابن حزم: «وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ " السُّنَّةُ كَذَا " وَ" أُمِرْنَا بِكَذَا " فَلَيْسَ هَذَا إِسْنَادًا وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُنْسَبُ إِلَى أَحَدٍ قَوْلٌ لَمْ يَرْوِ أَنَّهُ قَالَهُ وَلَمْ يَقُمْ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ. وَقَدْ جَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَهَانَا عُمَرُ فَانْتَهَيْنَا ". وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ " السُّنَّةُ كَذَا " وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَهُ عَلَى مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ». ثم روى بطريق البخاري «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: " أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الحَجِّ طَافَ بِالبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَبِالمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلاً فَيَهْدِي أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا». ثم علق ابن حزم على هذه الرواية «بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الأُمَّةِ كُلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صُدَّ عَنْ البَيْتِ لَمْ يَطُفْ بِهِ، وَلَا بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ بَلْ أَحَلَّ حَيْثُ كَانَ بِالحُدَيْبِيَةِ وَلَا مَزِيدَ. وَهَذَا الذِي ذَكَرَهُ ¬
المرسل
ابْنُ عُمَرَ لَمْ يَقَعْ قَطُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬1). المُرْسَلُ: وهو الذي سبق أن سماه السرخسي بالمنقطع صورة، وهو من النقاط الهامة في الخلاف بين المحدثين وغيرهم. وَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّهُ: «مَا سَقَطَ بَيْنَ أَحَدِ رُوَّاتِهِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقِلٌ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا وَهُوَ المُنْقَطِعُ أَيْضًا» (¬2). وهذا التعريف هو الذي يتجه إليه الأصوليون والفقهاء، حيث لا يفرقون في الراوي المحذوف بين أن يكون واحدًا أو أكثر، وبين أن يكون صحابيًا أو غيره. أما المحدثون فقد خصصوا الإرسال بأن يترك التابعي ذكر الصحابي الذي روى عنه، فإن سقط قبل الصحابي واحد فمنقطع، وإن كان أكثر من واحد سموه مُعضلاً (¬3). والعمل بمرسل الصحابي لا خلاف فيه بين جمهور الآخذين بخبر الواحد، لأن الصحابة كلهم عدول على الرأي الراجح (¬4): فيجب أخذ مراسيلهم وقد سبق أن ذكرنا إرسال أبي هريرة عن الفضل بن عباس وإرسال ابن عباس عن أسامة بن زيد، بل إن معظم روايات ابن عباس من قبيل المرسل ¬
لصغر سنه عند وفاة الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع كثرة روايته (¬1). أما مرسل غير الصحابي فهو الذي فيه الخلاف، وقد بدأ هذا الخلاف بمناوشات خفيفة، ثم تطور إلى صراع عنيف في بداية القرن الثالث، بعد أن أعلن الإمام الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - رأيه في المرسل، وفي الشروط المطلوبة لقبول الحديث. وطبيعي أن يكون القرن الثالث هو الموعد المناسب لاحتدام الخلاف في المرسل، بعد أن قدمنا أن هذا القرن هو الذي تميز فيه مذهب أهل الحديث، وأحكمت فيه أصول صناعتهم. ولا شك أن للشافعي تأثيرًا واضحًا في المحدثين من هذه الناحية، وقد أفصح أبو داود عن هذا التأثير في " رسالته " التي بعث بها إلى أهل مكة، حيث يقول فيها: «وَأما المَرَاسِيل فقد كَانَ يحْتَج بهَا العلمَاء فِيمَا مضى، مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بن أنس وَالأَوْزَاعِي، حَتَّى جَاءَ الشَّافِعِي فَتكلم [فِيهَا] وَتَابعه على ذَلِك أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره ...» (¬2). ويقول ابن جرير مُبَيِّنًا أثر محدثي القرن الثالث في العمل بالمراسيل: «لَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى العَمَلِ بِالمَرَاسِيلِ حَتَّى حَدَثَ بَعْدَ المِائَتَيْنِ القَوْلُ بِرَدِّهَا» (¬3)، ولقد قيل إن رد المراسيل بدعة حدثت بعد القرنين الأول والثاني (¬4). ومعنى ذلك أن العلماء من خلال القرنين الأولين - سواء منهم من اشتغل بالرواية ومن لم يشتغل بها - كانوا يقبلون المرسل ويتبادلون الاحتجاج به، وخاصة مرسل التابعين ولم يكن هذا الصنيع منهم عزوفًا عن التثبت، ورغبة عن الإسناد فإنهم كانوا ينتقون شيوخهم، فإذا اطمأنوا إليهم قبلوا منهم مسندهم ومرسلهم على السواء. ¬
ومع أن التثبت في الحديث والمطالبة بالإسناد بدأت منذ عصر الصحابة بدليل مراجعة بعضهم بعضًا في عدد من الأحاديث، ومع أن هذا التثبت أخذ صورة جادة في عصر التابعين ومن بعدهم، منذ ظهرت فتنة عثمان وما تلاها، كما يقول ابن سيرين: «لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ. فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ، وَيُنظَرُ إِلَى أَهْلِ البِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ» (¬1). مع هذا التثبت في الحديث خلال القرنين الأولين كان الإرسال في أثنائها وبعدها، وإنما كان أثر الفتنة هو البحث والتحري عند الشك والتردد في صحة الحديث، حتى إذا استكملت شروط الرواية وأحكمت قوانين الصناعة التزم بها المحدثون التزامًا دقيقًا، ونقدوا على أساسها ما وصلهم من روايات. وقد أعانهم على ذلك الالتزام وهذا النقد ما جمعوه من أحاديث البلدان المختلفة، وما بذلوه من جهد في جمع طرقها واستقصاء أسانيدها، فظهر لهم من المرسل ما أصله الاتصال، ومن المتصل ما أصله الإرسال، وميزوا المدرج من متن الحديث، وفطنوا إلى ما وقع فيه التدليس، ونبهوا إلى المدلسين. لذلك ذهب جمهور المحدثين، وبخاصة أهل الظاهر، إلى رد المرسل وعدم صلاحيته للاحتجاج به وَعَدُّوهُ في جملة الأحاديث الضعيفة التي فقدت شرطًا من شروط الصحة، وهو اتصال الإسناد، فإن الصحابي الذي روى عنه التابعي مجهول، وإذا كانت الرواية عمن جهلت صفته مردودة، فأولى أن ترد عمن جهلت ذاته وصفته. ومع أنهم يقولون بعدالة الصحابة، فالصحابي المجهول معلومة صفته حينئذٍ، وهي العدالة - نراهم يقولون إن ¬
هناك احتمال كون الصحابي روى عن تابعي، أو يكون التابعي روى مرسله عن تابعي. فإذا اعترض عليهم بأن رواية الصحابي عن تابعي احتمال نادر، وأن رواية التابعي الثقة حديثًا عن تابعي مثله لا تؤثر، إذ التابعي الثقة لا يروي حديثًا إلا أن يكون سمعه من صحابي - فإن الجواب عن ذلك أن الاحتياط هو الأمثل. والحقيقة أن الإجابة عن ذلك تكمن في الالتزام التام للقواعد التي أرساها المحدثون، والتي طبقها بعضهم تطبيقًا حرفيًا، حتى آل الأمر عند الظاهرية منهم إلى نوع من المغالاة والتحكم: وإلى ذلك يشير الدهلوي حيث يقول: «وَلَا يَنْبَغِي لِمُحَدِّثٍ أَنْ يَتَعَمَّقَ بِالقَوَاعِدِ التِي أَحْكَمَهَا أَصْحَابُهُ، وَلَيْسَتْ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ، فَيَرُدُّ بِهِ حَدِيثًا أَوْ قِيَاسًا صَحِيحًا كَرَدِّ مَا فِيهِ أَدْنَى شَائِبَةِ الإِرْسَالِ وَالانْقِطَاعِ كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ، رَدَّ حَدِيثَ تَحْرِيمِ المَعَازِفِ لِشَائِبَةِ الانْقِطَاعِ فِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ، عَلَى أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، فَإِنَّ مَثَلُهُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَكَقَوْلِهِمْ: فُلاَنٌ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ فُلَانٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَيُرَجِّحُونَ حَدِيثَهُ عَلَى حَدِيثِ غَيْرِهِ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي الآخِرِ أَلْفَ وَجْهٍ مِنَ الرُّجْحَانِ» (¬1) وهكذا استقر رأي جمهور المحدثين وأهل الظاهر على عدم قبول المرسل. وفي ذلك يقول مسلم: «[وَالمُرْسَلُ فِي أَصْلِ] قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ العِلْمِ بِالأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ» (¬2). ويقول الترمذي: «وَالحَدِيثُ إِذَا كَانَ مُرْسَلاً، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الحَدِيثِ، قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ»، ثم ذكر الترمذي السبب في رد المرسل، فقال: «وَمَنْ ضَعَّفَ المُرْسَلَ فَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ حَدَّثُوا عَنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِ الثِّقَاتِ، فَإِذَا رَوَى أَحَدُهُمْ حَدِيثًا وَأَرْسَلَهُ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، قَدْ تَكَلَّمَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ فِي مَعْبَدِ الجُهَنِيِّ، ثُمَّ رَوَى ¬
عَنْهُ». ثم نقل مثل صنيع الحسن عن الشعبي، وسفيان بن عيينة. ولم ينس الترمذي أن يشير إشارة موجزة إلى أن بعض أهل العلم يحتج بالمرسل (¬1). ويقول ابن الصلاح: «وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الاحْتِجَاجِ بِالمُرْسَلِ وَالحُكْمِ بِضَعْفِهِ هُوَ المَذْهَبُ الذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ آرَاءُ جَمَاهِيرِ حُفَّاظِ الحَدِيثِ وَنُقَّادِ الأَثَرِ» (¬2). وقد بالغ ابن حزم في رد المرسل، وذكر أنه غير مقبول ولا تقوم به حجة، لأنه عن مجهول، ومن جهل حاله ففرض علينا التوقف في قبول خبره حتى نعلم حاله، وسواء قال الراوي: «حَدَّثَنَا الثِّقَةُ»، أو لم يقل، «إِذْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ ثِقَةٌ مَنْ لَا يَعْلَمُ مِنْ جَرْحَتِهِ مَا يَعْلَمُ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الجَرْحَ أَوْلَى مِنَ التَّعْدِيلِ»، ثم ذكر ابن حزم مِنْ أَسْبَابِ رَدِّ المرسل حصول الكذب في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ووجود منافقين ومرتدين بنص القرآن: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} (¬3)، «وَلِقَاءُ التَّابِعِيِّ لِرَجُلٍ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ شَرَفٌ وَفَخْرٌ عَظِيمٌ فَلِأَيِّ مَعْنَى يُسْكَتُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ حُمِدَتْ صُحْبَتُهُ وَلَا يَخْلُو سُكُوتُهُ عَنْهُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفْ مَنْ هُوَ وَلَا عَرَفَ صِحَّةَ دَعْوَاهُ الصُّحْبَةَ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا» (¬4). وقد استثنى ابن حزم من المرسل ما قد صح الإجماع بما فيه، ونقل جيلاً بعد جيل كنقل القرآن، فاستغنى عن السند، كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»، وكثير من أعلام نبوته ومعجزاته (¬5). ¬
وقد سبق أن ذكرنا أن جمهور المحدثين في القرن الثالث قد رَدَّ المرسل، أما القليل منهم فذهب إلى أنه صالح للاستدلال، وأخروا رتبته عن المسند، ومن هؤلاء أبو داود السجستاني حيث قال في " رسالته إلى أهل مكة " - والتي سبق أن نقلنا طرفًا منها - موضحًا منهجه في " سننه ": «فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْنَدٌ غَيْرِ المَرَاسِيلِ، وَلَمْ يُوجَدْ المُسْنَدُ فَالمُرْسَلُ يُحْتَجُّ بِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ المُتَّصِلِ فِي القُوَّةِ». وقد نقلنا عن أبي داود أيضًا أن ابن حنبل قد تابع الشافعي في الكلام في المراسيل. وقد رُوِيَ عن أحمد في المرسل قولان: أحدهما يضعه مع أبي حنيفة ومالك وغيرهما ممن قبلوا المرسل، والآخر يجعله متأثرًا بالشافعي في المنع منه. والقول الثاني أقرب لمسلك الإمام أحمد ومكانته في صناعة الحديث، وإن كان هذا لا يمنعه من العمل به، فالمرسل من حيث الصناعة حديث ضعيف، ولهذا أخره أحمد عن فتوى الصحابي، وهو لا يقدمها على حديث صحيح (¬1)، ولكنه من حيث المعنى، يدخل في نطاق الأثر، فإنه إن لم يكن حديثًا فلن يخرج عن أن يكون قولاً لصحابي أو تابعي، والعمل بالأثر بمفهومه الواسع، خير من العمل بالرأي. ولما سبق أن ذكرناه من تأثر المحدثين بالشافعي في موقفهم تجاه المرسل، حتى إن حججهم في رده لا تخرج عن الحجج التي ساقها الشافعي، توجز رأي الشافعي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في المرسل، ولعله أول من نظم الكلام في شرائط الرواية، وكما كانت له اليد الطولى على علم أصول الفقه كان له مثلها على علم أصول الحديث. ¬
وقد بَيَّنَّا من قبل أن المرسل في عرف الفقهاء والأصوليين وبعض المحدثين يطلق على مرسل التابعي ومرسل غيره مما يسمى في عرف المحدثين بالمنقطع. والشافعي يرفض مرسل غير التابعي رفضًا تامًا، وكذلك مرسل صغار التابعين الذين تكثر مشاهدتهم للصحابة، لما حدث من توسع في الرواية حتى روى بعضهم عن الضعفاء، كما قد يروي بعض العلماء عن ضعيف يعلمه إذا وافق قولاً يقوله: «وَمَنْ نَظَرَ فِي العِلْمِ بِخِبْرَةٍ وَقِلَّةِ غَفْلَةٍ، اسْتَوْحَشَ مِنْ مُرْسَلِ كُلِّ مَنْ دُونَ كِبَارِ التَّابِعِينَ» (¬1). أما مرسل كبار التابعين فلا ينهض بمفرده أن يكون حجة، ولكن يمكن قبوله إذا انضم إليه واحد من أربعة، بعضها أقوى من بعض في الدلالة، وها هي ذي مرتبة ترتيبًا تنازليًا: 1 - أن يوافقه مسند صحيح في معناه. 2 - أن يوافقه مرسل آخر في معناه، روي من غير طريق الأول. 3 - أن يوافقه قول لأحد الصحابة. 4 - أن يفتي بمثل معنى المرسل جماعات من أهل العلم. ولا يقتصر الشافعي على ذلك، بل يضيف إليه أن يكون هذا التابعي الكبير معروفًا بالضبط والحيطة، وألا يكون في شيوخه، الذين يصرح بهم في رواياته المتصلة - أحد مرغوب عنه ولا مجهول. وفي ذلك يقول: «ثُمَّ يُعْتَبَرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ إِذَا سَمَّى مَنْ رَوَى عَنْهُ لَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا وَلَا مَرْغُوبًا عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ فِيمَا رَوَى عَنْهُ، وَيَكُونُ إِذَا شَرِكَ أَحَدًا مِنَ الحُفَّاظِ فِي حَدِيثٍ لَمْ يُخَالِفْهُ، فَإِنْ خَالَفَهُ وُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ: كَانَتْ فِي هَذِهِ دَلَائِلُ عَلَى صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ. وَمَتَى خَالَفَ مَا وَصَفْتُ أَضَرَّ ¬
بِحَدِيثِهِ، حَتَّى لَا يَسَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ قَبُولَ [مُرْسَلِهِ]» (¬1). هذه هي الشروط التي قيد بها الشافعي قبول المرسل، وهذا المرسل المقبول بكل ما عضده أضعف المسند، لأن فيه من الاحتمال ما ليس في المسند: «وَإِذَا وُجِدَتْ الدَّلَائِلُ بِصِحَّةِ حَدِيثِهِ بِمَا وَصَفْتُ، أَحْبَبْنَا أَنْ نَقْبَلَ مُرْسَلَهُ. وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَزْعَمَ أَنَّ الحُجَّةَ تَثْبُتُ بِهِ ثُبُوتَهَا بِالمُتَّصِل، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى المُنْقَطِعِ مُغَيَّبٌ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حُمِلَ عَنْ مَنْ يُرْغَبُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ إِذَا سُمِّيَ وَإِنَّ بَعْضَ المُنْقَطِعَاتِ - وَإِنْ وَافَقَهُ مُرْسَلٌ مِثْلَهُ - فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَخْرَجُهَا وَاحِدًا، مِنْ حَيْثُ لَوْ سُمِّيَ لَمْ يُقْبَلْ» (¬2). أما موقف الأصوليين بعد الشافعي، فالأحناف منهم ينقلون الاتفاق بين علمائهم على قبول مراسيل القرون الثلاثة الأولى: (الصحابة والتابعين وتابعيهم)، فأما مراسيل من بعد هذه القرون الثلاثة، فَقَدْ كَانَ أَبُو الحَسَنِ الكَرْخِيِّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مَرَاسِيلِ أَهْلِ الأَعْصَارِ (*)، وكان يقول (**): «مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُسْنَدًا، تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُرْسَلاً»، واختاره الآمدي من الشافعين حيث يقول: «وَالمُخْتَارُ قَبُولُ مَرَاسِيلِ العَدْلِ مُطْلَقًا» (¬3). «وَذَهَبَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إِلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ مَنْ اِشْتَهَرَ فِي النَّاسِ بِحَمْلِ الْعَلْمِ مِنْهُ، كَمُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ مَثُلاً، وَمَنْ اشْتَهَرَ بِالرِّوَايةِ دُونَ العِلْمِ فَإِنَّ مُسْنَدَهُ يَكُونُ حُجَّةً، وَمُرْسَلَهُ يَكُونُ مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَعْرِضَ عَلَى مَنْ اشْتَهَرَ بِحَمْلِ الْعِلْمِ عَنْهُ. وَذَهَبُ أَبُو بَكَرَ الرَّازِيِ الْجَصَّاصُ إِلَى أَنَّ مُرْسَلَ مَنْ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ حُجَّةٌ، مَا لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ الرِّوايَةَ عَمَّنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ ثِقَةٍ، وَمُرْسَلُ مَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ لَا يَكُونُ حُجَّةٌ إِلّا مَنْ اشْتَهَرَ بِأَنَّهُ لَا يَرْوِي إِلّا عَمَّنْ هُوَ عَدْلٌ ثِقَةٌ»، ¬
واختاره السرخسي (¬1). وَذَهَبَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِينَ - وَمِنْهُمْ ابْنُ الحَاجِبِ المَالِكِيُّ، وَكَمَالُ الدِّينِ بْنُ الهُمَامِ الحَنَفِيِّ - إِلَى أَنَّ المُرْسَلَ يُقْبَلُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ فِي أَيِّ قَرْنٍ، وَيُتَوَقَّفُ فِي المُرْسَلِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ " مُسَلَّمِ الثُّبُوتِ " (¬2). أما معظم الأصوليين من الشافعية، فقد تبنوا فكرة الشافعي في المرسل ودافعوا عنها. وأدلة الذين قبلوا المرسل تتلخص فيما يأتي: [أ] أن الصحابة قد أرسلوا كثيرًا من الأحاديث، وقد اتفق على قبول مراسيلهم، وهذا حجة في قبول أصل المرسل. [ب] أن رواية العدل عن الأصل المسكوت عنه تعديل له، لأنه لو روى عمن ليس بعدل ولم يبين حاله، لكان ملبسًا وغاشًا، وذلك ينافي عدالته، بل بالغ بعضهم فجعل المرسل لذلك أقوى من المسند، لأنه إذا أسنده فقد وكل أمره إلى الناظر فيه ولم يلتزم صحته، بخلاف ما إذا أرسله، لأنه لا ينسب حديثًا إلى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا إذا غلب على ظنه صدق من روى عنه. ولهذا قال إبراهيم النخعي للأعمش عندما قال له: «إِذَا حَدَّثْتَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَأَسْنِدْ»، فرد عليه إبراهيم بقوله: «إِذَا قُلْتُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَإِذَا قُلْتُ حَدَّثَنِي فُلانٌ فَحَدَّثَنِي فُلانٌ» و «كَانَ الحَسَنُ إِذَا اجْتَمَعَ لَهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الحَدِيثِ أَرْسَلَهُ إِرْسَالاً» (¬3). ¬
أقوال الصحابة والتابعين
أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: في بداية حديثنا عن الأثر بينا أنه يشمل السنة، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين، وبعد أن استعرضنا موقف المحدثين ومنهجهم بالنسبة إلى الحديث، ننتقل الآن لنبين موقفهم من فتاوى الصحابة والتابعين. وقد بَيَّنَّا أيضًا في فصل سابق أهمية عصر الصحابة، ووجوب دراسة فقههم واتجاههم، لتأثيرهم العميق فيمن أتى بعدهم من العلماء. ولهذا قال مالك: «" لَا تَجُوزُ الفُتْيَا إِلَّا لِمَنْ عَلِمَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ "، قِيلَ لَهُ: اخْتِلَافُ أَهْلِ الرَّأْيِ؟ فَقَالَ: " لَا، اخْتِلَافُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " ...» (¬1). وقد اتجه المحدثون إلى الأخذ بأقوال الصحابة إذا اتفقوا، وإلى التخير من أقوالهم وعدم الخروج عليها إذا اختلفوا، واعتبروا أقوالهم حينئذٍ حجة تقدم على القياس. وكان لهم في ذلك سلف من التابعين: فقد روى الأوزاعي عن سعيد بن المسيب، أنه سئل عن شيء، فقال: «اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلاَ أَرَى لِي مَعَهُمْ قَوْلاً (*)». قال ابن وضاح - هو محمد بن وضاح، من رواة هذا الخبر -: «هَذَا هُوَ الحَقُّ». قال أبو عمر بن عبد البر: «مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِقَوْلٍ يُخَالِفُهُمْ [جَمِيعًا] بِهِ» (¬2). وروى ابن حزم بسنده «عَنْ صَالِحٍ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: " قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: رَجُلٌ ¬
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً فَجَاءَ آخَرُ فَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا؟ "، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: " يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الأُولَى، وَتَأْتَنِفُ مِنْ هَذِهِ عِدَّةً جَدِيدَةً، وَيُجْعَلُ صَدَاقُهَا فِي بَيْتِ المَالِ، وَلاَ يَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا وَيَصِيرُ الأَوَّلُ خَاطِبًا ". وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الأُولَى، وَتَسْتَقْبِلُ مِنْ هَذَا عِدَّةً جَدِيدَةً وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَيَصِيرُ كِلاَهُمَا خَاطِبَيْنِ - قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِقَوْلِ هَذَيْنِ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ بِرَأْيٍ فَبُلْ عَلَيْهِ "» (¬1). وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ المُتْعَةِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ , فَقَالَ: «كَرِهَهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - , فَإِنْ يَكُنْ عِلْمًا فَهُمَا أَعْلَمُ مِنِّي، وَإِنْ يَكُنْ رَأْيًا فَرَأْيُهُمَا أَفْضَلُ» (¬2). وقد كان أحمد بن حنبل يقدر الصحابة ويجلهم، ويتتبع خطاهم ويتأسى بهم. رَوَى عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالبُرُّ أَفْضَلُ مِنْ التَّمْرِ "» قَالَ: إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا، وَأَنَا أُحِبُّ أَنَّ أَسْلُكَهُ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: «وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ جَمَاعَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُخْرِجُونَ التَّمْرَ فَأَحَبَّ ابْنُ عُمَرَ مُوَافَقَتَهُمْ، وَسُلُوكَ طَرِيقَتِهِمْ، وَأَحَبَّ أَحْمَدُ، أَيْضًا الاقْتِدَاءَ بِهِمْ وَاتِّبَاعَهُمْ» (¬3) (*)، فكان أحب إليه أن يخرج التمر في زكاة الفطر. وقد ذكرنا فيما مضى أن ورع ابن عمر دفعه إلى التشدد حتى «إِنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ المَاءَ فِي عَيْنَيْهِ فِي الوُضُوءِ» (**)، وقد ذكر بعض الحنابلة لذلك أن إدخال ¬
الماء في العينين من سنن الوضوء، وذهب بعضهم إلى استحباب ذلك في الغسل خاصة، لأن أحمد «نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ»، ولأن غسل الجنابة أبلغ (¬1). وقد جعل أحمد أقوال الصحابة من الأصول التي اعتمد عليها في استنباط فقهه، وتأتي مرتبتها بعد النصوص (القرآن والسنة الصحيحة) وقبل العمل بالحديث الضعيف والقياس، وقسم ابن القيم هذه الأقوال إلى قسمين: أولهما أقوى من ثانيهما: فالأول فتوى الصحابي التي لا يعرف لها مخالف والتي يسميها البعض بالإجماع السكوتي. والثاني إذا اختلف الصحابة في مسألة، فإن أحمد يتخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف ولم يجزم بقول (¬2). وذكر ابن عبد البر أن أحمد بن حنبل لم يكن يستجيز النظر في اختلاف الصحابة بقصد الترجيح بينها: فقد روى أن محمد بن عبد الرحمن الصيرفي قال لأحمد: «إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْأَلَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي أَقْوَالِهِمْ لِنَعْلَمَ مَعَ مَنِ الصَّوَابُ مِنْهُمْ فَنَتَّبِعَهُ؟». فَقَالَ لِي: «لَا يَجُوزُ النَّظَرُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَقُلْتُ: «فَكَيْفَ الوَجْهُ فِي ذَلِكَ؟». قَالَ: «تُقَلِّدْ أَيَّهُمْ أَحْبَبْتَ» (¬3). وفي بيان تأثر ابن حنبل بالصحابة وتأسيه بهم يؤكد ابن القيم أن من تأمل فتاواه وفتاوى الصحابة رأى مطابقة كل منهما على الآخر، ورأى الجميع كأنه تخرج من مشكاة واحدة، حتى إن الصحابة إذا اختلفوا على ¬
قولين، جاء عنه في المسألة روايتان، وحتى إنه ليقدم فتاواهم على الحديث المرسل: «قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ فِي " مَسَائِلِهِ ": " قُلْت لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ بِرِجَالٍ ثَبَتَ أَحَبُّ إلَيْك أَوْ حَدِيثٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مُتَّصِلٌ بِرِجَالٍ ثَبَتَ؟ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " عَنْ الصَّحَابَةِ أَعْجَبُ إلَيَّ "» (¬1). ومما جاء من الفروع موضحًا هذا الاتجاه عند أحمد: «أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا غَصَبَ عَيْنًا فَنَقَصَتْ هَذِهِ العَيْنُ فِي يَدِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ النَّقْصِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الأَعْيَانِ». ولكن روي عن أحمد بن حنبل «أَنَّ الدَّابَّةَ بِالذَّاتِ إِذَا أُصِيبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهَا فَإِنَّهَا تُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا العُمُومِ، وَتَضْمَنُ حِينَئِذٍ بِرُبْعِ قِيمَةِ الدِّيَّةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ». أما إذا فقئت عيناها، فقد قال أحمد: «مَا سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا». وقد «رَأَى أَحْمَدُ أَنَّ البَعِيرَ وَالبَقَرَةَ وَالشَّاةَ غَيْرَ الدَّابَةِ، وَيُنْتَفَعُ بِلَحْمِهَا فَيُعَوَّضُ فِيهَا قِيمَةُ النَّقْصِ»، «وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَوْجَبَ مِقْدَارًا فِي العَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الدَّابَّةِ، وَهِيَ الفَرَسُ وَالبَغْلُ وَالحِمَارُ خَاصَّةً لِلأَثَرِ الوَارِدِ فِيهِ، وَمَا عَدَا هَذَا يُرْجَعُ إلَى القِيَاسِ» (¬2). فإذا لم يكن في المسألة من قرآن أو سنة، ولم يؤثر فيها قول لأحد من الصحابة - تخير ابن حنبل من أقوال التابعين: «قَالَ الأَثْرَمُ: " سَمِعْتُ ¬
أَبَا عَبْدِ اللَهِ يَقُولُ: إِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَةِ عَن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ لم نَأْخُذ فِيهَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا بِقَوْلِ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَةِ عَن أَصْحَابِ رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلٌ مُخْتَلَفٌ نَتَخَيَّرُ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ وَلَا نَأْخُذُ بِقَوْلِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَدِيثٌ وَلَا قَوْلٌ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ نَتَخَيَّرُ مِنْ أَقْوَالِ التَّابِعِينَ، وَرُبَّمَا كَانَ الحَدِيثُ عَنْ النَّبِي - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي إِسْنَادِهِ شَيْءٌ فَنَأْخُذُ بِهِ إِذَا لَمْ يَجِيءَ خِلاَفُهُ. قَالَ: وَرُبَّمَا أَخَذْنَا بِالحَدِيثِ المُرْسَلِ إِذَا لَمْ يَجِيءَ خِلاَفُهُ» (¬1). وقد فرق أحمد بين التقليد والاتباع، وجعل أقوال الصحابة والتابعين من الاتباع. فقد روى أبو داود أنه سمع أحمد يقول: «الاتِّبَاعُ أَنْ يَتْبَعَ الرَّجُلُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ هُوَ مِنْ بَعْدُ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ» (¬2). والتخيير هنا معناه رفع اللوم عمن لا يقول بقول التابعين، وإن قال بقولهم فهو متبع لا مقلد. وقد ذكر الأستاذ الشيخ أبو زهرة في كتابه عن " ابن حنبل " «أَنَّ هُنَاكَ رِوَايَتَيْنِ فِي أَخْذِهِ بِفَتَاوَى التَّابِعِينَ، وَإِنَّ مَنْ يَقُولُونَ بِالأَخْذِ بِهَا مِنَ الحَنَابِلَةِ يَخْتَلِفُونَ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى القِيَاسِ أَوْ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ، ثُمَّ رَجَّحَ أَنَّ أَحْمَدَ كَانَ يَأْخُذُ بِهَا لِمَا اشْتَهَرَ عَنْهُ مِنَ التَّوَرُّعِ عَنْ الرَّأْيِ، وَالرَّغْبَةِ فِي الحِيطَةِ» (¬3). وقد رأينا البخاري يكثر من ذكر آراء الصحابة والتابعين يدعم بها ¬
رأيه، وبخاصة في مواضع الاختلاف، ويكاد يعتمد عليها وحدها في أبواب التفسير. فقد روي عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «البِئْرُ جُبَارٌ، وَالعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمْسُ». وقد اختلف في تفسير الركاز: هل هو دفن الجاهلية خاصة، أم هو ما احتوته الأرض من كنوز الثروة الطبيعية، أو الصناعية التي خبأها الإنسان؟. وقد ترتب على ذلك خلاف في العنبر الذي يستخرج من البحر، هل فيه الخمس أم لا؟ وقد ذهب البخاري إلى أن العنبر ليس بركاز، فلا شيء فيه، وكذلك كل ما يستخرج من البحر، وارتضى ما روي عن ابن عباس في ذلك، ورد على الحسن الذي قال: «إِنَّ فِيهِ الخُمُسُ»: يقول البخاري: (بَابُ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ البَحْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «لَيْسَ العَنْبَرُ بِرِكَازٍ هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ البَحْرُ». وَقَالَ الحَسَنُ: «فِي العَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ: الخُمُسُ» فَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي الرِّكَازِ الخُمُسَ» لَيْسَ فِي الذِي يُصَابُ فِي المَاءِ). ثم استدل بما روي عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَخَرَجَ المَدِينُ يَبْحَثُ عَنْ مَرْكَبٍ فِي البَحْرِ لِيَصِلَ إِلَى الدَّائِنِ فَيُوفِيَهُ دَيْنَهُ فَلَمْ يَجِدْ، فَأَخَذَ خَشَبَةً، فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ، ثُمَّ رَمَى بِهَا فِي البَحْرِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا» (¬1). ¬
ويقول البخاري: (بَابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: «مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلاَّ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا»، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: «أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ». وَيُذْكَرُ عَنِ الحَسَنِ: «مَا خَافَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ») (¬1). ويقول: (بَابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، «فَلَمْ يَتَوَضَّئُوا») (¬2) بل إنه أحيانًا يعقد الباب لا يذكر فيه حديثًا واحدًا مرفوعًا، بل يقتصر على الترجمة التي يذكر فيها رأيه، ويدعمه بأقوال الصحابة والتابعين، ومن ذلك قوله في كتاب الطلاق: (بَابُ لَا طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا، فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً} [الأحزاب: 49] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ». وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، وَشُرَيْحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَطَاوُوسٍ، وَالحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ (*)، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، وَالشَّعْبِيِّ: أَنَّهَا لاَ تَطْلُقُ) (¬3). هذا هو كل ما ذكره في هذا الباب، وهو لا يعدو أن يكون رأيًا لهذا الجمع من السلف الصالح. بل قد رأينا البخاري يعطي قول الصحابي حكم الحديث ¬
المرفوع فيستدل به فيما يعقده من الأبواب. ومن أمثلة ذلك ما جاء في الباب الذي ترجمه بقوله: (بَابُ مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ. وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا»، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا كَأَنَّهُ لاَ يُوجِبُهُ عَلَيْهِ». وَقَالَ سَلْمَانُ: «مَا لِهَذَا غَدَوْنَا» وَقَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا ...». وقد روى البخاري في هذا الباب «أَنَّ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ، فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتْ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ، فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ، فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» وَزَادَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلاَّ أَنْ نَشَاءَ» (¬1). ونلاحظ أن هذا الحديث ليس فيه إضافة إلى قول للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو إلى عمل له، وإنما فيه قول عمر فقط، إلا أن يقال إنه ذكر ذلك بمحضر الصحابة، ولم ينكر عليه أحد، فصار إجماعًا، والإجماع لا يكون إلا عن توقيف عند من يرى ذلك. إلى غير ذلك من الأمثلة العديدة التي حفل بها " صحيح البخاري " (¬2). ولم يأخذ الظاهرية بأقوال الصحابة والتابعين، ونعى ابن حزم على من يأخذ بأقوال الصحابة فيما لا مدخل للرأي فيه، مرجحًا أنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف، وقد أبطل ابن حزم ذلك، مبينًا أن أقوال الصحابة فيها الصواب والخطأ (¬3). ¬
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: «الوِتْرُ كَصَلاَةِ المَغْرِبِ». وعلق ابن حزم على ذلك بقوله: «قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ نَقُولُ بِهِ، إِذْ لَا حُجَّةَ إلاَّ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ أَوْ عَمَلُهُ أَوْ إقْرَارُهُ فَقَطْ» (¬1). وحتى في التقديرات التي يقدرها الصحابة، والتي رأى بعض العلماء وجوب اتباع الصحابة فيها، لأنها لا تقال بالرأي، لم ير ابن حزم أنها حجة، ولم يجد فيها ما يمنعه من الاجتهاد ومخالفة أقوال الصحابة، يتضح ذلك في كفارة اليمين، فقد ذهب ابن حزم إلى أن من أراد التكفير بالإطعام فلا يجزئه إلا إطعام عشرة مساكين، أما المقدار فهو مثل ما يطعم الإنسان أهله: إن كان دقيقًا، فليعط المساكين دقيقًا، أو حَبًّا أو خبزًا كذلك، يعطي من الصفة والكيل الوسط، لا الأعلى ولا الأدنى. ثم ذكر ما جاء من الاختلاف في ذلك: «فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي كَفَّارَةِ اليَمِينِ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ [حِنْطَةٍ]، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ. وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. [وَرُوِّينَا] عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُهُ. وَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعُ تَمْرٍ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ ...» الخ الآراء التي ذكرها، ثم عقب عليها بقوله: «هَذِهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ لاَ حُجَّةَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ سُنَّةٍ» (¬2). أما موقف (¬3) باقي المذاهب في الأخذ بأقوال الصحابة والتابعين، فنجملها فيما يلي: إذا قال الصحابي قولاً، ولم يعلم له مخالف: فإن كان هذا القول مشهورًا في عصر الصحابة، فالذي عليه جماهير الفقهاء أنه إجماع ¬
وحجة، وقالت طائفة منهم: هو حجة وليس بإجماع. وقالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين: لا يكون إجماعًا ولا حجة. وإن لم يشتهر قول الصحابي فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة: هذا هو قول أبي حنيفة وجمهور الحنفية (¬1)، وهو مذهب مالك وأصحابه، وتصرفه في " موطئه " يدل عليه (¬2). وهو قول إسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، وهو منصوص أحمد في غير موضع عنه، واختيار جمهور أصحابه. وهو منصوص الشافعي في القديم والحديث: أما القديم فأصحابه مقرون به، وأما الجديد فكثير منهم يحكي عنه أنه ليس بحجة، وفي هذه الحكاية نظر ظاهر جدًا (¬3). وقد ذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، ¬
الموضوعية بين المحدثين وغيرهم
وأكثر المتكلمين إلى أنه ليس بحجة، لأن الصحابي مجتهد غير معصوم فلا يجب تقليده (¬1). وإذا قال الصحابي قولاً لم يخالف فيه، فإنه يقدم على القياس عند الآخذين به لأنه ملحق بالنصوص، فيأتي بعد الكتاب والسنة، ويترك القياس لأجله. وذهب بعض العلماء إلى أنه حجة فيما خالف القياس لا فيما وافقه، لأن مخالفته القياس دليل على أن قوله عن توقيف لا عن رأي. أما إذا اختلف الصحابة فإنه يرجح بين أقوالهم، ولا يخرج عنها. وَقَدْ أَطَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي دَعْمِ حُجِّيَّةِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَسَاقَ فِي ذَلِكَ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ وَجْهًا (¬2). المَوْضُوعِيَّةُ بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ: في نهاية بحثنا مسائل الاتجاه إلى الآثار، التي رأينا أن التعرض لها مما يعين على تعرف منهج المحدثين، ويوضح الفروق بينهم وبين غيرهم في الأخذ بالسنة وآثار السلف، نقف وقفة قصيرة تجمع فيها شتات ما قيل في ذلك، ولنلقي عليه نظرة فاحصة، محاولين تقويم عمل هؤلاء وهؤلاء، قبل أن ننتقل إلى النتائج التي أسفر عنها هذا الاتجاه. وقد رأينا أن مظهر الخلاف بين المحدثين وغيرهم - وبخاصة الأحناف ¬
والمالكية - ينحصر في أخبار الآحاد، فإنهم بعد الاتفاق على وجوب الأخذ بها تميز المحدثون - ومن ذهب مذهبهم - عن غيرهم في أمرين: - أولهما: ميلهم إلى أن أخبار الآحاد مفيدة للعلم، وخالفهم الجمهور في أنها لا تفيد إلا الظن. - ثانيهما: ميلهم إلى الاهتمام بالإسناد، حتى إن شروطهم في صحة الحديث تكاد تكون مقصورة عليه، وَلَا يَرُدُّونَ مَتْنًا سَلِمَ إِسْنَادُهُ، إلا إذا خالف القرآن والسنة المتواترة مخالفة صريحة لا مجال فيها للتأويل (¬1). فمتى تحققت صحة الإسناد بتوافر شروطه، اعتبر الحديث صحيحًا، وأصبح نصه حينئذٍ مساويًا لنص الكتاب، فيفيد الحديث مع الآية، ما تفيده الآية مع الآية، من نسخ حكم، أو بسط مجمل، أو تقييد مطلق، أو تخصيص عام. أما المذاهب الأخرى فتوافق المحدثين في بعض الشروط، وتخالفها في بعضها الآخر، ويستحدث بعضها بعضًا لنفسه شروطًا زائدة. فالعدالة والضبط وما يتفرع عنهما: من الإسلام، وحسن الخلق، والصدق، والحفظ، وعدم الغفلة والوهم، كل أولئك شروط متفق على أصلها، وإن اختلف في مقدارها وتطبيقها. ¬
ولكن اتصال السند شرط للمحدثين خالفهم فيه غيرهم، مما ترتب عليه رد المرسل وقبوله عند الآخرين على التفصيل الذي بيناه آنِفًا. ولكن الأحناف والمالكية اشترطوا للخبر شروطًا أخرى، فلم يقبلوه بإطلاق إذا عارض الكتاب أو قيد مطلقه، وكذلك إذا كان مما تعم به البلوى، أو أفتى الصحابي بخلاف روايته، أو كان مخالفًا لما عليه عمل أهل المدينة، وردوا بذلك أحاديث صحت أسانيدها. ويلفت النظر أن الأحناف والمالكية الذين نقدوا متن الحديث بناء على أسسهم السابقة، قد أخذوا بالمرسل الذي لم يستوف شرط الإسناد، وكأنهم يضعون في المقام الأول المعاني التي تتضمنها الأحاديث، ثم يأتي السند بعد ذلك في مرتبة ثانية على عكس رجال الحديث. ولكن إذا كان أخذ هؤلاء بالمرسل حذرًا من ترك شيء من السنن، وحسن ظن بمن أرسل، فإن هذا السبب نفسه متحقق فيما تركوه. ولئن كانت الحيطة في الدين، والخوف من أن يدخل في السنة ما ليس منها هو الذي دفعهم إلى ترك ما تركوه، فإن هذا بعينه متحقق في المرسل. إن النظرة السريعة للمنهجين السابقين، قد تصم منهج المحدثين السطحية وعدم الاهتمام بنقد متن الحديث، وإغفالهم للاحتمالات الممكنة التي قد تلحق خبر الآحاد. ولكن الإنصاف يقتضي أن نقرر أن المحدثين في اهتمامهم بالسند قد قللوا من احتمالات السهو والخطأ، وكان لاهتمامهم [بالطرق] المختلفة ما أعانه على كشف المدرج في الحديث من الأصل، وعلى تمييز الموقوف من المرفوع، وألفوا في المدلسين وغيرهم، ووصلت بهم الدقة إلى أن يعرفوا هل استمر حفظ الحافظ أو تغير، وإذا تغير فمتى؟ وَمَنْ مِنَ الرواة روى
عنه قبل التغير، ومن منهم روى عنه بعدما تغير، إلى غير ذلك من الأصول المحكمة التي تجعل الاحتمالات التي يمكن أن تلحق بالأخبار بعد ذلك احتمالات نادرة، لا يلتفت إليها. إن اتجاه المحدثين في الشروط يمثل النظرة الموضوعية، ويضع القاعدة المطردة، التي لا تتأثر كثيرًا بذاتية الباحث، فكلما تحققت الشروط، تحققت صحة الحديث، فوجب العمل به، وكلما فقد شرط تأثرت صحة الحديث، فلا يلزم قبوله. وشروطهم شروط موضوعية، تلتزم الظاهر، وتترك الاحتمالات الناشئة لا عن دليل، أو كما يقول الغزالي: «لَسْنَا نَعْنِي بِالقَبُولِ التَّصْدِيقَ وَلاَ بِالرَّدِّ التَّكْذِيبَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا قَبُولُ قَوْلِ العَدْلِ، وَرُبَّمَا كَانَ كَاذِبًا أَوْ غَالِطًا، وَلاَ يَجُوزُ قَبُولُ قَوْلِ الفَاسِقِ وَرُبَّمَا كَانَ صَادِقًا. بَلْ نَعْنِي بِالمَقْبُولِ مَا يَجِبُ العَمَلُ بِهِ، وَبِالمَرْدُودِ مَا لَا تَكْلِيفَ عَلَيْنَا فِي العَمَلِ بِهِ» (¬1). ولكن هذه الموضوعية عند المحدثين تحولت عند بعضهم إلى نوع من التزمت الصارم، والحرفية في التطبيق، والالتزام العبودي للقواعد التي صنعوها، فلم يفتحوا عيونهم على الآفاق الرحيبة للتشريع الإسلامي، وقد نقلنا فيما سبق قول الدهلوي: «وَلَا يَنْبَغِي لِمُحَدِّثٍ أَنْ يَتَعَمَّقَ بِالقَوَاعِدِ التِي أَحْكَمَهَا أَصْحَابُهُ، وَلَيْسَتْ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ، فَيَرُدُّ بِهِ حَدِيثًا أَوْ قِيَاسًا صَحِيحًا ...». أما من تكلم في الأصول من الأحناف والمالكية، فإن كثيرًا منهم لم ينظروا إلى شروطهم في الحديث نظرة موضوعية مجردة، بل نظروا إليها نظرة ذاتية مقيدة بمذاهب أئمتهم واتجاهاتهم، بمعنى أن أئمتهم كانت لهم آراء ¬
لم يفصحوا في كثير منها عن مستندهم فيها، فجاء هؤلاء وألبسوها أصولاً تناسبها، فكان فيها من التناقض ما أتاح لخصومهم أن يشهروا بهم، ويشنعوا عليهم، لأنهم في الحقيقة لم يقروا أصولاً تخضع لها الفروع، بل أخضعوا الأصول لما أثر عن أئمتهم من الفروع، ناسين أن الأئمة كانوا مجتهدين، والذاتية في المجتهد أمر لا مفر منه على الرغم من الأصول العامة التي لا يحق له أن يتعداها، إلا أنها تمنحه حرية الحركة في إطارها، فما لم يعلن المجتهد بنفسه عن خطته في قبول الحديث فإن وضع منهج له من خلال تصرفه يكون أمرًا ظنيًا يدخله الكثير من الاحتمالات، لأن سلوك اثنين الطريق واحد، ليس دليلاً على وحدة الدوافع ولا وحدة الأهداف، وكذلك اتفاقهما على صحة الحديث لا يستلزم اتفاقهما في أسباب الصحة ولا في وجوب العمل به. ولهذا كان لزامًا على من يتكلم في أسس نقد الحديث أن يتصل به اتصالاً مباشرًا مجردًا عن النتائج التي تسبق مقدماتها، والأحكام التي يبحث لها عن مسوغات.
الفصل الثالث: نتائج الاتجاه إلى الآثار
الفَصْلُ الثَّالِثُ (*): نَتَائِجُ الاِتِّجَاهِ إِلَى الآثَارِ: أسفر هذا الاتجاه عن نتائج، نسجل أهمها فيما يأتي: [أ] التَّوَقُّفُ فِيمَا لَا أَثَرَ فِيهِ: رأينا فيما سبق أن غير المحدثين شاركوا المحدثين في الأخذ بالآثار، ولكن اتجاه المحدثين إلى الآثار كان يعني قصر الحجة عليها، وعدم اعتبار الرأي، ولهذا توسعوا في الأخذ بها. وهذا الاتجاه يقتضي التوقف في المسائل التي لا أثر فيها، والإحالة إلى من جرؤ على الفتيا من معاصريهم أو ممن سبقهم. ولهذا كثر في إجابتهم «لَا أَدْرِي»، أو «لَا أَعْلَمُ»، يتواصون بها وينقلونها عن السلف، فعن أبي الدرداء (**) قال: «قَوْلُ الرَّجُلِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ: لاَ أَعْلَمُ نِصْفُ العِلْمِ» (¬1) وعن ابن عباس: «إِذَا أَخْطَأَ العَالِمُ لَا أَدْرِي - أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ» (¬2)، وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: «لَا أَدْرِي» فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ: " نِعِمَّا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، سُئِلَ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ: «لَا عِلْمَ لِي بِهِ» (¬3). وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: «هِيَ زَبَّاءُ هَلْبَاءُ ذَاتُ وَبَرٍ وَلاَ أُحْسِنُهَا وَلَوْ أُلْقِيَتْ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَعْضَلَتْ بِهِ، وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي العُنُوقِ (...) وَلَسْنَا فِي النُّوقِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: قَدِ اسْتَحْيَيْنَا مِنْكَ مِمَّا رَأَيْنَا مِنْكَ، فَقَالَ: لَكِنَّ المَلاَئِكَةَ المُقَرَّبِينَ لَمْ تَسْتَحِ حِينَ قَالَتْ: ¬
{لَا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]» (¬1). وسئل سالم بن عبد الله بن عمر عن شيء فقال: «لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا بِشَيْءٍ» فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: إِنِّي أَرْضَى بِرَأْيِكَ , فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: «لَعَلِّي [أَنْ] أُخْبِرُكَ بِرَأْيِي ثُمَّ تَذْهَبُ، [فَأَرَى بَعْدَكَ] رَأْيًا غَيْرَهُ [فَلاَ أَجِدُكَ]» (¬2). وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ، إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، قَالَ: «لَيْسَ عِنْدِي فِيهِ إِلاَّ رَأْيٌ أَتَّهِمُهُ» فَيُقَالُ لَهُ: قُلْ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِرَأْيِكَ فَيَقُولُ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ رَأْيِي يَثْبُتُ لَقُلْتُ فِيهِ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ أَرَى اليَوْمَ رَأْيًا وَأَرَى غَدًا غَيْرَهُ، فَأَحْتَاجُ أَنْ أَتْبَعَ النَّاسَ فِي دُورِهِمْ» (¬3). وهذا الموقف نفسه يُرْوَى عن ابن شهاب الزهري، فقد سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ: «مَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا وَمَا نَزَلَ بِنَا»، فقال السائل: إنه قد نزل لبعض إخوانك. قال: «مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ وَمَا نَزَلَ بِنَا، وَمَا أَنَا بِقَائِلٍ فِيهِ شَيْئًا» (¬4). هذا التوقف في المسائل التي لا أثر فيها، حتى وإن كانت هذه المسائل مما يعانيه الناس ويبتلون به، قد ورثه المحدثون عن السلف، فساروا على منوالهم، لا يفتون إلا عن علم، ويتحرجوا من الإفتاء بالرأي. والعلم في عرفهم هو العلم بالآثار (¬5). ¬
هذا أحمد بن حنبل - وهو الذي هيأت له الظروف أن يقصد للفتوى - يروي عنه الكثير من قول: «لَا أَدْرِي». قَالَ أَبُو دَاوُد فِي " مَسَائِلِهِ ": «مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا فِيهِ الاخْتِلاَفُ فِي العِلْمِ فَيَقُولُ: " لَا أَدْرِي "». قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَا رَأَيْت مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الفَتْوَى أَحْسَنَ فُتْيَا مِنْهُ، كَانَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: " لَا أَدْرِي "». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: «كُنْت أَسْمَعُ أَبِي كَثِيرًا يُسْأَلُ عَنْ المَسَائِلِ فَيَقُولُ:" لَا أَدْرِي " وَيَقِفُ إذَا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ فِيهَا اخْتِلاَفٌ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُ: " سَلْ غَيْرِي "، فَإِنْ قِيلَ لَهُ: مَنْ نَسْأَلُ؟ قَالَ: " سَلُوا العُلَمَاءَ "، وَلاَ يَكَادُ يُسَمِّي رَجُلاً بِعَيْنِهِ». وقال لبعض أصحابه: «إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيهَا إمَامٌ» (¬1). وقال أبو بكر الأثرم (أحمد بن محمد بن هانئ): «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ -، وَقَدْ عَاوَدَهُ السَّائِلُ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ , فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " [بِرَأْيٍ] أَسْتَعْفِي مِنْهَا، وَأُخْبِرُكَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلاَفًا فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: يُزَكِّي كُلَّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَتُلِحُّ عَلَيَّ تَقُولُ: فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فِيهَا؟ [مَا تَقُولُ أَنْتَ فِيهَا؟] وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ فِيهَا؟ وَأَنَا أَسْتَعْفِيَ مِنْهَا، كُلٌّ قَدِ اجْتَهَدَ " , فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: " لَا بُدَّ أَنْ نَعْرِفَ مَذْهَبَكَ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ لِحَاجَتِنَا إِلَيْهَا " فَغَضِبَ وَقَالَ: " أَيُّ شَيْءٍ بُدٌّ إِذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا، يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَقُولَ فِيهِ؟ "، ثُمَّ قَالَ: " وَإِنْ قُلْتُ فَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ وَإِنَّمَا العِلْمُ مَا جَاءَ مِنْ فَوْقٍ، وَلَعَلَّنَا أَنْ نَقُولَ القَوْلَ ثُمَّ نَرَى بَعْدَهُ غَيْرَهُ» (¬2). وقد ترجم البخاري بعض أبوابه بقوله: (بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ، فَيَقُولُ: «لَا أَدْرِي»، أَوْ لَمْ ¬
[ب] كراهية الفقه التقديري
يُجِبْ حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ، وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيٍ وَلاَ بِقِيَاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ (¬1). وقول الإنسان: «لَا أَعْلَمُ» فيما لا يعلمه قول جميل يدل على ورع وشجاعة في مواجهة الغرور وغيره من أهواء النفس الإنسانية. ولكن الإكثار من هذا القول، وبخاصة فيما يمكن أن يعلم، وفيما تتطلبه احتياجات الناس، يجعل الاتجاه إلى قاصرًا عن الوفاء بهذه الاحتياجات، فينصرف الناس عن المحدثين، ويحملهم على أن يُوَلُّوا وجوههم شطر من يستطيعون الإجابة عن أسئلتهم، وتلبية مطالبهم ومن يمتازون بسرعة الفصل فيما نزل وفيما يستجد من النوازل، ولعل هذا الموقف من المحدثين كان من أسباب انصراف الناس عن فقههم، ولولا ظهور محنة ابن حنبل وما هيأته له من مكانة ما قصد للفتوى هذا القصد، وما اهتم أحد بجمع فقهه ونشره هذا الاهتمام. ولقد أكثر المحدثون من قول: «لَا أَدْرِي»، وتناقلوا أن قولها نصف العلم، حتى نقل عن أبي حنيفة أنه شنع عليهم بذلك، كما شنعوا عليه بكثرة المسائل، فقال: «يَكْفِي المَرْءَ أَنْ يَقُولَ: (لَا أَدْرِي) مَرَّتَيْنِ، حَتَّى يَسْتَكْمِلَ العِلْمَ» (¬2). [ب] كَرَاهِيَةُ الفِقْهِ التَّقْدِيرِيِّ: وإذا كان موقف المحدثين فيما لا أثر فيه هو التوقف والتحرج، فإننا لا نتوقع منهم أن يرحبوا بالمسائل الافتراضية، التي يبتغي منها استنباط أحكام لأحداث لم تقع بعد، ولكن يفترض حدوثها. ¬
[ج] كراهية إفراد الفقه بالتدوين
بل إنهم قد وجهوا كثيرًا من النقد إلى هذا الفقه التقديري، مستدلين في إثبات كراهيته بآيات وأحاديث، وأقوال للصحابة والتابعين (¬1). وقد عنون البخاري بابًا بقوله: (بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لاَ يَعْنِيهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]) (¬2). [ج] كَرَاهِيَةُ إِفْرَادِ الفِقْهِ بِالتَّدْوِينِ: وهذه أيضًا من نتائج اتجاه المحدثين إلى الآثار وحصرهم الحجة فيها، فالآثار هي الأصل، أما الآراء فليس فيها من الأصالة ما يتيح لها الدوام والاستقرار، فإن لم يكن بد من ذكر الرأي فليذكر متصلاً بالنصوص والآثار، حتى لا يطغى الرأي على النصوص أو يتخذ أصلاً دونها، وحتى يكون عند الناظر فيه فرصة للموازنة بين النصوص وما استنبط منها. ولهذا لم نعثر على كتاب فقهي مستقل لأحد من المحدثين (¬3)، تجمع فيه المسائل على حسب ما تندرج فيه من أبواب، بل نقل عنهم كراهية ذلك، فكان أحمد بن حنبل لا يستجيز التدوين بالنسبة للآراء الفقهية، ويرى أن من البدع تدوين آراء الناس، وكان يكره من أصحابه أن ينقلوا عنه فتاويه، أو فتاوى غيره، وينهى المحدثين عن أن يكتبوا كتب الشافعي وأبي ثور وكتب أهل الرأي (¬4). ¬
[د] كراهية القياس
وكراهية تدوين الآراء الفقهية يستمد اعتباره من صنيع السلف، إذ يروى أن أقوامًا سألوا زيد بن ثابت عن أشياء، فلما أجابهم عنها كتبوها من غير علمه، ثم أخبروه فقال: «لَعَلَّ كُلَّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكُمْ خَطَأٌ، إِنَّمَا اجْتَهَدْتُ لَكُمْ رَأْيِي». قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، إِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْكَ فَقَالَ: «إِنَّا لِلَهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، يَكْتُبُونَ رَأْيًا أَرْجِعُ عَنْهُ غَدًا». جَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، [فَسَأَلَهُ] عَنْ شَيْءٍ، فَأَمْلَاهُ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ رَأْيِهِ، فَأَجَابَهُ فَكَتَبَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ سَعِيدٍ: «أَيَكْتُبُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ رَأْيَكَ؟». فَقَالَ سَعِيدٌ لِلرَّجُلِ: «" نَاوِلْنِيهَا "، فَنَاوَلَهُ الصَّحِيفَةَ فَخَرَقَهَا (*)» (¬1). [د] كَرَاهِيَةُ القِيَاسِ: وإذا كان المحدثون يتوقفون فيما لا أثر فيه، لاتهامهم الرأي، فمن الطبيعي أن [يرغبوا] عن القياس، إذ هو أبرز سمات الرأي وأقوى دعاماته. ولذلك لم يأل المحدثون جهدًا في أن يجمعوا الآثار الذامة للرأي والقياس، والمحذرة من استعماله. وقد ذكر البخاري رأيه في القياس في عدة تراجم، فذكر منها: (بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَتَكَلُّفِ القِيَاسِ، {وَلاَ تَقْفُ} - لاَ تَقُلْ - {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] (¬2)، ومنها: (بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ مِمَّا [لَمْ] يُنْزَلْ عَلَيْهِ الوَحْيُ، فَيَقُولُ: «لَا أَدْرِي»، أَوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يُنْزَلَ ¬
عَلَيْهِ الوَحْيُ، وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْيٍ وَلاَ بِقِيَاسٍ ...) (¬1)، ومنها: (بَابُ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، لَيْسَ بِرَأْيٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ) (¬2). ويرد البخاري على من يستدلون بالآيات والأحاديث في إثبات القياس، مبينًا أن هذه الأدلة لا حجية فيها، فيقول: (بَابُ مَنْ شَبَّهَ أَصْلاً مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ، قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُمَا، لِيُفْهِمَ السَّائِلَ)، وقد قال السندي في تعليقه على هذه الترجمة: «وَالْمَطْلُوبُ تَشْبِيهُ الْمَجْهُولِ عَلَى الْمُخَاطِبِ بِالْمَعْلُومِ عِنْدَهُ، مَعَ أَنَّ كُلَّا مِنْهَا مَعْلُومٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِدُونِ هَذَا التَّشْبِيهِ، وَإِنَّمَا يُشَبَّهُ لِتَفْهِيمِ السَّائِلِ الْمُخَاطِبِ، وَالتَّوْضِيحِ عِنْدَهُ لَا لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ كَمَا يَقُولُ بِهِ أَهْلُ الْقِيَاسِ، فَهَذَا جَوَابٌ عَنْ أَدَلَّةِ مُثَبِّتِي الْقِيَاسِ، بِأَنَّ مَا جَاءَ مِنَ الْقِيَاسِ، كَانَ لِلْإِيضَاحِ وَالتَّفْهِيمِ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي كُلٍّ مِنَ الأَصْلَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لِإِثْبِاتِ الْحُكْمِ». وقد روى البخاري في هذا الباب حديثين: أحدهما حديث الأعرابي الذي أنكر أن تلد امرأته غلامًا أسود، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا؟»، قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟»، قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قَالَ: «فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِرْقٌ نَزَعَهَا، قَالَ: «وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ». وثانيهما: حديث المرأة التي قالت لِلْنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ، أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ: ¬
[هـ] تأليف الجوامع والسنن
«اقْضُوا اللَّهَ الذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ» (¬1). وكذلك عقد ابن ماجه بابًا خاصًا للقياس، ترجمه بقوله: (بَابُ اجْتِنَابِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ) (¬2)، روى فيه أربعة أحاديث، بعضها ضعيف الإسناد، ومخالف للمشهور، كحديثه عن معاذ بن جبل قال: «لَا تَقْضِيَنَّ وَلاَ تَفْصِلَنَّ إِلاَّ بِمَا تَعْلَمُ، وإنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ أَمْرٌ، فَقِفْ حَتَّى تَبَيَّنَهُ أَوْ تَكْتُبَ إِلَيَّ فِيهِ». فإن هذا الحديث فضلاً عن ضعف إسناده، مخالف للمشهور عن معاذ، عندما سأله الرسول: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟»، فَأَجَابَهُ: بِأَنَّهُ يَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَجْتَهِدُ رَأْيَهُ»، وقد أقره النبي على ذلك. وقد كان أحمد بن حنبل يحصر القياس في نطاق ضيق، لا يلجأ إليه إلا بعد اليأس من العثور على أثر ولو ضعيف. وقد نقل عنه أنه سأل الشافعي عن القياس، فقال: «إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَة» (¬3). كما نقل عنه إنكاره على مَنْ يَرُدُّونَ الأحاديث لمخالفتها القياس، ويقول: «إنَّمَا القِيَاسُ أَنْ تَقِيسَ عَلَى أَصْلٍ، فَأَمَّا أَنْ تَجِيءَ إلَى الأَصْلِ فَتَهْدِمَهُ، ثُمَّ تَقِيسَ، فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَقِيسُ؟!» (¬4). [هـ] تَأْلِيفُ الجَوَامِعِ وَالسُّنَنِ: وهذا التأليف يعتبر نتيجة بدهية للاتجاه إلى الآثار. والدوافع التي حملت المحدثين على التأليف يمكن رجعها إلى أمرين أساسيين: ¬
- أولهما: حفظ هذه الآثار وصيانتها وجمعها في دواوين خاصة، ليسهل تناولها لمن يريد الرجوع إليها. - ثانيهما: التعبير بها عن آرائهم في مسائل العقيدة والفقه وتضمينها الرد على مخالفيهم من الفقهاء والمتكلمين. وتعتبر الجوامع والسنن - من هذه الناحية - البديل عن التأليف المستقل للآراء الفقهية والكلامية (¬1). غير أن المحدثين سلكوا في تصنيفهم لكتبهم مناهج مختلفة، يمكن وصفها والموازنة بينهم على أساس من النقاط الآتية: 1 - الشروط. 2 - المقدمات. 3 - ترتيب الأبواب. 4 - ذكر آرائهم الفقهية وآراء غيرهم. 5 - مختلف الحديث. أولاً - الشروط: فقد اختلف المحدثون في الشروط التي يجب أن تتوافر فيمن يروى عنه وعلى أساسها تفاوتت هذه الكتب في الصحة، فكان أعلاها " صحيحي البخاري ومسلم "، ثم يأتي بعدهما باقي السنن في درجات متقاربة (¬2). والذي يهمنا هنا هو تأثير هذه الشروط على الآراء الفقهية للمحدثين، حيث نتج عن تفاوتهم في الشروط اختلافهم في بعض الأحكام الفقهية، فأثبت ¬
بعضهم أحكامًا بأحاديث صحت لديهم، ولم يأخذ بهذه الأحكام آخرون منهم، لعدم تسليمهم بصحة الأحاديث التي قررتها. وكمثال على ذلك الوضوء من أكل لحوم الإبل: أثبته معظم أصحاب الحديث وذهبوا إليه، ولم يذكره البخاري، ولم ير أن أكل مما مسته النار ينقض الوضوء، أعم من أن يكون لحم إبل أو غيره (¬1). ثانيًا - المقدمات: ونعني بها تصدير الكتاب بمقدمة للمؤلف يذكر فيها الهدف من تأليفه، ويشرح فيها منهجه وشروطه، ولم يهتم المحدثون - باستثناء الإمام مسلم - بذكر هذه المقدمات. أما مسلم فقد افتتح " صحيحه " بمقدمة، بَيَّنَ فيها الغرض من تأليفه، ونص فيها على شرطه، ثم ناقش من اشترط شروطًا مستحدثة لم تؤثر عن السلف. أما دافعه إلى التأليف فكان استجابة منه لمن سأله أن يجمع الأحاديث الصحاح في مكان واحد بلا تكرار، ليسهل تناولها «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ - يَرْحَمُكَ اللهُ بِتَوْفِيقِ خَالِقِكَ -، ذَكَرْتَ أَنَّكَ هَمَمْتَ بِالفَحْصِ عَنْ تَعَرُّفِ جُمْلَةِ الأَخْبَارِ المَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُنَنِ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنُوفِ الأَشْيَاءِ بِالأَسَانِيدِ التِي بِهَا نُقِلَتْ، وَتَدَاوَلَهَا أَهْلُ العِلْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَأَرَدْتَ، أَرْشَدَكَ اللهُ أَنْ تُوَقَّفَ عَلَى جُمْلَتِهَا مُؤَلَّفَةً مُحْصَاةً، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أُلَخِّصَهَا لَكَ فِي التَّأْلِيفِ بِلاَ تَكْرَارٍ يَكْثُرُ، فَإِنَّ ذَلِكَ زَعَمْتَ مِمَّا يَشْغَلُكَ عَمَّا لَهُ قَصَدْتَ مِنَ التَّفَهُّمِ فِيهَا، وَالاسْتِنْبَاطِ مِنْهَا». ¬
ثم يذكر أن الذي نشطه على الاستجابة والتأليف هو ما رآه من سوء صنيع قوم في روايتهم للضعيف والمنكر ونشره بين العامة، الذين يتقبلون كل ما يلقى إليهم دون أن يكون عندهم القدرة على تمييز الغث من السمين: «فَلَوْلَا الذِي رَأَيْنَا مِنْ سُوءِ صَنِيعِ كَثِيرٍ مِمَّنْ نَصَبَ نَفْسَهُ مُحَدِّثًا، فِيمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ طَرْحِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَالرِّوَايَاتِ المُنْكَرَةِ، وَتَرْكِهِمُ الاقْتِصَارَ عَلَى الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ المَشْهُورَةِ، مِمَّا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ المَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَقْذِفُونَ بِهِ إِلَى الأَغْبِيَاءِ مِنَ النَّاسِ [هُوَ] مُسْتَنْكَرٌ، وَمَنْقُولٌ عَنْ قَوْمٍ غَيْرِ مَرْضِيِّينَ ... لِمَا سَهُلَ عَلَيْنَا الانْتِصَابُ لِمَا سَأَلْتَ مِنَ التَّمْيِيزِ، وَالتَّحْصِيلِ، وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ مَا أَعْلَمْنَاكَ مِنْ نَشْرِ القَوْمِ الأَخْبَارِ المُنْكَرَةِ بِالأَسَانِيدِ الضِّعَافِ المَجْهُولَةِ، وَقَذْفِهِمْ بِهَا إِلَى العَوَامِّ الذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ عُيُوبَهَا، خَفَّ عَلَى قُلُوبِنَا إِجَابَتُكَ [إِلَى مَا] سَأَلْتَ». ثم ذكر شرطه في كتابه، فقسم الأحاديث تبعًا لرواتها إلى ثلاثة أقسام: 1 - ما رواه أهل الاستقامة والإتقان. 2 - ما رواه من دون الأولين في الحفظ والإتقان، وإن كان يشملهم اسم الستر والصدق وتعاطي العلم. 3 - ما رواه المتهمون بالكذب عند أهل الحديث أو عند أكثرهم، وما رواه من يغلب على حديثه المنكر والغلط. ثم ذكر أنه يأخذ القسم الأول، فإذا فرغ منه أخذ القسم الثاني، أما القسم الثالث، فلا يعرج عليه، بل ساق الأدلة الكثيرة على عدم جواز الرواية عنهم، وعلى وجوب التعريف بضعفهم وإشهار هذا الضعف «إِذْ الأَخْبَارُ فِي أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأْتِي بِتَحْلِيلٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْيٍ، أَوْ تَرْغِيبٍ، أَوْ تَرْهِيبٍ، فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ، غَاشًّا لِعَوَامِّ المُسْلِمِينَ».
ثم يبين أن من يروي الأخبار الضعيفة بعد معرفة ضعفها، إنما حمله على ذلك حرصه على أن يقال عنه ما أكثر ما جمع فلان «وَمَنْ ذَهَبَ فِي العِلْمِ هَذَا المَذْهَبَ، وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ فَلاَ نَصِيبَ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ بِأَنْ يُسَمَّى جَاهِلاً أَوْلَى مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى عِلْمٍ». وفي نهاية مقدمته يهاجم هجومًا شديدًا ما اشترطه بعض العلماء - ومنهم البخاري - من عدم قبول حديث المتعاصرين إذا لم يصرح بالسماع، ما لم يثبت لقاؤهما والسماع منه ولو مرة، وبين أن هذا الشرط شرط مستحدث لا دليل عليه، ثم ساق أدلته في إبطاله. ولم ينس مسلم أن ينص على التزامه بعد التكرار، إلا أن يأتي موضع لا يستغنى فيه عن تكرار حديث، لما فيه من زيادة معنى، أو إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك، «فَلاَ بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الحَدِيثِ الذِي فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ، أَوْ أَنْ يُفَصَّلَ ذَلِكَ المَعْنَى مِنْ جُمْلَةِ الحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَارِهِ إِذَا أَمْكَنَ، وَلَكِنْ تَفْصِيلُهُ رُبَّمَا عَسُرَ مِنْ جُمْلَتِهِ، فَإِعَادَتُهُ بِهَيْئَتِهِ إِذَا ضَاقَ ذَلِكَ أَسْلَمُ، فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًّا مِنْ إِعَادَتِهِ بِجُمْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَيْهِ، فَلاَ نَتَوَلَّى فِعْلَهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى». وعلى الرغم من أن الإمام مسلمًا هو الذي تفرد من بين المحدثين بوضع مقدمة لكتابه، يشرح فيها منهجه، فإنه لم يكن الوحيد الذي أعلن عن منهجه. فقد شرح الترمذي أيضًا خطته، وَبَيَّنَ مراجعه، وذكر شروطه، ولكنه اختار الخاتمة ليودع فيها ما أراده من ذلك. وفي هذه الخاتمة ذكر الترمذي رأيه - على جهة الإجمال - في الأحاديث التي ضمنها " كتابه " فقال: «جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الكِتَابِ مِنَ الحَدِيثِ فَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ، قَدْ أَخَذَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا خَلاَ حَدِيثَيْنِ، حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ
" أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِالمَدِينَةِ، وَالمَغْرِبِ , وَالعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ [وَلَا مَطَرٍ]، وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ " , قَالَ: وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَّةَ الحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا» (¬1). ثم بَيَّنَ مراجعه في آراء الفقهاء التي ذكرها في كتابه، فروى أسانيده فيها إلى سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. أما مراجعه في نقد الحديث وعلله والرجال والتاريخ «فَهُوَ مَا اسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ [كِتَابِ] (*) " التَّارِيخِ "، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مَا نَاظَرْتُ بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْهُ نَاظَرْتُ بِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبَا زُرْعَةَ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَقَلُّ شَيْءٍ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي زُرْعَةَ. وَلَمْ أَرَ أَحَدًا بِالعَرَاقِ وَلَا بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيدِ [كَبِيرَ] (*) أَحَدٍ، أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ». ويتضح من هذه الفقرة إعجاب الترمذي بالبخاري، وتأثره به، واستفادته منه، وهو ما يؤكده الاطلاع على كتابه. ثم شرح الدافع فيما التزمه من ذكر الآراء الفقهية، وذكر علل الحديث فقال: «وَإِنَّمَا حَمَلَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي هَذَا الكِتَابِ مِنْ قَوْلِ الفُقَهَاءِ، وَعِلَلِ الحَدِيثِ لِأَنَّا سُئِلْنَا عَنْ هَذَا فَلَمْ نَفْعَلْهُ زَمَانًا، ثُمَّ فَعَلْنَاهُ لِمَا رَجَوْنَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ النَّاسِ». ثم رد على من يعيبون أهل الحديث بالكلام في الرجال، مبينًا أن هذا ليس من قبيل الغيبة، ولكنه من قبيل الحيطة والتثبت في أمر الدين. ثم ذكر أقسام الرجال، ومن يؤخذ عنه، ومن يترك: فالمتهم بالكذب ¬
أو المغفل الذي يكثر الخطأ في حديثه، «فَالذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الحَدِيثِ مِنَ الأَئِمَّةِ أَلَّا يَشْتَغِلَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ»، ولا يحتج بحديثه الذي انفرد به. أما المختلف فهم الذين وثقهم بعض النقاد نظرًا إلى صدقهم، وَضَعَّفَهُمْ آخرون نظرًا إلى حفظهم «فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ». وقد رأى الترمذي أن الرواية بالمعنى جائزة لمن يستطيعها، وأن أهل العلم متفاضلون بالحفظ والإتقان والتثبت عند السامع. ثم ذكر رأيه في بعض كيفيات التحمل، ومال إلى رأي من يسوي بين «حَدَّثَنَا» و «أَخْبَرَنَا» سواء قرأ الشيخ أو قُرِئَ عليه، كما ذهب إلى صحة (الإجازة) ونقل عن يحيى بن سعيد عدم الجواز. وبعد أن ذكر طرفًا من اختلاف العلماء في التوثيق والتضعيف، يأتي إلى نهاية خاتمته، حيث يشرح بعض المصطلحات التي استعملها في كتابه، والتي قد تختلف فيها الأنظار، لجدتها، أو لتعدد مفهومها، مثل حديث حسن، وحديث غريب «وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الكِتَابِ (حَدِيثٌ حَسَنٌ) فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ حُسْنَ إِسْنَادِهِ عِنْدَنَا، كُلُّ حَدِيث يُرْوَى لَا يَكُونُ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالكَذِبِ، وَلَا يُكُونُ الحَدِيثُ شَاذًّا، وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوَ ذَاكَ فَهُوَ عِنْدَنَا حَدِيثٌ حَسَنٌ». أما الغريب فهو أنواع وبينها بقوله: «وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الكِتَابِ (حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فَإِنَّ أَهْلَ الحَدِيثِ يَسْتَغْرِبُونَ الحَدِيثَ لِمَعَانٍ: رُبَّ حَدِيثٍ يَكُونُ غَرِيبًا لَا يُرْوى إِلَّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ مِثْلَ ... وَرُبَّ حَدِيثٍ إِنَّمَا يُسْتَغْرَبُ لِزِيَادَةٍ تَكُونُ فِي الحَدِيثِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ إِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِ، مِثْلَ ...
وَرُبَّ حَدِيثٍ يُرْوَى مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَغْرَبُ لِحَالِ الإِسْنَادِ مِثْلَ ...» (¬1). أما أبو داود فإن " رسالته إلى أهل مكة " قد وضحت منهجه وشروطه، على الرغم من أنه لم يذكر مقدمة ولا خاتمة لكتابه. وفي هذه الرسالة يقول: «فَإِنَّكُمْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَذْكُرَ لَكُمْ الأَحَادِيثَ التِي فِي كِتَابِ السُّنَنِ أَهِي أَصَحُّ مَا عَرِفْتُ فِي البَابِ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ كُلُّهُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَقْوَمُ إِسْنادًا، وَالآخَرُ أَقْوَمُ فِي الحِفْظِ، فَرُبَّمَا كَتَبْتُ ذَلِكَ، وَلَا أَرَى فِي كِتَابِي مِنَ هَذَا عَشَرَةَ أَحَادِيثَ ...». وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل، فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة. «وَلَيْسَ فِي كِتَابِ " السُّنَنِ " الذِي صَنَّفْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَتْرُوكِ الحَدِيثِ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ بَيَّنْتُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ، وَلَيْسَ عَلَى نَحْوِهِ فِي البَابِ غَيْرُهُ، وَمَا كَانَ فِي كِتَابِي مِنْ حَدِيثٍ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ فَقَدْ بَيَّنْتُهُ وَمِنْهُ مَا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ، وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ، وَبَعْضُهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ ...» (¬2). ونقل الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد، في مقدمة تحقيقه لـ " سنن ¬
أبي داود " عن أبي بكر محمد بن عبد العزيز قال: «سَمِعتُ أَبَا دَاوُدَ بْنَ الأَشْعَثِ بِالبَصْرَةِ وَسُئِلَ عَنْ " رِسَالَتِهِ " الَّتِي كَتَبَهَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا جَوَابًا لَهُمْ، فَأَمْلَى عَلَيْنَا: سَلاَمٌ عَلَيْكُم فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْكُمْ اللَّهَ الذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [كُلَّمَا ذُكِرَ] أَمَّا بَعْدُ: عَافَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ... فَهَذِهِ الأَرْبَعَةُ آلاَفٍ وَالثَّمَانِمِائَةِ كُلُّهَا فِي الأَحْكَام، فَأَمَّا أَحَادِيثٌ كَثِيرَةٌ فِي الزُّهْدِ وَالفَضَائِلِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ هَذَا لَمْ [أُخْرِجْهُ] وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ». وعلى الرغم من قوله إن الأحاديث التي تضمنها كتابه خاص بالأحكام، فإنه ضمنه أبوابًا كثيرة في العقائد في " كتاب السنة " الذي رد فيه على المرجئة والجهمية والخوارج (4/ 276 - 338)، وكذلك كتاب الفتن والملاحم، ذكر فيه أمارات الساعة، بالإضافة إلى كتاب الأدب. أما باقي كتب الصحاح والسنن، فليس لها مثل هذا البيان للمنهج الذي ستلتزمه. ثالثًا - الترتيب: سلك المحدثون طرقًا مختلفة في ترتيب كتبهم. ولا شك أن كلا منهم كان في ذهنه عند التأليف سبب مناسب صدر عنه في ترتيب كتابه، وداع مقنع في تقديم ما قدم وتأخير ما أخر. وحيث لم يعلن واحد منهم عن سر ترتيبه، فإن أية محاولة لاستكشاف هذا السر، أو استنباط السبب المستكن خلف هذا الترتيب سيكون اجتهادًا مثمرًا نتيجة ظنية، تحتمل الصواب والخطأ. ويمكن تقسيم المحدثين إلى مجموعتين رئيسيتين، بالنسبة لما بدأوا به كتبهم من موضوعات: المجموعة الأولى: ويمثلها النسائي، والترمذي، وأبو داود، وابن
أبي شيبة. وقد اتجهت هذه المجموعة إلى ذكر أحكام العبادات مباشرة، فبدأت بالطهارة، ثم الصلاة، ثم غيرها من العبادات، على خلاف بينهم في ترتيب العبادات بعد الصلاة. وقد يقال في سبب هذا البدء عند هذه المجموعة: إن أول ما يطالب به الإنسان المسلم هو الصلاة، وهي لا تقبل إلا بشرط الطهارة. أما المجموعة الثانية: وتتكون من البخاري، ومسلم، وابن ماجه، والدارمي. فقد اشتركت في أنها قدمت على أبواب الطهارة والعبادات أبوابًا أخرى، ثم اختلفت في موضوعات هذه الأبواب المقدمة على العبادات: فالبخاري بدأ كتابه بباب بدء الوحي، ثم الإيمان، ثم العلم. وقد يكون ملحظ البخاري في ذلك أن أول ما يطالب به الإنسان هو الإيمان، وعن الإيمان تصدر بقية الأعمال، والإيمان أمر نفسي مستكن في القلب، لا يكفي في إثباته إعلانه باللسان، فيجب أن يتوفر فيه عنصر الإخلاص، لهذا بدأ البخاري كتابه بحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وأول شيء يجب الإيمان به هو الوحي، لأن جميع متطلبات الإيمان مما سيذكره في " صحيحه " متوقف على كون مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا موحى إليه، فإذا استقر ذلك، وجب على الإنسان أن يتعلم الشرائع، حتى يكون متمثلاً لربه، متصفًا بالإيمان، وأول ما يجب أن يتعلمه حينئذٍ هو الطهارة ثم الصلاة، ثم تأتي بعد ذلك بقية الأحكام والفضائل. وقد يكون بدؤه بالوحي إشارة منه إلى أن الحديث النبوي الذي هو موضوع كتابه من قبيل الوحي، فله من الطاعة والامتثال بالقرآن، حيث أن مصدرهما واحد، وهو الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (¬1). ¬
وكذلك قدم مسلم أبواب الإيمان وأركان الإسلام، وبعض العقائد، كأحاديث الرؤية والشفاعة، قبل أن يأتي بأبواب الطهارة والعبادات. أما ابن ماجه والدارمي، فمنهجهما متشابه، من حيث أنهما قدما على العبادات أبوابًا في اتباع السنة، وهي أشبه ما تكون بمقدمة تشرح سبب التأليف في الحديث، وتبين فضل الاشتغال به، وترد على أعداء أهل السنة والمحدثين، من المعتزلة وغيرهم. فقد بدأ ابن ماجه كتابه بأبواب في اتباع سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتعظيم حديثه، والتغليظ على من عارضه، وعلى من تعمد الكذب فيه، ثم اتباع سنة الخلفاء الراشدين، واجتناب البدع والجدل، والرأي والقياس، ثم الإيمان والقدر، وفضائل الصحابة، وذكر الخوارج والجهمية والرد عليهم، بذكره طرفًا من أحاديث الصفات ورؤية الله في الآخرة، ثم ذكر أبوابًا في العلم، بدأها بفضل تعلم القرآن. وعقب ذلك شرع في ذكر الطهارة والعبادات. وقد صنع الدارمي قريبًا من ذلك، وهو في الموضوعات التي سبقت أبواب العبادات. يروى الحديث وغيره من أقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم. بل يروي بعض ما في كتب النصارى وغيرهم: كقوله: «أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتُوَائِيُّ (*)، قَالَ: " قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: " تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا، وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ "» (¬1). وكما روى بسنده عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ لُقْمَانَ الحَكِيمَ كَانَ يَقُولُ لابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ، لَا تَعَلَّمِ العِلْمَ لِتُبَاهِيَ بِهِ العُلَمَاءَ، أَوْ لِتُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ...» (¬2). ¬
منهج ابن أبي شيبة
رابعًا - منهجهم في ذكر آرائهم الفقهية وآراء غيرهم: قدمنا أن المحدثين كرهوا إفراد الآراء الفقهية بالتدوين، وأن اتجاههم إلى الآثار دفعهم إلى أن يؤلفوا كتب الحديث، ويضمونها ما أرادوا ذكره من أرائهم أو آراء غيرهم. ولما كانت الآثار هي غايتهم الأولى من التأليف، كان طبيعيًا أن يقتصدوا في ذكر الآراء الفقهية، وأن يوجزوا القول فيها إيجازًا يصل إلى حد الرمز والإشارة في بعض الأحيان، وإن لم يمنعهم هذا من أن يعبروا في الجملة عن آرائهم، وأن يعلنوا عن اختياراتهم، ولكنهم تفاوتوا في إبراز شخصيتهم الفقهية من خلال التراجم والآراء التي يعرضونها، فعلى حين تقرأ لبعضهم فلا تكاد تحس به، إذا بآخرين منهم يؤكدون وجودهم في كل صفحة من صفحات مؤلفاتهم. مَنْهَجُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ويبدو أن المؤلفين قبل البخاري، ممن رتبوا كتبهم على الأبواب، لم يكونوا يقتصرون على رواية حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل كانوا يَرْوُونَ معه آراء الصحابة والتابعين وتابعيهم. وهذه الظاهرة أوضح ما تكون في " المصنف " لابن أبي شيبة (أبي بكر عبد الله بن محمد)، حيث يمكن اعتباره - بحق - مستودعًا فقهيًا لآراء السلف وديوانًا جامعًا لأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم، يروي في الأبواب أقوالهم بأسانيدها، قبل الأحاديث المرفوعة أو بعدها لا يلتزم في ذلك ترتيبًا معينًا، بل إن بعض الأبواب خلت تمامًا من الأحاديث، مقتصرًا فيها على ذكر فتاوى الصحابة ومن بعدهم. وهذه الأبواب مسائل أفتى فيها الصحابة والتابعون، وهي من الكثرة في " مصنف ابن أبي شيبة " بحيث
تدل على كثرة المسائل المأثورة عنهم، ويجعلها ابن أبي شيبة عناوين بدلاً من الأبواب. وهذه هي بعض المسائل المتعاقبة التي ليس فيها حديث واحد، ونورد هنا عناوينه لها (في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم - الرجل يمس الدراهم وهو على غير وضوء - الرجل يمس الدرهم وهو جنب - الرجل يذكر الله على الخلاء أو يجامع - الرجل يعطي وهو على الخلاء - في بول البعير والشاة يصيب الثوب - في بول البغل والحمار - القيح يتوضأ منه أَوْ لَا - الذي يصلي وفي ثوبه خرء الطير - في خرء الدجاج - من كان يقول تم على طهارة - الرجل يمس اللحم النيء - البول يصيب الثوب فلا يدري أين هو - المرأة تختضب وهي على غير وضوء) (¬1) وأمثال هذه المسائل تكثر في " المصنف " وهي منثورة فيه، وبخاصة في (كتاب الأيمان والنذور والكفارات) (¬2). ولا يكاد القارئ لـ " مصنف ابن أبي شيبة " يحس بشخصية المؤلف، إذ ليس له أية تعقيبات على ما يرويه، لا من حيث الإسناد، ولا من حيث الفقه، ويرى ذلك بوضوح في المسائل التي تعترك فيها الآراء، حيث يكتفي برواية كل رأي دون أن يعقب عليها بما يبين رأيه أو يبين الراجح والمرجوح منها: وذلك مثل قوله: (مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي القُبْلَةِ وَضُوءٌ)، وبعد أن يذكر الرواية في ذلك يقول: (مَنْ قَالَ فِيهَا الوُضُوءُ)، وكقوله: (فِي الوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ)، ثم يعنون بعد ذلك بقوله: (مَنْ كَانَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ)، وكقوله: (مَنْ كَانَ لاَ يَتَوَضَّأُ مِمَا مَسَّتِ النَّارُ)، ثم (مَنْ كَانَ يَرَى الوُضُوءَ ¬
منهج البخاري
مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ) (¬1)، وكقوله: (مَنْ قَالَ إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ [فَقَدْ] وَجَبَ الغُسْلُ)، ثم يعنون بعده: (مَنْ كَانَ يَقُولُ المَاءُ مِنَ المَاءِ) (¬2). وهذا الأسلوب الذي اتبعه ابن أبي شيبة، والذي يكثر فيه من ذكر (مَنْ قَالَ، مَنْ كَانَ يَرَى، وَمَا قَالُوا: ...) (¬3)، يوضح تمامًا أنه يعنى بجمع ما قيل، دون عناية بتمحيصه، أو الفصل فيه، أو بيان رأيه، ولهذا يذكر الأحاديث ما صح منها وما لم يصح، ولهذا أيضًا جمع المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة الآثار، وجعلها في باب خاص، يورد فيه حجج أهل الحديث دون أن يناقشها وسوف يأتي بحث ذلك إن شاء الله. وعلى كل فقد أتاح ابن أبي شيبة لمن أتى بعده أن ينظر فيما جمعه، وأن ينتقي منه، وأن يختار لنفسه ما يراه الراجح من بين الأحاديث المختلفة، والآراء المتعارضة، وقد تم هذا على يد البخاري الذي كان أحد من روى عن ابن أبي شيبة. مَنْهَجُ البُخَارِيِّ: كان التزام البخاري بالصحيح مغنيًا له عن ذكر كثير من الأحاديث التي تقرر أحكامًا معارضة. إذ بإثباته عدم صحتها ضعفت عن أن تكون معارضة، فيترجح العمل بالأقوى. وقد كان للبخاري شيخصيته الفقهية القوية التي أودعها تراجمه، والتي دأبت على التعبير عن نفسها في كل مكان من كتابه، حتى وصف بالفقه عن جدارة، وامتاز بتراجمه التي سلك فيها طريقة فريدة لم يتابعه فيها أحد، اللهم إلا النسائي في حدود ضيقة. ¬
ونوجز في النقاط التالية وصفًا لمنهجه الفقهي في " صحيحه "، على وجه الإجمال: 1 - التزم البخاري بأن يذكر الأحاديث منفصلة عن الآراء الفقهية، بل يذر ما يريد منها في الترجمة، كما يشير في الترجمة أيضًا إلى رأيه فيما يدل عليه الحديث، أو فيما يمكن أن يستنبط منه، فإذا ذكر الأحاديث لم يعقب عليها إلا بتفسير غريب، أو كلام خاص بالأسانيد وألفاظ الرواة. 2 - يقتصر في ذكره للآراء الفقهية على أقوال الصحابة والتابعين. ولا يكاد يذكر اسم أحد من أصحاب المذاهب الأربعة، وإن كان يعرض أحيانًا بأبي حنيفة، مشيرًا إليه بقوله: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ». 3 - كثيرًا ما يكرر الحديث في أكثر من موضع مترجمًا له أكثر من باب، وهذه ظاهرة واضحة عند البخاري، نكتفي بذكر مثال واحد لها يدل على غيره: فقد روى البخاري عن أنس بن مالك: أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتْ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا» قَالَ أَنَسُ: " وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ، وَلَا دَارٍ ". قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ، انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتْ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ -، ثُمَّ قَالَ:
«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» قَالَ: فَانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: «لَا أَدْرِي». روى البخاري هذا الحديث من عدة طرق تنتهي كلها إلى أنس بن مالك، وترجم له من الأبواب ما يأتي (¬1). 1 - بَابُ الاِسْتِسْقَاءِ فِي المَسْجِدِ الجَامِع. 2 - بَابُ الاِسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ. 3 - بَابُ الاِسْتِسْقَاءِ عَلَى المِنْبَرِ. 4 - بَابُ مَنِ اكْتَفَى بِصَلاَةِ الجُمُعَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ. 5 - بَابُ الدُّعَاءِ إِذَا تَقَطَّعَتْ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ. 6 - بَابُ مَا قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الجُمُعَةِ. 7 - بَابُ إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدَّهُمْ. 8 - بَابُ الدُّعَاءِ - إِذَا كَثُرَ المَطَرُ - حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا. 9 - بَابُ رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ. 10 - بَابُ رَفْعِ الإِمَامِ يَدَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ. 11 - بَابُ مَنْ تَمَطَّرَ فِي المَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ. وبعض هذه الأبواب استنباط مما يفيده الحديث، وبعضها يستفيده البخاري من الطرق المختلفة للحديث، والتي يكون في بعضها تفصيل أو زيادة تتيح له أن يترجمها ترجمة مستقلة. ¬
4 - ومن الظواهر الواضحة عند البخاري تردده بين الإيجاز والإطناب في تراجمه، وغالبًا ما يكون الإطناب في مواضع الخلاف بين المحدثين والأحناف حتى إن حجم الترجمة حينئذٍ قد يتجاوز ضعف حجم الحديث المروي فيها. ومن أمثلة ما جاء في شهادة القاذف إذا تاب هل تقبل أم لا؟ والمعروف أن الأحناف خالفوا غيرهم في هذا الموضع، وذهبوا إلى أن رد شهادة القاذف من تمام العقوبة، فلا تقبل وإن تاب. وقد أفاض البخاري في ترجمة هذا الباب، ورد على الأحناف، فقال: (بَابُ شَهَادَةِ القَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4، 5] وَجَلَدَ عُمَرُ، أَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَنَافِعًا بِقَذْفِ المُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ: «مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ» وَأَجَازَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، [وَشُرَيْحٌ]، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: «الأَمْرُ عِنْدَنَا بِالمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ القَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ». [وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ: «إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ»]. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: «إِذَا جُلِدَ العَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ اسْتُقْضِيَ المَحْدُودُ فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ القَاذِفِ وَإِنْ تَابَ»، ثُمَّ قَالَ: لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ وَالعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ، وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ، وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّانِيَ سَنَةً، وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَلاَمِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً).
هذه الترجمة الطويلة ساقها البخاري لحديثين: أولهما عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، «أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَقُطِعَتْ يَدُهَا»، قَالَتْ عَائِشَةُ: " فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". أما الحديث الثاني، فَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى، وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبِ عَامٍ» (¬1). ويلاحظ أن الحديثين ليس فيهما دليل مباشر، يقطع النزاع في قبول شهادة القاذف. 5 - غموض العلاقة أحيانًا بين ترجمة الباب والحديث الذي يرويه فيه، مما يترتب عليه اختلاف الشراح في تعيين مراد المؤلف، فتتعدد لذلك أقوالهم. وقد أشار السندي إلى شيء من ذلك، حين قسم تراجم البخاري إلى قسمين: قسم يذكره ليستدل بحديث الباب عليه، وقسم يذكره ليجعل كالشرح للحديث، ويبين به أن الإطلاق في الحديث مثلاً، مقصود به التقييد، ثم قال السندي: «وَالشُّرَّاحُ جَعَلُوا الأَحَادِيثَ كُلَّهَا دَلَائِلَ لِمَا فِي التَّرْجَمَةِ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِمْ الأَمْرَ فِي مَوَاضِعَ، وَلَوْ جَعَلُوا بَعْضَ التَّرَاجِمَ كَالشَّرْحِ، خَلَصُوا عَنْ الإِشْكَالِ فِي مَوَاضِعَ. وَأَيْضًا كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ بَعْدَ التَّرْجَمَةِ آثَارًا لِأَدْنَى خَاصِّيَّةٍ بِالبَابِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الشُّرَّاحِ يَرَوْنَهَا دَلَائِلَ لِلْتَّرْجَمَةِ، فَيَأْتُونَ بِتَكَلُّفَاتٍ بَارِدَةٍ لِتَصْحِيحِ الاِسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى التَّرْجَمَةِ، فَإِنْ عَجِزُوا ¬
عن وجه الاستدلال عَدُّوهُ اعتراضًا على صاحب الصحيح، والاعتراض في الحقيقة متوجه عليهم، حيث لم يفهموا المقصود ...» (¬1). 6 - وقد رأينا فيما سبق أن السندي قسم الترجمة، بالنسبة لما يروى فيها من الحديث قسمين. وقد فصل الدهلوي ما أجمله السندي فقسم تراجم البخاري أقسامًا (¬2): - منها: أن البخاري يترجم بحديث مرفوع ليس على شرطه، ويذكر في الباب حديثًا شاهدًا له على شرطه. - ومنها: أنه يترجم بمسألة استنبطها من الحديث المروي في الترجمة بنحو من الاستنباط، من نصه أو إشارته، أو عمومه، أو إيمائه. - ومنها: أنه يترجم بمذهب ذُهِبَ إليه من قبل، ويذكر في الباب ما يدل عليه بنحو من الدلالة، ويكون شاهدًا له في الجملة، من غير قطع بترجيح ذلك المذهب فيقول: (بَابُ مَنْ قَالَ كَذَا). - ومنها: أنه يترجم بمسألة اختلفت فيها الأحاديث، فيأتي بتلك الأحاديث على اختلافها، ليقرب إلى الفقيه من بعده أمرها، مثاله: (بَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى البَرَازِ) جمع فيه بين حديثين مختلفين (¬3). - ومنها: أنه قد تتعارض الأدلة، فيكون عند البخاري وجه الجمع بينهما بحمل كل واحد على محمل، فيترجم بذلك المحمل، إشارة إلى وجه الجمع: ¬
مثاله: (بَابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ ... وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالعِصْيَانِ [مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ]) ذكر فيه حديث: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (¬1). - ومنها: أنه قد يجمع ف ي باب واحد أحاديث كثيرة، كل واحد منها يدل على الترجمة، ثم يظهر له في حديث منها فائدة أخرى سوى الفائدة المترجم عليها، ويعلم على ذلك الحديث بعلامة الباب، وليس غرضه أن الباب الأول قد انقضى بما فيه، وجاء الباب الآخر برأسه ولكن قوله (باب) هنالك بمنزلة ما يكتب أهل العلم على الفائدة المهمة لفظ (تنبيه) أو لفظ (فائدة)، أو لفظ (قف). مثاله ما جاء في كتاب بدء الخلق: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الثُّعْبَانُ: الحَيَّةُ الذَّكَرُ مِنْهَا، يُقَالُ: الحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الجَانُّ وَالأَفَاعِي، وَالأَسَاوِدُ (*)، {آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56]: «فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ»، يُقَالُ: {صَافَّاتٍ} [النور: 41]: «[بُسُطٌ] (**) أَجْنِحَتَهُنَّ» {يَقْبِضْنَ} [الملك: 19]: «يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ» (¬2). ومن هذه الترجمة نفهم أن البخاري لم يجعل لفظ (الدابة) مقصورًا على ما يدب على الأرض، بل أدخل الطير أيضًا في مفهومها. وبعد أن ذكر حديث قتل الحيات ترجم بابًا خاصًا للغنم، مع أنها تدخل في مفهوم (الدابة)، وإنما خصها بالذكر ليبين منقبتها وفضلها، حيث روى فيها الحديث «يُوشِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ ...» ثم رجع إلى رواية الأحاديث التي تدخل في نطاق الدابة بمفهومها العام. ¬
ومنها أنه قد يكتب لفظ (باب) مكان قول المحدثين (وَبِهَذَا الإِسْنَادِ)، وذلك حيث جاء حديثان بإسناد واحد، كما يكتب (ح) حيث جاء حديث بإسناين: مثاله: (بَابُ ذِكْرِ المَلاَئِكَةِ) أطال فيه الكلام، حتى أخرج حديث «المَلاَئِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ، مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ»، بِرِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ثم كتب (بَابُ إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ: آمِينَ وَالمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ، آمِينَ ...)، فكأنه يشير إلى أن لفظة (باب) تساوي: (وبهذا الإسناد). ومنها: أنه قد يترجم بمذهب بعض الناس، أو مما يكاد يذهب إليه بعضهم، أو بحديث لم يثبت عنده، ثم يأتي بحديث يستدل به على خلاف ذلك المذهب. وكثيرًا ما يترجم لأمر ظاهر قليل الجدوى، ولكن تتضح جدواه عند التأمل، كقوله: (بَابُ قَوْلِ الرَّجُلِ [لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]: مَا صَلَّيْنَا) (¬1)، فإنه أشار به إلى الرد على من كره ذلك. وأكثر صنيعه في ذلك تعقبات على عبد الرزاق وابن أبي شيبة في تراجم " مُصَنًّفَيْهِمَا ". ومثل هذا لا ينتفع به إلا من مارس الكتابين واطلع على ما فيهما. وكثيرًا ما يأتي بشواهد الحديث من الآيات، ومن شواهد الآية من الحديث، تظاهرًا، ولتعيين بعض المجملات دون بعض، وقد سبق وصفنا منهجه في ذكره الآيات في تراجمه. ¬
منهج الترمذي
مَنْهَجُ التِّرْمِذِيِّ: ثم يأتي الترمذي، فيسلك طريق البخاري في الاهتمام بفقه الحديث، ويليه مباشرة في الترتيب بين كتاب " السنن " - في وضوح الشخصية الفقهية - ولا شك أنه تأثر بالبخاري هنا، فضلاً عن تأثره به في العلل والتاريخ، كما سبق أن نقلنا تصريحه بذلك. ولكن على الرغم من تأثره بالبخاري، وإعجابه به، كانت له طريقة خاصة في إثبات الآراء الفقهية، نوجز أهم ملامحها فيما يلي: 1 - ترجم الترمذي للأبواب بعناوين مختصرة غير أنها واضحة، ووثيقة الصلة بما عنونت له، مجردة من الإضافات والآراء. فإذا روى الأحاديث التي يريد روايتها في الباب المترجم له، عَقَّبَ عليها بنقدها من حيث الصناعة الحديثية، ثم من حيث الأحكام الفقهية المأخوذة من الأحاديث مُنَبِّهًا على مذاهب الصحابة والتابعين وتابعيهم في الأحكام. 2 - وفي ذكر الآراء الفقهية التي يعقب بها على الأحاديث، عني الترمذي عناية كبيرة بذكر فقهاء أهل الحديث، حتى كاد ذلك يكون التزامًا منه في معظم أبواب الأحكام. ولا يغنيه عن ذكر آرائهم كون الحكم الفقهي موضع اتفاق بين معظم أهل العلم، كما في (بَابُ مَا جَاءَ فِي الوَلِيَّيْنِ يُزَوِّجَانِ) حيث روى فيه عن رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا». فقد عقب عليه بقوله: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفًا: إِذَا زَوَّجَ أَحَدُ الوَلِيَّيْنِ قَبْلَ الآخَرِ، فَنِكَاحُ الأَوَّلِ جَائِزٌ، وَنِكَاحُ الآخَرِ مَفْسُوخٌ، وَإِذَا زَوَّجَا جَمِيعًا فَنِكَاحُهُمَا جَمِيعًا مَفْسُوخٌ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ» (¬1). ¬
وكذلك ما جاء في (بَابُ مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ المُتْعَةِ) من قوله: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ ... وَأَمْرُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ المُتْعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ» (¬1). وهؤلاء الفقهاء الخمسة، بإضافة مالك بن أنس أحيانًا - هم الذين اعتنى الترمذي بذكر آرائهم، وهم الذين ذكر أسانيده إليهم في خاتمة " جامعه "، التي سبق الكلام عنها. أما أبو حنيفة فلا يصرح باسمه إلا نادرًا (¬2)، وإنما يذكره في جملة الكوفيين، أو يعبر عنه بقوله: «وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِرَاقِ»، أو «بَعْضُ النَّاسِ»، وهو في هذا التعبير الأخير متأثر بالبخاري، الذي دأب عليه في إشاراته إلى مدرسة أبي حنيفة. ومن أمثلة هذا التعبير عند الترمذي قوله: بعد روايته للحديث: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» قال الترمذي (*): «وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيثِ مَا احْتَجُّوا بِهِ لأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ»، وَهَكَذَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ. (¬3). ¬
3 - يرجح الترمذي بين الآراء المختلفة، ويصرح باختياره، وفي بعض الأحيان يعرض الآراء دون أن يبين الراجح منها، وغالبًا ما يكون ذلك إذا اختلف فقهاء الحديث فيما بينهم: فمما صرح فيه بالترجيح ما جاء في الإبراد بالظهر، وأن تأخير صلاة الظهر في شدة الحر هو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق. أما الشافعي فذهب إلى أن الإبراد إنما يكون إذا كان المسجد بعيدًا، فأما المصلي وحده، والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له ألا يؤخر الصلاة في شدة الحر. قال أبو عيسى: «وَمَعْنَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَأْخِيرِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ: هُوَ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِالاتِّبَاعِ، وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ لِمَنْ يَنْتَابُ مِنَ البُعْدِ وَالمَشَقَّةِ عَلَى النَّاسِ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَأَذَّنَ بِلاَلٌ بِصَلاَةِ الظُّهْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا بِلاَلُ أَبْرِدْ، ثُمَّ أَبْرِدْ»، «فَلَوْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَكُنْ لِلإِبْرَادِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مَعْنًى لاجْتِمَاعِهِمْ فِي السَّفَرِ، وَكَانُوا لاَ يَحْتَاجُونَ أَنْ يَنْتَابُوا مِنَ البُعْدِ» (¬1). ومما رجح فيه أيضًا ما جاء في الحامل المتوفى عنها زوجها، هل تنتهي عدتها بوضع الحمل، أو تنتظر إلى أبعد الأجلين؟ فقد ذكر أن العمل عند أكثر أهل العلم على القول الأول: «وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ [مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ]: تَعْتَدُّ آخِرَ الأَجَلَيْنِ وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ» (¬2). ¬
أما المواضع التي لا يرجح فيها فقد ذكرنا أن معظمها في مسائل اختلف فيها فقهاء أهل الحديث، وهو لا يترجم لها بما يمكن أن يشير إلى رأيه، وإنما يترجم ترجمة محايدة، مثل (بَابُ مَا جَاءَ فِي كَذَا)، كقوله: (بَابُ [مَا جَاءَ] إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ [مَنَامِهِ]، فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا)، وبعد أن روى هذا الحديث عن أبي هريرة ذكر آراء العلماء، فقال: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «أُحِبُّ لِكُلِّ مَنْ اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ، قَائِلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، أَنْ لاَ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا، فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا، كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ، وَلَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ المَاءَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ نَجَاسَةٌ». وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا فَأَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُهْرِيقَ المَاءَ». وقَالَ إِسْحَاقُ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ، بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، فَلاَ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا» (¬1). وكقوله بعد أن روى حديث: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَثِرْ، وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ»: «وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِيمَنْ تَرَكَ المَضْمَضَةَ وَالاسْتِنْشَاقَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: إِذَا تَرَكَهُمَا فِي الوُضُوءِ حَتَّى صَلَّى أَعَادَ الصَّلاَةَ، وَرَأَوْا ذَلِكَ فِي الوُضُوءِ وَالجَنَابَةِ سَوَاءً، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وقَالَ أَحْمَدُ: الاسْتِنْشَاقُ أَوْكَدُ مِنَ الْمَضْمَضَةِ». قال أبو عيسى: «وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: يُعِيدُ فِي الجَنَابَةِ، وَلَا يُعِيدُ فِي الوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَبَعْضِ أَهْلِ الكُوفَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُعِيدُ فِي الوُضُوءِ، وَلَا فِي الجَنَابَةِ، لِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلاَ تَجِبُ الإِعَادَةُ عَلَى مَنْ تَرَكَهُمَا فِي الوُضُوءِ، وَلَا فِي ¬
منهج أبي داود والنسائي
الجَنَابَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي آخِرَةٍ» (¬1). ويلاحظ أنه ترجم لهذا الباب بقوله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي المَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ). وبهذه الطريقة التي تعنى بذكر الآراء المختلفة في موضوع الحديث، يعتبر " جامع الترمذي " مصدرًا جيدًا للخلافات بين الفقهاء، وبخاصة الفقهاء الخمسة الذين حرص على ذكر آرائهم. كما يمتاز باختصار طرق الحديث، فلا يروي منه إلا أصحها ثم يشير إلى الطرق الأخرى بقوله: «وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ» مثلاً. مَنْهَجُ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: أما أبو داود والنسائي فيشتركان في أنهما اقتصرا في كتابيهما على أحاديث الأحكام، أو كادا يقتصران عليها، فلم يرويا أحاديث الفضائل والزهد والرقاق. كما اشتركا في التراجم الواضحة المختصرة التي تعبر عن اختياراتهم، أو تشير إلى آرائهم والتي تجردت من ذكر آراء الصحابة أو غيره فيها. لكن التعليقات الفقهية على الأحاديث عند أبي داود، كانت أكثر منها عند النسائي، كما كان أبو داود أكثر تصريحًا برأيه، وذكرًا لآراء التابعين، وكثير من آراء أبي داود ينقلها عن أحمد بن حنبل، مما يبين تأثره به، ولا شك أنه تتلمذ عليه، حتى أتيح له أن يروي عنه كتابًا في المسائل. ومن أمثلة نقله عن ابن حنبل، ما جاء في (بَابُ المُحْرِمِ يَمُوتُ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ؟)، فإنه بعد أن روى الحديث في ذلك قال: «سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، ¬
يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " خَمْسُ سُنَنٍ ...» (¬1). وفي (بَابُ الرَّجُلِ يُكَفِّرُ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «سَمِعْت أَحْمَدَ، يُرَخِّصُ فِيهَا الكَفَّارَةَ قَبْلَ الحِنْثِ» (¬2)، وفي (بَابٌ [فِي] الغُسْلِ مِنْ غَسْلِ المَيِّتِ)، روى حديث: «مَنْ غَسَّلَ المَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»، ثم قال: «هَذَا مَنْسُوخٌ، وسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ عَنِ الغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ؟ فَقَالَ: " يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ "» (¬3) (*). أما اختياراته وذكره لآراء السلف، فيتضح في مثل ما رواه عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ، وَالبِغَالِ، وَالحَمِيرِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ»، حيث علق أبو داود على هذا الحديث بقوله: «وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «لَا بَأْسَ بِلُحُومِ الخَيْلِ، وَلَيْسَ العَمَلُ عَلَيْهِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا مَنْسُوخٌ، قَدْ أَكَلَ لُحُومَ الخَيْلِ جَمَاعَةٌ مَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ: ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، وَعَلْقَمَةُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْبَحُهَا» (¬4). وروى عن أم سلمة قالت: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالحِجَابِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْتَجِبَا مِنْهُ»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا، وَلاَ يَعْرِفُنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟». ¬
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، أَلَا تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ»، قَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: «اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ» (¬1). وفي باب المستحاضة، بعد أن ذكر أبو داود ما يفيد أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ، قال: «وَهُوَ قَوْل الحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَسَالِمٍ، وَالقَاسِمِ، أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» (¬2). ويشير إلى رأي ربيعة ومالك، فيذكر عَنْ رَبِيعَةَ، «أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى المُسْتَحَاضَةِ وُضُوءًا [عِنْدَ] كُلِّ صَلاَةٍ إِلاَّ أَنْ يُصِيبَهَا حَدَثٌ غَيْرُ الدَّمِ، فَتَتَوَضَّأُ» ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ابْنَ أَنَسٍ (¬3). وفي الكلام على سترة المصلي، ومنعه من يمر أمامه روى حديث: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَّيْطَانٌ» نقل أبوداود أن سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: «يَمُرُّ الرَّجُلُ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَنَا أُصَلِّي فَأَمْنَعُهُ، وَيَمُرُّ الضَّعِيفُ فَلاَ أَمْنَعُهُ» (¬4). أما النسائي فلا تكاد تلمح له تعقيبات فقهية، ولا تلمس منه اهتمامًا بذكر الآراء، سواء أكانت آراء الصحابة، أم آراء غيرهم من التابعين وأئمة المذاهب. ¬
ويلاحظ أن النسائي كرر كثيرًا من أبواب الطهارة، ولعل ذلك لأنه بدأ كتابه بقوله: (تَأْوِيلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ} [المائدة: 6]). فذكر ما يتعلق بتأويل هذه الآية من الوضوء والغسل وموجباتهما، ونواقضهما، وبعد أن انتهى من تفسيره عاد فذكر أبواب المياه والغسل على حدة، كما يلاحظ أنه قد يكرر الحديث الواحد تحت عدة تراجم، مثل ما رواه من قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الاخْتِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ»، فقد روي هذا الحديث بطرق مختلفة، تنتهي كلها إلى الزهري عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وترجم له من الأبواب: (ذِكْرُ الفِطْرَةِ - الاخْتِتَانُ - تَقْلِيمُ الأَظْفَارِ - نَتْفُ الإِبْطِ - وَحَلْقُ العَانَةِ) (¬1). أما آراء النسائي فيمكن أن تستنبط من تراجمه، التي راعى فيها أن تكون موجزة، تتحاشى التحليل والتحريم بقدر الإمكان، مثل: (بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي)، (التَّلَقِّي)، (النَّجَشُ)، (الْبَيْعُ فِيمَنْ يَزِيدُ) (¬2)، والعناوين الثلاثة الأولى روى فيها ما يفيد النهي، وروى في الأخير ما يفيد الجواز، وهو «أَنَّ [رَسُولَ اللَّهِ]- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا فِيمَنْ يَزِيدُ»، وَالحِلْسُ: كساء يلي ظهر البعير يفرش تحت القتب. وقد يفسر الترجمة في بعض الأحيان مثل قوله: «النَّهْيُ عَنِ المُصَرَّاةِ: وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ أَخْلاَفَ النَّاقَةِ، أَوِ الشَّاةِ، وَتُتْرَكَ مِنَ الحَلْبِ يَوْمَيْنِ، وَالثَّلاَثَةَ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَزِيدَ مُشْتَرِيهَا فِي قِيمَتِهَا لِمَا يَرَى مِنْ كَثْرَةِ لَبَنِهَا» (¬3). ¬
والنسائي يرتب أبوابه الأول فالأول بحسب ترتيبها في الشرع، بحيث لو جمعت تراجم الغسل من الجنابة مثلاً لكانت أشبه شيء حينئذٍ بمتون الفقه، حيث تجمع المسائل مجردة من دليلها، وها هي ذي أبواب الغسل من الجنابة: (ذِكْرُ غُسْلِ الجُنُبِ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا الإِنَاءَ - بَابُ [ذِكْرِ] عَدَدِ غَسْلِ اليَدَيْنَ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا الإِنَاءَ - إِزَالَةُ [الجُنُبِ] الأَذَى عَنْ جَسَدِهِ بَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ - بَابُ إِعَادَةِ الجُنُبِ غَسْلَ يَدَيْهِ بَعْدَ إِزَالَةِ الأَذَى عَنْ جَسَدِهِ - بَابُ تَخْلِيلِ الجُنُبِ رَأْسَهُ - بَابُ ذِكْرِ مَا يَكْفِي الجُنُبَ مِنْ إِفَاضَةِ المَاءِ عَلَى رَأْسِهِ - بَابُ ذِكْرِ العَمَلِ فِي الغُسْلِ مِنَ الحَيْضِ - بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ مِنْ بَعْدِ الغُسْلِ - بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي غَيْرِ المَكَانِ الذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ - بَابُ تَرْكِ المِنْدِيلِ بَعْدَ الغُسْلِ) (¬1). على أن النسائي يمتاز من بين كتاب السنن، بذكره موضوعًا هَامًّا غفلوا عنه، هو موضوع التوثيق، ففي معرض حديثه عن حكم كراء الأرض وما وقع فيه من الاختلاف، ذكر نموذجًا لكتابة مزارعه، قال فيه: قال أبو عبد الرحمن - أي النسائي -: «كِتَابَةُ مُزَارَعَةٍ عَلَى أَنَّ البَذْرَ وَالنَّفَقَةَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ، وَلِلْمُزَارِعِ رُبُعُ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا». ثم ذكر صورة لهذا الكتاب. ثم روى عن سعيد بن المسيب صورة لكتاب مقارضة، وبعده ذكر صورًا مختلفة لكتابة عقد شركة، ثم صورة لتفرق زوجين، ماذا يكتب لتوثيق ذلك، إلى غير ذلك من الموضوعات التي تحتاج إلى توثيق (¬2). ¬
منهج الدارمي وابن ماجه
مَنْهَجُ الدَّارِمِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ: أما الدارمي فإنه كثيرًا ما يروي في الباب عن علماء التابعين وتابعيهم بأسانيده إليهم آراءهم في المسائل المختلفة (¬1)، كما يصرح كثيرًا برأيه في تعقيبه على الأحاديث، كقوله بعد أن روى عن عطاء رأيه في حكم المستحاضة: «قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - الدارمي -: " الأَقْرَاءُ عِنْدِي: الحَيْضُ "» (¬2). وكقوله بعد أن روى عن أنس «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، كَانُوا يَفْتَتِحُونَ القِرَاءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: " بِهَذَا نَقُولُ، وَلَا أَرَى الجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» (¬3). وقد روى عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّ الضَّبُعَ صَيْدٌ»، وأن فيه كبشًا إذا أصابه المحرم، وأن أكله حلال، ثم جاء بعد ذلك: قِيلَ لأَبِي مُحَمَّدٍ: «مَا تَقُولُ فِي الضَّبُعِ تَأْكُلُهُ؟» قَالَ: «أَنَا أَكْرَهُ أَكْلَهُ» (¬4). وقد روى عن الثوري ما يفيد أن «الكُدْرَةُ وَالصُّفْرَةُ فِي أَيَّامِ الحَيْضِ حَيْضٌ، [وَكُلُّ شَيْءٍ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامِ الحَيْضِ مِنْ دَمٍ أَوْ كُدْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ،] فَهِيَ [مُسْتَحَاضَةٌ]» ثم «سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ (*) تَأْخُذُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ (**)؟ قَالَ: " نَعَمْ "» (¬5). وبعد أن روى حديث المسح على الخفين والعمامة، قِيلَ لَهُ: تَأْخُذُ بِهِ؟ قَالَ: «إِيْ وَاللَّه» (¬6). ¬
منهج مسلم
وبعد أن روى حديث: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ، فَلاَ صِيَامَ لَهُ»، قَالَ: «فِي فَرْضِ الوَاجِبِ أَقُولُ بِهِ» (¬1). وفي تعليقه على حديث: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ ذَكَرَ، فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ»، قَالَ: «أَهْلُ الحِجَازِ يَقُولُونَ: يَقْضِي، " وَأَنَا أَقُولُ: لَا يَقْضِي "» (¬2). أما ابن ماجه فقد كانت تراجمه مختصرة واضحة في الدلالة على رأيه الفقهي، لكن الالتزام بذكر الآراء الفقهية للصحابة والتابعين ومن بعدهم لم يكن من منهجه، فلم يعن بذكرها لا في التراجم، ولا بعد روايته للأحاديث، بل إن تعقيبه على مروياته كان نادرًا جدًا، وأكثرها متعلق بالحديث دون الفقه (¬3). مَنْهَجُ مُسْلِمٍ: أما مسلم فقد تأخرت مرتبته عن كتاب السنن من حيث العمل الفقهي في " صحيحه "، بل كان الوحيد من بين أهل الحديث، الذي روى الأحاديث دون أن يفصل بينها بتراجم توضح رأيه وتدل على استنباطه، وقد نقل النووي في مقدمته لـ " صحيح مسلم "، عن ابن الصلاح - أن السر في ترك مسلم للترجمة، هو خشيته من أن يزداد بها حجم الكتاب، أو لغير ذلك. ونستطيع أن نقول إن السبب غير ذلك، فإن تراجم الكتاب كله لن تزيد في حجمه صفحة أو صفحتين. والملاحظ أن " صحيح مسلم " مرتب ترتيبًا متقنًا حسب أبواب الفقه المختلفة، يجمع الأحاديث بطرقها في كل باب، ¬
منهج المحدثين في الأحاديث المختلفة
فلعله أهمل الترجمة ليجعل القارئ أمام الحديث وجهًا لوجه يستنبط منه ما يشاء دون أن يوعز إليه برأيه، أو يشير إليه بما يمكن أن يستنبط منه، بل يرويه له مجردًا من رأيه، بل ومن رأى غيره من الصحابة والتابعين وتابعيهم، إذ الترجمة في حقيقتها ليست إلا انعكاسًا لفهم المؤلف ورأيه، فيما يدل عليه المروي تحت ترجمته. وكما خلا " صحيح مسلم " من التراجم، خلا من أي تعقيبات فقهية له أو لغيره، وإن كانت روايته لحديث ما دليلاً على أنه يذهب إليه ما دام صحيحًا في نظره، أما الضعيف فلا يرويه ولا يقول به، كما يمكن أن يستنبط رأيه فيما التزمه في موضوعات مختلف الحديث، وهي التي نشرع فيها الآن. مَنْهَجُ المُحَدِّثِينَ فِي الأَحَادِيثِ المُخْتَلِفَةِ: سبق أن تكلمنا عن مختلف الحديث، وَبَيَّنَّا أن موضوعه هو الأحاديث الصحيحة التي تتعارض أحكامها من حيث الظاهر، ويمكن التوفيق بينهم بوجه من الوجوه، إما بالنسخ، أو بتقييد المطلق، أو تخصيص العام، أو بمرجح من المرجحات. وعلاج المحدثين للأحاديث المتعارضة لا يخرج عن ذلك، فإن الحديثين إذا تعارضا فقد يرى بعض المحدثين أن أحدهما لم يستوف شرطه، فيهمله ولا يلتفت إليه، إذ بضعفه عنده صار غير قابل للمعارضة، على حين يرى آخرون أن الحديث صحيح، فيتأولونه بوجه من الوجوه المتقدمة. وقد جرت عادة معظم المحدثين بأن يقدموا الأحاديث المنسوخة، ثم يتبعوها بالناسخة تحت عناوين (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ)، أو (بَابُ تَرْكِ ذَلِكَ)، أو غيرها.
في نواقض الوضوء
ونتناول فيما يأتي بعض الأحاديث المختلفة، لنبين صنيع المحدثين فيها: فِي نَوَاقِضِ الوُضُوءِ: رأى البخاري أن نواقض الوضوء محصورة فيما خرج من السبيلين وفي النوم الثقيل والإغماء فقط، ورأى أن ذلك هو الموافق لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] و [المائدة: 6]، فإن الغائط كناية عن الحدث الموجب للوضوء، وهو لا يكون إلا بخروج شيء من أحد السبيلين، وكذلك فيما يكون مظنة لخروج شيء، وهو النوم الثقيل أو الإغماء. أما ما عدا ذلك من خروج دم أو غير السبيلين، أو مس الذكر، أو لمس المرأة، أو الضحك في الصلاة، أو أكل ما مسته النار: لحوم إبل أو غيرها - فإنه لا وضوء فيه. ولم يرو البخاري أحاديث مس الذكر أصلاً، لا الموجبة للوضوء، ولا المرخصة فيه، كما لم يرو أحاديث الوضوء مما مسته النار أو أكل لحوم الإبل، ولا المرخصة في شيء من ذلك. وقد أعلن عن رأيه في عدة تراجم، يرد فيها على ما يعتبره بعض العلماء من نواقض الوضوء، مما يخالف مذهبه، كقوله: (بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إِلاَّ مِنَ المَخْرَجَيْنِ: مِنَ القُبُلِ وَالدُّبُرِ، [وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى]: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ} [النساء: 43] وَقَالَ عَطَاءٌ: - فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ، أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ القَمْلَةِ - «يُعِيدُ الوُضُوءَ». وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ [وَلَمْ يُعِدِ] الوُضُوءَ» وَقَالَ الحَسَنُ: «إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ [وَأَظْفَارِهِ]، أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ» وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ [النَّبِيَّ]- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ، وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ». وَقَالَ الحَسَنُ: «مَا زَالَ
المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ». وَقَالَ طَاوُوسٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، [وَعَطَاءٌ]، وَأَهْلُ الحِجَازِ: «لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ». وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَالحَسَنُ: «فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ». وقوله: (بَابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلاَّ مِنَ الغَشْيِ المُثْقِلِ). وقوله: (بَابُ مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ، [وَعُمَرُ]، وَعُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، «فَلَمْ يَتَوَضَّأُوا»). وأخيرًا: (بَابُ الوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ، أَوِ الخَفْقَةِ وُضُوءًا) (¬1). أما مسلم فقد روى أحاديث الوضوء مما مست النار، ثم أحاديث في ترك ذلك، ثم روى حديث الوضوء من لحوم الإبل دون الغنم، فكأنه يرى استثناء لحوم الإبل من نسخ الوضوء مما مسته النار، وهذا هو مذهب عامة المحدثين (¬2). فالترمذي ذكر (بَابُ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)، ثم (بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ) (¬3). ¬
وكذلك فعل أبو داود: (بَابُ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ) ثم (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ). ولكنه كان يرى الوضوء من أكل ما مسته النار، ويذهب إلى أن ترك الوضوء منه هو المنسوخ، بالإضافة إلى أنه كان يرى الوضوء من لحوم الإبل كعامة أهل الحديث. ولهذا ذكر (بَابُ الوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ) بمفرده، ثم بعده ببابين ذكر (بَابٌ فِي تَرْكِ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) ثم أعقبه بقوله: (بَابُ التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ)، وقد روى أبو داود في (بَابٌ [فِي] الوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ) أحاديث مختلفة لم يبين وجه الجمع بينها (¬1). وكذلك النسائي (بَابُ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)، ثم (بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ). (بَابُ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)، ثم (بَابُ تَرْكِ الوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ) (¬2). وكذلك فعل ابن ماجه: (بَابُ الوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ)، ثم (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ). و (بَابُ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ)، ثم (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ)، ثم (بَابُ مَا جَاءَ فِي الوُضُوءِ مِنْ [لُحُومِ] الإِبِلِ) (¬3). وقد رأينا أن بعض المحدثين يُعَنْوِنُ للأحاديث المعارضة للباب الذي قدمه عليها بـ (بَابُ تَرْكِ كَذَا)، وهذ العنوان يشير إلى ميل المؤلف ¬
الماء من الماء
للنسخ، على حين يعنون آخرون بقولهم: (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي كَذَا) وهو عنوان يفيد أن العمل بالأحاديث المتقدمة لم يهمل، بل العمل بها لا يخلو عن احتياط وإن كان العمل بالأحاديث المعارضة لها جائزًا. المَاءُ مِنَ المَاءِ: روى البخاري في (بَابٌ إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الغَسْلُ». ويفهم من هذا أنه يذهب مذهب الجمهور في أن الإنزال ليس بشرط في الغسل، وأن مجرد التقاء الختانين بدون إنزال يوجبه. وبخاصة أنه روى ما يعارض ذلك تحت عنوان لا يفيد أنه يأخذ بالمعارض، حيث قال: (بَابُ غَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ فَرْجِ (*) المَرْأَةِ) روى فيه حديثين، أحدهما: أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الجُهَنِيَّ، سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ: عُثْمَانُ: «يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ» قَالَ عُثْمَانُ: «سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ». وروى في الثاني عَنْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ: «يَغْسِلُ مَا مَسَّ المَرْأَةَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - البخاري -: «الغَسْلُ أَحْوَطُ، وَذَاكَ [الآخِرُ]، وَإِنَّمَا بَيَّنَّا لاِخْتِلاَفِهِمْ» (¬1). ويفهم من هذه العبارة الأخيرة للبخاري أن النسخ لم يصح عنده وأن المسألة خلافية، وأن الأخذ بالأحوط هو الواجب فيها، ولهذا لم يأخذ من ¬
الحديثين الأخيرين إلا غسل ما يصيب من رطوبة فرج المرأة. أما الاغتسال فقد أخذ فيه بما ترجمه أولاً من (بَابٌ إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ). وقد فهم ابن العربي من العبارة الأخيرة للبخاري: «الغَسْلُ أَحْوَطُ» أَنَّ الغُسْلَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ وصعب عليه ذهاب البخاري إلى ذلك، لأن الصحابة الذين لم يروا غسلاً إلا من إنزال الماء رجعوا عن ذلك، وروى عن عمر أنه قال: «مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ جَعَلْتُهُ نَكَالاً»، «وَانْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ إِلَّا دَاوُدُ وَلَا يُعْبَأُ بِهِ فَإِنَّهُ لَوْلَا الخِلَافُ مَا عُرِفَ وَإِنَّمَا الأَمْرُ الصَّعْبُ خِلَافُ البُخَارِيِّ فِي ذَلِكَ، وَحُكْمُهُ أَنَّ الغُسْلَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَأَجَلِّ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ مَعْرِفَةً وَعَدْلًا. وَمَا بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ خَفَاءٌ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِيهَا ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ». ثم قال: «وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ البُخَارِيِّ: " الغَسْلُ أَحْوَطُ " يَعْنِي فِي الدِّينِ مِنْ بَابِ حَدِيثَيْنِ تَعَارَضَا فَقَدَّمَ الذِي يَقْتَضِي الاحْتِيَاطَ فِي الدِّينِ وَهُوَ بَابٌ مَشْهُورٌ فِي أُصُولِ الفِقْهِ وَهُوَ الأَشْبَهُ فِي إِمَامَةِ الرَّجُلِ وَعِلْمِهِ» (¬1). أما مسلم فقد ذهب إلى النسخ. ويستنبط ذلك من روايته لأحاديث «المَاءُ مِنَ المَاءِ» أولاً، ثم اتبعها بما رواه عَنْ أَبِي العَلاَءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْسَخُ حَدِيثُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا». ثم أعقب ذلك بما رواه عن أبي هريرة وغيره مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ [جَهَدَهَا]، فَقَدْ وَجَبَ [عَلَيْهِ] الغُسْلُ» و «[إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ وَمَسَّ] الخِتَانُ الخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ» (¬2). ¬
وأما النسائي فلم يذهب إلى النسخ، إذ لم ير تعارضًا بين الأحاديث فقال: (بَابُ وُجُوبِ الغُسْلِ إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ) روى فيه حديث: «إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا ...»، ثم حمل ما يخالف ذلك على الاحتلام، لا على الجماع، فقال: (بَابُ الذِي يَحْتَلِمُ وَلاَ يَرَى المَاءَ)، روى فيه عن أبي أيوب: «المَاءُ مِنَ المَاءِ». وما ذهب إليه النسائي في ذلك هو رواية عن ابن عباس، لكن هذه المحاولة في التوفيق بين الحديثين مردودة بأن مورد حديث «المَاءُ مِنَ المَاءِ» هو الجماع لا الاحتلام كما سبق في رواية البخاري عن عثمان وغيره، وكما سبق مما نقلناه عن " صحيح مسلم " (¬1). أما الترمذي وأبو داود فقد رويا نسخ «المَاءُ مِنَ المَاءِ»، فعقد الترمذي بَابًا في (بَابُ مَا جَاءَ إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ وَجَبَ الغُسْلُ)، ثم (بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ المَاءَ مِنَ المَاءِ) روى فيه عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ المَاءُ مِنَ المَاءِ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا» (¬2). وتحت عنوان (بَابٌ فِي الإِكْسَالِ) روى أبو داود عن أبي بن كعب مثل ما روى الترمذي، كما روى حديث أبي هريرة: «إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا ...»، وأخيرًا روى في الباب نفسه عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المَاءُ مِنَ المَاءِ»، وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ يَفْعَلُ ذَلِك (¬3). وقدم ابن ماجه (بَابُ المَاءِ مِنَ المَاءِ)، ثم أتبعه بـ (بَابُ مَا جَاءَ فِي ¬
نكاح المحرم بالحج والعمرة
وُجُوبِ الغُسْلِ إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ) (¬1)، ويفهم من الترجمة الأخيرة أنه يذهب إليها. نِكَاحُ المُحْرِمِ بِالحَجِّ وَالعُمْرَةِ: روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ»، وذلك في موضعين من كتابه في (بَابُ تَزْوِيجِ المُحْرِمِ) و (بَابُ نِكَاحِ المُحْرِمِ) (¬2)، ولم يرو ما يعارض ذلك. ولكن أبا داود مال إلى تحريم زواج المحرم، وروى في ذلك عَنْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، مَرْفُوعًا «لاَ يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلاَ يُنْكِحُ». كما روى عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ»، ثم روى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ». ولكنه أعقبه بما رواه عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: «وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» (¬3). وترجم الترمذي لحديث عثمان وغيره مما يفيد النهي عن تزويج المحرم، بقوله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ تَزْوِيجِ المُحْرِمِ)، ثم ذكر أن العمل على هذا عند بعض الصحابة والتابعين، وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، لا يرون أن يتزوج المحرم، فإن نكح فنكاحه باطل. ثم أتبع هذا الباب بباب آخر، روى فيه حديث ابن عباس السابق، وقال عنه: «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، وترجم له بقوله: (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ) (¬4). ¬
ونكتفي بما ذكرناه من أمثلة لكيفية تناول المحدثين لمختلف الحديث، وهي تدل على غيرها، فعلى نهج ما قدمناه يسيرون، وتختلف أنظارهم في التوفيق بين الأحاديث، وإن كانوا يتلاقون جميعًا في أنهم لا يقلدون ولا يتعصبون، ولكنهم يجتهدون وينظرون، فما غلب على ظنهم أنه الحق أخذوا به، وعبروا عنه في تراجمهم وتعقيباتهم على تفاوت بينهم في إبراز الجوانب الفقهية من شخصياتهم، وعلى اختلاف بينهم في إيداع كتبهم مذاهب الصحابة والتابعين وتابعيهم. وقد اتضح مما تقدم أن البخاري فقيه وأي فقيه، وأنه - من زاوية الفقه - مقدم على كتاب السنن في القرن الثالث كما هو مقدم عليهم من حيث صناعة الحديث، إذ هو أعمقهم استنباطًا، وأكثرهم استقلالاً، وأصرحهم رأيًا، وأشدهم في مناقشة أهل الرأي وغيرهم. ثم يأتي بعده في العمل الفقهي الترمذي، ثم أبو داود والنسائي ثم الدارمي وابن ماجه، ثم مسلم، وأخيرًا يأتي ابن أبي شيبة.
الباب الثالث: الاتجاه إلى الظاهر
البَابُ الثَّالِثُ: الاِتِّجَاهُ إِلَى الظَّاهِرِ: • الفصل الأول: بين أهل الحديث وأهل الظاهر. • الفصل الثاني: أصول أهل الظاهر. • الفصل الثالث: تقييم المذهب الظاهري.
الفصل الأول: بين أهل الحديث وأهل الظاهر
الفَصْلُ الأَوَّلُ: بَيْنَ أَهْلِ الحَدِيثِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ: الاتجاه إلى أهل الظاهر، معناه الوقوف عند حدود الألفاظ التي وردت من الشارع، دون عناية بالبحث عن عللها ومقاصدها، ودون اهتمام بالقرائن والظروف التي أحاطت بالألفاظ حين ورودها (¬1). وقد أشرنا من قبل إلى أن الذاتية في المجتهد - في حدود الإطار المسموح فيه بحرية الاجتهاد - حقيقة لا سبيل إلى إغفالها، ولذلك لم يكن هناك بد من اختلاف الناس في فهم النصوص - التي هي أوعية المعاني - تبعًا لاختلاف ذواتهم وتكوينهم النفسي والعقلي. وإن ما حدث من الصحابة في غزوة بني قريظة، ليبين لنا مقدار الذاتية، في فهم النصوص، كما يبين لنا تسليم الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذه الذاتية وإقراره لما تؤدي إليه. فقد طلب الرسول من أصحابه، عقب غزوة الأحزاب، أن يتوجهوا إلى ديار بني قريظة، ليعاقبوهم على خيانتهم للمسلمين ونقضهم للعهود، وطلب - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - من أصحابه ألا يصلي أحد منهم العصر إلا في ¬
بني قريظة. فنفذ بعضهم هذا الطلب حرفيًا. وأخر العصر حتى إلى بني قريظة بعد العشاء، ورأى بعض الصحابة أن المراد هو سرعة النهوض، لا خصوص تأخير الصلاة. فصلوا العصر في الطريق، ثم واصلوا سيرهم مسرعين. ولا شك أن كُلاًّ من الفريقين قد امتثل الأمر ونفذه. ولهذا أقر الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلاًّ من الفريقين وَلَمْ يَلُمْ أحدهما (¬1). بل إن المجتهد الواحد قد يختلف سلوكه في زمنين مختلفين، أو في مسألتين مختلفتين، فيميل إلى التقيد بحرفية اللفظ أحيانًا عن ظاهر اللفظ، والغوص في طلب المعاني المقصودة. وقد سبق أن ذكرنا في الفصل الذي ألمحنا فيه إلى مظاهر من فقه محدثي الصحابة - أن ابن عباس كان يميل إلى القياس، ويجتهد في طلب المعاني والعلل. وعلى الرغم من ذلك كان في بعض الأحيان يتقيد بالألفاظ ويتجه إلى التمسك بظاهرها. كما أشرنا هناك إلى أن ابن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا - كان على العكس من ابن عباس، حيث كان يغلب عليه الميل للظاهر. وإن لم يمنع هذا من أنه كان في بعض المسائل يتجاوز الألفاظ إلى ما وراءها. وعندما نقول هنا إن المحدثين كانوا يتجهون إلى الظاهر. فإننا نعني بذلك أن هذا الاتجاه كان هو الغالب عليهم، السائد في فقههم، وإن لم يمنع ¬
مظاهر هذا الاتجاه في فقه المحدثين
هذا من أن تكون لهم اجتهادات جاوزوا فيها حدود الألفاظ، محلقين في أجواء المعاني ومقاصد التشريع. مَظَاهِرُ هَذَا الاِتِّجَاهِ فِي فِقْهِ المُحَدِّثِينَ: ولتوضيح هذا الاتجاه نذكر جملة من المسائل التي تعين على تصوره في فقه أهل الحديث، ونتبع كل مسألة بمذهب أهل الظاهر فيها. 1 - غَسْلُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الاِسْتِيْقَاظِ مِنَ النَّوْمِ: روي عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». وفي بعض روايات الحديث: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ». بدلاً من «اللَّيْلِ». فهذا النهي عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل، هل المقصود به الاحتياط في النظافة، إذ لم يقطع بحصول النجاسة في اليد؟ أو أنه بسبب النجاسة التي يمكن أن تلحق اليد أثناء النوم، لأن القوم كانوا يستجمرون بالحجارة؟ أو أن هذا النهي تعبدي لا يشتغل بالبحث عن علة له؟ وبعبارة أخرى، هل هذا النهي معلل بعلة، يدور الحكم معها وُجُودًا وَعَدَمًا، أم أنه غير معلل فيجب تنفيذه في كل الأحوال؟ ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى عدم تعليل هذا النص، وأوجبا غسل اليد عند الاستيقاظ، غير أن أحمد رأى أن الحديث جاء مطلقًا في بعض الروايات، وجاء مقيدًا بـ (اللَّيْلِ) في بعضها الآخر، فحمل المطلق على المقيد، وأوجب غسل اليد عند الاستيقاظ من نوم الليل لا من نوم النهار. أما إسحاق فَقَدْ سَوَّى بين نوم الليل ونوم النهار في وجوب
غسل اليد عند الاستيقاظ، أخذًا بالرواية التي أطلقت الاستيقاظ من النوم. ووجوب غسل اليد عند الاستيقاظ هو مذهب ابن عمر، وأبي هريرة، والحسن البصري. فإن غمست اليد في الإناء قبل الغسل، فقد روي عن أحمد بن حنبل أنه قال: «فَأَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُهْرِيقَ المَاءَ»، وهذه العبارة تحتمل وجوب الإراقة، وهو مذهب الحسن، وتحتمل استحباب الإراقة. وقد ذهب الشافعي إلى استحباب غسل اليد عند الاستيقاظ من أي نوم، وكراهة إدخالها الإناء قبل الغسل، فإن أدخلها قبل الغسل لم يفسد ماء الإناء إذا لم يكن على يده نجاسة. وقد مال أبو داود وابن ماجه إلى رأي أحمد، وحكى الترمذي الأقوال دون أن [يُرَجِّحَ] بينها (¬1). ولنستمع إلى ابن حزم يدلي برأي الظاهرية في هذه المسألة، فيقول: «وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمٍ قَلَّ النَّوْمُ أَوْ كَثُرَ، نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلاً، قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ قَائِمًا. فِي صَلاَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلاَةٍ، كَيْفَمَا نَامَ - أَلاَّ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ - فِي إنَاءٍ كَانَ وُضُوءَهُ أَوْ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ - حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ... فَإِنْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ وَتَوَضَّأَ، دُونَ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ فَوُضُوؤُهُ غَيْرُ تَامٍّ وَصَلاَتُهُ غَيْرُ تَامَّةٍ» (¬2). ويلاحظ أن ابن حزم يأخذ بالمعنى الزائد، بمعنى أنه يأخذ بالرواية التي ¬
2 - حكم السواك وتخليل اللحية
أطلقت النوم، لأن فيها معنى زائدًا، والأخذ بها يتضمن الأخذ بالرواية المقيدة وغيرها، وكذلك ورد في بعض الروايات «لَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي إِنَائِهِ»، وفي بعضها «لَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ» وهو يأخذ بهذه الرواية لأنها أعم من أن يكون الوضوء في إناء أو في غيره. 2 - حُكْمُ السِّوَاكِ وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ: روى أبو داود بإسناده «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِالوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاَةٍ، طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلاَةٍ» (¬1). وبناء على هذا الحديث ذهب داود وإسحاق بن راهويه إلى وجوب السواك، ونقل عن داود أنه أوجبه للصلاة، ولكن تركه لا يبطل الصلاة. وحكي عن إسحاق «أَنَّ مَنْ يَتْرُكُ السِّوَاكَ عَمْدًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ». أما الجمهور فيرى السواك سنة وليس بواجب، للحديث المتفق عليه: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ»، يعني لأمرتهم أمر إيجاب لأن المشقة إنما تلحق بالإيجاب لا بالندب (¬2). وقد روي «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فِي الوُضُوءِ». وإلى ذلك ذهب بعض العلماء كالشافعي وأحمد وإسحاق. وقد ذهب إسحاق إلى «أَنَّ مَنْ تَرَكَ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ عَامِدًا - فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ، وَمَنَ تَرَكَ تَخْلِيلَهَا نَاسِيًا أَوْ مُتَأَوِّلاً فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ» (¬3). ¬
3 - حكم صلاة الجماعة
3 - حُكْمُ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ: روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ، أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ». وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: (بَابُ وُجُوبِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ، وَقَالَ الحَسَنُ: «إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ العِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا») (¬1). واستنادًا إلى الحديث السابق ذهب عطاء، والأوزاعي، وأبو ثور، وابن خزيمة وداود إلى أن صلاة الجماعة فرض عين، بل ذهب داود إلى أنها شرط لصحة الصلاة، وقد ذكر صاحب " المغني " أن أحمد بن حنبل قد نص على أن الجماعة ليست شرطًا لصحة الصلاة على الرغم من أنه يقول بوجوبها. وذهب الجمهور إلى أن الجماعة ليست فرض عين، ثم اختلفوا هل هي فرض كفاية أو سنة، واختار النووي أنها فرض كفاية (¬2)، وعمدة الجمهور في عدم الوجوب الأحاديث التي فضلت صلاة الجماعة على صلاة الفرد فإنها تفيد صحة الصلاة المفضولة. وقد ترجم الترمذي للحديث السابق بقوله: (بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ فَلاَ يُجِيبُ)، ثم علق عليه بقوله: «وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلاَ صَلاَةَ ¬
لَهُ». «وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ، وَلَا رُخْصَةَ لأَحَدٍ فِي تَرْكِ الجَمَاعَةِ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ». قَالَ مُجَاهِدٌ، «وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، لَا يَشْهَدُ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً؟ فَقَالَ: " هُوَ فِي النَّارِ "». ثم أَوَّلَ الترمذي كلمة ابن عباس بأنها «لِمَنْ يَتْرُكُ الجَمَاعَةَ وَالجُمُعَةَ رَغْبَةً عَنْهَا، وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا، وَتَهَاوُنًا بِهَا» (¬1). وقد روى ابن ماجه حديث أبي هريرة السابق تحت (بَابُ التَّغْلِيظِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الجَمَاعَةِ)، كما روي في هذا الباب أيضًا عن ابن عباس مرفوعًا: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلاَ صَلاَةَ لَهُ، إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ». فكأنه يذهب إلى وجوبها. وقد علق السندي على هذا الحديث بقوله: «وَظَاهِرُ هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ الجَمَاعَةَ [فِي المَسْجِدِ الذِي سَمِعَ نِدَاءَهُ] فَرْضٌ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. وَهُوَ خِلاَفُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الفِقْهِ فَلاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْ حَمْلِ الحَدِيثِ عَلَى نُقْصَانِ تِلْكَ الصَّلاَةِ» (¬2). وقد ذكرنا أن داود بن علي الظاهري ذهب إلى أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، ويقرر ابن حزم مذهب الظاهرية في حكم صلاة الجماعة فيقول: «وَلَا تُجْزِئُ صَلاةُ فَرْضٍ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ، إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الأَذَانَ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلَّا فِي المَسْجِدِ مَعَ الإِمَامِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ الأَذَانَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَ وَاحِدٍ إلَيْهِ فَصَاعِدًا وَلَا بُدَّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ إلاَّ أَنْ لَا يَجِدَ أَحَدًا يُصَلِّيهَا مَعَهُ فَيُجْزِئَهُ حِينَئِذٍ، إلَّا مَنْ لَهُ عُذْرٌ فَيُجْزِئَهُ حِينَئِذٍ التَّخَلُّفُ عَنْ الجَمَاعَةِ». ويقول في موضع آخر: «وَأَمَّا نَحْنُ، فَإِنَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ صَلَاةِ ¬
4 - إذا أدرك المأموم إمامه وهو راكع، فركع معه، لا يعتد بتلك الركعة
الجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ قِلَّةَ اهْتِبَالٍ، أَوْ لِهَوًى، أَوْ لِعَدَاوَةٍ مَعَ الإِمَامِ -: فَإِنَّنَا نَنْهَاهُ، فَإِنْ انْتَهَى وَإِلَّا أَحْرَقْنَا مَنْزِلَهُ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1). 4 - إِذَا أَدْرَكَ المَأْمُومِ إِمَامَهُ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ مَعَهُ، لَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ: ذهب البخاري إلى أن قراءة الفاتحة في الصلاة فرض على الإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت. وقد روى في هذا الباب عن عبادة بن الصامت «لَا صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» فهذا الحديث يفيد وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، ولكنه لا يفيد وجوب تكرارها في كل الركعات، ولذلك عقب عليه بحديث حَدِيثِ المُسِيءِ صَلَاتِهِ، وقول الرسول له: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» مِرَارًا، ثم علمه الصلاة، فكان مما قاله له: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ... وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا» (¬2). وفي أثناء مناقشة البخاري لمن لا يرون وجوب القراءة خلف الإمام، حكى احتجاجهم بأن المأموم إذا أدرك الركوع جازت تلك الركعة مع خلوها من القراءة، فكما أجزأته في الركعة دون قراءة، كذلك تجزيه في الركعات، ولكن البخاري رَدَّ على ذلك بقوله: «إِنَّمَا أَجَازَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالذِينَ لَمْ يَرَوُا القِرَاءَةَ خَلْفَ الإِمَامِ، فَأَمَّا مَنْ ¬
5 - إذا صلى المأموم وحده خلف الصف بطلت صلاته وعليه الإعادة
رَأَى القِرَاءَةَ، فَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يُدْرِكَ الإِمَامَ قَائِمًا "» (¬1). وهو مذهب الظاهرية نفسه، حيث إن قراءة الفاتحة عندهم فرض على المنفرد، والمأموم، والإمام، ويقول ابن حزم: «فَمَنْ دَخَلَ خَلْفَ إمَامٍ فَبَدَأَ بِقِرَاءَةِ أُمِّ القُرْآنِ فَرَكَعَ الإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ هَذَا الدَّاخِلُ أُمَّ القُرْآنِ فَلاَ يَرْكَعُ حَتَّى يُتِمَّهَا ... فَإِنْ جَاءَ وَالإِمَامُ رَاكِعٌ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ القِيَامَ، وَلَا الْقِرَاءَةَ، وَلَكِنْ يَقْضِيهَا إذَا سَلَّمَ الإِمَامُ» (¬2). 5 - إِذَا صَلَّى المَأْمُومُ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ بَطُلَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ الإِعَادَةِ: وهو رأي أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والترمذي، وأبي داود، والدارمي، وابن ماجه، لما روى أَنَّ وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ (*) «فَأَمَرَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ». وقد ذهب الجمهور إلى أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه (¬3). 6 - التَّفْرِيقُ بَيْنَ المُفْطِرِ بِالوِقَاعِ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ، وَالمُفْطِرُ عَمْدًا بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ ¬
هَلَكْتُ. قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ؟»، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟»، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟»، قَالَ: لَا، [قَالَ: «اجْلِسْ»]، فَجَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، - وَالعَرَقُ: المِكْتَلُ الضَّخْمُ -، قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ»، فَقَالَ: مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَحَدٌ أَفْقَرَ مِنَّا، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، قَالَ: «فَخُذْهُ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» (¬1). وقد اتفق العلماء على أن من أفطر في رمضان متعمدًا بالجماع، فعليه الكفارة الموضحة في الحديث. واختلفوا فيمن أفطر متعمدًا من أكل أو شرب: فذهب بعضهم إلى أن عليه القضاء والكفارة. وقاسوا تعمد الإفطار بالأكل والشرب على تعمد الإفطار بالجماع، إذ المقصود تعمد هتك حرمة الصيام بما يفطره لا خصوص الجماع. وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق والأحناف والمالكية وغيرهم. وذهب بعض العلماء ومنهم الشافعي وأحمد وأصحاب السنن إلى أن الكفارة مخصوصة بالجماع المتعمد في نهار رمضان، دون تعمد الإفطار بالأكل والشرب، لأن الكفارة المذكورة في الحديث إنما جاءت فيمن جامع، ولا يشبه الأكل والشرب الجماع (¬2). ¬
7 - حكم الكتابة
وقد سئل الإمام أحمد: كيف لا تجعل الآكل والشارب عمدًا في رمضان، مثل من أصاب أهله؟ فأجاب: «أَنَا أَجْعَلُهُ؟ لَيْسَ فِي حَدِيثٍ. كَيْفَ أُوجِبُ عَلَيْهِ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةً، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - بِالجِمَاعِ؟ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ كُلُّهَا مَعْصِيَةٌ، فَلَا يُشْبِهُ الأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِالجِمَاعِ، فِي الجِمَاعِ يُرْجَمُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الغُسْلُ وَمَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ» (¬1) وبقول أحمد قال أهل الظاهر (¬2). 7 - حُكْمُ الكِتَابَةِ: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]. وبناء على ما أمرت به هذه الآية من مكاتبة العبد إذا رغب العبد في ذلك وكان يستطيع الوفاء بالكتابة - مال البخاري إلى وجوب الكتابة، كما يفهم من ترجمته (¬3): (بَابُ المُكَاتِبِ، وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ، وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا، وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وَقَالَ رَوْحٌ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً، أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: «مَا أُرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا». وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟، قَالَ: «لَا» ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ سِيرِينَ، سَأَلَ أَنَسًا، المُكَاتَبَةَ - وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ - فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: " كَاتِبْهُ " فَأَبَى، فَضَرَبَهُ ¬
8 - وجوب الوليمة عند الزواج
بِالدِّرَّةِ، " وَيَتْلُو عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فَكَاتَبَهُ ". وهذا هو ما ذهب إليه الظاهرية، فقد قرروا أن العبد إذا رغب في الكتابة ففرض على السيد أن يكاتبه وفرض عليه أن يؤتي عبده بعض ماله ليعينه على الكتابة، مستدلين بصيغتي الأمر الواردتين في الآية السابقة: {فَكَاتِبُوهُمْ}، {وَآتُوهُمْ}، وقد نعى ابن حزم على من ذهب إلى أن الأمر هنا للندب (¬1). 8 - وُجُوبُ الوَلِيمَةِ عِنْدَ الزَّوَاجِ: ذهب إلى ذلك البخاري، كما يفهم من قوله: (بَابٌ: الوَلِيمَةُ حَقٌّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ») (¬2). والبخاري يشير بقوله: (الوَلِيمَةُ حَقٌّ) إلى حديث ضعيف، رواه الترمذي في " سننه " (¬3)، كما يشير إلى أن الحق هنا مقصود به الوجوب، ويؤيده أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعبد الرحمن بن عوف: «أَوْلِمْ»، والأمر يقتضي الوجوب. وقد قال بوجوب الوليمة عند العرس - مالك، وقيل إن المشهور عنه أنها مندوبة، وروي الوجوب عن أحمد وبعض الشافعية وأهل ¬
9 - النهي عن تلقي الركبان
الظاهر. وذهب الجمهور إلى أنها سنة غير واجبة (¬1). 9 - النَّهْيُ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ: إذا جاء أشخاص من خارج المدينة يحملون بضاعة لعرضها في سوق المدينة، فقد نهى المدني عن تلقي هؤلاء الأغراب الجالبين بضائع إلى سوقها، باعتراض طريقهم والانفراد بهم والشراء منهم قبل بلوغهم إلى السوق، لما في ذلك من احتمال الإضرار بأهل السوق، حيث يحتكر المشتري هذه البضاعة، ثم يبيعها بالثمن الذي يحدده، ومن احتمال الإضرار بالجالب وغبنه، حيث تفوت عليه فرصة المنافسة في الشراء وبخاصة عندما يكون جاهلاً بالسعر، فيبيع بأقل من السعر العادي. وقد أخذ الجمهور بظاهر النهي عن تلقي الركبان فمنع من تلقي الجلب في كل الأحوال، حتى يبلغ بالسلعة إلى السوق. أما أبو حنيفة والأوزاعي فقد بحثا عن علة النهي، وأداهما البحث إلى أن يجيزا تلقي الركبان إذا لم يضر بالناس، فإن أضر بهم كره ذلك البيع ووقع صحيحًا مع الإثم. والجمهور مع منعه من هذا البيع، يذهب إلى صحته لو وقع، مع إثم المخالف للنهي، أو على أنه يقع غير لازم فيكون للجالب الخيار إذا ورد السوق. أما أهل الظاهر ومعظم المحدثين فقد ذهبوا إلى بطلان ذلك البيع المنهي عنه ووجوب فسخه، لأنهم لا يفرقون بين أن يكون النهي لصفة ملازمة أو لأمر خارج عن المنهي عنه مجاور له. وقد ترجم البخاري لتلقي الركبان بقوله: (بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا وَهُوَ خِدَاعٌ فِي ¬
البَيْعِ، وَالخِدَاعُ لَا يَجُوزُ) (¬1). ويقرر ابن حزم مذهب الظاهرية فيقول: «وَلَا يَحِلُّ [لِأَحَدٍ] تَلَقِّي الجَلَبِ، سَوَاءٌ خَرَجَ لِذَلِكَ أَوْ كَانَ [سَاكِنًا] عَلَى طَرِيقِ الجَلَّابِ، وَسَوَاءٌ بَعُدَ مَوْضِعُ تَلَقِّيهِ أَمْ قَرُبَ، وَلَوْ أَنَّهُ عَلَى السُّوقِ عَلَى ذِرَاعٍ فَصَاعِدًا، لَا لِأُضْحِيَّةٍ، وَلَا لِقُوتٍ، وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، أَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ. فَمَنْ تَلَقَّى جَلَبًا - أَيَّ شَيْءٍ كَانَ - فَاشْتَرَاهُ فَإِنَّ الْجَالِبَ بِالْخِيَارِ إذَا دَخَلَ السُّوقَ مَتَى مَا دَخَلَهُ وَلَوْ بَعْدَ أَعْوَامٍ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدِّهِ». واستدل بما رواه مسلم عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَلَقَّوْا الجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالخِيَارِ» (¬2). ويلاحظ أن البخاري لم يرو هذا الحديث، فلم يثبت الخيار للبائع لذلك. • • • هذه بعض الأمثلة (¬3) التي تصور جانبًا من فقه المحدثين، وقد رأينا كيف اقتصروا في بعضها على مورد النص، وقدمنا مثالاً لذلك قصرهم على الكفارة على متعمد الفطر في رمضان بالجماع، دون غيره من المفطرات، ورأينا كيف أن أصحاب الصحاح والسنن جميعًا قد ذهبوا إلى ذلك، التزامًا منهم بمورد النص، وكيف أن الإمام أحمد بن حنبل قد أنكر على من سأله ¬
التسوية بين الجامع وغيره، رَادًّا عليه بأن النص ورد في المجامع، ولم يأت في غيره نص. ثم لم ينس أن ينبه القياسيين على أن هناك فرقًا بين الفطر بالجماع والفطر بالأكل والشرب، وأن هذا الفرق يمنع إلحاق أحدهما بالآخر، وأن التغليظ بإيجاب الكفارة يناسب أحدهما دون الآخر. ولعله أخذ من الشافعي هذه الحجة التي تمنع قياس الفطر بغير الجماع على الفطر بالجماع. وقد رأينا في هذا المثال نفسه، كيف أن إسحاق بن راهويه - وهو من أئمة الحديث، والذي بالغ في التمسك بالظاهر في بعض المواقف، حتى جعل ترك السواك وتخليل اللحية مبطلاً للصلاة - قد خالف أصحابه في هذه المسألة وذهب إلى مساواة المفطر المتعمد بالأكل والشرب، بالمفطر المتعمد بالجماع. كما رأينا فيما تقدم من الأمثلة، كيف أن المحدثين يحملون معظم الأوامر والنواهي على الوجوب، وكيف حكموا بالبطلان على أفعال منهي عنها، لا يفرقون بين أن يكون النهي لذات الشيء، أو لصفة ملازمة له، أو لأمر خارج عن ماهيته مجاور له، لأن كل ذلك وقع على وجه لا يريده الشارع، وكل شيء ليس على وفق إرادة الشارع فهو مردود، كما حكم البخاري برد البيوع المتلقاة، وسندهم في ذلك، النهي الخاص بها، مع النص العام في ذلك، وهو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ»، أي مردود. فموجب الأمر عند البخاري هو الوجوب، وموجب النهي عنده هو التحريم إلا إذا دل دليل على إخراج الأمر والنهي عن موجبهما، وقد استنتجنا هذا المذهب للبخاري من الأمثلة السابقة، ومن غيرها من الجزئيات العديدة التي عرض لها في " صحيحه "، بل نراه يصرح بهذا المذهب في الترجمة التي قال فيها: (بَابُ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّحْرِيمِ إِلَّا مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ، نَحْوَ قَوْلِهِ حِينَ أَحَلُّوا: «أَصِيبُوا مِنَ
المذهب الظاهري وأثر المحدثين في نشأته
النِّسَاءِ»، وَقَالَ جَابِرٌ: «وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ» وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ [الجَنَازَةِ]، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» (¬1). ومذهب البخاري في موجب الأمر والنهي هو مذهب الظاهرية، لا يفارقه إلا في إجازته أن يكون الدليل المخرج لهم عن موجبهما غير منصوص، والظاهرية يشترطون فيه أن يكون منصوصًا. وقد رأينا في الأمثلة السابقة كيف التقى المحدثون مع أهل الظاهر وكيف صدروا في استخلاصهم للأحكام عن منهج واحد. ولكن هل يعني هذا أن المحدثين هم الظاهرية، وأن الظاهرية هم المحدثون؟ إن مما لا شك فيه أن بينهما تشابهًا وتلاقيًا كبيرًا في الفكرة والمنهج، ولكن بينهما أيضًا من الفروق ما يجعل من أهل الظاهر فرقة خاصة، لها كيانها المستقل عن أهل الحديث. ونستطيع أن نصف العلاقة بين المحدثين والظاهرية، بعبارة موجزة نستعيرها من المناطقة، فنقول: إن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، بمعنى أن كل ظاهري فهو من أهل الحديث، ولكن ليس كل محدث ظاهريًا. وفي الصفحات التالية نعرض للعلاقة بين المحدثين والظاهرية، ثم نوجز القول في أصول الظاهرية ومواطن الخلاف بينهم وبين المحدثين، وعلاقة الظاهرية بالمذاهب الأربعة. المَذْهَبُ الظَّاهِرِيُّ وَأَثَرُ المُحَدِّثِينَ فِي نَشْأَتِهِ: قدمنا أن الاتجاه إلى الظاهر له جذوره العميقة إلى عصر ¬
الصحابة، وأن الاتجاه إليه لم يكن مذهبًا ملتزمًا في كل الأحوال ولا في جميع المسائل، بل كان يخضع لذاتية المجتهد فيما يؤديه إليه اجتهاده في بعض المسائل دون بعضها الآخر. أما أول من جعل الاتجاه إلى الظاهر مذهبًا ملتزمًا، يدعو إليه وينتصر له، فهو داود بن علي (¬1) الأصفهاني، المتوفى سنة 270 هـ (سبعين ومائتين). وقد كان القرن الثالث، الذي شهد حياة داود - توقيتًا ملائمًا لإعلان هذا المذهب، إذ شهد هذا القرن تميز المذاهب الفقهية، وظهور الدعاة الذين يحتجون لها ويرسون أصولها، فتوفرت فيه العوامل التي ساعدت على ظهوره، والمناخ الصالح لنموه. وقد أسهم المحدثون بنصيب وافر في نشأة المذهب الظاهري، ويمكننا أن نتبع آثارهم في هذه النشأة، وأن نوجزها فيما يأتي: 1 - أهل الظاهر محدثون، من المحدثين انبثقوا، وعلى أيديهم تخرجوا. وإمامهم داود بن علي قد تلقى علمه على أعلام المحدثين في عصره كإسحاق بن راهويه وغيره، كما تلقى فقهه على أصحاب الشافعي. وقد كان بين أهل الحديث ومذهب الشافعي تعاطف، منشؤه تقدير المحدثين لبلاء الشافعي في نصرتهم، وتقدير ابن حنبل - إمام المحدثين - له وإعجابه به، وقد أعجب ¬
داود أيضًا بالشافعي، وتعصب له، حتى ألف كتابين في مناقبه (¬1). وقد كانت كتب داود [وفقهه] مملوءة بالأحاديث والآثار، كما يقول الخطيب البغدادي: «وَفِي كُتُبِهِ حَدِيثٌ كَثِيرٌ، إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ عَزِيزَةٌ جدًّا» (¬2). وللعلاقة الوثيقة بين المحدثين والظاهرية، اعتبر بعض العلماء أحمد بن حنبل من أهل الظاهر، وجعله من أئمتهم. فقد جاء في رسالة للشيخ محمد الشطي ما نصه: «وَلَمَّا كَانَ الإِمَامُ أَحْمَدَ مِنْ أَئِمَّةِ الظَاهِرِ، كَدَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ الظَّاهِرِي، وَابْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرِهِمَا - الْتَزَمَ البَعْضُ مِنْ مُتَقَدِّمِي الفُقَهَاءِ الحَنَابِلَةِ نَقْلَ أَحْكَامِ مَذْهَبِ دَاوُدَ وَغَيْرِهِ، كَكِتَابِ " رُؤُوسِ المَسَائِلِ " لِأَبِي الخَطَّابِ، وَ" الرِّعَايَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالكُبْرَى " لابْنِ حَمْدَانَ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الكُتُبِ المُعْتَمَدَةِ فِي المَذْهَبِ» (¬3). وذكر الحجوي أن صاحب " المدارك " «وَصَفَ دَاوُدَ بِمَا وَصَفَ بِهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، مِنْ مَعْرِفَتِهِ الحَدِيثَ - وَإِنْ فَاقَهُ أَحْمَدُ فِيهِ، دُونَ الإِمَامَةِ فِي الفِقْهِ، وَلَا جَوْدَةَ النَّظَرِ فِي مَأْخَذِهِ، إِذْ لَمْ يَتَكَلَّمَا فِي نَوَازِلَ كَثِيرَةٍ كَلَامَ غَيْرِهِمَا، وَمَيْلِهِمَا لِظَاهِرِ السُّنَّةِ» (¬4). وأخيرًا فإن ابن حزم نفسه يصرح بأن الظاهرية من المحدثين في قوله: «... وَإِنَّ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، أَشَدُّ اتِّبَاعًا وَمُوَافَقَةً لِلْصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - ...» (¬5). 2 - أهدى المحدثون لأهل الظاهر المادة التي يعتمدون عليها في فقههم، ¬
فقد نجح المحدثون في أن يجمعوا قدرًا كبيرًا من الحديث من مختلف البلدان ومختلف الطرق، فَيَسَّرُوا لأهل الظاهر تناولها، وأمدوهم بالنصوص التي تسعفهم في الإجابة عن كثير من المسائل. بل أخذ الظاهرية من المحدثين احترام هذه النصوص، ومحاولة العمل بها كلها ما أمكن، وعدم إهمال بعضها بمحاولات الترجيح أو النسخ إلا إذا قام برهان واضح على النسخ. وإذا قارنا في ذلك بين ما قرره ابن حنبل، وما قرره ابن حزم في أصول الظاهرية فسوف تهدينا هذه المقارنة إلى البرهان الدال على تأثر الظاهرية بالمحدثين. فقد جاء في " مسائل عبد الله بن أحمد ": «سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الثَّوْب [تُصِيبُهُ] الجَنَابَةُ، قَالَ: " اذْهَبْ فِيهِ إِلَى الخَبَرَيْنِ جَمِيعًا: حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْسِلُهُ، وَحَدِيثُ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَكَهُ وَصَلَّى». وَرَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيَم عَنْ الأَسْوَدِ [عَنْ عَائِشَةَ]: فَرَكَهُ ". قَالَ أَبِي: " اذْهَبْ إِلَى الخَبَرَيْنِ جَمِيعًا وَلَا أَرُدُّ أَحَدَهُمَا بِالآخَرِ ". وَلِهَذَا مِثَالٌ مِنْهُ قَوْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: " لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ". ثمَّ أَجَازَ السَّلَمَ. وَالسَّلَمُ بَيْعُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى صِفَةٍ وَهَذَا عِنْدِي مِثْلَ الأَوَّلِ وَمِنْهُ أَيْضًا الشَّاةُ الْمُصَرَّاةُ إِذَا اشْتَرَاهَا الرَّجُلُ فَحَلَبَهَا فَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ صَاعَ تَمْرٍ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ " فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ ضَامِنٌ بِمَنْزِلَةِ العَبْدِ إِذَا اسْتَعْمَلَهُ فَأصَابَ بِهِ عَيْبًا، رَدَّهُ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ بِضَمَانِهِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ "، ثمَّ قَالَ: " مَنْ نَامَ عَن صَلاَةٍ فَنَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا " فَلاَ يُرَدُّ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ إِذَا نَسِيَهَا صَلاَّهَا إِذَا ذَكَرَهَا وَلَا يَتَطَوَّعُ بَعْدَ العَصْرِ فَنَسْتَعْمِلُ الخَبَرَيْنِ جَمِيعًا.
وَمِثْلُ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَنَّهُ سَجَدَهُمَا قَبْلَ وَبَعْدَ - أَيْ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ -[فَنَسْتَعْمِلُ الأَخْبَارَ فِيهَا كَمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَمَا وُصِفَ ذَلِكَ عَنْهُ فَيَسْجُدُهُمَا الرَّجُلُ كَمَا سَجَدَ فِيهَا بَعْدُ] (*)، وَلَا يَرُدُّ بَعْضُهَا بَعْضَ. هَذَا وَشَبَهُهُ اسْتَعْمَلَ الأَخْبَارَ حَتَّى [تَأْتِي] الدَّلَالَةُ بِأَنَّ الخَبَرَ قَبْلَ الخَبَرِ، فَيَكُونُ الأَخِيرُ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ، مِثْلَ مَا قَالَ ابْنُ شِهَابِ الزُّهْرِيّ: " يُؤْخَذ بِالأَحْدَثِ فَالأَحْدَث مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَذَلِكَ أَنَّهُ صَامَ فِي سَفَرِهِ حَتَّى بَلَغَ الكُدَيْدَ ثُمَّ أَفْطَرَ. سَأَلْتُ أَبِي عَنْ المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ قَالَ: إِذَا جَفَّ فَفَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ غَسَلَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ مَسَحَهُ وَهُوَ رَطْبٌ فَلَا [بَأْسَ] (*)» (¬1). فهذا كلام أحمد يوضح منهجه في الأخبار المتعارضة، ويفيد أنه يأخذ بالنصوص كلها ما أمكن، ولا يلجأ إلى النسخ حتى يأتي دليل على النسخ. وقد وافقه على ذلك ابن حزم، وتكلم عن التعارض في أماكن كثيرة من كتبه، ونكتفي هنا بفقرة من كلامه، نضع يدنا على تأثره بالمحدثين وبخاصة أحمد بن حنبل. يقول ابن حزم: «إِذَا تَعَارَضَ الحَدِيثَانِ أَوْ الآيَتَانِ أَوْ الآيَةُ وَالحَدِيثُ [فِيمَا يَظُنُّ مَنْ لَا يَعْلَمُ] فَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ اسْتِعْمَالُ كُلَّ ذَلِكَ لَأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُ ذَلِكَ أَوْلَى بِالاِسْتِعْمَالِ مِنْ بَعْضٍ. فَإِذَا وَرَدَ النَّصَّانِ كَمَا ذكرَنَا، فَلَا يَخْلُو مَا يَظُنُّ بِهِ التَّعَارُضَ وَلَيْسَ تَعَارُضًا مِنْ أَحَدِ أَرَبْعَةَ أَوْجُهٍ لَا خَامِسَ لَهَا: إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقَلُّ مَعَانِي مِنَ الآخَرِ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حَاظِرًا وَالآخَرُ مُبِيحًا، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا وَالثَّانِي نَافِيًا. فَوَاجِبٌ هُنَا أَنْ يُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مَعَانِي مِنَ الأَكْثَرِ مَعَانِي ... الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ النَّصَّيْنِ حَاظِرًا لِمَا أُبِيحَ فِي النَّصِّ ¬
الآخَرِ بِأَسْرِهِ». ويذكر ابن حزم أمثلة لكل هذه الأنواع، وفيها بعض ما مثل به أحمد، مثل النهي عن الصلاة بعد العصر، مع الأمر بالصلاة المنسية وقت التذكر (¬1). 3 - كراهية المحدثين للقياس وغضهم من شأنه وتحذيرهم من استعماله، وعدم التجائهم إليه إلا عند الضرورة، كل ذلك مهد للظاهرية أن ينكروا القياس جملة. بل الظاهرية يحتجون بأقوال المحدثين في إثبات مذهبهم، وقد رأينا أن ابن حنبل أرشد المستفتي إلى سؤال صاحب الحديث دون صاحب الرأي، وأنه فضل ضعيف الحديث على الرأي، وقد سلك ابن حزم هذا المسلك نفسه، فقال: «وَإِذَا قِيلَ لَهُ إِذَا سَأَلَ عَنْ أَعَلْمِ أَهْلِ بَلْدَةٍ بِالدِّينِ: هَذَا صَاحِبُ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ -، وَهَذَا صَاحِبُ رَأْيٍ وَقِيَاسٍ، فَلْيَسْأَلْ صَاحِبَ الْحَدِيثِ، وَلَا يَحِلُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الرَّأْيِ أَصْلًا ...». ثم يروي عن الشعبي أنه قال: «السُنَّةُ لَمْ تُوضَعْ بِالمَقَايِيسِ»، ويروى عن ابن حنبل: «الحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ». ويروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: «سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إِلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ، وَأَصْحَابَ رَأْيٍ، فَتَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ، فَمَنْ يَسْأَلُ؟ فَقَالَ أَبِي: " يَسْأَلُ صَاحِبَ الحَدِيثِ، وَلَا يَسْأَلُ صَاحِبَ الرَّأْيِ. ضَعِيفُ الحَدِيثِ أَقْوَمُ مِنْ رَأْيِ فُلاَنٍ "» (¬2). وقد سئل داود عن سبب إنكاره القياس، ومخالفته إمامه الشافعي في ¬
الفرق بين المحدثين وأهل الظاهر
ذلك. فأجاب بِـ «أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ أَدِلَّةَ الشَّافِعِيِّ فِي إِنْكَارِ الاِسْتِحْسَانِ تَنْطَبِقُ عَلَى القِيَاسِ، فَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ». ومن هذا نرى أن هجوم المحدثين على الرأي والقياس، كان من الأسباب القوية التي أدت إلى نشأة الظاهرية، بالإضافة إلى غلو بعض العلماء في القياس وإغراقهم فيه، وإعطائهم له قوة معارضة النصوص، مما نتج عنه رد فعل، بدأ بالهجوم على القياس وكبح جماحه، حتى لا يعدو قدره، وانتهى بإنكاره جملة، وعدم الاعتراف به كمصدر تشريعي، ونقد المستعملين له وتخطئتهم. 4 - المحدثون هم الذين مهدوا لنشأة المذهب الظاهري في المغرب، على يد بقي بن مخلد وغيره، فقد كان المذهب المالكي هو المذهب السائد في الأندلس، لا يعرف أهلها شيئًا عن غيره، فلما رجع بقي بن مخلد من رحلته إلى المشرق، متأثرًا بالمحدثين، وبخاصة أحمد وإسحاق وداود - تعصب عليه علماء الأندلس، لإظهاره مذهب أهل الأثر، ولقد قال ابن حزم: «كَانَ بَقِيٌّ فِي خَاصَّةٍ مِنْ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَجَارِيًا فِي مِضْمَارِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالنِّسَائِيِّ» (¬1) ويقول ابن العربي: «وَكَانَ عِنْدَنَا فِي الأَنْدَلُسِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، رَجُلٌ رَحَلَ وَرَوَى الحَدِيثَ، وَعَادَ فَأَسْنَدَ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَا قِيَاسَ وَلَا نَظَرَ» (¬2). الفَرْقُ بَيْنَ المُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ: وإذا كان المحدثون يميلون إلى الأخذ بالظاهر، ويكرهون الرأي، ¬
وإذا كان أهل الظاهر طائفة من المحدثين، فما الفرق إذن بين المحدثين وأهل الظاهر؟ إن بين الطائفتين فروقًا، نسجل أهمها فيما يأتي: أولاً - جعل الظاهرية من الاتجاه إلى الظاهر مذهبًا ملتزمًا تقررله أصول وقواعد، جعلوها مطردة لا تتخلف، حتى لو أدت بهم إلى الإغراب والشذوذ. فالالتزام والاطراد هما ما يميز أهل الظاهر عن أهل الحديث، إذ أن اتجاه أهل الحديث إلى الظاهر وإن كان وصفًا غالبًا - لم يكن مذهبًا ملتزمًا، ومنهجهم في ذلك أقرب شبهًا بمنهج الصحابة بعامة، وأوثق صلة بمنهج ابن عمر وأبي هريرة بخاصة. هذا الالتزام والاطراد اللذان فرقا بين المحدثين وأهل الظاهر يمثلان العامل المشترك بين أهل الظاهر وأهل الرأي، وإن كان أهل الظاهر يحتلون الطرف البعيد المقابل لأهل الرأي. وقد أشار الشاطبي إلى هذه الحقيقة، حين تساءل عن المجتهد الذي جاوز مرتبة الحفظ إلى مرتبة النظر فيما حفظ، حتى وصل من هذا النظر إلى الكشف عن علاقات عامة، تربط الشريعة، وتوضح اتجاهها وأهدافها وأحكامها الكلية مستخلصة من الأحداث الجزئية، فهل لهذا المجتهد حينئذٍ أن يجتهد بمقتضى الأحكام الكلية التي استخلصها، دون مراعاة للاعتبارات الخاصة بالجزئيات؟ أجاب قوم بالإيجاب، وآخرون بالنفي. ثم ذكر الشاطبي أن من أمثلة هذه المرتبة «مَذْهَبُ مَنْ نَفَى القِيَاسَ جُمْلَةً وَأَخَذَ بِالنُّصُوصِ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَمَذْهَبُ مَنْ أَعْمَلَ القِيَاسَ عَلَى الإِطْلاَقِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَا خَالَفَهُ مِنَ الأَخْبَارِ جُمْلَةً، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الفَرِيقَيْنِ
غَاصَ بِهِ الفِكْرُ فِي مَنْحًى شَرْعِيٍّ مُطْلَقٍ عَامٍّ اطَّرَدَ لَهُ فِي جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ اطِّرَادًا لاَ يُتَوَهَّمُ مَعَهُ فِي الشَّرِيعَةِ نَقْصٌ وَلاَ تَقْصِيرٌ، بَلْ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} [المائدة: 3]. فَصَاحِبُ الرَّأْيِ يَقُولُ: الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ مَصَالِحِ العِبَادِ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ، وَعَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ أَدِلَّتُهَا عُمُومًا وَخُصُوصًا، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الاِسْتِقْرَاءُ، فَكُلُّ فَرْدٍ جَاءَ مُخَالِفًا فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ شَرْعًا، إِذْ قَدْ شَهِدَ الاِسْتِقْرَاءُ بِمَا يُعْتَبَرُ مِمَّا لاَ يُعْتَبَرُ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ عَامٍّ، فَهَذَا الخَاصُّ المُخَالِفُ يَجِبُ رَدُّهُ وَإِعْمَالُ مُقْتَضَى الكُلِّيِّ العَامِّ، لأَنَّ دَلِيلَهُ قَطْعِيٌّ، وَدَلِيلَ الخَاصِّ ظَنِّيٌّ فَلاَ يَتَعَارَضَانِ. وَالظَّاهِرِيُّ يَقُولُ: الشَّرِيعَةُ إِنَّمَا جَاءَتْ لابْتِلاَءِ المُكَلَّفِينَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، وَمَصَالِحُهُمْ تَجْرِي عَلَى حَسَبِ مَا أَجْرَاهَا الشَّارِعُ، لَا عَلَى حَسَبِ أَنْظَارِهِمْ، فَنَحْنُ مِنَ اتِّبَاعِ مُقْتَضَى النُّصُوصِ عَلَى يَقِينٍ فِي الإِصَابَةِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا تَعَبَّدَنَا بِذَلِكَ وَاتِّبَاعُ المَعَانِي رَأْيٌ، فَكُلُّ مَا خَالَفَ النُّصُوصَ مِنْهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، لأَنَّهُ أَمْرٌ خَاصٌّ مُخَالِفٌ لِعَامِّ الشَّرِيعَةِ، وَالخَاصُّ الظَّنِّيُّ لَا يُعَارِضُ العَامَّ القَطْعِيَّ. فَأَصْحَابُ الرَّأْيِ جَرَّدُوا المَعَانِيَ، فَنَظَرُوا فِي الشَّرِيعَةِ بِهَا، وَاطَّرَحُوا خُصُوصِيَّاتِ الأَلْفَاظِ، وَالظَّاهِرِيَّةُ جَرَّدُوا مُقْتَضَيَاتِ الأَلْفَاظِ، فَنَظَرُوا فِي الشَّرِيعَةِ بِهَا، وَاطَّرَحُوا خُصُوصِيَّاتِ المَعَانِي القِيَاسِيَّةِ، وَلَمْ تَتَنَزَّلْ وَاحِدَةٌ مِنَ الفِرْقَتَيْنِ إِلَى النَّظَرِ فِيمَا نَظَرَتْ فِيهِ الأُخْرَى بِنَاءً عَلَى كُلِّيِّ مَا اعْتَمَدَتْهُ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ» (¬1). هذا الكلام الذي نقلناه عن الشاطبي، والذي يدل على أصالته وعمقه ¬
يوضح لنا كيف التزم الظاهرية بالظاهر، وطبقوه على كل الفروع، لا يستثنون منها مسألة أو فرعًا، وليس كذلك المحدثون. ثانيًا - بالنسبة للأصول المعتمد عليها في استنباط الأحكام، افترق المحدثون عن الظاهرية فيما وراء القرآن والسنة. فقد رأينا كيف كان المحدثون يتجهون إلى الآثار، يجعلونها مع القرآن مرجعًا لأحكامهم، ودليلاً عليها، وَبَيَّنَّا أن الآثار عندهم تشمل الأحاديث وغيرها من أقوال الصحابة والتابعين، وأنهم يقصرون الحجة عليها أو يكادون، فإذا لم يوجد نص أو أثر، فليس لديهم حينئذٍ خطة موحدة، بل يتوقف بعضهم فلا يفتي فيما لا أثر فيه، وقد يفتي بعضهم بما يمليه عليه الورع والاحتياط، وقد يحيل بعضهم مستفتيه إلى من يميل إليه، ممن جرؤ على الفتوى من المعاصرين أو السابقين. أما أهل الظاهر فقد قصروا الحجة على نصوص القرآن والسنة، ولم يروا لآراء الصحابة ومن بعدهم ما يرفعها إلى مرتبة النصوص، فلم يجعلوها حجة، إلا إذا اجتمع الصحابة جميعًا على أمر، فإن هذا الإجماع حينئذٍ حجة، ومصيره إلى النص أيضًا، لأنهم لا يجتمعون إلا عن توقيف. ومما يوضح لنا هذا الفرق أننا قد رأينا في الأمثلة السابقة كيف أن المحدثين يتفقون مع الظاهرية في أن أثر الفعل المنهي عنه هو البطلان، يحكمون برد كل فعل منهي عنه، وضربنا مثلاً لذلك برأي البخاري في بيع التلقي والنجش ولكننا نجد بيعًا آخر، جاء نهي الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بصورة مطلقة، ومع ذلك لم ينه البخاري عنه بإطلاق، كما هو مقتضى الحديث، بل قيد النهي بصورة خاصة، مستدلاً على هذا التقييد، بتفسير ابن عباس للحديث، هذا البيع المنهي عنه هو بيع الحاضر للبادي.
وقد ترجم البخاري لهذا البيع بعدة تراجم، أولها: (بَابٌ: هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ؟ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَنْصَحْ لَهُ» وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ)، وروى في هذا الباب حديثين، أولهما عن جرير، قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»، والحديث الثاني: عَنْ طَاوُوسَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، قَالَ: فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟» قَالَ: " لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا ". ثم ترجم له ثانيًا بقوله: (بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِأَجْرٍ)، روى فيه عن ابن عمر [قَالَ]: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ». وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. ثم ترجم له ثالثًا بقوله: (بَابٌ: لَا [يَشْتَرِي] حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ، وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ لِلْبَائِعِ وَالمُشْتَرِي وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «إِنَّ العَرَبَ تَقُولُ بِعْ لِي ثَوْبًا، وَهِيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ»)، وقد روى في هذا الباب عن أبي هريرة مرفوعًا: «لَا يَبْتَاعُ المَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، كما روى عن أنس بن مالك قال: «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» (¬1). فالأحاديث التي استدل بها البخاري مطلقة، ولكنه أخذ بتفسير ابن عباس لها، من أن المقصود من النهي ألا يكون له سمسارًا، والسمسار يدخل بين البائع والمشتري بأجر يستفيده منهما أو من أحدهما، فالبائع للبدوي بغير أجر خارج عن متناول النهي حينئذٍ. أما أهل الظاهر فلا يحتجون بأقوال الصحابة ولا بتفسيرهم، إنما الحجة ¬
في النصوص التي يرويها الصحابة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والنصوص مطلقة النهي، لا تفرق بين الأجر وغيره. يقول ابن حزم: «وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى البَيْعَ سَاكِنُ مِصْرٍ، أَوْ قَرْيَةٍ، [أَوْ مِجْشَرٍ لِخَصَّاصٍ] لَا فِي البَدْوِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِمَّا يَجْلِبُهُ [الخَصَّاصُ إلَى الأَسْوَاقِ]، وَالْمُدُنِ، [وَالقُرَى]، أَصْلاً وَلَا أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ شَيْئًا لَا فِي حَضَرٍ وَلَا فِي بَدْوٍ، فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ البَيْعُ وَالشِّرَاءُ أَبَدًا، وَحُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الغَصْبِ، وَلَا خِيَارَ لأَحَدٍ فِي إمْضَائِهِ، [وَلَكِنْ يَدَعُهُ يَبِيعُ لِنَفْسِهِ، أَوْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ، أَوْ يَبِيعُ لَهُ خَصَّاصٌ مِثْلُهُ، وَيَشْتَرِي لَهُ كَذَلِكَ]، لَكِنْ يَلْزَمُ السَّاكِنَ فِي المَدِينَةِ، أَوْ القَرْيَةِ، [أَوْ المِجْشَرِ]: أَنْ يَنْصَحَ [لِلخَصَّاصِ] فِي شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ، وَيَدُلَّهُ عَلَى السُّوقِ، وَيُعَرِّفَهُ بِالأَسْعَارِ، [وَيُعِينَهُ عَلَى رَفْعِ سِلْعَتِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ بَيْعَهَا وَعَلَى رَفْعِ مَا يَشْتَرِي]. وَجَائِزٌ [لِلْخَصَّاصِ] أَنْ يَتَوَلَّى البَيْعَ، وَالشِّرَاءَ لِسَاكِنِ المِصْرِ، وَالقَرْيَةِ» (¬1). ومما يتعلق بهذا الفرق أيضًا ما جاء في النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض، فقد مال البخاري إلى قياس غير الطعام على الطعام في هذا النهي، أخذًا من رأي ابن عباس، وهو ما رواه بسنده عن طاووس قال: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، يَقُولُ: «أَمَّا الذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ [حَتَّى يُقْبَضَ]»، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ». وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: (بَابُ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) (¬2). ويلاحظ أن أحمد وإسحاق قد تعلقا بظاهر الحديث - فمنعا من بيع الطعام فقط قبل القبض، وأجازاه في غير الطعام، يقول الترمذي: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ [أَكْثَرِ] أَهْلِ العِلْمِ كَرِهُوا بَيْعَ الطَّعَامِ حَتَّى يَقْبِضَهُ المُشْتَرِي، ¬
وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِيمَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ، أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، وَإِنَّمَا التَّشْدِيدُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ فِي الطَّعَامِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ» (¬1)، ورأي أحمد وإسحاق هو رأي الظاهرية أيضًا. وكما لا يأخذ الظاهرية بأقوال الصحابة والتابعين، مع أن المحدثين ألحقوها بالنصوص - لا يأخذون بالرأي في أي شكل من أشكاله، سواء أكان قياسًا أم مصلحة أم استحسانًا أم غير ذلك، مما سيأتي عند الكلام على أصولهم. أما المحدثون فهم وإن كانوا يكرهون الرأي، لا يحرمون الرأي المحمود، لا على أنفسهم ولا على غيرهم، ما دام لا يخالف نصًا، ولا ينقض أصلاً. فقد قال أحمد بالقياس عند الضرورة، كما عمل بالمصلحة (¬2)، وأخذ بالاستحسان، فقد جاء في " المُغْنِي " فيما إذا غصب أرضًا فزرعها ثم استرجعها ربها والزرع قائم: «إنَّمَا ذَهَبَ - أحمد - إلَى هَذَا الحُكْمِ اسْتِحْسَانًا، عَلَى خِلاَفِ القِيَاسِ» ... «وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: " هَذَا شَيْءٌ لاَ يُوَافِقُ القِيَاسَ، أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نَفَقَتَهُ، لِلأَثَرِ "» (¬3). ثالثًا - اختلف الظاهرية مع المحدثين في بعض صور الإسناد: فالظاهرية ¬
لا يعتبرون من النصوص إلا ما نسب إلى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنص صريح، فأما أن يقول الصحابي: «أُمِرْنَا بِكَذَا»، أَوْ «نُهِينَا»، «مِنَ السُنَّة كَذَا» أو «كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» - فإن كل أولئك لا يدخل في دائرة النصوص عندهم، فلا يصلح للاحتجاج به. أما المحدثون فقد قدمنا أنهم يعطون أمثال هذه الصيغ حكم الحديث المرفوع وقد رأينا كيف أن البخاري قد استدل بقول أم عطية: «نُهِينَا» وَ «أُمِرْنَا» (¬1)، كما تقدم آنفًا استدلاله بحديث أنس: «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ». - هذه بعض العناصر الأساسية التي تفرق بين المحدثين والظاهرية، وتجعل من الأخيرين فرقة خاصة، لها منهجها ومميزاتها. وقد لمسنا في الفرق الثاني أصول أهل الظاهر لمسًا خفيفًا، وحان لنا أن نتحدث عن هذه الأصول، بقدر ما يوضح لنا فكرتهم ومنهجهم. ¬
الفصل الثاني: أصول الظاهرية
الفَصْلُ الثَّانِي: أُصُولُ الظَّاهِرِيَّةِ: وتناولنا لهذه الأصول لن يكون على سبيل الاستيعاب، فليس هذا من قصدنا، إلى جانب أن ابن حزم قد أغنانا عنه بما كتبه في أصول الظاهرية في " الإحكام " و" النبذ " وغيرهما. ولكن الذي يعنينا هنا هو أن نشير إلى أهم معالم المنهج الظاهري، وأن نسجل أوجه الخلاف أو الوفاق بينه وبين منهج المحدثين، في كل موضع تدعو الحاجة فيه إلى الموازنة. أصول الظاهرية هي: القرآن، والسنة، والإجماع، والدليل. فإن لم يكن شيء من ذلك اعتمدوا على الاستصحاب. وكل هذه الأصول نصوص أو راجعة إلى النصوص. يقول ابن حزم مبينًا هذه الأصول، وموضحًا معنى الدليل: «وَوَجَدْنَا فِي القُرْآنِ إِلْزَامَنَا الطَّاعَةَ لِمَا أَمَرَنَا بِهِ رَبُّنَا تَعَالَى فِيهِ وَلِمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ الثِّقَاتُ أَوْ جَاءَ عَنْهُ بِتَوَاتُرٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ جَمِيعُ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ عَلَى نَقْلِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى قَدْ سَاوَى بَيْنَ هَذِهِ الجُمَلِ الثَّلَاثِ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهَا عَلَيْنَا». «فَنَظَرْنَا فِيهَا فَوَجَدْنَا مِنْهَا جَمُلاً إذَا اجْتَمَعَتْ قَامَ مِنْهَا حُكْمٌ مَنْصُوصٌ عَلَى مَعَنَاهُ، فَكَانَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ وَجْهٌ رَابِعٌ، إِلَّا أَنَّهُ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ الأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَنَا، وَذَلِكَ نَحْوَ قولَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ " فَأَنْتَجَ ذَلِكَ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَى مَعْنَاهُ نَصًّا جَلِيًّا ضَرُورِيًّا
وَمِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]، وَقَدْ تَيَقَّنَّا بِالْعَقْلِ الَّذِي بِهِ عَلِمْنَا الأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَعْدُودٍ فَهُوَ ثُلُثٌ وَثُلُثَانِ فَإِذَا كَانَ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَقَطُّ، وَهِيَ وَالأَبُ وَارِثَانِ فَقَطُّ فَالثُّلُثَانِ لِلْأَبِ. وَهَذَا عِلْمٌ ضَرُورِيِّ لَا مَحِيدَ عَنْه لِلْعَقْلِ وَوَجَدْنَا ذَلِكَ مَنْصُوصًا عَلَى الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اللَّفْظِ. وَمِثْلُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ دَمَ زَيْدٍ حَرَامٌ [لِإِسْلَامِهِ] ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ حَلَّ دَمُهُ. فَقُلْنَا: قَدْ تَيَقَّنَّا بِالنَّصِّ وُجُوبُ الطَّاعَةِ لِلْإِجْمَاعِ، وَقَدْ صَحَّ نَقْلُ الإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ دَمَهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ لَنَا خِلَافَ ذَلِكَ إِلَّا بِنَصٍّ مَنْقُولٍ بِالثِّقَاتِ أَوْ بِتَوَاتُرٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ نَاقِلٍ لَنَا، فَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَى مَعْنَاهُ، وَمِثْلُ أَنْ يَدَّعِي زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو بِمَالٍ فَنَقُولُ: إِنَّ اللَهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى إِيجَابِ اليَمِينِ عَلَى عَمْرٍو لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ جَاءَ بِإِيجَابِ اليَمِينِ عَلَى مَنْ ادُّعِيَ عَلَيْهِ، وَعَمْرٌو مُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَدْ أَوْجَبَ النَّصُّ اليَمِينَ عَلَى عَمْرٍو. فَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الدِّيَانَةِ أَصْلاً إِلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الوُجُوهِ الأَرْبَعَةِ وَهِيَ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى النَّصِّ» (¬1). وقد جعل ابن حزم النص مرادفًا للظاهر، فقال: «وَالنَّصُّ: هُوَ اللَّفْظُ الوَارِدُ فِي القُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ، المُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُكْمِ الأَشْيَاءِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ نَفْسُهُ» (¬2). وقد سبق أن ذكرنا أن أهل الظاهر يلتزمون بمذهب المحدثين في اعتبارهم القرآن والسنة في مرتبة واحدة، هي مرتبة النصوص. فنصوص القرآن والسنة يكمل بعضها بعضًا، ويضاف بعضها إلى بعض، سواء من حيث التأكيد أو البيان أو التأسيس، ولذلك كان للسنة أن تخصص عام القرآن ¬
مفهوم الأمر والنهي عند الظاهرية
وتقيد مطلقه وتبين إجماله، وتنسخ من أحكامه، وينسخ القرآن من أحكامها، بل جعلوا أخبار الآحاد مفيدة للعلم، لا للظن الراجح كما هو مذهب الجمهور، وقد خالفوا أيضًا في اعتبارهم دلالة العام قطعية لا ظنية، وإن كان المؤدى واحدًا من حيث إنهم يتفقون مع الجمهور في قدرة السنة على تخصيص القرآن، وإن كان الطريق مختلفًا فالجمهور يعتبر العام ظنيًا، وأخبار الآحاد ظنية، فجاز تخصيص القطعي بالقطعي. مَفْهُومُ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ عِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ: وسلوك الظاهرية في فهم الأوامر والنواهي التي تتضمنها النصوص أحد المظاهر الهامة في الفقه الظاهري، وقد اختلف العلماء في موجب الأمر وما وضع له، وينص ابن حزم على رأي الظاهرية في هذا، مع إشارته للآراء الأخرى. فيقول: «الذِي يُفْهَمُ مِنَ الأَمْرِ أَنَّ الآمِرَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا أَمَرَ، وَأَلْزَمَ المَأْمُورَ ذَلِكَ الأَمْرَ. وَقَالَ بَعْضُ الحَنَفِيِّينَ وَبَعْضُ المَالِكِيِّينَ وَبَعْضُ الشَّافِعِيِّينَ: إِنَّ أَوَامِرَ القُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَنَوَاهِيهُمَا عَلَى الوَقْفِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى حَمْلِهَا: إِمَّا عَلَى وُجُوبٍ فِي العَمَلِ أَوْ فِي التَّحْرِيمِ وَإِمَّا عَلَى نَدْبٍ وَإِمَّا عَلَى إِبَاحَةٍ». «وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الطَّوَائِفِ التِي ذَكَرْنَا وَجَمِيعِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ إِلَى القَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الوُجُوبِ فِي التَّحْرِيمِ أَوْ الفِعْلِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى صَرْفِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى نَدْبٍ أَوْ كَرَاهَةٍ أَوْ إِبَاحَةٍ فَتَصِيرُ إِلَيْهِ» (¬1). فدلالة الطلب على وجوب الفعل أو الترك، ليست مما انفرد به أهل ¬
الظاهر - كما رأينا في كلام ابن حزم - فليست إذن مما يميزهم. لكن الذي عنيناه بأنه من المظاهر الهامة في فقههم هو أنهم يضيقون من الأدلة التي تخرج نصوص الأوامر والنواهي عن موجبها، على حين يوسع غيرهم من الفقهاء في ذلك، ويبدو هذا في الفروع، ولذلك يتبين مدى الأخذ بظاهر الأمر والنهي في الفروع، لا في أصل القاعدة (¬1). ومن أمثلة الفروع التي حمل الظاهرية فيها الأمر على الوجوب، مخالفين الجمهور - وجوب الإشهاد على البيع، للأمر في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]. ذهب إلى ذلك داود بن علي. وقد حكى وجوب الإشهاد عن بعض السلف، كأبي موسى الأشعري، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وهو مذهب الطبري (¬2). وكذلك وجوب مكاتبة العبد، إذا طلب مكاتبة سيده على قيمته. وكان العبد قادرًا على الوفاء. ووجوب معاونة المكاتب بشيء من المال، امتثالاً لظاهر الأمر في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} (¬3)، وقد سبق أن ذكرنا أن بعض المحدثين مال إلى ذلك أيضًا. ومن الأمثلة أيضًا: وجوب ترك البيع وقت النداء لصلاة الجمعة، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (¬4)، فإذا خالف أحد هذا الأمر، وباع في الوقت فبيعه باطل. ¬
وهل هذا الحكم ينطبق على العقود الأخرى، كالنكاح والإجارة وغيرهما - إذا تمت وقت النداء لصلاة الجمعة!. إن الظاهرية الذين يتمسكون بالألفاظ، ولا يعترفون بالقياس، ولا يبحثون عن العلل - قد وقفوا عند حدود الأمر بترك البيع. فالبيع وقت النداء هو المحرم فقط، أما العقود الأخرى فلا يوجد نص بتحريمها في هذا الوقت، فهي باقية على حكم الإباحة. وقد وافق المالكية الظاهرية في بطلان البيع وقت النداء للجمعة، ولكنهم زادوا عليهم تحريم العقود الأخرى وبطلانها إذا وقعت في الوقت المذكور. يقول ابن حزم: «وَلَا يَحِلُّ البَيْعُ مُذْ تَزُولُ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ إلَى مِقْدَارِ تَمَامِ الخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلاَةِ، لَا لِمُؤْمِنٍ، وَلَا لِكَافِرٍ، وَلَا لاِمْرَأَةٍ، وَلَا لِمَرِيضٍ، وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ الجُمُعَةَ فَإِلَى أَنْ تَتِمَّ صَلاَتُهُمْ لِلْجُمُعَةِ، وَكُلُّ بَيْعٍ وَقَعَ فِي الوَقْتِ المَذْكُورِ فَهُوَ مَفْسُوخٌ - وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ - وَأَجَازَ البَيْعَ فِي الوَقْتِ المَذْكُورِ: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَمَّا النِّكَاحُ، وَالسَّلَمُ وَالإِجَارَةُ، وَسَائِرُ العُقُودِ - فَجَائِزَةٌ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ لِكُلِّ أَحَدٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ - وَلَمْ يُجِزْهَا مَالِكٌ» (¬1). وقد قسم ابن حزم الأمر بالنسبة للزمان الواقع فيه، إلى أمر مرتبط بوقت لا فسحة فيه، مثل صيام شهر رمضان، فغير جائز تعجيل أدائه قبل وقته ولا تأخيره عن وقته، وإلى أمر مؤقت بوقت محدود الطرفين، مثل أوقات الصلاة، فلا يجوز فيها أيضًا أداء شيء قبل دخول وقته، ولا بعد خروج وقته. وبناء على ذلك ذهب ابن حزم إلى أن من تعمد ترك صلاة حتى خرج وقتها فإنه لا يقضيها، وكذلك لو تعمد ترك صيام رمضان ¬
أو بعضه فإنه لا يجزئه القضاء، وإنما كفارة الفرائض المتروكة الاستغفار والتوبة والإكثار من التطوع، أما قضاء المتروك فلا يجزئه، لأنه لا يفههم من قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -، ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اعملوا كذا في وقت كذا، وصلوا صلاة كذا من حين كذا إلى حين كذا - إلا أن الزمان المحدود هو الذي أمرنا فيه بالعمل المذكور، فإذا ذهب زمان للعمل فلا سبيل إلى العمل، إلا إذا جاء نص يبيح ذلك، كما في المريض والمسافر في رمضان، وكذا في النائم والناسي للصلاة، فليصلها إذا ذكرها، أو إذا استيقظ. وقد يكون الأمر محدود الطرف الأول غير محدود الطرف الآخر، فإن الأمر به ثابت متجدد وقتًا بعد وقت، وهو ملوم في تأخيره، فإن أداه سقط عنه إثم الترك، وعليه إثم التأخير وعدم البدار، كوجوب الزكاة والحج (¬1). ومن المميزات الهامة للفقه الظاهري أن كل فعل منهي عنه فإنه يقع باطلاً، لا يترتب عليه أثر ما، كما قدمناه بالنسبة لبعض المحدثين. فرفع البصر إلى السماء في الصلاة يبطلها، لأن النهي عنه جاء في حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ، أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ»، وقد عنف ابن حزم المذاهب التي لا تبطل الصلاة بتعمد رفع الأبصار إلى السماء، مع أن النص قد صح بتحريمه وشدة الوعيد فيه. وَكَذَلِكَ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ وَالحَمَّامِ وَالمَدَافِنِ، ¬
فلا تصح الصلاة في هذه الأماكن ويلزم إعادتها، وكذلك لا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة، بل إن من أكل ثومًا أو بصلاً ثم صلى في المسجد فإن صلاته باطلة لا تصح. وَقَدْ نَهَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَنْ التَّخَتُّمِ فِي السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، فمن فعل ذلك عامدًا، وتعمد الصلاة فلا صلاة له. والحديث يقول: «[مَنْ عَمِلَ] عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (¬1). ويقرر ابن حزم مذهب الظاهرية في ذلك، فيقول: «وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَقَ بِوَصْفٍ مَا لَا يَتِمُّ ذَلِكَ العَمَلُ المَأْمُورُ بِهِ إِلَّا بِمَا عَلَقَ بِهِ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ المَأْمُورُ كَمَا أَمَرَ - فَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ بَاقٍ [عَلَيْهِ] كَمَا كَانَ، وَهُوَ عَاصٍ بِمَا فَعَلَ، وَالمَعْصِيَةُ لَا تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ وَلَا يُشَكِّلُ ذَلِكَ فِي عَقَلِ ذِي عَقْلٍ. فَمِنْ ذَلِكَ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ مَغْصُوبٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ الفِعْلُ أَوْ صَلَّى فِي مَكَانٍ نُهِيَ عَنْ الإِقَامَةِ فِيهِ، كَمَكَانٍ نَجِسٍ أَوْ مَكَانٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ فِي عَطَنِ الإِبِلِ، أَوْ إِلَى قَبْرٍ أَوْ مَنْ ذَبَحَ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ حَيَوَانِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ [صَاحِبِهِ] أَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ بِآنِيَةِ فِضَّةٍ، أَوْ بِإِنَاءٍ ذَهَبٍ فَكُلُّ هَذَا لَا [يَتَأَدَّى] فِيهِ فَرْضٌ: فَمَنْ صَلَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يُصَلِّ، وَمَنْ تَوَضَّأَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَمَنْ ذَبَحَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَذْبَحْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَكْلُهَا، لَا لِرَبِّهَا وَلَا لَغَيْرِهِ وَعَلَى ذَابِحِهَا ضَمَانُ مِثْلِهَا حَيَّةً، لِأَنَّهُ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: " مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ "» (¬2). وهذا الاتجاه في فهم النهي، وإبطال العمل المنهي عنه، أو المتلبس بما هو منهي عنه - مستمد من تصورهم وجود تناقض في فعل واحد ¬
بعينه. فحركة المصلي في منزل مغصوب مثلاً، فعل واحد فلو صحت صلاته فيها لأدى القول بصحتها إلى أن يكون الفعل الواحد حرامًا واجبًا في وقت واحد، وهذا تناقض، لأن الصلاة واجبة، والكون في الشيء المغصوب حرام. وهذا التصور مردود «هَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ السَّلَفِ، فَإِنَّهُمْ مَا أَمَرُوا الظَّلَمَة عِنْدَ التَّوْبَةِ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّاةِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ [مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا] ... بَلْ نَقُولُ: الْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ مُتَغَايِرَانِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، مَكْرُوهًا مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُكْرَهُ بِعَيْنِهِ، [وَفِعْلُهُ] مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَلَاةٌ مَطْلُوبٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَصْبٌ مَكْرُوهٌ، [وَالْغَصْبُ مَعْقُولٌ دُونَ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ مَعْقُولَةٌ دُون الْغَصْبِ]، وَقَدْ اجْتَمَعَ الْوَجْهَانِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ، وَمُتَعَلَّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْوَجْهَانِ الْمُتَغَايِرَانِ» (¬1). وهكذا رأينا الظاهرية يحكمون بالبطلان على كل فعل منهي عنه على أي وجه كان هذا النهي، لأنه وقع على خلاف ما يطلب الشارع، فكان بوضعه هذا غير مشروع، وإذا كان غير مشروع، فلا يترتب عليه أي أثر شرعي، ودليلهم في ذلك هو ما سبق أن استدل به البخاري «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (*). أما الجمهور فقد قسم المنهي عنه لذاته، أو لصفة ملازمة له، فهو حينئذٍ باطل أو فاسد - على الخلاف بين الأحناف والشافعية ¬
في ذلك (¬1)، وإلى منهي عنه لأمر خارج مجاور له، فإنه يقع صحيحًا، وتترتب عليه آثاره مع الإثم: كالوطء في الحيض، والذبح بسكين مغصوبة، لأن جهة المشروعية فيه تخالف جهة النهي، ولا تلازم بينهما، فترتب الآثار على الفعل أو القول باعتبار وقوعه كاملاً على الوجه المشروع فيه بحسب حقيقته، والإثم لازم، بسبب ما صاحبه من أمور خارجة عن تلك الحقيقة، فتعتبر الزوجة بالوطء في الحيض مدخولاً بها حقيقة وتحل لمن طلقها ثلاثًا، وإن كان الواطئ آثمًا. والذبح بسكين مغصوبة تذكى بها الذبيحة مع الإثم، وتصح الصلاة في الأرض المغصوبة، وتبرأ بها الذمة مع الإثم، والبيع وقت النداء لصلاة الجمعة يفيد آثاره مع الإثم (¬2). وقد أغرق الظاهرية في تطبيق هذا الأصل، وأدى استمساكهم به ¬
نقل النصوص في الميزان الظاهري
دائمًا إلى شيء من الشذوذ والحرج، مما رأينا أمثلة له قبل ذلك بقليل، ومن أمثلته أيضًا أن ابن حزم أبطل الصيام بارتكاب معصية ما، أَيًّا كانت هذه المعصية، وفي ذلك يقول: «وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ أَيْضًا تَعَمُّدُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ - أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ، لَا نُحَاشِ شَيْئًا - إذَا فَعَلَهَا عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ، كَمُبَاشَرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ، أَوْ تَقْبِيلِ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ المُبَاحَتَيْنِ لَهُ مِنْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ، أَوْ إتْيَانٍ فِي دُبُرِ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ كَذِبٍ، أَوْ غِيبَةٍ، أَوْ نَمِيمَةٍ، أَوْ تَعَمُّدِ تَرْكِ صَلاَةٍ، أَوْ ظُلْمٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَى المَرْءِ فِعْلُهُ؟». واحتج لذلك بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا [يَصْخَبْ] فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؟ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ». وبالحديث الشريف: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». ثم روى عن أنس بن مالك: «إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ»، وَعَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ: «كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ» (¬1). مع ملاحظة أنه لا يروي قول أنس وإبراهيم النخعي للاحتجاج، ولكن ليبين أنه غير شاذ فيما ذهب إليه. وبهذا المنطق أيضًا يؤكد ابن حزم أن كل فسوق يتعمده المحرم في الحج ذاكرًا لإحرامه، فقد بطل إحرامه وحجه وعمرته، لقول الله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (¬2). نَقْلُ النُّصُوصِ فِي المِيزَانِ الظَّاهِرِي: هذه صورة لجانب هام من الفقه الظاهري في فهمه للنصوص، رأينا ¬
فيها كيف يأخذ بظاهر اللفظ في الأوامر والنواهي، لا يؤولها ولا يبعد عنها. فالنص هو محور المنهج الظاهري، والحجة مقصورة عليه، والأخذ بالظاهر المتبادر من ألفاظ النص - التزام عند الظاهرية، يجب التقيد به والوقوف عنده. والذي يُقَلِّبُ كُتُبَ ابن حزم - فيلسوف الظاهرية وأصوليهم - سيجد أن كلمة «النَّصَّ» ومشتقاتها كثيرة الدروان والشيوع فيها، لا تكاد صفحة من صفحات كتبه تخلو منها. وابن حزم ينكر بشدة أن توجد مسألة لا نص فيها، بل كل مسألة في الدين ففيها نص ولا بد إِنْ خَاصًّا، وَإِنْ كَانَ عَامًّا. ويقول في ذلك: «وَاعْلَمُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذِهِ المَسْأَلَةَ لَا نَصَّ فِيهَا قَوْلٌ بَاطِلٌ وَتَدْلِيسٌ فِي الدِّينِ، وَتَطْرِيقٌ إِلَى هَذِهِ العَظَائِمِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يُحَرِّمُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنْ مَاتَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ حَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ...} [البقرة: 29] وَقَوْلِهِ: {... وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وَكُلُّ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَلَمْ يُوجِبْهُ ...» (¬1). ولو حاولنا أن نصف المنهج الظاهري في أسطر قليلة، لوضح لنا ثقل كلمة (النَّصِّ) في الميزان الظاهري ومدى تقيده به: [أ] فالمبادرة إلى إنفاذ الأمر واجبة إلى أن يفيد التأخير نص آخر أو إجماع فيوقف عنده (¬2). [ب] والأمر والنهي على الوجوب في الفعل والترك، إلا أن يأتي ¬
نص يصرفه عن ذلك، ولا عبرة بما يقال من أن الأمر بعد الحظر يكون للإباحة (¬1). [ج] يجب ألا تؤول النصوص عن ظاهرها إلا بنص آخر صريح مخبر أن النص على غير ظاهره. «فَالثِّيَابُ» في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، هي ثياب حقيقية مأمور بتطهيرها، لأنه لم يأت نص بصرفها عن ذلك، أما «الظُّلْمُ» في قوله تعالى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، فقد جاء نص الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبين أن المراد به «الشِّرْكَ» كما في قوله سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، ويقوم مقام النص في ذلك - الضرورة المانعة من حمله على ظاهره، كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] فبيقين الضرورة والمشاهدة، ندري أن جميع الناس لم يقولوا: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ» (¬2). [د] لا يحل القول بدليل الخطاب، لأنه مسكوت عنه ولا نص فيه، ودليل الخطاب هو الذي يعرف بمفهوم المخالفة، وهو ثبوت نقيض حكم المنطوق به لمسكوت عنه، ويقول عنه ابن حزم: «إِنَّ هَذَا المَذْهَبَ وَالقِيَاسَ ضِدَّانِ مُتَفَاسِدَانِ، لِأَنَّ القِيَاسَ هُوَ أَنْ يَحْكُمَ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِحُكْمِ المَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَكِلَا المَذْهَبَيْنِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُمَا [تَعَدِّي لِـ] (*) حُدُودِ اللَّهِ، وَتَقَدُّمٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا الحَقُّ أَنْ تُؤْخَذَ الأَوَامِرُ كَمَا وَرَدَتْ، وَأَلَّا يُحْكَمَ لِمَا لَيْسَ فِيهَا بِمِثْلِ حُكْمِهَا، وَلَكِنْ يَطْلُبُ الحُكْمَ فِي ذَلِكَ مِنْ نَصٍّ آخَرَ، فَلَمْ يُفَرِّطْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الكِتَابِ شَيْئًا، لِأَنَّ القِيَاسَ إِدْخَالُ المَسْكُوتِ عَنْهُ فِي حُكْمِ ¬
المَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَدَلِيلُ الخِطَابِ إِخْرَاجُ المَسْكُوتِ عَنْهُ عَنْ حُكْمِ نَفْسِهِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَحِلُّ ...» (¬1). [هـ] لا يصح تعليل نص إلا إذا جاء النص مُبَيِّنًا لِعِلَّتِهِ (¬2). [و] إذا كانت العلة منصوصة، فيجب الوقوف عندها، وعدم تعديتها إلى غير ما جاءت مبينة له، «وَإِذَا نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ حُكْمَ كَذَا فِي أَمْرٍ كَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّى بِذَلِكَ الحُكْمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ المَحْكُومِ فِيهِ، فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَمَّا السِّنُّ فَإِنَّهُ عَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ " فَلَا يَجُوزُ أَنْ نَتَعَدَّى بِهَذَا الحُكْمِ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» (¬3). [ز] أقوال الرسول فقط هي التي تفيد الوجوب، لأنها هي الملفوظة المنصوصة، أما أفعاله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فحكمها القدوة والندب، إلا ما كان منها بيانًا لأمر، أو تنفيذًا لحكم، وأما تقريراته فحكمها الإباحة (¬4). وقد ذهب ابن حزم إلى التسليمة الأولى في الصلاة فرض. أما الثانية فهي سنة. «وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا فَرْضًا كَمَا قَالَ الحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: فَلأَنَّ الثَّانِيَةَ إنَّمَا هِيَ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَتْ أَمْرًا مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَمْرُهُ لَا فِعْلُهُ» (¬5). ¬
مفهوم الإجماع عند الظاهرية
[ح] الإجماع لا يكون إلا مستندًا إلى نص وسيأتي تفصيل الكلام فيه. [ط] لا يحل القول بالرأي وما يتفرع إليه من قياس أو استحسان أو مصلحة أو ذريعة، لأن كل أولئك لا نصوص فيها توجب العمل بها. ونكتفي بهذه اللمحة عن منهج الظاهرية في أخذهم بالنصوص، ووقوفهم عند ألفاظها، لننتقل إلى الأصل الثاني بعد نصوص القرآن والسنة، وهو الإجماع، لنبين مفهومه عندهم، ثم نجمل بعده موقفهم من الرأي. مَفْهُومُ الإِجْمَاعِ عِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ: ومذهب الظاهرية في الإجماع مرتبط بمذهبهم في قصر الحجة على النصوص. كما أنه متأثر إلى حد كبير بمذهب الشافعي وأحمد بن حنبل فيه، وبالجملة التي شنها عليهم خصومهم. واتهموهم فيها بمخالفة الإجماع في المسائل التي شذوا فيها. وكون الإجماع حجة هو موضع اتفاق بين الظاهرية وغيرهم (¬1)، وإنما الخلاف في ماهية هذا الإجماع. وقد حكى ابن حزم فيه ما يقرب من سبعة عشر قولاً (¬2)، والذي يهمنا هو ما حكاه من تصور داود الظاهري وكثير من أصحابه للإجماع، فقد قالوا: إنه لا إجماع إلا إجماع الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، لأنهم شهدوا التوقيف من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد صح أنه لا إجماع إلا عن توقيف، ولأنهم كانوا جميع المؤمنين، لا مؤمن من الناس سواهم، فإجماعهم حينئذٍ هو الإجماع المقطوع به، أما كل عصر بعدهم، فإنما هم بعض ¬
المؤمنين لا كلهم، وليس إجماع بعض المؤمنين، إنما الإجماع إجماع جميعهم، وقد كان الصحابة عددًا محصورًا يمكن أن يحاط بهم وتعرف أقوالهم، وليس من بعدهم كذلك (¬1). وقد ذهب ابن حزم أيضًا إلى أن الإجماع هو إجماع الصحابة، وقسمه إلى قسمين: - أولهما: كل ما لا يشك أحد من المسلمين في أن من لم يقل به فليس مسلمًا، كالنطق بالشهادتين، وكوجوب الصلوات الخمس، وصوم رمضان، وتحريم الميتة والخنزير، والإقرار بالقرآن، وجملة الزكاة. - ثانيهما: شيء شهده جميع الصحابة من فعل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو تيقن أنه عرفه كل من غاب عنه منهم، كَفِعْلِهِ فِي خَيْبَرَ، إِذْ أَعْطَاهَا اليَهُودَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ، يخرجهم المسلمون إذا شاءوا. ومخالفة هذا القسم الأخير، لا تؤدي إلى الكفر، إذا كانت المخالفة نتيجة الخطأ في الاجتهاد (¬2). ويقول ابن حزم: «وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا إجْمَاعًا، وَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا إلَّا مَا لَا شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَقُولُ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَهُوَ كَافِرٌ: كَالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَالحَجِّ إلَى مَكَّةَ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ» (¬3). وإذا قارنا مذهب الظاهرية في الإجماع، وبخاصة هذه العبارة الأخيرة لابن حزم، بما أثر عن الشافعي وأحمد من رأيهما في الإجماع - أدركنا تشابهًا كبيرًا في الفكرة، يوحي بتأثيرهما في أهل الظاهر. ¬
فالشافعي - مع قوله بحجية الإجماع واستدلاله له - يقول: «لَسْتُ أَقُولُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: هَذَا مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ، إِلَّا لَمَّا لَا تَلْقَى عَالِمًا أَبَدًا إِلَّا قَالَهُ لَكَ، وَحَكَاهُ عَمَّنْ قَبْلَهُ، كَالظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَكَتَحْرِيمِ الخَمْرِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا» (¬1). وأحمد بن حنبل يقول: «مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، أَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا» (¬2). ومما يدل على أن موقف الظاهرية من الإجماع متأثر كذلك بحملة خصومهم عليهم - أنهم مع تسليمهم بحجية الإجماع يختلفون مع الجمهور في موضعين: أحدهما أن الإجماع لا بد من استناده إلى نص. وثانيهما: كما يقول ابن حزم: «دَعْوَاهُمْ - أَيْ غَيْرَ الظَّاهِرِيَّةِ - الإِجْمَاعُ فِي مَوَاضِعَ ادَّعُوا فِيهَا البَاطِلَ بِحَيْثُ لَا يَقْطَعُ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ بِلَا بُرْهَانٍ: أَمَّا فِي مَكَانٍ قَدْ صَحَّ فِيهِ الاِخْتِلَافُ مَوْجُودًا وَإِمَّا فِي مَكَانٍ لَا نَعْلَمُ نَحْنُ فِيهِ اِخْتِلَافًا إِلَّا أَنَّ وُجُودَ الاِخْتِلَافِ فِيهِ مُمْكِنٌ» (¬3). هذه ملامح من فكرة الظاهرية عن الإجماع، وهي في جوهرها تؤكد أن الإجماع عندهم لا يخرج عن أن يكون نصوصًا مجمعًا عليها. الدَّلِيلُ: بعد أن عرضنا لمفهوم النصوص والإجماع عند الظاهرية، ننتقل ¬
الآن إلى الأصل الأخير من الأصول التي ذكرها ابن حزم فيما نقلناه عنه في بداية حديثنا عن أصول أهل الظاهر، وهذا الأصل هو الدليل. ويذكر ابن عبد البر أن داود بن علي ومن قال بقوله قد نفوا القياس في التوحيد والأحكام جميعًا، ولكنهم أثبتوا الدليل والاستدلال في الأحكام. ثم بَيَّنَ أن الدليل عند داود ومن تابعه، نحو قول الله - جَلَّ وَعَزَّ -: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، لو قال قائل: فيه دليل على رد شهادة الفساق كان مستدلا مصيبًا. ونحو قول الله - عَزَّ وَجَلَّ - {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] كان فيه دليل على قبول خبر العدل. ونحو قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، دليل على أن كل مانع من السعي إلى الجمعة فتركه واجب، لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن جميع أضداده. ثم ذكر ابن عبد البر أن العلماء قد اختلفوا في هذا الاستدلال على وجهين: أولهما - أنه نوع من أنواع القياس فيدخله ما يدخل القياس من العلل. وثانيهما - أنه هو النص بعينه وفحوى خطابه. ثم رجح أنه غير قياس، فقال: «القِيَاسُ الذِي لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ قِيَاسٌ هُوَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ إِذَا أَشْبَهَهُ، وَالحُكْمُ لِلنَّظِيرِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَالْحُكْمُ لِلْفَرْعِ بِحُكْمِ أَصْلِهِ إِذَا قَامَتْ فِيهِ العِلَّةُ التِي مِنْ أَجْلِهَا وَقَعَ الحُكْمُ» (¬1). والأمثلة التي ذكرها ابن عبد البر ليوضح بها معنى الدليل، فيها ما يوهم أن الظاهرية يقولون بمفهوم المخالفة إذا كان الدليل على قبول خبر الواحد العدل مقصورًا عندهم على قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6]، فقط مع ما قد ذكرناه عنهم من رفضهم هذا المفهوم، إذ هو غير منصوص. ¬
أقسام الدليل
وقد رد ابن حزم هذا التأويل الموهم بقوله: «وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا هَذِهِ الآيَةَ وَحْدَهَا، لَمَا كَانَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ العَدْلِ، وَلَا عَلَى المَنْعِ مِنْ قَبُولِهِ بَلْ إِنَّمَا مَنَعَ فِيهَا مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الفَاسِقِ فَقَطْ، وَكَانَ يَبْقَى خَبَرُ العَدْلِ مَوْقُوفًا عَلَى دَلِيلِهِ، وَلَكِنْ لَمَّا اسْتَفَاضَتْ هَذِهِ الآيَةُ التِي فِيهَا المَنْعُ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الفَاسِقِ، إِلَى الآيَةِ التِي فِيهَا قَبُولُ نَذَارَةِ النَّافِرِ لِلْتَّفَقُّهِ، صَارَتَا مُقَدَّمَتَيْنِ أَنْتَجَتَا قَبُولَ خَبَرِ الوَاحِدِ العَدْلِ، دُونَ الفَاسِقِ بِضَرُورَةِ البُرْهَانِ» (¬1). وهو يشير إلى أن قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122]، يوجب قبول الخبر النافر للتفقه. ولا يخلو هذا النافر من أن يكون عدلاً أو فاسقًا، ولا سبيل إلى قسم ثالث، وقد أمر الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بالتوقف في قبول خبر الفاسق بقوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6]. فلم يبق إلا قبول خبر العدل، وهذا استدلال بمنطوق النصوص، لا بمفهومها. أَقْسَامُ الدَّلِيلِ: والدليل عند الظاهرية ينقسم إلى قسمين: دليل مأخوذ من النص ودليل مأخوذ من الإجماع، وقد أشار ابن حزم إلى كلا القسمين، بذكره أمثلة لهما في عبارته التي صدرنا بها كلامنا عن أصول أهل الظاهر. فمن أنواع الدليل المأخوذ من النص، ما سبق في المثال الذي ذكره ابن حزم، من أن النص يشتمل على مقدمتين، دون أن يذكر فيه النتيجة المترتبة عليهما كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ». فإن هاتين المقدمتين ينتج عنهما: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)، فهذا ¬
منصوص على معناه نصًا جليًا ضروريًا، وإن لم ينص على لفظه، لأن المسكر هي الخمر، والخمر هي المسكر، والخمر حرام، فالمسكر الذي هو هي حرام، فتحريم المسكرات من أنواع الخمور حتى ولو لم ينص عليها بالذات - ليس أخذًا بالقياس، وإنما هو تطبيق للنص، حيث إن النتائج مطويات في المقدمات. ومن أنواع الدليل المأخوذ من النص أيضًا ما يعرف في الأصول بـ (تحقيق المناط) أي الاجتهاد في الفروع لمعرفة تحقق مناط الحكم أو عدم تحققه فيها، كالبحث في نبيذ الشعير، وهل هو مسكر فيلحق بعصير العنب، أو غير مسكر، فلا يلحق به، وكقوله تعالى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (¬1). فإن كل من ينتهي يغفر الله له، وكالمثال الذي سبق أن ذكره ابن حزم، وهو أن يدعي زيد على عمرو بمال، فنقول: إن الله تعالى نص على إيجاب اليمين على عمرو، لأن النص قد جاء بإيجاب اليمين على من ادعى عليه، وعمرو مدعى عليه، فقد أوجب النص اليمين على عمرو. ومن أنواعه أيضًا، أن يكون المعنى الذي يدل عليه اللفظ متضمنًا في ذاته نفى آخر، لا يمكن أن يتلاءم مع المعنى الذي اشتمل عليه اللفظ، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} (¬2) (*). فإنه يتضمن حتمًا أن إبراهيم ليس بسفيه، لأن السفيه لا يمكن أن يتلاءم مع معنى الحلم. ولعل المثال الأخير الذي ذكره ابن عبد البر من أمثلة الدليل - من هذا النوع، فقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ¬
ذِكْرِ اللَّهِ} (¬1) دليل على أن كل مانع من السعي إلى الجمعة تركه واجب، وعلل ذلك بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن جميع أضداده. وقد قرر ابن حزم أن الأمر بالشيء هو نهي عن فعل كل ما خالف الفعل المأمور، وعن كل ضد له خاص أو عام، يقصد بالضد الخاص، المضاد في النوع وبالضد العام، المضاد في الجنس، فالأمر بالقيام يقتضي النهي عن القعود والاضطجاع والانحناء وعن كل هيئة ما عدا القيام (¬2). هذا بعض أنواع الدليل المأخوذ من النص، وهناك أنواع أخرى لا تخرج أيضًا عن دلالة اللفظ (¬3) وكان من المفروض أن يكون هذا الدليل بكل أنواعه من أبحاث الألفاظ التي تشتمل عليها النصوص، كالأمر والنهي والعموم والخصوص، ولكن لما كانت أنواع الدليل ليست من قبيل الدلالة الظاهرة للنص، وإنما هي أخذ بما تضمنته دلالتها من معان لا تظهر إلا بعد تأمل، وكان منهج الظاهرية حرفيًا ملتزمًا للنص الظاهر - احتاجوا أن يفردوا الدلالات اللازمة للمعنى الظاهر تحت اسم خاص هو الدليل (¬4). أما الدليل المأخوذ من الإجماع فقد قسمه ابن حزم إلى أربعة أقسام، هي: الاستصحاب أو استصحاب الحال، وأقل ما قيل، وإجماعهم على ترك قولة ما، وإجماعهم على أن حكم المسلمين سواء. أما النوع الأول وهو الاستصحاب، فقد أشار إليه ابن حزم بالمثال ¬
الذي ذكره فيما نقلناه عنه في بداية حديثنا عن أصول الظاهرية أيضًا، حيث قال: «مِثْلَ إِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ دَمَ زَيْدٍ حَرَامٌ بِإِسْلَامِهِ، ثُمَّ قَالَ قَائِلٌ، قَدْ حَلَّ دَمُهُ. فَقُلْنَا: قَدْ تَيَقَّنَّا بِالنَّصِّ وُجُوبَ الطَّاعَةِ لِلْإِجْمَاعِ، وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ دَمَهُ حَرَامٌ، فَلَا يَجُوزُ لَنَا خِلَافُ ذَلِكَ، إِلَّا بِنَصٍّ مَنْقُولٍ بِالثِّقَاتِ أَوْ بِتَوَاتُرٍ أَوْ بِإِجْمَاعٍ نَاقِلٍ لَنَا، فَهَذَا مَنْصُوصٌ عَلَى مَعْنَاهُ»، وهذا يفيد أن ما ثبت بالإجماع، يظل ثابتًا ولا يقبل دعوى تغييره، حتى يقوم على تغيير حكمه دليل من نص أو إجماع آخر، وهذا هو معنى الاستصحاب، فقد عرفه الأصوليين بأنه الحكم على الشيء بما كان ثابتًا له، أو منفيًا عنه، لعدم قيام الدليل على خلافه. فمعناه عدم قيام الدليل على تغيير حكم سابق، فهو دليل سلبي، لا إيجابي، ولذلك اختلف فيه، هل هو حجة للدفع فقط، أو للدفع والإثبات (¬1). وقد توسع الظاهرية في استخدام هذا الدليل، نظرًا لاقتصارهم على النصوص ومنعهم الاستدلال بالرأي، كما أكثر منه فقهاء المحدثين، كأحمد بن حنبل، لما قدمناه من كراهيتهم للرأي، وميلهم إلى الوقوف عند حدود النصوص. وقد فرق ابن حزم بين الاستصحاب، وأقل ما قيل - وهما القسمان الأولان من أقسام الدليل المأخوذ من الإجماع - في صورة سؤال وجوابه حيث قال: «فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ هَذَانِ اسْمَانِ (¬2) مُخْتَلِفَانِ فِي المَعْنَى فَمَا الفَرْقُ ¬
بَيْنَهُمَا؟ وَلِمَ صِرْتُمْ إِلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الأَمْكِنَةِ، وَإِلَى الآخَرِ فِي أَمْكِنَةٍ أُخْرَى؟ وَمَا حَدُّ المَوَاضِعِ التِي تَأْخُذُونَ فِيهَا بِاسْتِصْحَابِ الحَالِ؟ وَمَا حَدُّ المَوَاضِعِ التِي تَأْخُذُونَ فِيهَا بِأَقَلِّ مَا قِيلَ؟ وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَ فِعْلَكُمْ فِي كِلَا المَوْضِعَيْنِ اتِّبَاعًا لِلْإِجْمَاعِ وَإِجْمَاعًا صَحِيحًا ...». ثم أجاب بقوله: «إِنَّ الذِي عَمِلْنَا فِيهِ بِأَنْ سَمَّيْنَاهُ أَقَلَّ مَا قِيلَ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حُكْمٍ أَوْجَبَ غَرَامَةَ مَالٍ، أَوْ عَمَلاً بِعَدَدٍ، لَمْ يَأْتِ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ ذَلِكَ نَصٌّ فَوَجَبَ فَرْضًا أَلَّا نَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ لَمْ يُرِدْ نَاقِضٍ فِي الحُكْمِ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ عَلَى الحُكْمِ عَلَيْهِ، وَكَانَ العَدَدُ الذِي قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ، وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ فِي الحُكْمِ بِهِ، وَكَانَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلاً بِلَا دَلِيلٍ، لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ فَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الأَخْذَ بِهِ. وَأَمَّا الذِي عَمَلْنَا فِيهِ بِأَنْ سَمَّيْنَاهُ اسْتِصَحَابَ الحَالِ، فَكُلُّ أَمْرٍ ثَبَتَ إِمَّا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، فِيهِ تَحْرِيمٌ أَوْ تَحْلِيلٌ أَوْ إِيجَابٌ، ثُمَّ جَاءَ نَصٌّ مُجْمَلٌ يَنْقُلُهُ عَنْ حَالِهِ، فَإِنَّمَا نَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى مَا نَقَلْنَا النَّصَّ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِبُرْهَانٍ عَلَى أَحَدِ الوُجُوهِ التِي اخْتَلَفُوا [عَلَيْهِ]، وَكَانَتْ كُلُّهَا دَعَاوَى، [فَإِذَا] ثَبَتَ عَلَى مَا قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ عَلَيْهِ، وَنَسْتَصْحِبُ تِلْكَ الحَالِ، وَلَا نَنْتَقِلُ عَنْهَا إِلَى دَعَاوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا» (¬1). ثم ذكر لذلك أمثلة، منها: أن الذهب لم يأت فيه نص بمقدار النصاب ولا في مقدار الحق المأخوذ منه فصرنا في ذلك إلى الإجماع ضرورة، لأنه لا يحل من مال المسلم إلا ما أوجبه نص أو إجماع، فلم نوجب في الذهب إلا أقل ما قيل في نصابه، وهو أربعون دينارًا، فلا يؤخذ زكاة في أقل من أربعين دينارًا، بخلاف الفضة، لأن الفضة ورد فيها نص، أما الذهب فلم يرد في مقدار ما يؤخذ منه نص يصح البتة. ¬
ومثل الاختلاف في زكاة حلي الذهب، فقد أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في الذهب قبل أن يصاغ حليًا، إذا بلغ المقدار السابق، ثم اختلفوا في سقوطها إذا صيغ، فاستصحبنا الحال التي أجمعنا عليها، ولم نسقط بالاختلاف ما قد وجب باليقين والإجماع (¬1). فلا يؤثر تبدل الأزمان والأمكنة، ولا تغير أحوال المحكوم عليه - في الحكم الثابت بالنص أو بالإجماع، إلا إذا ورد نص أو إجماع يفيد تغير الحكم، أو بتغير المحكوم عليه بحيث يتبدل اسمه، فما دام الذهب هو الذهب قبل أن يصاغ وبعد أن يصاغ، فالحكم ما زال باقيًا، وهو وجوب الزكاة. أما الإجماع على الترك، فهو أن يختلف الناس في مسألة ما على عدة أقوال ويجمعوا على ترك قول في الموضوع، كما اختلف الصحابة في ميراث الجد مع الإخوة وهل يرثون معه أو لا؟ فقال بعضهم: إنه كالأب عند فقده، وكما أن الأب يحجب الإخوة، فكذلك الجد يحجبهم فلا يرثون معه. وقال آخرون: إنه يكون معهم كأخ شقيق أو لأب، بشرط ألا يقل نصيبه عن الثلث، وقال فريق ثالث: إنه كالأخ إذا كان الإخوة ذكورًا، ويكون عصبة وحده إن كانوا إناثًا، بشرط ألا يقل عن السدس في الحالين. وكل هذه الأقوال أجمعت على أن الجد يرث مع الإخوة، وأجمعت على ترك القول بعدم ميراثه معهم، فلا يحل لأحد أن يخالف هذا الإجماع باستحداث قول يحرم به الجد من الميراث مع الإخوة. أما القسم الأخير من أقسام الدليل المأخوذ من الإجماع، وهو الإجماع على أن حكم المسلمين سواء، فهو قريب من القاعدة التي تقول: ¬
موقف الظاهرية من الرأي
العبرة بعموم الحكم لا بخصوص السبب، فإذا خوطب بالحكم بعض المسلمين، فهو حكم لعامتهم، ما دامت لم توجد خصوصية ثابتة من النص نفسه، وعلى ذلك يكون الحكم عامًا وإن كان اللفظ خاصًا. وقد ذهب الظاهرية مثلاً، إلى أن رضاعة الكبير من المرأة، إذا استوفت شروطها تعتبر رضاعة محرمة لأن الحديث قد جاء في ذلك، دون نص بالخصوصية، لأنه وإن جاء في (سَالِمٍ) إلا أن الإجماع قد انعقد على أن حكم المسلمين سواء، ولم يجيء من النصوص ما يجعل هذا الحكم خاصًا بسالم وحده (¬1). مَوْقِفُ الظَّاهِرِيَّةِ مِنَ الرَّأْيِ: هذه هي الأصول التي يعتمد عليها الظاهرية في استنباط الأحكام، أجملنا منهجهم في الاستدلال بها، ورأينا كيف أن النص هو مركز دائرتها، وقطب رحاها. أما الاجتهاد بالرأي، فلم يكتب الظاهرية بتجنبه وإهماله، بل وقفوا منه موقف الخصم الألد، والعدو المستبد، وحملوا عليه وعلى القائلين به - وهم جمهور الفقهاء - حملة عنيفة لم تخل من التحامل والتشنيع والتقريع. و [الأصوليون] يُعَرِّفُونَ الاجتهاد بالرأي بأنه بَذْلُ الجهد للتوصل إلى الحكم في واقعة لا نص فيها، بالتفكير واستخدام الوسائل التي هدى الشرع إليها للاستنباط فيما لا نص فيه، كالقياس والمصلحة وغيرهما. فالاجتهاد في النص لتعيين المراد منه لا يسمى اجتهادًا بالرأي، كما أن ¬
الاجتهاد فيما لا نص فيه بغير الوسائل المشروعة لا يسمى في الاصطلاح الأصولي اجتهادًا بالرأي (¬1). وقد أثر عن الصحابة والتابعين كثير من الآثار في ذم الرأي والتحذير منه، وفي الوقت نفسه روى عنهم كثير من الآثار التي تقر الرأي، وكثير من الفتاوى والأحكام التي اعتمدوا فيها عليه، ولما كان من غير المعقول أن ينهى السلف عن شيء ثم يستعملونه، ولا أن يحرموا شيئًا على غيرهم ويحلوه لأنفسهم، ولا أن يرد التحليل والتحريم على أمر واحد في وقت واحد - كان الأمر المنهي عنه غير الأمر المباح ولا بد، ولهذا قسم العلماء الرأي إلى رأي محمود، مأخوذ عن النصوص بالحمل عليها، أو باستعمال القواعد المستمدة منها، وإلى رأي مذموم يكون مخالفًا للنصوص المحكمة، معتمدًا على مجرى الهوى. وقد عقد ابن عبد البر بَابًا في ذم القول في دين الله بالرأي والظن والقياس على غير أصل، وبعد أن حشد الآثار الكثيرة في ذلك عقب عليه بأن العلماء اختلفوا في تحديد الرأي المقصود إليه بالذم في هذه الآثار، فقالت طائفة: إن الرأي المذموم هو البدع المخالفة للسنن في الاعتقاد، كرأي جَهْمٍ وأهل الكلام، لأنهم استعملوا قياسهم ورأيهم في رد الأحاديث، فردوا حديث الشفاعة وسؤال القبر وغيرهما. وذهب الأكثرون إلى أن الرأي المذموم المذكور في الآثار - هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات في مسائل الفقه، ورد الفروع والنوازل بعضها على بعض قياسًا، دون ردها على أصولها، فاستعمل فيها الرأي قبل أن ¬
تنزل، ففي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل للسنن وبعث على جهلها (¬1). هذا هو الرأي المحمود منه والمذموم، كما يفهمه الجمهور، فما هو مفهوم الرأي عند الظاهرية؟. إنهم لا يقسمون الرأي هذا التقسيم، فالرأي كله سواء، وكله لا خير فيه، وكله مذموم. ولقد عَرَّفَ ابن حزم الرأي بقوله: «الرَّأْيُ: مَا تَخَيَّلَتْهُ النَّفْسُ صَوَابًا دُونَ بُرْهَانٍ، وَلَا يَجُوزُ الحُكْمُ بِهِ أَصْلاً» (¬2). ولكنه يضطر، إزاء ما روي عن الصحابة والتابعين وغيرهم من قول بالرأي - إلى تعديل هذا التعريف بما يخفف من حدته، ويجعله أقرب إلى توضيح مفهومه عند أهل الظاهر، فيقول: «وَالرَّأْيُ هُوَ الحُكْمُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ نَصٍّ، بَلْ بِمَا يَرَاهُ المُفْتِي أَحْوَطَ وَأَعْدَلَ فِي التَّحْرِيمِ أَوْ التَّحْلِيلِ» (¬3). فالرأي عند الظاهرية هو الحكم بغير نص، أو بتعبير آخر: هو الحكم المستمد من غير الأصول التي ارتضاها أهل الظاهر، كالقياس، والمصلحة والاستحسان، والذرائع، وما بنيت عليه هذه الأصول من تعليل الأحكام. ولا يجوز الحكم بالرأي، ولا يحل للعمل به لأحد من المسلمين. هذا هو حكم الظاهرية على الرأي. ويحاول ابن حزم أن يقرر أن هذا الرأي بكل أنواعه - بدعة ¬
مستحدثة، عند بيانه للتسلسل التاريخي لنشأة الرأي، فيعترف بأن الرأي قد حدث في قرن الصحابة بعد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ومع ذلك فكل من روى عنه الصحابة شيء من الرأي، فهو متبرئ [منه] غير قاطع به. ثم حدث القياس في القرن الثاني، فقال به بعضهم وأنكره سائرهم. ثم حدث الاستحسان في القرن الثالث، ويعرف الاستحسان بأنه «فَتْوَى المُفْتِي بِمَا يَرَاهُ حَسَنًا فَقَطْ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَالأَهْوَاءُ تَخْتَلِفُ فِي الاسْتِحْسَانِ». ثم حدث التعليل والتقليد في القرن الرابع: والتعليل هو أن يستخرج المفتي علة الحكم الذي جاء به النص. وهذا باطل، لأنه إخبار عن الله أنه حكم بكذا من أجل تلك العلة، وإخبار عن الله بما لم يخبر به عن نفسه (¬1). ويقول ابن حزم: «وَلَا يَحِلُّ الحُكْمُ بِالرَّأْيِ» (¬2)، «وَلَا يَحِلُّ الحُكْمُ بِالقِيَاسِ فِي الدِّينِ، وَالقَوْلُ بِهِ بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ عَلَى بُطْلاَنِهِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى» (¬3) «فَقَدْ صَحَّ أَنَّ القَوْلَ بِالقِيَاسِ وَالتَّعْلِيلِ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ، وَقَوْلٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَحَرَامٌ لَا يَحِلُّ البَتَّةَ» (¬4). هذه هي نظرة أهل الظاهر للرأي، كما عبر عنها ابن حزم بأسلوبه الحاد وهذا هو حكمهم عليه. ومن قبل ابن حزم قرر داود الظاهري هذه المبادئ، واتخذ من الرأي موقف العداء، وأصدر حكمه عليه، فقال: «وَالقَوْلُ بِالقِيَاسِ لَا يَجِبُ، وَالقَوْلُ بِالاِسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ»، ثم قال: «وَلَا [يَجُوزُ] أَنْ يُحَرِّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيُحَرِّمُ مُحَرِّمٌ غَيْرَ مَا حَرَّمَ، ¬
لأَنَّهُ يُشْبِهُهُ إِلَّا أَنْ يُوقِفَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عِلَّةٍ مِنْ أَجْلِهَا وَقَعَ التَّحْرِيمُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: حَرَّمْتُ الحِنْطَةَ بِالحِنْطَةِ لأَنَّهَا مَكِيلَةٌ، وَاغْسِلْ هَذَا الثَّوْبَ لأَن فِيهِ دَمًا، أَوْ اقْتُلْ هَذَا إِنَّهُ أَسْوَدٌ، يَعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ الذِي أَوْجَبَ الحُكْمَ مِنْ أَجْلِهِ هُوَ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَالبَعِيدُ وَاقِعٌ بِظَاهِرِ التَّوْقِيفِ وَمَا جَاوَزَ ذَلِكَ فَمَسْكُوتٌ عَنهُ دَاخِلٌ فِي بَابِ مَا عَفَى عَنهُ» (¬1). وأهم ما يحتج به الظاهرية في إبطال الرأي، هو أن نصوص القرآن والسنة بما فيها من معان عامة - وافية بأحكام الحوادث، دون حاجة إلى الرأي. لأن الله تعالى يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، وما لم ينص على حكمه فهو مباح، لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. والحكم بالرأي معناه ادعاء المفتي بأن حكمه المبني على الرأي هو حكم الله، ولا تصح هذه الدعوى إلا بالنص القاطع على ذلك، وحيث لا يوجد نص قاطع بأن حكم الله في هذه المسألة هو كذا، فالحكم بالرأي حينئذٍ هو قول بغير علم، وقطع على الله بالظن، وكلاهما قد حرم علينا، بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]، وبقوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]، وبقوله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «إِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ». ويضاف إلى ذلك الآثار الكثيرة الواردة في ذم الرأي والقياس، ثم ¬
محاولة التشكيك في الآثار التي اعترفت بالرأي وأقرت به، كتضعيفهم حديث معاذ، الذي قال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينما بعثه إلى اليمن: «كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟»، قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟»، قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ؟»، قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدْرِي وَقَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ» (¬1). هذه لمحة بسيطة عن وجهة نظر الظاهرية في إبطالهم الرأي. فلسنا في مجال بسط الأدلة ولا الرد عليها، فقد اكتظت صفحات عديدة من كتب الأصول بإيراد الأدلة ومناقشتها وموازنتها، ويكفينا أن نشير هنا إلى أن القائلين بالرأي يستندون في القول به إلى القرآن والسنة والآثار أيضًا وأنهم ليسوا خارجين على النصوص، وإنما هم يوسعون مجال العمل بها، وأنهم لا يقولون على الله ما لا يعلمون، بل يقولون عليه ما أرشدهم الله ورسوله إليه. وأن الظن ليس مذمومًا على إطلاقه، بل هو لفظ مشترك في اللغة، يطلق على الشك والتردد كما يطلق على الراجح بين طرفي الاعتقاد غير الجازم، كما يطلق على اليقين {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46]، لأنه لا بد من اليقين في الإيمان بالآخرة، كقوله تعالى: {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [النمل: 3]، كما ¬
القياس الذي ينكره داود
يطلق الظن على التهمة {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ} [التكوير: 24]- في قراء الظاء - أي بمتهم. فالظن المذموم هو ما كان بمعنى الشك، فطرفاه مستويان لا راجح فيها فهذا يحرم العمل به اتفاقًا، وهو المعنى بأكذب الحديث، وهو الذي لا يغني من الحق شيئًا، وهو بعض الإثم في قوله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]. وأما الظن الذي بمعنى الطرف الراجح، فهو متعبد به قطعًا، بل أكثر الأحكام الشرعية دائرة عليه، ومنه حديث: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ». وهذا هو الظن الراجح الصادر عن أمارة صحيحة (¬1). ويجدر بنا أن نشير إلى أن داود بن علي الظاهري، ليس أول من قال بنفي القياس، بل سبقه في ذلك النَظَّامُ، الذي يعتبره ابن عبد البر أول من أحدث نفي القياس مخالفًا بذلك علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم الذين كانوا يستعملون القياس ويجيزونه، وقد تابع إبراهيم بن سيار النظام على ذلك بعض أصحابه، وقد خالفه في ذلك بعض أئمة الاعتزال، منهم أبو الهذيل العلاف، الذي رد على النظام وقمعه. ومنهم بشر بن المعتمر الذي كان شيخ البغداديين ورئيسهم، وكان أشد الناس نصرة للقياس واجتهاد الرأي في الأحكام، وكان هو وأبو الهذيل كأنما ينطقان في ذلك بلسان واحد (¬2). القِيَاسُ الذِي يُنْكِرُهُ دَاوُدُ: كما نشير أيضًا إلى أن الآراء قد تضاربت حول إنكار داود القياس: هل ينكر كل أنواعه، أم أنه ينكر غير الجلي منه؟ ¬
وقد نقل السبكي عن والده أن الذي صح عنده هو أن داود لا ينكر القياس الجلي، وإن نقل إنكاره عنه ناقلون - بل ينكر القياس الخفي فقط، أما لذي ينكر القياس كله، جليه وخفيه، فهم طائفة من أصحابه، زعيمهم ابن حزم. ويعقب السبكي على رأي والده، بأنه بعد اطلاعه على " رسالة " لداود في الأصول وجد أن ظاهر كلام داود فيها يدل على إنكاره للقياس جملة، وأنه لا يقول بشيء منه، نعم إنه يطبق العلة إذا كانت منصوصة، ولكنه لا يسمي هذا التطبيق قياسًا، بل هو استعمال لدلالة النص (¬1). وبهذا يرد أيضًا على ابن عبد البر، الذي اعتبر (الدليل) نوعًا من أنواع القياس (¬2)، وقد سبق أنه من دلالة النص أو الإجماع. وذكر الغزالي أن نفاة القياس ثلاث فرق بالنسبة للعلة المنصوصة: 1 - الفرقة الأولى ذهبت إلى أن التنصيص على العلة، كذكر اللفظ العام فإذا قال الشارع: حرمت الخمر لإسكارها، فإن هذا يساوي: حرمت كل مسكر، وإذا قال: «اقْتُلْ هَذَا الكَلْبَ لِأَنَّهُ أَسْوَدٌ»، كان معنى ذلك: اقتل كل كلب أسود. 2 - الفرقة الثانية: أجازت القياس بالعلة المنصوصة دون المستنبطة وهؤلاء كالفريق الأول، لم يفارقوه إلا في التسمية، حيث سمى هذا النوع قياسًا، وأبى ذلك الفريق الأول. 3 - الفرقة الثالثة: أنكرت الإلحاق مع وجود النص على العلة، ¬
لأن تعليل حكم ما بعلة معينة، لا يوجب تعميم هذه العلة ما لم تكن بلفظ عام، فلو قال الشارع: «اتَّقُوا الرِّبَا فِي كُلِّ مَطْعُومٍ» فهو توقيف عام، ولو قال: «اتَّقُوا الرِّبَا فِي البُرِّ، لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ» فهذا لا يساوي الأول، ولا يقتضي الربا في غير البر، كما لو قال المالك: «أَعْتِقُ مِنْ عَبِيدِي كُلَّ أَسْوَدٍ». عتق كل أسود، فلو قال: «أَعْتِقْ فُلَانًا لِسَوَادِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَسْوَدٌ». - لم يعتق جميع عبيده السود (¬1). ويبدو أن داود وابن حزم وغيرهما من أهل الظاهر، من هذا الفريق الثالث. ¬
الفصل الثالث: علاقة الظاهرية بالمذاهب الأربعة، ونقد المذهب الظاهري
الفَصْلُ الثَّالِثُ: عَلاَقَةُ الظَّاهِرِيَّةِ بِالمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ، وَنَقْدِ المَذْهَبَ الظَّاهِرِيَّ: بعد هذه الإشارة الموجزة عن أصول أهل الظاهر، نعود فنلقي نظرة على طبيعة العلاقة التي كانت تربطهم بغيرهم من المذاهب الفقهية، ورأى هذه المذاهب في الظاهرية، ورأى الظاهرية فيهم. وإذا استعرضنا المذاهب الفقهية وقارناها بالمذهب الظاهري، فسوف نجد أن أقربها إلى هذا المذهب هو مذهب المحدثين والمذهب الحنبلي باعتبار ما قدمناه من القرابة القريبة بين المحدثين وأهل الظاهر. ثم يليها في ذلك المذهب الشافعي، باعتبار صداقته للمحدثين وقرب أصوله، ثم يأتي المذهب الحنفي والمذهب المالكي في الطرف القصي من المذهب الظاهري، ولهذا صوب ابن حزم سهام نقده وتعنيفه لهذين المذهبين، لتوسعهما في الرأي، مع كثرة أتباعهما، ولم يسلم الشافعية من هجومه أيضًا، لقولهم بالقياس، أما الحنابلة والمحدثون بعامة، فلم يتعرض لهم على الإطلاق. وهو لا يلوم أئمة المذاهب بقدر ما يعنف المقلدين لهم، أما الأئمة فهم مجتهدون، يصيبون ويخطئون، وفي الحالتين هم مثابون. وفي ذلك يقول ابن حزم: «وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا - رَحِمَهُمَا اللهُ - اجْتَهَدَا وَكَانَا مِمَّنْ أَمَرَ بِالاِجْتِهَادِ، إِذْ كُلُّ مُسْلِمٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دِينِهِ وَجَرْيًا عَلَى طَرِيقِ [مَنْ سَلَفَ] فِي تَرْكِ
التَّقْلِيدِ - فَأُجِرَا فِيمَا أَصَابَا فِيهِ أَجْرَيْنِ وَأَجْرًا فِيمَا أَخْطآ فِيهِ أَجْرًا وَاحِدًا وَسَلِمَا مِنَ الوِزْرِ فِي ذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ ... فَقَلَّدَهُمَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، مِمَّنْ أَخْطَأَ وَابْتَدَعَ وَخَالَفَ أَمْرَ اللَهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَسُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعَ المُسْلِمِينَ ... وَكَذَلِكَ المُقَلِّدُونَ لِلْشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَصَّلَ أُصُولًا، الصَّوَابُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ الخَطَأِ، فَالمُقَلِّدُونَ لَهُ أَعْذَرُ فِي اتِّبَاعِهِ فِيمَا أَصَابَ فِيهِ، وَهُمْ أَلْوَمُ وَأَقَلُّ عُذْرًا فِي تَقْلِيدِهِمْ إِيَّاهُ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ. وَأَمَّا أَصْحَابُ الظَّاهِرِ فَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ التَّقْلِيدِ» (¬1). ولا شك أن داود قد ناظر مخالفيه، منافحًا عن مذهبه ومقررًا لأصوله. وقد ذكر ابن السبكي أنه اطلع على " رسالة " داود، تدل على عظيم معرفته بالجدل، وكثرة صناعته في المناظرة وكان موضوع هذه الرسالة هو الرد على المُزَنِيِّ، وكان المُزَنِيُّ قد رد على داود إنكار القياس، ويقول ابن السبكي: «إِنَّ دَاوُدَ قَدْ شَنَّعَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ عَلَى المُزَنِيِّ كَثِيرًا» (¬2). ونقل ابن عبد البر عن المزني بعض كلامه في تأييد القياس، ومن ذلك قول المُزَنِيِّ: «الفُقَهَاءُ مِنْ عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا، وَهَلُمَّ جَرًّا اسْتَعْمَلُوا المَقَايِيسَ فِي الفِقْهِ فِي جَمِيعِ الأَحْكَامِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ، قَالَ: وَأَجْمَعُوا بِأَنَّ نَظِيرَ الحَقِّ حَقٌّ، وَنَظِيرَ البَاطِلِ بَاطِلٌ، فَلاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ إنْكَارُ القِيَاسِ، لأَنَّهُ التَّشْبِيهُ بِالأُمُورِ وَالتَّمْثِيلُ عَلَيْهَا» (¬3). وقد قال المزني لبعض مخالفيه - ولعل هذا المخالف كان ظاهريًا أو من ¬
أهل الحديث -: «" مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلِمَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ "، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: " قَدْ عَلِمْتَ يَا أَبَا إِبْرَاهِيمَ أَنَّا لَسْنَا لِمِّيَّةً "، فَقَالَ المُزَنِيُّ: " إِنْ لَمْ تَكُونُوا لِمِّيَّةً فَأَنْتُمْ إِذَنْ فِي عَمِيَّةٍ "» (¬1). وقد نقلنا آنفًا أن داود أكثر من تشنيعه على المزني. والمطلع على كتب ابن حزم الظاهري، لا يخطئ ملاحظة الإكثار من تشنيعه على مخالفيه. ولعل ذلك كان نتيجة لتحالف المذاهب القائلة بالقياس، ورميها الظاهرية عن قوس واحدة. وقد كانت العلاقة بين هذه المذاهب والمذهب الظاهري متوترة دائمًا، أشبع جوها بعدم التسامح وسوء الظن، وتساقط فيه وابل من التهم والتنابز بالألقاب. وقد اتهم الظاهرية بأنهم يشبهون الخوارج، ويجمعهما اتباع الظاهر لأن مما عيب به الخوارج - اتباعهم ظاهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصده ومعاقده، والقطع بالحكم به بادئ الرأي والنظر. ويقول الشاطبي: «وَمِنْ هُنَا ذَمَّ بَعْضُ العُلَمَاءِ رَأْيَ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَقَالَ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْدَ المِائَتَيْنِ» (¬2). ولا يكتفي ابن العربي بما يقال من أن الظاهرية يشبهون الخوارج، بل يجعل أهل الظاهر طائفة من الخوارج وفرقة من فرقهم، وقال عنهم، إنهم «فِرْقَةٌ سَخِيفَةٌ، مُكَفِّرَةٌ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ، وَهِيَ التِي لَا تَقُولُ إِلَّا مَا قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتُنْكِرُ النَّظَرَ أَصْلاً، وَتَنْفِي التَّشْبِيهَ وَالتَّمْثِيلَ الذِي لَا يَعْرِفُ اللَّهَ إِلَّا بِهِ». ثم ذكر أمرهم في الأندلس وانتشارهم هناك بتأثير ابن حزم، فقال: «وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ اسْتَشْرَى دَاؤُهُ، وَعَزَّ عِنْدَنَا دَوَاؤُهُ، وَأَفْتَى الجَهَلَةُ بِهِ، ¬
فَمَالُوا إِلَيْهِ وَغَرَّهُمْ رَجُلٌ كَانَ عِنْدَنَا، يُقَالُ لَهُ ابْنُ حَزْمٍ، انْتَدَبَ لِإِبْطَالِ النَّظَرِ، وَسَدِّ سُبُلِ العِبَرِ، وَنَسَبَ نَفْسَهُ إِلَى الظَّاهِرِ، اقْتِدَاءً بِدَاوُدَ وَأَشْيَاعِهِ فَسَوَّدَ القَرَاطِيسَ وَأَفْسَدَ النُّفُوسَ ...» (¬1). لم يترك ابن حزم هذا الاتهام دون أن يرد عليه. فقد حكى قول من يخشى على الظاهرية الضلال لأخذهم بالظاهر، كما ضلت الخوارج بحملهم القرآن على ظاهره، فخطأ هذا القول، وأكد أن الخوارج لم يضلوا بذلك، بل ضلوا لتعلقهم بآيات، وتركهم غيرها مما هو في موضوعها، كما ضلوا أيضًا بتركهم بيان الذي أمره الله - عَزَّ وَجَلَّ - أن يبين للناس ما نزل إليهم، ويعني بذلك السنة. ولا يكفي بذلك بل يؤكد أن عدم الأخذ بالظاهر هو الذي يقود إلى الضلال، كما ضلت الباطنية بتركهم الظاهر (¬2). ولقد أَبَى كَثِيرٌ من العلماء أن يعترف بالقيمة العلمية للمذهب الظاهري، حتى إنهم لا يعتبرون خلافهم مؤثرًا على الإجماع إن تحقق. وينقسم العلماء إزاء الاعتراف بالظاهرية والاعتداد بخلافهم في الفروع إلى ثلاثة أقسام: - القسم الأول: لا يعتبر خلافهم مطلقًا، ولا يبالي بهم، وافقوا أم خالفوا، وغاية ما يمكن أن يعترف لهم به هو أنهم نقلة للحديث، لكنهم ليسوا من علماء الشريعة، ولا يبلغون درجة الاجتهاد، ولا يجوز تقليدهم القضاء، وممن يرى هذا الرأي إسماعيل القاضي، وأبو بكر الرازي ¬
نقد ابن القيم للظاهرية
الجصاص، وأبو إسحاق الإسفراييني وإمام الحرمين، وَرَأْيُ ابن أبي حاتم قريب من ذلك، فقد ذكر في ترجمته لداود: أَنَّهُ «نَفَى القِيَاسَ وَأَلَّفَ فِي الفِقْهِ عَلَى ذَلِكَ كُتُبًا شَذَّ فِيهَا عَنْ السَّلَفِ وَابْتَدَعَ طَرِيقَةً هَجَرَهُ أَكْثَرُ [أَهْلِ] العِلْمِ عَلَيْهَا. وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ [وَنَقْلِهِ] وَاعْتِقَادِهِ، إِلَّا أَنَّ رَأْيَهُ أَضْعَفُ الآرَاءِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ طَرِيقِ الفِقْهِ وَأَكْثَرُهَا شُذُوذًا» (¬1). - القسم الثاني: يعتد بهم، ويعترف بخلافهم، إلا فيما خالف القياس الجلي، وهو رأي ابن الصلاح. - القسم الثالث: يعتد بخلافهم مطلقًا، وهو الذي استقر عليه الأمر عند الشافعية، واختاره ابن السبكي، حيث قال: «فَالذِي أرَاهُ الاِعْتِبَارُ بِخِلاَفِ دَاوُدَ [وَوِفَاقِهِ] (*). نَعَمْ لِلْظَّاهِرِيَّةِ مَسَائِلَ لَا يُعْتَدُّ بِخِلاَفِهِ فِيهَا لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّ دَاوُدَ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْنَّظَرِ بَلْ لِخَرْقِهِ فِيهَا إِجْمَاعًا تَقَدَّمَهُ» (¬2). نَقْدُ ابْنِ القَيِّمِ لِلْظَّاهِرِيَّةِ: ومن أحسن ما قيل في أهل الظاهر، وأكثره موضوعية واعتدالاً نقد ابن القيم، الذي ذكر فيه أن لأهل الظاهر حسنات يقابلها سيئات: «[وَأَحْسَنُوا] فِي اعْتِنَائِهِمْ بِالنُّصُوصِ وَنَصْرِهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَعَدَمِ تَقْدِيمِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا مِنْ رَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، وَأَحْسَنُوا فِي رَدِّ الْأَقْيِسَةِ الْبَاطِلَةِ، وَبَيَانِهِمْ تَنَاقُضَ أَهْلِهَا [فِي نَفْسِ الْقِيَاسِ] وَتَرْكِهِمْ لَهُ، وَأَخْذِهِمْ بِقِيَاسٍ وَتَرْكِهِمْ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ. وَلَكِنْ أَخْطَئُوا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: ¬
أَحَدُهَا: رَدُّ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، وَلَا سِيَّمَا الْمَنْصُوصَ عَلَى عِلَّتِهِ الَّتِي يَجْرِي النَّصُّ عَلَيْهَا مَجْرَى التَّنْصِيصِ عَلَى التَّعْمِيمِ بِاللَّفْظِ ... وَلَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ " لَا تَأْكُلْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مَسْمُومٌ " نَهْيٌ لَهُ عَنْ كُلِّ طَعَامٍ كَذَلِكَ. [الْخَطَأُ الثَّانِي]: تَقْصِيرُهُمْ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ، فَكَمْ مِنْ حُكْمٍ دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَلَمْ يَفْهَمُوا دَلَالَتَهُ عَلَيْهِ، وَسَبَبُ هَذَا الْخَطَأِ حَصْرُهُمْ الدَّلَالَةَ فِي مُجَرَّدِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، دُونَ إيمَائِهِ وَتَنْبِيهِهِ وَإِشَارَتِهِ وَعُرْفِهِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ قَوْلِهِ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] ضَرْبًا وَلَا سَبًّا وَلَا إهَانَةً غَيْرَ لَفْظَةِ أُفٍّ. الْخَطَأُ الثَّالِثُ: تَحْمِيلُ الِاسْتِصْحَابِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَجَزْمُهُمْ بِمُوجَبِهِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالنَّاقِلِ، وَلَيْسَ عَدَمُ الْعِلْمِ عِلْمًا بِالْعَدَمِ ... [فَنُفَاتُ الْقِيَاسِ] لَمَّا سَدُّوا عَلَى نُفُوسِهِمْ بَابَ التَّمْثِيلِ وَالتَّعْلِيلِ وَاعْتِبَارِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ - وَهُوَ مِنْ الْمِيزَانِ وَالْقِسْطِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ - احْتَاجُوا إلَى تَوْسِعَةِ الظَّاهِرِ وَالِاسْتِصْحَابِ، فَحَمَّلُوهُمَا فَوْقَ الْحَاجَةِ وَوَسَّعُوهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يَسَعَانِهِ، فَحَيْثُ فَهِمُوا مِنْ النَّصِّ حُكْمًا أَثْبَتُوهُ وَلَمْ يُبَالُوا بِمَا وَرَاءَهُ، وَحَيْثُ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ نَفَوْهُ، وَحَمَّلُوا الِاسْتِصْحَابَ الْخَطَأُ الرَّابِعُ لَهُمْ: اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِينَ وَشُرُوطَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ كُلَّهَا عَلَى الْبُطْلَانِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الصِّحَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ شَرْطٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ اسْتَصْحَبُوا بُطْلَانَهُ، فَأَفْسَدُوا بِذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلَاتِ النَّاسِ وَعُقُودِهِمْ وَشُرُوطِهِمْ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ» (¬1). ¬
نقدنا للظاهرية
نَقْدُنَا لِلْظَّاهِرِيَّةِ: والحق أن الالتزام بإطراد قواعد مذهب ما، والتطرف في تطبيق هذه القواعد، دون مراعاة للجزئيات والظروف المحيطة بها - هو أهم نقد يوجه إلى أهل الظاهر، وإلى أهل الرأي أيضًا، كما ذكرنا ذلك في بداية حديثنا عن الظاهرية، لأن المهم في النصوص هو الاجتهاد في معرفة مراد الشارع منها، وتعيين ذلك قد يقصر عنه اللفظ لم تقصد لذاتها، بل هي جسر يتوصل بها إلى معرفة المعنى المقصود منها، ومراد المتكلم بها. والعلم بمراد المتكلم يعرف تارة من عموم لفظه، وتارة من عموم علته، فإذا اقتصر على اللفظ فقد يقصر به عمومه، أو يحمله فوق ما يراد به. وكذلك إذا اقتصر على المعنى والعلل، فقد يعمم ما لا يقصد تعميمه، أو يقتصر على بعض إفراد ما يريد به العموم، فالواجب أن يكون عند المجتهد مرونة كافية في فهم النصوص وما يحيط بها، وألا يقيد من حريته في ذلك قاعدة ألزم بها نفسه. ومما يدل على أهمية القرائن وتأثيرها في فهم النصوص مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَعْضِ المُتَخَاصِمِينَ، فَلَمَّا حَانَتْ الصَّلَاةُ، وَلَمْ يَرْجِعْ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - صَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ، فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، وَوَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَأَكْثَرَ النَّاسُ مِنَ التَّصْفِيقِ حَتَّى الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَشَارَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -: أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٌ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ الرَّسُولُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
«مَا كَانَ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وقد علق النووي على هذا الحديث بقوله: «وَفِيهِ أَنَّ التَّابِعَ إِذَا أَمَرَهُ المَتْبُوعُ بِشَيْءٍ وَفَهِمَ مِنْهُ إِكْرَامَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، لَا تَحَتُّمُ الْفِعْلُ - فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا مُخَالَفَةً لِلأَمْرِ بَلْ يَكُونُ أَدَبًا وَتَوَاضُعًا وَتَحَذُّقًا فِي فَهْمِ المَقَاصِدِ» (¬1). وبهذا الإطراد للقواعد التي ألزم أهل الظاهر أنفسهم بها - جمعوا في مذهبهم بين اليسر في بعض الأحكام، والشدة والتضييق في بعضها الآخر فضلاً عن انفرادهم بأقوال خالفوا فيها كل المذاهب. فمن ذلك قولهم بنجاسة الكفار، وفي ذلك يقول ابن حزم: «وَلُعَابُ الكُفَّارِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، الكِتَابِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ - نَجِسٌ كُلُّهُ، وَكَذَلِكَ العَرَقُ مِنْهُمْ وَالدَّمْعُ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْهُمْ ...» ودليله على ذلك قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، لأن الكل ليس شيئًا غير أبعاضه. «فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ النَّجَاسَةَ التِي فِي الآيَةِ لَيْسَ مَعْنَاهَا النَّجَاسَةُ الحِسِّيَّةُ، بَلْ المُرَادُ بِهَا النَّجَاسَةُ المَعْنَوِيَّةِ - كَانَ رَدُّ ابْنِ حَزْمٍ عَلَى ذَلِكَ: " هَبْكُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَيَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ المُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَمَا فَهِمَ قَطُّ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، مَعَ قَوْلِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ " أَنَّ المُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ». «فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أُبِيحَ [لَنَا] نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ وَوَطْؤُهُنَّ، قُلْنَا: نَعَمْ، فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ لُعَابَهَا وَعَرَقَهَا وَدَمْعَهَا طَاهِرٌ؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ ¬
لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْ ذَلِكَ. قُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ، بَلْ يَفْعَلُ فِيمَا مَسَّهُ مِنْ لُعَابِهَا وَعَرَقِهَا مِثْلَ الَّذِي يَفْعَلُ إذَا مَسَّهُ بَوْلُهَا أَوْ دَمُهَا». وقد ذكر المرحوم الشيخ أحمد شاكر: أَنَّ هَذَا القَوْلَ قَوْلٌ شَاذٌّ لَمْ يَعْرِفْهُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَّا مَا نَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي " تَفْسِيرِهِ ": (5/ 372) عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ ابْنَ حَزْمٍ، وَإِلَّا مَا نَقَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ ": (10/ 74) عَنْ الحَسَنِ: «لَا تُصَافِحُوهُمْ، فَمَنْ صَافَحَهُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ». وحتى الطبري: «أَنَّ هَذَا القَوْلَ مَنْسُوبٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ حَمِيدٍ، فَكَرِهَ ذِكْرَهُ» (¬1). ومن ذلك مذهب الظاهرية في الماء الراكد إذا بال فيه إنسان، فقد جاء الحديث: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ». وفي رواية: «ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ». فالنهي في الحديث مقصور على البول في الماء الدائم، فلو تغوط فيه فلا بأس، لأنه غير منهي عنه. ثم إن النهي عن الوضوء أو الغسل بهذا الماء - متوجه إلى البائل دون غيره، فلو بال إنسان في ماء راكد، فلا مانع من أن يتوضأ منه غير البائل، لأنه طاهر بالنسبة له. وفي ذلك يقول ابن حزم: «... إلاَّ أَنَّ البَائِلَ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ الذِي لَا يَجْرِي حَرَامٌ عَلَيْهِ الوُضُوءُ بِذَلِكَ المَاءِ وَالاِغْتِسَالُ بِهِ لِفَرْضٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَحُكْمُهُ التَّيَمُّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ. وَذَلِكَ المَاءُ طَاهِرٌ حَلاَلٌ شُرْبُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، إنْ لَمْ يُغَيِّرْ البَوْلُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِهِ. وَحَلاَلٌ الوُضُوءُ بِهِ وَالغُسْلُ بِهِ لِغَيْرِهِ. فَلَوْ أَحْدَثَ فِي المَاءِ، أَوْ بَالَ خَارِجًا مِنْهُ ثُمَّ جَرَى البَوْلُ فِيهِ فَهُوَ ¬
طَاهِرٌ، يَجُوزُ الوُضُوءُ مِنْهُ وَالْغُسْلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، إلاَّ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ البَوْلُ أَوْ الحَدَثُ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِ المَاءِ، فَلاَ يُجْزِئُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالُهُ أَصْلاً لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ ...». ويقول مدافعًا عن التفريق بين البول والغائط، وأنه يقتصر على ما ورد به النص: «فَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ البَائِلِ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ عَجْزًا وَلَا نِسْيَانًا وَلَا [تَعْنِيتًا] لَنَا بِأَنْ يُكَلِّفَنَا عِلْمَ مَا لَمْ يُبْدِهِ لَنَا مِنْ الغَيْبِ» (¬1). وهذا المذهب الذي يقرره ابن حزم مذهب غريب جدًا، لا يؤيده عقل ولا يوافقه نقل. وهو ليس مذهبه وحده، بل هو مذهب داود أيضًا، وفي ذلك يقول النووي، حاكيًا مذهب داود مفندًا له: «نَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ الأَصْبَهَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَذْهَبًا عَجِيبًا، فَقَالُوا: انْفَرَدَ دَاوُد بِأَنْ قَالَ: " لَوْ بَالَ رَجُلٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَضَّأَ هُوَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ [سَبَقَ بَيَانُهُ] قَالَ: " وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ لأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عِنْدَهُ وَلَوْ بَالَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي مَاءٍ أَوْ بَالَ فِي شَطِّ نَهْرٍ ثُمَّ جَرَى البَوْلُ إلَى النَّهْرِ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ هُوَ مِنْهُ لأَنَّهُ مَا بَالَ فِيهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ، قَالَ: " وَلَوْ تَغَوَّطَ فِي مَاءٍ جَارٍ جَازَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ لأَنَّهُ تَغَوَّطَ وَلَمْ يَبُلْ "». ثم قال النووي: «وَهَذَا مَذْهَبٌ عَجِيبٌ، وَفِي غَايَةِ الفَسَادِ، فَهُوَ أَشْنَعُ مَا نُقِلَ عَنْهُ، إنْ صَحَّ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفَسَادُهُ مُغْنٍ عَنْ الاِحْتِجَاجِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا أَعْرَضَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا المُعْتَنِينَ بِذِكْرِ الخِلاَفِ عَنْ ¬
الرَّدِّ عَلَيْهِ بَعْدَ حِكَايَتِهِمْ مَذْهَبَهُ، وَقَالُوا: فَسَادُهُ مُغَنٍّ عَنْ إفْسَادِهِ. وَقَدْ خَرَقَ الإِجْمَاعَ فِي قَوْلِهِ فِي الغَائِطِ، إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَوْلِ ثُمَّ فَرْقُهُ بَيْنَ البَوْلِ فِي نَفْسِ المَاءِ، وَالبَوْلِ فِي إنَاءٍ [ثُمَّ] يُصَبُّ فِي المَاءِ - مِنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ: وَمِنْ أَخْصَرِ مَا يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبَّهَ بِالبَوْلِ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ [التَّغَوُّطِ] وَبَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ: " إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا ". وَأَجْمَعُوا أَنَّ السِّنَّوْرَ كَالفَأْرَةِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرُ السَّمْنِ مِنْ الدُّهْنِ كَالسَّمْنِ وَفِي الصَّحِيحِ: " إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ " فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ فَغَسَلَهُ: إنْ قَالَ دَاوُد لَا يَطْهُرُ لِكَوْنِهِ مَا غَسَلَهُ هُوَ - خَرَقَ الإِجْمَاعَ، وَإِنْ قَالَ: يَطْهُرُ فَقَدْ نَظَرَ إلَى المَعْنَى وَنَاقَضَ قَوْلَهُ» (¬1). ويلاحظ أن ابن حزم لا يسلم بأن غير الفأرة كالفأرة، ولا أن غير السمن كالسمن، بل يقول: «وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِ الفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ، وَلَا لِلْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ، وَلَا لِغَيْرِ الفَأْرَةِ فِي السَّمْنِ - بِحُكْمِ الفَأْرِ فِي السَّمْنِ، لأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي غَيْرِ الفَأْرِ فِي السَّمْنِ» (¬2). ومما يصور أيضًا حرفيتهم ومغالاتهم في التمسك بالألفاظ - مذهبهم في ولوغ الكلب، فقد جاء في ذلك الحديث المشهور: «إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ». وقد فسر ابن حزم (الوُلُوغَ) بالشرب فقط، كما اشترط (الإِنَاءَ) ¬
أيضًا، فإذا شرب الكلب في إناء وجب إراقة ما فيه كثيرًا أو قليلاً، ماء أو غيره، وغسل سبعًا، أولاهن بالتراب مع الماء ولا بد. «فَإِنْ أَكَلَ الكَلْبُ فِي الإِنَاءِ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ أَوْ [ذَنَبَهُ] أَوْ وَقَعَ بِكُلِّهِ فِيهِ - لَمْ يَلْزَمْ غَسْلُ الإِنَاءِ وَلَا هَرْقُ مَا فِيهِ البَتَّةَ وَهُوَ حَلاَلٌ طَاهِرٌ كُلُّهُ كَمَا كَانَ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَغَ الكَلْبُ فِي بُقْعَةٍ فِي الأَرْضِ أَوْ فِي يَدِ إنْسَانٍ أَوْ فِي مَا لَا يُسَمَّى إنَاءً فَلاَ يَلْزَمُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هَرْقُ مَا فِيهِ ...» ولم يجعل ابن حزم للخنزير في ذلك حكم الكلب (¬1). وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى طَهَارَةِ المَنِيِّ، وَأَنَّهُ لَا تَلْزَمُ إِزَالَتُهُ، وَجَعَلَهُ مِثْلَ البُصَاقِ، وَأَنَّ مَنْ يَغْسِلُهُ لَا يَغْسِلُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ اسْتِقْذَارِهِ أَوْ كَرَاهِيَتِهِ رُؤْيَةَ النَّاسِ لَهُ فِي ثَوْبِهِ (¬2). كَمَا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ المَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ [تُخَلِّلَ] شَعْرَ نَاصِيَتِهَا أَوْ ضَفَائِرِهَا فِي الغُسْلِ، وَلَكِنَّهُ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى غَسْلِ الجَنَابَةِ، أَمَّا غُسْلُ الجُمُعَةِ، وَالغُسْلُ مِنْ غَسْلِ المَيِّتِ، وَمِنَ النِّفَاسِ - وَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضٌ عِنْدَهُ - فَيَلْزَمُ المَرْأَةَ فِيهَا أَنْ تَحُلَّ ضَفَائِرَهَا، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي غُسْلِ الجَنَابَةِ فَقَطْ» (¬3). وأيضًا فقد ذهب إلى أن حقوق الله تعالى مقدمة في التركة على ديون العباد وتخرج من كل ماله، «فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلاًةً صَلاَّهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ صَوْمًا كَذَلِكَ، أَوْ حَجًّا كَذَلِكَ، أَوْ عُمْرَةً كَذَلِكَ، أَوْ اعْتِكَافًا ¬
كَذَلِكَ، [أَوْ ذِكْرًا كَذَلِكَ]، وَكُلَّ بِرٍّ كَذَلِكَ - فَإِنْ أَبَى الوَلِيُّ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ مَنْ يُؤَدِّي دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى قِبَلَهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ - يعني داود الظاهري - وَأَصْحَابِنَا». «وَمَنْ تَعَمَّدَ [النُّذُورَ] لِيُلْزِمَهَا مَنْ بَعْدَهُ، فَهِيَ غَيْرُ لاَزِمَةٍ، لَا لَهُ وَلَا لِمَنْ بَعْدَهُ، [لأَنَّ النَّذْرَ اللاَّزِمَ الوَفَاءِ بِهِ هُوَ نَذْرُ الطَّاعَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ الآنَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ]» (¬1). وفي بعض الروايات عن أحمد بن حنبل ما يجعل مذهبه في ذلك قريبًا جدًا من مذهب الظاهرية (¬2). كما «أَوْجَبَ ابْنُ حَزْمٍ الضَّجْعَةَ بَعْدَ سُنَّةِ الفَجْرِ»، وَ «أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يَضْطَجِعْهَا»، وذكر ابن القيم: «أَنَّ رَأْيَهُ هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ الأُمَّةِ» (¬3). وأخيرًا فإننا نعتقد أن الشذوذ والإغراب في فقه الظاهرية لا ينقص من قدره، ولا يدعو إلى العزوف عنه وإهماله، لأنه يحتوي أيضًا على كثير مما يمتع ويقنع، وليست الإساءة في جانب مدعاة إلى نبذ كل الجوانب وكل المذاهب الأخرى لا تخلو من الخطأ، وقد حرص ابن حزم على كشف عوراتها وبيان تناقضها. ويكفي أن الظاهرية يصدرون عن إيمان عميق بأصولهم، واقتناع تام بصحته، حتى ليقول ابن حزم في بيان أنه لا يقبل قول أحد إلا بحجة: «وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ اتِّبَاعًا لِرَبِّنَا - عَزَّ وَجَلَّ - بَعْدَ صِحَّةِ مَذَاهِبِنَا لَا شَكًّا فِيهَا وَلاَ خَوْفًا مِنْهُ أَنْ يَأْتِينَا أَحَدٌ بِمَا يُفْسِدُهَا وَلَكِنْ ثِقَةً مِنَّا بِأَنَّهُ لَا يَأْتِي أَحَدٌ بِمَا يُعَارِضُهَا بِهِ أَبَدًا لِأَنَّنَا وَلِلَّهِ الحَمْدُ أَهْلُ التَّخْلِيصِ وَالبَحْثِ وَقَطْعِ العُمُرِ فِي طَلَبِ تَصْحِيحِ الحُجَّةِ وَاعْتِقَادِ الأَدِلَّةِ قَبْلَ اعْتِقَادِ مَدْلُولَاتِهَا حَتَّى وُفِّقْنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الحَمْدُ عَلَى مَا ثَلَجَ اليَقِينَ ...» (¬4). ¬
والمطلع على فقههم لا يكاد يلمح ما يظهر عند المحدثين - من التردد، والأخذ بأسباب الحيطة، والتورع عن التحليل والتحريم، بل نجد عندهم الجزم والقطع واليقين بصحة ما فهموه من الأدلة، وإصدار الحكم بمقتضى هذا الفهم، دون تردد أو شك، وهذا في الواقع من المظاهر الهامة التي تفرق بينهم وبين المحدثين. والتورع والاحتياط والتردد عند المحدثين هو موضوع الفصل القادم الذي حان الآن موعد لقائنا معه.
الباب الرابع: الاتجاه الخلقي النفسي
البَابُ الرَّابِعُ: الاِتِّجَاهُ الخُلُقِيُّ النَّفْسِيُّ: (وهو فصل واحد) • معنى هذا الاتجاه. • أثره في سلوك المحدثين عند الاستنباط. • أثره في نظرتهم إلى الموضوعات الفقهية. • أثره في نظرتهم إلى الأعمال.
معنى هذا الاتجاه
مَعْنَى هَذَا الاِتِّجَاهِ: ونبتغي من هذا الاتجاه أن نتلمس الجانب الخلقي والنفسي الذي صدر عنه فقه المحدثين، وأن توضح ملاحظتهم له عند حكمهم على الأفعال الإنسانية المختلفة، وكيف أن هذه الأحكام كانت تختلف باختلاف النية والباعث النفسي من جهة، وبمآلات الأفعال وصيرورتها من جهة أخرى، وكيف كانت تخضع لسلطان الدين والتقوى في كل الأحوال. إن نظرة المحدثين للفقه، تمثل الاتجاه الديني، والتصور الإسلامي للحياة ووظيفتها، هذا الاتجاه الذي لا ينسى، وهو يقرر الضوابط للسلوك الإنساني في الحياة أن يعد الإنسان أولاً، وأن يثير في نفسه الدوافع التي تحثه على تقبل هذه الضوابط، والرغبة في تطبيق الأحكام التي يكلف بها، وأن يطلق قوى الخير الكامنة فيه، عن طريق الترغيب والترهيب، والتذكير الدائب بأن هذه الحياة التي نعيشها ليست كل شيء، ولن تكون خاتمة المطاف، بل هي لن تعدو أن تكون ميدانًا للعمل، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]، ويؤكد هذا التصور الإسلامي أن حياة الإنسان ليست إلا فترة مرحلية، وأن الموت لا ينهي الإنسان، وإنما تنتهي به مرحلة من مراحل تطوره، لتبدأ بعده مرحلة أخيرة لها سماتها الخالدة. ويبين الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - في آيات كثيرة المراحل التي يمر بها الإنسان منبهًا على أنها دليل على حتمية الحياة الآخرة، ومن ذلك قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (¬1). وقد أمضى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يزيد على عشر سنوات في إرساء هذه القواعد، وتثبيت هذه الدعائم، وصرف الله سبحانه القرآن فيها تصريفًا، حتى إذا ثبتت الدعائم واستقرت الأركان، نزلت الأحكام تترى، وهي توجب أو تحرم، فوجدت آذانًا مصغية، وقلوبًا واعية وأرضًا خصبة طيبة، قد أحسن إعدادها لتقبل التشريعات الإسلامية، فما كاد يلقي فيها البذر، حتى انشق عنها الزرع، ثم بادر الطرف استواؤه ونماؤه، فكان كما وصفهم لله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} (¬2). وبهذا الإعداد الجديد يتم التناسق والألفة بين المجتمع، وما يراد منه وبه، ويوجد نوع من المصالحة بين التشريعات، والبيئة المهيأة المعدة لتلقيها، وإغفال هذا الإعداد الروحي، الذي يضيء القلب، ويهذب الوجدان، ويوثق الصلة بين العبد وخالقه، ويثير الأشواق إلى الله، ويوحي بالتنافس في رضاه - يؤدي إلى انفصال المجتمع الإسلامي عن تشريعاته، ويتسبب في إيجاد هوة عميقة تفصل بين واقع الناس، وما يلقى إليهم من أحكام، فيعمدون إلى تأويلها والتحايل على إخضاعها لواقعهم. وكلما اتسعت الفجوة اشتدت الجفوة، ووهن سلطان هذه الأحكام، واستخف الناس بها، ¬
واستعلنوا بعصيانها، فيصبح الناس وعلاقاتهم وسلوكهم في جانب، وتقبع الأحكام والتشريعات في جانب قصي عنهم لا تأثير لها ولا حياة فيها. إن من الخطأ أن نقرر للناس أحكام إلهية، دون أن يمهد لهم الطريق إلى معرفة الإله. وإن التناقض أن يعترف المؤلفون في الفقه الإسلامي بأن الله هو مصدر أحكامهم، وغاية جهده، ثم يهملوا توجيه المشاعر إليه تعالى، وإثارة الخوف من غضبه والأمل في رحمته، ودون أن يحركوا سائر الأحاسيس التي ترهف الوجدان، وتوقظ الضمير، مع أهمية ذلك ومراعاة التشريع الإسلامي، وانبنائه عليه. ولذلك كان مفهوم الفقه عند السلف مفهومًا رحبًا، يتسع لمعرفة الأحكام العملية والدوافع الإلهية مَعًا، وقد نقلنا فيما سلف عبارات لهم في ذلك، ورأينا كيف أن الغزالي هاجم الفقه الذي يتجرد لمعرفة الأحكام العملية، دون أن يعنى بالجانب الإلهي في الإنسان، وهو الجانب الهام الذي ينير بصيرة الفقيه، ويلهمه عند استنباطه، ويعينه على أن يوائم بين سلوكه وبين الأحكام التي يستنبطها، إذ ليس من المستساغ أن يقرر الفقيه نظريات، ويصوغ مواد، ثم يكون سلوكه مجافيًا لهذه النظريات والمواد، فذلك دليل الضعف في الإيمان وفي العقل. وقد ذم الله سبحانه هذا الصنف من العلماء بقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (¬1). وقد كان الشعبي - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «إِنَّا لَسْنَا بِالفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّا سَمِعْنَا الحَدِيثَ فَرَوَيْنَاهُ، الفَقِيهُ مَنْ إِذَا عَلِمَ عَمِلَ» (¬2). ¬
[أ] تأثير هذا الاتجاه على سلوك المحدثين عند الاستنباط
وقد حرص المحدثون على الفقه بهذا المعنى السلفي النابض بالحياة والذي تسري فيه حرارة الإيمان، وتطل منه عين الضمير اليقظة التي تجعل من الإنسان على نفسه رقيبًا، وهذا الفقه الصادر عن حس إلهي، ووجدان ديني، واستمساك بالأخلاق والقيم - لم يكن يتمثل في فقه أي مذهب من المذاهب، في أوضح صورة وأبهاها، كما كان يتمثل في فقه المحدثين. وقد انعكس هذا التصور للفقه على: [أ] سلوكهم عند الاستنباط. [ب] على علاجهم للموضوعات. [ج] على نظرتهم للأعمال سواء من حيث الباعث عليها، أو من حيث مآلها وصيرورتها، والموافقة بينها وبين المقاصد الدينية والخلقية. [أ] تَأْثِيرُ هَذَا الاِتِّجَاهِ عَلَى سُلُوكِ المُحَدِّثِينَ عِنْدَ الاِسْتِنْبَاطِ: أما سلوك أهل الحديث عند الاستنباط، فيتمثل في انقباضهم عن الإفتاء، وفي وجلهم وترددهم إذا أفتوا، لا يجزمون بالحكم في معظم أحوالهم، وإنما يعبرون عنه بما يشعر به، وبما يشير إلى موقفهم منه، دون أن يصرحوا بتحليل أو بتحريم، حذرًا من أن يتناولهم الذم في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (¬1). وهذا السلوك بما يميزهم عن أهل الظاهر، كما سبق، ومما يميزهم أيضًا عن أهل الرأي الذين كانوا متأثرين بابن مسعود (¬2). ¬
وقد ذكرنا من قبل كيف أن المحدثين كانوا يتجنبون في تراجمهم القطع بالتحليل والتحريم، وكانوا يستبدلون به العبارات المحتملة التي لا تدل على الجزم بالحكم بقدر دلالتها على الانطباع النفسي والرأي الشخصي، من مثل قولهم: (بَابُ مَا جَاءَ فِي كَذَا)، أو (بَابُ تَرْكِ كَذَا)، أو (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي كَذَا)، أو (بَابُ التَّشْدِيدِ فِي كَذَا) ... الخ هذه العبارات. كما كانوا ورعين في تعليقاتهم الفقهية على الأحاديث، فالدارمي مثلاً يروي حديث: «أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ»، ثم يقول: «أَنَا أَتَّقِي الحِجَامَةَ فِي الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ» (¬1). ويروي حديث: «لَا تَكْتَحِلْ بِالنَّهَارِ وَأَنْتَ صَائِمٌ، اكْتَحِلْ لَيْلاً بِالإِثْمِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو البَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ»، ثم يعلق الدارمي قائلاً: «لَا أَرَى بِالكُحْلِ بَأْسًا» (¬2). وفي حديث «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» يقول: «فِي فَرْضِ الوَاجِبِ أَقُولُ بِهِ» (¬3). ¬
وقد روى الدارمي أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الضَّبُعِ، فَقَالَ: «هُوَ صَيْدٌ وَفِيهِ كَبْشٌ إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ»، فَقِيلَ لأَبِي مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيَّ: «مَا تَقُولُ فِي الضَّبُعِ تَأْكُلُهُ؟» قَالَ: «أَنَا أَكْرَهُ أَكْلَهُ» (¬1). وقد تجلت هذه الظاهرة في [أوضح] صورة فيما أثر عن الإمام أحمد من فتاوى بسبب مكانته العلمية والأدبية التي سبق الكلام عنها، والتي جعلته مقصدًا للمفسدين ثم أعانت على حفظ فتاويه. لقد كان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يحجم عن الإفتاء في كثير من الحالات، وقد ذكرنا أنه استعفى من الإفتاء في الذهب والفضة، إذا كان كل منهما على الانفراد لا يبلغ نصاب الزكاة، ولكن مجموعها مقدرًا بقيمة أحدهما يبلغ النصاب، فمن يملك عشرة دنانير ومائة درهم، هل يزكى عنها؟ قد توقف أحمد عن الإجابة في هذه المسألة، وغضب عندما ألح السائل عليه وقال: «أَيُّ شَيْءٍ بُدٌ، إِذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا [يُحْمَلُ] عَلَى أَنْ يَقُولَ فِيهِ» (¬2). ومن أمثلة توقفه أيضًا ما روي عنه فيمن لا يجد الماء إلا بثمن، فإن كان هذا الثمن ثمن المثل لزمه الشراء، وإن كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه، وإن كانت يسيرة لا تجحف بماله فقد توقف أحمد في هذه المسألة (¬3). وكذلك توقف أحمد فيمن نسي في رحله أو في موضع يمكنه استعماله ثم صلى بالتيمم (¬4). ¬
وفي المسح على الخفين، «قِيلَ لأَحْمَدَ: يَمْسَحُ بِالرَّاحَتَيْنِ أَوْ بِالأَصَابِعِ؟ قَالَ: بِالأَصَابِعِ. قِيلَ لَهُ: أَيُجْزِئُهُ بِإِصْبَعَيْنِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ»، وَكَذَلِكَ تَوَقَّفَ عِنْدَمَا سُئِلَ: هَلْ يُجْزِئُ غَسْلُ الخُفِّ بَدَلَ المَسْحِ (¬1). ومن أمثلة توقفه أيضًا في ما جاء في صلاة المسافر، فإن المشهور عنه أن المسافر إن شاء صلى ركعتين وإن شاء أتم. وقد روي عنه أنه توقف، وقال: «أَنَا أُحِبُّ الْعَافِيَةَ مِنْ هَذِهِ المَسْأَلَةِ» (¬2). وإذا جامع الصائم ناسيًا فظاهر المذهب الحنبلي أنه كالعامد، نص عليه أحمد، وروى أبو داود عن أحمد أنه توقف عن الجواب، وقال: «أَجْبُنُ أَنْ أَقُولَ فِيهِ شَيْئًا، وَأَنْ أَقُولَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ». قَالَ: «سَمِعْته غَيْرَ مَرَّةٍ لَا يَنْفُذُ لَهُ فِيهِ قَوْلٌ» (¬3). هكذا كان يتوقف الإمام أحمد في كثير من المسائل، أما المسائل التي كان يجيب فيه فإن إجابته كانت في كثير من الأحيان تتجنب التصريح بالتحليل والتحريم، كما كانت في أحيان أخرى تحمل طابع التردد والحذر والخوف من الخطأ، فلا تدل بوضوح على الحكم، ولذلك قد يقع الاختلاف في تفسير ما يروى عنه. فعن أحمد روايتان في دم البق والبراغيث وما لا نفس له سائلة، إذا أصاب هذا الدم الثوب أو الجسد. فإحدى الروايتين تقول: إن هذا الدم طاهر، وقد نقل عنه في رواية ثانية أنه قال: «إذَا كَثُرَ، إنِّي لَأَفْزَعُ مِنْهُ». ¬
فهل تعني هذه العبارة وجوب غسل هذا الدم وإزالته؟ إن العبارة ليست نصًا في هذا المعنى، ولذلك يقول ابن قدامة: «وَالأَوَّلُ أَظْهَرُ - أَيْ كَوْنِهِ طَاهِرٌ -، وَقَوْلُ أَحْمَدَ: " إنِّي لأَفْزَعُ مِنْهُ " لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي نَجَاسَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَوَقُّفِهِ فِيهِ» (¬1). والحذر من الجزم بالتحليل والتحريم، الذي أخذ المحدثون أنفسهم به كان شائعًا عند معظم السلف والأئمة السابقين. يصرح بذلك الإمام مالك فيقول: «لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلَا مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا، وَلَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ، مَا كَانُوا يَجْتَرِئُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ: نَكْرَهُ هَذَا وَنَرَى هَذَا حَسَنًا، وَنَتَّقِي هَذَا وَلَا نَرَى هَذَا، [وَزَادَ عَتِيقُ بْنُ يَعْقُوبَ]، وَلاَ يَقُولُونَ: حَلاَلٌ وَلَا حَرَامٌ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] الْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ». قَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: «مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنَ العِلْمِ رَأْيًا وَاسْتِحْسَانًا لَمْ [يُقَلْ] فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ» (¬2). وهنا امتنع بعض العلماء عن الإفتاء في بعض المسائل المشكلة، مثل سفيان بن عيينة الذي كان لا يفتي في الطلاق، ويقول: «مَنْ يُحْسِنُ هَذَا؟» (¬3). وقد سرد ابن القيم بعض مسائل مأثورة عن الإمام أحمد، تجنب فيها التصريح بالتحليل والتحريم: فمن ذلك، «أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَدْ قَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ ¬
الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: " أَكْرَهُهُ وَلَا أَقُولُ هُوَ حَرَامٌ ". وَمَذْهَبُهُ تَحْرِيمُهُ، وَإِنَّمَا تَوَرَّعَ عَنْ إطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ لِأَجْلِ قَوْلِ عُثْمَانَ» (¬1). وقال أحمد: «" يُكْرَهُ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ "، وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحَمَّامَ [إلَّا] بِمِئْزَرٍ لَهُ "، وَهَذَا اسْتِحْبَابُ وُجُوبٍ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ [إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ]: " إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَالِ الرَّجُلِ حَرَامًا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ مَالُهُ "، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ». وفي بعض المسائل يتبين أن الإمام أحمد كان يتورع عن إطلاق لفظ التحليل والتحريم، حتى في المسائل المنصوص على حكمها نَصًّا صريحًا، فقد قال: «لَا يُعْجِبُنِي أَكْلُ مَا ذُبِحَ لِلزَّهْرَةِ وَلَا الكَوَاكِبِ وَلَا الْكَنِيسَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]». قال ابن القيم بعد ذكره الأمثلة على هذا الاتجاه عند أحمد: «وَهَذَا فِي أَجْوِبَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَقْصَى» (¬2). هذا هو سلوك المحدثين عند الاستنباط، وهو كما رأينا، سلوك تحكمه الخشية لله - عَزَّ وَجَلَّ -، ويسيطر عليه الورع، ويخضع لرقابة الضمير اليقظ. ولا شك أن هذا السلوك متأثر بتصورهم للفقه، هذا التصور الشامل الذي يجمع بين العلم والعمل في مفهوم الفقه، ولا يقصره على معرفة الأحكام العملية المجردة. ¬
[ب] تأثر المحدثين بهذا الاتجاه عند علاج الموضوعات الفقهية
وكما أثر هذا التصور لمفهوم الفقه على سلوك المحدثين عند الاستنباط، أثر أيضًا على طريقتهم في التأليف، وأسلوب علاجهم للموضوعات الفقهية، وعلى نظرتهم للأعمال، ومدى التوافق بينها وبين المقاصد التشريعية. وفي الفقرات التالية نوضح ما نعنيه بتأثير الجانب الخلقي الديني في المحدثين من حيث أسلوبهم في التأليف وعلاج الموضوعات الفقهية. ثم نشرع بعد ذلك في بيان تأثير هذا الاتجاه في نظرتهم إلى الأعمال الإنسانية: [ب] تَأَثُّرُ المُحَدِّثِينَ بِهَذَا الاِتِّجَاهِ عِنْدَ عِلاَجِ المَوْضُوعَاتِ الفِقْهِيَّةِ: هناك كلمة لأبي داود، سليمان بن الأشعث، صاحب " السنن " لعلها خير ما يوضح منهج المحدثين في عرض الموضوعات الفقهية، ويبرز تأثير الجانب الديني الخلقي في فقههم. فقد روي عن أبي داود أنه قال: «الفِقْهُ يَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ "، وَحَدِيثُ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ "، وَحَدِيثُ " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "، وَحَدِيثُ " الدِّينُ النَّصِيحَةُ "، وَحَدِيثُ " مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ "». وقد روي أيضًا عن أبي داود أنه قال: «كَتَبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، انْتَخَبْتُ مِنْهَا مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْكِتَابُ - يَعْنِي كِتَابَ " السُّنَنِ " - جَمَعْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَثَمَانِمِائَةِ حَدِيثٍ، وَيَكْفِي الإِنْسَانَ لِدِينِهِ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "، وَالثَّانِي: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ "، وَالثَّالِثُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يَكُونُ
المُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَتَّى لَا يَرْضَى لِأَخِيهِ إِلَّا مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ "، وَالرَّابِعُ: [قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -]: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ "» (¬1). وهذه الأحاديث التي أشار إليها أبو داود، يجمعها الدعوة إلى الإخلاص والورع في كل شؤون الحياة، وإلى مكارم الأخلاق في علاقات الناس وسلوكهم. فكان الإخلاص والورع وحسن الخلق هي الخيط الذي يربطها برباط واحد، والروح التي تتخللها وتسري فيها، وهي الضوابط التي تحكم السلوك الإنساني في كل صورة. واستنادًا إلى هذه النظرة إلى الفقه، وصدورًا عنها - تجاورت في كتب المحدثين أبواب العقيدة وأبواب الأحكام ممتزجة بها أو منضمة إليها أبواب الرقاق والزهد وآداب السلوك الفردي والجماعي في المأكل والمشرب والملبس والحل والترحال، مما سبق بيانه وتفصيله. والواقع أن كتب المحدثين هي كتب الإسلام بكل أبعاده وعناصره الأساسية وتنهج نهجه في استخدام أسلوب الترهيب والترغيب، الذي يتخلل كل أبواب الفقه الحديثي. ولا شك أن ابن حزم الظاهري كان متأثرًا بهذا الاتجاه، عندما بدأ كتابه في الفقه " المُحَلَّى " بفصول العقيدة، استغرقت إحدى وتسعين مسألة. وصدورًا عن هذا التصور للفقه أيضًا، رأينا البخاري يبدأ كتابه " الصحيح " بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، إشارة إلى أن وجه الله سبحانه هو غايته، وإيمانًا منه بأهمية العوامل النفسية والدوافع المستكنة في نفوس ¬
بني الإنسان، وتنبيهًا لكل فرد من أفراد هذا الإنسان أن يصلح من سريرته، وأن يقوم مكنونه، ليتم التوافق بين سره وعلانيته، فإن سره ومكنونه، وإن خفي على الناس، لا يخفى على علم الله الشامل، فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى. ثم لم يكتف البخاري بأن بدأ كتابه بهذا الحديث، بل كرره في ستة مواضع أخرى (¬1). ولعل البخاري متأثر في بدايته هذه بشيخه عبد الرحمن بن مهدي الذي قال عن حديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»: «لَوْ صَنَّفْتُ كِتَابًا فِي الأَبْوَابِ، لَجَعَلْتُ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ فِي كُلِّ بَابٍ»، وقال أيضًا: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فَلْيَبْدَأْ بِحَدِيثِ الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ» (¬2). هذا موجز لبيان كيفية تأثر المحدثين بالاتجاه الخلقي الديني، في تصورهم للموضوعات الفقهية، وفي ترتيبهم لها وعدم قصرها على الأحكام العملية ويبقى علينا أن نوضح كيف تأثر المحدثون بهذا الاتجاه نفسه عند علاجهم لكل موضوع على حدة. ولبيان هذا التأثر، عرضنا لموضوعين من فقه المحدثين في الأحكام العملية هما الزكاة والبيوع، ليكونا أنموذجًا أو مثالاً يوضح طريقتهم في علاجهم لبقية الموضوعات: ففي موضوع الزكاة، لا يقتصر المحدثون على بيان وجوبها، وأن ¬
ما نعيها خارجون عن الإسلام يحل قتالهم، ولا يكتفون ببيان مقدارها، وبيان الأموال التي تؤخذ منها، ومقدار النصاب في كل نوع، ولا يقتصر المحدثون عند علاجهم لموضوع الزكاة على هذه المسائل التي يقتصر عليها في الفقه عادة، بل ينثرون بينها ما يحبب الزكاة إلى النفس، ويحرك الدوافع إليها، ويثير الحوافز والرغبة فيها ويحذر النفس من الشح ويخوفها من منع الزكاة. بل يحثها على تجاوز الواجب إلى التطوع، حتى يصبح الإنفاق عادة أصيلة في نفس المسلم، يخرج بها من نطاق الحياة لذاته، إلى محيط المجتمع الرحيب، فيتم التعاون ويتحقق التكافل. وليس الترغيب في الصدقة متوجهًا إلى من يملكون الكثير فقط، بل كل مسلم مطالب بأن يتصدق، وكل فرد مطالب بأن يقدم للمجتمع شيئًا مما يملك، قليلاً أو كثيرًا، كل على قدر استطاعته، إن لم يكن بالمال، فالبعمل، أو بالنصح والكلمة الطيبة: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ»، «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»، فَقَالَوا: يَا نَبِيَّ اللهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ , قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ وَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ»، قَالَوا: فَإِنْ لَمْ لَمْ يَجِدْ؟ , قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ»، قَالَوا: فَإِنْ لَمْ لَمْ يَجِدْ؟ , قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَة». إن الزكاة الواجبة تأخذها الدولة من الأغنياء لتردها على الفقراء، ولتصلح بها من شأن المجتمع وليس صلاح هذا المجتمع مسؤولية الدولة فقط، بل هي مسؤولية كل فرد في الدولة المسلمة. وليست الزكاة ضريبة وَعِبْءًا مَالِيًّا، يحاول المسلم أن يتحايل عليه لإعفائه منه، بل هي عبادة يتقرب بها المسلم إلى ربه، ويحرص على أدائها في وقتها، سواء طلبتها السلطة الحاكمة أم لا. فإخراجها لا تنفرد به الدولة، بل هو أيضًا مسؤول ومنتفع بإخراجه الزكاة، حيث يبارك له في ماله ويرضى عنه ربه. بل المسلم ينفق
ما هو أكثر من قدر الزكاة في سبيل الله سرًا وعلانية، لا يبتغي رياء ولا سمعة، ولا يتبع ما ينفقه بالمن والأذى. وفي الوقت الذي يحث فيه الإسلام - من خلال فقه المحدثين - على الإعطاء والإنفاق والبذل المادي والمعنوي، يحث أيضًا، وبقدر مساو - على العفاف والأنفة من السؤال، ويعالج الشراهة في طلب المال، كما عالج من قبل الشح والتقتير في إنفاقه. وبذلك يتم التعادل والتكافؤ بين أفراد المجتمع، إذ كل إنسان مطالب بأن يعطي، وفي الوقت ذاته كل محتاج مطالب بأن يتعفف، ولا يجعل السؤال وسيلة للكسب تغنيه عن العمل، بل هو ملجأ عند الاضطرار، يؤخذ منه بقدر ما يعين الإنسان على مواصلة الحياة، وبقدر ما يقيله من عثرته، ويعينه على مواصلة العمل والكفاح، لأن خير المال هو ما كان نتيجة لكسب الإنسان، وثمرة كده وعرقه. كل ذلك قد ذكره المحدثون في موضوع الزكاة، عن طريق تخيرهم للأحاديث الدالة على هذه المعاني، ووضعهم لها هذا تحت التراجم المنبئة عن رأيهم وفهمهم (¬1). أما البيوع فإن المحدثين لم يقتصروا في علاجها على بيان الأحكام المتعلقة بها، بل رأيناهم يضيفون إلى ذلك ما يعين على فعالية هذه الأحكام، وإعطائها قوة التأثير المطلوبة منها. ولما كانت البيوع من الموضوعات الهامة، التي تعتبر مجالاً للنشاط وابتلاء للسلوك الإنساني، حيث يتعرض فيها لسيطرة الغرائز وسلطان الأهواء ¬
لم يكن من المجدي أن يضبط هذا السلوك، ولا تحكم أن هذه الغرائز والأهواء عن طريق الأحكام القانونية ورقابة الحكام (¬1) فقط، بل كان من الضروري أن تعالج هذه الأهواء والنزعات علاجًا جذريًا ذاتيًا بالوصول إلى أعماق النفس الإنسانية، وتهذيب ما خرج عن حد الاعتدال من غرائزها أو سلوكها، وإعطائها دفعة من الإحساس بالمسؤولية، تحاسب به نفسها قبل أن توضع الموازين القسط يوم القيامة: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (¬2). ولذلك وجدنا أن معظم كتب السنن قد أثبتت حديث «الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ»، فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه (¬3). أثبتته بروايات مختلفة وألفاظ متقاربة في كتاب البيوع. وما ذلك إلا ليتنبه المسلم إلى أن من واجبه أن يترك ما يشتبه في أنه حرام. وقد نبه إلى ذلك الحافظ ابن حجر، فقال: «وَقَدْ تَوَارَدَ أَكْثَرُ الأَئِمَّةِ المُخَرِّجِينَ لَهُ عَلَى إِيرَادِهِ فِي كِتَابِ البُيُوعِ لأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي المُعَامَلاَتِ تَقَعُ فِيهَا كَثِيرًا ... ¬
وترك ما يشتبه في حرمته الورع بعينه، قَالَ الخَطَّابِيُّ: «كُلُّ مَا شَكَكْتُ فِيهِ فَالوَرَعُ اجْتِنَابُهُ» (¬1) وفي الحديث: «لَا يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ البَأْسُ»، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَدَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ الحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الحَلاَلِ لَا أَخْرِقُهَا» (¬2). ولما كانت المبالغة في الورع قد تفضي إلى نوع من الوسوسة والتضييق عقب البخاري على أبواب الشبهات بقوله: (بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ [الوَسَاوِسَ] وَنَحْوَهَا مِنَ الشُّبُهَاتِ). قال ابن حجر: «وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَطُّعِ فِي الوَرَعِ». قَالَ الغَزَالِيُّ: «الوَرَعُ أَقْسَامٌ: وَرَعُ الصِّدِّيقِينَ وَهُوَ تَرْكُ مَا لاَ يُتَنَاوَلُ بِغَيْرِ نِيَّةِ القُوَّةِ عَلَى العِبَادَةِ، وَوَرَعُ الْمُتَّقِينَ وَهُوَ تَرْكُ مَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَكِنْ يُخْشَى أَنْ يَجُرَّ إِلَى الحَرَامِ وَوَرَعُ الصَّالِحِينَ وَهُوَ تَرْكُ مَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ احْتِمَالُ التَّحْرِيمِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الاِحْتِمَالِ مَوْقِعٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ وَرَعُ المُوَسْوَسِينَ» (¬3). وحب التملك والرغبة في الكسب والاستزادة من الأموال، قد [تستحوذ] على شعور الإنسان، وتغرقه في مادية طاغية، تحكمها الأنانية وتقودها القسوة، وتنزوي فيها المشاعر الإنسانية النبيلة، وتذوي فيها الإحساسات الرقيقة، ويصبح الإنسان في أشد الحاجة إلى من يرطب له ¬
[ج] النظر إلى المقاصد ومآلات الأفعال
جفاف هذه المادية، ويلطف من قسوتها، فنجد البخاري يثبت بين أبواب التجارة (بَابُ السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالبَيْعِ، وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ)، ثم يروي فيه الحديث: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» ثم يذكر بعده (بَابُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا) يروي فيه قول الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ». ثم يروي البخاري بعد ذلك من الأحاديث ما يدفع بالمتبايعين إلى تحري الصدق والنصح في البيع ليبارك لهما في بيعهما، وما يحذرهما من الكذب والخداع حتى لا تمحق بركة بيعهما «وَمَا يُحْذَرُ كَذَلِكَ مِنَ الحِلْفِ عِنْدَ البَيْعِ لِتَرْوِيجِ السِّلْعَةِ» (¬1). وهكذا يغوص فقه المحدثين إلى أعماق النفس الإنسانية [ليعالج] أدواءها ويمنحها دواءها، ويمدها بأسباب قوتها، وسر سعادتها. [ج] النَّظَرُ إِلَى المَقَاصِدِ وَمَآلاَتِ الأَفْعَالِ: بعد أن ذكرنا كيف أثر الاتجاه الخلقي الديني عند المحدثين على سلوكهم عند الاستنباط، وعلى علاجهم للموضوعات، نتعرض الآن لبيان تأثير هذا الاتجاه على نظرتهم للأعمال، سواء من حيث الباعث عليها، أو من حيث مآلها وصيرورتها. ¬
أما من حيث الباعث على العمل، فقد اهتم المحدثون بالنيات والمقاصد اهتمامًا كبيرًا. ولا أدل على ذلك من بدء البخاري " صحيحه " بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». بل يصرح البخاري بأن النية مؤثرة في الحكم على الفعل، سواء أكان عقدًا أم تصرفًا لفظيًا، وذلك حيث يقول في كتاب الحيل: (بَابٌ فِي تَرْكِ الحِيَلِ، وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِي الأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا). قَالَ ابْنُ المُنَيِّرِ في تعليقه على هذه الترجمة: «اتَّسَعَ البُخَارِيُّ فِي الاِسْتِنْبَاطِ، وَالمَشْهُورُ عِنْدَ النُّظَّارِ حَمْلُ الحَدِيثِ عَلَى العِبَادَاتِ، فَحَمَلَهُ البُخَارِيُّ عَلَيْهَا وَعَلَى المُعَامَلاَتِ، وَتَبِعَ مَالِكًا فِي القَوْلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ وَاعْتِبَارِ المَقَاصِدِ. فَلَوْ فَسَدَ اللَّفْظُ وَصَحَّ القَصْدُ، أُلْغِيَ اللَّفْظُ وَأُعْمِلَ القَصْدُ تَصْحِيحًا وَإِبْطَالاً» (¬1). ومن الفروع التي يظهر فيها أثر القصد واعتباره عند البخاري مسائل الطلاق، مثل كنايات الطلاق، التي يقول فيها: (باب إذا قال فارقتك، أو سرحتك، أو الخلية، أو البرة أو ما عنى به الطلاق - فهو على نيته) (¬2). وكما اعتبرت النية في كنايات الطلاق، فإنها تعتبر أيضاً في الألفاظ الصريحة للطلاق ، حيث لا يقع الطلاق إذا نطق بصريح لفظه إلا إذا توفر القصد والنية إلى إيقاعه. وكذلك لو نطق بلفظ الظهار الصريح، دون أن يقصد حقيقة الظهار فلا شيء عليه، ولا يعتبر ظهارًا. وفي ذلك يقول البخاري: (بَابُ إِذَا قَالَ لاِمْرَأَتِهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ: هَذِهِ ¬
أُخْتِي، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِسَارَةَ: " هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "» (¬1). وفي ذلك دليل على أن قول المكره لا أثر له، لا في ظهار، ولا في طلاق، ولا في غيرهما كما صرح البخاري بذلك في الباب الذي ذكر فيه نماذج من الأشخاص الذين لا يتوفر عنصر القصد في تصرفاتهم، محتجًا بالحجة الرئيسية لهذا الاتجاه، وهو قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، مع احتجاجه بأقوال الصحابة والتابعين: يقول البخاري: (بَابُ الطَّلاَقِ فِي الإِغْلاَقِ وَالكُرْهِ، وَالسَّكْرَانِ وَالمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا، وَالغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلاَقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». وَتَلاَ الشَّعْبِيُّ: {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ المُوَسْوِسِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ: «أَبِكَ جُنُونٌ؟» وَقَالَ عَلِيٌّ: بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُومُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ، مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي، فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا [مَعَهُ]. وَقَالَ عُثْمَانُ: «لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلاَقٌ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ». وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: «لَا يَجُوزُ طَلاَقُ المُوَسْوِسِ»). ثم يذكر البخاري في الترجمة نفسها أن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إلا بوقوع الشرط سواء بدئ بلفظ الطلاق أو بدئ بالشرط: أي لا فرق ¬
بين أن يقول: «أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ خَرَجْتِ» مثلاً، وقوله: «إِنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ». ويذكر في ذلك أقوال التابعين، واشتراطهم النية في بعض ألفاظ الطلاق، فيقول: (وَقَالَ عَطَاءٌ: «إِذَا [بَدَا] بِالطَّلاَقِ فَلَهُ شَرْطُهُ». وَقَالَ نَافِعٌ: «طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ البَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ». فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «فِيمَنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلاَثًا: يُسْأَلُ عَمَّا قَالَ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ بِتِلْكَ اليَمِينِ؟ فَإِنْ سَمَّى أَجَلاً أَرَادَهُ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ، جُعِلَ ذَلِكَ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «إِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، نِيَّتُهُ، وَطَلاَقُ كُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانهِمْ» ... وَقَالَ الحَسَنُ: «إِذَا قَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، نِيَّتُهُ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الطَّلاَقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالعَتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ»، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «إِنْ قَالَ: مَا أَنْتِ بِامْرَأَتِي، نِيَّتُهُ، وَإِنْ نَوَى طَلاَقًا فَهُوَ مَا نَوَى». وَقَالَ عَلِيٌّ: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ القَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ». وَقَالَ عَلِيٌّ: «وَكُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ، إِلَّا طَلاَقَ المَعْتُوهِ») (¬1). وفي كتاب الأيمان، يترجم البخاري بَابًا يسميه (بَابُ النِّيَّةِ فِي الأَيْمَانِ) يكرر فيه روايته واستدلاله بحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (¬2). كما يعقد أبوابًا أخرى توضح أثر النية والقصد في الأيمان مثل (بَابُ {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ [حَلِيمٌ]} [البقرة: 225]). روى فيه أن عائشة فسرت نزول هذه الآية بقولها: ¬
«أُنْزِلَتْ فِي قَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ، بَلَى وَاللَّهِ». ثم أتبع البخاري ذلك بقوله: (بَابُ إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِي الأَيْمَانِ وَقَوْلِ اللَهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73]، وهو يميل في هذا الباب إلى أن يحنث ناسيًا، فلا إثم عليه ولا تلزمه كفارة (¬1). وكذا نجد الاهتمام بالنية في أبواب الطلاق عند أبي داود. فقد قال في إحدى تراجمه (بَابٌ [فِي] الطَّلاَقِ عَلَى غَلَطٍ)؛ وروى فيه حديث عائشة مرفوعًا: «لَا طَلاَقَ، وَلَا عَتَاقَ فِي غِلاَقٍ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «الغِلاَقُ: أَظُنُّهُ فِي الغَضَبِ» (¬2). ويقول في باب آخر: (بَابٌ فِيمَا عُنِيَ بِهِ الطَّلاَقُ وَالنِّيَّاتُ)، وروى فيه حديث عمر المشهور في النيات: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ...» كما روى في هذا الباب أن أحد الصحابة قد قال لامرأته: «الْحَقِي بِأَهْلِكِ». فلم يعتبر ذلك طلاقًا، لأنه لم يكن يقصد الطلاق، وذلك في قصة كعب بن مالك أحد المخلفين الثلاثة عن غزوة تبوك، حَيْثُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْ اعْتَزِلْ امْرَأَتَكَ»، فقال كعب: «أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟»، قَالَ: «لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلاَ تَقْرَبَنَّهَا»، [فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي]: «الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الأَمْرِ» (¬3). وكذلك نجد ابن ماجه يروي في (بَابُ طَلاَقِ المَعْتُوهِ وَالصَّغِيرِ وَالنَّائِمِ). ¬
حديث عائشة مرفوعًا: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ، أَوْ يُفِيقَ»، وزاد بعض الرواة: [قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِيثِهِ] (*): «وَعَنِ المُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ». كما روى ابن ماجه أيضًا في (بَابُ طَلاَقِ المُكْرَهِ وَالنَّاسِي) الأحاديث التي تفيد عدم المؤاخذة بالأعمال الناتجة عن خطأ، أو نسيان، أو إكراه، أو غضب (¬1). وهكذا يهتم أهل الحديث بالنيات والمقاصد، ولا يكتفون بظواهر الألفاظ، ولا يحكمون بموجبها حتى يتوفر القصد إلى اللفظ وإلى موجبه معًا، «فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَتَيْنِ: إرَادَةِ التَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ اخْتِيَارًا، وَإِرَادَةِ مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ» (¬2). ولا فرق في تأثير القصد والنية في الأعمال بين العبادات وغيرها، فكل تصرفات الإنسان الاختيارية التي يوجه إليه التكليف فيها تعتبر فيها النيات ولا بد. وفي ذلك يقول ابن القيم: «وَقَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ التِي لَا يَجُوزُ هَدْمُهَا أَنَّ المَقَاصِدَ وَالاِعْتِقَادَاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالعِبَارَاتِ كَمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّقَرُّبَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، فَالقَصْدُ وَالنِّيَّةُ وَالاِعْتِقَادُ يَجْعَلُ الشَّيْءَ حَلاَلاً [أَوْ] حَرَامًا، وَصَحِيحًا [أَوْ] فَاسِدًا، وَطَاعَةً [أَوْ] مَعْصِيَةً، كَمَا أَنَّ القَصْدَ فِي العِبَادَةِ يَجْعَلُهَا وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً أَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً» (¬3). وليس هذا التأثير للقصود مقصورًا على التصرفات اللفظية مثل ألفاظ اليمين والطلاق والعتاق وغيرها، بل إن تأثيرها يمتد إلى العقود أيضًا، بل يذهب بعضهم إلى أن اعتبار القصود في العقود أولى من اعتبار الألفاظ، ¬
موقف أبي حنيفة والشافعي من اعتبار المقاصد
فإن الألفاظ مقصودة لغيرها، ومقاصد العقود هي التي تراد لأجلها، فإذا ألغيت واعتبرت الألفاظ التي لا تراد لنفسها، كان هذا إلغاء لما يجب اعتباره، واعتبارًا لما قد يسوغ إلغاؤه. ومما يدل على تأثير النية في الإنسان أن صورة الفعل قد تكون واحدة، ومع ذلك فإن حكمها باختلاف النية: فالرجل إذا اشترى أو اقترض أو استأجر، ونوى ذلك لموكله - كان له وإن لم يتكلم به في العقد، وإن لم ينوه له وقع الملك للعاقد. وإذا كان القول والفعل الواحد يوجب الملك لمالكين مختلفين عند تغير النية - ثبت أن للنية تأثير في العقود والتصرفات. ومن ذلك كان الله حرم أن يدفع الرجل إلى غيره مالاً ربويًا، بمثله على وجه البيع إلا أن يتقابضا، وجوز دفعه بمثله على وجه القرض. وقد اشتركا في أن كل منهما يدفع ربويًا ويأخذ نظيره، ولكن القصد فرق بينهم، فإن مقصود القرض إرفاق المقترض، وليس مقصوده المعاوضة والربح. وكما يقول الشاطبي: «وَالعَمَلُ الوَاحِدُ يُقْصَدُ بِهِ أَمْرٌ فَيَكُونُ عِبَادَةً، وَيُقْصَدُ بِهِ شَيْءٌ آخَرَ، فَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ، بَلْ يُقْصَدُ بِهِ شَيْءٌ فَيَكُونُ إِيمَانًا، وَيُقْصَدُ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ فَيَكُونُ كُفْرًا، كَالسُّجُودِ لِلَّهِ أَوْ لِلصَّنَمِ» (¬1). مَوْقِفُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ مِنْ اعْتِبَارِ المَقَاصِدِ: الاتجاه إلى المقاصد والنيات وتأثيرها في الأفعال، وبناء الحكم ¬
الدنيوي عليها هو اتجاه أهل الحديث، وهو اتجاه المالكية والحنابلة أيضًا. وقد خالفهم في هذا الاتجاه طوائف من العلماء، من أبرزهم أبو حنيفة والشافعي، ورأى هؤلاء العلماء أن الأحكام تجري على العبارات والتصرفات الظاهرة، دون اعتبار للنيات والمقاصد فيها. ومن حججهم على ذلك: ما قاله الله تعالى حكاية عن نبيه نوح - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} (¬1). فرتب الحكم على ظاهر إيمانهم، ورد علم ما في أنفسهم إلى العلم بالسرائر سبحانه، المنفرد بعلم ذات الصدور. وعلم ما في النفوس من المقاصد والنيات هو من علم الغيب، وقد قال تعالى لرسوله: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} (¬2) [هود: 31] (*). وقال - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». فاكتفى منهم بالظاهر، ووكل سرائرهم إلى الله. وكذلك فعل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بالذين تخلفوا عنه واعتذروا إليه، قبل منهم ووكل سرائرهم إلى الله. وكذلك كانت سيرته في المنافقين قبول ظاهر إسلامهم، وترك سرائرهم إلى الله. وأبلغ من هذا قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، ¬
فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». فأخبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يحكم بالظاهر، وإن كان لا يحل للمحكوم له ما حكم به. وفي هذا كله دلالة على إلغاء المقاصد والنيات في العقود، وإبطال سد الذرائع واتباع ظواهر عقود الناس وألفاظهم. وقد أبلى الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - بلاءً حسنًا في الاحتجاج لإجراء الأحكام على ظواهرها وعدم اعتبار النيات والقصود فيها، وأن العقد لا يفسد إلا بما يذكر في العقد نفسه، ولا يفسد بشيء تقدمه ولا تأخره، ولا يتوهم ولا بالأغلب، ولا تفسد البيوع بأن يقال هذه ذريعة، وهذه نية سوء (¬1). ومن الفروع التي انبنى الخلاف فيها على الخلاف في اعتبار القصود في العقود، مسألة اتفاق المتعاقدين في عقد البيع على أن يتبايعا شيئًا بثمن معين ذكراه، واتفقا فيما بينهما على أن هذا العقد عقد صوري لا حقيقة له، تخلصًا من ظالم يريد أخذه مثلاً، فالذي يعتبر القصود يبطل هذا العقد وإن لم يصرحا في صلب العقد بحقيقة قصدهما، من أن البيع صوري. ¬
والذي لا يعتبر القصود يعترف بهذا العقد ولا يبطله إلا إذا نص العاقدان في صلب العقد على أنه بيع صوري، ولا يعتبر القصد ولا الاتفاق السابق على العقد، لأن المؤثر في العقد إنما هو الشرط المقارن. ومن الفروع أيضًا عقد التحليل، فإذا اتفق العاقدان في النكاح على أن العقد هو عقد تحليل، لا نكاح رغبة، وأنه متى دخل بها طلقها، أو فهي طالق، أو أنها متى اعترفت بأنه وصل إليها فهي طالق، ثم يعقد العاقدان عقدهما مطلقًا عن هذه الشروط، فإن هذا العقد حينئذٍ باطل عند من يعتبر القصود، ولا تحل به الزوجة الأولى للأول. أما عند أبي حنيفة والشافعي فهو نكاح صحيح، مع الإثم (¬1). وقد حاول ابن القيم أن يفصل في الخلاف بين المعتبرين للقصود، والملغين لها، فذكر أن الألفاظ موضوعة للدلالة على ما في النفس، وأن الأحكام متجهة إلى المقاصد التي تعبر عن الألفاظ، وليست متجهة إلى مجرد ما في النفس من غير دلالة لفظ أو فعل، كما أنها ليست متجة إلى مجرد اللفظ الذي لم يقصد المتكلم به معناه. فإذا اجتمع القصد والدلالة القولية أو الفعلية، ترتب الحكم. وبناء على هذا، قسم ابن القيم الألفاظ ثلاثة أقسام: بالنسبة إلى مقاصد المتكلمين ونياتهم وإراداتهم لمعانيها: - القسم الأول: أن تظهر مطابقة القصد للفظ. وللظهور مراتب، تنتهي إلى اليقين والقطع بمراد المتكلم، بحسب الكلام في نفسه، وما يقترن به من القرائن الحالية واللفظية، وحال المتكلم به وغير ذلك. ¬
- القسم الثاني: ما يظهر بأن المتكلم لم يرد معناه، وقد ينتهي هذا الظهور إلى حد اليقين وهو نوعان: [أ] ألا يكون مريدًا لمقتضاه ولا لغيره. [ب] أن يكون مريدًا لمعنى يخالفه: فالأول كالمكره والنائم والمجنون والسكران ومن اشتد به الغضب، والثاني كالمعرض والموري والملغز والمتأول. - القسم الثالث: ما هو ظاهر في معناه، ويحتمل إرادة المتكلم له، ويحتمل إرادته لغيره، ولا دلالة على واحد من الأمرين، واللفظ دال على المعنى الموضوع له، وقد أتى به اختيارًا. والقسمان الأولان لا نزاع فيهما: فإذا ظهر قصد المتكلم لمعنى الكلام، أو لم يظهر قصد يخالف كلامه - وجب حمل كلامه على ظاهره. ثم ذكر ابن القيم أن الدلالة التي ذكرها الشافعي في عدم اعتبار القصود، إنما تدل على هذا القسم الأول. وينبغي صرف كلام المتكلمين عن ظاهره إذا دل على ذلك دليل، وهو القسم الثاني، كالتعريض، والتورية. وهذا أيضًا لا نزاع فيه. وإنما النزاع في الحمل على الظاهر والحكم بناء عليه، بعد ظهور مراد المتكلم والفاعل بخلاف ما أظهره. فهذا هو الذي وقع فيه النزاع، وهو: هل يعتبر بظواهر الألفاظ والعقود وإن ظهرت المقاصد والنيات بخلافها. أم للقصود والنيات تأثير يوجب الالتفات إليها ومراعاة جانبها؟. ثم اختار ابن القيم الرأي الثاني فقال: «وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ عَلَى أَنَّ القُصُودَ فِي العُقُودِ مُعْتَبَرَةٌ، وَأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ العَقْدِ وَفَسَادِهِ، وَفِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ. بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ [فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ وَفِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ]، وَهِيَ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الفِعْلِ الذِي لَيْسَ بِعَقْدٍ تَحْلِيلاً وَتَحْرِيمًا فَيَصِيرُ حَلاَلاً تَارَةً وَحَرَامًا تَارَةً بِاخْتِلاَفِ النِّيَّةِ [وَالقَصْدِ]، كَمَا يَصِيرُ صَحِيحًا تَارَةً وَفَاسِدًا تَارَةً بِاخْتِلاَفِهَا» (¬1). ¬
التوافق وعدمه بين النية والعمل
التَّوَافُقُ وَعَدَمُهُ بَيْنَ النِيَّةِ وَالعَمَلِ: وقد يثير الاتجاه إلى المقاصد، والاعتناء بالنية والبواعث النفسية التساؤلات حول كيفية التصرف إذا تعارضت النية مع العمل، بمعنى أن الإنسان إذا فعل فعلاً موافقًا لظاهر التشريع مع أن نيته تخالف هذا المظهر، فهل تحكم على هذا الإنسان بنيته المستترة، أو بعمله الظاهر؟ وكذلك إذا فعل فعلاً مخالفًا لظاهر التشريع، مع أن نيته كانت نية حسنة، تتجه إلى الموافقة لا المخالفة، فهل يؤخذ الإنسان بمخالفته الظاهرة، أم بنيته الحسنة؟ والذي يستفاد من كلام ابن القيم أن النية لا تأثير لها في الحكم الظاهري، طالما كانت خفية غير معلومة لمن يحيط بصاحبها من أفراد المجتمع. والذي يحاسب الإنسان على هذه النية حينئذٍ هو العليم بذات الصدور سبحانه. أما إذا ظهرت النية حينئذٍ بطريقة ما، وعلم الباعث على العمل، فإن التأثير حينئذٍ للنية والباعث في الموافقة والمخالفة. وقد كان الشاطبي موفقًا في إجابته عن هذا التساؤل السابق، حيث قسم العلاقة بين المقصود والفعل إلى أربعة أقسام: لأن فاعل الفعل أو تاركه إما أن يكون فعله أو تركه موافقًا أو مخالفًا وعلى كلا التقديرين إما أن يكون قصده موافقة الشارع أو مخالفته: - فالقسم الأول: أن يكون موافقًا، وقصده الموافقة. كأداء العبادات وترك المحرمات، امتثالاً لأمر الله تعالى ونهيه. وهذا لا إشكال في صحته. - والثاني: أن يكون مخالفًا وقصده المخالفة، كترك الواجبات وفعل المحرمات قاصدًا لذلك. وهذا أيضًا ظاهر الحكم.
والثالث: أن يكون الفعل أو الترك موافقًا، وقصده المخالفة. وهو ضربان: [أ] أحدهما أن يقصد المخالفة. ولا يعلم بكون الفعل أو الترك موافقًا كالغاصب لما يظن أنه متاع المغصوب، فإذا هو متاع الغاصب نفسه، فمثل هذا يكون عاصيًا في مجرد القصد، غير عاص بمجرد العمل، فهو آثم من وجهة حق الله، غير آثم من جهة حق الآدمي، والقاعدة أن كل تكليف يشتمل على حق الله وحق العبد. [ب] الضرب الثاني أن يكون الفعل أو الترك موافقًا. وهو عالم بالموافقة، ومع ذلك فقصده المخالفة، مثل المصلي رياء، وهذا الضرب أشد من سابقه، ويدخل تحته النفاق والرياء والحيل على أحكام الله تعالى، وذلك كله باطل. أما القسم الرابع: فهو أن يكون الفعل أو الترك مخالفًا، والقصد موافقًا. فإن كان مع العلم بالمخالفة، فهذا هو الابتداع، وهو مذموم. وإن كان مع الجهل بالمخالفة فإن له وجهين، كل منهما يعارض الآخر في نفسه ويعارضه في الترجيح: فإنه باعتبار كون القصد موافقًا، لا يكون مخالفًا بهذا الاعتبار. لأن الأعمال بالنيات، ونية هذا العمل على الموافقة. لكن الجهل أوقعه في المخالفة، ومن لا يقصد مخالفة الشارع، لا يجري مجرى المخالف بالقصد والعمل مَعًا. والوجه الثاني: النظر إلى هذا العمل باعتباره مخالفًا، فإن قصد الشارع بالأمر والنهي، الامتثال، فإذا لم يمتثل فقد خولف قصده. ولا يعارض المخالفة موافقة الباعث على العمل، لأنه لم يحصل قصد الشارع
في ذلك العمل على وجهه، ولا طابق القصد العمل، فصار المجموع مخالفًا كما لو خولف فيهما مَعًا، فلا يحصل الامتثال. وتكثر المعارضات في هذا من الجانبين، فكانت المسألة مشكلة جِدًّا. ومن هنا صار فريق من المجتهدين إلى تغليب جانب القصد، فتلافوا من العبادات ما يجب تلافيه، وصححوا المعاملات. ومال فريق إلى الفساد بإطلاق وأبطلوا كل عبادة أو معاملة خالفت الشرع، ميلاً إلى جانب العمل المخالف. وتوسط فريق، فأعملوا الطرفين على الجملة، لكن على أن يعمل مقتضى القصد في وجه، ويعمل مقتضى الفعل في وجه آخر (¬1). ولهذا أثر عن بعض من غَالَى في اعتبار المقاصد - الإفتاء بوقوع طلاق من طلق في نفسه، وهو مروي عن الزهري ومالك، واحتجا بالأصل في ذلك، وهو حديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ». أما أبو حنيفة، والشافعي، وأهل الحديث، وأهل الظاهر - فقد أفتوا بعدم لزوم الطلاق، لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ»، وقد أتبع البخاري هذا الحديث بقوله: قَالَ قَتَادَةُ: «إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ». ويرد ابن حزم على الاستدلال بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفرد النية عن العمل، ولا العمل عن النية، ولم يوجب حُكْمًا بأحدهمها دون الآخر وَهَكَذَا نَقُولُ: «إنَّ مَنْ نَوَى الطَّلاَقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ، أَوْ لَفَظَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ طَلاَقٌ، إلاَّ حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ ¬
نتائج هذا الاتجاه
وَيَنْوِيَهُ» (¬1). وكما غَالَى بعض العلماء في اعتبار المقاصد - غَالَى بعضهم الآخر في اعتبار ظاهر الأعمال دون نظر إلى النية، كالذي يؤثر عن أبي حنيفة وأصحابه، من أن من أراد أن يقول شيئًا لامرأته فسبقه لسانه، فقال: أنت طالق - لزمه الطلاق في القضاء وفي الفتيا وبينه وبين الله - عَزَّ وَجَلَّ -. وقد ذهب الجمهور في هذه المسألة إلى أن هذا المطلق غير القاصد للطلاق إن قامت عليه بينة - قضى عليه بالطلاق. وإن لم تقم عليه بَيِّنَةٌ، لكن جاء يستفتي لم يلزمه الطلاق، لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، وحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، أما إذا قامت بينة، فإنه حق ثبت، وقد ادعى بطلان ذلك الحق بقول هـ: «لَمْ أَنْوِ الطَّلاَقَ» فدعواه باطلة (¬2). نَتَائِجُ هَذَا الاِتِّجَاهِ: وقد كان من نتائج هذا الاتجاه الخلقي النفسي، الذي يحتفي بالنية والقصد، ويهتم بالمآلات التي تصير إليها الأفعال، حيث تعتبر من العوامل التي تحدد القصد، وتعين على تعرفه - أن مال أهل الحديث إلى القول بسد الذرائع، كما مالوا بكل ثقلهم إلى القول بإبطال الحيل. ويهمنا الآن أن نستكشف العلاقة ما بين هذا الاتجاه عند المحدثين وموقفهم من الذرائع والحيل. ¬
موقف المحدثين من سد الذرائع
مَوْقِفُ المُحَدِّثِينَ مِنْ سَدِّ الذَّرَائِعِ: أما بالنسبة للذرائع، فقد صرح ابن القيم بأن هناك رباطًا وثيقًا يربطها بالمقاصد، «فَمَنْ سَدَّ الذَّرَائِعَ اعْتَبَرَ المَقَاصِدَ وَقَالَ: [يُؤَثِّرُ] الشَّرْطُ [مُتَقَدِّمًا وَمُقَارِنًا]، وَمَنْ لَمْ يَسُدَّ الذَّرَائِعَ لَمْ يَعْتَبِرْ المَقَاصِدَ وَلاَ الشُّرُوطَ المُتَقَدِّمَةَ» (¬1). وهذا الذي يقوله ابن القيم من وجود تلازم بين الذرائع والقصد - ليس على إطلاقه، إذ لا يتضح في جميع الصور، فقد تكون النية حسنة، والقصد ممدوحًا ومع ذلك لا يؤذن في الفعل المتوفر فيه هذه النية الحسنة نظرًا لمآل الفعل، وعظم المفسدة المترتبة عليه. وهذا يدل على أن الأصل في اعتبار سد الذرائع هو النظر في مآلات الأفعال وما تنتهي في جملتها إليه، والنظر في هذه المآلات لا يكون إلى مقصد العامل ونيته، بل إلى نتيجة العمل وثمرته، وبحسب النية يثاب الشخص أو يعاقب في الآخرة، وبحسب النتيجة والثمرة يحسن الفعل في الدنيا أو يقبح، ويطلب أو يمنع ولذلك كان النهي في قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، كان هذا النهي ملاحظًا فيه النتيجة الواقعة؛ لا النية الدينية المحتسبة لمن يسب الأوثان. فمبدأ سد الذرائع لا ينظر فقط إلى النيات والمقاصد الشخصية، بل يقصد مع ذلك إلى النفع العام، أو إلى دفع الفساد العام، فهو ينظر إلى النتيجة مع القصد أو إلى النتيجة وحدها (¬2). ¬
اعتبار أحمد بن حنبل للذرائع
ولذلك جعل الشاطبي القول بسد الذرائع نتيجة من نتائج الاعتبار بمآلات الأفعال، لا من نتائج الاعتبار بالنيات والمقاصد (¬1)، إلا إذا أردنا بالمقاصد هنا ما هو مقصود للشريعة، لا الباعث الشخصي. وقد ذكر الشاطبي أن النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا لأن المجتهد لا يحكم على فعل المكلف إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فقد يكون الفعل مشروعًا لمصلحة فيه تستجلب أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ذلك. فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى إلى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا منعًا من إطلاق القول بالمشروعية. وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزي، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية. ثم يقول الشاطبي: «وَهُوَ مَجَالٌ لِلْمُجْتَهِدِ صَعْبُ المَوْرِدِ، إِلاَّ أَنَّهُ عَذْبُ المَذَاقِ مَحْمُودُ الغَبِّ، جَارٍ عَلَى مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ» (¬2). اعْتِبَارُ أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلَ لِلْذَّرَائِعِ: من أبرز من قال بالذرائع من أهل الحديث: الإمام أحمد، أخذًا بالأحوط: ونظرًا إلى مآل الفعل: واتهامًا للقصد عند ما يكون مآل الفعل غير مأذون فيه. ¬
ومن المسائل التي أفتى فيها الإمام أحمد بن حنبل، معتمدًا عل أصل سد الذرائع: [أ] أنه يكره الشراء ممن يرخص السلع، ليصرف الناس عن الشراء من جار له. قصدًا إلى الإضرار به، لأن الشراء منه إغراء له بمضارة جاره. وقد يؤدي فعله إلى الاحتكار، بأن نزول منافسة غيره، فيستبد فيما بعد بالأسعار، والامتناع عن الشراء منه ذريعة عن الشراء منه ذريعة إلى امتناعه عن إنزال الضرر بجاره. [ب] حرم أحمد بيع العصير ممن يعتقد أنه يتخذه خمرًا، والبيع باطل إذا علم البائع قصد المشتري ذلك. وإذا كان الأمر محتملاً فالبيع جائز. وحكى ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثوري: أنه لا بأس ببيع التمر لمن يتخذه خمرًا. قال الثوري: «بِعْ الحَلاَلَ مِمَّنْ شِئْتَ». كما حرم أحمد بيع السلاح عند الفتنة، لأنه ذريعة إلى الشر، وإعانة على المعصية. وفي معنى هذا البيع عند أحمد كل بيع أو إجارة أو معارضة تعين على معصية. كبيع السلاح لمن يحاربون المسلمين، أو للبغاة، أو لقطاع الطريق، وكإجارة الدور والحوانيت لمن يقيم فيها سوقًا للمعاصي، كالمراقص والملاهي المحرمة. قال في " المغني ": «وَهَكَذَا الحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْحَرَامُ ...» (¬1). ومما يذكر أن أهل الظاهر مع عدم اعتبارهم الذرائع، وإنكارهم على من يقول بها كما قدمنا (¬2) - يتفقون مع أحمد في هذا الحكم، ولكنهم ¬
يستدلون عليه بالنص، وفي ذلك يقول ابن حزم: «وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَعْصِي اللَهَ بِهِ أَوْ فِيهِ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، كَبَيْعِ كُلِّ شَيْءٍ يُنْبَذُ أَوْ يُعْصَرُ مِمَّنْ يُوقَنُ [بِهَا] أَنَّهُ يَعْمَلُهُ خَمْرًا، وَكَبَيْعِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يُدَلِّسُ بِهَا ... أَوْ كَبَيْعِ السِّلاَحِ [أَوْ الخَيْلِ] مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَعْدُو بِهَا عَلَى المُسْلِمِينَ، أَوْ كَبَيْعِ الحَرِيرِ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَلْبَسُهُ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ... فَإِنْ لَمْ يُوقَنْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَالبَيْعُ صَحِيحٌ» (¬1). [ج] بيوع الآجال، أو التي تعرف أحيانًا ببيع العينة (¬2)، قد حرمها أحمد لأنها ذريعة إلى الربا. ومن صورها أن يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها بأقل منه نقدًا، فإذا باعك إنسان سلعة بعشرين مثلاً إلى أجل ثم اشتراها منك بعشرة نقدًا، كان مآل البيع والشراء في هذه الصورة أنك افترضت من البائع عشرة، لتردها إليه عشرين بعد الأجل، وهو عين الربا. وقد حرم هذا البيع أيضًا كل من أبي حنيفة ومالك، ولما روي أَنَّ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ لَهَا: «إِنِّي بِعْتُ غُلاَمًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً إِلَى العَطَاءِ , وَاشْتَرَيْتُهُ بِسِتِّمِائَةِ» , فَقَالَتْ عَائِشَةُ: ¬
موقف البخاري من الذرائع
«أَبْلَغَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أنه قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ، بِئْسَ مَا اشْتَرَيْتِ وَبِئْسَ مَا شَرَيْتِ. قَالَتْ: «أَرَأَيْتِ إِنْ لَمْ آخُذْ إِلاَّ رَأْسَ مَالِي؟» , قَالَتْ: «{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275]». ومثل هذا الوعيد لا يقال بالرأي ولا فيما سبيله الاجتهاد فصح أنه توقيف (¬1). وقد أجاز الشافعي وأهل الظاهر هذا البيع. قال ابن حزم: «وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى حَالَّةً، أَوْ إلَى أَجَلٍ [مُسَمًّى] قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، فَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ الذِي بَاعَهَا مِنْهُ [بِثَمَنٍ مِثْلِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ مِنْهُ، وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَبِأَقَلَّ حَالاًّ، وَإِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَقْرَبَ مِنْ الَّذِي بَاعَهَا] مِنْهُ إلَيْهِ، أَوْ أَبْعَدَ وَمِثْلَهُ، كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ لاَ كَرَاهِيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ شَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي نَفْسِ العَقْدِ. فَإِنْ كَانَ عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الغَصْبِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]. وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119]. [فَهَذَانِ بَيْعَانِ] فَهُمَا حَلاَلاَنِ بِنَصِّ القُرْآنِ ...». وقد ضعف ابن حزم خبر زيد بن أرقم المروي عن السيدة عائشة. ورد على من قال: إن المتعاقدين قد تحايلا بهذا العقد على الربا، فقال: «أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَرَادَا الرِّبَا [كَمَا ذَكَرْتُمْ] فَتَحَيَّلاَ بِهَذَا العَمَلِ، فَبَارَكَ اللَّهُ فِيهِمَا، فَقَدْ أَحْسَنَا مَا شَاءَا إذْ هَرَبَا مِنْ الرِّبَا الحَرَامِ إلَى البَيْعِ الحَلاَلِ، وَفَرَّا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - إلَى مَا أَحَلَّ» (¬2). مَوْقِفُ البُخَارِيِّ مِنَ الذَّرْائِعِ: ونلاحظ هنا أن البخاري مع أخذه بالأحوط، فإن اتجاهه الظاهري قد غلب عليه، فلم يجعل للذرائع أثرًا في مقابلة عموم النص. ولذلك ¬
لا نستطيع أن نتابع ابْنَ المُنَيِّرِ في إطلاقه القول بأن البخاري يقول بسد الذرائع كذلك (¬1). على أن الأحوط الذي يأخذ به البخاري، ليس في ترك ما يبيحه النص خوفًا من التجرأ على ما لا يبيحه، أو حذرًا من مفسدة يؤول إليها الفعل ولكن الأحوط عنده هو ترجيح لأحد النصين المتعارضين على الآخر: مثل ما ذكرناه من قبل، من أن البخاري روى حديث: «إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ وَجَبَ الغُسْلُ» (*) ثم روى حديث: «المَاءُ مِنَ المَاءِ» ولما لم يتضح عنده وجه نسخ الحديث الأول للثاني، قال: «الغَسْلُ أَحْوَطُ» (¬2). ومثل ذلك أيضًا ما ذكره من الاختلاف في الفخذ، هل هو عورة، أو لا؟ فقد قال في ترجمته: (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الفَخِذُ عَوْرَةٌ» وَقَالَ أَنَسُ [بْنُ مَالِكٍ]: «حَسَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَخِذِهِ». [قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ]: «وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ» وَقَالَ أَبُو مُوسَى: «غَطَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ». وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي» (¬3). وفي الوضوء بالماء الذي ولغ فيه الكلب، يقول البخاري: (بَابُ المَاءِ الذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ، وَكَانَ عَطَاءٌ: «لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الخُيُوطُ وَالحِبَالُ، وَسُؤْرِ الكِلاَبِ وَمَمَرِّهَا فِي المَسْجِدِ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: ¬
«إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ» وَقَالَ سُفْيَانُ: «هَذَا الفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذَا مَاءٌ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ» (¬1). هذه هي الحيطة في مفهوم البخاري، ولكن نطاقها لا يتسع عنده حتى تشمل مثلاً تحريم أو كراهة الاستنشاق أو المبالغة فيه للصائم، حتى لا يكون ذريعة إلى الفطر، بل نراه على العكس من ذلك يبقى العام على عمومه، فيقول: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا تَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ المَاءَ» وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ ... فَإِنِ اسْتَنْثَرَ، فَدَخَلَ المَاءُ حَلْقَهُ لاَ بَأْسَ، [لَمْ] يَمْلِكْ) (¬2). ويبدو أن البخاري لم ير صحة الحديث المروي في ذلك، فقد روى الترمذي في (بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مُبَالَغَةِ الاِسْتِنْشَاقِ لِلصَّائِمِ) عَنْ عَاصِمِ بْنَ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ؟ قَالَ: «أَسْبِغِ الوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا». قال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ كَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ السُّعُوطَ لِلصَّائِمِ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ، وَفِي [الحَدِيثِ] مَا يُقَوِّي قَوْلَهُمْ» (¬3). ورواه النسائي. ويلاحظ أن البخاري لم ير بأسًا بالسعوط، ونقل ذلك عن الحسن في الباب السابق، بشرط ألا يصل إلى الحلق. ¬
وقد سبق أن ذكرنا أن أحمد بن حنبل كره بيع السلاح في الفتنة، سَدًّا لذريعة الفساد، ولكن البخاري مال إلى سلامة هذا البيع وعدم كراهته، بدليل الترجمة التي قال فيها: (بَابُ بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الفِتْنَةِ). قال ابن بطال: «إِنَّمَا كُرِهَ بَيْعُ السِّلاَحِ فِي الفِتْنَةِ، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ، وَمِنْ ثَمَّ كَرِهَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بَيْعَ العِنَبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى فَسْخِ البَيْعِ. وَكَأَنَّ المُصَنِّفَ [أَشَارَ] إِلَى خِلاَفِ الثَّوْرِيِّ [فِي ذَلِكَ حَيْثُ] قَالَ: " بِعْ حَلاَلَكَ مِمَّنْ شِئْتَ "» (¬1) مُحْتِجًّا بعموم الآيات المبيحة للبيع، كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]. والواقع أن البخاري إنما يقرر رأيه هو، ثم يشير إلى من خالفه فكره هذا البيع، وقد رأى البخاري أنه لا بأس بهذا البيع، بدليل الحديث الذي رواه في هذا الباب والذي يفيد جواز بيع السلاح في أثناء الحديث الذي رواه في هذا الباب والذي يفيد جواز بيع السلاح في أثناء المعارض. وهو ما رواه عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَاهُ - يَعْنِي دِرْعًا -[فَبِعْتُ] الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ». أما الحيل، فقد أجمع المحدثون على تحريمها، ووقفوا من رفضها موقفًا متحدًا. ولما كان القول بالحيل مشهورًا عن أهل الرأي، وكان ذلك مما أدرجه أهل الحديث في قائمة اتهامهم لهم - أجلنا البحث فيها إلى الباب القادم، حيث إنها تشكل جانبًا هامًا من موضوعات الخلاف بين المحدثين وأهل الرأي. وقبل أن ننتقل إلى هذا الباب، نلمح إلماحة يسيرة إلى الاتجاه الأخير عند المحدثين، وهو: ¬
الاتجاه العقلي
الاِتَّجَاهُ العَقْلِيُّ: ولا يعني هذا الاتجاه أن أصحابه قد استغنوا بالعقل عن الحديث، وإلا خرجوا من نطاق بحثنا الذي يعني بالمحدثين، ممن اشتغلوا بصناعة الحديث وتفقهوا فيه - ولكنه يعني أن أصحابه قد أعطوا العقل حرية أوسع عند نظرهم الفقهي في الحديث: سواء في فهم الحديث وعدم الوقوف عند ظاهره، أو ترجيح أحد الحديثين المختلفين باستعمال النظر العقلي، دون اكتفاء بالموازنة بين الأسانيد في ذلك، ولهذا كانت الأحاديث المختلفة والمتعارضة هي الميدان الذي يبرز فيه هذا الاتجاه، الذي يمثله بحق - محدث مات في القرن الرابع ولكنه عاش جل حياته في القرن الثالث، وألف فيه معظم إنتاجه العلمي، ومن بينها كتاب رائع في اختلاف الحديث -. هذا المحدث هو أبو جعفر الطحاوي. وقد كان " أبو جعفر الطحاوي وأثره في الحديث "، هو موضوع رسالتي التي تقدمتُ بها للحصول على درجة الماجستير، وفيها أبرزتُ هذا الاتجاه الذي كاد ينفرد به الطحاوي في كتابه " شرح معاني الآثار " بما يغنينا عن إعادته، على أن نماذج كثيرة من هذا الاتجاه، سوف تطالعنا في الباب القادم، حيث عني الطحاوي ببيان وجهة نظر الأحناف في المسائل التي اتهموا فيها بمخالفة الحديث، مُبَيِّنًا في كثير من المواضع منهجهم في الأخذ بالسنن. وبعد، فهذه الاتجاهات التي ذكرناها، لا نزعم أنها قد استوعبت كل اتجاهات المحدثين في الفقه، ولكنها كانت أهم ما تيسر لنا استنباطه من سلوكهم الفقهي، مما وقفنا عليه في كتبهم أو ما روي عنهم، وهي السمات الرئيسية التي تميزهم وتطبعهم بطابع خاص، والتي يندرج فيها كثير من قواعدهم ومناحي تفكيرهم.
الباب الخامس: موضوعات الخلاف بين أهل الحديث وأهل الرأي
البَابُ الخَامِسُ: مَوْضُوعَاتُ الخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الحَدِيثِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ: دراسة، وموازنة، وتصنيف. • تمهيد. • الفصل الأول: بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة. • الفصل الثاني: بين البخاري وأهل الرأي.
تمهيد
تَمْهِيدٌ: بعد أن قضينا فترة من الوقت في رحاب كتب أهل الحديث، أنصتنا فيها إلى وجهات نظرهم، وتتبعنا خلالها آراءهم، وتعرفنا على اتجاهاتهم العامة التي صدرت عنها اختياراتهم - نعود إلى العلاقة بين أهل الحديث وأهل الرأي، فنتعرض لها مرة ثانية، لا من حيث وصف هذه العلاقة، وبيان أسبابها ونتائجها، فقد كان ذلك موضوع الباب الأول. ولكن من حيث الموضوعات التي تمثل مآخذ أهل الحديث على أهل الرأي، والتي من أجلها عابوهم، واتهموهم بإعمال الحديث، أو مخالفته وتقديم الرأي عليه لترى مدى صدق هذا الاتهام، وإلى أي حد كان نصيب هذه الدعوى من الحقيقة والواقع. ولعل مما ييسر دراسة هذه الموضوعات ما قدمناه من اتجاهات المحدثين وتصورهم للأصول والقواعد العامة التي يصدر عنها التشريع، وموازنتنا فيما سبق - لاتجاهاتهم وتصورهم باتجاهات أهل الرأي وتصورهم في أغلب الأحيان، مما يعين على تحليل المسائل المختلف فيها، ومما يجعل الدراسة في هذا الباب تأخذ طابع التطبيق على ما قدمناه من نظريات، وهو ما أوعز إلينا أن نؤخره إلى هذا الوقت وأغرانا أن نضعه هذا الموضع. على أن هذا الباب يقدم لنا كذلك جانبًا من الجوانب الفكرية والعقلية لأهل الحديث، ويشارك في تعديل الفكرة الشائعة عنهم. والتي تصورهم بأنهم لا يزيدون عن أن يكونوا نقلة للأخبار، وموصلاً جيدًا للآثار، دون أن يكون لهم جهد فكري، أو مقدرة عقلية على الاستنباط والاستفادة مما يحملونه من علم. وقد أثبت باب سابق خطأ هذه الفكرة، أو على الأقل، فإنه قد أثبت خطأ تعميمها على المحدثين، وبخاصة محدثو القرن الثالث.
الذين كانوا مجتهدين مستقلين يغترفون من نبع الشريعة، وَيَرِدُونَ مَوْرِدَهَا الصافي. وسوف يقدم لنا هذا الباب كذلك جانبًا من مناظراتهم ومناقشاتهم، وبخاصة عند البخاري، مما يدل على رسوخهم في العلم وتمكنهم من الأخبار ومقدرتهم على المناظرة، مقدرة مكنت إسحاق بن راهويه من مناظرة الشافعي (¬1) - رَحِمَهُمَا اللهُ -. وقد كان إسحاق شديدًا في مناظرة أهل الرأي، مولعًا ببيان تناقضهم مما نرى أثره في البخاري وابن حزم. ومن صور هذه المناقشة ما نجده في مسألة الوضوء من لحم الجزور. وإنه مستثنى من الرخصة في ترك الوضوء مما مسته النار حيث يقول: «وَالعَجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الذِينَ يُنْكِرُونَ الوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الجَزُورِ، ثُمَّ لَا يَرْضَوْنَ حَتَّى يَعِيبُوا الأَخْذَ بِهِ، وَهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ يَرَوْنَ الوُضُوءَ مِنَ الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا قِيلَ لِأَحَدِهِمْ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ صَاحِبَكَ ضَحِكَ نَهَارَهُ أَجْمَعَ، أَيَجِبُ عَلَيْهِ الوُضُوءُ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَيَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوُضُوءُ وَانْتَقَضَتْ الصَّلَاةُ»، ثم ذكر أن هذا الخصم لو سئل عن إنسان يسب آخر ويهجوه لما أوجب عليه ¬
الوضوء، فلم جعل الضحك أعلى من ذلك؟ وسوف يجيب الخصم حينئذٍ بأنه ذهب إلى هذا الحديث المروي في هذا الشأن، ثم يقول إسحاق: «وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَجَّ فِي الفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا. فَيُقَالُ لَهُ: فَلِمَ عَذُرْتَ نَفْسَكَ أَنْ اتَّبَعْتَ حَدِيثًا [مُنْقَطِعًا] مُرْسَلاً بِإِيجَابِ الوُضُوءِ عَلَى الضَّاحِكِ فِي الصَّلَاةِ، وَعِبْتَ مَنْ تَوَضَّأَ مِنْ لَحْمِ الجَزُورِ، وَالحَدِيثَانِ مُتَّصِلَانِ أَنَّ الوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الجَزُورِ قَدْ فَعَلَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ بِهِ» (¬1). وقد يعقب إسحاق على مناقشته التي يلزم فيها خصومه، فيورد عليهم أمثلة لما أنكروه أو تناقضوا فيه، فيقول: «وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا جَمَعَ القَوْمُ، وَيَجْمَعُونَ مَا فَرَّقَ القَوْمُ، قَدْ أَوْلَعُوا بِذَلِكَ» (¬2). وقد أثبت إسحاق تغريب المرأة الزانية وإن لم يكن لها محرم، وبعد أن ناقش من أنكر تغريبها قال: «وَلَكِنَّهُمْ أَوْلَعُوا بِأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَهُ وَرَسُولُهُ» (¬3). أما الموضوعات التي أثارت النقاش والجدل بين المحدثين وأهل الرأي فقد استقصاها ابن القيم في كتابه " إعلام الموقعين " (¬4)، لا باعتبار أنها موضوعات الخلاف، ولكن باعتبارها مآخذ عليها على أهل الرأي، وأظهر بها تناقضهم. والذي يهمنا من هذه الموضوعات هو ما نص عليه محدثو القرن الثالث أنفسهم، ونقلوه في كتبهم، إذ هو الذي يعكس لنا جوانب من تفكيرهم. ¬
ومنهجهم في تناول القضايا الفكرية، وهو الذي يعرض لنا موضوعات الخلاف من وجهة نظرهم، فيكشف لنا من خلال علاجهم لهذه الموضوعات - كيف أنهم لم يتصوروا أنها موضوعات تحتمل وجهات النظر وأن تحديد الصواب في إحداها ليس [قطعيًا]، وإنما كان تصورهم لها عن طريق القطع بأنهم مصيبون، وأن خصمهم على خطأ لمخالفته الأحاديث الصحيحة. ومن أهم المحدثين الذين تعرضوا لموضوعات الخلاف هذه - ابن أبي شيبة والبخاري. وقد بلغ من اهتمامهما بها، أن عقد الأول فصلاً خاصًا بها، وناقشها الثاني في أماكن متفرقة من " صحيحه ". وسوف نعرض هذه الموضوعات في فصلين: نخصص أولهما لبيان وجهة نظر ابن أبي شيبة فيها، لأنه أسبق من البخاري، الذي خصصنا الفصل الثاني لعرض وجهة نظره في هذه الموضوعات. ثم نتبع كلا من هذين الفصلين ببعض الإحصاءات والنقد، نصفي فيه الحساب بين أهل الحديث وأهل الرأي، لنعطي كل ذي حق حقه. ومع حرصي على توخي العدالة، وتوقي الميل، فلن تكون كلمتي هي القول الفصل في موضوعات هذا الخلاف، بل لن تعدو أن تكون وجهة نظري فيه. واللهَ أسألُ أن يهدينا سواء السبيل.
الفصل الأول: بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة
الفَصْلُ الأَوَّلُ: بَيْنَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي حَنِيفَةَ: ذكر ابن أبي شيبة في كتابه " المصنف " بَابًا بعنوان: (هَذَا مَا خَالَفَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ الأَثَرَ الذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)، جمع فيه خمسًا وعشرين ومائة مسألة. ولو تذكرنا ما سبق في وصف منهج ابن أبي شيبة في " مصنفه " (¬1) لرأينا أنه يلتزمه في هذا الباب أيضًا، حيث يروي بسنده في كل مسألة، ما جاء فيها من حديث مرفوع أو موقوف، موصول أو مرسل أو مقطوع، وأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم، ثم يعقب على ذلك بذكر مخالفة أبي حنيفة للآثار التي قدمها غير أنه لا يوثق ما ينسب إلى أبي حنيفة بذكر سنده إليه، بل يكتفي بقوله: «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ كَذَا»، وكأنه ينقل ما شاء في أوساط المحدثين عن أبي حنيفة وموقفه من الحديث، دون أن يتحمل مسؤولية صحة النسبة إليه، وبذلك يتسق هذا الباب مع بقية أبواب " المصنف "، حيث لم يلتزم الصحة في كل مروياته، سواء من حيث الآثار التي رواها في كتابه، مما خالفه أبو حنيفة أو وافقه، أو من حيث نسبة الأقوال إلى أبي حنيفة. وكما ثبت عدم صحة بعض الآثار التي رواها - ثبت كذلك خطأ نسبة بعض الآراء التي عزاها إلى أبي حنيفة. ويلاحظ أن ابن أبي شيبة قد نص صراحة على أن خصمه هو أبو حنيفة واقتصر في اتهامه عليه، وكأن أهل الرأي الذين خاصمهم المحدثون قد تركزوا ¬
في أبي حنيفة، وكأن الخمسة والثمانين عامًا التي مضت منذ وفاة أبي حنيفة حتى وفاة ابن أبي شيبة - لم تضف إلى أهل الرأي من يتحمل مع أبي حنيفة جانبًا من خصومة المحدثين، أو لعلهم كانوا يحاولون زلزلة مذهب أهل الرأي بنقض أساسه، وكشف عواره، متمثلاً في أخطاء مؤسسه ورائده، الإمام أبي حنيفة. والأظهر أنه إنما خصه بالانتقاد، لأن صاحبيه قد خالفاه في كثير من المسائل المنتقدة، كما يتضح عند دراستها. كما يلاحظ أن أبا بكر بن أبي شيبة يكثر من ذكر الروايات التي توضح مأخذ المحدثين وتؤيد وجهتهم، دون أن يعني بيان وجهة نظر أبي حنيفة، وقد يبدو هذا السلوك طبيعيًا من ابن أبي شيبة، حيث إنه محدث ينظر للأمور من وجهة نظر المحدثين، إلا أن ذكر وجهة النظر الحنفي - في رأينا - كان أولى من إهمالها، إما لنقضها، وتبيين قصورها، وإما تحريًا للعدالة في تقديم وجهتي النظر، حتى يترك للمطلع فرصة الموازنة والمفاضلة. وعلى كل فسوف نرى أن البخاري قد استدرك ما فات ابن أبي شيبة في كلتا هاتين الملاحظتين، على ما سنبينه في موضعه. وقبل أن يستغرقا البحث في الموضوعات المنتقدة على أهل الرأي، فإن الإنصاف يدعونا إلى أن نُذَكِّرَ بما هو معلوم من أخذ أبي حنيفة بالسنة واعتباره إياها المصدر الثاني للتشريع، مثله في ذلك مثل سائر المجتهدين من أهل السنة، بل كان يأخذ بأقوال الصحابة ويرفعها إلى مرتبة النصوص، وأن الخلاف بينه وبين المحدثين محصور في الجزئيات لا في الأصل الكلي، نتيجة لاختلاف المنهج في قبول الحديث واعتبار صحته، وترتب على هذا الاختلاف في المنهج أن رفض أبو حنيفة بعض الآثار التي اعتبرت صحيحة من وجهة نظر المحدثين. وقد سبق في باب (الاِتِّجَاهِ إِلَى الآثَارِ) أَنْ وَازَنَّا بين منهج المحدثين
وأهل الرأي في الأخذ بالحديث، ولهذا لا نستطيع أن نطلق القول بأن أبا حنيفة قد خالف الحديث، اللهم إلا من وجهة نظر المحدثين، فأما من وجهة نظره هو، فإن ما خالفه لا يعتبره حديثًا، ولهذا أثر عنه قوله: «رَدِّي عَلَى كُلِّ رَجُلٍ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلاَفِ القُرْآنِ، لَيْسَ رَدًّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تَكْذِيبًا لَهُ، وَلَكِنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُحَدِّثُ عَنْهُ بِالبَاطِلِ، وَالتُّهْمَةُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى نَبِيِّ اللهِ. وَكُلُّ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ وَقَدْ آمَنَّا بِهِ وَشَهِدْنَا أَنَّهُ كَمَا قَالَ، وَنَشْهَدُ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ يُخَالِفُ أَمْرَ اللهِ، وَلَمْ يَبْتَدِعْ، وَلَمْ يَتَقَوَّلْ غَيْرَ مَا قَالَ اللهُ، وَمَا كَانَ مِنَ المُتَكَلِّفِينَ» (¬1). وقد قال الشعراني مُدَافِعًا عن أبي حنيفة: «... وَقَدْ تَتَبَّعْتُ بِحَمْدِ اللهِ أَقْوَالَهُ أَوْ أَقْوَالَ أَصْحَابِهِ لَمَّا أَلَّفْتُ كِتَابَ " أَدِلَّةِ المَذَاهِبِ "، فَلَمْ أَجِدْ قَوْلاً مِنْ أَقْوَالِهِ أَوْ أَقْوَالِ أَصْحَابِهِ إِلاَّ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ أَثَرِ أَوْ إِلَى مَفْهُومِ ذَلِكَ، أَوْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ كَثُرَتْ طُرُقُهُ، أَوْ إِلَى قِيَاسٍ صَحِيحٍ عَلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ» (¬2). واتهام أبي حنيفة بعدم معرفة الحديث، أو قصر معرفته فيه على أحاديث معدودة (¬3) اتهام غير مقبول، وقصر غير معقول، فقد سمع كثيرًا من التابعين، عراقيين وحجازيين منهم عطاء، ونافع مولى ابن عمر، وهشام بن عروة، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وأبو جعفر محمد بن علي، وأبو إسحاق السبيعي، وعمرو بن دينار، والزهري (¬4). ¬
وقد كان من أصحابه عدد من أئمة الحديث منهم ابن المبارك وأبو يوسف ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، الحافظ المتقن أبو سعيد الهمداني (*) قال عنه ابن المديني: «لَمْ يَكُنْ بِالكُوفَةِ بَعْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَثْبَتَ مِنْهُ» (¬1). وقد عني المرحوم الدكتور مصطفى السباعي في " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " وقد أثبت خطأ ما يشاع من أن أبا حنيفة كان يجهل الحديث أو أن محصوله منه كان قليلاً. كما ذكر الكوثري - رَحِمَهُ اللهُ - جملة صالحة من أصول أبي حنيفة في قبول الحديث، وذلك في كتابه الذي رد فيه على الخطيب (¬2). ونعود إلى المسائل التي انتقدها أبو بكر بن أبي شيبة على أبي حنيفة، فنجد أنه لم يستقص هذه المسائل، حيث لم يذكر مثلاً انتقاض الوضوء بالقهقهة في الصلاة، وترك القراءة خلف الإمام، والتوضأ بالنبيذ وعدم رفع الأيدي في الركوع وغير ذلك - إلا اقتصاره على المسائل التي ذكرها يبين أنها هي الموضوعات الهامة من وجهة نظره، أو هي التي يتضح فيها مخالفة الحديث أكثر من غيرها. وعلى كل فإن ابن أبي شيبة لم يرتب هذه المسائل ترتيبًا فقهيًا، فلم يجمع ما تجانس منها في مكان واحد، بل ذكر كيفما اتفق. وسوف تكون دراستنا لهذه المسائل حسب ترتيبها الفقهي، طبقًا للبيان الآتي الذي يوضح نصيب كل باب فقهي منها. وليس من غرضنا الإفاضة في شرح هذه المسائل المختلف فيها، بقدر ¬
1 - طهارة الماء
ما تنصب عنايتنا على بيان وجهة نظر أبي حنيفة في مخالفته، وهل كان معه ما يبرر هذه المخالفة، وما مدى الصواب أو الخطأ في هذا المبرر، ثم هل انفرد أبو حنيفة بمخالفة هذه الآثار التي انتقد من أجلها، أو شاركه في مخالفتها غيره من أئمة الفقه، الذين يقدرهم المحدثون ممن ليسوا موضعًا للتهمة؟ وعدد المسائل التي انتقدها أبو بكر بن أبي شيبة على أبي حنيفة: - في الطهارة: 12 مسألة. - وفي الصلاة: 34 مسألة. - وفي الصيام: مسألتان. - وفي الزكاة: 6 مسائل. - وفي الحج: 8 مسائل. - وفي النكاح والطلاق: 9 مسائل. - وفي البيوع: 17 مسألة. - وفي القضاء والقصاص والحدود: 17 مسألة. - وفي الكراهية: 8 مسائل. - في أبواب مختلفة: 12 مسألة. • مجموعها = 125 مسألة. ولنشرع الآن في بيان هذه المسائل، بادئين بمسائل الطهارة التي ادعى على أبي حنيفة أنه خالف فيها الآثار: 1 - طَهَارَةُ المَاءِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ
مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟، - وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الحِيَضُ وَلُحُومُ الكِلاَبِ وَالنَّتْنُ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المَاءُ طَهُورٌ، لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ». كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (*) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَفْنَةٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَغْتَسِلَ فِيهَا أَوْ لِيَتَوَضَّأَ , فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا , قَالَ: «إِنَّ المَاءَ لَا يُجْنِبُ». وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا». ثم قال ابن أبي شيبة: «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يَنْجُسُ المَاءُ "». وهذا الذي ذكره ابن أبي شيبة يشير إلى قضيتين: - أولاهما: حكم الماء إذا وقعت فيه النجاسة. - والثانية: حكم الماء المستعمل. ويجمعهما في رأيه أن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، ولا باستعماله. وبالنسبة للقضية الأولى، فقد اتفق العلماء على أن الماء الذي غيرت النجاسة أحد أوصافه: طعمه أو لونه أو ريحه لا يجوز الوضوء به ولا الطهور، كما اتفقوا على طهارة الماء الجاري الكثير إذا خالطته نجاسة لم تغير شيئًا من أوصافه. لكنهم اختلفوا في غير ماء البحار والأنهار إذا خالطته نجاسة لم تغير أحد أوصافه: فقال قوم: هو طاهر، سواء كان كثيرًا أو قليلاً، وهي رواية عن مالك، وبه قال أهل الظاهر، وإليه مال البخاري، كما يفهم من ترجمته: (بَابُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالمَاءِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: «لَا بَأْسَ بِالمَاءِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ») (¬1). على الرغم من أنه لم ير صحة ما رواه ابن أبي شيبة في ذلك. كما ذهب النسائي أيضًا إلى ذلك، حيث ذكر ¬
حديث القلتين تحت عنوان: (بَابُ التَّوْقِيتِ فِي المَاءِ)، ثم أتبعه بباب (تَرْكُ التَّوْقِيتِ فِي المَاءِ)، روى فيه حَدِيثَ الأَعْرَابِيَّ الذِي بَالَ فِي المَسْجِدِ «فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِّ دَلْوٍ مِنَ المَاءِ عَلَى مَكَانِ البَوْلِ». فأخذ النسائي من ذلك أن الماء لا ينجس وإن قَلَّ، لأن الدلو من الماء قليل، وقد صب على البول فاختلط به فلو تنجس الماء باختلاط البول يلزم أن يكون هذا تكثيرًا للنجاسة لا إزلة لها، فلزم أن الماء لا ينجس باختلاط النجس وإن قل (¬1). وقد ذهب فريق آخر من العلماء إلى الفرق بين قليل الماء وكثيره إذا وقعت فيه نجاسة، فقالوا: إن كان قليلاً ينجس، وإن كان كثيرًا لا ينجس. ومن هؤلاء أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق. غير أنهم قد اختلفوا في حد الكثرة: فذهب غير أبي حنيفة إلى أن الحد في ذلك هو قلتان من قلال هَجَرْ، أَخْذًا بالحديث المروي وذلك نحو خمس قرب. وذهب أبو حنيفة في ظاهر الرواية عنه: إلى أن حد الكثرة يعتبر فيه أكبر رأي المبتلى: إن غلب على ظنه أنه بحيث تصل النجاسة إلى الجانب الآخر لا يجوز الوضوء به، وإلا جاز. وعنه اعتبار الكثرة بالتحريك، أي إذا حرك أحد طرفي الماء إما بالاغتسال أو بالوضوء أو باليد - لم يتحرك طرفه الآخر. وقد رجح الأحناف الرواية الأولى عن أبي حنيفة لمناسبتها لأصله، من عدم التحكم بتقدير فيما لم يرد فيه تقدير، والتفويض فيه إلى رأي المبتلى (¬2). ولكن ماذا يفعل أبو حنيفة في التقدير الشرعي الذي جاء في حديث القلتين؟. إن الأحناف قد ضعفوا هذا الحديث، ونقلوا تضعيفه عن علي بن المديني، وقد رجح ضعفه أيضًا ابن دقيق العيد الشافعي، ومن المالكية ضعفه ابن عبد البر وإسماعيل بن إسحاق القاضي وأبو بكر بن العربي (¬3). ¬
أَمَّا «حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ»، فقد ناقشه الطحاوي مُبَيِّنًا أنه لا حجة فيه: أما أولاً فلأن الواقدي قد قال: إن ماء هذه البئر كان جاريًا وكانت طريقًا للماء إلى البساتين، وأما ثانيًا - وهو الحجة العقلية - فلأنهم «قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي البِئْرِ فَغَلَبَتْ عَلَى طَعْمِ مَائِهَا أَوْ رِيحِهِ أَوْ لَوْنِهِ , أَنَّ مَاءَهَا قَدْ فَسَدَ. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يُلْقَى فِيهَا الكِلاَبُ وَالمَحَائِضُ. فَقَالَ: " إِنَّ المَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ". وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ بِئْرًا لَوْ سَقَطَ فِيهَا مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَكَانَ مُحَالاً أَنْ لاَ يَتَغَيَّرَ رِيحُ مَائِهَا وَطَعْمُهُ , هَذَا مِمَّا يُعْقَلُ وَيُعْلَمُ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ أَبَاحَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءَهَا، وَأَجْمَعُوا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَقَدْ دَاخَلَ المَاءَ التَّغْيِيرُ مِنْ جِهَةٍ مِنَ الجِهَاتِ اللاَّتِي ذَكَرْنَا - اسْتَحَالَ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَائِهَا وَجَوَابُهُ إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ بِمَا أَجَابَهُمْ - كَانَ وَالنَّجَاسَةُ فِي البِئْرِ. وَلَكِنَّهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، كَانَ بَعْدَ أَنْ أُخْرِجَتْ النَّجَاسَةُ مِنَ البِئْرِ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ: هَلْ تَطْهُرُ بِإِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ مِنْهَا فَلاَ يَنْجُسُ مَاؤُهَا الذِي يَطْرَأُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَذَلِكَ مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ لأَنَّ حِيطَانَ البِئْرِ لَمْ تُغْسَلْ وَطِينُهَا لَمْ يُخْرَجْ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ المَاءَ لاَ يَنْجُسُ ". يُرِيدُ بِذَلِكَ المَاءَ الذِي طَرَأَ عَلَيْهَا بَعْدَ إِخْرَاجِ النَّجَاسَةِ مِنْهَا لاَ أَنَّ المَاءَ لَا يَنْجُسُ إِذَا خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ» (¬1)، ثم أيد هذا المعنى بما رواه من أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «المُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ»، وَقَالَ: «الأَرْضُ لَا تَنْجُسُ»، فلم يكن معنى ذلك أن المؤمن لا ينجس وإن أصابته النجاسة، ولا أن الأرض لا تنجس وإن أصابتها النجاسة، فقد أمر - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بصب ماء على موضع البول في المسجد. ¬
أما بالنسبة للقضية الثانية، فهي حكم الماء المستعمل. (وهو ما أزيل به حدث، أو استعمل في البدن على وجه القربة). وقد اختلفت الروايات عن أبي حنيفة في حكم الماء: فروى عنه أنه نجس نجاسة غليظة، وفي رواية أن نجاسته خفيفة، وفي ثالثة أنه طاهر غير مطهر، أي لا يصلح استعماله في طهارة الأحداث، والرواية الأخيرة هي التي عليها الفتوى (¬1). وإذا كان الماء المستعمل طاهرًا على رأي الجمهور والراجح من مذهب الأحناف، فهل يجوز استعماله في الوضوء والغسل مرة أخرى؟. هنالك ثلاثة آراء في ذلك: - أولها: لا يجوز استعماله في الطهارة. وهذا رأي أبي حنيفة والشافعي. - والثاني: كراهة استعماله مع وجود غيره، فإذا لم يوجد إلا هو وجب استعماله ولم يجز التيمم وهو مذهب مالك. - والثالث: جواز استعماله بلا كراهة، إذ لا فرق بينه وبين الماء المطلق. وهو رأي أبي ثور، وأهل الظاهر، وإليه مال البخاري (¬2). وما رواه ابن أبي شيبة مما سبق في حديث ابن عباس، يفيد لفظه طهارة الماء المستعمل وصلاحيته لإزالة الحدث، لأن زوجة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغتسلت في الجفنة، فلما أراد أن يتطهر بالماء المستعمل في الجفنة حذرته زوجته. فقال لها: «إِنَّ المَاءَ لَا يُجْنِبُ». وقد روى أبو داود هذه الرواية بهذا اللفظ لتدل على هذا المعنى تمامًا في (بَابُ المَاءِ لَا يُجْنِبُ) (¬3). ¬
ولكن الترمذي، مع روايته لهذا الحديث بهذا اللفظ، لم يفهم منه هذا المعنى، فلم يستدل به على جواز الماء المستعمل، بل فهم منه بقية الماء الذي استعملت المرأة بعضه في طهارتها، فاستدل به على جواز استعمال فضل طهورها، حيث ذكر أولاً (بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ فَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ)، ثم أتبعه بقوله: (بَابُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ) روى فيه حديث ابن عباس «إِنَّ المَاءَ لَا يُجْنِبُ» (¬1). وكذلك فعل ابن ماجه، حيث رواه بهذا اللفظ في (بَابُ الرُّخْصَةِ بِفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ)، ثم رأى نسخ ذلك، فأتبعه بقوله: (بَابُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ) (¬2). أما النسائي فقد روى هذا الحديث بلفظ يجعل الاستدلال به مقصورًا على ما استدل له الترمذي، وهو بقية الماء الذي استعملت المرأة بعضه، لا الماء المستعمل ولذلك لم يذكر لفظ (فِي جَفْنَةٍ)، بل روى بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَتْ مِنَ الجَنَابَةِ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَضْلِهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّ المَاءَ لَا [يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ]» (¬3). وبذلك يتبين أن أبا حنيفة لم يخالف الحديث في هذه المسألة، ولكنه رجح بعض الأحاديث المختلفة. ويلاحظ أن الذين يذهبون إلى أن الماء لا ينجسه شيء وهم أهل الظاهر والبخاري والنسائي ورواية عن مالك لا يأخذون بحديث القلتين، والذين يأخذون بحديث القلتين لا يأخذون ¬
2 - وجوب الإنقاء في الاستجمار
بـ «حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ» على إطلاقه، لأن حديث القلتين، وحديث غسل اليد عند الاستيقاظ، والنهي عن البول في الماء الراكد - كل ذلك يؤكد أن النجاسة تؤثر في قليل الماء. فما من أحد غير أبي حنيفة إلا خالف الحديث المقابل لما أخذ به. 2 - وُجُوبُ الإِنْقَاءِ فِي الاِسْتِجْمَارِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ «أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالاِسْتِطَابَةِ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ إِذَا بَقِيَ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ الأَحْجَارِ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ». يتوضأ: أي يستطيب بالماء ليحصل [الإنقاء]. والواقع أن انتقاد أبي حنيفة في هذه المسألة يمثل النظر الظاهري عند ابن أبي شيبة، فقد فهم أن الاقتصار على ثلاثة أحجار كاف في الإجزاء، ولو لم يحدث الإنقاء، امتثالاً للأمر في ذلك. على حين فهم أبو حنيفة أن المقصود هو الإنقاء، فإذا أنقى حجر واحد أو اثنان جاز، وإذا لم يتم الإنقاء بالأحجار، وجب استعمال ما يتم به وهو الماء. وقد ذهب النسائي إلى جواز الاقتصار على ما دون الأحجار الثلاثة. وقد قدمنا أن اختلاف البيئة دفع بعض العلماء إلى أن يستهجن الاستنجاء بالماء، مع أن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يستعمله، وكان إذا خرج لحاجة حمل له أنس إداوة من ماء. وروى النسائي أن السيدة عائشة قالت لبعض النساء: «مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالمَاءِ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ مِنْهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ» (¬1) ¬
3 - غسل اليد قبل إدخالها في الإناء
والخلاف بين أبي حنيفة وأبي بكر هنا هو خلاف في فهم الحديث ومقاصد التشريع. وأعتقد أن الحق مع أبي حنيفة في هذه المسألة. 3 - غَسْلُ اليَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا فِي الإِنَاءِ: روى أبو بكر حديث: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا بَأْسَ بِهِ "». سبق ذكر هذه المسألة في فصل (الاِتِّجَاهُ إِلَى الظَّاهِرِ) باعتبارها من أمثلة هذا الاتجاه عند المحدثين، حيث بينا أن سبب الاختلاف فيها هو الاختلاف في مقتضى الأمر في الحديث: هل هو الوجوب أو الندب؟ وهل هذا الأمر معلل أو غير معلل؟ ويترتب على ذلك أن يكون غسل اليد حينئذٍ فرضًا، أو سنة. وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن غسل اليد حينئذٍ سنة. لأن حمل الأمر في الحديث على الوجوب، يوجد شيئًا من التعارض بين الحديث وآية الوضوء، التي أفاد ظاهرها حصر فرائض الوضوء بدون زيادة غسل اليد. والخلاف هنا هو خلاف في فهم الحديث أيضًا، وقد وافق مالك والشافعي أبا حنيفة على فهمه، حيث اعتبرا غسل اليد من السنن، وأن الوضوء يجزي بدون غسلها ما لم يكن على ظاهرها نجاسة. 4 - الرَّشُّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ: عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، قَالَتْ: «دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ]، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ». وَرُوِيَ أَنَّ الحُسَيْنَ بَالَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «إِنَّمَا يُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى».
وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «يَغْسِلُهُ». والواقع أن مذهب ابن أبي شيبة في التفريق بين بول الغلام والجارية اللذين لم يطعما - هو مذهب عامة المحدثين من أصحاب الصحاح والسنن (¬1) وغيرهم، كل روى الأحاديث في ذلك، يزيد بعضهم على بعض فيها، وإن كان البخاري ومسلم لم يرويا الحديث الذي فيه القصر والتصريح بالفرق بين بول الغلام والجارية. وقد جمع ابن القيم روايات هذا الحديث وأنكر على من لم يأخذ به، كما ذكر أن الفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال: أحدهما: أنهما يغسلان جميعًا، والثاني: ينضحان، والثالث: التفرقة بين بول الصبي فحكمه النضح، وبول الصبية فحكمه الغسل، ثم أيد الرأي الثالث، وَبَيَّنَ أن الحكمة فيه كثرة حمل الرجال والنساء للذكر، فتعم البلوى ببوله فيشق غسله، وأن بوله لا ينزل في مكان واحد، بل ينزل متفرقًا فيشق غسله، بخلاف بول الأنثى (¬2). وذهب أبو حنيفة إلى وجوب الغسل من بول الغلام والجارية، وحمل النضح أو الرش في هذه الأحاديث على الغسل، بدليل ما جاء في السنة مما رواه البخاري أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الدَّمِ يُصِيبُ الثَّوْبَ، فَقَالَ: «إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ، فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ» (¬3)، والنضح هنا هو الغسل. ¬
5 - شرب أبوال الإبل
وعلى كل حال فإن أبا حنيفة لم ينفرد برأيه في هذه المسألة، بل معه في ذلك سعيد بن المسيب والثوري ومالك (¬1). 5 - شُرْبُ أَبْوَالِ الإِبِلِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ المَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا , فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَافْعَلُوا». ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ شُرْبَ أَبْوَالِ الإِبِلِ». ذكر ابن العربي أن الأئمة قد اتفقت على نجاسة البول في الجملة، واختلفوا في بول ما يؤكل لحمه: فذهب مالك في جملة من السلف إلى طهارته، وذهب أبو حنيفة والشافعي في آخرين أكثر منهم إلى [نجاسته]، وتعلقوا بعموم القول الوارد في البول والرجيع على الإطلاق، وأن شرب الأبوال للتداوي فيقدر بقدر الضرورة. وقد ذهب أصحاب الحديث إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه، استنادًا إلى هذا الحديث. فأبو حنيفة فهم من الحديث أن بول الإبل لا يستعمل إلا عند الضرورة، أما إذا لم تكن ضرورة فهو على أصله من النجاسة وحرمة الاستعمال، وقد رأينا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ الحَرِيرَ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ لِبَعْضِ ذَوِي الأَعْذَارِ». وقد فهم هذا الفهم أيضًا الشافعي وكثير من السلف، كما نقلنا ¬
6 - نضح مكان الاحتلام في الثوب
عن ابن العربي (¬1)، فعلى حين أخذه المحدثون وبعض الفقهاء على ظاهره، لم يأخذ أبو حنيفة وغيره بهذا الظاهر. 6 - نَضْحُ مَكَانِ الاِحْتِلَامِ فِي الثَّوْبِ: عَنْ سَهْلِ بْنِ [حُنَيْفٍ]، قَالَ: كُنْتُ أَلْقَى مِنَ المَذْيِ شِدَّةً، فَكُنْتُ أُكْثِرُ الاِغْتِسَالِ مِنْهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «إِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْوَضُوءُ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي؟ قَالَ: «إِنَّمَا يَكْفِيكَ كَفٌّ مِنْ مَاءٍ تَنْضَحُ بِهِ [مِنْ] ثَوْبِكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِذَا أَجْنَبَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبِهِ فَرَأَى فِيهِ أَثَرًا فَلْيَغْسِلْهُ , فَإِنْ لَمْ يَرَ فِيهِ أَثَرًا فَلْيَنْضَحْهُ بِالمَاءِ». ثُمَّ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ آثارًا في ذلك عن إبراهيم وسالم وسعيد بن المسيب، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَنْضَحْهُ وَلَا يَزِيدُهُ الْمَاءُ إِلَّا شَرًّا "». انتقد الكوثري أبا بكر بن أبي شيبة - لأنه ساق المذي والمني في مساق واحد، مع أن الأول نجس اتفاقًا، فلا يزول إلا بالغسل عند الجمهور الذي حمل النضح على معنى الغسل. أما الاحتلام فليس حكمه حكم المذي، لأن حديث عائشة في فرك اليابس من المني وغسل الرطب منه، دليل على أن المني يغسل للاستقذار لا لكونه نجسًا، ثم ضعف الكوثري - رَحِمَهُ اللهُ - معظم أسانيد الأخبار التي رواها ابن ابي شيبة، وحمل النضح في بعضها الآخر على الغسل (¬2). ¬
7 - سؤر السنور
وفي رأيي أن الخلاف في هذه المسألة مبني على الخلاف في صلاحية النضح للتطهير وإزالته للنجاسة، مما سبق ذكره في مسألة الرش على بول الصبي. فقد ذكرنا هناك أن أبا حنيفة ذهب إلى أن النضح غير مزيل للنجاسة وحمل هو والإمام مالك النضح في الأحاديث على الغسل. والمني عند أبي حنيفة نجس، لا كما يوهم كلام الكوثري من أنه طاهر. فيجب غسله إن كان رطبًا، ويجزي فيه الفرك إن كان يابسًا لحديث عائشة، وكذلك ذهب مالك إلى نجاسته. وأما الشافعي وأحمد وأهل الظاهر، فقد ذهبوا إلى طهارة المني - وحينئذٍ فالنضح شيء كمالي، إن وجد فحسن، وإن عدم فلا بأس، لأنه لا توجد نجاسة حتى يطلب زوالها (¬1). أما المذي فإنه نجس بالإجماع، ولكن هل يكفي فيه النضح، أو لا بد من الغسل؟، ذهب الجمهور إلى وجوب الغسل، وقال أحمد بن حنبل: «أَرْجُو أَنْ يُجْزِيهِ النَّضْحُ بِالمَاءِ» (¬2). وعلى هذا فجمع ابن أبي شيبة للمذي مع المني في مكان واحد، ملائم لمذهب أحمد والمحدثين، الذين يرون أن النضح يقوم مقام الغسل في إزالة النجاسات، إلا أنهم يقيدون مواضع النضح بما جاءت به النصوص ولا يقيسون عليها غيرها. 7 - سُؤْرُ السِّنَّوْرِ: عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبٍ، وَكَانَتْ زَوْجَةً لِبَعْضِ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّهَا صَبَّتْ لأَبِي قَتَادَةَ مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ [فَشَرِبَتْ] فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءِ، ¬
فَجَعَلْتُ [أَنْظُرُ]، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةَ أَخِي أَتَعْجَبِينَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، [هِيَ] مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ، أَوْ مِنَ الطَّوَّافَاتِ». كما روى عن ابن عباس، والحسين بن علي أنهما قالا: «الهِرُّ مِنْ مَتَاعِ البَيْتِ»، ثم قال ابن أبي شيبة: - «وَذُكِرَ [أَنَّ] أَبَا حَنِيفَةَ، أَنَّهُ كَرِهَ سُؤْرَ السِّنَّوْرِ». - جاء في " الهداية ": «وَسُؤْرُ الهِرَّةِ طَاهِرٌ مَكْرُوهٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لأَنَّ " النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كَانَ يُصْغِي لَهَا الإِنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ "» (¬1). ويعلل الكمال بن الهُمام لما ذهب إليه أبو حنيفة، بأن توهم النجاسة أصل صحيح، دل عليه حديث الأمر بغسل اليد قبل إدخالها الإناء عند الاستيقاظ من النوم، والقطة لا تتحامى النجاسة، وحديث إصغاء الإناء لها يعمل على زوال هذا التوهم، فتبقى الكراهية. ولكن الطحاوي يرى أن حديث أبي قتادة في إصغاء الإناء للهرة، لا يفيد طهارة الماء الذي شربت منه، وليس قول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، [هِيَ] مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ» - نَصًّا في طهارة سؤرها لأنه يجوز أن يكون أريد به كونها في البيوت ومماستها الثياب: فأما ولوغها في الإناء فليس في ذلك دليل أنه يوجب النجاسة أولاً، وإنما المذي في الحديث هو فهم أبي قتادة ورأيه واجتهاده، وقد رأينا أن وجود الكلاب في المنزل للحراسة غير مكروه، في حين أن سؤرها مكروه، ثم روى الطحاوي عن أبي هريرة مرفوعًا وموقوفًا: «طَهُورُ الإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الهِرُّ أَنْ يُغْسَلَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ». ¬
8 - ولوغ الكلب
ولذلك أثر عن أبي هريرة وجوب غسل الإناء من سؤر الهر مرة، كما أثر ذلك أيضًا عن سعيد بن المسيب، والحسن البصري وطاووس، وعطاء، وبه قال أهل الظاهر، إلا أن طاووسًا وعطاء جعلاه بمنزلة ما ولغ فيه الكلب (¬1). وبذلك يتبين أن اختلاف الأحاديث هو سبب الخلاف في هذه المسألة وأن أبا حنيفة قد وفق بين الأحاديث، فأخذ من حديث أبي قتادة أن سؤر الهر غير نجس، ومن حديث أبي هريرة أنه مكروه. 8 - وُلُوغُ الكَلْبِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، [عَنِ] النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ». وفي رواية: «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يُجْزِئُهُ أَنْ يَغْسِلَ مَرَّةً "». قد ذهب أصحاب الحديث جميعًا إلى هذا الحديث، وَرَوَوْهُ في صحاحهم وسننهم، وعدوه من المآخذ الهامة على أبي حنيفة. ولم يأخذ أبو حنيفة بهذا الحديث لأنه قد طرأ عليه ما يضعفه أو يرجح نسخه، وهو عمل الراوي وفتواه بخلاف ما رواه، حيث كان أبو هريرة إذا ولغ الكلب في الإناء يهرقه ثم يغسله ثلاث مرات. وذلك دليل على نسخ الغسل سبعًا، الذي كان يناسب التشديد في الكلاب في أول الأمر حتى أمروا بقتلها، ومن المستحيل أن يترك أبو هريرة العمل بحديث سمعه ¬
9 - تخليل اللحية
إلا إذا علم بوجود الناسخ. وأبو حنيفة لا يقول بإجزاء الغسل من الولوغ مرة، بل هو يوجب غسل الإناء ثلاثًا. ومن المهم أن نذكر هنا أن الإمام مالكًا قَدْ ضَعَّفَ «حَدِيثِ غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعًا»، وذهب إلى طهارة سؤر الكلب، لأن هذا الحديث معارض لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]، فإذا أكل صيده فكيف يكره لعابه (¬1)؟ وبهذا يتبين أن أبا حنيفة قد أخذ ببعض هذا الحديث وترك بعضه، أخذ منه نجاسة سؤر الكلب، ووجوب تطهير ما أصابه لعابه، وهذا القدر من الحديث لا معارض له، أما تحديد مرات الغسل بسبع والتعفير بالتراب فلم يأخذ به أبو حنيفة لوجود ما يعارضه، وهو عمل الراوي بخلاف ما رواه، حيث يعتبر هذه المخالفة طعنًا في الحديث أو دليلاً على النسخ. 9 - تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ: وبسنده أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ , ثُمَّ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ». وعن عثمان مثل ذلك، كما روى أن ابن عباس خَلَّلَ لِحْيَتَهُ، وكذلك أنس، وابن عمر، - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ لَا يَرَى تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ». ضَعَّفَ الأحناف كل الآثار الواردة في تخليل اللحية. وتخليلها مستحب عند أبي حنيفة، سنة عند أبي يوسف (¬2). وقد ذكرنا هذه المسألة في أمثلة اتجاه المحدثين إلى الظاهر، وحيث إن الروايات فيها ضعيفة فمخالفتها ليس ¬
10 - المسح على العمامة
مما ينتقد به أبو حنيفة، بَلْ ذَهَبَ مَالِكٌ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ إِلَى أَنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ، وفي روايات أخرى: أن تخليلها مستحب، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، لأن المأمور به غسل الوجه، والفرض قد انتقل إلى ظاهر الشعر بعد نباته، فصار ما تحته غير مكلف بغسله (¬1). 10 - المَسْحُ عَلَى العِمَامَةِ: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ وَالخِمَارِ»، وفي بعض الروايات «عَلَى العِمَامَةِ»، وفي بعضها الآخر: «[مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَعَلَى الخُفَّيْنِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى العِمَامَةِ] وَمَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ , «لَا يُجْزِئُ المَسْحُ عَلَيْهِمَا». أي الخمار والعمامة. ذكر الترمذي أن القول بالمسح على العمامة هو مذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق، وقد رأى غير واحد من الصحابة والتابعين خلاف ذلك، حيث قالوا: لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة، وهو قول الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي (¬2). وفي رواية أبي داود ما يؤيد الرأي الثاني، حيث روى في (بَابُ الْمَسْحِ عَلَى العِمَامَةِ) حديثين: أولهما «أَنَّ سَرِيَّةً قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَصَابَهَا البَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ» (أي العمائم والخفاف)، وثانيهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ العِمَامَةِ، فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ العِمَامَةَ» (¬3). ¬
11 - المسح على الجوربين
ويميل النسائي إلى الجمع بين المسح على الناصية، والعمامة (¬1). ويذكر ابن رشد أن بعض العلماء قد رد حديث المسح على العمامة: إما لأنه لم يصح عنده، وإما لأن ظاهر الكتاب عارضه، حيث فيه الأمر بمسح الرأس، وإما لأنه لم يشتهر العمل به (¬2). وعلى كل فقد قال بقول أبي حنيفة كثير من أعلام المجتهدين كمالك والشافعي وغيرهما ممن سبق ذكرهم. 11 - المَسْحُ عَلَى الجَوْرِبَيْنِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» (*)، كما روى عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَكْرَهُ المَسْحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَهُمَا جُلُودٌ». هذا النقل عن أبي حنيفة صحيح، أما أبو يوسف ومحمد فقد أجازا المسح على الجوربين إذا [كانا] ثخينين لا يشفان، ويروى أن أبا حنيفة قد رجع إلى قولهما، وعليه الفتوى (¬3). ولم ينفرد أبو حنيفة بمنع المسح على الجوربين، بل منع منه أيضًا مالك والشافعي خلافًا لمعظم المحدثين، وسبب الاختلاف هو الاختلاف في صحة الآثار المروية في ذلك، فالبخاري ومسلم لم يرويا حديث المغيرة السابق، ورواه الترمذي وقال عنه: «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» (¬4)، ولكن أبا داود والنسائي قد ضعفا هذا الحديث (¬5). ¬
12 - كيفية التيمم
والحاصل أن الآثار في هذه المسألة ضعيفة لا يلزم بها أبو حنيفة ولا يلام على مخالفتها، ومعه فيها غيره من الأئمة. 12 - كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَمَّارَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا: «أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " [ضَرْبَتَيْنِ] لَا تُجْزِئُهُ ضَرْبَةٌ "». ذهب معظم المحدثين وأهل الظاهر إلى أن المتيمم يضرب الأرض بكفيه ضربة واحدة، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه: ذهب إلى ذلك البخاري والترمذي وأحمد وإسحاق (¬1)، وروى أبو داود والنسائي الآثار المختلفة في ذلك على أنها كيفيات للتيمم، ويختار الإنسان منها ما يشاء (¬2). وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن التيمم ضربتان، ضربة لمسح الوجه وأخرى لمسح اليدين إلى المرفقين، ومن هؤلاء الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي، وهو قول أبي حنيفة. وإنما ذهب الأئمة الثلاثة إلى خلاف ما ذهب إليه أهل الحديث، لضعف في بعض الآثار، واضطراب في بعضها الآخر، حتى ليقول ابن العربي عن حديث عمار في التيمم: «إِسْنَادُهُ مِنَ العَجَبِ فِي العِلْمِ، وَالغَرِيبُ اِتِّفَاقَ أَئِمَّةِ الصَّحِيحِ عَلَى حَديثِ عَمَّارِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الاِضْطِرابِ وَالاِخْتِلاَفِ وَالزِّيادَةِ وَالنُّقْصَانِ» (¬3). • • • وبذلك يتضح أن اختلاف الحديث، واختلاف الترجيح هو سبب الخلاف في هذه المسألة، ومع أبي حنيفة فيها مالك والشافعي وغيرهما. وهكذا تنتهي المسائل المتعلقة بالطهارة، من جملة ما انتقده أبو بكر على أبي حنيفة، ولنشرع الآن في المسائل المتعلقة بأبواب الصلاة: ¬
المسائل المنتقدة في الصلاة
المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةُ فِي الصَّلاَةِ: 1 - الصَّلاَةُ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ؟»، قَالَ: «نَعَمْ» , قَالَ: «أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا؟» قَالَ: «لَا» , قَالَ: «فَأُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ؟»، قَالَ: «لَا» , قَالَ: «فَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِهَا؟»، قَالَ: «نَعَمْ». كما روى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ , وَلاَ تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ , فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيْطَانِ». وروى مثل ذلك عن أبي هريرة وجابر بن سمرة، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ " لَا بَأْسَ بِذَلِكَ "». 2 - الصَّلاَةُ بَيْنَ القُبُورِ: روى أبو بكر حديثًا مرسلاً في النهي عن الصلاة بين القبور، وآثارًا عن عمر، وإبراهيم، وابن سيرين في كراهتها، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِنْ صَلَّى أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ "». هاتان المسألتان تتعلقان بحكم المواضع التي يصلي فيها. وقد جاء في ذلك أحاديث: بعضها صحيح، وبعضها مختلف في صحته: فالحديث المتفق عليه هو قول الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي»، وفيه: «وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا». قال ابن العربي: «وَهِيَ خَصِيصَةٌ فُضِّلَتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ ... لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا إِلَّا البِقَاعَ النَّجِسَةَ وَالمَغْصُوبَةِ التِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الغَيْرِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ سِوَى هَذَا ضَعِيفٌ، حَتَّى حَدِيثُ السَّبْعِ المَوَاطِنِ التِي وَرَدَ النَّهْيِ عَنْهَا لَا يَصِحُّ
عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬1). وقد روى الترمذي حديث النهي عن الصلاة في سبع مواطن، ولكنه ضعفه (¬2)، كما ضعف حديث: «الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ» (¬3)، ولكنه صحح حديث النهي عن الصلاة في أعطان الإبل، وقال: «وَعَلَيْهِ العَمَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ» (¬4). وجدير بالذكر أن البخاري هنا يرى رأي أبي حنيفة، فَلَمْ يَرْوِ هذه الأحاديث السابقة في النهي عن الصلاة في أمكنة معينة بل ذهب إلى أن الصلاة في القبور جائزة إلا أنها مكروهة وجاء في ترجمته: «... وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاَةِ فِي القُبُورِ وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: " القَبْرَ القَبْرَ "، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ» (¬5). وقال في ترجمة أخرى: (بَابُ أَبْوَالِ الإِبِلِ، [وَالدَّوَابِّ]، وَالغَنَمِ وَمَرَابِضِهَا، وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دَارِ البَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ، وَالبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: «هَا هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ») (¬6)، وفي ترجمة ثالثة: (بَابُ الصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ)، و (بَابُ الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ) (¬7)، ثم أتبع ذلك بما يشبه الحجة على ما ذهب إليه فقال: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»). وقد عرض الطحاوي لهذا الموضوع في كتابه " شرح معاني الآثار "، بما يتبين منه أن سبب الخلاف فيه، إنما هو التماس علة النهي فيما صح من الأحاديث عند فريق، على حين يأخذ فريق آخر هذه الأحاديث على ظاهرها. فذكر أن النهي عن الصلاة في أعطان الإبل إما أن يكون لأنه ¬
3 - صلاة المؤتم منفردا خلف الصف
لا تصح الصلاة بإزائها، وهذا مستبعد، لأنه صح «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ»، وإما لما يكون في معاطن الإبل من أبوالها وأرواثها وهذا أيضًا غير جائز، لأنهم قد أجمعوا على جواز الصلاة في مرابض الغنم، ومن جعل أبوال الغنم طاهرة جعل أبوال الإبل كذلك، ومن جعل أبوال الإبل نجسة جعل أبوال الغنم كذلك، «فَلَمَّا كَانَتِ الصَّلاَةُ قَدْ أُبِيحَتْ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ فِي الحَدِيثِ الذِي نُهِيَ فِيهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ , ثَبَتَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ , لَيْسَ لِعِلَّةِ النَّجَاسَةِ مَا يَكُونُ مِنْهَا , إِذْ كَانَ مَا يَكُونُ مِنَ الغَنَمِ , حُكْمُهُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَلَكِنَّ العِلَّةَ التِي لَهَا كَانَ النَّهْيُ , هُوَ مَا قَالَ شَرِيكٌ , أَوْ مَا قَالَ يَحْيَى (¬1) بْنُ آدَمَ. فَإِنْ كَانَ لِمَا قَالَ شَرِيكٌ فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَكْرُوهَةٌ حَيْثُ يَكُونُ الغَائِطُ وَالبَوْلُ , كَانَ عَطْنًا أَوْ غَيْرَهُ. وَإِنْ كَانَ لِمَا قَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ , فَإِنَّ الصَّلاَةَ مَكْرُوهَةٌ حَيْثُ يُخَافُ عَلَى النُّفُوسِ , كَانَ. عَطْنًا أَوْ غَيْرَهُ» (¬2). فسبب الاختلاف هو الاختلاف في تصحيح بعض أحاديث النهي، وتأويل بعضها، ليستقيم معناها مع الحديث المتفق على صحته: «وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، حيث تضعف الآثار الأخرى عن تخصيص هذا الحديث، ومع أبي حنيفة في ذلك إمام المحدثين البخاري. 3 - صَلاَةُ المُؤْتَمِّ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنَ الأَحَادِيثِ، مَا يُفِيدُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬
4 - إمامة القاعد
أَمَرَ مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ بِالإِعَادَةِ، ثُمَّ قَالَ: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ " تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ "». وقد سبق عرضنا لهذه المسألة في أمثلة الاتجاه إلى الظاهر، ومخالفة الجمهور للمحدثين فيها وبخاصة أن الأحاديث فيها ضعيفة، حتى قال الشافعي: «لَوْ ثَبَتَ الحَدِيثُ لَقُلْتُ بِهِ» (¬1). 4 - إِمَامَةُ القَاعِدِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الاِقْتِدَاءِ بِالإِمَامِ: «إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا»، وفي رواية: «وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا [أَجْمَعُونَ]»، «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لاَ يَؤُمُّ الإِمَامُ وَهُوَ جَالِسٌ "». ما رواه ابن أبي شيبة في ذلك صحيح، ولكنه منسوخ: ذهب إلى نسخه الجمهور والبخاري، ونقله عن الحميدي. ولم ير النسخ بعض أهل الحديث، منهم: ابن أبي شيبة، وأبو داود، والترمذي، ونقله عن أحمد وإسحاق (¬2). 5 - الجَهْرُ بِآمِينْ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «آمِينَ» يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَرْفَعُ الإِمَامُ صَوْتَهُ بِآمِينَ، وَيَقُولُهَا مَنْ خَلْفَهُ "». والجهر بآمين هو مذهب عامة المحدثين (¬3). وسبب الخلاف هو ¬
6 - زيادة ركعة خامسة سهوا
التعارض في الآثار، فقد ورد الجهر وورد الإسرار، فاختلف في الأفضل، وكل ذهب إلى ما ترجح عنده، فليس في الأمر مخالفة للآثار، وإنما هو اختلاف الترجيح. قال ابن جرير الطبري: «وَالصَّوَابُ أَنَّ [الخَبَرَ] بِالجَهْرِ بِهَا وَالمَخَافَةَ صَحِيحَانِ وَعَمَلَ بِكُلٍّ مِنْ فِعْلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَإِنْ كُنْتَ مُخْتَارًا خَفِّضِ الصَّوْتَ بِهَا إذْ كَانَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى ذَلِكَ» (¬1). 6 - زِيَادَةُ رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ سَهْوًا: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، [فَقِيلَ لَهُ: إِنَّك صَلَّيْتَ خَمْسًا؟ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ]». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِذَا لَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّابِعَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ "» روى الحديث السابق أصحاب الصحاح والسنن وذهبوا إليه (¬2) كما ذهب إليه أيضًا الشافعي وأحمد وإسحاق. أما أبو حنيفة والثوري فقد ذهبا إلى أن من سها عن القعدة الأخيرة حتى قام إلى الخامسة، وجب عليه الرجوع إلى القعدة، ويلغي الركعة الخامسة، ما لم يسجد لها، وعليه السجود للسهو. فإذا لم يرجع إلى القعدة وسجد للخامسة، بطل فرضه وتحولت صلاته نفلاً، وعليه أن يأتي بسادسة. ويجيبون عن الحديث السابق بأنه ساكت عن محل النزاع، لأن لفظه يصدق مع ترك القعدة الأخيرة ومع فعلها، فلا يدل على خصوص محل النزاع فتبقى المسألة في محل الاجتهاد (¬3). ¬
7 - سجود السهو بعد الكلام
وعلى الرغم من أن الثوري مع أبي حنيفة في ذلك، إلا أن دليله في مخالفة الحديث ليس بمقنع. 7 - سُجُودُ السَّهْوِ بَعْدَ الكَلاَمِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ الكَلاَمِ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ»، وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى العَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ»، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الخِرْبَاقُ , فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنَقَصَتْ الصَّلاَةُ؟» قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟»، قَالَ «صَلَّيْتَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ» , «فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِذَا تَكَلَّمَ فَلَا يَسْجُدُهُمَا "». وفي الحقيقة أن رأي أبي حنيفة هذا هو رأي مالك والشافعي أيضًا، ويقول النووي إنه رأى الجمهور من السلف والخلف والذين ذهبوا إلى تحريم الكلام في الصلاة مطلقًا، لحاجة أو لغير حاجة، ولمصلحة الصلاة أو لغير مصلحتها، لحديث: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ». وقد استدلوا بهذا الحديث الذي رواه مسلم عن معاوية بن الحكم على نسخ الأحاديث السابقة لأن إسلام معاوية متأخر، وقد شرح الطحاوي هذا الموضوع فأوفى على الغاية (¬1). 8 - رَدُّ السَّلاَمِ بِالإِشَارَةِ فِي الصَّلاَةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬
مَسْجِدَ [بَنِي عَمْرِو بْنِ] عَوْفٍ يُصَلِّي فِيهِ , [وَدَخَلَتْ] عَلَيْهِ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَدَخَلَ مَعَهُمْ صُهَيْبٌ , فَسَأَلْتُ صُهَيْبًا: " كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ حَيْثُ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ؟ " , قَالَ: " كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ "». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَفْعَلُ "». جاء الأمر برد السلام في قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (¬1)، وصح الأمر بمنع المصلي من الكلام في الصلاة، بما ذكرناه في المسألة السابقة. وقد اختلفوا في رد السلام في الصلاة، هل هو من التكلم المنهي عنه، أو لا؟ فمن العلماء من رأى أن رد السلام ليس من الكلام المنهي عنه فرخصوا في رد السلام في الصلاة بالألفاظ، ومن هؤلاء ابن المسيب، والحسن، وقتادة. ومنهم من منع من رد السلام باللفظ، ورخص في رده بالإشارة. لما روي في ذلك من الأحاديث. ومن هؤلاء: مالك والشافعي وأصحاب الحديث فيما عدا البخاري. ومنهم من منع من رد السلام مطلقًا في الصلاة: بالإشارة أو باللفظ، ومن هؤلاء أبو حنيفة والبخاري، وإن لم يمنعا من الإشارة في الصلاة لأمر ينزل بالمصلي، لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ أُنَاسًا سَلَّمُوا عَلَى النَّبِيِّ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ لَا بِالإِشَارَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَقَالَ لَهُمْ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ: «إِنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلاً»، وعن ابن مسعود: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا». يعني في الصلاة. وأحاديث ابن أبي شيبة في هذه المسألة، ليست نَصًّا في أن الإشارة ¬
9 - التصفيق للنساء
كانت لرد السلام، بل تحتمل أنها كانت لنهيهم عن السلام على المصلي (¬1). فلم يخالف أبو حنيفة الآثار إذن، وإنما رجح بينها، ومعه في ذلك البخاري. 9 - التَّصْفِيقُ لِلْنِّسَاءِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ»، وعن جابر مثل ذلك في قوله، وروى فعل ذلك عن جابر بن عبد الله وعبد الرحمن بن أبي ليلى. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ». ذكر ابن رشد أن مالكًا وجماعة قالوا: التسبيح للرجال وللنساء أيضًا وأن الشافعي وجماعة ذهبوا إلى أن التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء (¬2). وقد أخذ أبو حنيفة بهذا الحديث (¬3). وما نسبه إليه ابن أبي شيبة سهو منه. 10 - الجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيًا جَمِيعًا / وَسَبْعًا جَمِيعًا» [قَالَ: قُلْتُ]: " يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ - وهو جابر بن زيد الراوي عن ابن عباس - , أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ , وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ " , قَالَ: " وَأَنَا أَظُنُّ ذَلِكَ "». وَبِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ [السَّيْرُ] جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ»، وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ ¬
11 - وقت العشاء
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ»، وعن جابر مثل ذلك، وكذلك عن أنس، وعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ:" لَا [يُجْزِئُهُ] أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ "». اتفق العلماء على أن الجمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر بعرفة سُنَّةٌ، وكذلك الجمع سُنَّةٌ بين المغرب والعشاء في وقت العشاء بمزدلفة. واختلفوا في الجمع في غير هذين المكانين: فذهب الجمهور ومنهم أهل الحديث (¬1)، إلى جواز الجمع في السفر، ومنعه أبو حنيفة مطلقًا. وسبب الاختلاف أن الآثار المروية في الجمع كلها حكاية أفعال، وليست أقوالاً، والأفعال يتطرق إليها الاحتمال أكثر من تطرقه إلى الألفاظ ولهذا حمل أبو حنيفة الجمع في هذه الأحاديث على ما حمله عليه جابر بن زيد وعمرو بن دينار، حيث فسر الجمع بأنه تأخير صلاة الظهر إلى آخر وقتها، ثم يصلي العصر في أول وقتها، وهكذا المغرب والعشاء، وقد تأيد ذلك بما روي عن ابن مسعود: «وَالذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا صَلَّى رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلاَةً قَطُّ إِلاَّ فِي وَقْتِهَا، إِلاَّ صَلاَتَيْنِ: بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِجَمْعٍ». مع العلم بأن ابن مسعود ممن روي عنه حديث الجمع في السفر، وهو يدل على أن الجمع عنده، هو ما فهمه جابر بن زيد وأبو حنيفة الذي رجح حديث ابن مسعود، لفقهه، أو لأنه أحوط (¬2). 11 - وَقْتُ العِشَاءِ: وَبِسَنَدِهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ ¬
12 - اقتداء المتنفل بالإمام في الفجر
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلاَّهَا مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ وَقْتُ العِشَاءِ». ثم روى عن عمر أن وقت العشاء إلى ثلث الليل، وهناك أثر آخر عن إبراهيم أن وقتها إلى ربع الليل. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " وَقْتُ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ "». اختلف في آخر وقت العشاء على ثلاثة أقوال: 1 - أنها إلى ثلث الليل. 2 - أو إلى نصف الليل. 3 - أو إلى طلوع الفجر. وبالرأي الأول قال مالك والشافعي، ونسبه ابن رشد إلى أبي حنيفة (¬1)، ونسب إليه ابن العربي القول الثاني، ورجحه (¬2)، ولكن كتب الأحناف لا تذكر لأبي حنيفة إلا الرأي الثالث (¬3)، وقد روى الطحاوي من الأحاديث ما يفيد أن الليل كله وقت لصلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ولكنه على أوقات ثلاثة: فأفضل أوقاتها إلى ثلث الليل، وإلى النصف دون الوقت الأول في الفضل، ثم المرتبة الأخيرة من النصف إلى الفجر، ثم روى عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى أَبِي مُوسَى: " وَصَلِّ العِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْتَ وَلَا تَغْفُلْهَا "»، ثم ذكر أن ذلك هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، ولم يحك بينهم في ذلك اختلافًا (¬4). 12 - اقْتِدَاءُ المُتَنَفِّلِ بِالإِمَامِ فِي الفَجْرِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَانْحَرَفَ، إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، ¬
13 - طلوع الشمس أثناء الصبح
[قَالَ]: فَقَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا» فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟» [فَقَالَا]: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلَا إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ». ثم رواه من طريق آخر، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا تُعَادُ الفَجْرُ "». 13 - طُلُوعُ الشَّمْسِ أَثْنَاءَ الصُّبْحِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ , وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «إِذَا صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَمْ يُجْزِئْهُ». 14 - صَلاَةُ المُسْتَيْقِظِ فِي أَوْقَاتِ الكَرَاهَةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا». وعن ابن مسعود أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا رَجَعَ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ نَامَ وَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ». قَالَ: فَفَعَلْنَا، فَقَالَ: «كَذَلِكَ لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى آذَتْنَا الشَّمْسُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ ثُمَّ [يَتَنَحَّ] عَنْ هَذَا المَنْزِلِ "، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِذَا اسْتَيْقَظَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا». هذه المسائل الثلاث تتعلق بالأوقات التي ورد النهي عن الصلاة فيها، وقد اتفق العلماء على أن ثلاثة من الأوقات منهي عن الصلاة فيها، وهي:
وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ومن لدن تصلى صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، واختلفوا في وقتين: في وقت الزوال، وفي الصلاة بعد العصر، فمذهب مالك إلى أن الأوقات المنهي عنها أربعة: الطلوع، والغروب، والزوال، وبعد الصبح. وذهب الشافعي إلى أن هذه الأوقات الخمس كلها منهي عن الصلاة فيها إلا وقت الزوال يوم الجمعة. واستثنى قوم من ذلك الصلاة بعد العصر. وقد ذهب أبو حنيفة إلى أنه لا تجوز صلاة بإطلاق - أي لا فريضة ولا نافلة - في أوقات ثلاثة: عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها في وقت الظهيرة، لا يستثنى من ذلك إلا عصر يومه، فإنه يجوز صلاته عند الغروب إذا نسيه. أما الوقتان الآخران: وهما بعد أن تصلى الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد أن تصلى العصر حتى تغرب - فقد كره أبو حنيفة أن تصلى فيهما النوافل، ولا بأس عنده أن يقضى فيهما ما فات من الفرائض (¬1)، وعلى ذلك لا بأس أن يصلي الرجل مع الإمام صلاة كان قد صلاها في منزله، ما لم تكن هذه الصلاة هي المغرب لأن التطوع لا يكون وترًا، وما لم تكن هذه الصلاة مما لا يجوز التطوع بعدها، كصلاة الفجر والعصر، لما روي من الأحاديث الصحيحة التي تفيد النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس. وقد تبين أن سبب الخلاف هو الاختلاف في كيفية الجمع بين هذه الأحاديث المتعارضة، فعلى حين تفيد بعض الأحاديث النهي عن عموم الصلاة فرضًا أو نافلة في أوقات معينة، تفيد أحاديث أخرى وجوب أداء الصلاة للنائم والناسي، متى استيقظ أو تذكر، لا فرق بين وقت وآخر. وقد طبق كل من أبي حنيفة وأهل الحديث مذهبه؛ فأبو حنيفة طبق مبدأ الاطراد عنده، وأخذ بالعام على عمومه وجعله ناسخًا لما خالفه، أما أهل ¬
15 - تكرار الجماعة
الحديث فيطبقون مبدأ الاتجاه إلى الآثار ومحاولة الجمع بينهما عن طريق التخصيص، أو الاستثناء من الأحاديث المعممة للنهي. وممن كره التطوع بعد الفجر مالك والشافعي، إلا أن يدخل المسجد وقد صلى، فلا بأس من أن يعيد الصلاة جماعة، وللحديث في ذلك. أما أبو ثور فهو مع أبي حنيفة - في كراهة الإعادة مع الجماعة بعد الصبح، وكذلك الأوزاعي. أما بالنسبة للمسألتين الأخيرتين، فإن الجمهور وعامة المحدثين قد ذهبوا إليها، خلافًا لأبي حنيفة» (¬1). 15 - تِكْرَارُ الجَمَاعَةِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، «أَنَّ رَجُلاً جَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: " أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟ " فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا تَجْمَعُوا فِيهِ». يعني مرتين. ومذهب أبي حنيفة هذا، إنما هو في غير الحرمين والمسجد المطروق، حيث لا يكره فيها تعدد الجماعة، أما في المساجد الصغيرة فإنه يكره إعادة الجماعة فيها، لأنها تعين على تقليل الجماعة. ومع أبي حنيفة في ذلك: الثوري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي (¬2). 16 - الطُّمَأْنِينَةُ وَتَعْدِيلِ الأَرْكَانِ: وَبِسَنَدِهِ أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُجْزِئُ صَلاَةٌ لَا يُقِيمُ ¬
الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِيهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ». وَأَنَّ رَجُلاً صَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْقُبُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعِدْ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، كَمَا رَوَى عَنْ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ فَقَالَ لَهُ: «أَعِدْ»، فَأَبَى، فَلَمْ يَدَعْهُ حَتَّى أَعَادَ. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " تُجْزِئُهُ وَقَدْ أَسَاءَ "». هذه المسألة من المسائل الهامة التي خالف فيها أبو حنيفة الجمهور، والتي وجه إليه بسببها كثير من النقد، فقد رأى أن الطمأنينة ليست فرضًا تفسد بفوتها الصلاة، ولكنها واجبة. وحجته أن المأمور به في قوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]. هو الركوع والسجود، وليسا من قبيل المجمل حتى يفتقر إلى البيان، ومعناهما يتحقق بمجرد الانحناء في الركوع، ووضع الجبهة في السجود، والطمأنينة دوام على الفعل، لا نفسه، فهو غير المطلوب، فوجب ألا تتوقف الصحة عليها بخبر الواحد، وإلا كان نسخًا للمطلق في الآية وهو ممنوع عندهم، على أن بعض روايات حَدِيثِ المُسِيءِ صَلَاتِهِ فيها: «وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ انْتَقَصْتَ مِنْ صَلاَتِكَ». فسماها صلاة مع عدم الطمأنينة. وقد روى الطحاوي هذه الرواية، وَبَيَّنَ أن فرض الركوع والسجود عند أبي حنيفة هو أن يركع حتى يستوي راكعًا، وأن يسجد حتى يطمئن ساجدًا، أخذًا بهذا الحديث (¬1). وعلى كل، فإن بحث أبي حنيفة لهذه المسألة بحث نظري، لا يتناسب مع الخضوع المطلوب في الصلاة، ووجهة نظر المحدثين فيها أرجح. ¬
17 - وجوب الوتر
17 - وُجُوبُ الوِتْرِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ بَلَغَهُ أَنَّ صَحَابِيًّا يَقُولُ: " إِنَّ الوِتْرَ وَاجِبٌ " فَاسْتَنْكَرَ عُبَادَةُ هَذَا القَوْلَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى العِبَادِ , مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْ حَقِّهِنَّ جَاءَ وَلَهُ [عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ] أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ , وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْ حَقِّهِنَّ جَاءَ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ , إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ , وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الجَنَّةَ». وَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الوِتْرَ سُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: مَا سُنَّةٌ؟ أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ المُسْلِمُونَ , قَالَ: لَا , أَسُنَّةٌ هُوَ؟ قَالَ: [مَهْ] , أَتَعْقِلُ؟ «أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ المُسْلِمُونَ». وروي مثل ذلك عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: «سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوِتْرَ كَمَا سَنَّ الفِطْرَ وَالأَضْحَى»، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، [قَالَ]: «الوِتْرُ سُنَّةٌ». وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الوِتْرَ , فَقَالَ: «لَا يَضُرُّهُ، كَأَنَّمَا هُوَ فَرِيضَةٌ». وَكَانَ الحَسَنُ: «لَا يَرَى الوِتْرَ فَرِيضَةً». وَقَالَ عَطَاءٌ، وَمُحَمَّدُ بْنِ عَلِيٍّ: «الأَضْحَى وَالوِتْرُ سُنَّةٌ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «الوِتْرُ فَرِيضَةٌ». انتقد ابن أبي شيبة أبا حنيفة في أربع مسائل تتعلق بالوتر: في حكمه، وعدده، والقراءة فيه، وصلاته على الراحلة. وهذه المسألة السابقة تتعلق بحكم الوتر. وقد روى عن أبي حنيفة في الوتر ثلاث روايات: 1 - أنها واجبة، وهو الظاهر من مذهبه. 2 - أنها سنة وبه أخذ أبو يوسف ومحمد. 3 - أنها فريضة، وبه أخذ زُفر (¬1). وتفيد الروايات الكثيرة عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصحابته، ما يشعر ¬
بأهمية الوتر والحث عليه، إلى حد جعل الصحابة يختلفون في وجوبه، ويستفتون في حكمه، كما هو واضح فيما رواه ابن أبي شيبة، وإلى حد أن حذر الأئمة غير أبي حنيفة من تركه، مع قولهم بعدم وجوبه، فقال مالك: «الوِتْرُ لَيْسَ فَرْضًا، لَكِنْ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ، وَكَانَ جَرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ»، وقال الشافعي في الوتر وسنة الفجر: «وَلَا أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَإِنْ أَوْجَبَهُمَا، وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ». وقال أحمد: «مَنْ تَرَكَ الوِتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ» (¬1). يضاف إلى ذلك أن بعض الأحاديث فيها ما يمكن أن يستنتج منه وجوب الوتر، كحديث: «إِنَّ اللهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلاَةً، أَلَا وَهِيَ الوِتْرُ، فَصَلُّوهَا , مَا بَيْنَ العِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ»، وحديث «الوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا» (¬2). كل ذلك دفع أبا حنيفة إلى أن يرفع الوتر درجة فوق النفل ودون الفرائض الخمس، على الأظهر مما روي عنه. والآثار التي ذكرها ابن أبي شيبة ليس فيها ما يقيم الحجة على أبي حنيفة ويحسم الخلاف: أما حديث عُبَادَةَ، فلأنه مبني على الإنكار على من يسوي بين الفريضة والوتر، ولم يقل بذلك أبو حنيفة في ظاهر الرواية عنه، وأما الآثار الأخرى، فكلها يؤيده، وليس معنى السنة هي السنة المقابلة للفرض، بل معناها ما ثبت بالسنة، أعم من أن يكون فرضًا أو واجبًا أو مندوبًا. وقد عزا ابن رشد سبب الخلاف هنا إلى تعارض الآثار، بين ما يثبت منها وجوب الوتر، وما يقصر الوجوب على خمس (¬3). ¬
18 - صلاة الوتر على الراحلة
وعلى كل حال، فالقول بوجوب الوتر من المعالم الرئيسية التي تميز مذهب أبي حنيفة، ولئن انتقد في بعض المسائل لإهماله الأخذ بالحديث فهو ينتقد هنا للمبالغة في الأخذ به. ولعل الأرجح هنا هو القول بأن الوتر سنة مؤكدة، وهو قول المحدثين (¬1). 18 - صَلاَةُ الوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَوْتَرَ عَلَيْهَا , وَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسْ، وَنَافِعٍ، وَسَالِمٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُون عَلَى رَوَاحِلِهِمْ، وَلَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا»، ثُمَّ قَالَ: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُوتِرَ عَلَيْهَا "». هذه المسألة تابعة للخلاف في فرضية الوتر أو وجوبه، وعدمه، وعلى القول بوجوبه لا تصح صلاته على راحلته ويوتر على الأرض، ويزعم أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك، غير أن من يرى صلاة الوتر على الراحلة لا يرى في هذا التعارض بأسًا، إذ يجوز أن يوتر على الأرض والراحلة، كما يفعل في النوافل، ولهذا قال الطحاوي بعد روايته للآثار في ذلك: «وَالوَجْهُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الوِتْرَ، وَيُغَلِّظَ أَمْرَهُ , ثُمَّ أُحْكِمَ بَعْدُ , وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِهِ». وأيد ذلك بالنظر العقلي من أن الوتر لا تصح صلاته على الأرض قاعدًا لمن يطيق القيام. خلافًا للنوافل فكذلك لا يصليه في سفره على الراحلة وهو يطيق النزول (¬2). 19 - الوِتْرُ بِرَكْعَةٍ: وَبِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الوِتْرُ وَاحِدَةٌ». ¬
20 - القراءة في الوتر
وَعَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَسُئِلَ عَنْهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «أَصَابَ السُّنَّةَ». «وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ أَنَّهُمَا أَوْتَرَا بِرَكْعَةٍ، كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَمُعَاذٍ، وَالشَّعْبِيَّ وَالحَسَنَ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ "». ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الوِتْرَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ كَالمَغْرِبِ، لِأَحَادِيثَ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ، يَذْكُرُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بَعْضَهَا فِي المَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ. وقد ذهب مالك إلى أن الوتر ثلاثة، إلا أنه قال: «يُفْصَلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ وَالوَاحِدَةِ بِتَسْلِيمَةٍ». وَقَدْ ذَهَبَ البُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ الوِتْرَ رَكْعَةٌ، ومع ذلك يبدو أنه يميل إلى أن في الأمر سعة، فقد روى عَنْ القَاسِمِ: «... وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلاَثٍ، وَإِنَّ كُلاًّ لَوَاسِعٌ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ» (¬1). أما أصحاب السنن فإنهم يَرْوُونَ الآثار المختلفة في عدد الوتر على أنهما كيفيات لصلاة الوتر، يختار المسلم منها ما يشاء. وقد بحث الطحاوي هذه المسألة بحثًا مستفيضًا، جمع فيه الآثار المختلفة ورجح منها رأي أبي حنيفة (¬2). والذي نصل إليه من أن الآثار في هذه المسألة مختلفة، واختيار المجتهد لأحدها لمرجحات عنده لا تستدعي وصفه بمخالفة الآثار. 20 - القِرَاءَةُ فِي الوِتْرِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الوِتْرِ بِـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) , وَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ) , وَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ أَنْ يَخُصَّ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا فِي الوِتْرِ» (¬3). ¬
21 - صلاة الليل مثنى مثنى
مذهب أبي حنيفة مبني على قراءة ما تيسر من القرآن في الصلوات كلها والروايات التي تخصص سورة معينة لا تفيد الالتزام بها ووجوب قراءتها بدليل ما رواه الطحاوي عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (¬1) وَ (المُعَوَّذَتَيْنِ)». أما ادعاء أن أبا حنيفة كان يكره تخصيص سورة في الوتر، فليس على إطلاقه، بل يكره الاقتصار على سورة ما في الصلاة، إذا حمل العامة على اعتقاد أن هذه السورة بخصوصها واجب. 21 - صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى: وَبِسَنَدِهِ عَنْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَالوَتْرُ وَاحِدَةٌ»، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ: «[كَانَ رَسُولُ اللهِ]- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ فِي [كُلِّ] رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ»، وبعد أن روى الآثار في ذلك عن بعض التابعين، قَالَ: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ , وَإِنْ شِئْتَ أَرْبَعًا , وَإِنْ شِئْتَ سِتًّا , لاَ تَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ "». استند أبو حنيفة في ذلك إلى ما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ [رَكَعَاتٍ]، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا، ...» (¬2)، كما استند إلى أحاديث أخرى تؤيد رأيه (¬3). وحيث استند إلى حديث صحيح فلا مجال لوصفه بمخالفة الآثار، بل هو في هذه المسألة يأخذ بكل ما روي فيها الحديث. 22 - قَضَاءُ سُنَّةِ الفَجْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ: وَبِسَنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ: «أَصَلاَةُ الصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ؟»، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ ¬
أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا , فَصَلَّيْتُهُمَا الآنَ , فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وروي مثل ذلك عن عطاء، وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ القَاسِمُ: «إِذَا لَمْ أُصَلِّهِمَا حَتَّى أُصَلِّيَ الْفَجْرَ صَلَّيْتُهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ»، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْ الفَجْرِ بَعْدَمَا أَضْحَى». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُمَا "». رأى الأستاذ الكوثري «أَنَّ قَضَاءَ سُنَّةِ الفَجْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَديثٌ، بَلْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الصَّلاَةِ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ، وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِعُمُومِ هَذَا النَّهْيِ. أَمَا قَضَاءُ سُنَّةِ الفَجْرِ مَعَ صَلاَةِ الفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَدْ رُوِيَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ» (¬1). ولكني أرى أن ابن أبي شيبة لا يأخذ على أبي حنيفة أنه يمنع من قضاء سنة الفجر بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، فقد سبق مؤاخذته بذلك في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، ولكنه يأخذ عليه أنه لا يقول بقضائها مطلقًا، لا قبل طلوع الشمس ولا بعد طلوعها. جاء في " الهداية ": «(وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الفَجْرِ لَا يَقْضِيهِمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلاً مُطْلَقًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الصُّبْحِ (وَلَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: " أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ ") لأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - قَضَاهُمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ» (¬2). ووجهة نظر أبي حنيفة أنه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قد قضى سنة الفجر مع الفجر عندما طلعت عليه الشمس وفاتته الصلاة، أما أن تقضى السنة وحدها فلا، لأنها تثبت ابتداء على التخيير، فلا يلزم بالقضاء. ¬
23 - قضاء الأربع قبل الظهر
23 - قَضَاءُ الأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ حَدِيثًا مُرْسَلاً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا فَاتَتْهُ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلاَهَا بَعْدَهَا». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُصَلِّيهَا وَلَا يُقْضِيهَا "». قد سها أبو بكر فيما عزاه إلى أبي حنيفة في ذلك، فإن قضاء الأربع قبل الظهر عند فواتها بعد صلاة الظهر، موضع اتفاق بين أبي حنيفة وصاحبيه، إلا أن محمدًا يرى تقديمها على السنة التي بعد الظهر، والشيخان يريان تأخيرها عنها (¬1). 24 - صَلَاةُ الطَّوَافِ بَعْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ، وَبَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ أنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ وَصَلَّى، أَيَّ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ». وَرَوَى «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزَّبَيْرِ طَافَا بَعْدَ الفَجْرِ، وَصَلَّيَا بَعْدَ الفَجْرِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ». كَمَا رَوَى بِسَنَدِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَأَبَا الطُّفَيْلِ طَافُوا بَعْدَ العَصْرِ، وَصَلُّوا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُصَلِّي حَتَّى تَغِيبَ أَوْ تَطْلَعَ "». استند أبو حنيفة في رأيه هذا إلى ما سبق ذكره من أخبار صحيحة نهت عن الصلاة في أوقات خمسة: الطلوع، والزوال، والغروب، وبعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس. وصلاة الطواف تدخل في عموم هذا النهي. وقد فرق الطحاوي بين الأوقات الثلاثة الأولى، والوقتين الأخيرين: ¬
25 - الأذان والإقامة عند قضاء الفائتة
فمنع من صلاة الطواف في الأولى، لأنه لا يصح فيها قضاء الفوائت ولا صلاة الجنازة، وأباح الطواف في الوقتين الأخيرين، لأنه يجوز فيهما قضاء الفوائت وصلاة الجنازة لأن الطواف يوجب الصلاة، حتى يكون وجوبها كوجوب الصلاة على الجنائز، وهو بذلك يوافق المحدثين ويخالف أئمة الأحناف (¬1). ويلاحظ الاطراد في مذهب أبي حنيفة، وأخذه بالعمومات، وعدم ميله إلى تخصيصها، على حين يجمع المحدثون بين الأخبار ما أمكن، بتخصيص العموم، كما سبق في بيان اتجاههم إلى الآثار، كما يلاحظ أن قول أبي حنيفة هو قول سفيان الثوري، ومالك بن أنس. 25 - الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ عِنْدَ قَضَاءِ الفَائِتَةِ: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَأَمَرَ بِلاَلاً، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ [فَصَلَّى] الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العَصْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى المَغْرِبَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى العِشَاءَ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَوَاتُ لَمْ يُؤَذِّن فِي شَيءٍ مِنْهَا، وَلَمْ يُقِمْ "». قد سها أبو بكر في نسبته مخالفة الحديث إلى أبي حنيفة في هذه المسألة، لأنه يقول بنص الحديث، ويتفق صاحباه معه في ذلك، وقد روى عن الشافعي في أحد قوله: «أَنَّهُ يُقِيمُ لِلْفَوَائِتِ وَلَا يُؤَذِّنُ لَهَا» (¬2). 26 - كَلَامُ الإِمَامِ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ لِلْجُمُعَةِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عن عطاء، مُرْسَلاً «أَنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ¬
27 - تحية المسجد لمن دخل المسجد والإمام يخطب
كَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: " اجْلِسُوا "، فَسَمِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ عَلَى البَابِ فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: " يَا عَبْدَ اللهِ، ادْخُلْ». وَرَوَى «أَنَّ رَجُلاً جَاءَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الشَّمْسِ، فَأَمَرَ بِهِ، فَحُوِّلَ إِلَى الظِّلِّ». عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ الإِمَامَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ». عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «جَاءَ سُلَيْكٌ الغَطَفَانِيُّ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ: " صَلَّيْتَ؟ " قَالَ: " لَا "، قَالَ: " صَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا "». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُكَلِّمُ الإِمَامُ أَحَدًا فِي خِطْبَتِهِ "». 27 - تَحِيَّةُ المَسْجِدِ لِمَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ: وَبِسَنَدِهِ رَوَى حَدِيثَ جَابِرٍ السَّابِقَ عَنْ سُلَيْكٍ، كَمَا رَوَى آثَارًا عَنْ أَبِي مِجْلِزٍ وَالحَسَنِ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِصَلَاةِ القَادِمِ رَكْعَتَيْنِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُصَلِّي "». رأى أبو حنيفة أن الآثار في هاتين المسألتين معارضة بالحديث الصحيح: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ: أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ». إذ هو صريح في منع الكلام أثناء الخطبة، كما يفيد بطريق الدلالة منع الصلاة أثناءها، لأن فيه المنع من الأمر بالمعروف، وهو أعلى من تحية المسجد، فمنعه منها أولى. وحديث سليك، الذي استدل به ابن أبي شيبة قد جاء في بعض طرقه «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ الخُطْبَةَ حَتَّى فَرَغَ سُلَيْكٌ مِنْ صَلَاتِهِ». أما الآثار التي استدل بها عن التابعين في إباحة الكلام والصلاة أثناء الخطبة فإنها معارضة بآثار عن الصحابة والتابعين في المنع منهما (¬1). وقد روى البخاري حديث جابر عن سليك، مستدلاً به على أن من ¬
28 - القراءة في الجمعة والعيدين
جاء والإمام يخطب فعليه أن يصلي ركعتين خفيفتين. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا دَخَلَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ» (¬1). وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ، وَذَكَرَ ابْنُ العَرَبِيِّ أَنَّهُ رَأْيُ الجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ (¬2). ونسجل هنا ملاحظتين: - أولاهما: أن أبا حنيفة يطبق مبدأه في الإطراد والعموم، فهو يأخذ بحديث صحيح ثم يجعله قاعدة مطردة، ويؤول ما خالفه، على حين أن المحدثين يحاولون الأخذ بكل ما يروى، فيجمعون بينها باسثناء بعضها من بعض، أي بتخصيصها، وقد سبق لذلك كثير من الأمثلة. - الثانية: أن الحديث الذي استدل به أبو حنيفة، لا يؤيده في منع الخطيب من الكلام أثناء الخطبة، لأن النهي عن الكلام متوجه إلى المستمعين، لئلا يتشاغلوا عن الخطبة، وليس فيه نهي عن أن يبدي الخطيب ملاحظة أو يصحح وضعًا. ومحاولة الطحاوي قياس الخطبة على الصلاة محاولة غير مقنعة (¬3). 28 - القِرَاءَةُ فِي الجُمُعَةِ وَالعِيدَيْنِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ [بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}]. وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ¬
29 - صلاة العيد في اليوم الثاني
- صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ بِـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. وَعَنْ زَيْدِ [بْنِ عُقْبَةَ]، عَنْ سَمُرَةَ [بْنِ جُنْدُبٍ] فِي الجُمُعَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَرَأَ عُمَرُ فِي العِيدَيْنِ بِـ: {قَ} وَ {اقْتَرَبَتْ}». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَرِهَ أَنْ تُخَصَّ سُورَةٌ لِيَومِ الجُمُعَةِ وَالعِيدَيْنِ». لا شك أن الأمر بالقراءة مبني على التيسير: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20]، واختلاف الرواية في قراءة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الجمعة، يدل على أنه لم يكن يلتزم سورة معينة فيها، ولسنا نظن بأبي حنيفة أنه رغب عن سنة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو الاقتداء به، ولكنه كره أن تخص الجمعة بسورة معينة، إذا ترتب على ذلك توهم العامة وجوب هذه السورة أو اشتراطها. وقد سبق ذلك في مسألة القراءة في الوتر (¬1). 29 - صَلاَةُ العِيدِ فِي اليَوْمِ الثَّانِي: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ هِلاَلَ شَوَّالٍ [أُغْمِيَ] عَلَيْهِمْ، فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ آخِرَ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ رَأَوُا الهِلاَلَ بِالأَمْسِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إِلَى عِيدِهِمْ مِنَ الغَدِ». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الغَدِ "». لم يحك صاحب " الهداية " خلافًا لأبي حنيفة في هذه المسألة، بل قال: «(فَإِنْ غُمَّ الهِلَالُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الإِمَامِ بِرُؤْيَةِ الهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ صَلَّى العِيدَ مِنْ الغَدِ)؛ لأَنَّ هَذَا تَأْخِيرٌ بِعُذْرٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الحَدِيثُ (فَإِنْ حَدَثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلاَةِ فِي اليَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَهُ)؛ لِأَنَّ الأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ، إلاَّ أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالحَدِيثِ، وَقَدْ وَرَدَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى اليَوْمِ الثَّانِي عِنْدَ العُذْرِ» (¬2). والحديث الذي أشار إليه صاحب " الهداية "، هو نفسه ما رواه ¬
30 - الجلستان في خطبة الجمعة
ابن أبي شيبة، وقد خرجه وذكر الأقوال فيه، الكمال بن الهُمام (¬1). أما الطحاوي فإنه يذكر عن أبي حنيفة روايتين في هذه المسألة: أولاهما رواية أبو يوسف عنه، ولم يحك فيها خلافًا، والثانية: رواية غير أبي يوسف وفيها يذكر خلاف أبي حنيفة وأنه قال: «لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الغَدِ»، واحتج له بأن الحديث يقول: «وَأَنْ يَخْرُجُوا إِلَى عِيدِهِمْ مِنَ الغَدِ». ليس نَصًّا في إرادة صلاة العيد من الغد. بل يجوز أنه أمرهم بذلك ليجتمعوا، أو ليرى كثرتهم فيتناهى ذلك إلى عدوهم فتعظم أمورهم عنده، بدليل أنه كان يؤمر بحضور من لا يصلي في يوم العيد من الحُيَّضِ وَذَوَاتِ الخُدُورِ (¬2). ويلاحظ أن مالكًا، والشافعي، وأبا ثور رأوا رأي أبي حنيفة في هذه المسألة (¬3). 30 - الجِلْسَتَانِ فِي خُطْبَةِ الجُمُعَةِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: «كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ». وَعَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَتَيْنِ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَجْلِسُ إِلاَّ جِلْسَةً وَاحِدَةً "». نسبة هذا القول إلى أبي حنيفة خطأ، فالجلستان والخطبتان موضع اتفاق بين الأئمة. والمراد بالجلستين: الجلسة التي يجلسها الخطيب عند صعود المنبر، وهي سُنَّةٌ بِالاِتِّفَاقِ، والجلسة الفاصلة بين الخطبتين، وهي سنة كذلك، وذهب الشافعي إلى أنها واجبة. ¬
31 - الصلاة في خسوف القمر
جاء في " الهداية ": (وَيُخْطَبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ) بِهِ جَرَى التَّوَارُثُ (وَإِذَا صَعِدَ الإِمَامُ المِنْبَرَ جَلَسَ وَأَذَّنَ المُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيْ المِنْبَرِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ (¬1). 31 - الصَّلاَةُ فِي خُسُوفِ القَمَرِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ [أَبِي بَكْرَةَ] (*)، قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوِ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ». وَعَنْ عَطَاءَ مُرْسَلاً مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «صَلاَةُ الآيَاتِ سِتُّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا يُصَلَّى فِي كُسُوفِ القَمَرِ». يبدو أن ابن أبي شيبة يريد الاعتراض على أبي حنيفة، لنفيه الجماعة في خسوف القمر. وإلا فإن أبا حنيفة يقول بالصلاة في خسوف القمر، لما روي: «إِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلاَةِ» (**). وليس فيما رواه أبو بكر ما يصرح بالجماعة في خسوف القمر. ويرى مالك رأي أبي حنيفة في ذلك (¬2). أما المحدثون فيذهبون إلى أن صلاة خسوف القمر تكون جماعة. قال الترمذي: «وَ [يَرَى] أَصْحَابُنَا، أَنْ تُصَلَّى صَلاَةُ الكُسُوفِ فِي جَمَاعَةٍ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ» (¬3). 32 - صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَاضِعًا، مُبْتَذِلاً [مُتَخَشِّعًا]، مُتَضَرِّعًا مُتَرَسِّلاً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي العِيدِ، وَلَمْ يَخْطُبْ ¬
33 - الصلاة على المقبور
خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ». ثُمَّ رَوَى أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلاِسْتِسْقَاءِ، خَلْفَ عَبْدَ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ [فِي الاِسْتِسْقَاءِ] بَدَأَ بِالصَّلاَة قَبْلَ الْخُطْبَةِ. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا تُصَلَّى صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ فِي [جَمَاعَةٍ]، وَلَا يُخْطَبُ فِيهَا "». ذهب أبو حنيفة إلى أن سنة الاستسقاء هو الاستغفار والابتهال إلى الله والتضرع إليه، وليس فيه صلاة، لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11]. وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَدَخَلَ رَجُلٌ وَقَالَ لَه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُغِيثُنَا، فَدَعَا اللهَ حَتَّى نَزَلَتْ الأَمْطَارُ أُسْبُوعًا، فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فِي الجُمُعَةِ القَابِلَةِ، وَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُمْسِكَهَا عَنَّا، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا "». وقد خالف الصاحبان أبا حنيفة، وذهبا إلى صلاة الاستسقاء والخطبة فيها، ورجح ذلك الطحاوي وذهب إليه (¬1). 33 - الصَّلاَةُ عَلَى المَقْبُورِ: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ بَعْدَمَا دُفِنَتْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا». وَرَوَى «أَنَّهُ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَمَا دُفِنَ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ مَرَّتَيْنِ "». قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: «وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلاَةِ عَلَى القَبْرِ لِمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَى الجَنَازَةِ ; فَقَالَ مَالِكٌ: " لَا يُصَلَّى عَلَى القَبْرِ ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: " لَا يُصَلِّي ¬
34 - الصلاة على الشهيد
عَلَى القَبْرِ إِلَّا الوَلِيُّ فَقَطْ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الجَنَازَةِ وَكَانَ الذِي عَلَيْهَا غَيْرُ وَلِيِّهَا ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ: " يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَازَةِ "». وذكر ابن رشد أن سبب مخالفة مالك الحديث الصلاة على القبر أنه مخالف لما عليه العمل، أما أبو حنيفة فيبدو أن سبب رده له هو أنه خبر آحاد فيما تعم به البلوى (¬1). وقد حمل صاحب " الهداية " حديث الصلاة على المرأة بعد ما دفنت على أنه لَمْ يُصَلَّ عليها من قبل، وحينئذٍ فلا مانع من الصلاة على قبرها، وحمل الكمال بن الهُمام ما روي في الصلاة على الغائب والقبول على الخصوصية (¬2). 34 - الصَّلَاةُ عَلَى الشَّهِيدِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا». - «[وَذُكِرَ] أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ "». سبب الاختلاف هنا هو اختلاف الأحاديث، ما بين مثبت الصلاة على الشهيد، وناف لها، وقد وافق البخاري أبا حنيفة في الصلاة على الشهيد وروى الأحاديث في ذلك، وقال الترمذي: «وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: " لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ "، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وقَالَ بَعْضُهُمْ: " يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ "، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ "، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ» (¬3). ¬
المسائل المنتقدة على أبي حنيفة في الصوم
وقد ذكر الطحاوي أن الأحاديث التي نفت الصلاة على شهداء أحد، قد نفت أن يكون الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد صلى عليهم ولكنها لم تنف أن يكون قد صلى عليهم غيره، فقد كان - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - جَرِيحًا مُتْعَبًا في هذه الغزوة (¬1). وبذلك يتبين أن أبا حنيفة لم يخالف الآثار، وإنما رجح بين الأحاديث المختلفة، ووافقه البخاري، والثوري، وإسحاق، وابن ماجه. المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّوْمِ: 1 - صَوْمُ الوَلَدِ عَنْ وَالِدَيْهِ: أو هل تجزئ العبادة إذا قام بها الولي نيابة عن الميت؟ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَقَالَ: «اقْضِهِ عَنْهَا». وَبِسَنَدِهِ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إِنَّهُ كَانَ عَلَى أُمِّي صَوْمُ شَهْرَيْنِ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «صُومِي عَنْهَا» , قَالَ: «لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ قَضَيْتِهِ أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهَا؟» قَالَتْ: بَلَى , قَالَ: «فَصُومِي عَنْهَا». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ سِنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الجُهَنِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَتْهُ عَمَّتُهُ (*)، أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: [يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى الكَعْبَةِ نَذْرًا] فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَتَسْتَطِيعِينَ تَمْشِيَ عَنْهَا؟ " قَالَتْ: " نَعَمْ " , قَالَ: " فَامْشِي عَنْ أُمِّكَ " , قَالَتْ: " أَوَ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهَا؟ " قَالَ: " نَعَمْ " , قَالَ: " أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قَضَيْتِهِ هَلْ كَانَ يُقْبَلُ مِنْكَ؟ " قَالَتْ: " نَعَمْ " , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ "». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ "». ¬
وهذه الأحاديث تشير إلى مسألتين: الصوم عن الميت، والحج عنه. ويدخلان في دائرة العبادات. وقد قسم العلماء العبادات ثلاثة أقسام: أ - بدنية محضة، كالصلاة والصيام والطهارة من الحدث. ب - مالية محضة، كالزكاة. ج - مركبة منهما كالحج والكفارات. وقد أجازوا النيابة في العبادات المالية المحضة، وأجازها بعضهم في الحج، منهم أبو حنيفة، ومنعوها في البدنية المحضة، فانتقاد ابن أبي شيبة هنا مركز على منع أبي حنيفة الصيام عن الميت. والصيام عن الميت مجال خلاف كبير، حكى فيه ابن العربي عدة أقوال بعد أن حكى الاتفاق على أنه لا يصلي أحد عن أحد حَيًّا: فذهب أبو حنيفة ومالك والثوري والشافعي، إلى «أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ المَيِّتُ قَادِرًا عَلَى القَضَاءِ فِي حَيَاتِهِ، نَذْرًا كَانَ الصِّيَامُ أَوْ فَرْضًا». وقال الأوزاعي: «يَتَصَدَّقُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْهُ». وقال أحمد وإسحاق: «يُصَامُ عَنْ المَيِّتِ فِي النَّذْرِ، وَيُطْعِمُ عَنْهُ فِي الفَرْضِ»، ويؤيدهم ما رواه أبو داود في ذلك عن ابن عباس. وقال الحسن: «يَقْضِي وَلِيُّ المَيِّتِ مَا فَاتَهُ مِنْ صِيَامِهِ»، وإليه ذهب البخاري وأهل الظاهر. وهذه المسألة فيها بحوث طويلة يخرجنا التعرض لها عما قصدناه من هذا الفصل، وهو بيان وجهات النظر في حدود خاصة. أما سبب خلاف أبي حنيفة هنا فهو معارضة أحاديث الصيام عن الميت للأصول العامة ولقوله تعالى: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38]، وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، ومعه في ذلك الشافعي والثوري ومالك
2 - كفارة الصوم
الذي قال: «وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلاَ مِنَ التَّابِعِينَ - رَضِي اللهُ عَنْهُمْ - بِالمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي عَنْ أَحَدٍ». قال ابن العربي المالكي (*): «إِنَّ الذِي أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ هَدَمَ الأَصْلَ الذِي دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وَمُرَاعَاةُ القَوَاعِدِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الأَلْفَاظِ». والواقع أن هذه المسألة مما يبرز الفرق بين الفقهاء، والمحدثين، وأهل الظاهر: فالفقهاء لم يأخذوا بظاهر هذه الأحاديث وحملوها على الإطعام لأن الحي يصوم أحيانًا ببدنه، ويطعم أحيانًا بدلاً من الصيام عندما يكون شيخًا كبيرًا مثلاً، فمعنى صيام الولي عن الميت هنا أي الصيام الذي تمكن فيه النيابة، وهو الصدقة. أما أهل الحديث فقد أخذوا بالنيابة في العبادات التي جاءت فيها أحاديث، ولم يقتبسوا عليها غيرها ولم يتعدوها، أما أهل الظاهر فقد عمموا الحديث «فَاقْضُوا اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ»، «فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى»، حتى قال ابن حزم: «فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلاَةً صَلاَّهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ صَوْمًا كَذَلِكَ، أَوْ حَجًّا كَذَلِكَ، أَوْ عُمْرَةً كَذَلِكَ، أَوْ اعْتِكَافًا كَذَلِكَ، أَوْ ذِكْرًا كَذَلِكَ، وَكُلَّ بِرٍّ كَذَلِكَ» (¬1). 2 - كَفَّارَةُ الصَّوْمُ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " هَلَكْتُ " , قَالَ: " وَمَا أَهْلَكَكَ؟ "، قَالَ: " وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ " , قَالَ: " أَعْتِقْ رَقَبَةً " , قَالَ: " لَا أَجِدُ " , قَالَ: ¬
" صُمْ شَهْرَيْنِ " , قَالَ: " لَا أَسْتَطِيعُ " , قَالَ: " أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا " , قَالَ: " لَا أَجِدُ " , قَالَ: " اجْلِسْ " , فَجَلَسَ , فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ ـ إِذْ أُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ , قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اذْهَبْ فَتَصَدَّقْ بِهِ " , قَالَ: " وَالذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ , مَا بَيْنَ لَابَتَيْ المَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنَّا " , فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ , ثُمَّ قَالَ: " انْطَلِقْ , فَأَطْعِمْهُ عِيَالَكَ "». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ عِيَالَهُ "». قول أبي حنيفة هنا هو قول الجمهور، حيث قالوا: إن الإعسار لا يسقط الكفارة، وإنما تكون دينًا في الذمة إلى حين اليسار. والنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث السابق، قد أثبت الكفارة على الرجل رغم إعساره ثم أذن له في أكلها ولم يخبره بسقوط ما وجب عليه. وذهب بعضهم إلى تفسير الحديث السابق بأنه خصوصية لهذا الرجل، وَنَقَلُوا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً [قَالَ] ذَلِكَ اليَوْمَ لَمْ تَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ» (¬1). وبعد أن روى الترمذي الحديث السابق، نقل عن الشافعي أنه قال: «وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلِ الَّذِي أَفْطَرَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ: " خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ". يَحْتَمِلُ هَذَا مَعَانِيَ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَهَذَا رَجُلٌ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الكَفَّارَةِ، فَلَمَّا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا وَمَلَكَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: " مَا أَحَدٌ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنَّا "، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ "، لأَنَّ الكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الفَضْلِ عَنْ قُوتِهِ. وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الحَالِ أَنْ يَأْكُلَهُ وَتَكُونَ الكَفَّارَةُ عَلَيْهِ دَيْنًا، فَمَتَى مَا مَلَكَ يَوْمًا مَا كَفَّرَ» (¬2). ¬
ما انتقده ابن أبي شيبة على أبي حنيفة في الزكاة
مَا انْتَقَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الزَّكَاةِ: 1 - الصَّدَقَةُ عَلَى الفَقِيرِ الصَّحِيحِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ»، ثُمَّ قَالَ: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَخَّصَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ. وَقَالَ: " جَائِزَةٌ "». هذه المسألة في الصدقة على الغني، والفقير الصحيح. وقد ذكر الترمذي في ذلك ما يؤيد أبا حنيفة، فَقَدْ رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: «خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ». قَالَ التِرْمِذِيُّ: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ قَالُوا: " إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّدَقَةُ "». قَالَ: «وَلَمْ يَذْهَبْ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى [حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ]، وَوَسَّعُوا فِي هَذَا، وَقَالُوا: إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الفِقْهِ وَالعِلْمِ». ثُمَّ ذَكَرَ التِرْمِذِيُّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ السَّابِقِ، وَبَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ فِي إِسْنَادِهِ، قَالَ: «وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ قَوِيًّا مُحْتَاجًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ، أَجْزَأَ عَنِ المُتَصَدِّقِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَوَجْهُ هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى المَسْأَلَةِ» (¬1). ¬
2 - حكم الأوقاص في الزكاة
فخلاف أبي حنيفة هنا سببه الخلاف في فهم الحديث، وقد فهم أهل العلم مثل ما فهم أبو حنيفة، كما نقلنا عن الترمذي، وللطحاوي في ذلك بحث ممتع (¬1). 2 - حُكْمُ الأَوْقَاصِ فِي الزَّكَاةِ: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا [إِلَى الْيَمَنِ] وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ [مِنَ البَقَرِ] مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، فَسَأَلُوهُ عَنْ فَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ حَتَّى سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " لَا تَأْخُذْ شَيْئًا "». وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «لَيْسَ [فِيهِمَا] شَيْءٌ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " فِيهَا بِحِسَابِ مَا زَادَ "». الأوقاص: جمع وقص، وما هو ما بين العددين اللذين يجب فيهما الزكاة. وقيل: إن معنى الأوقاص صغار الإبل. وعن أبي حنيفة فيما بين السنين - أعني ما بين الثلاثين إلى الأربعين، وما بين الأربعين إلى الستين - ثلاث روايات: الأولى - ما ذكره ابن أبي شيبة، والثانية - أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين، فيكون فيها مسنة وربع، الثالثة - لا شيء في الزيادة حتى تبلغ ستين، وهو قول الصاحبين (¬2). قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: «وَسَبَبُ اخْتِلاَفِ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ فِي الوَقْصِ فِي البَقَرِ: ¬
3 - زكاة الخيل والرقيق
أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ هَذَا - وكان قد ذكر أنه غير متفق على صحته - أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الأَوْقَاصِ وَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ فِيهَا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ وَجَدَهُ قَدْ تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ طَلَبَ حُكْمَهُ مِنْ طَرِيقِ القِيَاسِ، فَمَنْ قَاسَهَا عَلَى الإِبِلِ وَالغَنَمِ لَمْ يَرَ فِي الأَوْقَاصِ شَيْئًا، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الأَصْلَ فِي الأَوْقَاصِ الزَّكَاةُ إِلاَّ مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ فِي البَقَرِ وَقْصٌ، إِذْ لَا دَلِيلَ هُنَالِكَ مِنْ إِجْمَاعٍ وَلَا غَيْرِهِ» (¬1). 3 - زَكَاةُ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَدْ جَاوَزْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ». «وَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ النَّاسُ: " يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ , خَيْلُنَا وَرَقِيقُنَا , أَفْرِضْ عَلَيْنَا عَشَرَةً عَشَرَةً " , قَالَ: " أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَفْرِضُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ "». «وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " لَيْسَ عَلَى الفَرَسِ الغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ "». «كَمَا رَوَى عَنْ ابْنِ المُسَيَّبِ، وَعُمَرَ ابْنَ عَبْدِ العَزِيزِ وَمَكْحُولٍ أَنْ لَا صَدَقَةَ فِيهَا». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِنْ كَانَتْ خَيْلٌ فِيهَا ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ يُطْلَبُ نَسْلُهَا فَفِيهَا صَدَقَةٌ "». حمل أبو حنيفة حديث أبي هريرة السابق على عبد الخدمة، وفرس الركوب، لأن هذه الإضافة إضافة خاصة، بدليل أنهم قد اتفقوا على أن في عبيد التجارة وخيل التجارة صدقة. قال الترمذي بعد أن روى حديث أبي هريرة: «وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، أَنَّهُ لَيْسَ فِي الخَيْلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِي الرَّقِيقِ إِذَا كَانُوا لِلْخِدْمَةِ صَدَقَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ، فَإِذَا كَانُوا ¬
4 - حكم الخرص في التمر
لِلتِّجَارَةِ فَفِي أَثْمَانِهِمُ الزَّكَاةُ إِذَا حَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ» (¬1). وفي بعض الروايات أن عمر بن الخطاب أخذ الزكاة من الخيل، ومما يؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد ذكر الخيل فقال: «الخَيْلُ ثَلاَثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ، ... وَأَمَّا الذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وَتَجَمُّلاً، وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا» (*). ففي هذا دليل على أن للهِ فيها حقًا. وهو كحقه في سائر الأموال التي تجب فيها الزكاة. وقد حقق الطحاوي في هذه المسألة، ورجح قول الصاحبين، وهو قول أهل الحديث (¬2). فسبب الخلاف هنا هو الاجتهاد في فهم الحديث. 4 - حُكْمُ الخَرْصِ فِي التَّمْرِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ أَنْ يَخْرُصَ الَعِنَبَ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلَ، فَتُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا، كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا، فَتِلْكَ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّخْلِ وَالَعَنَبِ». وَعَنِ الشَّعْبِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ، فَخَرَصَ عَلَيْهِمَ النَّخْلَ». وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِذَا خَرَصْتُمْ، فَخُذُوا وَدَعُوا». وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَصَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ، - يَعْنِي خَيْبَرَ -، أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ، وَزَعَمَ أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا خَيَّرَهُمَ ابْنُ رَوَاحَةَ أَخَذُوا التَّمْرَ، وَعَلَيْهِمْ عِشْرُونَ أَلْفَ وَسْقٍ». ¬
5 - ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
وَعَنْ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ أَبَا حَثْمَةَ خَارِصًا لِلنَّخْلِ». - وذُكِرَ «أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ لَا يَرَى الخَرْصَ». قال ابن العربي في " شرحه على الترمذي ": «لَيْسَ فِي الخَرْصِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ إِلَّا وَاحِدٌ لَمْ يَرْوِهِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ هُنَا وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِوَادِيَ القُرَى - فِي طَرِيقِهِ إِلَى تَبُوكَ -، فَإِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: " اخْرُصُوا "، وَخَرَصَ هُوَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: " أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا " وَعِنْدَمَا عَادَ سَأَلَ المَرْأَةَ: " كَمْ جَاءَتْ حَدِيقَتُكِ؟ " قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ» (¬1). وهذا الحديث الصحيح ليس فيه نص على تحكيم الخرص هنا، وإلزام صاحب المال بما يؤدي إليه، بل أمره - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بالإحصاء، يدل على أن الخرص ليس محتمًا، وإنما هو لمجرد التوثق والاطمئنان، أو هي مسابقة لقوة الفراسة، نشبه مسابقته - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لأصحابه في ركوب الإبل. فسبب الخلاف هنا هو الاختلاف في تصحيح الأحاديث المروية التي ذكرها ابن أبي شيبة، وقد ذهب الثوري إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، مع علمه بالآثار والسنن (¬2). 5 - لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ: رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ». - «وذُكِرَ أَنَّ أبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " فِي قلِيلِ مَا يَخْرُجُ وَكَثِيرِهِ صَدَقَةٌ "». ¬
6 - حكم التصدق على آل محمد - صلى الله عليه وسلم -
خالف أبو حنيفة الجمهور في هذه المسألة، وسبب الخلاف وجود حديثين متعارضين، أحدهما خاص، يوجب الزكاة في ثمار الأرض إذا بلغت النصاب وهو خمسة أوسق، والوسق، ستون صَاعًا، وهو الحديث المذكور هنا. وثانيهما عام يوجب العشر أو نصف العشر في كثير ما أخرجت الأرض وقليله. وكلا الحديثين صحيح. وقد رأى أبو حنيفة أن في الحديثين تعارضًا بين العام والخاص، ودلالة العام عنده قطعية كالخاص، وإذا تعارضا قدم الأحوط وهو الوجوب، وأيد ما ذهب إليه بالعموم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]، وقوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]. أما الجمهور فلم ير تعارضًا بين الحديثين، بل أحدهم يخصص الآخر، أو يفسره. وقد روى البخاري حديث «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ»، ثم روى عقبه حديث «لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، ثم قال: «هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ [إِذَا] قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " وَيُؤْخَذُ أَبَدًا فِي العِلْمِ بِمَا زَادَ أَهْلُ الثَّبَتِ أَوْ بَيَّنُوا» (¬1). فاختلاف وجهتي النظر في مختلف الحديث هو سبب الخلاف هنا. 6 - حُكْمُ التَّصَدُّقِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ آثَارًا كَثِيرَةً تُفِيدُ أَنَّ الصَّدَقَةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى آلِ الرَّسُولِ ¬
- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوَالِيهِمْ، ثم قال: - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " الصَّدَقَةُ تَحِلُّ لِمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِم "». ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، أن الصدقة لا تحل لبني هاشم، وفي رواية عنه أنه يجوز في هذا الزمان، وإن كان ممتنعًا في زمن النبي، وفي رواية ثالثة أنه يجوز أن يدفع إلى بعض بني هاشم بعض زكاتهم (¬1). وقد بحث الطحاوي هذا الموضوع، وبعد أن أكد أن الصدقة لا تحل لبني هاشم، ذكر أن ذلك هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، ثم قال: «وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا بَأْسَ بِالصَّدَقَاتِ كُلِّهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ. وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا إِلَى أَنَّ الصَّدَقَاتِ إِنَّمَا كَانَتْ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَا جُعِلَ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ مِنْ سَهْمِ ذَوِي القُرْبَى. فَلَمَّا انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَرَجَعَ إِلَى غَيْرِهِمْ , بِمَوْتِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حَلَّ لَهُمْ بِذَلِكَ مَا قَدْ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ كَانَ أُحِلَّ لَهُمْ "» (¬2). فعلى ظاهر الرواية لم يخالف أبو حنيفة الحديث، وعلى غيرها فقد استنبط علة الحديث، يتحقق الحكم بوجودها هنا، وينتفي بانتفائها. وقد قال أبو بكر الأبهري من المالكية: «إِنَّ صَدَقَةَ الفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ تَحِلُّ لَهُمْ» (¬3). ¬
المسائل المنتقدة على أبي حنيفة في الحج
المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الحَجِّ: 1 - إِشْعَارُ الهَدْيِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْعَرَ فِي الأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ بِيَدِهِ». وَعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، خَرَجَ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدْيَ، وَأَشْعَرَ، وَأَحْرَمَ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " الإِشْعَارُ مُثْلَةٌ "». عرض ابن العربي المالكي رأي أبي حنيفة في هذه المسألة، فقال: «إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الإِشْعَارَ مُثْلَةٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا أَشَعَرَ البُدْنَ لِئَلَّا تَنَالَهَا يَدُ المُشْرِكِينَ وَقَدْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا وَيَجْتَنِبُونَهَا، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الإِسْلَامُ سَقَطَ ذَلِكَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ التَّخْيِيرَ فِيهِ، وَعَنْ عَائِشَةَ الرُّخْصَةَ فِي تَرْكِهِ، فَرَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّرْكَ، لِأَنَّهُ جِهَةُ المُثْلَةِ. وَهِيَ حَرَامٌ، وَتَرْكُ النَّدْبِ أَوْلَى مِنْ اقْتِحَامِ التَّحْرِيمِ» (¬1). وقد ذكر الترمذي بعد أن روى حديث الإشعار، أن وكيعًا قال بعد روايته لهذا الحديث: «لَا تَنْظُرُوا إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْيِ فِي هَذَا، فَإِنَّ الإِشْعَارَ سُنَّةٌ، وَقَوْلُهُمْ بِدْعَةٌ». وَقَالَ وَكِيعٌ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ: «أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ؟ قَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: " الإِشْعَارُ مُثْلَةٌ "، ¬
2 - وجوب الدم على المحرم، إذا لبس السراويل بعذر
فَغَضِبَ وَكِيعٌ وَقَالَ: " أَقُولُ لَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ، مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ، ثُمَّ لَا تَخْرُجَ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِكَ هَذَا "» (¬1). والواقع أن أبا حنيفة ليس له حجة مقنعة في هذا الموضع، ولا يغني اعتذار الكوثري عنه بأن الناس [كانوا] يبالغون في الإشعار زمنه، إذ لو كان ذلك كذلك، لكان عليه أن يدلهم على كيفية الإشعار المسنون، لا أن يرفضه جملة، ويقيسه على المثلة المحرمة (¬2). 2 - وُجُوبُ الدَّمِ عَلَى المُحْرِمِ، إِذَا لَبِسَ السَّرَاوِيلَ بِعُذْرٍ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا لَمْ يَجِدَ المُحْرِمُ إِزَارًا، فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ». وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ أَوْ مَا يَتْرُكُ المُحْرِمُ؟ قَالَ: " لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا الخُفَّيْنِ، إِلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدَ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ "». - «وذُكِرَ أنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَفْعَلُ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ "». بَيَّنَ الطحاوي رأي أبي حنيفة في هذه المسألة أحسن بيان موضحًا أن حديث ابن عباس الذي رواه ابن أبي شيبة هنا مطلق قد قيده ما بعده من حديث ابن عمر، حيث أمر بقطع النعلين أسفل الكعبين، حتى يكون هناك فرق بين المحل والمحرم، وأبو حنيفة يقول بذلك، وعلى فرض أنه لم يقطعهما، فإن أبا حنيفة لم يخالف حديث ابن عباس بل قال به عند الضرورة، إلا أنه قد أوجب عليه كفارة، والحديث ساكت عن وجوب ¬
الكفارة أو عدم وجوبها يلتمسن ذلك من دليل آخر، وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من آذته الهوام في رأسه أن يحلق، وعليه فدية. قال الطحاوي بعد أن روى الآثار التي يتمسك بها مخالفو أبي حنيفة: «فَذَهَبَ إِلَى هَذِهِ الآثَارِ قَوْمٌ فَقَالُوا: مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَبِسَ سَرَاوِيلاً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ لُبْسِ المُحْرِمِ الخُفَّ وَالسَّرَاوِيلَ [عَلَى الضَّرُورَةِ] فَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَنُبِيحُ لَهُ لُبْسَهُ لِلضَّرُورَةِ التِي هِيَ بِهِ. وَلَكِنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الكَفَّارَةَ وَلَيْسَ فِيمَا رَوَيْتُمُوهُ نَفْيٌ لِوُجُوبِ الكَفَّارَةِ، وَلَا فِيهِ وَلَا فِي قَوْلِنَا خِلاَفٌ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ: لَا يَلْبَسُ الخُفَّيْنِ إِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَلَا السَّرَاوِيلَ إِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا. وَلَوْ قُلْنَا ذَلِكَ كُنَّا مُخَالِفِينَ لِهَذَا الحَدِيثِ وَلَكِنَّا قَدْ أَبَحْنَا لَهُ اللِّبَاسَ كَمَا أَبَاحَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الكَفَّارَةَ بِالدَّلاَئِلِ القَائِمَةِ المُوجِبَةِ لِذَلِكَ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ " عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُمَا مِنْ تَحْتِ الكَعْبَيْنِ فَيَلْبَسُهُمَا كَمَا يَلْبَسُ النَّعْلَيْنِ. وَقَوْلُهُ: " مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَيَلْبَسُ (*) سَرَاوِيلاً " عَلَى أَنْ يَشُقَّ السَّرَاوِيلَ فَيَلْبَسُهُ كَمَا يَلْبَسُ الإِزَارَ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الحَدِيثُ أُرِيدَ بِهِ هَذَا المَعْنَى فَلَسْنَا نُخَالِفُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ وَنُثْبِتُهُ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الخِلاَفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي التَّأْوِيلِ لَا فِي نَفْسِ الحَدِيثِ لِأَنَّا قَدْ صَرَفْنَا الحَدِيثَ إِلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُهُ». ثم يقول الطحاوي وكأنه يوجه كلامه إلى ابن أبي شيبة: «فَاعْرِفُوا مَوْضِعَ خِلاَفِ التَّأْوِيلِ مِنْ مَوْضِعِ خِلاَفِ الحَدِيثِ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَا تُوجِبُوا ¬
3 - الأكل من الهدي
عَلَى مَنْ خَالَفَ تَأْوِيلَكُمْ خِلاَفًا لِذَلِكَ الحَدِيثِ» (¬1). وقد ذكر الترمذي أن القول بقطع الخف من الكعب لمن لا يجد نعلاً هو قول الثوري والشافعي ومالك. وإن لبس الخف مقطوعًا ثم لم يجد نعلاً ذكر ابن العربي أن مالكًا وغيره يقول: «عَلَيْهِ الفِدْيَةَ»، وأن أبا حنيفة قال: «لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ» (¬2). 3 - الأَكْلُ مِنَ الهَدْيِ: وَبِسَنَدِهِ مِنْ طُرُقٍ عِدَّةٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الأَكْلِ مِنَ الهَدْيِ إِذَا عَطَبَ قَبْلَ وُصُولِهِ المَحَلَّ، بَلْ تُنْحَرُ، وَيُخَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الرَّفِقَةِ "». لم يخالف أبو حنيفة الحديث في هذه المسألة، لأن ما ذكره ابن أبي شيبة فيها إنما هو في هدي التطوع، وقد ذكر ابن رشد أنهم أجمعوا أن هدي التطوع إذا هلك قبل أن يبلغ محله خلى بينه وبين الناس، ولم يأكل منه، وزاد داود: «وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رِفْقَتِهِ»، لزيادة جاءت في بعض الأحاديث (*) فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا «كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ مَكَانَهُ» عِنْدَ مَالِكٍ، وَكَانَ «عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ» عند أبي حنيفة والشافعي والثوري وأحمد، وَأَمَّا الْهَدْيُ الْوَاجِبُ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ بَدَلَهُ (¬3). ويقول الترمذي: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ: إِذَا عَطِبَ لَا يَأْكُلُ هُوَ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِهِ، وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهُ، وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، ¬
4 - ركوب الهدي
وَقَالُوا: " إِنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا غَرِمَ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ " وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: " إِذَا أَكَلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ شَيْئًا فَقَدْ ضَمِنَ الَّذِي أَكَلَ "» (¬1). 4 - رُكُوبُ الهَدْيِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارْكَبُوا الهَدْيَ بِالْمَعْرُوفِ، حَتَّى تَجِدُوا ظَهْرًا». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً، فَقَالَ: " ارْكَبْهَا "، قَالَ: " إِنَّهَا بَدَنَةٌ "، قَالَ: " وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً "». وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُ ذَلِكَ مَرْفُوعًا، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا تُرْكَبُ إِلَّا أَنْ يُصِيبَ صَاحِبَهَا جُهْدٌ "». في بعض روايات هذا الحديث ما يفيد أن الرجل المأمور بركوب الهدي كَانَ مُجْهَدًا، وفي لفظ أبي داود: «ارْكَبْهَا بِالمَعْرُوفِ، إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا». وقد ذكر ابن رشد أن جمهور فقهاء الأمصار كره ركوبها من غير ضرورة، وأن أهل الظاهر قد ذهبوا إلى جواز ركوبها من غير ضرورة بل أوجب بعضهم ركوبها (¬2). فسبب الخلاف هنا هو اختلاف الحديث، ومع أبي حنيفة في ذلك جمهور العلماء، وإن كان الترمذي قد فرق بين الحاجة والضرورة فذكر أن أحمد وإسحاق والشافعي أجازوا له ركوب الهدي إذا احتاج إلى ذلك، وأن بعض العلماء قال: " لَا يَرْكَبُ مَا لَمْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا " (¬3). 5 - المَرْأَةُ تُهِلُّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ تَحِيضُ: وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: ¬
«خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ "، قَالَتْ: " فَكَانَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ "، قَالَتْ: " فَكُنْت أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ "، قَالَتْ: " فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِي، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: " دَعِي عُمْرَتَكَ، وَانْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ "، قَالَتْ: " فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّنَا، أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَن بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْدَفَنِي وَخَرَجَ بِي إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلاَ صَدَقَةٌ، وَلاَ صَوْمٌ "». ثم روى إفتاء عطاء ومجاهد بذلك ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " تَكُونُ رَافِضَةً [لِلْحَجِّ] (*) وَعَلَيْهَا دَمٌ وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا "». اعتراض ابن أبي شيبة هنا مبني على أن العبارة التي جاءت في آخر الحديث السابق وهي: «لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صَوْمٌ». من كلام عائشة، والحقيقة أنه ليس من كلامها بل من كلام هشام بن عروة (**) أدرجه في حديثها، وقد نص البخاري على أن هذه العبارة من كلام هشام فيما رواه في كتاب الحيض (¬1). وقد قال أبو حنيفة بما يوافق هذا الحديث تمامًا، كما قال بوجوب الهدي لرفضها العمرة، وقد روى محمد بن الحسن في " الحجج " عن أبي قلابة «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فِي عُمْرَتِهَا بَقَرَةً». يعني تلك العمرة التي رفضتها. وقد ناقش محمد أهل المدينة فيما ذهبوا إليه من أن الحائض حينئذٍ تعتبر مثل من قرن بالحج والعمرة، فتطوف بالبيت طوافًا واحدًا وهو طواف الزيارة لحجتها وعمرتها، وكان عليها ¬
6 - حكم من أخر المناسك بعضه عن بعض
هدي. فأما العمرة من التنعيم فجعلوها على الاستحباب والتخيير وأثبت أن عائشة لم تكن قارنة (¬1). 6 - حُكْمُ مَنْ أَخَّرَ المَنَاسِكَ بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ، فَقَالَ: " حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ " قَالَ: " فَاذْبَحْ وَلَا حَرَجَ "، قَالَ: " ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ " قَالَ: " اِرْمِ وَلَا حَرَجَ "». ثم روى مثل ذلك عن ابن عباس، وعلي، وجابر، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " عَلَيْهِ دَمٌ "». ذكر الطحاوي أن رفع الحرج هنا يحتمل أن يكون ذلك إباحة لعدم الترتيب بين المناسك وتوسعة منه في ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك لرفع الإثم أي لا حرج عليكم فيما فعلتموه من هذا لأنكم فعلتموه على الجهل منكم به لا على التعمد، ويؤيد هذا الاحتمال الثاني ما جاء في روايات صحيحة من التصريح بأن ذلك كان عن نسيان أو جهل (¬2). وقد نقل محمد عن أبي حنيفة في الذي يجهل فيحلق قبل أن يرمي أنه لا شيء عليه (¬3). فالاختلاف هنا هو اختلاف في فهم الحديث وتأويله، وليس مخالفة له. 7 - تَخْمِيرُ رَأْسَ مَنْ مَاتَ مُحْرِمًا: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يُغَطَّى رَأْسُهُ "». حمل أبو حنيفة ومالك هذا الحديث على الخصوص. قال ابن العربي: ¬
8 - حرم المدينة
«لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ إِحْرَامَ كُلِ مَيِّتٍ بَاقٍ، وَأَنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّي، لَقُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي بَقَاءِ حُكْمِ الإِحْرَامِ عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا عَلَّلَ إِبْقَاءَ حُكْمِ الإِحْرَامِ عَلَيْهِ، بِمَا عَلِمَ أَنَّهُ يُبْعَثُ وَهُوَ يُلَبِّي، وَهُوَ أَمْرٌ مُغَيَّبٌ، فَلَمْ يَصِحَّ لَنَا أَنْ نَرْبِطَ بِهِ حُكْمًا ظَاهِرًا» (¬1). 8 - حَرَمُ المَدِينَةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ المَدِينَةِ لَا يُقْتَلُ صَيْدُهَا، وَلَا يُقْطَعُ عُضَاهَا، كَمَا حُرِّمَتْ مَكَّةُ. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ "». اختلف العلماء في هذه الأحاديث، هل المراد تحريم قطع شجرها وأخذ صيدها، أم المراد إبقاء زينتها؟. وقد ذهب إلى الأول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وإلى الثاني ذهب أبو حنيفة والثوري وابن المبارك. ومن قال بتحريمها لا يرى الجزاء على من قطع شجرها أو أخذ صيدها. وقد استدل الفريق الثاني بـ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ الأَشْجَارِ عِنْدَ بِنَاءِ مَسْجِدِهِ» وأنه قال لأحد الصبية: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» وأنه قال لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ تَصِيدُ بِالعَقِيقِ , لَشَيَّعْتُكَ إِذَا ذَهَبْتَ , وَتَلَقَّيْتُكَ إِذَا جِئْتَ فَإِنِّي أُحِبُّ العَقِيقَ» (¬2). فالاختلاف هنا هو اختلاف في تأويل الحديث. ¬
المسائل المنتقدة على أبي حنيفة في النكاح والطلاق
المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ: 1 - النِّكَاحُ بِوَلِيٍّ: (*). رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ لَمْ يُنْكِحْهَا الوَلِيُّ، أَوِ الوُلاَّةُ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، - قَالَهَا ثَلاَثًا -، فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا، فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ». وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: " جَائِزٌ إِذَا كَانَ كُفْئًا "». ضَعَّفَ الطحاوي هذين الحديثين: أما أولهما، فلأنه مروي عن ابن شهاب الزهري وقد سئل عنه فلم يعرفه، وحتى لو صح فإن عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - لم تعمل به، بل عملت بخلافه، حيث زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا للمنذر بن الزبير، وعمل الراوي بخلاف ما رواه يُضَعِّفُ الحَدِيثَ، أو يدل على النسخ. أما الحديث الثاني فقد أثبت الطحاوي أنه منقطع، وعلى فرض صحته فإن «الوَلِيَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَقْرَبُ العَصَبَةِ إِلَى المَرْأَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ [يَكُونَ ذَلِكَ الوَلِيُّ] مَنْ تُوَلِّيهِ المَرْأَةُ مِنَ الرِّجَالِ , قَرِيبًا كَانَ مِنْهَا أَوْ بَعِيدًا ... وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ [هُوَ الَّذِي] إِلَيْهِ وِلَايَةُ البُضْعِ مِنْ وَالِدِ الصَّغِيرَةِ , أَوْ مَوْلَى الأَمَةِ أَوْ بَالِغَةٍ حُرَّةٍ لِنَفْسِهَا ... واللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]. [فَقَالَ قَوْمٌ]: وَلِيُّ الحَقِّ , هُوَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ , فَإِذَا كَانَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ يُسَمَّى وَلِيًّا , كَانَ مَنْ لَهُ البُضْعُ أَيْضًا يُسَمَّى وَلِيًّا لَهُ». ثم يحتج الطحاوي لما ذهب إليه أبو حنيفة بقوله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا , وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا , وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» (¬1). ¬
2 - أقل المهر
والواقع أن هذه المسألة من المسائل الهامة التي تميز مذهب أبي حنيفة، والتي يبدو للوهلة الأولى أنه أول من قالها، مع أن له فيها سلفًا، فقد كان مذهبه فيما هو مذهب الشعبي والزهري، ذكر ذلك ابن رشد، كما ذكر أن سبب الخلاف في هذه المسألة أنه لم تأت فيها آية ولا سنة ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح فضلاً عن أن يكون في ذلك نص، والآيات والسنن التي يحتج بها الطرفان كلها محتملة، كما أن الأحاديث مختلف في صحتها (¬1). 2 - أَقَلُّ المَهْرِ: وَبِسَنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ نِكَاحَ رَجُلٍ تَزَوَّجَ عَلَى نَعْلٍ، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: «انْطَلِقْ، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، فَعَلِّمْهَا مِنَ القُرْآنِ». وَأَنَّهُ قَالَ: «مَنْ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فَقَدَ اسْتَحَلَّ». وَخَطَبَ - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - فَقَالَ: «" أَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ "، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللهِ، مَا العَلاَئِقُ بَيْنَهُمْ؟ " قَالَ: " مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ أَهْلُوهُمْ "». وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ تَزَوَّجَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ [مِنْ ذَهَبٍ]، قُوِّمَتْ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا». وَعَنْ الحَسَنِ [قَالَ]: «مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجُ وَالمَرْأَةُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ مَهْرٌ». وَسُئِلَ الحَسَنُ: «مَا أَدْنَى مَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: " نَوَاةٌ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ "». وَعَنْ سَعِيدٍ بْنِ المُسَيَّبِ قَالَ: «لَوْ رَضِيَتْ بِسَوْطٍ كَانَ مَهْرًا». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَتَزَوَّجُهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ "». 3 - هَلْ يَكُونُ العِتْقُ صَدَاقًا؟: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: " أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا، جَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا "». وَعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الرَّجُل أُمَّ وَلَدِهِ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا». وَ «عَنْ ابْنِ المُسَيَّبِ مِثْلُ ذَلِكَ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَجُوزُ إِلَّا بِمَهْرٍ "». ذهب أهل الحديث إلى أن المهر قد يكون غير مال، من عتق أو تعليم، ¬
4 - الطلاق قبل النكاح
أو منفعة تؤدى للمرأة. كما ذهبوا إلى أن المهر إذا كان مالاً، فلا حد لأقله بل ما تراضوا عليه. أما كون العتق صداقًا، فقد منعه فقهاء الأمصار، ما عدا أحمد وداود وأهل الحديث، وذهبوا إلى أن جعل العتق صداقًا كان خاصًا بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما اختص بجواز هبة المرأة نفسها له. أما بالنسبة لتحديد أقل المهر، فقد ذهب إليه مالك وأبو حنيفة، إلا أن مالكًا حدده بربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الفضة، وحدد أبو حنيفة أقل المهر بعشرة دراهم لحديث يروى في ذلك. ولئن صحت دعوى الخصوصية بالنسبة للعتق في جعله صداقًا، فإن الآثار الكثيرة التي تروى في عدم أقل المهر، أقوى مما يعارضها (¬1). 4 - الطَّلاَقُ قَبْلَ النِّكَاحِ: وَبِسَنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا طَلاَقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْق إِلاَ بَعْدِ مِلْكٍ». وَعَنْ عَائِشَةَ: «لَا طَلاَقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ». وَعَنْ طَاوُوسٍ، عَنْ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً، مِثْلُ ذَلِكَ. وَ «عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا مِثْلُهُ» ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِنْ حَلَفَ بِطَلاَقِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، طُلِّقَتْ "». من المجمع عليه أنه لا طلاق قبل النكاح، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ [الْمُؤْمِنَاتِ] ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} (¬2) الآية، أما من علق الطلاق على الأجنبية بشرط التزويج، مثل أن يقول: «إِنْ نَكَحْتُ فَلاَنَةً فَهِيَ طَالِقٌ». فإن العلماء في ذلك ثلاثة مذاهب: - أولها: أن الطلاق لا يقع إن تزوجها، ولا يتعلق الطلاق بأجنبية أصلاً، سواء عم المعلق ¬
5 - زواج المحلل
كل أجنبية بأن قال: «إِنْ تَزَوَّجْتُ أَيَّ امْرَأَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ»، أي خص، بأن قال: «إِنْ تَزَوَّجْتُ فَلاَنَةً أَوْ مِنْ بَنِي فُلاَنَ». وهذا مذهب الشافعي وأهل الحديث. - المذهب الثاني: في مقابل الأول يقول بوقوع الطلاق إذا علقه على أجنبية بشرط التزويج عم المطلق أو خص. وهو قول أبي حنيفة وجماعة. - المذهب الثالث: أنه إن عم جميع النساء لم يلزمه الطلاق إن تزوج، وإن خصص لزمه، وهو قول مالك. وسبب الخلاف هو تضعيف الحديث المروي في ذلك، ولأن المعلق طلاقه لا يعد مطلقًا قبل النكاح، وإنما يعد مطلقًا بعده (¬1). ولعل الأرجح هو ما ذهب إليه المحدثون، إذ هو الظاهر من الحديث والملائم للحكمة في تشريع الطلاق. 5 - زَوَاجُ المُحَلِّلِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنِ المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ». وَعَنْ عُمَرَ، قَالَ: «لَا أُوتِيَ بِمُحَلِّلٍ، وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ، إِلَّا رَجَمْتُهُمَا». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِذَا تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا، فَرَغِبَ فِيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْسِكْهُا "». سبق أن ذكرنا في فصل (الاتجاه الخلقي) أن أبا حنيفة والشافعي يقولان: إن تزوج امرأة ليحلها لغيره فنكاحه صحيح طالما أنه لم يشترط ذلك في العقد، وهو مع ذلك آثم للحديث. فسبب الخلاف هو الاختلاف في مفهوم الحديث، هل اللعن يفيد التأثيم فقط، أو يفيد التأثيم، ويترتب عليه فساد العقد (¬2). ¬
6 - الملاعنة بالحمل
6 - المُلاَعَنَةُ بِالحَمْلِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، وَقَالَ: " عَسَى أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا "، فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا». وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بِالحَمْلِ». وَعَنْ الشَّعْبِيِّ «فِي رَجُلٍ تَبَرَّأَ مِمَّا فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ، قَالَ: " يُلَاعَنْهَا "». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ لَا يَرَى المُلاعَنْة بِالحَمْلِ». ذكر الطحاوي أن الحديث الأول مختصر اختصره من رواه فغلط وتوهم أن اللعان بالحمل، ولكن أصل الحديث يفيد أن اللعان كان بالقذف (¬1). 7 - نِكَاحُ المُلاَعَنِ بَعْدَ المُلاَعَنَةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّهُ شَهِدَ المُتَلاعَنْيْنِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، قَالَ: " يَا رَسُولَ اللهِ، كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَنَا أَمْسَكْتُهَا "». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا». وعن ابن عمر مثل ذلك. - «وذُكِرَ أنَّ أبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يَتَزَوَّجُهَا إِذَا [أَكْذَبَ] نَفْسَهُ "». ذهب الجمهور إلى أن الفرقة إذا حصلت بعد اللعان، فلا يحل للمتلاعنين أن يجتمعا ويتزوجا أبدًا، وإن كذب الزوجه نفسه. وقال أبو حنيفة وجماعة: «إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ [جُلِدَ الْحَدَّ]، وَكَانَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ»، لأنه إذا كذب نفسه فقد بطل حكم اللعان فكما يلحق به الولد كذلك ترد المرأة عليه وذلك أن السبب الموجب للتحريم إنما هو الجهل بتعين صدق أحدهما، مع القطع بأن أحدهما كاذب، فإذا انكشف ارتفع التحريم (¬2). فالخلاف إنما هو في تأويل الحديث. ¬
8 - اختيار الأربع من الزوجات
8 - اخْتِيَارُ الأَرْبَعِ مِنَ الزَّوْجَاتِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ، «فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " الأَرْبَعُ الأُوَلُ "». ذكر الطحاوي أن أبا حنيفة قال: «إِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ , فَنِكَاحُهُنَّ كُلُّهُنَّ بَاطِلٌ , وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ , وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقَدٍ مُتَفَرِّقَةٍ , فَنِكَاحُ الأَرْبَعِ الأُوَلِ مِنْهُنَّ ثَابِتٌ , وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِهِنَّ». وأجاب عن الحديث السابق: بِـ «" أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ "، وأثبت حجته في ذلك، وعلى فرض صحته فإنه يحمل على أن غيلان قد تزوج هذا العدد قبل أَنْ يُحَرِّمَ اللهُ الزِّيَادَةَ عَلَى الأَرْبَعِ، أما من تزوج في دار الشرك أكثر من أربع بعد نزول التحريم: فإن كان في عقدة واحدة فهو فاسد، وإن كان متفرقًا فالزائد على الأربع وقع فاسدًا لأنه يرد حكمه إلى حكم المسلمين، كما لو تزوج أخته وهو مشرك، فإنه لا يقر على إذا أسلم» (¬1). والواقع أن هذا تأويل بعيد لا يظاهره فيه الحديث. 9 - اسْتِئْنَافُ النِّكَاحِ بَعْدَ إِسْلاَمِ زَوْجَتِهِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العَاصِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ بِنِكَاحِهَا الأَوَّلِ». وعن الشعبي مُرْسَلاً مثل ذلك. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يَسْتَأْنِفُ النِّكَاحَ "». ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها، فإن أسلم في عدتها كان أحق بها: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ ¬
الكُفْرِ إِلاَّ فَرَّقَتْ هِجْرَتُهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، إِلاَّ أَنْ يَقْدُمَ زَوْجُهَا مُهَاجِرًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا» (¬1). وقد ذهب الطحاوي إلى أنها متى أسلمت وخرجت من دار الكفر فإنها تبين من زوجها ولا سبيل لزوجها عليها إلا إذا أسلم وبنكاح جديد، وَرَوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ». كَمَا رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي اليَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ , تَكُونُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ اليَهُودِيِّ , فَتُسْلِمُ هِيَ , قَالَ «يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا , الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ». فإذا كان هذا رأيه في الكتابية، فأولى أن يكون فيمن تسلم وزوجها مشرك. وقد ذكر أن مذهب أبي حنيفة «فِي الْحَرْبِيَّةِ , إِذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الحَرْبِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ، فَإِمَّا أَنْ تُقِيمَ فِي دَارِ الحَرْبِ، أَوْ تَخْرُجَ مُهَاجِرَةً إِلَى دَارِ الإِسْلَامِ، فَإِنْ خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِالهِجْرَةِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ وَإِنْ أَقَامَتْ فِي دَارِ الحَرْبِ وَأَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي عِدَّتِهَا فَزَوَاجُهُمَا قَائِمٌ وَإِنْ انْتَهَتْ العِدَّةُ دُونَ أَنْ يُسْلِمَ بَانَتْ مِنْهُ. كَمَا نَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ سَبَبَ الاِخْتِلَافِ فِي رَدِّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العَاصِ، فَعَلَى حِينِ يَرْوِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ، يَرْوِي ابْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ أَنَّهُ جُدِّدَ لَهَا نِكَاحٌ مُسْتَأْنَفٌ، فَبَيَّنَ أَنَّ الأَوَّلَ لَمْ يَعْلَمْ بِتَحْرِيمِ رُجُوعِ المُؤْمِنَاتِ إِلَى الكُفَّارِ فِي سُورَةِ المُمْتَحَنَةِ، وَأَنَّ الثَّانِي عَلِمَ ذَلِكَ، فَكِلَاهُمَا يُفَسِّرَانِ الوَاقِعَةَ بِاجْتِهَادِهِمَا، لَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬2). ¬
ما انتقده ابن أبي شيبة على أبي حنيفة في البيوع
مَا انْتَقَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي البُيُوعِ: 1 - بَيْعُ المُدَبَّرِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ غُلاَمًا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَاعَهُ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاشْتَرَاهُ النَّحَّامُ - نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ - عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ الأَوَّلِ فِي إِمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُبَاعُ "». التدبير: هو عتق الرجل مملوكه بعد الموت بأن يقول لعبده مثلاً: إِذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرُّ. وقد رأى بعض العلماء أنه عقد لازم لا يجوز للسيد الرجوع فيه، منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي. ورأى بعضهم أنه عقد غير لازم يحق للسيد الرجوع فيه كالوصية. وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الحديث. والحديث المتقدم ليس فيه لفظ عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إنما هو حكاية حال، يدخلها الاحتمال، بأن يكون الرجل الذي دبر سفيهًا، أو غير ذلك، ولذلك قيد في الحديث بأن الرجل لم يكن له مال غيره. فالاختلاف إنما هو في تأويل الحديث (¬1). 2 - حُكْمُ بَيْعِ المُصَرَّاةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالخِيَارِ، إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ». ¬
3 - بيع الثمر قبل بدو صلاحه
ورواه عن ابن سيرين مُرْسَلاً، ثم قال: - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ بِخِلافِهِ». هذه المسألة من المسائل المشهورة التي أخذها العلماء على أبي حنيفة، واتضح فيها مخالفته للحديث. وقد ذكر الطحاوي أن هذا الحديث منسوخ، وساق وجوهًا لنسخه، رضي بعضها ولم يرض سائرها (¬1)، وذكر آخرون أن أبا حنيفة قد رد هذا الحديث لمخالفته الأصول، فهو معارض بالحديث: «الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»، ومعارض بالمنع من بيع طعام بطعام نسيئة، ومعارض بأن الأصل في المتلفات إما القيمة وإما المثل، وإعطاء صاع من تمر بدل اللبن ليس قيمة ولا مثلاً، ومنها بيع الطعام المجهول أي الجزاف بالمكيل المعلوم (¬2). وقد ذكرنا من قبل أن أبا حنيفة لا يعتمد على السند فقط في نقده الحديث، بل يضيف إلى ذلك النظر إلى المتن أيضًا (¬3). فالاختلاف هنا هو اختلاف في صحة الحديث، وإن كان رأي أبي حنيفة في ذلك مرجوحًا. 3 - بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بَدْوِ صَلاَحِهِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ [صَلاَحُهُ]». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «[نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ] حَتَّى تُحْرَزَ مِنْ كُلِّ عَارِضٍ». وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، [قَالَ]: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، قَالُوا: وَمَا بُدُوُّ صَلاَحِهَا؟ قَالَ: تَذْهَبُ عَاهَاتُهَا وَيَخْلُصُ طَيِّبُهَا». وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ¬
4 - ثمن الكلب
«" نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ، أَوْ يُؤْكَلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ ". قُلْتُ: وَمَا يُوزَنُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حَتَّى يُحْرَزَ». عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «" نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ [ثَمَرِ] النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ "، فَقِيلَ لأَنَسٍ: مَا زَهْوُهُ؟ قَالَ: يَحْمَرُّ، أَوْ يَصْفَرُّ». ثُمَّ قَالَ: - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا بَأْسَ بِبيعِهِ بَلَحًا، وَهُوَ خِلاَفُ الأَثَرِ "». أجمع العلماء على أن الثمرة قبل أن تخلق ممنوع بيعها، وبعد أن تظهر الثمرة يجوز عند الجمهور بيعها بعد أن يبدو صلاحها. وذهب أبو حنيفة إلى جواز بيعها قبل بدو صلاحها إلا أن يلزم المشتري أن يقطع الثمرة بعد الشراء. وقد ذكر الطحاوي أن الآثار في النهي عن بيع الثمرة قبل ظهور نضجها آثار صحيحة لكنهم يختلفون مع الجمهور في تأويلها، وحمل الآثار في ذلك على بيع الثمرة قبل أن تخلق أو السلم في الثمرة، أو أنها محمولة على الندب، بدليل الحديث الثابت: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ». فلما جاز أن يشترطه المبتاع جاز بيعه مفردًا، وبدليل ما روى من الحديث الثابت الذي يفيد أن سبب النهي هو كثرة الخصومات في ذلك، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال كالمشورة يشير بها عليهم: «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ» (¬1). فسبب الخلاف هو الاختلاف في تأويل الحديث. 4 - ثَمَنُ الكَلْبِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مَهْرِ ¬
5 - بيع الرطب بالتمر
البَغِيِّ، وَثَمَنِ الكَلْبِ». وعن أبي هريرة مثل ذلك، وَعَنْ جَابِرٍ، [قَالَ]: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ»، وعن ابن عباس وابن سيرين مثل ذلك. - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَخَّصَ فِي ثَمَنِ الكَلْبِ». ذكر الطحاوي أن النهي عن ثمن الكلب منسوخ بنسخ قتل الكلاب فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلاً بِقَتْلِ الكِلَابِ، ثُمَّ أَبَاحَ اقْتِنَاءَ بَعْضِهَا وهي كلاب الصيد والحراسة، وقد روى عطاء حديث النهي عن ثمن الكلب، ومع ذلك روي عنه أنه كان لا يرى بأسًا بثمن الكلب السلوقي. وهذا دليل على أنه كان يرى النسخ، وكذلك روي عن ابن شهاب الزهري أنه قال: «إِذَا قُتِلَ الكَلْبُ المُعَلَّمُ , فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ قِيمَتَهُ فَيَغْرَمُهُ الذِي قَتَلَهُ». مع العلم بأن الزهري ممن روى أن ثمن الكلب سحت. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ «لَا يَرَى بَأْسًا بِثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ» (¬1). وقد ذكر ابن العربي أن كل ما جاز اقتناؤه وانتفع به صار مَالاً، وأن الصحيح في الدليل جواز بيع الكلب المنتفع به. وبه قال أبو حنيفة (¬2). 5 - بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، فَقَالَ: «" أَيَنْقُصُ إِذَا جَفَّ؟ " قُلْنَا: " نَعَمْ "، قَالَ: " فَنَهَى عَنْهُ "». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ كَرِهَ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: " هُوَ أَقَلُّهُمَا فِي المِكْيَالِ، أَوْ فِي الْقَفِيزِ "». وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ العِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً». وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أنَّهُ كَرِهَ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَقَالَ: «الرُّطَبُ مُنْتَفِخٌ، وَالتَّمْرُ ضَامِرٌ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا بَأْسَ بِهِ "». ¬
6 - تلقي البيوع
هذه أول مرة يشرك ابن أبي شيبة أبا يوسف مع أبي حنيفة في النقد وقد أخطأ في ذلك، لأن أبا يوسف يخالف أبا حنيفة في ذلك ويقول بقول عامة المحدثين في كراهية هذا البيع، قال الترمذي: «وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا» (¬1). وقد ذكر الطحاوي أن أبا يوسف ومحمدًا خالفَا أبا حنيفة في هذه المسألة، ثم ذهب الطحاوي إلى رأي أبي حنيفة محتجًا له بأن الحديث الأول قد جاء في طرق صحيحة له ما يفيد أن النهي كان منصبًا على بيعه نسيئة (¬2) وبالإضافة إلى أن حديث عبادة بن الصامت في الربويات يعارضه حيث اشترط في جواز البيع المماثلة والمساواة ولتنجيز، وهو يقتضي بظاهره أن المماثلة مشروطة حال العقد لا حال المآل (¬3). ففي هذه المسألة اختلاف في تصحيح الحديث، واختلاف في الجمع بين الأحاديث المختلفة. 6 - تَلَقِّي البُيُوعِ: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ تَلَقِّي البُيُوعِ». وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَرْفُوعًا: «لَا تَسْتَقْبِلُوا، وَلَا [تُحَفِّلُوا] (*)». وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، [قَالَ]: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ التَّلَقِّي». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ:" لاَ بَأْسَ بِهِ "». قد ذكرنا هذه المسألة في فصل (الاتجاه إلى الظاهر) وَبَيَّنَّا أن جمهور ¬
7 - النهي عن بيع حاضر لباد
الفقهاء قد رأى أن النهي يفيد التأثيم، ولكنه لا يخل بالعقد (¬1). فسبب الخلاف هو الاختلاف في تأثير النهي في العقود. 7 - النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ: روى ابن أبي شيبة من عدة طرق، حديث: «لَا يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، ثم قال: - «وُذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَخَّصَ فِيهِ». الواقع أن السبب الخلاف هنا هو سبب الخلاف في المسألة السابقة، مع البحث عن علة النهي، فمن أخذه على ظاهره منع من هذا البيع، ومن رأى أن العلة هي الضرر منعه حيث وقع الضرر، بدليل ما جاء في الحديث في بعض رواياته: «لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ». وقد روى الترخيص في هذا البيع عن عطاء، ومجاهد. وحكى الترمذي الأقوال في هذه المسألة فقال: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ: كَرِهُوا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: " يُكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ بَاعَ فَالبَيْعُ جَائِزٌ "» (¬2). 8 - حُكْمُ العَرَايَا: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي العَرَايَا». وَعَنْ سَهْلٍ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، يَقُولاَنِ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ، إِلاَّ أَصْحَابَ العَرَايَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ». - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا [يَصْلُحُ] ذَلِك». ¬
الاختلاف في هذه المسألة هو اختلاف في تأويل الحديث، يوضح الطحاوي ذلك، فيقول بعد أن يروي الطرق المختلفة لما جاء فيها من الآثار: «فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَوَاتَرَتْ فِي الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ العَرَايَا، وَقَبِلَهَا أَهْلُ العِلْمِ جَمِيعًا , وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي صِحَّةِ مَجِيئِهَا , وَتَنَازَعُوا فِي تَأْوِيلِهَا. فَقَالَ قَوْمٌ: العَرَايَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ [النَّخْلَةُ] وَالنَّخْلَتَانِ , فِي وَسَطِ النَّخْلِ الكَثِيرِ , لِرَجُلٍ آخَرَ. قَالُوا: وَقَدْ كَانَ أَهْلُ المَدِينَةِ , إِذَا كَانَ وَقْتُ الثِّمَارِ , خَرَجُوا بِأَهْلِيهِمْ إِلَى حَوَائِطِهِمْ , فَيَجِيءُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ بِأَهْلِهِ , فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِأَهْلِ النَّخْلِ الكَثِيرِ. فَرَخَّصَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ النَّخْلِ الكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ خَرْصَ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ تَمْرًا , لِيَنْصَرِفَ هُوَ وَأَهْلُهُ عَنْهُ , وَيَخْلُصَ تَمْرُ الحَائِطِ كُلُّهُ لِصَاحِبِ النَّخْلِ الكَثِيرِ , فَيَكُونُ فِيهِ هُوَ وَأَهْلُهُ». ثم ذكر أن مالك بن أنس ممن فسرها هذا التفسير. وعلى هذا التفسير فبيع العرايا استثناء ورخصة من النهي الثابت في الأحاديث عن المحاقلة والمزابنة، والمحاقلة: هي بيع ما في الحقول بالحبوب كَيْلاً، والمزابنة هي خرص ما على رؤوس النخل من الثمار وبيعها بتمر مكيل، إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ. أما أبو حنيفة فقد فسر العرية، بالعطية والهبة، بأن يهب صاحب النخل لرجل ثمار نخلة أو نخلتين، ثم يغير رأيه قبل أن يسلمها له، فرخص له أن يحبس ذلك، ويعطيه مكانه خرصه تمرًا. وعلى هذا التأويل تكون العارية بعيدة عن معنى المزابنة، إذ ليس هناك بيع، لأن المعطي لم يكن تم له قبض النخل (¬1). ¬
9 - مال العبد عند البيع
وقد جاء في " البخاري ": (بَابُ تَفْسِيرِ العَرَايَا. وَقَالَ مَالِكٌ: العَرِيَّةُ: أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ [النَّخْلَةَ]، ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ، فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: العَرِيَّةُ: لَا تَكُونُ إِلَّا بِالكَيْلِ مِنَ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، لَا يَكُونُ بِالجِزَافِ، وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: بِالأَوْسُقِ المُوَسَّقَةِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: كَانَتْ العَرَايَا: أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ. وَقَالَ يَزِيدُ: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: العَرَايَا: نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا، رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنَ التَّمْرِ) (¬1). وقال الترمذي بعد أن روى حديث العرايا: «وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: إِنَّ العَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ جُمْلَةِ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَهَى عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ ... وَمَعْنَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا لِأَنَّهُمْ شَكَوْا إِلَيْهِ، وَقَالُوا: لَا نَجِدُ مَا نَشْتَرِي مِنَ الثَّمَرِ إِلَّا بِالتَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَنْ يَشْتَرُوهَا فَيَأْكُلُوهَا رُطَبًا» (¬2). 9 - مَالُ العَبْدِ عِنْدَ البَيْعِ: وَبِسَنَدِهِ أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ»، ومثله عن جابر مرفوعًا. وعن عَلِيٍّ موقوفًا، وعن عطاء وابن أبي مليكة مُرْسَلاً، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِنْ كَانَ مَالُ العَبْدِ أَكْثَرَ مِنَ الثَمَّنِ، لَمْ يَجِزْ ذَلِكَ "». ¬
10 - خيار الشرط
يبدو أن سبب الخلاف هنا، هو الاختلاف في أن هذا البيع يدخل في نطاق الربا أَوْ لَا. فالمحدثون لا يدخلونه في الربويات، أو يستثنونه منها وقوفًا عند الحديث، وأبو حنيفة والشافعي يأخذون بالحديث إلا إذا كان البيع مفضيًا إلى الربا [فيمنعونه]، لأن الحديث جاء فيه: «إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ»، فوجب أن يكون هذا الاشتراط جاريًا على حكم الشرع (¬1). 10 - خِيَارُ الشَّرْطِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ». وَعَنْ الحَسَنِ مُرْسَلاً: «لَا عُهْدَةَ فَوْقَ أَرْبَعٍ». وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، [قَالَ]: «إِنَّمَا جَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عُهْدَةَ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةً، لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو: " قُلْ: لَا خِلاَبَةَ، إِذَا بِعْتَ بَيْعًا، فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ [ثَلاَثًة]». «وَكَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ (*) يُعَلِّمَانِ العُهْدَةُ فِي الرَّقِيقِ: الحُمَّى، وَالبَطْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَعُهْدَةٌ سَنَةٌ فِي الجُنُونِ وَالْجُذَامِ»، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِذَا افْتَرَقَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إِلاَّ بِعَيْبٍ كَانَ بِهَا "». الأصل هو أن البيع يلزم بمجرد العقد، وثبوت الخيار ينافي هذا الأصل فلا يستثنى منه إلى ما جاء به النص، وهو ثلاثة أيام في حديث منقذ السابق. هذا هو رأي أبي حنيفة والشافعي، حيث ذهبا إلى جواز اشتراط الخيار ثلاثة أيام في مجلس العقد في غير الأموال الربوية لا يزاد عليها، فإذا تم العقد بالإيجاب والقبول من غير اشتراط ثلاثة أيام في مجلس العقد، لا يكون للمشتري رد البيع إلا بعيب كان فيها عند أبي حنيفة. أما أبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق فقد رأوا امتداد الخيار إلى الأجل ¬
11 - خيار المجلس
المتفق عليه طال أو قصر، ويرى مالك اختلاف المدد باختلاف المبيع والعيب (¬1). 11 - خِيَارُ المَجْلِسِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إلاَّ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ». كَمَا رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَريبًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يَجُوزُ البَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا "». خالف أبو حنيفة ومالك والثوري هذا الحديث، وهذه المسألة مشهورة في كتب الخلاف - وسبب مخالفة هذا الحديث، إما لأن عمل أهل المدينة ليس عليه، وإما لتأويله بالافتراق بالأقوال (¬2). 12 - النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: " قدْ أَخَذْتُ جَمَلَكَ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَلَك ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ "». وفي رواية عن جابر قال: «بِعْتُهُ مِنْهُ بِأُوقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ المَدِينَةَ أَتَيْتهُ، فَنَقَدَنِي، وَقَالَ: " أَتُرَانِي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَك وَمَالَك؟ فَهُمَا لَكَ "». - «وَذَكَرُوا أَنَّ أَبَا حَنِيفَة كَانَ لَا يَرَاهُ». وسبب الاختلاف هنا، هو اختلاف الحديث، فحديث جابر السابق يفيد جواز البيع المشروط، وهناك حديث ثالث: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ». أي كل شرط ينافي مقتضى العقد. ولذلك اختلف العلماء في البيع والشرط: فقال قوم: البيع فاسدٌ، ¬
13 - اشتراط الولاء للبائع في البيع
ومن هؤلاء أبو حنيفة والشافعي، وقال آخرون: «البَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ» منهم ابن شبرمة. وقال فريق ثالث: «البَيْعُ جَائِزٌ مَعَ شَرْطٍ وَاحِدٍ»، أما مع شرطين فلا، وهو قول أحمد وإسحاق. وقال ابن أبي ليلى: «البَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ» (¬1). 13 - اشْتِرَاطُ الوَلاَءِ لِلْبَائِعِ فِي البَيْعِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ [قَالَتْ]: «أَرَادَ أَهْلُ بَرِيرَةَ أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا الوَلاَءَ، فَذَكَرَتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: " اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ "»، وعن ابن عباس وابن عمر مثل ذلك. - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " هَذَا الشِّرَاءُ فَاسِدٌ لَا يَجُوز "». هذه المسألة تتعلق بسابقتها من أن أبا حنيفة لا يجيز البيع المشروط، والشرط المنافي لمقتضى العقد يفسد العقد عنده، أما هذا الحديث فقد حققه الطحاوي وأثبت أن بريرة كانت مكاتبة، وأنها جاءت تستعين بالسيدة عائشة التي عرضت عليها أن تدفع الأقساط المستحقة على بريرة دفعة واحدة على أن يكون ولاؤها لها، فلما عرضت بريرة ذلك على مواليها رفضوا واشترطوا لهم الولاء. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ: اشتريها ثم أعتقيها فيكون لك الولاء، أما أن تودي عنها ما كانت عليه، فإن الولاء سوف يكون لهم، لأنهم تولوا عقد الكتابة، فإنما الولاء لمن أعتق (¬2). 14 - الوَكَالَةُ فِي الشِّرَاءِ: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى عُرْوَةَ البَارِقِيِّ دِينَارًا لِيَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالبَرَكَةِ ¬
15 - البر بالبر مثلا بمثل يدا بيد
فِي بَيْعِهِ»، كما روي عن حكيم بن حزام مثل ذلك. - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يَضْمَنُ إِذَا بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ "». انتقاد أبي حنيفة هنا غير واضح، إذ ليس في الحديث ما ينفي أن الوكيل يضمن إذا أساء التصرف. 15 - البُرُّ بِالبُرِّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عُمَرَ (*) مَرْفُوعًا: «البُرُّ بِالبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ». وَعَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا: «الشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ»، وعن أبي سعيد مثل ذلك. ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَة كَاَن يَقُولَ: " لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الحِنطَةِ الغَائِبَةِ بِعَيْنِها بِالحِنْطَةِ الحَاضِرَةِ». لم يقل أبو حنيفة ذلك، بل المجمع عليه أن الربويات لا تباع إلا مثلاً بمثل، يَدًا بِيَدٍ. 16 - شِرَاءُ السَّيْفِ المُحَلَّى بِنَوْعِ حِلْيَتِهِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ بِقِلاَدَةٍ فِيهَا خَرَزٌ مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ، ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ، أَوْ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ مَا بَيْنَهُمَا "، قَالَ: " إِنَّمَا أَرَدْتُ الحِجَارَةَ "، قَالَ: " لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ مَا بَيْنَهُمَا "، قَالَ: فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ». وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِأَرْضِ فَارِسَ: أَلاَّ تَبِيعُوا السُّيُوفَ فِيهَا حَلَقَةُ فِضَّةٍ بِدِرْهَمٍ». وَعَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «سُئِلَ شُرَيْحٌ عَنْ طَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فُصُوصٌ، قَالَ: " تُنْزَعُ الْفُصُوصُ، ثُمَّ يُبَاعُ الذَّهَبُ وَزْنًا بِوَزْنٍ "». وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيَّ أَنَّهُمَا أَفْتَيَا بِذَلِكَ. - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيهِ بِالدَّرَاهِمِ "». ذكر الطحاوي أن أبا حنيفة فرق بين أن تكون القلادة أو السيف لا يعلم مقدار ما فيهما إلا من الذهب أن يفصل الذهب ويوزن - فإنه ¬
17 - الانتفاع بالمرهون
لا يجوز بيعها بالذهب حينئذٍ إلا بعد أن يفصل الذهب ويوزن لتعلم عائلته الثمن، أما إن كان يعلم أن الذهب الذي في المبيع أقل من الثمن الذي بيع به فإن البيع جائز، دون حاجة إلى فصل الذهب عن المبيع، ويكون جزء من الثمن في مقابل الذهب الذي هو الحلية، والجزء الباقي ثمنًا لما كانت الحلية فيه. وعلى هذا فقد أول الحديث بأن الرد كان من أجل أن الثمن كان أقل من وزن الحلية، أو يساويها (¬1). وقد ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة بعض التابعين وسفيان الثوري (¬2). 17 - الاِنْتِفَاعُ بِالمَرْهُونِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ». كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا:، قَالَ: «الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا يُنْتَفَعُ بِهِ [وَلَا يُرْكَبُ]». ذكر الطحاوي أن هذا الحديث مجمل، لأنه يحتمل أن المنتفع بالرهن هو الرهن، كما يحتمل أنه المرتهن، ثم رجح أنه نسخ بتحريم الربا وبكل قرض جر منفعة (¬3). • • • وبعد أن عرضنا المسائل الخاصة بالبيوع التي ادعى ابن أبي شيبة على أبي حنيفة أنه خالف فيها الآثار - ننتقل منها إلى عرض سريع لمسائل القضاء والحدود، وعددها سبع عشرة مسألة. ¬
المسائل المنتقدة على أبي حنيفة في القضاء والقصاص والحدود
المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي القَضَاءِ وَالقَصَاصِ وَالحُدُودِ: 1 - قَضَاءُ القَاضِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْكُمْ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ، يَأْتِي بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ». وبعد أن روى هذا الحديث من طريقين آخرين قال: - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ شَاهِدَيْ زُورٍ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ، فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا، أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا». هل حكم الحاكم يجعل الشيء المختلف فيه حلالاً؟ لقد فرقوا في هذا الموضع بين ما كان مالاً وغيره. أما ما كان مالاً فقد أجمع العلماء على أن حكم الحاكم بحسب ما ظهر له لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً، بدليل ما جاء في الحديث السابق. ولكنهم اختلفوا في غير الأموال، كالنكاح والطلاق إذا حكم القاضي فيهما بناءً على ما ظهر له: فذهب الجمهور إلى أن حكم القاضي الظاهري لا يؤثر في حقيقة الأمر وباطنه. وَسَوَّوْا بين الأموال وغيرها في ذلك، فلو حكم القاضي بنكاح أو طلاق بناءً على شهادة شهود ظاهرهم العدالة، ولكنهم كذبوا في شهادتهم دون علم من القاضي، فإن هذا القضاء لا يحل ما هو حرام في الواقع، ولا يحرم ما هو حلال في الواقع، وإلى ذلك ذهب أبو يوسف، أما أبو حنيفة،
2 - شهود الرضاعة
فقد قال: إن هذا الحكم ينفذ ظاهرًا وباطنًا، واستند في ذلك إلى أن الحكم باللعان يوجب الفرقة، ويحرم المرأة على زوجها، ويحلها [لغيره] مع أن أحد المتلاعنين كاذب لا محالة (¬1). فسبب الخلاف هو معارضة حديث اللعان لغير الأموال في هذا الحديث وهذه المسألة مما يوضح الاتجاه الخلقي النفسي عند أهل الحديث. كما يبرز التمسك بقانون الظاهر عند أبي حنيفة. 2 - شُهُودُ الرَّضَاعَةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: «تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ أَبِي إهَابٍ التَّمِيمِيِّ فَلَمَّا كَانَتْ صَبِيحَةُ مِلْكِهَا جَاءَتْ مَوْلاَةٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ , فَقَالَتْ: " إنِّي أَرْضَعْتُكُمَا " فَرَكِبَ عُقْبَةُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِالمَدِينَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَقَدْ سَأَلْتُ أَهْلَ الجَارِيَةِ فَأَنْكَرُوا , فَقَالَ: " كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ " فَفَارَقَهَا وَنَكَحَتْ غَيْرَهُ». وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا يَجُوزُ فِي الرَّضَاعَةِ مِنَ الشُّهُودِ؟ قَالَ: " رَجُلٌ، أَوِ امْرَأَةٌ "». - «وذُكِرَ أنَّ أبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَجُوزُ إِلَّا أَكْثَرُ "». شهادة النساء منفردات عن الرجال مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبًا، مثل الولادة وعيوب النساء وقد أخرج أبو حنيفة الرضاع من هذا، إذ يمكن الرجال أن يطلعوا عليه، وأجاب عن الحديث بأنه كان للتنزيه والإرشاد للابتعاد عن مواقف التهم. والذين قالوا بقبول شهادة النساء في الرضاعة، لم يلتزموا الحديث تمامًا، بل اختلفوا في العدد بين شهادة امرأة واحدة أو شهادتهما مع يمينها. ¬
3 - القسامة
كما يقول أحمد وإسحاق تبعًا لابن عباس. أو لا بد من أربع نسوة كما يقول الشافعي (¬1). 3 - القَسَامَةُ: وَبِسَنَدِهِ مِنْ ثَلاَثَةِ طُرُقٍ، بألفاظ وإضافات مختلفة، «أَنَّ الأَنْصَارَ وَجَدُوا قَتِيلاً لَهُمْ بِالقُرْبِ مِنْ حَيٍّ لِلْيَهُودِ، فَاتَّهَمَ الأَنْصَارُ اليَهُودَ بِقَتْلِهِ، وَجَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِلأَنْصَارِ: " أَتَحْلِفُونَ؟ "، فَقَالُوا: مَا نَحْلِفُ؟ وَلَمْ يَرْضُوا بِحِلْفِ اليَهُودِ، فَوَدَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا تُقْبَل أَيْمَانُ الذِين يَدَّعُونَ الدَّمَ "». سبب الخلاف أن ألفاظ هذا الحديث مختلفة، وأنه معارض بأحاديث صحيحة، وهي أن «البَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى , وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ». وبحديث «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ». وهذه الأحاديث تثبت أن المدعي لا يجب له الحق بناءً على يمينه، وبناءً على ذلك ذهب أبو حنيفة والثوري وكثير من الصحابة والتابعين، أنه يبدأ في القسامة بأيمان المدعى عليهم، فيحلفون، ثم يغرمون الدية، هذا إذا لم يكن للمدعي بينة. وتحليف المدعى عليهم حينئذٍ يدفع عنهم القصاص دون الدية، وفي حديث البخاري ما يثبت ذلك حيث فيه: «" تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى [مَنْ قَتَلَهُ] "، قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: " فَيَحْلِفُونَ " قَالُوا: لاَ نَرْضَى بِأَيْمَانِ اليَهُودِ ...». أما مالك والشافعي وأحمد فيرون استحلاف المدعين أن فلانًا هو القاتل فإذا حلف خمسون منهم هكذا، ترتب الحكم عليه، وقد ذهب البخاري إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة، ورواه عن عدد من الصحابة والتابعين وكذلك الطحاوي (¬2). ¬
4 - القضاء بيمين الشاهد
4 - القَضَاءُ بِيَمِينِ الشَّاهِدِ: رَوَى بِسَنَدِهِ حَدِيثَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ». «وَقَضَى بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَجُوزُ ذَلِكَ "». سبب الخلاف هنا هو تضعيف الأحاديث في القضاء بشاهد ويمين، وعجزها عن معارضة الأصول الثابتة من القرآن والسنة، من وجوب شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وبأنه لا يحكم بشهادة من جر إلى نفسه مغنمًا أو دفع عنها مغرمًا. وقد أحسن الطحاوي عرض هذا الموضوع. وَنُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ حَكَمَ بِهِ» (¬1)، وقد سبق أن ذكرنا أن البخاري يرى رأي أبي حنيفة في هذه المسألة، كما يوافقه أيضًا الثوري والأوزاعي والليث وجمهور أهل العراق، وكانت هذه المسألة من المسائل التي أنكرها الليث على مالك في " رسالته " إليه (¬2). 5 - قَتْلُ الحُرِّ بِالعَبْدِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ الحَسَنِ مُرْسَلاً: «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعَناهُ». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُقْتَلُ بِهِ "». هذا الحديث ضعيف لم يقل به جمهور الأمصار وقد أثر القول به عن إبراهيم النخعي، أما مالك والشافعي وأحمد، فقد قالوا: «لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ».، لا فرق بين أن يكون المقتول عبد نفسه أو عبد غيره، لمفهوم قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178]. وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري إلى «أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الحُرِّ إِذَا قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إِذَا قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ» (¬3). ¬
6 - فقء عين المتطلع
6 - فَقْءُ عَيْنِ المُتَطَلِّعِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قال: «اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: " لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنَيْك، إِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ البَصَرِ "». وَعَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَيْتِهِ , فَاطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ خَلَلِ البَابِ , فَسَدَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ بِمِشْقَصٍ. فَتَأَخَّرَ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَوْ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ حَلَّ [لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا] عَيْنَهُ». وَعَنْ هُزَيْلٍ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يَضْمَنُ "». سبب الخلاف هنا هو الاختلاف في التأويل، فمن العلماء من حمل الحديث على ظاهره، وحمله أبو حنيفة ومالك على الترهيب والتغليظ، لأن الله أباح العين بالعين، لا بجناية النظر (¬1). 7 - مَا تُتْلِفُهُ المَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّ حِفْظَ الأَمْوَالِ عَلَى أَهْلِهَا بِالنَّهَارِ، وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ المَاشِيَةِ مَا أَصَابَتِ المَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ». وَعَنِ الشَّعْبِيِّ؛ «أَنَّ شَاةً دَخَلَتْ عَلَى نَسَّاجٍ فَأَفْسَدَتْ غَزْلَهُ، فَلَمْ يُضَمِّنْ الشَّعْبِيُّ مَا أَفْسَدَتْ بِالنَّهَارِ». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " يَضْمَنُ "». ضعف هذا الحديث، وتعارضه مع الحديث الصحيح: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ» أي هدر - هو سبب الخلاف هنا، وما دام سبب الخلاف مرجعه إلى الجمع أو الترجيح بين الآثار فلا يوصف المجتهد بمخالفة الأثر (¬2). ¬
8 - كسر القصعة وضمانها
8 - كَسْرُ القَصْعَةِ وَضَمَانُهَا: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ حَفْصَةَ صَنَعَتْ طَعَامًا، وَأَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَغَارَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، فَكَسَرَتْهَا، أَوْ أَمَرَتْ [جَارِيَتَهَا] بِكَسْرِهَا فَبَعَثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْعَةَ عَائِشَةَ إِلَى حَفْصَةَ بَدَلَ التِي كُسِرَتْ». وَعَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: «مَنْ كَسَرَ عُودًا فَهُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ بِخِلاَفِهِ، وَقَالَ: " عَلَيْهِ قِيَمتُهَا "». لم يصب ابن أبي شيبة في نسبة الخلاف إلى أبي حنيفة في هذه المسألة، لأن مذهبه في ضمان العدوان دفع المثل في المثليات، ودفع القيمة عند تعذر المثل، والقصعة قد تكون مثلية، وقد تكون قيمية، باختلاف الأزمان والبلدان. وعلى هذا سائر الأئمة، والحديث الذي استدل به أبو بكر بن أبي شيبة ليس من باب الضمان، لأن حجرتي عائشة وحفصة بما فيهما ملك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (¬1). 9 - مَنْ وُجِدَ مَتَاعُهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ». - «[وَذُكِرَ] أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " هُوَ أُسْوَةُ الغُرَمَاءِ "». الخلاف هنا هو خلاف في تأويل الحديث، وقد حمله أبو حنيفة على الوديعة والعارية والغصب، لأنها هي التي يتصور فيها أنها متاع صاحب الحق. أما البيع عند المشتري المفلس، فهو متاع المشتري، بعد أن تم البيع وخرج من يد البائع، ويتم البيع بقبض المبيع لا بقبض الثمن، وقد روي قول أبي حنيفة هذا عن إبراهيم والحسن والشعبي (¬2). ¬
10 - قتل ناكح المحارم
10 - قَتْلُ نَاكِحِ المَحَارِمِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ البَرَاءِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِرَأْسِهِ»، وبعد أن رواه بطريق آخر، قال جملته المعهودة: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الحَدُّ "». ذهب أبو حنيفة إلى أن ناكح المحارم، إن كان جاهلاً بالحرمة، فلا حد عليه ولا تعزير، وإن كان عالمًا بالحرمة سقط عنه الحد لشبهة العقد، ويعزر تعزيرًا شديدًا. وذهب صاحباه والأئمة الثلاثة وأهل الحديث إلى وجوب الحد عليه ومعاملته معاملة الزاني. وقد أجاب الطحاوي عن الحديث السابق بأنه قد جاء في بعض طرقه - وهو الطريق الآخر عند ابن أبي شيبة - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَقَدَ اللِّوَاءَ لِمَنْ أَرْسَلَهُ لِيَقْتُلَ نَاكِحَ زَوْجَةَ أَبِيهِ»، وعقد اللواء لا يكون إلا للمحارب، وهذا دليل على أن من فعل ذلك كان مرتدًا مستحلاً لما حرمه الله ورسوله، وبدليل أن بعض الطرق قد أثبتت أن النبي أمر بتخميس ماله. وقد ذهب الثوري إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة (¬1). 11 - نَفْيُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ، وَشِبْلٍ «أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: " أُنْشِدُك اللَّهَ إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَهِ ... وَائْذَنْ لِي حَتَّى أَقُولَ "، قَالَ: " قُلْ "، قَالَ: " إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، وَإِنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، فَسَأَلْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ "، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا ¬
12 - جلد السيد أمته إذا زنت
بِكِتَابِ اللهِ، المِائَةُ شَاةٍ وَالخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْك، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنَ اعْتَرَفْت فَارْجُمْهَا "». وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا: «خُذُوا عَنِي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، [الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ، وَالبِكْرُ بِالبِكْرِ، البِكْرُ يُجْلَدُ وَيُنْفَى، وَالثَّيِّبُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ]» - «وذُكِرَ أنَّ أبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُنْفَى "». في بعض الأحاديث أن الزاني المحصن يجلد ثم يرجم، وفي بعضها الاكتفاء بالرجم، وبكل أخذ بعض العلماء، أما بالنسبة للزاني غير المحصن فإن القرآن اقتصر على الجلد في بيان عقوبته، وكذلك حديث: «إذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا»، وبذلك أخذ أبو حنيفة، وحمل النفي الذي في الحديث على أنه سياسة من قبل نفي أهل الدعارة إذا اقتضت المصلحة ذلك، بدليل أن النبي قد نفى غير الزاني، كما روى ذلك الطحاوي، وبدليل أن الزاني إذا كان امرأة فكيف يقال بتغريبها مع أنه قد ورد منعها من السفر إلا مع محرم (¬1) منها؟ وقد ذكرنا هذه المسألة في موضوع الزيادة على الكتاب. 12 - جَلْدُ السَّيِّدِ أَمَتَهُ إِذَا زَنَتْ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنِ الأَمَةِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ تُحْصِنَ؟ قَالَ: «اجْلِدُوهَا، فَإِنْ عَادَتْ فَاجْلِدُوهَا»، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ: «فَبِيعُوهَا وَلَوْ [بِضَفِيرٍ]». أي حبل. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَجْلِدْهَا، فَإِنْ عَادَتْ فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ مِنْ شَعْرٍ». وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُ ذَلِكَ، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يَجْلِدْهَا سَيِّدُهَا "». ذكر في " الهداية ": «[وَلَا يُقِيمُ المَوْلَى] الحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلاَّ بِإِذْنِ الإِمَامِ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ [المَقْصِدَ] مِنْهَا إخْلاَءُ الْعَالِمِ عَنْ الْفَسَادِ، وَلِهَذَا ¬
13 - رجم اليهودي واليهودية
لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ [العَبْدِ] فَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ هُوَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ، وَهُوَ الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ». وقد روي عن عدد من الصحابة مرفوعًا وموقوفًا: «أَرْبَعٌ إلَى الوُلَّاةِ: الحُدُودُ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالجُمُعَاتُ، وَالفَيْءُ» (¬1). 13 - رَجْمُ اليَهُودِيِّ وَاليَهُودِيَّةِ: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً». - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَيْسَ عَلَيْهِمَا رَجْمٌ "». ذهب مالك وأبو حنيفة إلى «أَنَّ الإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي إِحْصَانِ مَنْ يَزْنِي، وَاليَهُودِيُّ وَاليَهُودِيَّة قَدْ فَقَدَا هَذَا الشَّرْطَ»، وأجيب عن الحديث، بأنه يحكي واقعة حال، ولم يبين فيه هل كان حكمه قبل أن تشرع الحدود في الإسلام أولاً، وقد جاء في بعض طرقه «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ» (¬2) فسبب الخلاف هو الخلاف في تأويل الحديث. 14 - نِصَابُ قَطْعِ اليَدِ فِي السَّرِقَةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «قطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِجَنٍّ، قُوِّمَ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ». وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «[يُقْطَعُ] فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا». وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، قَالَ: " لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلِّ مِنْ عَشْرِةِ دَرَاهِم "». اتفق على أنه قد قطعت يد سارق، سرق في عهد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِجَنًّا أَوْ جُحْفَةً - أي ترسًا - ولكنهم اختلفوا في تقويم هذا المسروق، ما بين ثلاثة دراهم، أو عشرة، أو دينار، أو ربعه - فلما اختلفت في ذلك أخذ أبو حنيفة بالاحتياط، وهو عشرة دراهم، وقد روي ذلك عن ابن مسعود وعطاء وعمرو بن شعيب. ¬
15 - هبة المسروق للسارق
فسبب الاختلاف هنا هو في التقويم مما ترتب عليه اختلاف الترجيح (¬1). 15 - هِبَةُ المَسْرُوقِ لِلْسَّارِقِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ: «كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الطُّلَقَاءِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، وَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ تَنَحَّى لِيَقْضِيَ الحَاجَةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَسَرَقَ رِدَاءَهُ، فَأَخَذَهُ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، قَالَ: " يَا رَسُولَ اللهِ، تَقْطَعُهُ فِي [رِدَاءٍ]؟ أَنَا أَهَبُهُ لَهُ "، قَالَ: " فَهَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ "». ثم روى شبيهًا بهذا عن طاووس، ثم قال: - «وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " إِذَا وَهَبَهَا لَهُ دُرِئَ عَنْهُ الحَدَّ "». على الرغم من أن الأحاديث في ذلك مرسلة ومتكلم فيها، فقد أخذ بها جمهور الفقهاء ومنهم أبو حنيفة، وقد قال محمد بن الحسن بعد روايته للحديث في ذلك (*): «إِذَا رُفِعَ السَّارِقُ إِلَى الإِمَامِ أَوْ القَاذِفُ، فَوَهَبَ صَاحِبُ الحَدِّ حَدَّهُ، لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَطِّلَ الحَدَّ، وَلَكِنَّهُ يُمْضِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا» (¬2). لكن قد جاء في " الهداية " ما يؤكد اتهام ابن أبي شيبة، فإن صاحب " الهداية " يقول: «وَإِذَا قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِالقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ [فَوَهَبَهُ المَالِكُ أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ] لَمْ يُقْطَعْ - مَعْنَاهُ إذَا سُلِّمَتْ إِلَيْهِ -، [أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ لَمْ يُقْطَعْ] وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، [قَالُوا]: لأَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ تَمَّتْ انْعِقَادًا وَظُهُورًا» (¬3). 16 - قَتْلُ مَنْ يَسُبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَبِسَنَدِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً مِنَ اليَهُودِ كَانَتْ تَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ ¬
17 - قتل المرأة إذا ارتدت
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَتَلَهَا أَحَدُ المُسْلِمِينَ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهَا». وَبِسَنَدِهِ عَنْ [شَيْخٍ] عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ [تَغَلَّبَ] عَلَى رَاهِبٍ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّيْفِ، وَقَالَ: " إِنَّا لَمْ نُصَالِحْكُمْ عَلَى شَتْمِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: " لَا يُقْتَل "». الأخبار في ذلك ضعيفة متكلم فيها. وأبو حنيفة يرى أن عهد الذمة لا ينتقض إلا أن يكون لهم منعة يقدرون معها على المحاربة، أو أن يلتحقوا بدار الحرب فيباح قتلهم لانتقاض عهدهم؛ فلا يقتل الذمي عنده بمجرد الانتقاض - والجمهور قد ذهب إلى قتل الشاتم فورًا (¬1). 17 - قَتْلُ المَرْأَةِ إِذَا ارْتَدَّتْ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ». وَعَنْ الحَسَنِ فِي المُرْتَدَّةِ: «تُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَتْ، وَإِلَّا قُتِلَتْ»، وَكَذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادٍ. - «وَذَكَروا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ:" لَا تُقْتَلُ إِذَا ارْتَدَتْ "». نهى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن قتل النساء في الحرب وقد شبه أبو حنيفة المرتدة بالكافرة الأصلية في عدم القتل، واستثناها من عموم الأحاديث السابقة. ووجهه نظر الجمهور أوضح وأولى (¬2). ¬
المسائل المنتقدة في الكراهية
المَسَائِلُ المُنْتَقَدَةُ فِي الكَرَاهِيَة: 1 - اقْتِنَاءُ الكَلْبِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ زَرْعٍ، وَلَا صَيْدٍ، وَلَا مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». ثم روى روايات أخرى بهذا المعنى، وقال: - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِاِتِّخاذِهِ». ظاهر هذا الكلام أن أبا حنيفة يبيح اقتناء الكلب مطلقًا، وقد قدمنا في مسألة ثمن الكلب أنه لا يبيحه إلا لمنفعة، ويكره عنده اقتناؤه لغير منفعة. 2 - إِنْفَاقُ الأَبِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «أَطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ». وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: " يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي غَصَبَنِي مَالِي "، فَقَالَ: " أَنْتَ وَمَالُك لأَبِيكَ "». وروى مثل ذلك من طريق عمرو بن شعيب، وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ [مَا شَاءَ]، وَلَا يَأْكُلُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إِلَّا [بِإِذْنِهِ]»، ثم قال: - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا يَأْخُذُ مِنْ مالِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ». الاختلاف هنا هو في تأويل الحديث أو أخذه على ظاهره، وقد رأى
3 - حكم انتباذ الخليطين
أبو حنيفة أن قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْتَ وَمَالُك لأَبِيكَ» ليس على جهة التمليك، فكما أن الابن لا يصبح مملوكًا للأب فكذلك ماله، وإنما هو على جهة أن الابن لا ينبغي أن يخالف الأب، وأن يجعل أمر أبيه في ماله نافذًا. وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلَّنَّبِيِّ: «إِنَّمَا أَنَا وَمَالِي لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ». وبدليل أن جارية الابن ليست مباحة للأب (¬1). 3 - حُكْمُ انْتِبَاذِ الخَلِيطَيْنِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَالبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا»، وفي بعض ألفاظه: «الزَّهْوُ وَالرُّطَبُ» أو «الزَّهْوُ وَالتَّمْرُ»، ثم قال: - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ». ذكر ابن رشد أن سبب الخلاف هنا هو التردد في حمل النهي الوارد في الحديث على الحظر أو على الكراهة، وإذا حمل على الحظر فهل يؤدي في الحديث إلى فساد المنهي عنه أولاً؟. وقد ذهب أبو حنيفة إلى أن النهي على الكراهة، لسرعة التخمر المؤدي إلى الإسكار في هذه الأنبذة، كما ذكر النسائي. أو أن النهي منصب على الخلط، إذا كان يؤدي إلى الإسكار، كما ذهب البخاري. ويلاحظ أن أبا حنيفة قد خالف الجمهور في عدم اعتباره للنبيذ خمرًا، وقصره إياها على عصير العنب إذا اشتد وقذف بالزبد وإباحة قليل ما يسكر كثيره، وقد عنى الطحاوي بعرض وجهة نظر أبي حنيفة وأيده (¬2). ¬
4 - تخليل الخمر
4 - تَخْلِيلُ الخَمْرِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَيْتَامًا وَرِثُوا خَمْرًا، فَسَأَلَ أَبُو طَلْحَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَهُ خَلاًّ، قَالَ: «لَا». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ». أجمع العلماء على أن الخمر إذا تخللت من ذاتها جاز أكلها. واختلفوا إذا قصد تخليلها على ثلاثة أقوال: التحريم، والكراهة، والإباحة. فمن فهم من المنع سد الذريعة حمله على الكراهة، ومن لم يعلل المنع (¬1) قال بالتحريم. 5 - وَضْعُ الخَشَبَةِ عَلَى جِدَارِ الجَارِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ»، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ». - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ». سبب الخلاف في هذه المسألة هو حمل النهي على التحريم، بتأثير الاتجاه الظاهري، أو على التنزيه، الذي راعى أن التصرف في ملك الغير لا يجوز إلا بإذن منه، وأن تمام الملك حرية التصرف فيه ومنع الغير من استغلاله. قال الزرقاني في " شرح الموطأ " (*): «[أَيْ الْأَحَدُ الْمَنْهِيُّ تَنْزِيهًا] فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْنَعَ [وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ] عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ ... وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ: " يُجْبَرُ إِنْ امْتَنَعَ "» (¬2). ¬
6 - أكل لحم الخيل
6 - أَكْلُ لَحْمِ الخَيْلِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، [أَوْ أَصَبْنَا مِنْ لَحْمِهِ]»، وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَطْعَمَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْخَيْلِ، وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ». وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَكَلْنَا لُحُومَ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ». ثم قال: - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا تُؤْكَلُ». السبب في الاختلاف هنا هو تعارض الأحاديث، فقد جاء في بعض الأحاديث ما يفيد النهي عن لحوم الخيل، وعلى حين جعل أبو داود، هذا النهي منسوخًا، جعله النسائي ناسخًا. وقد رجح أبو حنيفة ومالك جانب التحريم لموافقته للآية الكريمة: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]. ولم يعد منها منفعة الأكل (¬1). 7 - التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الأَوْلاَدِ فِي العَطِيَّةِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَبَاهُ نَحَلَهُ غُلاَمًا وَأَنَّهُ أَتَى - النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ، فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْته مِثْلَ هَذَا؟»، قَالَ: «لاَ»، قَالَ: «فَارْدُدْهُ». ثم رواه بطريق آخر، وفيه: «فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»، وفي طريق آخر: «لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لاَ بَأْسَ بِهِ». ذهب جمهور فقهاء الأمصار، ومنهم أبو حنيفة - إلى أن تفضيل الرجل بعض ولده على بعض في الهبة مكروه. وذهب المحدثون وأهل الظاهر إلى تحريمه. وأصحاب الرأي الأول يقولون: إنه مع كراهته لو وقع جاز، أما أصحاب الرأي الثاني فيبطلون الهبة ويحكمون بردها. ¬
8 - الجلوس على جلود السباع
وسبب الخلاف أن الحديث المتقدم روي بألفاظ مختلفة، يفيد بعضها التحريم، ويفيد بعضها الندب، فأخذ الجمهور بالندب لما يعضده من القياس، إذ صح للإنسان أن يهب كثيرًا من أمواله للأجنبي، فلولده أولى، ولما روي من أن أبا بكر فضل بعض ولده (¬1). 8 - الجُلُوسُ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ: وَبِسَنَدِهِ «أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَنْ تُفْتَرَشَ»، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، «أَنَّهُ اسْتَعَارَ دَابَّةً [فَأُتِيَ بِهَا] عَلَيْهَا صُفَّةُ نُمُورٍ فَنَزَعَهَا ثُمَّ رَكِبَ». وَعَنْ الحَكَمِ «تُكْرَهُ جُلُودُ السِّبَاعِ». وَعَنْ عَلِيٍّ، «أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ». وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِالجُلُوسِ عَلَيْهَا». هذا النهي قد يكون دعوة إلى عدم الترفه، أو عدم التشبه بالعجم، فيحمل حينئذٍ على التنزيه، وبخاصة أنه قد روى من الأحاديث ما يفيد أن جلود الميتة تطهر بالدباغ. وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة. وقد يكون النهي تحريمًا للجلوس على جلود السباع إذا أخذ على ظاهره، وهو رأي ابن أبي شيبة وغيره. قال صاحب " المغني ": «فَأَمَّا جُلُودُ السِّبَاعِ فَقَالَ القَاضِي: " لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا بَعْدَهُ ". وَبِذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ ... وَأَبَاحَ الحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ» (¬2). ¬
الآثار المنتقدة على أبي حنيفة في أبواب مختلفة
الآثَارُ المُنْتَقَدَةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَبْوَابٍ مُخْتَلِفَةٍ: 1 - نَذْرُ الجَاهِلِيَّةِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ، قَالَ: «نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الجَاهِلِيَّةِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا أَسْلَمْتُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَفِيَ بِنَذْرِي». وَعَنْ طَاوُوسٍ، فِي رَجُلٍ نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ , قَالَ: «يَفِي بِنَذْرِهِ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «سَقَطَ اليَمِينُ إِذَا أَسْلَمَ». الخلاف في فهم الحديث هو سبب الخلاف في هذه المسألة، فنذر الجاهلية لم يكن يراد به وجه الله، فهو معصية، وقد صح أن من نذر أن يعصي الله فلا يعصيه، وأن النذر إنما هو ما ابتغي به وجه الله - وأمره - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لعمر بالوفاء، إنما هو توجيه قصده السابق إلى ما فيه رضى الله (¬1). 2 - العَقِيقَةُ: وَبِسَنَدِهِ أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَنِ الغُلَامِ شَاتَانِ [مُكَافِئَتَانِ]، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ , لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا». وَبِسَنَدِهِ أَنَّ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: «عَقَّ عَنِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ». وَعَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا: «الغُلَامُ [رَهِينَةٌ] بِعَقِيقَتِهِ , تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى». ثُمَّ قَالَ: - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «إِلَّا يَعُقُّ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ». ¬
3 - الأضحية على المسافر
اختلاف الآثار في العقيقة دفع العلماء إلى أن يختلفوا في حكمها، ما بين أن تكون واجبة، كما ذهب أهل الظاهر، أو سنة، كما ذهب مالك والشافعي وأحمد، وذهب بعضهم إلى أن وجوبها قد نسخ (¬1). 3 - الأُضْحِيَةِ عَلَى المُسَافِرِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ بِسَنَدِهِ ما يفيد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَابَتُهُ كَانُوا يُضَحُّونَ فِي السَّفَرِ». وَعَنْ الحَسَنِ: «أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا إِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ أَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ أَنْ يُضَحُّوا عَنْهُ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى المُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ». ذَهَبَ مَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الأُضْحِيَةَ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: [الضَّحِيَّةُ] وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ الْمُوسِرِينَ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِينَ، وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ [أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ]، فَقَالَا: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ». والقول الثاني لمالك موافق لأبي حنيفة، والحديث المعترض به هنا هو حكاية فعل لا يعين الحكم من وجوب أو ندب، وأبو حنيفة لا يمانع في أن يضحي المسافر، ولكنه ينفي الوجوب عنه (¬2). 4 - ذَكَاةُ الجَنِينِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ذَكَاةُ الجَنِينِ، ذَكَاةُ أُمِّهِ إِذَا أَشْعَرَ». - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا تَكُونُ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ أُمِّهِ». أخذ بهذا الحديث الجمهور، وخالفهم أبو حنيفة وابن حزم. وسبب الخلاف هو الاختلاف في صحة هذا الحديث، مع تأويله إن صح، ليوافق ¬
5 - سن البلوغ
الأصول، وهي أن الجنين إذا كان حَيًّا ثم مات بموت أمه فإنما يموت خنقًا، فهو من المنخنقة التي ورد النص بتحريمها، وإذا خرج من بطن أمه حيًا ثم مات من غير ذبح، فالقول بحل أكله حينئذٍ قول بحل أكل الميتة. ولذلك أخذوا بالحديث السابق على رواية من نصب «ذَكَاةَ» الثانية، فقد روى الحديث بالرفع، وعليها تكون ذكاة الأم مغنية عن ذكاة الجنين، وروي بالنصب، فيلزم حينئذٍ ذكاة الجنين، لأن المعنى «ذَكَاةُ الجَنِينِ، ذَكَاةَ أُمِّهِ» أي ذكاته مثل ذكاة أمه. ولكن الرواية الثانية للحديث تتنافى مع هذا التأويل، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «سَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الجَنِينِ، فَقَالَ: " كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ "»، وفي رواية: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَنَذْبَحُ البَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الجَنِينَ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ قَالَ: " كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ "» (¬1). وعلى كل فالمسألة تمثل الاتجاه إلى الظاهر والأخذ بالآثار عند المحدثين، على حين توضح فكرة عرض الآثار على الأصول عند أبي حنيفه. 5 - سِنُّ البُلُوغِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَاسْتَصْغَرَنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي»، قَالَ نَافِعٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، قَالَ: فَقَالَ: «هَذَا حَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ»، قَالَ: «فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لاِبْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي المُقَاتِلَةِ، وَلاِبْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي الذُّرِّيَّةِ». - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الجَارِيَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَمَانَ عَشْرَةَ، أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ». ¬
6 - اللقطة
حديث ابن عمر هذا حكاية يدخله الاحتمال، فقد يكون أجيز وهو ابن خمس عشرة لأنه قد بلغ، ويحتمل أنه قد كان ضعيفًا فرده في الأولى، ثم أصبح قويًا في المرة الثانية، ويؤيد هذا الاحتمال أن مورده فيمن هو صالح للجهاد، وذلك بالقوة الجسمية، وبدليل أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَضَ لِبَعْضِ غِلْمَانِ الأَنْصَارِ وَلَمْ يَفْرِضْ لِسَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ وَكَانَ صَغِيرًا، قَالَ لَهُ سَمُرَةُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ فَرَضْتَ لِصَبِيٍّ وَلَمْ تَفْرِضْ لِي، وَأَنَا أَصْرَعُهُ»، قَالَ: «صَارِعْهُ»، فَصَرَعَهُ، فَفَرَضَ لَهُ. وبهذا يخرج الحديث عن أن يكون دلالة على حد البلوغ. أما الذي دل عليه القرآن فهو أن الأطفال يبلغون إذا احتلموا، وبذلك قال داود الظاهري: «لَا يَكُونُ البُلُوغُ حَتَّى يَكُونَ اِحْتِلَامٌ وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ عَامًا». وجعل بعض العلماء الحد الأقصى للبلوغ خمس عشرة، أخذًا عند البنت سبع عشرة سنة، وعند الغلام ثماني عشرة أو تسع عشرة، على روايتين (¬1). 6 - اللُّقَطَةُ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدٍ بْنِ خَالِدِ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: " عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْهَا "». وَعَنْ أُبَيِّ بْنَ كَعْبٍ مَرْفُوعًا: «عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ وَجَدْتَ صَاحِبَهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِلاَّ فَاعْرِفْ عَدَدَهَا، وَوِعَاءَهَا، وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ تَكُونُ كَسَبِيلِ مَالِكَ». - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا غَرِمَ لَهُ». ¬
7 - القرعة في العتق
جمهور فقهاء الأمصار مع أبي حنيفة في هذه المسألة: مالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي وغيرهم - ذهبوا إلى أن اللقطة من غير الغنم تعرف ويعلن عنها سنة، فإن جاء صاحبها أخذها، وإن لم يجيء حتى مضت السنة، كان للملتقط أن ينتفع بها إن كان فقيرًا، أو يتصدق بها إن كان غنيًا. فإن جاء صاحبها بعد إنفاقها كان مخيرًا بين أن يجيز الصدقة، أو يضمن الملتقط، ولا شك أن الحديث السابق يؤيد رأي الجمهور، فإنه يأمر الملتقط بعد أن يعرف اللقطة عَامًا ولم يظهر لها صاحب - أن يعرف أوصافها ويحفظ عددها، ثم ينفقها، فإذا كان إنفاقها يجعلها ملكًا له، فلم أمره بحفظ أوصافها قبل الإنفاق؟. وقد جاء في بعض روايات " البخاري " ما يؤيد ذلك، وترجم له البخاري بقوله: (بَابُ إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ). وقد ذهب أهل الظاهر وبعض المحدثين إلى أن الملتقط يملك اللقطة بعد عام، ولا يردها إلى الملتقط (¬1). 7 - القُرْعَةُ فِي العِتْقِ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، «أَنَّ رَجُلاً كَانَ لَهُ سِتَّةُ أَعْبُدٍ، فَأَعْتَقَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَقْرَعَ [بَيْنَهُمَ] النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَ مِنْهُمَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً». وعن أبي هريرة مثل ذلك، ثم قال: - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَلاَ يَرَى فِيهِ قُرْعَةً». عرض الطحاوي هذا الموضوع ووفاه حقه، وَبَيَّنَ أن القرعة في الأحكام منسوخة بأدلة ذكرها، وبأن العتق لا يتجزأ، فالذي يعتق ستة يعتقون جميعًا، ويستسعون في الثلثين، لأن الوصية تنفذ في حدود الثلث، ¬
8 - الوقف
بدليل الحديث الذي دل على أن أحد الشريكين لو أعتق نصيبه في عبد، فإن العبد يعتق كله، ويستسعى في نصف قيمته، أما القرعة بين الزوجات في السفر فليس واجبًا على الزوج، بل يسعه تركه، لأن له أن يسافر بدونهن جميعًا، فله كذلك أن يسافر ببعضهن دون بعض، لأن السفر يرفع حكم القسم بينهن، فالقرعة حينئذٍ لتطييب خاطر من لا تخرج منهن، أما أن تكون القرعة للإلزام فلا (¬1). 8 - الوَقْفُ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: " أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ عِنْدِي أَنْفَسَ مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ " قَالَ: " إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْت بِهَا ". قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ، وَالقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ (*)، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ». - وذُكِرَ أنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «يَجُوزُ لِلوَرَثَةِ أَنْ يَرُدُّوا ذلِكَ». نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ مِثْلَ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ، ثُمَّ أَيَّدَ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا لَا يَقْنَعُ، وَقَدْ خَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فِي حُكْمِ الوَقْفِ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُ أُبُو يُوسُفَ بِأَنَّ الحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ، وَلَوْ بَلَغَهُ لَقَالَ بِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ (¬2). 9 - المُزَارَعَةُ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ ¬
خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْ زَرْعٍ، أَوْ ثَمَرٍ». وَبِسَنَدِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: «[يَغْفِرُ] اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، إِنَّمَا أَتَاهُ رَجُلاَنِ قَدَ [اقْتَتَلاَ]، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلاَ تُكْرُوا المَزَارِعَ "». وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: «كِلَا جَارَيَّ قَدْ رَأَيْتُهُ يُعْطِي أَرْضَهُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ: عَبْدَ اللهِ، وَسَعْدًا». وَعَنْ طَاوُوسٍ، [قَالَ]: «قدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذٌ وَنَحْنُ نُعْطِي أَرْضَنَا بِالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْنَا». وَعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِالمُزَارَعَةِ بِالنِّصْفِ». - «وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ». جاء في المزارعة أحاديث مختلفة بعضها يبيح المزارعة وبعضها ينهى عنها، مثل حديث رافع بن خديج في المسألة التالية. ومعاملة أهل خيبر بشطر ما يخرج منها كان مقاسمة على الخارج من الأرض، لا إجارة. وهو رأي إبراهيم النخعي. وهي من المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة جمهور العلماء، الذين حملوا النهي في بعض الأحاديث على التنزيه، أو على ما كان شائعًا من تخصيص ثمرة جزء معين من الأرض، مما يؤدي إلى التشاحن، يدل عليه ما رواه البخاري عَنْ رَافِعٍ قَالَ: «كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ المَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ»، قَالَ: «فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الأَرْضُ، وَمِمَّا يُصَابُ الأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا». وروى أيضًا عَنْ طَاوُوسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: لَوْ تَرَكْتَ المُخَابَرَةَ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ، فَقَالَ طَاوُوسٍ: «[أَيْ عَمْرُو إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُغْنِيهِمْ] وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ، أَخْبَرَنِي - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَكِنْ، قَالَ: " أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا "». ولذلك أتى البخاري بحديث رافع في المنع من المزارعة تحت عنوان (بَابُ مَا كَانَ [مِنْ] أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَاسِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّمَرَةِ) (¬1). ¬
10 - من زرع أرض قوم بغير إذنهم
10 - مَنْ زَرَعَ أَرْضَ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا: «مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، رُدَّتْ إِلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ». وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ: «مَا تَقُولُ فِي المُزَارَعَةِ؟ فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا، حَتَّى حُدِّثَ فِيهَا بِحَدِيثِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بَنِي حَارِثَةَ، فَرَأَى زَرْعًا فِي أَرْضِ ظُهَيْرٍ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَيْسَ لِظُهَيْرٍ، قَالَ: " أَلَيْسَتِ الأَرْضُ أَرْضَ ظُهَيْرٍ؟ " قالَوا: " بَلَى، وَلَكِنَّهُ زَارَعَ فُلاَنًا "، قَالَ: " فَرُدُّوا عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ، وَخُذُوا زَرْعَكُمْ "، قَالَ رَافِعٌ: " فَأَخَذْنَا زَرْعَنَا، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ "». - وذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «يُقْلَعُ زَرْعَهُ». ذهب أبو حنيفة إلى أن من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فصاحب الأرض بالخيار: إن شاء خلى بين الزارع وزرعه فيأخذه، وضمنوه نقصان الأرض إن حصل فيها نقص، وإن شاء منع الزارع من ذلك، وغرم له قيمة زرعه مقلوعًا، لما جاء في حديث «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ». وقد ذكر الطحاوي أن الحديث المحتج به على أبي حنيفة قد جاء بألفاظ مختلفة، وفي بعض هذه الألفاظ ما يخرج الحديث عن أن يكون حجة لما أرادوه (¬1). 11 - سَهْمُ الفَارِسِ مِنَ الغَنِيمَةِ: رَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَسَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا». وَعَنْ مَكْحُولٍ؛ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمًا لَهُ». وعن ابن عباس مثل ذلك. - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «سَهْمٌ لِلْفَرَسِ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِهِ». ¬
12 - السفر بالمصحف إلى أرض العدو
وهذه أيضًا من المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة معظم العلماء، معتمدًا على روايات قسمت للفارس سهمين وللراجل سهمًا، وقد رجحها أبو حنيفة و [إن ضعفها غيره] (¬1). 12 - السَّفَرُ بِالمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ: وَبِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إلَى أَرْضِ العَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ». - وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ». هذا الحديث منصوص على علته، فإذا أمنت العلة وزالت ارتفع النهي، ولذلك ذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يسافر بالقرآن إذا كانوا جماعة استطلاعية أو فرقة بسيطة، أما العسكر العظيم فلا مانع من مصاحبة المصحف معه، ليقرأ فيه من لا يحفظ (¬2). تَعْقِيبٌ: وبعد، فهذه هي المسائل التي أحصاها أبو بكر بن أبي شيبة على أبي حنيفة، مدعيًا عليه أنه قد خالف فيها الآثار، وقد أوجزت القول فيها بالقدر الذي يبين مآخذ الأدلة، ويوضح وجهات النظر، وإني أعتذر لما جاء في بعض المسائل من إيجاز قد يصل إلى حد الإشارة في بعض الأحيان، فما دفعني إليه إلا خشية الإملال، وكراهة التطويل، مستدركًا هذا النقص بالإرشاد إلى المراجع التي عنيت ببسط الموضوع والكتاب الذي ألفه الكوثري خاصًا به، إذ لم يكن من غرضي - كما ذكرت في بداية هذا الفصل - أن أبسط الأدلة وأوضح الآراء، بقدر ما كنت مُهْتَمًّا بتحقيق دعوى مخالفة الآثار التي وجهت إلى أبي حنيفة، وإنما تصح هذه الدعوى ¬
إذا لم يكن عند المجتهد من المبررات إلا قصد المخالفة وهذا ما لا يظن بمسلم. وقد رأينا فيما سبق أن كثيرًا من المجتهدين غير أبي حنيفة قد خالف بعض الآثار في بعض الأحيان، لوجود معارض من آية أو أثر أو غيرهما. وقد تبين أن اختلاف الحديث هو الذي يشكل الجانب الأكبر من الاختلاف بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة، ثم يلي ذلك الاختلاف في تصحيح الحديث، ثم بعد أن نخرج المسائل التي لم تصح نسبتها إلى أبي حنيفة - تبقى مجموعة من المسائل ليست حجة أبي حنيفة فيها بالقولية ولا المقنعة. أما المسائل التي لم يصح عزوها إلى أبي حنيفة فهي: 1 - التصفيق للنساء في الصلاة. 2 - وقت العشاء. 3 - قضاء سنة الأربع قبل الظهر. 4 - الأذان والإقامة عند قضاء الفائتة. 5 - الجلستان في خطبة الجمعة. 6 - الأكل من التطوع. 7 - البر بالبر مثلاً بمثل يدًا بيد. 8 - كسر القصعة وضمانها. 9 - اقتناء الكلب. 10 - تحديد المهر. وأما المسائل التي يمكن أخذها على أبي حنيفة، مما لم يتبين لي قوة حجته فيها، فيمكن حصرها فيما يأتي: 1 - ولوغ الكلب. 2 - الطمأنينة في الصلاة وتعديل الأركان.
3 - إشعار الهدي. 4 - الولي في النكاح. 5 - الطلاق قبل النكاح. 6 - اختيار الأربع من الزوجات. 7 - المصراة. 8 - بيع الثمرة قبل بدو صلاحها. 9 - العرايا. 10 - خيار المجلس. 11 - الانتفاع بالمرهون. 12 - حكم الحاكم وأنه لا يحل الحرام. 13 - ناكح المحارم. 14 - هبة المسروق بعد الترافع إلى القاضي. 15 - قتل من يسب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 16 - قتل المرتدة. 17 - حكم النبيذ. 18 - الوقف. 19 - المزارعة. 20 - سهم الفارس من الغنيمة. أما بقية المسائل فهي بين أن يكون رأي أبي حنيفة فيها هو الرأي الراجح أو تكون الأدلة فيها متكافئة. وقد قال الأستاذ محمد زاهد الكوثري - رَحِمَهُ اللهُ -، في كتاب " النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة " (*): «[وَالوَاقِعُ أَنَّنَا لَوْ فَرَضْنَا] أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ أَخْطَأَ فِي [جَمِيعِ المَسِائِلِ التِي عَزَاهَا] ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ [إِلَيْهِ - وَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةَ مَسْأَلَةٍ -]، لَكَانَ هَذَا العَدَدُ [عَدَدًا] يَسِيرًا [جِدًّا بِالنَّظَرِ] إِلَى كَثْرَةِ مَسَائِلِهِ التَّقْدِيرِيَّةِ، ¬
[وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِيهَا إِنَّهَا] ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ». (82000)، ثم قال: «مَعَ أَنَّ القَارِئَ يَسْتَبِينُ مِنْ مُنَاقَشَتِنَا مَعَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي تِلْكَ المَسَائِلِ، أَنَّ نِصْفَ تِلْكَ المَسَائِلِ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٍ، يَأْخُذُ هَذَا المُجْتَهِدُ بَأَحَادِيثَ مِنْهَا لِتَرَجُّحِهَا عِنْدَهُ بِوُجُوهِ تَرْجِيحٍ مَعْرُوفَةٍ عِنْدَهُ، وَيَأْخُذُ ذَاكَ المُجْتَهِدُ بِأَحَادِيثَ تُخَالِفُهَا لِتَرَجُّحِهَا عِنْدَهُ بِوُجُوهٍ تَرْجِيحٍ أُخْرَى [عِنْدَهُ]، وَبِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ شُرُوطِ قَبُولِ الأَخْبَارِ عِنْدَ هَذَا وَذَاكَ، فَلَا مَجَالَ فِي هَذَا النَّوْعِ لِلْحُكْمِ عَلَى المُجْتَهِدِ بِأَنَّهُ خَالَفَ الحَدِيثَ الصَّحِيحَ الصَّرِيحَ لِأَنَّ المَسَائِلَ الاِجْتِهَادِيَّةَ لَيْسَتْ بِمَوْضِعٍ لِلْبَتِّ فِيهَا». «وَإِذَا قَسَّمْتَ النِّصْفَ البَاقِي أَخْمَاسًا: فَخُمُسٌ مِنْهَا مِمَّا خَالَفَ خَبَرُ الآحَادِ فِيهِ نَصَّ الكِتَابِ، فَيُؤْخَذُ بِالكِتَابِ، وَخُمُسٌ آخَرَ مِنْهَا وَرَدَ فِيهِ خَبَرٌ مَشْهُورٌ وَخَبَرٌ دُونَ ذَلِكَ، فَيُرَجَّحُ الخَبَرُ المَشْهُورُ عَمَلاً بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، وَالخُمُسُ الثَّالِثُ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الأَفْهَامُ، وَتَبَيَّنَتْ فِيهِ دِقَّةُ فَهْمِ الإِمَامِ دُونَ فَهْمِ الآخَرِينَ، فَالقَوْلُ قَوْلُهُ أَيْضًا، وَالخُمُسُ الرَّابِعُ هُوَ الذِي تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ فِيهِ عَلَى أَكْبَرِ تَنَزُّلٍ، وَالخُمُسُ الأَخِيرُ مَا غَلَطَ فِيهِ المُصَنِّفُ بِعَزْوِ مَا لَمْ يَقُلْهُ إِلَيْهِ، بِالنَّظَرِ إِلَى كُتُبِ المَذْهَبِ» (¬1). ولا شك أن ما قاله الكوثري يعتبر خلاصة دقيقة لموضوعات الخلاف بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة، نختتم بها هذا الفصل، لننتقل إلى موضوعات الخلاف بين البخاري وأهل الرأي. • • • ¬
الفصل الثاني: بين البخاري وأهل الرأي
الفَصْلُ الثَّانِي: بَيْنَ البُخَارِيِّ وَأَهْلِ الرَّأْيِ: رأينا في الفصل السابق كيف أن ابن أبي شيبة قد وجه نقده إلى أبي حنيفة على وجه الخصوص. أما البخاري، فالخصومة بينه وبين أهل الرأي، خصومة عامة لا تقتصر على أبي حنيفة، بل نقده قد يكون موجهًا إليه، وقد يكون موجهًا إلى غيره من أصحابه، ولذلك لم يصرح باسم مخالفه أو صفته، وإنما عبر عنه بقوله: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ» (*). وقد ذكر البخاري هذه الجملة في " صحيحه " عدة مرات، معرضًا بأهل الرأي، رَادًّا عليهم، مُبَيِّنًا تناقضهم. ولا شك في أن موضوعات الخلاف بينه وبين أهل الرأي ليست مقصورة على المسائل التي رد فيها على قول (بَعْضِ النَّاسِ)، بل توجد مسائل أخرى، لم يرض البخاري عن مسلك أهل الرأي إزاءها، وأثبت في " صحيحه " مذهبه فيها، وإن لم يعن ببيان رأي مخالفيه، بل إنه قد أفرد بعضًا من هذه المسائل بمؤلفات خاصة، مثل رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، في كتابه " قرة العينين برفع اليدين "، ومثل القراءة خلف الإمام، في كتابه " خير الكلام في القراءة خلف الإمام ". فمن هذه المسائل التي قرر البخاري فيها رأيه، ورد ضمنًا على أهل الرأي دون أن يشير إليهم: 1 - حقيقة الخمر ومسماها: وقد علمنا أن أبا حنيفة يقصر الخمر على عصير العنب، حيث يحرم قليله وكثيره. أما العصير من غيره إذا تخمر، فإنه لا يحرم القليل الذي لا يسكر منه، ويحرم كثيره المسكر. ¬
وقد ترجم البخاري عدة أبواب، مفندًا فيها هذا الرأي، مثبتًا أن الخمر اسم لكل مسكر. لا فرق بين عصير العنب وغيره، ولا بين القليل والكثير، فيقول: (بَابٌ: الخَمْرُ مِنَ العِنَبِ)، (بَابُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهِيَ مِنَ البُسْرِ وَالتَّمْرِ)، (بَابٌ: الخَمْرُ مِنَ العَسَلِ، وَهُوَ البِتْعُ)، (بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ الخَمْرَ مَا خَامَرَ العَقْلَ مِنَ الشَّرَابِ)، (بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ) (¬1). 2 - شرط المصر في الجمعة: وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَلَا تُقَامُ الجُمُعَةُ عِنْدَهُ فِي القُرَى الصَّغِيرَةِ، وَقَدْ رَدَّ البُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ فِي تَرْجَمَتِهِ (بَابُ الجُمُعَةِ فِي القُرَى وَالمُدُنِ) (¬2). 3 - نصاب الزكاة في الزروع والثمار: فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى وُجُوبِ العُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ، فِي قَلِيلِ مَا تُخْرِجُهُ الأَرْضُ وَكَثِيرُهُ، أَخْذًا بِعُمُومِ الحَدِيثِ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ». وقد روى البخاري هذا الحديث، ولكنه روى عقبه حديث: «لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ»، ثم قال: «هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ، [يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، " وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ "]، وَبَيَّنَ فِي هَذَا، وَوَقَّتَ، وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى المُبْهَمِ، إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ». وقد قال السندي في تعليقه على هذا الحديث: «وَمُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، حَيْثُ أَخَذَ بِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - وَهُوَ حَدِيثُ " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ ... "، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مُبْهَمٌ، يُفَسِّرُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، - وَهُوَ " لَيْسَ فِيمَا أَقَلَّ ... " [فَالوَاجِبُ الأَخْذُ بِهِ لَا بِالمُبْهَمِ فَافْهَمْ]» (¬3). ¬
4 - الطَّلَاقُ قَبْلَ النِّكَاحِ: ذكرنا هذه المسألة في الفصل السابق، وذكرنا أن الرجل إذا علق الطلاق على النكاح، يلزمه الطلاق إذا تزوج. وقد ترجم البخاري لهذا بقوله: (بَابُ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا، فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ» وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ ...) ثم ذكر رواية ذلك عن اثنين وعشرين تابعيًا (¬1). 5 - طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالمُكْرَهِ وَالغَاضِبِ: وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى وُقُوعِ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، ورد عليه البخاري في ترجمة طويلة، تقدم ذكرها في فصل (الاتجاه العقلي)، وهي (بَابُ الطَّلاَقِ فِي الإِغْلاَقِ وَالكُرْهِ، وَالسَّكْرَانِ ...) (¬2). وهناك العديد من الأمثلة غير ما تقدم، يمكن تتبعه في مسائل الخلاف، وقد ذكرنا بعضها في الفصل السابق، فيما أشرنا فيه إلى البخاري كمرجع لبعض المسائل المختلف فيها. لكن البخاري في هذه المواضع التي يبدي فيها رأيه، لا يعني بالضرورة أنه يقصد الرد على أهل الرأي، وإنما فيه نسبة ذلك إليه اجتهاد وظن راجح من الباحثين، لا نستطيع أن ننسبه صراحة إليه. أما الذي يمكن نسبته إليه، فهو ما صرح فيه بالرد على مخالفيه، الذين أطلق عليهم (بَعْضَ النَّاسِ) في " صحيحه "، أو ناقشهم في مؤلفات خاصة. فهذا هو الذي يعنينا بالقصد الأول، حيث يعطينا صورة واضحة عن أسلوب البخاري في مناقشته، وعن تصوره لمخالفات أهل الرأي التي لم يسعه السكوت عليها، لمخالفتها مقتضى الأدلة في نظره. ¬
رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه
ويلاحظ أن الموضوعات التي عني بها البخاري بالرد على أهل الرأي أقل كثيرًا من المسائل التي انتقدها ابن أبي شيبة على أبي حنيفة، لأن كثيرًا من هذه المسائل التي انتقدها شيخه، كان أبو حنيفة فيها مستندًا إلى حجج قوية، ووافقه على رأيه بعض الأئمة ومنهم البخاري. فكان من الضروري أن يمحص البخاري هذه المسائل، ثم يركز نقده على ما هو جدير بالنقد منها. كما يلاحظ أيضًا أن البخاري قد افترق عن شيخه، في أنه قد اعتنى ببيان وجهة نظر أهل الرأي، ولم يضن عليهم بذكر حجتهم أو موضع شبهتهم، في حدود ما تسمح به ظروف التأليف، لأن الغرض من " صحيحه " لم يكن عرض الآراء الفقهية ومناقشتها، بل هو جمع لما صح من الأحاديث، واستنباط للأحكام الفقهية منه. أما المسألتان اللتان أفردهما بالتأليف، فقد بسط فيهما القول، وتوسع في عرض الآراء ومناقشة الحجج. وسوف يعرض هذا الفصل هاتين المسألتين، ثم يتتبع المسائل التي ناقشها البخاري مع أهل الرأي، مشيرًا إليهم بقوله: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ» مما جاء في " صحيحه ". رَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الرَّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ: وقد سمي كتاب البخاري الذي عالج هذه المسألة: " قرة العينين برفع اليدين في الصلاة "، وهو مطبوع على هامش كتاب " خير الكلام في القراءة خلف الإمام "، بالمطبعة الخيرية بمصر سنة 1320 هـ. ويتضح من عنواني الكتابين أنهما ليسا من صنع البخاري، لما فيهما من السجع المتكلف، كما أنهما ليسا كبيرين، وإنما هما جزءان صغيران.
وقد بدأ البخاري جزءه في رفع اليدين، بمقدمة أنكر فيها على مخالفه في هذه المسألة، مهاجمًا إياه بأسلوب حاد، ومتهمًا إياه بالبدعة، لمخالفته الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذي أمر اللهُ باتباعه وطاعته في آيات كثيرة: فقد جاء في أول كتابه: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ... [أَخْبَرَنَا] الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رَفْعَ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، [وَأَبْهَمَ] عَلَى العَجَمِ فِي ذَلِكَ، تَكَلُّفًا لِمَا لَا يَعْنِيهِ فِيمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مِنْ] فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ [وَمِنْ فِعْلِ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَتِهِمْ] كَذَلِكَ، ثُمَّ فِعْلِ التَّابِعِينَ وَاقْتِدَاءِ السَّلَفِ بِهِمْ فِي صِحَّةِ الْأَخْبَارِ بَعْضِ الثِّقَةِ عَنِ الثِّقَةِ، مِنَ الْخَلَفِ العُدُولِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْجَزَ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ عَلَى ضَغِينَةِ صَدْرِهِ، وَحَرَجَةِ قَلْبِهِ، نِفَارًا عَنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [مُسْتَحِقًّا] لِمَا يَحْمِلُهُ [اسْتِكْبَارًا] وَعَدَاوَةً لِأَهْلِهَا، [لِشَوْبِ] البِدْعَةِ لَحْمَهُ وَعِظَامَهُ وَمُخَّهُ، [وَأُنْسَتِهِ بِاحْتِفَالِ] العَجَمِ حَوْلَهُ اغْتِرَارًا» (¬1) (*). ونحن نستبعد أن يكون الكلام السابق موجهًا إلى أبي حنيفة أو واحد من أصحابه، ولعله كان يقصد به أحد معاصريه من المتمذهبين بالمذهب الحنفي وحيث ترفع المعاصرة، درجة حرارة المناقشة، وترهف من حدتها. بعد هذا الهجوم الخاطف أخذ البخاري في سرد الآيات التي افترضت على المسلمين طاعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقوله سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]. إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. ثم شرع البخاري في مناقشة موضوعية لمسألة رفع اليدين في الصلاة. ¬
والاجتهاد في هذه المسألة محصور في نطاق الترجيح بين الآثار المختلفة فيه، لأنها رواية فعل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، فبعض العلماء رجح ثبوت الفعل - أي رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه - وبعضهم يرجح نفيه، والمعركة حول ذلك تدور: كل من الفريقين يقوي الأثر الذي يدل له، ويضعف الأثر الذي يناقضه أو يؤوله. وسوف يتبين لنا أن الاعتزاز بالشيوخ والثقة بما جاء عن طريقهم، كان من العوامل الهامة في الترجيح، مما جعل أبا حنيفة وسفيان الثوري وأهل الكوفة يرجحون جانب الترك في هذه المسألة، أَخْذًا بما روي عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي فيها (¬1). وفي مناقشة البخاري هذه المسألة، أخذ يسرد الروايات الدالة على رفع اليدين عند الركوع والرفع منه عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ثم قال: «وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ [عِنْدَ الرُّكُوعِ مِنْهُمْ] أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ , وَأَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ ...». وبعد أن عدهم بالاسم نقل عن بعض العلماء الإجماع على ذلك حيث قال: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ. فَلَمْ يَسْتَثْنِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[دُونَ أَحَدٍ , وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ , وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَصَفْنَا , وَكَذَلِكَ [رَوَيْنَاهُ] عَنْ عِدَّةٍ مِنْ عُلَمَاءِ مَكَّةَ , وَأَهْلِ الحِجَازِ , وَالعِرَاقِ , وَالشَّامِ , وَالبَصْرَةِ , وَاليَمَنِ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ»، ثم ذكر أن شيوخه: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (*) , وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ يُثْبِتُونَ ¬
عَامَّةَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَيَرَوْنَهَا حَقًّا , وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ». ثم روى أحاديث أخرى في رفع اليدين عن ابن عمر، وغيره من الصحابة الذين رووا ذلك ممن سبق ذكرهم في جملة السبع عشرة نفسًا. ثم أخذ البخاري بعد ذلك يفند حجج خصومه، وهي تنحصر في أن علي بن أبي طالب، وابن عمر اللذين روى عنهما أحاديث رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه - قد روي عنهما ما يفيد عدم رفع اليدين إلا في تكبيرة الإحرام، وهذا إما دليل على نسخ الرفع عند الركوع أو دليل على ضعف الحديث فيه. وعن ابن مسعود والبراء بن عازب ما يفيد عدم الرفع، كما استدل بعضهم على عدم الرفع بحديث «مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟»، واعتل بعضهم بأن ابن عمر كان صغيرًا. أما الرواية الثانية عَنْ عَلِيٍّ فِي «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ بَعْدُ»، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ «أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ»، كما احتج أيضًا في ردها بأن الأخذ بالمثبت أولى من الأخذ بالنافي، فإذا روى رجلان عن محدث وقال أحدهما: رأيته يفعل، وقال الآخر: لم أره، فالذي قال: رأيته يفعل هو شاهد، والذي قال: لم يفعل فليس هو بشاهد، لأنه لم يحفظ الفعل، ثم ذكر مثلاً لذلك أَنَّ بِلَالاً قَالَ: «" رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الكَعْبَةِ " , وَقَالَ الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ: " لَمْ يُصَلِّ " , فَأَخَذَ النَّاسُ بِقَوْلِ بِلَالٍ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ , وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَمْ يُصَلِّ حِينَ لَمْ يَحْفَظْ» (ص 5). «أَمَّا مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ، فَذَلِكَ سَهْوٌ مِنْهُ»، ثم «رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ تَضْعِيفَ ذَلِكَ». ثم قال: «وَلَوْ تَحَقَّقَ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لَكَانَ حَدِيثُ طَاوُوسٍ ,
وَسَالِمٍ , وَنَافِعٍ , وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ , وَابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ رَأَوْهُ - أَوْلَى لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُنْ يُخَالِفْ الرَّسُولَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ مَا رَوَاهُ أَهْلُ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ , وَالمَدِينَةِ , وَاليَمَنِ , وَالعِرَاقِ [أَنَّهُ كَانَ] يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى لَقَدْ حَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ , عَنْ سَعِيدٍ , عَنْ قَتَادَةَ , عَنِ الحَسَنِ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّمَا أَيْدِيهِمُ المَرَاوِحُ يَرْفُعُونَهَا إِذَا رَكَعُوا , وَإِذَا رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ». ثم روى مثل ذلك عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، «فَلَمْ يَسْتَثْنِ الحَسَنُ , وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَحَدٍ» (7 - 11). أما ما يروى عن ابن مسعود في عدم الرفع، فقد ذكر البخاري بقوله: وقال: «وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ (*) , عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ , عَنْ عَلْقَمَةَ [قَالَ]: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟. فَصَلَّى، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً»، وقد رد البخاري هذه الرواية بما رواه عن أحمد بن حنبل، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ قَالَ: «نَظَرْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ لَيْسَ فِيهِ: " ثُمَّ لَمْ يَعُدْ "»، فهذا أصح، لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم، لأن الرجل يحدث بشيء، ثم يرجع إلى الكتاب، فيكون كما في الكتاب. ثُمَّ رَوَى البُخَارِيُّ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَفْعَلُ التَّطْبِيقَ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ يُطَبِّقَ يَدَيْهِ وَيَجْعَلَهَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ نُسِخَ. (ص 11، 12). أما ما يروى عن البراء بن عازب، فقد ضعف البخاري إسناده، فقال: «حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ , حَدَّثَنَا سُفْيَانُ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ هَهُنَا عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى , عَنِ البَرَاءِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ ". قَالَ سُفْيَانُ: " لَمَّا كَبُرَ الشَّيْخُ - يعني يزيد - لَقَّنُوهُ " ثُمَّ لَمْ يَعُدْ ". [فَقَالَ: ثُمَّ لَمْ يَعُدْ]». قَالَ البُخَارِيُّ: «وَكَذَلِكَ رَوَى الحُفَّاظُ مَنْ سَمِعَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَدِيمًا مِنْهُمْ ¬
الثَّوْرِيُّ , وَشُعْبَةُ , وَزُهَيْرٌ لَيْسَ فِيهِ: " ثُمَّ لَمْ يَعُدْ "». ثم ذكر أن هذا الحديث قد روي من طريق آخر عن غير [يزيد]. [قَالَ الْبُخَارِيُّ: «وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا مِنْ حِفْظِهِ فَأَمَّا مَنْ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ كِتَابِهِ فَإِنَّمَا حَدَّثَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى] عَنْ يَزِيدَ فَرَجَعَ الحَدِيثُ إِلَى تَلْقِينِ يَزِيدَ» (ص 12، 13). أما حديث النبي عن رفع الأيدي، وتشبيهها بأذناب الخيل، فقد أنكر البخاري على من يستدل به في عدم رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، لأن الحديث قد جاء في موضوع آخر، وفي ذلك يقول: «وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ المُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَنَحْنُ رَافِعِي أَيْدِينَا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: " مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ؟، اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي التَّشَهُّدِ لَا فِي القِيَامِ "، كَانَ يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَفْعِ الْأَيْدِي فِي التَّشَهُّدِ. وَلَا يَحْتَجُّ [بِمِثْلِ هَذَا] مَنْ لَهُ حَظٌّ مِنَ العِلْمِ، هَذَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَكَانَ رَفْعُ الْأَيْدِي فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ , وَأَيْضًا تَكْبِيرَاتُ صَلَاةِ العِيدِ مَنْهِيًّا عَنْهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ رَفْعًا دُونَ رَفْعٍ ...» (ص 13). «وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ وَأَهْلِ العِرَاقِ: مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ , وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ , وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ , هَؤُلَاءِ أَهْلُ العِلْمِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، فَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ [عَلِمْنَا] فِي تَرْكِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ]». قَالَ الْبُخَارِيُّ: «وَكَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ , وَهُوَ [أَكْثَرُ] أَهْلِ زَمَانِهِ عِلْمًا فِيمَا نَعْرَفُ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْلَمُ مِنَ السَّلَفِ عِلْمٌ فَاقْتَدَى بِابْنِ المُبَارَكِ فِيمَا اتَّبَعَ الرَّسُولَ , وَأَصْحَابَهُ , وَالتَّابِعِينَ لَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَنْ
[يُثْبِتَهُ] بِقَوْلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ» (ص 14). ونلاحظ هنا أن البخاري يتهم خصومه بعدم معرفة الآثار، وسوف يأتي اتهامه لهم بالتقليد، وأنهم يختارون من السنن ما يوافق مذهبهم، وكان يجب عليهم أن يخضعوا أنفسهم ومذهبهم للسنن. وقد طعن من لا يرفع اليدين في حديث الرفع، فذكر أن ابن عمر كان صغيرًا لا يدرك من فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يدرك غيره، كما طعنوا في وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أحد رواة حديث رفع اليدين. وقد رد البخاري على ذلك، فقال: «وَالعَجَبُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ صَغِيرًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَلَقَدْ شَهِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ بِالصَّلَاحِ - ثُمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ عَنْ حَفْصَةَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَجُلٌ صَالِحٌ "»، ثم روى البخاري أن ابن عمر قال: «إِنِّي لَأَذْكُرُ عُمَرَ حِينَ أَسْلَمَ». وبعد أن رد على من طعن على وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، نعى على مخالفيه تقليدهم وإخضاعهم السنن لهذا التقليد، فقال: إنه لو ثبت رفع اليدين عن الصحابة الذي يستدل بهم المخالفون على عدم الرفع، كابن مسعود، والبراء، وجابر - لم يعدم المخالفون علة يعللون بها ما ورد عنهم، ما دام هذا المروي مخالفًا لرأي رؤسائهم، ولقالوا: «أَنَّ رُؤُسَاءَنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِهَذَا , وَلَيْسَ هَذَا بِمَأْخُوذٍ». «وَلَقَدْ قَالَ وَكِيعٌ: " مَنْ طَلَبَ الحَدِيثَ كَمَا جَاءَ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ , وَمَنْ طَلَبَ الحَدِيثَ لِيُقَوِّيَ هَوَاهُ فَهُوَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ ". يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ [يُلْقِيَ] رَأْيَهُ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ ثَبَتَ الحَدِيثُ , وَلَا [يَعْتَلُّ] بِعِلَلٍ لَا تَصِحُّ لِيُقَوِّيَ هَوَاهُ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لَمَّا جِئْتُ
بِهِ "». وَقَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: «أَهْلُ العِلْمِ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ أَعْلَمَ , وَهَؤُلَاءِ الْآخِرُ فَالْآخِرُ عِنْدَهُمْ أَعْلَمُ» , وَلَقَدْ قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: «كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ، فَقَالَ: " [مَا] خَشِيتَ أَنْ تَطِيرَ؟ " فَقُلْتُ: " إِنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ " قَالَ وَكِيعٌ: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الجَوَابِ "» (ص 15 - 17). وقد ذكر مخالفوه أن إبراهيم النخعي قال في حديث رفع اليدين، الذِي رَوَاهُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: «لَعَلَّهُ كَانَ فَعَلَهُ مَرَّةً»، ورد البخاري عليه، بأن هذا ظن من إبراهيم، ومعاينة وائل أكثر من حسبان غيره، ثم روى ما يفيد أن وائلاً رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه غير مرة، وأن الرفع كان من عادتهم (ص 19) (¬1). وقد أثبتنا في بداية هذه المسألة، ملاحظتنا عن حدة البخاري في مناقشته، واتهامه خصومه بالبدعة، واستبعدنا أن يكون المقصود بذلك هو أبا حنيفة، لأنه لم يكن وحده في القول بعدم رفع اليدين، وإنما كان معه بعض من يعتز بهم المحدثون، ويقدرونهم قدرهم في معرفة الآثار كالثوري ووكيع. وقد جاء فيما تقدم أن البخاري، يرمي خصومه بالتقليد للرؤساء، وهذا دليل على المعاصرة، وقد جاء في كلام البخاري بعد ذلك ما يفسر حدته، بل ما يفسر اختصاص هذه المسألة بتأليف مفرد، وهو أن بعض ¬
الخصوم كان يزعم أن رفع اليدين عند الركوع بدعة. قَالَ البُخَارِيُّ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ رَفْعَ الْأَيْدِي بِدْعَةٌ، فَقَدْ طَعَنَ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَالسَّلَفِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَهْلِ الحِجَازِ، وَأَهْلِ المَدِينَةِ، وَأَهْلِ مَكَّةَ، وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ اليَمَنِ، وَعُلَمَاءِ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنْهُمُ ابْنُ المُبَارَكِ حَتَّى شُيُوخِنَا ...» (ص 19). «وَكَانَ الثَّوْرِيُّ , وَوَكِيعٌ , وَبَعْضُ الكُوفِيِّينَ لَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ , وَقَدْ رَوَوْا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً , وَلَمْ [يُعَنِّفُوا] عَلَى مَنْ رَفَعَ يَدَيْهِ , وَلَوْلَا أَنَّهَا حَقٌّ مَا رَوَوْا تِلْكَ الْأَحَادِيثَ ...» (ص 19). وقد استدل المخالفون بحديث: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ , وَاسْتِقْبَالِ [الكَعْبَةِ] , وَعَلَى الصَّفَا وَالمَرْوَةِ , وَبِعَرَفَاتٍ , وَبِجَمْعٍ، وَفِي المَقَامَيْنِ، وَعِنْدَ الجَمْرَتَيْنِ». وَقَدْ أَعَلَّ البُخَارِيُّ هَذَا الحَدِيثَ. وعلى فرض صحته، فليس المراد هنا حقيقة الحصر وليس بينه وبين رفع اليدين عند الركوع تناقض، بل الواجب الأخذ بكل الأحاديث، «وقد قَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِرَفْعِ الأَيْدِي فِي تَكْبِيرَاتِ الجَنَازَةِ وَلَيْسَتْ ضِمْنَ السَّبْعِ المُتَقَدِّمَةِ» (ص 21، 23). ثُمَّ أَنْهَى البُخَارِيُّ كَلَامَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ بِتَأْكِيدِ الرَّفْعِ وَاخْتِيَارِهِ لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ، أَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي عَدَمِ الرَّفْعِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ خِلَافَ ذَلِكَ، حَيْثُ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَهَذَا أَحْفَظُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، مَعَ مَا يُؤَيِّدُهُ مِنْ رِوَايَاتِ غَيْرِ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (ص 23، 25).
القراءة خلف الإمام
القِرَاءَةُ خَلْفَ الإِمَامِ: ذكرنا في فصل (الاتجاه إلى الآثار) أن أبا حنيفة يرى أن القراءة في الصلاة، ليس خصوص فاتحة الكتاب، وإنما هو قراءة ما تيسر من القرآن، أما قراءة الفاتحة بالذات فهذا واجب ليس بفرض، لأنه ثبت بأخبار الآحاد، فمن لم يقرأها صحت صلاته مع الإساءة، لحديث عائشة: «كُلُّ صَلَاةٍ [لَا] يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» أي ناقصة. أَمَّا القِرَاءَةُ خَلْفَ الإِمَامِ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى تَرْكِهَا خَلْفَهُ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَرْكِهَا فِي حَالَةِ جَهْرِ الإِمَامِ بِالقِرَاءَةِ، وَقِرَاءَتِهَا فِي حَالَةِ الإِسْرَارِ، وَذَهَبَ فَرِيقٌ ثَالِثٌ إِلَى وُجُوبِ قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا، فِي حَالَتَيْ الجَهْرِ وَالإِسْرَارِ. وقد عرض الطحاوي هذا الموضوع، فذكر ثلاثة أحاديث يحتج بها من يرى وجوب القراءة خلف الإمام: - أَوَّلُهَا، حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ. - وَثَانِيهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، الذِي رَوَاهُ أَبُو السَّائِبِ (*) عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً [لَمْ] يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» غَيْرُ تَمَامٍ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ، قَالَ: «اقْرَأْهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ». - وَثَالِثُهَا حَدِيثٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الفَجْرِ، فَتَعَايَتْ عَلَيْهِ القِرَاءَةُ , فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: " [أَتَقْرَأُونَ] خَلْفِي؟ " قُلْنَا: " نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ "، قَالَ: " فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ , فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا "». وقد ناقش الطحاوي هذه الأحاديث: أما الحديثان الأولان فإنهما ساكتان عن محل النزاع، وهو الصلاة خلف الإمام، فقد يجوز أن يكون ¬
عني بهما الصلاة التي لا إمام فيها للمصلي، وَقَدْ فَهِمَ أَبُو الدَّرْدَاءِ هَذَا الفَهْمَ، فِيمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: «" يَا رَسُولَ اللهِ فِي [كُلِّ] الصَّلَاةِ قُرْآنٌ؟ " قَالَ: " نَعَمْ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: " وَجَبَتْ ". قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: " أَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَمَّ القَوْمَ , فَقَدْ كَفَاهُمْ "». فلم يبق إلا الحديث الثالث الذي رواه عبادة، وقد روى الطحاوي مجموعة من الآثار تخالفه، مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى رَكْعَةً , فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ , فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ» (¬1)، ومنها حديث: «مَالِي أُنَازَعُ القُرْآنَ؟» عن أبي هريرة، وفيه: «فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالقِرَاءَةِ , مِنَ الصَّلَوَاتِ , حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ»، وبما رواه عن أبي هريرة مرفوعًا: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا». ثم ذكر الطحاوي أنه إذا احتج محتج بأن بعض الصحابة قد كان يقرأ خلف الإمام، احتج عليه بأن بعضهم الآخر كان لا يقرأ، ثم روى عدم القراءة خلف الإمام عَنْ عَلِيٍّ، وابن مسعود، وجابر، وزيد بن ثابت، وابن عمر. ولم ينس الطحاوي أن يحكم النظر بين الآثار المختلفة، فذكر أن القراءة خلف الإمام لو كانت فرضًا، لما صحت الركعة التي أدرك مع الإمام فيها وهو راكع، فلما أجمعوا على أنه يعتد بتلك الركعة، كان ذلك دليلاً على عدم وجوب القراءة على المأموم، ولا يقال إن القراءة سقطت ¬
لضرورة اللحاق بالإمام، لأن الفروض لا تسقط بهذه الضرورة. فلو ترك تكبيرة الإحرام قبل ركوعه، خوفًا من فوت الإمام لما صحت صلاته (¬1). هذه هي وجهة النظر الحنفي، كما عرضها الطحاوي، فكيف عرض البخاري وجهة نظره؟ لم يذكر البخاري في " صحيحه " إلا ترجمة مختصرة، ولكنها تفصح عن رأيه بوضوح، فقال: (بَابُ وُجُوبِ القِرَاءَةِ لِلْإِمَامِ وَالمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ). «ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ أَهْلَ الكُوفَةِ اشْتَكَوْا سَعْدًا إِلَى عُمَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَهُ قَالَ لَهُ: " يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي "، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: " أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ ... "»، كَمَا رَوَى حَدِيثَ عُبَادَةَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ». ثم روى حديث أبي هريرة في المسيء صلاته، وفيه: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا» (¬2). أما الجزء الأول الذي ألفه البخاري في هذه المسألة، فقد ناقش فيه حجج أهل الرأي مفندًا لها، مبينًا تناقضهم. وقد بدأ عرضه للموضوع بذكر الروايات في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ¬
«لَا صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ»، «كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ (¬1) أَوْ مُخْدَجَةٌ»، وحديث أبي هريرة: «مَنْ صَلَّى وَلَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ القُرْآنِ، فَهِي خِدَاجٌ (ثَلَاثًا) غَيْرَ تَمَامٍ». قُلْتُ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَكُونُ وَرَاءَالْإِمَامِ». قَالَ: «يَا ابْنَ الفَارِسِيِّ، اقْرَأْهَا فِي نَفْسِكَ ...». ثم ذكر أن قوله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]، قد فسره ابن عباس بقوله: «هَذِهِ فِي المَكْتُوبَةِ وَالخُطْبَةِ». ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: «سَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؟ " قَالَ: " نَعَمْ "، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: " وَجَبَتْ "». ولكنه لم يرو تأويل أبي الدرداء لذلك، مما سبق أن رواه الطحاوي. ثم أخذ البخاري بعد ذلك في عرض وجهة نظر أهل الرأي، مشيرًا إليهم بالعبارة نفسها التي استعملها في " صحيحه "، فقال: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُجْزِيهِ آيَةً آيَةً (¬2)، فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، بِالفَارِسِيَّةِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي الأُخْرَيَيْنِ»، وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الأَرْبَعِ». «وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأَرْبَعِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ ". فَإِنِ احْتَجَّ وَقَالَ: قَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا صَلَاةَ " وَلَمْ يَقُلْ: " لَا يُجْزِي " قِيلَ لَهُ: إِنَّ الخَبَرَ إِذَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحُكْمُهُ عَلَى اسْمِهِ وَعَلَى الجُمْلَةِ، حَتَّى يَجِيءَ بَيَانُهُ ¬
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: " لَا يُجْزِيهِ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ". فَإِنِ احْتَجَّ، فَقَالَ: إِذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ جَازَتْ فَكَمَا أَجْزَأَتْهُ فِي الرَّكْعَةِ كَذَلِكَ تُجْزِيهِ فِي الرَّكَعَاتِ، قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا أَجَازَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالذِينَ لَمْ يَرَوُا القِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَأَمَّا مَنْ رَأَى القِرَاءَةَ، فَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يُدْرِكَ الْإِمَامَ قَائِمًا "، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: " لَا يَرْكَعُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ القُرْآنِ "، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا لَكَانَ هَذَا المُدْرِكُ لِلرُّكُوعِ مُسْتَثْنًى مِنَ الجُمْلَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِيهِ». ثم يبين البخاري تناقض أهل الرأي على استدلالهم لعدم القراءة خلف الإمام، بالآية الكريمة: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]. فيسألهم: أيثني المأموم على اللهِ والإمام يقرأ؟ فيجيبون: نعم، فيقول لخصمه: إن الثناء تطوع تتم الصلاة بغيره، والقراءة في الأصل واجبة، لقد «أَسْقَطْتَ الوَاجِبَ بِحَالِ الْإِمَامِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاسْتَمِعُوا} [الأعراف: 204]، وَأَمَرْتَهُ أَنْ لَا يَسْتَمِعَ عِنْدَ الثَّنَاءِ وَلَمْ تُسْقِطْ عَنْهُ الثَّنَاءَ، وَجَعَلْتَ الفَرِيضَةَ أَهْوَنَ حَالًا مِنَ التَّطَوُّعِ، وَزَعَمْتَ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ وَالْإِمَامُ [فِي الفَجْرِ فإنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ] لَا يَسْتَمِعُ وَلَا يُنْصِتُ لِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ. وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَالَ]: " إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ "» (ص 4). وَقَدْ ضَعَّفَ البُخَارِيُّ الحَدِيثَ الذِي يَحْتَجُّونَ بِهِ، وَهُوَ «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ»، ثُمَّ نَاقَشَهُمْ مُنَاقَشَةً عَقْلِيَّةً، ينعى عليهم فيها أنهم أهل قياس لا يحسنونه، لأن القياس الصحيح كان يؤدي بهم إلى خلاف
ما قالوه، فقد «اتَّفَقَ أَهْلُ العِلْمِ وَأَنْتَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِمَامُ فَرْضًا عَنِ القَوْمِ. ثُمَّ قُلْتُمُ: القِرَاءَةُ فَرِيضَةٌ، وَيُحْتَمَلُ الْإِمَامُ هَذَا الفَرْضَ عَنِ القَوْمِ فِيمَا جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ، وَلَا يَحْتَمِلُ [الْإِمَامُ] شَيْئًا مِنَ السُّنَنِ، نَحْوَ الثَّنَاءِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَالتَّحْمِيدِ، فَجَعَلْتُمُ الفَرْضَ أَهْوَنَ مِنَ التَّطَوُّعِ، وَالقِيَاسُ عِنْدَكَ أَنْ لَا يُقَاسَ الفَرْضُ بِالتَّطَوُّعِ، وَأَلَّا يُجْعَلَ الفَرْضُ أَهْوَنَ مِنَ التَّطَوُّعِ، وَأَنْ يُقَاسَ الفَرْضُ أَوِ الفَرَعُ، بِالفَرْضِ إِذَا كَانَ مِنْ نَحْوِهِ. فَلَوْ قِسْتَ القِرَاءَةَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ كُلُّهَا فَرْضًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي فَرْضٍ مِنْهَا كَانَ أَوْلَى عِنْدَ مَنْ يَرَى القِيَاسَ أَنْ يَقِيسُوا الفَرْضَ أَوْ الفَرْعَ بِالفَرْضِ» (ص 4) (¬1). «بَقِيَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: 204] لَا يُنَافِي القِرَاءَةَ خَلْفَ الإِمَامِ، إِذْ يَسْتَطِيعُ المَأْمُومُ أَنْ يَقْرَأَ الفَاتِحَةَ فِي سَكَتَاتِ الإِمَامِ، وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ قَبْلَ القِرَاءَةِ، وَبَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا» (ص 4). ثُمَّ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ فِي الصَّلَاةِ إِذَا خَطَبَ الإِمَامُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَمَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - نَهَى عَنْ الكَلَامِ أَثْنَاءَ الخُطْبَةِ إِلَّا أَنَّهُ أَمَرَ مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُخْطِئْ أَنْ يَقْرَأَ فَاتِحَةَ الكِتَابِ» (ص 15). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «إِذَا لَمْ يَقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ أَعَادَ الصَّلَاةَ» (ص 15). ثم يستمر البخاري في بيان تناقض أهل الرأي ومخالفتهم، فينكر على من يقول منهم: يجزيه أن يقرأ بالفارسية، ويجزيه أن يقرأ بآية، «يَنْقَضُّ آخِرُهُمْ عَلَى أَوَّلِهِمْ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ». ثم يسألهم بما لا يحيرون معه جوابًا، فيقول: «مَنْ أَبَاحَ لَكَ الثَّنَاءَ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ [بِخَبَرٍ أَوْ بِقِيَاسٍ]، وَحَظَرَ عَلَى غَيْرِكَ الفَرْضَ - وَهُوَ القِرَاءَةُ - وَلَا خَبَرَ ¬
عِنْدَكَ وَلَا اتِّفَاقَ لِأَنَّ عِدَّةً مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، لَمْ يَرَوُا الثَّنَاءَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَيُكَبِّرُونَ ثُمَّ يَقْرَؤُونَ فَتَحَيَّرَ عِنْدَهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ». ثم يلقي الضوء على نوع آخر من تناقضهم، معنفًا لهم، فيقول لخصمه: «زَعَمْتَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ أَوِ العَصْرِ أَوِ العِشَاءِ يُجْزِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ أَرْبَعٍ مِنَ التَّطَوُّعِ لَمْ يُجِزِهِ. قُلْتَ: وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنَ المَغْرِبِ أَجْزَأَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي رَكْعَةٍ مِنَ الوِتْرِ لَمْ يُجِزِهِ، وَكَأَنَّهُ مُولِعٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَا فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (¬1) (ص5). «وَقَدْ ضَعَّفَ البُخَارِيُّ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدٍ، مِنْ عَدَمِ القِرَاءَةِ خَلْفَ الإِمَامِ، ثُمَّ عَنَّفَ أَهْلَ الرَّأْيِ لِدَعْوَاهُمْ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَزَعْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ حَتَّى تَكُونَ قِرَاءَةٌ، لِأَنَّ القَائِلِينَ بِذَلِكَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَلَا يُؤْثِرُونَ فِي الإِجْمَاعِ» (ص 14). ثم أخذ البخاري يسرد الأدلة على وجوب القراءة في كل ركعة، وأن من يدرك الركوع مع الإمام دون أن يتمكن من القيام والقراءة فإنه لا يعتد بركعته، وعليه أن يأتي بركعة غيرها: «وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: ¬
إِنَّ كُلَّ مَأْمُومٍ يَقْضِي فَرْضَ نَفْسِهِ، وَالقِيَامُ وَالقِرَاءَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالسُّجُودُ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ فَلَا يَسْقُطُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَنِ المَأْمُومِ وَكَذَلِكَ القِرَاءَةُ فَرْضٌ فَلَا يَزُولُ فَرْضٌ عَنْ أَحَدٍ إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَقَالَ [أَبُو قَتَادَةُ] وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ". فَمَنْ فَاتَهُ فَرْضُ القِرَاءَةِ وَالقِيَامِ فَعَلَيْهِ إِتْمَامُهُ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (ص 15). «إِنْ اعْتَلَّ مُعْتَلٌّ فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ "، وَلَمْ يَقُلْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. قِيلَ لَهُ: قَدْ بَيَّنَ حِينَ قَالَ: " اقْرَأْ ثُمَّ ارْكَعْ [ثُمَّ اسْجُدْ] ثُمَّ ارْفَعْ فَإِنَّكَ إِنْ أَتْمَمْتَ صَلَاتَكَ عَلَى هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ " ... فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِيَ كُلِّ رَكْعَةٍ قِرَاءَةً وَرُكُوعًا وَسُجُودًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ عَلَى مَا بَيَّنَ لَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى». وهذا حديث مفسر للصلاة كلها، لا لركعة دون ركعة. «وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: " كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ كُلِّهَا "» (ص 17، 18). وَقَدْ ضَعَّفَ البُخَارِيُّ الزِّيَادَةَ التِي جَاءَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ»، والزيادة التي ضعفها البخاري هي: «فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ»، هذا إلى أن الحديث إذا قال: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً» فإنما يريد الركعة الكاملة بكل ما تحويه من فرائض من قيام وركوع وسجود، ولا يقتصر معناه على إدراك الركوع (ص 19، 22). ثم ذكر البخاري أنه لا يجهر بالقراءة خلف الإمام. وأن المأموم يقرأ في سكتات الإمام، وهي سكتتان: بعد تكبيرة الإحرام، وبعد الفراغ من القراءة قبل الركوع. ثم يروي في آخر الكتاب عن أبي هريرة قال: «إِذَا أَدْرَكْتَ
القَوْمَ رُكُوعًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ» (¬1). هاتان هما المسألتان اللتان أفردهما البخاري بالتأليف، ومن هذا التلخيص الذي قدمنا يتبين فيه قدر غير قليل من العلاقة غير الودية بين أهل الحديث وأهل الرأي، مما فصلناه في غير هذا المكان، كما يكشف هذا التلخيص عن براعة البخاري في المناقشة، ويؤكد تمكنه من الأخبار ومعرفته بعللها، وطريقته في إلزام الخصوم وبيان تناقضهم. أما بقية المسائل التي ناقشها البخاري في " صحيحه "، فلم تحظ بما حظيت به هاتان المسألتان، لأن كتابه في الصحيح يفرض عليه منهجًا خاصًا، لا يتيح له التوسع في مناقشة الآراء والموازنة بينهما، كما قدمنا، وإن لم تخل المسائل التي ناقشها في " صحيحه "، من جوهر هذا الأسلوب وطابعه، كما سيتضح من عرضها فيما يأتي: • • • ¬
المسائل التي انتقدها البخاري في " صحيحه " على أهل الرأي
المَسَائِلُ التِي انْتَقَدَهَا البُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ: وهي المسائل التي أشار إلى أهل الرأي [فيها] بقوله: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ». هذه المسائل هي: 1 - الركاز: حقيقته، وحكمه. (من كتاب الزكاة). 2 - إذا قال إنسان لآخر: «أَخْدَمْتُكَ هَذِهِ الجَارِيَةَ»، فهل هذا هبة أو إعارة؟ (من كتاب الهبة). 3 - إذا قال إنسان آخر: «حَمَلْتُكَ عَلَى هَذَا الفَرَسِ»، فهل هذا هبة أو إعارة؟ (من كتاب الهبة). 4 - حكم شهادة القاذف. (من كتاب الشهادات). 5 - حكم إقرار المريض لوارثه بدين. (من كتاب الوصايا). 6 - حد الأخرس إذا قذف بإشارة أو كتابة - باب اللعان. (من كتاب الطلاق). 7 - حقيقة النبيذ. (من كتاب الأيمان). 8 - بيع المكره وهبته (من كتاب الإكراه). 9 - لو قيل: «لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ أَبَاكَ». (من كتاب الإكراه). 10 - كتاب الحيل. ونحن نعتقد أن البخاري لم يبوب كتاب الحيل إلا للرد على أهل الرأي، وقد كرر البخاري فيه عبارة: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ» أربع عشرة مرة. ولذلك مزيد بيان فيما سيأتي. وقد عنى بعض العلماء بجمع هذه المسائل التي اعترض البخاري على الأحناف فيها، ودافع عن وجهة نظرهم، واحتج لهم. ثم رد عليه أحد
علماء الهند في كتاب سماه " رفع الالتباس عن بعض الناس " (¬1)، وجاء في مقدمته: «فَقَدْ وَقَفْتُ فِي جُزْءٍ مِنْ هَذَا الزَّمانِ عَلَى رِسَالَةٍ مُعَنْوَنَةٍ بِـ (بَعْضُ النَّاسِ فِي دَفْعِ الوَسْوَاسِ)، أُجِيبُ فِيهَا عَمَّا وقعَ فِي " الصَّحِيحِ "، لِلْإِمَامِ المُجْتَهِدِ المُطْلَقِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، بِلَفْظِ: (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ). فَنَظَّرْتُ فِيهَا نَظْرَةَ المُتَأَمِّلَ، فَوَجَدْتُهَا جَامِعَةً لِشَتَاتِ مَا أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ نَاصِرِي المِلَّةِ الأَحْنَافِ مِنْ شُرَّاحِ " الصَّحِيحِ " وَنُظَّارِهِ، وَلَمْ يَأْتِ جَامِعُ ذَلِكَ الشَّتَاتِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بِشَيْءٍ يُدَافِعُ عَنْ مَذْهَبِهِ، أَوْ يُدَارِي عَنْ مَسْلَكِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَفْحَشُ وَنَقْصٌ، وَذَهَبَ مَذْهَبَ الاعْتِسَافِ وَلَوَى رَأَّسَهُ عَنْ الحَقِّ، وَأَعْرَضَ عَنْ مَسْلَكِ الإِنْصَافِ ... فَأَرَدْتُ حِسْبَةً لَهُ تَعَالَى، وَذَبًّا عَنْ أَوْلِيَائِهِ، أَنْ أُزِيلَ الْاِلْتِبَاسَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ، كَيْلاَ يَقَعُوا فِي هَذَا الوَسْوَاسِ». وقد التزم صاحب هذا الكتاب بحكاية قول المؤلف: «بَعْضُ النَّاسِ»، ويعنون له بقوله: «القَوْلُ المَرْدُودُ»، ثم يجيب عليه، مبتدئًا الإجابة بقوله: «أَقُولُ بِفَضْلِ اللَّهِ المَعْبُودِ». وسوف نعنى في هذه المسائل ببيان أسباب الخلاف بين البخاري وأبي حنيفة، ونرجعه إلى منهجيهما في الاستنباط، ولن نبسط القول إلا بمقدار ما يوضح لنا هذا الجانب. ولنشرع الآن في بيان هذه المسائل: ¬
الركاز: حقيقته، وحكمه
الرِّكَازُ: حَقِيقَتُهُ، وَحُكْمُهُ: ترجم البخاري لهذه المسألة، مُبَيِّنًا رأيه فيها، ومنتقدًا أهل الرأي، فقال: (بَابٌ: فِي الرِّكَازِ الخُمُسُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ إِدْرِيسَ (*): " الرِّكَازُ: دِفْنُ الجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الخُمُسُ وَلَيْسَ المَعْدِنُ بِرِكَازٍ " وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَعْدِنِ: «جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ» وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: «مِنَ المَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً» وَقَالَ الحَسَنُ: «مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الحَرْبِ فَفِيهِ الخُمُسُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ العَدُوِّ فَعَرِّفْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ العَدُوِّ فَفِيهَا الخُمُسُ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " المَعْدِنُ رِكَازٌ، مِثْلُ دِفْنِ الجَاهِلِيَّةِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: أَرْكَزَ المَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ. قِيلَ لَهُ: قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ، أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ: أَرْكَزْتَ، ثُمَّ نَاقَضَ، وَقَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ [فَلاَ] يُؤَدِّيَ الخُمُسَ "). ثم روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ» (¬1). وملاحظتنا على هذه الترجمة، تتلخص فيما يأتي: - 1 - أن الخلاف هنا هو خلاف في الفهم والتأويل؛ إذ كلا الطرفين يسلم بصحة الحديث ويأخذ به. ولكن البخاري يفسر الركاز الذي فيه الخمس بالأموال التي يعثر عليها المسلم مما دفنه غير المسلمين وخبوه. وأبو حنيفة يوسع من مدلول الركاز، فيجعله شاملاً لدفن الجاهلية، وللمعادن التي توجد في الأرض. والقولان تحتملها اللغة، لأن كلاً منهما مركوز في الأرض، أي ثابت، وأركز الرجل إذا وجد الركاز. ¬
2 - نقل البخاري في ترجمته تفسير الركاز الذي ارتضاه عن مالك والشافعي. ومن النادر أن يصرح البخاري باسمهما، أو يعنى بذكر رأيهما. ولم أجده يصرح برأيهما إلا في مسألتين: هذه إحداهما، والأخرى في تفسر العرايا. 3 - أيد البخاري رأيه بأمرين: - أولهما: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فِي المَعْدِنِ: «إِنَّهُ جُبَارٌ»، أي هدر لا شيء فيه، ثم عطف عليه الركاز مبينًا أن فيه الخمس، والعطف يقتضي المغايرة. - وثانيهما: فهم التابعين للركاز بهذا المعنى، وهو ما فهمه أيضًا علماء أهل الحجاز، وهم أعرف الناس بلغتهم، وقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخاطبهم بمقتضى هذه اللغة. 4 - حكى البخاري رأي أبي حنيفة. ثم ألزمه بأن المعدن لو كان ركازًا لأنه يقال: «أَرْكَزَ المَعْدِنُ» إذا خرج منه شيء، لأدى ذلك إلى وجوب إخراج الخمس من المال الموهوب أو الربح أو الثمرة - وهو ما لم يقل به أحد - لأنه يقال لمن ملك شيئًا من ذلك: «أَرْكَزَ الرَّجُلُ»، كما يقال لم وجد المعدن: «أَرْكَزَ». ثم ذكر أن أبا حنيفة بعد أن أوجب الخمس في المعدن رجع فناقض نفسه، حين أباح لمن وجده أن يكتمه ولا يؤدي منه شيئًا. والخلاف في تفسير الركاز خلاف قديم بين أهل المدينة وأهل الكوفة، ذكر محمد بن الحسن في كتابه " في الرد على أهل المدينة "، وَ «ذَكَرَ أَنَّ الرِّكَازَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَعْدَنِ فِي الأَصْلِ، ثُمَّ شَبَّهَ بِهِ المَالَ المَدْفُونَ»، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الرِّكَازِ الخُمُسَ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الرِّكَازُ؟ فَقَالَ: المَالُ الذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الأَرْضِ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ».
في الهبة
ثُمَّ رَوَى عَنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَا يُفِيدُ عَطْفَ الرِّكَازِ عَلَى دَفْنِ الجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّ الخُمُسَ فِي كِلَيْهِمَا (¬1). فِي الهِبَةِ: 2 - قَالَ البُخَارِيُّ: (بَابُ إِذَا قَالَ: أَخْدَمْتُكَ هَذِهِ الجَارِيَةَ، عَلَى مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ، فَهُوَ جَائِزٌ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «هَذِهِ عَارِيَّةٌ» وَإِنْ قَالَ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، فَهُوَ هِبَةٌ). ثم روى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، فَأَعْطَوْهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً»، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ». 3 - وَقَالَ البُخَارِيُّ: (بَابُ إِذَا حَمَلَ رَجُلًا عَلَى فَرَسٍ، فَهُوَ كَالعُمْرَى وَالصَّدَقَةِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا»). ثم روى فيه عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: «لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ» (¬2). هاتان المسألتان تتعلقان بالألفاظ التي تنعقد بها الهبة، وقد أشار البخاري إلى أن هذه الألفاظ خاضعة للعرف والتعامل والظروف التي تحدد نية المعطي: هل إعطاؤه على سبيل الهبة، أو على سبيل الإعارة، وإذا رجع الخلاف إلى العرف والعادة، فلا يكون ثمة خلاف في الواقع. وقد جاء في " الهداية " أَنَّهُ إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: «وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ»، ¬
شهادة القاذف بعد التوبة
كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ هِبَةً «إِذَا نَوَى بِالحَمْلِ الهِبَةَ، لِأَنَّ الحَمْلَ هُوَ الإِرْكَابُ حَقِيقَةً، فَيَكُونُ تَمْلِيكًا لِلْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ مَعْنَى العَارِيَةِ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الهِبَةَ فِي العُرْفِ اللَّغَوِيِّ، إِذْ يُقَالُ: " حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ " وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ، أَيْ تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ. وَقَوْلُ القَائِلِ: " أَخْدَمْتُكَ الجَارِيَةَ "، هُوَ تَمْلِيكٌ لِلْخِدْمَةِ، أَيْ المَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ، فَتَكُونُ عَارِيَةً، إِلَّا إِذَا نَوَى بِهَا الهِبَةَ (¬1). شَهَادَةُ القَاذِفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ: قَالَ البُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": (بَابُ شَهَادَةِ القَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4، 5]. وَجَلَدَ عُمَرُ، أَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَنَافِعًا بِقَذْفِ المُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ: «مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ». وَأَجَازَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَطَاوُوسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَشُرَيْحٌ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: «الأَمْرُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ القَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ». [وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ: «إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ»]. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: «إِذَا جُلِدَ العَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اسْتُقْضِيَ المَحْدُودُ فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ القَاذِفِ وَإِنْ تَابَ»، ثُمَّ قَالَ: «لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ وَالعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ». «وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّانِيَ سَنَةً وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً»). ثم روى في هذا الباب حديثين: أحدهما عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، «أَنَّ امْرَأَةً ¬
سَرَقَتْ فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَقُطِعَتْ يَدُهَا»، قَالَتْ عَائِشَةُ: «فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». أما الحديث الثاني فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى، وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبِ عَامٍ» (¬1). هذه المسألة ليس فيها حديث يمكن أن يوصف أهل الرأي بمخالفته، وليس في الحديثين اللذين رواهما البخاري ما يرجح أحد الرأيين المختلفين فيها، لأن سبب الاختلاف هنا هو الاختلاف في تأويل الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا ...} [النور: 4، 5]. ولم يختلف العلماء في أن الفاسق بسبب غير القذف تقبل شهادته إذا عرفت توبته. أما الفاسق بسبب القذف فقد خالف أبو حنيفة والثوري في قبول شهادته إذا تاب، لأنهما يعتبران الاستثناء في الآية عائدًا إلى أقرب مذكور، فالتوبة ترفع الفسق، ولكنها لا تؤثر في قبول الشهادة، لأن رد الشهادة من تمام الحد. فالحد جلد ورد للشهادة وكما لا تسقط التوبة الحد فكذلك لا تسقط رد الشهادة، وبخاصة أن الله أيد المنع من قبول الشهادة فقال: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4]. أما الجمهور، فقد جعل الاستثناء عائدًا إلى رد الشهادة والفسق، فبالتوبة تقبل شهادته ويرتفع عنه اسم الفسق. وقد صَدَّرَ البخاري ترجمته بالآية الكريمة، ليشير إلى الاختلاف في فهم الآية، ثم أيد مذهب الجمهور فيما رواه عن عمر وبعض التابعين: وقد أفاض ابن القيم في بسط أدلة الفريقين، وروى عدم قبول شهادة المحدود في القذف وإن تاب، عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن ¬
ومسروق والشعبي، في إحدى الروايتين عنهم، وهو قول شريح (¬1). أما التناقض الذي أخذه البخاري على أهل الرأي في الشهادة، حيث منعوا شهادة المحدودين، ثم أجازوا شهادة اثنين منهم في النكاح فقط، ولم يجيزوا شهادة العبيد في النكاح - فهذا صحيح، ولكن هذه التفرقة جاءت باعتبارات مختلفة راعاها أهل الرأي، جاء في " الهداية ": «وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ المُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ، عَاقِلَيْنِ، بَالِغَيْنِ، مُسْلِمَيْنِ، رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَيْنِ، عُدُولًا كَانُوا أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ، أَوْ مَحْدُودِينَ فِي القَذْفِ». ثم قال صاحب " الهداية " في شرح ذلك: «وَلَا تُشْتَرَطُ العَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الفَاسِقَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الكَرَامَةِ وَالفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ. وَلَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحَرِّمْ الوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَا يُحَرِّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ ... وَالمَحْدُودُ فِي القَذْفِ مِنْ أَهْلِ الوِلَايَةِ، فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا، وَإِنَّمَا الفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ، بِالنَّهْيِ لِجَرِيمَتِهِ، فَلَا يُبَالِي [بِفَوَاتِهِ] كَمَا فِي شَهَادَةِ [العُمْيَانِ] وَابْنَيْ العَاقِدَيْنِ». ولا بد من اعتبار الحرية فيها، لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية على نفسه، فلا تثبت له الولاية على غيره (¬2). وقد ذكر ابن رشد في " بداية المجتهد ": 2/ 14 أن المقصود بالشهادة عند أبي حنيفة في النكاح هو إعلانه فقط، ولذا ينعقد النكاح عنده بشهادة فاسقين، أما قبول شهادة العدل في هلال رمضان وإن كان عبدًا، فلأنه أمر ديني يشبه رواية الأخبار، ولهذا لا يختص بلفظ الشهادة (¬3) وقد ناقش ابن القيم الآراء في شهادة العبيد مرجحًا قبولها، لأن الإمام أحمد روى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: «مَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ العَبْدِ» (¬4). ¬
إقرار المريض لوارثه بدين
إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ: قَالَ البُخَارِيُّ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]. وَيُذْكَرُ أَنَّ شُرَيْحًا، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، وَطَاوُوسًا، وَعَطَاءً، وَابْنَ أُذَيْنَةَ: «أَجَازُوا إِقْرَارَ المَرِيضِ بِدَيْنٍ». وَقَالَ الحَسَنُ: «أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالحَكَمُ: «إِذَا أَبْرَأَ الوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِئَ» وَأَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: «أَنْ لَا تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا». وَقَالَ الحَسَنُ: «إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ عِنْدَ المَوْتِ: كُنْتُ أَعْتَقْتُكَ، جَازَ». وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: «إِذَا قَالَتِ المَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا: إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي وَقَبَضْتُ مِنْهُ جَازَ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرَثَةِ، ثُمَّ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالوَدِيعَةِ وَالبِضَاعَةِ وَالمُضَارَبَةِ». وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ». وَلَا يَحِلُّ مَالُ المُسْلِمِينَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «آيَةُ المُنَافِقِ: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]، فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلاَ غَيْرَهُ) (¬1). أراد البخاري بهذه الترجمة الاحتجاج على جواز إقرار المريض بالدين مطلقًا، سواءً كان المقر له وارثًا أو أجنبيًا، فقد سوى سبحانه بين الوصية والدين في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11]، حيث قدمهما على الميراث ولم يفصل. وقد امتنعت الوصية للوارث بالدليل، وهو قوله - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ». فبقي الإقرار بالدين على إطلاقه، يشمل الوارث وغير الوارث. وقد استدل أهل الرأي لمنع إقرار المريض لوارثه بالدين، بالحديث ¬
لعان الأخرس، وحده إذا قذف
السابق نفسه حيث جاء في بعض طرقه: «أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إِقْرَارَ لَهُ [بِدَيْنٍ]» (*)، وبما روي عن ابن عمر في ذلك، ولأن الورثة قد تعلق حقهم بمال المريض أثناء مرض الموت، ولهذا يمنع من التبرع على الورثة أصلاً، ففي تخصيص البعض به إبطال حق الباقين. ولهذا يجوز إقرار المريض للوارث إذا صدقه الورثة، لأنهم أسقطوا حقهم حينئذٍ. وعلى الرغم من أن الزيادة التي استدل بها أهل الرأي، وهي: «وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ» هي زيادة شاذة غير مشهورة - رأي مالك رأي الأحناف إذا اتهم المقر. وحكى العيني عَن شُرَيْحٍ وَالحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ: «لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثٍ إِلاَّ لِزَوْجَتِهِ بِصَدَاقِهَا، [وَعَنْ القَاسِم وَسَالِمٍ] وَالثَّوْري: «لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُطْلَقًا» ... وَبِه قَالَ أَحْمَدُ. وقد فرق أهل الرأي بين الإقرار بالدين والإقرار بالوديعة وغيرها، لأن مبنى الإقرار بالدين على اللزوم والأمانة فرق عظيم. هكذا قالوا. وهو غير مقنع. ويريدون باللزوم أنه يلزم أداؤه وضمانه، أما الأمانة فلا يلزم فيها الضمان، فلو مات دون أن يقر بها لضاعت إلى غير بدل. وأهل الرأي على كل حال، لم ينفردوا برأيهم في هذه المسألة، حتى أن ابن القيم ليقول: «إقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ بَاطِلٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ؛ لِلتُّهْمَةِ» (¬1). لِعَانُ الأَخْرَسِ، وَحَدُّهُ إِذَا قَذَفَ: قَالَ البُخَارِيُّ: (بَابُ اللِّعَانِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6]- إِلَى قَوْلِهِ - {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] «فَإِذَا ¬
قَذَفَ الأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ، بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ، فَهُوَ كَالمُتَكَلِّمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَجَازَ الإِشَارَةَ فِي الفَرَائِضِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الحِجَازِ وَأَهْلِ العِلْمِ». وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29]. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41] «إِلَّا إِشَارَةً». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَالقَذْفِ فَرْقٌ، فَإِنْ قَالَ: القَذْفُ لاَ يَكُونُ إِلَّا بِكَلاَمٍ، قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ الطَّلاَقُ لَا [يَجُوزُ] إِلَّا بِكَلاَمٍ، وَإِلَّا بَطَلَ الطَّلاَقُ وَالقَذْفُ، وَكَذَلِكَ العِتْقُ، وَكَذَلِكَ الأَصَمُّ يُلاَعِنُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: «إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «الأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ». وَقَالَ حَمَّادٌ: «الأَخْرَسُ وَالأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ، جَازَ». ثم روى البخاري أحاديث تفيد استعمال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإشارة في بعض الأمور، مثل الحديث: «أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا»، وكإشارته - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إلى اليمين ثم قوله: «الإِيمَانُ هَا هُنَا»، وكقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» - يَعْنِي: ثَلاَثِينَ ... (¬1). عمدة الأحناف في المنع من حد الأخرس بإشارته، أن هذه الإشارة لا تعرى عن الشبهة، والحد يندرئ بها، بخلاف البيوع وسائر التصرفات، واللعان من قبيل الشهادة، حتى إنه يختص بلفظ «أَشْهَدُ»، ولو كان مكانها ¬
مفهوم النبيذ بين البخاري وأهل الرأي
«أَحْلِفُ» لم يجر اللعان، والأخرس لا تقبل شهادته في الأموال، فكذلك في اللعان (¬1). والأحاديث التي ذكرها البخاري ليس فيها ما يؤيد أحد القولين في هذه المسألة بالذات، وإن كان فيها اعتبار الإشارة في التصرفات بوجه عام وهو ما يقول به أهل الرأي، غير أنهم يستثنون من ذلك لعان الأخرس وقذفه، لما سبق. مَفْهُومُ النَّبِيذِ بَيْنَ البُخَارِيِّ وَأَهْلِ الرَّأْيِ: قَالَ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ: (بَابُ إِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ نَبِيذًا، فَشَرِبَ طِلاَءً، أَوْ سَكَرًا، أَوْ عَصِيرًا - لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِأَنْبِذَةٍ عِنْدَهُ) (¬2). الطِّلَاءُ: هو عصير العنب إذا طبخ حتى ذهب أقل ثلثيه، وَالسَّكَرُ: نقيع التمر، والعصير هو عصير العنب. لا شك أن الأيمان مبنية على العرف، فإذا كان العرف يطلق على هذه الأنواع لفظ النبيذ، إن صنعت بطريقة خاصة، أو أطلقها على ما يصنع من غير هذه الأنواع، فإن الحالف لا يحنث بشر ما لا يطلق عليه. أما رأي أبي حنيفة في الخمر المحرمة، فقد سبق الكلام عنه، وقد أجمل صاحب " الهداية " الأشربة المحرمة في قوله: «الْأَشْرِبَةُ المُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ: الخَمْرُ وَهِيَ عَصِيرُ العِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ، وَالعَصِيرُ إذَا طُبِخَ حَتَّى يَذْهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ - وَهُوَ الطِّلَاءُ [المَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ]، وَنَقِيعُ التَّمْرِ - وَهُوَ السَّكَرُ -، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ إذَا اشْتَدَّ وَغَلَى» (¬3). ¬
في الإكراه
فِي الإِكْرَاهِ: 8 - قَالَ البُخَارِيُّ: (بَابُ إِذَا أُكْرِهَ حَتَّى وَهَبَ عَبْدًا أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «فَإِنْ نَذَرَ المُشْتَرِي فِيهِ نَذْرًا، فَهُوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ) (¬1). 9 - وَقَالَ: (بَابُ يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ، إِذَا خَافَ عَلَيْهِ القَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ، فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ المَظَالِمَ، وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ المَظْلُومِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَلاَ قِصَاصَ. وَإِنْ قِيلَ لَهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيْتَةَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ، أَوْ تَهَبُ هِبَةً، وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِي الإِسْلاَمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَسِعَهُ ذَلِكَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيْتَةَ، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ، أَوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، لَمْ يَسَعْهُ، [لِأَنَّ هَذَا] لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ. ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ: لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوِ ابْنَكَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ هَذَا العَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ، يَلْزَمُهُ فِي القِيَاسِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ: البَيْعُ وَالهِبَةُ، وَكُلُّ عُقْدَةٍ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ. فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، وَغَيْرِهِ، بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِامْرَأَتِهِ: هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ». وَقَالَ النَّخَعِيُّ: «إِذَا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ الحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ المُسْتَحْلِفِ») (¬2). الخلاف هنا سببه تفرقة الأحناف بين البيع الباطل الذي لا يترتب عليه أي أثر، وهو ما كان الخلل في ركن من أركانه، والبيع الفاسد وهو ¬
ما كان الخلل في وصفه دون أصله. وقد اعتبر الأحناف أن تصرف المُكْرَهِ هنا ينعقد فاسدًا، حتى أن الملك يثبت به القبض، لأن ركن البيع صدر من أهله مضافًا إلى محله، والفساد لفقد شرطه وهو التراضي، فصار كسائر الشروط المفسدة، فيثبت الملك عند القبض، حتى لو قبضه وأعتقه، أو تصرف فيه تصرفًا لا يمكن نقضه، جاز، ويلزمه القيمة (¬1). ولذلك يقول السِّنْدِيُّ في تعليقه على المسألة الأولى: «حَاصِلُ كَلَامِ الحَنَفِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ المُكْرَهِ مُنْعَقِدٌ، إِلَّا أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ العَبْدِ بِهِ، فَيَجِبُ تَوَقُّفُهُ إِلَى إِرْضَائِهِ إِلَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ المُشْتَرِي تَصَرُّفًا لَا يَقْبَلُ الفَسْخَ، فَحِينَئِذٍ قَدْ تَعَارَضَ فِيهِ حَقَّانِ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْعَبْدِ حَقُّ المُشْتَرِي وَحَقُّ البَائِعِ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ مَعَ لُزُومِ البَيْعِ بِإِلْزَامِهِ القِيمَةَ عَلَى المُشْتَرِي بِخِلَافِ حَقِّ المُشْتَرِي، فَلَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ مَعَ فَسْخِ البَيْعِ مَعَ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَقْبَلُ الفَسْخَ فَصَارَ اعْتِبَارُهُ أَرْجَحَ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ تَصَرُّفًا يَقْبَلُ الفَسْخَ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ حَقَّ البَائِعِ عِنْدَهُمْ وَهَذَا الفَرْقُ مِنْهُمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ بَيْعَ المُكْرَهِ مُنْعَقِدٌ مَعَ الفَسَادِ، وَهُمْ يَقُولُونَ بِهِ، فَالنِّزَاعُ مَعَهُمْ فِي هَذَا الأَصْلِ ...» (¬2). أما المسألة الثانية، فكلام أهل الرأي فيها مبني على أن الإكراه في كل شيء بحسبه، فتخليص القاتل عن المعصية، والمقتول عن القتل، لا يكون إكراهًا لغيرهما على المعصية. فإذا قال قائل: اعص اللهَ وإلا فأعصيه أنا، فلا ينبغي له أن يعصيه، ولا يعد ذلك إكراهًا على المعصية، ولهذا لم يعدوا مكرهًا من قيل له: لتشربن الخمر أو لأقتلن فلانًا من الناس. أما الإكراه على البيع والهبة بقتل ذي رحم محرم، ففي استطاعته ¬
الإقدام على هذه العقود لتخليص قريبه، لأن الإقدام على العقود ليس معصية، وهي تنعقد فاسدة، فيدفع بها القتل عن القريب، والتهديد بقتل ذي الرحم المحرم هو الذي يتحقق فيه معنى الإكراه، بخلاف قتل الأجنبي (¬1). ونقد البخاري أهل الرأي في المسألة الثانية، يعتبر نموذجًا واضحًا للاتجاه الخلقي الديني عند المحدثين، حيث أوجب على كل مسلم أن يسعى في إنقاذ أي مسلم، وإن لم يكن قريبه قرابة نسبية، إذ ليست هذه القرابة هي كل ما يربط بين المسلمين، بل هناك علاقة الإسلام وأخوة الإيمان. ولهذا روى في المسألة الثانية حديث: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ». وحديث: «" انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا "، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: " تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ "». وصدورًا عن هذا الاتجاه نفسه، جاء نقد البخاري أهل الرأي فيما تبقى من المسائل، والتي جمعها كتاب الحيل من " صحيحه ". ولعلنا نذكر أن إبطال الحيل كان إحدى نتيجتين للاتجاه الخلقي الديني، وكنا قد أجلنا الحديث عنه، ووعدنا أن نتعرض له في هذا الفصل. وها قد حان موعد لقائنا معه. ¬
الحيل والمسائل التي نقد البخاري أهل الرأي بسببها
الحِيَلُ وَالمَسَائِلُ التِي نَقَدَ البُخَارِيُّ أَهْلَ الرَّأْيِ بِسَبَبِهَا: موقف المحدثين من الحيل مرتبط تمامًا بالاتجاه الخلقي المنبعث عن ضمير ديني عندهم، ورأيهم في الحيل وثيق الصلة بالنيات والمقاصد، ولهذا صَدَّرَ البخاري كتاب الحيل بحديث «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، مستدلاً به على إبطالها. وقد امتدحه ابن القيم في هذا، وأكد أن هذا الحديث وحده كافٍ في إبطال الحيل، حيث دل على أن الأعمال تابعة لمقاصدها ونياتها، وأنه ليس للعبد من ظاهر قوله وعمله، إلا ما نواه وأبطنه، لا ما أعلنه وأظهره (¬1). وذكر ابن القيم هذا الحديث في موضع آخر، فقال: «إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ كَلِمَتَيْنِ كَفَتَا وَشَفَتَا وَتَحْتَهُمَا كُنُوزُ العِلْمِ وَهُمَا قَوْلُهُ: " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " [فَبَيَّنَ فِي الجُمْلَةِ الْأُولَى أَنَّ العَمَلَ لَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَمَلٌ إلَّا بِنِيَّةٍ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي الجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ] أَنَّ العَامِلَ لَيْسَ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ إلَّا مَا نَوَاهُ وَهَذَا يَعُمُّ العِبَادَاتِ وَالمُعَامَلَاتِ وَالْأَيْمَانَ وَالنُّذُورَ وَسَائِرَ الْعُقُودِ وَالْأَفْعَالِ» (¬2). ومما يؤكد الصلة التي تربط بين اتجاه المحدثين الخلقي وموقفهم من الحيل، أن ابن حجر قد رجع الخلاف في إجازة الحيل إلى الاختلاف في صيغ العقود، هل المعتبر فيها ألفاظها، أو معانيها؟ فمن قال بالأول أجاز الحيل (¬3). ¬
وقد أشرنا في بداية الفصل إلى أن هدف البخاري من كتاب الحيل هو الرد على أهل الرأي، ونقدهم في القول بإجازة الحيل، ومما يؤيد هذا أمران: أولهما: أن الأحاديث التي ذكرها في هذا الكتاب هي أحاديث مكررة، ليس من بينها حديث واحد لم يسبق ذكره في باب مناسب له (¬1) وهذا يدل على أن تكرير الحديث هنا ليس له من فائدة جديدة إلا الاستدلال به على إبطال حيلة ذهب إليها أهل الرأي. وثانيهما: أن الجملة التي عهدناها عند حكايته قول أهل الرأي، وهي: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ» قد تكررت في كتاب الحيل أربع عشرة مرة. وهذا العدد يزيد على المرات التي تكررت فيها في " صحيح البخاري " كله مما يبين أن مسائل الحيل كلها موضع نقاش وجدل بين البخاري والأحناف. هذا إلى أنه قد حدد موقفه من الحيل على اختلاف أنواعها، بقوله في أول كتاب الحيل (بَابٌ [فِي تَرْكِ] الحِيَلِ ...)، فالحيل كلها باطلة في رأيه، فما الداعي إذن ليتكلم في مسائلها، إلا أن يكون ذلك للرد على من يقول بها؟ وقد رد البخاري على قول بعض الناس ثلاث مرات في الزكاة، وخمس مرات في النكاح، ومرة واحدة في الغصب، وخمس مرات في الهبة والشفعة. وقبل عرض هذه المسائل ومناقشتها يحسن بنا أن نتعرف على حقيقة الحيل، وأنواعها، وحكم كل نوع منها، ومن القائلون بها؟ الحيلة مشتقة من التحول، فهي إذن نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه، بحيث ¬
تقسيم الشاطبي
لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة، سواءً كان المقصود أمرًا جائزًا أو محرمًا. ثم استعملت فيما هو أخص من هذا، وهو التوصل إلى الغرض الممنوع شرعًا، وهذا هو الغالب عليها في عرف الفقهاء. وكما يذم الناس أرباب هذا النوع الأخير من الحيل، يذمون أيضًا العاجز الذي لا حيلة عنده، لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه. فالأول ماكر مخادع، والثاني عاجز مفرط، والممدوح غيرهما، وهو من له خبرة بطرق الخير والشر، خفيها وظاهرها، فيحسن التوصل إلى مقاصده المحمودة التي يحبها الله ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويعرف طرق الشر الظاهرة والخفية التي يتوصل بها إلى خداعه والمكر به، فيحترز منها ولا يفعلها ولا يدل عليها. وهذه كانت حال سادات الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، فإنهم كانوا أبر الناس قلوبًا، وأعلم الخلق بطرق الشر ووجوه الخداع، وأتقى للهِ من أن يرتكبوا منها شيئًا أو يدخلوه في الدين. قال عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «لَسْتُ بِخِبٍّ، وَلَا يَخْدَعُنِي الخِبُّ». «وَكَانَ حُذَيْفَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالشَّرِّ وَالفِتَنِ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الخَيْرِ وَكَانَ هُوَ يَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيهِ»، إذ القلب السليم ليس هو الجاهل بالشر، بل الذي يعرفه ولا يريده -، «وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَمَّى الحَرْبَ خُدْعَةً»، ولهذا كانت الحيلة بمعناها العام يمكن أن توصف بالأحكام الخمسة: الوجوب، والاستحباب والإباحة والكراهة والحرمة، باعتبار الوسيلة في الحيلة والغاية منها (¬1). تَقْسِيمُ الشَّاطِبِيِّ: وقد قسم الشاطبي (¬2) الحيل ثلاثة أقسام: القسم الأول، لا خلاف في بطلانه، كحيل المرائين والمنافقين، فالنطق بالشهادتين والصلاة وغيرهما ¬
من العبادات إنما شرعت للتقرب إلى الله، ومطابقة القلب للجوارح في الطاعة والانقياد، فإذا أريد بها نيل الحظ من الدنيا، من دفع مضرة أو جلب مصلحة، كالناطق بالشهادتين بقصد صيانة دمه وماله فقط، أو المصلي رئاء الناس ليحمد على ذلك أو ينال به حظًا في الدنيا - كانت هذه الأعمال مناقضة للمشروع، وإن وافقته في الظاهر. وقد أطال ابن القيم في بيان الحيل المحرمة وأنواعها وأوضح بطلانها وفسادها (¬1). والقسم الثاني: لا خلاف في جوازه، كالنطق بكلمة الكفر إكراهًا عليها، فإن نسبة التحيل بها في إحراز الدم بالقصد الأول من غير اعتقاد لمقتضاها - كنسبة التحيل بكلمة الإسلام في إحراز الدم بالقصد الأول كذلك. إلا أن هذا مأذون فيه، لكونه مصلحة دنيوية لا مفسدة فيها بإطلاق لا في الدنيا ولا في الآخرة. بخلاف الأول، فإنه غير مأذون فيه لكونه مفسدة أخروية بإطلاق، والمصالح والمفاسد الأخروية مقدمة في الاعتبار على المصالح والمفاسد الدنيوية باتفاق، إذ لا يصح اعتبار مصلحة دنيوية تخل بمصالح الآخرة، فمعلوم أن ما يخل بمصالح الآخرة غير موافق لمقصود الشارع فكان باطلاً. أما القسم الثالث: فهو في محل الإشكال والغموض، وفيه اضطربت أنظار النظار، من جهة أنه لم يتبين فيه بدليل واضح قطعي لحاقه بالقسم الأول أو الثاني، ولم يتبين فيه للشارع مقصد يتفق على أنه مراد له، ولم يتبين أنه على خلاف المصلحة التي وضعت لها الشريعة بحسب المسألة المفروضة فيه. فصار هذا القسم من هذا الوجه متنازعًا فيه هل هو غير مخالف للمصلحة، فالتحيل جائز، أو هو مخالف لها فالتحيل ممنوع؟ ¬
أدلة المجيزين للحيل
أَدِلَّةُ المُجِيزِينَ لِلْحِيَلِ: وقد احتج الذين أجازوا الحيل بأدلة كثيرة (¬1) منها: أ - قول الله لداود: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} (¬2)، وقد كان نذر أن يضرب زوجته عددًا من الضربات، وفي العادة المتعارفة أن الضربات تكون متفرقة، فأرشده الله سبحانه إلى الحيلة في خروجه من اليمين. ب - أخبر تعالى عن نبيه يوسف أنه جعل صواعه في رحل أخيه، ليتوصل بذلك إلى أخذه، ومدحه الله بذلك، وأخبر أنه برضاه وإذنه: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (¬3). ج - قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (¬4). فأخبر سبحانه أنه مكر بمن مكر بأنبيائه ورسله. وكثير من الحيل هذا شأنها، يمكر بها على الظالم والفاجر، ومن يعسر تخليص الحق منه، فتكون وسيلة إلى نصر مظلوم وقهر ظالم. د - قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (¬5). أي مخرجًا مما ضاق على الناس، والحيل مخارج مما ضاق عليهم، فالحالف قد يضيق عليه ما ألزم نفسه به، فيكون له بالحيلة مخرج منه. والرجل تشتد به الحاجة إلى الإنفاق ولا يجد من يقرضه، فيكون له بالحيلة مخرج منه عن طريق العينة وغيرها، ولو لم يفعل ذلك لهلك ولهلكت عياله، فهو محصور بين ثلاثة ¬
أمور لا بد له من واحد منها: إما إضاعة نفسه وعياله، وإما الربا الصريح، وإما المخرج من هذا الضيق بالحيلة، وهل الساعي في ذلك إلا مأجور غير مأزور؟ هـ - روى البخاري أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟»، فَقَالَ: [لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ]، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، بِالثَّلاَثَةِ، فَقَالَ: «لَا تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا». وقال في الميزان مثل ذلك (¬1) فأرشده إلى الحيلة للتخلص من الربا بتوسط العقد الآخر. و- الحيل معاريض في الفعل، مثل معاريض القول. وإذا كان في الأخيرة مندوحة عن الكذب، ففي معاريض الفعل مندوحة عن المحرمات. وَقَدْ لَقِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَائِفَةً مِنَ المُشْرِكِينَ، وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ: «مِمَّنْ أَنْتُمْ؟». فقال رَسُولُ اللَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِنْ مَاءٍ». فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا: «أَحْيَاءُ اليَمَنِ كَثِيرٌ، فَلَعَلَّهُمْ مِنْهُمْ»، وَانْصَرَفُوا (*). وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «احْمِلْنِي»، فَقَالَ: «مَا عِنْدَنَا إِلَّا وَلَدًا لِنَاقَةٍ». فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلُ إِلَّا النُّوقَ؟» (*). وروي مثل ذلك عن كثير من الصحابة والتابعين، مثل إبراهيم النخعي الذي كان يقول لأصحابه إذا خرجوا من عنده - وكان متخفيًا من الحجاج -: «إِنْ سُئِلْتُمْ عَنِّي فَاحْلِفُوا بِاللَّهِ لَا تَدْرُونَ أَيْنَ أَنَا، وَلَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَنَا وَاعْنُوا أَيْنَ أَنَا مِنَ البَيْتِ، وَفِي أَيِّ مَوَضِعٍ مِنْهُ» (**). وعن مجاهد، عن ابن عباس قال: «مَا يَسُرُّنِي بِمَعَارِيضِ الكَلَامِ حُمْرَ النَّعَمِ». ¬
أدلة المانعين من الحيل
أَدِلَّةُ المَانِعِينَ مِنَ الحِيَلِ: وقد رد الذين لم يجيزوا الحيل على هذه الأدلة بما نخشى معه الإطالة لو ذكرناه هنا، ولكنا نشير إلى أنهم قد ردوا على الاستدلال بقول الله تعالى لأيوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص: 44]، وحادثة الصواع في قصة يوسف، بأن ذلك كان جائزًا في شرائعهم دون شريعتنا، فلا يصح الاستدلال به، وعلى قصة بيع الجمع بالدراهم بأن قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ»، ينصرف البيع فيه إلى البيع المعهود عُرْفًا وَشَرْعًا، ولم يقصد إلى أن يبيع الجمع بالدراهم لرجل ثم يأخذ من المشتري نفسه نوعًا آخر. وعلى المعاريض بأنها لا تجوز إلا إذا تضمنت نصر حق أو إبطال باطل، أما إذا تضمنت استباحة الحرام وإسقاط الواجبات فإنها لا تجوز (¬1). وقد عَرَّفَ ابن القيم الحيلة التي وقع فيها النزاع بما كانت الوسيلة فيها لم توضع للإفضاء إلى المحرم، ولكنها وضعت للإفضاء إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة، فيتخذها المتحيل سلمًا وطريقًا إلى الحرام. أما الحيل التي ارتضاها ورأى أنها مباحة، فهي ما قصد بها التوصل إلى حق أو إلى دفع ظلم بطريق مباحة، لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره، فيتخذها هو طريقًا إلى هذا المقصود الصحيح، أو يكون قد وضعت له لكن تكون خفية ولا يفطن إليها (¬2). أما موقف العلماء من الحيل، فيذكر ابن حجر أن القول بها قد اشتهر عن الأحناف، لكون أبي يوسف صنف فيها كتابًا، لكن المعروف عنه، وعن كثير من أئمتهم إعمالها بقصد الحق (¬3). ¬
وقد ادعي على أبي حنيفة أنه ألف كتابًا في الحيل، ولكن هذا الادعاء لم تثبت صحته، وإن أثر عنه روايات فيها. أما تلميذه محمد بن الحسن فقد نسب إليه كتاب في الحيل، ولكن نسبة هذا الكتاب إليه قد أثير حولها الشك منذ العصر الأول، وإن رجح السرخسي نسبته إليه، كما ألف في الحيل أيضًا الخصاف (¬1)، من أئمة الأحناف في القرن الثالث. وقد أثبت الشيخ محمد أبو زهرة أن الحيل التي احتوى عليها كِتَابَا محمد والخصاف، كانت من النوع المباح الذي ارتضاه ابن القيم ويؤيده ما ذكرناه عن ابن حجر آنفًا من أن المعروف عن أبي يوسف وعن كثير من أئمة الأحناف أنهم يقيدون إعمال الحيل بقصد الحق، كما نقل في موضع آخر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ المُؤْمِنِينَ الفِرَارُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ بِالحِيَلِ المُوصِلَةِ إِلَى إبْطَالِ الحَقِّ» (¬2)، وَذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ الكَبِيرُ رَاوِي " كِتَابِ الحِيَلِ " عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ، أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: «مَا احْتَالَ بِهِ المُسْلِمُ حَتَّى يَتَخَلَّصَ بِهِ مِنَ الحَرَامِ، أَوْ يَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى الحَلَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا احْتَالَ بِهِ حَتَّى يُبْطِلَ حَقًّا أَوْ يُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ لِيُدْخِلَ بِهِ شُبْهَةً فِي حَقٍّ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالمَكْرُوهُ عِنْدَهُ إِلَى الحَرَامِ أَقْرَبُ» (¬3). ويقول السرخسي: «فَالحَاصِلُ: أَنَّ مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الحَرَامِ أَوْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الحَلَالِ مِنَ الحِيَلِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ فِي [حَقٍّ لِرَجُلٍ] حَتَّى يُبْطِلَهُ، أَوْ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُمَوِّهَهُ، أَوْ فِي حَقٍّ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً، فَمَا كَانَ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ» (¬4). ¬
لم ينفرد الأحناف بإجازة الحيل
لَمْ يَنْفَرِدْ الأَحْنَافُ بِإِجَازَةِ الحِيَلِ: ولم ينفرد الأحناف من بين المذاهب الأخرى بالقول بالحيل، بل شاركهم القول بها الشافعية والمالكية والحنابلة وبخاصة بعد وفاة أئمة هذه المذاهب: فالشافعية قد أجازوا التحيل على إسقاط الشفعة، وقالوا بجواز التحيل على بيع المعدوم من الثمار، فَضْلاً عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ، وأجازوا مسألة العينة، وهي ملك أبواب الحيل. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكِيَّةُ لَهُمْ مِنْ أُصُولِهِمْ مَا يَسُدُّ بَابَ الحِيَلِ سَدًّا مُحْكَمًا، «إِذْ عِنْدَهُمْ [أَنَّ] الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ كَالمُقَارَنِ، وَالشَّرْطَ العُرْفِيَّ كَاللَّفْظِيِّ، وَالقُصُودُ فِي العُقُودِ مُعْتَبَرَةٌ، وَالذَّرَائِعُ يَجِبُ سَدُّهَا -[فَجَوَّزُوا] التَّحَيُّلَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ ... وَكَذَلِكَ الحَنَابِلَةُ لَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الحِيَلِ» (¬1). وَيَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ: «[وَالْمُتَأَخِّرُونَ] أَحْدَثُوا حِيَلًا لَمْ يَصِحَّ القَوْلُ بِهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَنَسَبُوهَا إلَى [الْأَئِمَّةِ]، وَهُمْ مُخْطِئُونَ فِي نِسْبَتِهَا إلَيْهِمْ ... وَأَكْثَرُ الْحِيَلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ المُنْتَسِبُونَ إلَى [مَذْهَبِهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ]، تَلَقَّوْهَا عَنْ الْمَشْرِقِيِّينَ، وَأَدْخَلُوهَا فِي مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجْرِي العُقُودَ عَلَى ظَاهِرِهَا، [وَلَا يَنْظُرُ إلَى] قَصْدِ العَاقِدِ وَنِيَّتِهِ ... [فَحَاشَاهُ ثُمَّ حَاشَاهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالكَذِبِ] وَالخِدَاعِ وَالمَكْرِ» (¬2). وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرَ «أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ تَعَاطِي الحِيَلِ فِي تَفْوِيتِ الحُقُوقِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: " هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ". وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ كَالْغَزَالِيِّ: " هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَيَأْثَمُ بِقَصْدِهِ "» (¬3). والذي نخلص إليه أن الأحناف لم ينفردو بإجازة الحيل، وأن الحيل التي ¬
يجيزونها مقيدة بما كان منها موصلاً إلى حق، أو دافعًا لظلم، فهي إذن من الحيل المباحة. وقد ذكر ابن القيم من أمثلة الحيل المباحة سبعة عشر ومائة مثال (¬1). ومن هذه الأمثلة ما نقله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ فِي " مَسَائِلِهِ ": «سَأَلْت أَبِي عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُجَامِعْك اليَوْمَ، وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ اغْتَسَلْتُ مِنْكِ اليَوْمَ "، فَقَالَ: " يُصَلِّي العَصْرَ ثُمَّ يُجَامِعُهَا، فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " اغْتَسَلْتُ " - المُجَامَعَةَ "». ومن الأمثلة التي نقلها عن أبي حنيفة، «أَنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: " نَزَلَ بِي اللُّصُوصُ؛ فَأَخَذُوا مَالِي وَاسْتَحْلَفُونِي بِالطَّلَاقِ أَلَّا أُخْبِرَ أَحَدًا بِهِمْ؛ فَخَرَجْتُ فَرَأَيْتُهُمْ يَبِيعُونَ مَتَاعِي فِي السُّوقِ جَهْرَةً "، فَقَالَ لَهُ: " اذْهَبْ إلَى الوَالِي فَقُلْ لَهُ يَجْمَعُ أَهْلَ المَحَلَّةِ [أَوْ السِّكَّةِ] الَّذِينَ هُمْ [فِيهِ، ثُمَّ يُحْضِرُهُمْ]، ثُمَّ يَسْأَلُك عَنْهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا؛ فَإِذَا سَأَلَك عَمَّنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَقُلْ: " لَيْسَ مِنْهُمْ "، وَإِذَا سَأَلَك عَمَّنْ هُوَ مِنْهُمْ فَاسْكُتْ؛ فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَأَخَذَ الْوَالِي مَتَاعَهُ مِنْهُمْ، وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ». ومما ذكره عن أبي حنيفة أنه «أَتَاهُ أَخَوَانِ قَدْ تَزَوَّجَا بِأُخْتَيْنِ، فَزُفَّتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُمَا إلَى زَوْجِ أُخْتِهَا، فَدَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ عَلِمَا الحَالَ لَمَّا أَصْبَحَا، [فَذَكَرَا] لَهُ ذَلِكَ، وَسَأَلَاهُ المَخْرَجَ، فَقَالَ لَهُمَا: " كُلٌّ مِنْكُمَا رَاضٍ بِالتِي دَخَلَ بِهَا؟ " فَقَالَا: " نَعَمْ "، فَقَالَ: " لِيُطَلِّقْ كُلٌّ مِنْكُمَا امْرَأَتَهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً ". فَفَعَلَا، فَقَالَ: " لِيَعْقِدْ كُلٌّ مِنْكُمَا عَلَى المَرْأَةِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا "، فَفَعَلَا، فَقَالَ: " لِيَمْضِ كُلٌّ مِنْكُمَا إلَى أَهْلِهِ "». قال ابن القيم: «وَهَذِهِ الحِيلَةُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ التِي دَخَلَ بِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُصَانُ مَاؤُهُ عَنْ مَائِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِالتِي طَلَّقَهَا فَالوَاحِدَةُ تُبِينُهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْهُ، ¬
فَلِلْآخَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا» (¬1). ولنا أن نتساءل: إذا كان أهل الرأي لم ينفردوا بإجازة الحيل، وإذا كانت الحيل التي أثرت عنهم مما لا حرج في استعماله فلم اختصوا وحدهم بالنقد؟ ولم شنع عليهم خصومهم بها؟ يبدو أن بعض المغرضين ممن انتسب إلى المذهب الحنفي قد صنف كتابًا في الحيل الهدامة، قلب فيه الحلال حرامًا، والحرام حلالاً. أو لعل مصنف هذا الكتاب قد وضعه بحسن نية، ليبين المخارج المختلفة، كنوع من أنواع الرياضة العقلية، دون أن يبيحها أو يدعو إلى الأخذ بها فقد قال ابن القيم: «وَالذِينَ ذَكَرُوا الحِيَلَ لَمْ يَقُولُوا إنَّهَا كُلَّهَا جَائِزَةٌ، وَإِنَّمَا أَخْبَرُوا أَنَّ كَذَا حِيلَةٌ وَطَرِيقٌ إلَى كَذَا. ثُمَّ قَدْ تَكُونُ الطَّرِيقُ مُحَرَّمَةً، وَقَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً، وَقَدْ يُخْتَلَفُ فِيهَا». ويروي لنا ابن القيم بعض الحيل التي أثارت غضب العلماء، حتى رموا بالكفر مؤلفها أو من يفتي بها. فمن ذلك قولهم: «[الحِيلَةُ فِي فَسْخِ المَرْأَةِ النِّكَاحَ] أَنْ تَرْتَدَّ ثُمَّ تُسْلِمَ ... وَالحِيلَةُ فِي سُقُوطِ الكَفَّارَةِ عَمَّنْ أَرَادَ الوَطْءَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَتَغَدَّى ثُمَّ يَطَأَ بَعْدَ الغَدَاءِ، وَالحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَتْ أَنْ تَفْسَخَ [نِكَاحَ زَوْجِهَا] أَنْ تُمَكِّنَ ابْنَهُ مِنْ الوُقُوعِ عَلَيْهَا». فهذه الحيل وأمثالها لا يحل لمسلم أن يفتي بها في دين الله تعالى. وقد كَفَّرَ الإمام أحمد وابن المبارك وغيرهما - من استحل الإفتاء بها، «حَتَّى قَالُوا: إنَّ مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ الحِيَلِ فَقَدْ قَلَبَ الْإِسْلَامَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَنَقَضَ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً» لأن فيها الاحتيال على إسقاط فرائض الله وإسقاط حقوق المسلمين واستحلال ما حرم الله من الكفر وشهادة الزور والزنا والربا. ويؤكد ابن القيم أن هذه الحيل وأمثالها لا يجوز نسبتها إلى أحد من ¬
الحيل بين البخاري وأهل الرأي
الأئمة في مذهب من المذاهب ومن نسبها إلى أحد منهم فهو جاهل بأصولهم ومقاديرهم ومنزلتهم من الإسلام ولأن نسبتها إليهم قدح في إمامتهم، وطعن فيمن ائتم بهم. وإذا كان أبو حنيفة وأصحابه يحكمون بكفر من يقول: «أَصْبُرُ سَاعَةً»، لمن أراد أن يسلم، ويحكمون بالكفر على من يُصَغِّرُ لَفْظَ (مَسْجِدٍ) أو (مُصْحَفٍ) - فكيف يعقل منهم أن يأمروا مسلمًا بالكفر، ويحرضوه على الردة؟ (¬1). وسوف يتبين من المسائل التي أخذها البخاري على أهل الرأي على أنها من قبيل الحيل - أن بعضها ليس منها لكنه من مسائل الخلاف، وبعضها من قبيل الحيل المباحة أو مما تختلف الأنظار في إجازتها. ولنستحضر هنا كلمة الشاطبي الصادقة المنصفة: «وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ أَجَازَ التَّحَيُّلَ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَصْدَ الشَّارِعِ، بَلْ إِنَّمَا أَجَازَهُ بِنَاءً عَلَى تَحَرِّي قَصْدِهِ، وَأَنَّ مَسْأَلَتَهُ لَاحِقَةٌ بِقِسْمِ التَّحَيُّلِ الجَائِزِ الذِي عُلِمَ قَصْدُ الشَّارِعِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ مُصَادَمَةَ الشَّارِعِ صُرَاحًا - عِلْمًا أَوْ ظَنًّا - لَا تَصْدُرُ مِنْ عَوَامِّ المُسْلِمِينَ، فَضْلًا عَنْ أَئِمَّةِ الهُدَى وَعُلَمَاءِ الدِّينِ، نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ، كَمَا أَنَّ المَانِعَ إِنَّمَا مَنَعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِقَصْدِ الشَّارِعِ وَلِمَا وُضِعَ فِي الْأَحْكَامِ مِنَ المَصَالِحِ» (¬2). الحِيَلُ بَيْنَ البُخَارِيِّ وَأَهْلِ الرَّأْيِ: وقد فهم بعض الشراح أن المقصود من أبواب " البخاري " في كتاب الحيل (¬3) هو الاستدلال على بطلان الحيل، أو الرد على الأحناف، حتى ولو لم يصرح البخاري بالرد على (بَعْضِ النَّاسِ) في بعض هذه الأبواب. ¬
في الصلاة
فقدأ بدأ البخاري كلامه في الحيل بباب إبطالها، مستدلاً بحديث: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، ثم تلاه بقوله: (بَابٌ فِي الصَّلاَةِ) أي دخل الحيلة فيها - روى فيه حديث: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ». فِي الصَّلَاةِ: (*) فرأى بعض الشراح (**) «أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِهَذَا البَابِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَحْدَثَ عَمْدًا فِي أَثْنَاءِ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ حَدَثُهُ كَسَلَامِهِ، إِذْ أَنَّ هَذَا يُعَدُّ مِنَ الحِيَلِ لِتَصْحِيحِ الصَّلَاةِ مَعَ الحَدَثِ. وقال بعض آخر (...): «فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُحْدِثَ فِي صَلَاتِهِ يَتَوَضَّأُ، [وَوَافَقَهُ] ابْنُ أَبِي لَيْلَى»، وهو أحد قولي الشافعي. «وَقَالَ مَالِكٌ [وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ [وَاحْتَجَّا] بِهَذَا الْحَدِيثِ» (¬1) السابق. وقد استاء العَيْنِيُّ من هذه الأقوال، مؤكدًا أن هذه المسألة بعيدة عن مفهوم الحيل، فقال: «لَا مُطَابقَةَ بَيْنَ الحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ أَصْلاً فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ أَصْلاً عَلَى شَيْءٍ مِنَ الحِيَلِ». ثُمَّ بَيَّنَ أن الأحناف ما صححوا صلاة من أحدث في القعود الأخير بالحيلة، وما للحيلة دخل في هذا، بل صححوها بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ: " إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ ". [وَهَذَا يُنَافِي] فَرضِيَّة السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ» (¬2). فِي الزَّكَاةِ: (*) أما في الزكاة، فقد ذكر البخاري قول بعض الناس فيها ثلاث مرات وترجم لهذا الباب بقوله: (بَابٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَنْ لاَ يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلاَ يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ)، ثم روى الحديث الذي في هذه الترجمة ¬
بإسناده، وحديث الأعرابي الذي قال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: " الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا " فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ؟. قَالَ: " شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا ". قَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟. قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ. قَالَ: وَالذِي أَكْرَمَكَ، لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ "، أَوْ: " دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ "». ثم قال البخاري: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ، فَإِنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّدًا، أَوْ وَهَبَهَا، أَوِ احْتَالَ فِيهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ». ثم عقب على ذلك بحديث: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ، فَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ، قَالَ: وَاللَّهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ، حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ». وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَتَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا». ثم عقب البخاري على هذا الحديث بقوله: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ، فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بِبَقَرٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ، فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيَالًا، فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ. وَهُوَ يَقُولُ: إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسِتَّةٍ جَازَتْ عَنْهُ». ثم روى البخاري أَنَّ سَعْدَ بْنَ [عُبَادَةَ] (*) الأَنْصَارِيُّ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْضِهِ عَنْهَا». ثم عاد مرة ثالثة إلى مواجهة أهل الرأي، فقال: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ وَهَبَهَا قَبْلَ الحَوْلِ أَوْ بَاعَهَا، ¬
فِرَارًا وَاحْتِيَالًا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَ، فَلاَ شَيْءَ فِي مَالِهِ» (¬1). وهذه المسألة السابقة تتعلق بالحيلة في إسقاط الزكاة. وقد كرر البخاري قول: «بَعْضُ النَّاسِ» ثلاث مرات، يفصل بين كل موضع بحديث. يَقُولُ الكِرْمَانِيُّ: «ذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي هَذَا البَابِ ثَلَاثَةَ فُرُوعٍ يَجْمَعُهَا حُكْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ لِقَصْدِ الفِرَارِ مِنَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا ثُمَّ أَرَادَ بِتَفْرِيعِهَا عَقِبَ كُلِّ حَدِيثٍ التَّشْنِيعَ بِأَنَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ خَالَفَ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ» (*). وقد أراد البخاري بما رواه في حديث الباب المتقدم، أن يبين أنه لا يحل لأحد أن يتحيل على إسقاط الزكاة، لأنها فرض، ولن يفلح من أسقط شيئًا من فرائض الله، وأن هذا المتحيل في إسقاط الزكاة بعد بلوغها النصاب لا تبرأ ذمته بهذه الحيلة، بل هو مؤاخذ بها يوم القيامة. «[وَقَالَ] بَعْضُ الحَنَفِيَّةِ: [هَذَا الذِي] ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ [يُنْسَبُ] لِأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ القَصْدِ إِلَى إِبْطَالِ حَقِّ الفُقَرَاءِ [بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ النِّصَابُ. وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ مِنَ الوُجُوبِ لَا إِسْقَاطٌ لِلْوَاجِبِ] وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الحَوْلِ بِيَوْمٍ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ مِنْهَا لَمْ يُكْرَهْ» (**). «وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو يُوسُفَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ " الخَرَاجِ " (...) بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ " وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ ": " لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مَنْعُ الصَّدَقَةِ وَلَا إِخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ لِيُفَرِّقَهَا ¬
في النكاح
بِذَلِكَ فَتَبْطُلَ الصَّدَقَةُ عَنْهَا بِأَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُحْتَالُ فِي إِبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِوَجْهٍ» (¬1). وَقَدْ تَشَكَّكَ الأُسْتَاذُ أَبُو زُهْرَةَ (*) فِي نِسْبَةِ هَذِهِ الحِيلَةِ المُتَعَلِّقَةِ بِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ إِلَى أَبِي يُوسُفَ، لِأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ الأَمَالِي، بَلْ رَفَضَهَا لِأَنَّ الأَمَالِي لَيْسَتْ فِي قُوَّةِ ظَاهِرَةِ الرِّوَايَةِ (¬2). ولا شك أن هذه المسألة تتعلق بأثر القصد في التصرفات، لأن من تصرف في ماله قبل الحول بهبة أو بغيرها، دون أن يتنبه إلى أن هذا التصرف ينقص ماله عن النصاب فلا تجب فيه الزكاة - كان تصرفه مباحًا، ولا إثم عليه، بل هو مأجور إن أنفق ما أنقص ماله في وجوه البر. أما إذا قصد بهذا التصرف أن يحتال على منع وجوب الزكاة فهو آثم عند الجميع بهذا القصد، لكن هل يؤثر هذا القصد في وجوب الزكاة عليه واعتبارها دينًا في ذمته، أو لا يؤثر، فلا يجب عليه شيء؟. فالأحناف - إن صح ما نقل عن أبي يوسف - يسقطون الزكاة، وعزاه العيني إلى الشافعي (¬3) أيضًا، والبخاري ومالك وغيرهما، لا يسقطونها، بل هي ثابتة في ذمة صاحب المال. فِي النِّكَاحِ: وقد كرر البخاري قول: «بَعْضُ النَّاسِ» في هذا الباب خمس مرات: مرة في مناقشة نكاح الشغار، ومرة في نكاح المتعة، وثلاث مرات في إثبات النكاح وتحليل الوطء بشهود الزور. ¬
أما فيما يتعلق بالشغار، فقد روى البخاري: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ» قُلْتُ لِنَافِعٍ: «مَا الشِّغَارُ؟». قَالَ: «يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ [بِغَيْرِ صَدَاقٍ]، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ». ثم قال البخاري: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنْ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ "» وَقَالَ فِي المُتْعَةِ: «النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «المُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ». ويشير البخاري بهذا القول إلى تناقض أهل الرأي في إجازتهم الشغار دون المتعة، مع ورود النهي عن كليهما، ولذلك عقب عليه بذكر ما روي عن النهي عن المتعة، حَيْثُ رَوَى «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا، فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ "». ثم ذكر اختلاف أهل الرأي وتناقضهم في المتعة فقال: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: " النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ "». ومسألتا النكاح والمتعة مرتبطان بما قدمناه عن أثر النهي في المنهي عنه، وبما سبق من تفريق الأحناف بين أن يكون الفساد متعلقًا بأصل المنهي عنه فيكون باطلاً، أو متعلقًا بوصفه دون أصله فيكون فاسدًا، أو متعلقًا بأمر مجاور للمنهي عنه فيقع صحيحًا (¬1). وقد رأى الأحناف أن نكاح الشغار منهي عنه لعلة هي خلوه من المهر، وتسمية المهر في العقد ليست شرطًا في صحته، بل يصح العقد بدونها، ¬
ويجب مهر المثل للزوجة، فكذلك إذا سمى مهرًا فاسدًا مثل البضع في الشغار. وقد أجمعوا على أن النكاح المنعقد على خمر أو على خنزير لا يفسخ بعد الدخول ويكون فيه مهر المثل. وممن ذهب مذهب الأحناف في ذلك الليث، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور والطبري حيث يصححون نكاح الشغار إذا وقع ولا يفسخونه. أما مالك والشافعي فيحكمان بفسخ النكاح قبل الدخول وبعده (¬1). وقد اعتبر البخاري تصحيح الأحناف نكاح الشغار بإيجابهم مهر المثل تحيلاً على النهي الوارد فيه. وهذا الاعتبار غير واضح، إذ الأحناف يطبقون على هذه الجزئية قاعدة عامة، ويلتزمون فيها منحى خاصًا، فالمنازعة معهم إنما تكون في القاعدة والمنهج، لا في اعتبارها حيلة، حيث لا يعتبرونها كذلك. ولذلك قال ابن حجر: «أَنَّ الحِيلَةَ فِي الشِّغَارِ تُتَصَوَّرُ فِي مُوسِرٍ أَرَادَ [تَزْوِيجَ] بِنْتَ فَقِيرٍ، فَامْتَنَعَ أَوِ اشْتَطَّ فِي المَهْرِ فَخَدَعَهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: " زَوِّجْنِيهَا وَأَنَا أُزَوِّجُكَ بِنْتِي " فَرَغِبَ الفَقِيرُ فِي ذَلِكَ لِسُهُولَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَعَ العَقْدُ عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُ إِنَّ العَقْدَ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ المِثْلِ] فَإِنَّهُ يَنْدَمُ] إِذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى مَهْرِ المِثْلِ لِبِنْتِ المُوسِرِ، وَحَصَلَ لِلْمُوسِرِ مَقْصُودُهُ بِالتَّزْوِيجِ لِسُهُولَةِ مَهْرِ المِثْلِ عَلَيْهِ، فَإِذَا أُبْطِلَ الشّغَارُ مِنْ أَصْلِهِ بَطُلَتْ هَذِهِ الحِيَلُ» (¬2). وهذا الكلام من ابن حجر يفيد أن الحيلة ليست في أصل نكاح الشغار، وإنما في بعض صور التطبيق، وأن النهي عن نكاح الشغار هو من قبيل سد الذرائع. ¬
تأثير شهادة الزور في النكاح
أَمَّا المُتْعَةُ، فَإِنَّ زُفَرَ يُفَرِّقُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْهَا: أَوَّلَهُمَا نِكَاحُ المُتْعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ: «أَتَمَتَّعُ بِكِ كَذَا مُدَّةٍ بِكَذَا مِنَ المَالِ». وَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ كُلِّ الأَحْنَافِ. وَثَانِيهِمَا: النِّكَاحُ المُؤَقَّتُ، بِأَنْ يَقُولَ: «أَتَزَوَّجُكِ إِلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ مَثَلاً» بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ. وَهَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ أَيْضًا عِنْدَ الأَحْنَافِ فِيمَا عَدَا زُفَرَ بْنِ الهُذَيْلِ، فَقَدْ صَحَّحَهُ، لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ تَحْدِيدِ الوَقْتِ المَلْفُوظِ بِهِ فِي العَقْدِ شَرْطًا فَاسِدًا، وَالنِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرُوطِ الفَاسِدَةِ، وَاعْتَبَرَهُ بَاقِي الأَحْنَافِ صُورَةً مِنْ صُوَرِ المُتْعَةِ فَيَكُونُ بَاطِلاً (¬1). تَأْثِيرُ شَهَادَةِ الزُّورِ فِي النِّكَاحِ: روى البخاري حديث: «" لَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ " فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: " إِذَا سَكَتَتْ "». «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ البِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ، فَاحْتَالَ رَجُلٌ، فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ القَاضِي نِكَاحَهَا، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهُوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ "». ثم روى البخاري الحديث السابق، وروى أيضًا «أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ». «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنْ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَمْرِهَا، فَأَثْبَتَ القَاضِي نِكَاحَهَا إِيَّاهُ، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هَذَا النِّكَاحُ، وَلَا بَأْسَ بِالمُقَامِ لَهُ مَعَهَا "». ثم روى البخاري مرة ثالثة حديث استئذان البكر من طريق آخر: «" البِكْرُ تُسْتَأْذَنُ " قُلْتُ: إِنَّ البِكْرَ تَسْتَحْيِي؟ قَالَ: " إِذْنُهَا صُمَاتُهَا "». «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا، فَأَبَتْ، ¬
في الغصب
فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَدْرَكَتْ، فَرَضِيَتِ اليَتِيمَةُ، فَقَبِلَ القَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ، وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلاَنِ ذَلِكَ، حَلَّ لَهُ الوَطْءُ». هذه ثلاثة اعتراضات اعترض بها البخاري على الأحناف: أولها تزويج البكر بغير رضاها، والثاني في تزويج الثيب بغير رضاها، والثالث في تزويج الصغيرة. ويجمع الفروع الثلاثة الرد على أبي حنيفة في قوله: إن حكم الحاكم في هذه المسائل ينفذ ظاهرًا وباطنًا، ويحلل ويحرم. وقد أورد البخاري هذه الاعتراضات مكررة تفصل بينها الأحاديث، للمبالغة في التشنيع على هذا القول الذي يبيح للزوج أن يقدم على ما حرمه الله. وقد سبق أن ذكرنا هذه المسألة فيما أخذه ابن أبي شيبة على أبي حنيفة وَبَيَّنَّا هناك أن أبا حنيفة يتفق مع الجمهور في أن حكم الحاكم في الأموال لا يفيد الحل أو الحرمة في الواقع، إذا كان حكمه مبنيًا على شهادة شهود ظاهرهم العدالة وباطنهم الكذب. ولكنه يخالف الجمهور فيما يتعلق بالزواج والطلاق، حيث يجعل حكم الحاكم فيهما نافذًا ظاهرًا وباطنًا، وإن كان بشهادة شهود عدول في الظاهر كذبة في الواقع، مستدلاً بأن الحاكم يحكم بالتفرقة بين المتلاعنين، وينفذ حكمه ظاهرًا وباطنًا، مع العلم بأن أحدهم كاذب لا محالة. وقد رجعنا هذا الاختلاف فيما سبق إلى الاختلاف حول تأثير الجانب الخلقي الديني في الأمور التشريعية (¬1). فِي الغَصْبِ: قال البخاري: (بَابُ إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ، فَقُضِيَ بِقِيمَةِ الجَارِيَةِ المَيِّتَةِ، ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فَهِيَ لَهُ، وَيَرُدُّ القِيمَةَ وَلَا تَكُونُ القِيمَةُ ثَمَنًا). ¬
«وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ، لِأَخْذِهِ القِيمَةَ. وَفِي هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لاَ يَبِيعُهَا، فَغَصَبَهَا، وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ، حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا، فَيَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيْرِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ "، " وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ "». ثم روى عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مرفوعًا: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ»، كما روى حديث: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [إِلَيَّ]، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». خالف الأحناف الجمهور في هذه المسألة، محتجين بأن صاحب العين قد ملك لبدل بكماله - وهو القيمة - والمبدل في ملك شخص واحد. أما الجمهور فذهب إلى وجوب رد العين المغصوبة إذا ظهرت، لأن الغصب عدوان محض، فلا يصلح سببًا للملك، وقد حرم الله مال المسلم إلا عن طيب نفسه، ولأن القيمة إنما وجبت بناء على صدق دعوى الغاصب أن الجارية ماتت، فلما تبين أنها لم تمت وجب أن تكون باقية على ملك المغصوب منه، لأنه لم يجر بين المالك والغاصب عقد صحيح يوجب الملك، فوجب أن ترد إلى صاحبها (¬1). ومن الواضح أن الأحناف لم يقصدوا برأيهم هذا أن يكون حيلة لأخذ أموال الناس بالباطل، ولم ينتقدهم البخاري لذلك، ولكنه انتقدهم من أجل أن هذا القول ذريعة إلى أخذ أموال الناس بغير حق، ومركب ذلول يستعين به المختالون ممن خربت ذمتهم، وغفلت ضمائرهم. فالعدول عن هذا الرأي أولى بالمسلم، وسد هذا الباب فيه سلامة للمجتمع وصيانة له من عبث العابثين. ¬
في الهبة والشفعة
فِي الهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ: جمع البخاري بين الهبة والشفعة في باب واحد، للتحيل على إسقاط الشعفة باستخدام الهبة في بعض المسائل. وقد ذكر قول: «بَعْضُ النَّاسِ» في هذا الباب خمس مرات: الأولى استخدمت فيها الهبة حيلة لإسقاط الزكاة، والأربع الباقية خاصة بحيل الشفعة، أعم من أن يستخدم في إسقاطها الهبة أو غيرها. قال البخاري: (بَابٌ فِي الهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «إِنْ وَهَبَ هِبَةً، أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ، وَاحْتَالَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعَ الوَاهِبُ فِيهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَخَالَفَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الهِبَةِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ) ثم روى حديث: «العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ». ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَعَ الكَرَاهَةِ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، الذِي أَفَادَ عِنْدَهُمْ الكَرَاهَةَ لَا التَّحْرِيمَ. إلا أن تزيد الهبة زيادة متصلة، أو يموت أحد المتعاقدين، أو يعوضه الموهوب له عن الهبة، أو يتصرف فيها تصرفًا يخرجها عن ملكه، فليس له حق الرجوع في هذه الصور. فإذا كانت الهبة لذي رحم محرم فلا رجوع فيها، وكذلك ما وهب أحد الزوجين للآخر. وقد جاء في بعض الأحاديث ما يفيد استثناء الوالد فيما وهبه لولده، حيث يحق له الرجوع في هبته، وَقَدْ أَوَّلَ الأحناف ما جاء في ذلك بأن الوالد يمتلك ما أعطاه لابنه عند الحاجة والفقر، فهو لم يرجع في هبته حينئذٍ، ولكنه شيء أوجبه اللهُ له لفقره وقد وجدنا الشارع يفرق بين من تعود إليه صدقته بفعله، ومن تعود إليه صدقته بسبب خارج عنه، «فَعُمَرُ بْنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ شِرَاءَ صَدَقَتِهِ مَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ولكنه لم يمنع
من عادت إليه صدقته بغير فعله، حيث روى أن رجلاً تصدق على أمه بحديقة، ثم ماتت ولم تترك وارثًا غيره، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَجَبَتْ صَدَقَتُكَ، وَرَجَعَتْ إِلَيْكَ حَدِيقَتُكَ». وقد أيد الأحناف مذهبهم بما روي عن الصحابة في ذلك، حتى لقد ذكر الطحاوي أن القياس يقتضي خلاف مذهبهم، وأنهم تركوا القياس تقليدًا للآثار واتباعًا لها: «وَقَدْ وَصَفْنَا فِي هَذَا مَا [ذَهَبْتَ] إِلَيْهِ فِي الهِبَاتِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ إِذْ لَمْ نَعْلَمْ عَنْ أَحَدٍ مِثْلِ مَنْ [رَوَيْنَاهَا] عَنْهُ خِلَافًا لَهَا. فَتَرَكْنَا النَّظَرَ مِنْ أَجْلِهَا وَقَلَّدْنَاهَا. وَقَدْ كَانَ النَّظَرُ - لَوْ خَلَّيْنَا وَإِيَّاهُ - خِلَافَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَرْجِعَ الْوَاهِبُ فِي الهِبَةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ المَحْرَمِ، لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهَا [بِهِبَةِ] إِيَّاهَا، وَصَارَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ دُونَهُ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ مَا [قَدْ] مَلَكَ عَلَيْهِ إِلَّا بِرِضَاءِ مَالِكِهِ. وَلَكِنِ اتِّبَاعُ الْآثَارِ وَتَقْلِيدُ أَئِمَّةِ أَهْلِ العِلْمِ أَوْلَى» (¬1). هذا هو رأي الأحناف في الرجوع في الهبة، الذي نقدهم البخاري فيه بقوله: «فَخَالَفَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الهِبَةِ ...». وأما استخدام الهبة في إسقاط الزكاة فلا تتصور إلا بالمواطأة - والإنفاق مع الموهوب له، لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، فإذا قبضها الموهوب له كان حرًا في التصرف فيها، فلا يتهيأ للواهب الرجوع فيها بعد التصرف، إلا أن يكون هناك اتفاق سابق على أن الهبة صورية. فلو حال الحول على الهبة عند الموهوب له وجبت عليه الزكاة فيها عند الجميع. فإن رجع فيها قبل الحول صح الرجوع عند الأحناف، ويستأنف الحول. فإن كان فعل ذلك مريدًا إسقاط الزكاة سقطت، وهو آثم، لما سبق من أن الأحناف ¬
الحيل في إسقاط الشفعة
لا يجعلون للإرادة والقصد تأثيرًا في الأحكام الناتجة عن أسباب شرعية (¬1). ورأي الأحناف في إجازة الرجوع في الهبة، ليس معناه أنهم يجيزون استخدامه في التحيل على إسقاط الزكاة، ولكن أصحاب الحيل ممن لا يراقبون الله قد اتخذوه تكأة ووسيلة للتهرب من فرض الله، وقد رأينا أن الشافعي - رَحِمَهُ اللهُ - قد «أَبَاحَ بَيْعَ العَيِّنَةِ أَخْذًا بِظَاهِرِ العَقْدِ المُسْتَكْمِلِ لِلْشُّرُوطِ وَتَرْجِيحًا لِحُسْنِ الظَّنِّ بِالمُتَعَاقِدِينَ». ولكننا لا نستطيع أن ننسب إليه إجازة التحيل على الربا المحرم باستخدام هذا العقد. الحِيَلُ فِي إِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ: لم يؤثر عن أبي حنيفة رأي جواز الحيلة لتفويت الشفعة على الشفيع، ولكن المروي هو اختلاف أبي يوسف ومحمد في ذلك، «حَيْثُ أَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهَا الشَّفِيعُ، وَمَنَعَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ». (¬2). وقد انتقد البخاري الأحناف في أربعة مواضع، تمثل أربع صور من صور الحيلة لإسقاط الشفعة، ولم يذكر في هذه المواضع إلا حديثين: أَوَّلَهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ». وَثَانِيهُمَا حديث: «الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ». وَالصَّقَبُ: القُرْبُ. وقد كرر هذا الحديث الثاني ثلاث مرات، قبل اعتراضه وبعده. يقول البخاري في الموضع الأول، منتقدًا أهل الرأي، ومبرزًا تناقضهم بعد أن روى حديث جابر السابق: ¬
«وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ، وَقَالَ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا، فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الجَارُ بِالشُّفْعَةِ، فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى البَاقِيَ، وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأَوَّلِ، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي بَاقِي الدَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي ذَلِكَ "». وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ المَدِينَةِ وَجُمْلَةُ أَهْلِ الحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ. أَمَّا أَهْلُ العِرَاقِ - وَمِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ المُبَارَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ - فَقَدْ أَوْجَبُوا الشُّفْعَةَ لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ، ثُمَّ لِلْشَّرِيكِ المُقَاسِمِ إِذَا بَقِيَتْ فِي الطُّرُقِ أَوْ فِي الصَّحْنِ شَرِكَةٌ، ثُمَّ الجَارُ المُلَاصِقُ، يُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِهَذَا التَّرْتِيبِ (¬1). وانتقاد البخاري لأهل الرأي ليس لأنهم قد أوجبوا الشفعة للجار، ولكن لأنهم بعد أن أوجبوها له تحيلوا لإسقاطها، لأن المشتري إذا اشترى سهمًا شائعًا من مائة سهم أصبح شريكًا للمالك، وأصبحت له الأولوية في شراء باقي المائة، في الوقت الذي لن يطالب فيه أحد بالشفعة في السهم الواحد، لحقارته وقلة الانتفاع به. والمعروف أن هذه الحيلة لأبي يوسف. أما محمد بن الحسن فكرهها أشد الكراهية، لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشفيع، فالذي يحتال لإسقاطها بمنزلة القاصد إلى الإضرار بالغير. أما الموضعان الثاني والثالث من مواضع الحيل في الشفعة، فقد ذكر البخاري فيهما صورتين استخدمت الهبة فيهما لإسقاط الشفعة، وذلك حيث يقول في الموضع الثاني: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: «[إِذَا] أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ ¬
الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبَ البَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ وَيَحُدُّهَا، وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَيُعَوِّضُهُ المُشْتَرِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلاَ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ» وذلك لأن الإمام مالك وأهل الرأي قد ذهبوا إلى أن للواهب أن يطلب ثواب هبته، فإذا أخذ العوض ولم يكن مشروطًا في عقد الهبة، سقطت الشفعة لأنها تجب بالبيع، والهبة ليست معاوضة محضة، فأشبهت الإرث. ومن صور استخدام الهبة في التحيل على إسقاط الشفعة ما ذكره البخاري في الموضع الثالث حيث قال: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ دَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ "»، لأن الهبة لو كانت لأجنبي كان للشفيع أن يحلفه أن الهبة [حقيقية]، وليست صورية، وأنها جرت بشروطها، ولكنه إذا وهب لابنه الصغير استفاد أمرين: أن الصغير ليس عليه يمين، وأن العين لم تنتقل من يده حيث يقبلها الوالد لولده عن نفسه. أما الحيلة الرابعة والأخيرة في الشفعة، فيحكيها البخاري عن أهل الرأي فيقول: «وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: " إِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَيَنْقُدَهُ تِسْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَتِسْعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَيَنْقُدَهُ دِينَارًا بِمَا بَقِيَ مِنَ العِشْرِينَ الأَلْفَ. فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَخَذَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِلَّا فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ. فَإِنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ رَجَعَ المُشْتَرِي عَلَى البَائِعِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ، وَهُوَ تِسْعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَتِسْعُ مِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ، لِأَنَّ البَيْعَ حِينَ اسْتُحِقَّ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي الدِّينَارِ، فَإِنْ وَجَدَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَيْبًا، وَلَمْ تُسْتَحَقَّ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ فَأَجَازَ هَذَا الخِدَاعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بَيْعُ المُسْلِمِ، لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ "». الثمن الحقيقي الذي أراد البائع أن يبيع به هو عشرة آلاف درهم،
تعقيب
ولكنه ذكر في العقد 20 ألفًا، ليقلل رغبة الشفيع في الشراء، نظرًا لارتفاع الثمن وفي الوقت نفسه يتفق البائع مع المشتري على أن يدفع المشتري 999 درهمًا، فيتبقى درهم من الثمن المتفق عليه، وعشرة آلاف درهم ودرهم من الثمن المذكور في العقد، فيشتريها المشتري بدينار، ولا يكون هناك رِبَا، لأنهم قد أجمعوا على جواز بيع الفضة بالذهب متفاضلاً إذا كان يَدًا بِيَدٍ. وقد كان أولى بمن أجاز هذه الحيلة، حيث أثبت الشفعة للجار أن يرفق بالجار، وألا تثمن عليه صفقة بأكثر من قيمتها. وقد عرض على أحد الصحابة (*) في بيت له خمسمائة، ولم يرض الشفيع إلا بأربعمائة، فأعطاه الشفيع وقال له: «لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ " مَا بِعْتُكَهُ». ثم ذكر البخاري مسألة استحقاق الدار ليبين أن البائع كان قاصدًا للحيلة لإبطال الشفعة. ثم عقب بذكر مسألة الرد بالعين، ليبين أنه تحكم، وكان مقتضاه أنه لا يرد إلا ما قبضه، لا زائدًا عليه (¬1). وبانتهاء هذه المسألة تنتهي المسائل التي عَرَّضَ فيها البخاري بأهل الرأي. تَعْقِيبٌ: وقبل أن نودع هذا الفصل نجمل ملاحظاتنا عليه فيما يلي: 1 - لم تكن غاية البخاري في نقده لأهل الرأي بيان خلافهم الأحاديث، بقدر ما كان اهتمامه منصبًا إلى بيان تناقضهم، ومحاولة إلزامهم بما يعتبر نتيجة يؤدي إليها مذهبهم، ولم يصرح باتهام أهل الرأي بمخالفة الحديث إلا في مسألة الرجوع في الهبة. ولذلك كان الخلاف في جل المسائل التي ناقشها معهم راجعًا إلى اختلاف الفهم والتأويل والتقدير أي إلى الاجتهاد في النص، أو إلى الترجيح أو التوفيق بين النصوص. ¬
2 - ليس في الحيل التي أخذها البخاري على الأحناف ما يمكن عده في الحيل التي تنسب إليهم إلا فيما يتعلق بالزكاة والشفعة والانتقاد فيهما متوجه إلى أبي يوسف ومن تبعه. أما عدا هذين الموضعين، فليس رأي الأحناف فيهما من قبيل الحيل، وإن سهل رأيهم سبيل الحيلة لمن أراد. 3 - أبرزت مناقشة البخاري هذه المسائل سمة المحدثين فيما يتعلق بالاتجاه الخلقي النفسي، الذي يهتم بالمقاصد والنيات، ويمنحها قوة التأثير في الألفاظ والعقود، دون اكتفاء باستكمال الشرائط الظاهرة. 4 - يتضح من دراسة أسلوب المناقشة عند البخاري أنه متأثر بإسحاق بن راهويه أكثر من تأثره بأبي بكر بن أبي شيبة وكلاهما من شيوخه. • • •
خاتمة
خَاتِمَةٌ: وفي نهاية البحث أود أن أنبه على اعتبار القرن الثالث أزهى عصور التأليف في الحديث وفقهه، واقتصارنا عليه في هذه الدراسة - لا يعني غمط محدثي القرون التالية حقهم، ولا إنكار جهدهم ونشاطهم، وبخاصة محدثو القرن الرابع، الذي يعد مرحلة انتقال بين الاجتهاد والتقليد، والذي كان من حيث الاجتهاد والابتكار أقرب إلى القرن الثالث منه إلى ما تلاه من قرون، حيث مارس المحدثون فيه نشاطهم بقوة وأصالة، وأثمر تأليفهم في هذا القرن الصحاح والسنن والمستدركات والمسانيد وغيرها. بل لم يعد المحدثون فيما بعد القرن الرابع علماء يحيون ما درس من مذهبهم، ويؤلفون في الفقه على طريقتهم. وكانت كتب الأحكام الحديثية التي شاعت فيما بين القرنين الخامس والتاسع الهجريين - أثرًا من آثار هؤلاء العلماء. ولا شك أن فقه المحدثين بعد القرن الثالث في حاجة إلى دراسة خاصة، تبين مسيرته، وتحلل ما طرأ عليه من تغيرات وتطورات، وتعرف بأئمته وأعلامه في العصور المختلفة. أما القرن الثالث فأرجو أن يكون هذا البحث قد أسهم في الكشف عن الجانب الفقهي عند أهل الحديث فيه. وقد تبين أن فقهاء المحدثين الذين عني بهم البحث هم: أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)، وإسحاق بن راهويه (ت 238 هـ)، والبخاري (ت 256 هـ)، ومسلم (ت 271 هـ)، والترمذي (ت 279 هـ)، وأبو داود (ت 275 هـ)، والنسائي (ت 303 هـ)، والدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن (ت 255 هـ)، وابن ماجه: محمد بن يزيد (ت 275 هـ)، وابن أبي شيبة: عبد الله بن محمد (ت 235 هـ).
وقد درسنا هؤلاء الأعلام من خلال مصنفاتهم، فوجدناهم متفاوتين في وضوح الملكة الفقهية، فالمقدمون منهم هم الثلاثة الأول: أحمد، وإسحاق، والبخاري، يليهم الترمذي وأبو داود والنسائي ومسلم والدارمي، ثم يأتي بعد هؤلاء ابن ماجه وأبو بكر بن أبي شيبة. وقد كان محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) صاحب آثار ومذهب فقهي ينسب إليه، وكان جديرًا بأن يكون عنصرًا من عناصر الدراسة في هذا البحث، لولا أن آثاره في الحديث نادرة، لم أعثر منها إلا على جزء صغير من كتابه " تهذيب الآثار " مصور بمعهد المخطوطات العربية (*). ولما كانت الموازنة بين أهل الحديث وأهل الرأي محور هذا البحث لم يكن بد من تحديد هاتين الفئتين فتتبع الفصل الأول هذه العبارة: (أَهْلُ الحَدِيثِ وَأَهْلُ الرَّأْيِ)، وتبين أن إطلاقها على عصر الصحابة والتابعين ليس له ما يبرره، ولهذا كان من الخطأ أن يختص الحجازيون بأنهم أهل الحديث، وأن يقصر الرأي على العراقيين، بل وجد في كلتا المدرستين من يكثر من الرأي ومن يتحرز منه، ومن يكثر من رواية الحديث، ومن يخشى روايته. فلم يكن الخلاف بين مدرسة الحجاز ومدرسة العراق مسببًا عن اختلاف في المنهج، أو عن قلة الحديث في العراق وكثرته في الحجاز - لكنه كان ناتجًا عن اختلاف البيئة واختلاف المشيخة. ثم بعد تكون المحدثين وظهور أبي حنيفة أصبحت عبارة (أَهْلُ الحَدِيثِ) عَلَمًا على من يشتغل برواية الحديث، وعبارة (أَهْلُ الرَّأْيِ) عَلَمًا على مدرسة أبي حنيفة. وقد عالج هذا الفصل اضطراب المؤرخين في تصورهم لأهل الحديث وأهل الرأي، فالمجتهد الواحد يعتبره مؤرخ من أهل الحديث، ويعتبره مؤرخ آخر من أهل الرأي، بل إن المؤرخ الواحد قد يختلف تقديره لمجتهد ما، ¬
يردده بين أهل الرأي وأهل الحديث. وقد تبين أن سبب هذا الخلط هو اختلاف الاعتبار عند التقسيم، أو ملاحظة ظواهر عصر ما ثم تعميمها على كل العصور. أما الفصل الثاني فقد تعرض للصراع الفكري بين المُحَدِّثِينَ وغيرهم من المُتَكَلِّمِينَ وَالفُقَهَاءِ، فبسط مظاهر هذا الصراع، وتحدث عن أسبابه، التي كان من أهمها اختلاف التكوين الثقافي، واعتزاز كل طائفة بنفسها اعتزازًا يصل إلى حد الغرور، وانتساب عناصر سيئة إلى هذه الطوائف الثلاث أساءت إليها، ثم استخلصنا نتائج هذا الصراع وكان أهمها نتيجتين: أولهما: التأليف في علوم الحديث، حيث أثبت البحث أن ما كتبه الرامهرمزي والخطيب البغدادي في ذلك كان صادرًا عن هذا الصراع. أما النتيجة الثانية فكانت ظهور المذهب الفقهي لأهل الحديث وهو ما عنى به الفصل الثالث، حيث أوضح الفرق بين الفقهاء وغير الفقهاء من أهل الحديث، وشرح العوامل التي أدت إلى ظهور فقه أهل الحديث والتي كان من أهمها محنة ابن حنبل، موثقًا ما أدى إليه البحث خاصًا بهذه النتيجة بأقوال العلماء وسلوكهم في حكاية أقوال المذاهب، وعدهم مذهب أهل الحديث مذهبًا مستقلاً مغايرًا للمذاهب المعاصرة له في القرن الثالث الهجري. وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَّا من هم المعنيون بأهل الحديث، وأثبتنا وجود مذهب فقهي لهم - كان علينا أن نبحث عن فقههم، وأن نجيب عن التساؤلات حول ملامح هذا الفقه، وأصوله، وعلاقته [بغيره] من المذاهب. وقد حاول الفصل الرابع أن يجيب عن هذه التساؤلات، ممهدًا لذلك بفصل درسنا فيه بعض الصحابة المكثرين من رواية الحديث، وأوضحنا اتجاهاتهم في الفقه، واخترنا أربعة منهم، قسمناهم إلى مجموعتين: تتكون المجموعة الأولى من السيدة عائشة وابن عباس، وتتكون الثانية من ابن
عمر وأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -. وهذا التقسيم مبني على ما أسفرت عنه الموازنة بين المجموعتين، وكان من أهم الخواص التي ميزت المجموعة الأولى، أصالة الملكة الفقهية، وكثرة الفتوى، والميل إلى التعليل، ونقد الحديث، على عكس ابن عمر وأبي هريرة في كل ذلك. ويجب التنبه إلى أن التعليل ونقد الحديث كانا سمة غالبة على اتجاههم، ولكنهما لَمْ يُكَوِّنَا مَنْهَجًا مُلْتَزِمًا مُطَّرِدًا فِي كُلِّ المَسَائِلِ فقد رأينا ابن عباس يميل إلى الظاهر في بعض الأحيان، كما رأينا ابن عمر يتجاوز حدود اللفظ إلى ما رواه من معان ومقاصد للتشريع، وقد أكثرت من الأمثلة لتوضيح الفكرة وتوثيقها. ثم عدنا إلى أهل الحديث في القرن الثالث نتلمس اتجاهاتهم في الفقه، ونتبين مدى تأثرهم برواة الحديث من الصحابة ونكشف السمات العامة التي تحكمهم عند الاستنباط، فأجملناها في ثلاثة اتجاهات رئيسية تطوي في ثناياها كثيرًا من أصولهم ومناهجهم. فكان الاتجاه إلى الآثار موضوع الباب الثاني ... تحدثنا فيه عن معنى الآثار، وعن علاقة السنة بالقرآن، ورأينا أن جمهور المحدثين يتجهون إلى اعتبار السنة قاضية على الكتاب، أما أحمد بن حنبل فقد أبى أن يطلق على السنة ذلك واكتفى بقوله: إنها تبين القرآن وتفسره، وكذلك البخاري الذي اهتم بالقرآن في " صحيحه " اهتمامًا واضحًا. ثم تحدثنا عن باقي علاقة السنة بالقرآن، سواء من حيث صلاحيتها لنسخه، أو تخصيصها لعمومه، أو من حيث ورودها بحكم زائد عليه، أو من حيث عرض الحديث على القرآن كوسيلة من وسائل نقد متنه. وقد ذكرنا رأي المحدثين في كل ذلك مع الموازنة بينهم وبين المذاهب الأخرى. كما تعرضنا
لاختلاف المناهج في الأخذ بأخبار الآحاد، وَهَدَتْنَا الموازنة إلى تقارب منهج المذهبين المالكي والحنفي، ووقوفهما في الطرف المقابل لمذهب المحدثين. ثم رأينا أن نوجز القول في المرسل وأقوال الصحابة والتابعين، لدخولهما في مفهوم الآثار. وقبل أن نختم هذا الباب استخلصنا النتائج التي أسفر عنها الاتجاه إلى الآثار، والتي كان من أهمها توقف أهل الحديث عندما يسألون عما لا نص فيه، وكراهتهم للقياس والفقه التقديري، وكراهتهم تدوين الآراء الفقهية مجردة عن النصوص، وتأليفهم الصحاح والسنن، وقد شرحت مناهج المؤلفين فيها ووازنت بينهم في إثبات اختباراتهم في الفقه، وتفاوت وضوح هذه الاختبارات. أما الباب الثالث فكان موضوعه اتجاه المحدثين إلى الظاهر، وبعد أن ذكرت عديدًا من الأمثلة على هذا الاتجاه، تعرضت لمذهب أهل الظاهر باعتباره أهم نتيجة له، موضحًا العلاقة التي تربط المحدثين به، مبرزًا مظاهر الاتفاق والاختلاف بين مذهب المحدثين ومذهب أهل الظاهر، معرفًا بأصول الظاهرية، وموقفهم من المذاهب الأخرى، ثم ختمت هذا الفصل بنقد للمذهب الظاهري. وكان (الاتجاه الخلقي الديني) موضوع الباب الرابع، حيث أثبت فيه أن فقه المحدثين ليس فقهًا شكليًا يقصر اهتمامه على الألفاظ والصور، ولكنه يضيف إلى ذلك اهتمامه بالبواعث النفسية والمقاصد الدينية، ومدى الملاءمة بين عاقبة الفعل ومقاصد الدين. وقد أوضحت الموازنة بين مذهب المحدثين والمذاهب الأخرى في هذا الاتجاه أن المذهبين الحنفي والشافعي يقفان في الطرف المقابل لمذهب المحدثين. وقد درسنا تأثير هذا الاتجاه على سلوك المحدثين عند الاستنباط حيث كانوا ورعين وجلين، وعلى نظرتهم لموضوعات الفقه حيث أدخلوا فيها
أبواب العقائد والزهد والأخلاق وغيرها، وعلى اهتمامهم بالنيات والمقاصد ومآلات الأفعال، سواء في الألفاظ أو في العقود. ثم أشرنا إلى الاتجاه العقلي عند الطحاوي. أما الباب الخامس: فقد كان محاولة للتطبيق، وقد جمعت فيه جزئيات الخلاف بين أهل الرأي وأهل الحديث، وحاولت رجع الخلاف فيها إلى ما سبق من اختلاف في الاتجاهات. وقسمت هذا الباب إلى فصلين: ناقشت في الفصل الأول موضوعات الخلاف بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة، وهي خمس وعشرون ومائة مسألة، رتبتها حسب الأبواب الفقهية، وذكرت في كل مسألة رأي أبي حنيفة وغيره، مستعينًا بكتب الفقه الحنفي، والكتب التي عنيت بذكر اختلاف العلماء، معقبًا على معظم المسائل بذكر سبب الاختلاف فيها، ثم ختمت الفصل بعمل إحصائية حاولت فيها أن أكون حكمًا منصفًا، فقسمت موضوعات الخلاف إلى ما اختلف فيه بسبب اختلاف الحديث أو اختلاف الفهم والتأويل وهو الأغلب، وإلى مسائل أخطأ فيها أبو بكر بن أبي شيبة، ومسائل أخرى أخطأ فيها أبو حنيفة. وفي الفصل الثاني من هذا الباب: ناقشت موضوعات الخلاف بين البخاري وأهل الرأي، ووازنت بين ابن أبي شيبة والبخاري في تصورهما للمسائل المنتقدة على أهل الرأي، وفي منهجهما في مناقشتهما، ثم تعرضت للمسائل التي أفردها البخاري بالتأليف، وشرحت منهجه وعرفت برأي الأحناف، ثم انتقلت إلى مناقشة المسائل التِي عَرَّضَ البخاري فيها بأهل الحديث في " صحيحه "، وبخاصة مسائل الحيل التي أوليناها اهتمامًا خاصًا، حيث شرحنا معناها، وذكرنا أقسامها وحكم كل قسم، وموقف العلماء
منها، ثم عرجنا على المسائل التي انتقدها البخاري في الحيل، فذكرنا وجهة نظر أهل الرأي فيها، وهل تعتبر من قبيل الحيل أولاً. وبعد، فآمل أن أكون قد وفقت في إبراز فقه المحدثين، وفي الكشف عن مذهبهم الفقهي وبيان منهجهم فيه، وأن أكون بهذا البحث قد أسهمت في توضيح جانب من تراثنا الفقهي، ومهدت السبيل لمن يحب أن يسلكه، ويشهد معالمه. ولئن كان في هذا العمل ما يمكن نسبته إلى الخطأ - ولا أخال عملاً آدميًا يسلم منه - فلي أمل أن يغفره لي ما بذلت من جهد، وما عاينته من نصب. ولئن كان فيه ما يمكن نسبته إلى الصواب أو إلى الجدة، فذلك من توفيق الله سبحانه، الذي بنعمته تتم الصالحات، فله الحمد والشكر. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان. • • •
قائمة المراجع
قَائِمَةُ المَرَاجِعِ: 1 - " أبو حنيفة: حياته وعصره، آراؤه وفقهه "، للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة. الطبعة الثانية 1955 م - دار الفكر العربي. 2 - " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة "، لبدر الدين الزركشي [محمد بن عبد الله]، (ت 794 هـ)، تحقيق سعيد الأفغاني، المطبعة الهاشمية بدمشق 1358 هـ / 1939 م. 3 - " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم "، للمقدسي [محمد بن أحمد]، (ت 380 هـ) ط. ليدن 1909 م. 4 - " الإحكام في أصول الأحكام "، للآمدي [علي بن أبي علي بن محمد]، (ت 631 هـ) طبع مصر 1914 م. 5 - " الإحكام في أصول الأحكام "، لابن حزم الظاهري [علي بن أحمد]، (ت 465 هـ) مطبعة السعادة بمصر 1347 هـ. 6 - " أحكام القرآن "، للجصاص [أحمد بن علي]، (ت 370 هـ) مطبعة الأوقاف الإسلامية 1338 هـ. 7 - " أحمد بن حنبل و [المحنة] "، للمستشرق باتون. ولتر. م، ترجمة عبد العزيز عبد الحق، [راجع الترجمة: محمود محمود]، دار الهلال بمصر 1958 م. 8 - " إحياء علوم الدين "، للغزالي [أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد]، (ت 505 هـ) المطبعة الأزهرية المصرية 1316 هـ. 9 - " إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول "، للشوكاني [محمد بن علي]، (ت 1255 هـ) مطبعة السعادة بمصر 1327 هـ. 10 - " أسباب اختلاف الفقهاء "، للأستاذ علي الخفيف (انظر: " محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء ").
11 - " أصول التشريع الإسلامي "، للأستاذ علي حسب الله، الطبعة الثالثة: 1383 هـ / 1964 م، دار المعارف. 12 - " أصول السرخسي " [محمد بن أحمد بن سهل]، (ت 490 هـ)، دار الكتاب العربي بالقاهرة، 1953 م. 13 - " أصول الفقه الجعفري "، لأبي زهرة (الأستاذ الشيخ محمد)، (انظر " محاضرات). 14 - " الأعلام "، للزركلي، الطبعة الثانية: 1273 هـ / 1954 م. 15 - " إعلام الموقعين عن رب العالمين "، لابن قيم الجوزية [محمد بن أبي بكر]، (ت 571 هـ)، مطبعة الكردي والنيل، 1325 هـ. 16 - " الأم "، للشافعي [الإمام محمد بن إدريس]، (ت 204 هـ)، طبع بولاق، سنة 1326 هـ. 17 - " الإمام زيد "، لأبي زهرة. دار الفكر العربي بالقاهرة، 1959 م. 18 - " الإنصاف في بيان سبب الاختلاف "، للدهلوي [أحمد شاه ولي الله الدين] طبع الهند، 1303 هـ. 19 - " الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم "، للبطيلوسي [عبد الله بن محمد الأندلسي]، (ت 521 هـ)، مطبعة الموسوعات بمصر، 1319 هـ. 20 - " بداية المجتهد "، لابن رشد الحفيد (ت 595 هـ) طبع دار الخلافة العلية، سنة 1333 هـ. 21 - " تأسيس النظر "، لأبي زيد الدبوسي، الطبعة الأولى بالمطبعة الأدبية بمصر. 22 - " تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب، للكوثري، مطبعة الأنوار بمصر: 1361 هـ - 1942 م.
23 - " تأويل مختلف الحديث "، لابن قتيبة [أبي محمد عبد الله بن مسلم]، (ت 276 هـ) ط، مصر 1326 هـ. 24 - " تاريخ بغداد "، للخطيب [علي بن ثابت]، (ت 463 هـ)، طبع سنة 1349 هـ - 1931 م. 25 - " تاريخ التشريع "، للخضري [محمد]، (ت 1345 هـ)، الطبعة الأولى سنة 1339 هـ، دار إحياء الكتب. 26 - " تاريخ التشريع الإسلامي ومصادره ونظرته للأموال والعقود "، للأستاذ محمد سلام مدكور، مكتبة النهضة 1377 هـ - 1958 م. 27 - " تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس "، لابن الفرضي [عبد الله بن محمد]، (ت 403 هـ)، ط. مصر 1373 هـ - 1954 م. 28 - " الترمذي بشرح ابن العربي " (انظر " صحيح الترمذي، و" سنن الترمذي "). 29 - " تفسير المنار " (" تفسير القرآن الحكيم ")، للسيد محمد رشيد رضا، مطبعة المنار 1346 هـ. 30 - " تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل "، لابن أبي حاتم [عبد الرحمن]، (ت 337 هـ) حيدر آباد 1952 م. 31 - " التقرير والتحبير "، لابن أمير الحاج (ت 879 هـ) على " تحرير " الكمال بن الهُمام (ت 861 هـ) طبع بولاق سنة 1316 هـ. 32 - " تلبيس إبليس "، أو " نقد العلم والعلماء "، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت 597 هـ) ط. إدارة الطباعة المنيرية بمصر. 33 - " تهذيب التهذيب "، لابن حجر العسقلاني [شهاب الدين أحمد بن علي]، (ت 852 هـ) ط. الهند 1225 هـ. 34 - " التوضيح على التنقيح "، لصدر الشريعة، المطبعة الخيرية بمصر 1306 هـ.
35 - " ابن تيمية، حياته وعصره، آراؤه وفقهه "، للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة. دار الفكر العربي 1952 م. 36 - " جامع الأصول من أحاديث الرسول "، لابن الأثير [أبي السعادات مبارك بن محمد]، (ت 606 هـ) مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة، 1268 هـ - 1949 م. 37 - " جامع بيان العلم وفضله "، لابن عبد البر [يوسف]، (ت 463 هـ) الطبعة الأولى بإدارة الطباعة المنيرية بمصر. 38 - " جامع العلوم والحكم "، لابن رجب الحنبلي [عبد الرحمن بن أحمد]، (ت 795 هـ) الطبعة الثانية: 1369 هـ - 1950 م. 39 - " الجامع لأحكام القرآن "، للقرطبي، ط. دار الكتب، 1357 هـ - 1937 م. 40 - " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع "، للخطيب. مصور دار الكتب (505 مصطلح حديث). 41 - " جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى "، لابن حزم، ط. دار المعارف. 42 - " الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية "، للقرشي [عبد القادر بن محمد]، (ت 775 هـ) ط. الهند 1332 هـ. 43 - " الجوهر النقي في الرد على البيهقي "، لعلاء الدين بن علي المارديني (ت 745 هـ) على هامش " السنن الكبرى "، للبيهقي، ط. الهند 1355 هـ. 44 - " الاحتجاج بالسنة "، للسيوطي [جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر]، (ت 911 هـ) الطبعة الأولى سنة 1326 هـ بمطبعة السعادة. 45 - " حجة الله البالغة "، للدهلوي [أحمد بن عبد الرحيم]، (ت 1176 أو 1179 هـ) ط. المطبعة الخيرية 1322 هـ، رجعنا أيضًا إلى الطبعة التي حققها الشيخ سيد سابق. دار الكتب الحديثة بالقاهرة ومكتبة المثنى ببغداد.
46 - " الحجج المبينة في الرد على أهل المدينة "، لمحمد بن الحسن الشيباني، نسخة خاصة، قمت بتصويرها عن ميكروفيلم بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية. 47 - " حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة "، للسيوطي. المطبعة الشرقية سنة 1327 هـ. 48 - " ابن حزم "، للأستاذ الشيخ محمد أبي زهرة، مطبعة مخيمر بالقاهرة سنة 1367 هـ. 49 - " ابن حزم، صورة أندلسية "، لطه الحاجري، طبع دار الفكر العربي بالقاهرة. 50 - " ابن حزم ورسالته في المفاضلة بين الصحابة "، تحقيق سعيد الأفغاني، دمشق 1339 هـ - 1940 م. 51 - " الحكم التخييري، أو نظرية الإباحة عند الأصوليين والفقهاء "، للأستاذ محمد سلام مدكور، دار النهضة سنة 1963 م. 52 - " حلية الأولياء وطبقات الأصفياء "، لأبي نعيم الأصفهاني. طبع مصر 1351 هـ - 1932 م. 53 - " ابن حنبل، حياته وعصره، آراؤه وفقهه "، للأستاذ محمد أبي زهرة، المطبعة النموذجية بمصر 1367 هـ - 1948 م. 54 - " اختلاف الحديث "، للشافعي، على هامش الجزء السابق من " الأم ". ط. بولاق 1326 هـ. 55 - " الخراج "، لأبي يوسف [يعقوب بن إبراهيم]، (ت 180 هـ) المطبعة السلفية بمصر 1366 هـ. 56 - " خير الكلام في القراءة خلف الإمام "، الإمام البخاري، المطبعة الخيرية بمصر 1320 هـ.
57 - " دراسات في السنة "، للأستاذ مصطفى زيد، دار الفكر العربي 1968 م. 58 - " الدراري المضيئة "، للشوكاني. 59 - " دروس في فقه الكتاب والسنة: البيوع منهج وتطبيقه "، للمرحوم الدكتور محمد يوسف موسى. 60 - " دروس في مقدمة الدراسات القانونية "، للدكتور محمود جمال الدين. 61 - " الرأي في الفقه الإسلامي "، للدكتور مختار القاضي، الطبعة الأولى 1468 هـ - 1949 م. 62 - " الرد على سير الأوزاعي "، لأبي يوسف القاضي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، ط 1 سنة 1357 هـ. 63 - " الرسالة "، للإمام الشافعي. طبع مصطفى البابي الحلبي، سنة 1358 هـ - 1930 م، بتحقيق وشرح المرحوم الشيخ أحمد محمد شاكر. 64 - " رسالة ابن حزم في مسائل الأصول " .. جمعها جمال الدين القاسمي، ط. دمشق 1331 هـ. 65 - " رفع الالتباس عن بض الناس "، للمولوي سيد محمد نذير حسين الدهلوي، ط. الهند 1311 هـ. 66 - " السنة قبل التدوين "، للدكتور محمد عجاج الخطيب، مطبعة مخيمر بالقاهرة سنة 1383 هـ - 1963 م. 67 - " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي "، للمرحوم الدكتور مصطفى السباعي، دار العروبة بالقاهرة 1383 هـ - 1963 م. 68 - " سنن أبي داود "، تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين، مطبعة السعادة بمصر 1950 م. 69 - " سنن البيهقي [أحمد بن حسين]، (ت 458 هـ) طبع الهند 1355 هـ.
70 - " سنن الترمذي "، تحقيق المرحوم الشيخ أحمد شاكر، و" بشرح ابن العربي "، طبع المطبعة المصرية بالأزهر سنة 1350 هـ - 1931 م. 71 - " سنن الدارمي "، دمشق 1349 هـ، والهند 1292 هـ. 72 - " سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي "، المطبعة المصرية بالأزهر 1348 هـ - 1930 م، نشر المكتبة التجارية. ورجعنا أيضًا إلى طبعة بالمطبعة اليمنية لمصر سنة 1312 هـ. 73 - " سنن ابن ماجه "، تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية 1273 هـ - 1954، " بحاشية السندي "، طبع المطبعة العلمية بمصر 1313 هـ. 74 - " سير أعلام النبلاء "، للذهبي، تحقيق صلاح الدين المنجد، طبع معهد المخطوطات العربية بالاشتراك مع دار المعارف 1962 م. 75 - " الشافعي "، للأستاذ محمد أبو زهرة، القاهرة 1948. 76 - " شرح تراجم أبواب صحيح البخاري "، للدهلوي، ط. الهند 1323 هـ. 77 - " شرح الجلال المحلى على جمع الجوامع "، للسبكي، الطبعة الأولى بالمطبعة العلمية 1316 هـ. 78 - " شرح الطحاوية في العقيدة السلفية "، لعلي بن علي بن محمد، أبي العز الحنفي (ت 792 هـ)، تحقيق أحمد شاكر. 79 - " شرح ابن العربي على الترمذي " المسمى " عارضة الأحوذي "، المطبعة المصرية بالأزهر 1350 هـ - 1930 م. 80 - " شرح النووي على صحيح مسلم "، المطبعة المصرية بالأزهر 1347 هـ - 1929 م. 81 - " شرح معاني الآثار "، للطحاوي [أحمد بن محمد]، (ت 321 هـ) طبع حجر الهند 1348 هـ.
82 - " شرح المنهاج "، للإسنوي (انظر " نهاية السول). 83 - " شرف أصحاب الحديث "، للخطيب. مخطوط الأزهر (2019 حديث). 84 - " شروط الأئمة الخمسة "، للحازمي [محمد بن موسى]، (ت 584 هـ) بتعليق الكوثري، مطبعة القدس والسعادة بمصر سنة 1357 هـ. 85 - " الصحاح "، للجوهري [إسماعيل بن حماد]، دار الكتاب العربي. 86 - " صحيح البخاري بحاشية السندي "، دار إحياء الكتب. 87 - " صحيح مسلم "، دار الطباعة العامرة 1329 هـ - 1959 م. 88 - " صفعات البرهان على صفحات العدوان "، للكوثري، طبع دمشق 1348 هـ. 89 - " الصلاة وما يلزم فيها "، لابن حنبل، تقديم وتحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية 1371 هـ - 1952 م. 90 - " ضحى الإسلام "، للأستاذ المرحوم أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر 1943 م. 91 - " طبقات الشافعية "، للسبكي [تاج الدين عبد الوهاب]، (ت 771 هـ)، الطبعة الأولى بالمطبعة الحسينية. 92 - " الطبقات الكبرى "، لابن سعد [محمد]، (ت 230 هـ)، طبع ليدن سنة 1338 هـ. 93 - " الطحاوي وأثره في الحديث "، لعبد المجيد محمود، طبع الهيئة العامة للكتاب، عام 1975 م. 94 - " عصر المأمون "، للدكتور أحمد فريد رفاعي، ط. دار الكتب 1346 هـ - 1927 م. 95 - " العناية شرح الهداية ". 96 - " علوم الحديث ومصطلحه "، للدكتور صبحي الصالح، مطبعة جامعة دمشق 1379 هـ - 1959 م.
97 - " عمدة القاري شرح صحيح البخاري "، للعيني [محمود بن أحمد]، طبع تركيا 1309 هـ. 98 - " عين الإصابة في استدراك عائشة على الصحابة "، للسيوطي، (محفوظ دار الكتب 474 مجاميع)، وهو اختصار لـ " الإجابة ". 99 - " فتح الباري شرح صحيح البخاري "، لابن حجر العسقلاني، المطبعة الأميرية ببولاق 1301 هـ. 100 - " فتح القدير "، للكمال بن الهُمام [محمد بن عبد الواحد]، المطبعة الأميرية 1318 هـ. 101 - " الفروق "، للقرافي، ط. دار إحياء الكتب العربية 1344 هـ. 102 - " فقه السنة والكتاب "، لأستاذنا الشيخ علي الخفيف (انظر " محاضرات فقه الكتاب والسنة). 103 - " الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي "، للحجوي [محمد بن الحسن الفاسي] ط. تونس. 104 - " الفهرست "، لابن النديم [محمد بن إسحاق]، (ت 377 هـ)، ط. ليبزج 1871 م. 105 - " فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت "، لعبد العلي، [محمد بن نظم الدين الأنصاري]، (ت 1180 هـ تقريبًا). مطبوع ذيلاً لـ " المستصفى " بالمطبعة الأميرية سنة 1324 هـ. 106 - " قرة العينين برفع اليدين "، للبخاري، مطبوع على هامش " خير الكلام في القراءة خلف الإمام "، للبخاري بالمطبعة الخيرية بمصر 1320 هـ. 107 - كتاب " قبول الأخبار ومعرفة الرجال "، لأبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي المعتزلي (ت 317 هـ)، (مصور دار الكتب برقم ب 24051).
108 - " كشاف اصطلاحات الفنون "، للتهانوي. 109 - " كشف الأسرار على شرح المصنف على المنار "، للنسفي [عبد الله بن أحمد]، مطبعة بولاق بالقاهرة 1316 هـ. 110 - " الكفاية في علم الرواية "، للخطيب البغدادي، ط. الهند 1357 هـ. 111 - " كليات أبي البقاء " [أيوب بن موسى]، (ت 1095 هـ)، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1287 هـ. 112 - " لسان الميزان "، لابن حجر العسقلاني، ط. الهند 1329 هـ. 113 - " مالك "، لأمين الخولي. 114 - " مالك "، لأبي زهرة، القاهرة - مكتبة الأنجلو 1952 مطبعة مخيمر. 115 - " المبسوط "، للسرخسي (في ثلاثين جزءًا)، مطبعة السعادة سنة 1214 هـ. 116 - " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد "، لنور الدين الهيثمي. 117 - " محاضرات فقه الكتاب والسنة "، للأستاذ علي الخفيف، نشر مكتبة وهبة بعابدين 1363 هـ - 1944 م. 118 - " محاضرات في أسباب اختلاف الفقهاء "، للأستاذ علي الخفيف، مطبعة الرسالة 1375 هـ - 1956 م. 119 - " محاضرات في أصول الفقه الجعفري "، للشيخ أبي زهرة، طبع معهد جامعة الدول العربية 1956 م. 120 - " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي "، للرامهرمزي [الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد]، تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب، مخطوط دار العلوم. 121 - " المحلى "، لابن حزم [علي بن أحمد]، (ت 456 هـ)، المطبعة المنيرية 1352 هـ. 122 - " المدخل إلى علم أصول الفقه "، الدكتور محمد معروف الدواليبي، مطبعة جامعة دمشق سنة 1959 م.
123 - " المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل "، لابن بدران. 124 - " المدخل الفقهي العام إلى الحقوق المدنية "، للدكتور مصطفى الزرقا، الطبعة الخامسة بمطبعة الجامعة السورية. 125 - " المدونة " مطبعة السعادة 1323 هـ 126 - " المذاهب الإسلامية "، لأبي زهرة، مطبوعات الألف كتاب، مكتبة الآداب ومطبعتها. 127 - مسائل الإمام أحمد وإسحاق "، مخطوط دار الكتب المصرية (ب 22660). 128 - " مسائل عبد الله بن أحمد "، نسخة مصورة بدار الكتب المصرية (ب 20754). 129 - " المستصفى في أصول الفقه "، للغزالي، مطبعة الأميرية ببولاق سنة 1322 هـ. 130 - " مسلم الثبوب بشرح فواتح الرحموت "، لابن عبد الشكور [محب الله الهندي]، (ت 1119 هـ) مطبوع ذيلاً لـ " المستصفى " بالمطبعة الأميرية سنة 1324 هـ. 131 - " المسند "، للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف بالقاهرة 1949 م. 132 - " مشكل الحدي وبيانه "، لابن فورك [محمد بن الحسن]، (ت 406 هـ)، ط. الهند 1362 هـ. 133 - " المصنف في الحديث "، لابن أبي شيبة [أبي بكر عبد الله بن محمد]، (ت 235 هـ) ط. الهند. 134 - " المعارف "، لابن قتيبة، المطبعة الشرفية 1300 هـ. 135 - " معاني الآثار " (انظر " شرح معاني الآثار ").
136 - " المعتمد في أصول الفقه "، لأبي الحسين محمد بن علي المعتزلي (ت 436 هـ)، طبع دمشق 1384 هـ - 1964 م. 137 - " معجم الأدباء "، لياقوت بن عبد الحموي (ت 626 هـ)، طبع دار المأمون بالقاهره 1361 هـ - 1964 م. 138 - " المغني "، لابن قدامة [عبد الله بن أحمد بن محمد]، مطبعة المنار بالقاهرة 1367 هـ. 139 - " مقدمة "، ابن خلدون، لجنة البيان العربي 1379 هـ - 1960 م. 140 - " مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث "، لأبي عمر عثمان بن عبد الرحمن (ت 642 هـ)، ط. الهند 1357 هـ. 141 - " مقدمة في إحياء علوم الشريعة "، للأستاذ صبحي المحمصاني، بيروت 1962 م. 142 - " ملخص إبطال القياس "، لابن حزم، بتحقيق سعيد الأفغاني، طبع جامعة دمشق 1379 هـ - 1960 م. 143 - " الملل والنحل "، للشهرستاني [محمد بن عبد الكريم]، مطبوع على هامش " الفصل من الملل والأهواء والنحل "، لابن حزم، ط. 1347 هـ، ونسخة أخرى بتحقيق الشيخ أحمد فهمي، طبع مكتبة الحسين التجارية 1368 هـ - 1948 م. 144 - " مناسبات تراجم أبواب البخاري "، لسراج الدين البلقيني (ت 805 هـ)، مخطوط (حديث تيمورية 590). 145 - " مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة "، [للكردري] ط. الهند 1311 هـ. 146 - " مناقب أبي حنيفة "، للموفق بن أحمد المكي (ت 568 هـ) مطبوع على هامش " المناقب " [للكردري]. 147 - " الموافقات " للشاطبي [إبراهيم بن موسى]، (ت 790 هـ)، طبع تونس 1302 هـ، وطبع المطبعة السلفية بمصر 1341 هـ.
148 - " موسوعة جمال عبد الناصر في الفقه الإسلامي ". 149 - " الموطأ "، للإمام مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، طبع مصر 1370 هـ. 150 - " الميزان الكبرى "، للشعراني [عبد الوهاب بن أحمد]، (ت 973 هـ)، المطبعة العثمانية بالقاهرة 1311 هـ. 151 - " النبذ "، لابن حزم. 152 - " الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء: مالك والشافعي وأبي حنيفة "، لابن عبد البر، نشر مكتبة المقدس 1350 هـ. 153 - " النسخ في القرآن الكريم "، للأستاذ الدكتور مصطفى زيد، الطبعة الأولى 1383 هـ - 1963 م. 154 - " نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام "، للدكتور علي سامي النشار، الطبعة الثالثة 1965 م. 155 - " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي "، للدكتور علي حسن عبد القادر، مطبعة العلوم 1361 هـ - 1942 م. 156 - " نقد العلم والعلماء " (انظر " تلبيس إبليس). 157 - " النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة "، للكوثري [محمد زاهد]، مطبعة الأنوار، سنة 1365 هـ. 158 - " نهاية السول "، للإسنوي (ت 772 هـ) - " شرح منهاج البيضاوي " (ت 685 هـ) ط. بولاق 1216 هـ على هامش " التقرير والتحبير ". 159 - " نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار " للشوكاني [محمد بن علي]، (ت 1200 هـ)، ط. بولاق 1297 هـ.
160 - " الهداية، شرح بداية المبتدي "، لبرهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني (ت 593 هـ)، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر. 161 - " هدي الساري "، لابن حجر العسقلاني، ط. بولاق [1302 هـ]. 162 - " هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث "، نظم الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، ط. القاهرة 1358 هـ - 1939 م. 163 - " الولاة والقضاة " (" كتاب الولاة وكتاب القضاة ")، للكندي [محمد بن يوسف]، مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت 1908 م. • • •
تصحيح الأخطاء
تَصْحِيحُ الأَخْطَاءِ: (*) ¬
الفهارس العامة للكتاب
الفَهَارِسُ العَامَّةُ لِلْكِتَابِ:
فهرس الموضوعات
فَهْرَسْ المَوْضُوعَاتِ: - مقدمة (ص 3 - 9): - تمهيد: (ص 11 - 27): - بين الاتجاهات والمنهج (ص 11 - 12): - بين الحديث والسُنَّة (ص 12 - 19): - الفقه: تعريفه (ص 19 - 21) ............... مراحل تطوره (ص 21 - 23). ............... علاقته بالحديث (ص 24). ............... فضل الفقه والفقهاء (ص 25 - 27). • الباب الأول: المدرسة الفقهية عند المحدثين (29 - 184). الفصل الأول : أهل الحديث وأهل الرأي: ................ تتبع وتحديد (ص 31 - 92). ................ دواعي الفصل (ص 31). ................ مدرسة الحجاز ومدرسة العراق في عصر التابعين (ص 32 - 33). ................ مناقشة أحمد أمين في دعواه أن تابعي العراق متأثرون بمعاذ بن جبل (ص 35 - 36). ................ الحديث والرأي بين تابعي الحجاز والعراق (ص 39 - 42). ................ مظاهر الاتفاق والاختلاف بين المدرستين في عهد التابعين (ص 42 - 54). ................ بين المدرستين في القرن الثاني (ص 54 - 75). ................ التعصب للشيوخ (ص 55 - 56). ................ تكوُّن المذاهب (ص 56 - 58). ................ الرأي بين المدرستين في القرن الثاني: (ص 58 - 60). ................ الفقه التقديري وصلته بالمذهب الحنفي: (61 - 62). ............... الخلاف حول الفقه التقديري: (62 - 67). ............... إطلاق أهل الرأي على مدرسة أبي حنيفة: (67 - 68). ............... أسباب اتهام المذهب الحنفي بالرغبة عن الحديث: (69 - 74). ............... اللقاءات العلمية في القرن الثاني: (74 - 85). ............... عوامل التقارب والتباعد بين المذاهب في القرن الثالث: (75 - 78). ............... شيوع مهاجمة القياس وسطوة المعتزلة وتأثير ذلك في العلاقة بين المُحَدِّثِينَ وأهل الرأي: (78 - 81). ............... تلخيص لما سبق: (81 - 82). ............... اضطراب المؤرخين في تعيين أهل الرأي وأهل الحديث: (83 - 92)
الفصل الثاني : الخصومة بين المحدثين وغيرهم: أسبابها ونتائجها (ص 93 - 121): ................ اختلاف التكوين الثقافي بين المعتزلة والمحدثين (ص 93 - 95). ................ ما ذكره ابن قتيبة من أسباب الخصومة بين المحدثين والمعتزلة (ص 96 - 102). ................ استعلاء المعتزلة وغرورهم (ص 103 - 105). ................ الخصومة بين المحدثين والفقهاء (ص 105 - 112). ................ من نتائج صراع المحدثين مع الفقهاء والمتكلمين (ص 112 - 121). الفصل الثالث : فقهاء المحدثين ومذهب أهل الحديث (ص 122 - 139): ................ المزج بين المحدث والفقيه في العصر الأول (ص 122). ................ عوامل قلة الفتوى وكثرتها (ص 123 - 125). ................ إطلاق كلمة (شيخ) على غير الفقهاء من المحدثين (ص 126). ................ بروز مذهب المحدثين في عهد أحمد بن حنبل وأثر المحنة في ظهوره (ص 127 - 129). ................ السلوك الفقهي للمحدثين قبل ظهور مذهبهم (ص 129 - 131). ................ الخلاف في عد ابن حنبل من الفقهاء، وأثر القول بمذهب المحدثين في رفع هذا الخلاف (ص 131 - 133). ................ النصوص التي تفيد وجود مذهب مستقل للمحدثين (ص 133 - 138). ................ التسليم بوجود مذهب المحدثين قد يفسر اختلاف الروايات في المذهب الحنبلي (ص 138 - 139). الفصل الرابع : رواة الحديث من الصحابة وتأثيرهم في أهل الحديث (ص 140 - 184): ................ أهمية عصر الصحابة (ص 140). ................ حد الصحابي بين المحدثين والأصوليين (ص 141 - 142). ................ تفاوت الصحابة في العلم (ص 142 - 144). ................ المحدثون من الصحابة (ص 144 - 146). ................ اختيار أربعة منهم لدراسة اتجاههم في الفقه وتقسيمهم إلى مجموعتين (ص 146 - 147).
.............. الموازنة بين المجموعتين في كمية الفتوى (ص 147 - 148). ................ الموازنة بينهما في الملكة الفقهية (ص 149). ................ الموازنة بينهما في نقد الحديث (ص 150 - 160). ................ الموازنة بينهما في البحث عن علل الأحكام (ص 160 - 163). ................ أصالة الميل إلى التعليل عند ابن عباس وجراءته في الإفتاء (ص 163 - 172). ................ تمسك ابن عباس بالظاهر أحيانًا (ص 172 - 176). ................ اقتداء ابن عمر، وحرصه على الحديث، وسرعة استجابته له، والموازنة بينه وبين ابن عباس في ذلك (ص 176 - 180). ................ ورع ابن عمر يفسر سلوكه (ص 181 - 182). ................ الاتجاه إلى الظاهر عند ابن عمر لم يكن مذهبًا ملتزمًا (ص 182 - 184). • الباب الثاني: الاتجاه إلى الآثار (185 - 331). تمهيد عن أصالة هذا الاتجاه عند المحدثين، وتعريف الأثر: (ص 187 - 189). الفصل الأول : رأي المحدثين في علاقة السنة بالقرآن: (ص 190 - 239). ................ اتفاق الجمهور على الأخذ بالسنة واختلافهم في التطبيق (ص 190). ................ الاتجاهات المختلفة في مكانة السنة ومرتبتها بالنسبة للقرآن، وبيان اتجاه المحدثين (ص 191 - 194). ................ اهتمام البخاري بالقرآن في " صحيحه "، ومنهجه في إيراده آيات القرآن في تراجمه (ص 195 - 201). ................ عرض السنة على القرآن: معناه والاختلاف في الأخذ به كقاعدة لنقد الحديث وموقف المحدثين منه (ص 201 - 208). ................ ورود السنة بحكم زائد على ما في القرآن: وبيان الاختلاف في ذلك (ص 209 - 217). ................ رأينا في المشكلة (ص 218). ................ تقسيم الأحناف للسنن الزائدة، وردهم بعض أقسامها (ص 219 - 221). ................ موقف المحدثين من رأي الأحناف ومناقشة ابن القيم إياهم، ورأينا في هذا الخلاف (ص 221 - 223). ................ مسلك الأحناف في السنن الزائدة (ص 223 - 225). ................ خالف البخاري المحدثين في عدم أخذه بحديث الشاهد واليمين (ص 226 - 227). ................ نسخ السنة بالقرآن والعكس، وموقف الشافعي من هذا النسخ (ص 227 - 230).
.............. من أمثلة هذا النسخ (ص 230 - 223). ................ اشتراط التواتر أو الشهرة في السنة الناسخة، ومخالفة الظاهرية في ذلك (ص 233 - 234). ................ أمثلة نسخ القرآن بالسنة لم تسلم من المعارضة (ص 235). ................ الاتجاهات في تخصيص القرآن بالسنة، والعام والخاص (ص 236 - 239). ................ حجية العام بين الأحناف وغيرهم (ص [239]). الفصل الثاني : خبر الواحد بين المحدثين وغيرهم (ص 240 - 283): ................ تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد، وتعريف المتواتر (ص 240 - 241). ................ خبر الآحاد وإفادته العلم (ص 242 - 245). ................ شروط المحدثين في الحديث الصحيح، وما يضيفه الأحناف والمالكية إليها (ص 245 - 246). ................ المنقطع صورة والمنقطع معنى عند الأحناف، ونقدنا لهم (ص 246 - 251). ................ رفض المحدثين عمل أهل المدينة إذا جاء الحديث على خلافه (ص 251). ................ مخالفة الراوي لما رواه والموازنة بين المحدثين وغيرهم في هذا الأصل (ص 252 - 255). ................ درجات ألفاظ الصحابي عند الرواية والأقوال فيها (ص 255 - 259). ................ المرسل: تعريفه، النظرة إليه قبل القرن الثالث وفي أثنائه ورأي المحدثين فيه (ص 260 - 268). ................ أقوال الصحابة والتابعين: أقوال الصحابة والاتجاهات في الأخذ بها، وبيان موقف ابن حنبل والبخاري منها (ص 269 - 276). ................ رفض الظاهرية الأخذ بأقوال الصحابة (ص 276 - 277). ................ موقف غير المحدثين والظاهرية من أقوال الصحابة والتابعين (ص 277 - 279). ................ الموضوعية بين المحدثين وغيرهم (ص 279 - 283). الفصل الثالث : من نتائج الاتجاه إلى الآثار (ص 284 - 331): ................ [أ] التوقف فيما لا أثر فيه، ونقدنا لذلك (ص 284 - 287). ................ [ب] كراهية الفقه التقديري (ص 287 - 288). ................ [ج] كراهية إفراد الفقه بالتدوين (ص 288 - 289). ................ [د] كراهية القياس (ص 289 - 291). ................ [هـ] تأليف الجوامع والسنن، والموازنة بين المؤلفين في الشروط والمقدمات والترتيب ومناهجهم في ذكر آرائهم الفقهية، وفي اختلاف الحديث (ص 291 - 331).
• الباب الثالث: الاتجاه إلى الظاهر (332 - 409). الفصل الأول : بين أهل الحديث وأهل الظاهر (ص 335 - 363). ................ معنى هذا الاتجاه (ص 335). ................ مظاهره في فقه المحدثين، بذكر تسعة أمثلة من الفروع (ص 337 - 350). ................ المذهب الظاهري وأثر المحدثين في نشأته (ص 350 - 356). ................ الفرق بين المحدثين والمذهب الظاهري (ص 356 - 363). الفصل الثاني : أصول الظاهرية (ص 364 - 395). ................ ذكر هذه الأصول إجمالاً (ص 364 - 366). ................ فهم الظاهرية لموجب الأمر والنهي وذكر أمثلة لذلك من الفروع (ص 366 - 368). ................ تقسيم ابن حزم الأمر بالنسبة للزمان الواقع فيه (ص 368 - 369). ................ كل منهي عنه يقع باطلاً عند الظاهرية، والموازنة بينهم وبين المذاهب الأخرى في ذلك (ص 369 - 373). ................ ثقل كلمة «النص» في الميزان الظاهري وأمثلة لها (ص 373 - 377). ................ الإجماع عند الظاهرية وتأثرهم بالشافعي وأحمد وبالحملة التي شنها عليهم خصومهم (ص 377 - 379). ................ الدليل على كلام ابن عبد البر، ونقدنا (ص 379 - 381). ................ تقسيم الدليل إلى دليل مأخوذ من النص ودليل مأخوذ من الإجماع (ص 381 - 387). ................ موقف الظاهرية من الاجتهاد بالرأي، ونقدنا لهم ليس داود أول من نفى القياس، وهل ينكر كل أنواعه؟ (ص 387 - 395). الفصل الثالث : علاقة المذهب الظاهري بالمذاهب الأربعة (ص 396 - 409). ................ تشبيه الظاهرية بالخوارج، ورد ابن حزم على ذلك (ص 398 - 399). ................ الاتجاهات حول الاعتداد بقيمة الآراء الظاهرية (ص 399 - 400). ................ نقد ابن القيم للمذهب الظاهري (ص 400 - 401). ................ نقدنا له (ص 402). ................ أمثلة مما أغرب فيه أهل الظاهر نتيجة تشبثهم بحرفية النص (ص 403 - 409).
• الباب الرابع: الاتجاه الخلقي النفسي (410 - 452). ................ معنى هذا الاتجاه (ص 413 - 415). ................ أثره في سلوك المحدثين عند الاستنباط (ص 416 - 422). ................ أثره في نظرتهم إلى الموضوعات الفقهية (ص 422 - 429). ................ أثره في نظرتهم إلى الأعمال من حيث الباعث عليها ومن حيث مآلها وعاقبتها وموقفهم من سد الذرائع (ص 429 - 451). ................ كلمة عن هذا الاتجاه العقلي (ص 451). • الباب الخامس: موضوعات الخلاف بين أهل الحديث وأهل الرأي (453 - 460). تمهيد: (ص 455 - 458). الفصل الأول : بين ابن أبي شيبة وأبي حنيفة (ص 459 - 576). ................ ملاحظات على منهج ابن أبي شيبة (ص 459). ................ موقف أبي حنيفة من الحديث (ص 460 - 462). ................ إحصاء المسائل المنتقدة على أبي حنيفة ومنهجنا في عرضها (ص 462 - 463). ................ المسائل المنتقدة في الطهارة (ص 463 - 480). ................ المسائل المنتقدة في الصلاة (ص 481 - 510). ................ المسائل المنتقدة في الصوم (ص 510 - 513). ................ المسائل المنتقدة في الزكاة (ص 514 - 520). ................ المسائل المنتقدة في الحج (ص 521 - 528). ................ المسائل المنتقدة في النكاح والطلاق (ص 529 - 535). ................ المسائل المنتقدة في البيوع (ص 516 - 547). ................ المسائل المنتقدة في القضاء والحدود (ص 549 - 559). ................ المسائل المنتقدة في الكراهية (ص 560 - 564). ................ المسائل المنتقدة في أبواب مختلفة (ص 565 - 573). ................ تعقيب على المسائل المختلف فيها، ومحاولة إنصاف (ص 573 - 576). الفصل الثاني : بين البخاري وأهل الرأي (ص 577). ................ رد البخاري على أهل الرأي ضمنًا (ص 577 - 579). ................ موازنة بين البخاري وابن أبي شيبة (ص 580). ................ جزء البخاري في رفع اليدين عند الركوع (ص 580 - 588).
............... جزء البخاري في القراءة خلف الإمام ورأي الطحاوي في هذه المسألة (ص 589 - 597). ................ تصنيف المسائل التي انتقدها البخاري على أهل الرأي في " صحيحه " (ص 598). ................ عرض هذه المسائل ومناقشتها (ص 600 - 612). ................ الحيل، وسر تخصيص البخاري كتابًا له في " صحيحه " (ص 613). ................ معنى الحيلة، وأقسامها، وموقف العلماء منها (ص 624 - 640). ................ الحيل بين البخاري وأهل الرأي (ص 624 - 640). • الخاتمة: (ص 640). • ثبت المراجع: (ص 662). • تصحيح الأخطاء: (ص 663). • • •
فهرس الآيات
فَهْرَسْ الآيَاتِ: - الهمزة - - آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا [سورة هود، الآية: 56] : 310، 310 هامش. - أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [سورة البقرة، الآية: 44] : 415. - أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [سورة البقرة، الآية: 187] : 232. - إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [سورة النصر، الآية: 1] : 165. - إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [سورة المائدة، الآية: 6] : 195 هامش، 319. - إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الجمعة، الآية: 9] : 380. - ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [سورة الحج، الآية: 77] : 494. - أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ [سورة الطلاق، الآية: 6] : 160. - أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ [سورة الواقعة، الآيات: 68 - 70] : 197. - الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [سورة آل عمران، الآية: 173] : 375. - الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [سورة المجادلة، الآية: 3] : 165. - الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [سورة البقرة، الآية: 46] : 392. - اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [سورة البقرة، الآية: 15] : 95. - أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [سورة النجم، الآية: 38] : 511. - إِلَّا رَمْزًا [سورة آل عمران، الآية: 41] : 608، 608 هامش. - إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [سورة المؤمنون، الآية: 6] 421 هامش. - أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [سورة الزمر، الآية: 9] : 27. - إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [سورة النساء، الآية: 163] : 197. - إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [سورة النساء، الآية: 58] : 201، 606. - إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ... [سورة النساء، الآية: 176] : 170. - إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ... [سورة البقرة، الآية: 180] : 234. - إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ [سورة الحجرات، الآية: 6] : 380، 381. - إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [سورة النساء، الآية: 103] : 196. - إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [سورة النور، الآية: 9] : 607. - إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [سورة الأنفال، الآية: 65] : 101. - إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [سورة الحجرات، الآية: 12] : 393. - إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان، الآية: 13] : 375.
- الباء -
- إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ [سورة هود، الآية: 12] : 26. - إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [سورة التوبة، الآية: 28] : 403. - أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ... [سورة النساء، الآية: 43] و [سورة المائدة، الآية: 6] : 152، 324. - أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا [سورة التوبة، الآية: 124] : 198. - الباء - - بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [سورة النساء، الآية: 105] : 287. - التاء - - تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [سورة النحل، الآية: 89] : 215. - الحاء - - حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [سورة المائدة، الآية: 3] : 421. - الخاء - - خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [سورة البقرة، الآية: 29] : 391. - الزاي - - الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [سورة النور، الآية: 2] : 220، 221. - الصاد - - صَافَّاتٍ [سورة النور، الآية: 41] : 310.
- الفاء -
- الفاء - - فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا [سورة آل عمران، الآية: 173] : 198. - فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [سورة ص، الآية: 24] : 164. - فَاسْتَمِعُوا لَهُ [سورة الأعراف، الآية: 204] : 593، 594. - فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [سورة مريم، الآية: 29] : 608، 608 هامش. - فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ [سورة محمد، الآية: 19] : 198. - فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [سورة المائدة، الآية: 6] : 164. - فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [سورة المزمل، الآية: 20] : 224، 505. - فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ... [سورة الليل، الآية: 6] : 199. - فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [سورة النساء، الآية: 43] : 164. - فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [سورة البقرة، الآية: 196] : 196. - فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ [سورة الممتحنة، الآية: 10] : 243. - فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [سورة النساء، الآية: 11] : 173. - فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ [سورة النساء، الآية: 176] : 174. - فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [سورة الأنعام، الآية: 90] : 164. - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [سورة النصر، الآية: 3] : 165. - فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [سورة نوح، الآيتان: 10، 11] : 508. - فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ... [سورة النور، الآية: 33] : 346، 367. - فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [سورة المائدة، الآية: 4] : 477. - فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [سورة الإسراء، الآية: 23] : 401. - فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [سورة البقرة، الآية: 197] : 373. - فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... [سورة النساء، الآية: 65] : 223. - فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [سورة النساء، الآية: 43] و [سورة المائدة، الآية: 6] : 195 هامش، 196، 450. - فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ [سورة التوبة، الآية: 122] : 25، 101، 381. - فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة النور، الآية: 63] : 214. - فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [سورة البقرة، الآية: 282] : 529. - فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [سورة النساء، الآية: 24] : 157. - فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [سورة البقرة، الآية: 275] : 448. - فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [سورة البقرة، الآية: 196] : 200. - فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [سورة البقرة، الآية: 184] : 184. - فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [سورة الزلزلة، الآيتان: 7، 8] : 413. - فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة، الآيات: 144، 149، 150] : 230.
- القاف -
- القاف - - قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالاً ... [سورة يونس، الآية: 59] :420. - قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ... [سورة الأعراف، الآية: 33] : 391. - قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ... [سورة الأنعام، الآية: 145] : 158، 159، 234. - قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [سورة الشورى، الآية: 23] : 164. - قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [سورة الأنعام، الآية: 50] : 436 هامش. - قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي [سورة يونس، الآية: 15] : 229. - قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [سورة الزمر، الآية: 9] : 27. - قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [سورة التحريم، الآية: 6] : 155، 198. - الكاف - - كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [سورة البقرة، الآية: 180] : 232. - كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ [سورة البقرة، الآية: 178] : 552. - كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ... [سورة يوسف، الآية: 76] : 617. - كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ [سورة الفتح، الآية: 29] : 414. - كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [سورة الأعراف، الآية: 27] : 172. - اللام - - لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [سورة البقرة، الآية: 226] : 183. - لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [سورة النور، الآية: 13] : 101. - لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ [سورة التوبة، الآية: 122] : 26. - لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [سورة الفتح، الآية: 4] : 198.
- الميم -
- الميم - - مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [سورة الأنعام، الآية: 38] : 215، 391. - مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [سورة البقرة، الآية: 106] : 228. - مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [سورة الفتح، الآية: 29] : 141. - مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [سورة الحج، الآية: 78] : 172. - مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [سورة النساء، الآية: 11] : 201، 212، 606. - مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ [سورة الروم، الآية: 31] : 199. - مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [سورة النساء، الآية: 80] : 581. - الهاء - - هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [سورة البقرة، الآية: 29] : 374. - الواو - - وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [سورة الأنعام، الآية: 141] : 519. - وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [سورة محمد، الآية: 17] : 198. - وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ... [سورة المؤمنون، الآيتان: 5، 6] : 157. - وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ... [سورة النور، الآية: 33] : 345. - وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ [سورة النور، الآية: 6] : 607. - وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ... [سورة النور، الآية: 4] : 604. - وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ [سورة يوسف، الآية: 38] : 172. - وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي [سورة طه، الآيتان: 27، 28] : 19. - وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [سورة البقرة، الآية: 275] : 211، 335 هامش، 448، 451. - وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [سورة النساء، الآية: 24] : 212. - وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا [سورة الأعراف، الآية: 155] : 101. - وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ [سورة النحل، الآية: 101] : 229. - وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [سورة النساء، الآية: 86] : 487. - وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [سورة الأعراف، الآية: 204] : 592، 593. - وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ... [سورة البقرة، الآية: 282] : 226. - وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ [سورة البقرة، الآية: 282] : 367. - وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [سورة الطلاق، الآية: 2] : 380. - وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا [سورة المائدة، الآية: 92] : 214.
- وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [سورة المائدة، الآية: 6] : 233. - وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ [سورة النساء، الآية: 23] : 421 هامش. - وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ [سورة فاطر، الآية: 18] : 155. - وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ [سورة البقرة، الآية: 227] : 183. - وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [سورة الشعراء، الآية: 214] : 26. - وَأَنْذِرِ النَّاسَ [سورة إبراهيم، الآية: 44] : 26. - وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [سورة النحل، الآية: 44] : 215، 229. - وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [سورة الفرقان، الآية: 48] : 195 هامش. - وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [سورة البقرة، الآية: 283] : 200. - وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [سورة القلم، الآية: 4] : 215. - وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [سورة النجم، الآية: 39] : 511. - وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [سورة النحل، الآية: 68] : 197. - وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى [سورة القصص، الآية: 7] : 197. - وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ [سورة البقرة، الآية: 164] : 310، 310 هامش. - وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا [سورة المائدة، الآية: 12] : 101. - وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [سورة البقرة، الآية: 197] : 200. - وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [سورة المائدة، الآية: 2] : 447. - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [سورة المدثر، الآية: 4] : 375. - وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [سورة الكهف، الآية: 13] : 198. - وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [سورة الأنبياء، الآية: 30] : 197. - وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ [سورة ص، الآية: 44] : 617، 619. - وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً [سورة النحل، الآية: 8] : 563. - وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [سورة المائدة، الآية: 38] : 164. - وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ [سورة الأنعام، الآية: 119] : 374، 448. - وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [سورة طه، الآية: 114] : 196. - وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ [سورة البقرة، الآية: 187] : 232. - وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [سورة هود، الآية: 31] : 436. - وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ ... [سورة هود، الآية: 31] : 436. - وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [سورة الأنعام، الآية: 164] : 154، 155، 199. - وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [سورة الأنعام، الآية: 108] : 444. - وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ... [سورة النور، الآيتان: 4، 5] : 307، 603، 604.
- وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [سورة الإسراء، الآية: 36] : 289. - وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [سورة النحل، الآية: 116] : 416. - وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ [سورة الروم، الآية: 31] : 199. - وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [سورة النساء، الآية: 11] : 172. - وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [سورة الأنعام، الآية: 82] : 375. - وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ... [سورة الأحزاب، الآية: 5] : 433، 443. - وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سورة النور، الآية: 2] : 101. - وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [سورة الحشر، الآية: 7] : 214، 581. - وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [سورة الأحزاب، الآية: 22] : 198. - وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ... [سورة الأحزاب، الآية: 36] : 153، 222 و 223. - وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ ... [سورة النجم، الآية: 28] : 391. - وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ [سورة التكوير، الآية: 24] : 393. - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [سورة النجم، الآيتان: 3، 4] : 233. - وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [سورة النمل، الآية: 50] : 617. - وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ [سورة التوبة، الآية: 101] : 264. - وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ... [سورة الأنعام، الآية: 84] : 164. - وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [سورة الطلاق، الآية: 2] : 617. - وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [سورة النحل، الآية: 89] : 391. - وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ... [سورة الأنبياء، الآية: 47] : 427. - وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [سورة النمل، الآية: 3] : 392. - وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [سورة النساء، الآية: 11] : 174، 365. - وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [سورة المدثر، الآية: 31] : 198. - وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [سورة مريم، الآية: 76] : 198. - وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [سورة البقرة، الآية: 222] : 195 هامش. - وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [سورة الأنفال، الآية: 11] : 195 هامش.
- الياء -
- الياء - - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ... [سورة الأحزاب، الآية: 49] : 275، 531، 579. - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ... [سورة الجمعة، الآية: 9] : 367. - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [سورة النساء، الآية: 59] : 213 و 214. - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [سورة البقرة، الآية: 267] : 519. - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [سورة المائدة، الآية: 101] : 63. - يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ... [سورة الحج، الآيات: 5، 6، 7] : 413. - يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [سورة المجادلة، الآية: 11] : 196. - يَقْبِضْنَ [سورة الملك، الآية: 19] : 310. - الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [سورة المائدة، الآية: 3] : 215، 358. - اللام ألف - - لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [سورة النساء، الآية: 29] : 211. - لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [سورة البقرة، الآية: 286] : 431. - لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ [سورة الكهف، الآية: 73] : 433. - لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [سورة المائدة، الآية: 101] : 64، 288. - لَا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا [سورة البقرة، الآية: 32] : 285. - لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [سورة البقرة، الآية: 225] : 432.
فهرس الأحاديث القولية والفعلية
فَهْرَسْ الأَحَادِيثِ القَوْلِيَّةِ وَالفِعْلِيَّةِ: - الهمزة - - آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: 199. - آمِينَ، يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ: 484. - آيَةُ المُنَافِقِ: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ: 606. - أَبِكَ جُنُونٌ؟: 431. - أَبُوكَ فُلَانٌ: 63 هامش. - أَتَحْلِفُونَ؟: 551. - أَتُرَانِي إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَك وَمَالَك؟ فَهُمَا لَكَ: 545. - أَتَسْتَطِيعِينَ تَمْشِيَ عَنْهَا؟: 510. - أَتَقْرَأُونَ خَلْفِي؟: 589. - اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ: 425. - اجْلِدُوهَا، فَإِنْ عَادَتْ فَاجْلِدُوهَا (جَلْدُ السَّيِّدِ أَمَتَهُ إِذَا زَنَتْ): 556. - اجْلِسْ: 344، 513. - أَحَادِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ: 130، 152، 204، 249، 324. - أَحَادِيثُ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ: 150، 151، 152، 303، 325، 326. - احْتَجِبَا مِنْهُ: 317. - احْتَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ صَائِمٌ: 417 هامش. - أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا: 518. - احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ ... : 200. - اخْرُصُوا: 518. - إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا: 596. - إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَنْصَحْ لَهُ: 360. - إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يُفْرِغَ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ... : 337. - إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ ... : 337. - إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الحَيْضَةِ، فَلْتَقْرُصْهُ، ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ: 471. - إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ: 593. - إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ ذَكَرَ، فَلْيُتِمَّ صِيَامَهُ ... : 322. - إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ وَجَبَ الغُسْلُ: 449. - إِذَا تَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ المَاءَ: 450.
- إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَثِرْ، وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ: 315. - إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الغَسْلُ: 327، 449 هامش. - إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الغُسْلُ: 328. - إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، وَمَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ: 328. - إِذَا خَرَصْتُمْ، فَخُذُوا وَدَعُوا: 517. - إِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ: 507. - إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ... : 556. - إذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا: 556. - إِذَا سَكَتَتْ (كَيْفَ إِذْنُهَا؟): 631. - إِذَا شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ: 296. - إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ ... : 318. - إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا: 484. - إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ ... : 152. - إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: 470. - إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا ... : 329. - إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ: أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ: 503. - إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ: 625. - إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ... : 591. - إِذَا كَانَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا: 464. - إِذَا لَمْ يَجِدَ المُحْرِمُ إِزَارًا، فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ: 522. - إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَتَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا: 626. - إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ: 406. - إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ: 406. - إِذْنُهَا صُمَاتُهَا: 631. - اذْهَبْ فَتَصَدَّقْ بِهِ: 513. - أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قَضَيْتِهِ هَلْ كَانَ يُقْبَلُ مِنْكَ؟: 510. - أَرْبَعٌ إلَى الوُلَّاةِ: الحُدُودُ، وَالصَّدَقَاتُ، وَالجُمُعَاتُ، وَالفَيْءُ: 557. - ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ: 342. - أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْ اعْتَزِلْ امْرَأَتَكَ (كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ): 433. - الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلاَّ المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ: 482. - الأَرْضُ لَا تَنْجُسُ: 466. - ارْكَبْهَا (رُكُوبُ الهَدْيِ): 525.
- ارْكَبْهَا بِالمَعْرُوفِ، إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا (رُكُوبُ الهَدْيِ): 525. - ارْكَبُوا الهَدْيَ بِالْمَعْرُوفِ، حَتَّى تَجِدُوا ظَهْرًا: 525. - اِرْمِ وَلَا حَرَجَ: 527. - أَسْبِغِ الوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا: 450. - أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ ... : 202. - اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ: 546. - أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 521. - أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا، جَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا (أُمُّ المُؤْمِنِينَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ): 530. - أَصَلاَةُ الصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ؟: 499. - أَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ: 349 و 350. - أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا: 513. - أَطْعَمَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْخَيْلِ، وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ: 563. - أَطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ: 560. - اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ: 318. - أَعْتِقْ رَقَبَةً: 512. - أَعِدْ: 494. - أَعِدْ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ: 494. - أَعْطَاهَا السُّدُسَ (الجَدَّةُ): 171. - أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: 481. - الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى: 431. - اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ ... : 527. - أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ: 417. - افْعَلُوا كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ: 491. - أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟: 317. - أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ: 626. - اقْرَأْ ثُمَّ ارْكَعْ ثُمَّ اسْجُدْ ثُمَّ ارْفَعْ فَإِنَّكَ إِنْ أَتْمَمْتَ صَلَاتَكَ عَلَى هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ: 596. - اقْضُوا اللَّهَ الذِي لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ: 291. - اقْضِهِ عَنْهَا (نَذْرٌ كَانَ عَلَى أُمِّ سَعْدِ بْنِ عُبَادَة فِي الصَّوْمِ): 510، 626. - أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟: 618. - أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْته مِثْلَ هَذَا؟: 563.
- إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ: 544. - أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ ... : 156. - أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ: 607. - أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ: 170. - الذِي أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِنَفْيِهِ ... (هَيْتٍ المُخَنَّثُ): 142. - اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا: 305. - اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا ... : 306، 508. - أَلَيْسَتِ الأَرْضُ أَرْضَ ظُهَيْرٍ؟: 572. - أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ تَصِيدُ بِالعَقِيقِ , لَشَيَّعْتُكَ إِذَا ذَهَبْتَ , وَتَلَقَّيْتُكَ إِذَا جِئْتَ فَإِنِّي أُحِبُّ العَقِيقَ: 528. - أَمَّا السِّنُّ فَإِنَّهُ عَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشَةِ: 376. - أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلاً بِقَتْلِ الكِلَابِ، ثُمَّ أَبَاحَ اقْتِنَاءَ بَعْضِهَا: 539. - أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَخْذِ القُرْآنِ عَنْهُمْ: 144. - أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ ... : 436. - أَمَرَهُمْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الأَحْزَابِ بِأَنْ يُصَلُّوا العَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ: 173. - أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى العَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ: 478. - أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ: 633. - أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا: 608. - أَنْتَ وَمَالُك لأَبِيكَ: 560، 561. - انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا: 612. - انْطَلِقْ , فَأَطْعِمْهُ عِيَالَكَ: 513. - انْطَلِقْ، فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، فَعَلِّمْهَا مِنَ القُرْآنِ: 530. - أَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ: 530. - إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ... : 549، 633. - إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْت بِهَا: 570. - إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَافْعَلُوا: 472. - إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَانْحَرْهُ، ثُمَّ اصْبُغْ نَعْلَيْهِ فِي دَمِهِ ... : 162. - إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا: 406. - إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلاَ تُكْرُوا المَزَارِعَ: 180 هامش، 571. - أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا: 571. - أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا: 179. - أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ: 480.
- إِنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي فَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي ... : 203. - إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ ... : 507. - أَنَّ الضَّبُعَ صَيْدٌ: 321. - إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَجُلٌ صَالِحٌ: 586. - إِنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلاً: 487. - إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ: 442. - إِنَّ اللهَ قَدْ زَادَكُمْ صَلاَةً، أَلَا وَهِيَ الوِتْرُ، فَصَلُّوهَا , مَا بَيْنَ العِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ: 496. - إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالبُرُّ أَفْضَلُ مِنْ التَّمْرِ: 270. - إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ: 154. - إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ المُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ: 154. - إِنَّ المَاءَ لَا يُجْنِبُ: 464، 467، 468. - إِنَّ المَاءَ لَا يَنْجُسُ: 466. - إِنَّ المَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ: 466، 468. - إِنَّ المُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ: 403، 466. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ: 471. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ نِكَاحَ رَجُلٍ تَزَوَّجَ عَلَى نَعْلٍ: 530. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْشَدَ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ المُصَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَرِيقِ النَّاسِ سُتْرَةً أَيَّ سُتْرَةٍ: 152. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ ... : 618. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْعَرَ فِي الأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ بِيَدِهِ: 521. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا: 530. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى عُرْوَةَ البَارِقِيِّ دِينَارًا لِيَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً ... : 546. - أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالاِسْتِطَابَةِ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ: 469. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَطْعِ الأَشْجَارِ عِنْدَ بِنَاءِ مَسْجِدِهِ: 528. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ: 479. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِرَأْسِهِ: 555. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ البَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً ... : 515. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ، فَخَرَصَ عَلَيْهِمَ النَّخْلَ: 517. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ: 486. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَارِسِ ثَلاَثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمًا لَهُ: 572. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِالمَدِينَةِ ... : 296.
- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: 488 و 489 - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ الحَرِيرَ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ لِبَعْضِ ذَوِي الأَعْذَارِ: 472. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ المَدِينَةِ لَا يُقْتَلُ صَيْدُهَا، وَلَا يُقْطَعُ عُضَاهَا، كَمَا حُرِّمَتْ مَكَّةُ: 528. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً ... : 525. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ... : 499. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً: 557. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي العَرَايَا: 541. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العَاصِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ بِنِكَاحِهَا الأَوَّلِ: 534. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي العَاصِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ: 535. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ الكَلاَمِ: 486. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَانْحَرَفَ، إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ: 490. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّك صَلَّيْتَ خَمْسًا؟ ... : 485. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى العِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ صَلاَّهَا مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ: 490. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى العَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ ... : 486. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ بَعْدَمَا دُفِنَتْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا: 508. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَمَا دُفِنَ: 508. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الحُدَيْبِيَةِ، خَرَجَ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ... : 521. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَمَا رَجَعَ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ نَامَ وَنَامُوا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ ... : 491. - أَنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَأَمَرَ بِلاَلاً، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ... : 502. - أَنَّ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاعَنْيْنِ: 533. - أَنَّ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَكَهُ وَصَلَّى: 353. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَجَازَ الإِشَارَةَ فِي الفَرَائِضِ: 608. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ: 557. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَقَدَ اللِّوَاءَ لِمَنْ أَرْسَلَهُ لِيَقْتُلَ نَاكِحَ زَوْجَةَ أَبِيهِ: 555. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ: 201. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِاليَمِينِ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ: 226. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ: 552. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ الخُطْبَةَ حَتَّى فَرَغَ سُلَيْكٌ مِنْ صَلَاتِهِ: 503. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ: 557.
- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ: 488. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ: 253. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَيْتِهِ , فَاطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ خَلَلِ البَابِ ... : 553. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ ... : 324. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ قَبْلَ القِرَاءَةِ، وَبَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا: 594. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ... : 509. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: " اجْلِسُوا ": 502 و 503. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَدَخَلَ رَجُلٌ وَقَالَ لَه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ ... : 508. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ فِي الوُضُوءِ: 339. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ: 584. - أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ: 167. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ... : 499. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ: 483. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي ثَلاَثِ رَكَعَاتٍ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ (المُعَوَّذَتَيْنِ): 499. - أَنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، وَ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ}: 504. - أَنَّ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ بِـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}: 505. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الوِتْرِ بِـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) ... : 498. - إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ: 456 هامش. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بِالحَمْلِ: 533. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، وَقَالَ ... : 533. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنِ المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ: 532. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا انْتَهَى إِلَى هَذَا المَكَانِ قَضَى حَاجَتَهُ: 177. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَرَضَ لِبَعْضِ غِلْمَانِ الأَنْصَارِ وَلَمْ يَفْرِضْ لِسَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ وَكَانَ صَغِيرًا ... : 568. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَكِنْ، قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ... : 179، 571. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ، فَقَالَ ... : 456 هامش. - أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِوَادِيَ القُرَى - فِي طَرِيقِهِ إِلَى تَبُوكَ -، فَإِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا ... : 518. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ وَالخِمَارِ: 478. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى العِمَامَةِ: 478. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالقُرْآنِ إلَى أَرْضِ العَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ: 573. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا ... : 561.
- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الرِّجَالَ عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ: 167. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الأَكْلِ مِنَ الهَدْيِ إِذَا عَطَبَ قَبْلَ وُصُولِهِ المَحَلَّ ... : 524. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ العِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً: 539. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ تَلَقِّي البُيُوعِ: 540. - أَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَنْ تُفْتَرَشَ: 563. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ: 180. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مَهْرِ البَغِيِّ، وَثَمَنِ الكَلْبِ: 538. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، كَانُوا يَفْتَتِحُونَ القِرَاءَةَ بِـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: 321. - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَابَتُهُ كَانُوا يُضَحُّونَ فِي السَّفَرِ: 566. - أَنَّ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَقَّ عَنِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ: 565. - أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كَانَ يُصْغِي لَهَا الإِنَاءَ فَتَشْرَبُ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ: 475. - أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ ... : 274. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بَنِي حَارِثَةَ، فَرَأَى زَرْعًا فِي أَرْضِ ظُهَيْرٍ ... : 572. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ: 150. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِالوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاَةٍ، طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ ... : 339. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ أَنْ يَخْرُصَ الَعِنَبَ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلَ ... : 517. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا أَشَعَرَ البُدْنَ لِئَلَّا تَنَالَهَا يَدُ المُشْرِكِينَ وَقَدْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا وَيَجْتَنِبُونَهَا ... : 521. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ قَدَحًا وَحِلْسًا فِيمَنْ يَزِيدُ: 319. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بِالهَدْيِ مَعَ نَاجِيَةَ الأَسْلَمِيِّ: 162. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِفَضْلِ غُسْلِهَا مِنَ الْجَنَابَةِ (مَيْمُونَةُ بِنْتُ الحَارِثِ): 464 هامش. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ إَلَى جَانِبِ الحَجَرِ، فَحَذَّرَ الْفِتَنَ: 216. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ لُحُومَ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ: 158. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - فِي عُمْرَتِهَا بَقَرَةً: 526. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَعْضِ المُتَخَاصِمِينَ ... : 402. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنِ الضَّبُعِ، فَقَالَ ... : 418. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ الخَنْدَقِ بَعْدَمَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ: 231 و 232. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْ زَرْعٍ، أَوْ ثَمَرٍ: 570 و 571. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الخُفَّيْنِ: 182. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخْرِجُ ... : 258 هامش. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ: 464 هامش. - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ (الاِسْتِطَابَةُ بِالمَاءِ): 44 هامش، 469.
- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحَرِّمِ المُزَارَعَةَ ... : 180. - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ: 146. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الخَيْلِ، وَالبِغَالِ ... : 317. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ القَبْضِ: 166. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ: 159. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلاَةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ: 254. - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنِ الشِّغَارِ: 629. - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ (نِكَاحُ المُتْعَةِ): 629. - إِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ: 391، 606. - إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ ... : 63. - إِنَّ الله فَرَضَ أَشْيَاءَ فَلاَ تُضَيِعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلاَ تَنْتَهِكُوهَا: ... 63. - إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ: 161. - إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحْشِ: 483 هامش. - إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ [يُعَذَّبُ] بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ: 154، 156. - إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ: 154. - إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ: 300، 422، 423، 424، 430، 431، 432، 433، 442، 443، 613، 625. - إِنَّمَا أَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا ... : 436 و 437. - إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ: 17. - إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ حَقٌّ ... : 18 هامش. - إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ... : 633. - إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا: 590. - إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ ... : 636. - إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ: 256. - إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا ... : 155. - إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ: 163. - إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 163. - إِنَّمَا يَكْفِيكَ كَفٌّ مِنْ مَاءٍ تَنْضَحُ بِهِ مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ: 473. - إِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الْوَضُوءُ: 473. - إِنَّمَا يُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الأُنْثَى: 470. - أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى، وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبِ عَامٍ: 308، 604. - إِنَّهُ جُبَارٌ (المَعْدِنُ): 601.
- أَنَّهُ دَعَا اليَهُودَ فَسَأَلَهُمْ فَحَدَّثُوهُ حَتَّى كَذَبُوا عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: 202. - أَنَّهُ سَجَدَهُمَا قَبْلَ وَبَعْدَ (سَجْدَتَا السَّهْوِ): 354. - أَنَّهُ صَامَ فِي سَفَره حَتَّى بلغ الكُدَيْدَ ثُمَّ أَفْطَرَ: 354. - أَنَّهُ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ: 508. - أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: 499. - أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ: 509. - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - نَهَى عَنْ الكَلَامِ أَثْنَاءَ الخُطْبَةِ ... : 594. - أَنَّهُ قَسَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا: 572. - أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَتَيْنِ: 506. - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ: 479. - إِنَّهَا جِنٌّ مِنْ جِنٍّ خُلِقَتْ (الإِبِلُ): 483 هامش. - إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ: 475. - إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ: 486. - إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا: 155. - إِنِّي وَاللَّهِ لَا يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، إِنِّي لَا أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ... : 216. - أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ المُسْلِمُونَ: 495. - أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ: 346. - إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ: 606. - أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟: 493. - أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا: 312. - أَيُّمَا امْرَأَةٍ لَمْ يُنْكِحْهَا الوَلِيُّ، أَوِ الوُلاَّةُ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ... : 529. - أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ: 252. - الإِيمَانُ هَا هُنَا: 608. - الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا , وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا: 313، 529. - أَيَنْقُصُ إِذَا جَفَّ؟: 539. - أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟: 248.
- الباء -
- الباء - - البِئْرُ جُبَارٌ، وَالعَجْمَاءُ جُبَارٌ ... : 274. - البُرُّ بِالبُرِّ رِبًا، إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا، إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ: 547، 547 هامش. - بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ: 619. - البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ: 221. - البِكْرُ تُسْتَأْذَنُ: 631. - بِمَ تَحْكُمُ؟: 192. - بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: 198. - البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إلاَّ أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ: 545. - بَيْعُ المُسْلِمِ، لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ: 638. - البَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى , وَاليَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ: 551. - التاء - - تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ: 551. - تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ: 612. - التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ: 488. - تَصَدَّقْ بِهِ: 344. - تَكْثُرُ لَكُمْ الأَحَادِيثُ بَعْدِي، فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى ... : 203. - التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ: 248. - الثاء - - ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ ... وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا: 342، 591. - ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ: 231. - ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ: 404. - الجيم - - الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ: 636، 638. - جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا: 481، 482، 483. - جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ ... : 166.
- الحاء -
- الحاء - - حَدِيثَ الأَعْرَابِيَّ الذِي بَالَ فِي المَسْجِدِ: 465. - حَدِيثُ بِئْرِ بُضَاعَةَ: 464، 466، 469. - حَدِيثُ الجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الصَّلَاةِ: 249. - حَدِيثُ خِيَارِ المَجْلِسِ: 205. - حَدِيثُ سُؤَالِ القَبْرِ: 388. - حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ: 388. - حَدِيثِ غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعًا: 255، 477. - حَدِيثُ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنَ وُلُوغِ الكَلْبِ: 205، 252، 406، 407، 449، 476. - حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: 159، 204. - حَدِيثُ القَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَاليَمِينِ: 204. - حَدِيثٌ المُسِيءِ صَلَاتِهِ: 342، 494، 591. - حَسَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَخِذِهِ: 449. - حَشَا اللَّهُ قُبُورَهُمْ نَارًا: 231. - الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ ... : 422، 423، 427. - الحَمْدُ لِلَّهِ الذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ: 392. - الخاء - - خَبَرُ رَفْعِ اليَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ: 249. - خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ: 344، 513. - خُذُوا عَنِي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ ... : 556. - الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ: 353، 537. - خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَوَاضِعًا، مُبْتَذِلاً [مُتَخَشِّعًا]، مُتَضَرِّعًا مُتَرَسِّلاً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي العِيدِ ... : 507. - خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى العِبَادِ , مَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْ حَقِّهِنَّ ... : 495. - خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ: 514. - الخَيْلُ ثَلاَثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ ... : 517.
- الدال -
- الدال - - دَخَلَ الجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ: 626. - دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يُصَلِّي فِيهِ ... : 486. - دَعِي عُمْرَتَكَ، وَانْقُضِي رَأْسَك، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ: 526. - الدِّينُ النَّصِيحَةُ: 422. - الذال - - ذَكَاةُ الجَنِينِ، ذَكَاةُ أُمِّهِ إِذَا أَشْعَرَ (بالرفع): 566. - ذَكَاةُ الجَنِينِ، ذَكَاةَ أُمِّهِ (بالنصب): 567. - الراء - - الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ: 168. - رَجُلٌ، أَوِ امْرَأَةٌ (شُهُودُ الرَّضَاعَةِ): 550. - رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى: 429. - رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ ... : 434. - الزاي - - الزَّهْوُ وَالتَّمْرُ: 561. - الزَّهْوُ وَالرُّطَبُ: 561. - السين - - سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ: 287. - سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ: 310. - سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوِتْرَ كَمَا سَنَّ الفِطْرَ وَالأَضْحَى: 495. - السُّنَّةُ سُنَّتَانِ سُنَّةٌ فِي فَرِيضَةٍ وَسُنَّةٌ فِي غَيْرِ فَرِيضَةٍ: 16. - الشين - - شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ: 226، 551. - الشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ: 547. - شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا: 626. - الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا: 608.
- الصاد -
- الصاد - - صَارِعْهُ (لِسَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ): 568. - صَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ: 231. - صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَالوَتْرُ وَاحِدَةٌ: 499. - صَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزْ فِيهِمَا: 503. - الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا: 626. - صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ , وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ ... : 481. - صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الفَجْرِ، فَتَعَايَتْ عَلَيْهِ القِرَاءَةُ ... : 589. - صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي: 582. - صَلَّى فِي الكَعْبَةِ (النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -): 583. - صَلَّيْتَ؟ (لِسُلَيْكِ الغَطَفَانِيِّ): 503. - صُمْ شَهْرَيْنِ: 513. - صُومِي عَنْهَا: 510. - الطاء - - الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنسَاءِ: 250. - طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ: 476. - طَهُورُ الإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الهِرُّ أَنْ يُغْسَلَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ: 475. - الظاء - - الظَّهْرُ يُرْكَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا ... : 548. - العين - - العَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ: 634. - العَجْمَاءُ جُبَارٌ ... : 553، 600. - عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْهَا: 568. - عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ وَجَدْتَ صَاحِبَهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَاعْرِفْ عَدَدَهَا ... : 568. - عَسَى أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا ... : 533. - عَلَيَّ بِهِمَا (رَجُلَانِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ): 491. - عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي: 258. - عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ: 425.
- الغين -
- عَنِ الغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ , لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا: 565. - عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ: 544. - الغين - - غَطَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ: 449. - الغُلَامُ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ , تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى: 565. - الفاء - - فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمَهَا (امْرَأَةً مِنَ اليَهُودِ كَانَتْ تَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -): 559. - فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: 156. - فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا، فَقُطِعَتْ يَدُهَا: 308، 604. - فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ: 558. - فَأُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ ... : 344. - فَأَجَازَنِي (عَبْدُ اللَهِ بْنُ عُمَرَ): 567. - فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ: 626. - فَأَخْبَرَهُمَا بِهَا: 108. - فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ: 602. - فَارْدُدْهُ (التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الأَوْلاَدِ فِي العَطِيَّةِ): 563. - فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ: 507 هامش. - فَاذْبَحْ وَلَا حَرَجَ: 527. - فَاسْتَصْغَرَنِي (عَبْدُ اللَهِ بْنُ عُمَرَ): 567. - فَأَشَارَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -: أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ ... : 402. - فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْتَقَ مِنْهُمَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً: 569. - فَاقْضُوا اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ: 512. - فَأَمَرَ بِهِ، فَحُوِّلَ إِلَى الظِّلِّ: 503. - فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إِلَى عِيدِهِمْ مِنَ الغَدِ: 505، 506. - فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَبِّ دَلْوٍ مِنَ المَاءِ عَلَى مَكَانِ البَوْلِ: 465. - فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا (غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ): 534. - فَأَمَرَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ (وَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ): 343. - فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ (سُبَيْعَةُ الأَسْلَمِيَّةُ): 170. - فَأَمَرَنِي أَنْ أَفِيَ بِنَذْرِي (نَذْرُ الجَاهِلِيَّةِ): 565.
- فَامْشِي عَنْ أُمِّكَ: 510. - فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟: 192. - فإن لم يكن في سُنَّة رسول الله؟: 392. - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟؟: 392. - فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا: 290. - فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ، قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ: 217. - فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلاَ تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ ... : 18. - فَبَعَثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْعَةَ عَائِشَةَ إِلَى حَفْصَةَ بَدَلَ التِي كُسِرَتْ: 554. - فَبَكَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 156. - فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ (الأَمَةِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ تُحْصِنَ، ثُمَّ تَعُودُ): 556. - فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِيَ كُلِّ رَكْعَةٍ قِرَاءَةً وَرُكُوعًا وَسُجُودًا: 596. - فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَغْتَسِلَ فِيهَا أَوْ لِيَتَوَضَّأَ: 464. - فَخُذْهُ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ: 344 , 513. - الفَخِذُ عَوْرَةٌ: 449. - فَدَعَا اللهَ حَتَّى نَزَلَتْ الأَمْطَارُ أُسْبُوعًا ... : 508. - فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ (الرَّشُّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ): 470. - فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ [أَنْ يُقْضَى]: 510، 512 - فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ: 124. - فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَىَ مِنْ سَامِعٍ: 124. - فَرَخَّصَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ النَّخْلِ الكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ ... : 542. - فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ (أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ): 631. - فَرَدَّهُ حَتَّى مَيَّزَ: 547. - فَرُدُّوا عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ، وَخُذُوا زَرْعَكُمْ: 572. - فَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا (المُتَلاعَنْيْنِ): 533. - فَرَكَهُ: 353. - فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ -، ثُمَّ قَالَ ... : 305. - فَسَدَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوَهُ بِمِشْقَصٍ. فَتَأَخَّرَ: 553. - فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَضَاءَ سُنَّةِ الفَجْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ): 500. - فَصَعِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المِنْبَرَ فَخَطَبَ النَّاس: 203. - فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ ثُمَّ سَلَّمَ: 486. - فَصُومِي عَنْهَا: 510.
- فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ: 513. - فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ: 344. - فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا: 182. - الفِطْرَةُ خَمْسٌ: الاخْتِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ... : 319. - فَعَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ ... (حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ): 431. - فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ: 596. - فَقَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّ حِفْظَ الأَمْوَالِ عَلَى أَهْلِهَا بِالنَّهَارِ ... : 553. - فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ: 25. - فَلاَ تَفْعَلَا إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ: 491. - فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ , فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا: 589. - فَلَمَّا كَانَ بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الهَدْيَ، وَأَشْعَرَ، وَأَحْرَمَ: 521. - فَلَمْ يَدَعْهُ حَتَّى أَعَادَ: 494. - فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ لَا بِالإِشَارَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَقَالَ لَهُمْ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ ... : 487. - فَلْيَعْمَلْ بِالمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَة: 425. - فَمَا أَلْوَانُهَا؟: 290. - فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا: 108. - فَنَهَى عَنْهُ (بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ): 539. - فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَفْعِ الْأَيْدِي فِي التَّشَهُّدِ (كَانَ يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ): 585. - فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ: 248. - فَهَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ (هِبَةُ المَسْرُوقِ لِلْسَّارِقِ): 558. - فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟: 344. - فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟: 344. - فَوَدَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ: 551. - فَيَحْلِفُونَ: 551. - فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ، سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا: 487. - فِي الرِّكَازِ الخُمُسَ: 274، 601. - فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ: 166، 166 هامش. - فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ: 519، 578.
- القاف -
- القاف - - قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِامْرَأَتِهِ: هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي اللَّهِ: 610. - قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِسَارَةَ: هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: 431. - قدْ أَخَذْتُ جَمَلَكَ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَلَك ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ: 545. - قَدْ جَاوَزْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ: 516. - قَدْ رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالبَيْتِ، وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ: 163. - قَدْ رَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ، وَالمُشْرِكُونَ عَلَى جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ: 163. - قَدْ قَضَى؟: 156. - قَضَاهُمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ (رَكْعَتَا الفَجْرِ): 500. - قطَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِجَنٍّ، قُوِّمَ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ: 557. - قُلْ (لِوَالِدِ العَسِيفِ الذِي زَنَى بِامرَأَةِ سَيِّدِهِ): 555. - قُلْ: لَا خِلاَبَةَ، إِذَا بِعْتَ بَيْعًا، فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًة: 544. - الكاف - - كَانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ: 150. - كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ: 429. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا فَاتَتْهُ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلاَهَا بَعْدَهَا: 501. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ: 506. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الخَلَاءَ ... : 44 هامش. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ (صَلاَةُ الوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ): 497. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الأَرْبَعِ (كُلِّهَا): 592، 596. - كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ لاَ يَتَوَضَّأُ: 181. - كَانَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ المُهَاجِرُونَ لِيَحْفَظُوا عَنْهُ: 587 هامش. - كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ أُولُو الأَحْلَامِ والنُّهَى: 587 هامش. - كَانَ يغسلهُ (المَنِيُّ): 353. - كَانَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ: 506. - كَذَلِكَ لِمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ: 491. - كَفِعْلِهِ فِي خَيْبَرَ، إِذْ أَعْطَاهَا اليَهُودَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ: 378. - كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ... : 203، 545. - كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ: 589. - كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ أَوْ مُخْدَجَةٌ: 592.
- اللام -
- كُلُّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ: 349، 371 هامش. - كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ: 364، 381. - كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: 155، 198. - كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ: 567. - كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ: 567. - كَمْ جَاءَتْ حَدِيقَتُكِ؟: 518. - كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟: 291، 392. - كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟: 550. - اللام - - لأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَرْضَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا: 180 هامش. - لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟: 200. - لَعَنَ الْمُحَلِّلَ، وَالْمُحَلَّلَ لَهُ: 438 هامش، 532. - لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا: 179. - لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ: 633. - لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنَيْك، إِنَّمَا الاِسْتِئْذَانُ مِنَ البَصَرِ: 553. - لَوْ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ: 553. - لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ قَضَيْتِهِ أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهَا؟: 510. - لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ: 339. - لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ ثُمَّ يَتَنَحَّ عَنْ هَذَا المَنْزِلِ: 491. - لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ: 516. - لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ: 518، 578. - لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ: 518، 519. - لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ ... : 369.
- الميم -
- الميم - - مَا أَتَاكُمْ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ... : 226. - مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ وَقْتُ العِشَاءِ: 490. - مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ أَهْلُوهُمْ: 530. - مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟: 179. - مَا صَلَّى رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلاَةً قَطُّ إِلاَّ فِي وَقْتِهَا، إِلاَّ صَلاَتَيْنِ: بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ بِعَرَفَةَ ... 489. - مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الفِقْهِ في الدِّينِ: 25. - مَا عِنْدَنَا إِلَّا وَلَدًا لِنَاقَةٍ: 618. - المَالُ الذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الأَرْضِ، يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (الرِّكَازُ): 601. - مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟: 583، 585. - مَالِي أُنَازَعُ القُرْآنَ؟: 590. - مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟: 491. - مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ ... : 200. - مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ: 422. - المَاءُ طَهُورٌ، لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ: 464. - المَاءُ مِنَ المَاءِ: 328، 329، 449. - المُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ: 466. - المُتَبَايِعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا: 253. - مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ ... : 123. - مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَعَلَى الخُفَّيْنِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى العِمَامَةِ وَمَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ: 478. - المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ ... : 610، 612. - المَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمُسُ: 274، 600، 601. - المَلاَئِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ، مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ: 311. - مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ: 166. - مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ زَرْعٍ، وَلَا صَيْدٍ، وَلَا مَاشِيَةٍ ... : 560. - مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ: 596. - مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ ... : 491. - مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ: 526. - مَنْ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فَقَدَ اسْتَحَلَّ: 530. - مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالخِيَارِ، إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ: 536. - مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلاَ صَوْمَ لَهُ: 255.
- مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ ... : 560. - مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ: 543. - مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ: 538. - مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ: 253، 559. - مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ: 422. - مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ ... : 514. - مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، رُدَّتْ إِلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ: 572. - مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ: 362 هامش. - مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلاَ صَلاَةَ لَهُ، إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ: 341. - مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ: 231. - مَنْ صَلَّى رَكْعَةً , فَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ , فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ: 590. - مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ القُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ: 589. - مَنْ صَلَّى وَلَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ القُرْآنِ، فَهِي خِدَاجٌ (ثَلَاثًا) غَيْرَ تَمَامٍ: 592. - مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ: 370، 371. - مَنْ غَسَّلَ المَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ: 317. - مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعَناهُ: 552. - مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ: 593. - مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ... : 108، 110 هامش. - مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ: 322، 417. - مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَيَلْبَسُ سَرَاوِيلاً: 523. - مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ: 523. - مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ ... 373. - مِنْ مَاءٍ (حِينَ سَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المُشْرِكُونَ: مِمَّنْ أَنْتُمْ؟): 618. - مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ: 205. - مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ: 254. - مَنْ نَامَ عَن صَلاَةٍ فَنَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا: 353. - مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا: 491. - مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ: 554. - مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ: 25. - مَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عُمَرُ بْنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ شِرَاءَ صَدَقَتِهِ): 634.
- النون -
- النون - - نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا: 123. - نَعَمْ (حِينَ قَالَتْ لَهُ غَايِثَةُ: أَوَ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهَا؟): 510. - نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟: 290. - نَعَمْ (الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ): 481. - نَعَمْ (الوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ): 481. - نَعَمْ (حِينَ سُئِلَ: يَا رَسُولَ اللهِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ قُرْآنٌ؟): 590، 592. - نَعَمْ (سَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؟): 592. - نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُحْرَزَ مِنْ كُلِّ عَارِضٍ: 537. - نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ: 537. - نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا: 537. - نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ: 538. - نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ، أَوْ يُؤْكَلَ مِنْهُ ... : 538. - نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ التَّلَقِّي: 540. - نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ: 539. - نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كِرَاءِ المَزَارِعِ: 180. - نَهْيُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ بِالفِضَّةِ إِلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ: 168، 169. - نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ: 360. - نَهَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ، إِلاَّ أَصْحَابَ العَرَايَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ: 541. - نَهَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَنْ التَّخَتُّمِ فِي السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى: 370. - نَهَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ وَالحَمَّامِ وَالمَدَافِنِ: 369، 381. - الهاء - - هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، فَأَعْطَوْهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً: 602. - هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: 431. - هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟: 456 هامش. - هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟: 344. - هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟: 290. - هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟: 290. - هُوَ صَيْدٌ وَفِيهِ كَبْشٌ إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ (الضَّبُعُ): 418.
- الواو -
- الواو - - وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا: 221. - وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللهِ ... : 555. - وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ: 484. - وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَةً (رُكُوبُ الهَدْيِ): 525. - وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْقُبُهُ: 494. - وَأَنْ يَخْرُجُوا إِلَى عِيدِهِمْ مِنَ الغَدِ: 505، 506. - الوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا: 496. - الوِتْرُ وَاحِدَةٌ: 497. - وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ: 221. - وَجَبَتْ صَدَقَتُكَ، وَرَجَعَتْ إِلَيْكَ حَدِيقَتُكَ: 635. - وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا: 481، 483. - الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ: 151. - وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ... : 340. - وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ ... : 373. - وَخَرَصَ هُوَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ: 518. - وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ: 476. - وَعَنِ المُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ: 434. - وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ ... : 230. - وَقَدْ لَقِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَائِفَةً مِنَ المُشْرِكِينَ، وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ... : 618. - وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّانِيَ سَنَةً: 307، 603. - وَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ أَنْتَ، وَلَا أَهْلُ رُفْقَتِكَ: 162، 524 هامش. - وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ: 290. - وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ: 200، 201. - وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ: 633. - وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَقَدْ انْتَقَصْتَ مِنْ صَلاَتِكَ: 494. - وَمَا أَهْلَكَكَ؟: 344، 512. - وَمَا ذَاكَ؟ (لَمَّا قَالَ لَهُ الخِرْبَاقُ السُّلَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنَقَصَتِ الصَّلاَةُ؟): 486. - وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ: 607. - وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ: 627.
- الياء -
- وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ: 572. - وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ سَمَّى الحَرْبَ خُدْعَةً: 615. - وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ: كَلاَمِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً: 307، 603. - وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ التَّصْرِيَةِ والتَّحْفِيل: 540 هامش. - وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلُ إِلَّا النُّوقَ؟: 618. - وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ وَالعَرَاقِيبِ مِنَ النَّارِ: 233. - الياء - - يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟: 402. - يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟: 528. - يَا بِلاَلُ أَبْرِدْ، ثُمَّ أَبْرِدْ: 314. - يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ وَصَلَّى، أَيَّ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ: 501. - يَا عَبْدَ اللهِ، ادْخُلْ: 503. - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ العِمَامَةِ، فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ العِمَامَةَ: 478. - يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ: 212. - يُعَذَّبُ المَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ: 155، 198. - يَعْمَلُ بِيَدِهِ وَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ: 425. - يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ: 425. - يُغْسَلُ الإِنَاءُ مِنَ وُلُوغِ الكَلْبِ سَبْعًا: 252. - يَغْسِلُ مَا مَسَّ المَرْأَةَ مِنْهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي: 327. - يُقْطَعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا: 557. - يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ ... : 626. - يُوشِكَ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ ... : 310. - يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ ... : 206.
- اللام ألف -
- اللام ألف - - لَا (الصَّلَاةُ فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ): 481. - لَا (الوُضُوءُ مِنْ لُحُومِ الغَنَمِ): 481. - لَا (تَخْلِيلُ الخَمْرِ): 562. - لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ ... : 206. - لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلاَ تَقْرَبَنَّهَا: 433. - لَا تَأْخُذْ شَيْئًا: 515. - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ: 353. - لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ: 538. - لَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلَا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ: 631. - لَا تُجْزِئُ صَلاَةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِيهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ: 493 و 494. - لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ: 514. - لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ , وَاسْتِقْبَالِ الكَعْبَةِ ... : 588. - لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ: 602. - لَا تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا: 618. - لَا تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا، أَوْ أَزْرِعُوهَا، أَوْ أَمْسِكُوهَا: 179. - لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا: 156. - لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ: 64. - لَا تَقْضِيَنَّ وَلاَ تَفْصِلَنَّ إِلاَّ بِمَا تَعْلَمُ، وإنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ أَمْرٌ ... 291. - لَا تَكْتَحِلْ بِالنَّهَارِ وَأَنْتَ صَائِمٌ، اكْتَحِلْ لَيْلاً بِالإِثْمِدِ ... : 417. - لَا تُكْرُوا المَزَارِعَ: 571 هامش. - لَا تَلَقَّوْا الجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ ... 348. - لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ: 360. - لَا تُمْسِكُوا عَنِّي شَيْئًا، فَإِنِّي لاَ أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ... : 216. - لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا: 212. - لَا، حَتَّى تُمَيِّزَ مَا بَيْنَهُمَا: 547. - لَا سُكْنَى لَكِ وَلاَ نَفَقَةَ: 159. - لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ: 592، 596. - لَا صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ: 342، 591، 592. - لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ: 422. - لَا طَلاَقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ، وَلَا عِتْق إِلاَ بَعْدِ مِلْكٍ: 531.
- لَا طَلاَقَ، وَلَا عَتَاقَ فِي غِلاَقٍ: 433. - لَا عُهْدَةَ فَوْقَ أَرْبَعٍ: 544. - لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ: 313، 529. - لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ: 232، 234، 264، 606، 607. - لَا وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ: 63 هامش. - لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لَمَّا جِئْتُ بِهِ: 586. - لَا يَبْتَاعُ المَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ تَنَاجَشُوا ... : 360. - لَا يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ المُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ البَأْسُ: 428. - لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ: 404. - لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ: 405. - لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ ... : 360، 541. - لَا يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ: 541. - لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ ... : 559. - لَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي إِنَائِهِ: 339. - لَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ: 339. - لَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ: 353. - لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ: 625. - لَا يَكُونُ المُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَتَّى لَا يَرْضَى لِأَخِيهِ إِلَّا مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ: 422 و 423. - لَا يَلْبَسُ القَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا العِمَامَةَ، وَلَا الخُفَّيْنِ ... (المُحْرِمُ): 522. - لَا يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ شَيْئًا، لَا أُحِلُّ إِلاَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ... : 216. - لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ: 562. - لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ: 393.
فهرس الآثار والأقوال
فهرس الآثار والأقوال: 1 - الأسماء -: - الهمزة - • الآمدي: - اخْتَارَ الآمِدِيُّ حُصُولَ العِلْمِ بِخَبَرِ الآحَادِ إِذَا احْتَفَتْ بِهِ القَرَائِنُ: 243. - اخْتَلَفُوا فِي الوَاحِدِ العَدْلِ. إِذَا أَخْبَرَ بِخَبَرٍ ... : 243. - قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا تَعُمُّ بِهِ البَلْوَى، ومَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ إِذَا نَقَلَهُ وَاحِدٌ: 250. - وَالمُخْتَارُ قَبُولُ مَرَاسِيلِ العَدْلِ مُطْلَقًا: 267. • أبان بن عثمان: - وَكَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُعَلِّمَانِ العُهْدَةُ فِي الرَّقِيقِ ... : 544. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • إبراهيم بن محمد الفزاري: - اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ فَقُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ يَرَى رَأْيَ القَدَرِ فَلَا يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا: 106. • إبراهيم التيمي: - مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلاَّ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا: 275.
• إبراهيم النخعي
• إبراهيم النخعي: - تُرِيدُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ فُلانٍ؟ ائْتِ مَسْجِدَ الحَيِّ، فَإِنْ جَاءَ إِنْسَانٌ يَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ فَسَتَسْمَعُهُ: 53. - الأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ: 608. - إِذَا أَبْرَأَ الوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِئَ: 606. - إِذَا قُلْتُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ... : 268. - إِذَا كَانَ المُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ الحَالِفِ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ المُسْتَحْلِفِ: 610. - الإِشْعَارُ مُثْلَةٌ: 521. - إِنْ سُئِلْتُمْ عَنِّي فَاحْلِفُوا بِاللَّهِ لَا تَدْرُونَ أَيْنَ أَنَا، وَلَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَنَا وَاعْنُوا أَيْنَ أَنَا مِنَ البَيْتِ ... : 618. - إِنَّ العَرَبَ تَقُولُ بِعْ لِي ثَوْبًا، وَهِيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ: 360. - إِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ، نِيَّتُهُ، وَطَلاَقُ كُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانهِمْ: 432. - أَنْكَرَ أَنْ يَكُوَن حَدِيثُ وَائِلٍ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَقْدَمُ صُحْبَةً: 587 هامش. - أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا: 318. - إِنِّي لَأَسْمَعُ الحَدِيثَ وَأَقِيسُ عَلَيْهِ مِائَةَ شَيْءٍ: 47. - إِيَّاكُمْ وَهَذَا الرَّأْيَ المُحْدَثَ، يَعْنِي المُرْجِئَةَ: 42. - تُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَتْ، وَإِلَّا قُتِلَتْ (المَرْأَةُ المُرْتَدَّةِ): 559. - دَقَّقُوا قَوْلاً، وَاخْتَرَعُوا دِينًا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ: 42. - ذَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَاللَّهِ مَا سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا قَطُّ: 49. - قيل له: أما بلغك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ولكن أقول: قال عمر، وقال عبد الله ... : 53. - قِيلَ لَهُ: «" يَا أَبَا عِمْرَانَ أَمَا بَلَغَكَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ - صلّى الله عليه وسلم - تُحَدِّثُنَا؟: 53. - كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ: 373. - لَا وَلَكِنْ بَعْضَهُ سَمِعْتُ وَقِسْتُ مَا لَمْ أَسْمَعْ عَلَى مَا سَمِعْتُ: 47. - لَا يَرَى بَأْسًا بِثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ: 539. - لَعَلَّهُ كَانَ فَعَلَهُ مَرَّةً: 587. - لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعُ تَمْرٍ: 277. - مَا كُلُّ شَيْءٍ نُسْأَلُ عَنْهُ نَحْفَظُهُ، وَلَكِنَّا نَعْرِفُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ ... : 47. - هَبَطَ الكُوفَةَ ثَلاثُمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَسَبْعُونَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ: 33. - وَاللهِ مَا رَأَيْتُ فِيمَا أَحْدَثُوا مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَيْرٍ: 41.
• أبي بن كعب
• أبي بن كعب: - إِنَّمَا كَانَ المَاءُ مِنَ المَاءِ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا: 329. - يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟: 327. • الأثرم: انظر (أبو بكر الأثرم: أحمد بن محمد بن هانئ). • أحمد أمين: قَلِيلُ هَؤْلَاءِ اليَمَنِيِّينَ كَانُوا مُتَأَثِّرِينَ بِمَبْدَأِ مُعَاذٍ وَتَعَالِيمِهِ وَفِقْهِهِ ... 36 هـ. • أحمد بن حنبل: - ابْتَدَعَ مَا لَمْ تَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ (مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ): 128. - الاتِّبَاعُ أَنْ يَتْبَعَ الرَّجُلُ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ، ... : 273. - أَجْبُنُ أَنْ أَقُولَ فِيهِ شَيْئًا، وَأَنْ أَقُولَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ (إِذَا جَامَعَ الصَّائِمُ نَاسِيًا): 419. - اذْهَبْ فِيهِ إِلَى الخَبَرَيْنِ جَمِيعًا: 353. - اذْهَبْ إِلَى الخَبَرَيْنِ جَمِيعًا وَلَا أَرُدُّ أَحَدَهُمَا بِالآخَرِ: 353. - إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا ... : 315. - إِذَا جَفَّ فَفَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ غَسَلَهُ فَلَا بَأْسَ ... : 354. - إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَالِ الرَّجُلِ حَرَامًا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ مَالُهُ: 421. - إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّدَقَةُ: 514. - إِذَا كَانَ فِي المَسْأَلَةِ عَن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ لم نَأْخُذ فِيهَا بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ... : 273. - إذَا كَثُرَ، إنِّي لَأَفْزَعُ مِنْهُ. (دَمُ البَقِّ وَالبَرَاغِيثِ): 419. - أَرْجُو أَنْ يُجْزِيهِ النَّضْحُ بِالمَاءِ: 474. - الاسْتِنْشَاقُ أَوْكَدُ مِنَ الْمَضْمَضَةِ: 315. - أَكْرَهُهُ وَلَا أَقُولُ هُوَ حَرَامٌ. (الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ اليَمِينِ): 421. - أَلْحَقَ بِهِمَا جَمِيعَ النَّجَاسَاتِ (الكَلْبُ وَالخِنْزِيرُ): 407 هامش. - إِنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا غَرِمَ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ: 525. - أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا غَصَبَ عَيْنًا فَنَقَصَتْ هَذِهِ العَيْنُ فِي يَدِهِ ... : 272. - أَنَّ الدَّابَّةَ بِالذَّاتِ إِذَا أُصِيبَتْ إِحْدَى عَيْنَيْهَا ... : 272. - إنَّ مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ الحِيَلِ فَقَدْ قَلَبَ الْإِسْلَامَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَنَقَضَ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً: 623. - أَنَا أَجْعَلُهُ؟ لَيْسَ فِي حَدِيثٍ. كَيْفَ أُوجِبُ عَلَيْهِ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةً ... : 345. - أَنَا أُحِبُّ الْعَافِيَةَ مِنْ هَذِهِ المَسْأَلَةِ (قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ أَمْ إِتْمَامُهَا): 419. - إنَّمَا القِيَاسُ أَنْ تَقِيسَ عَلَى أَصْلٍ، فَأَمَّا أَنْ تَجِيءَ إلَى الأَصْلِ فَتَهْدِمَهُ ... : 291.
- أَوْجَبَ ابْنُ حَنْبَلَ الغَسْلَ سَبْعًا مِنَ الكَلْبِ وَالخِنْزِيرِ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا (غَسْلُ الإِنَاءِ): 407 هامش. - أَوْجَبَ مِقْدَارًا فِي العَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الدَّابَّةِ ... : 272. - إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيهَا إمَامٌ: 286. - أَيُّ شَيْءٍ بُدٌّ إِذَا هَابَ الرَّجُلُ شَيْئًا، يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَقُولَ فِيهِ؟: 286، 418. - بِرَأْيٍ أَسْتَعْفِي مِنْهَا، وَأُخْبِرُكَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلاَفًا ... : 286. - البَيْعُ جَائِزٌ مَعَ شَرْطٍ وَاحِدٍ: 546. - تُقَلِّدْ أَيَّهُمْ أَحْبَبْتَ: 271. - تَوَقَّفَ عِنْدَمَا سُئِلَ: هَلْ يُجْزِئُ غَسْلُ الخُفِّ بَدَلَ المَسْحِ: 419. - الحَدِيثُ الضَّعِيفُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ: 355. - رَأَى أَحْمَدُ أَنَّ البَعِيرَ وَالبَقَرَةَ وَالشَّاةَ غَيْرَ الدَّابَةِ ... : 272. - رَأْيُ الأَوْزَاعِي، وَرَأْيُ مَالِكٍ، وَرَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّهُ رَأْيٌ: 131، 185. - رَأْيُ مَالِكٍ: 60. - سَلْ غَيْرِي: 286. - سَلُوا العُلَمَاءَ: 286. - صَحَّ مِنَ الْحَدِيثِ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ وَكَسْرٍ، وَهَذَا الْفَتَى - يَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ - ... : 189 هامش. - عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ (الأَكْلُ مِنَ الهَدْيِ إِذَا عَطِبَ): 524. - عَنْ الصَّحَابَةِ أَعْجَبُ إلَيَّ: 272. - فَأَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُهْرِيقَ المَاءَ: 315، 338. - قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَحَرَّكَ يَدَهُ: 188. - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ: 278. - قِيلَ لأَحْمَدَ: يَمْسَحُ بِالرَّاحَتَيْنِ أَوْ بِالأَصَابِعِ؟ قَالَ: بِالأَصَابِعِ: 419. - قِيلَ لَهُ: أَيُجْزِئُهُ بِإِصْبَعَيْنِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ: 419. - لَا أَدْرِي: 286. - لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُطْلَقًا: 607. - لَا يَجُوزُ النَّظَرُ بَيْنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 271. - لَا يُعْجِبُنِي أَكْلُ مَا ذُبِحَ لِلزَّهْرَةِ وَلَا الكَوَاكِبِ وَلَا الْكَنِيسَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ ... : 421. - لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ: 552. - مَا أَجْسُرُ عَلَى هَذَا أَنْ أَقُولَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ السُّنَّةَ تُفَسِّرُ الْكِتَابَ وَتُبَيِّنُهُ: 194. - مَا رَأَيْت مِثْلَ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الفَتْوَى أَحْسَنَ فُتْيَا مِنْهُ ... : 286. - مَا سَمِعْتُ فِيهَا شَيْئًا: 272. - مَنْ ادَّعَى الإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا ... : 379. - مَنْ تَرَكَ الوِتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ: 496.
• أحمد شاكر
- نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ (إِدْخَالُ المَاءِ فِي العَيْنَيْنِ وَاعْتِبَارِهِ مِنْ سُنَنِ الوُضُوءِ وَاسْتِحْبَابِهِ فِي الغُسْلِ): 271. - نِكَاحُ الشِّغَارِ يَصِحُّ بِفَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ: 630. - هَذَا شَيْءٌ لاَ يُوَافِقُ القِيَاسَ، أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نَفَقَتَهُ، لِلأَثَرِ: 362. - وَإِنْ قُلْتُ فَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ وَإِنَّمَا العِلْمُ مَا جَاءَ مِنْ فَوْقٍ ... : 286. - وإنما الحجة في الآثار: 187. - وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ إِمَامُهُمْ: 128. - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ لَهُ: 421. - يُجْبَرُ إِنْ امْتَنَعَ (وَضْعُ الخَشَبَةِ عَلَى جِدَارِ الجَارِ): 562. - يَسْأَلُ صَاحِبَ الحَدِيثِ، وَلَا يَسْأَلُ صَاحِبَ الرَّأْيِ ... : 355. - يُصَامُ عَنْ المَيِّتِ فِي النَّذْرِ، وَيُطْعِمُ عَنْهُ فِي الفَرْضِ: 511. - يُصَلِّي العَصْرَ ثُمَّ يُجَامِعُهَا، فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَ ... : 622. - يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ: 509. - يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَازَةِ: 509. - يُكْرَهُ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ: 421. • أحمد شاكر: - أَنَّ هَذَا القَوْلَ قَوْلٌ شَاذٌّ لَمْ يَعْرِفْهُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ العُلَمَاءِ ... (لُعَابُ الْكِتَابِيَّاتِ وَعَرَقُهُنَّ غَيْرُ طَاهِرَيْنِ): 404. • إسحاق بن إبراهيم بن هانئ: - قُلْت لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ بِرِجَالٍ ثَبَتَ أَحَبُّ إلَيْك ... : 272.
• إسحاق بن راهويه
• إسحاق بن راهُويه: - إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ، بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، فَلاَ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا: 315. - إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّدَقَةُ: 514. - إِنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا غَرِمَ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ: 525. - أَنَّ مَنْ تَرَكَ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ عَامِدًا - فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ ... : 339. - أَنَّ مَنْ يَتْرُكُ السِّوَاكَ عَمْدًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَعَلَيْهِ الإِعَادَةُ: 339. - إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ عِنْدَ اللَّهِ: 456 هامش. - البَيْعُ جَائِزٌ مَعَ شَرْطٍ وَاحِدٍ: 546. - حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ: " كَتَبَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ [وَفَاتِهِ] بِشَهْرٍ: أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ المَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلاَ عَصَبٍ ... : 456 هامش. - فَتَكَلَّمَ ابْنُ رَاهُوَيْهْ بِالفَارِسِيَّةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، بِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمَ تَقْدِيرِهِ لِلْشَّافِعِيِّ: 456 هامش. - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ: 278. - لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا بَعْدَهُ (جُلُودِ السِّبَاعِ): 564. - نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُنَنَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَزِمُوا القِيَاسَ: 106. - نِكَاحُ الشِّغَارِ يَصِحُّ بِفَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ: 630. - وَالعَجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الذِينَ يُنْكِرُونَ الوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الجَزُورِ، ثُمَّ لَا يَرْضَوْنَ حَتَّى يَعِيبُوا الأَخْذَ بِهِ ... : 456. - وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَجَّ فِي الفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا. فَيُقَالُ لَهُ: فَلِمَ عَذُرْتَ نَفْسَكَ أَنْ اتَّبَعْتَ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا مُرْسَلاً ... : 457. - وَلَكِنَّهُمْ أَوْلَعُوا بِأَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَهُ وَرَسُولُهُ: 457. - وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا جَمَعَ القَوْمُ ... : 457. - يُصَامُ عَنْ المَيِّتِ فِي النَّذْرِ، وَيُطْعِمُ عَنْهُ فِي الفَرْضِ: 511. • أسماء بنت أبي بكر: - نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ ... : 563. • إسماعيل بن أبي خالد: - كَانَ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو الضُّحَى وَإِبْرَاهِيمُ وَأَصْحَابُنَا يَجْتَمِعُونَ فِي المَسْجِدِ فَيَتَذَاكَرُونَ الحَدِيثَ ... : 46.
• الأعمش
• الأعمش: - إِذَا حَدَّثْتَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَأَسْنِدْ: 268. - أَنْتُمُ الأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ: 4، 126. - كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَيْرَفِيَّ الحَدِيثِ، فَكُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ الحَدِيثَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَرَضْتُهُ عَلَيْهِ: 53. - كُنْتُ عِنْدَ الشَّعْبِيِّ فَذَكَرُوا إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ ... : 49. - مَا ذَكَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ حَدِيثًا قَطُّ إِلَّا زَادَنِي فِيهِ: 53. • أنس بن سيرين: - كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللهُ - بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا كَانَ حِينَ رَاحَ رُحْتُ مَعَهُ ... : 177. • أنس بن مالك: - أَبَى (حِينَ سَأَلَهُ سِيرِينَ المُكَاتَبَةَ - وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ -): 345. - أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِأَرْضِ فَارِسَ: أَلاَّ تَبِيعُوا السُّيُوفَ فِيهَا حَلَقَةُ فِضَّةٍ بِدِرْهَمٍ: 547. - إذَا اغْتَابَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ: 373. - أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا، جَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا (أُمُّ المُؤْمِنِينَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ): 530. - أَفْتَى بِرُكُوبِ الهَدْيِ: 525. - أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ ... : 305. - أَنَّ أَيْتَامًا وَرِثُوا خَمْرًا، فَسَأَلَ أَبُو طَلْحَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَجْعَلَهُ خَلاًّ ... : 562. - أَنَّ هِلاَلَ شَوَّالٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِمْ، فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ آخِرَ النَّهَارِ ... : 505. - حَسَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ فَخِذِهِ: 449. - حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ (تُسْتَرَ) عِنْدَ إِضَاءَةِ الفَجْرِ ... : 231. - خَلَّلَ لِحْيَتَهُ: 477. - رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قِطْرِيَّةٌ ... : 478. - فَانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ: 306. - فَأَبَى (حِينَ سَأَلَهُ سِيرِينْ المُكَاتَبَةَ): 345. - فَكَاتَبَهُ (غُلَامَهُ سِيرِينْ): 346. - قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ المَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا ... : 472. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ ... : 44 هامش. - لَا أَدْرِي: 306. - مَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ العَبْدِ: 605.
• الأوزاعي
- نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ رَأَوْهُ، فَأَمَّا مَنْ صَحِبَهُ فَلاَ: 142. - نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ: 360، 363. - وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا ... : 305. - وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلاَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: 231. - يَحْمَرُّ، أَوْ يَصْفَرُّ: 538. • الأوزاعي: - أُحَدِّثُكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَتَقُولُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ؟: 56. - أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ ... : 202. - إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ ... : 231. - إِنَّا لَا نَنْقِمُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَأَى، كُلُّنَا يَرَى، وَلَكِنَّنَا نَنْقِمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِيئُهُ الحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 59. - غُبِطْتُ الرَّجُلُ بِكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَوُفُورِ عَقْلِهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ تَعَالَى، لَقَدْ كُنْتُ فِيْ غَلَطٍ ظَاهِرٍ ... : 71. - الْكِتَابُ أَحْوَجُ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْكِتَابِ: 192. - كَيْفَ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 56. - لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا بَعْدَهُ (جُلُودِ السِّبَاعِ): 564. - مَا بَالُكُمْ لاَ تَرْفَعُونَ أَيْدِيكُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ؟: 56. - يَتَصَدَّقُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْهُ: 511.
- الباء -
- الباء - • الباقلاني: - لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللَّغَةِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ مُشْتَقٌّ مِنَ الصُّحْبَةِ ... : 142. • البخاري (محمد بن إسماعيل): - اتَّفَقَ أَهْلُ العِلْمِ وَأَنْتَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِمَامُ فَرْضًا عَنِ القَوْمِ. ثُمَّ قُلْتُمُ: القِرَاءَةُ فَرِيضَةٌ ... : 594. - أَمَّا مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ، فَذَلِكَ سَهْوٌ مِنْهُ: 583. - إِنْ اعْتَلَّ مُعْتَلٌّ فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ "، وَلَمْ يَقُلْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ... : 596. - إِنَّمَا أَجَازَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالذِينَ لَمْ يَرَوُا القِرَاءَةَ خَلْفَ الإِمَامِ ... : 342، 593. - ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ إِجَازَةِ الِهبَةِ حَتَّى يُسَوَّى مَا بَيْنَ الأَوْلَادِ: 564 هامش. - الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رَفْعَ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ... : 581. - رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ تَضْعِيفَ ذَلِكَ: 583. - زَعَمْتَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ أَوِ العَصْرِ أَوِ العِشَاءِ يُجْزِيهِ ... : 595. - ضَعَّفَ البُخَارِيُّ الحَدِيثَ الذِي يَحْتَجُّونَ بِهِ، وَهُوَ «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ»: 593. - الغَسْلُ أَحْوَطُ: 328، 449. - الغَسْلُ أَحْوَطُ، وَذَاكَ الآخِرُ، وَإِنَّمَا بَيَّنَّا لاِخْتِلاَفِهِمْ: 327. - فَإِذَا قَذَفَ الأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ، بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ، فَهُوَ كَالمُتَكَلِّمِ ... : 608. - فَخَالَفَ الرَّسُولَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الهِبَةِ: 634، 635. - النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ (نِكَاحُ المُتْعَةِ): 629. - مَنْ أَبَاحَ لَكَ الثَّنَاءَ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ بِخَبَرٍ أَوْ بِقِيَاسٍ، وَحَظَرَ عَلَى غَيْرِكَ الفَرْضَ ... : 594. - مَنْ زَعَمَ أَنَّ رَفْعَ الْأَيْدِي بِدْعَةٌ، فَقَدْ طَعَنَ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَالسَّلَفِ ... : 588. - هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ إِذَا قَالَ: " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ " ... : 519. - هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ، - يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ " وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ " - ... : 578. - وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ ... : 585. - وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى هَذَا مِنْ حِفْظِهِ فَأَمَّا مَنْ حَدَّثَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ كِتَابِهِ ... : 585. - وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ: 449. - وَالعَجَبُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ صَغِيرًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 586. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: 305، 307، 577، 580، 598، 599، 600، 602، 603، 606، 608، 610، 614، 626، 629، 631، 633، 634، 637، 638. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ ... : 637 و 638. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ... : 626.
- وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَمْرِهَا ... : 631. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ: 629. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ: 629. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ... : 638. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ دَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ: 638. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ البِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ، فَاحْتَالَ رَجُلٌ، فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ ... : 631. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا، فَأَبَتْ فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا ... : 631 و 632. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَ هِبَةً، أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ، حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ، وَاحْتَالَ فِي ذَلِكَ ... : 634. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ، لِأَخْذِهِ القِيمَةَ. وَفِي هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لاَ يَبِيعُهَا، فَغَصَبَهَا ... : 633. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ ... : 637. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ، فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ: 626. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ ... : 626. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُجْزِيهِ آيَةً آيَةً، فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، بِالفَارِسِيَّةِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي الأُخْرَيَيْنِ: 592. - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأَرْبَعِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 592. - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: المُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ: 629. - وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: إِنَّ كُلَّ مَأْمُومٍ يَقْضِي فَرْضَ نَفْسِهِ ... : 595 و 596. - وَقَدْ أَعَلَّ البُخَارِيُّ هَذَا الحَدِيثَ (لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ...): 588. - وَقَدْ ذَهَبَ البُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ الوِتْرَ رَكْعَةٌ: 498. - وَقَدْ ضَعَّفَ البُخَارِيُّ الزِّيَادَةَ التِي جَاءَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .... : 596. - وَقَدْ ضَعَّفَ البُخَارِيُّ مَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدٍ، مِنْ عَدَمِ القِرَاءَةِ خَلْفَ الإِمَامِ ... : 595. - وقد قَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بِرَفْعِ الأَيْدِي فِي تَكْبِيرَاتِ الجَنَازَةِ وَلَيْسَتْ ضِمْنَ السَّبْعِ المُتَقَدِّمَةِ: 588. - وَكَانَ ابْنُ المُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ , وَهُوَ أَكْثَرُ أَهْلِ زَمَانِهِ عِلْمًا فِيمَا نَعْرَفُ ... : 585. - وَكَانَ الثَّوْرِيُّ , وَوَكِيعٌ , وَبَعْضُ الكُوفِيِّينَ لَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ , وَقَدْ رَوَوْا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ... : 588. - وَكَذَلِكَ رَوَى الحُفَّاظُ مَنْ سَمِعَ مِنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَدِيمًا مِنْهُمْ ... : 584. - وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ مِنْهُمْ ... : 582. - وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ وَأَهْلِ العِرَاقِ: مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ... : 585. - وَلَوْ تَحَقَّقَ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لَكَانَ حَدِيثُ طَاوُوسٍ ... : 583. - يَعْنِي أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُلْقِيَ رَأْيَهُ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ ثَبَتَ الحَدِيثُ ... : 586. - يَنْقَضُّ آخِرُهُمْ عَلَى أَوَّلِهِمْ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ: 594.
• البراء بن عازب
• البراء بن عازب: - أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ عَلَيْهِمْ ... : 553. - جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ؟ ... : 481. - كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإِفْطَارُ ... : 232. • بشر بن الحارث الحافي: - أَدُّوا زَكَاةَ هَذَا الحَدِيثِ ... : 147. - أَنْ تَعْمَلُوا بِخَمْسَةِ أَحَادِيثَ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ حَدِيثٍ: 147. - أَنَّ أَحْمَدَ بَعْدَ المِحْنَةِ صَارَ زَعِيمَ حِزْبٍ عَظِيمٍ مِنْ أَحْزَابِ الإِسْلاَمِ: 80، 128. - قَامَ أَحْمَدُ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ: 80. • بلال بن رباح: - رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الكَعْبَةِ: 583. • البلخي: - فَإِنِّي لَمَّا عَارَضْتُ شَيْخَنَا أَبَا الحُسَيْنِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي كِتَابِهِ ... : 94. • البيهقي: - أَرَادَ مَا صَحَّ مِنَ الحَدِيثِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: 189 هامش. - وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: 151 هامش.
- التاء -
- التاء - • الترمذي: - جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الكِتَابِ مِنَ الحَدِيثِ فَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ، قَدْ أَخَذَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ... : 295. - فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ، لَمْ يُحْتَجَّ بِهِ: 297. - فَالذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الحَدِيثِ مِنَ الأَئِمَّةِ أَلَّا يَشْتَغِلَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ: 297. - فَلَوْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَكُنْ لِلإِبْرَادِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مَعْنًى لاجْتِمَاعِهِمْ فِي السَّفَرِ ... : 314. - فَهُوَ مَا اسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ كِتَابِ " التَّارِيخِ "، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مَا نَاظَرْتُ بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ ... : 296. - لِمَنْ يَتْرُكُ الجَمَاعَةَ وَالجُمُعَةَ رَغْبَةً عَنْهَا، وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا، وَتَهَاوُنًا بِهَا: 341. - هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ كَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ السُّعُوطَ لِلصَّائِمِ ... : 450. - وَاخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِيمَنْ تَرَكَ المَضْمَضَةَ وَالاسْتِنْشَاقَ ... : 315. - وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ قَوِيًّا مُحْتَاجًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ، أَجْزَأَ عَنِ المُتَصَدِّقِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ ... : 514. - وَإِنَّمَا حَمَلَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي هَذَا الكِتَابِ مِنْ قَوْلِ الفُقَهَاءِ، وَعِلَلِ الحَدِيثِ لِأَنَّا سُئِلْنَا عَنْ هَذَا ... : 296. - وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْءٌ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي المُتْعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ: 157. - وَالحَدِيثُ إِذَا كَانَ مُرْسَلاً، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الحَدِيثِ ... : 263. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: 84. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ: كَرِهُوا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ ... : 541. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ كَرِهُوا بَيْعَ الطَّعَامِ حَتَّى يَقْبِضَهُ المُشْتَرِي ... : 361. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلاَفًا: إِذَا زَوَّجَ أَحَدُ الوَلِيَّيْنِ ... : 312. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ: 169. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ ... وَأَمْرُ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ المُتْعَةِ ... : 313. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا: 84، 248. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ ... : 514. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ ... : 504. - وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، أَنَّهُ لَيْسَ فِي الخَيْلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ ... : 516. - وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْهُمْ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: إِنَّ العَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ ... : 543. - وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ قَالُوا فِي هَدْيِ التَّطَوُّعِ: إِذَا عَطِبَ لَا يَأْكُلُ هُوَ ... : 524. - وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ: 316. - وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِرَاقِ: 313. - وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا أَكَلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ شَيْئًا فَقَدْ ضَمِنَ الَّذِي أَكَلَ: 525. - وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ: تَعْتَدُّ آخِرَ الأَجَلَيْنِ ... : 314.
- وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ ... : 341. - وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: 313. - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُعِيدُ فِي الوُضُوءِ، وَلَا فِي الجَنَابَةِ، لِأَنَّهُمَا سُنَّةٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 315. - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: يُعِيدُ فِي الجَنَابَةِ، وَلَا يُعِيدُ فِي الوُضُوءِ ... : 315. - وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بِهَذَا الحَدِيثِ: 313. - وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ ... : 509. - وَقَدْ بَيَّنَّا عِلَّةَ الحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا: 296. - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلاَةَ لَهُ: 340. - وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ تَلَقِّي البُيُوعِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الخَدِيعَةِ ... : 84. - وَلَمْ يَذْهَبْ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَوَسَّعُوا فِي هَذَا، وَقَالُوا ... 514. - وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الكِتَابِ (حَدِيثٌ حَسَنٌ) فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِهِ حُسْنَ إِسْنَادِهِ عِنْدَنَا ... : 297. - وَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الكِتَابِ (حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فَإِنَّ أَهْلَ الحَدِيثِ يَسْتَغْرِبُونَ الحَدِيثَ لِمَعَانٍ ... : 297. - وَمَعْنَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَأْخِيرِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ: هُوَ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِالاتِّبَاعِ ... : 314. - وَمَنْ ضَعَّفَ المُرْسَلَ فَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ حَدَّثُوا عَنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِ الثِّقَاتِ ... : 263. - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ ... : 314. - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا: 540. - وَيَرَى أَصْحَابُنَا، أَنْ تُصَلَّى صَلاَةُ الكُسُوفِ فِي جَمَاعَةٍ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ: 507.
- الجيم -
- الجيم - • جابر بن زيد (أبو الشعثاء): - إِنَّا لِلَهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، يَكْتُبُونَ رَأْيًا أَرْجِعُ عَنْهُ غَدًا: 289. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ الحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الغِفَارِيُّ عِنْدَنَا بِالبَصْرَةِ ... : 159. - وَأَنَا أَظُنَّ ذَلِكَ: 166 هامش، 488. • جابر بن سمرة: - دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَنَحْنُ رَافِعِي أَيْدِينَا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ ... : 585. • جابر بن عبد الله الأنصاري: - إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَلَمْ يُعِدِ الوُضُوءَ: 324. - أَكَلْنَا لُحُومَ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ: 563. - إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ ... : 636. - بِعْتُهُ مِنْهُ بِأُوقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي ... : 545. - جَاءَ سُلَيْكٌ الغَطَفَانِيُّ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ ... : 503. - خَرَصَهَا ابْنُ رَوَاحَةَ، - يَعْنِي خَيْبَرَ -، أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ ... : 517. - دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ ... : 536. - كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى نَهَانَا عُمَرُ فَانْتَهَيْنَا: 259. - لَا يُجْزِيهِ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ: 593. - مَا مِنَّا أَحَدٌ أَدْرَكَ الدُّنْيَا إلاَّ وَقَدْ مَالَتْ بِهِ إلاَّ ابْنُ عُمَرَ: 181 هامش. - وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ: 350. • جرير بن عبد الله البجلي: - بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ... : 360. • الجصاص: - ذَهَبَ إِلَى أَنْ مُرْسَلَ مَنْ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ حِجَّةُ ... : 267. - وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّ الهِجْرَانَ يُوجِبُ الطَّلاَقَ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ شَاذٌّ: 183.
- الحاء -
- الحاء - • الحجوي الثعالبي: - أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَهُوَ الذِي تَجَرَّدَ لِفَرْضِ المَسَائِلِ وَتَقْدِيرِ وُقُوعِهَا ... : 62. • حذيفة بن اليمان: - أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ: 498. - وَكَانَ حُذَيْفَةُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالشَّرِّ وَالفِتَنِ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الخَيْرِ ... 615. • حسان بن عطية: - كَانَ الوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِالسُّنَّةِ الَّتِي تُفَسِّرُ ذَلِكَ: 191. • الحسن البصري: - أَبَاحَ الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ: 564. - أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ: 606. - إِذَا قَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، نِيَّتُهُ: 432. - إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ عِنْدَ المَوْتِ: كُنْتُ أَعْتَقْتُكَ، جَازَ: 606. - إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ، أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ: 324. - إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ العِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا: 340. - أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا: 318. - إِنَّ فِيهِ الخُمُسُ (العَنْبَرُ): 274. - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا إِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ أَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ أَنْ يُضَحُّوا عَنْهُ: 566. - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِصَلَاةِ القَادِمِ رَكْعَتَيْنِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ: 503. - أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ: 498. - تُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَتْ، وَإِلَّا قُتِلَتْ (المَرْأَةُ المُرْتَدَّةِ): 559. - تَعَلَّمُوا مَا شِئْتُمْ أَنْ تَعَلَّمُوا، فَلَنْ يُجَازِيَكُمُ اللَّهُ عَلَى العِلْمِ حَتَّى تَعْمَلُوا: 118. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - سُئِلَ الحَسَنُ: مَا أَدْنَى مَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: " نَوَاةٌ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ": 530. - عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ وَإِنْ تَابَ: 604. - فَلَمْ يَسْتَثْنِ الحَسَنُ , وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَحَدٍ: 584. - فِي العَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ: الخُمُسُ: 274.
• الحسن بن صالح بن حي الهمداني
- فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ: 325. - كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّمَا أَيْدِيهِمُ المَرَاوِحُ يَرْفُعُونَهَا إِذَا رَكَعُوا , وَإِذَا رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ: 584. - كَانَ الحَسَنُ إِذَا اجْتَمَعَ لَهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الحَدِيثِ أَرْسَلَهُ إِرْسَالاً: 268. - مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الحَرْبِ فَفِيهِ الخُمُسُ ... : 600. - لاَ تُصَافِحُوهُمْ، فَمَنْ صَافَحَهُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ: 404. - لَا يَرَى الوِتْرَ فَرِيضَةً: 495. - لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ: 325. - مَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجُ وَالمَرْأَةُ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ مَهْرٌ: 530. - مَا خَافَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ: 275. - مَا زَالَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ: 324 و 325. - يَقْضِي وَلِيُّ المَيِّتِ مَا فَاتَهُ مِنْ صِيَامِهِ: 511. • الحسن بن صالح بن حي الهمداني: - لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثٍ إِلاَّ لِزَوْجَتِهِ بِصَدَاقِهَا: 607. • الحسن بن علي بن أبي طالب: - طَافَ بَعْدَ العَصْرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ: 501. • الحسين بن علي بن أبي طالب: - بَالَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 470. - طَافَ بَعْدَ العَصْرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ: 501. - الهِرُّ مِنْ مَتَاعِ البَيْتِ: 475. • حفصة بنت عمر بن الخطاب (أم المؤمنين): - صَنَعَتْ طَعَامًا، وَأَرْسَلَتْهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 554. • الحكم بن عتيبة: - إِذَا أَبْرَأَ الوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِئَ: 606. - تُكْرَهُ جُلُودُ السِّبَاعِ: 564.
• حماد بن أبي سليمان
• حماد بن أبي سليمان: - الأَخْرَسُ وَالأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ، جَازَ: 608. - تُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَتْ، وَإِلَّا قُتِلَتْ (المَرْأَةُ المُرْتَدَّةِ): 559. - عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ: 51. - قَدْ سَأَلْتُهُمْ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، وَاللَّهِ لَصِبْيَانُكُمْ أَعْلَمُ مِنْهُمْ ... : 55. - مَا رَأَيْتُ أَحْضَرَ قِيَاسًا مِنْ إِبْرَاهِيمَ: 47. • حماد بن سلمة: - لَا تَرَى صِنَاعَةً أَشْرَفَ، وَلَا قَوْمًا أَسْخَفَ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابِهِ ... : 116. • حمزة بن عبد المطلب: - هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي: 431. • حميد بن هلال: - فَلَمْ يَسْتَثْنِ الحَسَنُ , وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أَحَدٍ: 584.
- الخاء -
- الخاء - • الخرباق السلمي: - صَلَّيْتَ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ: 486. - يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَنَقَصَتْ الصَّلاَةُ؟: 486. • الخضري (محمد الخضري بك): - أَهْلُ الحَدِيثِ قِبْلَتُهُمْ السُّنَّةُ بِاعْتِبَارِهَا مُكَمِّلاً لِلْقُرْآنِ ... : 91. • الخطابي: - عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الخَوَارِجُ وَالرَّوَافِضُ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ القُرْآنِ ... : 206. - كُلُّ مَا شَكَكْتُ فِيهِ فَالوَرَعُ اجْتِنَابُهُ: 428. • الخطيب البغدادي: - طَلَبَةُ الْعِلْمِ عَلَى طَبَقَاتٍ، وَرُبَّمَا حَضَرَ عِنْدَ الْعَالِمِ مِنْ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ ... : 118. - فَقَدْ وَقَفْنَا عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ عَيْبِ المُبْتَدِعَةِ لِأَهْلِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ: 95. - قَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفِ فِي تَأْوِيلِ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ ... : 96. - كُلُّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ بَصِيرَةِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِمَا جَمَعُوهُ ... : 5، 121. - مَا تَكَلَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا أَبُو يُوسُفَ وَلَا زُفَرُ وَلَا مُحَمَّدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمْ فِي القُرْآنِ ... : 81. - هَذِهِ العِلَّةُ، هِيَ التِي اقْتَطَعَتْ أَكْثَرَ مَنْ فِي عَصْرِنَا مِنْ طَلَبَةِ الحَدِيثِ عَنِ التَّفَقُّهِ بِهِ: 110 هامش. - وَأَكْثَرُ كَتَبَةِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَعِيدٌ مِنْ حِفْظِهِ ... : 119. - وَأَنَا أَذْكُرُ فِي كِتَابِي هَذَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ مَا بِنَقَلَةِ الْحَدِيثِ وَحُمَّالِهِ حَاجَةٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ ... : 116. - وَفِي كُتُبِهِ حَدِيثٌ كَثِيرٌ، إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ عَزِيزَةٌ جدًّا (دَاوُدُ الظَّاهِرِي): 352. - وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَحْتَسِبُونَ فِي بَذْلِ الحَدِيثِ، وَيَتَأَلَّفُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ ... : 118. - وَلِكُلِّ عِلْمٍ طَرِيقَةٌ يَنْبَغِي لأَهْلِهِ أَنْ يَسْلُكُوهَا ... : 116. • خنساء بنت خدام: - أَنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ ... : 631.
- الدال -
- الدال - • الدارمي: - الأَقْرَاءُ عِنْدِي: الحَيْضُ: 321. - أَنَا أَتَّقِي الحِجَامَةَ فِي الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ: 417. - أَنَا أَكْرَهُ أَكْلَهُ (الضَّبُعُ): 321، 418. - أَهْلُ الحِجَازِ يَقُولُونَ: يَقْضِي، وَأَنَا أَقُولُ: لَا يَقْضِي: 322. - إِيْ وَاللَّه (يَأْخُذُ بِحَدِيثِ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ وَالعِمَامَةِ): 321. - فِي فَرْضِ الوَاجِبِ أَقُولُ بِهِ: 322، 417. - بِهَذَا نَقُولُ، وَلَا أَرَى الجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: 321. - لَا أَرَى بِالكُحْلِ بَأْسًا: 417. - نَعَمْ (يَأْخُذُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ فِي الاِسْتِحَاضَةِ): 321. • داود الظاهري: - أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ أَدِلَّةَ الشَّافِعِيِّ فِي إِنْكَارِ الاِسْتِحْسَانِ تَنْطَبِقُ عَلَى القِيَاسِ، فَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ: 356. - لَا يَكُونُ البُلُوغُ حَتَّى يَكُونَ اِحْتِلَامٌ وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ عَامًا: 568. - لَوْ بَالَ رَجُلٌ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَضَّأَ هُوَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 405. - وَالقَوْلُ بِالقِيَاسِ لَا يَجِبُ، وَالقَوْلُ بِالاِسْتِحْسَانِ لَا يَجُوزُ: 390. - وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رِفْقَتِهِ (الأَكْلُ مِنَ الهَدْيِ): 524. - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيُحَرِّمُ مُحَرِّمٌ غَيْرَ مَا حَرَّمَ ... : 390. - وَلَوْ تَغَوَّطَ فِي مَاءٍ جَارٍ جَازَ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ لأَنَّهُ تَغَوَّطَ وَلَمْ يَبُلْ: 405. - وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ لأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عِنْدَهُ وَلَوْ بَالَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي مَاءٍ ... : 405. - يَجُوزُ أَنْ يَتَوَضَّأَ هُوَ مِنْهُ لأَنَّهُ مَا بَالَ فِيهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ: 405. - يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَازَةِ: 509. - الذال - • الذهبي: - كَانَتْ مِنْ أكَبَرِ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ: 150. - وَأَمَّا المُحَدِّثُونَ فَغَالِبُهُمْ لَا يَفْهُمُونَ، وَلَا هِمَّةَ لَهُمْ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيثِ ... : 119.
- الراء -
- الراء - • رافع بن خديج: - أَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنْ لَا تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا: 606. - فَأَخَذْنَا زَرْعَنَا، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ: 572. - فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الأَرْضُ، وَمِمَّا يُصَابُ الأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا: 571. - قُلْتُ: سَمْعًا وَطَاعَةً: 179. - قُلْتُ: مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَهُوَ حَقٌّ: 179. - كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ المَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ: 571. • الرامهرمزي: - اعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ يَشْنَأُ الحَدِيثَ وَيُبْغِضُ أَهْلَهُ ... : 94، 114. - فَتَمَسَّكُوا ـ جَبَرَكُمُ اللَّهُ ـ بِحَدِيثِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبَيَّنُوا مَعَانِيهِ ... : 115. - وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الفُقَهَاءِ يَذُمُّ أَهْلَ الرِّحْلَةِ ... : 108. • ربيعة الرأي: - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى المُسْتَحَاضَةِ وُضُوءًا عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ: 318. - رَأَيْتُ قَوْمًا حَلَالُنَا حَرَامُهُمْ، وَحَرَامُهُمْ حَلَالُنَا ... (أَهْلُ العِرَاقِ): 41. - يَا أَبَا بَكْرٍ إِذَا حَدَّثْتَ النَّاسَ بِرَأْيِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُ رَأْيُكَ ... : 40. - ويحك ورأيت أنت فقيها قط: 20. • رجل من الأنصار: - وَجَبَتْ: 590، 592. - الزاي - • الزرقاني (محمد بن عبد الباقي): - أَيْ الْأَحَدُ الْمَنْهِيُّ تَنْزِيهًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْنَعَ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ... : 562. • زُفر بن الهذيل: - يُفَرِّقُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْهَا: أَوَّلَهُمَا نِكَاحُ المُتْعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ ... (نِكَاحُ المُتْعَةِ): 721. - يُقْطَعُ (هِبَةُ المَسْرُوقِ لِلْسَّارِقِ): 558.
• زوجة قيس بن صرمة الأنصاري
• زوجة قيس بن صرمة الأنصاري: - خَيْبَةً لَكَ: 232. - لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ: 232. • زيد أبو عياش: - أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ البَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ: 248. - البَيْضَاءُ: 248. • زيد بن أرقم: - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لِلاِسْتِسْقَاءِ، خَلْفَ عَبْدَ اللهِ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ: 508. • زيد بن ثابت: - أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي: 449. - إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ تَقُولُ بِرَأْيِكَ، وَأَنَا رَجُلٌ أَقُولُ بِرَأْيِي: 175. - حدّث فيه بالذي يعلم والذي يرى: 63. - يغفر الله لرافع بن خديج، أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان من الأنصار اقتتلا ... : 180 هامش. - فَذَرُوهُ حَتَّى يَكُونَ: 63. - كان يقول إذا سئل عن الأمر: أكان هذا؟ ... : 63. - لَعَلَّ كُلَّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكُمْ خَطَأٌ، إِنَّمَا اجْتَهَدْتُ لَكُمْ رَأْيِي: 289. - لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ: 277. - مَا بَالَيْتُ إِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ: 153. - يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، إِنَّمَا أَتَاهُ رَجُلاَنِ قَدَ اقْتَتَلاَ ... : 571. • زيد بن خالد الجهني: - سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ يُمْنِ: 327. - سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ اللُّقَطَةِ ... : 568. • الزيلعي (جمال الدين): - قُلْتُ: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ... : 507 هامش.
- السين -
- السين - • سارة (زوجة إبراهيم الخليل - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -): - أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً: 602. • سالم بن عبد الله بن عمر: - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا: 497. - لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُطْلَقًا: 607. - لَعَلِّي أَنْ أُخْبِرُكَ بِرَأْيِي ثُمَّ تَذْهَبُ، فَأَرَى بَعْدَكَ رَأْيًا غَيْرَهُ فَلاَ أَجِدُكَ: 285. - لَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا بِشَيْءٍ: 285. • السرخسي: - فَالحَاصِلُ: أَنَّ مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الحَرَامِ أَوْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الحَلَالِ مِنَ الحِيَلِ فَهُوَ حَسَنٌ ... : 620. - فَفِي هذَيْن النَّوْعَيْنِ مِنَ الانْتِقَادِ لِلْحَدِيثِ عِلْمٌ كَثِيرٌ، وَصِيَانَةٌ لِلْدِّينِ بَلِيغَةٌ ... : 204. - لِأَنَّ الكِتَابَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَفِي اتِّصَالِ الخَبَرِ الوَاحِدِ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُبْهَةٌ ... 203 - وَإِنَّمَا سَوَاءُ السَّبِيلِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ - مِنْ إِنْزَالِ كُلِّ حُجَّةٍ مَنْزِلَتَهَا ... : 204. - وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الوَاحِدِ عِلْمُ اليَقِينِ ... : 243. - وَالمُرَادُ كُلَّ شَرْطٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، لَا أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مَا لَا يُوجَدُ عَيْنُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: 203. • سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: - قِيلَ لَهُ: «مَنْ أَفْقَهُ أَهْلِ المَدِينَةِ؟»، قَالَ: «أَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -»: 20. • سعد بن أبي وقاص: - أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَخْرِمُ عَنْهَا ... : 591. - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟: 248. - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ عَنْ شِرَاءِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ: 248. • سعد بن عُبادة الأنصاري: - اسْتَفْتَى [رَسُولَ اللَّهِ] النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ: 510، 626.
• سعيد بن جبير
• سعيد بن جبير: - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. - إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا، لأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الجِلَّة: 161. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - قَرَابَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 164. - كُنَّا إِذَا اخْتَلَفْنَا بِالكُوفَةِ فِي شَيْءٍ كَتَبْتُهُ عِنْدِي حَتَّى أَلْقَى ابْنَ عُمَرَ فَأَسْأَلُهُ عَنْهُ: 35. • سعيد بن المسيب: - اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلاَ أَرَى لِي مَعَهُمْ قَوْلاً: 269. - أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ (لِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ): 40. - إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الرَّجُل أُمَّ وَلَدِهِ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا: 530. - أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا: 318. - أَنَّهُ كَرِهَ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَقَالَ: «الرُّطَبُ مُنْتَفِخٌ، وَالتَّمْرُ ضَامِرٌ»: 539. - إِنَّهَا السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي: 40، 258. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275، 579. - سَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الوِتْرَ كَمَا سَنَّ الفِطْرَ وَالأَضْحَى: 495. - فَتِلْكَ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّخْلِ وَالَعَنَبِ: 517. - فسمَّى قول زيد بن ثابت سُنَّة: 258. - كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا، حَتَّى حُدِّثَ فِيهَا بِحَدِيثِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بَنِي حَارِثَةَ ... : 572. - لَا صَدَقَةَ فِيهَا (الفَرَسُ الغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ): 516. - " نَاوِلْنِيهَا "، فَنَاوَلَهُ الصَّحِيفَةَ فَخَرَقَهَا: 289. - وَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي تَزْوِيجِ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ: 330. • سفيان بن حسين الواسطي: - العَرَايَا: نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا ... : 543. • سفيان بن عيينة: - العُلَمَاءُ. (لَمَّا قِيلَ لَهُ: مَنْ النَّاسُ؟): 118. - لَمَّا كَبُرَ الشَّيْخُ - يعني يزيد - لَقَّنُوهُ «ثُمَّ لَمْ يَعُدْ». فَقَالَ: «ثُمَّ لَمْ يَعُدْ»: 584. - مَنْ يُحْسِنُ هَذَا؟ (الإِفْتَاءُ فِي الطَّلَاقِ): 420.
• سفيان الثوري
• سفيان الثوري: - أَجَازَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ وَالعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ: 307. - إِذَا جُلِدَ العَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ ... : 307، 603. - إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّدَقَةُ: 514. - أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عَلِيٍّ (أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ بَعْدُ): 583. - إِنَّمَا الدِّينُ الآثَارُ: 187. - أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ المَيِّتُ قَادِرًا عَلَى القَضَاءِ فِي حَيَاتِهِ، نَذْرًا كَانَ الصِّيَامُ أَوْ فَرْضًا: 511. - أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الحُرِّ إِذَا قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إِذَا قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ: 552. - أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ، ثُمَّ لِلْشَّرِيكِ المُقَاسِمِ إِذَا بَقِيَتْ فِي الطُّرُقِ أَوْ فِي الصَّحْنِ شَرِكَةٌ ... : 637. - بِعْ الحَلاَلَ (حَلَالَكَ) مِمَّنْ شِئْتَ: 446، 451. - خُذِ الْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ مِنَ الْمَشْهُورِينَ فِي الْعِلْمِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَمِنَ الْمَشْيَخَةِ: 126. - عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ (الأَكْلُ مِنَ الهَدْيِ إِذَا عَطِبَ): 524. - فَأَيُّهُمَا أَكْبَرُ: المَنِيُّ أَوْ مَسُّ الذَّكَرِ؟: 130. - كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ: 588. - الكُدْرَةُ وَالصُّفْرَةُ فِي أَيَّامِ الحَيْضِ حَيْضٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامِ الحَيْضِ ... : 321. - لاَ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَمْسَكَ بِيَدِهِ مَنِيًّا، مَا كَانَ عَلَيْهِ؟: 130. - لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُطْلَقًا: 607. - لَا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ ... : 307، 603. - لَوْ رَضِيَتْ بِسَوْطٍ كَانَ مَهْرًا: 530. - هَذَا الفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذَا مَاءٌ ... : 450. - يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ: 509. - يَمُرُّ الرَّجُلُ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ يَدَيَّ وَأَنَا أُصَلِّي فَأَمْنَعُهُ، وَيَمُرُّ الضَّعِيفُ فَلاَ أَمْنَعُهُ: 318. • سلمان الفارسي: - مَا لِهَذَا غَدَوْنَا: 276. • سمرة بن جندب: - فَصَرَعَهُ، فَفَرَضَ لَهُ: 568. - يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ فَرَضْتَ لِصَبِيٍّ وَلَمْ تَفْرِضْ لِي، وَأَنَا أَصْرَعُهُ: 568.
• سليمان بن موسى
• سليمان بن موسى: - أَرَأْيٌ أَمْ عِلْمٌ؟: 285 هامش. - أَيَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا؟: 285 هامش. • سليمان بن يسار: - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَذَاكَرُوا المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الحَامِلَ ... : 169. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - كُنْتُ أُقَسِّمُ نَفْسِي بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ... : 148. • السندي: - حَاصِلُ كَلَامِ الحَنَفِيَّةِ أَنَّ بَيْعَ المُكْرَهِ مُنْعَقِدٌ، إِلَّا أَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ العَبْدِ بِهِ ... : 611. - كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُفِيدُ أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ مِنْ أَفْعَالِ المُشْرِكِيْنَ ... : 199. - وَإِلاَّ فَالعَرْضُ لِقَصْدِ الفَهْمِ وَالجَمْعِ وَالتَّثَبُّتِ لاَزِمٌ: 208. - وَالشُّرَّاحُ جَعَلُوا الأَحَادِيثَ كُلَّهَا دَلَائِلَ لِمَا فِي التَّرْجَمَةِ ... : 308. - وَظَاهِرُ هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ الجَمَاعَةَ فِي المَسْجِدِ الذِي سَمِعَ نِدَاءَهُ فَرْضٌ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ ... : 341. - وَالعَمَلُ الوَاحِدُ يُقْصَدُ بِهِ أَمْرٌ فَيَكُونُ عِبَادَةً، وَيُقْصَدُ بِهِ شَيْءٌ آخَرَ، فَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ ... : 435. - وَقَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الأُصُولِ: لاَ يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الكِتَابِ بِخَبَرٍ فِي الصُّورَةِ ... : 219. - وَمَا يُحْذَرُ كَذَلِكَ مِنَ الحِلْفِ عِنْدَ البَيْعِ لِتَرْوِيجِ السِّلْعَةِ: 429. - وَمُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، حَيْثُ أَخَذَ بِإِطْلَاقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - وَهُوَ حَدِيثُ " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ ... : 578. - وَالْمَطْلُوبُ تَشْبِيهُ الْمَجْهُولِ عَلَى الْمُخَاطِبِ بِالْمَعْلُومِ عِنْدَهُ ... : 290. • سهل بن أبي حثمة: - بِالأَوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ (حُكْمُ العَرَايَا): 543.
• سهل بن حنيف
• سهل بن حنيف: - اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ ... : 553. - قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي؟: 473. - كُنْتُ أَلْقَى مِنَ المَذْيِ شِدَّةً، فَكُنْتُ أُكْثِرُ الاِغْتِسَالِ مِنْهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 473. • سهل بن سعد الساعدي: - أَنَّهُ شَهِدَ المُتَلاعَنْيْنِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا: 533. • سهيل بن أبي صالح: - أَخْبَرَنِي بِهِ رَبِيعَةُ عَنِّي، وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ، أَنِّي حَدَّثْتُهُ إِيَّاهُ وَلاَ أَحْفَظُهُ: 225. • سيرين (غُلَامُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ): - سَأَلَ أَنَسًا، المُكَاتَبَةَ - وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ - فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ ... : 345.
- الشين -
- الشين - • الشاطبي: - مَذْهَبُ مَنْ نَفَى القِيَاسَ جُمْلَةً وَأَخَذَ بِالنُّصُوصِ عَلَى الإِطْلاَقِ ... : 357. - وَالحَاصِلُ مِنَ الجَمِيعِ صِحَّةُ اعْتِبَارِ الحَدِيثِ بِمُوَافَقَةِ القُرْآنِ وَعَدَمِ مُخَالَفَتِهِ: 209. - وَفِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَفِي اعْتِبَارِ السَّلَفِ لَهُ نَقْلٌ كَثِيرٌ ... : 205. - وَقَدْ عَارَضَ هَذَا الحَدِيثَ قَوْمٌ، فَقَالُوا: نَحْنُ نَعْرِضُهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ... : 207. - وَمِنْ هُنَا ذَمَّ بَعْضُ العُلَمَاءِ رَأْيَ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَقَالَ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْدَ المِائَتَيْنِ: 398. • الشافعي: - أَبَاحَ بَيْعَ العَيِّنَةِ أَخْذًا بِظَاهِرِ العَقْدِ المُسْتَكْمِلِ لِلْشُّرُوطِ وَتَرْجِيحًا لِحُسْنِ الظَّنِّ بِالمُتَعَاقِدِينَ: 636. - أُحِبُّ لِكُلِّ مَنْ اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ، قَائِلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا ... : 315. - إِذَا أَحْدَثَ اللَهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ أَمْرًا بِرَفْعِ سُنَّةٍ تَقَدَّمَتْ، أَحْدَثَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - سُنَّةً ... : 230. - إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ: 514. - أَمَّا أَنْتُمْ فَأَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالرِّجَالِ مِنِّي، فَإِذَا كَانَ الحَدِيثُ صَحِيحًا فَأَعْلِمُونِي ... : 126. - إِنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا غَرِمَ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ: 525. - إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَة: 291. - أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ المَيِّتُ قَادِرًا عَلَى القَضَاءِ فِي حَيَاتِهِ، نَذْرًا كَانَ الصِّيَامُ أَوْ فَرْضًا: 511. - أَنَّهُ يُقِيمُ لِلْفَوَائِتِ وَلَا يُؤَذِّنُ لَهَا: 502. - تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ مُسْتَحَبٌّ: 478. - ثُمَّ يُعْتَبَرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ إِذَا سَمَّى مَنْ رَوَى عَنْهُ لَمْ يُسَمِّ مَجْهُولًا ... : 266. - دَلَّ هَذَا الحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الفِقْهَ غَيْرُ فَقِيهٍ ... : 123. - ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الأُضْحِيَةَ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ: 566. - ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا تَخْصِيصٌ لَحَقَ الحَدِيثَ مِنَ الرَّاوِي، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّأْوِيلِ ... : 253. - الرِّكَازُ: دِفْنُ الجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الخُمُسُ وَلَيْسَ المَعْدِنُ بِرِكَازٍ: 600. - سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ نَصُّ حُكْمٍ ... : 210. - الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ: 637. - العَرِيَّةُ: لَا تَكُونُ إِلَّا بِالكَيْلِ مِنَ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، لَا يَكُونُ بِالجِزَافِ ... : 543. - عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ (الأَكْلُ مِنَ الهَدْيِ إِذَا عَطِبَ): 524. - فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى رَجُلٍ بِأَنْ يَقُولَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ حَدِيثُ كَذَا ... : 223. - فَلَمْ أَعْلَمْ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ سُنَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ ... : 210.
- فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللهُ -: " السُنَّةُ بِبَلَدِنَا كَذَا "، فَإِنَّمَا أَرَادَ سُنَّةَ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ ... : 257. - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ [القَدِيمُ]: 278. - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ [الجَدِيدُ]: 278. - كُنْتُ أُجَالِسُ بِالعِرَاقِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلَ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ... : 127. - لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ: 552. - لَسْتُ أَقُولُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ: هَذَا مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ ... : 379. - لَوْ ثَبَتَ الحَدِيثُ لَقُلْتُ بِهِ: 484. - لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ النَّاسُ إِذَا عَمِلُوا بِسُنَّةٍ نَاسِخَةٍ - صَحَّ أَنْ يُنْسَبَ النَّسْخُ إِلَيْهِمْ: 230. - هَذَا كِتَابٌ، وَذَاكَ سَمَاعٌ: 456 هامش. - وَأَبَانَ اللهُ لَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنَ الكِتَابِ بِالكِتَابِ ... : 228. - وَإِذَا وُجِدَتْ الدَّلَائِلُ بِصِحَّةِ حَدِيثِهِ بِمَا وَصَفْتُ، أَحْبَبْنَا أَنْ نَقْبَلَ مُرْسَلَهُ ... 267. - وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلرَّجُلِ الَّذِي أَفْطَرَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ: " خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ". يَحْتَمِلُ هَذَا مَعَانِيَ ... : 513. - وَلَا أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَإِنْ أَوْجَبَهُمَا ... (الوِتْرُ وَسُنَّةُ الفَجْرِ): 496. - وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ أَجَازَ التَّحَيُّلَ فِي بَعْضِ المَسَائِلِ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَصْدَ الشَّارِعِ ... : 624. - وَمَنْ نَظَرَ فِي العِلْمِ بِخِبْرَةٍ وَقِلَّةِ غَفْلَةٍ، اسْتَوْحَشَ مِنْ مُرْسَلِ كُلِّ مَنْ دُونَ كِبَارِ التَّابِعِينَ: 266. - وَمِنْهَا: مَا بَيَّنَهُ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ بِلَا نَصِّ كِتَابٍ ... : 210. - وَهَكَذَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَهِ، لَا يَنْسَخُهَا إِلَّا سُنَّةٌ لِرَسُولِ اللَهِ؛ وَلَوْ أَحْدَثَ اللَهُ لِرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ سَنَّ فِيهِ ... : 228. - وَهُوَ مَجَالٌ لِلْمُجْتَهِدِ صَعْبُ المَوْرِدِ، إِلاَّ أَنَّهُ عَذْبُ المَذَاقِ مَحْمُودُ الغَبِّ، جَارٍ عَلَى مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ: 445. - يُجْبَرُ إِنْ امْتَنَعَ (وَضْعُ الخَشَبَةِ عَلَى جِدَارِ الجَارِ)، [في القديم]: 562. - يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْنَعَ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ (وَضْعُ الخَشَبَةِ عَلَى جِدَارِ الجَارِ)، [في الجديد]: 562. - يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَازَةِ: 509. - يُقْطَعُ (هِبَةُ المَسْرُوقِ لِلْسَّارِقِ): 558. - يُكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِنْ بَاعَ فَالبَيْعُ جَائِزٌ: 541.
• شريح
• شريح: - أَجَازَ إِقْرَارَ المَرِيضِ بِدَيْنٍ: 606. - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. - إنَّ السُنَّةَ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ، فَاتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا أَخَذْتُمْ بِالأَثَرِ: 187. - تُنْزَعُ الْفُصُوصُ، ثُمَّ يُبَاعُ الذَّهَبُ وَزْنًا بِوَزْنٍ: 547. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ وَإِنْ تَابَ: 604 و 605. - لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثٍ إِلاَّ لِزَوْجَتِهِ بِصَدَاقِهَا: 607. - مَنْ كَسَرَ عُودًا فَهُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ: 554. • شريك: - فَسَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟: 306. - مَنْ كَانَ هَهُنَا مِنْ أَصْحَابِ يَعْقُوبَ فَأَخْرِجُوهُ، قَالَ: يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ: 107. • الشعبي: - أَبَاحَ الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ: 564. - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. - إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ: 307، 603. - إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ (الأَصَمُّ): 608. - إِذَا قَالَتِ المَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا: إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي وَقَبَضْتُ مِنْهُ جَازَ: 606. - أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلُوا رَجُلًا أَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ؟: 51. - أَرَأَيْتُمْ لَوْ قُتِلَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَقُتِلَ طفلٌ ... : 47. - أَفْقَهُ مِنَ الحَسَنِ، وَمِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الحِجَازِ: 50. - أَقَمْتُ بِالمَدِينَةِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ أَوْ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ: 35. - أَنَّ امْرَأَةً مِنَ اليَهُودِ كَانَتْ تَسُبُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَتَلَهَا أَحَدُ المُسْلِمِينَ ... : 558 و 559. - أَنَّ شَاةً دَخَلَتْ عَلَى نَسَّاجٍ فَأَفْسَدَتْ غَزْلَهُ، فَلَمْ يُضَمِّنْ الشَّعْبِيُّ مَا أَفْسَدَتْ بِالنَّهَارِ: 553. - إِنَّا لَسْنَا بِالفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّا سَمِعْنَا الحَدِيثَ فَرَوَيْنَاهُ، الفَقِيهُ مَنْ إِذَا عَلِمَ عَمِلَ: 415. - أَنَا نَأْخُذُ فِي زَكَاةِ البَقَرِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينِ بِالمَقَايِيسِ: 52. - إِنَّمَا هَلَكْتُمْ حِينَ تَرَكْتُمْ الآثَارَ، وَأَخَذْتُمْ بِالمَقَايِيسِ: 187. - أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ: 498.
- جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي غَصَبَنِي مَالِي ... : 560. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - دَفَنْتُمْ أَفْقَهَ النَّاسِ (إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ): 50. - ذَاكَ رَجُلٌ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا لَيْلًا وَيُحَدِّثُ النَّاسَ نَهَارًا (إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ): 49. - سُئِلَ شُرَيْحٌ عَنْ طَوْقٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ فُصُوصٌ ... : 547. - السُنَّةُ لَمْ تُوضَعْ بِالمَقَايِيسِ: 355. - عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ وَإِنْ تَابَ: 604 و 605. - عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ: 51. - فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ بِرَأْيٍ فَبُلْ عَلَيْهِ: 270. - لَا يَضُرُّهُ، كَأَنَّمَا هُوَ فَرِيضَةٌ: 495. - لَكِنَّ المَلاَئِكَةَ المُقَرَّبِينَ لَمْ تَسْتَحِ حِينَ قَالَتْ: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]: 284. - لَوْ أَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَزَلَتْ عَامَّةُ القُرْآنِ " يَسْأَلُونَكَ يَسْأَلُونَكَ ": 51. - لَوْ قُلْتُ أَنْعِي العِلْمَ مَا خَلَّفَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ (إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ): 50. - لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ (حُكْمُ الأَوْقَاصِ فِي الزَّكَاةِ): 515. - مَا يَقُولُ فِيهَا بَنُو اسْتِهَا - يَعْنِي المَوَالِي -: 51. - هِيَ زَبَّاءُ هَلْبَاءُ ذَاتُ وَبَرٍ وَلاَ أُحْسِنُهَا وَلَوْ أُلْقِيَتْ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَعْضَلَتْ بِهِ ... : 284. - وَاللهِ لَقَدْ بَغَّضَ إِلَيَّ هَؤُلاَءِ هَذَا المَسْجِدَ حَتَّى تَرَكُوهُ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي: 51. - وَاللَّهِ لَوْ أَصَبْتُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ مَرَّةً أَخْطَأْتُ مَرَّةً لَعَدُّوا عَلَيَّ تِلْكَ الوَاحِدَةَ: 71. - وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَفْعَلُهُ (قَضَاءَ سُنَّةِ الفَجْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ): 500. - وَمَا تَصْنَعُ بِرَأْيِي؟ بُلْ عَلَى رَأْيِي: 47. - يُلَاعَنْهَا (فِي رَجُلٍ تَبَرَّأَ مِمَّا فِي بَطْنِ امْرَأَتِهِ): 533.
• الشعراني
• الشعراني: - وَقَدْ تَتَبَّعْتُ بِحَمْدِ اللهِ أَقْوَالَهُ أَوْ أَقْوَالَ أَصْحَابِهِ لَمَّا أَلَّفْتُ كِتَابَ " أَدِلَّةِ المَذَاهِبِ "، فَلَمْ أَجِدْ قَوْلاً مِنْ أَقْوَالِهِ ... : 461. • شمس الحق العظيم آبادي: - فَقَدْ وَقَفْتُ فِي جُزْءٍ مِنْ هَذَا الزَّمانِ عَلَى رِسَالَةٍ مُعَنْوَنَةٍ بِـ (بَعْضُ النَّاسِ فِي دَفْعِ الوَسْوَاسِ) ... : 599. • شهر بن حوشب: - بَلَغَنِي أَنَّ لُقْمَانَ الحَكِيمَ كَانَ يَقُولُ لابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ ... : 301. • الشهرستاني: - ثُمَّ المُجْتَهِدُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الأُمَّةِ مَحْصُورُونَ فِي صِنْفَيْنِ ... : 84.
- الصاد -
- الصاد - • صالح بن كيسان: - اجْتَمَعْتُ أَنَا وَالزُّهْرِيُّ وَنَحْنُ نَطْلُبُ العِلْمَ، فَقُلْنَا: نَكْتُبُ السُّنَنَ ... : 257. - لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلاَ نَكْتُبُهُ، وَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ: 257. • صالح بن مسلم: - قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً، فَجَاءَ آخَرُ فَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا؟: 269 و 270. • صفوان بن أمية: - يَا رَسُولَ اللهِ، تَقْطَعُهُ فِي رِدَاءٍ؟ أَنَا أَهَبُهُ لَهُ: 558. • صهيب الرومي: - كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ: 487. - وَا أَخَاهُ وَا صَاحِبَاهُ: 154، 156. - الضاد - • الضحاك بن مزاحم الخرساني: - {إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41] «إِلَّا إِشَارَةً»: 608، 608 هامش.
- الطاء -
- الطاء - • طاووس بن كيسان: - أَجَازَ إِقْرَارَ المَرِيضِ بِدَيْنٍ: 606. - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. - إِنَّ أَصْحَابَنَا أَخْبَرُونَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ قَالَ ... : 64. - أَيْ عَمْرُو إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُغْنِيهِمْ] وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ، أَخْبَرَنِي - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ... : 571. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - فَقُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ «لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ»؟: 360. - فِي رَجُلٍ نَذَرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ , قَالَ: يَفِي بِنَذْرِهِ: 565. - قدِمَ عَلَيْنَا مُعَاذٌ وَنَحْنُ نُعْطِي أَرْضَنَا بِالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ، فَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْنَا: 571. - وَسُئِلَ طَاوُوسُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: " كَانَ هَذَا؟ ": 64. - لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ: 325. • الطحاوي: - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَقَدَ اللِّوَاءَ لِمَنْ أَرْسَلَهُ لِيَقْتُلَ نَاكِحَ زَوْجَةَ أَبِيهِ ... : 555. - فَاعْرِفُوا مَوْضِعَ خِلاَفِ التَّأْوِيلِ مِنْ مَوْضِعِ خِلاَفِ الحَدِيثِ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَلَا تُوجِبُوا ... : 523. - فَذَهَبَ إِلَى هَذِهِ الآثَارِ قَوْمٌ فَقَالُوا: مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا وَهُوَ مُحْرِمٌ لَبِسَ سَرَاوِيلاً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ... : 523. - فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَوَاتَرَتْ فِي الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ العَرَايَا ... : 542. - فَلَمَّا كَانَتِ الصَّلاَةُ قَدْ أُبِيحَتْ فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ فِي الحَدِيثِ الذِي نُهِيَ فِيهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ ... : 483. - قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ النَّجَاسَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي البِئْرِ فَغَلَبَتْ عَلَى طَعْمِ مَائِهَا أَوْ رِيحِهِ أَوْ لَوْنِهِ , أَنَّ مَاءَهَا قَدْ فَسَدَ ... : 466. - وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا بَأْسَ بِالصَّدَقَاتِ كُلِّهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ ... : 520. - وَقَدْ وَصَفْنَا فِي هَذَا مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ فِي الهِبَاتِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ ... : 635. - وَالوَجْهُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ... : 497. - الوَلِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَقْرَبُ العَصَبَةِ إِلَى المَرْأَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الوَلِيُّ مَنْ تُوَلِّيهِ المَرْأَةُ مِنَ الرِّجَالِ ... : 529. • طلحة بن عبيد الله: - إِنَّا كُنَّا أَهْلَ بُيُوتَاتٍ وَغَنَمٍ وَعَمَلٍ ... : 143.
- العين -
- العين - • عائشة (أم المؤمنين): - أَبْلَغَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أنه قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ ... : 448. - أَرَادَ أَهْلُ بَرِيرَةَ أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا الوَلاَءَ، فَذَكَرَتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 546. - أَفْتَتْ بِخِلَافِهِ حِينَ سُئِلَتْ عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ ... : 254. - أَكْلُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ تَرْكِهِ لِلسِّبَاعِ: 162. - أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 146. - أَنِ اتَّقِ اللهَ , وَارْدُدِ المَرْأَةَ إِلَى بَيْتِهَا: 159. - إِنَّ البِكْرَ تَسْتَحْيِي: 631. - أَنَّ خُلُقَهُ القُرْآنُ: 215. - أُنْزِلَتْ فِي قَوْلِهِ: لَا وَاللَّهِ، بَلَى وَاللَّهِ: 433. - أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ ... : 231. - أَنَّ نُزُولَ الأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 163. - أَنَّهَا زَوَّجَتْ ابْنَةَ أَخِيهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَالَفَتْ بِعَمَلِهَا رِوَايَتَهَا: 252. - أَوَ نَجَسٌ مَوْتَى الْمُسْلِمِيْنَ؟ وَمَا عَلَى رَجُلٍ لَوْ حَمَلَ عُودًا؟: 151. - بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالكَلْبِ وَالحِمَارِ: 153. - بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ وَقَرَأَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ...}: 157. -[حَسْبُكُمُ القُرْآنُ]: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}: 154، 155، 199. - خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ ... : 526. - رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ المُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ... : 154. - الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ إِشْعَارِ الهَدْيِ: 521. - شَبَّهْتُمُونَا بِالحُمُرِ وَالكِلاَبِ: 153. - صَلاَةُ الآيَاتِ سِتُّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ: 507. - طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا: 182. - فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ ... (امْرَأَةٌ سَرَقَتْ فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ): 308، 604. - فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ ... : 526. - فَغَارَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، فَكَسَرَتْهَا، أَوْ أَمَرَتْ جَارِيَتَهَا بِكَسْرِهَا: 554. - فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّنَا ... : 526. - فَكَانَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ: 526. - فَكُنْت أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ: 526.
• عامر بن سعد البجلي الكوفي
- قَالَتْ: «{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275]»: 448. - كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ، ثُمَّ تَقْرُصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ، وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ، ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ: 472 هامش. - لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ , وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ: 254. - لَا طَلاَقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ: 531. - لَا يَرْكَعُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ القُرْآنِ: 593. - لَا يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: 159. - لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً: 153. - لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعُ تَمْرٍ: 277. - لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ المَسَاجِدَ: 161 و 162. - مَا بِالعِرَاقِ رَجُلٌ أَكْرَمُ عَلَيَّ مِنَ الأَسْوَدِ: 35. - مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالمَاءِ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ ... : 44 هامش، 469. - يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَلَا يَأْكُلُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ: 560. - يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ... : 182. - يُطْعَمُ عَنْهَا: 254. - يَغْفِرُ اللهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ ... : 155. • عامر بن سعد البجلي الكوفي: - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • عامر بن شراحيل: (انظر: الشعبي). • عبادة بن الصامت: - بَلَغَهُ أَنَّ صَحَابِيًّا يَقُولُ: " إِنَّ الوِتْرَ وَاجِبٌ " فَاسْتَنْكَرَ عُبَادَةُ هَذَا القَوْلَ: 495. - صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الفَجْرِ، فَتَعَايَتْ عَلَيْهِ القِرَاءَةُ: 589. • عبد الله بن أبي أوفى: - أَصَبْنَا حُمُرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ وَطَبَخْنَاهَا ... : 161. - وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ: 325.
• عبد الله بن أحمد بن حنبل
• عبد الله بن أحمد بن حنبل: - سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الثَّوْب تُصِيبُهُ الجَنَابَةُ ... : 353. - سَأَلْت أَبِي عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أُجَامِعْك اليَوْمَ ... : 622. - سَأَلْتُ أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ بِبَلَدٍ لَا يَجِدُ فِيهِ إِلَّا صَاحِبَ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُ صَحِيحَهُ مِنْ سَقِيمِهِ ... : 355. - سَأَلْتُ أَبِي عَنْ المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْب؟ ... : 354. - كُنْت أَسْمَعُ أَبِي كَثِيرًا يُسْأَلُ عَنْ المَسَائِلِ فَيَقُولُ:" لَا أَدْرِي " ... : 286. • عبد الله بن الزبير: - أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزَّبَيْرِ طَافَا بَعْدَ الفَجْرِ، وَصَلَّيَا بَعْدَ الفَجْرِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ: 501. - إِنَّمَا جَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عُهْدَةَ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةً، لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو ... : 544. • عبد الله بن عباس: - أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؟: 175. - أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَلَمْ أَكُنْ لِأَفْعَلْهُ (الجَمْعُ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ اليَمِينِ): 421 هامش. - أَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِعَ الحَدِيثَ مِنْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: 168، 256. - إِذَا أَجْنَبَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبِهِ فَرَأَى فِيهِ أَثَرًا فَلْيَغْسِلْهُ ... : 473. - إِذَا أَخْطَأَ العَالِمُ لَا أَدْرِي - أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ: 284. - أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ: 166. - أَصَابَ السُّنَّةَ (حِينَ سُئِلَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ): 498. - أَعَالَ الفَرَائِضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: 176. - أَفْتَى بِرُكُوبِ الهَدْيِ: 525. - أَلَا تَرَى كَيْفَ أَحْرَقْنَاهَا بِالنَّارِ؟: 167. - أَمَّا الذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ: 361. - أَمَّا السَّدَى وَالعَلَمُ فَلا نَرَى بِهِ بَأْسًا: 167. - أَمْرٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا فِي قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 171 و 172 - أُمِرَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِدَاوُدَ: 164. - إنَّ الأَخَوَيْنِ لا يَرُدَّانِ الأُمَّ إلَى السُّدُسِ: 173. - إِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذَكَرَ الوُضُوءَ ... : 164. - أَنَّ رَجُلاً كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ: 527. - أَنَّ المُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلَ: 253.
- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ: 330. - إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَكِنْ قَالَ ... : 179، 571. - إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ: 168، 169. - إِنَّمَا كَانَتِ المُتْعَةُ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ، كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ البَلْدَةَ لَيْسَ لَهُ بِهَا مَعْرِفَةٌ ... : 157. - إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ قَزٍّ: 167. - أَنَّهُ كَرِهَ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: هُوَ أَقَلُّهُمَا فِي المِكْيَالِ، أَوْ فِي الْقَفِيزِ: 539. - التَّحْصِيبُ لَيْسَ بِشَيْءِ، إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 163. - التَّخْيِيرَ فِي إِشْعَارِ الهَدْيِ: 521. - تَعْتَدُّ آخِرَ الأَجَلَيْنِ: 169. - الثُّعْبَانُ: الحَيَّةُ الذَّكَرُ مِنْهَا: 310. - الجَدَّةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ إذَا لَمْ تَكُنْ أُمٌّ: 172. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275، 579. - خَلَّلَ لِحْيَتَهُ: 477. - صَدَقُوا وَكَذَبُوا: 163. - صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثَمَانِيًا جَمِيعًا، وَسَبْعًا جَمِيعًا: 166 هامش. - طَافَ بَعْدَ العَصْرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ: 501. - طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَالمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ: 431. - الطَّلاَقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالعَتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ: 432. -[عَجَبًا لابْنِ عُمَرَ وَرَدِّهِ النَّاسَ]، أَلَا يَنْظُرُ فِيمَا يَشُكُّ فِيهِ ... : 148، 149. - عَجِلْتَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ ... : 164. - عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ وَإِنْ تَابَ: 604. - عَزِيمَةُ الطَّلاَقِ انْقِضَاءُ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ: 183. - عِنْدَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى: 154. - فَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا (المُتَلاعَنْيْنِ): 533. - فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا نَسَخَا ذَلِكَ بِآيَةِ المَوَارِيثِ ... : 234. - فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: لَهَا النِّصْفُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ: 171. - فَكُلُّ فَرْجٍ سِوَى هَذَيْنِ فَهُوَ حَرَامٌ: 158. - فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ ... : 154. - قَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ ... : 154. - قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا ... : 199.
- كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ ... : 200. - كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا: 497. - كُلُّ فَرِيضَةٍ لَمْ يُهْبِطْهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُوجَبِهَا ... : 176. - كُنْتُ رَدِيفَ الفَضْلِ عَلَى أَتَانٍ، فَجِئْنَا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى: 153. - لَا أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ ... : 161. - لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا: 629. - لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا: 360. - لَا يَلْزَمُنَا الوُضُوءُ مِنْ حَمْلِ عِيدَانٍ يَابِسَةٍ: 151. - لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ - , قَلَتْ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: هَلُمَّ بِنَا نَسْأَلُ الصَّحَابَةَ ... : 148. - لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ... : 168. - لَيْسَ عَلَى الفَرَسِ الغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ: 516. - لَيْسَ العَنْبَرُ بِرِكَازٍ هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ البَحْرُ: 274. - لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ بِحُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَالَ ... : 165. - مَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - رَحِمَ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 158. - مَا يَسُرُّنِي بِمَعَارِيضِ الكَلَامِ حُمْرَ النَّعَمِ: 618. - نَزَلَ القُرْآنُ بِالمَسْحِ: 233. - هَذِهِ فِي المَكْتُوبَةِ وَالخُطْبَةِ ({وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]): 592، 594. - الهِرُّ مِنْ مَتَاعِ البَيْتِ: 475. - هُوَ فِي النَّارِ (الرَّجُلُ الذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، لاَ يَشْهَدُ جُمُعَةً وَلاَ جَمَاعَةً): 341. - وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ: 166. - وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ بِهِ، وَمَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ إِلاَّ لِلتَّجَبُّرِ، وَالتَّكَبُّرِ ... : 167. - وَلَا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ: 361. - الوِتْرُ كَصَلاَةِ المَغْرِبِ: 277. - يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الدُّهْنِ؟ أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الحَمِيمِ؟: 151. - يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا , الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ: 535.
• عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة
• عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: - تُوُفِّيَتْ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِمَكَّةَ، وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا ... 154. - وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - شَيْئًا: 154. • عبد الله بن عتبة بن مسعود: - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. • عبد الله بن عمر: - ائْتِ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِالحِسَابِ مِنِّي ... : 35. - إِذَا أَجَّلَهُ فِي القَرْضِ جَازَ: 274 هامش. - اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُهُ ... : 156. - أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ عَنْهَا ... : 570. - أَلَا تَنْهَى عَنِ البُكَاءِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ... : 154. - أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنْ الحَجِّ طَافَ بِالبَيْتِ ... : 259. - إِنَّا لَمْ نُصَالِحْكُمْ عَلَى شَتْمِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 559. - أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزَّبَيْرِ طَافَا بَعْدَ الفَجْرِ، وَصَلَّيَا بَعْدَ الفَجْرِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ: 501. - إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ: 432. - إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا، وَأَنَا أُحِبُّ أَنَّ أَسْلُكَهُ: 270. - إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلاَّ أَنْ نَشَاءَ: 276. - إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ: 155. - أَنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ المَاءَ فِي بَاطِنِ عَيْنَيْهِ فِي الوُضُوءِ وَالغُسْلِ: 181. - إِنَّهُ كَانَ يُدْخِلُ المَاءَ فِي عَيْنَيْهِ فِي الوُضُوءِ: 270. - إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الحَلاَلِ: 181. - إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَدَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ الحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الحَلاَلِ لَا أَخْرِقُهَا: 428. - إِنِّي لَأَذْكُرُ عُمَرَ حِينَ أَسْلَمَ: 586. - إنِّي لَمُولَعٌ بِغَسْلِ قَدَمَيَّ، فَلَا تَقْتَدُوا بِي: 178. - إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ اليُمْنَى وَتَثْنِيَ اليُسْرَى: 257. - أَنَّهُ تَغَلَّبَ عَلَى رَاهِبٍ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالسَّيْفِ: 559. - أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْ الفَجْرِ بَعْدَمَا أَضْحَى: 500. - أَنَّهُ صَلَّى عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَوْتَرَ عَلَيْهَا: 497. - إِيَّاكُمْ عَنِّي، إِيَّاكُمْ عَنِّي، فَإِنِّي كُنْتُ مَعَ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ ... : 148.
- التَّفَرُّقُ فِي الحَدِيثِ يَحْتَمِلُ التَّفَرُّقَ بِالأَبْدَانِ: 253. - تُفْطِرُ، وَتُطْعِمُ، مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ... : 184. - حُبِّبَ إلَيَّ الوُضُوءُ: 178. - حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 602. - خَلَّلَ لِحْيَتَهُ: 477. - دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يُصَلِّي فِيهِ ... : 486 و 487 - رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ هَذَا فَفَعَلْتُ: 177. - صَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ: 231. - طَافَ بَعْدَ العَصْرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ: 501. - عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَاسْتَصْغَرَنِي: 567. - فَرَّقَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا (المُتَلاعَنْيْنِ): 533. - فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا نَسَخَا ذَلِكَ بِآيَةِ المَوَارِيثِ ... : 234. - فَمَرَّ بِمَكَانٍ فَحَادَ عَنْهُ، فَسُئِلَ لِمَ فَعَلْتَ؟: 177. - فِي القُبْلَةِ الوُضُوءُ: 181. - فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ: 325. - قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ؟ أَوْ مَا يَتْرُكُ المُحْرِمُ؟: 522. - قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 180. - كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ: 253. - كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الأَرْضَ تُكْرَى: 180. - كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ حَيْثُ كَانَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ؟: 487. - لَا أَدْرِي: 148، 284. - لَا أَعْلَمُ: 182. - لَا تَسْأَلْ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ: 63. - لَا عِلْمَ لِي بِهِ: 284. - لَأَنْ أُصْبِحَ مُطَّلِيًا بِقَطِرَانٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا: 182. - لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ: 277. - لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ: 325. - مَا سُنَّةٌ؟ أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ المُسْلِمُونَ: 495. - مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا، فَهُوَ مِنْ مَالِ المُبْتَاعِ: 259.
• عبد الله بن عمرو بن العاص
- مَهْ , أَتَعْقِلُ؟ أَوْتَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْتَرَ المُسْلِمُونَ: 495. - نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ: 258. - وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ: 325. - وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: هَلْ تُنْكِرُ مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ، وَجَبُنَّا ... : 145. - يَرَى التَّحْصِيبَ سُنَّةً: 163. • عبد الله بن عمرو بن العاص: - أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ، فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ ... : 527. • عبد الله بن المبارك: - إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الصَّدَقَةُ: 514. - إِنْ كَانَ الأَثَرُ قَدْ عُرِفَ وَاحْتِيجَ إِلَى الرَّأْيِ، فَرَأْيُ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ... : 59. - إِنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ: 587. - إنَّ مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ الحِيَلِ فَقَدْ قَلَبَ الْإِسْلَامَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَنَقَضَ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً: 623. - أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ، ثُمَّ لِلْشَّرِيكِ المُقَاسِمِ إِذَا بَقِيَتْ فِي الطُّرُقِ أَوْ فِي الصَّحْنِ شَرِكَةٌ ... : 637. - تَعِيشُ لَهَا الجَهَابِذَةُ: 98 هامش. - سُئِلَ عَبْدُ اللَهِ بْنُ المُبَارَكِ: مَتَى يُفْتِي الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: " إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْأَثَرِ، بَصِيرًا بِالرَّأْيِ: 59. - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ: 588. - كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ، فَقَالَ ... : 587. - لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا بَعْدَهُ (جُلُودِ السِّبَاعِ): 564. - لِيَكُنْ الذِي تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الأَثَرَ وَخُذْ مِنَ الرَّأْيِ مَا يُفَسِّرُ لَكَ الْحَدِيثَ: 188. • عبد الله بن مسعود: - أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟: 584. - إِنَّ مِنْ أَمْلَكِ شَبَابِ قُرَيْشٍ لِنَفْسهِ عَنِ الدُّنْيَا عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ: 181 هامش. - أَنَّهُ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَأُتِيَ بِهَا عَلَيْهَا صُفَّةُ نُمُورٍ فَنَزَعَهَا ثُمَّ رَكِبَ: 564. - إِنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَلَسْنَا نَقْضِي، وَلَسْنَا هُنَالِكَ ... : 416 هامش. - أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ: 498. - سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ: 287. - فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا: 533.
• عبد الجبار المعتزلي
- فَسَمِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ عَلَى البَابِ فَجَلَسَ: 503. - فَصَلَّى، وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً: 584. - فَفَعَلْنَا: 491. - كَانَ يَفْعَلُ التَّطْبِيقَ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ يُطَبِّقَ يَدَيْهِ وَيَجْعَلَهَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ ... : 584. - كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ ... : 487. - لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا ... : 170. - وَالذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا صَلَّى رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلاَةً قَطُّ إِلاَّ فِي وَقْتِهَا، إِلاَّ صَلاَتَيْنِ ... : 489. • عبد الجبار المعتزلي: - إِنْ غَيَّرَتْ الزِّيَادَةُ أَصْلَ المَزِيدِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ فَعَلَ كَمَا كَانَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ ... : 219 هامش. • عبد الرحمن بن أذينة: - أَجَازَ إِقْرَارَ المَرِيضِ بِدَيْنٍ: 606. • عبد الرحمن بن حاطب: - مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا حَدَّثَ أَتَمَّ حَدِيثًا ... 145. • عبد الرحمن بن عوف: - تَزَوَّجَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قُوِّمَتْ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا: 530. • عبد الرحمن بن مهدي: - الزَّنَادِقَةُ وَالخَوَارِجُ وَضَعُوا هَذَا الحَدِيثَ: 207. - لَوْ صَنَّفْتُ كِتَابًا فِي الأَبْوَابِ، لَجَعَلْتُ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ فِي كُلِّ بَابٍ: 424. - مَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَنِّفَ كِتَابًا فَلْيَبْدَأْ بِحَدِيثِ الأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ: 424. • عبد الفتاح أبو غدة: - وَلَمَّا ظَهَرَتْ رِسَالَةُ " بَعْضُ النَّاسِ فِي دَفْعِ الوَسْوَاسِ " فِي طَبْعَتَيْهَا: المُسْتَقِلَّةِ وَالمَصَاحِبَةِ لِحَاشِيَةِ العَلَّامَةِ الشَيْخُ أَحْمَدُ السَّهَارَنْفُورِيُّ، أُلِّفَتْ رِسَالَةٌ لِلْرَّدِّ عَلَيْهَا ... : 599 هامش.
• عبيد الله بن عمر
• عبيد الله بن عمر: - شِنْتُمُ الْعِلْمَ وَذَهَبْتُمْ بِنُورِهِ. وَلَوْ أَدْرَكْنَا وَإِيَّاكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَأَوْجَعَنَا ضَرْبًا: 113. - قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟: 629. • عبيد بن عبد الله بن عتبة: - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • عبيد بن جريج: - كُنْتُ أَجْلِسُ بِمَكَّةَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَوْمًا، وَإِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ... : 147. • عثمان بن عفان: - أَكَلَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ): 275، 325. - إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا: 276. - سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ ... : 327. - كَرِهَ المُتْعَةَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ: 270. - لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُضَ أَمْرًا كَانَ قَبْلِي، تَوَارَثَهُ النَّاسُ وَمَضَى فِي الأَمْصَارِ: 173. - لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا لِسَكْرَانَ طَلاَقٌ: 431. - يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ: 327. • عروة بن الزبير: - أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ... : 308، 603 و 604. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275.
• عطاء بن أبي رباح
• عطاء بن أبي رباح: - أَجَازَ إِقْرَارَ المَرِيضِ بِدَيْنٍ: 606. - إِذَا أَجَّلَهُ فِي القَرْضِ جَازَ: 274 هامش. - إِذَا بَدَا بِالطَّلاَقِ فَلَهُ شَرْطُهُ: 432. - الأَضْحَى وَالوِتْرُ سُنَّةٌ: 495. - أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا: 318. - أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ سِيرِينَ، سَأَلَ أَنَسًا، المُكَاتَبَةَ ... : 345. - أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ الثَّعَالِبِ: 564. - بَلْ عِلْمٌ: 285 هامش. - بَلَى سَمِعْنَا أَنَّهَا إِذَا صَلَّتْ وَصَامَتْ حَلَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا: 285 هامش. - تُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَقْرَأُ القُرْآنَ وَتَسْتَثْفِرُ بِثَوْبٍ ثُمَّ تَطُوفُ (الْمُسْتَحَاضَةُ): 285 هامش. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - رَخَّصَ فِيهِ (بَيْعُ حَاضِرٍ لِبَادٍ): 360، 541. - غَسْلُ الدُّبُرُ مُحْدَثٌ: 44 هـ. - لَا، (لَمَا سَأَلَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟): 345. - لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ: 325. - مَا أُرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا: 345. - نَعَمْ. (الْمُسْتَحَاضَةُ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا): 285 هامش. - وَكَانَ عَطَاءٌ: لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الخُيُوطُ وَالحِبَالُ، وَسُؤْرِ الكِلاَبِ وَمَمَرِّهَا فِي المَسْجِدِ.: 449. - يُعِيدُ الوُضُوءَ (فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ، أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ القَمْلَةِ): 324. • عطاء بن السائب: - مَا يَأْتِينَا العِلْمُ إِلا مِنْ عِنْدِكُمْ (مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ): 33. • عقبة بن الحارث: - تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ أَبِي إهَابٍ التَّمِيمِيِّ فَلَمَّا كَانَتْ صَبِيحَةُ مِلْكِهَا جَاءَتْ مَوْلاَةٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ ... : 550. - فَفَارَقَهَا وَنَكَحَتْ غَيْرَهُ: 550. - وَقَدْ سَأَلْتُ أَهْلَ الجَارِيَةِ فَأَنْكَرُوا: 550. • عقبة بن عامر: - لَا يَجُوزُ طَلاَقُ المُوَسْوِسِ: 431.
• عكرمة (مولى عبد الله بن عباس)
• عكرمة (مولى عبد الله بن عباس): - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ وَإِنْ تَابَ: 604. • علي بن أبي طالب: - أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ القَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ ... : 432. - إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ الرَّجُل أُمَّ وَلَدِهِ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا: 530. - إِنَّ الفَقِيهَ حَقَّ الفَقِيهِ، مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ... : 20. - أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ بَعْدُ: 583. - بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ: 431. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275، 579. - قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا، فَقَالَ ... : 629. - كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا: 497. - لَا بَأْسَ بِالمُزَارَعَةِ بِالنِّصْفِ: 571. - لَا طَلاَقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ: 531. - لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ: 277. - وَكُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ، إِلَّا طَلاَقَ المَعْتُوهِ: 432. - يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الأُولَى، وَتَسْتَقْبِلُ مِنْ هَذَا عِدَّةً جَدِيدَةً ... : 270. • علي بن حسين (زين العابدين): - سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا تَقَدَّمَهُ مِنَ الآثَارِ وَأَفْقَهُهُمْ فِي رَأْيِهِ: 39. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • علي بن المديني: - أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ - يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - سِتَّةٌ، الذِينَ يُقْرِئُوْنَ وَيُفْتُونَ وَمِنْ بَعْدِهِمْ أَرْبَعَةٌ ... : 129. - إِنَّ اللهَ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ بِرَجُلَيْنِ: أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ الرِدَّةِ، وَابْنَ حَنْبَلٍ يَوْمَ المِحْنَةِ: 80. - التَّفَقُّهُ فِي مَعَانِي الحَدِيثِ نِصْفُ العِلْمِ، وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ نِصْفُ العِلْمِ: 25. - لَمْ يَكُنْ بِالكُوفَةِ بَعْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَثْبَتَ مِنْهُ (أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ): 462. - وَفِي حَديثَ الشَّيْخِ مَا فِيه (أَبُوهُ وَكَانَ ضَعِيفًا): 111.
• عمار بن ياسر
• عمار بن ياسر: - دَعُونَا حَتَّى يَكُونَ، فَإِذَا كَانَ، تَجَشَّمْنَاهَا لَكُمْ: 64. - خَلَّلَ لِحْيَتَهُ: 477. - رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ (تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ): 477. - وَسُئِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: هَلْ كَانَ هَذَا بَعْدُ؟: 64. • عمران بن حصين: - أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا (الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا): 276. - أَنَّ رَجُلاً كَانَ لَهُ سِتَّةُ أَعْبُدٍ، فَأَعْتَقَهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ ... : 569. - أَوَجَدْتُمْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ؟: 212. - فَعَنْ مَنْ أَخَذْتُمْ هَذَا؟: 212. - وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الفِتْنَةِ (بَيْعُ السِّلاَحِ): 451. • عمر بن الخطاب: - أَجْمَعَ رَأْيُنَا أَنَّ قِيمَتَهَا رُبْعُ الثَّمَنِ: 272 هامش. - إِذَا أَتَاكَ أَمْرٌ فَاقْضِ فِيهِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ أَتَاكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ... : 192. - إِذَا وَجَدْتَ شَيْئًا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَاقْضِ بِهِ وَلاَ تَلْتَفِتْ إِلَى غَيْرِهِ: 192. - أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ عِنْدِي أَنْفَسَ مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟: 570. - أَكَلَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ): 275، 325. - أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ أَفْرِضُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ: 516. - أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ أَبَا حَثْمَةَ خَارِصًا لِلنَّخْلِ: 518. - دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ: 156. - فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ ... : 570. - فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ): 345 و 346. - القَبْرَ القَبْرَ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ (لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ): 482. - قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ ... : 276. - كَاتِبْهُ (لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ): 345. - كَانَ لَا يُنْكِرُ البُكَاءَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا كَانَ يُنْكِرُ مِنْهُ عَادَاتِ الجَاهِلِيَّةِ: 156. - كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى أَبِي مُوسَى: وَصَلِّ العِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْتَ وَلَا تَغْفُلْهَا: 490. - كَرِهَ المُتْعَةَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ: 270. - كَيْفَ تَلُومُونِي عَلَى مَا تَرَوْنَ؟: 165.
• عمر بن عبد العزيز
- لَا أُوتِيَ بِمُحَلِّلٍ، وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ، إِلَّا رَجَمْتُهُمَا: 532. - لاَ نَدَعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لاَ نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ: 159. - لَسْتُ بِخِبٍّ، وَلَا يَخْدَعُنِي الخِبُّ: 615. - لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ، أَوْ صَاعُ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ: 277. - لَمَّا أَرَادَ شِرَاءَ صَدَقَتِهِ مَنَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 634. - مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شَيْءٌ ... (الجدة): 171. - مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ: 307، 603. - مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ جَعَلْتُهُ نَكَالاً: 328. - نَذَرْتُ نَذْرًا فِي الجَاهِلِيَّةِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَمَا أَسْلَمْتُ ... : 565. - وَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ النَّاسُ ... : 516. - وَجَلَدَ عُمَرُ، أَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَنَافِعًا بِقَذْفِ المُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ: 307، 603. - وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ ... : 482. - وَقَرَأَ عُمَرُ فِي العِيدَيْنِ بِـ: {قَ} وَ {اقْتَرَبَتْ}: 505. - وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: 276. - يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي: 591. - يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ، فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ ... : 276. - يَا صُهَيْبُ، أَتَبْكِي عَلَيَّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ ... : 154. - يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الأُولَى ... : 270. - يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ: 63. • عمر بن عبد العزيز: - أَجَازَ إِقْرَارَ المَرِيضِ بِدَيْنٍ: 606. - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. - إِنِّي دَعَوْتُكُمْ لأَمْرٍ تُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ ... : 122. - فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لاِبْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي المُقَاتِلَةِ، وَلاِبْنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي الذُّرِّيَّةِ: 567. - فِي الاِسْتِسْقَاءِ بَدَأَ بِالصَّلاَة قَبْلَ الْخُطْبَةِ: 508. - قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ: 552. - لَا صَدَقَةَ فِيهَا (الفَرَسِ الغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ): 516. - هَذَا حَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ: 567. - وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ مِنَ المَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً: 600.
• عمرو بن دينار
• عمرو بن دينار: - ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ سِيرِينَ: 345. - قُلْتُ لِعَطَاءٍ: تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟: 345. • عمرو بن عبيد: - أُولَئِكَ أَرْجَاسٌ أَنْجَاسٌ، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ: 104. - وَمَنْ أَصْحَابُكَ؟: 104. • عمرو بن النضر: - أَيُّوبُ، وَابْنُ عَوْنٍ، وَيُونُسُ، وَالتَّيْمِيُّ: 104. - مَا هَكَذَا يَقُولُ أَصْحَابُنَا: 104. - مَرَرْتُ بِعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَذَكَرَ شَيْئًا: 104. • عمرو بن هرم الأزدي: - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • عياض اليحصبي (القاضي عياض): - إِنَّهُ دُونَ الإِمَامَةِ فِي الفِقْهِ وَجَوْدَةِ النَّظَرِ فِي مَأْخَذِهِ ... : 132. - وَصَفَ دَاوُدَ بِمَا وَصَفَ بِهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، مِنْ مَعْرِفَتِهِ الحَدِيثَ - وَإِنْ فَاقَهُ أَحْمَدُ فِيهِ، دُونَ الإِمَامَةِ فِي الفِقْهِ ... : 352. • عيسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: - تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا، وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ: 301. • عيسى بن أبان: - مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُسْنَدًا، تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُرْسَلاً: 267. • العيني (بدر الدين): - لَا مُطَابقَةَ بَيْنَ الحَدِيثِ وَالتَّرْجَمَةِ أَصْلاً فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ أَصْلاً عَلَى شَيْءٍ مِنَ الحِيَلِ: 625.
- الغين -
- الغين - • غايثة (عمة سنان بن عبد الله الجهني): - أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى الكَعْبَةِ نَذْرًا ... : 510. - أَوَ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهَا؟: 510. - نَعَمْ (حِينَ قَال لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ قَضَيْتِهِ هَلْ كَانَ يُقْبَلُ مِنْكَ؟): 510. - نَعَمْ (المَشْيُ عَنْ أُمِّهَا): 510. • الغزالي (أبو حامد): - جَعَلَ الغَزَالِيُّ قَوْلَ الصَّحَابِيَّ مِنَ الأُصُولِ المَوْهُومَةِ: 279 هامش. - لَسْنَا نَعْنِي بِالقَبُولِ التَّصْدِيقَ وَلاَ بِالرَّدِّ التَّكْذِيبَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا قَبُولُ قَوْلِ العَدْلِ: 282. - هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَيَأْثَمُ بِقَصْدِهِ (الحِيَلُ): 621. - الوَرَعُ أَقْسَامٌ: وَرَعُ الصِّدِّيقِينَ وَهُوَ تَرْكُ مَا لاَ يُتَنَاوَلُ بِغَيْرِ نِيَّةِ القُوَّةِ عَلَى العِبَادَةِ ... : 428. - وَمَا حُكِيَ عَنْ المُحَدِّثِينَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ العِلْمَ، فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ بِوُجُوبِ العَمَلِ ... : 243. • غُندر: - أَتُحْسِنُونَ أَنْتُمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟: 108. • غيلان بن سلمة: - أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا: 534. - الفاء - • فاطمة بنت قيس: - طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلاَثًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 159. • فضالة بن عبيد: - أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ بِقِلاَدَةٍ فِيهَا خَرَزٌ مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ ... : 547. • الفضل بن عباس: - لَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الكَعْبَةِ: 583.
- القاف -
- القاف - • القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • القاسم بن محمد بن أبي بكر: - إِذَا لَمْ أُصَلِّهِمَا حَتَّى أُصَلِّيَ الْفَجْرَ صَلَّيْتُهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ: 500. - أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا: 318. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - لَا يَجُوزُ إِقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثِهِ مُطْلَقًا: 607. - وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلاَثٍ، وَإِنَّ كُلاًّ لَوَاسِعٌ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ: 498. • قتادة بن دعامة السدوسي: - إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ: 307، 603. - إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ: 442. - إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ (الأَصَمُّ): 608. • قتيبة بن سعيد: - إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ، يُحِبُّ أَهْلَ الْحَدِيثِ، مِثْلَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القَطَّانِ ... : 134. • القسطلاني: - وَابْنُ إِدْرِيسَ: هُوَ الشَّافِعِيُّ الإِمَامُ الأَعْظَمُ صَاحِبُ المَذْهَبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو زَيْدٍ المِرْوَزِيُّ ... : 600 هامش. • قيس بن صرمة الأنصاري: - أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟: 232. - فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 232. - كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ ... : 232.
- الكاف -
- الكاف - • كبشة بنت كعب: - أَنَّهَا صَبَّتْ لأَبِي قَتَادَةَ مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ ... : 474. - فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ: 475. • الكرماني: - ذَكَرَ البُخَارِيُّ فِي هَذَا البَابِ ثَلَاثَةَ فُرُوعٍ يَجْمَعُهَا حُكْمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا زَالَ مِلْكُهُ ... : 627. • كعب بن مالك: - أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟: 433. - فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الأَمْرِ: 433. • الكوثري (محمد زاهد): - أَنَّ قَضَاءَ سُنَّةِ الفَجْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَديثٌ ... : 500. - مَعَ أَنَّ القَارِئَ يَسْتَبِينُ مِنْ مُنَاقَشَتِنَا مَعَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي تِلْكَ المَسَائِلِ، أَنَّ نِصْفَ تِلْكَ المَسَائِلِ ... : 576. - وَإِذَا قَسَّمْتَ النِّصْفَ البَاقِي أَخْمَاسًا: فَخُمُسٌ مِنْهَا مِمَّا خَالَفَ خَبَرُ الآحَادِ فِيهِ نَصَّ الكِتَابِ ... : 576. - وَالوَاقِعُ أَنَّنَا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ أَخْطَأَ فِي جَمِيعِ المَسِائِلِ التِي عَزَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إِلَيْهِ ... : 575. - اللام - • لقمان الحكيم: - يَا بُنَيَّ، لَا تَعَلَّمِ العِلْمَ لِتُبَاهِيَ بِهِ العُلَمَاءَ، أَوْ لِتُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ... : 301. • لقيط بن صبرة: - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ؟: 450. • الليث بن سعد: - مَا هَذَا؟ أَنْتُمْ إِلَى يَسِيرٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ: 118. - وَاللَّهِ مَا أَعْجَبَنِي صَوَابُهُ، كَمَا أَعْجَبَنِي سُرْعَةُ جَوَابِهِ (أبو حنيفة): 75.
- الميم -
- الميم - • المأمون: - ثَمَّ هُمْ الذِينَ جَادَلُوا بِالبَاطِلِ فَدَعُوا إِلَى قَوْلِهِمْ وَنَسَبُوا أَنَفْسَهُمْ إِلَى السُّنَّةِ: 104. - وَقَدْ عَرَفَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَنَّ الجُمْهُورَ الأَعْظَمَ ... : 103. • مالك بن أنس: - أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ: 166 هامش. - أَنْزِلُوهُمْ عِنْدَكُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الكِتَابِ لَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ (أَهْلُ العِرَاقِ): 55. - أَنَّ الإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي إِحْصَانِ مَنْ يَزْنِي، وَاليَهُودِيُّ وَاليَهُودِيَّة قَدْ فَقَدَا هَذَا الشَّرْطَ: 557. - إِنْ كَانَ فِي كِتَابِي حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ... : 57. - إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ. فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي ... : 59. - أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى المُسْتَحَاضَةِ وُضُوءًا عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ: 318. - إِنَّهُ لَفَقِيهٌ يَا مِصْرِيُّ (أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ): 75. - أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ المَيِّتُ قَادِرًا عَلَى القَضَاءِ فِي حَيَاتِهِ، نَذْرًا كَانَ الصِّيَامُ أَوْ فَرْضًا: 511. - حَسْبُكَ يَا مَغْرِبِيُّ إِنْ أَحْبَبْتَ الرَّأْيَ فَعَلَيْكَ بِالعِرَاقِ: 61. - ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الأُضْحِيَةَ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (القَوْلُ الأَوَّلُ): 566. - ذَهَبَ مَالِكٌ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ إِلَى أَنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ: 478. - الرِّكَازُ: دِفْنُ الجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الخُمُسُ وَلَيْسَ المَعْدِنُ بِرِكَازٍ: 600. - السُنَّةُ بِبَلَدِنَا كَذَا: 257. - الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ: 637. - ضَعَّفَ حَدِيثِ غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعًا: 477. - العَرِيَّةُ: أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ، ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ ... : 543. - عَلَيْهِ الفِدْيَةَ: 524. - قَالَ لِي ابْنُ هُرْمُزَ: " لَا تُمْسِكْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَ مِنِّي مِنْ هَذَا الرَّأْيِ ... : 59. - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ: 278. - كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ مَكَانَهُ (الأَكْلُ مِنَ الهَدْيِ): 524. - كَذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ: 55. - لَا، اخْتِلَافُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 269. - لَا تَجُوزُ الفُتْيَا إِلَّا لِمَنْ عَلِمَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ ... : 269.
• مجاهد بن جبر
- لَا يُصَلَّى عَلَى القَبْرِ: 508. - لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ: 552. - لَمْ يَكُنْ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ وَلَا مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا، وَلَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا أَقْتَدِي بِهِ يَقُولُ فِي شَيْءٍ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ ... : 420. - الضَّحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ الْمُوسِرِينَ (القول الثاني): 566. - وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ عَلَيْهَا القَضَاءَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ... 184. - الوِتْرُ لَيْسَ فَرْضًا، لَكِنْ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ، وَكَانَ جَرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ: 496. - وَلَمْ أَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلاَ مِنَ التَّابِعِينَ - رَضِي اللهُ عَنْهُمْ - بِالمَدِينَةِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَصُومَ عَنْ أَحَدٍ ... : 512. - وَمَتَى كَانَ هَذَا الشَّأْنُ بِالشَّامِ؟ إِنَّمَا هَذَا الشَّأْنُ وَقْفٌ عَلَى أَهْلِ المَدِينَةِ وَالكُوفَةِ: 62. - وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ: 57. - يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْنَعَ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ (وَضْعُ الخَشَبَةِ عَلَى جِدَارِ الجَارِ): 562. - يُفْصَلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ وَالوَاحِدَةِ بِتَسْلِيمَةٍ (الوِتْرُ): 498. • مجاهد بن جبر: - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. - إِذَا لَمْ يَقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ أَعَادَ الصَّلَاةَ: 594. - أَفْضَلُ العِبَادَةِ الرَّأْيُ الحَسَنُ: 46. - أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَمَرَّ بِمَكَانٍ فَحَادَ عَنْهُ، فَسُئِلَ لِمَ فَعَلْتَ؟: 177. - أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ (رَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ): 588. - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. - رَخَّصَ فِيهِ (بَيْعُ حَاضِرٍ لِبَادٍ): 541. - صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ سِنِينَ وَكَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ: 253. - عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ وَإِنْ تَابَ: 604. - كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنَ الطُّلَقَاءِ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، وَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَلَيْهَا ... : 558. - الوِتْرُ سُنَّةٌ: 495. - وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ، لَا يَشْهَدُ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً ... : 341. • محارب بن دثار الكوفي: - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603.
• محمد أبو زهرة
• محمد أبو زهرة: - أَنَّ هُنَاكَ رِوَايَتَيْنِ فِي أَخْذِهِ بِفَتَاوَى التَّابِعِينَ ... (أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ): 273. - فَيْصَلَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الفُقَهَاءِ الذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ الرَّأْيُ ... : 236. - لِذَلِكَ يَحِقُّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: إِنَّ أَحْمَدَ إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ ... : 133. - وَإِنِّي أَتَرَدَّدُ كُلَّ التَّرَدُّدِ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللهُ - بَلْ أَرْفُضُهَا، وَالأَمَالِي لَيْسَتْ فِي قُوَّةِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: 628 هامش. - وَقَدْ جَمَعَ إِذَنْ أَسَدٌ بَيْنَ فِقْهِ العِرَاقِ، وَفِقْهِ المَدِينَةِ، وَقَرَأَ مَا جَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ، كَمَا قَرَأَ " مُوَطَّأَ مَالِكٍ "، وَجَمَعَ مَسَائِلَهُ مِنْهُ ... : 67 هامش. - وَمِنْ هُنَا تَرَى أَنَّ فُقَهَاءَ الرَّأْيِ الذِينَ لَا يَقْبَلُونَ الأَحَادِيثَ إِلَّا بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَى المُحْكَمِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ... : 208. • محمد بن إسحاق بن يسار: - كَانَتْ العَرَايَا: أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ ... : 543. • محمد بن الحسن الشيباني: - أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ: 500. - إِذَا رُفِعَ السَّارِقُ إِلَى الإِمَامِ أَوْ القَاذِفُ، فَوَهَبَ صَاحِبُ الحَدِّ حَدَّهُ، لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَطِّلَ الحَدَّ ... : 558. - إِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ (الأُضْحِيَةُ): 566. - ذَكَرَ أَنَّ الرِّكَازَ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَعْدَنِ فِي الأَصْلِ، ثُمَّ شَبَّهَ بِهِ المَالَ المَدْفُونَ: 601. - لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ المُؤْمِنِينَ الفِرَارُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ بِالحِيَلِ المُوصِلَةِ إِلَى إبْطَالِ الحَقِّ: 620. - مَا احْتَالَ بِهِ المُسْلِمُ حَتَّى يَتَخَلَّصَ بِهِ مِنَ الحَرَامِ، أَوْ يَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى الحَلَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ... : 620. - مَنَعَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ (الحِيَلُ فِي إِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ): 636. - يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ القَصْدِ إِلَى إِبْطَالِ حَقِّ الفُقَرَاءِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ النِّصَابُ ... : 627. • محمد بن عبد الله الصيرفي الشافعي: - اعْتَبِرُوا بِهَذَيْنِ: حُسَيْنُ الكَرَابِيسِيُّ وَأَبِي ثَوْرٍ: فَالحُسَيْنُ فِي عِلْمِهِ وَحِفْظِهِ، وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يَعْشُرُهُ فِي عِلْمِهِ، فَتَكَلَّمَ فِيهِ ... : 79 هـ. • محمد بن عبد الرحمن الصيرفي: - إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسْأَلَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي أَقْوَالِهِمْ ... : 271. - فَكَيْفَ الوَجْهُ فِي ذَلِكَ؟: 271.
• محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (أبو جعفر)
• محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (أبو جعفر): - الأَضْحَى وَالوِتْرُ سُنَّةٌ: 495. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ: 506. - لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا أَحْذَرَ ... 178. - لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ: 325. • محمد بن كعب القرظي: - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • محمد بن مسلمة: - فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ المُغِيرَةُ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهَا: 171. • محمد بن وضاح: - هَذَا هُوَ الحَقُّ: 269. • محمد الشطي: - وَلَمَّا كَانَ الإِمَامُ أَحْمَدَ مِنْ أَئِمَّةِ الظَاهِرِ، كَدَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ الظَّاهِرِي، وَابْنِ حَزْمٍ، وَغَيْرِهِمَا - الْتَزَمَ البَعْضُ مِنْ مُتَقَدِّمِي الفُقَهَاءِ الحَنَابِلَةِ ... 352. • المرغيناني: - الْأَشْرِبَةُ المُحَرَّمَةُ أَرْبَعَةٌ: الخَمْرُ وَهِيَ عَصِيرُ العِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ ... : 609. - أَنَّهُ إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: «وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ» ... : 602. - فَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ قَرَأَ فِيهَا بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ العَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: 592 هامش. - فَإِنْ غُمَّ الهِلَالُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الإِمَامِ بِرُؤْيَةِ الهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ صَلَّى العِيدَ مِنْ الغَدِ ... : 505. - وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنَ القِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ آيَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ... : 592 هامش. - وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الفَجْرِ لَا يَقْضِيهِمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ... : 500. - وَإِذَا قَضَى عَلَى رَجُلٍ بِالقَطْعِ فِي سَرِقَةٍ فَوَهَبَهُ المَالِكُ أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ لَمْ يُقْطَعْ ... : 558. - وَسُؤْرُ الهِرَّةِ طَاهِرٌ مَكْرُوهٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ: 475. - وَلَا تُشْتَرَطُ العَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الفَاسِقَيْنِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: 605. - وَلَا يُقِيمُ المَوْلَى الحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلاَّ بِإِذْنِ الإِمَامِ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ... : 556. - وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ المُسْلِمِينَ إلَّا بِحُضُورِ شَاهِدَيْنِ حُرَّيْنِ، عَاقِلَيْنِ، بَالِغَيْنِ، مُسْلِمَيْنِ ... : 605. - وَيُخْطَبُ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِقَعْدَةٍ: 507.
• مروان بن الحكم
• مروان بن الحكم: - أَمَا بَلَغَكِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟: 159. • المُزني: - إِنْ لَمْ تَكُونُوا لِمِّيَّةً فَأَنْتُمْ إِذَنْ فِي عَمِيَّةٍ: 398. - الفُقَهَاءُ مِنْ عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا، وَهَلُمَّ جَرًّا اسْتَعْمَلُوا المَقَايِيسَ فِي الفِقْهِ ... : 397. - مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلِمَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟: 398. • مسروق بن الأجدع: - جَالَسْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانُوا كَالإِخَاذِ ... : 143. - رَأَيْتُ مَشِيْخَةَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْأَلُونَهَا عَنْ الفَرَائِضِ: 149 و 150. - عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ وَإِنْ تَابَ: 604 و 605. • مسلم بن الحجاج النيسابوري: - إِذْ الأَخْبَارُ فِي أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأْتِي بِتَحْلِيلٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْيٍ ... 294. - أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ - يَرْحَمُكَ اللهُ بِتَوْفِيقِ خَالِقِكَ -، ذَكَرْتَ أَنَّكَ هَمَمْتَ بِالفَحْصِ عَنْ تَعَرُّفِ جُمْلَةِ الأَخْبَارِ المَأْثُورَةِ ... 293. - فَلاَ بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الحَدِيثِ الذِي فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ ... : 295. - فَلَوْلَا الذِي رَأَيْنَا مِنْ سُوءِ صَنِيعِ كَثِيرٍ مِمَّنْ نَصَبَ نَفْسَهُ مُحَدِّثًا ... : 294. - وَالمُرْسَلُ فِي أَصْلِ قَوْلِنَا وَقَوْلِ أَهْلِ العِلْمِ بِالأَخْبَارِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ: 263. - وَمَنْ ذَهَبَ فِي العِلْمِ هَذَا المَذْهَبَ، وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ فَلاَ نَصِيبَ لَهُ فِيهِ ... : 295. • المسور بن مخرمة: - يَا أَبَا عَبَّاسٍ، مَا هَذَا الثَّوْبُ الذِي عَلَيْكَ؟: 167. • مصطفى زيد: - وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ المُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ لَا يَنْسِخُ القُرْآنَ وَلَا الخَبَرَ المُتَوَاتِرَ ... : 235. • مطر الوراق: - لَا أَدْرِي، إِنَّمَا أَنَا زَامِلَةٌ: 4، 125.
• معاذ بن جبل
• معاذ بن جبل: - أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو: 392. - أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ: 392. - أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ: 498. - بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 192. - بِكِتَابِ اللَّهِ: 192. - حَتَّى أَسْأَلَ فِيهَا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - (حُكْمُ الأَوْقَاصِ فِي الزَّكَاةِ): 516. - فَأَجَابَهُ: بِأَنَّهُ يَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: 291. - فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 291، 392. - فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدْرِي وَقَالَ ... : 392. - يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَعْجَلُوا بِالبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ ... : 64. • معاوية بن أبي سفيان: - أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ حَكَمَ بِهِ (القَضَاءُ بِيَمِينِ الشَّاهِدِ): 552. - أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ، فَأُنْكِرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ... : 498. • معاوية بن قرة بن إياس البصري: - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. • معمر بن راشد: - أَهْلُ العِلْمِ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ أَعْلَمَ , وَهَؤُلَاءِ الْآخِرُ فَالْآخِرُ عِنْدَهُمْ أَعْلَمُ: 587. - كَانَ الزُّهْرِيُّ فِي أَصْحَابِهِ مِثْلَ الحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ في أَصْحَابِهِ ... : 51 هامش. • المغيرة بن شعبة: - حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ: 171. • مغيرة بن مقسم الضبي: - كَانَ مَرَّةٌ خِيَارَ النَّاسِ يَطْلُبُونَ الْحَدِيثَ ... : 118. - مَا رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ، وَحَمَّادًا تَمَارَيَا فِي شَيْءٍ إِلَّا غَلَبَهُ حَمَّادٌ إِلَّا هَذَا: 51. - هَذَا بَغْيٌ مِنْهُ: 55.
• المقداد بن الأسود
• المقداد بن الأسود: - قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ ... : 64. - يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا ... : 64. • مكحول الشامي: - أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَدَعُ الصَّلاَةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا: 318. - لَا صَدَقَةَ فِيهَا (الفَرَسِ الغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ): 516. • موسى بن أنس: - أَنَّ سِيرِينَ، سَأَلَ أَنَسًا، المُكَاتَبَةَ - وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ - فَأَبَى: 345. • موسى بن طلحة: - كِلَا جَارَيَّ قَدْ رَأَيْتُهُ يُعْطِي أَرْضَهُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ: عَبْدَ اللهِ، وَسَعْدًا: 571. • ميمون بن مهران: - ابْنُ عُمَرَ أَوْرَعُهُمَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُهُمَا: 149. • ميمونة بنت الحارث (أم المؤمنين): - تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ: 330. - يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا: 464.
- النون -
- النون - • نافع (مولى عبد الله بن عمر): - أنَّ عَبْدَ اللهِ تَتَبَّعَ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَآثَارَهُ، وَأَفْعَالَهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ خِيفَ عَلَى عَقْلِهِ: 176 و 177. - طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ البَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ: 432. - فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ ... : 567. - كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا: 497. - يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ (نِكَاحُ الشِّغَارِ): 629. • نافع بن جبير بن مطعم: - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • النسائي: - كِتَابَةُ مُزَارَعَةٍ عَلَى أَنَّ البَذْرَ وَالنَّفَقَةَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ ... : 320. - النَّهْيُ عَنِ المُصَرَّاةِ: وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ أَخْلاَفَ النَّاقَةِ، أَوِ الشَّاةِ، وَتُتْرَكَ مِنَ الحَلْبِ يَوْمَيْنِ ... : 319. - هَذَا الْحَدِيثُ جَيِّدٌ جَيِّدٌ: 417 هامش. • النظام (إبراهيم بن سيار): - إِنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ، إِذَا اقْتَرَنَتْ بِهِ قَرِينَةٌ (خَبَرُ الآحَادِ): 243. • النعمان بن بشير: - أَنَّ أَبَاهُ نَحَلَهُ غُلاَمًا وَأَنَّهُ أَتَى - النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ ... : 563. - لَا (لَمَّا سَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْته مِثْلَ هَذَا؟): 563. • النووي: - نَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ الأَصْبَهَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَذْهَبًا عَجِيبًا فَقَالُوا ... : 405. - وَفِيهِ أَنَّ التَّابِعَ إِذَا أَمَرَهُ المَتْبُوعُ بِشَيْءٍ وَفَهِمَ مِنْهُ إِكْرَامَهُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ ... : 403. - وَهَذَا مَذْهَبٌ عَجِيبٌ، وَفِي غَايَةِ الفَسَادِ، فَهُوَ أَشْنَعُ مَا نُقِلَ عَنْهُ (دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ): 405.
- الهاء -
- الهاء - • هشام بن إسماعيل: - وَكَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، وَهِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُعَلِّمَانِ العُهْدَةُ فِي الرَّقِيقِ ... : 544. • هشام بن عروة: - لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَا صَوْمٌ: 526. - مَا سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي شَيْءٍ قَطُّ بِرَأْيِهِ: 48. - وَرُبَّمَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ فَيَقُولُ: " هَذَا مِنْ خَالِصِ السُّلْطَانِ ": 48. • هشام الدستوائي: - قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: " تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا ... : 301. • هلال الرأي: - ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَلْزَمَنِي وَتَبَسَّطَ إِلَيَّ ... : 108. - كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى غُنْدَرٍ أَكْتُبُ عَنْهُ، وَكَانَ يَسْتَثْقِلُنِي لِلْمَذْهَبِ ... : 107. - الواو - • وابصة بن معبد: - صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ الرَّسُولُ ... : 343. • واصل بن عطاء: - أَيَّهُمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: أَنْ أَقْرَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ أَمْ مِنْ آخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ؟ ... : 93 هامش. • وكيع بن الجراح: - أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ؟: 521. - الأَعْمَشُ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ... : 126. - أَقُولُ لَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ، مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ ... : 522. - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ المُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الجَوَابِ: 587. - كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ: 588.
• ولي الله الدهلوي
- لَا تَنْظُرُوا إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْيِ فِي هَذَا، فَإِنَّ الإِشْعَارَ سُنَّةٌ، وَقَوْلُهُمْ بِدْعَةٌ: 521. - مَنْ طَلَبَ الحَدِيثَ كَمَا جَاءَ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ ... : 586. • ولي الله الدهلوي: - اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ قَبْلَ المِائَةِ الرَّابِعَةِ لَمْ يَكُونُوا مُجْمِعِينَ عَلَى التَّقْلِيدِ الخَالِصِ: 88. - بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ هُنَاكَ فِرْقَتَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا أَهْلُ الظَّاهِرِ وَأَهْلُ الرَّأْيِ ... : 86. - فَوَقَعَ التَّخْرِيجُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ وَكَثُرَ: 88، 89. - وَكَانَ أَهْلُ التَّخْرِيجِ مِنْهُمْ يُخْرِجُونَ فِيمَا لَا يَجِدُونَهُ مُصَرَّحًا ... : 89. - وَلاَ يَنْبَغِي لِمُحَدِّثٍ أَنْ يَتَعَمَّقَ بِالقَوَاعِدِ التِي أَحْكَمَهَا أَصْحَابُهُ ... : 263، 282. - الياء - • يحيى بن آدم: - نَظَرْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ لَيْسَ فِيهِ: " ثُمَّ لَمْ يَعُدْ ": 584. • يحيى بن أبي كثير: - السُّنَّةِ قَاضِيَةٌ عَلَى الكِتَابِ، وَلَيْسَ الْكِتَابُ قَاضِيًا عَلَى السُّنَّةِ: 192. • يحيى بن سعيد القطان: - أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَهَابُونَ الكُتُبَ وَلَوْ كُنَّا نَكْتُبُ يَوْمَئِذٍ لَكَتَبْنَا مِنْ عِلْمِ سَعِيدٍ ... : 39. - عَدَمُ جَوَازُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ «حَدَّثَنَا» و «أَخْبَرَنَا» (نقله الترمذي): 297. - كَمْ مِنْ شَيْءٍ حَسَنٍ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَرُبَّمَا اسْتَحْسَنَّا الشَيْءَ مِنْ رَأْيِهِ فَأَخَذْنَا بِهِ: 130. • يحيى بن محمد العنبري: - طَبَقَاتُ أَصْحَابِ الحَدِيثِ خَمْسَةٌ: المَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ ... : 85. • يحيى بن معين: - مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وَكِيعٍ، وَكَانَ يُفْتِي بِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ: 130. - هَذَا حَدِيثٌ وَضَعَهُ الزَّنَادِقَةُ: 207. - وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَذْهَبُ فِي الْفَتْوَى مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ: 130.
• يحيى بن يحيى الليثي
• يحيى بن يحيى الليثي: - كُنْتُ آتِي ابْنَ القَاسِمِ فَيَقُولُ لِي: مِنْ أَيْنَ؟ ... : 49. • يزيد بن هارون بن زاذان السلمي: - لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا بَعْدَهُ (جُلُودِ السِّبَاعِ): 564.
2 - الكنى -
2 - الكنى -: - من الرجال - • أبو إسحاق: - كُنْت أَرَى الرَّجُلَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَإِنَّهُ لَيَدْخُلُ يَسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ: 48. - وَكَانُوا يَدْعُونَهُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ الجَرِيءَ: 48. • أبو الأسود الأسدي: - الغُلَامُ الأَصْبَحِيُّ - يَعْنِي مَالِكًا - ... : 58. • أبو أُسيد الساعدي: - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ: 582. • أبو بكر الأبهري: - إِنَّ صَدَقَةَ الفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ تَحِلُّ لَهُمْ (الصَّدَقَاتُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ): 520. • أبو بكر الإسماعيلي: - لَهُ حُكْمُ المَرْفُوعِ عَلىَ الصَّحَابِيِّ: 257 هامش. • أبو بكر الأثرم (أحمد بن محمد بن هانئ): - سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ -، وَقَدْ عَاوَدَهُ السَّائِلُ فِي عَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ ... : 286. • أبو بكر بن حزم: - انْظُرُوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاجْمَعُوهُ: 69.
• أبو بكر الصديق
• أبو بكر الصديق: - أَكَلَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيقِ): 275، 325. - إِنَّمَا أَنَا وَمَالِي لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ: 561. - أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ: 498. - حَتَّى الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 402. - فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٌ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ الرَّسُولُ: 402. - مَا كَانَ لابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 403. • أبو بكر بن عبد الرحمن: - جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ (لَا طَلَاقَ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحٍ): 275. • أبو بكر محمد بن عبد العزيز: - سَمِعتُ أَبَا دَاوُدَ بْنَ الأَشْعَثِ بِالبَصْرَةِ وَسُئِلَ عَنْ رِسَالَتِهِ الَّتِي كَتَبَهَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا ... : 299. • أبو بكرة الثقفي: - انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوِ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 507. • أبو ثور: - لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَا بَعْدَهُ (جُلُودِ السِّبَاعِ): 564. - لَمْ يَزَلْ هَذَا الأَمْرُ فِي أَصْحَابِكَ حَتَّى شَغَلَهُمْ عَنْهُ إِحْصَاءُ عَدَدِ رُوَاةِ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا ... 110 هامش. - نِكَاحُ الشِّغَارِ يَصِحُّ بِفَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ: 630. • أبو جعفر الطحاوي: - سَأَلَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ أَضَعَ لَهُ كِتَابًا أَذْكُرُ فِيهِ الآثَارَ ... : 119. - هَذَا بَيَانُ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ عَلَى مَذْهَبِ فُقَهَاءِ المِلَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ بْنَ ثَابِتٍ الكُوفِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ: 73. - وَدِدْتُ أَنَّ لِيَ أَجْرَهُمَا وَحَسَنَاتِهِمَا وَعَلَيَّ إِثْمُهُمَا وَسَيِّئَاتُهُمَا: 82.
• أبو جمرة
• أبو جمرة: - سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَرَخَّصَ ... : 158. • أبو حاتم الرازي: - العِلْمُ عِنْدَنَا مَا كَانَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كِتَابٍ نَاطِقٍ نَاسِخٍ غَيْرِ مَنْسُوخٍ ... : 130. • أبو حامد الغزالي: (انظر: الغزالي). • أبو الحسن الكرخي: - كَانَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مَرَاسِيلِ أَهْلِ الأَعْصَارِ: 267. - مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُسْنَدًا، تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ مُرْسَلاً: 267. • أبو الحسين البصري: - عَرَّفَ العِلْمَ بِأَنَّهُ الاِعْتِقَادُ المُقْتَضِي لِسُكُونِ النَّفْسِ إِلَى أَنَّ مُعْتَقَدَهُ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ عَلَيْهِ: 241 هامش. • أبو حميد الساعدي: - ذَكَرَ ذَلِكَ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ (رَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ): 588.
• أبو حنيفة النعمان
• أبو حنيفة النعمان: - إِذَا افْتَرَقَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إِلاَّ بِعَيْبٍ كَانَ بِهَا: 544. - إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ، وَكَانَ خَاطِبًا مِنَ الْخُطَّابِ: 533. - إِذَا تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا، فَرَغِبَ فِيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْسِكْهُا: 532. - إِذَا تَكَلَّمَ فَلَا يَسْجُدُهُمَا: 486. - إِذَا صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ لَمْ يُجْزِئْهُ: 491. - إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَوَاتُ لَمْ يُؤَذِّن فِي شَيءٍ مِنْهَا، وَلَمْ يُقِمْ: 502. - إِذَا لَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّابِعَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ: 485. - إِذَا وَهَبَهَا لَهُ دُرِئَ عَنْهُ الحَدَّ (هِبَةُ المَسْرُوقِ لِلْسَّارِقِ): 558. - اذْهَبْ إلَى الوَالِي فَقُلْ لَهُ يَجْمَعُ أَهْلَ المَحَلَّةِ أَوْ السِّكَّةِ الَّذِينَ هُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُحْضِرُهُمْ ... : 622. - الأَرْبَعُ الأُوَلُ (اخْتِيَارُ الأَرْبَعِ مِنَ الزَّوْجَاتِ): 534. - الإِشْعَارُ مُثْلَةٌ: 521. - إِلَّا يَعُقُّ عَنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ: 565. - أَنَّ الإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي إِحْصَانِ مَنْ يَزْنِي، وَاليَهُودِيُّ وَاليَهُودِيَّة قَدْ فَقَدَا هَذَا الشَّرْطَ: 557. - إِنَّ الإِيمَانَ اعْتِقَادٌ لَا دَخْلَ لِلْعَمَلِ فِيهِ: 73. - إِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا غَرِمَ لَهُ: 568. - إِنْ حَلَفَ بِطَلاَقِهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، طُلِّقَتْ: 531. - إِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ , وَإِنْ شِئْتَ أَرْبَعًا , وَإِنْ شِئْتَ سِتًّا , لاَ تَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ: 499. - إِنْ صَلَّى أَجْزَأَتْهُ صَلاَتُهُ (الصَّلاَةُ بَيْنَ القُبُورِ): 481. - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَلاَةِ: 56. - إِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ , فَنِكَاحُهُنَّ كُلُّهُنَّ بَاطِلٌ ... : 534. - إِنْ كَانَ مَالُ العَبْدِ أَكْثَرَ مِنَ الثَمَّنِ، لَمْ يَجِزْ ذَلِكَ: 543. - إِنْ كَانَتْ خَيْلٌ فِيهَا ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ يُطْلَبُ نَسْلُهَا فَفِيهَا صَدَقَةٌ: 516. - أَنَّهُ كَرِهَ سُؤْرَ السِّنَّوْرِ: 475. - أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ (حَدِيثُ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ): 534. - أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ، إِنْ كَانَ المَيِّتُ قَادِرًا عَلَى القَضَاءِ فِي حَيَاتِهِ، نَذْرًا كَانَ الصِّيَامُ أَوْ فَرْضًا: 511. - أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الحُرِّ إِذَا قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إِذَا قَتَلَ عَبْدَ نَفْسِهِ: 552. - أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ لِلْشَّرِيكِ الذِي لَمْ يُقَاسِمْ، ثُمَّ لِلْشَّرِيكِ المُقَاسِمِ إِذَا بَقِيَتْ فِي الطُّرُقِ أَوْ فِي الصَّحْنِ شَرِكَةٌ ... : 637. - تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ: 484. - تُجْزِئُهُ وَقَدْ أَسَاءَ: 494. - تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ مُسْتَحَبٌّ: 477، 478.
- تَكُونُ رَافِضَةً لِلْحَجِّ وَعَلَيْهَا دَمٌ وَعُمْرَةٌ مَكَانَهَا: 526. - جَائِزٌ إِذَا كَانَ كُفْئًا (النِّكَاحُ بِوَلِيٍّ): 529. - حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ... : 56. - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِأَجْنَبِيٍّ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَعَ الكَرَاهَةِ: 634. - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الوِتْرَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ كَالمَغْرِبِ: 498. - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى تَرْكِهَا خَلْفَهُ (القِرَاءَةُ خَلْفَ الإِمَامِ): 589. - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى وُجُوبِ العُشْرِ أَوْ نِصْفِهِ ... : 578. - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ وَالمُكْرَهِ وَالغَاضِبِ: 579. - رَخَّصَ فِي ثَمَنِ الكَلْبِ: 539. - رَخَّصَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ. وَقَالَ: " جَائِزَةٌ ": 514. - رَخَّصَ فِيهِ (بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ): 541. - رَدِّي عَلَى كُلِّ رَجُلٍ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلاَفِ القُرْآنِ، لَيْسَ رَدًّا عَلَى النَّبِيِّ ... : 461. - سَقَطَ اليَمِينُ إِذَا أَسْلَمَ (نَذْرُ الجَاهِلِيَّةِ): 565. - سَهْمٌ لِلْفَرَسِ، وَسَهْمٌ لِصَاحِبِهِ: 572. - الصَّدَقَةُ تَحِلُّ لِمَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِم: 520. - الضَّحِيَّةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ الْمُوسِرِينَ، وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِينَ: 566. - ضَرْبَتَيْنِ لَا تُجْزِئُهُ ضَرْبَةٌ: 480. - الطَّاعَاتُ مِنَ الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا لَا تُسَمَّى إِيمَانًا: 73. - عَلَيْهِ دَمٌ: 527. - عَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ (الأَكْلُ مِنَ الهَدْيِ إِذَا عَطِبَ): 524. - عَلَيْهِ قِيَمتُهَا (كَسْرُ القَصْعَةِ وَضَمَانُهَا): 554. - فَعَلْتُ اليَوْمَ شَيْئًا لَمْ أَكُنْ أَفْعَلُهُ، مَسَحْتُ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَهُمَا غَيْرُ مُنَعَّلَيْنِ: 313 هامش. - فَلَا تُقَامُ الجُمُعَةُ عِنْدَهُ فِي القُرَى الصَّغِيرَةِ: 577. - فِي الْحَرْبِيَّةِ , إِذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الحَرْبِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ، فَإِمَّا أَنْ تُقِيمَ فِي دَارِ الحَرْبِ ... : 535. - فِي قلِيلِ مَا يَخْرُجُ وَكَثِيرِهِ صَدَقَةٌ: 518. - فِيهَا بِحِسَابِ مَا زَادَ (حُكْمُ الأَوْقَاصِ فِي الزَّكَاةِ): 515. - قَالَ بِخِلافِهِ (حُكْمُ بَيْعِ المُصَرَّاةِ): 537. - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ: 278. - كَانَ حَمَّادٌ أَفْقَهَ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ ... : 56. - كَانَ لَا يَرَاهُ (النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ): 545. - كَانَ لَا يَرَى تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ: 477.
- كَانَ لَا يَرَى الخَرْصَ: 518. - كَانَ لَا يَرَى المُلاعَنْة بِالحَمْلِ: 533. - كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ (التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ): 488. - كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ (المُزَارَعَةُ بِالنِّصْفِ): 571. - كَانَ يَكْرَهُ المَسْحَ عَلَى الجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَهُمَا جُلُودٌ: 479. - كَرِهَ أَنْ تُخَصَّ سُورَةٌ لِيَومِ الجُمُعَةِ وَالعِيدَيْنِ: 505. - كَرِهَ أَنْ يَخُصَّ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا فِي الوِتْرِ: 498. - كَرِهَ شُرْبَ أَبْوَالِ الإِبِلِ: 472. - كُلٌّ مِنْكُمَا رَاضٍ بِالتِي دَخَلَ بِهَا؟: 622. - كُنْتُ أَنْظُرُ فِي الكَلَامِ حَتَّى بَلَغْتُ فِيهِ مَبْلَغًا يُشَارُ إِلَيْهِ فِيهِ بِالأَصَابِعِ: 60 هامش. - كُنْتُ رَجُلاً أُعْطِيتُ جَدَلاً فِي الكَلَامِ فَمَضَى دَهْرٌ فِيهِ أَتَرَدَّدُ وَبِهِ أُخَاصِمُ، وَعَنْهُ أُفَاضِلُ: 60 هامش. - لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيهِ بِالدَّرَاهِمِ: 547. - لَا بَأْسَ بِاِتِّخاذِهِ (اقْتِنَاءُ الكَلْبِ): 560. - لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الحِنطَةِ الغَائِبَةِ بِعَيْنِها بِالحِنْطَةِ الحَاضِرَةِ: 547. - لَا بَأْسَ بِذَلِكَ (الصَّلَاةُ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ): 481. - لَا بَأْسَ بِذَلِكَ (السَّفَرُ بِالمُصْحَفِ إِلَى أَرْضِ العَدُوِّ): 573. - لَا بَأْسَ بِالصَّدَقَاتِ كُلِّهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ: 520. - لَا بَأْسَ بِبيعِهِ بَلَحًا، وَهُوَ خِلاَفُ الأَثَرِ: 538. - لَا بَأْسَ بِالجُلُوسِ عَلَيْهَا (الجُلُوسُ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ): 564 - لَا بَأْسَ بِهِ (بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ): 539. - لَا بَأْسَ بِهِ (تَلَقِّي البُيُوعِ): 540. - لَا بَأْسَ بِهِ (غَسْلُ اليَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الإِنَاءِ): 470. - لَا بَأْسَ بِهِ (حُكْمُ انْتِبَاذِ الخَلِيطَيْنِ): 561. - لَا بَأْسَ بِهِ (تَخْلِيلُ الخَمْرِ): 562. - لَا بَأْسَ بِهِ (التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الأَوْلاَدِ فِي العَطِيَّةِ): 563. - لَا تُؤْكَلُ (لُحُومُ الخَيْلِ): 563. - لَا تَجْمَعُوا فِيهِ (تِكْرَارُ الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ): 493. - لَا تُرْكَبُ إِلَّا أَنْ يُصِيبَ صَاحِبَهَا جُهْدٌ (رُكُوبُ الهَدْيِ): 525. - لَا تُصَلَّى صَلاَةُ الاِسْتِسْقَاءِ فِي جَمَاعَةٍ، وَلَا يُخْطَبُ فِيهَا: 508. - لَا تُعَادُ الفَجْرُ: 491. - لَا تُقْبَل أَيْمَانُ الذِين يَدَّعُونَ الدَّمَ: 551.
- لَا تُقْتَلُ إِذَا ارْتَدَتْ: 169، 559. - لَا تَكُونُ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ أُمِّهِ: 566. - لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ: 524. - لَا يَأْخُذُ مِنْ مالِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ: 560. - لَا يُبَاعُ (بَيْعُ المُدَبَّرِ): 536. - لَا يَتَزَوَّجُهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ: 530. - لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ (صَوْمُ الوَلَدِ عَنْ وَالِدَيْهِ): 510. - لَا يُجْزِئُ المَسْحُ عَلَيْهِمَا (الخِمَارُ وَالعِمَامَةُ): 478. - لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِذَا اسْتَيْقَظَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا: 491. - لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ: 489. - لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُوتِرَ عَلَيْهَا (الرَّاحِلَةُ): 497. - لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ إِذَا بَقِيَ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ الأَحْجَارِ أَكْثَرُ مِنْ مِقْدَارِ الدِّرْهَمِ: 469. - لَا يَجْلِدْهَا سَيِّدُهَا (جَلْدُ السَّيِّدِ أَمَتَهُ إِذَا زَنَتْ): 556. - لَا يَجْلِسُ إِلاَّ جِلْسَةً وَاحِدَةً: 506. - لَا يَجُوزُ إِلَّا أَكْثَرُ (شُهُودُ الرَّضَاعَةِ): 550. - لَا يَجُوزُ إِلَّا بِمَهْرٍ: 530. - لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَهُ عِيَالَهُ: 513. - لَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ: 498. - لَا يَجُوزُ ذَلِكَ (القَضَاءُ بِيَمِينِ الشَّاهِدِ): 552. - لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الغَدِ (صَلاَةُ العِيدِ فِي اليَوْمِ الثَّانِي): 505، 506. - لَا يَرْفَعُ الإِمَامُ صَوْتَهُ بِآمِينَ، وَيَقُولُهَا مَنْ خَلْفَهُ: 484. - لَا يَصْلُحُ ذَلِك (حُكْمُ العَرَايَا): 541. - لَا يُصَلِّي (تَحِيَّةُ المَسْجِدِ لِمَنْ دَخَلَ المَسْجِدَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ): 503. - لَا يُصَلِّي حَتَّى تَغِيبَ أَوْ تَطْلَعَ: 501. - لَا يُصَلِّي عَلَى القَبْرِ إِلَّا الوَلِيُّ فَقَطْ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَى الجَنَازَةِ ... : 508 و 509. - لَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ مَرَّتَيْنِ: 508. - لَا يُصَلَّى فِي كُسُوفِ القَمَرِ: 507. - لَا يُصَلِّيهَا وَلَا يُقْضِيهَا (قَضَاءُ الأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ): 501. - لَا يَفْعَلُ (حِينَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَيُشِيرُ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ): 487. - لَا يَفْعَلُ، فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ (المُحْرِمُ): 522.
- لَا يُقْتَل (قَتْلُ مَنْ يَسُبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -): 559. - لَا يُقْتَلُ بِهِ (قَتْلُ الحُرِّ بِالعَبْدِ): 552. - لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلِّ مِنْ عَشْرِةِ دَرَاهِم: 557. - لَا يُكَلِّمُ الإِمَامُ أَحَدًا فِي خِطْبَتِهِ: 503. - لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يُرْكَبُ: 548. - لَا يُنْفَى (نَفْيُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ): 556. - لَا يَنْضَحْهُ وَلَا يَزِيدُهُ الْمَاءُ إِلَّا شَرًّا: 473. - لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ شَيْءٌ: 56. - لَوْ أَنَّ شَاهِدَيْ زُورٍ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ، فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا ... : 549. - لَيْسَ عَلَى الجَارِيَةِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ ثَمَانَ عَشْرَةَ، أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ: 567. - لَيْسَ عَلَى المُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ: 566. - لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الحَدُّ: 555. - لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُمَا (قَضَاءَ سُنَّةِ الفَجْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ): 500. - لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ (حَرَمُ المَدِينَةِ): 528. - لَيْسَ عَلَيْهِمَا رَجْمٌ (رَجْمُ اليَهُودِيِّ وَاليَهُودِيَّةِ): 557. - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَضْعُ الخَشَبَةِ عَلَى جِدَارِ الجَارِ): 562. - لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، وَلاَ يَرَى فِيهِ قُرْعَةً: 569. - لِيُطَلِّقْ كُلٌّ مِنْكُمَا امْرَأَتَهُ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً: 622. - لِيَعْقِدْ كُلٌّ مِنْكُمَا عَلَى المَرْأَةِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا: 622. - لِيَمْضِ كُلٌّ مِنْكُمَا إلَى أَهْلِهِ: 622. - مَا خَشِيتَ أَنْ تَطِيرَ؟: 587. - هَذَا الشِّرَاءُ فَاسِدٌ لَا يَجُوز (اشْتِرَاطُ الوَلاَءِ لِلْبَائِعِ فِي البَيْعِ): 546. - هُوَ أُسْوَةُ الغُرَمَاءِ (مَنْ وُجِدَ مَتَاعُهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ): 554. - الوِتْرُ فَرِيضَةٌ: 495. - وَقْتُ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ: 490. - يَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الرَّفِقَةِ (الأَكْلُ مِنَ الهَدْيِ): 524. - يَتَزَوَّجُهَا إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ: 533. - يُجْزِئُهُ أَنْ يَغْسِلَ مَرَّةً (غًسْلُ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الكَلْبِ): 476. - يَجُوزُ البَيْعُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا: 545. - يَجُوزُ لِلوَرَثَةِ أَنْ يَرُدُّوا ذلِكَ (الوَقْفُ): 570. - يَسْتَأْنِفُ النِّكَاحَ: 435.
- يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُمْنَعَ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ (وَضْعُ الخَشَبَةِ عَلَى جِدَارِ الجَارِ): 562. - يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ: 509. - يَضْمَنُ إِذَا بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ: 547. - يَضْمَنُ (فَقْءُ عَيْنِ المُتَطَلِّعِ): 553. - يَضْمَنُ (مَا تُتْلِفُهُ المَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ): 553. - يَغْسِلُهُ (بَوْلُ الصَّبِيِّ عَلَى الثِّيَابِ): 471. - يُغَطَّى رَأْسُهُ: 527. - يُقْلَعُ زَرْعَهُ (مَنْ زَرَعَ أَرْضَ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ): 572. - يَكْفِي المَرْءَ أَنْ يَقُولَ: (لَا أَدْرِي) مَرَّتَيْنِ، حَتَّى يَسْتَكْمِلَ العِلْمَ: 287.
• أبو داود السجستاني
• أبو داود السجستاني: - سَلاَمٌ عَلَيْكُم فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْكُمْ اللَّهَ الذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ ... : 299. - سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: " خَمْسُ سُنَنٍ ... : 316 و 317. - سَمِعْت أَحْمَدَ، يُرَخِّصُ فِيهَا الكَفَّارَةَ قَبْلَ الحِنْثِ: 317. - سَمِعْته غَيْرَ مَرَّةٍ لَا يَنْفُذُ لَهُ فِيهِ قَوْلٌ (أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ): 419. - الغِلاَقُ: أَظُنُّهُ فِي الغَضَبِ: 433. - فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْنَدٌ غَيْرِ المَرَاسِيلِ، وَلَمْ يُوجَدْ المُسْنَدُ فَالمُرْسَلُ يُحْتَجُّ بِهِ ... : 265. - فَإِنَّكُمْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَذْكُرَ لَكُمْ الأَحَادِيثَ التِي فِي كِتَابِ السُّنَنِ أَهِي أَصَحُّ مَا عَرِفْتُ فِي البَابِ ... : 298. - الفِقْهُ يَدُورُ عَلَى خَمْسَةِ أَحَادِيثَ: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ"، وَحَدِيثُ " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ " ... : 422. - كَانَ يَرَى أَنَّ عَمَلَ الرَّاوِي بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ يُضَعِّفُ الحَدِيثَ: 254. - كَتَبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ، انْتَخَبْتُ مِنْهَا مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْكِتَابُ - يَعْنِي كِتَابَ " السُّنَنِ ": 422. - لَا بَأْسَ بِلُحُومِ الخَيْلِ، وَلَيْسَ العَمَلُ عَلَيْهِ: 317. - مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا فِيهِ الاخْتِلاَفُ فِي العِلْمِ فَيَقُولُ: " لَا أَدْرِي ": 286. - هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، أَلَا تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ: 318. - هَذَا مَنْسُوخٌ، وسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ عَنِ الغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ؟ ... : 317. - وَأما المَرَاسِيل فقد كَانَ يحْتَج بهَا العلمَاء فِيمَا مضى، مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بن أنس ... : 261. - وَلَيْسَ فِي كِتَابِ " السُّنَنِ " الذِي صَنَّفْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَتْرُوكِ الحَدِيثِ شَيْءٌ ... : 298. - وَهَذَا يُضَعِّفُ ذَلِكَ الحَدِيثَ: 254. - وَهَذَا مَنْسُوخٌ، قَدْ أَكَلَ لُحُومَ الخَيْلِ جَمَاعَةٌ مَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ: ابْنُ الزُّبَيْرِ ... : 317. - وَهُوَ قَوْل الحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمَكْحُولٍ، وَإِبْرَاهِيمَ ... : 318. - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: 317. • أبو الدرداء: - أَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَمَّ القَوْمَ , فَقَدْ كَفَاهُمْ: 590. - سَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ؟: 592. - قَوْلُ الرَّجُلِ فِيمَا لَا يَعْلَمُ: لَا أَعْلَمُ نِصْفُ العِلْمِ: 284. • أبو ذر الغفاري: - كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَأَذَّنَ بِلاَلٌ بِصَلاَةِ الظُّهْرِ ... : 314.
• أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
• أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: - لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " الجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ " مَا بِعْتُكَهُ: 639. • أبو زرعة الرازي: - لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ أَهْلُ العِلْمِ لَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْمِدُ أَهْلَ البِدَعِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ البَيَانِ وَالآلَةِ، وَلَكِنَّهُ تَعَدَّى: 351 هامش. • أبو الزناد: - الأَمْرُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ القَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ: 307، 603. - كنا نكتب الحلال والحرام وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع: 70. • أبو السائب (مولى هشام بن زهرة): - يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ: 589. - يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَكُونُ وَرَاءَالْإِمَامِ: 592. • أبو سعيد الخدري: - أَنَّ رَجُلاً جَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ ... : 493. - الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ: 168. - سَأَلْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الجَنِينِ ... : 567. - فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ: 493. - قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ؟: 463. - لَا يَرْكَعُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ القُرْآنِ: 593. - لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الذِي تَقُولُ: 168. • أبو سلمة بن عبد الرحمن: - كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: 499. - بَلْ تَحِلُّ حِينَ تَضَعُ: 169. - وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ يَفْعَلُ ذَلِك: 329. • أبو طالب المكي: - إِنَّ الكُتُبَ وَالمَجْمُوعَاتِ مُحْدَثَةٌ، وَالقَوْلُ بِمَقَالَاتِ النَّاسِ ... : 88.
• أبو الطفيل
• أبو الطفيل: - طَافَ بَعْدَ العَصْرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ: 501. - قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَمَلَ بِالبَيْتِ: 163. • أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي: - خَدَجَتْ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ أَوَانِ النِّتَاجِ وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ ... : 592 هامش. - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ: 278. - يُقَالُ: خَدَجَتْ النَّاقَةُ إِذَا أَسْقَطَتْ، وَالسَّقْطُ مَيِّتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ: 592 هامش. • أبو العلاء بن الشخير: - كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْسَخُ حَدِيثُهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَمَا يَنْسَخُ الْقُرْآنُ بَعْضُهُ بَعْضًا: 328. • أبو قتادة الأنصاري: - جَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءِ: 474. - خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَاهُ - يَعْنِي دِرْعًا - فَبِعْتُ الدِّرْعَ ... : 451. - كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الأَرْبَعِ (كُلِّهَا): 592، 596. - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ: 582. - يَا بُنَيَّةَ أَخِي أَتَعْجَبِينَ؟: 475. • أبو مجلز: - شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ ... : 148. - قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالبُرُّ أَفْضَلُ مِنْ التَّمْرِ ... : 270. - كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِصَلَاةِ القَادِمِ رَكْعَتَيْنِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ: 503. • أبو مقاتل السمرقندي: - دَخَلْتُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَرَضِهِ الذِي مَاتَ فِيهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، وَعَلَيْهِ جَوْرَبَانِ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا ... : 313 هامش.
• أبو موسى الأشعري
• أبو موسى الأشعري: - لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ: 170. - غَطَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ: 449. - مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ قَطُّ، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ ... : 149. - هَا هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ: 482. - وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دَارِ البَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ، وَالبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ: 482. • أبو هريرة: - إِذَا أَدْرَكْتَ القَوْمَ رُكُوعًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ: 596 و 597. - اقْرَأْهَا يَا فَارِسِيُّ فِي نَفْسِكَ: 589. - أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي، - يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ -: 169. - إِنَّ إِخْوَانِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ ... : 251. - أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَتَيْنِ: 506. - جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " هَلَكْتُ ... : 512. - حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ: 255. - الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ: 548. - صَحَّ مِنْ فَتْوَاهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالغَسْلِ ثَلَاثًا: 252. - طَهُورُ الإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الهِرُّ أَنْ يُغْسَلَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ: 475. - عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى آذَتْنَا الشَّمْسُ ... : 491. - فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ... : 590. - كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنِ الأَمَةِ تَزْنِي قَبْلَ أَنْ تُحْصِنَ؟ ... : 556. - لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ: 324. - لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يُدْرِكَ الإِمَامَ قَائِمًا: 343، 593. - لَأَنْ أَفْقَهُ سَاعَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحْيِيَ لَيْلَةً أُصَلِّيهَا حَتَّى أُصْبِحَ: 25. - لَقَدْ حَدَّثَتُكُمْ بِأَحَادِيثَ، لَوْ حَدَّثْتُ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ لَضَرَبَنِي عُمَرُ بِالدِّرَّةِ: 145. - مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ: 562. - مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ، وَمَنْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ: 343 هامش، 597 هامش. - مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا اغْتَسَلَ وَمَنْ حَمَلَهُ تَوَضَّأَ: 151. - يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ تَضْرِبْ لَهُ مَثَلاً: 151. - يَا ابْنَ الفَارِسِيِّ، اقْرَأْهَا فِي نَفْسِكَ: 592.
• أبو الوفاء بن عقيل
• أبو الوفاء بن عقيل: - وَقَدْ أَفْضَى الكَلَامُ بِأَهْلِهِ إِلَى الشُّكُوكِ، وَبِكَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى الإِلْحَادِ ... : 72. • أبو يوسف القاضي: - أَجَازَهَا أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهَا الشَّفِيعُ (الحِيَلُ فِي إِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ): 636. - إِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ (الأُضْحِيَةُ): 566. - تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ سُنَّةٌ: 477. - سُؤْرُ الهِرَّةِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ: 475. - سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَكْثَرُ مُتَابَعَةً لأَبِي حَنِيفَةَ مِنِّي: 129. - فَلاَ نَعْلَمُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لأَحَدٍ مِنَ الغَنِيمَةِ مِمَّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ ... : 202. - لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مَنْعُ الصَّدَقَةِ وَلَا إِخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ لِيُفَرِّقَهَا ... : 627. - وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَرَى فِي ذَلِكَ الخُمُسَ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ أَخْرَجَهُ ... 278 هامش. - وَاعْتَذَرَ عَنْهُ أُبُو يُوسُفَ بِأَنَّ الحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ (الوَقْفُ): 570. - وَأَهْلُ الحِجَازِ يَقْضُونَ بِالقَضَاءِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: عَمَّنْ؟ فَيَقُولُونَ بِهَذَا جَرَتِ السُّنَّةُ ... : 257. - وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - يَقُولانِ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ (فيما يخرج من البحر حليه وعنبر): 278 هامش. - يُقْطَعُ (هِبَةُ المَسْرُوقِ لِلْسَّارِقِ): 558.
- من النساء -
- من النساء - • أم سلمة (أم المؤمنين): - فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُنَا، وَلاَ يَعْرِفُنَا؟: 317. - قَدْ وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ الأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِيَسِيرٍ ... : 170. - كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ، فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ... : 317. • أم عطية (نسيبة بنت كعب الأنصارية): - أُمِرْنَا: 363. - أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الحُيَّضَ يَوْمَ العِيدَيْنِ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ ... 258. - أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ ... : 258 هامش. - كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا الْخَبَرِ: 258 هامش. - نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَائِزِ: 259. - نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الجَنَازَةِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا: 350، 363. - وَلَمْ يُعْزَمْ: 350 هامش. • أم قيس بنت محصن: - دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، فَبَالَ عَلَيْهِ: 470. • أم ولد زيد بن أرقم: - إِنِّي بِعْتُ غُلاَمًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً إِلَى العَطَاءِ , وَاشْتَرَيْتُهُ بِسِتِّمِائَةِ: 447. - أَرَأَيْتِ إِنْ لَمْ آخُذْ إِلاَّ رَأْسَ مَالِي؟: 448.
3 - من نسب إلى أبيه أو جده -
3 - من نسب إلى أبيه أو جده -: • ابن أبي حاتم الرازي: - سُئِلَ أَبِي عَنْ الفَرَائِضِ التِي رَوَاهَا الشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، فَقَالَ ... : 52. - نَفَى القِيَاسَ وَأَلَّفَ فِي الفِقْهِ عَلَى ذَلِكَ كُتُبًا شَذَّ فِيهَا عَنْ السَّلَفِ ... (دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ): 400. - هَذَا عِنْدِي مَا قَاسَهُ الشَّعْبِيُّ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ ... : 52. • ابن أبي ليلى: - البَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ: 546. - كَانَ الشَّعْبِيُّ صَاحِبَ آثَارٍ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ صَاحِبَ قِيَاسٍ: 47. • ابن أبي مليكة: - أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ... : 275. • ابن بطال: - إِنَّمَا كُرِهَ بَيْعُ السِّلاَحِ فِي الفِتْنَةِ، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ ... : 451. - فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الْمُحْدِثَ فِي صَلَاتِهِ يَتَوَضَّأُ، وَوَافَقَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: 625. • ابن جريج: - اجْهَدْ جَهْدَكَ، هَاتِ مَسْأَلَةً لَا أَرْوِي لَكَ فِيهَا شَيْئًا: 185، 187. - أَرَأْيٌ أَمْ عِلْمٌ؟: 285 هامش. - أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلاً: 254. - قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً، أَنْ أُكَاتِبَهُ؟: 345. - مَا أَلْقَاهَا عَلَى لِسَانِكَ إِلاَّ الشَّيْطَانُ: 130. - يُتَوَضَّأُ مِنْهُ (مس الذكر): 130. - يَغْسِلُ يَدَهُ: 130.
• ابن جرير الطبري
• ابن جرير الطبري: - أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ تَحَامَوْا حَدِيثَ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَجْلِ غَلَبَةِ الرَّأْيِ ... : 62. - أَنَّ هَذَا القَوْلَ مَنْسُوبٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ حَمِيدٍ: 404. - إِنَّمَا هُوَ رَجُلُ حَدِيثٍ لَا رَجُلَ فِقْهٍ: 132. - لَمْ يَزَلْ النَّاسُ عَلَى العَمَلِ بِالمَرَاسِيلِ حَتَّى حَدَثَ بَعْدَ المِائَتَيْنِ القَوْلُ بِرَدِّهَا: 261. - نِكَاحُ الشِّغَارِ يَصِحُّ بِفَرْضِ صَدَاقِ الْمِثْلِ: 630. - وَالصَّوَابُ أَنَّ الخَبَرَ بِالجَهْرِ بِهَا وَالمَخَافَةَ صَحِيحَانِ وَعَمَلَ بِكُلٍّ مِنْ فِعْلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ ... : 485. • ابن الجوزي: - اسْتَغْرَقُوا أَعْمَارَهُمْ سَمَاعِ الحَدِيثِ وَالرِّحْلَةِ فِيهِ ... : 109. - كَانَ الفُقَهَاءُ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ هُمْ أَهْلُ القُرْآنِ وَالحَدِيثِ ... : 111. - وَاعْلَمْ أَنَّ عُمُومَ المُحَدِّثِينَ حَمَلُوا ظَاهِرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ البَارِي ... 102 هامش. • ابن الحاجب المالكي: - ذَهَبَ إِلَى أَنَّ المُرْسَلَ يُقْبَلُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ فِي أَيِّ قَرْنٍ، وَيُتَوَقَّفُ فِي المُرْسَلِ مِنْ غَيْرِهِمْ: 268. • ابن حبيب: - يُجْبَرُ إِنْ امْتَنَعَ (وَضْعُ الخَشَبَةِ عَلَى جِدَارِ الجَارِ): 562. • ابن حجر العسقلاني: - أَنَّ الحِيلَةَ فِي الشِّغَارِ تُتَصَوَّرُ فِي مُوسِرٍ أَرَادَ تَزْوِيجَ بِنْتَ فَقِيرٍ، فَامْتَنَعَ أَوِ اشْتَطَّ فِي المَهْرِ فَخَدَعَهُ ... : 630. - أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ تَعَاطِي الحِيَلِ فِي تَفْوِيتِ الحُقُوقِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ: 621. - وَقَدْ تَوَارَدَ أَكْثَرُ الأَئِمَّةِ المُخَرِّجِينَ لَهُ عَلَى إِيرَادِهِ فِي كِتَابِ البُيُوعِ لأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي المُعَامَلاَتِ تَقَعُ فِيهَا كَثِيرًا ... : 427. - وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَطُّعِ فِي الوَرَعِ: 428.
• ابن حزم الظاهري
• ابن حزم الظاهري: - أَبْطَلَ صَلَاةَ مَنْ لَمْ يَضْطَجِعْهَا (الضَّجْعَةَ بَعْدَ سُنَّةِ الفَجْرِ): 408. - إِذَا تَعَارَضَ الحَدِيثَانِ أَوْ الآيَتَانِ أَوْ الآيَةُ وَالحَدِيثُ فِيمَا يَظُنُّ مَنْ لَا يَعْلَمُ: 354. - إِذْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ ثِقَةٌ مَنْ لَا يَعْلَمُ مِنْ جَرْحَتِهِ مَا يَعْلَمُ غَيْرُهُ ... : 264. - إلاَّ أَنَّ البَائِلَ فِي المَاءِ الرَّاكِدِ الذِي لاَ يَجْرِي حَرَامٌ عَلَيْهِ الوُضُوءُ بِذَلِكَ المَاءِ ... : 404. - الذِي يُفْهَمُ مِنَ الأَمْرِ أَنَّ الآمِرَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَا أَمَرَ، وَأَلْزَمَ المَأْمُورَ ذَلِكَ الأَمْرَ ... : 366. - إِنَّ الذِي عَمِلْنَا فِيهِ بِأَنْ سَمَّيْنَاهُ أَقَلَّ مَا قِيلَ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي حُكْمٍ أَوْجَبَ غَرَامَةَ مَالٍ ... : 385. - أَنَّ السِّرَّ فِي اخْتِلَافِ الطَّائِفَتَيْنِ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ هُوَ أَنَّهُمَا كَانَا بَيْنَ نَصَّيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ ... : 336 هامش. - أن مدة المسح على الخفين يوم وليلة للمقيم ... : 136. - إنَّ مَنْ نَوَى الطَّلاَقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ، أَوْ لَفَظَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ طَلاَقٌ ... : 442. - إِنَّ هَذَا المَذْهَبَ وَالقِيَاسَ ضِدَّانِ مُتَفَاسِدَانِ، لِأَنَّ القِيَاسَ ... : 375. - أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَرَادَا الرِّبَا كَمَا ذَكَرْتُمْ فَتَحَيَّلاَ بِهَذَا العَمَلِ ... : 448. - أَوْجَبَ ابْنُ حَزْمٍ الضَّجْعَةَ بَعْدَ سُنَّةِ الفَجْرِ: 408. - بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الأُمَّةِ كُلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صُدَّ عَنْ البَيْتِ لَمْ يَطُفْ بِهِ ... : 259. - دَعْوَاهُمْ - أَيْ غَيْرَ الظَّاهِرِيَّةِ - الإِجْمَاعُ فِي مَوَاضِعَ ادَّعُوا فِيهَا البَاطِلَ ... : 379. - ذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى طَهَارَةِ المَنِيِّ، وَأَنَّهُ لَا تَلْزَمُ إِزَالَتُهُ، وَجَعَلَهُ مِثْلَ البُصَاقِ ... : 407. - ذَهَبَ إِلَى أَنَّ المَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُخَلِّلَ شَعْرَ نَاصِيَتِهَا أَوْ ضَفَائِرِهَا فِي الغُسْلِ: 407. - الرَّأْيُ: مَا تَخَيَّلَتْهُ النَّفْسُ صَوَابًا دُونَ بُرْهَانٍ، وَلَا يَجُوزُ الحُكْمُ بِهِ أَصْلاً: 389. - عَرَّفَ العِلْمَ بِأَنَّهُ تَيَقُّنُ الشَيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ: إِمَّا عَنْ بُرْهَانٍ مُوصِلٍ إِلَى تَيَقُّنِهِ ... : 241 هامش. - مَا سَقَطَ بَيْنَ أَحَدِ رُوَّاتِهِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقِلٌ وَاحِدٌ فَصَاعِدًا ... (المُرْسَلُ): 260. - فَإِنْ أَكَلَ الكَلْبُ فِي الإِنَاءِ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ ... : 407. - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ هَذَانِ اسْمَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي المَعْنَى فَمَا الفَرْقُ ... : 384. - فَإِنْ قَالُوا إِنَّمَا أَرَادَ أَهْلَ السُّنَّةِ قُلْنَا أَهْلُ السُّنَّةِ فِرَقٌ: فَالحَنَفِيَّةُ جَمَاعَةٌ: 137. - فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أُبِيحَ لَنَا نِكَاحُ الْكِتَابِيَّاتِ وَوَطْؤُهُنَّ، قُلْنَا: نَعَمْ ... : 403. - فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلاَةً صَلاَّهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ صَوْمًا كَذَلِكَ، أَوْ حَجًّا كَذَلِكَ ... : 407، 512. - فَإِنْ كَانَ نَذَرَ صَلاًةً صَلاَّهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ صَوْمًا كَذَلِكَ ... : 407، 512. - فَتْوَى المُفْتِي بِمَا يَرَاهُ حَسَنًا فَقَطْ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى ... : 390. - فَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فِي كَفَّارَةِ اليَمِينِ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ حِنْطَةٍ ... : 277. - فَقَدْ جَمَعَ رَسُولُ الْلَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الحَدِيثِ مَرَاتِبِ أَهْلَ العِلْمِ ... : 124. - فَقَدْ صَحَّ أَنَّ القَوْلَ بِالقِيَاسِ وَالتَّعْلِيلِ بَاطِلٌ وَكَذِبٌ ... 390.
- فَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ البَائِلِ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ عَجْزًا وَلاَ نِسْيَانًا ... : 405. - فَمَنْ دَخَلَ خَلْفَ إمَامٍ فَبَدَأَ بِقِرَاءَةِ أُمِّ القُرْآنِ فَرَكَعَ الإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ هَذَا الدَّاخِلُ أُمَّ القُرْآنِ فَلاَ يَرْكَعُ حَتَّى يُتِمَّهَا ... : 343. - فَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ مَا سَمِعَ وَلاَ ضَبَطَهُ فَلَيْسَ مِثْلَ الأَرْضِ الطَيِّبَةِ ... : 124. - فَنَظَرْنَا فِيهَا فَوَجَدْنَا مِنْهَا جَمُلاً إذَا اجْتَمَعَتْ قَامَ مِنْهَا حُكْمٌ مَنْصُوصٌ عَلَى مَعَنَاهُ ... : 364. - فَهَذَا مَا تَرَكُوا فِيهِ عَمَلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رِوَايَتِهِمْ فِي " المُوَطَّأِ " خَاصَّةً ... : 252. - فَهُمْ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً وَعِشْرُونَ امْرَأَةً ... : 143. - فِيمَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ أَوْ كَانَ مَرِيضًا، أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ زَوْجَتَهُ وَأَنْ يَطَأَهَا ... : 136. - قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلاَ نَقُولُ بِهِ: 277. - كَانَ بَقِيٌّ فِي خَاصَّةٍ مِنْ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَجَارِيًا فِي مِضْمَارِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالنِّسَائِيِّ: 356. - لَا تَقُولُ ضَرَبْتُ مُحَمَّدًا وَزَيْدًا وَمَرَرْتُ بِخَالِدٍ وَعَمْرًا ... : 233. - لَا سَبِيلَ إِلَى وُجُودِ خَبَرٍ صَحِيحٍ مُخَالِفٍ لِلْقُرْآنِ أَصْلاً ... : 205، 280 هامش. - مِثْلَ إِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ دَمَ زَيْدٍ حَرَامٌ بِإِسْلَامِهِ ... : 384. - هَبْكُمْ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَيَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ المُشْرِكِينَ طَاهِرُونَ؟ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا ... : 403. - هَذِهِ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ لاَ حُجَّةَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ سُنَّةٍ: 277. - هُوَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ فَتْوَى عَلَى الإِطْلاَقِ وَقَدْ جَمَعَ فَتَاوِيهِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى ... : 148. - وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ " السُّنَّةُ كَذَا " وَ" أُمِرْنَا بِكَذَا " فَلَيْسَ هَذَا إِسْنَادًا ... : 259. - وَإِذَا قِيلَ لَهُ إِذَا سَأَلَ عَنْ أَعَلْمِ أَهْلِ بَلْدَةٍ بِالدِّينِ: هَذَا صَاحِبُ حَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ - ... : 355. - وَإِذَا نَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ حُكْمَ كَذَا فِي أَمْرٍ كَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّى ... : 376. - وَاعْلَمُوا أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذِهِ المَسْأَلَةَ لَا نَصَّ فِيهَا قَوْلٌ بَاطِلٌ وَتَدْلِيسٌ فِي الدِّينِ ... : 374. - وَأَمَّا نَحْنُ، فَإِنَّ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ قِلَّةَ اهْتِبَالٍ، أَوْ لِهَوًى ... : 341 و 342. - وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا إجْمَاعًا، وَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا إلَّا مَا لَا شَكَّ ... : 378 - وَإِنَّ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، أَشَدُّ اتِّبَاعًا وَمُوَافَقَةً لِلْصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -: 352. - وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا فَرْضًا كَمَا قَالَ الحَسَنُ بْنُ حَيٍّ ... : 376. - وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الطَّوَائِفِ التِي ذَكَرْنَا وَجَمِيعِ أَصْحَابِ الظَّاهِرِ إِلَى القَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَلَى الوُجُوبِ فِي التَّحْرِيمِ ... : 366. - وَالرَّأْيُ هُوَ الحُكْمُ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ نَصٍّ، بَلْ بِمَا يَرَاهُ المُفْتِي أَحْوَطَ وَأَعْدَلَ فِي التَّحْرِيمِ أَوْ التَّحْلِيلِ: 389. - وَرَوَى عَنْهُ طَاوُوسٌ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّوَقُّفِ: 169. - وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا السُّنَّةُ المَنْقُولَةُ بِالتَّوَاتُرِ وَالسُّنَّةِ المَنْقُولَةِ بِأَخْبَارِ الآحَادِ ... : 233. - وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا - رَحِمَهُمَا اللهُ - اجْتَهَدَا وَكَانَا مِمَّنْ أَمَرَ بِالاِجْتِهَادِ ... : 396. - وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمٍ قَلَّ النَّوْمُ أَوْ كَثُرَ، نَهَارًا كَانَ أَوْ لَيْلاً ... : 338. - وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَقَ بِوَصْفٍ مَا لَا يَتِمُّ ذَلِكَ العَمَلُ المَأْمُورُ بِهِ إِلَّا بِمَا عَلَقَ بِهِ ... : 370. - وَلَا أَكْثَرَ مِنْ غَلَبَةِ مَذْهِبِ مَالِكٍ عَلَى الأَنْدَلُسِ وَإِفْرِيقِيَّةَ ... : 137.
• ابن راهويه
- وَلاَ تُجْزِئُ صَلاةُ فَرْضٍ أَحَدًا مِنْ الرِّجَالِ، إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الأَذَانَ أَنْ يُصَلِّيَهَا إلاَّ فِي المَسْجِدِ مَعَ الإِمَامِ ... : 341. - وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى البَيْعَ سَاكِنُ مِصْرٍ، أَوْ قَرْيَةٍ، أَوْ مِجْشَرٍ لِخَصَّاصٍ ... 361. - وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لِغَيْرِ الفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ، وَلاَ لِلْفَأْرِ فِي غَيْرِ السَّمْنِ ... : 406. - وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَعْصِي اللَهَ بِهِ أَوْ فِيهِ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا ... : 447. - وَلاَ يَحِلُّ البَيْعُ مُذْ تَزُولُ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ إلَى مِقْدَارِ تَمَامِ الخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلاَةِ ... 368. - وَلَا يَحِلُّ الحُكْمُ بِالرَّأْيِ: 390. - وَلاَ يَحِلُّ الحُكْمُ بِالقِيَاسِ فِي الدِّينِ ... : 390. - وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَلَقِّي الجَلَبِ، سَوَاءٌ خَرَجَ لِذَلِكَ أَوْ كَانَ سَاكِنًا عَلَى طَرِيقِ الجَلَّابِ ... : 348. - وَلُعَابُ الكُفَّارِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، الكِتَابِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ - نَجِسٌ كُلُّهُ ... : 403. - وَلِقَاءُ التَّابِعِيِّ لِرَجُلٍ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ شَرَفٌ وَفَخْرٌ عَظِيمٌ ... 264. - وَلَوْ أَنَّنَا حَاضِرُونَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَا صَلَّيْنَا العَصْرَ إِلَّا فِيهَا وَلَوْ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ... : 336 هامش. - وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إِلَّا هَذِهِ الآيَةَ وَحْدَهَا، لَمَا كَانَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ العَدْلِ ... : 381. - وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَآهُ صَحَابِيًّا ... : 141. - وَمَا أَدْرَكَ مَالِكٌ بِالمَدِينَةِ أَعْلَى مِنْ نَافِعٍ، وَهُوَ قَلِيلُ الفُتْيَا جِدًّا: 48. - وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى حَالَّةً، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، فَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ الذِي بَاعَهَا مِنْهُ ... : 448. - وَمَنْ تَعَمَّدَ النُّذُورَ لِيُلْزِمَهَا مَنْ بَعْدَهُ، فَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ، لَا لَهُ وَلَا لِمَنْ بَعْدَهُ: 408. - وَالنَّصُّ: هُوَ اللَّفْظُ الوَارِدُ فِي القُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ، المُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُكْمِ الأَشْيَاءِ ... : 365. - وَهَكَذَا نَقُولُ نَحْنُ اتِّبَاعًا لِرَبِّنَا - عَزَّ وَجَلَّ - بَعْدَ صِحَّةِ مَذَاهِبِنَا ... : 408. - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ: 137. - وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ ... : 137. - وَوَجَدْنَا فِي القُرْآنِ إِلْزَامَنَا الطَّاعَةَ لِمَا أَمَرَنَا بِهِ رَبُّنَا تَعَالَى فِيهِ وَلِمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... : 364. - وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ أَيْضًا تَعَمُّدُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ - أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ ... : 373. • ابن راهويه: انظر: إسحاق بن راهويه. • ابن رجب الحنبلي: - وَقَدْ انْقَسَمَ النَّاسُ فِي هَذَا أَقْسَامًا فَمِنْ أَتْبَاعِ أَهْلِ الحَدِيثِ مَنْ سَدَّ بَابَ المَسَائِلِ ... : 65.
• ابن رشد الحفيد
• ابن رشد الحفيد: - وَأَحْسِبُ أَنَّ بِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: 490 هامش. - وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلاَةِ عَلَى القَبْرِ لِمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ عَلَى الجَنَازَةِ ; فَقَالَ مَالِكٌ ... : 508. - وَسَبَبُ اخْتِلاَفِ فُقَهَاءِ الأَمْصَارِ فِي الوَقْصِ فِي البَقَرِ ... : 515. • ابن السبكي (تاج الدين): - إِنَّ دَاوُدَ قَدْ شَنَّعَ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ عَلَى المُزَنِيِّ كَثِيرًا: 397. - فَالذِي أرَاهُ الاِعْتِبَارُ بِخِلاَفِ دَاوُدَ وَوِفَاقِهِ. نَعَمْ لِلْظَّاهِرِيَّةِ مَسَائِلَ لَا يُعْتَدُّ بِخِلاَفِهِ فِيهَا ... : 400. - نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - لَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا: 228. • ابن سيرين: - أَتَيْتُ الكُوفَةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا أَرْبَعَةَ آلافٍ يَطْلُبُونَ الحَدِيثَ ... : 113. - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُومُ كُلَّ خَمِيسٍ فَيُحَدِّثُهُمْ ... : 146. - فَإِنْ يَكُنْ عِلْمًا فَهُمَا أَعْلَمُ مِنِّي، وَإِنْ يَكُنْ رَأْيًا فَرَأْيُهُمَا أَفْضَلُ: 270. - كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ مَا دَامَ عَلَى الأَثَرِ: 187. - كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ الإِمَامَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: 503. - كَرِهَهَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - ... (المُتْعَةِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ): 270. - لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعُ تَمْرٍ: 277. - لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ ... : 262. - لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ رَأْيِي يَثْبُتُ لَقُلْتُ فِيهِ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ أَرَى اليَوْمَ ... : 285. - لَيْسَ عِنْدِي فِيهِ إِلاَّ رَأْيٌ أَتَّهِمُهُ: 285. • ابن شبرمة: - البَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ: 546.
• ابن شهاب الزهري
• ابن شهاب الزهري: - أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةَ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ: 307، 603. - إِذَا قُتِلَ الكَلْبُ المُعَلَّمُ , فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ قِيمَتَهُ فَيَغْرَمُهُ الذِي قَتَلَهُ: 539. - إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ: 450. - أَفْسَدَهَا عَلَيْنَا العَبْدَانِ، رَبِيعَةُ وَأَبُو الزِّنَادِ: 52. - إِنْ قَالَ: مَا أَنْتِ بِامْرَأَتِي، نِيَّتُهُ، وَإِنْ نَوَى طَلاَقًا فَهُوَ مَا نَوَى: 432. - فِيمَنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلاَثًا: يُسْأَلُ عَمَّا قَالَ ... : 432. - لَا بَأْسَ بِالمَاءِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ: 464. - لَوْ هَلَكَ عُثْمَانُ وَزَيْدٌ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ، لَهَلَكَ عِلْمُ الفَرَائِضِ ... : 144. - مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَنْقَضَ لِعُرَى الإِسْلاَمِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: 157. - مَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا وَمَا نَزَلَ بِنَا: 285. - مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ وَمَا نَزَلَ بِنَا، وَمَا أَنَا بِقَائِلٍ فِيهِ شَيْئًا: 285. - نَكْتُبُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ: 257. - وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ، وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ بِالعِرَاقِ وَاحِدًا يَعْلَمُ هَذَا: 55. - وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا رُخْصَةً لَهُ خَاصَّةً، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَالَ ذَلِكَ اليَوْمَ لَمْ تَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّكْفِيرِ: 513. - وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ امْرَأَةً هَاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَوْجُهَا كَافِرٌ مُقِيمٌ بِدَارِ الكُفْرِ ... : 534. - يُؤْخَذ بِالأَحْدَثِ فَالأَحْدَث مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 354. • ابن الصلاح: - وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُقُوطِ الاحْتِجَاجِ بِالمُرْسَلِ وَالحُكْمِ بِضَعْفِهِ ... : 264. • ابن عبد البر: - أن العلماء اختلفوا في هذا الاستدلال على وجهين ... : 380. - أنه كان فقيها على مذهب أهل الحديث، وهو إمامهم: 133. - رَحِمَ اللَّهُ مَالِكًا كَانَ إِمَامًا، رَحِمَ اللَّهُ الشَّافِعِيَّ كَانَ إِمَامًا ... : 129. - صدق مغيرة وكان أبو حنيفة - وهو أقعد الناس بحماد - يفضل عطاء عليه: 55. - القِيَاسُ الذِي لَا يُخْتَلَفُ أَنَّهُ قِيَاسٌ هُوَ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ إِذَا أَشْبَهَهُ ... : 380. - كثير من أهل الحديث استجازوا الطعن على أبي حنيفة لرده كثيرا من أخبار العدول: 73. - لأن شأن المسائل بالكوفة مداره على أبي حنيفة وأصحابه والثوري: 62. - لَا يُلْتَفَتُ إِلَى قَوْلِ بَعْضِ العُلَمَاءِ فِي بَعْضٍ: 49. - مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ هَذَا أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنَ العِلْمِ رَأْيًا وَاسْتِحْسَانًا لَمْ يُقَلْ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ: 420. - مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِقَوْلٍ يُخَالِفُهُمْ جَمِيعًا بِهِ: 269.
• ابن عبد الشكور (محب الله الهندي)
- وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الحَدِيثِ فَهُمْ كَالأَعْدَاءِ لأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ: 81. - وَلَهُ اخْتِيَارٌ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ إِمَامُهُمْ: 128. • ابن عبد الشكور (محب الله الهندي): - ذَهَبَ إِلَى أَنَّ المُرْسَلَ يُقْبَلُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ فِي أَيِّ قَرْنٍ، وَيُتَوَقَّفُ فِي المُرْسَلِ مِنْ غَيْرِهِمْ: 268. • ابن العربي المالكي: - إِسْنَادُهُ مِنَ العَجَبِ فِي العِلْمِ، وَالغَرِيبُ اِتِّفَاقَ أَئِمَّةِ الصَّحِيحِ عَلَى حَديثِ عَمَّارِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الاِضْطِرابِ وَالاِخْتِلاَفِ وَالزِّيادَةِ وَالنُّقْصَانِ: 480. - اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الغَافِلِينَ تَحْرِيمَ أَسْئِلَةِ النَّوَازِلِ حَتَّى تَقَعَ تَعَلُّقًا بِهَذِهِ الآيَةِ ... : 64. - إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الإِشْعَارَ مُثْلَةٌ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ ... : 521. - إِنَّ الذِي أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الأَحَادِيثِ هَدَمَ الأَصْلَ الذِي دَلَّ عَلَيْهِ القُرْآنُ، وَمُرَاعَاةُ القَوَاعِدِ أَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الأَلْفَاظِ: 512. - أَنَّ الغُسْلَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ ... : 328. - إِنَّمَا ذَكَرَهُ العُلَمَاءُ فِي فَاتِحَةِ البُيُوعِ لِتَنْبِيهِ الخَلْقِ إِلَى الاِحْتِرَازِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ مُشْتَبَهٍ فِي طَرِيقِ الكَسْبِ يُضَارِعُ المُحْرِمُ ... : 428 هامش. - فِرْقَةٌ سَخِيفَةٌ، مُكَفِّرَةٌ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ ... (الظَّاهِرِيَّةُ): 398. - فَلَمَّا قَرَعَ هَذَا الحَدِيثُ سَمْعَهُمْ تَقَبَّلَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا نَقَلَهُ بِلَفْظِهِ وَلَبُوسِهِ دُونَ نَظَرٍ فِيهِ فَقَالَ: يَصُومُ الوَلِيُّ عَنْ الوَلِيِّ ... : 512 هامش. - لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ إِحْرَامَ كُلِ مَيِّتٍ بَاقٍ، وَأَنَّهُ يُبْعَثُ يُلَبِّي، لَقُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ... : 528. - لَيْسَ فِي الخَرْصِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ إِلَّا وَاحِدٌ لَمْ يَرْوِهِ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ هُنَا وَرَوَاهُ البُخَارِيُّ ... : 518. - وَانْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ إِلَّا دَاوُدُ ... : 328. - وأَرَادَ بِالحَقِّيَّةِ في الوَلِيمَةِ، حَقِّيَّةَ المُكَارَمَةِ والأُلْفَةِ وَالاِسْتِحْبَابِ، لَا طَعَامَ الفَرْضِيَّةِ ... : 346 هامش. - وَرَجَّحَ ابْنُ العَرَبِيُّ أَنَّهُ شِبْهُ نَهْرٍ يَحْفِرُ الأَرْضَ: 578 هامش. - وَعَلَيْهِ العَمَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: 482. - وَكَانَ عِنْدَنَا فِي الأَنْدَلُسِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، رَجُلٌ رَحَلَ وَرَوَى الحَدِيثَ ... : 356. - وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ اسْتَشْرَى دَاؤُهُ، وَعَزَّ عِنْدَنَا دَوَاؤُهُ، وَأَفْتَى الجَهَلَةُ بِهِ ... : 398. - وَهِيَ خَصِيصَةٌ فُضِّلَتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ ... : 481. - وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ البُخَارِيِّ: " الغَسْلُ أَحْوَطُ " يَعْنِي فِي الدِّينِ مِنْ بَابِ حَدِيثَيْنِ تَعَارَضَا ... : 328.
• ابن عقيل الحنبلي
• ابن عقيل الحنبلي: - وَمِنْ عَجِيبِ مَا نَسْمَعُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الجُهَّالِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: أَحْمَدُ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ... : 132. • ابن عون (عبد الله): - كَانَ الشَّعْبِيُّ إِذَا جَاءَ شَيْءٌ اتَّقَاهُ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ بِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ ... : 46. • ابن فورك: - مَا اشْتَهَرَ مِنَ الأَحَادِيثِ المَرْوِيَّةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا يُوهِمُ ظَاهِرُهُ التَّشْبِيهَ ... : 120. • ابن القاسم: - اللهَ اللهَ اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ لَيْسَ عَلَيْهَا العَمَلُ: 49. • ابن قتيبة: - ثُمَّ نَصِيرُ إِلَى أَصْحَابِ الرَّأْيِ، فَنَجِدُهُمْ أَيْضًا يَخْتَلِفُونَ وَيَقِيسُونَ ... : 105. - عَلَى أَنَّا لَا نُخَلِّي أَكْثَرَهُمْ مِنَ الْعَذْلِ فِي كُتُبِنَا، فِي تَرْكِهِمُ الاشْتِغَالَ بِعِلْمِ مَا قَدْ كَتَبُوا: 113. - فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تُعْلِمُنِي مَا وَقَفْتَ عَلَيْهِ مِنْ ثَلْبِ أَهْلِ الكَلَامِ أَهْلَ الحِدِيثِ ... : 94. - وَأَمَّا طَعْنُهُمْ عَلَيْهِمْ بِقِلَّةِ المَعْرِفَةِ لِمَا يَحْمِلُونَ ... : 99. - وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ الحَدِيثَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ مُخَالِفِيهِمْ، كَقَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ... : 98. - وَفَسَّرُوا القُرْآنَ بِأَعْجَبِ تَفْسِيرٍ، يُرِيدُونَ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَى مَذَاهِبِهِمْ ... : 102. - وَقَدْ كَانَ يَجِبُ - مَعَ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ القِيَاسِ وَإِعْدَادِ آلَاتِ النَّظَرِ- أَنْ لَا يَخْتَلِفُوا ... 100. - وَقَدْ يَعِيبُهُمُ الطَّاعِنُونَ بِحَمْلِهِمُ الضَّعِيفَ، وَطَلَبِهِمْ الغَرَائِبَ ... : 98. - وَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَلْهَجَ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وتنقصهم ... : 105. - وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ، غُرَّةُ أَهْلِ زَمَانِهِمْ، فِي العِلْمِ ... : 104.
• ابن قدامة
• ابن قدامة: - أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ هَذَا الفِعْلَ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَفْعَلْهُ وَلَا أَمَرَ بِهِ ... : 271 هامش. - إنَّمَا ذَهَبَ - أحمد - إلَى هَذَا الحُكْمِ اسْتِحْسَانًا، عَلَى خِلاَفِ القِيَاسِ ... : 362. - قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ نَفَرَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُحَصَّبَ، وَهُوَ الأَبْطَحُ: 162 و 163. - وَالأَوَّلُ أَظْهَرُ - أَيْ كَوْنِهِ طَاهِرٌ -، وَقَوْلُ أَحْمَدَ: " إنِّي لأَفْزَعُ مِنْهُ " لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي نَجَاسَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى تَوَقُّفِهِ فِيهِ: 420. - وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَهْلِ الْحِجَازِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ ... : 136. - وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ جَمَاعَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُخْرِجُونَ التَّمْرَ فَأَحَبَّ ابْنُ عُمَرَ مُوَافَقَتَهُمْ ... : 270. - وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ، يَقْتَضِي سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 259. - وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا أَوْجَبَ مِقْدَارًا فِي العَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الدَّابَّةِ ... : 272. - وَهَكَذَا الحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يُقْصَدُ بِهِ الْحَرَامُ ... : 446. • ابن القيم: - إِذْ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ كَالمُقَارَنِ، وَالشَّرْطَ العُرْفِيَّ كَاللَّفْظِيِّ ... : 621. - أَطَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي دَعْمِ حُجِّيَّةِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَسَاقَ فِي ذَلِكَ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ وَجْهًا: 279. - إقْرَارُ المَرِيضِ لِوَارِثِهِ بِدَيْنٍ بَاطِلٌ عِنْدَ الجُمْهُورِ؛ لِلتُّهْمَةِ: 607. - أَنَّ رَأْيَهُ هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ الأُمَّةِ (ابْنُ حَزْمٍ): 408. - إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ كَلِمَتَيْنِ كَفَتَا وَشَفَتَا وَتَحْتَهُمَا كُنُوزُ العِلْمِ وَهُمَا قَوْلُهُ: " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ... : 613. - بَلْ أَحْكَامُ السُّنَّةِ التِي لَيْسَتْ فِي القُرْآنِ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْهَا ... : 213. - الحِيلَةُ فِي فَسْخِ المَرْأَةِ النِّكَاحَ أَنْ تَرْتَدَّ ثُمَّ تُسْلِمَ ... : 623. - فَأَتْبَعُ النَّاسِ لِمَالِكٍ ابْنُ وَهْبٍ وَطَبَقَتُهُ ... : 138. - فَاجْتَهَدَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ، وَقَالَ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا التَّأْخِيرَ ... : 173. - فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَتَيْنِ: إرَادَةِ التَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ اخْتِيَارًا، وَإِرَادَةِ مُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ: 434. - فَمَنْ سَدَّ الذَّرَائِعَ اعْتَبَرَ المَقَاصِدَ وَقَالَ: يُؤَثِّرُ الشَّرْطُ مُتَقَدِّمًا وَمُقَارِنًا ... : 444. - فَهَاتُوا لَنَا الفَرْقَ بَيْنَ مَا يُقْبَلُ مِنْ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ، وَمَا رُدَّ مِنْهَا ... : 222. - وَأَحْسَنُوا فِي اعْتِنَائِهِمْ بِالنُّصُوصِ وَنَصْرِهَا، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ... : 400. - وَالذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ أَنَّ اليَمِينَ تُشْرَعُ مِنْ جِهَةِ أَقْوَى المُتَدَاعِيَيْنِ ... : 85. - وَالذِينَ ذَكَرُوا الحِيَلَ لَمْ يَقُولُوا إنَّهَا كُلَّهَا جَائِزَةٌ، وَإِنَّمَا أَخْبَرُوا أَنَّ كَذَا حِيلَةٌ وَطَرِيقٌ إلَى كَذَا ... : 623. - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَلاَّهُ مَنْصِبَ التَّشْرِيعِ عَنْهُ ابْتِدَاءً، كَمَا وَلاَّهُ مَنْصِبَ البَيَانِ لِمَا أَرَادَهُ بِكَلاَمِهِ: 213 - وَأَمَّا طَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَأَئِمَّةِ الحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ ... : 85. - وَقَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ التِي لَا يَجُوزُ هَدْمُهَا أَنَّ المَقَاصِدَ وَالاِعْتِقَادَاتِ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالعِبَارَاتِ ... : 434.
• ابن المنير
- وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدُهُ عَلَى أَنَّ القُصُودَ فِي العُقُودِ مُعْتَبَرَةٌ ... : 439. - وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَحْفَظَ الصَّحَابَةِ لِلْحَدِيثِ وَأَكْثَرَهُمْ رِوَايَةً لَهُ ... : 149. - وَلَوْ سَاغَ رَدُّ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا فَهِمَهُ الرَّجُلُ مِنْ ظَاهِرِ الكِتَابِ ... : 207. - وَالْمُتَأَخِّرُونَ أَحْدَثُوا حِيَلًا لَمْ يَصِحَّ القَوْلُ بِهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَنَسَبُوهَا إلَى الْأَئِمَّةِ ... : 621. - وَنَظَرُهُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَنَظَرُ الصَّحَابَةِ أَقْرَبُ إلَى المَعْنَى: 174. - وَهَذَا فِي أَجْوِبَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَقْصَى (أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ): 421. - وَهَذِهِ الحِيلَةُ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ التِي دَخَلَ بِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ ... : 622. • ابْنُ المُنَيِّرِ: - اتَّسَعَ البُخَارِيُّ فِي الاِسْتِنْبَاطِ، وَالمَشْهُورُ عِنْدَ النُّظَّارِ حَمْلُ الحَدِيثِ عَلَى العِبَادَاتِ: 430. - أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِهَذَا البَابِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَحْدَثَ عَمْدًا فِي أَثْنَاءِ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ فِي الصَّلَاةِ ... : 625. • ابن الهُمام السيواسي: - ذَهَبَ إِلَى أَنَّ المُرْسَلَ يُقْبَلُ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ فِي أَيِّ قَرْنٍ، وَيُتَوَقَّفُ فِي المُرْسَلِ مِنْ غَيْرِهِمْ: 268. - وَقَدْ وَقَعَ الاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الأُولَى: 501 هامش. • ابن هرمز: - إنِّي قَدْ كَبُرَتْ سِنِّي وَدَقَّ عَظْمِي، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ خَالَطَنِي فِي عَقْلِي ... : 125. - لَا تُمْسِكْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَ مِنِّي مِنْ هَذَا الرَّأْيِ؛ فَإِنَّمَا افْتَجَرْتُهُ أَنَا وَرَبِيعَةُ فَلَا تُمْسِكْ بِهِ ... : 59. • ابن وهب: - اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ المَسَائِلِ رَأْيٌ: 49.