الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد

ابن العطار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد

حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1432 هـ - 2011 م

[مقدمة التحقيق]

المقدمة وتشتمل على ما يلي: أولاً: أهمية الموضوع وأسباب اختياره. ثانياً: خطة البحث. ثالثاً: منهج التَّحقيق والتَّعليق.

المقدمة

المقدمة إنَّ الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71] (¬1). أما بعد: فإن هذه المقدمة تشتمل على ما يلي: ¬

_ (¬1) هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمها أصحابه، أخرجها ابن ماجه في سننه (1/ 609 - 610)، والإمام أحمد في مسنده (5/ 272) رقم (3721) وصحح أحمد شاكر أحد طرق هذا الحديث، وكذلك الألباني وقال: (على شرط مسلم). انظر: خطبة الحاجة للشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني.

أولا: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره

أولاً: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره: إنَّ الاهتمام بعلم العقيدة من الثوابت عند المسلمين، والتي لا تقبل الجدل ولا المساومة؛ فلأجل عبادة الله وحده خَلَق اللهُ الخَلْق، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وشرع الشرائع، وأقام الحسابَ عليها يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير. فلذلك صار علمُ العقيدة أفضلَ العلوم وأجلَّها على الإطلاق؛ لأنه العلم بالله وأسمائه وصفاته، إذ شرفُ العلم بشرف المعلوم. وعليه فلا شكَّ أن أهمَّ علم يجب الاعتناءُ به حفظاً، وتعلماً، وتعليماً، وتأليفاً؛ هو علم العقيدة - أعني: عقيدة أهل السنة والجماعة -، ومن الطرق المعينة على ذلك: الاهتمام بمصنفاتهم، وخاصة الشاملة لأبواب العقيدة، الحاوية على كثير من الأدلة، والداحضة لشبهات المخالفين. ولقد اهتم سلفُنا بهذا العلم اهتماماً واضحاً، فالمكتبةُ الإِسلاميةُ مليئةٌ بمؤلفاتهم القيمة النافعة. وهناك مصنفاتٌ لم تر النور بَعْدُ من مصنفات أهل السنة والجماعة، ومنها: كتاب الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد لعلاء الدين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود الشافعي، المعروف بابن العطار - رحمه الله -. وهناك أسباب دعتني لاختيار هذا الموضوع، منها: 1 - أهميةُ علم العقيدة - عقيدة أهل السنة والجماعة - مما يكون لزاماً على المختصين نشر وإحياء تراث أهل السنة والجماعة. 2 - قيمةُ الكتاب العلمية بموضوعه ومباحثه، وذلك لأنه شاملٌ لمسائل الاعتقاد، مدعم بالأدلَّة السَّمعية والعقلية، وآثار الصَّحابة، وأقوال الأئمة.

ثانيا: خطة البحث

3 - امتاز هذا الكتابُ في عرضه لمباحث العقيدة بأسلوب التقرير، وابتعد عن أسلوب المناقشة والرَّدِّ، بالإضافة إلى يُسْر الكتاب، وسهولته، وإيجازه. 4 - أن هذا الكتابَ لم يُطبع - كاملاً - من قبلُ، بل لم ير النور بعد، ففي إخراجه وطبعه وتحقيقه إسهامٌ في نَشْر مصنفات أهل السُّنة والجماعة. 5 - مكانةُ المصنف العلمية، وأنه من الحفاظ الإثبات، بل يُعَدُّ من كبار الشافعية في زمنه، فهو من كبار تلاميذ النَّووي - رحمه الله -، ومن أثبت النَّاس في شيخه، ومن جانب آخر فهو شيخُ الحافظ الذهبي. 6 - أن هذا الكتابَ لم يُحقَّق تحقيقاً علمياً وافياً، على نسخ خطية، يُضبط فيها النص ضبطاً صحيحاً، مع التعليق عليه تعليقاً يزيل إشكالاته، ويحلُّ مبهماته. لهذه الأسباب وغيرها اخترتُ أن يكون تحقيقُ هذا الكتاب موضوعَ الرسالة. ثانياً: خطة البحث: المقدمة، وتشتمل على ما يلي: أولاً: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره. ثانياً: خطة البحث. ثالثاً: منهجي في التحقيق والتعليق. وقد جعلتُ البحثَ على قسمين: القسم الأول: الدراسة. ويشتمل على فصلين: الفصل الأول: ترجمة المؤلف. الفصل الثاني: دراسة الكتاب، وفيه مباحث:

ثالثا: منهجي في التحقيق والتعليق

المبحث الأول: عنوان الكتاب، ونسبته لمؤلفه. المبحث الثاني: مصادر المؤلف في كتابه. المبحث الثالث: عرض لأهم قضايا الكتاب. المبحث الرابع: منهج المؤلَّف في كتابه. المبحث الخامس: وصف النُّسخ الخطية. المبحث السادس: تقويم الكتاب. القسم الثاني: التحقيق. - الخاتمة. - الفهارس. ثالثاً: منهجي في التحقيق والتعليق: لقد بذلتُ جهداً - بحمد الله - في خدمة هذا الكتاب، وكان عملي فيه على النحو الآتي: أولاً: خدمة نصِّ الكتاب: 1 - جمعتُ ما أمكنني الحصول عليه من نسخ هذا الكتاب، وبلغت ثلاث نسخ، وجعلتُ إحداها أصلاً، وهي النسخة الظاهرية رقم (2961) ورمزت لها بـ: (ص)، وقابلتها مع النسخ الأخرى: وهي النسخة الظاهرية الثانية رقم (2934)، ورمزت لها بـ: (ظ)، ونسخة مكتبة أثينا بروما، ورمزت لها بـ: (ن). 2 - أثبتُّ نص النسخة الأصلية (ص) في المتن، ووضعت فوارق النسخ الأخرى في الحاشية؛ إلا ما بان خطؤه، أو ترجَّح لي أن ما في (ظ) أو (ن) هو الصواب، فأثبته في المتن بين معقوفتين هكذا [] وأبين ما في (ص) في الحاشية. 3 - الكلمات والجمل المصححة في حاشية النسخ (ص) و (ظ) و (ن) أعدها من أصل هذه النسخ.

4 - نظراً لأنَّ المؤلَّف - رحمه الله - يكثر النقل، فإني أقابل بين الكتب التي نقل منها بالنص وبين النسخ الأخرى؛ مبيناً إن كانت هناك فروق في الحاشية، سواء عزا المؤلَّف إلى هذه الكتب أم لم يَعْزُ إليها. أما الكتب المطبوعة التي اعتمدتها في المقابلة، فهي: أ - صريح السُّنة، للإمام أبي جعفر محمَّد بن جرير الطبري، تحقيق بدر المعتوق، الطبعة الأولى عام 1405 هـ، نشر دار الخلفاء للكتاب الإِسلامي - الكويت. ب - متن العقيدة الطحاوية، للإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي، الطبعة الأولى عام 1408 هـ، نشر مكتبة ابن تيمية - القاهرة. ج - الأسماء والصِّفات، للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق عبد الله الحاشدي، الطبعة الأولى عام 1413 هـ، نشر مكتبة السوادي - جدة، وكذلك طبعة دار الكتب العلمية - بيروت. د - عقيدة السلف وأصحاب الحديث، للإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، دراسة وتحقيق الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، الطبعة الأولى 1415 هـ، نشر دار العاصمة - الرياض. هـ - الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق علي محمَّد البجاوي، نشر دار الكتاب العربي - بيروت. و- إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم، للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي، تحقيق يحيى إسماعيل، نشر دار الوفاء بمصر، الطبعة الأولى 1419 هـ (¬1). ¬

_ (¬1) إذا وجدت عند المقابلة في الكتب الآنفة الذكر كلمة أو جملة زائدة، أو كان ما في =

5 - ضبطتُ - ما أمكنني - نصَّ الكتاب بالشكل، مع مزيد من الاهتمام بالمشكل من الأسماء والألفاظ المختلفة. 6 - قمتُ بتحديد بدايات الجمل، والفقرات، ونهاياتها. 7 - لا أعتبر بعضَ الفروق التي لا تأثير لها مثل: (عليه السلام) ويقابله (صلى الله عليه وسلم)، و (رضي الله عنه) ويقابله (رحمه الله) وغيرها من الجمل الدُّعائية. 8 - قمتُ بتصحيح الأخطاء النحوية في (ص)، وغالباً لا أثبتها في فروق النسخ الأخرى. 9 - قمتُ بحذف الكلمات المكررة والزائدة والخاطئة، التي لا يضيرُ حذفها. 10 - كتبتُ الآيات القرآنية وفق الرسم العثماني. 11 - التزمتُ بعلامات التنصيص المعتبرة في البحث العلمي، حيث جعلتُ أحاديثَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أقواس صغيرة هكذا ""، وما عدا أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الآثار والأقوال فإني أجعلُها بين قوسين هكذا (). وقمتُ بوضع علامات الترقيم المختلفة التي تُيسَّر فَهْمَ النص، من فواصل، ونقاط، وعلامات تنصيص، وعلامات الجمل المعترضة، وعلامات التعجب، والاستفهام، وغيرها. 12 - قمتُ بترقيم فصول الكتاب، وجعلته بين قوسين هكذا: (). 13 - قمتُ بتحديد نهاية كلِّ صفحة في المخطوطة (ص) بوضع هذه العلامة (/) عقب الكلمة الأخيرة مباشرة. ¬

_ = النسخ الأخرى خطأ، فإني أثبت ما في هذه الكتب في المتن بين معقوفتين هكذا [] إذا كان من المناسب إثباته.

ثانيا: منهجي في التعليق

ثانياً: منهجي في التعليق: وأهمُّ ما قمتُ به في تعليقي على النَّصِّ ما يلي: 1 - عزو الآيات الكريمة إلى سُورها، مع ذكر أرقامها. 2 - خرجتُ الأحاديثَ من مصادرها الأصلية كالصِّحاح، والسُّنن، والمسانيد، والمعاجم، والمصنفات، وغيرها. فإذا كان الحديثُ في الصَّحيحين أو في أحدهما اكتفيتُ بعزوه إليهما أو إلى أحدهما، وإن كان في غيرهما أجتهدُ غالباً في تخريجه من مصادره، مع ذِكْر ما قاله العلماء قديماً وحديثاً في الحكم عليه إن وُجِدَ. وأذكرُ عند التخريج اسم الكتاب، والجزء، والصفحة، ورقم الحديث، والكتاب، والباب. 3 - قمتُ بتخريج الآثار من مظانها ما أمكن، مع ذكر ما قاله العلماء في الحكم عليها إن وجد، وإيراد نصوص الأحاديث والآثار التي يشيرُ إليها المؤلف. 4 - قمتُ بتوثيق نُقُولِ الكتاب، بإرجاعها إلى مصادرها، إلا إذا تعذَّر ذلك لعدم تيسُّر مصدره، أو عدم الاهتداء إلى مظانه. 5 - ترجمتُ للأعلام الوارد ذِكْرهم في نَصِّ الكتاب؛ سوى الصحابة - رضي الله عنهم - لشهرتهم. 6 - شرحتُ الألفاظ الغريبة الواردة في نص الكتاب، من خلال كتب اللغة، وغريب الحديث. 7 - عرّفتُ الفِرق والمِلل والنِّحَل والأديان الواردة في النص. 8 - عرَّفتُ الأماكنَ والبلدانَ غير المشهورة والواردة في النص. 9 - عرَّفتُ المصطلحات والألفاظ الكلامية والفلسفية الواردة في النص.

10 - مناقشة آراء المصنَّف التي تحتاجُ إلى مناقشة وتعليق. 11 - وضعتُ فهارس للكتاب، وتشملُ ما يلي: أ - فهرس للآيات. ب - فهرس للأحاديث. ج - فهرس للآثار. د - فهرس للأعلام. هـ - فهرس للفِرق والأديان. و- فهرس للكلمات الغريبة، والمصطلحات العلمية. ز - فهرس للأماكن. ح - فهرس للكتب الواردة في النص. ط - فهرس المصادر والمراجع. ي - فهرس الموضوعات (¬1). وأخيراً؛ فإني أحمد الله، وأشكره على جميع نعمه وآلائه، ثم أشكر فضيلة الشيخ المشرف: د. عبد العزيز بن محمَّد بن علي العبد اللطيف؛ الذي كان له الفضلُ بعد الله في إنجاز هذه الرسالة على الوجه المطلوب، والذي وهبني الكثير من وقته وجهده أثناء إعدادي لهذه الرسالة، وأسأل الله أن يجعلَ ذلك في موازين حسناته، وأن يعظم له المثوبة والأجر. وأشكر قبل ذلك والديَّ العزيزين؛ اللذين كانا وراء نجاحي في ¬

_ (¬1) اختصر الباحث بعض التعليقات التي كانتْ في أصل الرسالة، كما حذف بعضَها الآخر - مما جرتْ به العادة في البحوث الأكاديمية - رغبةً منه في عدم صرف القارئ عن أصل الكتاب المحقق.

هذه الرسالة بالنصح والدعاء، طالباً من الله أن يرزقني بِرَّهما، وأن يرحمها، ويُحْسِنَ لهما الختام. والشكر موصولٌ لجامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية ممثلة في مديرها، ووكلاء الجامعة، ومنسوبيها؛ إذ للجامعة الفضل بعد الله في فتح أبواب البحث الأكاديمي والعلمي، وتشجيع طلبة العلم لسلوكه. وكذلك أشكر كلَّ مَنْ أسهم وساعد في إتمام هذه الرسالة؛ بدءاً من عميد الكلية، ورئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة. كما أشكر كلَّ مَنْ أمدَّني بما أحتاجه من مراجع، ومصادر، ومشورة علمية، فجزاهم الله خير الجزاء. وفي الختام فهذا جهدُ المقلِّ، فما كان من صواب فمن الله - سبحانه وتعالى -، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان. والله أسأل أن يعينني على العمل بما علمت وَفْق مرضاته، وأن يرزقني الإخلاصَ في كلِّ قولٍ وعملٍ، إنه وليُ ذلك، والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الدراسة

القسم الأول: الدَّراسة ويشتملُ على فصلين: الفصلُ الأوَّل: ترجمة للمؤلف. الفصلُ الثَّاني: دراسة الكتاب، وفيه مباحث: المبحث الأول: عنوانُ الكتاب، ونسبته لمؤلفه. المبحث الثَّاني: مصادر المؤلف في كتابه. المبحث الثَّالث: عَرْض لأهم قضايا الكتاب. المبحث الرَّابع: منهجُ المؤلف في كتابه. المبحث الخامس: وصفُ النُّسخ الخطية. المبحث السَّادس: تقويمُ الكتاب.

الفصل الأول: ترجمة المؤلف

الفصلُ الأول: ترجمة المؤلف وتشتملُ الترجمةُ على ما يلي: • تمهيد. • عصره. • اسمه، ونسبه. • أسرته. • مولده. • نشأته. • طلبه للعلم. • الرَّحلة في طلب العلم. • شيوخه. • تلاميذه. • صفاته، وأخلاقه. • مكانته العلمية. • تدريسه. • فتاواه. • مؤلفاته، وآثاره.

تمهيد

ترجمة ابن العطار (¬1) - رحمه الله - • تمهيد: أُحبُّ أن أشيرَ إلى أن ابن العطار لم يترجمْ له في المصادر التي ¬

_ (¬1) انظر مصادر ترجمته: 1 - معجم شيوخ الذهبي للذهبي (ص 352). 2 - المعجم المختص للذهبي (ص 156). 3 - تذكرة الحفاظ للذهبي (4/ 198). 4 - ذيول العبر في خبر من غبر للذهبي (4/ 71). 5 - برنامج ابن جابر الوادي آشي (ص 91 - 92). 6 - أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي (3/ 245 - 248). 7 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان لليافعي (4/ 204 - 205). 8 - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (10/ 130). 9 - البداية والنهاية لابن كثير (14/ 117). 10 - طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 270 - 271). 11 - الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر (3/ 5 - 7). 12 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي (9/ 188). 13 - الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي (1/ 86 - 71). 14 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي (6/ 63 - 64). 15 - ديوان الإِسلام لابن الغزي (3/ 340 - 341). 16 - هدية العارفين بأسماء المؤلفين وآثار المصنفين للبغدادي (5/ 717). 17 - فهرس الفهارس والإثبات للكتاني (2/ 829). 18 - الأعلام للزركلي (4/ 251). =

عصره

بين أيدينا ترجمة تليق بمكانته العلمية، والغريب في الأمران معظم مَنْ ترجم له هم من معاصريه، أو من تلاميذه، أو من الطبقة التي بعدهم، وكان بإمكان هؤلاء أن يبينوا كثيراً من محاسن الشيخ ومناقبه وآثاره التي خلّفها لنا، والمدارس التي قامت على أكتافه؛ لأنهم عرفوه عن قرب، ورأوا آثاره العلمية بأعينهم، ثم إن هذا القليل الذي ذكروه عنه في ترجمته مكرر، ذلك أن أول من ترجم له هو تلميذه الذهبي، فقد ترجم له في أكثر كتبه، ولكن بما لا يتجاوز أسطراً. وكل من جاء بعده اعتمد في ترجمته على ما ذكره الذهبي؛ إلا بعض الزيادات التي ليست من جوهر الترجمة، ولعل عذر الذهبي في عدم التوسع في ترجمته أنه خصَّص معجماً لشيوخ ابن العطار، فلعله ترجم له قبل ذِكْر شيوخه ترجمة موسَّعة للمؤلف، فاكتفى في بقية كتبه بذكر قليلٍ من سيرته؛ اعتماداً على ما في ذلك الكتاب، ولكني لم أقفْ على ذلك الكتاب حتى هذه اللحظة. • عصره: اتسم عصرُ ابن العطار - رحمه الله - بكثرة الأحداث، وتغير الدول، وقيام الفتن بين الفينة والأخرى، وشهد عصرُه فترةً من فترات ضعف المسلمين بعد الإطاحة بالخلافة العباسية على يد المغول، ولقد لعبتِ ¬

_ = 19 - معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (2/ 387). 20 - تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (2/ 100). 21 - كما ترجم له الأستاذ محمَّد بن الحسين السليماني في مقدمة تحقيقه لأدب الخطيب لابن العطار - رحمه الله -، وهو أفضل وأجود من ترجم له (ص 13 - 59). 22 - كما ترجم له مشهور حسن سلمان في مقدمة تحقيقه لتحفة الطالبين لابن العطار (ص 25 - 32). 23 - وترجم له أيضاً ترجمة موجزة علي حسن عبد الحميد الحلبي في مقدمة تحقيقه للاعتقاد الخالص (ص 9 - 11).

أولا: أهم الملوك

الفتنُ والأطماعُ الشخصية دورها في زيادة عدم الاستقرار السياسي في البلاد الإِسلامية، الأمر الذي أضعف كيانَ الدولة الإِسلامية وخاصة بعد سقوط بغداد على يد هولاكو، حيث تلا ذلك اضطرابٌ عظيم، وإن كان الأمر تراوح بين نصر وهزيمة من آن لآخر بين التتر والمسلمين، ولعلّي أُلخَّص عصره فيما يلي: أولاً: أهم الملوك: نظراً لكثرة قيام الدول وزوالها، وسرعة المتغيرات السياسية، فقد أكثر الملوكُ والسلاطين، وسأقتصر على أهمهم في حياة ابن العطار - رحمه الله - وهم: 1 - المستعصم بالله، وهو آخرُ الخلفاء العباسيين، وهو عبد الله أبو أحمد بن المستنصر أبي جعفر منصور بن محمَّد الطاهر ابن الإِمام الناصر أحمد، كان ضعيفَ الرأي، قد غلب عليه أمراءُ دولته لسوء تدبيره، تولى الخلافةَ بعد موت أبيه المستنصر، سنة أربعين وستمئة، وكانت مدة خلافته 16 سنة تقريباً (¬1). 2 - الملك الظاهر بيبرس، كان ملكاً جليلاً شجاعاً مهيباً، ملك الديار المصرية والشام وغيرها، وفتح الفتوحات الجليلة، وأصله مملوك قبجاقي الجنس، تولى السلطنة بعد أن قام بقتل الملك المظفر قطز سنة ثمان وخمسين وستمئة، وكانت مدة مملكته سبع عشرة سنة تقريباً، وتوفي سنة ست وسبعين وستمئة (¬2). 3 - السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، كان ملكاً مهيباً، حليماً، قليل سفك الدماء، كثير العفو، شجاعاً، فتح الفتوحات العظيمة ¬

_ (¬1) البداية والنهاية لابن كثير (7/ 171)، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (6/ 345). (¬2) البداية والنهاية (7/ 245)، والنجوم الزاهرة (7/ 94).

ثانيا: أهم الأحداث

مثل المرقب وطرابلس؛ التي لم يجسر أحد من الملوك مثل صلاح الدين الأيوبي وغيره على فتحهما، وكسر جيش التتر على حمص وكانوا في جمع عظيم، توفي في عام 689 هـ، وكانت مدة توليه الملك نحو إحدى عشرة سنة تقريباً، بداية من عام 678 هـ (¬1). 4 - السلطان محمَّد الناصر بن قلاوون، والذي تولى الحكم صغيراً بعد مقتل أخيه الأشرف عام ثلاث وتسعين وستمئة، وتوفي ابن العطار - رحمه الله - عام 724 هـ ولا زال الملك الناصر على كرسيه (¬2). ثانياً: أهم الأحداث: - في عام 655 هـ ظهرت نار بالحرة عند مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكان لها بالليل ضوء عظيم يظهر من مسافة بعيدة جداً، ولعلها النارُ التي ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - من علامات الساعة، وأنها تضيء لها أعناق الإبل ببصرى (¬3). - في أول سنة 656 هـ قصد هولاكو ملك التتر بغداد، ودخلها في العشرين من المحرم، وقتل الخليفة المستعصم بالله، وسبب ذلك أنَّ وزيرَ الخليفة مؤيد الدين ابن العلقمي كان رافضياً، وكان أهلُ الكرخ أيضاً رافضة، فجرتْ فتنةٌ بين السُّنة والشِّيعة، فأمر أبو بكر ابن الخليفة وركن الدين الدوادار العسكر، فنهبوا الكرخ، وهتكوا النساء، فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي، وكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد، فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم، وخرج عسكر الخليفة لقتالهم، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم عسكر الخليفة، ودخل بعضهم بغداد، وسار بعضهم إلى جهة الشام، ونزل هولاكو على بغداد، وقتل الخليفة ¬

_ (¬1) النجوم الزاهرة (7/ 289). (¬2) البداية والنهاية (7/ 354)، والنجوم الزاهرة (8/ 50). (¬3) البداية والنهاية (7/ 199)، والنجوم الزاهرة (7/ 36).

ومعظم كبار الدولة والعلماء ووجوه الناس في كمين بمؤامرة الخائن ابن العلقمي مع هولاكو، وهكذا سقطت الخلافة العباسية التي دامت أكثر من خمسمئة سنة (¬1). - في سنة 658 هـ وصل التتر إلى حلب، وملكوها، ووقعت فيها موقعة عين جالوت العظيمة؛ التي انتصر فيها المسلمون على التتار بقيادة الملك المظفر قطز (¬2). - في عام 663 هـ سار الملك الظاهر بيبرس من الديار المصرية إلى قيسارية لفتحها في الشام في منتصف جمادى الأولى، ثم سار إلى أرسوف ونازلها وفتحها في جمادى الآخرة، وفي هذه السنة في التاسع عشر من ربيع الآخر هلك قائد المغول وملك التتر هولاكو (¬3). - في عام 664 هـ خرج الملك الظاهر بعساكره العظيمة من الديار المصرية إلى الشام، وجهز جيشاً إلى ساحل طرابلس، ففتحوا يافا، ثم فتحوا أنطاكية وحلباً وغيرها من بلاد الشام (¬4). - في عام 676 هـ توفي الملك الظاهر بيبرس بدمشق، ومدة مملكته 17 سنة وشهران وعشرة أيام، وكان ملكاً جليلاً، شجاعاً، عاقلاً، مهيباً - رحمه الله -، واستقر الملك السعيد بركة ابن الملك الظاهر في مملكة مصر والشام في أوائل ربيع الأول من هذه السنة (¬5). - في عام 678 هـ خلع العساكر الملك السعيد، وأقاموا مكانه سلامش ابن الملك الظاهر بيبرس، ولقبوه الملك العادل، وعمره إذ ¬

_ (¬1) البداية والنهاية (7/ 213)، والنجوم الزاهرة (7/ 60). (¬2) البداية والنهاية (7/ 233)، والنجوم الزاهرة (7/ 89). (¬3) البداية والنهاية (7/ 258)، والنجوم الزاهرة (7/ 220). (¬4) البداية والنهاية (7/ 260). (¬5) البداية والنهاية (7/ 289)، والنجوم الزاهرة (7/ 259).

ذاك سبع سنين، ولكنه أزيل من الحكم في السنة نفسها، وفيها تمت البيعة للملك المنصور قلاوون الصالحين (¬1). - في عام 684 هـ فتح قلاوون المرقب، وهو حصن في غاية العلو والحصانة، لم يطمع أحد من الملوك الماضين في فتحه، وفيها أيضاً فتوح صهيون، وكذلك في هذه السنة كانت ولادة الملك ناصر الدنيا والدين محمَّد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين (¬2). - في عام 693 هـ كان مقتل السلطان الملك الأشرف، وفيها تولى السلطنة الملك الناصر (¬3). - في عام 694 هـ كانت وفاة صاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف ابن الملك المنصور عمر بن علي بن رسول بقلعة تعز، وكانت مدة ملكه نحو 47 سنة، وملك بعده ابنه الأكبر الملك الأشرف عمر بن يوسف (¬4). - في عام 698 هـ قتل الملكُ المنصورُ حسامَ الدين لاجين صاحبَ مصر والشام، وفيها كانت وفاة الملك المظفر صاحب حماة (¬5). - في عام 699 هـ سقطت دمشق في أيدي التتر، وانهزم المسلمون في الشام (¬6). ¬

_ (¬1) البداية والنهاية (7/ 305)، والنجوم الزاهرة (7/ 286). (¬2) البداية والنهاية (7/ 323)، والنجوم الزاهرة (7/ 364). (¬3) البداية والنهاية (7/ 354)، والنجوم الزاهرة (8/ 41). (¬4) البداية والنهاية (7/ 361). (¬5) البداية والنهاية (8/ 3)، والنجوم الزاهرة (8/ 115). (¬6) البداية والنهاية (8/ 7)، والنجوم الزاهرة (8/ 117).

اسمه ونسبه

- في عام 700 هـ تدارك الله المسلمين بلطفه، فانتصروا على التتر في الشام، واستعادوا بلادهم مرة أخرى (¬1). - في عام 702 هـ دخل التتر مرة أخرى إلى بعض ولايات الشام، ولكنهم ذاقوا الهزيمة مرة أخرى، وانتصر عليهم المسلمون انتصاراً عظيماً في وقعة شقحب (¬2). - في عام 709 هـ كان مسير السلطان الملك الناصر إلى ديار مصر، واستقراره في سلطنته، وقبض هناك على بيبرس الجاشنكير الذي كان متولياً على مصر (¬3). - في عام 715 هـ كان فتح ملطية على يد سيف الدين تنكز ومن معه من المسلمين ضد النصارى (¬4). - في عام 721 هـ كانت وفاة صاحب اليمن الملك المؤيد داود بن المظفر يوسف ابن عمر بن علي بن رسول (¬5). • اسمه ونسبه: هو علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود بن سلمان بن سليمان، أبو الحسن الشافعي، المعروف بابن العطَّار. اتفق المترجمون له على سَرْد نَسَبه إلى داود، واقتصر الجمهور منهم على ذلك؛ لأن ذِكْر هذا القدر من النسب مع الأوصاف الأخرى؛ التي اكتسبها؛ تكفي لتحديد شخصيته، ومجالات تخصصه، ومنهم من ¬

_ (¬1) البداية والنهاية (8/ 16)، والنجوم الزاهرة (8/ 131). (¬2) البداية والنهاية (8/ 27)، والنجوم الزاهرة (8/ 157). (¬3) البداية والنهاية (8/ 53)، والنجوم الزاهرة (8/ 232). (¬4) البداية والنهاية (8/ 75). (¬5) البداية والنهاية (8/ 101).

أسرته

زاد على ذلك، ولكنهم اختلفوا، فقال فريق منهم الذهبي: (¬1) داود بن سليمان، وقال آخرون: داود بن سلمان بن سليمان، وعلى رأسهم ابن قاضي شهبة (¬2). والذي أميل إليه، وأرجحه، هو ما ذهب إليه الذهبي؛ لأمور كثيرة، منها: ما عرف عن الذهبي من الدقة، وتقدمه على غيره في معرفة الرجال؛ ولأن للذهبي مزيد اختصاص بابن العطار، فالذهبي تلميذ لابن العطار، وفوق ذلك هو أخوه لأمه من الرضاعة (¬3)، ثم إنه عمل معجماً له في شيوخه، كما سيأتي - إن شاء الله -. • أسرته: المصادرُ التي بين أيدينا شحيحةٌ بأخبار أسرته من الوالدين والأقارب، إلا ما ذكره الحافظ ابن حجر من أن أباه كان عطاراً، ويلقب بموفق الدين، وجدّه طبيباً (¬4)، وأشار إلى ذلك النعيمي في ترجمته، حيث قال: (علاء الدين أبو الحسن بن الموفق العطار ابن الطبيب ...) (¬5)، وبهذا يظهر أنهم لم يكونوا من أهل العلم، بل ذكر النعيمي أن والده كان يهودياً (¬6)، ولم أر من ذكر ذلك غيره مع كثرتهم، فإن كان الأمر كما ذكر تكون أسرته من الأسر العربية التي تهودت في جزيرة العرب والشام، وبقيت كذلك في ظل الدولة الإِسلامية؛ كما تدل ¬

_ (¬1) معجم الشيوخ (ص 352). (¬2) طبقات الشافعية (2/ 270). (¬3) الدرر الكامنة (3/ 6). (¬4) الدرر الكامنة (3/ 5). (¬5) الدارس في تاريخ المدارس (1/ 69). (¬6) المصدر السابق (1/ 70).

مولده

عليه سلسلة نسبه من الأسماء العربية الخلص، فيكون أبوه قد أسلم قديماً بدليل أنه كان يُلقَّب بموفق الدين. • مولده: وُلد ابنُ العطار يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمئة، ولم يختلف المترجمون له على سنة ولادته، وكذا يوم ولادته، إلا ما قال ابنُ جابر الوادي آشي - أحد معاصريه -: مولده ليلة الفطر أو قبلها بليلة بالتردد (¬1). قلتُ: ولعل الذي ساعد على ضبط تاريخ ولادته كونه ولد في تلك المناسبة العظيمة، وإلا فإن الغالب في تراجم أهل العلم عدم ضبط تاريخ ولادتهم؛ لأنهم يولدون كبقية الأبناء، وليس لهم عند ذلك ما يميزهم، بخلاف حالهم عند الممات، فموتُ أحدهم يكون له وقعٌ أليمٌ في نفوس تلاميذه ومحبيه، فيكون ذلك أدعى لحفظ تاريخ وفاته. • نشأته: لم تتحدثِ المصادرُ عن نشأته، ولكن المعهود في طلب العلم البدء بحفظ القرآن الكريم، ثم بمبادئ العلوم في مختصرات المتون، كما هي العادة المتبعة آنذاك في تعليم الأطفال، لا سيما وقد أشار غيرُ واحدٍ من العلماء أنه حفظ القرآن في بداية أمره، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن بلوغَه هذه المنزلة العالية في العلم دليلٌ على اشتغاله في تحصيل العلم في الصِّغر. ومما يؤكَّد ذلك ما ذكره ابنُ العطار نفسه في ترجمة الإِمام النووي، حيث قال: (وكانت مدةُ صحبتي له مقتصراً عليه دون غيره من أول سنة سبعين وستمئة وقبلها بيسير إلى حين وفاته) (¬2)، أي: إن أول ¬

_ (¬1) برنامج ابن جابر الوادي آشي (ص 91). (¬2) تحفة الطالبين (ص 55).

طلبه للعلم

لقياه بالنَّووي عندما كان عمره خمسة عشر سنة، وحينها شرع في قراءة كتب الفقه الطوال عليه تصحيحاً وتعليقاً، ومعناه أنه قبل ذلك قد تحصَّل على علوم كثيرة كعلم العربية، والقراءات، وحفظ المتون. • طلبه للعلم: قد ذكرنا في بداية نشأته شيئاً من طلبه للعلم على الظن والتخمين، ولكن المراد بهذا العنوان هو معرفة الوقت؛ الذي عرف فيه طلبه للعلم، وبيان حاله في الطلب. ومما لا شكَّ فيه أنه اشتهر بطلب العلم عند النَّاس، حين اجتمع بالإمام النَّووي، وقرأ عليه معظمَ مصنفاته، وظهرتْ منه في ذلك الوقت المبكر ملامحُ طالب العلم من الجِدَّ والإقبال عليه بكلَّه، مما جعل الإِمام النَّووي يعتني به، ويشفق عليه، ويخصُّه بمزيد اهتمام من بين تلاميذه، وفي ذلك يقول ابنُ العطار: (فقرأت عليه الفقه، تصحيحاً، وعرضاً، وشرحاً، وضبطاً، خاصاً وعاماً، وعلوم الحديث، مختصره وغيره، تصحيحاً، وحفظاً، وشرحاً، وبحثاً، وتعليقاً، خاصاً وعاماً، وكان - رحمه الله - رفيقاً بي، شفيقاً علي، لا يمكّن أحداً من خدمته غيري، على جهد مني في طلب ذلك منه، مع مراقبته لي - رضي الله عنه - في حركاتي وسَكَناتي، ولُطْفه بي في جميع ذلك، وتواضعه معي في جميع الحالات، وتأديبه لي في كل شيء حتى الخطوات، وأعجز عن حَصْر ذلك. وقرأتُ عليه كثيراً من تصانيفه ضبطاً، وإتقاناً. وأذن لي - رضي الله عنه - في إصلاح ما يقع لي في تصانيفه ... ، وقال لي: (إذا انتقلتُ إلى الله تعالى؛ فاتمم "شرح المهذَّب" من هذه الكتب). فلم يقدَّر لي) (¬1). ¬

_ (¬1) تحفة الطالبين (ص 54).

الرحلة في طلب العلم

وطالِبٌ يعطيه الإِمام النَّووي كل هذا الاهتمام، ليس كأي طالب، وإنما ذلك لما ظهر من ابن العطار من مخايل الذكاء، وكمال الفهم، مع قوة العزيمة، والجِدّ في طلب العلم، فرأى الإمامُ النَّووي أن يتعهده بالرعاية والعناية؛ ليشد عضده، ويقوي ساعده؛ علَّه يكون في مصافِّ أهل العلم مستقبلاً. • الرحلة في طلب العلم: الرحلةُ في طلب العلم سُنَّة العلماء، خاصة المحدِّثين منهم، ولكن جرتِ العادةُ أن الطالبَ لا يسافر من بلدته إلا بعد أن يأخذَ من شيوخها، ويستوعب ما لديهم، ثم يتوجَّه إلى الأقطار، قاطعاً الفيافي، متحملاً المشاق في سبيل العلم. وللرحلة مزايا عديدة، أهمها: اللقاء بالمشايخ الكبار في كل فن، ونقل العلوم التي ينفردُ بها أهلُ كل منطقة، والوقوف على طريقة كل قوم في تدريس العلوم، إضافةً إلى معرفة عادات كل قوم، ومسالك حياتهم، وكل ذلك بلا ريبٍ يساعدُ الطالبَ على توسيع مداركه ومعارفه. وصاحبنا الذي نقومُ بترجمته واحد من هؤلاء، فإنه قد حمل عصا الترحال يجوبُ الآفاق، ويقطع الفيافي؛ إلا أن مترجميه مع كثرتهم لم يعنوا بتتبع رحلاته، ولكن تيسَّر لي - بحمد الله - معرفة معظم الأماكن؛ التي رحل إليها من خلال شيوخه؛ الذين سمع منهم في أماكن متفرقة. حيث سمع بمكة من أبي اليُمْن بن عساكر، وبالمدينة من أحمد بن محمَّد النصيبي، وبالقدس من قطب الدين الزهري (¬1)، وبنابلس من ¬

_ (¬1) هو عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم الزهري، يرجع نسبه إلى عبد الرحمن بن عوف =

شيوخه

العماد عبد الحافظ (¬1)، وبالقاهرة من الأبرقوهي (¬2)، وابن دقيق العيد (¬3) ((¬4). وقد أجملها الحافظ ابن حجر بقوله: (سمع بالحرمين ونابلس والقاهرة من عدة أشياح يزيدون على المئتين) (¬5). وبهذا النقل ندركُ أنه قد دخل معظم الحواضر الإِسلامية؛ التي كانت عامرةً بالنشاط العلمي، إضافةً إلى موطنه دمشق. وبعد ذلك التطواف، استقرَّ به المقامُ في داره بدمشق، وجلس للتدريس والتأليف، فرحل إليه الطلابُ من أقاصي البلاد. • شيوخه: إن شيوخَ ابن العطار كثيرون؛ بحيث يصعب على المرء حصرهم، إذ إنه لطول رحلته تلك لقي أعداداً من أهل العلم في كلَّ بلدة، لا سيما والناس في ذلك الزمن كانوا يتفاخرون بكثرة الشيوخ. ¬

_ = - رضي الله عنه -، قطب الدين أبو البركات، خطيب القدس أربعين سنة، كان من الصلحاء الكبار، سمع الكثير من الحديث، توفي سنة سبعٍ وثمانين وستمئة. انظر: المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي لابن تغري بردي (7/ 366)، وشذرات الذهب (5/ 401). (¬1) ستأتي ترجمته قريباً - إن شاء الله - في شيوخه. (¬2) هو أحمد بن إسحاق بن محمَّد بن المؤيد بن علي، أبو المعالي، الشافعي الأبرقوهي المصري، قاضي بأبرقوه من مصر، سمع بحران من جماعة، وحدث عنه أبو العلاء الفرضي، والمزي والبرزالي وغيرهم، توفي سنة إحدى وسبعمئة. انظر: المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي لابن تغري بردي (1/ 235 - 236)، والوافي بالوفيات للصفدي (6/ 242). (¬3) ستأتي ترجمته - إن شاء الله - قريباً في شيوخه. (¬4) أعيان العصر (3/ 246). (¬5) الدرر الكامنة (3/ 6).

ومما يدلُّ على كثرة شيوخه أن تلميذه الذهبي خرّج له معجماً لشيوخه في مجلد، ذكر ذلك الذهبي (¬1)، وهذا المعجمُ الذي ألفه الذهبي في شيوخ ابن العطار لم أقف عليه، ولم أعرف عددَ شيوخ ابن العطار بالتحديد، وإن كان صنيع الذهبي يوحي بكثرتهم؛ لأنه لم يزد على قوله: (خرّجت له معجماً في مجلد). إلا أنَّ السّبكي أشار إلى عدد شيوخه في معجم الذهبي بقوله: (وخرّج له شيخنا الذهبي معجماً نيّف فيه على ثمانين شيخاً) (¬2). وهذا العددُ الذي ذكره الذهبي من شيوخه ليسوا كلَّ شيوخه, بدليل أن الحافظ ابن حجر ذكر أنه سمع من عدة أشياح يزيدون على المئتين (¬3)، وأما الذين ذكروا أنه سمع من شيوخه في ترجمته، فهم قلة، ذلك أن الذهبي - وهو عمدة من جاء بعده - لم يذكر أحداً من شيوخه غير النَّووي في جميع الكتب التي ترجمه فيها؛ لأنه استوفى شيوخه في المعجم الذي وضعه خصيصاً لشيوخه. ومن شيوخه: النَّووي (¬4)، ......................... ¬

_ (¬1) المعجم المختص (ص 157)، ومعجم شيوخ الذهبي (ص 352)، وتذكرة الحفاظ (4/ 198). (¬2) طبقات الشافعية (10/ 130). (¬3) الدرر الكامنة (3/ 6). (¬4) هو أبو زكريا يحيى ابن الشيخ الزاهد الورع أبي يحيى شرف بن حران بن حسن بن حسين الحزامي، المعروف بالنووي، ولد في العشر الأواسط من المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمئة. عُرف النَّووي بالاجتهاد والجد في طلب العلم، يقول عن نفسه في تحفة الطالبين (ص 68): (أنه كان لا يضيع له وقتاً في ليل ولا نهار؛ إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطرق ومجيئه يشتغل في تكرار محفوظه، أو مطالعةٍ). وقال أيضاً في تحفة الطالبين (ص 45): (وبقيتُ نحو سنتين لم أضع جنبي إلى =

وابن عبد الدَّائم (¬1)، وابن أبي اليسر (¬2)، وابن أبي الخير (¬3)، وابن ¬

_ = الأرض، وكان قوتي فيها جراب المدرسة لا غير). وبارك الله له في عمره، ففاق في مدة وجيزة على أقرانه، وكتب الله لمؤلفاته القبول، وكثر النفع بها، وسار بها الركبان. ويتحدث ابنُ العطار عن علاقته بينه وبين شيخه، فيقول في تحفة الطالبين (ص 54): (كان - رحمه الله - رفيقاً بي، شفيقاً عليّ، لا يمكّن أحداً من خدمته غيري ... مع مراقبته لي - رضي الله عنه - في حركاتي وسكناتي، ولطفه بي في جميع ذلك، وتواضعه معي في جميع الحالات، وتأديبه لي في كل شيء حتى الخطوات، وأعجز عن حصر ذلك). توفي - رحمه الله - بعد حياة حافلة بالنشاط والجد والاجتهاد سنة 676 هـ. انظر: تحفة الطالبين في ترجمة الإِمام محيي الدين لابن العطار، والمنهل العذب الروي في ترجمة الإِمام النووي للسخاوي. (¬1) هو علي بن أحمد بن عبد الدائم بن نعمة، الشيخ، المقرئ، المسند، العابد، أبو الحسن المقدسي الصالحين، قيم جامع الجبل، سمع من البهاء عبد الرحمن، وابن صباح، والإربلي، وجماعة بدمشق، وعنايته بالرواية قليلة، وكتب أجزاء، وكان صالحاً، كثير التلاوة. قال الذهبي: بلغني أن العدو - أي: التتار - أخذوا سيخاً محمياً، ووضعوه على فرجه فأتلفه، وبقي ميتاً أياماً، لم يدفن إلا في ربيع الآخر سنة 699 هـ. انظر: معجم شيوخ الذهبي (ص 355)، والمعجم المختص (ص 157). (¬2) هو تقي الدين أبو محمَّد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر التنوخي الدمشقي، الكاتب المنشئ, ولد سنة تسع وثمانين وخمسمئة، روى عن الخشوعي، له شعر جيد، وبلاغة، وفيه خير، وعدالة، أكثر عن الخشوعي، والقاسم بن عساكر، وروى عنه ابن صرصري، وابن العطار، وابن تيمية. توفي في السادس والعشرين من صفر سنة 672 هـ. انظر: شذرات الذهب (5/ 338)، والوافي بالوفيات (9/ 71). (¬3) هو أحمد بن سلامة بن إبراهيم بن سلامة، أبو العباس ابن أبي الخير الدمشقي الحنبلي، سمع من الكندي وابن البخاري وغيرهم، وسمع منه عمر بن الحاجب وابن تيمية وابن العطار وغيرهم، توفي سنه ثمان وسبعين وستمئة. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (6/ 397)، وشذرات الذهب (5/ 360).

مالك شيخ العربية (¬1)، وخطيب بيت الآبار (¬2)، والقطب بن أبي عصرون (¬3)، وإلياس بن علوان المقرئ (¬4)، وأبو اليمن ابن عساكر (¬5)، وأحمد بن محمَّد النصيبي (¬6)، ................. . ¬

_ (¬1) هو الشيخ جمال الدين ابن مالك محمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الإِمام العلامة، أبو عبد الله الطائي الجياني الشافعي النحوي، سمع من مكرم وأبي الحسن السخاوي وغيرهم، صاحب الألفية المشهورة في النحو، توفي سنة اثنتين وسبعين وستمئة. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (3/ 359)، وفوات الوفيات للكتبي (2/ 284). (¬2) هو أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن يوسف خطيب بيت الآبار، سمع من الخطيب عماد الدين داود بن عمر، وهو جده لأمه، ومحمد بن عمر، كان مؤذناً لقرية بيت الآبار، توفي سنة خمس وعشرين وسبعمئة. انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر (1/ 240). (¬3) هو قطب الدين أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن عبد الله بن أبي عصرون، يُعرف بالقطب بن أبي عصرون، أبو المعالي الشافعي، عمّر طويلاً، سمع من ابن كليب وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهم، وسمع منه ابن تيمية وابن العطار وغيرهم. توفي سنة خمس وسبعين وستمئة. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (7/ 60)، والمنهل الصافي لابن تغري بردي (1/ 316). (¬4) هو إلياس بن علوان بن محمود، الزاهد المقرئ، ركن الدين الأربلي الملقن، نزيل دمشق، قرأ على السخاوي، وقرأ عليه خلق كثير، توفي سنة ثلاث وسبعين وستمئة. انظر: المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي لابن تغري بردي (3/ 97)، والوافي بالوفيات للصفدي (9/ 373). (¬5) هو أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الحسن بن محمَّد بن عساكر، الإمام المحدث أمين الدين، الدمشقي الشافعي، سمع من جده ومن ابن الزبيدي وابن غسان وغيرهم، وحدث بالحرمين. توفي سنة سبع وثمانين وستمئة. انظر فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي (2/ 328)، وشذرات الذهب (5/ 395). (¬6) هو أحمد بن محمَّد بن عبد القاهر ابن النصيبي، كمال الدين أبو العباس الحلبي، سمع من ابن علوان وابن مشَّرف والكاشغري وغيرهم، وروى عنه ابن العطار =

تلاميذه

والعماد عبد الحافظ (¬1)، وابن دقيق العيد (¬2)، وغيرهم كثير (¬3). • تلاميذه: • ما استقرّ بابن العطار - رحمه الله - المقام في دمشق بعد رحلاته في طلب العلم، قصده الكثيرُ من طلبة العلم للانتفاع بعلمه وحضور مجالسه، كيف لا وقد ورث علمَ شيخه النَّووي - رحمه الله -، وإضافةً إلى ذلك فقد درّس، وتولى مشيخة بعض المدارس العلمية، ودور الحديث، والتي حضرها الكثيرُ من طلبة العلم، وهذا يؤكد أن تلاميذه وأتباعه كُثر، وممن سمع منه: كمال الدين ابن الزملكاني (¬4)، وشمس الدين ابن ¬

_ = والمزي وغيرهم، توفي سنة اثنتين وتسعين وستمئة. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (8/ 56)، وشذرات الذهب (5/ 420). (¬1) هو عبد الحافظ بن بدران بن شبل، الزاهد المسند، أبو محمَّد عماد الدين النابلسي المقدسي شيخ نابلس، قدم دمشق وسمع من موسى بن عبد القادر وابن راجح وزين الأمناء وغيرهم، وسمع منه ابن العطار والبرزالي وشمس الدين بن مسلم وغيرهم. توفي سنة ثمان وتسعين وستمئة. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (18/ 57)، وشذرات الذهب (5/ 442). (¬2) هو محمَّد بن علي بن وهب بن مطيع، ابن دقيق العيد تقي الدين، الإِمام العلامة شيخ الإِسلام، أحد الأعلام، سمع من ابن المقير والسبط وابن عبد الدائم وغيرهم، صاحب التصانيف البديعة كالإلمام ونحوها، كان إماماً متفنناً محدثاً فقيهاً أصولياً أديباً، توفي سنة اثنتين وسبعمئة. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (4/ 193)، والدرر الكامنة لابن حجر (4/ 210). (¬3) انظر: أعيان العصر وأعوان النصر (3/ 246)، والدارس في تاريخ المدارس (1/ 69 - 70). (¬4) هو محمَّد بن علي بن عبد الواحد، كمال الدين ابن الزملكاني الأنصاري السماكي الدمشقي، كبير الشافعية في عصره، سمع من ابن علان والفخر علي وابن الواسطي. توفي سنة سبع وعشرين وسبعمئة. انظر: الوافي بالوفيات للصفدي (4/ 214)، وفوات الوفيات لابن شاكر الكتبي (4/ 7).

الفخر (¬1)، وشهاب الدين ابن المجد (¬2)، وعلم الدين البرزالي (¬3)، وأبو القاسم المقاتلي (¬4)، ومحيي الدين الهذباني (¬5)، وبرهان الدين أبو إسحاق التنوخي (¬6)، والإمام الذهبي (¬7)، وغيرهم كثير. ¬

_ (¬1) هو محمَّد بن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي شمس الدين ابن الفخر، سمع من أبيه وأحمد بن عبد الدائم ويوسف خطيب بيت الآبار، توفي سنة ست وعشرين وسبعمئة. انظر: أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي (4/ 660)، والدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر (4/ 174). (¬2) هو محمَّد بن عبد الله بن الحسين الأربلي ثم الدمشقي شهاب الدين أبو الفرج ابن المجد، سمع من ابن أبي اليسر وابن البخاري وابن الأنماطي، كان نائباً في بيت المال، ثم ولي القضاء، مات سنة أربع وثلاثين وسبعمئة. انظر: أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي (4/ 536)، والدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة لابن حجر (4/ 86). (¬3) هو الحافظ المؤرخ علم الدين القاسم بن محمَّد بن يوسف بن محمَّد البرزالي الشافعي، سمع من الكثير، ورحل إلى البلاد، وحدّث وخرج وأفتى وصنف، توفي سنة تسع وثلاثين وسبعمئة. انظر: النجوم الزاهرة لابن تغري بردي (9/ 319)، والدرر الكامنة لابن حجر (3/ 321). (¬4) هو محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن مقاتل الأزدي أبو القاسم المقاتلي، كان فاضلاً حلو النادرة، مات سنة سبع وثلاثين وسبعمئة. انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر (4/ 104). (¬5) هو محيي الدين أبو زكريا يحيى بن عثمان بن علي بن عثمان الهذباني الدمشقي، سمع من أحمد بن شيبان وأبي الحسن ابن البخاري، وأفاد من ابن العطار وهو ابن أخته، توفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمئة. انظر: الوفيات لابن رافع السلامي (1/ 426)، والدرر الكامنة لابن حجر (5/ 197). (¬6) هو إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن، برهان الدين أبو إسحاق التنوخي، سمع من خلق كثير، ومنهم ابن العطار، وابن عبد الدائم والقاسم بن عساكر والذهبي، توفي سنة 800 هـ. انظر: إنباء الغمر بابناء العمر لابن حجر (3/ 398)، والدرر الكامنة (1/ 11). (¬7) هو محمَّد بن أحمد بن عثمان بن قايماز شمس الدين أبو عبد الله التركماني الذهبي، =

صفاته وأخلاقه

• صفاته وأخلاقه: اكتسب ابن العطار صفات وألقاباً عدة كغيره من العلماء. فقد ترجم له تلميذه الذهبي في تذكرة الحفاظ (¬1)، وفي المعجم المختص للمحدثين (¬2)، ومعنى ذلك أنه في نظر هذا الإِمام الناقد: محدث حافظ، إضافة إلى فنه الذي برع فيه وهو الفقه؛ ولهذا وصفه الذهبي وغيره بالإمام الفقيه المفتي، وهذه الأوصاف لا تطلق إلا على من له معرفة تامة بالفقه وأصوله. وكذلك وصفه الذهبي وغير واحد بأنه بقية السلف (¬3)، وهذا الوصف يطلق عادة على من كان على مذهب السلف الصالح عقيدة وعلماً وعملاً، وصاحب الترجمة كذلك، فها هو قد ألف هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه في بيان عقيدة السلف الصالح، في وقت انتشرت فيه المذاهب الكلامية، وقلَّ من كان على مذهب أهل السنة، وكان - رحمه الله - معروفاً بالعبادة والزهد، قال الذهبي: له فضائل وتألُّه (¬4)، ولا غرابةَ في ذلك، فهو تلميذُ إمام الزهد في عصره - النَّووي - كما سبق أن أشرنا إليه. ¬

_ = الإمام الحافظ، مؤرخ الإِسلام، ومحدث العصر، أجاز له ابن العطار، وأبو زكريا ابن الصيرفي، والقطب ابن أبي عصرون، والقاسم الأربلي، وأخذ عنه التاج السبكي، والصفدي، وابن الزملكاني، عاش خمساً وسبعين سنة، ترك خلالها نحواً من مئة مصنف، وتوفي سنة 748 هـ. انظر: طبقات الشافعية للسبكي (5/ 216)، وفوات الوفيات للكتبي (2/ 183). (¬1) تذكرة الحفاظ (4/ 198). (¬2) المعجم المختص (ص 156). (¬3) المصدر السابق (ص 156). (¬4) ذيول العبر (ص 70).

مكانته العلمية

وقال الصفدي: (كان فيه زهد، وورع بلغ الجهد، وتعبد، وأمر بالمعروف) (¬1). • مكانته العلمية: لقد تبوأ ابنُ العطار - رحمه الله - مكانةً رفيعةً في العلم، شهد له بذلك معاصروه من أهل العلم، ويدلُّ على مكانته في العلم أمور، منها: 1 - أن الإِمام النَّووي - ومكانته في العلم معروفة - أوصاه إذا توفاه الله أن يكمل شرحَ المهذب، قال: (دفع لي ورقةً بعدَّة الكتب التي كان يكتب منها، ويصنف بخطه، وقال لي: إذا انتقلت إلى الله تعالى؛ فأتمم شرحَ المهذب من هذه الكتب)، قال ابنُ العطار: (فلم يقدَّرْ ذلك لي) (¬2). إنَّ إسنادَ النَّووي هذه الوظيفةَ - وهي إكمالُ هذا الكتاب الذي يُعَدُّ أفضل كتبه - دليل على مكانة ابن العطار، وشهادة من النووي له بالتقدم، وليس هذا فحسب بل إنَّ النووي حين رأى مقدرته، وعلوَّ كعبه في العلم، أذن له في إصلاح ما يقعُ له في تصانيفه، يقول: (فأصلحت بحضرته أشياء، فكتبه بخطه، وأقرَّني عليه) (¬3). 2 - ثناء أهل العلم عليه: قال الذهبي: (كان صاحبَ معرفة حسنة، وأجزاء وأصول، خرّجت له معجماً في مجلد) (¬4). وقال أيضاً: (وتفقه على الشيخ محيي الدين النووي، وسمع ¬

_ (¬1) أعيان العصر (3/ 247). (¬2) تحفة الطالبين (ص 54). (¬3) المصدر السابق (ص 54). (¬4) تذكرة الحفاظ (4/ 198).

وكتب الكثير، وحدث، ودرَّس، وأفتى مشيخة النورية (¬1)، والعلمية (¬2)، والقبجية (¬3)، وغير ذلك، وصنَّف أشياء مفيدة، خرّجت له معجماً في مجلد) (¬4)، وقال أيضاً: (ويلقب بمختصر النووي) (¬5). وفي هذا ردّ على اليافعي، حيث قال - بعد قوله: (له فضل، وتألُّه، واتّباع) -: (هكذا ذكر الذهبي، ولم يذكر ما قد عرف واشتهر وشاع، وتقرر عنه أنه من أصحاب الشيخ معتمد الفتاوى محيي الدين النووي) (¬6). قلت: والذي أوقعه في هذا الوهم أنه قرأ ترجمة ابن العطار في العبر للذهبي، فظن أنه لم يزد على ذلك في بقية كتبه، والحقيقة خلاف ذلك، والناس في ترجمته عيال على كتب الذهبي، كما أشرت إلى ذلك في بداية الترجمة. وقال ابنُ كثير: (سمع الحديث، واشتغل على الشيخ محيي الدين النووي، ولازمه؛ حتى كان يقال له: مختصر النووي، وله مصنفات وفوائد، ومجاميع وتخاريج) (¬7). ¬

_ (¬1) سيأتي قريباً - إن شاء الله - التعريف بالنورية. (¬2) العلمية، نسبة إلى واقفها وبانيها الأمير علم الدين سنجر المعظمي حيث بناها سنة ثمان وعشرين وستمئة، وهي بدمشق، شرقي جبل الصلحية. انظر: الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي (1/ 429). (¬3) القبجية هكذا، والصواب القليجية، إذ لعله خطأ مطبعي، وهي منسوبة إلى بانيها مجاهد الدين ابن قليج محمَّد بن شمس الدين محمود، وتقع في دمشق في موضع يقال له: قصر ابن أبي الحديد، ودرَّس بها علاء الدين ابن العطار. انظر: الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي (1/ 329). (¬4) المعجم المختص بالمحدثين (ص 157). (¬5) ذيول العبر (4/ 71). (¬6) مرآة الجنان (4/ 205). (¬7) البداية والنهاية (14/ 117).

وقال ابنُ تغري بردي: (كان فقيهاً محدثاً، وكانوا يسمونه مختصر النووي، ودرَّس، وأفتى سنين، وانتفع به الناس) (¬1). وقال الصَّفدي: (وكان فقيهاً أفتى ودرس، وركب الجادة في العلم، وألج وعرّس، وجمع وصنف، ونسخ الأجزاء وألَّف، ودار مع الطلبة ووطّف) (¬2). ومما يدل على اجتهاده، وحبه الخير، وحرصه على إيصاله إلى الآخرين، ما ذكره ابنُ جابر الوادي آشي بقوله: (وأصابه ألم - وهو الفالج - تعطَّل به عن التصرف، وبقي مقعداً، ولكن قواه الله فكتب بشماله الدواوين، وهو الآن يكتب بها الفتاوى، قال لي: ما كتبتُ بها قبل هذا الألم قط، فلله الحمد أن متَّعني بالكتْب بها) (¬3). 3 - هذه المؤلفات النفيسة التي كتبها في كل فن، هي خير شاهد على تبحره في فنون من العلم، وسيأتي ذكرها في المبحث الخاص ببيان مؤلفاته. 4 - أنه تولَّى التدريس في دار الحديث، ومدرسة القوسية والنورية والعلمية وغير ذلك، وسيأتي ذكر ذلك بالتفصيل - إن شاء الله - في مبحث تدريسه. ولا يخفى أنه لم يكنْ يتولى تدريسَ هذه المدارس إلا مَنْ كان على قدرٍ عالٍ من العلم، والإحاطة بفنون متنوعة؛ لكثرة وجود أهل العلم، فكونه يتمُّ ترشيحه من بين أئمة ذلك الزمن في تلك المنطقة، دليلٌ على تفوقه وسبقه في هذا المجال. وكلُّ هذه الأدلة تنطق بأن ابن العطار من كبار علماء زمانه علماً، ¬

_ (¬1) النجوم الزاهرة (9/ 188). (¬2) أعيان العصر (3/ 247). (¬3) برنامج ابن جابر الوادي آشي (ص 91).

وعملاً، وتأليفاً، وتدريساً، مع ما عرف به من الزهد، والعبادة، والصبر على قضاء الله وقدره مما أصابه من مرض الفالج؛ الذي استمر معه إلى وفاته طيلة عشرين عاماً، رحمه الله رحمة واسعة. بقي أن أشيرَ إلى ما ذكره الصَّفدي في ترجمته، ونقله عنه ابنُ حجر أنه: (عُقد يوماً مجلس بمشهد عثمان في أيام الأمير سيف الدين تنكز - رحمه الله - فطلب العلماء والفقهاء، وغصّ المجلس بالأعيان، فما كان إلا أن جاء الشيخ علاء الدين ابن العطار، وقد حمله اثنان في محفَّته على عادته، فلما رآه الشيخُ كمال الدين ابن الزملكاني، وقد دخلا به، قال: أيش هذا؟ من قال لكم تأتون بهذا، ورده تنكز إلى برّا، وجلس خارج الشباك، إلا أن ابن الزملكاني لحق كلامه بأن قال: قلنا لكم تحضرون العلماء، ما قلنا لكم تحضرون الصلحاء) (¬1)، وعليه بني ابن حجر قوله: (ولم يكن - أي: ابن العطار - بالماهر مثل الأقران؛ الذين نبغوا في عصره، حتى إنه عقد مجلس فحضره العلماء ...) فذكر القصة. أما ما ذكره الحافظ ابن حجر أنه لم يكن بالماهر مثل الأقران في عصره، إن كان يقصد أنه لم يكن مثل شيخه النووي في العلم، ولا مثل معاصريه كابن تيمية وابن كثير، ولم يبرز في العلم كما برز بعض تلاميذه كالذهبي، فهذا صحيح، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. أما ما صنعه ابنُ الزملكاني بابن العطار، وردّه من مشاركة مجلس العلماء بحجة أنه لم يكن من أهل العلم فهو غير مقبول، ولا يوافقه عليه منصفٌ عرف ابن العطار، ومنزلته في العلم، والظاهر أن ابن الزملكاني كان مترئساً على المجلس، ولكون الأمير سيف الدين حاضراً ¬

_ (¬1) أعيان العصر (3/ 247)، والدرر الكامنة (3/ 6).

تدريسه

كره أن يحضر هذا الشخص المريض المحمول على المحفة المجلس؛ ظناً منه أن حضوره غير لائق بمجلس يحضره الأعيان. والعجيب أن كمال الدين ابن الزملكاني ممن سمع من ابن العطار، واستفاد منه، بل إن الصَّفدي حين شرع بذكر بعض تلاميذه بدأ به، فقال: (وسمعه الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني بقراءته سنة سبع وتسعين، وابن الفخر، وابن المجد، والمجد الصيرفي، والبرزالي، والمقاتلي) (¬1). ورحم الله الإِمام الذهبي حين يعترفُ له بالفضل عليه، منوهاً بذكره في جميع كتبه، فيقول بعد ذكر سيرته ومؤلفاته: (انتفعت به، وأحسن إلي باستجازته لي كبار المشيخة) (¬2). • تدريسه: لم يتقلد ابنُ العطار منصباً رسمياً، وإنما تولى التدريسَ في مدارس علمية لنشر العلم بين طلابه، كما سبق أن ذكرته، ومن تلك المدارس: 1 - دار الحديث النُّورية: وهي التي بناها نورُ الدِّين محمود زنكي الملك العادل التركي، قال ابنُ كثير: (في شوال سنة أربع وتسعين وستمئة باشر مشيخة دار الحديث النورية الشيخ علاء الدين ابن العطار عوضاً عن شرف الدين المقدسي) (¬3). 2 - دار الحديث القوصية: نسبة إلى واقفها، ويقال له: القوصي، وهي بالرحبة من الجامع الأموي بدمشق، وتعتبر من مدارس الشافعية، ¬

_ (¬1) أعيان العصر (3/ 246). (¬2) المعجم المختص (ص 157). (¬3) البداية والنهاية (13/ 340)، وقال أيضاً: (تولى مشيخة النورية من 694 هـ إلى هذه السنة مدة ثلاثين سنة) (14/ 117).

فتاواه

قال النُّعيمي في كتاب الدارس: (لم نعلم ممن ولي مشيختها سوى الشيخ علاء الدين ابن العطار) (¬1). 3 - دار الحديث الدوادارية: نسبة إلى بانيها وواقفها الأمير علم الدين سنجر الدويدار التركي الصالحي، كان من نجباء الترك وشجعانهم وعلمائهم، وله أوقاف بدمشق والقدس، توفي سنة تسع وتسعين وستمئة، وقبل وفاته بسنة قال ابنُ كثير: (وفي سنة ثمان وتسعين وستمئة، وقف علم الدين سنجر الدويدار رواقه داخل باب الفرج، مدرسة ودار حديث، وولي مشيختها الشيخ علاء الدين ابن العطار، وحضر عنده القضاة والأعيان، وعمل لهم ضيافة) (¬2)، وكذلك تولى غيرها من المدارس الأخرى. • فتاواه: كان لابن العطار كغيره من أعيان العلماء فتاوى تصدر منه رداً على أسئلة ترد إليه من أقطار العالم، وحصل له في بعضها الأذى من قبل بعض مناوئيه. قال صلاح الدين الصَّفدي: (وفي شهر ذي القعدة سنة أربع وسبعمئة تكلم الشيخ شمس الدين ابن النقيب (¬3) وجماعة في بعض الفتاوى الصادرة عن الشيخ علاء الدين ابن العطار، وأن فيها تخبيطاً ومخالفة لمذهب الشافعي، وأنه ينبغي للفقهاء والقضاة النظر في ذلك، ¬

_ (¬1) الدارس في تاريخ المدارس (1/ 98). (¬2) البداية والنهاية (14/ 4)، والدارس في تاريخ المدارس (1/ 49). (¬3) هو شمس الدين أبو عبد الله محمَّد بن أبي بكر بن إبراهيم الدمشقي الشافعي ابن النقيب، سمع من أحمد بن شيبان وابن البخاري وغيرهما، وتولى قضاء طرابلس ثم عزل، توفي سنة خمس وأربعين وسبعمئة. انظر: الوفيات لابن رافع السلامي (1/ 504)، وطبقات الشافعية للسبكي (6/ 44).

مؤلفاته

وتوجَّهوا إلى الحكام، فحضر جماعةٌ إلى ابن العطار وقالوا: إنهم قد هيؤوا شهادات يشهدون بها عليك، فبادر هو إلى القاضي الحنفي، وصورت عليه دعوى، فحكم بإسلامه، وحقن دمه، وبقاء جهاته عليه، ونفذ حكم ذلك .... ووصلت القضية إلى الأفرم، فأنكر ذلك، وغضب لحصول الفتن بين الفقهاء، وأحضر ابن النقيب وجماعة، ورسَّم (¬1) عليهم بالقصر أربع ليال، وأحضروا بدار العدل، وسوعدوا، فأطلقوا بعد ذلك) (¬2). ومن هذا النقل المطول نستفيدُ - وإن لم نطّلع على نص فتاويه - أن ابن العطار أحياناً لم يكن يتقيد في فتاويه بمذهب الشافعي - رحمه الله -، وأن المقلدين لم يتحمَّلوا ذلك منه، إذ كان بعضهم يرى أن الخروج من المذهب جناية في حق الدين، وأن صاحبه يستحق العقاب، والمحاسبة على ذلك. • مؤلفاته: قال الذهبي: (وسمع، وكتب الكثير، وحدَّث، ودرَّس، وأفتى، وصنف أشياء مفيدة) (¬3). وقال ابن كثير: (له مصنفات، وفوائد، ومجاميع، وتخاريج) (¬4). ¬

_ (¬1) قال الزبيدي في تاج العروس (16/ 289): (رسّم في الأرض إذا غاب فيها، ويكنى به عن الموت. ورسّم له كذا: أي أمره به فارتسم، امتثل. يقال: أنا أرتسم مراسمك لا أتخطاها). قلت: والمقصود هنا الإقامة الجبرية، ولعله مأخوذ من الأمر بهذه الإقامة، وعدم تخطي ذلك الأمر. (¬2) أعيان العصر (3/ 248)، والدرر الكامنة (3/ 6). (¬3) المعجم المختص (ص 157). (¬4) البداية والنهاية (14/ 117).

1 - اختصار نصيحة أهل الحديث

وهكذا ذكر غيرُ واحد ممن ترجم له أن له مؤلفات، ولم يذكروها بالاسم، وما ذكر منها قليل جداً بجانب مؤلفاته الكثيرة، كما توحي إليه عبارات المترجمين، ومما ذكر من مؤلفاته (¬1): 1 - اختصار نصيحة أهل الحديث: قام المؤلفُ - رحمه الله - باختصار كتاب نصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي، وذكره الكتاني في فهرس الفهارس (¬2)، وبيّن أنه مطبوع في الهند. وذكر السُّليماني في تحقيقه لأدب الخطيب (¬3) بأنه توجد من هذا الكتاب نسخة في المكتبة الظاهرية غير منسوبة تحت رقم (1447) في مجموع من [83 - 85]. 2 - الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد: وهو كتابنا هذا الذي نحن بصدد تحقيقه، وسيأتي - إن شاء الله - التعريف به، ووصف نسخه الخطية. 3 - أدب الخطيب: ذكره الزركلي في: الأعلام (¬4)، وبروكلمان في: تاريخ الأدب العربي (¬5)، والكتاب مطبوع، وقام بتحقيقه الأستاذ محمَّد بن الحسين السليماني، حيث أجاد في خدمة الكتاب تحقيقاً وإخراجاً، وطبعته دار الغرب الإِسلامي ببيروت عام 1996 م. وقد اعتمد المحقق في إخراجه على نسخة خطية يتيمة، عثر عليها ¬

_ (¬1) قمت بترتيب مؤلفاته - رحمه الله - على حسب الحروف الهجائية. (¬2) فهرس الفهارس (2/ 829). (¬3) أدب الخطيب (ص 41). (¬4) الأعلام (4/ 251). (¬5) تاريخ الأدب العربي (2/ 100).

4 - تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين

في خزانة الفاتيكان بمدينة روما بإيطاليا، ضمن مجموعة من الكتب محفوظة تحت رقم واحد (1384 عرب) (¬1). 4 - تحفة الطالبين في ترجمة الإِمام محيي الدين: وهي ترجمة حافلة، صنّفها المؤلف - رحمه الله - في شيخه الإِمام النَّووي - رحمه الله - وفاءً له. ذكره اليافعي في: مرآة الجنان (¬2) وحاجي خليفة في: كشف الظنون (¬3) والبغدادي في: هدية العارفين (¬4) وبروكلمان في: تاريخ الأدب العربي (¬5). وتوجد منه نسخة في المكتبة الظاهرية تحت رقم (9509)، في ستة أوراق، ضمن مجموع من [51 - 56] , ورقمها في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي (1598). وقد طبع الكتاب بدار الصميعي للنشر والتوزيع بالرياض، الطبعة الأولى عام 1414 هـ، وقام بتحقيقه الأستاذ مشهور بن حسن آل سلمان. 5 - ترتيب الفتاوى النووية: ذكره ابنُ العطار - رحمه الله - في (تحفة الطالبين) في معرض كلامه عن مؤلفات النووي حيث قال: (ومنها كتاب الفتاوي رتبته أنا) (¬6). ¬

_ (¬1) أدب الخطيب (ص 72). (¬2) مرآة الجنان (4/ 205). (¬3) كشف الظنون (1/ 368). (¬4) هدية العارفين (5/ 717). (¬5) تاريخ الأدب العربي (1/ 680). (¬6) تحفة الطالبين (ص 79).

6 - حكم الاحتكار عند غلاء الأسعار

وأشار إليه البغدادي في: هدية العارفين (¬1) والزركلي في: الأعلام (¬2) وعمر رضا كحالة في: معجم المؤلفين (¬3). وتوجد منه نسخة في المكتبة الظاهرية تحت رقم (5641) في أربعين ورقة، ورقمها في مركز المساجد بدبي (1301). وقال السليماني محقق (أدب الخطيب): (وقد طبع الكتاب مراراً في مصر وسورية وباكستان ولبنان، إلا أن كل الطبعات خلت من التوثيق العلمي) (¬4). 6 - حكم الاحتكار عند غلاء الأسعار: ذكره ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية (¬5)، والنعيمي في الدارس (¬6) مع تحريف في اسمه بعنوان: (حكم الأخيار والاحتكار عند فقد غلاء الأسعار)، والزركلي في الأعلام (¬7). 7 - حكم البلوى وابتلاء العباد: ذكره ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية (¬8)، والنعيمي في الدارس (¬9). ¬

_ (¬1) هدية العارفين (5/ 717). (¬2) الأعلام (4/ 251). (¬3) معجم المؤلفين (2/ 387). (¬4) أدب الخطيب (ص 37). (¬5) طبقات الشافعية (2/ 271). (¬6) الدارس في تاريخ المدارس (1/ 71). (¬7) الأعلام (4/ 251). (¬8) طبقات الشافعية (2/ 271). (¬9) الدارس في تاريخ المدارس (1/ 71).

8 - رسالة في أحكام الموتى وغسلهم

8 - رسالة في أحكام الموتى وغسلهم: ذكره الزركلي في الأعلام (¬1)، وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي (¬2). وأشار السليماني محقق أدب الخطيب (¬3) إلى أنه توجد من هذه الرسالة نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية تحت رقم (962)، ضمن مجموع من [2 - 33]. 9 - رسالة في بيان الفرق الضالة: توجد منها نسخة خطية في دار الكتب الوطنية تحت رقم (18066) وهي في الأصل مأخوذٌ من مكتبة حسن حسني عبد الوهاب، وتقع في ثلاث ورقات، ورقمها في مركز الماجد بدبي (466/ 10). وأستبعد نسبة هذه الرسالة لابن العطار - رحمه الله - لأمور: أ - العنوان (رسالة في بيان الفرق الضالة) مغاير لما في مقدمة الرسالة حيث قال: (كتاب في العقائد). ب - لم يشر أحد أن هذه الرسالة منسوبة له، كما أن الرسالة نفسها لم تشر من قريب أو بعيد بنسبة ذلك إليه. جـ - إن هذه الرسالة تقرير مختصر لعقيدة الأشاعرة من إثبات الصفات السبع، وأن الإيمان هو التصديق، وأنه لا يزيد ولا ينقص، وأن الله يُرى لا في جهة ونحوها. وبالتالي فإن ما في هذه الرسالة مخالف تماما لما قرره ابن العطار في كتابه هذا. د - هذه الرسالة غلب عليها أسلوب المتكلمين من استخدام ¬

_ (¬1) الأعلام (4/ 251). (¬2) تاريخ الأدب العربي (2/ 104). (¬3) أدب الخطيب (ص 48).

10 - رسالة في السماع

عباراتهم وألفاظهم، وهذا ما لم أجده في جميع كتب ابن العطار التي اطلعت عليها؛ إذ تمتاز بالسهولة، واليسر، والوضوح. 10 - رسالة في السماع: توجد منها نسخة خطية في مكتبة تشستربتي تحت رقم (3296)، نسخت عام 904 هـ، تقع في ثلاث ورقات ضمن مجموع من [11 - 13] , ورقمها في مركز الماجد بدبي (286). 11 - سؤال عن قوم من أهل البدع يأكلون الحيات والنيران: توجد منها نسخة خطية في المكتبة الظاهرية تحت رقم (3808)، تقع في ثلاث ورقات، ضمن مجموع من [31 - 33] ورقمها في مركز الماجد بدبي (2360). 12 - شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك: أشار إليه حاجي خليفة في كشف الظنون (¬1)، والبغدادي في هدية العارفين (¬2). وقال السليماني محقق أدب الخطيب: (ونسبة هذا الكتاب إليه فيه نظر، فالمشهور الذي نصّ عليه المؤرخون هو شرح عمدة ابن سرور المقدسي) (¬3). 13 - العدة في شرح العمدة: ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (¬4)، والغزي في ديوان ¬

_ (¬1) كشف الظنون (2/ 1170). (¬2) هدية العارفين (5/ 717). (¬3) أدب الخطيب (ص 52). (¬4) الدرر الكامنة (3/ 6).

14 - فضل الجهاد

الإِسلام (¬1)، وعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين (¬2). وذكره ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية (¬3) باسم: (إحكام عمدة شرح الأحكام)، كما أشار إليه بهذا الاسم النعيمي في الدارس (¬4) والزركلي في الأعلام (¬5). وتوجد منه نسخة خطية في مكتبة تشستربتي تحت رقم (7367)، والموجود من هذه النسخة الجزء الثاني، وقد نسخت عام 760 هـ، ويقع في 262 ورقة، ورقمها في مركز الماجد بدبي (802). وقد طبع حديثاً بتحقيق نظام يعقوبي بدار البشائر ببيروت، كما حقق في عدد من الرسائل العلمية بجامعة أم القرى. 14 - فضل الجهاد: أشار إليه ابن قاضي شبهة في طبقات الشافعية (¬6)، والنعيمي في الدارس (¬7) والزركلي في الأعلام (¬8)، ورضا عمر كحالة في معجم المؤلفين (¬9). 15 - الفقه في حكم صيام جميع شعبان ورجب: توجد منه نسخة خطية في المكتبة الظاهرية تحت رقم (7164)، ¬

_ (¬1) ديوان الإِسلام (3/ 341) (¬2) معجم المؤلفين (2/ 378). (¬3) طبقات الشافعية (2/ 271). (¬4) الدارس في تاريخ المدارس (1/ 71). (¬5) الأعلام (4/ 251). (¬6) طبقات الشافعية (2/ 271). (¬7) الدارس في تاريخ المدارس (1/ 71). (¬8) الأعلام (4/ 251). (¬9) معجم المؤلفين (2/ 287).

16 - مجلس في زيارة القبور

وتقع في اثنتي عشرة ورقة، وقد نسخت في الحادي والعشرين من شهر جمادى الآخر سنة 713 هـ، ورقمها في مركز الماجد بدبي (1421). 16 - مجلس في زيارة القبور: وهو مجلس في زيارة القبور وأحكام المقبول منها والمحظور والمشروع، والمعروف والمنكور، وما يتعلق بذلك من المحدثات المؤدّيات إلى الآثام والفجور. وذكر السليماني محقق أدب الخطيب (¬1) بأنه توجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية تحت رقم (962)، ضمن مجموع من [33 - 75] , وقد نسخت عام 717 هـ. كما بيَّن السليماني (¬2) أن الكتاب طبع طبعةً سقيمة، ونشرته دار الصحابة للتراث بطنطا عام 1412 هـ. 17 - مسألة في حكم المكوس: أشار إليها بروكلمان في تاريخ الأدب العربي (¬3). وتوجد منها نسخة خطية في المكتبة الظاهرية تحت رقم (2961)، تقع في خمسة أوراق، ضمن مجموع من [109 - 113] وقد نسخت منه سنة 753 هـ، ورقمها في مركز الماجد بدبي (1112). 18 - معجم الشيوخ: أشار إليه البغدادي في هدية العارفين (¬4). ¬

_ (¬1) أدب الخطيب (ص 38). (¬2) المرجع السابق (ص 40). (¬3) تاريخ الأدب العربي (2/ 100). (¬4) هدية العارفين (5/ 717).

19 - الوثائق المجموعة

والظاهر أنه نُسب إليه هذا الكتاب خطأً؛ إذ من المعروف أن الذهبي هو الذي صنع معجماً لشيوخ ابن العطار. وقد بين السليماني (¬1) أن هذا وهمٌ ظاهر؛ خاصة وأنه لم ينسبه إلى ابن العطار غير البغدادي. 19 - الوثائق المجموعة: أشار إليه بروكلمان في تاريخ الأدب العربي (¬2)، وعزا إلى نسخة منه في مكتبة جامع القرويين بفاس. وبيّن السليماني (¬3) أنه من الكتب المنسوبة إليه خطأً، حيث قال: (وبالرجوع إلى هذه النسخة تبيّن لي أنها ليست له، وإنما هي لمحمد بن أحمد المعروف بابن العطار المتوفى سنة 399 هـ). • وفاته: قال الذهبي: (مات في أول ذي الحجة بدمشق سنة أربع وعشرين وسبعمئة عن سبعين سنة) (¬4). وكان قد أصيب - رحمه الله - بالفالج سنة إحدى وسبعمئة، وكان يحمل في محفة، ويكون فيها جالساً، ويدار به كذلك إلى الجامع والمدارس، ولم يزل على حاله إلى أن توفي - رحمه الله - (¬5). ¬

_ (¬1) أدب الخطيب (ص 53). (¬2) تاريخ الأدب العربي (2/ 100). (¬3) أدب الخطيب (ص 52). (¬4) المعجم المختص (ص 157)، والعبر للذهبي (4/ 71)، ومعجم شيوخ الذهبي (ص 352). (¬5) أعيان العصر (3/ 147).

الفصل الثاني: دراسة الكتاب

الفصل الثاني: دراسة الكتاب وفيه مباحث: المبحث الأول: عنوان الكتاب، ونسبته لمؤلفه. المبحث الثاني: مصادر المؤلف في كتابه. المبحث الثالث: عرض لأهم قضايا الكتاب. المبحث الرابع: منهج المؤلف في كتابه. المبحث الخامس: وصف النسخ الخطية. المبحث السادس: تقويم الكتاب.

المبحث الأول: عنوان الكتاب ونسبته لمؤلفه

المبحث الأول: عنوان الكتاب ونسبته لمؤلفه وفيه مطلبان: المطلب الأول: عنوان الكتاب. المطلب الثاني: نسبة الكتاب إلى مؤلفه.

المطلب الأول: عنوان الكتاب

المطلب الأول: عنوان الكتاب أما اسمُ الكتاب فهو: الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، نصَّ على ذلك ابن العطار نفسه - رحمه الله - في آخر الكتاب، حيث قال: (فهذا ما يسَّره الله تعالى من الكلام في الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، والحمد لله أولاً وآخراً) (¬1). وهذا الاسمُ أيضاً مثبت ومكتوب على مقدمة النسخة الأصلية (ص) صفحة رقم (20 ب). كما أنه مثبت أيضاً ومكتوب في الصفحة الثانية من مقدمة نسخة (ظ) في الزاوية اليسرى من علو الصفحة (ب). وممن ذكر الكتاب بهذا الاسم خير الدين الزركلي في كتابه: الأعلام (¬2). وقد ذكر الكتاب باسم آخر، وهو: أصول أهل السنة في الاعتقاد، حيث وجد هذا الاسم في الصفحة الأولى من مقدمة نسخة (ظ) في علو الصفحة (ب). وذكره عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين (¬3) بهذا الاسم أيضاً. والذين ذكروه بهذا الاسم اعتمدوا على ما قاله المؤلف ابن العطار - رحمه الله - في مقدمة كتابه هذا، حيث قال: (أما بعد، فهذا كتابٌ صنفته على أصول أهل السنة في الاعتقاد من غير زيد) (¬4) ويظهر من ¬

_ (¬1) انظر: (ص 461). (¬2) الأعلام (4/ 251). (¬3) معجم المؤلفين (2/ 387). (¬4) انظر: (ص 118).

المطلب الثاني: نسبة الكتاب إلى مؤلفه

خلال كلامه - رحمه الله - أنه لم يردْ به تسمية الكتاب بذلك، وإنما أراد بيان موضوع الكتاب، وأنه متضمن لأصول أهل السنة في الاعتقاد. وعليه فإن الرَّاجحَ عندي إثباتُ الاسم الأول، وهو: الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، دون الثاني، والله أعلم. المطلب الثاني: نسبة الكتاب إلى مؤلفه لا شكَّ عندي في صحة نسبة هذا الكتاب: (الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد): إلى مؤلفه ابن العطار - رحمه الله -، ويدلُّ على ما ذكرت أدلة وشواهد، تؤكد صحة هذه النسبة، وهي كما يلي: 1 - وجودُ اسم المؤلف على صفحة غلاف الكتاب، حيث جاء في الصفحة الأولى من نسخة (ص): (كتاب الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، تأليف الشيخ الإمام العالم العامل الصدر، الحافظ المحقق، بقية السلف، قدوة الخلف، علاء الدين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطار). وجاء أيضاً في الصفحة الثانية من النسخة (ظ): (كتاب الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، تأليف الإمام علاء الدين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطار - رحمه الله -). 2 - أن هذا الكتاب لم يُعْزَ إلى غير ابن العطار، إذ من خلال بحثي لم أَرَ من نسبه إلى غير مؤلفه، أو نازع فيه، أو من نفى هذا الكتاب عنه، ولم أجدْ من شكك في صحة هذه النسبة إليه، وعليه فيبقى إثبات هذا الكتاب: الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، لمؤلفه ابن العطار - رحمه الله - أمراً لا شك، ولا مطعنَ فيه.

3 - أنَّ كاتبَ نسخة (ظ) وهو محمد بن إبراهيم كتب هذه النسخة، ونقلها من نسخة الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد ابن الفقير إلى الله تعالى الشيخ علم الدين سليمان بن داود الجوهري، والذي كتبها وقرأها على مؤلفها رحمه الله تعالى، وسليمان بن داود هذا هو سليمان بن داود بن إبراهيم بن داود ابن العطار، وأبوه هو جمال الدين أَبو سليمان داود بن إبراهيم ابن العطار، العالم الفقيه، أخو مؤلف هذا الكتاب علاء الدين علي بن إبراهيم ابن العطار، ويعتبر داود من شيوخ الذهبي، حيث ذكر عنه أنه: له أجزاء عالية، وفيه تعبد وخير. وقال: إنه سمع الكثير، ونسخ كتباً كباراً، وله أثبات وأصول (¬1). 4 - أن العلامة ابن العطار - رحمه الله - شافعي المذهب، وهناك عبارات وردت في الكتاب يستأنس بها على ما ذكرنا، كما تدل على أن مؤلفها شافعي، ومن ذلك قوله: (وإمامنا أَبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي) (¬2)، وقوله: (قال علماؤنا) (¬3)، وغيرها. 5 - وردت عبارات وألفاظ في هذا الكتاب، توافق وتماثل ما ورد في كتب ابن العطار الأخرى، والتي دَرَجَ المؤلفُ - رحمه الله - على تكرارها، وذكر هذا الدليل محمد السُّليماني في تحقيقه لكتاب أدب الخطيب (¬4) لابن العطار الشافعي - رحمه الله - مؤلف هذا الكتاب. ومن هذه العبارات قوله: (والله يعلم المفسد من المصلح) وغالباً ما يذكرها المؤلف - في نهاية كل فصل (¬5) من هذا الكتاب، ونجد أنه ¬

_ (¬1) انظر: المعجم المختص بالمحدثين (ص 94)، ومعجم شيوخ الذهبي (ص 190) (¬2) انظر: (ص 222). (¬3) انظر: (ص 255). (¬4) أدب الخطيب (ص 61 - 62). (¬5) انظر: (ص 146).

ذكرها في كتابه: أدب الخطيب (¬1)، ورسالته في السماع (¬2). ومن هذه العبارات قوله عن العلماء أنهم: (وصلة بين الخلق وخالقهم) (¬3) حيث ذكرها في كتابه أدب الخطيب (¬4)، وتحفة الطالبين (¬5). 6 - أن عدداً ممن ترجم لابن العطار - رحمه الله - أشار إلى نسبة هذا الكتاب إليه كخير الدين الزركلي في الأعلام (¬6)، وعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين (¬7) وسماه: أصول أهل السنة في الاعتقاد، وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي (¬8). ¬

_ (¬1) أدب الخطيب (ص 155). (¬2) لوحة رقم (13). (¬3) انظر: (ص 345). (¬4) أدب الخطيب (ص 152). (¬5) تحفة الطالبين (ص 59). (¬6) الأعلام (4/ 251). (¬7) معجم المؤلفين (2/ 387). (¬8) تاريخ الأدب العربي (2/ 100).

المبحث الثاني: مصادر المؤلف فى كتابه

المبحث الثاني: مصادر المؤلف فى كتابه نظراً لكثرة النقول التي نقلها المؤلف - رحمه الله - عن الأئمة والأعلام، فقد تعددتْ مصادره وموارده التي اعتمد عليها، وأخذ منها مباشرة، أما ما ذكره من مصادر نقلها بوساطة غيره فإني لا أعتبرها من موارده، وهذه المصادر هي كالآتي: 1 - في مقدمة هذه المصادر الكتاب والسنة، ونلاحظ ذلك من كثرة استدلاله بالآيات والأحاديث. 2 - كتاب الأم، للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس القرشي الشافعي، المتوفى سنة 204 هـ، والكتاب مطبوع بتحقيق محمد زهري النجار، وطبعته دار المعرفة ببيروت. 3 - كتاب المستعمل في الفقه، لأبي الحسن منصور بن إسماعيل التميمي الشافعي، المتوفى سنة 306 هـ، وقد بحثت عنه فلم أجده. 4 - كتاب صريح السُّنة، للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310 هـ، والكتاب مطبوع، وقام بتحقيقه بدر بن يوسف المعتوق، وطبعته دار الخلفاء للكتاب الإسلامي بالكويت. 5 - متن العقيدة الطحاوية للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، المتوفى سنة 321 هـ. وقد اشتهرت عقيدته، وانتشرت، وشرحها العلماء، وعلَّقوا

عليها، وممن شرحها الإمامُ القاضي علي بن علي بن محمد بن أبي العز الدمشقي، المتوفى سنة 792 هـ. 6 - كتاب صحيح ابن حبان، للحافظ أبي حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان البستي، المتوفى سنة 354 هـ، وكتابه مطبوع، وقام بترتيبه علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، وقام بتحقيقه شعيب الأرنؤوط، وطبعته مؤسسة الرسالة ببيروت. 7 - كتاب اعتقاد أهل السنة للحافظ أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، المتوفى سنة 371 هـ، والكتاب مطبوع، وقام بتحقيقه جمال عزون، وطبعته دار الريان بالإمارات، وكذلك حققه الدكتور محمد الخميس. 8 - كتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث، لأبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني المتوفى سنة 449 هـ، والكتاب مطبوع، وقام بتحقيقه الدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، وطبعته دار العاصمة بالرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ. 9 - كتاب الأسماء والصفات، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة 458 هـ، والكتاب مطبوع، وحققه عبد الله بن محمد الحاشدي، ونشرته دار السوادي بجدة، الطبعة الأولى عام 1413 هـ، كما قام بتحقيقه غير واحد. 10 - كتاب الوسيط في تفسير القرآن المجيد، لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي، المتوفى سنة 468 هـ، والكتاب مطبوع، وحققه مجموعة من الباحثين في دار الكتب العلمية ببيروت - لبنان، الطبعة الأولى عام 1415 هـ. 11 - كتاب التتمة، لأبي سعيد عبد الرحمن بن مأمون المتولي

الشافعي، المتوفى سنة 478 هـ، والكتاب منه أجزاء مخطوطة، وسيأتي التعريف به - إن شاء الله - في موضعه. 12 - كتاب الحجة على تارك المحجة، لأبي الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي، المتوفى سنة 490 هـ، وقد بحثت عنه فلم أجده مطبوعاً ولا مخطوطاً. وقد طبع مختصره حديثاً بتحقيق الدكتور محمد إبراهيم محمد هارون، ونشرته دار أضواء السلف، بالرياض، الطبعة الأولى، عام 1425 هـ. 13 - ومن مصادره أيضاً أَبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد المعافري المالكي، المعروف بابن العربي، المتوفى سنة 543 هـ، صنف أحكام القرآن، والعواصم من القواصم، وغيرها من المصنفات. 14 - كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى، لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، المتوفى سنة 544 هـ. والكتاب مطبوع، وقام بتحقيقه علي محمد البجاوي، وطبعته دار الكتاب العربي ببيروت، كما قام بتحقيقه أكثر من باحث. 15 - كتاب إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض بن موسى اليحصبي، المتوفى سنة 544 هـ، والكتاب مطبوع، وقام بتحقيقه يحيى إسماعيل، وطبعته دار الوفاء بمصر في طبعته الأولى عام 1419 هـ. 16 - كتاب البحر، لجمال الدين عبد الحميد بن عبد الرحمن الشيرازي الشافعي، توفي سنة نيف وثلاثين وسبعمئة، وبحثت عن الكتاب فلم أجده.

المبحث الثالث: عرض لأهم قضايا الكتاب

المبحث الثالث: عرض لأهم قضايا الكتاب يحتوي الكتاب على مسائل متنوعة، وقضايا عديدة، ومن أهمها: أولاً: النُّزول: ذكر المؤلف - رحمه الله - صفة النزول في موضعين من كتابه: الموضع الأول ضمن الفصل الأول، والآخر حيث عقد له فصلاً كاملاً، وهو الفصل التاسع. وقد بيّن أنه يجب الإيمان بهذه الصفة دون تأويل، ولا تكييف لها، وأنه تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ويوم عرفة، وليلة النصف من شعبان كيف يشاء، نزولاً يليق به - سبحانه وتعالى -. كما بين أن حديث النزول رواه جمع من السلف من طرق عديدة عن كثير من الصحابة - رضي الله عنهم -، ثم ساق حديث نزول الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وحديث نزوله عشية عرفة عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، وأثر أم سلمة - رضي الله عنها - في نزوله يوم عرفة، وكذلك حديث نزوله تعالى ليلة النصف من شعبان عن عائشة - رضي الله عنها -. ثم ذكر أقوالاً في إثبات صفة النزول عن الإمام الحافظ أبي بكر الإسماعيلي - رحمه الله -، وشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني - رحمه الله -.

ثانيا: الرؤية

ثانياً: الرؤية: أفرد المؤلفُ - رحمه الله - لموضوع الرؤية فصلاً مستقلاً، وهو الفصل الخامس. وجُلُّ ما ذكره في هذا الفصل استفاده من القاضي عياض في كتابيه: إكمال المعلم بفوائد مسلم، والشفا بتعريف حقوق المصطفى. وبيّن - رحمه الله - في هذا الفصل أنَّ رؤيةَ الله - عز وجل - في الجنة حَقٌّ، وأنه يجبُ الإيمان بها، كما بيّن أن رؤيته في الدنيا مناماً جائزة وصحيحة، وعقَّب بعدها بقولين للقاضي عياض، والقاضي الباقلاني. ثم ذكر الخلافَ بين الصحابة - رضي الله عنهم - وأئمة السَّلف رحمهم الله في مسألة رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ليلة المعراج، ذاكراً أقوال العلماء، ومبيناً الراجح في هذه المسألة، مع الجمع بين النصوص. ثم بيّن مسألة جواز رؤية الله تعالى في الدنيا عقلاً، ذاكراً الدليل على ذلك، كما ساق بعضَ أقوالِ أهل العلم في هذه المسألة. وأعاد مرة أخرى مسألةَ رؤية المؤمنين ربهم - عز وجل - يوم القيامة بأبصارهم في الجنة. كما بيّن أن الكفار عن رؤية الله تعالى محجوبون. ثالثاً: مسألة خلق القرآن، واللفظ به: بيّن ابنُ العطار - رحمه الله - في الفصل السابع مذهب أهل السنة والجماعة في القرآن، وأنه كلامُ الله غير مخلوق، وأنه صفةٌ من صفاته، وأن جبريل - عليه السلام - نزل به على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبلّغه أمته، وهو الذي تحفظه الصُّدور، وتتلوه الألسنُ، ويكتب في المصاحف، وأيقن المؤمنون أنه كلامُ الله حقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، ومن زعم أنه مخلوق فقد كفر، ثم ساق - رحمه الله - حُكْمَ الإمام أبي بكر ابن خزيمة فيمن قال: إن القرآن مخلوق.

رابعا: الفوقية والعلو

وتطرق بعدها لمسألة اللفظ بالقرآن، وبيّن الحق في هذه المقالة، حيث ساق كلاماً للإمام أبي بكر الإسماعيلي، وابن مهدي الطبري، وإسحاق بن راهويه، ثم أتى بكلام الإمام ابن جرير الطبري، والذي أثنى فيه على قول الإمام أحمد بن حنبل المشهور في هذه المسألة، ثم نقل شرح الإمام الصابوني وتعليقه على كلام الإمام أحمد. رابعاً: الفوقية والعلو: عرض المؤلفُ لهذه المسألة بأنْ جَعَلَ لها فصلاً مستقلاً، وهو الفصل الثامن، حيث أثبت الفوقيةَ صفةً ثابتة لله - سبحانه وتعالى - من كل وجه على ما يليق به جلَّ جلاله، دون تحريف، أو تأويل، أو تكييف. واستدلَّ على إثباتها بآيات كثيرة من القرآن، حيث ذكر الآيات الدالة على الفوقية والقهر صراحة، وآيات الاستواء وذكر العرش، والصعود والرفع والعروج، وأنه في السَّماء. كما نَقَلَ إجماعَ الأمة من السلف على إثبات علوه، وأنه سبحانه على عرشه فوق سمواته. ثم ذكر أقوالًا ونقولًا لأئمة السلف وأعيانهم تؤيد ما ذكره، حيث ذكر قولًا لعبد الله بن المبارك، ونقلًا عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي؛ ذكر فيه عقيدة أبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين. ثم سرد الحوارَ الذي نقله الصَّابوني بين إسحاق بن راهويه وأحد قواد الأمير عبد الله بن طاهر، وأعقبه بقول أبي بكر ابن خزيمة في هذه المسألة، ثم ذكر احتجاج الإمام الشافعي بحديث الجارية السوداء على إثبات صفة العلو والفوقية. خامساً: الإيمان: عقد المؤلف لهذه المسألة فصلاً هو الفصل الثاني عشر، إذ بيّن وجوب اعتقاد أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وأن علماء السَّلف

من أهل السُّنة والجماعة أجمعوا على ذلك؛ ناقلًا الإجماع عن أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي. ومما استدلَّ به أثر عمير بن حبيب الأنصاري - رضي الله عنه -، كما نبه إلى أنَّ العملَ داخل في مسمى الإيمان، ذاكراً إنكار الأوزاعي، ومالك، وسعيد بن عبد العزيز على من يقول: الإيمان إقرار بلا عمل. ثم ذكر قولًا للصَّابوني أوضح فيه تأثيرَ الطاعة من حيث الكثرة والقلة في الإيمان، ثم نقل الحوارَ الذي دار بين عبد الله بن المبارك وبين رجل من أهل الريّ يرى رأي الخوارج. واستدلَّ على مسألة الزيادة في الإيمان بحديث رواه ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأثر عن عمر، في مناقب وفضل أبي بكر الصديق. ثم ذكر ما نقله ابن خزيمة من الحوار؛ الذي دار بين أحمد بن سعيد الرباطي والأمير عبد الله بن طاهر حول حقيقة المرجئة. وأخيراً ذكر عقيدة أحمد بن حرب في هذه المسألة نقلًا عن ابن خزيمة. وفي الفصل الثَّالث عشر ذَكَر أنَّ المؤمن لا يكفّر بالصغائر والكبائر إذا مات ولم يتب منها، وأعاد هذه المسألة في الفصل الثَّالث والعشرين؛ مبيناً عدم تكفير أهل القبلة بكلِّ ذنب. ثم ذكر حُكْمَ مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب منها؛ مبيناً أنه تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذَّبه على قدر كبيرته، ثم يخرجه من النار إلى الجنة، وبيّن أن الموحد لا يُخلد في النار بل يعذب، ويُلقى فيها، ثم يخرج منها، كما وضّح أن إلقاء المؤمن المذنب في النار ليس كإلقاء الكافر فيها، ثم ساق كلاماً للشيخ أبي الطَّيب سهل بن محمد الصعلوكي، مبيناً الفروق بين عذاب المؤمن

سادسا: القضاء والقدر

وعذاب الكافر في النار، وذكر بعده شرح الإمام الصابوني لكلام أبي الطيب الصُّعلوكي. وتطرَّق بعدها لمسألة حكم تارك الصلاة عمداً، مبيناً اختلاف العلماء فيها، وذكر من كفّره من العلماء، وساق لهم دليلين وأثراً، ثم أعقبه بذكر الفريق الآخر؛ الذي لا يرى كفره، وساق دليلهم، وتعليلهم. سادساً: القضاء والقدر: تطرق المؤلفُ لبعض مسائل القضاء والقدر في فصول متعددة. ففي الفصل الخامس عشر ذكر وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، واعتقاد أنَّ الخير والشر، والنفع والضر، والحلو والمر بقضاء الله وقدره، وأن نَفْعَ العباد وضرهم بيد الله، وساق دليلين من القرآن والسُّنة على ذلك. ثم بيّن أن الشر لا يُضاف وحده إلى الله، فلا يقال: يا خالقَ الشر، وإن كان لا خالقَ للخير والشر إلا الله، وساق الأدلةَ على ذلك من القرآن والسُّنة. وفي الفصل السَّادس عشر بيّن وجوب اعتقاد أن الله مريدٌ لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، وأنَّ كلَّ ما يحصل ويحدث هو بمشيئته وإرادته، مستشهداً ببعض النصوص من القرآن على ذلك. وذكر في الفصل الرابع عشر أن أكسابَ العباد مخلوقة لله. كما وضَّح أن الله يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله مستدلاً على هذه المسألة بنصوص من القرآن والسُّنة. وفي الفصل التَّاسع والعشرين بيّن أن الله أجَّل لكلِّ مخلوقٍ أجلاً، وأن نفساً لن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، ذاكراً بعض الأدلَّة من القرآن على ذلك. وذكر في الفصل السَّادس والثلاثين مسألة الاستطاعة، حيث بدأها بمسألة التوفيق والخذلان، ثم ذكر الاستطاعة الكونية التي يجبُ بها

سابعا: الحب والبغض في الله

الفعل، وهي مناطُ القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل، وتكون مع الفعل لا قبله، ثم ساق قولَ الإمام الطحاوي في نوعي الاستطاعة. سابعاً: الحب والبغض في الله: ذكر المؤلفُ هذه المسألةَ في ثلاثة فصول متعاقبة، حيث وضَّح في الفصل الرَّابع والثَّلاثين أن الحب في الله والبغض فيه من أوثق عرا الإيمان، مستدلاً على ذلك ببعض الآيات والأحاديث. ثم بيّن وجوب حب الله ورسوله مفصِّلاً المعنى في ذلك، كما ذكر وجوب محبة أهل الإيمان والطاعة، وبغض أهل الكفر والبدع والعصيان، موضِّحاً أن ترك ما أحبه الله ورسوله هو سبب الفتنة والعذاب. وفي نهاية هذا الفصل ذكر أنَّ للمحبة أحكاماً كأحكام العبادات سواء بسواء. وفي الفصل الخامس والثَّلاثين بيّن وجوب محبة الأولياء والعلماء، بدءاً بالصَّحابة والتَّابعين وتابعيهم، ومروراً بالعلماء في كل عصر وزمان؛ لأنهم خير الناس، وورثة الأنبياء. وفي الفصل الثَّالث والثلاثين أوصى المسلمين بالتَّحابِّ في الله والعمل بالحق، والصَّبر عليه، ومعاداة أهل الاهواء والبِدَع وبغضهم، ثم بيّن علامات أهل البدع حتى يعرفهم المسلمون، ويحذروهم، ومن أظهر علاماتهم بغضهم للسلف الصالح، ومعاداتهم لأصحاب الحديث من أهل السنة والجماعة. ثامناً: الكفر: بيّن المؤلف في الفصل الثَّامن والثَّلاثين نوعي الكفر، وهما: الكُفر الشَّرعي، والكُفر اللغوي، والشَّرعي: ما نطق الشَّارعُ الحكيمُ به، واللغوي: هو شرعيٌّ في الأصل؛ إلا ما علم أن المراد خلافه. ثم ذكر معاني الكُفر في اللغة موضحة بالأمثلة والأدلة. ثم وضَّح أن إطلاق الكفر على المعاصي إنما لقصد الزَّجر عنها، ذلك أن النُّصوصَ الواردةَ

فيها تمرُّ كما جاءت، ونأخذ بظاهرها المفهوم منها، فهي جاءت بالوعيد والتخويف، وذكر على هذه المسألة بعضَ الأمثلة من الكتاب والسُّنة. وبيّن - رحمه الله - في الفصل الثالث والعشرين أن من الأصول عدم تكفير أهل القبلة بكلِّ ذنب، كما حذَّر من تكفير المسلم بغير وجه حق، ذاكراً الأدلة على ذلك، بل إن تكفير الأنبياء والمرسلين والصحابة والأولياء والعلماء أعظم وأشد. وقد ركز المؤلفُ كثيراً حول مسألة التكفير، وذكر الأعمال والأقوال المكفّرة في كلِّ باب غالباً.

المبحث الرابع: منهج المؤلف فى كتابه

المبحث الرابع: منهج المؤلف فى كتابه حاولت من خلال قراءتي لهذا الكتاب، أن أظهر وأبين منهج المؤلف - رحمه الله - قدر الإمكان، ويمكنُ أن ألخص منهجه من خلال ما يلي: 1 - استدلاله بالنُّصوص من القرآن والسُّنة على ما ذكره من مسائل، ويختلف هذا الاستدلال كثرة وقلَّة من فصل إلى آخر. 2 - منهجه في عرض مسائل العقيدة هو تقريرها وبيانها، مدعماً ذلك بالأدلة، مع بعده عن منهج المناقشة والردّ على المخالفين. 3 - قسَّم كتابه إلى فصول، جاعلاً كل موضوع مستقلّاً في فصل غالباً. 4 - عناية المؤلف - رحمه الله - بالأحاديث، من حيث العزو والتصحيح غالباً، وأحياناً يذكر الحديث دون عزو، ولا حكم عليه. ثم إنه يشيرُ أحياناً إلى أنه قد روى ذلك الحديث بسنده، فيقول: رويناه عن فلان، أو روينا بإسنادنا إلى فلان، أو روينا بإسنادنا في كتاب كذا، أو روينا في صحيح البخاري بإسنادنا إلى فلان ..... إلخ. ثم إنه قد يذكر بعض الأحاديث الضعيفة على سبيل الاعتضاد لا الاستشهاد، وهذا قليل جداً كما يظهرُ من خلال تخريج الأحاديث. وعموماً فالمؤلف - رحمه الله - قد عدَّه الذهبي من العلماء المحدثين؛ الذين لهم رواية ودراية بالحديث النبوي. 5 - أكثر المؤلفُ النقلَ عن الأئمة في كتابه.

ونقله يتردَّد بين الطُّول والقصر، وبين العزو وعدمه، ثم إنه ينقلُ أحياناً بالنص، وأحياناً أخرى بتصرف في النقل يسيراً كان ذلك التصرف أم كثيراً، وأحياناً يشرحُ بعد النقل أو يعقب. 6 - طرق المؤلفُ للمواضيع والمسائل غير منتظم، فأحياناً قد يطيلُ كما في الرؤية والنزول، ومسألة اللفظ والمكفرات القولية والعملية، وأحياناً يختصر، كما أنه قد يكرر بعضَ المسائل في مواضع مختلفة كمسألة النزول؛ ولعل ذلك راجعٌ إلى كثرة نقله عن الأئمة رحمهم الله. 7 - إذا ذكر المؤلف موضوعاً ما؛ فإنه يذكر غالباً مكفرات ذلك الموضوع. 8 - يُظهر المؤلفُ - رحمه الله - أحياناً آراءه وشخصيته العلمية، فيقول مثلاً: قلت، وقلنا، وهذا كلام نفيس، وأنا أعتقده، والصواب، والتحقيق ونحوها من العبارات والألفاظ. 9 - يستطرد المؤلفُ أحياناً في بعض المواضيع ويسترسلُ، كما أنه أحياناً يذكر بعض المسائل الفقهية.

المبحث الخامس: وصف النسخ الخطية

المبحث الخامس: وصف النُّسخ الخطيَّة وفيه مطالب: المطلب الأول: وصف النُّسخ الخطيَّة. المطلب الثاني: التَّملكات والتَّعليقات. المطلب الثالث: تقويم المطبوع من الرِّسالة.

المطلب الأول: وصف النسخ الخطية

المطلب الأول: وصف النُّسخ الخطية اعتمدتُ في تحقيقي لهذا الكتاب على ثلاث نسخ خطية، وهي: النُّسخة الأولى: وتوجد نسخةٌ منها في المكتبة الظَّاهرية بدمشق - سورية، تحت رقم (2961)، وتقع في سبع وخمسين لوحة، ضمن مجموع يبدأ من (20) وإلى (76). وقد نسخت على يد جمال الدين إبراهيم، وتم الفراغ من نسخها يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وسبعمئة، وقام بالتَّعليق والتَّصحيح عليها علي بن إبراهيم الغزاوي الحنبلي. وعثرتُ على نسخة مصورة منها في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، ورقمها في المركز (1112). وتمتازُ هذه النُّسخة بوضوح الخط وسلامتها من المسح والطَّمس، وهي فيما تبدو مكتملة من خلال تناسق وتجانس الكلام، ولا يوجدُ بها سقط، وفي الوقت نفسه هي نسخة مُصحَّحة. وهذه النُّسخةُ منقولةٌ عن أصل مكتوب سنة تسع وسبعمئة من الهجرة، في حياة المؤلف ابن العطار - رحمه الله - ومقابلة عليه. وقد جعلتها النسخة الأصلية، ورمزت لها بـ (ص). ومما جعلني أعتمدها أصلاً ما يلي:

النسخة الثانية

1 - ما ذكرتُ آنفاً من وصفها من حيث تكاملها، وتناسقها، وتجانسها، وبالتالي فهي أقلُّ خطأ من غيرها. 2 - أنَّ هذه النسخةَ أقدمُ من حيث النسخ، إذ نسخت سنة ثلاث وخمسين وسبعمئة من الهجرة. 3 - أنها نسخةٌ مصحَّحةٌ. النُّسخة الثانية: وتوجد نسخةٌ منها في المكتبة الظَّاهرية بدمشق - سورية، تحت رقم (2934)، وتقع في سبعين لوحة. وقد نسخت على يد محمد علي بن إبراهيم، وتمَّ الفراغُ من نسخها يوم الخميس الرابع عشر من شهر جمادى الآخر سنة ثمان وثمانين وسبعمئة من الهجرة. وكتبها النَّاسخ من النُّسخة المنقولة من نسخة الشَّيخ الإمام العالم العلامة شمس الدين محمد بن الشَّيخ علم الدين سليمان بن داود الجوهري، الذي قرأها على مؤلفها - رحمه الله -. وعثرتُ على نسخة مصورة منها في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، ورقمها في المركز (2071). وتمتازُ أيضاً هذه النُّسخة بوضوح الخط وسلامتها من المسح والطمس، وهي شبه مكتملة. ولكن يُؤخَذُ عليها وجود سقط فيها يقدر بحوالي ثلاثة فصول تقريباً، والسَّقط في هذه النُّسخة يبدأ تحديداً في النُّسخة الأصل من اللوحة رقم (27/ ب) من قوله: (وهذا عامٌّ في الكفار والمسلمين) إلى اللوحة رقم (34/ ب) بقوله: (لاعتقاده أن الله تعالى فوق خلقه). وقد رمزت لها بـ: (ظ).

النسخة الثالثة

النُّسخة الثالثة: وقد عثرتُ عليها مصورة عند أحد الأصدقاء في المدينة النبوية، وهي مصوَّرةٌ عن نُسخة خطية موجودة في مكتبة أثينا ضمن خزانة الفاتيكان في روما بإيطاليا. وتقع في اثنتين وثلاثين لوحةً، ضمن مجموع يبدأ من (25) وإلى (56)، ولكن اللوحة الأولى رقم (25) لم تكنْ ضمن النُّسخة المصورة، وهي صفحةُ غلافِ المخطوطة. وهي أوضحُ من سابقتيها من حيث الخطُّ والإملاءُ، وسلامتها كذلك من المسح والطمس، وهي نسخةٌ مكتملة، ولا يوجد بها سقط. وقام بنسخها محمد بن محمد العكاري، وتم الفراغُ من نسخها يوم الخميس الرابع عشر من شهر جمادى الآخر سنة ثمان وثمانين وسبعمئة، وكتبها من النُّسخة المنقولة من نسخة الشيخ الإمام. وقد رمزت لها بـ: (ن). ولعلي أنبّه إلى أن نسخة (ظ) و (ن) كتبتا في تاريخ واحد، مع اختلاف النُّسَّاخ، واختلاف الخط. كما أنني حصلتُ على نسخة (ن) بعد فراغي من كتابة نسخة (ص) ومقابلتها بالنُّسخة (ظ). المطلب الثاني: التملكات والتعليقات توجدُ على غلاف النُّسخة (ظ) بعض التملكات والتعليقات، وهي:

المطلب الثالث: تقويم المطبوع من الرسالة

1 - هذا الكتابُ ملكُ الفقير سالم الجرودي، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، آمين يا ربَّ العالمين. 2 - نظر فيه، واستفاد من معانيه سالم الجرودي، غفر الله له ولوالديه. 3 - نظر فيه، واستفاد من معانيه سليمان بن علي النَّابلسي. 4 - تُوجد في الصفحة الثانية بعضُ التعليقات والفوائد من: حديث، وأبيات شعرية. 5 - كما توجدُ عليها بعض الطَّلاسم والخرافات، وسمَّاها كاتبها عزيمة الإبريق للسَّارق! ويزعم أنه بها يعرف الشخصُ السارقَ ويجدُ المسروق!!. 6 - توجد في نهاية النسختين (ص) و (ظ) القصيدة الحائية لأبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث، وقد ذكرها المؤلف بسنده إلى قائلها، أما ذكر السَّند فموجودٌ في (ص) فقط. 7 - توجد أبياتٌ شعريةٌ على غلاف النُّسخة (ص). المطلب الثالث: تقويم المطبوع من الرسالة قام الأستاذُ علي حسن علي عبد الحميد الحلبي الأثري بتحقيق جزءٍ يسيرٍ من كتاب الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، لابن العطار الشافعي، حيث نشر قطعةً صغيرةً من هذا الكتاب، ولم ينشر الباقي. والمطبوعُ من بداية الكتاب إلى نهاية الفصل السابع بنهاية قوله: (ومقتضى الكتاب العزيز والسُّنة النبوية تكفيرهم، سواء كانوا متأوِّلين أو

متعمِّدين، ولا يكفر منتقصهم، ولا يفسق، بل هو مثابٌ عليه خصوصاً إذا قصد التنفير عما هُم عليه، وإظهار الدِّين، والقيام به، والله تعالى أعلم) (¬1). وهذه المطبوعةُ نشرتها دارُ الكتب الأثرية في الأردن، الطبعة الأولى عام 1408 هـ. ويمكن إجمالُ الملحوظات على هذه الطبعة فيما يلي: أولاً - أن المطبوعَ من هذا الكتاب جزءٌ يسير، وقطعةٌ صغيرة؛ إذ شمل الفصول السَّبعة الأولى منه، ويقدَّر بإحدى عشرة لوحة ونصف اللوحة من أصل ستٍّ وخمسين لوحة من المخطوطة الأصل (ص). ثانياً - أن المحقق لم يعتمدْ على أي نسخة خطية لهذا الكتاب، وإنما استند في إخراجه لهذه المطبوعة على ما وجده عند بعض مشايخه من أوراق تخصُّ رسالة ابن العطار - رحمه الله - استنسخها لنفسه - كما صرَّح بذلك في مقدمته - حيث قال: (وهذا الكتاب - أخي القارئ - بقي مخطوطاً حبيسَ الخزائن أكثر من سبعة قرون من الزمان خلتْ، وأصلُ نسخته المخطوطة في خزانة الكتب الظاهرية (توحيد: 52/ 20) فاستنسخه لنفسه بعض مشايخنا - حفظهم الله تعالى - ومنه أخذتها، فجزاه الله خيراً) (¬2). وهذا التصرف يعتبر خللاً علمياً ظاهراً، أوقع المحققَ في كثيرٍ من الأخطاء والأوهام. ثالثاً - أن المحقق عقَّب بعد انتهائه من تحقيق الجزء الذي نشره ¬

_ (¬1) الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، تحقيق: علي حسن عبد الحميد (ص 47 - 48)، وانظر في هذه الرسالة. (¬2) الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، تحقيق: علي حسن عبد الحميد (ص 6).

من الكتاب بقوله: (تم الكتاب بحمد الله)!! (¬1) مما يوهم بتمام الكتاب، وهذا خلافُ الواقع والصواب. رابعاً - أن في الجزء المطبوع من الكتاب أخطاء، وتصحيفات، وزيادات، وتغيير، ونقص، وسقط عند مقابلته على النُّسخ الخطية. وقد بلغ عددُ الأخطاء في هذه الرسالة الصغيرة أكثرَ من سبعين خطأ. ومن الأمثلة على ذلك: 1 - عبارة (وصلى الله على محمد، ربِّ يسَّر يا كريم) ليست موجودةً فى المطبوعة (¬2). 2 - (التنقيد) (¬3)، والصواب: (التفنيد) (¬4). 3 - (وأنه سبحانه لم يبن عنه شيء من حيث ذاته، وأن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات) (¬5)، والصَّواب أن هناك سقطاً، والجملةُ الصَّحيحة هي: (وأنه سبحانه لم يبن عنه شيء من حيث علمه وقدرته وإيجاده وملكه، ولم يتصل به شيء من حيث ذاته، وأن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات) (¬6). 4 - (أن الله ينزل) (¬7)، والصَّواب: (أن الله يتنزل) (¬8). ¬

_ (¬1) المصدر السابق (ص 48). (¬2) انظر: الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 13)، و (ص 116) من هذه الرسالة. (¬3) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 13). (¬4) انظر: (ص 119). (¬5) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 16). (¬6) انظر: (ص 124). (¬7) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 19). (¬8) انظر: (ص 136).

5 - (والنُّزول غير النُّزول) (¬1)، والصَّواب: (والتَّنزل غير النُّزول) (¬2). 6 - (درك الإدراك) (¬3)، والصَّواب: (عدم الإدراك) (¬4). 7 - (إلا على أن لا يعرف القمرا) (¬5)، والصَّواب: (إلا على أكمه لا يعرف القمرا) (¬6). 8 - (أو القدرتين) (¬7)، والصَّواب: (أو القوتين) (¬8). 9 - عبارة (وقيل: (لا تدركه الأبصار) أي: لا تحيطُ به، وهو قول ابن عباس) ليست موجودةً في الرِّسالة المطبوعة (¬9). 10 - عبارة (ذي اللبس) ليست موجودةً في الرِّسالة المطبوعة (¬10). 11 - (بين التالي والمتلو) (¬11)، والصَّواب: (بين التلاوة والمتلو) (¬12). ¬

_ (¬1) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 19). (¬2) انظر (ص 136). (¬3) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 21). (¬4) انظر: (ص 139). (¬5) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 22). (¬6) انظر: (ص 142). (¬7) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 25). (¬8) انظر: (ص 154). (¬9) انظر: الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 31)، و (ص 170) من هذه الرسالة. (¬10) انظر: الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 40)، و (ص 194) من هذه الرسالة. (¬11) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 41). (¬12) انظر: (ص 196).

12 - (بهذا الكلام) (¬1)، والصَّواب: (بهذه اللام) (¬2). 13 - عبارة (وهو مضاف إليه مما) ليست موجودةً في الرِّسالة المطبوعة (¬3). خامساً - أن هناك قصوراً واضحاً فى خدمة هذه الرِّسالة المطبوعة، ويتضحُ ذلك فيما يلي: أ - هناك أخطاء في ضبط الكلمات بالشَّكل، مما يجعلُ المعنى مغايراً لمراد المؤلف - رحمه الله -. ب - وردت للمؤلف - رحمه الله - عباراتٌ موهمة، وألفاظٌ مجملة، بل وأخطاء في بعض المسائل، ولكن نجدُ المحقق وافق المؤلفَ في مثل هذه العبارات والأخطاء. ج - أن هناك قصوراً في تخريج الأحاديث النبوية، وإهمالاً ظاهراً في تخريج كثيرٍ من الآثار الواردة عن الصَّحابة - رضي الله عنهم -. د - لم يعز كثيراً من النُّقول التي ذكرها ابنُ العطار - رحمه الله - إلى مصادرها ومظانها. ¬

_ (¬1) الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 42). (¬2) انظر: (ص 199). (¬3) انظر: الاعتقاد الخالص، تحقيق: علي حسن (ص 47)، و (ص 209) من هذه الرسالة.

المبحث السادس: تقويم الكتاب

المبحث السَّادس: تقويم الكتاب وفيه مطلبان: المطلب الأول: مزايا الكتاب. المطلب الثاني: المآخذ على الكتاب.

المطلب الأول: مزايا الكتاب

المطلب الأول: مزايا الكتاب إن لهذا الكتاب مميزات كثيرة، لا تخفى على مَنْ قرأه، وسأقتصرُ على أبرز هذه المزايا، وهي كما يلي: 1 - الشُّمول إلى حدٍّ كبيرٍ لمسائل الاعتقاد، حيث استطاع المؤلفُ - رحمه الله - أن يلمَّ ويأتي على كثيرٍ من أبواب العقيدة، مبيناً ومُظْهِراً فيها عقيدةَ أهل السنة والجماعة، وقد مرَّ بنا سابقاً أن المؤلف عند عَرْضِه لمسائل العقيدة فإنه يذكرها تقريراً دون مناقشة، أو ردّاً على المخالفين. 2 - الإيجازُ في عرض المسائل، فمع شموله لكثيرٍ من مسائل الاعتقاد إلا أنه لم يطلْ في الكلام غالباً عن تلك المسائل، فجاء موجزاً كما هي عادةُ علماء السَّلف - رحمهم الله - في عقائدهم، سوى بعض المسائل التي أطال فيها لأسبابٍ خاصة. 3 - سهولة العبارة ووضوحها، والبعد عن الإغراب والتعقيد في الألفاظ والجمل، مما سهَّل على القارئ فهم محتوياته، والوصول إلى المراد بأيسر وأوضح عبارة. 4 - تقعيدُه منهج أهل السنة والجماعة في التَّلقِّي والاستدلال، إذ دائماً ما ينبه المؤلفُ على اتباع سُنَّة الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأخذ بها، والاقتداء به - صلى الله عليه وسلم -، وتعظيم سُنته، وعدم تقديم أي شيء عليها من أقوال الرجال، والالتزام بما وَرَدَ به النَّصُّ. 5 - التَّركيز على إظهار نواقض الإيمان القولية والعملية، حيث فصَّل فيها المؤلفُ كثيراً، وغالباً ما يذكرها في نهاية كلِّ فصل.

6 - عنايته بالولاء والبراء، والحب في الله والبغض فيه، حيث عَقَدَ له فصلاً كاملاً، وهو الفصلُ الرَّابع والثَّلاثون، وكذلك الفصلُ الخامسُ والثَّلاثون تابعٌ له. 7 - عنايته بتهذيب وتربية النفوس، ويتضحُ ذلك من خلال أسلوب الوعظ والتذكير بنعم الله، واهتمامه بالرَّقائق والنَّصائح والتَّرغيب والتَّرهيب، كما يظهرُ ذلك في الفصل الرابع والثلاثين، والسَّابع والأربعين، والثَّامن والأربعين. ومما يدلُّ على اهتمامه أيضاً بهذا الأمر أنه يختمُ كلَّ فصلٍ غالباً بهذه العبارة: (والله يعلم المفسد من المصلح) قاصداً بذلك تربية النفوس، وحَمْلها على الإخلاص والاستقامة. 8 - ذكره لما عليه أهل السُّنة والجماعة وسلف الأمة من الصفات السُّلوكية والأخلاقية، ويتضح ذلك في الفصل الثَّاني والثلاثين، والثَّالث والثلاثين وغيرهما. 9 - نقله لكثير من أبواب هذه العقيدة عن أئمة أهل السُّنة والجماعة من أمثال الصَّابوني، والطحاوي، والطبري، والمقدسي، وغيرهم. 10 - تنوُّع نقله عن الأئمة والعلماء من مختلف المذاهب، وهذا دليلٌ على عدم تعصُّبه لمذهبه، حيث نقل عن علماء المالكية والأحناف بالإضافة إلى الشافعية. 11 - تصويبه لبعض الكتب التي نقل عنها، وإثباته لما سقط منها أو خفي من ألفاظها، فنقْله عن الصابوني - مثلاً - في عقيدة السلف أظهر ما سقط في الكتاب المطبوع، علماً أن السَّقطَ قليلٌ جداً، ولا يكاد يذكر.

المطلب الثاني: المآخد على الكتاب

12 - إيراده لمسائل في الفروع قررها أهلُ السُّنة والجماعة مخالفةً لأهل البدع. 13 - تضمنه ردوداً رائعةً على المتصوفة، كما في الفصل السَّادس والأربعين، والسَّابع والأربعين. المطلب الثاني: المآخد على الكتاب لا يسلم أيُّ كتاب - عدا كتاب الله - عز وجل - من المآخذ، والملحوظات، والانتقادات، وقد وجدتُ بعضَ المآخذ على هذا الكتاب التي لا تقللُ من قيمته، كاستعمال المؤلف - رحمه الله - بعض الألفاظ المجملة التي تحتملُ حقاً وباطلاً من حيث المعنى، ومن ذلك: نفي الحد عن الله، والاستواء من غير مماسة، ولفظ الجسم، وقوله نقلاً عن الطحاوي: (لتعاليه عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات)، وقياس الغائب على الشاهد، وتنزيه الله عن الانحدار، وغيرها. واستخدامه - رحمه الله - لبعض العبارات الموهمة التي تحتاج إلى توضيح وبيان. ومنهجي فيما أشكل من عباراته المحتمله للصواب وضده، أني أحملها على أحسن المحامل وأولاها، وأردُّها إلى الواضح المحكم من عباراته الأخرى. وإن كانت لا تحتملُ إلا خطأً، فإني لا أتكلفُ في تبريرها، بل أتعقبُ عليه بكل أدب وعدل؛ مع الترحم عليه، وسؤال الله أن يعفوَ عنه.

القادم مخطوطات نماذجُ مصوَّرة من النُّسخ الخطية الصفحة الأولى من (ص)

الصفحة الثانية من (ص)

الصفحة قبل الأخيرة من (ص)

الصفحة الأخيرة من (ص)

الصفحة الأولى من (ط)

الصفحة الثانية من (ط)

الصفحة الثالثة من (ط)

الصفحة الأخيرة من (ط)

الصفحة الأولى من (ن)

الصفحة الثانية من (ن)

الصفحة الأخيرة من (ن)

القسم الثاني: التحقيق

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم وصلَّى الله على محمد، [ربِّ يسِّر يا كريم] (¬1). الحمدُ لله، الواحد، الأحد (¬2)، الفرد (¬3)، الصَّمد، الذي لم يلد، ¬

_ (¬1) زيادة من (ظ)، وفي (ن): (اللهم يسر يا كريم، بجاه محمد، واختم بخير). (¬2) الواحد والأحد اسمان ثابتان لله - عز وجل -، أما الفرق بينهما فهو: أن الواحد هو المنفرد بالذات لا يضامُّه آخر، والأحد هو المنفرد بالمعنى لا يشاركه فيه أحد، ولذلك قيل للمتناهي في العلم والمعرفة هو أحد الأحدين. كما ذكر ذلك الخطابي في شأن الدعاء (ص 82 - 83). وقال العسكري في الفروق اللغوية (ص 160): (أن معنى الواحد أنه لا ثاني له، فلذلك لا يقالُ في التثنية واحدان كما يقال رجل ورجلان، ولكن قالوا: اثنان حين أرادوا أن كل واحد منهما ثانٍ للآخر، وأصلُ أحد: أوحد، مثل أكبر، وإحدى مثل كبرى ..... والواحد هو الذي لا ينقسم في وهم ولا وجود، وأصله الانفراد في الذات). وقيل الواحد: هو الفرد الذي لم يزل وحده بلا شريك، والأحد: الذي لا شبيهَ له ولا نظيرَ. كما ذكر ذلك البيهقي في الاعتقاد (ص 55، 58). وقال السَّعدي في تيسير الكريم الرحمن (ص 945): (الواحد الأحد: وهو الذي توحد بجميع الكمالات، بحيث لا يشاركه فيها مشارك. ويجب على العبيد توحيده: عقلاً وقولاً وعملاً، بأن يعترفوا بكماله المطلق، وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة). (¬3) الفرد ليس اسماً من أسماء الله؛ إذ لم يردْ به دليل صحيح من الكتاب أو السنة، ويجوز أن يكونَ من باب الإخبار عن الله؛ لأنه لا يتضمن نقصاً، وباب الإخبار أوسع من باب الأسماء والصفات، وقد اعتمده البيهقي اسماً عن أسماء الله تعالى في الأسماء والصفات (ص 116)، قال ابنُ حزم - رحمه الله - في: الدرة فيما يجب اعتقاده (ص 261): فصل: ولا يجوز أن يقال: إن الله تعالى فرد، ولا جواد؛ لأنه لم يأتِ =

ولم يولد، ولم يكن له كُفُواً أحد. أوجد الموجودات كلَّها، من العدم، صادرةً عن كلمة كن من غير تردُّد؛ فكانت إظهاراً لقدرته. وجعل النوعَ الإنسانيَّ مدركاً لصنعته (¬1) بالعلم، وإن كانت كلها مسبحةً بحمده على الأبد. أحمده على ما هدانا له من غير تردُّدٍ ولا حَيَد (¬2). وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أيقن بها من غير فَقَد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوثُ إلى الثقلين: الجنِّ والإنس، الوالدِ منهم والولد، المنعوتُ بنعوت الكمال حتى صار سيّد مَنْ عبد، - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله (¬3) وأزواجه وصحابته وذريته، أهل العلم والعمل والمعتقد، صلاةً دائمةً بدوام المُدد والمَدد. أما بعد: فهذا كتابٌ صنّفته على أصول أهل السُّنة في الاعتقاد من غير زِيَد، ذكرتُ فيه ما يحتاج إليه كلُّ عارفٍ من أهل الزُّبَد (¬4) (¬5)، ¬

_ = بهذا نص أصلاً. وانظر كذلك: معجم المناهي اللفظية (ص 124 - 125) للدكتور بكر بن عبد الله أَبو زيد. (¬1) في (ظ) و (ن): (لصنعه). (¬2) الحيْد: هو الميل والصد والعدول عن طريق الحق، قال ابن فارس في: معجم مقاييس اللغة (2/ 123): الحاء والياء والدال أصل واحد، وهو الميل والعدول عن طريق الاستواء. يقال: حَاد عن الشيء يحيد حَيدة وحُيوداً، والحُيُود: الذي يحيد كثيراً. وأما حَيَدٌ بتحريك الياء، قال ابن منظور في لسان العرب (3/ 159): ويقال: اشتكت الشاة حَيَداً إذا نشب ولدها فلم يسهل مخرجه. وبذلك يظهر أن المعنى قريب بين (الحيْد) و (الحيَد). (¬3) في (ظ): (صلى الله عليه وعلى أزواجه). (¬4) في (ظ) و (ن): (الزيد). (¬5) زبد: الزاء والباء والدال أصل واحد، يدل على تولد شيء عن شيء. =

رجاءَ نفعِهم به (¬1) في الأولى والعقبى، ووصله إلى دار الكرامة والأبد. وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ وإليه أُنيب، سبحانه هو السَّيدُ (¬2) السَّند (¬3)، وأعوذُ به سبحانه من التفنيد عنه والفَنَد (¬4)، إنَّه ¬

_ = والزُّبْدة: ما خلُص من اللبن إذا مُخض، واذا أخذ الرجل صفو الشيء قيل: تَزبَّده، والزَّبْد: العون، والرفد، والعطاء. ولعلّ المقصود بأهل الزُّبد: هم أهل العلم الذين هم الصَّفوة، والخلاصة. انظر: معجم مقاييس اللُّغة لابن فارس (3/ 43)، ولسان العرب لابن منظور (3/ 192 - 193). (¬1) ليست في (ظ) و (ن). (¬2) السيد: اسم ثابت لله - سبحانه وتعالى - بالسُّنة الصَّحيحة، والدليلُ ما رواه البخاريّ في الأدب المفرد رقم (211) باب: (157) هل يقول سيدي) عن مطرف قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أنت سيدنا، قال: "السيد الله"، قالوا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، قال: فقال: "قولوا بقولكم، ولا يستجرينكم الشيطان". وقد رواه أحمد في مسنده من طريقين عن عبد الله بن الشخير (12/ 520 - 522) برقمي: (16259 - 16268)، ورواه أبو داود في سننه (3/ 259 - 260) كتاب الأدب، باب في كراهية التمادح برقم (4806)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص 97) برقم (155)، وفي سلسلة الأحاديث الصَّحيحة (2/ 438)، وفي صحيح الجامع (1/ 689) برقم (3700). (¬3) السند ليس اسماً من أسماء الله تعالى، ولا صفة من صفاته؛ إذ لم يردّ به دليل، من كتاب أو سنة، وأسماء الله وصفاته توقيفية، ويجوز أن يكونَ من باب الإخبار، ولا نقص فيه، فالله هو سندنا ومعتمدنا، والعبد يفوضُ أموره كلها لله، ويتوكل عليه حق التوكل، وهذا هو مقصودُ المؤلِّف - رحمه الله -، وربما حمله على ذلك سجع الكلام، وبراعة الاستهلال. (¬4) التفنيد: اللوم وتضعيف الرأي. والفند: الخرف وإنكار العقل من الهرم أو المرض، قاله ابن منظور في لسان العرب (3/ 338)، وقال ابن الأثير في النهاية (3/ 474 - 475): الفند في الأصل: الكذب. وأفند: تكلم بالفند، ثمّ قالوا للشيخ إذا هرم: قد =

خير مسؤولٍ، وأولى من رُغِبَ إليه وعُبد، وهو الشَّهيد على كلِّ من شَهد (¬1). ¬

_ = أفند؛ لأنه يتكلم بالمحرف من الكلام عن سنن الصحة. وأفنده الكبر: إذا أوقعه في الفند. (¬1) (الشهيد) اسم من أسماء الله الحسنى، تتعدد معانيه باختلاف إضافاته واعتباراته. قال العلّامة السَّعدي في تيسير الكريم الرّحمن (ص 948): (الشَّهيد أي: المطلع على جميع الأشياء. سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه).

فصل (1)

فصل (1) يجبُ أن نعتقدَ (¬1) أن الله - سبحانه وتعالى - كان ولا شيءَ معه (¬2)، وهو - سبحانه وتعالى - على ما كان، وأنَّه سبحانه واحدٌ في ذاته، واحدٌ في صفاته، واحدٌ في مخلوقاته (¬3). ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (يُعتقد). (¬2) كما في الحديث الذي رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم (4/ 533) برقم (7418) عن عمران بن حصين قال: إني عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه قومٌ من بني تميم فقال: "اقبلوا البشرى يا بني تميم" قالوا: بشَّرتنا فأعطنا، فدخل ناسٌ من أهل اليمن فقال: "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن،. إذ لم يقبلها بنو تميم" قالوا: قبلنا جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن هذا الأمر ما كان؟ قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كلّ شيء". ورواه أيضاً في كتاب بدء الخلق بلفظ (غيره) (2/ 408 - 409) برقم (3191) باب ما جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}. ورواه مختصراً برقمي (4365) و (4386) في كتاب المغازي (3/ 137 - 146). وعبارة (ولا شيء معه) لم أجدها بهذه اللفظة فيما بحثت فيه، ولعلها تكون من عبارات المتكلمين؛ التي يقصدون بها نفي الصفات عنه سبحانه، ويتضح الأمر أكثر بعد قراءة التعليق القادم. (¬3) واحد في مخلوقاته، أي: أنه لا خالق للمخلوقات إلا الله - سبحانه وتعالى -، وتوحيد الربوبية هو: توحيد الله بأفعاله، والخلق من أفعاله تبارك تعالى. وقوله - رحمه الله -: (وأنه سبحانه واحد في ذاته، واحد في صفاته، واحد في مخلوقاته) هذا حق، ولكن هذه العبارة من عبارات المتكلمين عند تعريفهم للتوحيد، إذ من المعلوم أن التوحيد الذي من أجله أرسل الله الرسل وأنزل الكتب هو توحيد الألوهية، فالله =

وأنَّه سبحانه بائنٌ (1) من خلقه، لا (2) يَحُلُّ (3) في شيءٍ ولا يتّحدُ (4) به. ¬

_ = تعالى كما أنه واحد في ذاته وصفاته وخلقه، هو أيضاً واحد في ألوهيته وعبادته، وهذا الأخير هو المطلوب من المكلفين الإتيان به عملاً, وإرادة، وقصداً. (1) لفظة (بائن) وردت عن السلف رحمهم الله، فقد أورد الدارمي في الرد على الجهمية (ص 47) ونقضه على بشر المريسي (1/ 224) أثراً عن عبد الله بن المبارك، قيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق السماء السابعة على العرش، بائن من خلقه. ورواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 336) برقم (903)، وانظر اجتماع الجيوش الإسلامية (134 - 135). (2) في (ظ): (ولا). (3) حلول الشيء في الشيء عبارة عن نزوله فيه، وعرّف الحلول: بأنه اختصاص شيء بشيء؛ بحيث يكون الإشارة إلى أحدهما عين الإشارة إلى الآخر. وقيل كذلك هو: الاختصاص الناعت، أي: التعلّق الخاص الذي يصير به أحد المتعلّقين نعتاً للآخر، والآخر منعوتاً به. والحلول عندهم نوعان: الحلول السرياني، وهو: عبارة عن اتحاد جسمين؛ بحيث يكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، ويُسمَّى الساري حالًا، والمسري فيه محلًا. والثاني الحلول الطرياني أو الحلول الجواري، وهو: كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر؛ كحلول الماء في الكوز. انظر: جامع العلوم الملقب بدستور العلماء (2/ 62 - 63)، وكشاف اصطلاحات الفنون (2/ 105 - 108)، والتعريفات للجرجاني (ص 125)، والمعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية (76). والحلولية هم الذين يعتقدون أن الله تعالى بذاته حلَّ في مخلوقاته كما يحل الماء في الإناء، وأنه تعالى بذاته في كل مكان، وقد عُرف الحسين بن منصور الحلاج باعتناقه لهذا المذهب. انظر: مجموع الفتاوى (2/ 294 - 361). (4) الاتحاد كما قال الجرجاني في التعريفات (ص 22): هو تصيير الذاتين واحدة، ولا يكون إلا في العدد من الاثنين فصاعداً. وقيل: هو امتزاج الشيئين واختلاطهما =

وأنَّ صفاتهِ سبحانه قديمةٌ بقدم ذاتِهِ (¬1) لا ينفصل عنها، وأن الموجوداتِ كلَّها حادثةٌ، وأنَّه سبحانه الأوَل ليس قبله شيء، والآخر (¬2) ¬

_ = حتى يصيرا شيئاً واحداً؛ لاتصال نهايات الاتحاد. وهو عند أرباب التصوف: شهود الوجود الحق الواحد المطلق؛ الذي الكل موجود بالحق، فيتحد به الكل من حيث كون كل شيء موجوداً به معدوماً بنفسه، لا من حيث إن له وجوداً خاصاً اتحد به؛ فإنه محال. وانظر كذلك: جامع العلوم الملقب بدستور العلماء (1/ 38 - 39)، والمعجم الفلسفي لمجمع اللغة (ص 2)، والمعجم الفلسفي لجميل صليباً (1/ 34 - 35)، والموسوعة الفلسفية العربية (1/ 18)، والمبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي (ص 115). والاتحادية: هم قوم يزعمون أن الخالق اتحد بالمخلوق، وعندهم من الضلال والكفر العظيم ما لا يخفى على من عرف مذهبهم، وحقيقة قولهم تعطيل الصانع بالكلية، والقول بما تقوله الدهرية الطبيعية، ويقولون: إن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى، ليس وجودها غيره ولا شيء سواه ألبتة، ومن كبارهم ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، والعفيف التلمساني. انظر: مجموع الفتاوى (2/ 142)، والاستقامة (1/ 113). (¬1) الأولى التعبير بأنه تعالى لا زال متصفاً بصفاته، دون إطلاق لفظ القدم عليها؛ لأن وصفها بذلك يفيد مجرد تقدمها على غيرها لا أزليتها، وهذا غير مراد. والمصنف - رحمه الله - وافق بلفظه هذا قول الإمام الطحاوي في عقيدته: (ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه، ولم يزدد لكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً) متن العقيدة الطحاوية (ص 7). قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (1/ 96) شارحاً عبارة الطحاوي السابقة: (أي: أن الله - سبحانه وتعالى - لم يزل متصفاً بصفات الكمال: صفات الذات، وصفات الفعل، ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها؛ لأن صفاته سبحانه صفات كمال، وفقدها صفة نقص). أما الصفات الفعلية فهي قديمة باعتبار أصلها ونوعها، وحادثة باعتبار آحادها وأفرادها. (¬2) في (ظ) و (ن): (الآخر ليس بعده شيء).

الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي (¬1) ليس فوقه شيء، والباطن ليس دونه شيء (¬2). وأنَّه سبحانه لم يَبُن عنه شيءٌ من حيث علمُه وقدرتُه وإيجادُه وملكُه، ولم يتَّصل به شيءٌ من حيث ذاتُه (¬3)، وأنَّ ذاته سبحانه لا تُشبه الذوات، وصفاته لا تُشبه الصفات، والتصرفَ في أدلتها وتأويلها لا يشبه التصرفات، وأنَّه سبحانه محيطٌ بكلِّ شيء، وخالقُ كلِّ شيء، ورازقُ كلِّ شيء، كان خالقاً قبل وجود الخلق، ورزاقاً قبل وجود الرزق (¬4)، وله الصفاتُ العُلى، والأسماءُ الحُسنى، والمثلُ الأعلى. ¬

_ (¬1) ليست في (ظ) و (ن). (¬2) كما قال تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]. وهي من أسماء الله الحسنى، وقد فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ذكره المؤلف في الحديث الذي رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: ما يقول عند النوم وأخذ المضجع رقم (6827)، (9/ 37 - 38) بشرح النووي، قال مسلم: حدثني زهير بن حرب، حدثنا جرير عن سهيل، قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام، أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول: "اللهم رب السموات والأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان. أعوذ بك من شرِّ كلّ شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر"، وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬3) لعلّ مقصود المؤلف - رحمه الله -: أنه لم يتصل به - سبحانه وتعالى - شيء من مخلوقاته، وهذا حق لا مرية فيه. (¬4) قال الطحاوي - رحمه الله - في متن العقيد الطحاوية (ص 8): (ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري. له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق. وكما أنه محيي الموتى بعد ما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، وكذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم). ومعنى ذلك: أن كلّ صفة من صفات الله تعالى ثابتة له أزلاً، من قبل أن يخلق خلقه، =

الموجوداتُ كلُّها مفتقرةٌ إليه، وهو سبحانه غيرُ مفتقرٍ إلى شيء، والعرشُ والكرسيُّ والسمواتُ السبعُ، والأرضون السبعُ، ومن فيهنَّ، وما بينهنّ، وحَمَلةُ ذلك كلَّه محمولون بقدرته (¬1)، وهو - سبحانه وتعالى - مُتوجَّه ذلك كلَّه. وأنَّه سبحانه لا يحيطُ به شيء، ولا يستعينُ بشيء، بل الموجوداتُ كلُّها مُحَاطٌ بها، مستعينةٌ به - سبحانه وتعالى -. ¬

_ = وهي كلها صفات كمال، وعدمها نقص ومحال أن يتصف الله بالكمال بعد النقص، ولم يستفد أي صفة بعد خلق العباد، بل كل صفاته ثابتة له قبل خلقهم، فهو الخالق قبل خلق الخلق، والباري قبل إحداث البرية. قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (1/ 103): (والشيخ - رحمه الله - أشار بقوله: (ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه) إلى آخر كلامه - إلى الرد على المعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الشيعة، فإنهم قالوا: إن الله تعالى صار قادراً على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادراً عليه؛ لكونه صار الفعل والكلام ممكناً بعد أن كان ممتنعاً، وأنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي! وعلى ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما، فإنهم قالوا: إن الفعل صار ممكناً له بعد أن كان ممتنعاً منه). (¬1) هذه العبارة شبيهة بما قاله الإمام الدارمي في نقضه على المريسي (1/ 457): (فيقال لهذا البقباق النفاج: إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق، ولم يحتمله العرش عظماً ولا قوة، ولا حملة العرش احتملوه بقوتهم، ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم، ولكنهم حملوه بقدرته، ومشيئته، وإرادته، وتأييده. لولا ذلك ما أطاقوا حمله). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فيمن يقول بالجهة - وذلك بعد تفصيله عم يقصده بها - قال: (وإن كان يعتقد أن الخالق تعالى بائن عن المخلوقات، وأنه فوق سمواته على عرشه بائن من مخلوقاته، وأن الله غني عن العرش وعن كل ما سواه، لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات، بل هو مع استوائه على العرش يحمل العرش وحملة العرش بقدرته، ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين .... فهذا مصيب في اعتقاده، موافق لسلف الأمة وأئمتها). مجموع الفتاوى (5/ 262 - 263)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 567).

وأنَّه - سبحانه وتعالى - عالمٌ بعلم (¬1)، قادرٌ بقدرة، حيٌّ بحياة، مريدٌ بإرادة، سميعٌ بسمع (¬2)، بصيرٌ ببصر (¬3)، متكلِّمٌ بكلام (¬4)، لا يُشبِه [في شيءٍ من ذلك] (¬5) شيئاً من مخلوقاته، ولا يُشبَّه به شيءٌ من مخلوقاته. ولا يَحدُّه - سبحانه وتعالى - حدٌّ (¬6)، ولا يُعرَّفُ إلا بتعريفه، ولا يُتصرف إلا ¬

_ (¬1) قوله: (عالم بعلم ...) فيه رد على المعتزلة الذين ينفون صفات الله تعالى، ويقولون: هو عالم بلا علم، فيثبتون الاسم دون الصفة، وذلك وفق مذهبهم في إثبات الأسماء، وإنكار ما تتضمنه من الصفات؛ بحيث يجعلونها أسماء مترادفة المعنى، أو يجعلونها أعلاماً محضة مجردة عن المعاني. (¬2) في (ظ) و (ن): (يسمع). (¬3) في (ظ) و (ن): (يُبصر). (¬4) إيراد المؤلف - رحمه الله - الصفات السبع في هذا الموضع لا يعني أنه يوافق الأشاعرة في الاكتفاء بإثبات هذه الصفات السبع، وإنما هو من باب التمثيل، والله أعلم. وكتابه هذا يوضح عقيدته ويبينها أتم الإيضاح والبيان، وخاصة في باب الأسماء والصفات، فهو مثبت لصفات الله العلي. (¬5) في (ص): (لا يشبه شيءٌ في ذلك)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬6) لفظ (الحدِّ) من الألفاظ المجملة من جنس لفظ الجهة والجسم والحيز، ومعلومٌ أن الألفاظ نوعان: لفظ ورد به دليل شرعي، فهذا يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرف، ولفظ لم يردّ به دليل شرعي بالنفي أو الإثبات، وفي هذا النوع قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (فليس على أحد، بل ولا له أن يوافق أحداً على إثبات لفظ أو نفيه، حتّى يعرف مراده، فإن أراد حقاً قُبل، وإن أراد باطلاً رُدَّ، وإن اشتمل على حق وباطل لم يقبل مطلقاً، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ ويفسّر المعنى، كما تنازع الناس في الجهة والحيز وغير ذلك) التدمرية (ص 65 - 66). فمن قال بالحدِّ نفياً أو إثباتاً سئل عن مراده، فإن أراد بأن لله حدًّا، أي: أنه منفصل عن الخلق وبائن منهم فهذا حق، وإن أراد بنفي الحد أن الخلق لا يحيطون به علماً، ولا يعلمون له حداً، ولا يحيط به شيء من خلقه، ولا يحدون صفاته، ولا يكيفونها، فهذا أيضاً حق، وإن أراد بنفي الحدِّ أن الله لا يحيط بنفسه علماً، أو أن الله بذاته في كل مكان، فكلاهما باطل. انظر: رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، بتحقيق محمّد =

بتصريفه، ولا يُكيِّفهُ سبحانه تكييف (¬1)، ولا يُمثِّله تمثيل (¬2). ¬

_ = حامد الفقي (ص 23 - 24) وتحقيق د: رشيد الألمعي (1/ 223)، والأربعين في دلائل التوحيد للهروي (ص 57) وقد بسط القول فيها شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 436 - 446)، ودرء التعارض (2/ 30)، وما بعدها، ولوامع الأنوار البهية (ص 200 - 205) حاشية رقم (1)، وتنبيه ذوي الألباب السليمة لابن سحمان (ص 40 - 49)، والكواكب الدرية لابن مانع (ص 101 - 107) حاشية رقم (1)، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1216 - 1219). (¬1) التكييف: وهو جعل الشيء على حقيقة معينة دون التقيد بمماثل، وذلك بتفسير كنه الشيء من صفات الله، كأن يقول: استوى على هيئة كذا، أو ينزل إلى السماء بصفة كذا. ونفي التكييف مأثور عن السلف، حيث اتفقوا على أن التكييف غير معلوم لنا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وتأويل الصفات هو الحقيقة الّتي انفرد الله تعالى بعلمها، وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف كمالك وغيره: الاستواء معلوم والكيف مجهول)، مجموع الفتاوى: (1/ 36). وانظر: مجموع الفتاوى (3/ 176)، ومعارج القبول (1/ 295). (¬2) التمثيل: هو إثبات حكم واحد في جزء لثبوته في جزء آخر لمعنى مشترك بينهما، والفقهاء يسمونه قياساً، والجزء الأول: فرعاً، والثاني: أصلاً، والمشترك: علة وجمعاً. وهو هنا جعل صفات الله تعالى مماثلة ومساوية لصفات خلقه، ومشابهة لها. ولفظ التمثيل ورد نفيه في القرآن الكريم، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]. انظر: التعريفات للجرجاني (ص 91)، ومجموع الفتاوى (3/ 166) و (5/ 195)، ومعارج القبول (1/ 295). أما الفرق بين التكييف والتمثيل فكما يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: (بينهما عموم وخصوص مطلق؛ لأن كل ممثل مكيف، وليس كل مكيف ممثلاً؛ لأن التكييف ذكر كيفيته غير مقرونة بمماثل، مثل أن يقول لي: قَلَم كيفيته كذا وكذا، فإن قرنت بمماثل صارت تمثيلاً، مثل أن يقول: هذا القلم مثل هذا القلم؛ لأني ذكرت شيئاً مماثلاً لشيء أو عرفت هذا القلم بذكر مماثله). انظر: شرح العقيدة الواسطية (1/ 102).

وأنَّه سبحانه استوى على العرشِ كما نطق به الكتاب العزيز في ستِّ (¬1) آياتٍ كريماتٍ بلا كيف، بل كيفَ شاءَ من غير مُمَاسَّةٍ (¬2) ..... ¬

_ (¬1) بل قد جاء ذكر استواء الله على عرشه في القرآن في سبع آيات، والمؤلف - رحمه الله - تابع الصابوني في ذلك، والآيات هي: 1 - سورة الأعراف، الآية (54) قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. 2 - سورة يونس، الآية (3)، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. 3 - سورة الرعد، الآية (2)، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}. 4 - سورة طه، الآية (5 - 6)، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}. 5 - سورة الفرقان، الآية (59)، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}. 6 - سورة السجدة، الآية (4)، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}. 7 - سورة الحديد، الآية (4)، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. (¬2) سئل الشيخ محمّد بن إبراهيم - رحمه الله - عن قول: بلا مماسة، فأجاب: (هذا الأولى تركه، فإن ما نطق به الكتاب والسنة والقول بأنه على ما يليق أولى). فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمّد بن إبراهيم (1/ 210). وانظر: بيان تلبيس الجهمية (552 - 556)، الكواكب الدرية لابن مانع (ص 93 - 98) حاشية رقم (1).

أو احتياجٍ (¬1) إلى العرش، مع تنزيهه سبحانه عن الجلوس أو القعود (¬2) أو غيرهما من صفات المُحدَثين. ¬

_ (¬1) قوله: من غير احتياج، هذا حق، فالله هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو الغني غير محتاج لأحد، والكل محتاج إليه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (فمن قال: إنّه في استوائه على العرش محتاج إلى العرش كاحتياج المحمول إلى حامله فإنّه كافر؛ لأن الله غني عن العالمين، حيٌّ، قيوم، وهو الغني المطلق، وما سواه فقير إليه). مجموع الفتاوى (2/ 188). (¬2) ورد لفظ الجلوس والقعود في بعض الآثار، كما ورد عن كثير من السلف، بخلاف ما ذكره المؤلف - رحمه الله - وأشهر ما يعتمد عليه في إثبات هذه المسألة أثر عن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وآخر عن مجاهد، وتفصيل القول فيهما على النحو الآتي: أولاً - أثر جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه -: حيث روى سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما نظر جعفر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجل (قال سفيان: حجل: مشى على رجل واحدة إعظاماً منه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، فقبَّل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بين عينيه، وقال له: "أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي، وخلقت من الطينة التي خلقت منها، حدثني بعض عجائب الحبشة"، قال: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله: بينما أنا سائر في بعض طرقاتها، فإذا بعجوز على رأسها مكتل، فأقبل شاب يركض على فرس له، فزاحمها فألقاها بوجهها، وألقى المكتل عن رأسها، فاسترجعت قائمة، وأتبعته النظر وهي تقول له: الويل لك إذا جلس الملك على كرسيه، فاقتص للمظلوم من الظالم، قال جابر: فنظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن دموعه على لحيته كالجمان، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا قدس الله أمة لا يأخذ المظلوم حقه من الظالم غير مُتَعْتِع" الحديث). أخرجه عن جابر بمعناه: ابن ماجة في السنن في كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2/ 383) رقم (4059) ولكن بلفظ: (سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي .....). وأخرجه أبو يعلى في المسند (4/ 7 - 8)، والخطيب في تاريخه (7/ 396) مختصراً من غير ذكر لفظ الجلوس، والذهبي في العلو بلفظ ابن ماجة في المختصر (ص 106). وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 297 - 299) رقم (860)، والدارمي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بنحوه في الرد على المريسي (ص 73)، وابن أبي عاصم في السنة (ص 257) رقم (582). والحديث كذلك له شاهد من حديث علي - رضي الله عنه - بلفظ مختصر كما في المسند للإمام أحمد (1/ 108)، وله شاهد من حديث خولة وأبي سفيان بن الحارث كما في المستدرك (3/ 256). وللفظ الجلوس شاهد موقوف عن أسماء بنت عميس عن جعفر بن أبي طالب، وذكر القصة، وهي عند الدارمي في الرد على المريسي (ص 73). والحديث بغير لفظة الجلوس صححه الألباني في مختصر العلو (ص 106)، وقال الذهبي: (إسناده صالح)، ولعل الحديث بشواهده يرتقي إلى درجة الحسن، والله أعلم. ثانياً - أثر مجاهد في تفسيره للمقام المحمود: حيث أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 145) قال: (حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قال: يجلسه معه على عرشه). وأخرجه الخلال من طرق كثيرة في السنة (ص 209 - 265) ومدارها على ليث بن أبي سليم، وأورده الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 252) وعزاه إلى عبد بن حميد، وعزاه الذهبي في مختصر العلو (ص 256) إلى الطبراني في السنة، وأشار الطبري في تفسيره (15/ 147) إلى تصحيحه للخبر. وقد صححه شيخ الإسلام، فقال في درء التعارض (5/ 237): (رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يرونه ولا ينكرونه، ويتلقونه بالقبول). ونقل الخلال تصحيح الإمام أحمد، والقاسم بن سلام، وأبي داود صاحب السنن، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم كثير لهذا الأثر كما في السنة للخلال (ص 246) رقم (283)، و (ص 258) رقم (311)، وهذا الأثر مما تلقته الأمة بالقبول، وأجمع عليه أهل السنة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام وغيره. وللاستزادة انظر: نقض التأسيس (1/ 435)، والتدمرية (ص 82)، وشرح حديث النزول (ص 400)، ونقض الدارمي على بشر المريسي (1/ 419). والكافية الشافية لابن القيم - رحمه الله - تحقيق ناصر الحنيني، وهي رسالة ماجستير في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين (ص 368 - 376).

وأنَّه - سبحانه وتعالى - ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدنيا (¬1)، وكذلك يوم عرفة (¬2) (¬3)، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة المرويات عن جماعة من ¬

_ (¬1) كما في الحديث الذي رواه البخاري في كتاب التهجد (1/ 347)، باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل برقم (1145). ورواه مسلم (1/ 521) في كتاب صلاة المسافرين، باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، بالأرقام: (168 إلى 172)، كلاهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " واللفظ للبخاري، وقد رواه غيرهما، وهو من الأحاديث المتواترة التي تلقتها الأمة بالقبول. وقد ألف الدارقطني - رحمه الله - كتاب النزول وذكر فيه روايات هذا الحديث، ولابن تيمية - رحمه الله - سفر عظيم، وهو: شرح حديث النزول، جواب عن سؤال ورد اليه. (¬2) كما في الحديث الذي رواه البغوي في شرح السنة (7/ 159) رقم (1931) عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذ كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى السماء الدنيا، فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً، غبراً، ضاحين، من كل فج عميق ... " الحديث، ورواه ابن منده في التوحيد برقم (885)، وأبو يعلى في المسند برقم (2090)، وابن خزيمة في صحيحه برقم (2840) ورجاله ثقات وإسناده قوي، وابن حبان في صحيحه برقم (3853)، والطحاوي في مشكل الآثار (4/ 114)، والبزار في مسنده برقم (1128). ورواه مسلم بلفظ الدنو في صحيحه (2/ 982) في كتاب الحج، باب كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1348)، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ". (¬3) نزول الله يوم عرفة هل هو دنو أو نزول أو تجلٍّ؟. الصحيح من مذهب أهل السنة والجماعة أنه يشمل هذه المعاني كلها، فهو قرب الرب حقيقة من عباده، ونزوله لهم حقيقة، ولا يلزم منه حلول ولا اتحاد واختلاط بالمخلوقين كما زعم غلاة المتصوفة، وهو من الصفات الفعلية التي يجب إثباتها لورود النصوص بذلك. وعند أهل الكلام والفلسفة أنه قرب غير حقيقي بل ظهور =

الصحابة والصحابيات، وأنَّ ذلك كيف شاءَ لا كما نفهمُه (¬1) من مواجيد ذواتنا، وأنَّه كلما خطر بالبال أو تُصوَّر في الذهن فالله تعالى بخلافه (¬2). وقد نفى بعضهم النزولَ، وضعَّف الأحاديثَ، أو تأوَّلَها خوفاً من التحيُّز (¬3)، ¬

_ = وتجلٍّ. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في شرح حديث النزول (ص 377): (وأما قرب الرب قرباً يقوم بفعله القائم بنفسه: فهذا تنفيه الكلابية ومن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته، وأما السلف وأئمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك، وكذلك كثير من أهل الكلام. فنزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا ونزوله عشية عرفة، ونحو ذلك: هو من هذا الباب). ويقول أيضاً في مجموع الفتاوى (6/ 8): هذا القرب عند المتفلسفة والجهمية هو مجرد ظهوره، وتجليه لقلب العبد فهو قرب المثال .... - إلى أن قال - وأما أهل السنة فعندهم مع التجلي والظهور تقرب ذات العبد إلى ذات الرب، وفي جواز دنو ذات الله القولان .... - إلى أن قال - وعلى مذهب النفاة من المتكلمة لا يكون إتيان الرب ومجيئه ونزوله إلا تجليه وظهوره لعبده. بتصرف واختصار، وانظر مجموع الفتاوى (5/ 466 - 467). (¬1) في (ظ) و (ن): (نفهم). (¬2) انظر: التدمرية (ص 43). (¬3) التحيز: من الحيز، وهو الفراغ مطلقاً، وقيل: هو المكان. وهذا اللفظ يستعمله المعطلة - نفاة الصفات - في نفي الصفات وخاصة صفة العلو. ويقال لهم: لا ينبغي إطلاق نفي الحيز عن الله تعالى؛ لأن لفظ الحيز من الألفاظ المجملة التي يراد بها معان متعددة، ولا تُثبت أو تُنفى عن الله تعالى إلا بعد الاستفصال عن مراد قائلها بها، فإن أراد بها معنى موافقاً للكتاب والسنة قبل منه المعنى دون اللفظ، وإن كان مخالفاً ردَّ اللفظ والمعنى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (لفظ التحيز إن أراد به أن الله تحوزه المخلوقات فالله أعظم وأكبر، بل قد وسع كرسيه السموات والأرض .... ، وإن أراد به أنه منحاز عن المخلوقات، أي: مباين لها، منفصل عنها، ليس حالاً فيها، فهو سبحانه =

أو الحركةِ والانتقال (¬1) الملازمين للأجسام والمُحدَثين، والمحققون ¬

_ = كما قال أئمة أهل السنة: فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه) مجموع الفتاوى (3/ 42). وانظر: مجموع الفتاوى (17/ 343 - 347)، وبيان تلبيس الجهمية (1/ 100) ودرء التعارض (4/ 80)، وكشاف اصطلاحات الفنون (1/ 298). (¬1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (5/ 565 - 566): (لفظ "الحركة" هل يوصف الله بها أم يجب نفيه عنه؟ اختلف فيه المسلمون، وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل من أهل الحديث وأهل الكلام، وأهل الفلسفة وغيرهم على ثلاثة أقوال، وهذه الثّلاثة موجودة في أصحاب الأئمة الأربعة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم، وقد ذكر القاضي أبو يعلى الأقوال الثّلاثة عن أصحاب الإمام أحمد في (الروايتين والوجهين) وغير ذلك من الكتب). وخلاصة ما ذكره ابن تيمية - رحمه الله - من مذهب أئمة السلف في إطلاق لفظ الحركة والانتقال - مع اتفاق الجميع على إثبات المعنى؛ الذي دلت عليه هذه النصوص - أنهم على ثلاثة أقوال: - منهم من يصرح بلفظ الحركة. وممن نقل مذهب الأئمة المتقدمين والمتأخرين حرب الكرماني، والدارمي، وذكر حرب أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور. - وطائفة أخرى من أئمة السلف كنعيم بن حماد، والبخاري، وأبي بكر ابن خزيمة، وابن عبد البر، وغيرهم، يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمون ذلك فعلاً، ولكن من هؤلاء من يمنع إطلاق لفظ الحركة لكونه لم يؤثر. وقد رجح شيخ الإسلام أن المأثور عن الإمام أحمد عدم إطلاقه أو نفيه، وذلك لكونه لفظاً مجملاً، فإنّه لما سمع شخصاً يروي حديث النزول، ويقول: ينزل بغير حركة ولا انتقال، ولا بغير حال، أنكر أحمد ذلك، وقال: قل كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو كان أغير على ربه منك. والراجح في مثل هذه الألفاظ ما قاله ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى (16/ 423 - 424) بعد ذكره لأقوال السلف في هذه المسألة: (والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص، فيثبت ما أثبت الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - باللفظ الذي أثبته، وينفي ما نفاه الله ورسوله كما نفاه. وهو أن يثبت النزول، والإتيان، والمجيء؛ وينفي المثل، والسمي، والكفؤ، والند). =

أثبتوها، وأوجبوا الإيمان بها كما يشاء، وقد ذكر البخاريُّ في صحيحه رواية: "أنَّ الله يتنزَّل" (¬1)، وقال (¬2) بعضهم: والتنزُّل غير النزول. والله - سبحانه وتعالى - عالٍ في الدنوِّ دانٍ في العلوِّ. وجميع الآيات والأحاديث الثابتاتِ من المجيء، والنزول، وإثبات الوجه، وغيرِ ذلك من الصفات أوجب العلماء الإيمانَ بها، وعدمَ الفكر فيها أو تصورِها (¬3)، ومن تكلم فيها منهم تكلم بتأويلها (¬4) على ما يليق بجلال الله - سبحانه وتعالى -، مع اعتقاد نفي جميع صفات المخلوقين. وقد رُوِّينا في حديثٍ مرفوعٍ حسنٍ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "تفكَّروا في آلاء الله، ولا تتفكروا (¬5) في ذات الله" (¬6). والكتاب العزيز ناطقٌ ¬

_ = انظر: شرح حديث النزول (ص 457، 445، 210)، ودرء التعارض (2/ 7 - 8)، والاستقامة (1/ 72 - 73)، ونقض الدارمي (1/ 215). (¬1) أخرجه البخاريّ في الدعوات، باب الدُّعاء نصف اللّيل (11/ 128 - 129) رقم (632) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتنَزَّل رَبَّنَا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث اللّيل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ". (¬2) في (ظ) و (ن): (قال) بدون واو. (¬3) المؤلف - رحمه الله - يقصد بعدم الفكر في الصفات أو تصورها، هو البحث في كيفية الصفات؛ لأن الإنسان مهما بلغ فإنه لا يستطيع إدراك كنه الصفات، أو الإحاطة بها، أو تصورها، وحظ العبد الإيمان بها، وبما دلت عليه من المعاني، وتفويض الكيفية إلى الله - سبحانه وتعالى -. (¬4) المؤلِّف - رحمه الله - لا يقصد بقوله: (بتأويلها) المعنى الباطل للتأويل؛ الذي هو صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح؛ وإنما التأويل بمعنى التفسير؛ ويتضح هذا من خلال منهجه في إثبات الأسماء والصفات، مع نفي التأويل والتمثيل والتعطيل والتكييف في مواضع عدة من كتابه هذا، وسيأتي قريباً - إن شاء الله - تعريف التأويل في (ص 155). (¬5) في (ظ) و (ن): (ولا تفكروا). (¬6) أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 250) رقم (6319)، واللالكائي في شرح أصول =

[بالتحضيض] (¬1) على التفكُّر في خلقِ السموات والأرض والنظر في آياتهما (¬2)، ويجب الإيمان بما عدا ذلك، والتسليمُ له، وتفويض (¬3) ¬

_ = اعتقاد أهل السنة (3/ 525) رقم (927)، والبيهقي في الشعب (1/ 136) رقم (120)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 390) رقم (671) من حديث ابن عمر بلفظه. قال البيهقي: (هذا إسناد فيه نظر). وأخرجه أيضاً الهيثمي في المجمع (1/ 81)، وابن عدي في الكامل (7/ 2556)، والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 371). وقد روي مثل هذا عن أبي هريرة، وعبد الله بن سلام، وغيرهما كما في السلسلة الصحيحة (4/ 395 - 396) رقم (1788)، ولذا قال الألباني في الصحيحة (4/ 397): (وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي، والله أعلم). (¬1) في (ص): (بالتخصيص)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) كما جاء في كتاب الله جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191]، والآيات حول هذا الأمر كثيرة. (¬3) التفويض: هو رد العلم بنصوص الصفات والمعاد إلى الله: إمّا معنى وكيفية، أو كيفية فقط. والتفويض المبتدع هو تفويض المعاني والكيفيات معاً، وهو مذهب أهل التجهيل، وحقيقته الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه ولا فهم لمراد الله ورسوله منها. أما تفويض الكيفية دون المعنى فهو مذهب السلف؛ إذ التفويض الصّحيح إنّما يكون لكيفية الصفة؛ إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما لا نعقل كيفية الذات، فإننا أيضاً لا نعقل كيفية الصفات. فالسلف أعلم الأمة بنصوص الصفات لفظاً ومعنى في إثبات معانيها اللائقة بالله تعالى، على حسب مراد الله ورسوله؛ إذ يؤمنون بأن معانيها معلومة، ويفوضون علم الكيفية لا علم المعاني. أما أهل التفويض المبتدع فيقول عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: (فتبين أن قول أهل التفويض - الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف - من شر أقوال أهل البدع والإلحاد)، درء التعارض (1/ 205). والمصنف - رحمه الله - أراد بالتفويض هنا تفويض العلم بالكيفية لا المعنى؛ بدلالة ما بعده =

العلم الذاتيِّ إلى الله تعالى، وأمَّا العلمُ بالوجودِ والقدرةِ والتنزيه والتبرِّي من الحولِ والقوةِ إلا به - سبحانه وتعالى -، فهو المطلوب الذي وقع التكليف به. وأمَّا التصورُ والإدراكُ والإحاطةُ (¬1) فذلك خاصٌّ بِه - سبحانه وتعالى -، وحظُّ العالمِ العلويِّ والسفليِّ الإيمانُ بوجوده لا تصوُّرَ ذاتِه وشهودُه لا سبيلَ لنبيٍّ مرسلٍ ولا ملَكٍ مقرَّبٍ إلى الاطِّلاعِ على ذلك، ولا الإحاطةِ بشيءٍ منه، فالعجزُ عن الإدراكِ (¬2) إدراكٌ (¬3). وقوة الإيمان حاملةٌ على اليقين، واليقين قد يصير في قوته والتمسكِ به ككشفِ الغطاءِ (¬4)؛ ولهذا قال عليٌّ - رضي الله عنه -: (لو كُشفَ الغطاءُ ¬

_ = من إثبات العلم بها، ونفي التصور والإدارك والإحاطة عنها. وانظر: مجموع الفتاوى (3/ 66)، (4/ 67)، والصواعق المرسلة (2/ 422)، وشرح العقيدة السفارينية لابن مانع (ص 44)، ومذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد القاضي (ص 152 - 158). (¬1) يقصد المؤلف - رحمه الله - بالتصور هنا معرفة الكيفية لا معرفة المعنى، بدليل أنه قرنها بالإدراك والأحاطة، والله أعلم. وأما الإدراك فالله سبحانه قد قال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]. وأما الإحاطة فقال الله - سبحانه وتعالى -: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]. (¬2) في (ظ) و (ن): (عدم الإدراك). (¬3) والمعنى: أن العجز عن إدراك حقيقة ذات الله وأسمائه وصفاته - أي: كيفية ذلك - هو إدراك في حقيقة الأمر. (¬4) اليقين: هو طمانينة القلب واستقرار العلم فيه، وهو من علم وعمل القلب؛ كما بينه ابن تيمية في مجموع الفتاوى (3/ 329 - 330) بقوله: (اليقين ينتظم منه أمران: علم القلب، وعمل القلب. فإن العبد قد يعلم علماً جازماً بأمر، ومع هذا فيكون في قلبه حركة واختلاج من العمل الذي يقتضيه ذلك العلم، كعلم العبد أن الله رب كل شيء =

ما ازددتُ يقيناً) (¬1)، وبهذا المعنى امتاز الصدِّيق - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - على سائر الأمة، حتىّ كان أحدهم يجعل المُخبَرَ عنه (¬2) في المستقبل وجودياً في الحال، كإخباره - صلى الله عليه وسلم - عن الخاتم الذهب أنَّه جمرةٌ من نارٍ، فألقاهُ من يده وذهب، فقيل له: خذ خاتمك انتفع به، فقال: والله، لا آخذه (¬3). وما ذاك إلا أنَّ (¬4) المُغيَّبَ عنه صار يقيناً عنده (¬5)، فبالأثر يُستدلُّ على المؤثِّرِ، فإذا تمكَّن معرفةُ المؤثِّرِ، وهو الله ¬

_ = ومليكه، ولا خالق غيره، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فهذا قد تصحبه الطمأنينة إلى الله، والتوكل عليه، وقد لا يصحبه العمل بذلك، إمّا لغفلة القلب عن هذا العلم، والغفلة هي ضد العلم التام وإن لم يكن ضداً لأصل العلم، وإما للخواطر التي تسنح في القلب من الالتفات إلى الأسباب، وإما لغير ذلك). واليقين أحوال ودرجات، ومن درجاته ما عبر عنه المؤلف - رحمه الله - بقوله: (واليقين قد يصير في قوته والتمسك به ككشف الغطاء) أي: يصير المخبر به لقلوبهم كالمرئي لعيونهم، فنسبة الإيمان بالغيب حينئذ إلى القلب: كنسبة المرئي إلى العين، وهذه الدرجة سماها ابن القيم - رحمه الله -: يقين المكاشفة. انظر: مدارج السالكين (2/ 397 - 400). (¬1) لم أقف عليه فيما بحثت فيه. وقد قال ابن القيم في مدارج السالكين (2/ 400): (وليس هذا من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا من قول عليّ ...)، وذكر أنه لعامر بن عبد قيس، وعزاه في موضع آخر (ص 398) إلى بعض السلف. (¬2) في (ظ) و (ن): المخبر عنه بشيء وليست في (ص). (¬3) أخرجه مسلم في اللباس والزينة، باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال (3/ 1655) رقم (2090) من حديث ابن عبّاس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتماً من ذهب في يد رجل، فنزعه فطرحه، وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده"، فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله! لا آخذه أبداً، وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (¬4) في (ظ) و (ن): (إِلَّا لأنَّ). (¬5) استدلال المؤلف - رحمه الله - بهذه الأحاديث على أن المغيبات تصير يقيناً بعيدٌ إلى حد ما، فالرجل استجاب وامتثل لنهي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ورفض الانتفاع به، وعلل عدم أخذه بأن =

- سبحانه وتعالى -، اُستُدِلَّ به على جميع الموجودات، وصار - سبحانه وتعالى - عند العبد دليلَها، وهاديها، ومعطيها، ومانعَها، ومعلمَها، ومفهمَها، بواسطة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلهامِه سبحانه العبدَ على وفق ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإن خرج العبد عن هذا الطور هلك، وخُذِلَ - فنعوذ با لله من الخذلان، والهلاك، والحرمان -. فإذا كان حالهم - رضي الله عنهم - في الشيء التافه هذا الحالَ، وعاملوه بمعاملة (¬1) عين اليقين بإخباره - صلى الله عليه وسلم -، فما ظنُّك بهم، فالحقُّ شهدته قلوبُهم، واطمأنت إليه أبشارُهم (¬2)، وسكنت إليه جوارحهم. لقد ظَهرْتَ فلا تخفى على أحدٍ ... إلا على أَكْمَهٍ (¬3) لا يعرفُ القمرا (¬4) ¬

_ = الرسول - صلى الله عليه وسلم - طرحه، فكيف يأخذه؟، فهذا المثال استدلالاً إلى الاستجابة والامتثال والسمع والطاعة أقرب منه إلى اليقين. قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (14/ 65) معلقاً على هذا الحديث بقوله: (وأما قول صاحب هذا الخاتم حين قالوا له خذه: لا آخذه وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتناب نهيه، وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة). (¬1) في (ظ) و (ن): (معاملة). (¬2) أبشارهم: من بشرت الرَّجل أبشُرُه إذا أفرحته، وبشِر يبشِر إذا فرح، وأبشر الرجل: فرح. وأصل هذا كله أن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور، ومن هذا قولهم: فلان يلقاني ببشر، أي: بوجه منبسط. والأبشار: هو ظاهر جلد الإنسان. انظر: لسان العرب (4/ 62)، والقاموس المحيط (1/ 372 - 373). (¬3) الأكمه: هو الذي يولد أعمى، وفي التنزيل العزيز: {وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ}، وأصله من الكمه، وهو العمى الذي يولد به الإنسان. وكَمِهَ بصره بالكسر كمهاً، وهو أكمه؛ إذا اعترته ظلمة تطمس عليه. وقيل: الأكمه: الذي يبصر بالنهار ولا يبصر باللّيل. وقيل: هو الأعمى الذي لا يبصر فيتحير، ويتردد. انظر: لسان العرب (13/ 536 - 537)، والقاموس المحيط (4/ 291 - 292). (¬4) القائل: ذو الرمة، وهو في ديوانه (ص 1163)، والبيت من بحر البسيط التام، المخبون عروضه وضربه، ووزنه: مفعلن فَعِلن مستفعلن فَعِلن ... مستفعلن فاعلن مستفعلن فَعِلن

فصل (2)

فصل (2) يجب أن نعتقد (¬1) أنَّ ما أثبته الله سبحانه في كتبه على لسان رسله - صلواتُ الله عليهم وسلامه - حقٌّ، وأنَّ جميع ما فيها من [الوجود] (¬2) والإيجاد الثابتين للإلهيَّة والتنزيه عن الحدثِ والمحدَثِ وصفاتِهما حقٌّ. وأنَّ الكتاب العزيز المُنزَّلَ على لسان محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أتى بجميع ما فيها من ذلك وأبين، وأنَّه لا اختلاف بين الكتب، في ذلك، وأنَّه ناسخٌ لجميع الكتب. وأنَّ شريعة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ناسخةٌ لجميع الشرائعِ. وأنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجميعَ النبيين حقٌّ. ويجب أن نعتقدَ (¬3) أنَّه يحرم التفرقة بين رسل الله وأنبيائه في التوحيد (¬4). وما أقرّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقاله، وعمل به، أو فُعِلَ بحضرته وسكت عليه فهو حقٌّ. وأنَّ العقل [مذكَّرٌ] (¬5) لذلك لا أمر له ولا نهيَ، ولا تحريم ولا تحليل، بل تصرُّفُه الموافق لكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (يُعتقد). (¬2) في (ص) و (ن): (الموجود)، وفي (ظ) ما أثبته. (¬3) في (ظ) و (ن): (يُعتقد). (¬4) كما في قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة: 285]، وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء: 150]. (¬5) في (ص): (مركن)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.

الفروعِ [جائزٌ] (¬1)، وأمَّا في الأصول فلا مدخل له أصلاً ألبتة سوى الوقوفِ عنده (¬2). ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) كلام المؤلف - رحمه الله - هنا موافق لمذهب أهل السنة والجماعة؛ إذ هو متجه إلى ثبوت الأمر والنهي والتحليل والتحريم بالشرع لا بالعقل، وليس متجهاً لثبوت الحسن والقبح في الأفعال. وأما مسألة التحسين والتقبيح العقليين فقد تنازع الناس فيها على أقوال: ما بين مثبت ونافٍ لها، وذكر النزاع فيها شيخ الإسلام ابن تيمية في: منهاج السنة (1/ 448 - 450)، والرد على المنطقيين (ص 420 - 421) والفتاوى (8/ 431 - 434)، ودرء التعارض (9/ 49 - 50)، وذكرها ابن النجار الحنبلي في شرح الكوكب المنير (1/ 301 - 302)، وبدر الدين الزركشي في البحر المحيط (1/ 146). وهم في الجملة على ثلاثة آراء: (أ) - القول بأنهما عقليان، وأنهما يدركان عن طريق العقل، هو قول المعتزلة ومن تابعها، قالوا بإثبات الحسن والقبح العقليين في أفعال الله وأفعال العباد، وأنهما ذاتيان، على خلاف بينهم في جهتهما، وأن الثواب والعقاب يعرف ويدرك بالعقل قبل الشرع، وبالتالي قالوا بالوجوب العقلي على الله، وأن ما حسن وقبح من العباد حسن وقبح من الله. انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص 564 - 565)، والمحيط بالتكليف (ص 243)، والمختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار (1/ 234) ضمن كتاب: رسائل في العدل والتوحيد، والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري (1/ 336 - 342)، مناهج الأدلة لابن رشد (ص 90 - 91)، والمعتزلة لزهدي جار الله (ص 108)، والمعتزلة وأصولهم الخمسة للمعتق (ص 163). (ب) - القول بأنهما شرعيان لا عقليان، وأن الحسن والقبح يثبتان بالشرع لا بالعقل، هو قول النفاة من الأشاعرة ومن تبعهم كابن حزم، فالحسن والقبح بمعنى كون الفعل يتعلق به المدح أو الذم عاجلاً، والثواب والعقاب آجلاً، نفوا أن يكون بهذا المعنى عقلياً. قال الباقلاني في الأنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به (ص 49 - 50): وجميع قواعد الشّرع تدل على أن الحسن: ما حسنه الشّرع وجوّزه وسوّغه، =

فما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه وعلى (¬1) لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أثبتناه، وما نفاه نفيناه، وما سكت عنه سكتنا عنه، وما ذكره - سبحانه وتعالى - في الكتاب العزيز وعلى لسان نبيه (¬2) محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - مُفرقاً ذكرناه مفرقاً، وما ذكره مجموعاً ذكرناه مجموعاً. فإن نفى نافٍ جميعَ ذلك نفياً أدَّى إلى تعطيلها (¬3)، ونفي الحقائق الشرعية الثابتة عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ = والقبيح: ما قبحه الشّرع وحرمه، ومنع منه، لا من حيث الصورة. وانظر: اللمع لأبي الحسن الأشعري (ص 115 - 116)، والإرشاد للجويني (ص 228)، والاقتصاد للغزالي (ص 105)، والأربعين للرازي (1/ 346)، والمواقف للإيجي (ص 323)، وشرح المقاصد للتفتازاني (4/ 282 - 283)، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازي (ص 202)، والفصل لابن حزم (3/ 137)، وابن حزم وموقفه من الإلهيات للحمد (ص 438). (ج) - أما أهل السنة والجماعة فقالوا بالتحسين والتقبيح العقليين خلافاً للنفاة، وأن بعض الأشياء حسنة في نفسها، وبعض الأشياء قبيحة في نفسها، ولكن لا يوجبون شيئاً على المكلَّف قبل ورود الشّرع، والثواب والعقاب عندهم متوقف على بعثة الرسل خلافاً للمعتزلة، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]. انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم (ص 346)، وكذلك مدارج السالكين (1/ 227 - 244)، والفتاوى (8/ 434 - 436)، والرد على المنطقيين (ص 422 - 430)، والحكمة والتعليل للمدخلي (ص 89 - 91). (¬1) في (ظ): (على) بدون واو. (¬2) (نبيه) ليست في (ظ) و (ن). (¬3) التعطيل: لغة: الخلو والفراغ والترك، قال تعالى: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج: 45]، أي: فارغة ومتروكة وخالية، والمرأة العطلى: الخالية من الحلي، كما في لسان العرب (11/ 453)، والصحاح (ص 1767). قال الراغب: (ويقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغاً عن صانع أتقنه وزينه معطل) المفردات (ص 572). والمراد بالتعطيل هنا: نفي وإنكار الأسماء والصفات عن الله - سبحانه وتعالى -، سواء كان ذلك كلياً أو جزئياً، ولذلك فقد سمى السلف نفاة ذلك معطلة؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله. =

وجب ذكرها وبيانها (¬1) مجموعةً ومبينةً، للردِّ عليه، وعدم الكتمان المتوعد عليه بالنار الملعون متعاطيه، وما أرسل الله الرسلَ، وجعل العلماءَ ورثتهم؛ إلا لهذا، والله يعلم المفسد من المصلح. ¬

_ = انظر: مجموع الفتاوى (5/ 326)، (13/ 177)، ودرء التعارض (5/ 4) وما بعدها. (¬1) في (ظ) و (ن): (وإبيانها).

فصل (3)

فصل (3) الوجود الذاتيُّ ثابتٌ له سبحانه، والصفات ثابتةٌ له - سبحانه وتعالى -[أزلاً] (¬1) أبداً. ووجود المخلوقين وصفاتهم منفيٌّ عنه سبحانه. فهو سبحانه قديمٌ أزليٌّ (¬2) دائمٌ سرمديٌّ (¬3)، ............................. ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) الفرق بين القديم والأزلي: هو أن الأزل أعم من حيث الإطلاق، والقدم أخص من حيث الإطلاق. قال السفاريني في لوامع الأنوار (1/ 38): (القديم أخص من الأزلي؛ لأن القديم موجود لا ابتداء لوجوده، والأزلي ما لا ابتداء له وجودياً كان أو عدمياً، فكل قديم أزلي ولا عكس)، وقال في (ص 39) مبيناً فرقاً آخر وهو: (أن القديم يستحيل أن يلحقه تغير أو زوال بخلاف الأزلي؛ الذي ليس بقديم كقدم الحوادث المنقطع بوجودها). وانظر الفرق بينهما في: رحلة الحجِّ إلى بيت الله الحرام للشنقيطي (ص 72). وإطلاق القديم والأزلي على الله باعتبار أنهما من أسمائه لا يصح؛ لأنه لم يردّ فيهما دليل، أما إذا أُطلقا من باب الإخبار فإنّه يصح؛ لأن هذا الباب أوسع من باب الأسماء والصفات. انظر: مجموع الفتاوى (1/ 245)، (17/ 168)، وبدائع الفوائد (3/ 163)، وشرح العقيدة السفارينية لابن مانع (ص 7 - 8). (¬3) سرمدي: من السرمد، وهو الدائم الذي لا ينقطع، وقيل هو: دوام الزمان، اتصاله من ليل أو نهار، وليل سرمد: طويل. انظر: لسان العرب (3/ 212)، وتاج العروس (5/ 15). أما إطلاق الدائم السرمدي على الله بأنه من أسمائه - عز وجل - فهذا لا يصح؛ لأن أسماء الله توقيفية، تقف في ثبوتها على النص، ولم يرد دليل يثبت ذلك، أما إطلاقهما على الله =

والمخلوقون محدَثون (¬1) دائمون بإدامته، فانون بإفنائه، مبعوثون ببعثه، منشورون بنشره. فإذا ثبت نصاً في الكتاب العزيز والسنة النبويَّة - على قائلها أفضل الصلوات (¬2) والتسليم - أنَّه سبحانه خلق آدم بيده، وأنَّه قال لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، وأنَّه سبحانه قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، وثبت في الصّحيح في محاجَّة آدم وموسى قولُه له: "خلقك الله بيده" (¬3)، وقال - صلى الله عليه وسلم - حاكياً عن ربّه: "لا أجعل صالحَ ذريةِ مَنْ خلقتُ بيديَّ كمن قلت له: كن فكان" (¬4)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خلق ¬

_ = من باب الإخبار فإنه يصح، والأكمل أن يقال: (الحي)، بدل: الدائم السرمدي. (¬1) في (ظ) و (ن): (حادثون). (¬2) في (ظ) و (ن): (الصلاة). (¬3) أخرجه مسلم في القدر، باب: حجاج آدم وموسى - عليهما السلام - (4/ 2043) رقم (2652) من حديث أبي هريرة بلفظه، أثناء حديث محاجّة آدم وموسى - عليهما السلام -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احتج آدم وموسى - عليهما السلام - عند ربهما فحجّ آدم موسى، قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ... " الحديث. (¬4) أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (1/ 254)، وفي الأوسط (6/ 196) رقم (6173) من حديث عبد الله بن عمرو بنحوه أثناء حديث طويل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الملائكة قالت: يا ربنا أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون، ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نلهو، فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة، فقال: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له: كن فكان". قال الهيثمي في المجمع (1/ 254): (وفيه إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي، وهو كذاب متروك، وفي سند الأوسط طلحة بن يزيد، وهو كذاب أيضاً). وأخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (2/ 469)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 121 رقم 688)، وفي شعب الإيمان (1/ 172 رقم 149) من طريق عروة بن رويم، عن الأنصاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره بنحوه. قال البيهقي في الشعب (1/ 172): (في ثبوته نظر). =

الله الفردوس بيده، وخلق جنَّة عدنٍ بيده، وكتب التوراة لموسى بيده" (¬1)، وغير ذلك من الأخبار، وجب علينا اعتقاد أنَّ ذلك حقٌّ، ¬

_ = والأنصاري هذا لا يُدرى من هو، وفي بعض طرقه عند البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 122 رقم 689): جابر بن عبد الله الأنصاري. وذكره شارح الطحاوية عن عبد الله بن عمر، وقال: أخرجه الطبراني وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد بن محمّد بن حنبل عن عروة بن رويم، إلا أن الشارح أعلهما سنداً ومتناً. انظر: شرح العقيدة الطحاوية تخريج الألباني (ص 342 - 343)، وتعقبه أحمد شاكر في إعلاله طريق عبد الله بن الإمام أحمد، فقال بعد أن ذكره بإسناده عن عروة بن رويم يقول: أخبرني الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "فهذا إسناد ظاهر الصحة أيضاً، وإن لم أستطع أن أجزم بذلك؛ لأن عروة بن رويم لم يصرح فيه بأن الأنصاري الذي حدثه به صحابي، فجهالة الصحابي لا تضر، وهو يروي عن أنس بن مالك الأنصاري؛ فإن يكنه يكن الإسناد صحيحاً، وهذا محتمل جداً، وإن كنت لا أقطع به". انظر: شرح العقيدة الطحاوية تخريج أحمد شاكر (ص 241 - 242). وأخرجه الدارمي في نقضه على بشر المريسي (1/ 256 - 257) عن عبد الله بن عمرو، وصحح الذهبي إسناد الدارمي كما في العلو (ص 82)، وصححه ابن تيمية في السبعينية (ص 224)، وجزم بصحته ابن القيم كما في مختصر الصواعق المرسلة (2/ 334). (¬1) رواه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 47) مرسلاً عن عبد الله بن الحارث، عن أبيه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله - عز وجل - خلق ثلاثة أشياء بيده: خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده، ثم قال: وعزتي لا يسكنها مدمن خمرٍ، ولا ديوث"، ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (123)، وورد موقوفاً عن ابن عمر في المستدرك للحاكم (2/ 319) وصححه، ووافقه الذهبي، وورد موقوفاً عن جابر في مصنف ابن أبي شيبة (13/ 96)، والسنة لعبد الله بن أحمد برقم (570)، كما ورد هذا الحديث في كتب الحديث على ثلاثة أطراف: أما الطرف الأوّل، وهو قوله: "خلق الله الفردوس بيده"، فأخرجه ابن منده في الرد على الجهمية رقم (51)، وتمّام في الفوائد (2/ 75) رقم (1181)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 94 - 95)، وأبو إسماعيل الهروي في الأربعين في دلائل التوحيد رقم =

وحَرُم علينا أن نقول: إنَّ الله تعالى خاطبنا بما نفهمه، ولا نفهم اليد إلا ¬

_ = (23)، والديلمي في مسند الفردوس كما في الضعيفة للألباني (4/ 209) من حديث أنس بلفظ: "إن الله تعالى بنى الفردوس بيده، وحظرها على كل مشرك ومدمن خمر". وضعفه الألباني كما في الضعيفة (4/ 209) رقم (1719). وأما الطرف الثّاني، وهو قوله: "خلق جنة عدن بيده"، فأخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 1837) في ترجمة علي بن عاصم، والحاكم في المستدرك (2/ 392)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 124) رقم (691)، والخطيب في تاريخه (10/ 118) من حديث أنس بلفظ: "خلق الله جنة عدن وغرس أشجارها بيده، فقال لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون". قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)، وتعقبه الذهبي بقوله: (بل ضعيف). ورواه الطبراني في الكبير (12/ 147) رقم (12723)، وفي الأوسط (5/ 349) رقم (5518) من حديث ابن عبّاس بنحوه. وضعفه الألباني كما في السلسلة الضعيفة (3/ 443) رقم (1284). وأما الطرف الثّالث، وهو قوله: "وكتب التوراة لموسى بيده". أخرجه الدارقطني في الصفات رقم (28)، وأبو نعيم في صفة الجنة (1/ 48) رقم (23)، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 125) رقم (692) من طريق عبد الله بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه عبد الله بن الحارث بن نوفل بلفظ: "خلق الله - عز وجل - ثلاثة أشياء بيده، خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده"، قال البيهقي: (هذا مرسل). قلت: لأن عبد الله بن الحارث تابعي، وليست له صحبة كما في جامع التحصيل (ص 208)، ثم إن الإسناد إليه ضعيف. وكتابة الله تعالى التوراة لموسى - عليه السلام - بيده، وردت فيها أحاديث صحيحة، منها: حديث محاجة آدم وموسى - عليهما السلام - وفيه: "وخط لك بيده"، يعني: التوراة، أخرجه البخاري في القدر، باب: تحاجّ آدم وموسى عند الله (11/ 505) رقم (6614)، ومسلم في القدر أيضاً، باب: حجاج آدم وموسى - عليهما السلام - (4/ 2042) رقم (2652) من حديث أبي هريرة مطولاً، وفيه: " ... وخط لك بيده ... "، يعني: التوراة.

ذاتَ الكفِّ والأصابع، فنشبِّهه بخلقه، فيفضي (¬1) إلى التجسيم، تبارك الله وتعالى عمَّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً (¬2)، أو نقولَ: المراد النعمتين أو القوتين؛ لأنَّه تعذر حمله على اليد التي نفهمها، فتعيَّن حمله (¬3) على ذلك؛ خوفاً من التشبيه (¬4)، وهذا تحريفٌ؛ لما فيه من التعطيل، كيف والإجماع على أنَّ الصفاتِ توقيفيةٌ، ولم يثبت [دليلٌ] (¬5) بالمراد على ما تأوَّلوه (¬6)، ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (فيؤدي). (¬2) يريد المؤلف - رحمه الله - بكلامه هذا الرد على الممثلة الذين يقولون: إن الله تعالى خاطبنا بما نعقل، ولا نعقل من صفاته سوى ما هو مماثل لصفات خلقه، لا نفي حقيقة اليد والكف والأصابع؛ لإثباته صفات الله تعالى على التفصيل، كما سيأتي. (¬3) في (ظ) و (ن): (تأويله) بدل (حمله). (¬4) التشبيه: إقامة شيء مقام شيء لصفة جامعة بينهما ذاتية أو معنوية. والتشبيه المنفي عن الله هو ما كان وصفه بشيء من خصائص المخلوقين؛ بأن يجعل شيئاً من صفاته مشبهاً لصفات المخلوقين، أو العكس بأن يجعل صفة من صفات المخلوقين مشبهة لصفة من صفات الله تعالى، فالأول كقول أهل البدع: لله يد كأيدينا، والثّاني كقول النصارى في عيسى، حيث شبهوه بالخالق تعالى، فعبدوه. انظر: التعريفات للجرجاني (ص 81)، منهاج السنة (8/ 29)، درء التعارض (4/ 32). والصّحيح أن التشبيه ليس هو التمثيل؛ إذ بينهما فرق، فالتشبيه إنّما يكون في بعض الأشياء، وقد لا يكون فيها جميعاً، أما التمثيل فإنه يكون في جميع الأشياء، فإذا قلت: هذا مثل هذا، فانت تقصد أنه مماثل له تماماً، لكن إذا قلت: هذا يشبه هذا، فأنت تقصد أن بينهما شبها وبينهما أيضاً فرقاً. انظر: بيان تلبيس الجهمية (1/ 476)، والصفدية (1/ 101). (¬5) في (ص): (ذلك)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬6) التأويل في اللغة: مصدر من التفعيل من آل يؤول بمعنى الإصلاح، وقيل: هو تفسير الكلام، ورجوع الشيء إلى أصله، ورد الحكم إلى أهله، لسان العرب (11/ 32). أما التأويل اصطلاحاً فله ثلاثة معان: الأوّل: بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الشيء، فتأويل صفات الله أي حقيقة صفات =

وهو فعل المعتزلةِ (¬1) والجهميّة (¬2)، أعاذنا الله من ذلك. ¬

_ = الله، وتأويل الرؤيا، أي: حقيقة الرؤيا، كما أخبر الله عن يوسف عليه الصلاة والسلام أنه قال: {يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100]. الثّاني: بمعنى التفسير والبيان، فيقول القائل: تأويل الآية كذا، أي: تفسيرها وبيانها كذا، وهذا منهج الإمام محمّد بن جرير الطبري في تفسيره. الثّالث: بمعنى صرف اللّفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به. وهذا النوع الثّالث هو المشتهر عند كثير من أهل أصول الفقه وغيرهم؛ فإن كان الدّليل المقترن به صحيحاً، والصارف عن المعنى الراجح إلى المرجوح صحيحاً، ففي هذه الحالة يكون التأويل صحيحاً. أما إذا كان التأويل لغير دليل، أو كان مخالفاً للدليل، فهذا هو التأويل الباطل الذي قصده المؤلف، وهو الذي يعنيه المتكلمون بأنه: صرف اللّفظ عن ظاهره وحقيقته إلى مجازه وما يخالف ظاهره. انظر: التدمرية (ص 91)، ودرء التعارض (1/ 14)، (5/ 234)، ومجموع الفتاوى (4/ 68)، (13/ 382)، والصواعق المرسلة (1/ 177). والمؤوِّلة: لهم في مذهب التأويل طريقان: الأولى: أن ما يفضي إلى التجسيم والحدوث - على حد زعمهم - أولوا معناه، ولم يثبتوه لله - سبحانه وتعالى - كالاستواء، والكلام، واليد، والكف، والأصابع، والقدم، والساق، وغيرها من صفات الذات والأفعال. والثانية: تأويل ما لا يدل على إثباته العقل. انظر: توضيح المقاصد لابن عيسى (2/ 55)، وشرح القصيدة النونية للهرّاس (1/ 341). (¬1) المعتزلة: هم أتباع واصل بن عطاء الغزال وعمرو بن عبيد، سموا بذلك لاعتزالهم الحسن البصري لما اختلفوا معه في حكم مرتكب الكبيرة، فاعتزلوا عن مجلسه في المسجد، ومذهبهم في الجملة يقوم على الأصول الخمسة، وهي: العدل، والتوحيد، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ستروا تحت كل واحد منها جملة من المعاني الباطلة؛ التي تخالف مفهومها الشرعي. انظر: الفرق بين الفرق (ص 114)، والملل والنحل للشهرستاني (1/ 43)، والملل والنحل للبغدادي (ص 82)، ومقالات الإسلاميين (ص 155)، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 33). (¬2) الجهمية: هم أتباع جهم بن صفوان؛ الذي قتله سلم بن أحوز سنة 128 هـ، وهم =

فتعيَّن القول بتنزيه الباري - عز وجل - عن التشبيه والتعطيل، [وعدم] (¬1) التحريف (¬2) والتكييف والتمثيل، والأخذ بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، منّاً من الله - سبحانه وتعالى - بالتفهيم والتعريف لسلوك التوحيد والتنزيه (¬3)، وكذا القول في جميع ما ثبت من ذلك، والله يعلم المفسد من المصلح. ¬

_ = ينفون عن الله جميع الأسماء والصفات، ويقولون بالجبر في القدر، وهم من غالية المرجئة في الإيمان، إذ الإيمان عند جهم هو مجرد المعرفة، وقد أجمع السلف على تكفيرهم. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 279)، والفرق بين الفرق (ص 211)، والملل والنحل للشهرستاني (1/ 86)، والملل والنحل للبغدادي (ص 145)، والبرهان في معرفة عقائد أهل الأديان (ص 34). (¬1) في (ص): (بكسف)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) التحريف: هو العدول بالكلام عن وجهه وصوابه إلى غيره، وهو نوعان: تحريف اللّفظ وهو تبديله، وتحريف المعنى وهو صرف اللّفظ عنه إلى غيره مع بقاء صورة اللّفظ، أما الأوّل - تحريف اللّفظ - فمثاله نصب اسم الجلالة بدل رفعه في قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وأما الثّاني - تحريف المعنى - فمثاله قولهم: (استوى) في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] , بمعنى: استولى. انظر: مجموع الفتاوى (3/ 165)، والصواعق المرسلة (1/ 215)، (1/ 358)، وشرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل الهراس (ص 66)، ومعارج القبول (1/ 290). (¬3) من قوله: (أو نقول: المراد النعمتين أو القوتين) وإلى قوله: (لسلوك التوحيد والتنزيه) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف للصابوني (ص 161 - 164).

فصل (4)

فصل (4) الباري - عز وجل - منزَّهٌ عن أن يجب عليه شيءٌ أو يلزمه لازم، والمخلوقون مكلَّفون، فيجب عليهم الواجب، ويلزمهم اللازم. فهو سبحانه منزَّه عن صفات المخلوقين. فإذا نطق الكتاب العزيز ووردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة (¬1)، والعظمة، والمشيئة، والإرادة، والقول والكلام، والرضا، والسخط، والحبِّ، والبغض، والفرح، والضحك، وجب اعتقاد حقيقته من غير تشبيهٍ لشيءٍ من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاءُ إلى ما قاله الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير إضافةٍ، ولا زيادةٍ عليه، ولا تكييف (¬2)، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالةِ لفظٍ عمَّا تعرفه العرب وتضعه عليه، والإمساكُ عمَّا سوى ذلك (¬3). ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): [والعزَّة] وليست في (ص). (¬2) في (ظ) و (ن): [له] وليست في (ص). (¬3) من قوله: (فإذا نطق الكتاب العزيز) وإلى نهاية الفصل نقله المؤلف بتصرف من: عقيدة السلف (ص 165).

فصل (5)

فصل (5) رؤية الباري - عز وجل - في دار السلام واجبةُ الإيمان بها من غير اعتبارٍ بوهمٍ (¬1)، ولا تأويلٍ (¬2) بفهمٍ (¬3)، ولا إحاطةٍ ولا كيفية، إذ تأويلُها وتأويلُ كلَّ معنىً يضافُ إلى الربوبية؛ [تركُه، ولزومُ] (¬4) التسليم، وهو دين المرسلين، إذ التنزيه نفي التشبيه؛ لانفراده - سبحانه وتعالى - بوصف الوحدانية والفردانية، لا يشاركه فيه أحدٌ من البريَّة؛ لتعاليه سبحانه (¬5) عن ¬

_ (¬1) قال شارح الطحاوية في معنى الوهم: (أي توهم أن الله تعالى يُرى على صفة كذا، فيتوهم تشبيهاً، ثم بعد هذا التوهم إن أثبت ما توهمه من الوصف فهو مشبه، وإن نفى الرؤية من أصلها لأجل ذلك التوهم فهو جاحد معطل، بل الواجب دفعُ ذلك الوهم وحده، ولا يعم بنفيه الحق والباطل، فينفيهما رداً على من أثبت الباطل، بل الواجب رد الباطل، وإثبات الحق). شرح العقيدة الطحاوية (1/ 250). (¬2) في (ظ) و (ن): (أو تأويل). (¬3) قال شارح الطحاوية في معنى (أو تأولها بفهم): (أي: ادعى أنه فهم لها تأويلاً يخالف ظاهرها، وما يفهمه كل عربي من معناها، فإنه قد صار اصطلاح المتأخرين في معنى التأويل: أنه صرف اللّفظ عن ظاهره، وبهذا تسلط المحرفون على النصوص، وقالوا: نحن نؤول ما يخالف قولنا، فسموا التحريف تأويلاً، تزييناً له، وزخرفة ليقبل). شرح العقيدة الطحاوية (1/ 251). (¬4) في (ص): (وتركة لزوم)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬5) من بداية هذا الفصل وإلى قوله: (لتعاليه سبحانه) نقله المؤلف بتصرف يسير من متن العقيدة الطحاوية (ص 10).

الحدود، والغايات، والأركان، والأعضاء، والأدوات، ولا تحويه (¬1) الجهات الست كسائر المبتدعات (¬2). والمعراجُ حقٌّ، وقد أُسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعُرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله من العُلا، وأكرمه سبحانه (¬3) بما شاء، وأوحى إليه ما أوحى (¬4). ¬

_ (¬1) في متن العقيدة الطحاوية: (لا تحويه) بدون واو. (¬2) قوله: (لتعاليه عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات)؛ هذه العبارة ألفاظها مجملة، لم يرد فيها نص بالإثبات أو النفي، وبالتالي فإن منهج السلف فيها هو التفصيل من حيث المعنى، فإن كان حقاً قبل، وعبر عنه باللفظ الشرعي وإن كان باطلاً رد. قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية (1/ 261) معلقاً على هذه العبارة: (فالواجب أن ينظر في هذا الباب، أعني باب الصفات، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصها من الألفاظ والمعاني. وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها، لا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحاً، قبل، لكن ينبغي التعبير بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة). وقال ابن مانع في حاشيته على عقيدة الطحاوي (ص 11) معلقاً على هذه الألفاظ: (ولكن هذه الكلمات مجملة مبهمة، وليست من الألفاظ المتعارفة عند أهل السنة والجماعة، والرد عليهم بنصوص الكتاب والسنة أحق وأولى من ذكر ألفاظ توهم خلاف الصواب، ففي قوله تعالى: {كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، رد على المشبهة والمعطلة، فلا ينبغي لطالب الحق الالتفات إلى مثل هذه الألفاظ، ولا التعويل عليها). (¬3) في متن العقيدة الطحاوية: (وأكرمه الله بما شاء). (¬4) نقله المؤلف بالنص من متن العقيدة الطحاوية (ص 10 - 11).

والعرشُ والكرسيُّ حقٌّ، والله - سبحانه وتعالى - مستغنٍ عن العرش فما (¬1) دونه، محيطٌ بكلَّ شيء، وأعجز سبحانه خلقَه عن الإحاطة. واتخذ الله إبراهيم خليلًا، وكلَّم موسى تكليماً، إيماناً وتصديقاً وتسليماً (¬2)؛ إذ له سبحانه أن يكرم من يشاء بما يشاء. ورؤية الباري - عز وجل - في الدنيا في المنام جائزةٌ للأنبياء وغيرهم، وهي صحيحةٌ (¬3)، نقل اتفاقَ العلماء عليه القاضي عياض (¬4) (¬5) - رحمه الله - ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (وما). (¬2) من قوله: (والعرش والكرسي حق) وإلى (إيماناً وتصديقاً وتسليماً) نقله المؤلف بتصرف من متن العقيدة الطحاوية (ص 13). (¬3) رؤية الله في المنام جائزة في الدنيا للأنبياء وغيرهم من المؤمنين كما ذكرها المؤلف، وهذه الرؤيا تكون بحسب ما يقوم بقلب المؤمن من الإيمان، (ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه، مثل ما رأى في المنام، فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلًا، ولكن لا بد أن تكون الصورة الّتي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده بربه، فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقاً أتى من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك، وإلا كان بالعكس) كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 73). وقال أيضاً في الوصية الكبرى ضمن الفتاوى (3/ 390): (وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه؛ فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة، وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه)، وانظر رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها لأحمد آل حمد (ص 175). (¬4) هو العلامة القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي الأندلسي ثم السبتي المالكي. ولد سنة 476 هـ، وتبحر في جميع العلوم، وجمع وألف وسارت بتصانيفه الركبان، واشتهر اسمه في الآفاق ومن تصانيفه: الإكمال في شرح صحيح مسلم، ومشارق الأنوار، وترتيب المدارك، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، توفي سنة 544 هـ. انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (ص 270)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (ص 140)، وسير أعلام النبلاء (20/ 212). (¬5) انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (7/ 220).

قال: ([ولو] (¬1) رآه (¬2) الإنسان على صفةٍ [لا تليق] (¬3) بجلاله من صفات الأجسام؛ لأنَّ ذلك المرئيَّ غيرُ ذات الله تعالى (¬4)؛ إذ لا يجوز عليه سبحانه (¬5) التجسيم (¬6) ولا اختلاف الأحوال (¬7)، بخلاف رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬8) (¬9). ¬

_ (¬1) في (ص): (لو) والصواب ما أثبته من (ظ) و (ن). (¬2) لعل جواب لو الشرطية (لو رآه) هو: (لأن ذلك المرئي غير ذات الله). (¬3) في (ص): (لا يليق)، وفي (ظ) و (ن) وإكمال المعلم ما أثبته. (¬4) في إكمال المعلم: (للتحقيق أن ذات المرئي ...). (¬5) (سبحانه) ليست في إكمال المعلم. (¬6) لفظ الجسم من الألفاظ المجملة الّتي يحتاج في إثباتها أو نفيها عن الله تعالى إلى تفصيل؛ من حيث المعنى، مع التوقف في اللّفظ، فإن كان المعنى حقاً قبل وعبر عنه باللفظ الشرعي، وإن كان باطلًا رد - كما سبق -. وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذه الرؤيا لا نقص يتعلّق بالله - سبحانه وتعالى - فيها، وإنما ذلك بحسب حال الرائي، حيث قال في بيان تلبيس الجهمية (1/ 73 - 74): (وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلّق به - سبحانه وتعالى -، وإنما ذلك بحسب حال الرائي وصحة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه. وقول من يقول ما خطر بالبال أو دار في الخيال فالله بخلافه، ونحو ذلك إذا حمل على مثل هذا كان محملًا صحيحاً، فلا نعتقد أن ما تخيله الإنسان في منامه أو يقظته من الصور أن الله في نفسه مثل ذلك، فإنه ليس هو في نفسه مثل ذلك، بل نفس الجن والملائكة لا يتصورها الإنسان ويتخيلها على حقيقتها، بل هي على خلاف ما يتخيله ويتصوره في منامه ويقظته، وإن كان ما رآه مناسباً مشابهاً لها؛ فالله تعالى أجل وأعظم). (¬7) في إكمال المعلم: (ولا اختلافٌ في الحالات). (¬8) قال القاضي عياض في الإكمال: (بخلاف رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، فكانت رؤيته تعالى في النوم من أنواع الرؤيا من التمثيل والتخيّل). (¬9) نقله المؤلف بالنص من إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (7/ 220)، وفي نفس الموضع ذكر القاضي عياض اتفاق العلماء على جواز رؤية الله مناماً في الدنيا.

وقال (¬1) ابن الباقلاني (¬2): (رؤية الله تعالى في المنام خواطر في القلب، وهى دلالاتٌ على أمورٍ ممّا كان أو يكون كسائر المرئيات (¬3) (¬4)، والله أعلم. ورؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربَّه - عز وجل - في اليقظة بعينيْ رأسه اختلف السلف فيها: فذهب جماعة من الفقهاء والمحدِّثين والمتكلمين إلى منعها، وهو قول عائشة، والمشهور عن ابن مسعود، وأبي هريرة قالوا: إنَّما رأى جبريل (¬5). ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (قال). (¬2) هو القاضي أبو بكر محمّد بن الطيب بن محمّد بن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، وكان يضرب بفهمه وذكائه المثل، وهو من أعلام المذهب الأشعري، توفي سنة 403 هـ. انظر: ترتيب المدارك (2/ 585)، والديباج المذهب (ص 363)، وشجرة النور الزكية (ص 92). (¬3) في إكمال المعلم: (قال القاضي أبو بكر: رؤية الله تعالى في النوم أوهام وخواطر في القلب بأمثال لا تليق به بالحقيقة، ويتعالى سبحانه عنها، وهي دلالات الرائي على أمور ممّا كان أو يكون كسائر المرئيات). (¬4) نقله المؤلف من إكمال المعلم للقاضي عياض (7/ 220). (¬5) قول المؤلّف في الرؤية: (وهو قول عائشة، والمشهور عن ابن مسعود، وأبي هريرة قالوا: إنما رأى جبريل)، وتخريجه على النحو الآتي: أ - أما قول عائشة، فأخرجه مسلم في الإيمان، باب معنى قول الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 159) رقم (177) من طريق مسروق عن عائشة قالت: (من زعم أن محمداً رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية) فقال لها مسروق: ألم يقل الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} وقال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، فقالت: أنا أوّل هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنّما هو جبريل". ب - وأما قول ابن مسعود، فأخرجه مسلم أيضاً في الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى (1/ 158) رقم (174) من طريق زرّ بن حبيش، عن عبد الله قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: رأى جبريل.

وعن ابن عبّاس: رأى ربَّه بعينيه (¬1)، وهو محكيٌّ عن جماعة من الصّحابة والتابعين. وقال عطاء (¬2): رآه بقلبه (¬3). وقال أبو العالية (¬4): رآه بفؤاده مرتين (¬5). وروي عن ابن عبّاس من طرق قال: (إنَّ الله تعالى اختصَّ ¬

_ = وأصرح من ذلك ما رواه النسائي كما في الفتح (8/ 609) من طريق عبد الرّحمن بن يزيد، عن ابن مسعود قال: (أبصر جبريل، ولم يبصر ربّه). ج - وأما قول أبي هريرة، فأخرجه مسلم أيضاً في الإيمان، باب معنى قول الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 158) رقم (175) قال: (رأى جبريل). (¬1) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (4/ 318): (ومن روى عنه - أي ابن عبَّاس - أنه رآه بالبصر فقد أغرب، فإنّه لا يصح في ذلك شيء عن الصّحابة - رضي الله عنهم -). والصّحيح عن ابن عبّاس - كما سيأتي - أنه قال: (رآه بقلبه). (¬2) هو أبو محمّد عطاء بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم، المكي الأسود، مفتي أهل مكة ومحدثهم، ولد في خلافة عثمان، وقيل: في خلافة عمر. وكان أسود مفلفلاً فصيحاً كثير العلم، قال أبو حنيفة: ما رأيت أحداً أفضل من عطاء. وقال ابن عبّاس: يا أهل مكّة تجتمعون علي وعندكم عطاء؟. مات في رمضان سنة 114 هـ على الأصح، وقيل: سنة 115 هـ بمكة. انظر: الطبقات الكبرى (6/ 20)، وتهذيب الكمال للمزي (20/ 69)، وطبقات علماء الحديث (1/ 171). (¬3) قول المؤلّف: (وقال عطاء: رآه بقلبه)، نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (1/ 258) حيث قال: (وروى عطاء عنه - أي: ابن عبّاس - أنه رآه بقلبه). وهذا الأثر أخرجه مسلم في الإيمان، باب قول الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 158) رقم (176) من طريق عطاء، عن ابن عباس بلفظه. (¬4) هو رفيع بن مهران البصري، أبو العالية الرياحي، الفقيه المقرئ، مولى امرأة من بني رياح - بطن من تميم - قال أبو بكر بن أبي داود: ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية، ثم سعيد بن جبير. مات سنة 93 هـ على الصّحيح، وقيل سنة 90 هـ. انظر: طبقات علماء الحديث (1/ 124)، وتهذيب الكمال للمزي (9/ 214)، والطبقات الكبرى (7/ 79). (¬5) قوله: (وقال أبو العالية: رآه بفؤاده مرتين)، نقله المؤلّف عن القاضي عياض في =

موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة، ومحمداً بالرؤية) (¬1)، وحجته قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: 11 - 13]. [قال] (¬2) الماورديُّ (¬3): (قيل: إن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد، فرآه محمّد مرتين، وكلَّم (¬4) موسى مرتين) (¬5). وهذا الاختلاف عند أئمة الشّرع، قال القاضي عياض - رحمه الله -: ¬

_ = الشفا (1/ 285) بتصرّف، حيث قال: (وعن أبي العالية، عنه - أي: ابن عبَّاس -: رآه بفؤاده مرتين). وهذا الأثر أخرجه مسلم في الإيمان، باب قول الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 158) رقم (176)، (285) من طريق أبي العالية، عن ابن عبّاس قال: (رآه بفؤاده مرتين). (¬1) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 189) رقم (436)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 298) رقم (577) وابن خزيمة في التوحيد (ص 199)، والآجري في الشّريعة (3/ 1114) رقم (686)، والحاكم في المستدرك (2/ 575) من حديث ابن عبّاس بلفظه مع تقديم وتأخير، ولم يذكر الحاكم في حديثه الرؤية، قال الحاكم: (صحيح على شرط البخاريّ، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي. وقال الألباني في ظلال الجنة (1/ 189): (إسناده صحيح موقوفاً). (¬2) في (ص) (وقال)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) هو أبو الحسن علي بن محمّد بن حبيب البصري الشّافعيّ مصنف (الحاوي) و (الإقناع) و (أدب الدنيا والدين) وكان إماماً في الفقه والأصول والتفسير، بصيراً بالعربيّة، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستاً وثمانين سنة، ولد سنة 364 هـ، وتوفي سنة 450 هـ. انظر: طبقات فقهاء الشافعية (2/ 636)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (5/ 267)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 206). (¬4) في (ظ) و (ن): (وكلَّمه). (¬5) من قوله: (ورؤية النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ربه - عز وجل - في اليقظة) وإلى نهاية قول الماوردي: (وكلم موسى مرتين)، نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (1/ 257 - 258).

(والحق الذي لا امتراء [فيه] (¬1) أنَّ رؤيته تعالى في الدنيا جائزةٌ عقلاً، وليس في العقل ما يُحيلها. والدّليل على جوازها في الدنيا سؤال موسى - عليه السلام - لها، ومحالٌ أن يجهل نبيٌّ على الله ما يجوز وما لا يجوز عليه (¬2)، بل لم يسل إِلَّا جائزاً غير مستحيل، ولكنَّ وقوعه ومشاهدته من الغيب الذي لا يعلمه إلا مَنْ [علَّمه] (¬3) الله، فقال له [الله] (¬4): {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، أي: لن تطيق ولا تحتمل رؤيتي، ثم ضرب له مثلًا ممَّا هو أقوى من بنية موسى - عليه السلام - وأثبت وهو الجبل، وكلّ هذا ليس فيه ما يحيل رؤيته في الدنيا، بل فيه جوازها على الجملة، وليس في الشّرع دليل قاطعٌ على استحالتها ولا امتناعها؛ إذ كلُّ موجودٍ فرؤيته جائزة غير مستحيلة (¬5). ولا حجة لمن استدلَّ على منعها بقوله تعالى: {لَا ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) والشفا، وليست في (ص). (¬2) في الشفا: (ومحالٌ أن يجهل نبي ما يجوز على الله وما لا يجوز عليه). (¬3) في (ص): (علَّم)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬4) في (ظ) و (ن) والشفا، وليست في (ص). (¬5) قوله: (إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة) هو دليل عقلي ضعيف على جواز الرؤية، ويلزمه لوازم فاسدة؛ لاتباعه طريقة الوجود المجرد المحض، فمثلًا الهواء موجود لكنه لا يرى، وكذلك الأصوات والروائح موجودة ولكن لا ترى، وبالتالي فلا يصلح أن يكون الوجود المجرد مصححاً للرؤية، إذ المصحح للرؤية أمور وجودية، لا أن لكل موجود تصح رؤيته، وهو قول السلف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 357): (ومعلوم أن الرؤية تتعلق بالموجود دون المعدوم، ومعلوم أما أمر وجودي محض لا يسيطر فيها أمر عدمي، كالذوق الذي يتضمن استحالة شيء من المذوق، وكالأكل والشرب الذي يتضمن استحالة المأكول والمشروب، ودخوله في مواضع من الآكل والشارب، وذلك لا يكون إلا عن استحالة وخلق. وإذا كانت أمراً وجودياً محضاً ولا تتعلّق إِلَّا بموجود، فالمصحح لها الفارق بين ما يمكن رؤيته وما لا يمكن رؤيته: إمّا أن يكون وجوداً محضاً، أو متضمناً أمراً عدمياً، والثّاني باطل؛ لأن العدم لا يكون له تأثير في الوجود المحض، =

تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]؛ لاختلاف التأويلات في الآية، وإذ ليس يقتضي قولُ من قال في الدنيا الاستحالة. وقد استدلَّ بعضهم عليه (¬1) بهذه الآية نفسها على جواز الرؤية، وعدم استحالتها على الجملة (¬2) وقد قيل: لا تدركه (¬3) أبصارُ الكفار، وقيل: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (¬4) أي (¬5): لا تحيط به، وهو قول ابن عبّاس، وقيل (¬6): ¬

_ = فلا يكون سبباً له، ولا يكون أيضاً شرطاً أو جزءاً من السبب إِلَّا أن يتضمن وجوداً، فيكون ذلك الوجود هو المؤثر في الوجود، ويكون ذلك العدم دليلًا عليه ومستلزماً له ونحو ذلك. وهذا من الأمور البينة عند التأمل)، وقال أيضاً - رحمه الله - في الرسالة الأكملية ضمن الفتاوى (6/ 136): (وأكثر مثبتي الرؤية لم يجعلوا مجرد الوجود هو المصحح للرؤية، بل قالوا: إن المقتضي أمور وجودية، لا أن كل موجود تصح رؤيته، وبين الأمرين فرق؛ فإن الثّاني يستلزم رؤية كل موجود؛ بخلاف الأول، وإذا كان المصحح للرؤية هي أمور وجودية لا يشترط فيها أمور عدمية، فما كان أحق بالوجود وأبعد عن العدم كان أحق بأن تجوز رؤيته). وانظر: التدمرية (ص 150)، ومنهاج السنة النبوية (2/ 330)، ودرء التعارض (1/ 247)، ورؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها لأحمد آل حمد (ص 122). (¬1) (عليه) ليست في (ظ) و (ن) والشفا. (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية (ص 59): (وكذلك قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، إنّما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة، كما قاله أكثر العلماء. ولم ينف مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يُرى، وليس في كونه لا يُرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحاً، وإنما المدح في كونه لا يُحاط به وإن رُئي، كما أنه لا يحاط به وإن عُلم، فكما أنه إذا عُلم لا يحاط به علماً، فكذلك إذا رُئي لا يحاط به رؤية. فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحاً وصفة كمال، وكان ذلك دليلًا على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة، وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها). (¬3) في (ظ) و (ن): (لا تدركه الأبصار أبصار الكفار). (¬4) في (ظ) و (ن): (لا يدركه). (¬5) (أي) ليست في (ظ) و (ن) والشفا. (¬6) في الشفا: (وقد قيل ...).

لا تدركه الأبصار، وإنّما يدركه المبصرون (¬1). وكلّ هذه التأويلات [لا تقتضي] (¬2) منعَ الرؤية ولا استحالتها) (¬3). ومنع بعضهم الرؤية في الدنيا، وقال: من نظر إليه سبحانه مات، وعلَّل بعضهم امتناعها لضعف تركيب أهل الدنيا وقواهم، وكونها متغيرةً غرضاً (¬4) للآفات والفناء، فلم يكن لهم قوةٌ على الرؤية، وفي الآخرة ليسوا كذلك، فإنَّ قواهم ثابتةٌ باقيةٌ، [ولذلك] (¬5) أنوار قلوبهم وأبصارهم قويةٌ على الرؤية. وقد نُقلَ نَحوُ هذا عن الإمام مالك بن أنس (¬6) - رحمه الله - قال: (لم يُرَ في الدنيا لأنَّه باقٍ، ولا يُرَى الباقي بالفاني، فإذا كان في الآخرة، رُزقوا أبصاراً باقيةً، فرُئيَ الباقي بالباقي (¬7) (¬8) (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن جرير الطّبريّ (7/ 299 - 304)، وفتح القدير للشوكاني (2/ 148). (¬2) في (ص): (لا يقتضي)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬3) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (1/ 261 - 262). (¬4) وفي (ظ) و (ن): (عرضاً). (¬5) في (ص): (وكذلك)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬6) هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث، الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، وفقيه الأمة أبو عبد الله الأصبحي المدني، إمام دار الهجرة، قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: من أثبت أصحاب الزهري؟، قال: مالك أثبت في كل شيء. عاش مالك ستاً وثمانين سنة، ولد سنة 93 هـ، ومات سنة 179 هـ. انظر: طبقات علماء الحديث (1/ 312)، وتهذيب الكمال للمزي (27/ 91)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (1/ 107). (¬7) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 502)، وذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك (2/ 42)، والشفا (1/ 263)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 102). (¬8) من قوله: (ومنع بعضهم الرؤية ...) إلى: (... فرئي الباقي بالباقي) نقله المؤلف من الشفا للقاضي عياض (1/ 263) بتصرف. (¬9) قال الدارمي - رحمه الله - في الرد على الجهمية (ص 125): (قال: (لن تراني) في الدنيا؛ =

وقال القاضي عياض - رحمه الله -: (وهذا كلام حسن مليح، وليس فيه دليل على الاستحالة إلا من حيث ضعفُ القدرة، فإذا قوَّى الله من يشاء (¬1) من عباده وأقدره على حمل أعباء الرؤية لم يمتنع (¬2) في حقه. وقد عُرف (¬3) من قوة بصر موسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ونفوذ (¬4) إدراكهما بقوةٍ إلهيةِ مُنحاها لإدراكِ (¬5) ما أدركاه، ورؤية ما رأياه، والله أعلم) (¬6). وبالجملة: ليست في الآيات نصٌّ بالمنع، وقول مَنْ قال: رآه بعينيه (¬7) إنَّما بناه على اعتقاده باجتهاده (¬8)، ولم يسنده إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. والأحاديث مضطربةٌ في المعنى؛ لتعارضها، وفي الإسناد؛ لضعفها، والتأويل ليس قاطعاً بشيء، وحديث أبي ذر - رضي الله عنه - في صحيح مسلم لمَّا سأله عنها، قال (¬9): "رأيت نوراً"، ورُوي: "نورٌ أَنَّى أراه" (¬10)، فقد ¬

_ = لأن بصر موسى من الأبصار التي كتب الله عليها الفناء في الدنيا، فلا تحمل النظر إلى نور البقاء، فإذا كان يوم القيامة رُكَّبت الأبصار والأسماع للبقاء، فاحتملت النظر إلى الله - عز وجل - بما طوقها الله). (¬1) في (ظ) والشفا: (من شاء). (¬2) في الشفا: (لم تمتنع). (¬3) في الشفا: (وقد تقدّم ما ذكر في قوة بصر موسى ومحمد ...). (¬4) في (ظ) و (ن): (ونفود). (¬5) في (ن): (الإدراك). (¬6) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (1/ 263). (¬7) في (ظ) و (ن): (بعينه). (¬8) مسألة رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه - عز وجل - من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة والجماعة. (¬9) في (ظ) و (ن): (فقال) (¬10) أخرج اللفظين مسلم في الإيمان، باب في قوله - عليه السلام - نور أنى أراه، وفي قوله: رأيت نوراً (1/ 161) رقم (178) من حديث أبي ذر - رضى الله عنه -. أما الأوّل فعن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسألته، =

أخبر أنَّه لم يره، وإنّما رأى نوراً، أو كيف أراه مع حجاب النور المغشي للبصر؟. وهذا مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر: "حجابه النور" (¬1)، وفي الحديث الآخر: "لم أره بعيني ولكن رأيتُه بقلبي مرتين" (¬2) وتلا {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: 8] (¬3). ¬

_ = فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت، فقال: "رأيت نوراً". وأما الثّاني فعن أبي ذر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل رأيت ربك؟ قال: "نور أنى أراه". (¬1) أخرجه مسلم في الإيمان، باب في قوله - عليه السلام -: "إن الله لا ينام"، وفي قوله: "حجابه النور" (1/ 161 - 162) رقم (179) من حديث أبي موسى بلفظه، قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات فقال: "إن الله - عز وجل - لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور"، وفي رواية أبي بكر: "النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". (¬2) أخرجه مسلم في الإيمان، باب معنى قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (1/ 158) رقم (176)، من حديث ابن عبّاس في قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: رآه بفؤاده مرتين. (¬3) اختلفت أقوال السلف من الصّحابة والتابعين وأتباعهم في رؤية النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لربه ليلة المعراج، وهي في مجملها على ثلاثة أضرب: الأوّل: أقوال تثبت الرؤية مطلقاً. الثّاني: أقوال تنفي الرؤية مطلقاً. الثّالث: أقوال تقيد الرؤية بالرؤية القلبية لا البصرية. ومن ثم اختلف أهل العلم بعدهم في تحرير أقوالهم على مذهبين: المذهب الأوّل: من يرى أن الاختلاف بين أقوالهم اختلاف تضاد لا تنوع يوجب الترجيح بينها لا الجمع، واختلف القائلون بذلك في القول الراجح منها ووجهه. والمذهب الثّاني: من يرى أن الاختلاف بين أقوالهم اختلاف تنوع لا تضاد يوجب الجمع لا الترجيح. والمذهب الثّاني هو الصّحيح - والله أعلم - واختاره جمع من المحققين منهم شيخ =

والله قادرٌ على خلق الإدراكِ الذي في البصر [في القلب] (¬1) كيف ¬

_ = الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن كثير، وابن أبي العز، والسفاريني، والشنقيطي، وغيرهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (6/ 509 - 510): "وأما الرؤية فالذي ثبت في الصّحيح عن ابن عبّاس أنه قال: "رأى محمّد ربه بفؤاده مرتين" وعائشة أنكرت الرؤية. فمن النَّاس من جمع بينهما فقال: عائشة أنكرت رؤية العين، وابن عبّاس أثبت رؤية الفؤاد، والألفاظ الثابتة عن ابن عبّاس هي مطلقة، أو مقيدة بالفؤاد، تارة يقول: "رأى محمّد ربه"، وتارة يقول: "رآه محمد" ولم يثبت عن ابن عبّاس لفظ صريح أنه رآه بعينه. وليس في الأدلة ما يقتضي أنه رآه بعينه، ولا ثبت ذلك عن أحد من الصّحابة، ولا في الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل: كما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل رأيت ربك؟ فقال: "نور أنى أراه" ... وهذه رؤيا الآيات؛ لأنه أخبر النَّاس بما رآه بعينه ليلة المعراج، فكان ذلك فتنة لهم، حيث صدقه قوم وكذبه قوم، ولم يخبرهم أنه رأى ربه بعينه، وليس في شيء من أحاديث المعراج الثابتة ذكر ذلك، ولو كان قد وقع ذلك لذكره كما ذكر ما دونه". انظر: كتاب التّوحيد لابن خزيمة (2/ 477 - 563)، الرؤية للدارقطني (ص 308 - 361)، شرح اعتقاد أهل السنة (2/ 513 - 523)، الحجة في بيان المحجة (2/ 252)، شرح السنة للبغوي (12/ 228)، مجموع الفتاوى (2/ 335، 3/ 386، 6/ 509)، زاد المعاد (3/ 37)، تفسير ابن كثير (4/ 263)، العلّو للذهبي (1/ 765 - 774)، شرح الطحاوية (1/ 222 - 225)، فتح الباري (8/ 608)، ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري لأبي شامة (ص 180)، أقاويل الثقات للكرمي (ص 196 - 197)، لوامع الأنوار البهية (2/ 250 - 256)، أضواء البيان (3/ 363)، وللاستزادة: الغنية في مسألة الرؤية لابن حجر، رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه للتميمي، رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها للحمد (ص 138). (¬1) في (ظ) و (ن) وليس في (ص).

شاء لا إله غيره. فإن ورد حديثٌ بنصٍّ [بيِّنٍ] (¬1) في الباب اُعتقد، ووجب المصير إليه؛ إذ لا استحالةَ فيه، ولا مانعَ قطعيَّ يردُّه، والله الموفق (¬2). ورؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة بأبصارهم، وينظرون إليه كما يرون القمرَ ليلة البدر، لا يضارُون (¬3) في رؤيته ولا يضامُون (¬4): حقٌّ، على ما ثبت في الحديث الصّحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬5). والتشبيه وقع ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) من قوله: (ليس في الآيات نصّ بالمنع ....) وإلى: (.... والله الموفق) نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (1/ 265 - 266). (¬3) يضارون: يروى بتشديد الراء وبالتخفيف. فالتشديد (يضارّون) بمعنى: لا تتخالفون ولا تتجادلون في صحة النظر إليه؛ لوضوحه، ويقال: أضرَّني فلانٌ إذا دنا مني دنواً شديداً. وأما التخفيف (يضارُون) فهو من الضير، لغة في الضُّر، والمعنى فيه كالأول، أي: لا يأتيكم الضُّر من رؤيته. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (3/ 82)، وكتاب الإيمان من إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 772 - 773). (¬4) يضامون: يروى بتشديد الميم وبالتخفيف. فالتشديد (يضامُّون) معناه: لا ينضم بعضكم إلى بعض، وتزدحمون وقت النظر إليه. وأما التخفيف (يضامُون) معناه: لا ينالكم ضيم في رؤيته، فيراه بعضكم دون بعض، والضيم: الظلم. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (3/ 101)، وكتاب الإيمان من إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 772 - 773). (¬5) أخرجه البخاريّ في التّوحيد، باب قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (13/ 419) رقم (7434)، ومسلم في المساجد ومواضع الصّلاة، باب فضل صلاتي الصُّبح والعصر والمحافظة عليهما (1/ 439) رقم (633) من حديث جرير بن عبد الله بلفظ: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون في رؤيته ... ". وأما لفظ (تضارون)، فأخرجه البخاريّ في كتاب الرقاق، باب الصراط جسر جهنم (11/ 444 - 445) رقم (6573)، ومسلم في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (1/ =

في هذا الحديث للرؤية بالرؤية لا للمرئي (¬1) بالمرئي (¬2)؛ إذ الله لا يشبهه شيءٌ. والكفار عن رؤيته - سبحانه وتعالى - محجوبون، فإن قيل: فقد ثبت في الصّحيح عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما منكم من أحدٍ إِلَّا سيُكلِّمُه ربه ليس بينه وبينه ترجمان" (¬3)، وهذا (¬4) عام في الكفار والمسلمين، إذ الظّاهر منه رؤيتُهم له سبحانه مع الغضب عليهم. قلنا: لا يلزم من الكلام الرؤية، وغضبه سبحانه عليهم حجابه عنهم، والله أعلم (¬5). ¬

_ = 163) رقم (182) بلفظ: "هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ " قالوا: لا. قال: "فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ... "، وزاد مسلم: "هل تضارون في الشّمس ليس دونها سحاب؟ " قالوا: لا، يا رسول الله". (¬1) في (ظ) و (ن): (لا المرئي). (¬2) من قوله (ورؤية المؤمنين ربهم ..) إلى: (... لا للمرئي بالمرئي) نقله المؤلف من عقيدة السلف للصابوني بتصرف (ص 263 - 264). (¬3) أخرجه البخاريّ في التّوحيد، باب كلام الرب - عز وجل - يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم (13/ 474) رقم (7512)، ومسلم في الزَّكاة، باب الحث على الصَّدقة ... (2/ 703) رقم (1016) (67) من حديث عدي بن حاتم بلفظه مطولًا، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما منكم من أحد إِلَّا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إِلَّا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إِلَّا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إِلَّا النّار تلقاء وجهه، فاتقوا النّار ولو بشق تمرة". (¬4) من قوله: (وهذا عام في الكفار ...) يبدأ النقص في (ظ). (¬5) تنازع النَّاس في الكفار، هل يرون الله - عز وجل - يوم القيامة، ثم يحتجب عنهم؟ أم أنهم لا يرونه بالكلية على ثلاثة أقوال، والراجح عدم ذلك - كما هو ظاهر اختيار المؤلف - لأن الرؤية أعظم نعيم الجنة، ولعموم قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، وقيل: يراه المؤمنون والمنافقون فقط، دون بقية الكفار، ثم يحتجب عن المنافقين. وهذه المسألة - رؤية الكفار لله تعالى يوم القيامة - ليست من الأمور التي تجب فيها المهاجرة والمقاطعة، فإن الذين قالوا بما سبق عامتهم من أهل السنة والجماعة، =

فصل (6)

فصل (6) أحكام المعتقدات في صفاته سبحانه قطعيَّة، لا يُتصور الاختلاف فيها. فما ثبت منها في الكتاب العزيز والأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به، ولا نقول: إنَّه يجب الجمع بين المختلف منها ظاهراً كما يجب الجمع بين المختلف من الأحاديث في الأحكام الفروعيّة، لِما يلزم من الكفر في الأوّل دون الثّاني، بل الاجتهاد في ذلك وتأليفُ الأدلة الفروعيّة مُثابٌ على الخطأ فيه، بخلاف الخطأ في الأصول فإنَّه كفرٌ (¬1)؛ ¬

_ = ويجب أن لا يهجر من سكت عنها ولم يقل بشيء كما ينبغي أن لا يجعلها أهل العلم امتحاناً وشعاراً يفرقون به بين أهل السنة والمبتدعة، كما ينبغي ألا يشغل بها عوام المسلمين. انظر: مجموع الفتاوى (6/ 501 - 504)، (6/ 486)، وحادي الأرواح لابن القيم (ص 329). وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 486) في تفسير هذه الآية: (وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} أي: لهم يوم القيامة منزل ونزل سجّين، ثم هم يوم القيامة مع ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم. قال الإمام أبو عبد الله الشافعي: وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه - عز وجل - يومئذ. وهذا الذي قاله الإمام الشّافعيّ - رحمه الله - في غاية الحسن، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية). (¬1) اختلف العلماء في مسألة حكم وقوع الخلاف في الأصول اختلافاً كبيراً، وأجملها في الأقوال الآتية: القول الأول: أن المخطئ في الأصول آثم، لأنه لا يجوز ولا يصح وقوع الاختلاف فيه، ونسب ذلك لجمهور العلماء. القول الثاني: أن مخالف ملة الإسلام من المخطئين في الأصول لا إثم عليهم إن كانوا مجتهدين، أما إن كانوا معاندين فالإثم ثابت في حقهم، وهو منسوب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = للجاحظ. القول الثالث: أن المجتهد المخطئ في الأصول معذور إذا كان من المسلمين، وهو منسوب لعبيد الله بن الحسن العنبري، وينسب أيضاً إلى كثير من السلف وأئمة الفتوى. وما ذكره المؤلف - رحمه الله - من أن الخطأ في الأصول كفر، دون الخطأ في الفروع، أمر فيه نظر؛ لعدم انضباطه. وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ذلك في مجموع الفتاوى (23/ 346 - 347) بقوله: (فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطئ فيها؟ وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد، ومسائل الفروع هي مسائل العمل. قيل له: فتنازع النَّاس في محمد - صلى الله عليه وسلم - هل رأى ربه أم لا؟ وفي أن عثمان أفضل من علي، أم علي أفضل؟ وفي كثير من معاني القرآن، وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية العلمية، ولا كفر فيها بالاتفاق، ووجوب الصّلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش والخمر هي مسائل عملية، والمنكر لها يكفر بالاتفاق. وإن قال الأصول: هي المسائل القطعية، قيل له كثير من مسائل العمل قطعية، وكثير من مسائل العلم ليست قطعية، وكون المسألة قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية، وقد تكون المسألة عند رجل قطعية لظهور الدليل القاطع له، كمن سمع النص من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتيقن مراده منه، وعند رجل لا تكون ظنية، فضلًا عن أن تكون قطعية لعدم بلوغ النص إياه، أو لعدم ثبوته عنده، أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته). كما ينبغي الإشارة إلى أن هناك أموراً تعلم من الدين بالضرورة بلا خلاف، وأموراً لا تعلم من الدين بالضرورة بلا خلاف، ويبقى بينهما أمور ومسائل تختلف حولها الأنظار والأفهام. ولذلك فإنه يمكن أن نقول: إن هذا التعبير - وهو تقسيم الدين إلى أصول وفروع يكفر المخطئ في الأوّل دون الثّاني - غير دقيق؛ لأننا لا نستطيع أن نضع حداً منضبطاً لا يختلف حوله. وللاستزادة انظر: مجموع الفتاوى (13/ 118)، (19/ 211)، ومنهاج السنة (5/ 87 - 95)، ومختصر الصواعق المرسلة (ص 613)، والبحر المحيط للزركشي (6/ 236)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 488)، وشرح مختصر الروضة =

ولما يلزم من قياس الغائب على الشّاهد (¬1) وهو ضعيفٌ في الفروع، باطلٌ في الأصول. ¬

_ = للطوفي (3/ 659، 611)، والتفريق بين الأصول والفروع للدكتور سعد الشثري (2/ 301 - 323). (¬1) بيَّن الغزلي في معيار العلم (ص 134) ماهية قياس الغائب على الشاهد بقوله: (التمثيل وهو الذي يسميه الفقهاء قياساً، ويسميه المتكلمون رد الغائب إلى الشاهد، ومعناه: أن يوجد حكم في جزء معين واحد فينقل حكمه إلى جزء آخر يشابهه بوجه ما)، ثم وضح ذلك بمثال قائلًا: (ومثاله في العقليات أن تقول: السماء حادث لأنه جسم قياساً على النبات والحيوان، وهذه الأجسام التي يشاهد حدوثها ....). والحق أن هذه عبارة مجملة، منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، وفي ذلك يقول ابن تيمية - رحمه الله - في نقض التأسيس (2/ 495): (قياس الغائب على الشاهد باتفاق الأمم ينقسم إلى حق وباطل، فإن لم يتبين أن هذا من الباطل لم يصلح رده بمجرد ذلك). ولقد أشار - رحمه الله - إلى اضطراب موقف المتكلمين والفلاسفة من هذه الصورة من صور الاستدلال، فإنهم يستعملونها تارة، ويرفضونها تارة. فيستعملونها لإثبات ما يوافقهم من آراء، ويرفضونها إذا استعملها خصمهم فيما يخالفهم من آراء. يقول ابن تيمية - رحمه الله - في بيان تلبيس الجهمية (1/ 326): (المتكلمون والفلاسفة كلهم على اختلاف مقالتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطربون، كل منهم يستعمله فيما يثبته، ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك، وإن كان قد استعمل هو في موضع آخر ما هو دونه، وسبب ذلك أنهم لم يمشوا على الصراط المستقيم، بل صار قبوله ورده بحسب القول لا بحسب ما يستحقه القياس العقلي، كما نجدهم أيضاً في النصوص الأدبية كل منهم يقبل منها ما وافق قوله، ويرد منها ما خالف قوله. وإن كان المردود من الأخبار المقبولة باتفاق أهل العلم بالحديث، والذي قبله من الأحاديث المكذوبة باتفاق أهل العلم والحديث، فحالهم في الأقيسة العقلية كحالهم في النصوص السمعية، لهم في ذلك من التناقض والاضطراب ما لا يحصيه إلا رب الأرباب. وأما السلف والأئمة فكانوا في ذلك من العدل، والاستقامة، وموافقة المعقول الصريح والمنقول الصّحيح؛ بحال آخر). =

إذا عرفت هذا حصل لك الشِّفاءُ، وخلَصْتَ من الشقاء، وسلمتَ من الآفات، واتَّصلتَ بالمقامات العليات، ونزَّلتَ الأمور منازلَها، وفَرَّقتَ (¬1) بين الربوبية والعبودية، والوحدانية والمثنوية. فالوحدانيّة خاصّةٌ به (¬2) في كلِّ شيء، والمثنوية خاصّةٌ بنا في كل شيء، فمن قدَّم المثنوية على الوحدانية أو شبَّهها بها فقد ضلَّ وتعبَ، وأتعبَ وكَلَّ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. ¬

_ = ثم فصل - رحمه الله - في لفظ الغائب والشاهد، وبين أنها ألفاظ مجملة وأمور إضافية تحتاج إلى بيان وتفصيل، ثم قال في الفتاوى (14/ 52 - 53): (فلو قالوا قياس الغيب على الشهادة لكانت العبارة موافقة، وأما قياس الغائب ففيه مخالفة في ظاهر اللفظ، ولكن موافقة في المعنى. فلهذا حصل في إطلاقه التنازع). فتبين أن شيخ الإسلام - رحمه الله - لا يعترض على هذا النوع من الاستدلال، بل صححه إذا استوفى شروطه بدليل أنه قال إن منه ما هو حق ومنه ما هو باطل. والمنهج الذى يراه هو الاستدلال بالآيات وقياس الأولى، فهذا هو منهج الأنبياء ومنهج القرآن. يقول - رحمه الله - في الرد على المنطقيين (ص 150): (ولهذا كانت طريقة الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه - الاستدلال على الرب تعالى بذكر آياته. وإن استعملوا في ذلك القياس استعملوا قياس الأولى، لم يستعملوا قياس شمول تستوي أفراده، ولا قياس تمثيل محض. فإن الرب تعالى لا مثل له، ولا يجتمع هو وغيره تحت كلِّي تستوي أفراده. بل ما ثبت لغيره من الكمال لا نقص فيه فثبوته له بطريق الأولى، وما تنزه عنه غيره من النقائص فتنزهه عنه بطريق الأولى؛ ولهذا كانت الأقيسة العقلية البرهانية المذكورة في القرآن من هذا الباب، كما يذكره في دلائل ربوبيته وألوهيته). (¬1) في (ن): (ففرقت). (¬2) في (ن): (به سبحانه).

فصل (7)

فصل (7) والقرآن (¬1) كلام الله، وكتابُه، وخطابُه، ووحيُه، وتنزيلُه، غيرُ مخلوقٍ، من (¬2) قال بخلقه فقد كفر (¬3)، إذ هو صفة من صفاته، وهي قديمة (¬4)، وهو الذي نزل به جبريل - صلى الله عليه وسلم - قرآناً عربياً لقومٍ يعلمون بشيراً ونذيراً، كما قال - عز وجل -: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193 - 195]، وهو الذي بلَّغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته كما أُمِرَ به في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] فكان الذي بلَّغهم كلام الله، وفيه قال النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أتمنعونني أن أُبلِّغ كلام ربي" (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) في (ن): (القرآن). (¬2) في (ن): (ومن). (¬3) في (ن): (فهو كافر). (¬4) لعل مقصوده - رحمه الله - قديمة باعتبار نوعها، وأما أفرادها وآحادها فحادثة. (¬5) أخرجه أبو داود في السنة، باب في القرآن (5/ 103) رقم (4734)، والترمذي في فضائل القرآن، باب حرص النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - على تبليغ القرآن (5/ 168) رقم (2925)، وابن ماجة في مقدمة سننه (1/ 73) رقم (201) من حديث جابر بلفظ: "ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي" قال الترمذي: (هذا حديث غريب صحيح). وقال الألباني في الصحيحة (4/ 592) رقم (1947): (هو على شرط البخاري). (¬6) من بداية هذا الفصل وإلى قوله: (أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف للصابوني (ص 165 - 166).

وهو الذي توعد الله سبحانه مَنْ قال: بأنه قول البشر (¬1) أن يصليه سقر في قوله تعالى - إخباراً عن قول الوليد بن المغيرة - (¬2): {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} [المدثر: 24 - 27] الآيات (¬3). وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسن، ويُكتب في المصاحف، كيفما تصرَّف [بقراءته] (¬4) قارئ، ولفظ لافظ، ¬

_ (¬1) في (ن): (بأن). (¬2) هو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو عبد شمس، من زعماء قريش، ومن زنادقتها، وأدرك الإسلام وهو شيخ هرم، فعاداه وقاوم دعوته، ووصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه (ساحر)، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر، ودفن بالحجون، وهو والد سيف الله خالد بن الوليد. انظر: الكامل لابن الأثير (1/ 592)، والأعلام للزركلي (8/ 122). (¬3) سبب نزول قوله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 24، 25]: أخرج الحاكم في المستدرك (2/ 506 - 507)، ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 198 - 199) من طريق عكرمة، عن ابن عبَّاس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوه لك، فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر، أو أنك كاره له. قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني، ولا بشاعر الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتّى تقول فيه. قال: فدعني حتّى أفكر. ففكر. فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11]. قال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري، ولم يخرجاه)، وأقرّه الذهبي. وأخرجه ابن جرير وأبو نعيم في الحلية وعبد الرزاق وابن المنذر عن عكرمة مرسلًا، كما في الدرّ المنثور للسيوطي (8/ 330). (¬4) في (ن): (بقراءة).

وحفظ حافظ، وحيث تُلي، وفي أي موضعٍ [قُرئ] (¬1)، أو كُتب في مصاحف الإسلام، وألواح صبيانهم، وغيرها، [كله] (¬2) كلام الله، وهو القرآن (¬3)، الذي نقول: إنَّه غير مخلوقٍ، فمن زعم أنه مخلوقٌ فهو كافر بالله العظيم (¬4). ويجب أن نعتقد جميع ذلك، وأنه كلام الله، منه بدأ (¬5) بلا كيفيَّةٍ قولًا (¬6)، وأنزله على نبيه وحياً، وصدَّقه المؤمنون على ذلك حقاً، ¬

_ (¬1) في (ص): (تُلي)، وفي (ن) ما أثبته. (¬2) في (ن) وليست في (ص). (¬3) قوله: (وهو الذي تحفظه الصدور .... كله كلام الله وهو القرآن) فيه رد على الأشاعرة القائلين بأن القرآن العربي ليس كلام الله، وإنما خلقه في الهواء، أو في اللوح المحفوظ، أو أحدثه جبريل - عليه السلام - أو محمّد - صلى الله عليه وسلم -، والقائلين أيضاً بأن القرآن المنزل إلى الأرض ليس هو كلام الله، فما نزل به جبريل - عليه السلام - من المعنى واللفظ، وما بلغه محمّد - صلى الله عليه وسلم - لأمته من المعنى واللفظ ليس هو كلام الله، لا حروفه ولا معانيه، بل هو مخلوق عندهم، وإنما يقولون هو عبارة عن كلام الله القائم بالنفس. انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرّحمن المحمود (3/ 1300). (¬4) من قوله: (وهو الذي تحفظه الصدور ...)، وإلى: (.... فهو كافر بالله العظيم) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف للصابوني (ص 166). وأقول: لعلّ الصابوني - رحمه الله - اقتبسه من الإسماعيلي - رحمه الله - في كتابه: اعتقاد أهل السنة، حيث قال الإسماعيلي: (ويقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق وأنه كيفما تصرّف؛ بقراءة القاريء له، وبلفظه، ومحفوظاً في الصدور، متلواً بالألسن، مكتوباً في المصاحف؛ غير مخلوق ....). انظر: كتاب اعتقاد أهل السنة لأبي بكر الإسماعيلي (ص 36). (¬5) قول السلف: إن القرآن بدأ من الله، يعنون به أنه خرج وظهر من الله، وتكلم به، ونقل هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية في التسعينية (1/ 364 - 369) وساق كلام السلف في ذلك. (¬6) أي: بلا كيفية نعلمها قولًا.

وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة (¬1)، وليس بمخلوقٍ ككلام البريَّة، فمن سمعه فزعم أنَّه كلامُ البشر فقد كفر، وقد ذمَّه الله تعالى وعابه وأوعده، حيث قال: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26]، وعد الله سقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25]، فعلمنا أنَّه قول خالق البشر، ولا يشبهه قول البشر. ومن وصف الله بمعنًى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعَلِم أن الله تعالى في صفاته (¬2) ليس كالبشر (¬3) قلتُ: ونبغتْ (¬4) طائفةٌ فتكلمت في كيفية كلام الله، وهل هو بحرفٍ وصوتٍ كما نتكلم به؟، وكل هذا بدعةٌ (¬5) محدَثةٌ (¬6) يلزم منه الحكم في صفات الله تعالى بالقياس، وقياس الغائب على الشّاهد، وهما باطلان، والله أعلم. ¬

_ (¬1) الحقيقة هنا تشمل اللفظ والمعنى. (¬2) في (ن): (بصفاته). (¬3) من قوله: (منه بدأ ..) وإلى: (.. ليس كالبشر) نقله المؤلف بتصرف من متن العقيدة الطحاوية (ص 9). (¬4) في (ن): (ونبعت). (¬5) لعلّ المؤلف يقصد بذلك: أن إطلاق الكلام في هذه المسألةُ من حيث النَّفْي والإثبات بدعة محدثة، لم تكن معروفة في القرون المفضلة، وهذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية عندما سئل عن كلام الله: هل هو حرف وصوت أم لا؟. فأجاب: (بأن إطلاق الجواب في هذه المسألة نفياً وإثباتاً خطأ، وهي من البدع المولدة، الحادثة بعد المئة الثّالثة، ثم قال: والصواب الذي عليه سلف الأمة - كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصّحيح، في كتاب خلق أفعال العباد وغيره وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم - اتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلاماً لغيره، ولكن أنزله على رسوله ... وأن الله تعالى يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كأصوات العباد، لا صوت القارئ ولا غيره ...). انظر: مجموع الفتاوى (12/ 243 - 244). (¬6) في (ن): (محرمة).

قال الإمام أبو بكرٍ محمّد بن إسحاق بن خزيمة (¬1): (نقول: إن القرآن كلام الله غير مخلوقٍ، فمن قال: إنَّه مخلوقٌ (¬2)، فهو كافر بالله العظيم، لا تُقبل شهادته، ولا يُعاد إن مرض، ولا يُصلّى عليه إن مات، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، يُستتاب، فإن تاب وإلا ضُربت عُنقُه) (¬3). وأمَّا اللّفظ بالقرآن فقال الإمام أبو بكرٍ الإسماعيلي (¬4) - رحمه الله -: ¬

_ (¬1) هو محمّد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر أبو بكر السلمي النيسابوري، الشّافعيّ، الحافظ الحجة، إمام الأئمة، ولد سنة 223 هـ، كان صاحب سنة واتباع، وهو صاحب الصّحيح، وكتاب التّوحيد الذي قرر فيه منهج السلف - رحمه الله -، توفي سنة 311 هـ. انظر: طبقات الشافعية للسبكي (3/ 109)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 221)، والعقد المذهب في طبقات حملة المذهب لابن الملقن (ص 37)، ومرآة الجنان (2/ 312) وسير أعلام النُّبَلاء (14/ 365)، وديوان الإسلام لابن الغزي (2/ 240). (¬2) في عقيدة السلف: (فمن قال إن القرآن ...). (¬3) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (167 - 168) قال: (سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا الوليد حسان بن محمّد يقول: سمعت الإمام أبا بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة يقول: القرآن كلام الله ...). وذكره الذهبي مختصراً في سير أعلام النُّبَلاء (14/ 374) من طريق أبي الوليد حسان بن محمّد الفقيه عن محمّد بن إسحاق بن خزيمة. وبمثل قول ابن خزيمة قال يحيى بن أكثم: (القرآن كلام الله، فمن قال: مخلوق؛ يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه). انظر: تاريخ بغداد (14/ 198)، وطبقات الحنابلة (1/ 412). (¬4) هو الإمام الحافظ الحجة الفقيه أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشّافعيّ، شيخ الشافعية، ولد 277 هـ، صنف تصانيف تشهد له بالإمامة في الفقه والحديث، ولا خلاف بين العلماء على إمامته وعلمه، توفي سنة 371 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكى (3/ 7)، والعقد المذهب لابن الملقن (ص 57) والبداية والنهاية (6/ 317)، والوافي بالوفيات (6/ 213)، وسير أعلام النُّبَلاء (16/ 292).

(ومن (¬1) زعم أن لفظه بالقرآن مخلوقٌ - يريد به القرآن - فقد قال بخلق القرآن) (¬2). وقال ابن مهدي الطّبريّ (¬3): ([ومن] (¬4) قال: إنَّ القرآن بلفظي مخلوق، أو لفظي به مخلوق، فهو جاهلٌ ضالٌّ كافرٌ بالله العظيم) (¬5). وقال إسحاق بن راهويه (¬6) لما سُئل عن اللّفظ بالقرآن؟ قال: (لا ينبغي أن يُناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوقٍ) (¬7). ¬

_ (¬1) في عقيدة السلف: (من) بدون واو. (¬2) عقيدة السلف للصابوني (ص 168 - 169)، أما نص كلام الإسماعيلي فهو: (ومن قال بخلق اللّفظ بالقرآن يريد به القرآن فقد قال بخلق القرآن). انظر: كتاب اعتقاد أهل السنة لأبي بكر الإسماعيلي (ص 36). (¬3) هو أبو الحسن علي بن محمّد المهدي الطّبريّ، كان من المبرزين في علم الكلام، والقائمين على تحقيقه، وكان متفنناً في أصناف العلوم، وكان من أخص تلاميذ أبي الحسن الأشعري صحبه بالبصرة، وأخذ عنه، توفي في حدود سنة 380 هـ. انظر: تبيين كذب المفتري لابن عساكر (ص 195)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى للسبكي (3/ 466)، وطبقات الشّافعيّة للأسنوي (2/ 212) والوافي بالوفيات للصفدي (22/ 143)، وطبقات المفسرين للداودي (1/ 436). (¬4) في (ص): (من)، وفي (ن) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬5) عقيدة السلف للصابوني (ص 169). (¬6) هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم التَّميميُّ ثم الحنظلي، المروزي، المعروف بـ: (ابن راهويه)، شيخ المشرق وسيد الحفاظ، قال عنه الإمام أحمد: (لا أعرف لإسحاق في الدنيا نظيراً)، وقال عنه سعيد بن ذؤيب: (ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق)، مات سنة 238 هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (1/ 379)، والفهرست لابن النديم (ص 379)، وطبقات الحنابلة (1/ 109)، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (4/ 271)، وطبقات علماء الحديث (2/ 85)، والكاشف للذهبي (59/ 1). (¬7) عقيدة السلف للصابوني (ص 170 - 171).

وقال أبو جعفر محمّد بن جرير الطّبريّ (¬1) - رحمه الله -: (أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي ولا تابعي (¬2) إلا عمَّن في قوله الغَناءُ (¬3) والشفاءُ (¬4)، وفي اتِّباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله (¬5) مقامَ [قولِ] (¬6) الأئمة الأولى: أبي عبد الله أحمد بن حنبل (¬7) - رحمه الله - ............................. ¬

_ (¬1) هو محمّد بن جرير بن كثير الطّبريّ، أبو جعفر، الإمام الحافظ، المؤرخ، شيخ المفسرين على الإطلاق، ولد سنة 224 هـ، جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي، له مصنفات كثيرة منها التفسير، والتاريخ، وتهذيب الآثار، توفي سنة 310 هـ. انظر: تاريخ بغداد (2/ 162)، ووفيات الأعيان (4/ 191)، ومختصر تاريخ دمشق (22/ 59)، والوافي بالوفيات (2/ 284)، وطبقات القراء للذهبي (1/ 328)، وطبقات المفسرين للداودي (2/ 110)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 95). (¬2) في صريح السنة: (عن صحابي مضى ولا تابعي قضى، إلا ...). (¬3) الغَنَاءُ: بفتح الغين مع المد: الكفاية، يقال: لا يُغني فلان غَنَاءَ فلانٍ، أي: لا يكفي كفايته. انظر: معجم مقاييس اللُّغة (4/ 397). (¬4) في صريح السنة: (... والشفاء، رحمة الله عليه ورضوانه، وفي اتباعه ...). (¬5) في صريح السنة: (قوله لدينا). (¬6) ليست في (ص) ولا في عقيدة السلف، وفي (ن) وصريح السنة ما أثبته. (¬7) هو أحمد بن محمّد بن حنبل بن هلال الشيباني، إمام أهل السنة، صاحب المذهب المعروف، وإليه تنسب الحنابلة، ولد سنة 164 هـ، كان إماماً في الحديث والفقه والزهد، امتحن في زمن المأمون والمعتصم والواثق بسبب امتناعه عن القول بخلق القرآن، توفي سنة 241 هـ. انظر: تاريخ بغداد (4/ 412)، وتهذيب الكمال للمزي (1/ 437)، والفهرست لابن النديم (ص 378)، ووفيات الأعيان (1/ 63)، والمنتظم لابن الجوزي (11/ 286)، ومختصر تاريخ دمشق (3/ 240)، والعبر للذهبي (1/ 342)، وشذرات الذهب (2/ 96)، والنجوم الزاهرة (2/ 365)، ومرآة الجنان (2/ 99)، وسير أعلام النُّبَلاء (11/ 177).

فإن أبا إسماعيل التّرمذيّ (¬1) حدَّثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل - رحمه الله - يقول: اللفظية (¬2) جهمية (¬3)، يقول الله تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، ممَّن يسمع (¬4) (¬5)؟. قال: ثم سمعت جماعةً ¬

_ (¬1) هو محمّد بن إسماعيل بن يوسف السلمي التّرمذيّ، ثم البغدادي، أبو إسماعيل، الإمام الحافظ الثقة، ولد بعد سنة 190 هـ، سمع منه خلق، وجمع وصنف، وطال عمره، ورحل النَّاس إليه، قال الخطيب البغدادي: كان فهماً، متقناً، مشهوراً بمذهب السنة، توفي في رمضان سنة 280 هـ. انظر: سير أعلام النُّبَلاء (13/ 242)، وتاريخ بغداد (2/ 42)، وتهذيب الكمال (24/ 489)، وتهذيب التهذيب (9/ 62)، وطبقات الحنابلة (1/ 279). (¬2) اللفظية نوعان: لفظية نافية، وهم الجهمية، الذين يقولون: إن ألفاظنا وتلاوتنا للقرآن مخلوقة، وأن التلاوة غير المتلوِّ، والقراءة غير المقروء، وقد بين الإمام أحمد أن قولهم هذا يفضي إلى القول بخلق القرآن، وأول من قال بأن التلاوة مخلوقة حسين الكرابيسي، وداود الأصفهاني - وهم المقصودون هنا -. لفظية مثبتة: وهم قوم من أهل السنة والحديث قابلوا النفاة فقالوا: تلاوتنا بالقرآن غير مخلوقة، وألفاظنا غير مخلوقة، وإن التلاوة هي المتلوّ، والقراءة هي المقروء، فردوا الباطل بباطل آخر. انظر: الرسالة الكيلانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن الفتاوى (12/ 372) وقد بحث شيخ الإسلام هذه المسألة في المجلد الثّاني عشر بحثاً وافياً، وانظر: البدء والتاريخ للمقدسي (5/ 149). (¬3) ذكره عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتابه السنة (1/ 65) رقم (182 - 185)، قال: سئل أبي - رحمه الله - وأنا أسمع عن اللفظية والواقفة؟ فقال: من كان منهم يحسن الكلام فهو جهمي. وقال مرّة أخرى: هم شر من الجهمية. وهو قول جهم، ثم قال: لا تجالسوهم. قال الذهبي في سير أعلام النُّبَلاء (11/ 289): قال أحمد بن زنجويه: سمعت أحمد يقول: اللفظية شر من الجهمية. (¬4) في صريح السنة: (فممن). (¬5) قال ابن تيمية في الفتاوى (12/ 259): (قوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} فيه دلالة على أنه يسمع كلام الله من التالي المبلغ، وأن ما يقرؤه المسلمون هو كلام الله).

من أصحابنا - لا أحفظ أسماءهم - يذكرون عنه أنَّه كان يقول: مَنْ قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فهو جهمي، ومَنْ قال: غير (¬1) مخلوقٍ، فهو مبتدعٌ (¬2). قال محمّد بن جرير: ولا قولَ في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله (¬3)؛ إذ لم يكن لنا فيه إمامٌ نأتمُّ به سواه، وفيه الكفاية والمَقْنَع (¬4)، وهو الإمام المتبع، - رحمه الله - برضوانه عليه) (¬5). ¬

_ (¬1) في صريح السنة: (هو غير). (¬2) قال الذهبي في سير أعلام النُّبَلاء (11/ 288): (الذي استقر الحال عليه، أن أبا عبد الله كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع، وأن من قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي. فكان - رحمه الله - لا يقول هذا ولا هذا. وربما أوضح ذلك، فقال: من قال لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن فهو جهمي). أما بيان معنى قول الإمام أحمد فقد ذكره ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة (2/ 426) قائلًا: (وقال إبراهيم الحربيّ: كنت جالساً عند أحمد بن حنبل إذ جاءه رجل فقال: يا أبا عبد الله إن عندنا قوماً يقولون: إن ألفاظهم بالقرآن مخلوقة. قال أبو عبد الله: يتوجه العبد لله بالقرآن بخمسة أوجه وهو فيها غير مخلوق: حفظ بقلب، وتلاوة بلسان، وسمع بأذن، ونظرة ببصر، وخط بيد، فالقلب مخلوق والمحفوظ غير مخلوق، والتلاوة مخلوقة والمتلو غير مخلوق، والسمع مخلوق والمسموع غير مخلوق، والنظر مخلوق والمنظور إليه غير مخلوق، والكتابة مخلوقة والمكتوب غير مخلوق ... ففرق أحمد بين فعل العبد وكسبه وما قام به فهو المخلوق، وبين ما تعلّق به كسبه وهو غير مخلوق، ومن لم يفرق هذا التفريق لم يستقر له قدم في الحق). وانظر: مجموع الفتاوى (12/ 210، 282). (¬3) (غير قوله) ليست في صريح السنة. (¬4) في صريح السنة: (والمنع). (¬5) نقله المؤلف من عقيدة السلف للصابوني (ص 171 - 172) بالنص، ونقله الصابوني بالنص من صريح السنة لمحمد بن جرير الطبري (ص 25 - 26). وأورده اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 392) رقم (602) بلفظه، وذكر =

وقال (¬1) الإمام أبو عثمان الصابوني (¬2) - رحمه الله -: (والذي حكاه ابن جرير عن أحمد بن حنبل: أنَّ اللفظية جهميةٌ، صحيحٌ عنه، وإنَّما قال ذلك؛ لأنَّ جهماً (¬3) وأصحابه صرحوا بخلق القرآن، والذين قالوا باللفظ تدرَّجوا (¬4) به إلى القول بخلق القرآن، وأدرجوه في هذا القول ذي اللبس؛ لئلا يُعدُّوا في زمرة جهم (¬5) الذين هم شياطين الإنس يوحي ¬

_ = عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه نحواً من هذا الكلام مفرقاً في السنة (1/ 164 - 165) بأرقام (180 أ - 180 ب - 181 - 182). (¬1) في (ن): (قال). (¬2) هو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرّحمن بن أحمد بن إسماعيل الصابوني النيسابوري، الحافظ المفسر المحدث الفقيه الواعظ، الملقب بشيخ الإسلام، ولد سنة 373 هـ، كان إمام المسلمين حقًّا، وشيخ الإسلام صدقاً، وأهل عصره مذعنون لعلّو شأنه في الدين، وحسن الاعتقاد، وكثرة العلم، ولزوم طريقة السلف، توفي سنة 449 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى للسبكي (4/ 271)، وطبقات الشّافعيّة لابن قاضي شهبة (1/ 223)، ومعجم الأدباء (7/ 16)، ومختصر تاريخ دمشق (4/ 360)، والعقد المذهب لابن الملقن (ص 88)، وطبقات المفسرين للداودي (1/ 109)، والوافي بالوفيات (9/ 143)، وسير أعلام النُّبَلاء (18/ 40). (¬3) هو جهم بن صفوان، أبو محرز الراسبي، مولاهم السمرقندي، رأس الضلالة والبدعة، وإليه تنسب الجهمية، قال بخلق القرآن، وإنكار الصفات، وأن الله في الأمكنة كلها، قتله سلم بن أحوز أمير خراسان سنة 128 هـ. وانظر: الفرق بين الفرق (ص 211)، وسير أعلام النُّبَلاء (6/ 26)، والوافي بالوفيات (11/ 207). (¬4) في (ن): (يدرجوا)، وفي (ص) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬5) قوله: (وأدرجوه في هذا القول ذي اللبس؛ لئلا يعدوا في زمرة جهم) هذه العبارة ذكرها محقق عقيدة السلف الدكتور ناصر الجديع في الحاشية على أنها زيادة من نسخة مخطوطة مصورة عن دار الكتب الأهلية الظاهرية بدمشق ورمز لها ب (ظ).

بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وقصدوا (¬1) وأرادوا (¬2) به أنَّ القرآن بلفظنا مخلوق، [فلذلك] (¬3) سماهم أحمد جهميَّةً. وأما ما حكاه (¬4) عن أحمد - رحمه الله - أنَّ مَنْ قال: لفظي بالقرآن غير مخلوقٍ، فهو مبتدع، فإنّما أراد به: أن السلف الصالحين من الصّحابة والتابعين وأتباع التابعين لم يتكلموا في باب اللّفظ، ولم يحُوجْهم الحال إليه، وإنَّما حدث هذا من أهل التعمق وذوي الحمق الذين أتوا بالمحدَثات، وعتوا (¬5) عمَّا نُهُوا عنه من الضلالات (¬6)، وخاضوا في مثل هذا الكلام؛ الذي (¬7) لم يخض فيه السلف من علماء الإسلام، فقال أحمد (¬8): هذا القول في نفسه بدعةٌ، ومن حقَّ المتسنِّن أن يدعه وكُلَّ بدعةِ مبتدعةٍ (¬9)، ويقتصرَ (¬10) على ما قاله السلف من الأئمة المتَّبعة: بأن القرآن كلام الله غير مخلوقٍ) (¬11). ¬

_ (¬1) قوله: (الذين هم شياطين الإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وقصدوا ....). هذه العبارة ليست موجودة في عقيدة السلف. (¬2) في عقيدة السلف: (... تدرجوا به إلى القول بخلق القرآن، وخافوا أهل السنة - في ذلك الزّمان - من التصريح بخلق القرآن، فذكروا هذا اللّفظ، وأرادوا به ...). (¬3) في (ص): (ولذلك)، وفي (ن) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬4) في عقيدة السلف: (وحكي عنه أيضاً أنه قال: (اللفظية شرٌّ من الجهمية). وأما ما حكاه محمّد بن جرير عن أحمد). (¬5) عتوا: أي استكبروا. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (4/ 225): العين والتاء والحرف المعتل أصل صحيح يدلُّ على استكبار. وانظر: مفردات ألفاظ القرآن للراغب (ص 546). (¬6) في عقيد السلف: (.... من الضلالات، وذميم المقالات). (¬7) في عقيدة السلف: (وخاضوا فيما لم يخض فيه السلف ...). (¬8) في عقيدة السلف: (فقال الإمام هذا القول ...). (¬9) في عقيدة السلف: (... أن يدعه، ولا يتفوه به، ولا بمثله من البدع المبتدعة). (¬10) في (ن): (ونقتصر). (¬11) نقله المؤلف من عقيدة السلف للصابوني (ص 172 - 173).

وقد حكى البيهقي (¬1) عن أحمد بن حنبل نحوَ هذا الكلام بإسناده إليه، وأنَّه ترك الكلام فيه ورعاً (¬2)، قال: وللسلف والخلف من أهل الحديث طريقان: ¬

_ (¬1) هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي، الخراساني، البيهقي، الحافظ العلّامة، الثبت الفقيه، المحدث صاحب التصانيف، كان مقبلًا على التأليف والجمع، ولد سنة 384 هـ، وكان من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك. توفي سنة 458 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة الكبرى للسبكي (4/ 8)، وطبقات الشّافعيّة لابن قاضي شهبة (1/ 220)، والعقد المذهب لابن الملقن (ص 93)، ووفيات الأعيان (1/ 75)، والنجوم الزاهرة (5/ 79)، والوافي بالوفيات (6/ 354)، سير أعلام النُّبَلاء (18/ 163). (¬2) ذكر البيهقي للإمام أحمد قصتين تبين موقفه من مسألة (لفظي بالقرآن غير مخلوق) وبعدها علّق البيهقي بقوله: (فهاتان الحكايتان تصرحان بأن أبا عبد الله أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - بريء ممّا خالف مذهب المحققين من أصحابنا، إلا أنه كان يستحب قلة الكلام في ذلك، وترك الخوض فيه، مع إنكار ما خالف مذهب الجماعة)، انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (ص 338 - 339)، وذكر البيهقي قول الإمام أحمد: (من قال: لفظي بالقرآن مخلوق - يريد به القرآن - فهو كافر)، وعلق على هذا القول بقوله: (فإنما أنكر قول من تذرع بهذا إلى القول بخلق القرآن، وكان يستحب ترك الكلام فيه لهذا المعنى، والله أعلم). انظر: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي (ص 67 - 68). وما ذكره البيهقي بأن الإمام أحمد ترك الكلام في هذه المسألةُ ورعاً واستحباباً، غير مسلم له على الإطلاق، فقد أورد الخلال في السنة (5/ 134) رقم (1797) ما يثبت أن الإمام أحمد لم يترك الكلام في هذه المسألةُ كما ذكر البيهقي، حيث قال: (أخبرني علي بن عيسى أن حنبلًا حدثهم، قال: قلت لأبي عبد الله أن يعقوب بن شيبة وزكريا الشركي ابن عمارة أنهما إنّما أخذا عنك هذا الأمر الوقف. فقال أبو عبد الله: كنا نأمر بالسكوت ونترك الخوض في الكلام في القرآن، فلما دعينا إلى أمر ما كان بُدٌّ لنا من أن ندفع ذاك ونبين من أمره ما ينبغي. قلت لأبي عبد الله: فمن وقف، فقال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق؟ فقال: كلام سوء، هو ذا =

أحدهما: التَّفصيلُ بين التلاوة والمتلوِّ. ومنهم من أحبَّ ترك الكلام فيه مع إنكارهِ (¬1) قولَ من زعمَ: أنَّ لفظي بالقرآن غير مخلوقٍ (¬2). قال البيهقي: (لا أقول: القرآن خالقٌ ولا مخلوقٌ (¬3)، ولكنَّه كلام الله - عز وجل -، ليس منه ببائنٍ (¬4). ¬

_ = موضع السوء وقوفه كيف لا يعلم إمّا حلال وإما حرام، وإما هكذا وإما هكذا، قد نزه الله - عز وجل - القرآن عن أن يكون مخلوقاً، وإنّما يرجعون هؤلاء إلى أن يقول إنّه مخلوق، فاستحسنوا لأنفسهم فاظهروا الوقف، القرآن كلام الله غير مخلوق بكل جهة وعلى كل تصريف، قلت: رضي الله عنك، لقد بينت من هذا الأمر ما قد كان تلبس على النَّاس، قال: لا تجالسوا ولا تكلموا أحداً منهم). (¬1) في (ن): (إنكار). (¬2) نقله المؤلف بتصرف عن البيهقي في الأسماء والصفات (ص 337 - 338) طبعة دار الكتب العلمية، وفي الطبعة التي حققها عبد الله الحاشدي (2/ 17) رقم: (586) نشر مكتبة السوادي. (¬3) البيهقي - رحمه الله - وقف من رأي الجهمية والمعتزلة القائلين بأن القرآن مخلوق، موقف السلف الرافض لهذه المقالة، حيث قرر أن القرآن كلام الله غير مخلوق. ولكنه يختلف مع السلف في حقيقة كلام الله، حيث يرى أن كلام الله إنّما هو معنى قائم بذاته، يُسمع وتفهم معانيه، وأن الحروف تكون أدلة عليه، كما تكون الكتابة أمارات الكلام، ودلالات عليه، على معنى أن هذا الكلام الذي نقرؤه ونكتبه في المصاحف ليس هو كلام الله حقيقة، وإنما هو عبارة عنه. انظر: الاعتقاد والهداية للبيهقي (ص 95)، والبيهقي وموقفه من الإلهيات لأحمد الغامدي (ص 214). (¬4) قوله: (لا أقول: القرآن خالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله - عز وجل -، ليس ببائن منه)، هذه العبارة عزاها المؤلف - رحمه الله - إلى البيهقي بما يفهم منه أنها من مقوله، وليس الأمر كذلك، وإنّما نقلها البيهقي عن عبد الله بن المبارك - رحمه الله -. انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (ص 337)، السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 155 - 156) برقم (144)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (2/ 255) رقم: (426).

هذا (¬1) هو مذهب السلف والخلف من أصحاب الحديث: أنَّ القرآن كلام الله - عز وجل -، وهو صفةٌ من صفات ذاته (¬2) ليست ببائنةٍ منه. قال (¬3): وإذا كان هذا أصل مذهبهم في القرآن، فكيف يُتوهم عليهم (¬4) خلاف ما ذكرنا في تلاوتنا وكتابتنا وحفظنا، إلا أنَّهم في ذلك على طريقين (¬5) (¬6)، وذكرهما كما [حكينا] (¬7). ¬

_ (¬1) في الأسماء والصفات: (قلت: هذا هو ...). (¬2) يرى البيهقي أن صفة الكلام صفة ذات، وهي ملازمة للذات أزلاً وأبداً، قديمة قدم الذات، انظر: الاعتقاد (ص 56)، والأسماء والصفات (ص 237)، وقد وافق البيهقي بذلك الأشاعرة حيث يقول بقدم الصفات، وعدم جواز حدوث شيء منها، انظر: البيهقي وموقفه من الإلهيات لأحمد الغامدي (ص 180 - 208). ورأي البيهقي هذا يخالف ما عليه سلف الأمة من: أن كلام الله تعالى قديم النوع، حادث الآحاد، وأن الله متكلم متى شاء كيف شاء، لا ابتداء لاتصافه بها ولا انتهاء، يتكلم بها بمشيئته واختياره، فهي صفة ذاتية فعلية، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية، لأن الكلام يتعلّق بالمشيئة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في التسعينية ضمن مجموعة فتاوى ابن تيمية الكبرى (5/ 143): (إن أحداً من السلف والأئمة لم يقل: إن القرآن قديم، وإنه لا يتعلّق بمشيئته وقدرته). انظر: لشيخ الإسلام الفتاوى (6/ 177 - 179)، (12/ 588 - 592)، وشرح حديث النزول (ص 154 - 155)، ورسالة في الصفات الاختيارية ضمن جامع الرسائل (2/ 4)، والأصبهانية تحقيق: د/ محمّد السعوي (ص 202 - 205)، والعقيدة السلفية في كلام رب البرية لعبد الله الجديع (ص 157 - 165). (¬3) في (ص) تكاد تكون مطموسة، ولكن اتضحت بعد مقابلتها بـ: (ن). (¬4) في الأسماء والصفات طبعة دار الكتب العلمية: (عليه)، وفي الطبعة التي حققها عبد الله الحاشدي نشر مكتبة السوادي الطبعة الأولى 1413 هـ: (عليهم) توافق الأصل و (ن). (¬5) في الأسماء والصفات: (طريقتين). (¬6) نقله المؤلف بالنص من الأسماء والصفات للبيهقي (ص 337 - 338). (¬7) في (ص): (حكياه)، وفي (ن) ما أثبته.

صُور الكفر بالقرآن: قال عبد الله بن المبارك (¬1) - رحمه الله -: (من كفر بحرفٍ من القرآن فقد كَفَرَ - يعني - (¬2) بالقرآن، ومن قال: لا أومن بهذه اللام فقد كفر) (¬3). وهذا متفقٌ مجمعٌ عليه لا خلافَ عند أحدٍ من المسلمين فيه. قال القاضي عياض - رحمه الله -: (واعلم (¬4) أنَّ من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيءٍ منه، أو سبَّهما، أو جحده، أو شيئاً (¬5) منه، أو آيةً، أو كذَّب به، أو نفى ما أثبته على علم منه، [أو كذَّب بشيءٍ منه] (¬6)، أو كذَّب بشيءٍ ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الرّحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم التركي، ثم المروزي، شيخ الإسلام، ولد سنة 118 هـ، هو عالم زمانه، ثقة ثبت، فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير. قال عنه إسماعيل بن عياش: (ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها في عبد الله بن المبارك). توفي سنة 181 هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (5/ 212)، وتاريخ بغداد (10/ 152)، وطبقات خليفة بن خياط (ص 323)، وسير أعلام النُّبَلاء (8/ 378)، وتهذيب التهذيب (5/ 382)، وتقريب التهذيب (ص 320)، والتاج المكلل (ص 46). (¬2) (يعني) ليست موجودة في عقيدة السلف. (¬3) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 175). وذكر ابن تيمية قول ابن المبارك هذا بنصه في نقض المنطق (ص 149) نقلاً عن أبي الحسن الكرجي، ومجموع الفتاوى (4/ 182)، وقال ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 137) رقم: (30100): حدثنا الثقفي عن شعيب قال: كان أبو العالية يقرئ النَّاس القرآن، فإذا أراد أن يغير لم يقل: ليس كذا وكذا، ولكنه يقول: اقرأ آية كذا، فذكرته لإبراهيم - يعني النخعي - فقال: أظن صاحبكم قد سمع أنه من كفر بحرف منه فقد كفر به كله. وأخرجه اللالكائي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - (2/ 258) رقم (379)، وذكره ابن تيمية عنه في التسعينية (1/ 289). (¬4) في الشفا: (واعلم). (¬5) في (ن) والشفا: (أو حرفاً). (¬6) في (ن) وليست في (ص)، وفي الشفا: (أو بشيء منه).

ممَّا صُرح به فيه من حكمٍ أو خبرٍ، أو شك في شيءٍ من ذلك، فهو كافرٌ عند أهل العلم بإجماع (¬1)) (¬2)، وقد قال (¬3) - صلى الله عليه وسلم -: "المراء في القرآن كفر" (¬4)، والمراء يكون بمعنى الشكِّ، ويكون بمعنى الجدال بالباطل. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "من جحد آية من القرآن من المسلمين، فقد حلَّ ضرب عنقه" (¬5). وكذلك من (¬6) جحد التوراة والإنجيل وكتب الله المنزلة، أو كفر بها، أو لعنها، أو سبها، أو استخف (¬7) فهو كافر. ¬

_ (¬1) هذه العبارة من قوله (... أو كذب به، أو نفى ما أثبته على علم منه ... - إلى - ... فهو كافر ...) فيها زيادة وتقديم وتأخير في الشفا، حيث قال القاضي عياض: (... أو كذب به أو بشيء منه، أو كذب بشيء ممّا صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر ...). (¬2) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1101). (¬3) في الشفا: (عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال ...). (¬4) أخرجه أبو داود في السنة، باب النّهي عن الجدال في القرآن (5/ 9) رقم (4603)، وأحمد في مسنده (2/ 286 - 424)، و (503 - 528)، وابن أبي شيبة في المصنف (10/ 529)، وابن حبّان في صحيحه (4/ 324) رقم (1464)، والحاكم في المستدرك (2/ 223) من حديث أبي هريرة بلفظه، وفي رواية: (الجدال). قال الحاكم: (صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي. وقال الألباني كما في صحيح سنن أبي داود (3/ 870) رقم (4603): (حسن صحيح). وصححه أيضاً في مشكاة المصابيح رقم (236). (¬5) أخرجه ابن ماجة في الحدود، باب إقامة الحدود (2/ 848) رقم (2539)، وابن عدي في الكامل، ترجمة حفص بن عمر بن ميمون (2/ 386) من حديث ابن عبّاس بلفظه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جحد آية من القرآن فقد حل ضرب عنقه، ومن قال: لا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فلا سبيل لأحد عليه؛ إِلَّا أن يصيب حدًّا فيقام عليه". وضعفه الألباني كما في السلسلة الضعيفة (3/ 610) رقم (1416) وقال: (منكر). (¬6) في (ن) والشفا: (وكذلك إن جحد). (¬7) في (ن) والشفا: (أو استخف بها).

وقد أجمع المسلمون على (¬1) أنَّ (¬2) المتلو في جميع الأقطار، المكتوبَ في المصحف بأيدي المسلمين ممَّا جمعه الدفتان من أول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، إلى آخر: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] أنَّه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ جميع ما فيه حقٌّ، وأنَّ مَنْ نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدَّله بحرفٍ آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً ممّا لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع، وأجمع على أنَّه ليس من القرآن، عامداً لكلِّ هذا، أنَّه كافرٌ. ولهذا رأى مالكٌ - رحمه الله - (¬3) قتل من سبَّ عائشة - رضي الله عنها - بالفرية؛ لأنه خالف القرآن (¬4)، ومن خالفه قُتل، أي: لأنه كذَّب بما فيه (¬5). ¬

_ (¬1) (على) ليست في (ن) ولا في الشفا. (¬2) في (ن) والشفا: (أن القرآن المتلو ...). (¬3) في (ص): (ولهذا رأى مالك - رحمه الله - أنه قتل ..)، فحذفت (أنه) ليستقيم المعنى، وهي ليست موجودة في (ن). (¬4) أنزل الله في براءة أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - من الإفك المفترى، قرآناً يتلى إلى قيام الساعة، فأظهر الله براءتها من فوق سبع سموات فهي البريئة من كل فرية، والعفيفة من كل قذف، والطاهرة من كل إفك، ثم إن الله قد أبان حقيقة هذه الحادثة - حادثة الإفك - حيث قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] وقال بعدها: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 15 - 17]، وقد انعقد الإجماع على كفر من قذف عائشة - رضي الله عنها -؛ وذلك لمخالفته القرآن أولاً، ولأنه ثانياً سبٌّ وأذى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بسبِّ زوجته، وحليلته. انظر: الشفا للقاضي عياض (2/ 1103)، (2/ 1109 - 1110)، ومجموع الفتاوى (15/ 322 - 323)، (32/ 145)، (35/ 123). (¬5) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1102 - 1103).

قال القاضي عياض - رحمه الله -: (ووقع (¬1) الإجماعُ على تكفير [كل] (¬2) مَنْ دافع نصَّ الكتاب، أو خصّ حديثاً مجمعاً على نقله، مقطوعاً به، مجمعاً على حمله على ظاهره) (¬3). وقال ابن القاسم (¬4): من قال: إن الله لم يكلِّم موسى تكليماً؛ يُقتل. [وقاله] (¬5) عبد الرّحمن بن مهديٍّ (¬6). وقال محمّد بن سحنون (¬7) فيمن قال: المعوذتان ليستا من كتاب ¬

_ (¬1) في الشفا: (وكذلك وقع). (¬2) في (ن) والشفا، وليست في (ص). (¬3) انظر الشفا للقاضي عياض (2/ 1071). (¬4) هو أبو عبد الله عبد الرّحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة، العتقي مولاهم المصري، عالم الديار المصرية ومفتيها، صاحب الإمام مالك بن أنس، وكان ذا مال ودنيا، فأنفقها في العلم، وله قدم في الورع والتأله، ولد سنة 132 هـ، وتوفي سنة 191 هـ. انظر: ترتيب المدارك (3/ 244)، والديباج المذهب (ص 239)، وشجرة النور الزكية (ص 58)، وتهذيب الكمال (17/ 644)، وحسن المحاضرة (1/ 263)، والكاشف (2/ 160)، وسير أعلام النُّبَلاء (9/ 120). (¬5) في (ص): (وقال)، وفي (ن) والشفا ما أثبته. (¬6) هو عبد الرّحمن بن مهدي بن حسان العنبري، البصري، ولد سنة 135 هـ، وكان من كبار أئمة السلف، ومن أئمة الحديث الثقات المتقنين، ومن أهل الورع والصلاح، قال فيه الشّافعيّ: (لا أعرف له نظيراً في الدنيا)، توفي بالبصرة سنة 198 هـ. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (7/ 218)، وطبقات خليفة بن خياط (ص 227)، وتاريخ خليفة بن خياط (ص 468)، والتاريخ الكبير للبخاري (5/ 354)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 3)، وسير أعلام النُّبَلاء (9/ 192). (¬7) هو أبو عبد الله محمّد بن عبد السّلام الملقب بسحنون بن سيد التَّنُوخيُّ، فقيه المغرب وابن فقيه المغرب، القيرواني، شيخ المالكية، وكان محدثاً بصيراً بالآثار، واسع العلم، متحرياً متقناً، علامة كبير القدر، تفقه على أبيه، توفي سنة 265 هـ. =

الله، يضرب (¬1) عنقُه، إلا أن يتوب. وكذلك كلّ من كذَّب بحرفٍ منه. قال: وكذلك إن شهد شاهدٌ على من قال: إن الله لم يُكلم موسى تكليماً، وشهد آخرُ عليه أنَّه قال: ما اتَّخذ (¬2) اللهُ إبراهيمَ خليلًا؛ لأنَّهما اجتمعا على أنَّه كذّب النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو عثمان (¬3) بنُ الحداد (¬4): جميع من ينتحلُ التوحيدَ متَّفقون على (¬5) أنّ الجحد لحرفٍ من التنزيل كفرٌ (¬6). قُلتُ: ومن كفر بحرفٍ منه كفر به كلّه، وبه قال ابن مسعودٍ (¬7)، وأصبغُ بن الفرجِ (¬8). ومن كفر به أو ببعضه فقد كفر بالله، وليس هذا ¬

_ = انظر: ترتيب المدارك (4/ 204)، والديباج المذهب (ص 333)، وشجرة النور الزكية (ص 70)، والوافي بالوفيات (3/ 86)، وسير أعلام النُّبَلاء (13/ 60)، والعبر للذهبي (1/ 381). (¬1) في (ن): (تضرب)، وفي الأصل والشفا ما أثبته. (¬2) في الشفا: (... قال: إن الله ما اتخذ إبراهيم خليلًا ...). (¬3) هو أبو عثمان سعد بن محمّد بن الصبيح بن الحداد المغربي، الإمام، شيخ المالكية، صاحب سحنون، وهو أحد المجتهدين، كان بحراً في الفروع، ورأساً في لسان العرب، وبصيراً بالسنن، ويقال: لم ير أغزر دمعة من سعيد بن الحداد، وكان كريماً حليماً. توفي سنة 302 هـ. انظر: ترتيب المدارك (5/ 78)، وإنباه الرواة (2/ 53)، ومرآة الجنان (2/ 180)، والعبر للذهبي (1/ 443)، وسير أعلام النُّبَلاء (14/ 205)، والوافي بالوفيات (15/ 256). (¬4) في (ن): (الجداد). (¬5) (على) ليست في (ن) ولا في الشفا. (¬6) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1103 - 1104). (¬7) قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 258) رقم (379) حيث قال: (قال عبد الله: من حلف بالقرآن فعليه بكل آية يمين، ومن كفر بحرف منه فقد كفر به أجمع). (¬8) هو أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع، مولى عبد العزيز بن مروان، الشّيخ الإمام =

مختصاً بالقرآن، بل كلُّ من كفر بشيءٍ ممّا يجبُ الإيمان به فقد كفر بالله (¬1)؛ لأنَّ الكفر بالله (¬2) لا يتجزأ بالإجماع (¬3)، بخلاف الفسق بالمعاصي فإنّه يتجزأ عند أهل السنة؛ ولهذا من تاب من ذنبٍ قبلت توبتهُ عندهم، وليست التوبة من جميع الذنوب شرطاً في صحة التوبة من الذنب الواحد خلافاً للمعتزلة (¬4)، بخلاف الكفر؛ فإن التوبة من كلِّ كفرٍ شرطٌ في صحة التوبة منه بالإسلام إجماعاً، والله أعلم. ¬

_ = الكبير مفتي الديار المصرية وعالمها، أبو عبد الله مولاهم المصري المالكي، ولد بعد سنة 150 هـ، قال ابن معين: كان من أعلم خلق الله برأي مالك، يعرفها مسألة مسألة، متى قالها مالك؟، ومن خالفه فيها؟. وكان ثقة صاحب سنة، توفي سنة 225 هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (2/ 36)، وترتيب المدارك (4/ 17)، والديباج المذهب (ص 158)، وشجرة النور الزكية (ص 66)، وحسن المحاضرة (1/ 267)، وتهذيب الكمال (3/ 304)، وسير أعلام النُّبَلاء (10/ 656)، والكاشف (1/ 84). (¬1) انظر الشفا للقاضي عياض (2/ 1104). (¬2) (بالله) ليست في (ن). (¬3) قوله: (لأن الكفر بالله لا يتجزأ بالإجماع): لعلّ مقصوده بذلك يتضح بما قبله بأن من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كله، وكذلك من كذب رسولًا فقد كذب سائر المرسلين، ومع ذلك فإن الكفر يقابل الإيمان، والإيمان شعب وكذا الكفر شعب أيضاً. (¬4) هل التوبة من جميع الذنوب شرط في صحة التوبة من الذنب الواحد؟ أو هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره؟. هذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين، وأصلها وسرها هو: هل التوبة تتبعض مثل المعاصي والذنوب، فيكون التائب تائباً من وجه دون وجه؟ كما ذكر ذلك ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين (1/ 273 - 276) حيث بين أن الراجح هو تبعض التوبة بقوله (1/ 274): (والراجح تبعضها، فإنها كما تتفاضل في كيفيتها كذلك تتفاضل في كميتها. ولو أتى العبد بفرض وترك فرضاً آخر، لاستحق العقوبة على ما تركه دون ما فعله. فهكذا إذا تاب من ذنب وأصر على آخر؛ لأن التوبة فرض من الذنبين، فقد أدى أحد الفرضين وترك =

قال (¬1) القابسيُّ (¬2) حين سُئل عمَّن خاصم يهودياً، فحلف له بالتوراة، فقال الآخر: لعن الله التوراةَ، وشهد عليه بذلك شاهدٌ، ثم شهد آخر أنَّه سأله عن القصة (¬3)؟ فقال: إنّما لعنتُ توراة اليهود؛ فقال أبو الحسن القابسيُّ (¬4): الشّاهد الواحد لا يوجب القتل، والثّاني علَّق ¬

_ = الآخر، فلا يكون ما ترك موجباً لبطلان ما فعل، كمن ترك الحجِّ وأتى بالصلاة والصيام والزكاة). وقال أيضاً (1/ 275): (والذي عندي في هذه المسألة: أن التوبة لا تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من نوعه، وأما التوبة من ذنب مع مباشرة آخر لا تعلّق له به، ولا هو من نوعه فتصح، كما إذا تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر مثلًا، فإن توبته من الربا صحيحة. وأما إذا تاب من ربا الفضل ولم يتب من ربا النسيئة وأصر عليه، أو بالعكس، أو تاب من تناول الحشيشة، وأصر على شرب الخمر، أو بالعكس، فهذا لا تصح توبته. وهو كمن يتوب عن الزنى بامرأة وهو مصر على الزنى بغيرها غير تائب منها، أو تاب من شرب عصير العنب المسكر وهو مصر على شرب غيره من الأشربة المسكرة، فهذا في الحقيقة لم يتب من الذنب، وإنما عدل عن نوع منه إلى نوع آخر). (¬1) في الشفا: (وقد سئل القابسيُّ عمن خاصم يهودياً فحلف له بالتوراة، فقال الآخر ....). (¬2) هو أبو الحسن علي بن محمّد بن خلف المعافري، القروي، القابسي، المالكي، الإمام الحافظ الفقيه، العلامة عالم المغرب، كان عارفاً بالعلل والرجال، والفقه والأصول والكلام، مصنفاً يقظاً ديناً، وكان ضريراً، ولد سنة 324 هـ، توفي بالقيروان سنة 403 هـ. انظر: ترتيب المدارك (7/ 92)، والديباج المذهب (ص 296)، وشجرة النور الزكية (ص 97)، ووفيات الأعيان (3/ 320)، والوافي بالوفيات (21/ 457)، وسير أعلام النُّبَلاء (17/ 158). (¬3) في الشفا: (القضية). (¬4) (القابسيُّ) ليست في الشفا.

القتل (¬1) بصفةٍ [تحتمل] (¬2) التأويل؛ إذ لعلّه لا يرى اليهود متمسكين بشيءٍ من عند الله؛ لتبديلهم وتحريفهم، ولو اتفق الشّاهدان على لعن التوراة مجرّداً لضاق التأويل (¬3). قال القاضي عياض - رحمه الله -: (وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة ابن شنبوذٍ (¬4) المُقرئ - أحد أئمة المقرئين المتصدِّرين بها مع ابن مجاهدٍ (¬5) -؛ لقراءته وإقرائِه بشواذّ من الحروف ممَّا ليس في المصحف، وعقدوا عليه بالرجوع عنه والتوبة منه (¬6) سجلًّا أشهد فيه (¬7) على نفسه في مجلس الوزير أبي علي ابن مقلة (¬8) ......................... ¬

_ (¬1) في الشفا: (الأمر). (¬2) في (ص): (يحتمل)، وفي (ن) والشفا ما أثبته. (¬3) نقله المؤلف من الشفا للقاضي عياض بالنص (2/ 1104 - 1105). (¬4) هو أبو الحسن محمّد بن أحمد بن أَيّوب بن الصلت بن شنبوذ، المُقرئ، أكثر الترحال في الطلب، ووثق به الكبار بنقله وإتقانه، وكان له رأي في القراءة بالشواذ الّتي تخالف رسم الإمام، فنقموا عليه لذلك وعزروه، توفي سنة 328 هـ. انظر: طبقات القراء (1/ 343)، والفهرست لابن النديم (ص 49)، والكامل لابن الأثير (7/ 150)، وسير أعلام النُّبَلاء (15/ 264)، والعبر للذهبي (2/ 30). (¬5) هو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، وكان واحد عصره غير مدافع، وكان من فضله وعلمه وديانته ومعرفته بالقراءات وعلوم القرآن، حسن الأدب، رقيق الخلق، كثير المداعبة، ثابت الفطنة، جواداً، انتهت إليه الرئاسة بمدينة السّلام في عصره، ولد سنة 245 هـ، وتوفي سنة 324 هـ. انظر: طبقات القراء (1/ 333)، والفهرست لابن النديم (ص 49)، والكامل لابن الأثير (7/ 126)، والعبر للذهبي (2/ 22)، وسير أعلام النُّبَلاء (15/ 272). (¬6) في الشفا: (عنه). (¬7) في الشفا: (أشهد فيه بذلك على ...). (¬8) هو أبو علي محمّد بن علي بن الحسين بن عبد الله، المعروف بابن فضلة، الوزير الكبير، ولد سنة 272 هـ، قربه الوزير ابن الفرات، ثم أشير به على المقتدر بالله فوزّره، ثم صار وزيراً للقاهر بعد مقتل المقتدر، ووزّر بعدها للراضي الذي قطع يده =

سنة ثلاثٍ وعشرين وثلاثمئةٍ) (¬1). قال: (وأفتى أبو محمّد ابن أبي زيد (¬2) بالأدب فيمن قال لصبيٍّ: لعن الله معلّمك وما علّمك، وقال: أردتُ سوء الأدب ولم أُرد القرآن، قال أبو محمّد: وأمَّا من لعن المصحفَ فإنَّه يُقتل) (¬3). هذا آخر كلامه. وعند الإمام أبي حنيفة (¬4) - رحمه الله -: أنّ كلّ من قال قولًا لزم منه استنقاصٌ بالدين، أو استهانةٌ (¬5) به، أو بما هو مضافٌ إليه ممّا هو مضافٌ إلى الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنّه يكفُر؛ حتّى لو قال للمسجد: مُسَيجِدٌ (¬6)، وللفقيه فقيِّهٌ، أو استهانَ بالعلّم أو بأهله، أو بالصالحين، ¬

_ = ولسانه، وتوفي سنة 328 هـ. انظر: المنتظم لابن الجوزي (13/ 393)، والكامل لابن الأثير (7/ 150)، والعبر لابن خلدون (3/ 495)، وسير أعلام النُّبَلاء (15/ 224)، والعبر للذهبي (2/ 29). (¬1) نقله المؤلف من الشفا للقاضي عياض بالنص (2/ 1105). (¬2) هو أبو محمّد عبد الله بن عبد الرّحمن (أبي زيد) القيرواني، كان إمام المالكية في وقته، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله. كان واسع العلم، كثير الحفظ والرواية، وجمع إلى ذلك صلاحاً وورعاً وعفة، توفي سنة 386 هـ. انظر: ترتيب المدارك (6/ 215)، والديباج المذهب (ص 222)، وشجرة النور الزكية (ص 96)، والفهرست لابن النديم (ص 341)، والوافي بالوفيات (17/ 249)، وسير أعلام النُّبَلاء (17/ 10). (¬3) نقلها المؤلف من الشفا للقاضي عياض بالنص (2/ 1105). (¬4) هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي مولاهم الكُوفيُّ، فقيه العراق، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام، وأحد أركان العلماء، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب، وهو أقدمهم وفاة؛ لأنه أدرك عصر الصّحابة، ورأى أنس بن مالك وغيره، ثقة عالم زاهد ورع، ولد سنة 80 هـ، وتوفي سنة 150 هـ. انظر: الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية (1/ 49)، والتاريخ الكبير للبخارى (8/ 81)، والطبقات الكبري لابن سعد (6/ 368). (¬5) في (ن): (أو استهانته أو بما ...)، و (به) ليست في (ن). (¬6) في (ن): (مسيجيد).

أو استهزأ بالصلاة أو بأهلها، فإنَّه يكفر في جميع ذلك، ولم يخالفه أحدٌ في جميع ذلك (¬1). وينبغي استنقاصُ المحرِّفين من العلماء، والمغيِّرين العلمَ (¬2)، والمذلِّين له، والبائعين له بثمنٍ بخسٍ من عرض الدنيا وشهواتها. ومقتضى الكتاب العزيز والسنة النبوية تكفيرهم سواء إن (¬3) كانوا متأوِّلين أو متعمِّدين (¬4)، ولا يُكفَّر منتقصُهم ولا يُفسَّق، بل هو مثابٌ عليه، ¬

_ (¬1) من استهزأ بآيات الله، مستهيناً بالدين، ومستنقصاً له ولأهله فقد كفر بالله، وقد دل على كفره قوله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66]. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه) مجموع الفتاوى (7/ 273). ومن الاستهزاء بالدين الاستهزاء بالعلماء والصالحين؛ فإن كان على سبيل الاستهزاء بأشخاصهم من الاستهزاء بأوصافهم الخُلقية والخَلقية فهذا محرم، وإن كان الاستهزاء بهم لكونهم علماء، أو لما قام بهم من العلم والفقه والصلاح فهذا كفر ينقل عن الملة؛ لأنه استهزاء بدين الله. وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 256 - 257)، الاستهزاء بالدين وأهله لمحمد بن سعيد القحطاني (ص 44 - 45)، نواقض الإيمان القولية والعملية (ص 436 - 449). (¬2) في (ن): (للعلم). (¬3) (إن) ليست في (ن). (¬4) ما ذكره المؤلف - رحمه الله - من تكفير العلماء المغيرين للعلم، سواء كانوا متأولين أو متعمدين، هذا ليس على إطلاقه، فالعالم إذا اجتهد فأخطأ، وكان اجتهاده مبنيًّا على تأويل سائغ؛ فإنّه لا يكفر بقوله واجتهاده وتأويله؛ إذ من موانع تكفير المسلم أن يكون ذلك الكفر صدر عن خطأ، ومن أنواع الخطأ: الخطأ في التأويل، قال شيخ =

خصوصاً إذا قصد التنفير عمّا هم عليه، وإظهارَ الدين، والقيامَ به، والله تعالى أعلم. ¬

_ = الإسلام بن تيمية - رحمه الله -: (لكن ليس كل مخطئ يكفر، لا سيما إذا قاله متأولًا باجتهاد أو تقليد)، الرد على البكري (ص 329)، وقال أيضاً - رحمه الله -: (وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ المحض، بل كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس كل من يترك بعض كلامه لخطأ أخطأه يكفر ولا يفسق، بل ولا يأثم) مجموع الفتاوى (35/ 100).

قاعدة يجب أن نعتقد (¬1) أن القديم قديمٌ، وأن الحادث حادثٌ. وأن تعلّق الحادثِ بالقديمِ لا يُكسبه القدمَ، ولا يخرجه عن حدوثه، وأن القديم إذا ظهر على مظهر الحادث لا يُخرجه عن القدم (¬2)، بل يُكسبه شرفاً وإعظاماً، ويطلق عليه اسمه وحكمه شرعاً، وليس حكمٌ إلا للشرع، والله أعلم. فإذا تعلّق المحدَثُ بالقديم تعلُّقاً افتقاريًّا حصل له الإدناءُ (¬3) فمن قُرِّب وأُدني ينبغي له أن لا يخرج عن وصفه، فإن خيَّل (¬4) له الهوى أنّه مُفتقَرٌ إليه أو مُستعانٌ به، أو له شركةٌ ما بحلولٍ، أو اتحادٍ، أو اتصافٍ بوصف القدم في شيءٍ ما من [وجود غيره] (¬5)، أو حدوثِه من حيث علمُ الله - عز وجل - به ضلَّ وخرج عن الإسلام. والله يعلمُ المفسد من المصلح، والجاهل من العالمِ، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (ن): (يعتقد). (¬2) قد يقصد المؤلف - رحمه الله - بالحادث هنا صفات الله الاختيارية التي يفعلها متى شاء، وقد يقصد به القرآن الكريم الذي هو من كلامه سبحانه، فإنه متى ظهر على مظهر الحادث كتلاوة التالي، وكتابة الكاتب أكسبه شرفاً وإعظاماً، وحينئذ يطلق عليه اسمه، ولا يخرجه ذلك عن وصفه. (¬3) قوله: (فإذا تعلّق المحدث بالقديم تعلّقاً افتقارياً حصل له الإدناء): لعلّ مقصوده - رحمه الله - أن المخلوق إذا تذلل، وأظهر عجزه وفقره بين يدي ربه؛ حصل له القرب من الله - عز وجل -. (¬4) في (ن): (خُيِّلَ) مبني للمجهول. (¬5) في (ص): (وجوده وغيره)، وفي (ن) ما أثبته.

فصل (8)

فصل (8) الفوقية ثابتةٌ له - سبحانه وتعالى - كلِّ وجهٍ يليق به - سبحانه وتعالى -، دون ما نفهمه من مواجيدِ ذواتنا، تبارك وتعالى عمَّا يقول الظالمون [والجاحدون] (¬1) علوًّا كبيراً، بل هو سبحانه محيطٌ بكلِّ شيءٍ. والفوقيةُ المطلقة (¬2) صفةٌ تفرَّد بها الربُّ - سبحانه وتعالى -، فهو - سبحانه وتعالى - فوقَ كلِّ شيءٍ، وليس فوقه شيءٌ. والكتاب العزيز ناطقٌ بها، وكذلك السنة النبوية، والفِطَرُ شاهدةٌ بذلك، قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]، وقال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، في ستة (¬3) مواضع من القرآن العظيم (¬4). وقد تقدّم أن الكيفية لا سبيل لأحدٍ إلى الكلام فيها، ولا إلى معرفتها، ولا إلى تصورها، ولا يحلُّ الفكرُ فيها ولا في غيرها من ¬

_ (¬1) في (ن) ليست في (ص). (¬2) يثبت السلف رحمهم الله فوقية وعلو الله بأنواعه: علو الذات، والقدر، والقهر. (¬3) قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، وردت في ستة مواضع من القرآن كما تقدّم، وهي: أ -[الأعراف: 54]، ب -[يونس: 3]، ج -[الرعد: 2]، د -[الفرقان: 59]، هـ -[السجدة: 4]، و -[الحديد: 4]. وهنالك موضع سابع ذكر فيه الاستواء في سورة: [طه: 5]، وهو قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}. (¬4) (العظيم) ليست في (ن).

الذات وصفاتها، فاسترح أيها المُحاذي (¬1) من ذلك واشتغل بما ينفعك [مما] (¬2) هنالك، واسلك أحسن المسالك، تنج من المهالك. قال (¬3) الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} [المعارج: 4]، (¬4) الآية، وقال تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: 5]، وأخبر الله - عز وجل - عن فرعون اللعين إقامةً للحجة عليه: {... يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36، 37]، يعني [في قوله] (¬5): إنَّ في السماء إلهاً. وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا أن الله تعالى على عرشه فوق سمواته. قال عبد الله بن المبارك: (نعرف ربنا فوق سبع سمواته، على العرش استوى، بائناً من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية: إنَّه ها هنا - وأشار إلى الأرض -) (¬6). ¬

_ (¬1) المحاذي: من حَوَذَ، والحاء والواو والذال أصل واحد، وهو من الخفة والسرعة وانكماش في الأمر. والأحوذي قيل: هو المنكمش، والحادّ، والخفيف في أموره، وقيل: هو المشمر في الأمور، القاهر لها. والحِواذ بالكسر: هو البعد، واستحوذ: غلب واستولى. ولعلّ معنى المحاذي هنا المشمر لمعرفة ذلك. انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 115)، ولسان العرب (3/ 486)، والقاموس المحيط (1/ 352). (¬2) في (ص): (بما)، وفي (ن) ما أثبته. (¬3) في (ن): (وقال). (¬4) قوله: [(... في يوم كان مقداره) الآية] ليست في (ن). (¬5) في (ن) وليست في (ص). (¬6) أثر عبد الله بن المبارك أخرجه: =

وروينا بإسنادنا إلى الشّيخ الزاهد أبي الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسيِّ (¬1) - رحمه الله - المتفق على إمامته وجلالته ودينه وورعه وتفرّده بذلك في زمنه بالشام وغيره، في كتابه الحجة على تارك المحجَّة (¬2)، في عقيدته التي أجمع عليها علماء الإسلام، - ممَّن لقيه أو بلغه قوله من غيرهم ممّن هو موصوفٌ بالقدوة، والزعامة، والعلّم الصائب، والفهم الثاقب، مشهورٌ بالأمانة القوية، والديانة الأصلّية، والإمامة العلّية، ناطقٌ عن الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة، مجانبٌ للبدعة والضلالة والأهواء والجهالة -: (إنَّه لا يجوز اعتقاد ما لم يكن له أصلٌ ¬

_ = - أبو سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (ص 47) برقم (67)، وفي النقض على بشر المريسي (1/ 224). - وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/ 111 - 174 - 307) بأرقام (22 - 216 - 598). - والبيهقي في الأسماء والصفات (2/ 335 - 336) برقمي (905 - 903). - والصابوني في عقيدة السلف (ص 186). - والذهبي في العلّو (ص 149) برقمي (398 - 399)، وفي المختصر (ص 151) برقم (150)، وقد صححه الذهبي. - وابن قدامة في إثبات صفة العلّو (ص 171) برقمي (83 - 84). وقد صحح شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأثر كما في الحموية ضمن الفتاوى (5/ 52 - 184). وقال ابن القيم كما في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص 213 - 214): (وقد صح عنه صحة قريبة من التواتر). (¬1) هو أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم النابلسي المقدسي، الفقيه الشّافعيّ، الإمام العلّامة، القدوة المحدث، مفيد الشّام، شيخ الإسلام صاحب التصانيف والأمالي، ولد قبل سنة 410 هـ، وتوفي سنة 490 هـ. انظر: مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي (1/ 302)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى (5/ 351)، وطبقات الشّافعيّة للأسنوي (2/ 207)، وطبقات الشّافعيّة لابن قاضي شهبة (1/ 274). (¬2) 2/ 272 - 296.

في كتاب الله تعالى، ولا سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع أهل العلم من الصّحابة التابعين لهم بإحسان. وأنَّ الله تعالى مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، كما قال في كتابه: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]، {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} [الجن: 28]، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. ثم نقل ذلك عن أبي حاتم (¬1) وأبي زرعة (¬2) الرازيين المتفق على إمامتهما، وجلالتهما، وورعهما عن مذاهب أئمة الأمصار والعلماءِ في جميع الأقطار، قالا: (أدركنا العلماء: حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً يقولون ذلك) (¬3). ¬

_ (¬1) هو أبو حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الرازي، الإمام الحافظ، الناقد، شيخ المحدثين، الحنظلي، الغطفاني، كان من بحور العلم، طوف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل. ولد سنة 195 هـ، وتوفي سنة 277 هـ. انظر: الفهرست لابن النديم (ص 327)، وتهذيب الكمال (24/ 381)، وطبقات علماء الحديث (2/ 260)، والعبر للذهبي (1/ 398)، وسير أعلام النُّبَلاء (13/ 247)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 326). (¬2) هو أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ، الإمام، سيد الحفاظ، محدث الري، كان آية في الحفظ والإتقان، قال ابن أبي شيبة: ما رأيت أحفظ من أبي زرعة. وقال ابن راهويه: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة فليس له أصل. توفي سنة 264 هـ. انظر: تهذيب الكمال (19/ 89)، وطبقات علماء الحديث (2/ 246)، وسير أعلام النُّبَلاء (13/ 65)، والعبر للذهبي (1/ 379)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 251)، والوافي بالوفيات (2/ 183). (¬3) هذا الأثر أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 176 - 177) برقم (321)، والذهبي في العلو (ص 188)، برقمي (502 - 503)، وصححه الألباني في المختصر (ص 204)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص 182 - 183) =

وقال الإمام أبو عثمان الصابونيُّ - رحمه الله - فيما رواه عن الحاكم (¬1) أبي عبد الله الحافظ سماعاً منه بإسناده إلى [أبي] (¬2) عبد الله الرباطيِّ (¬3)، قال: (حضرت مجلس الأمير عبد الله بن طاهر (¬4) ذات يوم، وحضر ¬

_ = رقم (94)، وذكره ابن القيم في الصواعق المرسلة (4/ 1290 - 1291)، واجتماع الجيوش الإسلامية (ص 233) من طريق عبد الرّحمن بن أبي حاتم: (سألت أبي وأبا زرعة - رضي الله عنهما - عن مذهب أهل السنة، وما أدرك عليه العلماء في الأمصار، وما يعتقدان ذلك؟ فقال: أدركنا العلماء في جميع الأمصار: حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً، فكان من مذهبهم: ...... وأن الله - عز وجل - على عرشه بائن من خلقه - كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلا كيف ....). (¬1) هو أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد بن حمدويه الضبي النيسابوري، الحاكم الحانظ الكبير، ويعرف أيضاً بابن البيّع، ولد سنة 321 هـ، اعتنى به أبوه، وكتب عن نحو ألفي شيخ، قرأ القراءات، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنف التصانيف، وهو ثقة حجة، توفي سنة 405 هـ. انظر: طبقات الفقهاء الشّافعيّة لابن الصلاح (1/ 198)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى (4/ 155)، والعقد المذهب (ص 70)، وطبقات علماء الحديث (3/ 237)، وسير أعلام النُّبَلاء (17/ 162)، والعبر للذهبي (2/ 210). (¬2) في (ص) و (ن): (إلى عبد الله الرباطي)، وهذا الخطأ لعلّه من النساخ، فأضفت (أبي) ليوافق ما في عقيدة السلف، وهو الذي تؤيده كتب التراجم، على ما سيأتي من ترجمته - إن شاء الله -. (¬3) هو أبو عبد الله أحمد بن سعيد بن إبراهيم المروزي الرباطي الأشقر، نزيل نيسابور، الإمام الحافظ الحجة، أمير الرباط، سمع وكيعاً وعبد الرزاق وطبقتهم، وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم، توفي سنة 243 هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (2/ 6)، وتهذيب الكمال (1/ 310)، وطبقات علماء الحديث (2/ 220)، وسير أعلام النُّبَلاء (12/ 207)، والعبر للذهبي (1/ 345). (¬4) هو عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن أسعد، أبو العباس الخزاعي، الأمير، ولاه المأمون دمشق والشام، وكان حاكماً عادلاً، جواداً، شاعراً، بارع الأدب، تنقل في الأعمال شرقاً وغرباً، قلده المأمون مصر والمغرب، ثم نقله إلى خراسان، توفي سنة 230 هـ. =

إسحاق (¬1) - يعني: ابن راهويه - فسُئل عن حديث النزول، أصحيحٌ هو؟ قال: نعم، فقال له بعض قُوّاد عبد الله: يا أبا يعقوب، [أتزعم] (¬2) أن الله ينزل كلّ ليلةٍ؟ قال: نعم، قال: كيف ينزل؟ قال: أثبته (¬3) فوق؛ حتّى أصف لك النزول، فقال له الرجل: أثبته فوق. فقال له إسحاق: قال الله - عز وجل -: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]، قال (¬4) الأمير عبد الله (¬5): يا أبا يعقوبَ هذا يوم القيامة، قال إسحاق: أعز الله الأمير! ومن يجيء يوم القيامة؛ من يمنعه اليوم؟) (¬6). وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة - رحمه الله -: (من لم يقرَّ بأن الله - عز وجل - على عرشه قد استوى فوق سبع سمواته فهو كافرٌ به (¬7)، حلالُ الدم (¬8)، يُستتاب فإن تاب وإلا ضرب (¬9) عنقه، وأُلقيَ على بعض المزابل؛ ¬

_ = انظر: كتاب بغداد لابن طيفور (ص 25)، وتاريخ بغداد (9/ 483)، وتحفة ذوي الألباب للصفدي (1/ 269)، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي (1/ 214)، وسير أعلام النُّبَلاء (10/ 684). (¬1) في عقيدة السلف: (وحضر إسحاق بن إبراهيم). (¬2) في (ص): (تزعم)، وفي (ن) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬3) أي: أثبت واعتقد أن الله مستو على عرشه فوق سمواته. (¬4) في (ن) وعقيدة السلف: (فقال). (¬5) في (ن): (عبد الله بن طاهر)، وفي (ص) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬6) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 197 - 198)، والذهبي في العلو (ص 179) رقم (486)، وقال الألباني معلقاً عليه في مختصر العلو (ص 193): (هذا إسناد صحيح)، وذكر هذا الأثر ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 391 - 392) وعزاه إلى الصابوني، وذكره أيضاً في شرح حديث النزول (ص 148 - 149). (¬7) في عقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث: (بربه). (¬8) قوله: (حلال الدم) ليست في معرفة علوم الحديث. (¬9) في عقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث: (ضُربت).

حتى (¬1) لا يتأذى به (¬2) المسلمون ولا [المعاهدون] (¬3) بنتن رائحة جثته (¬4)، وكان ماله فيئاً (¬5)، لا يرثه أحد من المسلمين؛ إذ المسلم لا يرث الكافر، [كما] (¬6) قال (¬7) - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرث الكافرُ المسلم، ولا المسلمُ الكافر" (¬8) (¬9) (¬10). وإمامنا أبو عبد الله محمّد بن إدريس الشافعيُّ (¬11) - رضى الله عنه - احتجَّ في ¬

_ (¬1) في معرفة علوم الحديث: (حيث). (¬2) (به) ليست في عقيد السلف ولا معرفة علوم الحديث. (¬3) في (ص) و (ن): (المعاندون)، وفي عقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث ما أثبته، وفي معرفة علوم الحديث: (.. لا يتأذى المسلمون والمعاهدون ...). (¬4) في عقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث: (جيفته)، وعبارة معرفة علوم الحديث: (بنتن ريح جيفته). (¬5) الفيء: غنائم تؤخذ من المشركين أفاءها الله على المسلمين، أي: ترجع عليهم. انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 435)، والمصباح المنير للفيومي (2/ 143). (¬6) في (ن) وعقيدة السلف ومعرفة علوم الحديث، وليست في (ص). (¬7) في عقيدة السلف: (قال النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -). (¬8) من قوله: (لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر) ليس موجوداً في معرفة علوم الحديث، وفي عقيدة السلف: (لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم). (¬9) أخرجه البخاريّ في الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (12/ 50) رقم (6764)، ومسلم في الفرائض أيضاً (3/ 1233) رقم (1614) من حديث أسامة بن زيد بلفظه، مع تقديم وتأخير. (¬10) قول الإمام ابن خزيمة أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 84)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 187)، والذهبي في العلّو بنحوه (ص 207) رقم (528)، وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص 185) رقم (96)، وذكره ابن تيمية في الفتوى الحموية (ص 339 - 340) من رواية الحاكم وصحح إسناده. (¬11) هو أبو عبد الله محمّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، القرشي ثم المطلبي، الشّافعيّ، المكي، صاحب المذهب المعروف، إمام أهل زمانه في الفقه، =

كتابه المبسوط (¬1) في مسألة إعتاق الرقبة المؤمنة في الكفّارة: وأن الرقبة الكافرة (¬2) لا يصح التكفيرُ بها؛ لخبر (¬3) معاوية بن الحكم: وأنه أراد أن يعتق الجارية السوداء في (¬4) الكفارة، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إعتاقه إيَّاها، فامتحنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليعرف أنها مؤمنةٌ أو لا، فقال: "أين ربك؟ " فأشارت إلى السماء؛ إذ كانت أعجمية (¬5)، فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: "من أنا؟ " فأشارت إليه وإلى السماء - يعني: أنك رسول الله الذي في السماء - فقال النّبيّ (¬6) - صلى الله عليه وسلم -: "أعتقها، فإنها مؤمنة" (¬7). فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ = روى عن مالك بن أنس ومحمد بن الحسن واسماعيل بن عليّة وغيرهم كثير، وروى عنه الحميدي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلّام وغيرهم، ألف (الرسالة)، و (الأم)، توفي سنة 204 هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (1/ 42)، وحلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 63)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى (1/ 192)، وطبقات الشّافعيّة للأسنوي (1/ 18)، وطبقات المفسرين للداودي (2/ 102)، وبرنامج التجيبي (ص 119). وانظر كذلك: آداب الشّافعيّ ومناقبه لابن أبي حكم، والانتقاء في فضائل الثّلاثة الأئمة الفقهاء (ص 65)، ومناقب الإمام الشّافعيّ للرازي، ومناقب الإمام الشّافعيّ للمناوي. (¬1) هو كتاب الأم، وذكر هذه المسألةُ في كتاب الظهار، باب: عقد المؤمنة في الظهار (11/ 486 - 487) برقمي (20417)، (20419)، حيث قال: (فإذا وجبت كفارة الظهار على الرَّجل وهو واجد لرقبة أو ثمنها، لم يجزه فيها إِلَّا تحرير رقبة، ولا تجزئه رقبة على غير دين الإسلام، لأن الله - عز وجل - يقول في القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]). (¬2) في (ن): (الكفارة)، وفي عقيدة السلف (وأن غير المؤمنة لا يصح ...). (¬3) في عقيدة السلف: (بخبر). (¬4) في (ن): (عن)، وفي عقيدة السلف: (السوداء لكفارة). (¬5) قوله: (ليعرف أنها مؤمنة أو لا، فقال: أين ربك؟ فأشارت إلى السماء؛ إذ كانت أعجمية) هذه العبارة ليست في عقيدة السلف. (¬6) في (ن): وعقيدة السلف: (فقال - صلى الله عليه وسلم -). (¬7) أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصّلاة، باب تحريم الكلام في الصّلاة .... =

بإسلامها وإيمانها لما أقرت بأنَّ ربها في السماء، وعرفت ربَّها بصفة العلوِّ والفوقية. وإنّما احتجَّ الشّافعيّ - رحمه الله - على المخالفين في قولهم: يجوز (¬1) إعتاق الرقبة الكافرة [في الكفارة] (¬2) بهذا الخبر؛ لاعتقاده أن الله تعالى فوق خلقه (¬3) وفوق سبع سمواته على عرشه، كما هو معتقد المسلمين من أهل السنة والجماعة سلفهم وخلفهم، إذ كان - رحمه الله - لا يروي خبراً صحيحاً، ثم لا يقول به (¬4). واعلم أن الظرفية (¬5) ليست مرادةً في هذا الحديث بإجماع العلماء، وإنّما معناها العلّو بإجماع. ¬

_ = (1/ 381 - 382) رقم (537)، من حديث معاوية بن الحكم مطولًا، وفيه: " .... فقال لها: "أين الله؟ "، قالت: في السماء، قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة"". (¬1) في عقيدة السلف: (بجواز). (¬2) ليست في (ص)، وفي (ن) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬3) إلى قوله: (لاعتقاده أن الله تعالى فوق خلقه) ينتهي السقط في (ظ). (¬4) نقله المؤلف من عقيدة السلف للصابوني (ص 187 - 188). (¬5) من المعلوم أن المراد بأن الله في السماء، أي: في العلّو - سبحانه وتعالى -، لا بمعنى أن السَّماء تحويه وتحيط به، وهذا ضلال وكذب وافتراء، فالله - سبحانه وتعالى - لا يحيط به أي شيء. وقد ناقش شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - شبهة من يقول بأن السَّماء تحويه، وبيّن زيفها، فقال في الفتاوى (5/ 106): (من توهم أن كون الله في السَّماء بمعنى أن السَّماء تحيط به وتحويه فهو كاذب - إن نقله عن غيره -، ضال - إن اعتقده في ربه -، وما سمعنا أحداً يفهم هذا من اللّفظ، ولا رأينا أحداً نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قول الله ورسوله: (إن الله في السَّماء) أن السَّماء تحويه؟ لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول: هذا شيء لعلّه لم يخطر ببالنا. وإذا كان الأمر هكذا، فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللّفظ شيئاً محالًا لا يفهمه النَّاس منه، ثم يريد أن يتأوله، بل عند النَّاس (أن الله في السَّماء)، (وهو على العرش) =

وقال إمام الحرمين (¬1) في نهايته (¬2) في مسألة إذا قال لزوجته: إن [طرت] (¬3) أو صعدت إلى (¬4) السَّماء، فأنت طالقٌ، في أثناء بحثٍ له: (ومن قال إن الله - سبحانه وتعالى - في السَّماء على سبيل التحيّز فهو كافرٌ بإجماع المسلمين)، والله أعلم. وقال الرّبيع بن سليمان (¬5): سمعت الشّافعيّ - رحمه الله - يقول: (إذا ¬

_ = واحد؛ إذ السَّماء إنّما يراد به العلّو، فالمعنى أن الله تعالى في العلّو، لا في السفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه - سبحانه وتعالى - وسع السموات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقاً يحصره ويحويه؟ وقد قال سبحانه: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)}، وقال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} بمعنى (على)، ونحو ذلك، وهو كلام عربي حقيقة لا مجازاً، وهذا يعلمه من عرف حقائق معاني الحروف، وأنها متواطئة في الغالب لا مشتركة). (¬1) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني، إمام الحرمين، الفقيه الشّافعيّ، ضياء الدين، أحد الأئمة الأعلام، تفقه على والده، وجاور بمكة في شبابه أربعة أعوام، ومن ثم قيل له إمام الحرمين، كان من أذكياء العالم، وأحد أوعية العلم، ولد سنة 419 هـ، وتوفي سنة 478 هـ. انظر: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار (15/ 85)، وتبيين كذب المفتري (ص 278)، وطبقات الشّافعيّة الكبرى (5/ 165)، وطبقات الشّافعيّة للأسنوى (1/ 197)، والعقد المذهب (ص 101)، والعبر للذهبي (2/ 339). (¬2) هو: (نهاية المطلب في دراية المذهب)، وهو من أفضل كتبه في الفقه، وهو من مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية. وانظر كلام صاحب المطلب في النهاية (14/ 81). (¬3) في (ص): (ظهرت)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬4) في (ص) وليست في (ظ) و (ن). (¬5) هو أبو محمّد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، مولاهم المصري المؤذن، الإمام المحدث الفقيه الكبير، بقية الأعلام، صاحب الإمام الشّافعيّ، وناقل علمه، وشيخ المؤذنين بجامع الفسطاط، ومستملي مشائخ وقته، ولد سنة 174 هـ، توفي سنة 270 هـ. =

رأيتموني أقول قولًا، وقد صحَّ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - خلافه، فاعلموا أن عقلي قد ذهب) (¬1). وقال الزعفرانيُّ (¬2): (روى الشّافعيّ - رحمه الله - يوماً (¬3) حديثاً، فقال السائل: يا أبا عبد الله تقول به؟ قال: تراني في بيعةٍ أو كنيسةٍ ترى عليَّ [زيَّ] (¬4) الكفار! هو ذا تراني في مسجد المسلمين علي زيُّ المسلمين ¬

_ = انظر: تهذيب الكمال (9/ 87)، وطبقات علماء الحديث (2/ 284)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 115)، وسير أعلام النُّبَلاء (12/ 587)، والعبر للذهبي (1/ 390)، وتهذيب التهذيب (3/ 245). (¬1) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 189)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (9/ 106). وأخرجه ابن أبي حاتم في (آداب الشّافعيّ ومناقبه) (ص 67 - 93) عن الربيع قال: سمعت الشّافعيّ يقول: (متى سمعتني: حدثت بحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحيح؛ فلم آخذ به، فانا أشهدكم أن عقلي قد ذهب). وذكره السبكي في طبقات الشّافعيّة في ترجمة الربيع بن سليمان (2/ 138)، والهروي في (ذم الكلام وأهله) (2/ 302) برقم (398)، وابن حجر في توالي التأسيس (ص 107)، والمناوي في مناقب الإمام الشّافعيّ (ص 96)، والفلاني في إيقاظ همم أولي الأبصار (ص 161). وانظر: منهج الإمام الشّافعيّ في إثبات العقيدة لمحمد العقيل (1/ 97). (¬2) هو أبو علي الحسن بن محمّد بن الصبّاح، البغدادي الزعفراني، يسكن محلة الزعفراني قرب بغداد، الإمام العلّامة، شيخ الفقهاء والمحدثين، كان مقدماً في الفقه والحديث، ثقة جليلاً، عالي الرواية، كبير المحملة، قرأ على الشّافعيّ كتابه القديم، توفي سنة 260 هـ. انظر: تهذيب الكمال (6/ 310)، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص 80)، وسير أعلام النُّبَلاء (12/ 262)، والعبر للذهبي (1/ 373)، وطبقات علماء الحديث (2/ 202)، وتهذيب التهذيب (2/ 318). (¬3) في عقيدة السلف: (أن الشّافعيّ - رحمه الله - روى يوماً حديثاً). (¬4) في (ص): (ثياب)، وفي (ظ) و (ن) وعقيدة السلف ما أثبته.

مستقبل قبلتهم، أروي حديثاً عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ثم لا أقول به!) (¬1). وقال الشّافعيّ رحمة الله عليه: (إذا رأيتم قولي مخالفاً لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاضربوا بقولي الحائط، وخذوا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬2). وقال - رضي الله عنه -: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) (¬3). وقد أجمع المسلمون ونصوص الكتاب والسنة على وجوب الرجوع إليهما عند الاختلاف، وأنه لا يجوز العمل بالقياس في صفات الباري - عز وجل -، ولا الرجوع إليه فيها، وكذلك حكم أسمائه - سبحانه وتعالى -، بل كلُّ ذلك توقيفيٌّ يجب الرجوع فيه إلى وجود النصّ في الكتاب العزيز، والسُّنة الصحيحة. فأمَّا السُّنة الضعيفة [السند] (¬4) فقد رجحها أحمد - رحمه الله - وجماعةٌ على القياس الجليَّ، وأوجبوا العمل بها (¬5)، وأما السُّنة ¬

_ (¬1) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 189)، وذكره بهذا اللفظ السبكي في طبقات الشّافعيّة الكبرى في ترجمة الربيع بن سليمان عن الزعفراني (2/ 138)، وذكر نحوه أبو نعيم في حلية الأولياء عن الحميدي (9/ 106)، وذكره الهروي في (ذم الكلام وأهله) عن الحميدي (2/ 300) رقم (392)، وابن حجر في توالي التأسيس (ص 108)، والمناوي في مناقب الإمام الشّافعيّ (ص 97)، والفلاني في إيقاظ الهمم (ص 263). وانظر: منهج الإمام الشّافعيّ في إثبات العقيدة (1/ 97). (¬2) ذكره ابن القيم في إعلام الموقعين (2/ 250) وحكم عليه بالتواتر، والذهبي في السير (10/ 35). (¬3) ذكره النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 104)، وابن حجر في توالي التأسيس (ص 109)، وقد ألف السبكي رسالة بعنوان: (معنى قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي) طبعت ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (3/ 98)، وذكره الذهبي في سير أعلام النُّبَلاء (10/ 35). انظر: صفة صلاة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للألباني (ص 26)، وإيقاظ همم أولي الأبصار للفلاني (ص 267). (¬4) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬5) يقصد الإمام أحمد - رحمه الله - بالحديث الضعيف: هو ما ارتفع إلى درجة الحسن أو =

الصَّحيحة [الثابتة] (¬1) بخبر الواحد فقد رجَّح أبو حنيفة - رحمه الله -[العمل بـ] (¬2) القياس الجليّ عليها، وإذا تعارض عنده حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ بخبرٍ واحدٍ وقياسٌ جليٌّ يخالفه، قدّم العمل به على الحديث الصّحيح الثابت بخبر الواحد (¬3)، وخالفه جمهور أصحابه في ذلك، واعتذروا عنه بأنَّه لم يبلغهُ الحديث، والله أعلم. وأما المتواترُ فلا يقدِّم عليه أحدٌ من المسلمين شيئاً. وقال (¬4) مالكٌ - رحمه الله -: (كل أحدٍ مأخوذٌ من قوله ومتروكٌ إلا ¬

_ = الحسن لغيره، قال ابن القيم - رحمه الله - في إعلام الموقعين (1/ 65) - في ذكره لأصول مذهب الإمام أحمد -: (الأصل الرّابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجحه على القياس، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل، ولا المنكر، ولا ما في روايته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه والعمل به، بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصّحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، وللضعيف عنده مراتب، فإذا لم يجد في الباب أثراً يدفعه، ولا قول صاحب، ولا إجماعاً على خلافه، كان العمل به عنده أولى من القياس). وانظر: أصول مذهب الإمام أحمد للتركي (ص 303 - 312). (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬3) حقيقة مذهب الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - هو الأخذ بالحديث الصّحيح وتقديمه على القياس، كما ذكر ذلك المحققون من أهل العلم، وأن ما اشتهر عنه من تقديم القياس على خبر الآحاد الصّحيح لا يصح عنه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/ 304): (من ظن بأبي حنيفة أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصّحيح لقياس أو غيره، فقد أخطأ عليهم، وتكلم إما بظن وإما بهوى)، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 77): (وأصحاب أبي حنيفة - رحمه الله - مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة: أن ضعيف الحديث عنده أولى من القياس والرأي، وعلى ذلك بنى مذهبه) ثم ساق الأمثلة على ذلك. (¬4) في (ظ) و (ن): (قال) بدون واو.

صاحب هذا القبر - يعني: النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -) (¬1). ونُقِل عنه ترجيح عمل أهل المدينة على الحديث الثابت بخبر الواحد (¬2) كحديث: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا" (¬3) ولم يقل به مع ما صحَّ (¬4) وثبت بروايته. والشّافعيُّ - رضي الله عنه - لم يعرّج على شيءٍ من ذلك كلِّه، وإنّما رجع إلى الحديث الصّحيح مطلقاً ما لم يكن منسوخاً، أو مخصوصاً، أو ورد على سببٍ مخصوصٍ، أو في واقعة عينٍ، ونحو ذلك. فرضي الله عنه وعنهم، فكل مقاصدهم صالحةٌ، وإنما (¬5) قصدوا الوصول إلى المطلوب على ما يرضي الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما أدَّى إليه اجتهادهم من ¬

_ (¬1) أخرجه بمعناه ابن عبد البرّ في جامع بيان العلم وفضله (1/ 775)، ورواه قريباً من لفظه عن مجاهد والحكم بن عتيبة في الجامع أيضاً (2/ 925 - 926)، وذكره الفلاني في إيقاظ الهمم (ص 77). (¬2) اشترط الإمام مالك - رحمه الله - للعمل بالخبر الواحد أن لا يخالف عمل أهل المدينة؛ لأن هذا العمل بمنزلة الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورواية جماعة عن جماعة أحق أن يعمل بها من رواية فرد عن فرد، ومن ثم يعد عمل أهل المدينة في حكم المتواتر، والمتواتر مقدم على الآحاد، أضف إلى هذا أن أهل المدينة أدرى بآخر الأمرين من أحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم -. أما إذا كان مستند أهل المدينة رأياً اجتهاديًّا ففيه خلاف في المذهب، فيقدم البعض عمل أهل المدينة، ويقدم البعض الآخر - كالبغداديين - خبر الواحد. انظر: إحكام الفصول للباجي (ص 480)، وأصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي لمحمد رياض (ص 373). (¬3) أخرجه البخاريّ في البيوع، باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (4/ 328) رقم (2110) عن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، وأخرجه مسلم في البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين (3/ 1163) رقم (1531) من حديث عبد الله بن عمر بنحوه. (¬4) في (ظ) و (ن): (مع أنه ثبت بروايته). (¬5) في (ظ) و (ن): (إنما).

غير قصد مخالفةٍ، فهم مثابون على ذلك، مكتوبٌ به (¬1) لهم الحسنات، مرفوعٌ لهم به الدرجات، والله أعلم. قال الأستاذ أبو عثمان الصابونيُّ - رحمه الله -: (والفرق بين أهل السنة وبين أهل البدع: أنهم إذا سمعوا حديثاً (¬2) في صفات الربِّ - سبحانه وتعالى - ردُّوه أصلًا ولم يقبلوه، أو قبلوه (¬3) في الظّاهر (¬4)، ثم تأولوه بتأويل يقصدون به رفعَ الخبر من أصله وإبطالَ معناه (¬5)، وأهل السنة يقبلونه ويصدقون به، ولا (¬6) يتهمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال (¬7) منه، بل يتهمون عقولهم وآراءهم فيه، ويعلمون حقاً يقيناً أن ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى ما قاله؛ إذ هو كان أعرف بالربِّ - سبحانه وتعالى - من غيره، ولم يقل فيه إِلَّا حقًّا وصدقاً ووحياً، قال الله - عز وجل -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. وقال (¬8) الزهري (¬9) (¬10) التابعي ...................... ¬

_ (¬1) (به) ليست في (ظ) و (ن). (¬2) في عقيدة السلف: (خبراً). (¬3) (قبلوه) هذه الكلمة قال محقق عقيدة السلف: كلمة غير واضحة، ولم يثبتها في الكتاب. (¬4) في عقيدة السلف: (للظاهر). (¬5) جملة: (... معناه، وأهل السنة يقبلونه ويصدقون به، ولا يتهمون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال منه بل يتهمون ...) غير موجودة في عقيدة السلف؛ وذلك لوجود بياض مقداره سطر، كما ذكر ذلك المحقق. (¬6) في (ظ) و (ن): (فلا). (¬7) في (ظ) و (ن): (قاله). (¬8) في عقيدة السلف: (قال). (¬9) في (ظ) و (ن): (الزبيري). (¬10) هو أبو بكر محمّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، التابعي، حافظ زمانه، القرشي المدني، نزيل الشام. =

الجليل (¬1) إمام الأئمة وغيره من علماء الأمة رضي الله عنه وعنهم وعن (¬2) الجملة: على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم (¬3) (¬4). وقال العلماء: يجب التسليم في أحاديث (¬5) الصفات وآياتها، بإقرارها وإمرارها من غير تصورٍ لمعانيها (¬6)، أو فكرٍ في كيفيتها، فإن ¬

_ = ولد سنة 50 هـ، وقيل 51 هـ، سمع من سهل بن سعد وأنس بن مالك - رضي الله عنهما -. وعنه عطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز وغيرهم كثير، توفي سنة 124 هـ. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (5/ 348)، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص 186 - 189)، والأنساب للسمعاني (3/ 180)، وتهذيب الكمال (26/ 419)، وطبقات الحفاظ للسيوطي (ص 53). (¬1) (التابعي الجليل) ليست موجودة في عقيدة السلف. (¬2) في (ظ) و (ن): (وعلى)، وقوله: (وعنهم وعن الجملة) ليست موجودة في عقيدة السلف. (¬3) قول الزهري: (على الله البيان، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم). أخرجه البخاري في التّوحيد، باب قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (13/ 503) تعليقاً جازماً عن الزهري بلفظ: (من الله - عز وجل - الرسالة، وعلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البلاغ، وعلينا التسليم). ووصله الحميدي في النوادر كما في الفتح (13/ 504)، ومن طريقه الحافظ في تغليق التعليق (5/ 365 - 366) عن سفيان قال: قال رجل للزهري: يا أبا بكر! قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منَّا من شقّ الجيوب" ما معناه؟، فقال الزهري: (من الله العلم، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم). قال الحافظ: (هذا الرَّجل هو الأوزاعي) يعني: الذي سأل الزّهري. ثم ذكره الحافظ من طريق ابن أبي عاصم في ذكر الدنيا له، بتسمية الرجل الذي سأل الزهري، وهو الأوزاعي. وأخرجه أيضاً الخلال في السنة (3/ 579) رقم (1001). (¬4) نقله المؤلف بالنص من عقيدة السلف (ص 189 - 190). (¬5) هكذا في جميع النسخ، ولعلّ الصواب: (بأحاديث). (¬6) لعل مقصوده - رحمه الله - بنفي تصور معاني الصفات، أي: نفي تصور كيفيتها، كما مر سابقاً =

التصور والفكر فيها يؤدي إلى محظوراتٍ، وما أدّى إلى المحظور محظورٌ. (وروى يونس بنُ عبد الصمد بن معقلٍ (¬1) عن أبيه (¬2): أن الجعد بن درهم (¬3) قدم على وهب بن منبهٍ (¬4) يسأله عن صفات الله ¬

_ = من عباراته التي صرحت بنفي الإحاطة والكيفية والتصور، والتي قصد بها أن العبد لا يمكنه معرفة كيفية صفات الله - سبحانه وتعالى -. ثم إن السلف رحمهم الله قد وردت عنهم عبارات تصرح بنفي معاني الصفات، ولكنهم لا يقصدون بذلك أن الصفات لا معاني لها، بل يريدون من ذلك نفي التأويلات الفاسدة. (¬1) هو يونس بن عبد الصمد بن معقل بن منبه بن كامل اليماني، روى عن أبيه. ولم أجد له في ترجمته غير هذا القدر، وغالبا يذكر مع أبيه. انظر: تهذيب الكمال (18/ 104)، وتهذيب التهذيب (6/ 328). (¬2) هو عبد الصمد بن معقل بن منبه بن كامل اليماني، ابن أخي وهب بن منبه وهمام بن منبه، وأخوه عقيل بن معقل، روى عن عكرمة مولى ابن عبّاس، وعمه وهب، روى عنه عبد الرزّاق بن همام وأخوه عبد الوهّاب بن همام، وابناه: يحيى ويونس، وقال عنه يحيى بن معين: ثقة، مات سنة 183 هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (6/ 104)، والطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 73)، وتهذيب الكمال (18/ 104)، وتهذيب التهذيب (6/ 328). (¬3) هو الجعد بن درهم، من الموالي أصله من خراسان، مؤدب أمير المؤمنين مروان الأموي، متبوع ضال، وأول من قال بخلق القرآن، وأن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليماً، وقد قتله على ذلك خالد القسري في الكوفة كما روى ذلك الأئمة، منهم: البخاري، وابن أبي حاتم، والبيهقي، وغيرهم. كان هلاكه سنة 124 هـ. انظر: لسان الميزان لابن حجر (2/ 105)، وسير أعلام النُّبَلاء (5/ 433)، والأنساب للسمعاني (2/ 66). (¬4) هو وهب بن منبه بن كامل، العلّامة القصصي، أبو عبد الله الأبناوي، اليماني، الذماري، الصنعاني، أخو همام بن منبه. مولده في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين. أخذ عن ابن عبّاس، وأبي سعيد الخدري، حدث عنه ولداه عبد الله، وعبد الرّحمن، =

تعالى، فقال: ويلك يا جعدُ!! [تعضُّ] (¬1) (¬2) المسألة؟ إني لأظنك من الهالكين، يا جعد، لو لم يخبر (¬3) الله تعالى في كتابه أن له عيناً ويداً (¬4) ووجهاً لما قلنا ذلك، فاتق الله. ثم لم يلبث جعدٌ أن قُتِلَ وصُلِب (¬5). وخطب خالد بن عبد الله القسريُّ (¬6) يوم الأضحى بالبصرة، فقال في آخر خطبته: انصرفوا إلى منازلكم وضحُّوا بارك الله لكم في ضحاياكم، فإنِّي مضحٍّ اليوم بالجعد بن درهم، فإنَّه يقول: (لم يتخذ الله ¬

_ = وعمرو بن دينار. روايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب. وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والعجلي، وغيرهم. توفي على الأرجح سنة 110 هـ. انظر: التاريخ الكبير للبخاري (8/ 164)، وسير أعلام النُّبَلاء (4/ 544)، وتهذيب التهذيب (11/ 166). (¬1) في (ص) و (ن) وعقيدة السلف: (بعض)، وفي (ظ) ما أثبته. (¬2) تعضُّ: العين والضاد أصل واحد صحيح، وهو الإمساك على الشيء بالأسنان. ثم يقاس منه كل ما أشبهه؛ حتّى يسمى الشيء الشديد والصلب والداهي بذلك. انظر: معجم مقاييس اللغة (4/ 48)، ولسان العرب (7/ 188). (¬3) في عقيدة السلف: (يخبرنا). (¬4) في (ظ) و (ن) وعقيدة السلف: (يداً وعيناً ووجهاً). (¬5) روى هذه القصة الصابوني في عقيدة السلف (ص 190 - 191)، وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية (9/ 350) وعزاه إلى ابن عساكر في تاريخه، والذهبي في سير أعلام النُّبَلاء (5/ 433). (¬6) هو خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري من بجيلة، أبو الهيثم. ولد سنة 66 هـ، يماني الأصل من أهل دمشق، وهو الذي قتل الجعد بن درهم، وكان فيه مروءة وكرم وشدة على أهل البدع، قتل في أيام الوليد بن يزيد سنة 126 هـ. انظر: الجرح والتعديل (3/ 340)، وسير أعلام النُّبَلاء (5/ 425)، وتهذيب التهذيب (2/ 520).

إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً)، - سبحانه وتعالى - عمَّا يقول الجعدُ علواً كبيراً، ونزل عن المنبر فذبحه بيده، وأمر بصلبه (¬1) (¬2). واعلم أنه (¬3) من كذب على الله تعالى في خبره، أو ضادَّه في فعله، أو عانده في أمره ونهيه، فهو كافرٌ مرتدٌّ يُسْتَتَابُ عند جمهور العلماء، فإن تاب وإلا قتل. وقالت طائفةٌ: لا يُقبل له توبةٌ، فإن (¬4) قُبلت يجب قتله حدًّا، وخصَّ مالكٌ وأصحابه وقول السلف وجمهور العلماء وبعض أصحاب الشافعيِّ، عدمَ قبول توبته [وقتلَه] (¬5) حتماً [بسبِّ] (¬6) النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقط، ¬

_ (¬1) هذه القصة أخرجها البخاري في التاريخ الكبير (1/ 64)، وفي خلق أفعال العباد (ص 8)، والدارمي في الرد على الجهمية (ص 21) رقم (13)، و (ص 209) رقم (388)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 191)، وذكرها الذهبي في العلّو (ص 131) رقم (360) وعزاه في رقم (361) لعبد الرّحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه (الرد على الجهمية)، وذكر الألباني في مختصر العلو (ص 133 - 134) بعد ما ساق طريقين لهذه القصة: أن الإسنادين يشد أحدهما الآخر، ويقويه، قال ابن قيم في نونيته: ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ ... ـقسريُّ يوم ذبائح القربانِ إذ قال إبراهيم ليس خليله ... كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحيَّة كلُّ صاحب سنة ... لله درك من أخي قربانِ شرح القصيدة النونية للهراس (1/ 25)، وذكرها ابن القيم أيضاً في الصواعق المرسلة (3/ 1071). (¬2) نقله المؤلف بالنص من عقيدة السلف للصابوني (ص 190 - 191). (¬3) في (ظ) و (ن): (أن من كذّب الله تعالى ...). (¬4) في (ظ) و (ن): (وإن). (¬5) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬6) في (ص): (بسب)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.

وغير ذلك يجري فيه [على] (¬1) أحكام المرتدين. وهو الذي أعتقده، وأدين الله تعالى به، فقد ثبت [فيه] (¬2) حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "من سبَّ نبيًّا فاقتلوه" (¬3)، وأهدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دم من سبَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يوجب فيه قوداً (¬4) ولا ديةً، رواه أبو داود (¬5) في سننه، ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) في (ص): (في)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) أخرجه الطَّبرانيُّ في المعجم الأوسط (5/ 37 - 38) رقم (4609)، وفي الصغير (1/ 393) رقم (659) من حديث علي بلفظ: "من سب الأنبياء قتل، ومن سب الصّحابة جلد". قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 260): (رواه الطَّبرانيُّ في الصغير والأوسط عن شيخه عبيد الله بن محمّد العمري، رماه النَّسائيُّ بالكذب). وقال الألباني في الضعيفة (1/ 244) رقم (206): (موضوع). وقال ابن تيمية عن هذا الحديث في الصارم المسلول (2/ 191): (وفي القلب منه حزازة، فإن هذا الإسناد الشريف قد ركب عليه متون منكرة). (¬4) القود: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل، وقد أقدته به أقيده إقادةً، واستقدت الحاكم: سألته أن يقيدني، واقتدت منه، أقتاد. والقود نقيض السوق، وهو من أمام وذاك من الخلف كالقيادة والمقادة. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (4/ 119)، والقاموس المحيط (1/ 330). (¬5) هو سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، أبو داود. ولد سنة اثنتين ومئتين، صاحب السنن، روى عن أبي الوليد الطيالسي، وأحمد بن حنبل، وغيرهما كثير. وعنه التّرمذيّ، والخلال، وغيرهما كثير. قال عنه الذهبي: (الإمام شيخ السنة مقدم الحفاظ). وقال أيضاً: (وكان على مذهب السلف في اتباع السنة والتسليم لها، وترك الخوض في مضائق الكلام). وقال عنه ابن حبان: (أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونسكاً، وورعاً، وإتقاناً، جمع وصنف، وذبّ عن السنن). توفي سنة 275 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 203)، والبداية والنهاية (11/ 58)، وطبقات الحنابلة (1/ 159).

وبوَّب عليه (¬1)، ولا أعلم له ناسخاً ولا مخصِّصاً ولا معارضاً، والله أعلم. وعمَّم بعض المالكية المسألةَ في سبِّ الله - عز وجل - وسبَّ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو تكذيبهما، أو ما يلزم منه استنقاصٌ ونحو ذلك، في أنَّه يُقتل حتماً، وأنا أعتقده، والله أعلم. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الحدود، باب الحكم فيمن سب النبي - صلى الله عليه وسلم - (4/ 529 - 530) رقم (4362) من حديث علي: "أن يهودية كانت تشتم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمها". ومن طريق أبي داود رواه البيهقي في السنن الكبرى (9/ 200). قال الألباني في إرواء الغليل (5/ 91) رقم (1251): (إسناد صحيح على شرح الشيخين).

فصل (9)

فصل (9) تقدَّم أنه يجب الإيمان بحديث النزول بلا كيفيَّةٍ، وما قيل فيه، ويجب تنزيه الربِّ سبحانه عن الانحدار بعد الصعود (¬1)، وهو حديثٌ ¬

_ (¬1) الانحدار من حَدَرَ، ومن معاني حدر الأصلية: الهبوط، تقول: حدرت الشيء؛ إذا أنزلتَه، والحُدور فعل الحادر، ذكر ذلك ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (2/ 32)، وذكر ابن الأثير أيضاً في النهاية في غريب الحديث (1/ 353) أن الهبوط من معاني الحدور، كما ذكر ذلك ابن منظور أيضاً في لسان العرب (4/ 172) وبين أن كل شيء تحدره من علو إلى سفل هو هبوط، والحُدور: الهبوط، وبفتح الحاء (حَدور) المكان ينحدر منه، والانحدار: الانهباط. وبين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الهبوط من صفات وأفعال الرب - سبحانه وتعالى -، حيث قال في شرح حديث النزول (ص 202): (وقد تأول قوم من المنتسبين إلى السنة والحديث: حديث النزول وما كان نحوه من النصوص التي فيها فعل الرب اللازم: كالإتيان والمجيء والهبوط، ونحو ذلك). كما بين أيضاً - رحمه الله - أن فعل الهبوط ورد في بعض روايات حديث النزول، حيث قال في شرح حديث النزول (ص 198): (وفي لفظ: "إذا بقي من الليل ثلثاه يهبط الرب إلى سماء الدنيا")، وهذه الرواية بهذا اللفظ لم أجدها فيما بحثت فيه، ولكن أخرج الدارقطني في النزول (ص 133) من طريق يونس بن إسحاق عن أبيه عن الأغر بن مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهما - ولفظه: "إن الله - عز وجل - يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل يهبط إلى هذه السماء ..... " وأخرجه قريباً من لفظه الصابوني في عقيدة السلف (ص 218 - 219)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 498) رقم (766) عن ابن عبّاس موقوفاً بلفظ: (إن الله يمهل في شهر رمضان كل ليلة إذا ذهب الثلث الأوّل هبط إلى سماء الدنيا ....)، وأورد ابن كثير في تفسيره (1/ 373) أثراً عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - في تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ =

ثابتٌ في الصحيحين (¬1) وقد رواه جماعةٌ من طرقٍ كثيراتٍ عن أبي هريرة، وعبادة بن الصامت (¬2)، ...................... ¬

_ = وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة: 210]، قال: (يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب). ورى ابن أبي يعلى بسنده في طبقات الحنابلة (1/ 284) عن الإمام الشّافعيّ قوله: (وأنه يهبط كل ليلة إلى سماء الدنيا يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). وشبيه بهذه العبارة التي أوردها المؤلف - رحمه الله - ما قاله ابن تيمية في شرح حديث النزول (ص 232) منزهاً الله تبارك وتعالى: (وليس نزوله كنزول أجسام بني آدم من السطح إلى الأرض بحيث يبقى السقف فوقهم، بل الله منزه عن ذلك). ومقصود المؤلف رحمه الله بهذه العبارة ظاهر من حيث تنزيه الله - سبحانه وتعالى -، ولكن كان من الأفضل والأليق الإعراض عنها؛ لأنه لم يرد بها نص لا نفياً ولا إثباتاً، والالتزام بما قرره من السكوت حيث سكت النص. أما لفظ الصعود فقد ورد في بعض روايات حديث النزول، كما عند الدارقطني في النزول (ص 133)، وقد سبق ذكره، وجاء في آخره: " ..... ثم يصعد إلى السماء"، وقال ابن تيمية في شرح حديث النزول (ص 234): (قد روي في عدة أحاديث: "ثم يعرج" وفي لفظ: "ثم يصعد"). (¬1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الدعوات، باب دعاء نصف الليل (11/ 128 - 129) رقم (6321)، وفي التوحيد، باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (13/ 464) رقم (7494)، ومسلم في صلاة المسافرين ..... ، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل (1/ 521) رقم (758) بلفظ: "يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم: "ينزل" بدل "يتنزل"، والباقي بلفظه. (¬2) أخرجه الآجري في الشريعة (ص 312)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 213) عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا؛ حتى يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له، ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له، ألا مُقتَّر عليه رزقه فيدعوني فأرزقه، ألا مظلوم يذكرني فأنصره، ألا عانٍ يدعوني فأفكّه، قال: فيكون كذلك إلى أن يطلع الصبح، وبعلو على كرسيه".

وجابر بن عبد الله (¬1)، وعلي بن أبي طالب (¬2)، وعبد الله بن مسعودٍ (¬3)، وفضالة بن عبيد عن أبي الدرداء (¬4)، وعبد الله بن عبّاسٍ (¬5) وأُمّ المؤمنين عائشة (¬6)، وأمِّ سلمة (¬7)، كلُّهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو حديثٌ [مشهورٌ] (¬8) صحيحٌ لا [مطعن] (¬9) فيه لا من حيث لفظُه، ولا معناه، بل يجب الإيمان به من غير تفكُّرٍ في معناه، بل حظ المؤمن منه أن يشتغل بطاعة الله تعالى في ذلك الوقت، ودعائه، وسؤاله، واستغفاره - سبحانه وتعالى -، لا معرفة كيفيَّة النزول. وفي بعض رواياته عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه قريباً - إن شاء الله -. (¬2) أخرج هذا الطريق الدارمي في سننه (1/ 348)، والدارقطني في كتاب النزول (ص 89 - 92)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 438)، وأشار إلى هذا الطريق الصابوني في عقيدة السلف (ص 207). (¬3) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص 286)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 388، 403)، والآجري في الشريعة (ص 312)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 443)، والدارقطني في كتاب النزول (ص 98 - 100)، وأشار إليه الصابوني في عقيدة السلف (ص 208). (¬4) أخرج هذا الطريق الدارمي في الرد على الجهمية (ص 285)، وابن خزيمة في التوحيد (ص 135)، والدارقطني في كتاب النزول (ص 151)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 442)، وأشار إليه الصابوني في عقيدة السلف (ص 209). (¬5) أخرجه موقوفاً ابن أبي عاصم في السنة (ص 224)، والدارمي في الرد على الجهمية (ص 287)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 449)، وأشار إليه الصابوني في عقيدة السلف (ص 210). (¬6) سيأتي - إن شاء الله - تخريجه قريباً. (¬7) سيأتي - إن شاء الله - تخريجه قريباً. (¬8) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬9) في (ص): (ينطعن) وما أثبته (ظ) و (ن).

تعالى ينزل إلى (¬1) السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير، فينادي: هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ فلا يبقى شيءٌ فيه الروح إلا علم به إلا الثقلين الجن والإنس، قال: فلذلك تصيح الديوك، وتنهق الحمير، وتنبح الكلاب" (¬2). وروى الحسن بن سفيان (¬3) في مسنده (¬4) بإسناد صحيح، بروايةٍ عن (¬5) جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن عشيّة عرفة ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ويقول: انظروا إلى عبادي شعثاً (¬6) غبراً (¬7) .......... ¬

_ (¬1) (إلى) ليست في (ن). (¬2) حديث أبي هريرة في نزول الرب - سبحانه وتعالى - إلى السماء الدنيا ..... في الصحيحين بنحوه، وتقدم تخريجه قريباً (ص 239) حاشية رقم (1). وأما آخر الحديث: "فلا يبقى شيء فيه الروح .... " فذكره الصابوني ذكره في عقيدة السلف (ص 211 - 212)، ولم أقف عليه في حديث أبي هريرة بهذا السياق. (¬3) هو الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء، أبو العباس الشيباني الخراساني النسوي، الإمام الحافظ صاحب المسند، ولد سنة بضع وثمانين ومئتين. ارتحل إلى الآفاق، وروى عن أحمد بن حنبل، وإبراهيم بن يوسف. وحدث عنه ابن خزيمة وأبو حاتم بن حبان. قال الحاكم: كان محدث خراسان في عصره، مقدماً في التثبت، والكثرة، والفهم، والفقه، والأدب. توفي في شهر رمضان سنة 303 هـ. انظر: الجرح والتعديل (3/ 16)، وطبقات الشافعية للسبكي (3/ 263)، وسير أعلام النبلاء (14/ 157). (¬4) في (ن): (مسند). (¬5) في (ظ) و (ن): (من). (¬6) شعثاً: الشعث (محركة) هو انتشار الأمر أو الشيء، يقولون: لم الله شعثكم، وجمع شعثكم، أي: ما تفرق من أمركم، والأشعث: هو المغبر الرأس. انظر: القاموس المحيط (1/ 168). (¬7) غبراً: هو لون من الألوان، والغبر (محركة) التراب، والغبار كالغبرة بالضم، واغبر =

ضاحين (¬1)، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، أشهدكم أنِّي قد غفرت لهم" (¬2) (¬3). ¬

_ = اليوم اغبراراً: اشتد غباره، وغبّره تغبيراً لطَّخه به، والغبرة بالضم لونه. انظر: القاموس المحيط (2/ 99). (¬1) ضاحين: جمع ضحى، يقال: ضحيت للشمس، أي: برزت لها دون حائل، واعتزلت الظل، ويقال للمحرم: أضح لمن أحرمت له، أي: اظهر واعتزل الظلَّ. انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 77). (¬2) لعلّ المؤلف نقله من عقيدة السلف (ص 214)، وقد ذكر محقق الكتاب الدكتور ناصر الجديع بأن آخر الحديث غير واضح، وأكمله من صحيح ابن حبّان، وأقول: لعلّ عبارة: (أشهدكم أني قد غفرت لهم)، هي العبارة التي لم تتضح في عقيدة السلف (ص 214) حاشية (6). (¬3) لم أقف على مسند الحسن بن سفيان، حيث إنّه مفقود، وقد جمع الحافظ ابن حجر في المطالب العالية زوائده - أو بعضها - على كتب السنة. لكن أخرجه ابن حبّان في صحيحه (9/ 164) رقم (3853) عن الحسن بن سفيان، عن محمّد بن عمر بن جبلة، عن محمّد بن مروان، عن هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر مطولًا نحوه. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (4/ 263) رقم (2840) من طريق مرزوق، عن أبي الزبير به بلفظ مقارب، وفيه زيادة. قال ابن خزيمة: (أنا أبرأ من عهدة مرزوق). ورواه أيضاً من حديث جابر بنحوه البزار كما في كشف الأستار (2/ 28) رقم (1128)، وأبو يعلى في مسنده (4/ 69) رقم (2090) وعندهم في آخره: "ولم يروا رحمتي ولا عذابي، فلم أر يوماً أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة" بدل: "أشهدكم أني غفرت لهم". قال ابن منده في التوحيد كما في هامش صحيح ابن حبان - بقلم شعيب الأرناؤوط - (9/ 165): (هذا إسناد متصل حسن، من رسم النسائي). ولم أقف على كلام ابن منده في المطبوع من كتاب التوحيد. والحديث ذكره الهيثمي في المجمع (3/ 253) وقال: (رواه أبو يعلى وفيه محمّد بن مروان العقيلي، وثقه ابن معين وابن حبّان، وفيه بعض كلام، وبقية رجاله رجال =

وروى الحاكم أبو عبد الله من رواية أمِّ سلمة - رضي الله عنها - يظنُّ محمّد بن المنكدر (¬1) الراوي عنها رفعه، [قالت] (¬2): (نعم اليوم، يومٌ ينزل الله فيه إلى السماء الدنيا، قالوا: وأيُّ يومٍ ذاك (¬3)؟ قالت: يوم عرفة) (¬4). ¬

_ = الصحيح). والحديث ضعفه الألباني كما في الضعيفة (2/ 125) رقم (679) وقوى إسناده شعيب الأرناؤوط كما في هامش الإحسان (9/ 164). وهو الراجح عندي إن شاء الله لتصحيح ابن منده له، ويشهد له أيضاً حديث عائشة - رضي الله عنها - عند مسلم (2/ 982) رقم (1348)، والنسائي (5/ 251 - 252)، وابن ماجه (2/ 1002) رقم (3014) بلفظ: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء ... " الحديث. (¬1) هو محمّد بن المنكدر بن عبد الله الهدير بن عبد العزى، أبو عبد الله التيمي. روى عن أبي هريرة، وعائشة، وأبي أَيّوب، وغيرهم. وروى عنه ابناه يوسف والمنكدر، وعمرو بن دينار، والزهري. كان ثقة، ورعاً عابداً، قليل الحديث. قال ابن عيينة: كان من معادن الصدق، ويجتمع إليه الصالحون، ولم ندرك أحداً أجدر أن يقبل النَّاس منه إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُبِل منه. وقال الذهبي: مجمع على ثقته وتقدمه في العلم والعمل. انظر: تذكرة الحفاظ (1/ 127)، وسير أعلام النبلاء (5/ 353)، وتهذيب التهذيب (7/ 444). (¬2) في (ص) و (ظ): (قال)، وفي (ن) ما أثبته. (¬3) في (ظ) و (ن): (ذلك). (¬4) لم أقف عليه عند الحاكم، والمصنف نقل الخبر بواسطة أبي عثمان الصابونى عن الحاكم كما في عقيدة السلف (ص 223). والخبر أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص 85) رقم (137) من طريق عاصم بن أبي النجود قال: قالت أم سلمة .... فذكره. وأخرجه أيضاً الدارقطني في كتاب النزول (ص 174) رقم (95)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 450) رقم (768) كلاهما من طريق الأعمش، عن أبي صالح قال: قالت أم سلمة .... فذكره. ورجال إسناده ثقات. =

وفي روايةٍ عن عائشة - رضى الله عنها - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل الله تعالى في النّصف من شعبان إلى السماء الدنيا ليلًا إلى آخر النهار من الغد، فيعتق من النار بعدد شعر معز كلبٍ (¬1)، ويكتب الحاجَّ، وينزِّل (¬2) أرزاق السنة، ولا يترك أحداً إلا غفر له، إلا مشركاً، أو قاطع رحمٍ، أو عاقاً، أو مشاحناً" (¬3) (¬4). ¬

_ = وعلق الخبر ابن بطة في الإبانة (قسم الرد على الجهمية) (3/ 236) رقم (178). والخبر صحيح بمجموع طرقه، وقد رواه جماعة من الصّحابة. (¬1) عدد شعر معز كلب: أي قبيلة بني كلب، وخصهم لأنهم كانوا أكثر غنماً من سائر العرب، وعليه قيل بأن المراد بغفران أكثر عدد من الذنوب المغفورة لأعداد أصحابها. انظر: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري (3/ 441). (¬2) في (ظ) و (ن): (وتنزل). (¬3) المشاحن: المعادي، والشحناء: العداوة، والتشاحن تفاعلٌ من الشحناء، وهي العداوة، وقيل: المشاحنة: ما دون القتال من السب والتعاير. وقال الأوزاعي - تعليقاً على هذا الحديث كما نقله ابن الأثير -: (أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة). انظر النهاية في غريب الحديث (2/ 449)، ولسان العرب (13/ 234 - 235). (¬4) أخرجه الترمذي في الصوم، باب ما جاء في ليلة النّصف من شعبان (3/ 116) رقم (739)، وابن ماجة في إقامة الصّلاة والسنة فيها (1/ 444) رقم (1389)، وأحمد في المسند (6/ 238) والدارقطني في النزول (ص 89 - 91)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 448) من حديث عائشة مرفوعاً بلفظ: "إن الله - عز وجل - ينزل ليلة النّصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب". قال الترمذي: (حديث عائشة لا نعرفه إِلَّا من هذا الوجه من حديث الحجاج، وسمعت محمداً - يعني البخاري - يضعف هذا الحديث). وهذا الحديث قد روي عن جمع من الصّحابة من طرق مختلفة، فقد روي عن أبي بكر وأبي ثعلبة وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهم -، كما =

قلت: حديث ليلة نصف شعبان ضعيفٌ باتفاق الحفاظ (¬1) (¬2)، والله أعلم. قال الإمام أبو عثمان - رحمه الله -: ([فلما] (¬3) صحَّ الخبر في النزول (¬4) عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ به أهل السنة، وأثبتوه (¬5)، ولم يعتقدوا تشبيهاً له بنزول الخلق (¬6)، ولم يبحثوا عن كيفيته؛ إذ لا سبيل إليها بحال) (¬7). وقال الحافظ أبو بكر الإسماعيليُّ - رحمه الله -: (النزول صحَّ الخبر به عن رسول الله (¬8) - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ ¬

_ = في السلسلة الصحيحة (3/ 135) رقم (1144)، وذكر الألباني قبل الحكم عليه طرقاً كثيرة، منها: حديث معاذ: "يطّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن"، وحديث أبي هريرة: "إذا كان ليلة النّصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن"، وحديث عائشة الذي مرّ بنا قريباً في هذه الإحالة، ولذا قال الألباني في الصحيحة (3/ 138) بعد ما ساق هذه الطرق بهذه الألفاظ: (وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب)، فحكمه بالصحة كان على هذه الأحاديث التي ذكرها بمجموع طرقها وألفاظها. (¬1) في (ظ): (الحافظ). (¬2) قول المؤلف - رحمه الله - بأن حديث ليلة النّصف من شعبان ضعيف باتفاق الحفاظ، فيه نظر، فالحديث محل خلاف بين العلماء. (¬3) في (ص): (لما)، وفي (ظ) و (ن) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬4) في عقيدة السلف: (فلما صح خبر النزول). (¬5) في عقيدة السلف: (أقر به أهل السنة، وقبلوا الخبر، وأثبتوا النزول، على ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعقدوا ...). (¬6) في عقيدة السلف: (خلقه). (¬7) نقله المؤلف بالنص من عقيدة السلف (ص 232). (¬8) في عقيدة السلف: (إن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا، على ما صح به الخبر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله).

اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210]، وقال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]، فتؤمن (¬1) بذلك كلِّه، على ما جاء بلا كيفٍ، فلو شاء سبحانه أن يبين لنا كيفية ذلك فعل، فانتهينا إلى ما أحكمه، وكففنا عن الذي يتشابه؛ إذ كنا قد أُمرنا به، قال (¬2) الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] (¬3). قال الشّيخ أبو عثمان - رحمه الله -: (فأصحاب الحديث يؤمنون بالمحكم (¬4) والمتشابه (¬5)، ............................ ¬

_ (¬1) في عقيدة السلف: (ونؤمن). (¬2) في عقيدة السلف: (في قوله - عز وجل -). (¬3) نقله المؤلف بالنص من عقيدة السلف (ص 192)، أما قول الحافظ أبي بكر الإسماعيلي فلم أجده في رسالته (اعتقاد أهل السنة). (¬4) المحكم في اللغة: مأخوذ من الإحكام، وهو: إتقان الشي وإحسانه. وفي الاصطلاح: البين الواضح المعنى الظاهر الدلالة، إمّا باعتبار نفسه، أو باعتبار غيره، ومثاله قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 110]، وكذلك آيات الصفات وأحاديثها، فهي من المحكم الواضح البين المعنى. انظر: لسان العرب (12/ 140 - 144) ومجموع الفتاوى (3/ 60 - 62)، (13/ 172)، ومنهج الاستدلال لعثمان علي حسن (2/ 472 - 477)، والتعريفات الاعتقادية لسعد العبد اللطيف (ص 290). (¬5) المتشابه في اللغة: الشبه والشبيه: المثيل والنظير، ومنه قوله تعالى: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} [الأنعام: 141]، والمشتبهات من الأمور: المشكلات، واشتبه الأمر: اختلط. وفي الاصطلاح: هو ما احتمل عدة أوجه، وقيل كل ما غمض ودق معناه، ويحتاج إلى تفكر وتأمل، واحتمل معاني كثيرة، وقيل: ما كان غير معقول المعنى، وقيل: ما =

وينتهون في المتشابه إلى الإيمان به والعلم بأنه من عند الله، لا ينازعون فيه ولا يمارون) (¬1). ¬

_ = استأثر الله بعلمه. انظر: لسان العرب (13/ 503 - 505)، ومجموع الفتاوى (3/ 60 - 62)، ومنهج الاستدلال لعثمان علي حسن (2/ 473 - 477)، والتعريفات الاعتقادية لسعد العبد اللطيف (ص 290 - 291). (¬1) قول الإمام أبي عثمان الصابوني: لم أجده في عقيدة السلف المطبوعة، وأرجح أن يكون هذا القول في نسخة عقيدة السلف التي كانت بحوزة المؤلف - ابن العطار - بدليل أنه أتى به كتعليق من الصابوني على قول الإمام أبي بكر الإسماعيلي الآنف الذكر؛ الذي ساقه الصابوني في كتابه عقيدة السلف (ص 192)، خاصة وأن ابن العطار يكثر في كتابه هذا النقل من كتاب الصابوني، والله أعلم.

قاعدة العلم علمان: علم في الخلق موجودٌ، وعلمٌ فيهم مفقودٌ، فعلم القدر [وسرُّه] (¬1) في خلقه مفقودٌ طواه الله تعالى عن الخلق، لم يطّلع عليه ملَكٌ مقربٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، [الأنبياء: 23]، فمن سأل لم فعل؟ فقد ردَّ حكم الكتاب، واستحق العقاب، ومن ادعى العلم المفقود فقد كفر، ومن أنكر العلم الموجود فقد كفر، لا يصحُّ الإيمان إِلَّا بقبول العلم الموجود، وترك طلب العلم المفقود (¬2). فإذا كان هذا فيما يتعلّق بالقدر والصفات، فالحذر كلَّ الحذر ممّن يطلب معرفة علم الذات أو يتعرض [لذلك] (¬3)!، فنعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات (¬4) أعمالنا، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل. ¬

_ (¬1) في (ص): (وسيره)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) من قوله: (العلم علمان: .....) وإلى: (.... وترك طلب العلم المفقود) استفاده المؤلف من متن العقيدة الطحاوية (ص 12). (¬3) في (ص): (للملك)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬4) في (ظ) و (ن): (وسيئات) دون (من).

فصل (10)

فصل (10) يجب الإيمانُ بجميع رسل الله وأنبيائه. وأن جميع ما جاؤوا به حقٌّ وصدقٌ، قال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [البقرة: 136] (¬1) الآية، والآية التي في آل عمران: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [آل عمران: 84] (¬2). قال العلماء: لا يكون الرجل مؤمناً حتى يؤمن بجميع الأنبياء السابقين وجميع الكتب؛ التي أنزلها الله - عز وجل - على جميع الرسل (¬3) (¬4). قال الواحديُّ (¬5): (فيجب على الإنسان أن يعلِّمَ صبيانه ونساءه ¬

_ (¬1) (وإسحاق ويعقوب) ليست في (ظ)، و (ويعقوب) ليست في (ن). (¬2) من بداية هذا الفصل وإلى قوله تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} نقله المؤلف بتصرف من الوسيط للواحدي (1/ 219) ونسب الواحدي هذا القول للضحاك. (¬3) كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 84]، وقوله - عز وجل -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 136]. (¬4) هذا القول نقله المؤلف بتصرف من الوسيط للواحدي (1/ 221)، وهو منسوب لقتادة كما في تفسير الطبري (3/ 111). (¬5) هو علي بن أحمد بن محمّد بن علي الواحدي النيسابوري، أبو الحسن الشافعي، صاحب التفسير، وإمام علماء التأويل، وأصله من ساوة، لزم الأستاذ أبا إسحاق الثعلبي. صنف التفاسير الثلاثة: البسيط، والوسيط، والوجيز. ومن كتبه: التحبير =

أسماء الأنبياء، ويأمرهم بالإيمان بجميعهم؛ إذ لا يبعد أن يظنوا أنَّهم كُلِّفوا بالإيمان (¬1) بمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فقط، فيلقَّنوا قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] (¬2). قال الحسن البصريُّ (¬3) - رحمه الله -: (علّموا أولادكم وأهاليكم وخدمكم أسماء الأنبياء؛ الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه حتى يؤمنوا بهم، ويصدِّقوا بهم، وبما جاؤوا به) (¬4). قال الإمام أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطحاويُّ (¬5) - رحمه الله -: ¬

_ = في الأسماء الحسنى، وشرح ديوان المتنبي. وكان طويل الباع في العربية واللغات. مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة 468 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 339)، وطبقات المفسرين للسيوطي (ص 23)، وشذرات الذهب (3/ 330). (¬1) في (ظ) و (ن) والوسيط: (كلفوا الإيمان ...). (¬2) نقله المؤلف بالنص من الوسيط للواحدي (1/ 221). (¬3) هو الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت، وكان مولده لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وكان سيد زمانه علماً وعملاً وزهداً. روى عن عمران بن حصين، والمغيرة، وسمرة بن جندب، وغيرهم. وعنه حميد الطويل، وثابت البناني، ومالك بن دينار، وغيرهم، وكان يرسل كثيراً ويدلس. قال حميد الطَّويل: رأينا الفقهاء فما رأينا أحداً أكمل مروءة من الحسن. وقال سلمان التيمي: الحسن شيخ أهل البصرة. مات سنة 110 هـ، وله ثمان وثمانون سنة. انظر: طبقات ابن سعد (7/ 156)، وسير أعلام النبلاء (4/ 563)، وتهذيب التهذيب (2/ 246). (¬4) ذكره الواحدي في الوسيط (1/ 221)، وذكره السيوطيّ في الدر المنثور عن الضحاك (1/ 140). (¬5) هو أحمد بن محمّد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك، أبو جعفر الأزدي المصري الطحاوي الحنفي، من أهل قرية طحا من أعمال مصر، صاحب التصانيف، مولده سنة 239 هـ. سمع من عبد الغني بن رفاعة، ويونس بن عبد الأعلى. وحدث عنه يوسف بن القاسم، وأبو القاسم الطبراني. برز في علم الحديث، وفي الفقه. =

(وكلُّ ما جاء من (¬1) الحديث الصّحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فهو] (¬2) كما قال، ومعناه [على ما] (¬3) أراد، لا ندخل في ذلك متأوِّلين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، فإنَّه ما سلم في دينه إلا من سلَّم لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وردَّ (¬4) ما اشتبه إلى عالمه، ولا يثبت (¬5) قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام (¬6)، (¬7) ما حُظر عن علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوساً تائهاً شاكّاً زائغاً، لا مؤمناً مصدِّقاً، ولا جاحداً مكذَّباً) (¬8). وهذا كلامٌ نفيسٌ يجب التمسكُّ به لوضوحه، وما فيه من النور المبين، والرجوع من الشك إلى اليقين، والله أعلم. قال الإمام أبو بكر ابن العربيَّ (¬9) - رحمه الله -: ................ ¬

_ = وقال أبو سعيد بن يونس: كان ثقة ثبتاً، فقيهاً، عاقلًا، لم يخلف مثله. ومن مصنفاته: شرح معاني الآثار وشرح مشكل الآثار. قال الذهبي: من نظر في تواليف هذا الإمام، علم محله من العلم، وسعة معارفه. توفي سنة 321 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ (3/ 808)، وسير أعلام النبلاء (15/ 27)، والبداية والنهاية (11/ 174). (¬1) في متن العقيدة الطحاوية: (وكل ما جاء في ذلك من ...). (¬2) في (ظ) و (ن) ومتن العقيدة الطحاوية وليست في (ص). (¬3) في (ص) (كما)، وفي (ظ) و (ن) ومتن العقيدة الطحاوية ما أثبته. (¬4) في متن العقيدة الطحاوية: (ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه). (¬5) في متن العقيدة الطحاوية: (تثبت). (¬6) في متن العقيدة الطحاوية: (فمن رام علم ما حظر عنه علمه). (¬7) رام: طلب، والروم الطلب كالمرام، وهو: المطلب، تقول: رمت الشيء أرومه روماً ومراماً، أي: طلبته وأردته. انظر: القاموس المحيط (4/ 123). (¬8) نقله المؤلف بالنص من متن العقيدة الطحاوية (ص 10). (¬9) هو محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن أحمد المعافري، أبو بكر ابن العربي، =

(نبغت (¬1) طائفةٌ (¬2) تستَّرت بالإسلام وهي تبطن عقائد الأوائل، فقالت: لا نفتقر في معرفة الله تعالى ولا في وجوب ذلك على [كلِّ] (¬3) أحدٍ إلى شرع. وقالت مؤكدةً لذلك: إن القول: بأن معرفة الله تعالى تقفُ على الشرع يبطل (¬4) الشرع، وذلك أن نبيًّا لو عرض دعواه، وأظهر آيته، ودعا الخلق إلى النظر في قوله والإيمان به، وكان لا واجب إلا ¬

_ = الإمام العلّامة، الحافظ القاضي، ولد في سنة 468 هـ. سمع من خالد الحسن بن عمر، ومن طراد بن محمّد الريني. وحدث عنه عبد الرّحمن بن صابر، وأحمد بن سلامة الأبار. قال الذهبي: صنف وجمع، وفي فنون العلم برع، وكان فصيحاً بليغاً خطيباً، ثاقب الذهن، عذب المنطق، كريم الشمائل، ولي قضاء إشبيلية فحمدت سياسته. له مصنفات كثيرة، منها: عارضة الأحوذي، وأحكام القرآن، والعواصم من القواصم وغيرها. توفي في سنة 543 هـ بمدينة فاس. انظر: تذكرة الحفاظ (4/ 1294)، وسير أعلام النبلاء (20/ 197)، والبداية والنهاية (12/ 228). (¬1) نبغ: بمعنى خرج، تقول العرب: نبغ الدقيق من خَصاص المنخل ينبُغ إذا خرج. ونبغ الشيء: ظهر، ونبغ فيهم النفاق إذا ظهر بعدما كانوا يخفونه، ونبغت لنا منك أمور، أي: ظهرت، وفشت. انظر: لسان العرب (8/ 452 - 453)، وتاج العروس (12/ 63). (¬2) المقصود بهذه الطائفة هم الفلاسفة الإسلاميون؛ الذين تستروا بعقائد الفلاسفة القدماء السوفسطائيين، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية عقائد هؤلاء السوفسطائيين في مجموع الفتاوى (19/ 135). وقد ذكر ابن العربي في كتابه قانون التأويل (ص 648) ما يؤيد ذلك بعد ما ذكر أن العقول لا تستقل بإدراك العلم الشرعي، كما أنه لا يصح أن يأتي في الشرع ما يضاد العقل، حيث قال: (أما إنه نبعت طائفة أرادوا أن يلفقوا بين موارد الشرع وأغراض الفلاسفة، وادعوا أنها متلائمة). (¬3) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬4) في (ظ) و (ن): (تبطل).

بالشرع، لقالوا له: لا يجب علينا في معجزتك نظرٌ؛ لأنه لا واجب (¬1) إلا بالشرع متقررٌ، ولم يتقرر بعد شرعك، ولا ظهر صدقك، فآل إيجاب الوقوف على الشرع إلى نفي الشرع، وهذا أعظم شبهةٍ لهم. قال علماؤُنا (¬2) قولا بديعاً: إذا ظهرت المعجزة فقد صحَّ الشرع، واستقرَّ الوجوب، ووجب على الخلق النظر والإيمان (¬3)، وليس من شرط الوجوب على المكلف فيما أوجبناه عليه في (¬4) ذلك: علمه ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (لأنه واجب). (¬2) يقصد بذلك الأشاعرة. (¬3) حصر الأشاعرة صحة الشرع وصدق النّبيّ عن طريق المعجزة، فإذا ظهرت المعجزة علم بذلك صدق الرسول وصحة الشرع الذي جاء به. وقد بين أبو المعالي الجويني في كتابه الإرشاد (ص 278) أنه لا دليل على صدق النّبيّ غير المعجزة، وحجتهم في ذلك الإجماع. ومن المعلوم أن الحق خلاف ما ذكروه، فجمهور أهل السنة يقولون: إن دلائل ثبوت نبوة النّبيّ وصحة شرعه كثيرة، ومن ضمنها المعجزة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في النبوات (1/ 238) موضحاً أن استدلالهم بالإجماع لا يصح من وجهين: (أحدهما: أنه لا إجماع في ذلك، بل كثير من الطوائف يقولون: إن صدقهم بغير المعجزات. الثّاني: إنّه لا يصح الاحتجاج بالإجماع في ذلك؛ فإن الإجماع إنّما يثبت بعد ثبوت النبوة، والمقدمات التي يُعلم بها النبوة لا يحتج عليها بالإجماع، وقولكم: لا دليل سوى المعجزة: مقدمة ممنوعة). وردُّ ابن العربي على الفلاسفة فيه ضعف من وجهين: 1 - أن هذا الرد ليس حاسماً في القضية، ولا يسلم به الفلاسفة. 2 - إن تقرر صحة الشرع بالمعجزة عند أول مجيئها سيكون تصديقاً بأول الشرع دون بقيته. وعليه فإن تقرر الشرع سبق ظهور المعجزة، والمعجزة ليست الدّليل الوحيد، بل هي من الدلائل الكثيرة، ثم إن تقرر شرع الله إنّما هو بخطاب الله لعباده، وإرساله لرسله. (¬4) في (ظ) و (ن): (من).

بوجوبه (¬1)، وإنّما الشرط تمكُّنه من ذلك، وكونه بصفةِ من يصحُّ ذلك منه (¬2) على معنى نفي الآفات المضادة للقدرة والعلم عنه، ولهذا قال علماؤنا: لا يصحُّ قصدُ التقرُّبِ إلى الله بهذا الواجب الأوّل؛ لأن من شرطه معرفة المتَقرَّبِ إليه ولمّا يحصل بعدُ) (¬3)، هذا آخر كلامه، وهو نفيسٌ (¬4). ¬

_ (¬1) أي علمه بوجوب ما كلف به. (¬2) في (ظ) و (ن): (منه ذلكَ). (¬3) قول ابن العربي هذا لم أقف عليه فيما بحثت فيه، ولكن وجدت كلاماً له قريباً من قوله هذا في كتابه قانون التأويل (ص 646 - 648). وقد ذكر محمّد السليماني محقق كتاب قانون التّأويل (ص 115) أن لابن العربي كتاباً مخطوطاً بعنوان (المتوسط في الاعتقاد)، وهذه المخطوطة موجودة في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم: (2963 ك)، ومن ضمن أبواب الكتاب الخمسة: الباب الرّابع: ذكر السمعيات التي لا سبيل إلى معرفتها إلا بالشرع. ومن المتوقع أن يكون كلام ابن العربي موجوداً في هذا الباب، ولم أتمكن من الحصول على المخطوطة. (¬4) الكلام الذي نقله المؤلف عن الإمام أبي بكر ابن العربي رحمهما الله يوهم بنفي التحسين والتقبيح العقليين، ويدل على تقديم دلالة العقل على دلالة النقل، وقد مر سابقاً الحديث عن ذلك، وبيان أقوال النَّاس في (ص 144) حاشية رقم (3)، وقد بينت أن القول: بأن العقل لا يدل على حسن شيء، ولا على قبحه قبل ورود الشرع، وإنّما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع، وموجب السمع - هو قول الأشاعرة ومن وافقهم، وزيادة في التوضيح، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يبين مذهب أهل الحق في هذه المسألةُ بياناً واضحاً - وأنهم وسط بين المعتزلة القائلين: بأن الحسن والقبح صفتان ذاتيتان، والحاكم بالحسن والقبح هو العقل، وبين الأشاعرة النفاة القائلين بأنهما شرعيان لا عقليان - فيقول موضحاً أن الفعل ثلاثة أنواع: (أحدها: أن يكون الفعل مشتملًا على مصلحة أو مفسدة، ولو لم يردّ الشرع بذلك، كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم، والظلم يشمل على فساده، فهذا النوع هو حسن أو قبيح، وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك لا أنه ثبت للفعل صفة لم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تكن، لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقباً في الآخرة إذا لم يردّ شرع بذلك، وهذا ما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح، فإنهم قالوا: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة، ولو لم يبعث الله لهم رسولًا، وهذا خلاف النص قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]. النوع الثّاني: أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسناً، واذا نَهَى عن شيء صار قبيحاً، واكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع. النوع الثّالث: أن يأمر الشارع بشيء ليمتحن العبد، هل يطيعه أم يعصيه، ولا يكون المراد فعل المأمور به، كما أمر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - بذبح ابنه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103]، حصل المقصود، ففداه بالذبح .... فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به. وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة، وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف لذلك بدون أمر الشارع، والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان، وأن الأفعال ليست صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع، وأما الحكماء والجمهور فأثبتوا الأقسام الثّلاثة، وهو الصواب)، انظر: مجموع الفتاوى (8/ 434 - 436).

فصل (11)

فصل (11) (من اعترفَ بالوحدانية (¬1) والإلهية، وجحد (¬2) النبوةَ من أصلها عموماً، أو نبوة نبيِّنا خصوصاً، أو [أحدٍ] (¬3) من الأنبياء الذين نُصَّ (¬4) عليهم بعد علمه بذلك، فهو كافرٌ بلا ريب، كالبراهمة (¬5)، ومعظم اليهود (¬6)، والأروسيّة (¬7) ........................ ¬

_ (¬1) في الشفا: (بالإلهية والوحدانية). (¬2) في الشفا: (ولكنه جحد ...). (¬3) في (ص): (واحد)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬4) في الشفا: (نصَّ الله). (¬5) البراهمة: هم أمة من أمم الهند، ينسبون إلى رجل يقال له (براهما)، وهو ملك من ملوكهم القدماء، قالوا: بنفي النبوات، وقرروا استحالة ذلك في العقول، وهم أصناف وفرق منهم: أصحاب البددة، وأصحاب الفكرة، وأصحاب التناسخ. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 137)، والملل والنحل (2/ 252). (¬6) اليهود، من هاد الرَّجل: أي تاب ورجع، ويقال إن هذا الاسم لزمهم لقول موسى - عليه السلام - {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156]، وهم أمة موسى - عليه السلام -، وكتابهم التوراة والذي حرف فيما بعد. أما أشهر وأقدم فرقهم فهي: الصدوقيون، والفريسيون، والربانيون، والقرائيون، وهناك أيضاً: السامرّة، والضانيّة. انظر: الملل والنحل (1/ 210 - 211)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 287 - 291). (¬7) الأروسية: هم أصحاب (أريوس) وكان قسيساً بالإسكندرية، ومن قوله: التوحيد المجرد، وأن عيسى - عليه السلام - عبد مخلوق، وأنه كلمة الله تعالى التي بها خلق السموات والأرض، وكان في زمن قسطنطين الأوّل، باني القسطنطينية، وأول من تنصر من ملوك الروم، وكان على مذهب (أريوس) هذا، وهم من فرق الموحدين. انظر: =

من النصارى (¬1)، والغُرابية (¬2) من الروافضِ (¬3) الزاعمين: أن عليًّا كان ¬

_ = الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 109). وقال الخفاجي شارح الشفا للقاضي عياض في كتابه المسمى (نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض) (4/ 538) - عن (أريوس): قيل: إنّه زعم أن لله روحاً أكبر من سائر الأرواح، وقال: إن المسيح جوهر لطيف روحاني خالص، غير مركب ولا ممزوج بالطبائع. (¬1) النصارى: قيل سموا بذلك: أ - نسبة إلى قرية تسمى: ناصرة، كان ينزلها عيسى - عليه السلام - فنسبوا إليها، ب - وقيل: سمو بذلك لقوله تعالى: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ} [الصف: 14]. وهم أمة المسيح ابن مريم - عليه السلام - رسول الله وكلمته، المبعوث بعد موسى - عليه السلام -، وأنزل الله عليه الإنجيل، ولكنه حُرِّف وبدل منه فيما بعد، وهم من أهل الكتاب، وجماهيرهم لا يقرون بالتوحيد المجرد، بل يقولون بالتثليث، أما أشهر وأقدم فرقهم، فهي: اليعقوبية، والنسطورية، والملكانية. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 109)، والملل والنحل (؟ / 209 - 222). (¬2) الغرابية: هم فرقة من الرافضة، سموا بذلك لادعائهم أن الله - عز وجل - أرسل جبريل - عليه السلام - إلى علي - رضي الله عنه - فغلط في طريقه، فذهب إلى محمّد؛ لأنه كان يشبهه، وادعوا أنه كان أشبه به من الغراب بالغراب، والذباب بالذباب. وزعموا أن علياً - رضي الله عنه - كان الرسول وأولاده بعده هم الرسل، ويلعن أتباع هذه الفرقة جبريل - عليه السلام -، ومحمداً - صلى الله عليه وسلم -. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 42)، والفرق بين الفرق (ص 250). (¬3) الروافض: جمع رافضة، وهم: من غلاة الشيعة الذين غلوا في علي وآل البيت، حتى دعوهم من دون الله، وكفّروا سائر الصّحابة إلا قليلًا منهم، وسموا بذلك؛ لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر، وقيل: هم الذين كانوا مع زيد بن علي بن الحسين ثم تركوه؛ لأنهم طلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين، فقال: لقد كانا وزيري جدي فلا أتبرأ منهما، فرفضوه، وتفرقوا عنه. ويقال لهم: الإمامية؛ لأنهم يقولون إن إمامة علي - رضي الله عنه - بالنص من رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، وكانوا قبل ذلك يسمون بالخشبية. =

المبعوثَ إليه جبريلُ - صلى الله عليه وسلم -، وكالمعطلةِ (¬1)، والقرامطةِ (¬2)، والإسماعيلية (¬3)، والعنبرية (¬4) من الرافضة، وإن كان بعضُ هؤلاء قد ¬

_ = انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 16، 64) والفرق بين الفرق (ص 21)، والملل والنحل (1/ 147، 190). (¬1) المعطلة: المقصود بهم هنا كما قال الخفاجي في نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض (4/ 538): هم الذين جحدوا الألوهية والرسالة والأحكام. وقال الملا علي قاري في شرح الشفا للقاضي عياض (2/ 5158): (وكالمعطلة) أي: للوجود بنفي صانعه كالدهرية، أو النافية لحقيقة الأشياء، القائلة بأن الأشياء كلها خيالات وتمويهات كالمنامات، وهم السوفسطائية. (¬2) القرامطة من الفرق الباطنية، وهم ينسبون إلى حمدان بن الأشعث؛ الذي كان يلقب بـ (قرمط)، وكانوا سبباً في كثير من الفتن والقلاقل والحروب على أهل الإسلام، ويزعمون أن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - نصَّ على إمامة علي - رضي الله عنه - وتعاقب هذا التنصيص حتى وصل إلى محمّد بن إسماعيل، وزعموا أنه حي إلى اليوم لم يمت، ولا يموت حتى يملك الأرض، وأنه هو المهدي المنتظر، ويقول عنهم شيخ الاسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/ 258): وهم ملاحدة في الباطن، خارجون عن جميع الملل، أكفر من الغالية، ومذهبهم مركب من المجوس، والصابئة، والفلاسفة، مع إظهار التشيع، وجدهم رجل يهودي كان ربيباً لرجل مجوسي، وكان لهم دولة وأتباع. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 26)، والفرْق بين الفِرَق (ص 282). (¬3) الإسماعيلية: هم القائلون بإمامة إسماعيل بن جعفر بعد أبيه الصادق، ومن بعده ابنه محمّد، وهو الإمام السابع عندهم؛ ولذا سميت بالسبعية تمييزاً لها عن الاثني عشرية، وهم من غلاة الشيعة، ومن أشهر ألقابهم (الباطنية)، ولزمهم هذا اللقب لقولهم: بأن لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل تأويلًا، ومذهبهم يدور على تأويل النصوص، وتفسيرها تفسيراً باطنياً بعيداً عن مقاصد الشرع. انظر: الملل والنحل (1/ 191)، والفرق بين الفرق (ص 62). (¬4) العنبرية: هم المنسوبون إلى عبيد الله - وقيل عبد الله - بن الحسن العنبري نسبة لقبيلة بني العنبر، ولد سنة 105 هـ، قاضي البصرة؛ الذي جوز التقليد في العقليات والعقائد، كما ذكر ذلك الملا علي قاري في شرح الشفا للقاضي عياض (2/ 516)، والخفاجي في نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض (4/ 538). =

أشركوا في كفرٍ آخرَ مع من قبلهم. وكذلك من دان بالوحدانية، وصحة نبوة (¬1) نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، ولكن جوّز على الأنبياء الكذبَ فيما أتوا به، وادّعى في ذلك المصلحة بزعمه أو لم يدَّعِها، فهو كافرٌ بإجماعٍ، كالمتفلسفين (¬2)، وبعض الباطنية (¬3)، والروافضِ، وغلاة ¬

_ = وفي نسخة أخرى للشفا (العبيدية) بدل (العنبرية)، والعبيدية: هم أتباع عبيد الله من بني عبيد ابن بنت القداح؛ الذين ملكوا مصر من الفاطميين. والذي يظهر لي أن ما في النسخة الأخرى وهي العبيدية أصح من العنبرية؛ لأن القاضي عياض نسبهم إلى الرافضة والعبيدية لا شك أنهم من طوائف الرافضة، وأما القاضي عبيد الله بن الحسن العنبري فهو من أهل السنة؛ إذ وثقه غير واحد من الأئمة، واشتهر بقوله: تصويب أقوال المجتهدين في أصول الدين، ونقل ابن حجر في التهذيب عن محمّد بن إسماعيل الأزدي أنه رجع عن مقالته التي ذُكرت عنه؛ لما تبين له الصواب. انظر: مجموع الفتاوى (19/ 138)، وتهذيب التهذيب (7/ 7 - 8). (¬1) في الشفا: (وصحة النبوة، ونبوة نبينا ...). (¬2) المتفلسفون: وهم الفلاسفة الذين ينسبون إلى الفلسفة، وهي كلمة يونانية بمعنى: محب الحكمة، مركبة من كلمتين: (فيلا) بمعنى؛ محب، و (سوفيا) بمعنى: الحكمة، ويرى معظمهم: القول بقدم العالم، وإنكار النبوات، وإنكار البعث الجسماني، ويرون أن الملائكة هي العقول، وبالجملة فهم عُرفوا بخروجهم عن ديانات الأنبياء. انظر: الملل والنحل (2/ 58)، والصفدية لابن تيمية (1/ 8 - 9)، ودرء التعارض (5/ 384 - 386). (¬3) الباطنية: هم جماعة ترى أن لظواهر النصوص والأخبار بواطناً، وهم طوائف عديدة تلجأ إلى الرموز والإشارات في تفسير النصوص، وإخراجها عن معانيها الظاهرة، وهم بذلك يهدمون الدين، ويبطلون شعائره وأحكامه، وقد أظهر معظمهم التشيع، ومن طوائف الباطنية: إخوان الصفا وخلان الوفا، والقرامطة، والخرمية، والإباحية، وغيرهم. انظر: الفرق بين الفرق (ص 281)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 98).

المتصوفة (¬1)، وأصحاب الإباحة (¬2)، فإن هؤلاء زعموا أن ظواهر الشرعِ، وأكثر ما جاءت به الرسلُ من الإخبار عمّا كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار، ليس منها شيءٌ على مقتضى لفظها، ومفهوم خطابها، وإنّما خاطبوا بها الخلق على جهة (¬3) المصلحةِ ¬

_ (¬1) غلاة المتصوفة: الغالية من الصوفية ممّن يقول بالحلول وأن الباري يحل في الأشخاص، وأنه يجوز أن يحل في إنسان، وسبع، وغير ذلك من الأشخاص. وأصحاب هذه المقالة إذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعلّ الله حالّ فيه، ومالوا إلى اطراح الشرائع، وزعموا أن الإنسان ليس عليه فرض، ولا يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبوده. ومن الغلاة من يدعي أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يروا الله، ويأكلوا من ثمار الجنة، ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين. وأشهر غلاة الصوفية: أهل الحلول والاتحاد كالحلاجية، وأهل وحدة الوجود، والمباحية الذين أسقطوا الشرائع، وأحلوا المحرمات. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 278 - 288)، والفرق بين الفرق (ص 260 - 264). (¬2) أصحاب الإباحة: هم الذين استباحوا المحرمات، وهم صنفان: أ - صنف منهم كانوا قبل دولة الإسلام كالمزدكية الذين استباحوا المحرمات، وزعموا أن النَّاس شركاء في الأموال والنساء، ودامت فتنة هؤلاء إلى أن قتلهم أنوشروان في زمانه. ب - الصنف الثّاني: الخرمدينية، ظهروا في دولة الاسلام، وهم فريقان: بابكية: أتباع بابك الخرمي، ومازيارية: أتباع مازيار الذي ظهر بجرجان، وكلتاهما معروفة بالمحمَّرة. وقيل في أصحاب الإباحة: هم فرقة من غلاة المتصوفة وجهلتهم، وقيل: هم المباحية، يدَّعون محبة الله، يخالفون الشّريعة، ويزعمون أن العبد إذا بلغ في الحب غاية المحبة يسقط عنه التكليف. وقيل: هم الملاحدة. انظر: الفرق بين الفرق (ص 266)، ونسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للخفاجي (4/ 539)، وشرح الشفا للقاضي عياض لملا علي قاري (2/ 516 - 517). (¬3) في (ظ): (وعلى وجهه للمصلحة لهم)، وفي (ن): (على وجهة المصلحة).

لهم؛ إذ لم يمكنهم التصريح لقصور أفهامهم، فمُضَمَّنُ مقالاتهم إبطال الشرائع، وتعطيل الأوامر والنواهي، وتكذيب الرسل، والارتيابُ فيما أتوْا به. وكذلك من أضاف إلى نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - تعمُّدَ الكذبِ فيما بلّغه، وأخبر به، أو شكّ في صدقه، أو سبَّهُ، أو قال: إنّه لم يبلِّغْ، أو استخفَّ به أو بأحدٍ من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل نبيّاً، أو حاربهُ، فهو كافرٌ بإجماع. وكذلك نُكفِّرُ من ذهب مذهَبَ بعض القدماءِ (¬1) في أن في كلِّ جنسٍ من الحيوان نذيراً ونبياً (¬2): من القردة والخنازيزِ والدوابِّ والدود، ويحتجُّ بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]؛ إذ ذلك يؤدي (¬3) أن يوصف (¬4) أنبياءُ هذه الأجناسِ بصفاتهم المذمومةِ. وفيه من الإزراء على هذا المنصب المُنيف ما فيه، مع إجماع المسلمين على خلافه، وتكذيبِ قائله (¬5). وكذلك نكفِّر من اعترفَ من الأصول الصحيحةِ بما تقدّمَ [وبنبوّةِ] (¬6) نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، ولكن قال: كان أسودَ، أو مات قبل أن يلتحيَ، أو (¬7) ليس الذي كان بمكةَ والحجازِ، أو ليس بقرشيٍّ؛ لأن وصفه بغير ¬

_ (¬1) ذكر الخفاجي في نسيم الرياض بأن هؤلاء هم الفلاسفة والحكماء الخارجون عن ملة الإسلام. انظر: نسيم الرياض (4/ 540)، وشرح الشفا لملا علي قاري (2/ 517). (¬2) في الشفا: (أو نبياً). (¬3) في الشفا: (يؤدي إلى). (¬4) في (ظ): (أن تصوف)، وفي (ن): (توصف)، وفي (ص)، والشفا ما أثبته. (¬5) في (ظ) و (ن): (من قاله)، وفي (ص) والشفا ما أثبته. (¬6) في (ص) و (ظ): (ونبوة)، في (ن) والشفا ما أثبته. (¬7) في (ظ) و (ن) والشفا: (وليس).

صفاتهِ المعلومةِ [نفيٌ له، وتكذيبٌ به] (¬1). وكذلك من ادّعى نبوَّةَ أحدٍ مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو بعده كالعيسوية (¬2) [من] (¬3) اليهود القائلين: بتخصيص رسالته إلى العرب، وكالخرَّمية (¬4) القائلين: بتواتر الرسل (¬5)، وكأكثر الرافضة القائلين: بمشاركة عليٍّ في الرسالةِ للنبيَّ - صلى الله عليه وسلم - (¬6) وكذلك كلُّ إمامٍ عند هؤلاء يقوم مقامه في النبوةِ ¬

_ (¬1) وفي (ص): (نفيٌ أو تكذيبٌ)، وفي (ظ): (جحد نفيٍ له) أما عبارة: (وتكذيب به، وكذلك من ادّعى نبوة أحدٍ مع نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - أو بعده كالعيسوية) فقد سقطت من أصل (ظ) ومصححة في الهامش، وفي (ن): (جحد نفيٍ له، أو تكذيب به)، وفي الشفا ما أثبته. (¬2) العيسوية: أصحاب أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، كان في زمن المنصور، وقد بدأ دعوته أيّام مروان بن محمّد، وادَّعى أنه نبي، وأنه المسيح المنتظر، ويقول بنبوة عيسى - عليه السلام - إلى بني إسرائيل، وبنبوة محمّد - صلى الله عليه وسلم - إلى بني إسماعيل - عليه السلام - إلى سائر العرب، وكان من مذهب أبي عيسى تجويز حدوث النبوة بعد نبيّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد قتل بالري مع أصحابه من قبل جنود المنصور. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 179)، والملل والنحل (1/ 215). (¬3) في (ظ) و (ن) والشفا، وليست في (ص). (¬4) الخرَّمية: هم أتباع بابك الخرمي الذي خرج على المأمون، وظهر في جبل البدين بناحية أذربيجان سنة 201 هـ، وكثر أتباعه، واستحلوا المحرمات، واستباحوها، وقتلوا الكثير من المسلمين، وسفكوا الدماء، وقد تربصت به جيوش بني العباس إلى أن تم أسره، ثم قتله المعتصم سنة 223 هـ، وأمر بصلبه، وهو يعتبر أحد زعماء الباطنية. انظر: الفرق بين الفرق (ص 266 - 267)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 87). (¬5) أي: تواتر الرسل بعد المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. (¬6) في الشفا: (للنبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده)، أي: حال وجوده - صلى الله عليه وسلم - وبعد مماته، وقد ذكر شراح الشفا أن أكثر الرافضة يقولون بذلك. انظر: شرح الشفا لملا علي قاري (5/ 422).

والحجّة، [وكالبزيعيّة] (¬1) (¬2) والبيانيَّة (¬3) منهم القائلين: بنبوة بزيعٍ وبيانٍ وأشباه هؤلاء. أو من ادّعى النبوة لنفسهِ، أو جوّز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها، كالفلاسفة، وغلاة المتصوِّفة (¬4). وكذلك من ادّعى منهم أنه يوحى إليه (¬5) وإن لم يدّع النبوةَ، أو أنَّه ¬

_ (¬1) في (ص) و (ظ) و (ن): (كالبزيعية) بدون واو، وفي الشفا ما أثبته. (¬2) البزيعيّة: وهم أصحاب بزيع بن موسى، يزعمون أن جعفر الصادق بن محمّد هو الله، وأنه ليس بالذي يرون، وأنه تشبه للناس بهذه الصورة، وزعموا أن كل ما يحدت في قلوبهم وحي، وأن كل مؤمن يوحى إليه. وزعموا أن منهم من هو خير من جبريل وميكائيل - عليهما السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، وزعموا أنه لا يموت منهم أحد، وأن أحدهم إذا بلغت عبادته رفع إلى الملكوت. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 12)، والفرق بين الفرق (ص 248)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 180). (¬3) البيانية: هم أتباع بيان بن سمعان التَّميميُّ؛ الذي ظهر بالعراق أوائل القرن الثّاني الهجري. ويزعم أتباعه أن الإمامة صارت من محمّد ابن الحنفية إلى ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمّد، ثم صارت من أبي هاشم إلى بيان بن سمعان بوصيته، وقد اختلف أصحابه في نبوته وألوهيته، وقد زعم أن الإله الأزليّ رجل من نور، وأنه يفنى كله غير وجهه، وهذه الفرقة خارجة عن جميع فرق الإسلام، ووصل خبر بيان إلى خالد القسريّ في زمان ولايته في العراق، فاحتال على بيان حتى ظفر به وصلبه. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 5 - 6)، والفرق بين الفرق (ص 236)، والملل والنحل (2/ 152). (¬4) أما من ادعى النبوة فكالمختار بن أبي عبيد الثقفي، أما من جوّز اكتسابها أي: أجاز تحصيل النبوة بالمجاهدة والرياضة والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبة النبوة عن طريق الفيض من الله إلى القلب، فهذا كحال الفلاسفة الحكماء ومنهم ابن سينا صاحب الشفاء، وكذلك كحال غلاة المتصوفة الجهال، ومنهم ابن عربي، حيث جعل نفسه خاتم الأولياء، وادَّعى أن خاتم الأنبياء يستفيض من خاتم الأولياء. انظر: شرح الشفا لملا علي قاري (5/ 422 - 423). (¬5) كما قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ =

أُصعد (¬1) إلى السماء، ويدخل الجنَّة، ويأكل من ثمارها، ويعانق الحورَ العين، فهؤلاء كلهم كفارٌ مكذَّبون [للنبي] (¬2) - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه أخبر (¬3) - صلى الله عليه وسلم - أنه خاتم النبيين، وأنه (¬4) لا نبيَّ بعده (¬5)، وأخبر عن الله - عز وجل - أنه خاتمُ النبيين، وأُرسل (¬6) كافةً للناس، وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره، وأن مفهومَه المراد به (¬7) دون تأويلٍ ولا تخصيصٍ، ¬

_ = أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93]، قال الشّيخ السعدي - رحمه الله - في تيسير الكريم الرّحمن (ص 265): (لا أحد أعظم ظلماً، ولا أكبر جرماً ممّن كذب على الله، بأن نسب إلى الله قولاً أو حكماً، وهو تعالى بريء منه، وإنّما كان هذا أظلم الخلق؛ لأن فيه من الكذب وتغيير الأديان أصولها وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله، ما هو أكبر من المفاسد. ويدخل في ذلك ادعاء النبوة، وأن الله يوحي إليه وهو كاذب في ذلك، فإنّه مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم. ويدخل في هذه الآية لكل من ادعى النبوة كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف). (¬1) في (ظ) و (ن) والشفا: (يصعد). (¬2) في (ص): (النّبيّ)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬3) في الشفا: (أخبر النّبيّ). (¬4) (وأنه) ليست فى الشفا. (¬5) أخرجه البخاري في المغازي، باب غروة تبوك (8/ 112 رقم 4416)، ومسلم في فضائل الصّحابة، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب (4/ 1870 رقم 2404) أن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال مخاطباً عليّ بن أبي طالب: "أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلا أنّه لا نبيّ بعدي". (¬6) في الشفا: (وأنه أرسل). (¬7) في الشفا: (منه).

ولا (¬1) شكَّ في كفر هؤلاء الطَّوائف كلِّها قطعاً، إجماعاً وسمعاً) (¬2) والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) والشفا: (فلا). (¬2) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1068 - 1071).

فصل (12)

فصل (12) ومما يجب اعتقاده أن الإيمانَ قولٌ وعملٌ ومعرفةٌ (¬1)، يزيد بالطاعةِ، وينقص بالمعصية. قال عمير بن حبيب [بن خُماشة] (¬2) الأنصاريُّ الصحابيُّ جدُّ أبي جعفر الخطميِّ المحدّثِ (¬3)، وعميرٌ من أصحاب الشجرة مدنيٌّ، وليس ¬

_ (¬1) تعددت عبارات السلف رحمهم الله في تعريف الإيمان، وهي لا تخرج عن كونه اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الإيمان (ص 146): (ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، فتارة يقولون هو قول وعمل، وتارة يقولون هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون قول وعمل ونية واتباع السنة، وتارة يقولون قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وكل هذا صحيح). وعليه فقول المصنف - رحمه الله -: الإيمان قول وعمل ومعرفة؛ موافق لقول السلف رحمهم الله إذ المعرفة يراد بها الاعتقاد. (¬2) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬3) هو عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري، أبو جعفر الخطمي بفتح المعجمة وسكون الطاء، المدني، نزيل البصرة، أمه بنت عقبة بن الفاكه بن سعد. روى عن أبيه، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، وسعيد بن المسيَّب. وعنه هشام الدستوائي، وشعبة. وثقه ابن معين والنسائي، والعجلي. وقال عبد الرّحمن بن مهدي: كان أبو جعفر وأبوه وجده قوماً يتوارثون الصدق بعضهم عن بعض. انظر: الجرح والتعديل (6/ 379)، وتهذيب التهذيب (6/ 260).

هو عميرَ الخطميَّ الأَنصاريَّ الأعمى (¬1)؛ الذي كانت له أختٌ تشتمُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقتلها (¬2)، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أبعدها الله" (¬3). قال عميرٌ: (الإيمان يزيد وينقص، فقيل: ما زيادتُه وما نقصانُه؟ فقال: إذا ذكرنا اللهَ فحمدناه وسبحناه فتلك زيادته، فإذا غفلنا (¬4) وضيعنا ونسينا [فذلك] (¬5) ................................................ ¬

_ (¬1) (الأعمى) ليست في (ظ). (¬2) الصحابي الذي كانت له أخت تشتم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقتلها هو عمير بن أمية الأنصاري، وليس هو عمير بن عدي بن خرشة الخطمي كما ذكره المؤلف، وهذا وهم، فعمير بن أمية الأنصاري كانت له أخت، فكان إذا خرج إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - آذته، وشتمت النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مشركة، واشتمل لها يوماً على السيف، ثم أتاها فوقف عليها فقتلها، فقام بنوها فصاحوا، فذهب إلى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فأهدر دمها. ولعلّ سبب وهم المصنف - رحمه الله - كون عمير بن عدي الخطمي قتل عصماء بنت مروان؛ التي كانت تعيب الإسلام وأهله ولم تكن أختاً له. انظر: الإصابة (3/ 29)، وأسد الغابة (4/ 140). (¬3) أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 145) في ترجمة محمّد بن الحجاج اللخمي، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 99)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 224 - 225)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 180) من طريق محمّد بن الحجاج، عن إبراهيم الواسطي، عن مجالد، عن الشّعبيّ، عن ابن عبّاس قال: (هجت امرأة من بني خطمة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ....) فذكره مطولًا، وفيه قصة الرَّجل الذي قتلها - وهو من بني خطمة - فقال له النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنه لا ينتطح فيه عنزان" بدل "أبعدها الله"، ولم يصرح في الرواية باسم الرَّجل الذي قتلها، لكن أورد هذه القصة ابن سعد في الطبقات (2/ 27 - 28)، وابن عبد البرّ في الاستيعاب (3/ 292) في ترجمة عمير بن عدي الخطمي. (¬4) في (ظ) و (ن): (وإذا أغفلنا). (¬5) في (ص): (فتلك)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.

نقصانه) (¬1) (¬2) (¬3). قال الشّيخ أبو الفتحِ نصرُ المقدسيُّ وغيره من الأئمة: أجمع علماءُ السنة والجماعةِ على أن الإيمانَ قولٌ وعملٌ، يزيدُ وينقصُ (¬4). ¬

_ (¬1) من بداية هذا الفصل وإلى: (.... فذلك نقصانه) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف للصابوني (ص 264 - 266). (¬2) أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 381)، وابن أبي شيبة في الإيمان (ص 7) رقم (14)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1/ 315) رقم (624 - 625)، والطّبريّ في صريح السنة (ص 25) رقم (28)، والبغوي في معجم الصّحابة كما في الإصابة (7/ 161)، والآجري في الشّريعة (2/ 583 - 584) رقم (215 - 216)، وابن بطة في الإبانة (2/ 845) رقم (1131)، وأبو نعيم في معرفة الصّحابة (4/ 2088) رقم (5253)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 266)، جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي عن أبيه، عن جده عمير بن حبيب أنه قال: ...... فذكره بنحوه. وهو عند الآجري في إسناده: (عن أبي جعفر، عن جده) بإسقاط أبيه، وهو يزيد بن عمير بن حبيب، ولم أجد له ترجمة فيما بحثت فيه. ووقع الشك في إسناده من حماد بن سلمة كما في طبقات ابن سعد، فمرة يقول: (عن أبيه، عن جده) ومرة: (عن جده مباشرة). وقد توقف الشّيخ ناصر الدين الألباني في الحكم على إسناده، كما في تعليقه على كتاب الايمان لابن أبي شيبة (ص 7)؛ لأنه لم يجد ترجمة لوالد أبي جعفر؛ كما نصّ هو على ذلك. والذي يترجح لي أن إسناده حسن، فقد قال عبد الرّحمن بن مهدي كما في تهذيب التهذيب (8/ 151): (كان أبو جعفر وأبوه وجده قوماً يتوارثون الصدق بعضهم عن بعضهم)، وكلامه محمول على التوثيق، لا مجرد العدالة فقط؛ لأنه ممّن عرف بالتشدد في الرجال. (¬3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الأصفهانية (ص 230) معقباً على هذا الأثر بقوله: (فذكر زيادته بالطاعات وإن كانت مستحبة، ونقصانه بما أضاعه من واجب وغيره). (¬4) قول أبي الفتح المقدسي لم أجده فيما بحثت فيه، ولعلّه موجود في كتابه المفقود: =

وأنكرَ الأوازعيُّ (¬1)، ومالكٌ، وسعيدُ بن عبد العزيز (¬2)، وغيرهم رحمهم الله قولَ من يقولُ: إن الإيمان [إقرارٌ] (¬3) بلا عملٍ (¬4)، ويقولون (¬5): لا إيمان إلا بعمل (¬6). ¬

_ = الحجة على تارك المحجة)، كما مرّ بنا سابقاً في (ص 180) حاشية (2). (¬1) هو عبد الرّحمن بن عمرو بن يَحْمَد، أبو عمرو الأوزاعي، عالم أهل الشام. روى عن عطاء، ومكحول، وقتادة، وغيرهم. وعنه الزهري، وشعبة، والثوري وغيرهم كثير. ولد سنة ثمان وثمانين يتيماً في حجر أمه. وكان إماماً في العلم، والزهد، والرواية، بل كان أعلم أهل زمانه. قال ابن كثير: وأجمع المسلمون على عدالته وإمامته. كانت وفاته سنة 157 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (7/ 107)، والبداية والنهاية (10/ 18). (¬2) هو سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التَّنُوخيُّ، أبو محمّد الدمشقي، ثقة ثبت، قرين الأوزاعي. قال أحمد بن حنبل: ليس بالشام أصح حديثاً منه. وقال ابن معين: الحجة عبيد الله بن عمر، ومالك، وسعيد بن عبد العزيز. وذكر في ترجمته أنه اختلط في آخر عمره. انظر: تذكرة الحفاظ (4/ 53)، وتهذيب التهذيب (4/ 53). (¬3) في (ص): (قول)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته، وهو موافق لما في عقيدة السلف. (¬4) لعلّ المقصود بذلك مرجئة الفقهاء، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإيمان (ص 313) نقلًا عن ابن عبد البرّ: (أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة ويقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان، إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه، فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيماناً، قالوا: إنّما الإيمان التصديق والإقرار، ومنهم من زاد المعرفة). (¬5) في (ظ) و (ن): (ويقول). (¬6) من قوله: (وأنكر الأوزاعي ...) وإلى: (.... لا إيمان إلا بعمل) نقله المؤلف بتصرت من عقيدة السلف للصابوني (ص 271). وهذا الأثر أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في السنة (1/ 332 - 333) رقم (687)، (1/ 346) رقم (737) بنحوه عن الوليد بن مسلم، وأخرجه اللالكائي في شرح =

وقال أبو عثمان الصابونيُّ الحافظ - رحمه الله -: (ومن (¬1) كانت [طاعاته] (¬2) وحسناته أكثر، كان (¬3) أكمل إيماناً ممّن كان قليلَ الطاعةِ، كثير (¬4) الإضاعةِ) (¬5). وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ: (قدِمَ ابنُ المبارك الريَّ (¬6)، فقام إليه رجلٌ من العُبّاد، الظنُّ به أنه يذهب مذهب الخوارج (¬7)، فقال ¬

_ = أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/ 930 - 931) رقم (1586) بلفظه عن الوليد بن مسلم. (¬1) في عقيدة السلف: (فمن). (¬2) في (ص): (طاعته)، وفي (ظ) و (ن) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬3) في عقيدة السلف: (فإنّه أكمل). (¬4) في عقيدة السلف: (كثير المعصية والغفلة والإضاعة). (¬5) نقله المؤلف بالنص من عقيدة السلف للصابوني (ص 271). (¬6) الرَّيّ: هي مدينة مشهورة من أمهات البلاد، وأعلام المدن، كثيرة الفواكه والخيرات، عجيبة الحسن، مبنية بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقة. وفتحت في عهد عمر - رضى الله عنه - على يد عروة سنة 20 هـ، وقد نسب إليها كثير من العلماء، منهم: أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وغيرهما. وهي الآن مدينة قديمة في شمالي إيران (جنوب شرقي طهران) فتحها العرب في زمن عمر على يد عروة بن زيد الخيل، وفيها ولد هارون الرشيد. انظر: معجم البلدان (3/ 116 - 121)، والموسوعة التاريخية الجغرافية لمسعود الخوند (4/ 202). (¬7) الخوارج: سموا بذلك لخروجهم على عليّ - رضي الله عنه - لأنه رضي بتحكيم الحكمين - في زعمهم - فكفروا علياً ومعاوية وعثمان وكل من رضي بالتحكيم، ويقولون بتكفير مرتكب الكبيرة، وتخليده في النار، والخروج على الأئمة بالسيف، ويقال لهم: الحرورية، والشراة. من أشهر فرقهم: النجدات، والأزارقة، والإباضية. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 75)، والفرق بين الفرق (ص 73)، والملل والنحل (1/ 114).

له: يا أبا عبد الرّحمن، ما تقول فيمن يزني [ويسرق] (¬1) ويشرب الخمر؟ فقال (¬2): لا أخرجه (¬3) من الإيمان، فقال: يا أبا عبد الرّحمن على كبر السنِّ صرت مرجئاً، فقال: لا تقبلني المرجئةُ (¬4)، المرجئةُ (¬5) تقول: حسناتنا مقبولةٌ وسيئاتنا مغفورةٌ، ولو علمتُ أنه قُبلتْ (¬6) منّي حسنةٌ لشهدت أنِّي في الجنَّة) (¬7). وقال عمر - رضي الله عنه -: (لو وزن إيمان أبي بكر - رضي الله عنه - بإيمان أهل الأرض لرجح) (¬8). ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) وهو موافق لما في عقيدة السلف وليس في (ص). (¬2) في (ظ) و (ن): (قال) وهو موافق لما في عقيدة السلف. (¬3) في (ظ) و (ن): (لا أخرجه به). (¬4) المرجئة: نسبة إلى الإرجاء، والإرجاء له معنيان: أ - بمعنى التأخير؛ لأنهم يؤخرون العمل عن مسمى الإيمان. ب - إعطاء الرجاء، فهم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. وهم أربعة أصناف: مرجئة الخوارج، ومرجئة القدرية، ومرجئة الجبرية، والمرجئة الخالصة، وهم فرق كذلك مثل: اليونسية، والغسانية، والثوبانية، والتومنيّة، والمريسية، والصالحية. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 132)، والفرق بين الفرق (ص 202)، والملل والنحل (1/ 142). (¬5) في (ظ) و (ن): (والمرجئة). (¬6) في عقيدة السلف: (ولو علمت أني قبلت). (¬7) نقله المؤلف بالنص من عقيدة السلف للصابوني (ص 273 - 274)، حيث سمعه الصابوني من الحاكم، وأشار الذهبي إلى هذه القصة في سير أعلام النبلاء (8/ 405) في ترجمته لعبد الله بن المبارك. (¬8) أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 378) رقم (821 - 823)، وفي زياداته على فضائل الصّحابة (1/ 418) رقم (653)، والخلال في السنة (4/ 44) رقم (1134)، والبيهقي في الشعب (1/ 69) رقم (36)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (30/ =

قلت: وقولُ عمرَ - رضي الله عنه - من مشكاة النبوة، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - (¬1): "وزنتُ الأمة فرجحتُها، ووزنها أبو بكرٍ فرجحها" (¬2)، وهو عامٌّ في كلِّ شيءٍ من أعمال القلوب والجوارح. قال (¬3) أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمةَ: (سمعتُ أحمدَ بنَ [سعيد] (¬4) الرباطيِّ يقول: قال لي (¬5) ................... ¬

_ = 127)، من طرق، عن عبد الله بن شوذب، عن سلمة بن كهيل، عن هزيل بن شرحبيل قال: قال عمر ...... فذكره بلفظه. وقد صحح هذا الأثر موقوفاً على عمر، جماعة من الأئمة، منهم الدارقطني في العلل (2/ 223)، والسخاوي في المقاصد الحسنة رقم (908)، وابن طولون الدمشقي في الشذرة في الأحاديث المشتهرة (2/ 83) رقم (778)، والعجلوني في كشف الخفاء (2/ 165) رقم (2130)، والشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 235) رقم (1054). (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 325 - 326) من حديث ابن عبّاس مرفوعاً: "وزنت بالخلق كلهم فرجحت بهم، ثم وزن أبو بكر فرجح بهم ..... " الحديث. قال ابن عدي: (غير محفوظ). وفي إسناده معروف بن أبي معروف البلخي، قال ابن عدي في الكامل (6/ 325): (يسرق الحديث). وأخرجه أحمد في مسنده (2/ 76)، وعبد بن حميد في المنتخب (2/ 51) رقم (848)، وعبد الله في زوائده على فضائل الصّحابة (1/ 206) رقم (228)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 525) رقم (1138) من حديث ابن عمر مطولاً، وفيه أن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "فوضعت في كفة، ووضعت أُمَّتي في كفة، فوزنت بهم فرجحت، ثم جيء بأبي بكر، فوزن بهم فوزن، ثم جيء بعمر، فوُزن، فوزَن ...... " الحديث. قال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (7/ 232) رقم (5469): (إسناده صحيح). وقال الألباني في ظلال الجنة (2/ 525): (حديث صحيح). (¬3) في (ظ) و (ن): (وقال). (¬4) في (ص): (سعد)، وفي (ظ) و (ن): (السعيد) وفي عقيدة السلف ما أثبته. (¬5) في (ص) وفي عقيدة السلف وليست في (ظ) و (ن).

عبد الله بن [طاهر] (¬1): يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القومَ جهلًا، وأنا أبغضهم عن معرفةٍ، إن أوّل أمرهم: أنهم لا يرون للسلطان طاعةً (¬2). والثّاني: أنه ليس للإيمان عندهم قدرٌ، والله لا [أستجيز] (¬3) أن أقول: إيماني كإيمان يحيى بن يحيى (¬4)، ولا كإيمان أحمد بن حنبل، وهم يقولون: إيماننا كإيمان جبريلَ وميكائيل) (¬5). وقال ابن خزيمة أيضاً: (سمعت الحسين بن حربٍ (¬6) أخا أحمد بن حرب الزاهدِ (¬7) يقول: أشهدُ أن دين أحمد بن حربٍ الذي ¬

_ (¬1) في (ص): (ظاهر)، وفي (ظ) و (ن) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬2) ذكر الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/ 204) أن القول بالخروج على أئمة الجور وعدم طاعتهم قول كثير من المرجئة، كالجهم بن صفوان، والحارث بن شريح. كما نقل عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 217) رقم (363) عن سفيان بن عيينة والأوزاعي أنهما قالا: (إن قول المرجئة يخرج إلى السيف). (¬3) في (ص): (أستخير)، وفي (ظ) و (ن) وعقيدة السلف ما أثبته. (¬4) هو يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرّحمن، أبو زكريا التَّميميُّ المنقري النيسابوري، شيخ الإسلام، وعالم خراسان، كتب ببلده وبالحجاز والعراق والشام ومصر، لقي صغار التابعين منهم كثير بن سليم. وسمع من اللَّيث بن سعد، وسليمان بن بلال. وحدث عنه البخاريّ، ومسلم. ولد سنة 142 هـ. قال إسحاق ابن راهويه: ما رأيت مثل يحيى بن يحيى، ولا أحسب أنه رأى مثل نفسه، وبمثله قال أحمد بن حنبل عنه. وأجمعوا على أنه ثقة حافظ قدوة. توفي سنة 226 هـ. انظر: الجرح والتعديل (9/ 197)، وسير أعلام النبلاء (10/ 512)، وتهذيب التهذيب (9/ 312). (¬5) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 272). (¬6) هو الحسين بن حرب بن عبد الله بن سهل بن فيروز النيسابوري، الفقيه المحدث. قال الذهبي في ترجمة أخيه أحمد بن حرب قال: زكريا بن حرب: فلما راهق أحمد بن حرب، حج مع أخيه الحسين بن حرب، فأقام بالكوفة وبالبصرة وبغداد للطلب. انظر: معرفة علوم الحديث (ص 157)، وسير أعلام النبلاء (11/ 33). (¬7) هو أحمد بن حرب بن عبد الله بن سهل بن فيروز أبو عبد الله النيسابوري، الإمام =

يدين الله به: أن الإيمان قولٌ وعملٌ، ويزيد (¬1) وينقص) (¬2). ¬

_ = القدوة شيخ نيسابور. سمع من سفيان بن عيينة، وأبي داود الطيالسي وغيرهما. وروى عنه أحمد بن الأزهر وسهل بن عمار، والعباس بن حمزة وغيرهم. له مصنفات كثيرة منها: كتاب الأربعين، وكتاب عيال الله، وكتاب الزهد وغيرها، رغب النَّاس في سماع كتبه، قال الذهبي: كانت تنتحله الكرامية وتعظمه؛ لأنه أستاذ محمّد بن كرَّام، ولكنه سليم الاعتقاد بحمد الله. مات سنة 234 هـ. انظر: تاريخ بغداد (4/ 118)، وسير أعلام النبلاء (11/ 32)، وشذرات الذهب (2/ 80). (¬1) في عقيدة السلف: (يزيد) بدون واو. (¬2) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 275 - 276).

فصل (13)

فصل (13) يجب اعتقاد أن المؤمنَ إذا أذنبَ ذنوباً كثيرةً، صغائر كانت أو كبائر، لا يكفَّرُ بها وإن خرج من الدنيا غير تائبٍ منها، ومات على الإخلاص والتوحيد (¬1)، إلا أن يعتقد تحليلَ ما حرّم اللهُ، أو تحريم ما أحلّ الله، فإنّه يكفر بذلك؛ لأنه ذنبٌ من الذنوب القلبيّة المكفّرة (¬2). قال بعض العلماء: إلا أن يكون متاوّلاً في ذلك، قلنا: إن أردت التأويل المصادم فلا سمع ولا طاعة لك ولا لنا، وإن أردت التأويل الملائم فليس في ذلك كلامنا (¬3)، والله يعلم المفسدَ من المُصلح. ¬

_ (¬1) من بداية الفصل وإلى قوله: (على الإخلاص والتوحيد)، نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 276). (¬2) الكفر يقع بالاعتقاد والقول والعمل، وليس منحصراً في الاعتقاد - كما يقول به قوم - كما أنه ليس شرط التكفير الاعتقاد - كما يقول به آخرون -. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الصارم المسلول (ص 512): (إن سب الله، أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلًا له، أو كان ذاهلًا عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء، وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل). والمصنف - رحمه الله - موافق لأهل السنة والجماعة في قولهم هذا، وكلامه هنا لا يراد به اشتراط الاعتقاد في التكفير عموماً، وإنما أراد به اشتراط ذلك في وقوع التكفير بالمعاصي بأن يعتقد تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل سبحانه، وهذا ظاهر. (¬3) ما ذكره المؤلف من تفصيله للتأويل المقبول والمردود حق؛ إذ ليس كل تأويل يعتبر سائغاً ومقبولاً، فهناك من التأويل ما يعتبر سائغاً، ومنه ما ليس كذلك، فلا بد من مراعاة ذلك، وعدم الخلط بينهما. =

وأمر كلِّ من ارتكب ذنباً - لا نكفِّره به - إلى الله، إن شاء عفا عنه، وأدخله الجنَّة يومَ القيامةِ سالماً غانماً غير مبتلىً بالنار ولا يعاقب على ما [ارتكبه] (¬1) من الذنوب، واكتسبه، ثم استصحبه إلى القيامةِ من الآثام والأوزار، وإن شاء عاقبه وعذّبه مدّةً بعذاب النّار، فإن عذّبه لم يخلدْه فيها، بل يعتقه ويخرجه منها إلى نعيم دار القرار (¬2). وكان الشّيخ (¬3) الإمام أبو الطيب سهل بن محمّد الصعلوكيُّ (¬4) ¬

_ = يقول قوام السنة الأصفهاني في الحجة في بيان المحجة (2/ 510 - 511): (المتأول إذا أخطأ، وكان من أهل عقد الإيمان، نظر في تأويله، فإن كان قد تعلّق بأمر يفضي به إلى خلاف بعض كتاب الله أو سنة يقطع بها العذر، أو إجماع فإنه يكفر ولا يعذر؛ لأن الشبهة التي يتعلّق بها من هذا ضعيفة لا يقوى قوة يعذر بها؛ لأن ما شهد له أصل من هذه الأصول، فإنه في غاية الوضوح والبيان، فلما كان صاحب هذه المقالة لا يصعب عليه درك الحق، ولا يغمض عنده بعض موضع الحجة لم يعذر في الذهاب عن الحق، بل عمل خلافه في ذلك على أنه عناد وإسرار، ومن تعمد خلاف أصل من هذه الأصول، وكان جاهلًا لم يقصد إليه من طريق العناد فإنّه لا يكفر؛ لأنه لم يقصد اختيار الكفر، ولا رضي به، وقد بلغ جهده، فلم يقع له غير ذلك، وقد أعلم الله سبحانه أنه لا يؤاخذ إلا بعد البيان، ولا يعاقب إلا بعد الإنذار، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}. فكل من هداه الله - عز وجل - ودخل في عقد الإسلام، فإنّه لا يخرج إلى الكفر إلى بعد البيان). وانظر: نواقض الإيمان القولية والعملية للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف (ص 75 - 92)، ونواقض الإيمان الاعتقادية للدكتور محمّد الوهيبي (1/ 27). (¬1) في (ص): (ارتكب)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) من قوله: (وأمر كل من ارتكب ذنبا .....)، وإلى قوله: (..... إلى نعيم دار القرار) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 276). (¬3) (الشّيخ) ليست في (ظ) و (ن). (¬4) هو سهل بن محمّد بن سلّيمان بن محمّد العجلي، أبو الطيب الصعلوكي النيسابوري، الفقيه الشافعي، تفقه على والده، وسمع من أبي العباس الأصم. قال الحاكم: هو من أنظر من رأيناه، تخرج به جماعة، وبلغني أنه كان في مجلسه أكثر =

- رحمه الله - يقول: (المؤمّن المذنبُ وإن عذِّب بالنار فإنّه لا يُلقى فيها إلقاء الكفار، ولا يَلقى فيها لقاء (¬1) الكفار (¬2)، ولا يشقى فيها (¬3) شقاء الكفار، ولا يبقى فيها بقاء الكفار (¬4) (¬5). قال الشّيخ الإمام (¬6) أبو عثمان الصابوني - رحمه الله - تلميذ أبي الطيب الصعلوكي المذكور: (معنى (¬7) ذلك أن الكافر يُجرُّ (¬8) على وجهه إلى النّار، ثم يُلقى (¬9) في النّار منكوساً في السلاسل، والأغلال، والأنكال الثقال. والمؤمن المذنب إذا ابتُلِيَ بالنار؛ فإنّه يدخل كما يدخل المجرم السجن في الدنيا (¬10) [على الرِّجْل] (¬11) من غير تنكيسٍ وإلقاءٍ (¬12). ¬

_ = من خمسمئة محبرة. قال الذهبي: كان بعض العلماء يعد أبا الطيب المجدد للأمة دينها على رأس الأربعمئة. توفي في رجب سنة 404 هـ. انظر: طبقات الشّافعيّة للسبكي (4/ 393)، وسير أعلام النبلاء (17/ 207)، والبداية والنهاية (11/ 324). (¬1) في (ن): (إلقاء). (¬2) عبارة: (ولا يلقى فيها لقاء الكفار) ليست في (ظ). (¬3) في (ظ) و (ن): (بها). (¬4) في عقيدة السلف: (المؤمّن المذنب وإن عذب بالنار، فإنه لا يلقى فيها إلقاء الكفار، ولا يبقى فيها بقاء الكفار، ولا يشقى فيها شقاء الكفار). (¬5) نقله المؤلف بالنص من عقيد السلف (ص 276 - 277). (¬6) في (ظ) و (ن): (قال شيخ الإسلام أبو عثمان). (¬7) في عقيدة السلف: (ومعنى). (¬8) في عقيدة السلف: (يسحب). (¬9) في عقيدة السلف: (ويلقى فيها منكوساً). (¬10) في عقيدة السلف: (في الدنيا السجن). (¬11) في (ظ) و (ن) وعقيدة السلف وليست في (ص). (¬12) في عقيدة السلف: (من غير إلقاء وتنكيس).

ومعنى قوله: لا يلقى (¬1) من النّار لقاء [الكفار] (¬2): أن الكافر يُحرق بدنُه كلُّه، وكلما (¬3) نضُجَ جلده بدِّل جلداً غيرَه ليذوق العذاب (¬4). وأما المؤمنون فلا تلفح وجوهَهم النارُ، ولا تحرق أعضاء السجود منهم (¬5)، وحرم (¬6) الله على النّار أعضاء سجوده. ومعنى قوله: لا (¬7) يبقى في النّار بقاء الكفار؛ أن الكافر يخلدُ (¬8) ولا يخرج منها [أبداً] (¬9)، ولا يخلّد الله من مذنبي المؤمنين في النّار أحداً. وقوله (¬10): ولا يشقى بالنار شقاء الكفار فمعناه (¬11): [أن الكفَّار] (¬12) يؤيسون (¬13) من رحمة الله، ولا (¬14) يرجون راحة بحالٍ، وأما المؤمنون فلا ينقطع طمعهم من رحمة الله في كل حال. وعاقبة المؤمنين (¬15) كلهم الجنةُ؛ لأنهم خلقوا ¬

_ (¬1) في عقيدة السلف: (لا يلقى في النّار إلقاء الكفار). (¬2) في (ص): (الكافر)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) في عقيدة السلف: (كلما) بدون واو. (¬4) بعد قوله (ليذوق العذاب) قال الصابوني في عقيدة السلف: (كما بينه الله في كتابه في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: 56]). (¬5) في (ظ) و (ن): (منه). (¬6) في عقيدة السلف: (إذ حرم الله). (¬7) في (ظ) و (ن): (ولا). (¬8) في عقيدة السلف: (يخلد فيها). (¬9) في (ظ) و (ن) وعقيدة السلف وليست في (ص). (¬10) في عقيدة السلف: (ومعنى قوله). (¬11) (فمعناه) ليست في عقيدة السلف. (¬12) في (ظ) و (ن) وعقيدة السلف وليست في (ص). (¬13) في عقيدة السلف: (فيها من رحمة الله). (¬14) في (ظ) و (ن): (فلا). (¬15) في (ظ): (وعاقبة المؤمنون)، وهو خطأ.

لها، وخلقت لهم فضلًا من الله ومنةً. واختلف العلماء من أصحاب الحديث، وغيرهم (¬1) في ترك المسلمِ صلاةَ الفرضِ متعمّداً، فكفّره بذلك أحمدُ بنُ حنبل (¬2) وجماعة من [علماء] (¬3) السلف، وأخرجوه [به] (¬4) عن (¬5) الإسلام) (¬6) (¬7)، وبه ¬

_ (¬1) في عقيدة السلف: (واختلف أهل الحديث في ترك ...). (¬2) ممّن ذكر هذا القول عن الإمام أحمد - رحمه الله - ابن هانئ في مسائل الإمام أحمد (2/ 156)، والخلال في أحكام أهل الملل (ص 209)، والمروزي في تعظيم الصّلاة (2/ 928). (¬3) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬4) في (ظ) و (ن) وعقيدة السلف وليست في (ص). (¬5) في عقيدة السلف: (من). (¬6) نقله المؤلف بالنص من عقيد السلف (ص 277 - 279). (¬7) إذا ترك المكلَّف الصّلاة منكراً لوجوبها وجاحداً لها كفر بالاتفاق، أما إن كان معتقداً وجوبها، ولكنه تركها كسلًا حتى خرج الوقت، ففي ذلك خلاف بين أهل العلم على أقوال: القول الأوّل: أنه كفر بذلك كفراً مخرجاً عن الملة، يقتل إذا لم يتب ولم يصل، وذهب إليه جماعة من السلف، وهو مرويّ عن علي بن أبي طالب، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، وبه قال عبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، وهو قول لبعض أصحاب الشافعي. القول الثاني: أنه لا يكفر، بل هو فاسق، فإن تاب وإلا قتل حداً، وذهب إليه الإمام مالك والشّافعيّ وكثير من أصحابهما. القول الثالث: أنه لا يكفر، ولا يقتل، بل يعزر ويحبس حتى يصلّي أو يموت، وذهب إليه أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي. انظر: نيل الأوطار للشوكاني (1/ 340 - 341)، وكتاب الصّلاة وحكم تاركها لابن القيم (ص 16). والقول الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة، والأقرب إلى الصواب هو القول الأول إذ قال بتكفير من تعمد ترك الصّلاة تهاوناً وكسلاً جمع من الصّحابة - رضي الله عنهم - وكثير =

قال من أصحاب الشافعي منصورُ الفقيه (¬1) (¬2) في كتابه: المسور في الفقه (¬3) رحمهما الله للخبر الصّحيح المعنى (¬4) المرويِّ في ذلك عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "بين العبد وبين (¬5) الكفر ترك الصّلاة" (¬6)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "العهد الذي بيننا وبينهم الصّلاة فمن تركها فقد كفر" (¬7). ¬

_ = من أئمة أهل العلم، وممن ذكر ذلك المروزي في تعظيم قدر الصّلاة (2/ 636) حيث قال: (وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث)، وذكره ابن تيمية في الفتاوى (28/ 308) حيث قال: (وهل يُقتل كافراً أو مسلماً أو فاسقاً؟ فيه قولان، وأكثر السلف على أنه يقتل كافراً، وهذا كله مع الإقرار بوجوبها). انظر: مجموع الفتاوى (22/ 47)، (28/ 359 - 360)، والحموية (ص 445). بتحقيق الدكتور حمد التويجري، ونواقض الإيمان القولية والعملية للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف (ص 450 - 498). (¬1) هو أبو الحسن منصور بن إسماعيل التميمي، المصري، الشافعي، الضرير، كان فقيهاً متصرفاً في علوم كثيرة لم يكن في زمانه في مصر مثله. قرأ على أصحاب الشافعي وأصحاب أصحابه، له مصنفات مليحة في الفقه، منها: الهداية، والسافر، والواجب، والمستعمل، وغيرها. وله شعر مليح، توفي سنة ست وثلاثمئة. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (3/ 478)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 299) رقم (274)، وسير أعلام النبلاء (14/ 238). (¬2) ذكر الإمام النووي - رحمه الله - من قال بكفر تارك الصّلاة من أئمة الشافعية، ومنهم منصور الفقيه، في المجموع شرح المهذب (3/ 15). (¬3) هذا الكتاب من الكتب المعتمدة في الفقه الشافعي، وبحثت عنه مطبوعاً أو مخطوطاً فلم أجده، ويبدو أنه مفقود، وكل من ترجم لمنصور الفقيه نسب هذا الكتاب إليه. (¬4) في (ظ) و (ن): (المرضي). (¬5) في (ظ) و (ن): (بين العبد والكفر). (¬6) أخرجه أبو داود في السنة، باب في رد الإرجاء (5/ 58) رقم (4678)، وابن ماجة في إقامة الصّلاة، باب فيمن ترك الصّلاة (1/ 342) رقم (1078). (¬7) أخرجه الترمذي في الإيمان، باب ما جاء في ترك الصّلاة (5/ 15) رقم (2621)، والنسائي في الصّلاة، باب الحكم في تارك الصّلاة (1/ 231)، وابن ماجة في إقامة الصّلاة، باب ما جاء فيمن ترك الصّلاة (1/ 342) رقم (1079)، وأحمد في المسند =

وقال شقيق بن سلمة أبو وائل (¬1) التابعيّ الإمام الجليل، وأدرك زمان النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: (ما كان أصحابُ النّبيّ (¬2) محمّد (¬3) - صلى الله عليه وسلم - يعدُّون شيئاً تركُه كفرٌ غير الصّلاة) (¬4). ¬

_ = (5/ 346)، وابن أبي شيبة في الإيمان (ص 14) رقم (46) من حديث بريدة بلفظه. قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح غريب). وقال الألباني في هامش كتاب الإيمان لابن أبي شيبة (ص 15): (إسناده صحيح على شرط مسلم). (¬1) هو شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل الكوفي، مخضرم، أدرك النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وما رآه. روى عن عمر بن الخطّاب، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم -. وروى عنه حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة. كان من أعلم أهل الكوفة بحديث ابن مسعود. وقال ابن معين: أبو وائل ثقة لا يُسأل عن مثله. وقال الذهبي: كان رأساً في العلم والعمل. توفي سنة 82 هـ. انظر: طبقات ابن سعد (6/ 96)، وسير أعلام النبلاء (4/ 161)، وتهذيب التهذيب (3/ 649). (¬2) (النّبيّ) ليست في (ن). (¬3) (محمّد) ليست في (ظ). (¬4) أخرجه الترمذي في الإيمان، باب ما جاء في ترك الصّلاة (5/ 15) رقم (2622) من طريق الجريري، عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: (كان أصحاب محمّد - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصّلاة). قال الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (2622): (صحيح)، وكذا في المشكاة رقم (579). ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه، أخرجه في المستدرك (1/ 7) من طريق الجريري، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، عن أبي هريرة قال: ...... فذكره بلفظ الترمذي السابق. تنبيه: قول المؤلف (شقيق بن سلمة) وهمٌ منه، وإنما هو عبد الله بن شقيق العقيلي، والله أعلم. وعبد الله بن شقيق العقيلي هو أبو عبد الرّحمن، ويقال أبو محمّد البصري، روى عن أبيه على خلاف فيه، وعن عمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم -، وعنه محمّد بن سيرين وقتادة. =

وذهب الشافعي وجمهور أصحابه وجماعة من علماء السلف رحمهم الله إلى أنه لا يكفّرُ [بها] (¬1) ما دام يعتقد وجوبها، وإنما يستوجب القتل كما يستوجبه المرتدُّ عن الإسلام. وتأوّلوا الأحاديث على من ترك الصّلاة جاحداً لها (¬2)؛ كما أخبر الله تعالى عن يوسف - عليه السلام - أنَّه قال: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف: 37] (¬3) ولم يكن تلبّس بكفرٍ، ولكن ترْكه ترْكَ (¬4) .................................... ¬

_ = وهو من تابعي أهل البصرة، ثقة في الحديث، وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وابن معين. انظر: الجرح والتعديل (5/ 81)، وتهذيب التهذيب (4/ 336). (¬1) في (ص): (به)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) الأحاديث الواردة في هذه المسألةُ علقت الكفر بترك الصّلاة، فمناط الحكم بالكفر فيها ترك الصّلاة، وقد يكون هذ الترك جحوداً، أو تهاوناً أو كسلًا. فمن قال إن تارك الصّلاة لا يكفر إلا إذا كان جاحداً لوجوبها، فقد جعل مناط الحكم في هذه المسألةُ غير ما حدده الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنّه على هذا التأويل لا فرق بين الصّلاة وغيرها، فلا تكون إقامتها عهداً وحداً يعرف به المسلم من الكافر؛ لأن من ترك شيئاً من شعائر الإسلام وفرائضه الظاهرة جحوداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، فجحد الوجوب لا يختص بالصلاة وحدها، مع أن الصّحابة - رضي الله عنهم - قد جعلوا ترك الصّلاة هو مناط الكفر دون بقية الأعمال. فعلم من كل هذا أنه لا اعتبار بقول من يخصص الترك بالجحود. وأخرج الخلال في أهل الملل والردة من كتابه الجامع (2/ 535) رقم (1363) قولًا للإمام أحمد في تارك الصّلاة، حيث قال: (لا أعرفه إلا هكذا من ظاهر الحديث، فأمَّا من فسره جحوداً فلا نعرفه). انظر: مجموع الفتاوى (7/ 614)، والدرر السنية في الأجوبة النجدية (4/ 102)، ونواقض الإيمان القولية والعملية للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف (ص 495 - 496)، وضوابط التكفير للدكتور عبد الله القرني (ص 155 - 156). (¬3) في (ظ) و (ن): بدون قوله تعالى: {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف: 37]. (¬4) في (ظ): (نزل).

جاحدٍ له (¬1) (¬2). ¬

_ (¬1) من قوله: (وذهب الشافعي ...)، وإلى: (... ترْك جاحدٍ له) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 279). (¬2) قياس المؤلف - رحمه الله - الترك في آية يوسف بالترك الوارد في الأحاديث الدالة على كفر تارك الصّلاة، قياس مع الفارق، وبالرجوع إلى تفسير هذه الآية نجد أن ابن كثير فسر الترك بالاجتناب والهجر؛ كما في تفسيره (2/ 740)، وبين الشيخ السعدي في تفسيره لهذه الآية (ص 398): (والترك كما يكون للداخل في شيء ثم ينتقل عنه، يكون لمن لم يدخل فيه أصلًا، فلا يقال: إن يوسف كان من قبل على غير ملة إبراهيم).

فصل (14)

فصل (14) ويجب أن يُعتقد أن أكسابَ العباد مخلوقةٌ لله تعالى (¬1) من غير مريةٍ فيه، ولا أعلمُ أحداً من أهل الحقِّ والهدى يُنكر هذا القول، وينفيه. وأن الله تعالى يهدي من يشاء لدينه، ويضلّ من يشاء عنه، لا حجة لمن أضلّه الله - عز وجل - عليه، ولا عذرَ له لديه (¬2)، قال الله - عز وجل -: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]، وقال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179]، فسبحانه خلق الخلق بلا حاجةٍ [منه] (¬3) إليهم، فجعلهم فريقين: فريقاً للنعيم فضلاً، وفريقاً في الجحيم عدلاً، وجعل منهم غويًّا ورشيداً، وشقياً وسعيداً، وقريباً من رحمته وبعيداً، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] قال الله - عز وجل -: {... كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: 29 - ¬

_ (¬1) قوله هذا فيه رد على القدرية القائلين بأن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم. (¬2) قوله هذا فيه رد على الجبرية القائلين بالجبر، وأن العباد مجبورون على أفعالهم، ولا اختيار لهم في ذلك، وأن الفاعل الحقيقي هو الله، والعباد فاعلون بالمجاز لا قدرة لهم، ولا اختيار. (¬3) في (ص): (فيه)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.

30]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} [الأعراف: 37]، وقال ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: (هو ما سبق لهم من السعادة والشقاوة) (¬1). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق -: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك بأربع كلمات: رزقه، وعمله، وأجله، وشقيّ أو سعيد، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنَّة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدركه ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النّار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، ثم يدرك ما سبق له في الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنَّة فيدخلها" (¬2) رواه البخاريّ ومسلم، وهذه الرواية لفظ أبي العباس محمّد بن إسحاق [السراج] (¬3) (¬4) ............................ ¬

_ (¬1) ذكره الصابوني في عقيدة السلف (ص 280) عن ابن عبّاس بلفظه، دون إسناد. وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (8/ 169) من طريق مجاهد، عن ابن عبّاس: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} قال: من الشقاوة والسعادة. ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1474) رقم (8440) من طريق مجاهد، عن ابن عبّاس أيضاً بلفظ: (ما قدر لهم من خير وشر). ولم يتكلم عليه الشيخ أحمد شاكر في القسم الذي حققه من تفسير الطبري (12/ 410) رقم (14566). (¬2) أخرجه البخاريّ في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (6/ 303) رقم (3208)، ومسلم في القدر، باب كيفية الخلق الآدمي (4/ 2036) رقم (2643) من حديث عبد الله بن مسعود. (¬3) في (ص): (السراح) وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬4) هو محمّد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران، الإمام الحافظ الثقة، أبو العباس الثقفي، مولاهم الخرساني النيسابوري، صاحب المسند الكبير على الأبواب، والتاريخ. ولد سنة 216 هـ. سمع من إسحاق بن راهويه، وقتيبة بن سعيد. حدث عنه =

عن يوسف بن موسى (¬1). وعن عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الرَّجل ليعمل بعمل أهل الجنَّة، وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل النّار، فإذا كان عند موته تحول فعمل بعمل أهل النّار فمات فدخل النّار، وإن الرَّجل ليعمل بعمل أهل النّار، وإنه لمكتوب في الكتاب أنه من أهل الجنَّة، فإذا كان قبل موته عمل بعمل أهل الجنَّة فمات فدخل الجنَّة" (¬2) حديث صحيح (¬3). ¬

_ = البخاريّ ومسلم، خارج الصحيحين، وأبو حاتم الرازي، وأبو حاتم البستي. قال الخطيب: كان من الثقات الأثبات، عنى بالحديث، وصنف كتباً كثيرة وهي معروفة. وثقه ابن أبي حاتم. انظر: الجرح والتعديل (7/ 196)، وتاريخ بغداد (1/ 248)، وسير أعلام النبلاء (14/ 388). (¬1) هو يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان، أبو يعقوب الكُوفيُّ، سكن الري. روى عن أبيه، وابن إدريس، وجرير بن عبد الحميد وغيرهم. وعنه البخاريّ، وأبو داود، والترمذي وغيرهم. قال أبو حاتم وابن معين: صدوق. وقال النسائي: لا بأس به. وقال الخطيب: وصفه غير واحد بالثقة، وأخرج له البخاريّ في صحيحه. مات ببغداد سنة 253 هـ في شهر صفر. انظر: تاريخ بغداد (14/ 304)، وتذكرة الحفاظ (2/ 548)، وتهذيب التهذيب (9/ 446). (¬2) هذا الفصل كله نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 279 - 283). (¬3) أخرجه أحمد في المسند (6/ 107)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (2/ 312) رقم (837)، وعبد بن حميد في المنتخب (3/ 230) رقم (1498)، وأبو يعلى في مسنده (8/ 128) رقم (4668)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 112) رقم (252)، وابن حبان في صحيحه (2/ 57) رقم (346)، والبيهقي في الاعتقاد (ص 235) من حديث عائشة بلفظه مطولًا، ولفظ عبيد بن حميد وابن حبّان مختصراً، وبعضهم بنحوه. قال الألباني في ظلال الجنَّة (1/ 112): (حديث صحيح).

فصل (15)

فصل (15) ويجب (¬1) اعتقادُ أن الخيرَ والشرَّ، والنفع والضرَّ، والحلوَ والمرَّ، بقضاء الله تعالى وقدره، لا مردّ لهما ولا محيص ولا محيد عنهما. ولا يصيب المرءَ إلا ما كتب له ربُّه. ولو جهد الخلائق أن ينفعوا المرء بما لم يقضه الله له لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يضروه بما لم يقضه الله عليه لم يستطيعوه؛ كما ثبت في الحديث الحسن الصّحيح عن تعليم النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "واعلم أنَّ الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو (¬2) اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" (¬3)، وقال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [يونس: 107]. ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (يجب) بدون واو. (¬2) في (ظ) و (ن): (وإن). (¬3) أخرجه الترمذي في صفة القيامة (4/ 575) رقم (2516)، وأحمد في مسنده (1/ 293)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 138) رقم (316)، وأبو يعلى في مسنده (4/ 430) رقم (2556)، والطبراني في الكبير (12/ 238) رقم (12988)، وابن السني في عمل اليوم واللّيلة (ص 201) رقم (425)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 216) رقم (195) من حديث ابن عبّاس بلفظه مطولًا. قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح). وقال الألباني - رحمه الله - في ظلال الجنَّة (1/ 138): (حديث صحيح).

ويجب أن لا يضاف إلى الله تعالى ما يُتوهمُ أنه نقصٌ على الإفراد، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس، وإن كان لا مخلوق إلا والربُّ - سبحانه وتعالى - خالقُه، وفي ذلك صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعاء استفتاح الصلاة: "تباركت وتعاليتَ، والخير كلُّه في يديك، والشرُّ ليس إليك" (¬1) ومعناه، والله أعلم: والشر ليس يضاف إليك إفراداً قصداً فيقال لك: يا خالق الشرِّ، أو يا مقدِّر الشرِّ، وإن كان هو الخالق المقدِّر لهما جميعاً (¬2)؛ ولذلك (¬3) في أسماء الله تعالى لم يذكر الضارَّ بانفراده، بل قال: الضارُّ النافع، المعزُّ المذل، الخافض الرافعُ، ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1/ 534) رقم (771)، من حديث عليّ مطولًا: "لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك واليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك". (¬2) بين شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (8/ 94 - 95) أن إضافة الشر وحده إلى الله لم يأت في كلام الله ولا كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: (لا يذكر الشر إلا على أحد وجوه ثلاثة: إمّا أن يدخل في عموم المخلوقات، فإنه إذا دخل في العموم أفاد عموم القدرة والمشيئة والخلق، وتضمن ما اشتمل عليه من حكمة تتعلّق بالعموم، وإما أن يضاف إلى السبب الفاعل، وإما أن يحذف فاعله. فالأول كقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] ونحو ذلك، ومن هذا الباب أسماء الله المقترنة كالمعطي المانع، والضار النافع، المعز المذل، الخافض الرافع ....... وأما حذف الفاعل فمثل قول الجن: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: 10]، وقوله تعالى في سورة الفاتحة: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] ونحو ذلك. وإضافته إلى السبب كقوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2]، وقوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79]، مع قوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} [الكهف: 82]). (¬3) في (ظ) و (ن): (وكذلك).

القابضُ الباسط، المحي المميت، المنتقم العفو (¬1)، وقد أضاف الخضرُ - عليه السلام - إرادة العيب إلى نفسه، وإرادة الخير والبرِّ والرّحمة إلى الله تعالى في قصة سورة الكهف فقال في السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79] , وفي الغلامين اليتيمين: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: 82]، وقال تعالى مخبراً عن إبراهيم - عليه السلام - أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، أضافَ المرضَ إلى نفسه، والشفاء إلى الله تعالى، وإن كان (¬2) الجميع منه (¬3) جلّ جلاله، وأضاف النعمة إليه سبحانه، والغضبَ أتى به سبحانه بصيغة المفعوليةِ من غير ذكر الفاعل فقال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]. ¬

_ (¬1) عبارة: (ولذلك في أسماء الله تعالى لم يذكر الضار بانفراده بل قال: الضار النافع، والمعز المذل، الخافض الرافع، القابض الباسط، المحي المميت، المنتقم العفو) ليست في عقيدة السلف للصابوني. (¬2) (كان) ليست في (ظ) و (ن). (¬3) هذا الفصل كله وإلى قوله: (.... وإن كان الجميع منه) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 284 - 285).

فصل (16)

فصل (16) ويجب اعتقاد أن الله تعالى مريدٌ لجميع أعمال العبادِ، خيرها وشرها. لم يؤمن أحدٌ إلا بمشيئته، ولم يكفُر إلا بمشيئته (¬1)، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود: 118] (¬2)، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99]، ولو شاء سبحانه أن لا يُعصى ما خلق إبليس. وكفْرُ الكافرين، وإيمان المؤمنين، وإلحاد الملحدين، وتوحيد الموحدين، وطاعة المطيعين، ومعصية العاصين، كلها بقضاء الله (¬3) وقدره وإرادته ومشيئته، أرادها، وشاءها، وقدّرها، وقضاها. ويرضى سبحانه الإيمان والطاعة، ويسخط الكفر والمعصية ولا يرضاها، قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: (ولم يكفر إلا بمشيئته) ذُكرت في (ظ) و (ن) بعد آية {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}. (¬2) في (ص) و (ظ) و (ن): (ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة) وهذه الآية بهذا اللفظ لم ترد في القرآن، والآية الصحيحة هي ما أثبت. (¬3) في (ظ) و (ن): (بقضائه). (¬4) هذا الفصل كله نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 285 - 286).

فصل (17)

فصل (17) ويجب اعتقاد أن عواقب العباد مبهمةٌ، لا يدري أحدٌ بم يُختمُ له، ولا يحكمون لواحدٍ بعينه أنه من أهل الجنة، ولا على واحدٍ (¬1) بعينه أنه من أهل النار (¬2)؛ لأن ذلك مغيّبٌ عنهم لا يعرفون على ما يموت عليه الناس، أعلى إسلامٍ أم على كفرٍ؟ (¬3) ولذلك (¬4) يقولون: نحن مؤمنون إن شاء الله (¬5) أي: نحن من المؤمنين الذين يُختم لهم بخيرٍ إن شاء الله (¬6). ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (أحدٍ). (¬2) قال الطحاوي - رحمه الله - في متن العقيدة الطحاوية (ص 15): (ولا ننزل أحداً منهم جنة ولا ناراً). (¬3) لأن حقيقة باطنه وما مات عليه لا نحيط به. (¬4) في (ظ) و (ن): (وكذلك). (¬5) هذه المسألة تسمى مسألة الاستثناء في الإيمان، وذلك أن يقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله، وقد اختُلف فيها على ثلاثة أقوال: فمنهم من يوجبها، ومنهم من يحرمها، ومنهم من يجيزها باعتبار ويمنعها باعتبار، أي: يفصّل فيها حسب مقصد قائلها، وهذا أصح الأقوال، فإن أراد المستثني الشكَّ في أصل إيمانه منع من الاستثناء، وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذين وصفهم الله في كتابه بصفات الإيمان، أو أراد بالاستثناء عدم علمه بالعاقبة، أو استثنى تعليقاً للأمر بمشيئة الله لا شكّاً في إيمانه، فكل ذلك جائز. انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 494 - 498). (¬6) من أول الفصل وإلى قوله: (... إن شاء الله) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 286).

ونقل الشيخ نصر المقدسيُّ - رحمه الله - عن أبي حاتم وأبي زرعة الرازيّيين عن جميع علماء الأمصار أنهم قالوا: (إن الناس مؤمنون في أحكامهم ومواريثهم، لا يدرى ما هم عليه عند الله تعالى، فمن قال: إنه مؤمن حقاً فهو مبتدعٌ، ومن قال، هو مؤمن عند الله فهو من الكاذبين، ومن قال إنه (¬1) مؤمن بالله حقاً فهو مصيب) (¬2). ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (إني). (¬2) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 199 - 200) رقم (321) ضمن اعتقاد أبي زرعة وأبي حاتم رحمهما الله.

فصل (18)

فصل (18) ومما يجب الإيمان به البعث بعد الموت يوم القيامة، وبكلِّ ما أخبر الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من أهوال ذلك اليوم، وأنه الحق، واختلاف أحوال العباد فيه والخلق مما يرونه ويلقونه هنالك في ذلك الموقف الهائل، من أخذ الكتب بالأيمان والشمائل، والإجابةِ عن المسائل، وغيرها من الزلازل الموعودة والبلابل، ومن الصراط والميزانِ ونشر الصحف التي فيها مثاقيلُ الذرِّ من الخير والشرِّ. ويجب الإيمان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمذنبي أهل التوحيد. وبالحوض، والكوثرِ. وإدخال فريقٍ من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبةِ فريقٍ حساباً يسيراً، وإدخالهم الجنة دون سوءٍ يمسُّهم وعذابٍ يلحقهم، وإدخال فريقٍ النارَ من المؤمنين، ثم إعتاقِهم وإخراجهم منها، وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إليها. ونعلم حقّاً يقينا أن مذنبي الموحدين لا يخلّدون في النار (¬1)، ولا يُتركون فيها أبدا (¬2)، وأما الكفار فإنهم يبقوْن فيها أبدَ الآبدين: {لَا ¬

_ (¬1) قوله هذا فيه رد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة؛ الذين يقولون بأن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب من كبيرته؛ فهو خالد مخلد في نار جهنم، والمذهب الحق الذي عليه سلف هذه الأمة هو ما ذكره المؤلف - رحمه الله -. (¬2) من بداية الفصل وإلى قوله: (... ولا يتركون فيها أبداً)، نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 257 - 263).

يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الجاثية: 35] (¬1)، {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75]. ونعلم ونشهد ونعتقد أن الجنة والنار مخلوقتان قبل الخلق، وأنهما باقيتان لا يفنيان أبداً (¬2). ولا يُخرِجُ اللهُ من الجنةِ أحداً، ولا يسلِّط عليهم الموت فيها، ولا يزيل عنهم نعيمها، ويأمر بالموت فيُذبَحُ على سورٍ بين الجنة والنار، وينادي المنادي: "يا أهل الجنةِ خلودٌ ولا موت (¬3)، ويا أهل النارِ خلودٌ ولا (¬4) موتَ"، على ما ورد به الخبرُ الصحيح (¬5) ................ ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (ولا يستعتبون). (¬2) أنكرت المعتزلة والقدرية خلق الجنة والنار، وقالوا: إنما يخلقان يوم القيامة، أما أهل السنة والجماعة فيؤمنون بأن الجنة والنار مخلوقتان لورود الأدلة على ذلك، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 131]. والقول بأبدية الجنة والنار وأنهما باقيتان لا تفنيان، هو قول أهل السنة والجماعة وسلف هذه الأمة؛ لثبوت ذلك في الكتاب والسنة، قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108]، وقال عن أهل الجنة: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [الأحزاب: 64 - 65]، وقال عن أهل النار: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة: 167]. انظر: حادي الأرواح لابن القيم (ص 11). (¬3) في (ظ) و (ن): (لا موت). (¬4) في (ظ) و (ن): (لا موت). (¬5) أخرجه البخاري في التفسير، باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (8/ 428) رقم (4730)، ومسلم في باب الجنة وصفة نعيمها .... (4/ 2188) رقم (2849) من حديث أبي =

عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ويجب الإيمان بملَك الموت الموكَّل بقبض أرواح العالمين، وبعذاب القبر [لمن] (¬2) كان له أهلًا. وكذلك يجب الإيمان بالملائكة جميعهم، وبالكرام الكاتبين، وأن الله تعالى قد جعلهم علينا حافظين. وبسؤال منكَرٍ ونكير الميت في قبره عن ربّه ودينه ونبيِّه على ما جاءت به الأخبار (¬3) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ¬

_ = سعيد الخدري بنحوه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون، وبنظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} " [مريم: 39]. وما أورده المؤلف من لفظ: "فيذبح على سور بين الجنة والنار" ليس في الصحيحين، وإنما هي عند الترمذي في سننه، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار (4/ 596) رقم (2557) من حديث أبي هريرة مطولًا. وصححه الألباني كما في صحيح الترمذى برقم (2072). (¬1) من قوله: (ونعلم ونشهد ونعتقد أن الجنة ....) وإلى قوله: (..... على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 264). (¬2) في (ص): (إنْ)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) حديث سؤال منكر ونكير ثابت في الصحيح. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في عذاب القبر ... (3/ 231) رقم (1369)، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها ... (4/ 2201) رقم (2871)، والترمذي في التفسير (5/ 276) رقم (3120)، وابن ماجه في الزهد، باب ذكر القبر والبلى (2/ 1427) رقم (4269) من حديث البراء بن عازب. ولفظ الترمذي: (عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]، قال: "في القبر إذا قيل له: من =

وعن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين (¬1). والقبر روضةٌ من رياض الجنة، أو حفرةٌ من حفر النار (¬2). وفي دعاء الأحياء المؤمنين نفعٌ (¬3) للأموات المؤمنين (¬4)، والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات، ويملك كلَّ شيء ولا يملكه شيءٌ، ولا غنى عنه طرفة عين، ومن (¬5) استغنى عنه (¬6) طرفة عين فقد كفر، وكان من أهل الحَين (¬7) (¬8). ¬

_ = ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ "). (¬1) من قوله: (ويجب الإيمان بملك الموت ....) وإلى قوله: (.... وعن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 17). (¬2) في (ظ) و (ن): (النيران). (¬3) في (ظ) و (ن): (منفعة). (¬4) اتفق أهل السنة على أن الأموات ينتفعون بدعاء الأحياء؛ خلافاً لأهل البدع من المتكلمين ونحوهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ} [الحجر: 10] فأثنى الله عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم، فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جاربة، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده" [أخرجه مسلم في كتاب الوصية]، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - برقم (1631). انظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (2/ 664 - 665). (¬5) في (ظ): (ولمن). (¬6) في (ظ) و (ن): (عن الله). (¬7) الحَيْن: بالفتح الهلاك، والمحنة. وقد حان الرجل: هلك. وأحانه الله تعالى: أهلكه. وكل ما لم يوفق للرشاد فقد حان. انظر: لسان العرب (13/ 136)، وتاج العروس (18/ 169 - 170). (¬8) من قوله: (وفي دعاء الأحياء ...) وإلى قوله: (..... وكان من أهل الحين)، نقله المؤلف بتصرف يسير من متن العقيدة الطحاوية (ص 17).

فصل (19)

فصل (19) (من أنكر الجنة أو النار أو البعث أو الحساب أو القيامة فهو كافر بإجماع؛ [للنص] (¬1) عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً، وكذلك من اعترف بذلك، ولكنه قال: إن المراد بالجنة والنار، والحشر والنشر، والثواب والعقاب معنًى غير ظاهره (¬2)، وإنها لذَّاتٌ (¬3) روحانيَّة، ومعانٍ باطنة، كقول النصارى، والفلاسفة، والباطنية، وبعض المتصوفة، وزعم (¬4) أن معنى القيامة الموت أو فناءٌ محضٌ، [وانتقاض] (¬5) هيئة الأفلاك، وتحليل العالم، كقول بعض الفلاسفة. وكذلك نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم: (إن الأئمة أفضل من الأنبياء) (¬6)، والله تعالى أعلم. ¬

_ (¬1) في (ص): (النص)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬2) في (ظ) و (ن): (ظاهر). (¬3) في (ظ) و (ن): (لذوات). (¬4) في الشفا: (وزعمهم). (¬5) في (ص) و (ظ) و (ن): (وانتفاء ظن) وهو تصحيف، وفي الشفا ما أثبته. (¬6) هذا الفصل بتمامه نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1077 - 1078).

فصل (20)

فصل (20) ونشهد لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة (¬1)، وإن كان من جملة الذين قضى الله تعالى تعذيبهم وتهذيبهم بالنار، فإنهم مردودون إلى نعيم دار القرار آخراً، ومن مات - والعياذ بالله تعالى - على الكفر فمردُّه إلى النار لا ينجو منها، وليس لبلائه وعذابه منتهى. ونشهد لمن شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة من أصحابه أنَّه من أهل الجنة، ونقطع بذلك اتَّباعاً له - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه لم يشهد لهم بالجنة إلا بعد أن أطلعه الله سبحانه عليه، وتبيَّن له حالهم ومآلهم، فإنه سبحانه يطلع رسوله - صلى الله عليه وسلم - على ما يشاء (¬2) من غيبه، قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27]، فقد بشَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشرة المعروفين من أصحابه بالجنة (¬3) وهم: أبو ¬

_ (¬1) هذه الشهادة على سبيل العموم لا على سبيل التعيين. (¬2) في (ظ) و (ن): (ما شاء). (¬3) أخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب عبد الرحمن بن عوف (5/ 605) رقم (3747)، والنسائي في الكبرى (5/ 56) رقم (8194)، وأحمد في المسند (1/ 193)، وابن حبان في صحيحه (15/ 463) رقم (7002)، وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً بلفظ: "عشرة من قريش في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وسعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل، وأبو عبيدة بن الجراح". وصححه أحمد شاكر في تعليقه على مسند أحمد (1/ 136) رقم (1675).

بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وسعيد، وأبو عبيدة بن الجراح (¬1). وفي روايةٍ صحيحة: وابن مسعود (¬2)، وبشّر خديجة - رضي الله عنها - ببيتٍ في الجنة من قصب لا صخب [فيه] (¬3) ولا نصب (¬4). وقال لبلال - رضي الله عنه -: "سمعت خشف (¬5) نعليك أمامي في الجنة" (¬6)، ¬

_ (¬1) من أول الفصل وإلى قوله: (.. وأبو عبيدة بن الجراح) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 286 - 287). (¬2) أخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده كما في المطالب العالية (16/ 446) رقم (4056) عن المقرىء، عن المسعودي، عن معمر بن عبد الرحمن، قال: صليت إلى جنب رجل، فجعلت أدعو وأنا ممسك بحصاة، فالتفت إلي فقال: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: ... فذكر خبراً، وفيه: (أن أبا بكر استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن له وبشره بالجنة ........ ثم جاء عبد الله بن مسعود فأذن له، وبشره ....) الحديث. وسكت عنه الحافظ ابن حجر، وكذا البوصيري، كما في مختصر إتحاف الخيرة (9/ 143) رقم (7331). وفي إسناده معمر بن عبد الرحمن، وشيخه - وهو الراوي عن ابن مسعود - لم يتبين حالهما. (¬3) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬4) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة ... (7/ 133) رقم (3819)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة (4/ 1887) رقم (2433) من حديث عبد الله بن أبي أوفى بلفظه. (¬5) قال ابن الأثير: (الخشْفة بالسكون وهو: الحس والحركة، وقيل: هو الصوت. والخشَفة بالتحريك: الحركة، وقيل: هما بمعنى، وكذلك الخشف). النهاية في غريب الحديث (2/ 34). (¬6) أخرجه البخاري في التهجد، باب فضل الطهور بالليل والنهار ... (2/ 34) رقم (1149)، ومسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل بلال (4/ 1910) رقم (2458) من حديث أبي هريرة مطولاً، وفيه: " ... فإني سمعت الليلة خشف نعليك =

قال مالك - رضي الله عنه -: الخشف (¬1): الوطء، والحسّ. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" (¬2). وكذلك قال عن عبد الله بن سلَّام: "إنه من أهل الجنة" (¬3)، وقال لثابت بن قيس بن الشمَّاس (¬4): "ليس هو من أهل النار، بل هو من أهل الجنة"، قال أنس: (فلقد كان يمشي بين أظهرنا، ونحن نقول: إنه في الجنة) (¬5). ¬

_ = بين يدي في الجنة"، هذا لفظ مسلم، وعند البخاري: "دفَّ نعليك" بدل "خشف نعليك". (¬1) في (ظ) و (ن): (والخشف). (¬2) أخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب الحسن والحسين (5/ 614) رقم (3768)، وأحمد في المسند (3/ 64، 62، 3)، وابن أبي شيبة في المصنف (12/ 96)، وأبو يعلى في مسنده (2/ 395) رقم (1169)، والطبراني في الكبير (3/ 38) رقم (2612)، وابن حبان في صحيحه (15/ 411 - 412) رقم (6959)، والحاكم في المستدرك (3/ 166 - 167)، وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري بلفظه، وعند بعضهم زيادة في آخره. قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح). وصححه الألباني كما في الصحيحة (2/ 438) رقم (796). (¬3) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام (7/ 128) رقم (3812)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن سلام (4/ 1930) رقم (2483) من حديث سعد بن أبي وقاص قال: (ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام). (¬4) في (ظ): (السماس)، وفي (ن): (الشماش). (¬5) أخرجه مسلم في الإيمان، باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله (1/ 110) رقم (119) من حديث أنس بنحوه أثناء حديث طويل. والقصة أخرجها البخاري في التفسير، باب سورة الحجرات (8/ 590) رقم (4846) دون قول أنس.

ومن أهل الجنة: سعد بن معاذ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمناديل سعد في الجنة خيرٌ من هذا" (¬1). جعفر (¬2) بن أبي طالب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دخلتُ الجنة البارحة فإذا فيها جعفر يطير مع الملائكة" (¬3). وكذلك زيد بن أرقم، وعبد الله بن رواحة، وحمزة في الجنة (¬4)، ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب مناقب سعد بن معاذ (7/ 133) رقم (3802)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل سعد بن معاذ (4/ 1916) رقم (2468) من حديث البراء قال: (أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها، ويعجبون من لينها، فقال: "أتعجبون من لين هذا؟ لمناديل سعد بن معاذ خير منها أو ألين")، واللفظ للبخاري. (¬2) كذا في جميع النسخ الخطية، وأتوقع أن يكون هنالك سقط، ومن المناسب أن يقال: (وكذلك جعفر بن أبي طالب)، أو: (وجعفر بن أبي طالب). (¬3) أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 107) رقم (1466)، والحاكم في المستدرك (3/ 196) من حديث ابن عباس بلفظ المؤلف. قال الحاكم: (صحيح الإسناد ولم يخرجاه). وتعقبه الذهبي بقوله: (سلمة ضعفه أبو داود)، يعني راويه عن عكرمة، عن ابن عباس، وهو سلمة بن وهرام. وأخرجه الحاكم أيضاً (3/ 212) من حديث أبي هريرة بلفظ: "مر بي جعفر الليلة في ملإ من الملائكة، وهو مخضب الجناحين بالدم". قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 76): (إسناده قوي على شرط مسلم). (¬4) قال المؤلف: (وكذلك زيد بن أرقم، وعبد الله بن رواحة، وحمزة في الجنة)، وتفصيل ذلك على النحو الآتي: أ - ذكر المؤلف زيد بن أرقم بأنه مبشر بالجنة على التعيين، وهذا خطأ؛ لأن الصحيح زيد بن حارثة. أما كون زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من أهل الجنة؛ فلأنهما من شهداء غزوة مؤتة، وقد ورد في تبشيرهما بالجنة أحاديث، منها: ما رواه عبد الرزاق في المصنف =

وفاطمة (¬1) بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنة (¬2)، وعمير (¬3) بن الحمام في الجنة (¬4)، .................................................. ¬

_ = مرسلاً (5/ 266) رقم (9562)، ومن طريقه الطبراني في الكبير - قطعة من الجزء 13 - (ص 183) رقم (431) وأبو نعيم في الحلية (1/ 120 - 121) عن ابن عيينة، عن ابن جدعان، عن ابن المسيب قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مثّلوا لي في الجنة في خيمة من درّ، كل واحد منهم على سرير، فرأيت زيداً وابن رواحة في أعناقهما صدوداً، وأما جعفر فهو مستقيم ... " الحديث. قال الهيثمي في المجمع (6/ 163): رواه الطبراني، وفيه علي بن زيد وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح، إلا أنه مرسل). ب - وأما كون حمزة في الجنة، فقد روى الحاكم في المستدرك (3/ 209) من حديث ابن عباس مرفوعاً: "دخلت الجنة البارحة، فإذا فيها جعفر يطير مع الملائكة، وإذا حمزة متكئ على سرير". قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي بقوله: (فيه سلم بن وهرام، ضعفه أبو داود)، وصححه الشيخ ناصر الألباني كما في صحيح الجامع (1/ 634) رقم (3363). وهناك أحاديث تدل على أن حمزة من أهل الجنة، منها: حديث علي: "سيد الشهداء حمزة"، أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 151) رقم (2958)، والحاكم (3/ 195)، والحديث صححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة (1/ 684) رقم (374). (¬1) في (ظ) و (ن): (فاطمة) بدون واو. (¬2) كما رواه الترمذي من حديث حذيفة مطولاً، وفيه: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة"، أخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب الحسن والحسين (5/ 619) رقم (3781)، وقال الألباني في المشكاة (3/ 1739): (سنده جيّد). (¬3) في (ظ): (عمير) بدون واو. (¬4) لحديث أنس يرفعه: "قوموا إلى جنّة عرضها السموات والأرض ... قال عمير: بخ بخ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يحملك على قول بخ بخ؟ " قال: رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنّك من أهلها". أخرجه مسلم في الإمارة، باب ثبوت الجنّة للشهيد (3/ 1509 رقم 1901).

والشهداء من أهل بدرٍ (¬1)، وأحدٍ (¬2)، والقرَّاء الذين قُتِلُوا ببئر معونة في الجنة (¬3)، وعكاشة بن محصن في الجنة (¬4)، والأولياء، والصديقون، والشهداء، والصالحون في الجنة. واعلم أن تعيين الجنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته - الصحابة وغيرهم - على ضربين: ضربٍ عيّن فيه الأشخاص، وهو المراد بقول أهل العلم: ولا نقطع لأحدٍ بالجنة إلا لمن قطع له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها وقد ذكرنا منهم قطعةً، وضربٍ عيّن فيه الأوصاف، فيتعينون لها بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم بالوصف؛ الذي نصَّ عليه رسول الله (¬5) - صلى الله عليه وسلم - أنه سبب ¬

_ (¬1) لحديث جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لن يدخل النار أحدٌ شهد بدراً والحديبية". أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة (4/ 1942 رقم 2496)، وأحمد في المسند (3/ 396) واللفظ لأحمد. (¬2) لقوله - صلى الله عليه وسلم - ردًّا على أبي سفيان يوم أحد: "لا سواء، أما قتلانا فأحياء يرزقون، وقتلاكم في النّار يعذبّون". أخرجه أحمد في مسنده (1/ 462) من حديث ابن مسعود، وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (6/ 191 رقم 4414): (إسناده صحيح). (¬3) لحديث أنس: (.... فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم فنعاهم فقال: "إن أصحابكم قد أصيبوا، وأنّهم سألوا ربهم نقالوا: ربنا أخبر عنّا إخواننا بما رضينا عنك، ورضيت عنّا ... ") الحديث، وعددهم سبعون شهيداً. أخرجه البخاري في المغازي، باب غزوة الرجيع (7/ 188 رقم 4098). (¬4) لحديث أبي هريرة يرفعه: "يدخل الجنّة من أمّتي زمرة هم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر" فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "اللهم اجعله منهم" ... " الحديث. أخرجه البخاري في الرقاق، باب يدخل الجنّة سبعون ألفاً بغير حساب (11/ 406 رقم 6542)، ومسلم في الإيمان (1/ 198 رقم 218) من حديث أبى هريرة، واللفظ للبخاري. (¬5) (رسول الله) ليست في (ظ) و (ن).

لدخول الجنة كأهل بدرٍ [لقوله] (¬1) - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله اطّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" (¬2)، ولا معنًى لذلك إلا دخول الجنة. وكذلك من عمل عملًا جعل له - صلى الله عليه وسلم - عليه الجنة من قولٍ، أو فعلٍ، أو نيّةٍ، فإنّا نقطع له بالجنة عليه من غير امتراءٍ ولا شكٍّ بالنسبة إلى الاتصاف بالفعل، أو القول، أو النية، لا بالنسبة إلى الشخص، فإن تحققنا الوصف جاز لنا القطع لصاحبه بالجنة تصديقاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بشرط مطابقته الوصف ظاهراً وباطناً، والله يعلم المفسد من المصلح، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (ص): (كقوله)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) أخرجه أبو داود في السنة، باب في الخلفاء (5/ 42) رقم (4654)، وأحمد في مسنده (2/ 295 - 296)، والحاكم في المستدرك (4/ 77 - 78) من حديث أبي هريرة باللفظ الذي أورده المصنف. قال الحاكم: (صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذا اللفظ على اليقين إنما أخرجاه على الظن). وأخرجه البخاري في المغازي، باب فضل من شهد بدراً (7/ 304) رقم (3983)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر ... (4/ 1941) رقم (2494) من حديث علي مطولًا، وفيه: " ... لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، واللفظ للبخاري. قال ابن حجر في الفتح (7/ 305): قال العلماء: (إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع).

فصل (21)

فصل (21) ونشهد ونعتقد أن أفضل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ، وأنهم الخلفاء الراشدون الذين ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافتهم بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الحافظ أبو حاتم بن حبان (¬1) في صحيحه بإسناده إلى سفينة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخلافة ثلاثون سنة (¬2)، وسائرهم ملوك، والخلفاء والملوك اثنا عشر" (¬3). ¬

_ (¬1) هو محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي الدارمي أبو حاتم البستي صاحب الصحيح والكتب المشهورة، سمع من أبي خليفة الفضل الجمحي وزكريا الساجي، وحدث عنه ابن منده والحاكم صاحب المستدرك. قال الحاكم: كان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال، ومن أعظم مؤلفاته: كتاب الصحيح، وكتاب الثقات والمجروحين. توفي ابن حبان سنة 354 هـ. انظر: طبقات الشافعية للسبكي (3/ 131)، وسير أعلام النبلاء (16/ 92)، والبداية والنهاية (11/ 259). (¬2) من أول الفصل والى قوله في الحديث: (الخلافة ثلاثون سنة) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 289). (¬3) أخرجه ابن حبان في صحيحه (15/ 34 - 35) رقم (6657) من حديث سفينة بلفظه. وأخرجه أيضاً أبو داود في السنة، باب في الخلفاء (5/ 36) رقم (4646)، والترمذي في الفتن، باب ما جاء في الخلافة (4/ 436) رقم (2226)، وأحمد في مسنده (5/ 221)، والحاكم (3/ 145)، والبيهقي في الدلائل (6/ 341) من حديث سفينة أيضاً بلفظ: "خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك، أو ملكه من يشاء ... "، وفيه زيادة، واللفظ لأبي داود. قال الترمذي: (هذا حديث حسن، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جهمان - وهو راويه عن سفينة - ولا نعرفه إلا من حديث سعيد بن جهمان). =

قال أبو حاتم - رحمه الله - معنى الخبر: أن من بعد (¬1) الثلاثين سنةً يجوز أن يقال لهم خلفاء أيضاً على سبيل الاضطرار، وإن كانوا ملوكاً في الحقيقة، وآخر الاثني (¬2) عشر من الخلفاء كان عمر بن عبد العزيز (¬3). فلما ذكر المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (الخلافة ثلاثون سنة) وكان آخر الاثني (2) عشر عمر بن عبد العزيز، وكان من (¬4) الخلفاء الراشدين المهديين أُطلق على من بينه وبين الأربع الأُول اسم الخلفاء، وذاك أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قبضه الله إلى جنته يوم الإثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة (¬5) من الهجرة، واستخلف الصديق ثاني وفاته، وتوفي أبو بكر [الصديق] (¬6) ليلة الإثنين لسبع عشرة ليلة ¬

_ = وقد حسنه الألباني من هذا الطريق كما في السلسلة الصحيحة (1/ 748) رقم (459). وقواه أيضاً قبله ابن تيمية في الفتاوى (35/ 18)، وله عليه كلام جيد. (¬1) في (ظ): (أن بعد). (¬2) في (ظ) و (ن): (الاثنا). (¬3) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الإمام الحافظ، العلامة المجتهد، الزاهد العابد، أمير المؤمنين، أبو حفص، القرشي الأموي، الخليفة الزاهد الراشد. حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، وغيرهم. وحدث عنه رجاء بن حيوة، وابن المنكدر، والزهري، وغيرهم. وهو تابعي من أهل المدينة، كان ثقة مأموناً، له فقه وعلم وورع، وروى حديثاً كثيراً، وكان إماماً عادلاً. وعده الشافعي خامس الخلفاء الراشدين. مات يرحمه الله بدير سمعان من أرض حمص سنة 101 هـ. انظر: طبقات ابن سعد (5/ 330)، والتاريخ الكبير (6/ 174)، وسير أعلام النبلاء (5/ 114). (¬4) (من) ليست في (ظ) و (ن). (¬5) في (ص): (سنة إحدى عشرة من الهجرة) فحذفت (سنة) الثانية لكي تستقيم الجملة. (¬6) في (ظ) و (ن) وليست في (ص).

مضت من جمادى الآخرة، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً، ثم استُخْلِفَ عمر [بن الخطاب] (¬1) - رضي الله عنه - اليوم الثاني من موت أبي بكر - رضي الله عنه - ثم قتل عمر، وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال، ثم استخلف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ثم قتل عثمان، وكانت خلافته اثنتي عشرة (¬2) سنة إلا اثني عشر (¬3) يوماً، ثم استخلف عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -[وقتل] (¬4) وكانت خلافته وخلافة ابنه الحسن خمس سنين وثلاثة أشهر إلا اثني عشر يوماً. فلما قتل عليّ - رضي الله عنه - وذلك يوم السابع عشر من رمضان سنة أربعين بايع أهل الكوفة الحسن بن عليّ بالكوفة، وبايع [أهل] (¬5) الشام معاوية بن أبي سفيان [بإيليا] (¬6)، (¬7) - رضي الله عنهما - ثم سار معاوية يريد الكوفة وسار [إليه] (¬8) الحسن بن عليّ، فالتقوا بناحية الأنبار (¬9)، واصطلحوا ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) في (ظ) و (ن): (عشر). (¬3) في (ن): (عشرة). (¬4) في (ص): (وقيل) وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬5) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬6) في (ظ) وليست في (ص) و (ن). (¬7) إيليا: بكسر أوله واللام، وياء، وألف ممدودة، اسم مدينة بيت المقدس. قيل: معناه بيت الله، وحكى الحفصي: فيه القصر، وفيه لغة ثالثة: حذف الياء الأولى، فيقال: إلياء بسكون اللام والمد، قال أبو علي: وقد سمي البيت المقدس إيلياء لقول الفرزدق: وبيتان بيت الله نحن ولاته ... وقصر بأعلى إيلياء شُرّف انظر: معجم البلدان (1/ 293). (¬8) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬9) الأنبار بفتح أوله مدينة على الفرات في غربي بغداد، بينهما عشرة فراسخ، وكانت الفرس تسميها: فيروز سابور، إذ كان أول من عمرها سابور بن هرمز ذو الأكتاف، =

على كتابٍ بينهم بشروطٍ فيه، وسلّم الحسن الأمر إلى معاوية، وذلك يوم الإثنين لخمس ليال بقين من [شهر] (¬1) ربيع الأول سنة إحدى وأربعين، وذلك تكملة خلافة النبوة ثلاثين سنة، وسمّيت (¬2) هذه السنة سنة (¬3) الجماعة (¬4). ثم ذكر الخلفاء والملوك بين الحسن وعمر بن عبد العزيز واحداً بعد واحدٍ وتاريخ مدته (¬5)، وآخرهم سليمان بن عبد الملك (¬6) مات سنة تسع وتسعين يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر بدابق (¬7). قال: ثم ¬

_ = ثم جددها أبو العباس السفاح. وفتحت الأنبار في أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة 12 هـ على يد خالد بن الوليد. ينسب إليها خلق كثير من أهل العلم. وهناك أنبار أخرى، وهي مدينة أيضاً قرب بلخ ناحية جوزجان. انظر: معجم البلدان (1/ 257 - 258). (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) في (ظ) و (ن): (سمِّي). (¬3) (سنة) ليست في (ظ) و (ن). (¬4) من قوله: (معنى الخبر أن من بعد الثلاثين سنة ...)، وإلى: (... وسميت هذه السنة سنة الجماعة) نقله المؤلف بتصرف يسير من صحيح ابن حبان (15/ 36 - 38) تعليقاً على حديث سفينة - رضي الله عنه - رقم (6657). (¬5) ذكر ابن حبان ذلك في صحيحه (15/ 39 - 40). (¬6) هو سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الخليفة، أبو أيوب القرشي الأموي. بويع بعد أخيه الوليد سنة 96 هـ. كان ديِّناً، فصيحاً، مفوّهاً، عادلاً، محبّاً للغزو. وولّى بعده عمر بن عبد العزيز، قيل: عاش أربعين سنة، وخلافته سنتان وتسعة أشهر وعشرون يوماً. توفي في العاشر من صفر سنة 99 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 111)، ووفيات الأعيان (2/ 420)، ومروج الذهب (2/ 127). (¬7) دابِق بكسر الباء وقد روي بفتحها، وآخره قاف: قرية قرب حلب من أعمال عَزَاز، بينها وبين حلب أربع فراسخ، عندها مرج معشب كان ينزله بنو مروان. ودابق =

بايع الناس عمر بن عبد العزيز في اليوم الذي مات فيه سليمان، وتوفي بديْر سمعان (¬1) من أرض حمص يوم الجمعة لخمس ليال بقين من رجب الفرد (¬2) سنة إحدى ومئة، وله يوم مات إحدى وأربعون سنة، وكانت خلافته سنتين (¬3) وخمسة أشهر وخمس ليال، وهو آخر الخلفاء الاثني عشر؛ الذين خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته بهم (¬4)، وذكر البيان في باب جواز إطلاق اسم الخلفاء عليهم للضرورة، وروى أحاديث في ذلك (¬5)، والله تعالى أعلم. ¬

_ = الأغلب عليه التذكير والصرف؛ لأنه في الأصل اسم نهر وقد يؤنث. انظر: معجم البلدان (2/ 416 - 417). (¬1) دير سمعان: ذكر الحموي أنه من نواحي دمشق، لا كما ذكره المؤلف من أنه من أرض حمص. ويقال: بكسر السين وفتحها، وذكر أنه موضع نُزَهٍ وحوله بساتين محدقة به، وعنده قصور ودور، وعنده قبر عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -. وسمعان هذا الذي ينسب الدير إليه، أحد أكابر النصارى، وله عدة أديرة في انحاء مختلفة. انظر: معجم البلدان (2/ 517). (¬2) (الفرد) ليست في (ظ) و (ن). (¬3) في (ظ) و (ن): (سنتان). (¬4) من قوله: (ثم بايع الناس عمر بن عبد العزيز ...)، وإلى: (... الذين خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته بهم)، نقله المؤلف بتصرف يسير من صحيح ابن حبان (15/ 40 - 41). (¬5) انظر صحيح ابن حبان (15/ 41 - 49).

فصل (22)

فصل (22) خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - (¬1) بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثابتة باختيار الصحابة، واتفاقهم عليه، وقولهم: (رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرضيناه لدنيانا) (¬2) يعني: أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس ¬

_ (¬1) خلافة الصديق - رضي الله عنه - هل ثبتت باختيار المسلمين، أم بالنص من النبي - صلى الله عليه وسلم -، سواء كان ذلك النص خفيًّا أم جليًّا؟. على أقوال: أ - أنها ثبتت بالاختيار، وهو قول جمهور العلماء، والفقهاء، وأهل الحديث، والمتكلمين وغيرهم. ب - أنها ثبتت بالنص الخفي، وهو قول طوائف من أهل الحديث، والمتكلمين، كما يروى ذلك عن الحسن البصري، وبعض أهل هذا القول يقولون بالنص الجلي. انظر: مجموع الفتاوى (35/ 47 - 49)، ومنهاج السنة النبوية (1/ 486). (¬2) قول المؤلّف: (وقولهم: رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا، فرضيناه لدنيانا). رُوي هذا من قول عليّ - رضي الله عنه -، رواه عنه جماعة من التابعين منهم: أ - النزّال بن سبرة قال لعلي بن أبي طالب: أخبرنا عن أبي بكر بن أبي قحافة، قال عليّ: (... كان خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضيه لديننا، فرضيناه لدنيانا). أخرجه الخلعي، وابن السّمان في الموافقة، كما في الرياض النّضرة لمحب الدين الطبري (1/ 70) رقم (152). ب - وعن الحسن قال: قال لي عليّ: لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظرنا في أمرنا، فوجدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قدّم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا ما رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا. ج - وعن قيس بن عبادة قال: قال لي عليّ: ... فذكر نحو الكلام السابق بأطول منه. =

أيام مرضه - وهي الدين -، فرضيناه خليفةً للرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمور دنيانا، وقولهم: (قدّمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن ذا الذي يؤخرك) (¬1). وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته بما ¬

_ = أخرج ذلك أبو عمر ابن عبد البرّ، وابن السّمان في الموافقة، وابن خيرون كما في الرياض النضرة لمحبّ الدين الطبري (1/ 189) رقم (498 - 499). وانظر الاستيعاب لابن عبد البرّ (3/ 97)، والتمهيد (23/ 126 - 129). وخبر قيس بن عبادة عن عليّ، أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد (23/ 129). (¬1) قول المؤلّف: (وقولهم: قدّمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن ذا الذي يؤخّرك؟). رُوي هذا عن عليّ - رضي الله عنه -، رواه عنه غير واحد، منهم سويد بن غفلة قال: (لما بايع النّاس أبا بكر قام خطيباً ... فقام إليه علي بن أبي طالب ومعه السيف، فدنا منه، وقال: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، قدّمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن ذا الذي يؤخّرك؟). أخرجه ابن السّمان في الموافقة كما في الرياض النضرة (1/ 216) رقم (538) وقال: (هو أسند حديث رُوي في هذا المعنى، وسويد بن غفلة أدرك الجاهلية، وأسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -). وأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدّثين (3/ 576) رقم (726) عن داود بن أبي عوف بنحوه. وأخرج ابن سعد في الطبقات (3/ 178 - 179)، وأحمد في المسند (1/ 396) والنسائي في المجتبى (2/ 74)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 539) رقم (1159)، والحاكم في المستدرك (3/ 67) من طريق زرّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود قال: (لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يصلي بالنّاس، فأيّكم تطيب نفسه أن يتقدّم أبا بكر؟، فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدّم أبا بكر)، واللفظ لأحمد. قال الحاكم: (صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)، ووافقه الذهبي. وقال الألباني في ظلال الجنّة (2/ 539): (إسناده حسن).

تبين [للصحابة] (¬1) أنه أحقُّ الناس بالخلافة بعد وفاته، فلذلك أجمعوا على خلافته، وانتفعوا، وارتفقوا (¬2)، وارتفعوا به، وعزّوا، وعلوا بسببه؛ حتى قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: (والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله، فقيل له: مَهْ يا أبا هريرة ما تقول؟) (¬3)، فأقام الحجة، وأوضح المحجة حتى صدقوه فيه، وشهدوا له بما ذكره فيه (¬4). ومما استدل به أبو بكر - رضي الله عنه - على الأنصار في تقديم المهاجرين عليهم ما قاله في خطبته التي خطبها عندهم: (نحن الصادقون وأنتم المفلحون، والله جعل المفلحين مع الصادقين) (¬5)، أما وصف (¬6) ¬

_ (¬1) في (ص): (الصحابة)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) ارتفقوا: جمع ارتفق، والرفق هو: اللطف وحسن الصنيع، وأرفقه: رفق به ونفعه، يقال: رفقت أرفق، وارتفق الرجل: إذا اتكأ على مرفقه؛ لأنه يستريح في الاتكاء عليه، والرفق بالكسر ما استعين به، واللطف: رَفَقَ به. انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 418)، ولسان العرب (10/ 118 - 121). (¬3) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (2/ 60) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة بلفظه مطولاً جدًّا. وذكره الصابوني في عقيدة السلف (ص 291)، والسيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 73). (¬4) من بداية الفصل وإلى قوله: (.... وشهدوا له بما ذكره فيه) نقله المؤلف بتصرف يسير من عقيدة السلف (ص 290 - 291). (¬5) أخرجه الواقدي في كتاب الردة (ص 36) ولفظه: (فلما فرغ ثابت بن قيس من كلامه أقبل عليه أبو بكر فقال: يا ثابت أنتم لعمري كما وصفت به قومك، لا يدفعهم عن ذلك دافع، ونحن الذين أنزل الله فينا: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8]، في كتاب الله - عز وجل -، وقد أكرمكم الله أن تكونوا الصادقين لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. والنص الذي نقله المصنف مأخوذ عن ابن العربي المالكي كما في العواصم من القواصم (ص 44 - 45) ولم يعزه ابن العربي لمصدر. (¬6) في (ظ): (وصفهم).

المهاجرين (¬1) بالصادقين؛ ففي قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] الآية ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8] (¬2). وأمّا وصف الأنصار بالمفلحين ففي الآية التي بعدها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9] إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] (¬3). وأمّا كون المفلحين مع الصادقين ففي قوله تعالى للأنصار في براءة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. ثم خلافة عمر - رضي الله عنه - باستخلاف أبي بكرٍ إياه، واتفاق الصحابة بعده عليه، وإنجاز وعد الله سبحانه مكانه (¬4) في إعلاء الإسلام، وإعظام شأنه (¬5). ثم خلافة عثمان بن عفان (¬6) - رضي الله عنه - بإجماع (¬7) أهل الشورى، ¬

_ (¬1) (المهاجرين) ليست في (ظ). (¬2) والآية بتمامها هي قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}. (¬3) والآية بتمامها هي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (¬4) أي: بمكانته أو لمكانته، وفي عقيدة السلف (ص 291): (بمكانه). (¬5) في عقيدة السلف: (وانجاز الله سبحانه - بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه - وعده) وهذه الجملة أوضح، وأكثر استقامة. (¬6) (بن عفان) ليست في (ظ) و (ن). (¬7) في (ظ) و (ن): (باجتماع).

وجملة الصحابة عليه، وسكون قلوبهم به حين جعل الأمر إليه. ثم خلافة عليّ - رضي الله عنه - ببيعة الصحابة إياه، حين عرفه ورآه كلٌّ منهم - رضي الله عنهم - أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة، ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه. فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين؛ الذين [نصر] (¬1) الله بهم الدين، وقصر الإلحاد، وقسر وقهر الملحدين، وقوَّى بمكانهم الإسلام، ورفع له بنهيهم الأعلام، ونوَّر بضيائهم وبهائهم الظلام، وفيهم أنزل قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} إلى قوله: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] (¬2)، فمن أحبهم، وتولاهم، ودعا لهم؛ فاز في الفائزين، ومن أبغضهم، وسبّهم، ونسبهم إلى ما نسبهم إليه الروافض والخوارج - لعنهم الله -؛ فقد هلك في الهالكين، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا ¬

_ (¬1) في (ص) (نضّر)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) قال الإمام مالك - رحمه الله - مستدلًا بهذه الآية: (من غاظه أصحاب محمد فهو كافر؛ قال تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]) كما ذكر ذلك القاضي عياض في الشفا (2/ 616)، وقال الخفاجي في نسيم الرياض (3/ 472) موضحاً ما ذكره القاضي عياض: (وهذا رواه الخطيب البغدادي عن عروة الزبيري قال: كنا عند مالك بن أنس فذكر عنده رجل انتقص الصحابة، فتلا قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] إلى آخره، وقال: من أصبح في قلبه غيظ على أصحاب محمد فقد أصابته هذه الآية).

أصحابي؛ فمن سبّهم فعليه لعنة الله" (¬1) (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 52) رقم (8)، والخطيب البغدادي في تاريخه (14/ 241) من حديث أنس بلفظ: "من يسب أصحابي فعليه لعنة من الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً". وضعفه الخطيب، وكذا الألباني كما في الصحيحة (5/ 448). وروي من حديث ابن عباس. أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 142) رقم (12709)، وابن عدي في الكامل (3/ 239) في ترجمة أبي يحيى القتات من حديث ابن عباس. وضعفه الألباني كما في الصحيحة أيضاً (5/ 446). والحديث حسنه الألباني كما في الصحيحة (5/ 448) بمجموع طرقه وشواهده. (¬2) من قوله: (ثم خلافة عمر - رضي الله عنه - ...) وإلى نهاية الفصل، نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 291 - 293).

فصل (23)

فصل (23) لا (¬1) نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنبٍ (¬2)، ونكفّره به إذا اعتقد حلّه (¬3)، أو جواز ارتكابه، أو أنه مأمور به أو أفضل من غيره؛ لأنه أضاف إلى الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ما لا يجوز إضافته، ومن أضاف إليهما أو إلى أحدهما ما لا يجوز عليه فقد (¬4) كفر؛ إذ أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أوامر الله؛ ولهذا (¬5) قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]. وكذلك من أضاف إلى إجماع المسلمين المعتدِّ بهم ما لا يجوز إضافته إليه كفر (¬6)؛ لإخبار الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بعصمتهم ¬

_ (¬1) في (ظ): (ولا). (¬2) مقصود المؤلف - رحمه الله - الرد على الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب، ولو قال: (لا نكفّر أحداً من أهل القبلة بكل ذنب) لكانت العبارة أحكم؛ لأن هناك من الذنوب ما إن يقترفها العبد فإنه يكفر بذلك؛ حتى لو لم يعتقد استحلال ذلك الذنب، كسب الله تعالى، والسجود للصنم. (¬3) لعل المؤلف استفاده من أبي جعفر الطحاوي، حيث قال في عقيدته: (ولا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب، ما لم يستحله). انظر: متن العقيدة الطحاوية (ص 14). (¬4) (فقد) ليست في (ظ) و (ن). (¬5) في (ظ) و (ن): (لهذا) بدون واو. (¬6) يقصد بالإضافة هنا مخالفة الإجماع، أما مخالف الإجماع فقد اختلف العلماء في تكفيره على قولين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (19/ 270): (والتحقيق: أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه، لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به. وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره). وسيتحدث المؤلف - رحمه الله - إن =

من الخطأ (¬1). إذا عرفت هذا، فاعلم أنه من كفّر مسلماً بغير حقٍّ أو قال له: يا كافر، من غير استنادٍ إلى ما يكفر ظاهراً هل يكفر بذلك؟ اختلف قول أصحاب الشافعيّ المتأخرين فيه على وجهين: أحدهما: وهو قول جمهورهم أنه لا يكفر بل هو عاصٍ بذلك؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها، فإن كان كما قال، وإلا [حار] (¬2) عليه" (¬3)، فلم يصرّح - صلى الله عليه وسلم - بكفره، وإنما معناه: رجع ¬

_ = شاء الله عن هذه المسألة بشيء من التفصيل. انظر: مجموع الفتاوى (7/ 38، 39)، وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (4/ 84)، ونواقض الإيمان القولية والعملية (ص 243 - 245). (¬1) قول المؤلّف: (لإخبار الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بعصمتهم من الخطأ). لعله يشير إلى حديث أبي بصرة الغفاري يرفعه: "سألت الله - عز وجل - أن لا يجمع أمّتي على ضلالة، فأعطانيها". أخرجه أحمد في المسند (6/ 396)، والطبراني في الكبير (2/ 280) رقم (2171)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/ 756) رقم (1390) من طريق الليث، عن أبي وهب الخولاني، عن رجل، عن أبى بصرة به. وإسناده ضعيف لإبهام الراوي عن أبي بصرة. ورُوِي من حديث ابن عمر بلفظ: "إن الله لا يجمع أمّتي على ضلالة". أخرجه الترمذي في الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (4/ 405) رقم (2167)، والحاكم في المستدرك (1/ 116). قال الترمذي: (هذا حديث غريب من هذا الوجه). وللحديث شواهد كثيرة، ولذا صحّحه الألباني في آداب الزّفاف (ص 240). (¬2) في (ص): (جار)، والمثبت من (ظ) وهو الموافق لنص الحديث؛ كما في مصادر التخريج السابقة. (¬3) أخرجه البخاري في الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل، فهو كما قال: (10/ 514) رقم (6104)، ومسلم في الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر (1/ 79) رقم (60) من حديث عبد الله بن عمر بلفظ: "أيما امرىء =

عليه إثم قوله (¬1). والثاني: وهو قول أصحاب الحديث منهم (¬2) والمحققين أنه يكفر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل الكفر راجعاً عليه عند عدم المحلّ في المدعوّ بالكفر، وذلك يقتضي الحكم بكفره، واختار هذا صاحبا التتمة (¬3) ¬

_ = قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه"، هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري بمعناه. وفي رواية عند مسلم (1/ 79 - 80) رقم (61)، وأحمد في المسند (5/ 166) من حديث أبي ذر: " .... ومن دعا رجلًا بالكفر، أو قال: عدو الله، وليس كذلك، الا حار عليه". وحار: بالحاء المهملة، ومعناه: رجع وباء. (¬1) هذا القول هو القول الراجح؛ لأن المعروف عند المحققين أن النصوص الواردة في ذلك إنما هي من نصوص الوعيد التي يستحق صاحبها العقوبة الشديدة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (35/ 101 - 102) في معرض ذبه عن أعراض بعض الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم -: (ومع هذا فقد اتفق المسلمون على أنه لا يكفر أحد من هؤلاء الأئمة، ومن كفرهم بذلك استحق العقوبة الغليظة التي تزجره وأمثاله عن تكفير المسلمين). انظر: مجموع الفتاوى (1/ 106)، (35/ 103 - 104)، والاستقامة (1/ 165 - 166). (¬2) يقصد بذلك أهل الحديث من أصحاب الشافعي المتأخرين، كما صرح بذلك سابقاً. (¬3) هو أبو سعيد عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري، المتولي، الشافعي، صاحب التتمة، تفقه بمرو على الفوراني، وببخارى على أبي سهل الأبيوردي، وبرع في الفقه والأصول والخلاف، وصف كتاباً في أصول الدين، وكتاباً في الخلاف، كان مولده سنة 426 هـ، وتوفي ليلة الجمعة من شوال سنة 478 هـ. انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (5/ 106)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 305)، وشذرات الذهب (3/ 358). أما كتاب (التتمة) فقال محقق كتاب طبقات الشافعية للأسنوي عبد الله الجبوري (1/ 306) رقم (277) حاشية (3): (التتمة، كتبها تعليقاً على كتاب شيخه أبي القاسم عبد الرحمن الفوراني الإبانة -، ومنها أجزاء كثيرة من نسخ متفرقة، في الأزهرية، =

والبحر (¬1)، والله أعلم. إذا عرفت هذا في أحد المسلمين، فاعلم أنه من كفّر نبيًّا أو صحابيًّا أو وليًّا من أولياء الله تعالى، أو أحداً من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أزواجه، أو ضللهم؛ فإنه يكفر بذلك بلا شكٍّ (¬2). وقد تقدم الكلام (¬3) على من سبّ الله أو رسوله أو غيرهما من الرسل والأنبياء، وأما من سبّ صحابيًّا أو تنقصه؛ فالمشهور من مذاهب العلماء عدم تكفيره، والرجوع في أمره إلى الاجتهاد والأدب، وهو المشهور من قول مالك - رحمه الله - قال: (من شتم أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبا بكر، أو عمر، أو عثمان، أو عليًّا، أو معاوية، أو ¬

_ = ودار الكتب، وأحمد الثالث، ومنها مصورات في معهد المخطوطات المصورة. قال الإسنوي: لم يكمل التتمة، بل وصل فيها إلى الحدود، فكملها جماعة). (¬1) هو جمال الدين عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الشيرازي، الشافعي، صاحب كتاب البحر. كان فقيهاً كبيراً، ذا حظ من كثير من العلوم، ورعاً زاهداً. توفي بشيراز سنة نيف وثلاثين وسبعمئة. أما كتابه (البحر) فقال عنه الإسنوي: هو مختصر أوضح من الحاوي الصغير، ومتضمن لزيادات، ويقال عنه: بحر الفتاوى. انظر: طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 291)، وشذرات الذهب (6/ 95)، وكشف الظنون (1/ 224). (¬2) قول المصنف - رحمه الله - بأن من كفر نبياً أو صحابياً، أو إحدى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه يكفر ظاهر لا ريب في صحته؛ لدلالة النصوص عليه. وأما قوله بأن من كفر ولياً من أولياء الله تعالى، أو أحداً من آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه يكفر فليس على إطلاقه؛ لعدم ورود النص بنفي الكفر عنهم من جهة، وإمكان وقوعه منهم من جهة أخرى. (¬3) انظر: (ص 235).

عمرو بن العاص، فإن قال: كانوا على ضلالٍ وكفرٍ قتل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكّل نكالاً شديداً) (¬1). وقال ابن حبيب (¬2): (من غلا من الشيعة إلى بغض عثمان والبراءة منه أُدّب أدباً شديداً، ومن زاد إلى بغض أبي بكر، أو عمر (¬3) فالعقوبة عليه أشدّ، ويكرر ضربه ويطال سجنه حتى يموت، ولا يبلغ به القتل إلا في سبّ النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬4). وقال أبو محمد بن أبي زيد (¬5) عن سحنون (¬6): ¬

_ (¬1) ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1108)، والزواوي في مناقب الإمام مالك (ص 143). (¬2) هو موسى بن عبد الرحمن بن حبيب الإفريقي القطان المالكي، أخذ عن محمد بن سحنون، وشجرة بن عيسى، وغيرهما، وروى عنه تميم بن أبي العربي، وأبو محمد بن مسرور، وجماعة. قال الذهبي: كان من أوعية العلم والفقه. انظر: طبقات المفسرين للداودي (2/ 341)، وسير أعلام النبلاء (14/ 226). (¬3) في (ظ) و (ن): (وعمر). (¬4) من قوله: (وأما من سب صحابيا أو تنقصه ....) وإلى: (... ولا يبلغ به القتل الا في سب النبي - صلى الله عليه وسلم -) نقله المؤلف بتصرف يسير من الشفا للقاضي عياض (2/ 1108). (¬5) هو عبد الله بن عبد الرحمن، أبو محمد القيرواني، المعروف بابن أبي زيد، شيخ المغرب، انتهت إليه رئاسة المذهب المالكي، سمع من أبي سعيد بن الأعرابي ومحمد بن الفتح، وأخذ عنه خلق كثير منهم: الفقيه عبد الرحيم بن العجوز السبتي، وعبد الله بن الوليد الأنصاري. قال القاضي عياض: حاز رئاسة الدين والدنيا، ورُحِل إليه من الأقطار، ونجب أصحابه، وكثر الآخذون عنه، وهو الذي لخص المذهب، وملأ البلاد من تواليفه، وهو صاحب كتاب الرسالة، توفي 389 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 10)، وشذرات الذهب (3/ 131)، وترتيب المدارك (4/ 492). (¬6) هو عبد السلام بن حبيب بن حسان بن هلال، أبو سعيد التنوخي، حمصي الأصل، المغربي، القيرواني، المالكي، قاضي القيروان، وصاحب المدونة، ويلقب =

(من قال في أبي بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي (¬1) - رضي الله عنهم -: إنهم كانوا على ضلالةٍ وكفر قتل، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل هذا نكّل النكال الشديد) (¬2). وروي عن مالك: من سبّ أبا بكر جلد، ومن سبّ عائشة قتل، قيل له: لم؟ قال: (من رماها فقد خالف القرآن (¬3)) (¬4)، قلت: قوله: فقد خالف القرآن، أي: كذّبه. وبهذا المعنى تمسك من كفّر بسبِّ الصحابة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، قال: لأن الله تعالى أخبر بأنه رضي عنهم ورضوا عنه (¬5)، ومعلوم أن الله - سبحانه وتعالى - لا يرضى الكفر، ولا يرضى عن أصحابه، فمن كفّر من أخبر الله سبحانه برضاه ¬

_ = بسحنون، سمع من سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وأخذ عنه ولده محمد، وأصبغ بن خليل القرطبي، وبقي بن مخلد. قال أشهب: ما قدم علينا أحد مثل سحنون، وقال يونس بن عبد الأعلى: سحنون سيد أهل المغرب، وقال عيسى بن مسكين: سحنون راهب هذه الأمة، ولم يكن بين مالك وسحنون أحد أفقه منه. انظر: ترتيب المدارك (2/ 585)، وسير أعلام النبلاء (12/ 63)، وفيات الأعيان (3/ 180). (¬1) في (ظ) و (ن): (وعمر وعثمان وعليّ). (¬2) ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1109). (¬3) ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1109)، والزواوي في مناقب مالك (ص 144). (¬4) من قوله: (وقال أبو أحمد بن أبي زيد ..) وإلى: (... من رماها فقد خالف القرآن)، نقله المؤلف بتصرف يسير من الشفا للقاضي عياض (ص 2/ 1109). (¬5) والآية التي عناها المؤلف هي قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

عنه فقد كذّب الله في خبره، ومن كذّب الله تعالى في خبره فهو كافرٌ إجماعاً (¬1)، والله أعلم. وقال ابن شعبان (¬2) عن مالك - رحمه الله - في قتل من سبّ عائشة: (لأن الله تعالى يقول: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور: 17] فمن عاد لمثله فقد كفر) (¬3). ¬

_ (¬1) لشيخ الإسلام ابن تيمية تفصيل جميل في حكم سابّ الصحابة متى يكفر؟ ومتى لا يكفر؟ في الصارم المسلول (ص 586 - 587)، حيث بين أن من اقترن بسبه دعوى الألوهية لأحد من الصحابة أو دعوى النبوة لأحدهم أو القول بأن جبريل غلط في الرسالة، وكذلك من زعم أن القرآن نُقص منه آيات أو له تأويلات باطنة تسقط الشرع الظاهر، أو زعم أنهم ارتدّوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا نفراً قليلاً، أو أن عامتهم فسّاق، ونحو ذلك، فهذا لا شك في كفره ولا خلاف في تكفيره. أما من سبهم سبًّا لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك، فهذا يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك. وأما من لعن وقبّح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم؛ لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد. (¬2) هو محمد بن قاسم بن شعبان، أبو إسحاق المصري، المعروف بابن القرطبي الحافظ، انتهت إليه رئاسة المالكية في مصر، أخذ عن ابن صدقة وغيره، وأخذ عنه الغافقي، والخولاني، وجماعة. وله مؤلفات منها: المختصر بما ليس في المختصر، والزاهي في الفقه ومناقب مالك، وكتاب الأشراط. قال الذهبي: كان صاحب سنة واتباع، وباع مديد في الفقه مع بصر بالأخبار وأيام الناس، مع الورع والتقوى، وسعة الرواية، مات سنة (355 هـ). انظر: ترتيب المدارك (3/ 293)، وميزان الاعتدال (4/ 14)، وسير أعلام النبلاء (16/ 78). (¬3) ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1109)، والزواوي في مناقب مالك (ص 144).

وحكى [أبو الحسن] (¬1) الصقلي (¬2) أن القاضي [أبا بكر بن الطيب] (¬3) (¬4) قال: (إن الله تعالى إذا ذكر في القرآن ما نسبه إليه المشركون سبّح نفسه لنفسه؛ كقوله - سبحانه وتعالى -: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} [الأنبياء: 26] (¬5) في آيٍ [كثيرةٍ] (¬6). وذكر تعالى ما نسبه المنافقون إلى عائشة، فقال: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ} [النور: 16] سبّح نفسه في تبرئتها من السوء كما سبّح نفسه في تبرئته (¬7) من السوء) (¬8). وهذا يشهد لمالك في قتل من سبّ عائشة، ومعنى هذا - والله أعلم: أن الله سبحانه ¬

_ (¬1) في (ص): (الحسن) وفي (ظ) و (ن): (ابن أبي الحسن)، والصواب (أبو الحسن) كما في الشفا. (¬2) هو أبو الحسن علي بن المفرج بن عبد الرحمن الصقلي، القاضي بمكة، سمع أبا بكر محمد بن أبي سعيد الإسفرايني صاحب أبي بكر الإسماعيلي الجرجاني، وأبا ذر الهروي المالكي الحافظ. روى عنه الحافظان أبو القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، وأبو الفتيان عمر بن عبد الكريم بن سعدويه الرواسي. وكانت وفاته سنة نيف وسبعين وأربعمئة، وذكر عبد الله المالكي صاحب (رياض النفوس) أنه توفي سنة تسع عشرة وثلاثمئة، ولم يذكر اسمه وإنما قال: أبو الحسن الصقلي الجزيري، وسرد له بعض القصص. انظر: الأنساب للسمعاني (3/ 549)، ورياض النفوس (2/ 204 - 206) رقم (213). (¬3) في (ص): (أبا الطيب)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬4) هو القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني، كما ذكر ذلك الخفاجي في نسيم الرياض (4/ 610)، وملا علي قاري في شرح الشفا (2/ 557). (¬5) والآية هي: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}. (¬6) في (ص): (كثير)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬7) في (ظ) و (ن): (تنزيهه). (¬8) ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1109).

لما عظّم سبّها كما [عظّم] (¬1) نفسه، وكان سبّها سبًّا لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، وقرن سبّ نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأذاه بأذائه تعالى (¬2)، وكان حكم مؤذيه تعالى القتل كان مؤذي نبيه كذلك (¬3)، ولهذا قال ابن شعبان: (ومن سبّ غير عائشة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ففيها قولان: أحدهما: يقتل؛ لأنه سبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبّ حليلته (¬4). والآخر: أنها كسائر أصحابه يجلد حدّ المفتري، قال: وبالأول أقول) (¬5). وشتم رجلٌ عائشة بالكوفة، فَقُدِّم إلى موسى بن عيسى العباسي (¬6) فقال: من أحضر هذا؟ قال ابن أبي ليلى (¬7): أنا، فَجُلد ¬

_ (¬1) في (ص): (يعظم)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) لعله يشير إلى قوله تعالى: [الأحزاب: 57 - 58]: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}. (¬3) من قوله: (وقال ابن شعبان عن مالك .....) وإلى: (..... كان مؤذي نبيه كذلك) نقله المؤلف بتصرف يسير من الشفا للقاضي عياض (ص 2/ 1109 - 1110). (¬4) في (ظ) و (ن): (خليلته). (¬5) قول ابن شعبان نقله المؤلف بتصرف يسير من الشفا للقاضي عياض (ص 2/ 1112 - 1113). (¬6) قال الخفاجي في نسيم الرياض (4/ 611) معلقاً على موسى بن عيسى العباسي أنه: (منسوب إلى عباس بن عبد المطلب عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذي في التواريخ أنه عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس، وأول من ولِيَ الخلافة من بني العباس السفاح، وجعل ولي العهد بعده أخاه المنصور، وبعده عيسى بن موسى حين خلع نفسه كرهاً، وقيل عوضه عشرة آلاف درهم، وجعل ابنه المهدي بعده، وبعده عيسى ابن موسى، فمات قبل المهدي سنة 168 هـ، ومات المهدي بعده بسنة). (¬7) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، أبو عبد الرحمن الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة. روى عن عطاء بن أبي رباح، وإسماعيل بن أمية. وروى عنه شعبة، ووكيع. =

ثمانين، وحُلِق رأسه، وأسلمه في الحجّامين (¬1) (¬2). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضاً (¬3)، (¬4) بعدي، فمن أحبهم فبحبِّي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه" (¬5). وقال - صلى الله عليه وسلم - (¬6): "لا تسبوا ¬

_ = قال العجلي: كان فقيهاً، صاحب سنة، صدوقاً، جائز الحديث، وكان عالماً بالقرآن. وضعفه الجمهور في الحديث لسوء حفظه، توفي سنة 148 هـ. انظر: الجرح والتعديل (7/ 322)، وميزان الاعتدال (3/ 613)، وتهذيب التهذيب (3/ 224). (¬1) الحجّامين: جمع حجام، والحجام: المصاص، يقال للحاجم الحجّام لامتصاصه فم المِحْجَمة. وأصله الحجم: وهو المص، يقال: حجم الصبي ثدي أمه؛ إذا مصّه. انظر: لسان العرب (12/ 116 - 117)، وتاج العروس (16/ 129). (¬2) نقل المؤلف هذه القصة من الشفا للقاضي عياض (ص 2/ 1110 - 1111). (¬3) في (ظ) و (ن): (عرضا). (¬4) الغرض: هو الهدف الذي يرمى فيه، وجمعه أغراض، والغُرض: شدة النزاع نحو الشيء والشوق إليه. انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 360)، ولسان العرب (7/ 193). (¬5) أخرجه الترمذي في المناقب، باب في من سب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - (5/ 653) رقم (3862)، وأحمد في المسند (5/ 54)، وفي فضائل الصحابة (1/ 47) رقم (2، 1) وابن أبي عاصم في السنة (2/ 465) رقم (992)، والمقدسي في النهي عن سب الأصحاب (ص 65) رقم (4) من حديث عبد الله بن مغفل بنحوه. قال الترمذي: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه). والحديث ضعفه الألباني كما في ظلال الجنة (2/ 465)، وفي السلسلة الضعيفة برقم (2901). (¬6) في (ظ) و (ن): (وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

أصحابي، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" (¬1) (¬2). وروي في حديثٍ: "لا تسبوا أصحابي فإنه يجيء قومٌ في آخر الزمان يسبون أصحابي، فلا تصلّوا عليهم، ولا تصلّوا معهم، ولا تناكحوهم، ولا تجالسوهم، وان مرضوا فلا تعودوهم" (¬3)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من سبّ أصحابي فاضربوه" (¬4). وقد أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن سبهم وأذاهم يؤذيه، وأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - حرامٌ. وقال: "لا تؤذوني في أصحابي، ومن آذاهم فقد آذاني" (¬5). وقال ¬

_ (¬1) قال ابن الأثير في الصرف: (أي: التوبة)، وقيل: النافلة، والعدل: الفدية، وقيل: الفريضة. انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 24). (¬2) تقدم تخريجه في (ص 327) حاشية رقم (3) وهو حديث حسن بمجموع طرقه وشواهده. (¬3) أخرجه الخلال في السنة (2/ 483) رقم (769)، والخطيب في الكفاية في علم الرواية (ص 96) وابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 344) من حديث أنس بنحوه. وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 162)، وقال: (قال ابن حبان: خبر باطل لا أصل له). وأشار شيخ الإسلام في الصارم المسلول (3/ 1099) إلى ضعفه، حيث قال: (في هذا الحديث نظر). وضعفه الشيخ الألباني - رحمه الله - كما في ضعيف الجامع الصغير (2/ 68) رقم (1537). (¬4) تقدم تخريجه في (ص 236) حاشية رقم (2)، من حديث علي بلفظ: "من سب الأنبياء قُتل، ومن سب الأصحاب جُلد"، قال عنه الألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 244) رقم (206): (موضوع). (¬5) أخرجه الترمذي في المناقب (5/ 653) رقم (3862)، وأحمد في المسند (5/ 54)، وفي فضائل الصحابة (1/ 47) رقم (1)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 479) رقم (992)، والمقدسي في النهي عن سب الأصحاب (ص 65) رقم (4) من حديث عبد الله بن مغفل بلفظ: "الله، الله في أصحابي ..... "، وفيه: "ومن آذاهم فقد =

- صلى الله عليه وسلم -: "لا تؤذوني في عائشة" (¬1). وقال: "فاطمة بضعة منّي، يوذيني ما آذاها (¬2) (¬3). وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه نذر (¬4) قطع لسان عبيد الله ابن [عمر] (¬5)؛ إذ شتم المقداد بن الأسود؛ فكلّم في ذلك فقال: (دعوني أقطع لسانه حتى لا يشتم أحداً (¬6) بعد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬7). ¬

_ = آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه" واللفظ للترمذي. والحديث ضعفه الألباني كما في ظلال الجنة (2/ 479)، وفي السلسلة الضعيفة برقم (2901). (¬1) هذه الرواية جزء من حديث طويل، أخرجه البخاري في الهبة، باب من أهدى إلى صاحبه، وتحرّى بعض نسائه دون بعض (5/ 205) رقم (2581)، وفيه: "لا تؤذوني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة". (¬2) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - (4/ 1903) رقم (244)، (94) من حديث المسور بن مخرمة بلفظه. وهو عند البخاري في فضائل الصحابة، باب ذكر أصهار النبي - صلى الله عليه وسلم - ..... (7/ 85) رقم (3729) بنحوه. (¬3) من قوله: (وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الله، الله في أصحابي .........) وإلى: (...... يؤذيني ما آذاها") نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (ص 2/ 1106 - 1108). (¬4) في (ظ) و (ن): (ندر). (¬5) هو عبيد الله بن عمر بن الخطاب القرشي - رضي الله عنهما -، ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان من أنجاد قريش وفرسانهم، قُتل بصفين مع معاوية - رضي الله عنه -. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (3/ 1010). (¬6) في (ظ) و (ن): (أحدٌ)، بالرفع، وبالتالي يكون الفعل (يشتم) مبنيًّا للمجهول. (¬7) أخرجه اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (7/ 1263 - 1264) رقم (2376 - 2377)، وابن بشران في أماليه (ص 125) رقم (271)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 60) من طريق قيس بن الربيع، عن وائل بن داود، عن البهي قال: شتم ابن لعمر بن الخطاب ...... فذكره بنحوه، وعند بعضهم: (وقع بين عبيد الله بن =

وأُتي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بأعرابيٍّ يهجو الأنصار، فقال: (لولا أنَّ له صحبةً لكفيتكموه) (¬1). قال (¬2) مالك - رحمه الله -: (من انتقص أحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس له [في] (¬3) هذا الفيء حقٌّ، قد قسّم الله الفيء في ثلاثة أصنافٍ، فقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] الآية، ثم قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: 9] الآية، ثم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10] الآية، فمن تنقَّصهم فلا حقَّ له في فيء المسلمين) (¬4). ¬

_ = عمر، وبين المقداد كلام فشتم عبيد الله المقداد .....) فذكره. وعزاه ابن تيمية في الصارم المسلول (3/ 1104) لابن بطة، ولم أجده في المطبوع. وعزاه ملا علي القاري في شرح الشفا (4/ 569) لتاريخ الخطيب، وابن عساكر. ولم أجده في تاريخ بغداد المطبوع. وفي إسناده: البهيّ، وهو عبد الله مولى مصعب بن الزبير، ويقال: إنه عبد الله بن اليسار، ليست له رواية عن عمر بن الخطاب، فهو لم يشهد القصة. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: (لا يحتج بالبهيّ، وهو مضطرب الحديث) (التهذيب: 6/ 90)، وقال ابن حجر في التقريب (ص 330): (صدوق يخطىء). وعليه فإسناده فيه ضعف؛ للانقطاع بين البهي وعمر، وكذا ضعف البهي نفسه، والله أعلم. (¬1) عزاه شيخ الإسلام في الصارم المسلول (3/ 1105) لأبي ذر الهروي. ولم أقف عليه عنده. وعزاه السيوطي في مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا (ص 248) رقم (1362): لمحمد بن قدامة المروزي في كتاب الخوارج عن أبي سعيد الخدري، وقال: (بسند رجاله ثقات). وعزاه ملا علي قاري في شرح الشفا (2/ 558) بمثل ما عزاه السيوطي. (¬2) في (ظ) و (ن): (وقال). (¬3) في (ص): (من)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬4) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (7/ 1344 - 1345) =

وفي كتاب ابن شعبان (¬1): (من قال في واحد منهم: إنه ابن زانية [و] (¬2) أمه مسلمة، يحدُّ (¬3) عند بعض أصحابنا حدّين: حدًّا له، وحدًّا لأمّه، ولا أجعله كقاذف الجماعة في كلمة؛ لفضل هذا على غيره؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من سبَّ أصحابي فاجلدوه" (¬4). قال: "ومن قذف أمّ أحدهم وهي كافرةٌ حُدّ حدّ الفرية؛ لأنه سبّ له، فإن كان أحدٌ من ولد [هذا] (¬5) الصحابي حيًّا قام بما يجب [له] (¬6)، وإلا فمن قام به من المسلمين كان على الإمام قبول قيامه"، قال (¬7): وليس (¬8) هذا كحقوق غير الصحابة، لحرمة هؤلاء [بنبيهم] (¬9) - صلى الله عليه وسلم -، ولو سمعه الإمام وأشهد عليه كان وليَّ القيام به (¬10). وروى أبو مصعبٍ (¬11) عن مالكٍ: (من انتسب إلى ......... ¬

_ = رقم (2400)، وذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1111)، وترتيب المدارك (2/ 4746). (¬1) ابن شعبان من كبار علماء المالكية، وله كتب كثيرة لكن إذا أطلق كتاب ابن شعبان، فيقصد به: الزاهي في الفقه، وهو من أهم مراجع المالكية، وكثيرا ما ينقلون منه ويحيلون عليه. (¬2) في (ص): (أو أمه)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) في (ظ) و (ن): (حدَّ). (¬4) تقدم تخريجه في (ص 236) حاشية رقم (2) من حديث علي بلفظ: "من سب الأنبياء قتل، ومن سب الأصحاب جُلد". (¬5) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬6) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬7) أي ابن شعبان. (¬8) في (ظ) و (ن): (فليس). (¬9) في (ص): (نبيهم) بدون الباء، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬10) قول ابن شعبان ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1112). (¬11) هو أبو مصعب أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن مصعب القرشي الزهري =

[بيت] (¬1) النبي - صلى الله عليه وسلم - يضرب ضرباً وجيعاً، ويشهر ويحبس (¬2) طويلاً حتى تظهر توبته (¬3)؛ لأنه استخفاف بحقَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -) (¬4). وقال القاضي عياض - رحمه الله -: وأفتى أبو المطرّف الشعبي (¬5) - فقيه مالَقَة - (¬6) في رجل أنكر تحليف امرأةٍ ......................... ¬

_ = المدني، قاضي المدينة، ولد سنة خمسين ومئة، ولازم مالك بن أنس، وتفقه به، وسمع منه الموطأ وأتقنه عنه، وحدث عنه البخاري ومسلم، وبقية الستة، لكن النسائي بالواسطة. قال الدارقطني: أبو مصعب ثقة في الموطأ، وقدمه على يحيى بن بكير، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: صدوق. وقال الذهبي: احتج به أصحاب الصحاح، قال ابن حزم: آخر شيء روى من الموطآت: موطأ أبي مصعب، وموطأ أحمد بن إسماعيل السهمي. توفي سنة: 241 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 436)، وتذكرة الحفاظ (2/ 60)، وتهذيب التهذيب (11/ 52). (¬1) في (ص): (بنت)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) في (ظ): (ويجلس). (¬3) في (ن): (ثوبته). (¬4) ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1113). (¬5) هو أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس القرطبي المالكي، حدث عن أبي عيسى الليثي، وأبي جعفر بن عون الله، وحدث عنه: أبو عمر الطلمنكي، وأبو عمر بن سمبق، وله مؤلفات كثيرة منها: كتاب القصص، وأسباب النزول، وفضائل الصحابة ..... قال الذهبي: كان حافظاً، ناقداً، جهبذاً، مجوّداً، محققاً، بصيراً بالعلل والرجال، مع قوة في الفقه والفضائل، وكان يملي من حفظه، ولي الوزارة للمظفر بن أبي عامر. انظر: ترتيب المدارك (4/ 671)، وسير أعلام النبلاء (17/ 211)، والنجوم الزاهرة (14/ 231). (¬6) مالَقَة: بفتح اللام والقاف، هي كلمة أعجمية، وتطلق على مدينة في الأندلس، =

بالليل (¬1)، وقال: لو كانت بنت أبي بكر الصديق ما حلفتْ إلا بالنهار، وصوب [قوله] (¬2) بعض المتسمِّين بالفقه، فقال أبو المطرف: (ذكر هذا لابنة أبي بكر الصديق في مثل (¬3) هذا يوجب عليه الضرب الشديد، والسجن الطويل، والفقيه الذي صوّب قوله هو أحق باسم الفسق من اسم [الفقيه] (¬4)، فيتقدم إليه في ذلك ويؤخر ولا تقبل فتواه ولا شهادته، وهي جرحةٌ ثابتة فيه، ويبغض في الله - عز وجل -) (¬5)، والله أعلم (¬6). ¬

_ = كانت عامرة من أعمال ريّة، تطل على شاطىء البحر بين الجزيرة الخضراء والمريّة، عمّرت وقصدها التجار وأصحاب المراكب، فتضاعفت عمارتها، وصارت مقصداً لكل الناس، ونسب إليها كثير من أهل العلم منهم: عزيز بن محمد اللخمي المالقي، وسليمان المعافري المالقي، وغيرهم. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (5/ 43). (¬1) أي: وجّه لهذه المرأة يمين، وأريد منها أن تحلف بالليل وهي محجبة ومخدرة. انظر: (شرح الشفا للقاضي عياض) لملا علي قاري (2/ 560). (¬2) في (ص): (قول)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) (مثل) ليست في (ظ) و (ن). (¬4) في (ص): (الفقه)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬5) من قوله: (وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه نذر ......) وإلى نهاية هذا الفصل، نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (2/ 1111 - 1114). (¬6) (والله أعلم) ليست في (ظ) و (ن).

فصل (24)

فصل (24) ونعتقد جواز الجمعة والعيدين وغيرهما خلف كل إمامٍ مسلم، برًّا كان أو فاجراً (¬1)، (¬2)، وهذا إذا كان الإمام الخليفة أو السلطان، أما إذا كان الإمام غيرهما فالأولى أن يكون عدلًا، ويكره أن يكون فاسقاً. والحق في إمامته للمسلمين لا فيها حقٌ للسلطان سوى التولية، ذكر ذلك جماعةٌ من العلماء؛ ولأنه وصلة بين الخلق وخالقهم فالأولى (¬3) أن يكون عدلاً، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليؤمكم خياركم وأكثركم أخذاً للقرآن" (¬4). ونعتقد جواز الجهاد للكفار معهم وإن كانوا جورةً فجرةً، وندعوا لهم بالإصلاح، وبسط العدل في الرعية، ولا يجوز الخروج عليهم ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (فاجرٌ). (¬2) هذه الجملة استفادها المؤلف من عقيدة السلف (ص 294)، حيث قال الصابوني - رحمه الله -: (ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين، وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم، براً كان أو فاجراً). (¬3) في (ظ) و (ن): (والأولى). (¬4) أخرجه الدارقطني في السنن (2/ 88)، والطبراني في الكبير (20/ 328) رقم (777)، والحاكم في المستدرك (3/ 222) من حديث أبي مرثد الغنوي بلفظ: "إن سَركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم". قال الدارقطني: (إسناد غير ثابت). وضعفه الألباني كما في السلسلة الضعيفة (4/ 303) رقم (1823). وأما طرفه الثاني فيشهد له حديث عمرو بن سلمة عند البخاري في المغازي (8/ 22) رقم (4302) بلفظ: "وليؤمكم أكثركم قرآناً".

بالسيف وإن صدر منهم العدول عن العدل إلى الجور والحيف (¬1)، ويجوز الخروج عليهم بقول الحق (¬2)؛ لإعلاء كلمة الله تعالى والصدق، ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه زبيبة" (¬3) رواه البخاري. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحبّ وكره إلا أن يُؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" (¬4) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال (¬5) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك" (¬6) رواه مسلم. ¬

_ (¬1) من قوله: (ونعتقد جواز الجهاد ...) وإلى قوله: (... إلى الجور والحيف) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف للصابوني (ص 294). (¬2) الصدع بكلمة الحق ومناصحة الأئمة، لا يعتبر خروجاً عليهم؛ لأن ذلك من مقتضى النصيحة لأئمة المسلمين، بل ورغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يؤدي المؤمن النصيحة إلى أئمة الجور وإن خاف منهم الهلاك، وعد ذلك من أفضل الجهاد كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - الآتي ذكره إن شاء الله، إلا أن ذلك مشروط بالالتزام بالضوابط الشرعية الأخرى، ومراعاة المصالح والمفاسد والأحوال، وذلك موكول لأهل العلم القادرين على تمييز ذلك والمدركين لمآلاته، والمصنف - رحمه الله - إنما أراد بقوله هذا؛ بدليل ما سيأتي من كلامه من تفصيل ذلك باعتبار أحوال الأئمة. (¬3) أخرجه البخاري في مواضع، منها كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى (2/ 184) رقم (693). (¬4) أخرجه البخاري في الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (13/ 121) رقم (7144)، ومسلم في الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ... (3/ 1469) رقم (1839) من حديث ابن عمر بلفظه. (¬5) في (ظ) و (ن): (أنه قال). (¬6) أخرجه مسلم في الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ........ (3/ 1465) رقم (1836) من حديث أبي هريرة بلفظه.

وعن أبي هنيدة وائل بن حجر - رضي الله عنه - قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفيُّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا نبي الله، أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه"، ثم سأله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حمِّلوا وعليكم ما حملتم" رواه مسلم (¬1). وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم وبحبونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم". قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم، قال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة (¬2) (¬3) رواه مسلم، يصلّون عليهم: يدعون لهم. وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر" رواه أبو داود والترمذي (¬4)، (¬5)، وقال: حديث حسن. ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في الإمارة، باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق (3/ 1474) رقم (1846) من حديث وائل بن حجر بلفظه مطولاً. (¬2) في (ظ): لم تكرر جملة (لا ما أقاموا فيكم الصلاة). (¬3) رواه مسلم في الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم (3/ 1481) رقم (1855) من حديث عوف بن مالك بلفظه، وفيه: "أفلا ننابذهم السيف". (¬4) هو أبو عيسى محمد بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك الترمذي. ولد في حدود سنة عشر ومئتين. روى عن قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن حجر وغيرهم. وعنه أبو بكر السمرقندي، وأبو حامد المروزي وغيرهما. وهو صاحب (الجامع) المسمى بـ (السنن)، وكتاب (العلل). كانت وفاته سنة تسع وسبعين ومئتين بترمذ. انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 270)، والبداية والنهاية (11/ 71). (¬5) أخرجه أبو داود في الملاحم، باب الأمر والنهي (4/ 514) رقم (4344)، والترمذي في الفتن، باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر (4/ 409) رقم (2174) من حديث أبي سعيد الخدري بلفظه. قال الترمذي: (حديث =

فإن كان الإمام الذي هو السلطان الغالب عليه قبول الحق والعمل به ألان له القول، ولم يخرج عليه به، وإن كان جائراً أغلظ له في القول إلا أن يخاف أن يسطو عليه، فيلين له القول، والكتاب العزيز والسنة النبوية تشهد بهذا جميعه (¬1)، أما الكتاب فقوله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94] ومعلوم أن الصدع لا يكون غالباً إلا بغلظةٍ. وقال تعالى لموسى وهارون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44]، لما قالا: {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه: 45] (¬2). وأما السنة فيما رويناه عن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أهان السلطانَ أهانه الله" رواه الترمذي (¬3) وقال: حديث حسن. ¬

_ = حسن غريب من هذا الوجه). وأخرجه أيضاً ابن ماجه في الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2/ 1329) رقم (4011)، وأحمد في مسنده (3/ 19)، والحاكم في المستدرك (4/ 505، 506) من حديث أبي سعيد الخدري أيضاً بلفظه، وفي رواية "كلمة حق" بدل "كلمة عدل"، وقال الحاكم: (تفرد بهذه السياقة علي بن زيد بن جدعان القرشي عن أبي نضرة، والشيخان - رضي الله عنهما - لم يحتجا بعلي بن زيد). وحسن إسناده الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة (1/ 806) رقم (491) بمجموع طريقيه. (¬1) في (ظ) و (ن): (بجميع هذا). (¬2) في (ظ): (إنا) وهذا خطأ. (¬3) أخرجه الترمذي في الفتن، باب ما جاء في الخلفاء (4/ 435) رقم (2224) من حديث أبي بكرة بلفظه عن زياد بن كسيب العدوي قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أهان سلطانَ الله في الأرض أهانه الله". قال الترمذي: (حديث حسن غريب). ورواه أيضاً أحمد في مسنده (5/ 42)، والطيالسي في مسنده (ص 121) رقم (887)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 367)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ =

فصل (25)

فصل (25) ولا يجوز لأحدٍ طاعة أحد في معصية الله؛ فإنه لا طاعةَ إلا لله، وكل من وجبت طاعته فإنما وجبتْ بأمر الله؛ فطاعة ولاة الأمور إنما وجبت بأمر الله، فإذا أمروا بما يخالفه سبحانه فلا سمع ولا طاعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق" (¬1). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الطاعةُ في المعروف" (¬2). ¬

_ = 475) رقم (1017 - 1018)، والبزّار في مسنده (9/ 121) رقم (3670)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 163 - 164) من حديث أبي بكرة أيضاً بلفظ: "من أهان سلطانَ الله في الدنيا أهانه الله يوم القيامة". والحديث حسنه الألباني بمجموع طرقه كما في السلسلة الصحيحة (5/ 375) رقم (2297)، وفي ظلال الجنة (2/ 475). (¬1) أخرجه أحمد في المسند (4/ 432)، والطيالسي في المسند (ص 115) رقم (856)، والطبراني في الكبير (18/ 185) رقم (437) من حديث عمران بن حصين بلفظ: "لا طاعة في معصية الله"، ولفظ الطبراني: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله". وصححه الألباني كما في الصحيحة (1/ 297) رقم (179). ورواه الطبراني أيضاً (18/ 170) رقم (381) من حديث عمران أيضاً باللفظ الذي أورده المؤلف. (¬2) أخرجه البخاري في الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (13/ 122) رقم (7145)، ومسلم في الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية (3/ 1469) رقم (1840) من حديث علي بن أبي طالب بلفظه مطولًا، قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سريّة، وأمّر عليهم رجلًا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوا، فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطباً، وأوقدتم ناراً، ثم دخلتم فيها، فجمعوا =

فصل (26)

فصل (26) ويجب الكفّ عما شَجَر بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتطهير الألسنة من ذكر ما يتضمن عيباً ونقصاً فيهم، والترحم على جميعهم، والموالاة لكافتهم (¬1)، وتعظيم قدر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهن -، والدعاء لهن، ومعرفة حقهنّ، والإقرار بأنهن أمهات المؤمنين (¬2). ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قال] (¬3) "اذكروا محاسن موتاكم، وكفّوا ¬

_ = حطباً، فأوقدوا ناراً، فلما هموا بالدخول، فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنما تبعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فراراً من النار، أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار، وسكن غضبه، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف". (¬1) يجب على كل مسلم أن يحبَّ جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويترضى عنهم، ويترحم عليهم، ويحفظ لهم فضائلهم، ويعترف لهم بسوابقهم، وينشر مناقبهم، وأن الذي حصل بينهم إنما كان عن اجتهاد، والجميع معذورون، ولم يجوز أهل السنة والجماعة الخوض فيما شجر بينهم، قال ابن أبي زيد القيرواني في رسالته (ص 75): (وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الواسطية (ص 201): (ويمسكون عما شجر بين الصحابة. ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه. والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون). (¬2) من بداية هذا الفصل وإلى قوله: "أمهات المؤمنين" نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 294). (¬3) في (ظ) و (ن) وليست في (ص).

عن مساوئهم" (¬1)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا" (¬2) (¬3)؛ ولأن المقصود من ذكر الأحياء بالمساوئ شرعاً إنما هو انزجارهم عن المعاصي (¬4) والقبائح، وهذا مفقودٌ في الميت؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"، وهذا في أحد موتى المسلمين، فكيف بمن أخبر الله عنهم بأنه رضي عنهم ورضوا عنه، وأجمعت الأمة المعتد بإجماعهم على عدالتهم (¬5)، وأمرنا باتباعهم، وتعظيمهم، وتوقيرهم، والرجوع إليهم في الدين، والعلم، وتفسير الكتاب العزيز، وغير ذلك؟!. ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود في الأدب، باب النهي عن سب الموتى (5/ 206) رقم (4900)، والترمذي في الجنائز، باب (34) (3/ 339) رقم (1019)، والطبراني في الكبير (12/ 438) رقم (13599)، وفي الصغير (1/ 280) رقم (461)، وابن حبان في صحيحه (7/ 290) رقم (3020)، والحاكم (1/ 385)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 75) من حديث ابن عمر بلفظه. قال الترمذي: (هذا حديث غريب، سمعت محمداً يعني البخاري يقول: عمران بن أنس المكي: منكر الحديث). وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي؛ توهماً منهما أن عمران بن أنس هو عمران بن أبي أنس الثقة، وهو غير الأول. والحديث ضعفه الألباني كما في ضعيف أبي داود (ص 484) رقم (4900)، وفي مشكاة المصابيح أيضاً برقم (1678). (¬2) أخرجه البخاري في الجنائز، باب ما ينهي عن سب الأموات (3/ 258) رقم (1393) من حديث عائشة بلفظه. (¬3) قال ابن بطة في الشرح والإبانة (ص 264 - 265): (ثم الترحم على جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صغيرهم وكبيرهم، وأولهم وآخرهم، وذكر محاسنهم ونشر فضائلهم، والاقتداء بهديهم، والاقتفاء لآثارهم، وأن الحق في كل ما قالوه، والصواب فيما فعلوه). (¬4) في (ظ) و (ن): (المساوئ). (¬5) أجمع أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة - رضي الله عنهم - بلا استثناء؛ نظراً لما أكرمهم الله به من شرف الصحبة لنبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ ولما لهم من المآثر الجليلة والمناقب الحميدة، =

فصل (27)

فصل (27) ولا يجبُ لأحد على الله شيء (¬1) (¬2). بل كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل. فلا يجب لأحد الجنة - وإن كان عمله أحسن الأعمال، وعبادته أخلص العبادات، وطاعته أزكى الطاعات - إلا أن يتفضل الله ¬

_ = قال ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 8): (الصحابة - رضي الله عنهم - قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين، وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول)، وقال النووي في شرح صحيح مسلم (15/ 149): (اتفق أهل الحق، ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم، ورواياتهم، وكمال عدالتهم - رضي الله عنهم -)، وقال ابن حجر في الإصابة (1/ 17): (اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة). (¬1) في (ظ) و (ن): (شيئاً). (¬2) مسألة الوجوب، أو هل يجب على الله شيء؟، هي أثر من آثار اختلاف الناس في الحسن والقبح العقليين، فالمعتزلةُ يرون أن الله تجب عليه أشياء وأمور بالعقل، كما يتضح ذلك في أصلهم إنفاذ الوعيد. وذهب الأشاعرة إلى أن الله لا يجب عليه شيء؛ لأنه هو المالك المتصرف في عباده!، ولا حق للمخلوق على الخالق بحال. ومنهج السلف وسط بين الفريقين، إذ يقولون: إن العقل لا يوجب على الله أي شيء، ولكن لله أن يوجب على نفسه ما شاء، وله أن يحرم على نفسه ما شاء تكرماً وتفضلاً وفق حكمته البالغة، كما جاءت بذلك النصوص، ولا يلزم من إيجاب الله على نفسه أشياء أن يكون فاعلاً بالإيجاب، أي: لا اختيار له؛ لأنه سبحانه أوجبه على نفسه باختياره. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 775)، وقاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص 58).

عليه، فيوجبها له بمنِّه وفضله. وعمل الخير الذي عمله إنما [تيسّر] (¬1) له [بتيسير] (¬2) الله عزَّ اسمه، فلو لم يُيَسِّره له لم يُيَسر (¬3)، ولو لم يهده لفعله لم يهتد بجهده أبداً وجدّه (¬4)، قال الله تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} (¬5) [النور: 21]. وقال تعالى مخبراً عن أهل الجنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]. وثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله"، قالوا: ولا أنت؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه، وفضل" (¬6)، فالعمل من فضله، والجزاء عليه من فضله. ¬

_ (¬1) في (ص): (يُيَسَرُ)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) في (ص): (بتسيير)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) في (ظ) و (ن): (يتيسر). (¬4) في (ظ): (وحده). (¬5) من قوله: (فلا يجب لأحد الجنة ...) وإلى نهاية قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} نقله المؤلف بتصرف من: عقيدة السلف (ص 294 - 295). (¬6) أخرجه البخاري في كتاب المرض، باب تمني المريض الموت (10/ 127) رقم (5673)، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى (4/ 2169) رقم (2816) من حديث أبي هريرة بنحوه.

فصل (28)

فصل (28) لا نفضِّل أحداً من الأولياء على الأنبياء، ونقول: نبيٌّ واحد أفضل من جميع الأولياء، ونؤمن بكراماتهم وما صح عن الثقات فيها (¬1) وآياتهم (¬2)، وقد ثبتت (¬3) كراماتهم بكتاب الله - عز وجل -، وسُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. والمعجزة للأنبياء، والكرامة للأولياء، فالمعجزة: ما وقع التحديّ بها (¬4)، ............................................. ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (منها). (¬2) من بداية الفصل وإلى قوله: (.... وما صح عن الثقات فيها وآياتهم) نقله المؤلف يتصرف يسير من متن العقيدة الطحاوية (ص 19). (¬3) في (ظ): (ثبت). (¬4) التحدي ليس شرطاً من شروط المعجزة كما قرره المتكلمون؛ لأن التحدي قد يقترن بالمعجزة في بعض الأحيان، وأحياناً أخرى لا يقترن بها كما هو الحال في دعوى النبوة كذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح (6/ 380): (وآيات النبوة وبراهينها تكون في حياة الرسول وقبل مولده، وبعد مماته، لا تختص بحياته، فضلاً عن أن تختص بحال دعوى النبوة، أو حال التحدي، كما ظنه بعض أهل الكلام)، وبالتالي فإن المعجزة التي لا تقترن بالتحدي لا يمكن أن نقول إنها ليست معجزة أو آية؛ لأن كثيراً من آيات الأنبياء والرسل ليست مقرونة بذلك، قال شيخ الإسلام في النبوات (1/ 604): (فقد تبين أنه ليس من شرط دلائل النبوة؛ لا اقترانه بدعوى النبوة، ولا الاحتجاج به، ولا التحدي بالمثل، ولا تقريع من يخالفه. بل كل هذه الأمور قد تقع في بعض الآيات، لكن لا يجب أن ما لا يقع معه لا يكون آية، بل هذا إبطال لأكثر آيات الأنبياء؛ لخلوها عن هذا الشرط). والتعبير بالآيات أحسن من التعبير بالمعجزات؛ لأن لفظة الآية ورد بها النص، وهي أدل على المقصود من المعجزة، كما ذكر ذلك ابن تيمية في الجواب الصحيح (5/ =

وهي قوله: {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} (¬1) [الإسراء: 88]، والكرامة (¬2): ما يكرم الله تعالى به أولياءه من أمورٍ يجريها على أيديهم وألسنتهم، وقلوبهم، وأفعالهم من غير أسباب ظاهرة واقعات (¬3). والتخييلات (¬4) والوهميات ليست من الكرامات في شيء، والله تعالى يكرم من يشاء بما يشاء {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]. ¬

_ = 412). والآيات هي علامات من الله تبارك وتعالى يُعلم بها عباده أنه أرسل إليهم هذا الرسول المؤيد بتلك الآية، والأمر بطاعته واتباعه، قال شيخ الإسلام في النبوات (2/ 778): (فآيات الأنبياء هي علامات وبراهين من الله تتضمن إعلام الله لعباده وإخباره). (¬1) في (ص) و (ظ) و (ن): "فأتوا بمثله" وهذا خطأ، والصحيح ما أثبته. وفي جميع النُّسخ الخطية "فاتوا بمثله" وهي ليست في القرآن بمثل هذا اللفظ. (¬2) الكرامة أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد من عباده الصالحين إكراماً له فيدفع عنه ضراً، أو يحقق له نفعاً، أو ينصر به حقاً، إذ من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثير، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (3/ 156). وقرر أيضاً - رحمه الله - أن كرامات الأولياء من دلائل النبوة حيث قال في النبوات (1/ 501): (كرامات الأولياء هي من دلائل النبوة، فإنها لا توجد إلا لمن اتبع النبي الصادق، فصار وجودها كوجود ما أخبر النبي من الغيب)، كما بين أنها من جنس آيات الأنبياء، لكنها لا تصل إلى آياتهم الكبرى، حيث قال في النبوات (2/ 1084): (وأما كرامات الصالحين فهي من آيات الأنبياء كما تقدم. ولكن ليست من آياتهم الكبرى، ولا يتوقف إثبات النبوة عليها). وبالتالي فإن الكرامة قد تكون مقرونة بالتحدي وقد لا تكون، كما أوضح ذلك شيخ الإسلام في النبوات (1/ 603 - 604). (¬3) في (ظ) و (ن): (وأتعاب). (¬4) في (ظ) و (ن): (والتخيلات).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد كان فيما كان قبلكم من الأمم ناس محدَّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر" رواه البخاري ورواه مسلم (¬1) من رواية عائشة، وفي روايتهما قال ابن وهب (¬2): محدَّثون (¬3): ملهمون. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (ما سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول لشيء قط إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن) رواه البخاري (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب (54) (6/ 512) رقم (3469) من حديث أبي هريرة. ورواه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر (4/ 1864) رقم (2398) من حديث عائشة بلفظ: "قد كان في الأمم قبلكم محدَّثون؛ فإن يكن في أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم". قال ابن وهب: (تفسير محدثون: ملهمون). (¬2) هو عبد الله بن وهب بن مسلم، أبو محمد النهري، مولاهم المصري، ولد سنة 125 هـ، روى عن ابن جريج، ويونس بن يزيد، ومالك بن أنس، والليث بن سعد. وعنه عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن يحيى الليثي، وأخرج له الشيخان. وثقه غير واحد من أهل النقد منهم: ابن معين وأبو حاتم الرازي، وكان معروفاً بالإتقان، قال أبو زرعة: نظرت في نحو من ثلاثين ألف حديث لابن وهب، ولا أعلم أني رأيت له حديثاً لا أصل له، وهو ثقة. قال الذهبي: له كتاب الجامع، وكتاب البيعة، وكتاب المناسك، وغير ذلك. انظر: الجرح والتعديل (5/ 189)، وسير أعلام النبلاء (9/ 223)، وتهذيب التهذيب (4/ 530). (¬3) المحدَّث: هو الملهم الذي يلقى في نفسه شيء فيخبر به حدساً وفراسة، وهو نوع يخص الله به من يشاء من عباده ويمن به عليه، مثل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/ 350)، ولسان العرب (2/ 134). (¬4) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب إسلام عمر بن الخطاب (7/ 177) رقم (3866) من حديث ابن عمر بلفظه أثناء خبر طويل. وهذا الأثر مما انفرد بإخراجه البخاري عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر يقول لشيء قط، يقول: إني لأظنه كذا؛ إلا كان كما يظن، بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال: لقد أخطأ ظني، أو: إن هذا على دينه في الجاهلية، أو: لقد كان كاهنهم على الرجل فدعي =

وحديث أصحاب الغار الذين انطبقت (¬1) عليهم الصخرة (¬2) من ¬

_ = له، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها، ويأسها من بعد إنكاسها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها؟ قال عمر: صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه، يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول لا إله إلا الله، فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي. (¬1) في (ظ) و (ن): (أطبقتْ). (¬2) أخرجه البخاري في الإجارة، باب من استأجر أجيراً فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد (4/ 449) رقم (2272)، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، والتوسل بصالح الأعمال (4/ 2099) رقم (2743) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى آووا المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم النار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيء يوماً، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما، فوجدتهما نائمين، وكرهت أن أغبق قبلهما أهلًا أو مالًا، فلبثت والقدح على يدي، أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا، فشربا غبوقهما، اللهم ان كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلي، فأردتها عن نفسها، فامتنعت مني؛ حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني، فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم الا بحقه، فتحرجْتُ من الوقوع عليها، فانصرفتُ عنها وهي أحب الناس إلي، وتركتُ الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت =

ذلك، وفي الكتاب العزيز قصة زكريا ومريم، وأصحاب الكهف، وما لا يحصى، والله أعلم. ¬

_ = فعلتُ ابتغاء وجهك فافرجْ عنا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أُجراء فأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إلي أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه، فلم يترك منه شيئاً، اللهم فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرجْ عنا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرةُ، فخرجوا يمشون".

فصل (29)

فصل (29) ونعتقد ونشهد أن الله جل جلاله أجّل لكل مخلوق أجلاً (¬1)، وأن نفساً لن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، فإذا انقضى الأجل فليس إلا الموت وليس منه فوت، قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]، وإن مات أو قتل فقد انتهى أجله المسمّى له قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154]، وقال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] (¬2). ¬

_ (¬1) كما قال الطحاوي - رحمه الله - في متن عقيدته (ص 8): (وقدر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالًا)، قال ابن أبي العز في شرحه (1/ 127): (يعني: أن الله سبحانه وتعالى قدر آجال الخلائق، بحيث إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، قال تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145]. (¬2) هذا الفصل كله نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 295).

فصل (30)

فصل (30) (ودين الله في السموات والأرض واحد وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]. وقال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وهو بين الغلو والتقصير، والتشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن واليأس) (¬1). قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]. وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. وقال تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (¬2) [الأنعام: 42]. وقال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]. وقال تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. ¬

_ (¬1) نقله المؤلف بالنص من متن العقيدة الطحاوية (ص 20). (¬2) في (ص) و (ظ) و (ن): (يضرعون).

واعلم أن دين الإسلام (¬1) هو دين جميع رسل الله وأنبيائه - صلوات الله وسلامه عليهم - وجميع من آمن بهم، ومن نسبهم إلى غيره فهو كافرٌ، قال الله تعالى إخباراً عن نوح - عليه السلام -: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل: 91]، وعن موسى - عليه السلام -: {يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84] (¬2). وقال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران: 67]. {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128]. {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132]. ¬

_ (¬1) الإسلام منه ما هو عام ومنه ما هو خاص، فالإسلام العام يتناول كل شريعة بعث الله بها نبياً من الأنبياء، كما أنه يطلق على كل أمة اتبعت نبيها المبعوث إليها، قال تعالى عن نوح - عليه السلام -: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72]. وقال عن إبراهيم - عليه السلام -: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 130 - 131]. وقال عن موسى - عليه السلام -: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس: 84]. أما الإسلام الخاص فهو الذي بعث الله به نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين، المتضمن لشريعة القرآن، وهو الذي عليه أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقبل الله من أحد ديناً سواه، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. انظر: التدمرية (ص 169 - 174)، والجواب الصحيح (3/ 74 - 81). (¬2) في (ظ) و (ن): (ويا) بزيادة الواو، وهذا خطأ.

{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} (¬1) (¬2) [البقرة: 140]. {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52]. {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص: 52 - 53]. {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ...} [الشورى: 13] الآية. وثبت في صحيح مسلم أن النبي (قال: "الأنبياء أولاد علّاتٍ (¬3)، دينهم واحد، وأمهاتهم شتى" (¬4) يعني: دينهم الإسلام، وشرائعهم مفترقة. ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (يقولون). (¬2) قوله تعالى: (أم تقولون) ورد في نسخة (ظ) و (ن): (أم يقولون) وكلاهما قراءة صحيحة، حيث قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص بالتاء، وقرأ الآخرون بالياء، ففي القراءة الأولى تكون (أم) فيها متصلة، وفي القراءة الثانية تكون (أم) فيها منقطعة. انظر: معالم التنزيل للبغوي (1/ 166)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/ 146). (¬3) أولاد علَّات: هم الذين اختلفت أمهاتهم، وأبوهم واحد، فأراد كما ذكر المؤلف: أن دينهم وإسلامهم وإيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة. انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 291)، وبدائع الفوائد (3/ 201). (¬4) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} (6/ 478) رقم (3443)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياه إخوة لعلَّات، أمهاتهم شتّى، ودينهم واحد"، ومسلم في الفضائل، باب فضائل عيسى (4/ 1837) رقم (2365)، (145) من حديث أبي هريرة بلفظ مقارب.

فصل (31)

فصل (31) ونعتقد أن الله تعالى خلق الشياطين يوسوسون للآدميين، ويقصدون استزلالهم، ويترصدون لهم (¬1). وإن في الدنيا سحراً وسحرةً (¬2)، ومن استعمل السحرَ معتقداً أنه يضرُّ أو ينفع بغير إذن الله؛ فقد كفر بالله جل جلاله (¬3). وتعلُّم السحر وتعليمه حرام، وكذلك العمل به، وقال مالك - رحمه الله -: (يكفر بالعمل به، ومن اعتقد حل العمل به لمضرَّةٍ فهو كافر) (¬4)، وللشافعي - رحمه الله - قول: (إنه يجوز تعلّمه وتعليمه والعمل به، لدفع ¬

_ (¬1) قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112]، وقال سبحانه: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، قال قوام السنة الأصفهاني في الحجة (2/ 329) معلقاً على هذه الآيات: (أي: إن شياطين الجن يوحون إلى أوليائهم من شياطين الإنس ليجادلوكم ..... وسمى قولهم زخرفاً وهو الذي يزوق ظاهره، وليس تحته معنى يتحصل، وسماه غروراً، وهو كالسراب يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً). (¬2) قوله هذا فيه رد على من أنكر حقيقة السحر ووجوده كالمعتزلة، ومن وافقهم. (¬3) من بداية هذا الفصل وإلى قوله: (... فقد كفر بالله جل جلاله)، نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 296). (¬4) نقل عن الإمام مالك - رحمه الله - نحو من هذا الكلام. انظر: تفسير ابن كثير (1/ 220 - 221)، ومجموع الفتاوى (29/ 384)، وفتح الباري لابن حجر (10/ 236).

ضرره (¬1)، لا للإضرار به) (¬2)، وهو ضعيف باتفاق العلماء (¬3) وإنما ¬

_ (¬1) في (ظ): (ضرورة). (¬2) ما ذكره المؤلف - رحمه الله - هنا من الخلاف في مسألة تعلم السحر وتعليمه لدفع ضرره، ذكره الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فتح الباري (10/ 235) بقوله: (وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأحد أمرين: إما لتمييز ما فيه كفر عن غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه، فأما الأول فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعاً، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثانِ للأوثان؛ لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل، بخلاف تعاطيه، والعمل به. وأما الثاني فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر، أو الفسق، فلا يحل أصلاً، وإلا جاز للمعنى المذكور). ونسبة القول إلى الإمام الشافعي - رحمه الله - لم أجدها، وقول الشافعي المشهور في هذا الباب ما ذكره في كتاب الأم (1/ 256) بقوله: (السحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر: صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلاماً كفراً صريحاً استتيب منه، فإن تاب وإلا قتل، وأخذ ماله فيئاً، وإن كان ما يسحر به كلاماً لا يكون كفراً وكان غير معروف ولم يضرّ به أحد نهي عنه، فإن عاد وإلا عزر). وقد بين الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب أن الخلاف بين قول الجمهور والشافعي لفظي حيث قال في تيسير العزيز الحميد (ص 384): (وعند التحقيق ليس بين القولين اختلاف، فإن من لم يكفر لظنه أنه يتأتى بدون الشرك وليس كذلك، بل لا يأتي السحر الذي من قبل الشياطين إلا بالشرك وعبادة الشيطان والكواكب). ويقول الشيخ الشنقيطي - رحمه الله - في أضواء البيان (4/ 456): (التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل، فإن كان السحر مما يعظم فيه غير الله كالكواكب والجن وغير ذلك، مما يؤدي إلى الكفر فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة البقرة، فإنه كفر بلا نزاع، كما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]. وإن كان السحر لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها، فهو حرام حرمة شديدة، ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر). (¬3) (العلماء) ليست في (ظ) وهي في (ن) مطموس عليها.

ذكرته للتحذير منه لما يلزم من الدفع به عن نفسه تعاطي الأسباب المحرمة، والركون إليها، والفاسد، لا يدفع بالفاسد، وإنما يدفع بالحق، والله يعلم المفسد من المصلح.

فصل (32)

فصل (32) ونعتقد تحريم المسكر من الأشربة المتخذة (¬1) من العنب، أو العسل، أو الزبيب، أو الذرة، أو غير ذلك مما يسكر كثيره، ونقول: إن قليله حرام (¬2)، وقد صحت الأحاديث النبوية بتحريم ذلك، والتوعد عليه بالعقاب، وإقامة الحدِّ فيه من غير ارتياب (¬3). وقد أجمع العلماءُ على أن من اعتقد حلَّ المسكر كفر. ونقل جماعة منهم: أبو عمرو بن الحاجب (¬4)، ................................. ¬

_ (¬1) في (ظ): (المتخذ). (¬2) من بداية هذا الفصل وإلى قوله: (... إن قليله حرام) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 297). (¬3) الأحاديث في النهي عن شرب الخمر والمسكرات والوعيد لشاربها كثيرة جداً، من ذلك: ما أخرجه البخاري في الأشربة، باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} رقم (5575) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرمها في الآخرة"، وفي كتاب الأشربة أيضاً في البخاري، باب الخمر من العسل وهو البتع رقم (5585) عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن البتع فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام"، وفي كتاب الحدود عن البخاري، باب الضرب بالجريد والنعال رقم (6776) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين). (¬4) هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي الدويني، المعروف بابن الحاجب، المالكي، صاحب التصانيف، أخذ عن الشاطبي القراءات، وتفقه على =

والسيف الآمدي (¬1)، وغيرهما؛ أنه لا خلافَ في تحريمه في ملّةٍ من الملل. ومن استدرج الخلق إلى تحليل ما حرَّم الله، أو تحريم ما أحلَّ الله؛ معتقداً حلّه، فهو كافرٌ؛ لأن ما أدى إلى الكفر فهو كفرٌ (¬2)، والله يعلم المفسد من المصلح، وهو يحكم لا معقب لحكمه [وهو سريعُ الحساب] (¬3). ¬

_ = أبي منصور الأبياري، كان من أذكياء العالم، رأساً في العربية، وعلم النظر، وسارت بمصنفاته الركبان، وخالف النحاة في مسائل دقيقة، وأورد عليهم إشكالات مفحمة. توفي في شوال سنة 646 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (23/ 264)، ووفيات الأعيان (3/ 248)، والبداية والنهاية (13/ 176). (¬1) هو سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي، الآمدي، الحنبلي ثم الشافعي، قرأ بأحد القراءات على عامر الآمدي، ومحمد الصفار، تبحر في العلوم، وتفرد بعلم المعقولات والمنطق والكلام، وقصده الطلاب من البلاد، وأقرأ الفلسفة والمنطق، وصنف التصانيف، ثم قاموا عليه ورموه بالانحلال. قال ابن تيمية: يغلب على الآمدي الحيرة والوقف، ومع ذلك هو كما قال الذهبي: قد كان السيف غاية، ومعرفته بالمعقول نهاية، وكان الفضلاء يزدحمون في حلقته، توفي في صفر سنة 631 هـ وله ثمانون سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (22/ 364)، والبداية والنهاية (13/ 140)، شذرات الذهب (5/ 142). (¬2) قول المؤلف - رحمه الله -: (ما أدى إلى الكفر فهو كفر)، لعل مقصوده به أن من استدرج الخلق إلى تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله معتقداً حله، كفر؛ سواء تم له ذلك أم لا؛ لأنه رضي الكفر لهم أو اعتقد الكفر، فصار كافراً؛ لتضمن فعله ذلك، لا لكونه لازم فعله لقوله بعدم التكفير بلازم المذهب، كما سيأتي. (¬3) في (ظ) و (ن) وليست في (ص).

والخمر مغطية للعقل، وهي محرمة شرعاً وعقلاً، وقد عدّ الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - (¬1) تحريم التغطية إلى السماع (¬2) ............. ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (قدس الله روحه). (¬2) يحسن أن أذكر في هذا المقام كلام المؤلف ابن العطار - رحمه الله - حول مسألة السماع في رسالة له مخطوطة تقع في ثلاث ورقات مصورة ضمن مجموع من [11 - 13] في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي بعنوان (رسالة في السماع)، وهي جواب عن سؤال ورد إليه من بعض المسلمين يسألونه عن قوم يدّعون الفقر، ويحضرون السماع، وينشدون فيه وفي غيره أشعاراً بذكر الخمر ونحوها، ويظهرون شيئاً من الأفراح والسرور والملاهي، وينشدون أشعاراً فيها شيء من عقائد الحلولية والاتحادية، فقال - رحمه الله - في الورقة (12): (أما الفقراء الذين يدّعون الفقر، فإن كان لهم شاهد من كتاب أو سنة في باطن، وهو عدم تعلق القلب بشيء من الموجودات سوى الله، أو في ظاهر، وهو تعلق بفعل المأمورات واجتناب المنهيات، فهم صادقون في دعواهم، وإلا فهم كذّابون دجالون يجب على كل أحد مجانبتهم، واستتابتهم. وأما حضور السماع، فإن كان سماع القرآن، أو الحديث، أو العلم، أو الشعر الذي فيه تزهيد وحكمة، ونحوها من غير آلة طرب، ولا ملاهٍ، ولا لعب، ولا رقص، ولا شغب، ولا (كلمة غير واضحة) اجتماع محرم، فهم مصيبون، وإلا فهم مخطئون تجب عليهم التوبة بشروطها، والرجوع إلى التواب، واتباع أولي الألباب. وأما إنشادهم فيه وفي غيره الأشعار المذكورة، وتشبههم المنالات (هكذا كتبت) الرحمانية بالأمور الشيطانية، فهذا عين الكفر إن كانوا عالمين بذلك وبمعناه، وإلا فهم عصاة مرتكبون الكبائر، يجب عليهم الإقلاع عن ذلك، والندم، والعزم على عدم العود إليه، مخلصين لله تعالى فيه، وناهيك بهم ضلالة في ألفاظهم ومعانيهم، حيث إنهم شبهوا ما يزعمون أنه من تنزيلات الحق عليهم بالخمور المحرمة، والآفات النجسة، وأماكنها المجتنبة، وقوامها القذرين الموصوفين بالنجس، ووصفهم ذلك بالخمرة القديمة التي شربها الأنبياء والأولياء يقتضي كفرهم وزندقتهم، بل إن اعتقدوا حقيقة قولهم، فهم أشد كفراً من اليهود والنصارى. وأما ذكر الأفراح والسرور والملاهي المباحات فلا بأس بها قصداً لراحات النفوس؛ إذا كانت مجردة عن غيرها، وان كان أمراً محظوراً كالدف والشبابة معاً =

الجالب للوجد (¬1) المؤدي إلى الغيبة، وذلك من أحسن ما يقال عنه حكماً (¬2)، فإذا كان هذا في المغطّى، فما ظنك بالمفسد المجتث ¬

_ = كان محرماً إجماعاً، فإن كان فيه ما هو كفر أو حلول أو اتحاد فهو أشد كفراً وزندقة مع ما في ذلك مما ذكرنا من التشبه بأحوال النصارى وموافقتهم، وفاعل ذلك كله على الوجه المذكور مرتد، تجري عليه أحكامهم من الاستتابة وغيرها، فإن لم يتب صار ماله فيئاً للمسلمين) إلى أن قال في الورقة (13): (ومن حسن ظنه بهؤلاء فهو ضال مضل قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، واعتقاد صلاحهم ضلال آخر يجب الرجوع عنه، ومن تأول مقالة هؤلاء، وصرفها عن حقيقتها، تخميناً للظن بهم، فهو من إخوان الشياطين وهو ممن ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا، لكنه لا يكون بذلك معتقداً الاتحاد والحلول، ولكنه يكون متعامياً عن إظهار الحق). (¬1) يقال: وجَد به وجْداً أي: في الحب لا غير، وإنه ليجد بفلانة وجداً شديداً إذا كان يهواها، ويحبها حباً شديداً. والوجْد: كل ما صادف القلب من غمٍّ أو فرحٍ، والوجد عند الصوفية: مكاشفات من الحق، وهو نوعان: وجد ملك، ووجد لقاء. وأصحاب الوجد هم الراقصون عند السماع، وقد يزعق الواجد، ويبلغ إلى حدٍّ لو ضرب وجهه بالسيف لا يشعر فيه بوجع، وقد يمزق ثيابه. انظر: لسان العرب (3/ 445 - 446)، والقاموس المحيط (1/ 343)، والمعجم الصوفي للدكتور عبد المنعم الحفني (ص 256 - 257). (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة (1/ 313): (وهذا السماع المحدث تحضره الشياطين، كما رأى ذلك من كُشف له، وكما توجد آثار الشياطين في أهله، حتى إن كثيراً منهم يغلب عليه الوجد فيُصعق كما يصعق المصروع، ويصيح كصياحه)، وقال - رحمه الله - أيضاً (1/ 314): (ولهذا يوجد فيه أعظم مما يوجد في الخمر من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ومن إيقاع العداوة والبغضاء، حتى يقتل بعضهم بعضاً فيه، ولهذا يفعلونه على الوجه الذي يحبه الشيطان، ويكرهه الرحمن)، ويقول أيضاً (1/ 318): (بل إسكاره للنفوس، وصده عن ذكر الله وعن الصلاة، أعظم مما في الخمر بكثير).

المذهب للعقل كالبنج (¬1)، والحشيشة المسمّاة بالغبيراء (¬2)، فهي أولى بالتحريم معنًى ونقلًا، والله أعلم. ¬

_ (¬1) البنج: بفتح الباء هو نبات غير حشيش الحرافيش، يسكن الأوجاع، والأورام، والبثور، ووجع الأذن. وأخبثه الأسود ثم الأحمر، وأسلمه الأبيض. وبنجه تبنيجاً: أطعمه إياه. انظر: القاموس المحيط (1/ 179)، ومعجم مقاييس اللغة (1/ 206)، والمخدرات للدكتور: هاني عرموش (ص 91). (¬2) الغبيراء: ضرب من الشراب، يتخذه الحبش من الذرة وهي تسكر -، وتسمى (السُّكُرْكَة)، وقيل: هي خمر تعمل من تمر يقال له: الغبيراء، وقيل: الحشيشة التي تحدث حالة الكيف، وتستخرج من نبات القنَّب ومن أزهاره المؤنثة خاصة، وهو عبارة عن أجزاء مزهرة تفرزها زهور أنثى النبات، ويسبب استعمالها نوعاً من الانشراح والسرور. انظر: النهاية في غريب الحديث (3/ 338)، والقاموس المحيط (2/ 99)، والمخدرات للدكتور: هاني عرموش (ص 91).

فصل (33)

فصل (33) والمسارعة إلى الصلوات المكتوبات في أوائل الأوقات أفضل الأعمال، كذلك ثبت في الأحاديث الصحيحة عن أشرف الخلق، وأصدقهم في المقال، وإتمام الركوع والسجود، والانتصاب التام بالقيام والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة (¬1) في ذلك كلّه واجبٌ، وتارك ذلك غير مصلٍّ، وللسنة مجانب. والتواصي بقيام الليل، وصلة الأرحام، والتعفف عن المأكل والمشرب (¬2) والملبس والمنكح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي في الخيرات، والبدار إليها، واتقاء سوء عاقبة الطَّمع. والتحاب في الله وأسبابه، والعمل بالحق، والصبر على طِلَابه، ونفي الجدال في أصول الدَّين، واجتناب أهل الضَّلالة والجهالة المارقين، ومعاداة أهل الأهواء والبدع، والاستعانة على ذلك بالتَّضرع والالتجاء، والاقتداء برسول الله وبأصحابه؛ الذين هم كالنجوم، وبأيِّهم اقتدى اهتدى الصادق (¬3) المرحوم (¬4)، واتباع آثار السلف الصالحين، ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (بالطمأنينة). (¬2) في (ظ) و (ن): (المآكل والمشارب). (¬3) (الصادق) ليست في (ظ). (¬4) شبه المصنف - رحمه الله - الصحابة - رضي الله عنهم - بالنجوم من حيث هدايتهم ودلالتهم من سار على دربهم، وقد ورد ذلك في حديث مرفوع لا يثبت، ولفظه: "أصحابي كالنّجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". وقد أخرجه ابن عبد البرّ في جامع بيان العلم وفضله (2/ 925) رقم (1760)، وابن =

والتمسك بما كانوا عليه وبه (¬1) مستمسكين (¬2) من الدين المتين، والحق المبين. وبغض (¬3) أهل البدع (¬4) الذين أحدَثوا في الدِّين ما ليس منه، ولا نحبهم ونصحبهم، ولا نسمع (¬5) لكلامهم، ولا نجالسهم، ¬

_ = حزم في الإحكام (6/ 244) من حديث جابر. قال ابن عبد البرّ: (هذا إسناد لا تقوم به حجّة). وقال ابن حزم: (هذه رواية ساقطة من طريق ضعيف إسنادها). وروي من حديث ابن عمر أيضاً، وأبي هريرة، وعمر كما في التلخيص الحبير لابن حجر (4/ 209 - 210)، وكلّها ضعيفة أو موضوعة، كما نصّ الحافظ ابن حجر على ذلك. والحديث ذكره الألباني في الضعيفة (1/ 78) رقم (58)، وقال: (موضوع). ونظراً لكون المعنى الذي دل عليه الحديث معناً صحيحاً عبر المصنف - رحمه الله - بلفظه دون رفعه إلى النبي (وذلك من حسن تصرفه، وتمام علمه). (¬1) في (ظ) و (ن): (بما كانوا به). (¬2) في (ظ) و (ن): (متمسكين). (¬3) في (ظ): (وبعض). (¬4) أهل البدع من المسلمين تجتمع فيهم الولاية والعداوة، فيوالون، ويحبون لإسلامهم وما فيهم من خصال الإيمان والبر والخير، ويبغضون على قدر بدعتهم، فهم محبوبون من وجه ومبغضون من وجه آخر، إذ من المقرر عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان إذا ذهب بعضه لا يذهب كله، فيبقى في الشخص موجبات الثواب والعقاب، وموجبات المحبة والبغض، فيثاب ويحب على قدر ما حقق من الإيمان، ويعاقب ويبغض على قدر ما ترك من الإيمان. وكلام المصنف - رحمه الله - هنا جار على أصولهم، من حيث بغضهم على قدر بدعهم هجراً لهم، وتنفيراً منهم. انظر: مجموع الفتاوى (28/ 209 - 210)، وشرح العقيدة الطحاوية (2/ 506 - 507)، وموقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع للرحيلي (2/ 477 - 480). (¬5) في (ظ) و (ن): (لا تحبهم، ولا تصحبهم، ولا تسمعهم).

ولا نجادلهم (¬1) في الدين، ولا نناظرهم (¬2) (¬3)، ونصون أسماعنا عن ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (ولا تجالسهم، ولا تجادلهم). (¬2) في (ظ) و (ن): (ولا تناظرهم). (¬3) وردت النصوص بالأمر بالجدال والمناظرة والحث عليهما، كما وردت أيضاً بالنهي عن ذلك، والتحذير منهما، والجمع بين هذه النصوص بأن يقال: إن المناظرة والجدال منهما ما هو محمود، ومنهما ما هو مذموم. يقول ابن حزم - رحمه الله - في كتابه الإحكام في أصول الأحكام (1/ 19 - 23): "قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، فصحَّ بهذه الآية أن كلام الله تعالى لا يتعارض ولا يختلف، فوجدناه تعالى أثنى على الجدال بالحق، وأمر به، فعلمنا يقيناً أن الذي أمر به تعالى هو غير الذي نهى عنه بلا شك، فنظرنا في ذلك لنعلم وجه الجدال المنهي عنه المذموم، ووجه الجدال المأمور به المحمود؛ لأنا قد وجدناه تعالى قد قال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] ووجدناه تعالى قد قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125] فكان تعالى قد أوجب الجدال في هذه الآية، وعلَّم فيها تعالى جميع آداب الجدال كلها من الرفق والبيان، والتزام الحق، والرجوع إلى ما أوجبته الحجة القاطعة. قال أبو محمد: فلما وجدنا الله تعالى قد أمر في الآيات التي ذكرنا بالحجاج والمناظرة، ولم يوجب قبول شيء إلا ببرهان، وجب علينا تطلب الحجاج المذموم على ما قدمناه، فوجدناه قد قال: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} [الكهف: 56] فذم تعالى كما ترى الجدال بغير حجة، والجدال في الباطل. =

أباطيلهم؛ التي إذا قرّت في الآذان وقرتْ في القلوب وضرّت، وجرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]. ¬

_ = وقال تعالى: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]. فقد جمعت هذه الآيات بيان الجدال المذموم، والجدال المحمود الواجب، فالواجب هو الذي يجادل متوليه فى إظهار الحق، والمذموم وجهان بنص الآيات؛ التي ذكرنا: أحدهما: من جادل بغير علم، والثاني: من جادل ناصراً للباطل بشغب وتمويه بعد ظهور الحق إليه ... ". إضافة إلى أن الجدال والمناظرة قد ينهى عنهما لأمر خارج عما سبق كالجدال والمناظرة؛ التي توجب حصول الشبهات، أو المناظرة والجدال لمن هو فاقد الأهلية لهما. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في درء التعارض (7/ 184): "وكلام السلف في ذم الكلام متناول لما ذمه الله في كتابه، والله سبحانه قد ذم في كتابه: الكلام الباطل، والكلام بغير علم. وأما جنس النظر والمناظرة فهذا لم ينه السلف عنه مطلقاً، بل هذا إذا كان حقاً يكون مأموراً به تارة، ومنهياً عنه أخرى، كغيره من أنواع الكلام الصدق، فقد ينهى عن الكلام الذي لا يفهمه المستمع، أو الذي يضر المستمع، وعن المناظرات التي تورث شبهات وأهواء، فلا تفيد علماً ولا ديناً". ولهذا اتخذ أهل السنة والجماعة المناظرة وسيلة من وسائل إظهار السنة، وقمع البدعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما يترتب عليهما من تمييز الحق من الباطل، والدعوة إلى الخير وبيان دلائله، والتحذير من الشر، وبيان عواره. وانظر: الإحكام في أصول الأحكام (1/ 19 - 23)، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (1/ 230 - 235)، درء تعارض العقل والنقل (7/ 184)، الجواب الصحيح (1/ 85 - 90)، فتح القدير للشوكاني (4/ 481).

وعلامات البدع على أهلها تظهر ولا تخفى، وأظهر علاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، واحتقارهم لهم، واستخفافهم بهم، وتسميتهم إياهم حشوية (¬1)، ومشبّهة (¬2)، وجهلة، اعتقاداً منهم في أخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها بمعزل عن العلم، وأن العلم ما تلقيه الشياطين إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم ¬

_ (¬1) الحشوية: كثير من أهل البدع يسمون أهل السنة المتبعين لآثار السلف حشوية، وأول من ابتدعها زعيم المعتزلة عمرو بن عبيد، حيث يقول: كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - حشوياً، والمعتزلة يسمون الجماعة والسواد الأعظم: الحشو، كما تسميهم الرافضة: الجمهور. ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية على هذه اللفظة فيقول: (أما لفظ الحشوية فليس فيه ما يدل على شخص معين، ولا مقالة معينة، فلا يدرى من هم هؤلاء. وقد قيل أن أول من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد فقال: كان عبد الله بن عمر حشوياً، وكان هذا اللفظ في اصطلاح من قاله يريد به العامة الذين هم حشوة، كما تقول الرافضة عن مذهب أهل السنة: مذهب الجمهور). منهاج السنة النبوية (2/ 520). وانظر: مجموع الفتاوى (12/ 176)، وبيان تلبيس الجهمية (1/ 240). (¬2) المشبهة: هم الذين شبهوا ذات الباري بذات غيره، أو شبهوا صفاته بصفات غيره. والمشبهة لذات الله بغيره أصناف متعددة: أ - قسم خارج الدين وإن انتسب له، منهم: السبئيون، والبيانية، والمغيرية، والمنصورية، والخطابية، والحلولية، وغيرها. ب - قسم عدهم البعض من فرق الملة لإقرارهم بلزوم أحكام القرآن والشرع، منهم: الهشامية، واليونسية، والكرامية، وغيرها. أما المشبهة لصفات الله بصفات خلقه، مثل: معتزلة البصرة، والكرامية، وغيرهم. ويطلق أهل البدع من المتكلمين والفلاسفة وغيرهم على من أثبت حقيقة الصفات التي وردت بها النصوص والأخبار، كما يليق بالله - عز وجل - مشبهة، ويعنون بذلك أهل السنة والجماعة من السلف الصالح وأهل الحديث. انظر: الفرق بين الفرق (ص 225)، والملل والنحل (1/ 103)، وشرح العقيدة الطحاوية (1/ 57).

[المظلمة] (¬1)، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير العاطلة، وكلماتهم وحججهم الدَّاحضة الباطلة، {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23]، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]. وروى (¬2) الحاكم أبو عبد الله [الحافظ] (¬3) - رحمه الله - بإسناده إلى أحمد [بن سنان] (¬4) القطان (¬5) أنه قال: (ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة (¬6) الحديث من قبله) (¬7). وقال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي (¬8)، (¬9): (كنت أنا ¬

_ (¬1) في (ص): (المضلة)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) في (ظ) و (ن): (روى) بدون واو. (¬3) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬4) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬5) هو أحمد بن سنان بن أسد بن حبان، أبو جعفر الواسطي القطان، ولد بعد السبعين، سمع من أبي معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح، وحدث عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. قال ابن أبي حاتم: هو إمام أهل زمانه، وقال أبوه: ثقة صدوق، مات سنة 256 هـ. انظر: الجرح والتعديل (2/ 53)، وسير أعلام النبلاء (12/ 244)، وتهذيب التهذيب (1/ 65). (¬6) في (ظ) و (ن): (حلوة). (¬7) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 4)، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (ص 136) رقم (145) من غير طريق الحاكم، والصابوني في عقيدة السلف (ص 299 - 300) من طريق الحاكم به. (¬8) في (ظ) و (ن): (الزيدي). (¬9) هو محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي، أبو إسماعيل الترمذي، روى عن أيوب بن سليمان بن بلال، والحميدي. وعنه الترمذي والنسائي، ووثقه النسائي. وقال أبو بكر الخلال: رجل معروف ثقة، كثير العلم. وقال الخطيب: كان فهماً متقناً، مشهوراً بمذهب السنة.

وأحمد بن الحسين (¬1) الترمذي (¬2)، (¬3) عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسين: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي قتيلة (¬4)، (¬5) بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله أحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه، وقال (¬6): زنديق، زنديق، زنديق، ودخل البيت) (¬7). ¬

_ = انظر: تاريخ بغداد (2/ 42)، وتذكرة الحفاظ (2/ 604) وتهذيب التهذيب (7/ 54). (¬1) في عقيدة السلف: (الحسن) وهو الصحيح. (¬2) في (ظ) و (ن): (الزيدي). (¬3) هو أحمد بن الحسن بن جنيدب، أبو الحسن الترمذي، صاحب الإمام أحمد بن حنبل روى عنه وعن عبد الله بن نافع وغيرهما، وعنه البخاري، والترمذي، وأبو حاتم، وغيرهم. قال ابن خزيمة: كان أحد أوعية العلم. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال الحاكم: كتب عنه كافة مشايخنا، وسألوه عن علل الحديث والجرح والتعديل. توفي كما قال الذهبي قبل سنة 243 هـ. انظر: تذكرة الحفاظ (2/ 536)، وسير أعلام النبلاء (12/ 156)، وتهذيب التهذيب (1/ 55). (¬4) في (ظ) و (ن): (قبيلة). (¬5) يمكن أن يكون هو يحيى بن إبراهيم بن عثمان بن داود بن أبي قتيلة السلمي، أبو إبراهيم المدني. قال أبو حاتم ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: ربما وهم وخالف. انظر: تهذيب التهذيب (11/ 174)، والجرح والتعديل (4/ 127). (¬6) في (ظ) و (ن): (فقال). (¬7) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 4)، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (ص 137 - 138) رقم (147) من طريق شيخه أبي بكر عن الحاكم، وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/ 38)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 300 - 301) سماعاً من الحاكم، وذكره ابن عبد الهادي في بحر الدم في من تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم (ص 506) رقم (1267).

وقال أبو نصر بن سلام الفقيه (¬1): (ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد، ولا أبغض إليهم من سماع الحديث، وروايته بإسناده) (¬2). وقال الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه (¬3) - وهو يناظر رجلاً -: (حدثنا فلان، فقال الرجل: دعنا من حدثنا، إلى متى حدثنا؟ فقال له الشيخ: قم يا كافر، ولا يحلّ لك أن تدخل داري بعد هذا، ثم التفت إلينا فقال: ما قلت قط لأحد لا تدخل داري إلا لهذا) (¬4) (¬5). وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (¬6): سمعت أبي يقول: ¬

_ (¬1) هو أبو نصر محمد بن سلام البلخي، الفقيه الحنفي، قد يذكر بكنيته فيقال: أبو نصر بن سلام، وقد يجمع بين كنيته واسمه، توفي سنة 305 هـ. انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 268)، والفوائد البهية في تراجم الحنفية (ص 167). (¬2) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 4)، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (ص 137) رقم (146) من غير طريق الحاكم، والصابوني في عقيدة السلف (ص 302) سماعاً من الحاكم. (¬3) هو أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد النيسابوري، الشافعي المعروف بالصبغي، مولده في سنة 258 هـ، سمع الفضل بن محمد الشعراني، وإسماعيل بن قتيبة، وحدث عنه حمزة بن محمد الزيدي أبو عبد الله الحاكم صاحب المستدرك. قال الذهبي: جمع وصنف، وبرع في الفقه، وتميز في علم الحديث. قال الحاكم: أفتى بنيسابور نيفاً وخمسين سنة، ولم يؤخذ عليه في فتاويه مسألة وهم فيها. انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 483)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 81)، والشذرات (4/ 361). (¬4) في (ظ) و (ن): (هذا). (¬5) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 4)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 302 - 303). (¬6) هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن منذر، الحنظلي، الغطفاني، أبو محمد الحافظ، ولد سنة 240 هـ. سمع الحسن بن عرفة، ويونس بن عبد الأعلى. وروى =

(علامة أهل البدع: الوقيعة قي أهل الأثر، وعلامة الزنادقة (¬1): تسميتهم أهل الأثر حشوية يريدون إبطال الآثار، وعلامة القدرية (¬2): تسميتهم أهل السنة مُجبرة (¬3)، وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبّهة، ¬

_ = عنه ابن عدي، وأبو أحمد الحاكم. قال أبو يعلى: (أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنف في الفقه وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان زاهداً يعد من الأبدال)، وهو صاحب كتاب الجرح والتعديل. قال الذهبي: كتابه في التفسير من أحسن التفاسير. انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 263)، والبداية والنهاية (11/ 191)، وطبقات الحفاظ (ص 345). (¬1) الزنادقة: جمع زنديق، فارسي معرب، وهو المنكر لأصل من أصول العقيدة، أو يرى رأياً يؤدي إلى ذلك. وأطلقه كثير من أهل العلم على من بدل دينه وأحدث فيه، وأطلق على القائلين بتناقض القرآن، والزنديق في عرف الفقهاء: هو المنافق الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقيل الزنديق: هو الذي لا يتمسك بشريعة ويقول بدوام الدهر، والعرب تعبر عن هذا بقولهم: ملحد، أي: طاعن في الدين. وكتب الفرق لا تطلق هذا اللقب على طائفة بعينها. انظر: لسان العرب (10/ 147)، ومجموع الفتاوى (7/ 471). (¬2) القدرية: هم نفاة القدر، فكل من أنكر القدر يقال عنه: قدري، وأشهر القدرية: المعتزلة، وهم الذين يقولون بان العبد يخلق فعله استقلالًا، فأثبتوا خالقاً مع الله، فأشبهوا بذلك المجوس؛ لأن المجوس قالوا بإثبات خالقين: النور والظلمة، وأول القدرية على الأرجح معبد الجهني المقتول سنة 80 هـ، وتبعه على ذلك غيلان بن مسلم الدمشقي المقتول في عهد عبد الملك بن مروان، والقدرية يزعمون أن الله لا يقدر على مقدورات غيره. انظر: الفرق بين الفرق (ص 18 - 19)، والملل والنحل (1/ 41 - 46)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 33 - 34). (¬3) المجْبَرَة: هم الجبرية، وسموا بذلك نسبة إلى الجبر، فهم لا يثبتون للعبد فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، بل يضيفون الفعل إلى الله تعالى، والعبد عندهم لا فعل له فهو كالريشة في مهب الريح، وحركاته كحركات المرتعش ليس له إرادة ولا قدرة =

وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل الأثر نابتة (¬1) (¬2) (¬3). وقال (¬4) الإمام أبو عثمان الصابوني: وناصبة (¬5) (¬6)، وكل ذلك عصبية، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث. ¬

_ = على الفعل، وممن قال بذلك: الجهم بن صفوان، والجبرية أصناف: الجبرية الخالصة وهي التي لا تثبت للعبد فعلًا ولا قدرة على الفعل أصلًا، والجبرية المتوسطة وهي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثرة. وهذا اللقب نبزت المعتزلة والقدرية به أهل السنة، وذلك لأن أهل السنة والأثر يقولون: كل شيء بقدر الله، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن أفعال الشر من الكفر والمعاصي تقع بإرادة الله وقضائه وقدره. وهذا القول عند القدرية جبر، ومن قاله سموه جبرياً أو مجبراً. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 35)، والملل والنحل (1/ 85 - 91)، ووسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم (ص 123). (¬1) في (ظ) و (ن): (ثابتة). (¬2) النابتة: لغة من النبت، والنابت من كل شيء: الطّري حين ينبت صغيراً، ونبتت لهم نابتة: إذا نشأ لهم صغار، والنوابت من الأحداث: الأغمار. ولفظ النابتة أطلقه أهل الكلام على أهل السنة والأثر، يعنون أنهم أحداث أغمار: لا خبرة لهم بعلم الكلام، ولا دراية لهم به. انظر: لسان العرب (2/ 96)، ووسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم (ص 151). (¬3) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 200 - 201) رقم (321)، والصابوني في عقيدة السلف (ص 303 - 305)، والذهبي في العلو (ص 190) رقم (56)، ومنتصر العلو (ص 207) رقم (256)، وانظر: عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين تحقيق محمود الحداد (ص 69). (¬4) في عقيدة السلف: (وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة. قلت: وكل ذلك عصبية ...). (¬5) في (ظ) و (ن): (وناصبية). (¬6) الناصبة: من النصب، وهي العداوة، يقال: (نصب فلان لفلان نصبا) إذا عاداه، وتجرد له. والنواصب: عموما تطلق على من يبغض علياً وأصحابه، ويدخل في هذا الاسم =

وقال: رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقَّبوا بها أهل السنة - ولا يلحقهم شيء منها فضلًا من الله ومنةً - سلكوا معهم مسلك المشركين الملعونين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنهم اقتسموا القول فيه، فسمّاه بعضهم ساحراً، وبعضهم كاهناً، وبعضهم شاعراً، وبعضهم مجنوناً، وبعضهم مفتوناً، فكان - صلى الله عليه وسلم - من تلك المعائب بعيداً بريئاً، ولم يكن إلا رسولاً نبياً، وأنزل الله - عز وجل -: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء: 48]، [الفرقان: 9]. وكذلك المبتدعة - خذلهم (¬1) الله - اقتسموا القول في حملة أخباره، ونقلة آثاره، ورواة أحاديثه المهتدين (¬2)، والمقتدين به، المعروفين: بأصحاب الحديث، فسمّاهم بعضهم حشوية، وبعضهم مشبهة، وبعضهم مجبرة، وبعضهم نابتة (¬3) وناصبة، وأصحاب الحديث [مصانة] (¬4) من هذه المعائب بريئة نقية تقية، وليسوا إلا أهل السنة المضية، والسيرة المرضية، [والسبل] (¬5) المستوية، والحجج البالغة القوية، قد وفقهم الله تعالى لاتباع كتابه، ووحيه، وخطابه، وجعلهم من أتباع أقرب أوليائه إليه، وأكرمهم وأعزهم عليه، وشرح صدورهم ¬

_ = الخوارج بفرقهم المختلفة، والرافضة تطلق هذا الاسم على من أحب أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - فأهل السنة عند الرافضة (نواصب). انظر: لسان العرب (1/ 761)، ومجموع الفتاوى (3/ 72 - 73)، (25/ 301) ووسطية أهل السنة بين الفرق للدكتور محمد باكريم (ص 136). (¬1) في (ظ) و (ن): (خدلهم). (¬2) في (ظ) و (ن): (والمهتدين المقتدين به). (¬3) في (ظ) و (ن): (ثابتة). (¬4) في (ص) و (ن): (عصابة)، وفي (ظ) ما أثبته. (¬5) في (ص): (السبيل)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته.

لمحبته، ومحبة أئمة شريعته، وعلماء، أمته، ومن أحب قوماً فهو معهم يوم القيامة بحكم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المرء مع من أحب" (¬1). وإحدى علامات أهل السنة حبهم لأئمتها، وعلمائها، وأنصارها، وأوليائها، وبغضهم لأئمة البدع الذين يدعون إلى النار وبلائها (¬2). ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب المرء مع من أحب (4/ 2034) رقم (2641) بلفظه عن أبي موسى الأشعري قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحب قوماً ولما يلحق بهم؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المرء مع من أحب"، وأخرجه البخاري أيضاً في كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل: ويلك (10/ 557) رقم (6170). (¬2) هذا الفصل كله من أوله إلى آخره نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 297 - 307).

فصل (34)

فصل (34) الحب في الله والبغض فيه من أوثق عرا الإيمان (¬1)، فمن أحبّ ¬

_ (¬1) الولاء والبراء أصل من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، إذ يجب على كل مسلم أن يكون ولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين، ويجب أن يكون براؤه من أعداء الملة والدين، فيحب أهل التوحيد ويواليهم، ويبغض أهل الشرك ويعاديهم، وهذه هي ملة إبراهيم التي أمرنا بها، حيث قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]. وهذا الأصل من دين الإسلام حيث أمر الله المؤمنين بذلك إذ قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)} [السجدة: 4] , قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23]. وكما حرّم الله موالاة أعداء الملة والدين، فقد أوجب سبحانه موالاة المؤمنين ومحبتهم، قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55 - 56]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].

ما أبغض الله، أو [أبغض] (¬1) ما أحب الله فقد كفر، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54] , وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]. وروى البخاري ومسلم من رواية أنسٍ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن (¬2) أنقذه الله منه؛ كما يكره أن يلقى (¬3) في النار" (¬4). ومعلوم أن حب الله ورسوله واجب على جميع الوجوه، فمن أحب كلام الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والقائمين بهما على وفقهما من غير تبديل، ولا تغيير، ولا تحريف، ولا تصحيف في لفظهما ومعانيهما، فقد أحب الله ورسوله، ومن أبغضهم (¬5) فقد أبغض الله ورسوله، ومن حرّف، أو بدّل، أو غيّر، أو صحّف، فقد افترى على الله ورسوله، خصوصاً إن كان عامداً لذلك، معتقداً حلَّه، فإنه يكون كافراً [مرتداً] (¬6) بلا شكٍّ، وإن لم يكن معتقداً حلّه لكنه عامدٌ معاندٌ، كان إثمه شديداً، وعقابه مزيداً. ¬

_ (¬1) في (ص): (بغض)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) في (ظ) و (ن): (إذ). (¬3) في (ظ) و (ن): (يقذف). (¬4) أخرجه البخاري في الإيمان، باب حلاوة الإيمان (1/ 60) رقم (16)، ومسلم في الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان (1/ 66) رقم (43) من حديث أنس بنحوه. (¬5) أي: أبغض القائمين بها. (¬6) في (ظ) و (ن) وليست في (ص).

فمحبة أهل الإيمان والطاعة والفرقان واجبة، وبغضة أهل الكفر والبدع والمخالفة والفسوق والعصيان واجبة. ومحبة العلوم الشرعية والقائمين بها علماً، وعملًا، واعتقاداً واجبة، وبغضة العلوم الفلسفية، والسحرية، والكلامية، والنجومية، و [الكيماوية] (¬1)، والسيمياوية (¬2)، والقائمين بها علماً، أو عملًا، أو اعتقاداً واجبة. وحب أهل الوفاق والإرفاق والإشفاق محبوب وللشرع (¬3) مطلوب، وبغض أهل النفاق، والشقاق، ومرديات الأخلاق مطلوب، وفيه مرغوب. وكل ما أحبه الله ورسوله فتركه ومخالفته سبب للفتنة والعذاب (¬4)، ومن شنأه فقد شنأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو الأبتر، وقد خسر وخاب (¬5)، وتقطعت به الأسباب، وباء بخسار الزلفى، وحسن المآب. والمحبة واجبة (¬6)، ومندوبة، ومحرمة، ومكروهة، ¬

_ (¬1) في (ص): (الكينهوية)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) السيمياوية: من السيمياء وهو السحر، وقيل: الإشارة والعلامة والهيئة، وعلم الإشارات يسمى السيميائية. وحاصل السيمياء: إحداث مثالات خيالية في الجو لا وجود لها في الحس. انظر: مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده (1/ 340)، والمعجم الوسيط (ص 469)، والمنجد (ص 547). (¬3) في (ظ) و (ن): (والشرع). (¬4) قال الإمام أحمد - رحمه الله -: (عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، ويذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ والهلاك). انظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص 556 - 561). (¬5) في (ظ) و (ن): (وجاب). (¬6) في (ظ) و (ن): (واجبة مندوبة).

ومباحة (¬1)، فالتقرب إلى الله بالواجب منها أفضل القرب، والتقرب إليه بالمندوب سبب [لأن] (¬2) يكون صاحبه عنده محبوباً، ولا [يتصور] (¬3) القرب (¬4) إليه بالمحرم والمكروه، وقد يتقرب إليه بالمباح إذا اقترن به وصف المطلوب (¬5)، والله يعلم المفسد من المصلح. ¬

_ (¬1) ذكر ابن القيم في مدارج السالكين (1/ 109 - 114) أن أحكام العبادات القلبية خمسة: واجب، ومستحب، وحرام، ومكروه، ومباح. فواجب القلب مثل: الإخلاص، والتوكل، والمحبة، والصبر، والإنابة، والخوف، والرجاء، والتصديق الجازم، والنية في العبادة، والنصح في العبودية. فهذه الواجبات القلبية لها طرفان: واجب مستحق وهو مرتبة أصحاب اليمين، وكمال مستحب وهو مرتبة المقرّبين. أما الرضا فهو مختلف فيه بين الوجوب والاستحباب. والمحرمات القلبية كثيرة منها: الكبر، والرياء، والعُجب، والحسد، والغفلة، والنفاق، وهذه المحرمات نوعان: كفر ومعصية. (¬2) في (ص): (أن) وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) في (ص): (تتصور)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬4) في (ظ) و (ن): (التقرب). (¬5) في (ظ) و (ن): (مطلوب).

فصل (35)

فصل (35) كما تجب محبة الله ورسوله تجب محبة أولياء الله تعالى، وأفضل الأولياء الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون لهم بإحسان، ثم العلماء العاملون في كل عصرٍ وأوان، وعلماء الصحابة أفضل جميع العلماء بعدهم (¬1)، وعلماء التابعين أفضل العلماء بعدهم، وعلماء كل قرنٍ أفضل من علماء [القرن] (¬2) الذي يليه؛ ومن خيّلت له نفسه خلاف ذلك فقد ارتبك في التيه، وهم خير الناس والقبائل؛ لقيامهم بالعلم والعمل والدلائل، وهم ورّاث الأنبياء، وتستغفر لهم الملائكة والدواب، وكل شيء حتى الحيتان في الماء والطير في الهواء، يدْعى كل منهم في ملكوت السموات والأرض (¬3) عظيماً، ويصلي عليهم (¬4) الملائكة في كل حين، ويسلمون (¬5) تسليماً. فمنهم الخلفاء الأربعة في (¬6) الأئمة الراشدين القدوة الراسخين الهادين المقدّمين (¬7)، والفقهاء السبعة في التابعين (¬8) والأئمة الأربعة: ¬

_ (¬1) (بعدهم) ليست في (ظ) و (ن). (¬2) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬3) (والأرض) ليست في (ظ) و (ن). (¬4) في (ظ) و (ن): (وتصلي عليه). (¬5) في (ظ) و (ن): (ويسلموا). (¬6) الأولى حذف حرف الجر (في) حتى يستقيم المعنى. (¬7) في (ظ) و (ن): (المهديين). (¬8) الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم: سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي =

أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل (¬1) في الخالفين، وأصحاب [كتب الحديث] (¬2) المسندة كالبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي في الأئمة الحفاظ المحققين المحدثين، وفقهاء الشام كالأوزاعي وغيره من العلماء الربانيين، والفقهاء من الأئمة المحدثين، والمصنفون من الحذَّاق (¬3) المحققين، وهم معروفون موصوفون عند النقاد العارفين، حشرنا (¬4) في زمرتهم، وأماتنا على محبتهم، آمين. ¬

_ = بكر الصديق، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار رحمهم الله جميعاً. (¬1) (بن حنبل) ليست في (ظ) و (ن). (¬2) في (ص): (الكتب)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) في (ظ) و (ن): (الحداق). (¬4) في (ظ) و (ن): (حشرنا الله).

فصل (36)

فصل (36) من لزم أمر الله تعالى، وآثر طاعته تعالى؛ فبتوفيق الله تعالى إياه، ومن ترك أمر الله، وركب معاصيه؛ فبخذلان الله إياه (¬1)، ومن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل (¬2) بالجوارح إليه إن شاء عمل وإن شاء لم يعمل ¬

_ (¬1) هذه المسألة تسمى مسألة الهداية والإضلال، وفي ذلك رد على المعتزلة القائلين بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله، قال الطحاوي - رحمه الله - في عقيدته (ص 8): (يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلاً). انظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/ 137 - 138). (¬2) وقع خلاف في الاستطاعة وهل هي قبل الفعل أم معه؟ على أقوال: أ - المعتزلة ومن وافقهم قالوا: إن الاستطاعة قبل الفعل، وهي غير موجبة للفعل. ب - الأشاعرة ومن وافقهم قالوا: إن الاستطاعة مع الفعل، لا يجوز أن تتقدمه ولا أن تتأخر عنه، بل هي مصاحبة للفعل، وهي من الله، وما يفعله الإنسان بها فهو كسب له. ج - أهل السنة والجماعة ومن وافقهم قالوا بالتفصيل: 1 - استطاعة قبل الفعل، وهي الاستطاعة التي بمعنى الصحة والوسع، والتمكن وسلامة الآلات، وهي مناط الأمر والنهي، والمصححة للفعل، وهي من مثل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]، وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]. 2 - استطاعة مع الفعل، وهي التي يجب معها وجود الفعل، وتكون مقارنة للفعل الموجبة له، وهي الاستطاعة الكونية التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل، وهي من مثل قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: 20]، وقوله - عز وجل -: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)} [الكهف: 100، 101]. =

فقد كذَّب بالقدر، وردّ كتاب الله نصاً، وزعم أنه مستطيع لما لم يرده الله عزّ (¬1) اسمه، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذا القول، ولكن نقول: إن الاستطاعة من العبد مع الفعل، فإذا عمل عملًا بالجوارح من برٍّ أو فجورٍ، علمنا أنه كان مستطيعاً للفعل الذي فعل، فأما قبل أن يفعله فإنا لا ندري لعله يريد أمراً فيحال بينه وبين ذلك، والله - عز وجل - مريد لتكوين أعمال الخلق، ومن ادّعى خلاف ما ذكرنا، فقد وصف الله - سبحانه وتعالى - بالعجز، وهلك في الدارين (¬2). ¬

_ = انظر: القدر لابن تيمية (ص 129، 290 - 291، 372 - 373)، ودرء تعارض العقل والنقل (1/ 61)، والقضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة للدكتور عبد الرحمن المحمود (ص 180 - 184). (¬1) في (ظ) و (ن): (جلّ). (¬2) قد يفهم من كلام المؤلف - رحمه الله - هنا موافقته الأشاعرة في مسألة الاستطاعة، ولا يصح ذلك لأمور: أ - أن كلامه دار حول الاستطاعة الكونية التي يجب بها الفعل، وهي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل، وتكون مع الفعل كما ذكر. ويدل على ذلك قوله: (فأما قبل أن يفعله فإنا لا ندري لعله يريد أمراً فيحال بينه وبين ذلك، والله - عز وجل - مريد لتكوين أعمال الخلق) حيث ربط استطاعته بما كُتب وقُدر له، ثم بين علاقتها بإرادة الله الكونية. وأما الاستطاعة التي بمعنى الوسع والصحة والتمكن، والتي هي مناط الأمر والنهي، فلم يتطرق لها، وليس ذلك دليلاً على أنه لا يثبتها. ب - أنه ساق بعد ذلك قول الإمام الطحاوي - رحمه الله - في الاستطاعة والتي يثبت فيها نوعي الاستطاعة، وإيراده لهذا القول دليل على أنه موافق ومسلم بذلك، بل إن جميع ما نقله المؤلف - رحمه الله - من عقيدة الإمام الطحاوي رحمه الله في فصول هذا الكتاب إنما أورده على سبيل اعتقاده، والموافقة عليه، والأخذ به. ج - أنه لو كان - رحمه الله - يرى رأي الأشاعرة لتعقب الطحاوي في إثباته لنوعي الاستطاعة، خاصة وأنه قال: (ومن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل بالجوارح إليه إن شاء عمل وإن =

وهذه المسألة راجعة إلى وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره، وحلوه ومرّه، وأنه من الله، وأنه جفّ القلم بما هو كائن إلى يوم قيام الساعة، علم الله سبحانه العباد وما هم عاملون وإلى ما هم صائرون، وأنه - سبحانه وتعالى - أمرهم ونهاهم، وهذا كله مجمعٌ عليه، ومتفق (¬1) القول به بين (¬2) علماء [أهل] (¬3) السنة، والله - عز وجل - أعلم. قال الإمام أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله -: (والاستطاعة التي يجب بها الفعلُ من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به مع (¬4) الفعل، وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكين (¬5) وسلامة الآلات فهي قبل الفعل (¬6)، وهو كما (¬7) قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد، ولم يكلفهم الله إلا ما يطيقون (¬8)، ولا يطيقون إلا ما كلفهم به (¬9) (¬10) وهو تفسير: (لا حول ولا ¬

_ = شاء لم يعمل فقد كذب بالقدر) مما يدل على أنه لم يرد إلا الاستطاعة الكونية، والتي بين أنها لا يمكن أن تكون قبل الفعل. (¬1) في (ظ) و (ن): (متفق) بدون واو. (¬2) في (ظ) و (ن): (من). (¬3) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬4) في متن العقيدة الطحاوية: (فهي مع الفعل). (¬5) في متن العقيدة الطحاوية: (والتمكن). (¬6) في متن العقيدة الطحاوية: (فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب). (¬7) في (ظ): (وهو ما). (¬8) في متن العقيدة الطحاوية: (ولم يكلفهم الله ما لا يطيقون). (¬9) (به) ليست في متن العقيدة الطحاوية. (¬10) قوله: "ولا يطيقون إلا ما كلفهم به" هذه العبارة تعقبها شارح الطحاوية (2/ 656) بقوله: (في كلام الشيخ إشكال، فإن التكليف لا يستعمل بمعنى الإقدار وإنما يستعمل بمعنى الأمر والنهي، وهو قد قال: "لا يكلفهم إلا ما يطيقون، ولا يطيقون =

قوة إلا بالله)، نقول: لا حيلة لأحد، ولا حول لأحدٍ، ولا حركة لأحدٍ (¬1) عن معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قوة لأحدٍ على طاعة (¬2) الله، والثبات عليها إلا بتوفيق الله، وكل شيء بمشيئة (¬3) الله تعالى، وعلمه، وقدره، وقضائه (¬4)، [فغلبت] (¬5) مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها. يفعل الله (¬6) ما يشاء، وهو غير ظالم أبداً (¬7)، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]) (¬8). ¬

_ = إلا ما كلفهم" وظاهره أنه يرجع إلى معنى واحد، ولا يصح ذلك؛ لأنهم يطيقون فوق ما كلفهم به، لكنه سبحانه يريد بعباده اليسر والتخفيف). (¬1) في متن العقيدة الطحاوية: (لا حيلة لأحد ولا حركة ولا تحول لأحد). (¬2) في متن العقيدة الطحاوية: (على إقامة طاعة الله). (¬3) في متن العقيدة الطحاوية: (يجري بمشيئة الله). (¬4) في متن العقيدة الطحاوية: (وقضائه وقدره). (¬5) في (ص): (فغلب)، وفي متن العقيدة الطحاوية: (غلبت)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬6) (الله) ليست في متن العقيدة الطحاوية. (¬7) في متن العقيدة الطحاوية: (وهو غير ظالم أبداً، تقدس عن كل سوء وحين، وتنزه عن كل عيب وشين). (¬8) نقله المؤلف بالنص من متن العقيدة الطحاوية (ص 17 - 18).

فصل (37)

فصل (37) [وقد] (¬1) تقدم الكلام (¬2) على وجوب حب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتنزيلهم منازلهم في الرتبة والفضل، وأن أجور الأمة في موازينهم من حيث مقابلة الجملة بالجملة، وأما من حيث الفرد بالفرد من حيث الأجر، فقد يكون أجره أكثر من أجره، لا من حيث ذاته، ولا سبقيته، ولا صحبته للرسول - صلى الله عليه وسلم -. قال الإمام أبو عثمان الصابوني - رحمه الله -: (ومن تمسَّك بسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعمل بها، واستقام عليها، ودعا الخَلْق إليها؛ كان أجره وافراً (¬3)، وأكبر من أجر من جرى على هذه الجملة في أول الإسلام والملة؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال في مثله: "له أجر خمسين، قالت الصحابة: منهم؟ قال: بل منكم" (¬4) وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - في رجل يعمل بسنته عند ¬

_ (¬1) في (ظ) وليست في (ص)، وفي (ن): (قد) بدون واو. (¬2) انظر: (ص 340). (¬3) في (ظ) و (ن): (أوفر)، وفي (ص) (وافرٌ) بالرفع والصواب ما أثبته. (¬4) أخرجه أبو داود في الملاحم، باب الأمر والنهي (4/ 512) رقم (4341)، والترمذي في التفسير، سورة المائدة (5/ 240) رقم (358)، عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر؛ حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل رأي برأيه، نعليك بخاصة نفسك، ودع العوام؛ فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن =

فساد أمته (¬1). وروى بإسناده إلى ابن شهاب الزهري قال: (تعلم سنتي (¬2) أفضل من عبادة مائتي سنة) (¬3)، (¬4). وروينا بإسنادنا في كتاب المدخل للبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ¬

_ = مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم"، قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عتبة، قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم، قال: "بل أجر خمسين منكم". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه في الفتن، باب قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}. (2/ 1330) رقم (4014) من حديث أبي ثعلبة الخشني بلفظ مقارب، وصححه الألباني كما في الصحيحة (1/ 812) رقم (494). (¬1) بيّن العلامة محمد شمس الحق العظيم آبادي صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود (11/ 496) في شرح هذا الحديث، وبيان معناه، حيث قال: (فيه تأويلان: أحدهما: أن يكون أجر كل واحد منهم على تقدير أنه غير مبتلى ولم يضاعف أجره، وثانيهما: أن يراد أجر خمسين منهم أجمعين لم يبتلوا ببلائه). وفضل الشخص المسلم في جزئية معينة لا يلزم منه الفضل في الكل، قال صاحب عون المعبود (11/ 496): (هذا في الأعمال التي يشقّ فعلها في تلك الأيام لا مطلقاً، وقد جاء: "لو أنفق أحدُكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"، ولأن الصحابي أفضل من غيره مطلقاً). (¬2) في (ظ) و (ن): (تعليم سنة). (¬3) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ص 318) من طريق معمر بن راشد، عن الزهري قال: (تعليم سنة أفضل من عبادة مئتي سنة). ولم أقف عليه عند غيره فيما بحثت فيه، وقد أورد الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث آثاراً قريبة في المعنى من أثر الزهري، منها أثر عن الشافعي (ص 193) رقم (230): قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: (طلب العلم أفضل من صلاة النافلة)، ومنها أثر عن المعافر بن عمران (ص 193) رقم (228) قال: (كتاب حديث واحد أحب إلي من صلاة ليلة) ويقصد النافلة. (¬4) من قوله: (ومن تمسَّك بسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ....) وإلى: (... من عبادة مئتي سنة) نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 317 - 318).

قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "للقائم (¬1) بِسُنَّتي عند فساد أمتي أجر (¬2) مئة شهيدٍ" (¬3)، ورويناه أيضاً في غيره. وروينا بإسنادنا إلى عمرو بن محمد (¬4). قال: كان أبو معاوية الضرير (¬5) يحدّث هارون الرشيد (¬6)، فحدثه ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (القائم). (¬2) في (ظ) و (ن): (له أجر). (¬3) لم أقف عليه عند البيهقي في (المدخل إلى السنن). لكن أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 315) رقم (5414) ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (8/ 200) من حديث أبي هريرة بلفظ: "المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد". قال الألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 334) رقم (327): (ضعيف). وأخرجه ابن عدي في الكامل، في ترجمة الحسن بن قتيبة (2/ 327)، وابن بشران في الأمالي (ص 218) رقم (503) من حديث ابن عباس بلفظ: "من تمسَّك بسُنَّتي عند فساد أمتي فله أجر مئة شهيد"، قال الألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 333) رقم (326): (هذا سند ضعيف جداً). (¬4) هو عمرو بن محمد بن بكير بن سابور، الناقد، أبو عثمان البغدادي، روى عن هشيم، ومعتمر بن سليمان، ووكيع وغيرهم. وعنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. قال أبو حاتم الرازي: ثقة أمين صدوق. وقال الحسين بن فهم: ثقة ثبت، وكان من الحفاظ المعدودين، وقال الذهبي: كان من أوعية العلم. انظر: الجرح والتعديل (3/ 262)، وسير أعلام النبلاء (11/ 147)، وتهذيب التهذيب (6/ 204). (¬5) هو محمد بن خازم الضرير السعدي، أبو معاوية الضرير الكوفي. وثقه العجلي والنسائي، وابن حبان، وابن سعد. قال أحمد: هو في غير حديث الأعمش مضطرب لا يحفظها حفظاً جيداً. وقال أبو داود: كان رئيس المرجئة بالكوفة، وخالفه العجلي حيث قال: كان يرى الإرجاء، وكان لين القول فيه. انظر: ثقات العجلي (2/ 236)، والجرح والتعديل (7/ 248)، وتهذيب التهذيب (9/ 20). (¬6) هو هارون بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن =

بحديث أبي هريرة: "احتج آدم وموسى" (¬1) فقال عيسى بن جعفر (¬2): كيف هذا وبين آدم وموسى ما بينهما؟ قال: فوثب به هارون، وقال: يحدثك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعارضه بكيف؟ قال: فما زال يقوله حتى سكن عنه (¬3). ¬

_ = عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي. روى عن أبيه وجده، ومبارك بن فضالة. روى عنه ابنه المأمون وغيره. قال الذهبي: كان من أنبل الخلفاء، وأعظم الملوك، ذا حج، وجهاد، وغزو، وشجاعة، ورأي. وأمه أم ولد، واسمها خيزران، كان مولده بالري سنة 148 هـ. وقد فتح مدناً كثيرة من بلاد الروم في عهده، توفي سنة 203 هـ. كان يحب المديح ويجيز الشعراء، ويقول الشعر، وكان يحب العلماء، ولما بلغه موت ابن المبارك حزن عليه، وعزاه الأكابر. انظر: تاريخ الطبري (8/ 230)، وتاريخ بغداد (14/ 5)، وسير أعلام النبلاء (9/ 286). (¬1) حديث محاجة آدم وموسى عليهما الصلاة والسلام، أخرجه البخاري في القدر، باب تحاج آدم وموسى عند الله (11/ 505) رقم (6614)، ومسلم في القدر أيضاً، باب حجاج آدم وموسى - عليهما السلام - (4/ 2043) رقم (2652) من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "احتج آدم وموسى فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا، وأخرجتنا من الجنة. قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ثلاثاً". (¬2) هو عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور. كان من وجوه بني هاشم، وولي إمارة البصرة، وخرج من بغداد يقصد هارون الرشيد، وهو إذ ذاك بخراسان، فأدركه أجله بالدسكرة من طريق حلوان، مات في شهر رمضان سنة 172 هـ. انظر: تاريخ بغداد (11/ 157)، والبداية والنهاية (10/ 210). (¬3) هذه القصة أخرجها الصابوني في عقيدة السلف (ص 319 - 320)، ورواها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (5/ 243) من طريق آخر، وبألفاظ مختلفة عما أورده الصابوني، وأوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء (9/ 289) في ترجمة هارون الرشيد وابن كثير في البداية والنهاية (10/ 215).

فيجب على من لدِينه عنده قدرٌ، ولأخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قلبه قبولٌ، أن يفعل كفعل هارون الرشيد، ويجعل عقله تبعاً لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن لم يكن كذلك، ولم يعظمه، ولم يوقره، فهو الدنيّ، الحقير، الغويّ، الشقيّ، ومأواه جهنم، وبئس المصير، والله يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويستمسكون في دنياهم مدة محياهم بالكتاب والسُّنة، ويجنبنا الأهواء المضلَّة، والآراء المضمحلة، بفضلٍ منه، ورحمةٍ، ومنةٍ (¬1). ¬

_ (¬1) من قوله: (كان أبو معاوية الضرير ...) وإلى نهاية هذا الفصل نقله المؤلف بتصرف من عقيدة السلف (ص 319 - 321).

فصل (38)

فصل (38) إذا وقع العلم بالمراد من الشارع؛ فذكر الاحتمالات المعنوية المستنبطة من اللفظ الشرعي المخالفة [للمراد] (¬1) المعلوم: تحريفٌ، أو تبديل، أو تغيير، أو تشكيك أو تضليل، أو تعطيل، أو تشبيه، وكل ذلك إما كفر أو معصية. والكفر (¬2) إما شرعي أو لغوي، والشرعي: ما نطق (¬3) الشارع به ¬

_ (¬1) في (ص): (المراد)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) الكفر: الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية، كما ذكر ابن فارس، يقال لمن غطَّى دِرْعه بثوب: قد كفر درعه، والمُكفَّر: الرجل المتغطي بسلاحه، ويقال للزرَّاع كافر؛ لأنه يغطي الحبَّ بتراب الأرض. والكفر ضد الإيمان؛ سمِّي لأنه تغطية الحق، وكذلك كفران النعمة: جحودها وسترها. انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 191)، والقاموس المحيط (ص 605). والكفر اسم شرعي، والكافر من كفره الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فليس الكفر حقاً لأحد من الناس، بل هو حق الله تعالى، قال ابن تيمية في درء التعارض (1/ 242): (الكفر حكم شرعي متلقى عن صاحب الشريعة، والعقل قد يُعلم به صواب القول وخطؤه، وليس كل ما كان خطأ في العقل يكون كفراً في الشرع، كما أنه ليس كل ما كان صواباً في العقل تجب في الشرع معرفته). ويقول ابن الوزير في العواصم والقواصم (4/ 178): (إن التكفير سمعي محض لا مدخل للعقل فيه، وأن الدليل على الكفر لا يكون إلا سمعياً قطعياً، ولا نزاع في ذلك). (¬3) في (ظ) و (ن): (نطلق).

باللسان العربي على وفق لغة العرب؛ الذين آمنوا به - صلى الله عليه وسلم -، وفهمهم، أو كان على مناهجهم [لا] (¬1) ما أحدث من اللغات النبطية، والمفاهيم الغويّة، والاصطلاحات المخالفة الحادثية. واللغوي شرعي إلا ما علم أن المراد خلافه، مثاله: العفو في اللغة التوفية والإزالة (¬2)، والكفر فيها: التغطية (¬3)، والستر، والإزالة، فإذا علم المراد تبيّنا أن ما خالفه لغوياً غير مراد، فلا تخرج (¬4) اللغة عن الشرع إلا [العلم] (¬5) بعدم الإرادة من الشارع (¬6)، فإذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "قصوا الشوارب، واعفوا اللِّحى" (¬7) علمنا: أن المرادَ ظهورُ زينة الله تعالى ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬2) في (ظ) و (ن): (للتوفية وللإزالة). (¬3) في (ظ) و (ن): (للتغطية). (¬4) في (ظ) و (ن): (يخرج). (¬5) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬6) التحقيق في المسألة هو أن علاقة الشرعي باللغوي من حيث العموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، والراجح أن الشرع مخصص ومقيد للغة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإيمان (ص 256): (وبسبب الكلام في مسألة الإيمان تنازع الناس هل في اللغة أسماء شرعية نقلها الشارع عن مسماها في اللغة، أو أنها باقية في الشرع على ما كانت عليه في اللغة، لكن الشارع زاد في إحكامها لا في معنى الأسماء؟) إلى أن قال: (والتحقيق أن الشارع لم ينقلها، ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة). انظر: مختصر الصواعق المرسلة (2/ 259 - 268)، وحقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة لمحمد المصري (ص 9 - 14). (¬7) أخرجه أحمد في المسند (2/ 229) من حديث أبي هريرة بلفظه، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (12/ 103) رقم (7132). وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع (2/ 810) رقم (4392)، وأصل الحديث في الصحيحين، وانظر الحديث التالي.

للعباد بها، لا [تبشيع] (¬1) خلق الله بإزالتها؛ بدليل قوله [في الرواية الأخرى] (¬2) "وأوفوا اللحى" (¬3). وكذلك إذا ورد لفظ الكفر حُمل على كل كفر من التغطية، والستر، والإزالة، فإذا علم أن المراد أحدها وجب الحمل عليه، وصار الباقي لغوياً غير مراد، مثاله: قوله - صلى الله عليه وسلم - للنساء -: "إني رأيتكن أكثر أهل النار"، قيل: يا رسول الله، بماذا؟ قال: "بكفرهن"، قيل: يا رسول الله، أيكفرن بالله؟ قال: "لا، يكفرن الإحسان ويكفرن العشيرة" (¬4)، فلو لم يكن الكفر عند الصحابة في مفاهيمهم عنه - صلى الله عليه وسلم - محمولاً عندهم على جميع وجوهه الشرعية اللغوية، لما حسن الاستفهام ولما أجابهم - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا ثبت لفظ الكفر في قوله - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم -: "بين العبد والشرك والكفر ترك الصلاة" (¬5)، وقوله: ¬

_ (¬1) في (ص): (تشنيع)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬2) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬3) أخرجه مسلم في الطهارة، باب خصال الفطرة (1/ 22) رقم (259) من حديث ابن عمر بلفظ: "خالفوا المشركين، احفوا الشوارب، وأوفوا اللحى". وهو عند البخاري في اللباس، باب إعفاء اللحى (10/ 351) رقم (5893) من حديث ابن عمر أيضاً بلفظ: "أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى". (¬4) أخرجه البخاري في الإيمان، باب كفران العشير ... (1/ 83) رقم (29)، ومسلم في الكسوف، باب ما عرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (2/ 626) رقم (907) من حديث ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُريت النار أكثر أهلها النساء يكفرن"، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط". (¬5) أخرجه مسلم في الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (1/ 88) رقم (82) من حديث جابر بن عبد الله بلفظ: "بين الرجل والشرك والكفر ترك الصلاة". وأخرجه أيضاً أبو داود في السنة، باب في رد الإرجاء (5/ 58) رقم (4678)، =

"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" (¬1). وفي قول شقيق بن سلمة التّابعيِّ الجليل: ما كان أصحاب محمدٍ (¬2) (يعدون شيئاً تركه كفر إلا (¬3) الصلاة) (¬4) حمله المحدِّثون وكثير من الفقهاء على جميع وجوهه من تغطية الحق، وستره، وإزالته في موضوعه ومفهومه، وهو الكفر بالله (¬5)، وتأوله بعضهم على بعضها، وهو التغطية أو الستر دون الإزالة، وهي إزالة الإسلام، والله أعلم. ثم الكفر بالتحريف أو التبديل قد يكون مخرجاً عن الإسلام وقد لا يكون، فإن كان مخرجاً كالتحريف في صفات الباري - عز وجل - المؤدي إلى تشبيهه بخلقه - سبحانه وتعالى -، أو تعطيلها، وإخراجها عن معنًى يليق بجلاله؛ فهو كفر مخرجٌ عن الدين بلا شك. وكذلك التحريف في الأحكام الفروعية المجمع عليها الواجبة [أو المحرمة] (¬6) بلا تأويلٍ يسوّغ (¬7)، وأما المندوبة أو المكروهة أو المباحة ¬

_ = والترمذي في الإيمان، باب في ترك الصلاة (5/ 14) رقم (2620)، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب فيمن ترك الصلاة (1/ 342) رقم (1078)، وأحمد في المسند (3/ 389) من حديث جابر بن عبد الله بنحوه. ولفظ أحمد قريب من لفظ مسلم. (¬1) تقدم تخريجه في (ص 241) حاشية رقم (7). (¬2) في (ظ) و (ن): (رسول الله). (¬3) في (ظ) و (ن): (غير). (¬4) تقدم تخريجه في (ص 242) حاشية رقم (4)، وهذا الأثر لعبد الله بن شقيق العقيلي كما بينت ذلك. (¬5) ما ذكره المؤلف - رحمه الله - هنا من حمل الكفر في أثر عبد الله بن شقيق على حقيقته، وهو التغطية والستر والإزالة، هذا يرجح كفر تارك الصلاة خلافاً لما ذكره عن الشافعي وجمهور أصحابه وجماعة من علماء السلف في (ص 278). (¬6) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬7) مثل تأويلات الباطنية الذين يجعلون للمأمورات والمنهيات تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها، فهم يقولون كما ذكر شيخ الإسلام عنهم في التدمرية (ص =

فالتحريف فيها حكمه حكمها في التكفير؛ لكونه أضاف إلى الله تعالى ما لم يضفه إلى نفسه، ولا يجوز إضافته إليه. وقد كفَّر بعض أصحاب الشافعي رحمهم الله بمجرد الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يعتقد جوازه وكان مطابقاً لأصول شريعته؛ سداً للباب، وضبطاً للشريعة. وأما من حيث موضوعه ووصفه؛ فحكمه حكمها في وصفه بالندبية، والكراهة، والإباحة. والتكفير بالتحريف (¬1) والتبديل راجع إلى القصد والإصرار وعدمهما (¬2)، وما يترتب على ذلك من تعدي الضرر، وقصوره في حكمه، ومحله. وأمّا إطلاق الكفر على المعاصي؛ فلا يجوز إلا لقصد الزجر عنها (¬3)، كما أطلقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء؛ لما جعله سبباً لدخول ¬

_ = 48): (إن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم، وإن صيام شهر رمضان كتمان أسرارهم، وإن حج البيت السفر إلى شيوخهم، ونحو ذلك من التأويلات التي يعلم بالاضطرار أنها كذب وافتراء على الرسل صلوات الله عليهم، وتحريف لكلام الله ورسوله عن مواضعه، وإلحاد في آيات الله). انظر: مجموع الفتاوى (35/ 131 - 132). (¬1) في (ظ) و (ن): (أو). (¬2) في (ظ) و (ن): (والإضرار وعدمها). (¬3) هذه الجملة فيها إجمال وايهام، إذ قد تكون صحيحة إن أريد أنها تمر كما جاءت في النصوص، ونأخذ بظاهرها المفهوم منها، فهي جاءت بالوعيد والتغليظ والتخويف، وذلك على حقيقته نؤمن به، ولا نرده. وقد تكون باطلة إن أريد بها أن هذه النصوص جاءت بوعيد لقصد التغليظ والزجر لا حقيقة له، وهذا الأمر إن كان مراداً؛ فإنه قد يؤول إلى تعطيل الشريعة، وإبطال العقاب. انظر: الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص 88)، ومجموع الفتاوى (7/ 674)، (19/ 150)، ونواقض الإيمان القولية والعملية (ص 492 - 495).

النار، وأطلقه عليهن؛ لقصد زجرهن عن المعاصي؛ التي هي كفر الإحسان، وكفر العشير، فلما استُفسر - صلى الله عليه وسلم -: "أيكفرن بالله؟ " قال: لا (¬1)، ومن هذا المعنى إطلاقه - صلى الله عليه وسلم -: "من غشنا ليس (¬2) منا" (¬3) "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر" (¬4)، ومعلوم أن مجرد الغش والكبر من غير اعتقاد حله؛ لا يوجبان الكفر، ولا الخلود في النار، ولا عدم دخول الجنة مطلقاً، ولا الخروج من مِلَّة الإسلام، وإنما ينقصان الرتبة، فأطلقه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لقصد الزجر لا لاعتقاد الكفر، وقسْ على هذا كلَّ ما ورد على (¬5) مثل هذا. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لعن المؤمن كقتله" (¬6)، وكذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه (ص 348) حاشية (4). (¬2) في (ظ) و (ن): (فليس). (¬3) أخرج مسلم في الإيمان، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من غشنا فليس منا" (1/ 99) رقم (101)، وأبو داود في البيوع، باب النهي عن الغش (3/ 731) رقم (3452)، والترمذي في البيوع، باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع (3/ 606) رقم (1315)، وابن ماجه في التجارات، باب النهي عن الغش (2/ 749) رقم (2224)، وأحمد في مسنده (2/ 242) من حديث أبي هريرة بلفظه. (¬4) أخرجه مسلم في الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه (1/ 93) رقم (91) من حديث عبد الله بن مسعود بلفظه. (¬5) في (ظ) و (ن): (من). (¬6) أخرجه البخاري في الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل، فهو كما قال (10/ 514) رقم (6105)، ومسلم في الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه .... (1/ 104) رقم (110) من حديث ثابت بن الضحاك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذب به يوم القيامة، ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة، ومن حلف على يمين صير فاجرة، فهو كما قال".

اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، في (¬1) قول كل العلماء إلا ابن عباس - رضي الله عنهما - وقد ثبت رجوع ابن عباس عنه (¬2)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (وفي). (¬2) المشهور عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قاتل المؤمن عمداً أنه لا توبة له، وهو خالد في نار جهنم. ولكن هناك من الآثار والأخبار ما تبين أنه رجع عن قوله هذا، وأنه آخر قوليه في هذه المسألة، منها: قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 285): (وذهب جماعة من العلماء منهم عبد الله بن عمر - وهو مروي عن زيد وابن عباس - إلى أنه له توبة) ثم ساق أثراً عنه يبين رجوعه (3/ 286) قائلاً: (روى يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو مالك الأشجعي عن سعد بن عبيدة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: ألمن قتل مؤمناً متعمداً توبة؟ قال: لا، إلا النار، قال: فلما ذهب قال له جلساؤه: أهكذا كنت تفتينا؟ كنت تفتينا أن لمن قتل توبة مقبولة، قال: إني لأحسبه مغضباً يريد أن يقتل مؤمنا. قال: فبعثوا في أثره فوجدوه كذلك) وذكره أيضاً السيوطي في الدر المنثور (2/ 629)، وقال القرطبي معقباً على ذلك: (وهذا مذهب أهل السنة وهو الصحيح، وأن هذه الآية مخصوصة، ودليل التخصيص آيات وأخبار). وساق الإمام السيوطي في تفسيره آثاراً عن ابن عباس - رضي الله عنهما - تؤكد وتبين رجوعه عن قوله الأول، فقد قال في الدر المنثور (2/ 627): (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقول: جزاؤه جهنم إن جازاه، يعني: للمؤمن وليس للكافر، فإن شاء عفا عن المؤمن، وإن شاء عاقب)، وقال في تفسيره (2/ 627) أيضاً: (وأخرج ابن المنذر من طريق عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] قال: هي جزاؤه إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له). والذي عليه أهل السنة والجماعة أن القتل العمد من أعظم كبائر الذنوب عند الله، ولكن القاتل لا يخلد في نار جهنم، بل هو إن مات ولم يتب من ذلك تحت مشيئة الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه في النار، ثم يخرجه منها إلى الجنة؛ لأنه تعالى - فضلاً منه - لا يخلد في النار أحداً من الموحدين. وقد ذكر الشوكاني في فتح القدير =

وقد تقدم فصلٌ: أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنبٍ، والكلام عليه وتفصيله (¬1) (¬2). قال الإمام أبو جعفر الطحاوي - رحمه الله -: (لا (¬3) نشهد على أحدٍ من أهل القبلة بكفر، ولا بشركٍ، ولا نفاقٍ ما لم يظهر منه شيءٌ من ذلك، ونذر (¬4) سرائرهم إلى الله تعالى) (¬5). فقد (¬6) رُوِّينا في صحيح البخاري - رحمه الله - بإسنادنا إليه، ثم إلى عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ (¬7) قال: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: (إن ناساً كانوا يُؤخذون بالوحي على (¬8) عهد رسول الله (وإن ¬

_ = (1/ 461) أن مذهب جمهور العلماء هو القول بقبول توبة القاتل. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 282 - 288)، وزاد المسير لابن الجوزي (2/ 166 - 168)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/ 812 - 816)، ومدارج السالكين لابن القيم (1/ 392 - 398)، والدر المنثور للسيوطي (2/ 622 - 632). (¬1) في (ظ) و (ن): (وتفاصيله). (¬2) انظر: (ص 328). (¬3) في (ظ) و (ن): (ولا). (¬4) في (ظ) و (ن): (وندر). (¬5) نقله المؤلف - رحمه الله - بتصرف من متن العقيدة الطحاوية (ص 15 - 16)، حيث قال الطحاوي: (ولا نشهد عليهم بكفر، ولا بشرك، ولا بنفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى). (¬6) في (ظ) و (ن): (وقد). (¬7) عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، ابن أخي عبد الله بن مسعود، ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن حجر: أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ورآه، وروى عنه، وروى عن عمه ابن مسعود، وعمر، وعمار، وعنه ابناه، والسبيعي، والشعبي، وغيرهم. وثقه العجلي وابن سعد، وذكره العقيلي في الصحابة. توفي سنة 73 هـ. انظر: الإصابة (2/ 340)، وأسد الغابة (3/ 203). (¬8) في (ظ) و (ن): (في).

الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمّنّاه، وقرّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأْمنْهُ ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة) (¬1). وروينا في صحيح مسلم - رحمه الله - عن أبي عبد الله طارق بن أشيم (¬2) - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله؛ حرّم الله ماله (¬3) ودمه، وحسابه على الله" (¬4)، قال (¬5) الله تعالى في حق المشركين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]. إذا عرفت هذا فاعلمْ: أن (من أنكر ما عُرف بالتواتر من الأخبار والسير والبلاد؛ التي لا [ترجع] (¬6) إلى إبطال شريعةٍ، ولا [تفضي] (¬7) إلى إنكار قاعدةٍ من الدين، كإنكار غزوة تبوك أو مؤتة، أو وجود أبي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الشهادات، باب الشهداء العدول (5/ 251) رقم (2641) من طريق عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ......... فذكره بلفظه. (¬2) هو طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي، والد أبي مالك تفرد بالرواية عنه ولده، وصرح بالسماع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي السنن أن ولده قال له: (يا أبت إنك صليت الصبح خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، أكانوا يقنتون؟ قال: يا بني محدث ...). انظر: أسد الغابة (3/ 48)، والإصابة (2/ 219). (¬3) في (ظ) و (ن): (حرم ماله). (¬4) أخرجه مسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله .... (1/ 53) رقم (23) من حديث طارق بن أشيم بلفظه. (¬5) في (ظ) و (ن): (وقال). (¬6) في (ص): (يرجع)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬7) في (ص): (يفضي)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.

بكرٍ وعمرَ، وقتل عثمان أو (¬1) خلافة عليّ، مما عُلم بالنقل ضرورةً، وليس في إنكاره جحد شريعةٍ، فلا سبيل إلى تكفيره بجحد ذلك (¬2)، وإنكار (¬3) وقوع العلم له؛ إذ ليس في ذلك أكثر (¬4) من المباهتة (¬5) كإنكار هشامٍ (¬6) وعبادٍ (¬7) وقعة الجمل، ومحاربةَ عليّ من خالفه. فأما من أنكر ذلك وضعّفه (¬8) من أجل تهمة الناقلين، ووهَّمَ المسلمين أجمع، ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) والشفا: (أو قتل عثمان وخلافة علي). (¬2) وذلك لأن التكفير حكم شرعي، وليس حقاً لأحد من الناس، كما بينت ذلك في بداية هذا الفصل. (¬3) في الشفا: (وإنكاره). (¬4) في (ظ) و (ن): (أكبر). (¬5) المباهتة من بهت: والباء والهاء والتاء أصل واحد، وهو كالدهش والحيرة، يقال: بُهتَ الرجل يُبْهتُ بهتاً. والبَهتة: الحيرة، وأما البهتان فالكذب، تقول العرب: يا لَلْبهيتة، أي: يا لَلْكذب. انظر: معجم مقاييس اللغة (1/ 307)، والقاموس المحيط (1/ 144). (¬6) هو هشام بن عمرو، أبو محمد الفوطي، المعتزلي، الكوفي، مولى بني شيبان. قال الذهبي: صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال، أخذ عنه عباد بن سلمان وغيره، ونهى عن قول (حسبنا الله ونعم الوكيل)، وقال: لا يعذب الله كافراً بالنار، ويقول: يعذبون في النار لا بها ... وتوفي بعد المئتين. انظر: السير (10/ 547)، وطبقات المعتزلة (ص 61). (¬7) هو عباد بن عمرو، وقيل: معمّر بن عمرو، أبو المعتمر البصري المعتزلي السلمي مولاهم، كان يقول: في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها، ولا لها عند الله عدد ولا مقدار؛ ولذا قامت عليه المعتزلة بالبصرة، وفرّ إلى بغداد، واختفى عند إبراهيم بن السندي، وكان يزعم أن الله لم يخلق لوناً ولا طولاً ولا عرضاً، وكان بينه وبين النظام مناظرات ومنازعات، وله تصانيف في الكلام. هلك سنة 215 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 546)، وطبقات المعتزلة (ص 54)، والفهرست لابن النديم (207). (¬8) في الشفا: (فأما إن ضعف ذلك من أجل تهمة الناقلين).

[فنكفره] (¬1) بذلك؛ [لسريانه] (¬2) إلى إبطال الشريعة. وأما (¬3) من أنكر الإجماع المجرد (¬4)؛ الذي ليس طريقه النقل المتواتر عن الشارع، فأكثر المتكلمين من الفقهاء والنظار في هذا الباب قالوا: بتكفير كل من خالف الإجماع الصحيح الجامعَ [لشروط] (¬5) الإجماع المتفق عليه عموماً. وحجتهم قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من خالف الإسلام (¬6) قيد شبرٍ فقد خلع ربقة الإسلامِ من عنقه" (¬7). وقد نقل العلماء (¬8) الإجماعَ على تكفير من خالف ¬

_ (¬1) في (ص) و (ظ) و (ن): (فتكفيره) وفي الشفا ما أثبته. (¬2) في (ص): (سريانه)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬3) في الشفا: (فأما). (¬4) المؤلف - رحمه الله - أورد هذه المسألة في (ص 328)، ويعيدها هنا بشيء من التفصيل. (¬5) في (ص): (بشروط)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬6) في الشفا: (من خالف الجماعة). (¬7) أخرجه أبو داود في السنة، باب في قتل الخوارج (5/ 118) رقم (4758)، وأحمد في مسنده (5/ 180)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 419 - 420) رقم (892)، والحاكم في المستدرك (1/ 117) من حديث أبي ذر بلفظ: "من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه". قال الألباني في ظلال الجنة: (حديث صحيح). وهذا الحديث استدل به القاضي عياض في الشفا (2/ 1079) بلفظه، ونقله المؤلف من الشفا بلفظ: "من خالف الإسلام ... "، ولم أجده في كتب الحديث بهذا اللفظ؛ إذ لعله تحريف من النساخ، أو سبق قلم من المؤلف، والله أعلم. (¬8) في الشفا: (وحكوا الإجماع على تكفير من خالف الإجماع).

الإجماع (¬1) (¬2). ولم يخالف أحدٌ من السلف فيه، وقال جماعة من علماء الخلف (¬3): المُجمع [عليه] (¬4) على ضربين (¬5): أحدهما: ما علم من دين الإسلام بالضرورة، كإجماعهم على عدد الركعات في الصلوات الخمس، ومقدار نُصُب الزكاة، ووجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحريم الزنى واللواط والخمر، وأخذ الأموال بالباطل، والأخذ في الأعراض بغير حق ونحو ذلك، فمن أنكر ذلك كفر. والثاني: ما يعرفه العلماء ويجهله العوام، كمقادير الفرائض لأهلها: ككون السدس للجدة، وللأخت من الأم السدس، وما (¬6) شاكل ذلك، قالوا: فمنكر ذلك لا يكفر به؛ قالوا: لأنه لا يعرفه إلا العلماء [وهم قليل] (¬7) فيلزم منه تكفير أكثر الخلق من المسلمين، وهذا الكلام ليس فيه تحقيقٌ؛ لأن الإنكار غالباً لا يكون [إلا] (¬8) بعد اعترافٍ، وهو المسمّى بالجحود، وأما من لم يعرف شيئاً فإنما (¬9) نسمّيه ¬

_ (¬1) الإجماع المعلوم الذي علم به ثبوت النص يكفر المخالف فيه، أما غير المعلوم فيمتنع تكفيره. انظر: مجموع الفتاوى (19/ 270). (¬2) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1078 - 1079). (¬3) في (ظ) و (ن): (الحلف). (¬4) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬5) هذا التقسيم الذي أورده المؤلف - رحمه الله - للمجمع عليه، قريب من كلام شيخه النووي - رحمه الله - في شرح صحيح مسلم (1/ 205). (¬6) في (ظ) و (ن): (ما) بدون واو. (¬7) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬8) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬9) في (ظ) و (ن): (فإنا).

جاهلاً أو مقصّراً في التعلّم (¬1)، وكلاهما لا يكفران بذلك، إلا أن يعتقد أنه لا يجب التعلّم (5) بعد [علمهما] (¬2) بوجوبه. وكلامنا إنما هو في من علم وجوب العمل بالإجماع في جميع الأحكام الظاهرة والباطنة، ثم أنكرها، وذلك لا يختلف بمجمعٍ (¬3) عليه، دون مجمعٍ عليه مشتهراً كان أو غير مشتهرٍ، فالصواب ما قاله السلف من تكفيره بجحوده؛ إذ الجحود لا يكون إلا [بعد إقرار] (¬4)، والله أعلم. قال القاضي عياض - رحمه الله - بعد أن حكى الإجماع على تكفير من خالف الإجماع: (وذهب آخرون إلى الوقوف عن القطع بتكفير من خالف الإجماع؛ الذي يختص [بنقله] (¬5) العلماء. وذهب آخرون إلى التوقف في تكفير من خالف الإجماع الكائنَ عن نظرٍ، كتكفير النظّام (¬6) ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (التعليم). (¬2) في (ص): (عليهما)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) في (ظ) و (ن): (لمجمعٍ). (¬4) في (ص): (إلا بإقرارٍ)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬5) في (ص): (نقله)، وفي (ظ) (بقله)، وفي الشفا ما أثبته. (¬6) هو إبراهيم بن سيار أو ابن شعبان، أو إسحاق، مولى آل الحارث بن عباد الضبعي، البصري، المتكلم، المعروف بالنظام. تكلم في القدر وانفرد بمسائل وهو شيخ الجاحظ، كان يقول: (إن الله لا يقوى على الظلم ولا الشر، وإن الله لا يقدر على إخراج أحد من جهنم، وإنه ليس يقدر على أصلح مما خلق)، وقال بعضهم: كان على دين البراهمة. وله مصنفات عدة منها: كتاب الجواهر والأعراض، وكتاب الوعيد. قال الذهبي: لم يكن النظام ممن نفعه العلم والفهم، وقد كفره جماعة. سقط من غرفة وهو سكران، فمات في سنة بضع وعشرين ومئة. انظر: تاريخ بغداد (6/ 97)، والملل والنحل (1/ 53)، وسير أعلام النبلاء (10/ 541).

بإنكار الإجماع؛ لأنه بقوله هذا مخالف إجماع السلف على احتجاجهم به، خارقٌ [للإجماع] (¬1) (¬2). ¬

_ (¬1) في الشفا: (بإنكاره). (¬2) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1079 - 1080).

فصل (39)

فصل (39) (قال القاضي أبو بكر (¬1): القول عندي: أن الكفر بالله هو الجهل (¬2) بوجوده، والإيمان بالله هو العلم بوجوده، وأنه لا يكفرُ أحدٌ ¬

_ (¬1) هو القاضي أبو بكر ابن الباقلاني. انظر: نسيم الرياض للخفاجي (4/ 560)، وشرح الشفا لملا علي قاري (2/ 528). (¬2) عرّف الباقلاني الكفر بأنه: الجهل بالله تعالى، وهذا قريب من قول الجهم بن صفوان، وأبي الحسن الأشعري، وجمهور أصحابه. والباقلاني - كما هو واضح من كلامه - يحصر الكفر في الجهل بالله، والمؤمن الذي يرتكب مكفراً، لا يكفر بهذا العمل، وإنما هذا العمل علامة دالة على كفر هذا الإنسان؛ وذلك لجهله بالله تعالى. وقوله هذا ظاهر البطلان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في منهاج السنة (5/ 251): (والناس لهم فيما يجعلونه كفراً طرق متعددة، فمنهم من يقول: الكفر تكذيب ما علم بالاضطرار من دين الرسول، ثم الناس متفاوتون في العلم الضروري بذلك. ومنهم من يقول: الكفر هو الجهل بالله تعالى، ثم يجعل الجهل بالصفة كالجهل بالموصوف، وقد لا يجعلها، وهم مختلفون في الصفات نفياً وإثباتاً. ومنهم من لا يحده بحد، بل كل ما تبين له أنه تكذيب لما جاء به الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر جعله كفراً إلى طرق أخرى. ولا ريب أن الكفر متعلق بالرسالة، فتكذيب الرسول كفر، وبغضه وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة العلم؛ إلا الجهم، ومن وافقه كالصالحي، والأشعري، وغيرهم). ويقول ابن القيم - رحمه الله - في مفتاح دار السعادة (2/ 394) - مبيناً خطأ هؤلاء -: (فليس عندهم الكفر إلا مجرد الجهل، ومن تأمل القرآن والسنة، وسير الأنبياء في أممهم =

بقولٍ ولا رأيٍ إلا أن يكون هو الجهل بالله، وإن عصى بقولٍ أو [فعلٍ] (¬1) نصّ اللهُ ورسوله (¬2)، أو أجمع المسلمون أنه لا يوجد إلا من كافرٍ، أو يقوم دليل على ذلك، فقد كفر، [ليس] (¬3) لأجل قوله أو فعله، لكن لما يقارنه [من الكفر] (¬4)؛ فالكفر بالله لا يكون إلا [بأحد] (¬5) ثلاثة أمور: أحدها: الجهل بالله تعالى. والثاني: أن يأتي فعلاً، أو يقول قولًا يخبر الله ورسوله، أو يجمع المسلمون، أن ذلك لا يكون إلا من كافرٍ؛ كالسجود للصنم، والمشي إلى الكنائس بالتزام الزنار مع أصحابها في أعيادهم، أو يكون ذلك القول أو الفعل لا يمكن معه العلم بالله تعالى، [قال] (¬6): فهذان الضربان، وإن لم [يكونا] (¬7) جهلاً ¬

_ = ودعوتهم لهم، وما جرى لهم معهم، جزم بخطأ أهل الكلام فيما قالوه، وعلم أن عامة كفر الأمم عن تيقن وعلم). وعليه فإن الكفر قد يكون تكذيباً بالقلب، وقد يكون الكفر باللسان؛ كما قال تعالى في المنافقين: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65 - 66]، وقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17]. وقد يكون الكفر بالعمل، يقول ابن القيم - رحمه الله - في الصلاة وحكم تاركها (ص 63): (وأما كفر العمل فينقسم إلى: ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان). (¬1) في (ص) و (ظ) و (ن): (قيل)، وفي الشفا ما أثبته. (¬2) في (ظ) و (ن): (أو رسوله). (¬3) في (ظ) و (ن) والشفا وليست في (ص). (¬4) في (ص) و (ظ) و (ن): (لما يقارنه بالكفر)، وفي الشفا ما أثبته. (¬5) في (ص): (بإحدى)، في (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬6) في (ظ) و (ن) والشفا وليست في (ص). (¬7) في (ص): (تكونا)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.

بالله، فهما عَلَمٌ (¬1) أن فاعلهما كافر منسلخ من الإيمان. فأمّا من نفى صفةً من صفات الله الذاتية (¬2)، أو جحدها مستبصراً في ذلك، كقوله: ليس بعالمٍ، ولا قادر، ولا مريد، ولا متكلّم، وشبه ذلك من صفات الكمال الواجبة له - سبحانه وتعالى -، فقد نصّ أئمتنا على الإجماع ¬

_ (¬1) قول الباقلاني: (فهذان الضربان وان لم يكونا جهلاً بالله فهما علم - أي: علامة وأمارة - أن فاعلهما كافر منسلخ من الإيمان)، وقوله قبل ذلك: (فقد كفر ليس لأجل قوله أو فعله، لكن لما يقارنه من الكفر). شبيه بذلك ما سيذكره المؤلف - رحمه الله - نقلًا عن القاضي عياض قوله: (فإن هذه الأفعال علامة على الكفر). هذه الجمل والعبارات تصرح بأن الفعل والقول ليس كفراً، لكنه يدل على الكفر، أو هو علامة على الكفر. وهذا رأي المرجئة كما نسبه الشهرستاني في الملل والنحل (1/ 144) لبشر المريسي وابن الراوندي حيث قالا: (الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعاً، والكفر هو الجحود والإنكار، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه، ولكنه علامة الكفر). وهذا كمن يقول بأنه لم يكفر بالعمل لكن كفر للاستخفاف، أو للتكذيب، أو لعدم التصديق، كما قاله التومنية من المرجئة، وهم أصحاب أبي معاذ التومني، حيث نسب الأشعري ذلك إليهم في مقالات الإسلاميين (ص 140)، والشهرستاني في الملل والنحل (1/ 144)، وابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 547)، فال الأشعري: (وكان أبو معاذ يزعم أن من قتل نبياً أو لطمه كفر، وليس من أجل اللطمة والقتل كفر، ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الإيمان (ص 350) - بعد أن نقل كلام الإمام أحمد في تكفير بعض الأعمال من شد الزنار في وسطه، والصلاة للصليب، وإتيان الكنائس والبيع -: (هذا الذي ذكره الإمام أحمد من أحسن ما احتج الناس به عليهم. جمع في ذلك جملاً يقول غيره بعضها، وهذا الإلزام لا محيد لهم عنه؛ ولهذا لما عرف متكلمهم مثل جهم ومن وافقه أنه لازم التزموه، وقالوا: لو فعل من الأفعال الظاهرة لم يكن بذلك كافراً في الباطن، لكن يكون دليلاً على الكفر في أحكام الدنيا). (¬2) في (ظ) و (ن): (الداتية).

على كفر (¬1) من نفى عنه تعالى الوصف بها، وأعراه (¬2) عنها. وعلى هذا أحمل (¬3) [قول] (¬4) سحنون: من قال: ليس لله كلام فهو كافرٌ، ولا يكفّر (¬5) المتأوّلين) (¬6)، والله أعلم. ¬

_ (¬1) كفر من أنكر صفة ثابتة لله تعالى كما ذكره الباقلاني هو قول صحيح؛ لأن من نفى صفة ثابتة لله تعالى قد ثبتت بنقل صحيح، فلا شك في كفره؛ لإنكاره نصوص الكتاب والسنة. يقول الدارمي - رحمه الله - في الرد على الجهمية (ص 181): (نكفر الجهمية بكفر مشهور، وهو تكذيبهم بنص الكتاب، أخبر الله تبارك وتعالى أنه كلم موسى تكليماً، وقال هؤلاء لم يكلمه الله بنفسه). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى (6/ 486): (الذي عليه جمهور السلف أن من جحد رؤية الله في الدار الآخرة فهو كافر، فإن كان لم يبلغه العلم في ذلك عُرِّفَ ذلك، كما يُعرّف من لم تبلغه شرائع الإسلام، فإن أصر على الجحود بعد بلوغ العلم له فهو كافر). وأقوال الأئمة متكاثرة في كفر من أنكر صفة ثابتة لله تعالى، ويستوي في ذلك جميع الصفات الذاتية والفعلية، لا ما أورده الباقلاني من الذاتية فقط بناء على مذهبه. قال الشيخ محمد بن عثيمين في فتاوى اللجنة الدائمة (3/ 128): (إنكار شيء من أسماء الله أو صفاته نوعان: الأول: إنكار تكذيب، وهذا كفر بلا شك، فلو أن أحدا أنكر اسماً من أسماء الله، أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة مثل: أن يقول ليس لله يد، فهو كافر بإجماع المسلمين؛ لأن تكذيب خبر الله ورسوله كفر مخرج عن الملة. الثاني: إنكار تأويل، وهو أن لا يجحدها، ولكن يؤولها، وهذا نوعان: 1 - أن يكون لهذا التأويل مسوغ في اللغة العربية، فهذا لا يوجب الكفر. 2 - أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية، فهذا موجب للكفر، لأنه نفاها نفياً مطلقاً فهو مكذب حقيقة). (¬2) في (ن): (وأعزاه). (¬3) في الشفا: (حُمِلَ). (¬4) في (ص): (قال)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬5) في الشفا: (وهو لا يكفر). (¬6) نقله المؤلف من الشفا للقاضي عياض (2/ 1080 - 1081).

فصل (40)

فصل (40) مَنْ جَهِل صفةً من صفات الله تعالى الذاتية (¬1)، اختلف العلماء في تكفيره (¬2): فحُكي عن أبي جعفر الطبري وغيره تكفيره (¬3)، (وقال به أبو الحسن الأشعري (¬4) مرة. وذهبت طائفة إلى أنه (¬5) لا يخرجه عن اسم الإيمان، وإليه رجع الأشعري؛ قال: لأنه لم يعتقد ذلك اعتقاداً يقطع بصوابه، ويراه ديناً ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (الداتية). (¬2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/ 538): (الصواب أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته لا يكون صاحبه كافراً، إذا كان مقراً بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبلغه ما يوجب العلم بما جهله على وجه يقتضي كفره إذا لم يعلمه، كحديث الذي أمر أهله بتحريقه، ثم تذريته). (¬3) من بداية الفصل وإلى قوله: (... تكفيره) نقله المؤلف بتصرف من الشفا للقاضي عياض (2/ 1081). (¬4) هو علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم، ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، أبو الحسن الأشعري، مولده سنة 260 هـ. أخذ عن أبي علي الجبائي وزكريا الساجي، وأخذ عنه أبو الحسن الكرماني، وأبو سهل الصعلوكي، ألف مؤلفات عدة في الاعتزال، ثم تاب، وأعلن توبته، ثم ألف في الرد عليهم. قال الذهبي: كان عجباً في الذكاء، وقوة الفهم، ولما برع في معرفة الاعتزال كرهه، وتبرأ منه، وصعد للناس، فتاب إلى الله، ثم أخذ يرد على المعتزلة، ويهتك عوارهم ... وله تصانيف جمة تقضي له بسعة العلم. انظر: البداية والنهاية (11/ 187)، وسير أعلام النبلاء (15/ 85). (¬5) في الشفا: (إلى أن هذا لا يخرجه).

وشرعاً، فإنما (¬1) يكفر من يعتقد (¬2) أن مقاله حقٌّ. واحتجّ هؤلاء بحديث السوداء (¬3)، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما طلب منها التوحيد لا غير؛ وبحديث القائل: "لئن قدر الله عليّ - وفي رواية فيه - لعليّ أضلُّ الله، ثم قال: فغفر الله له" (¬4) قالوا: ولو بوحث أكثر الناس عن الصفات، وكوشفوا عنها لما وجدوا (¬5) من يعلمها إلا الأقل. وقد أجاب الآخر عن هذا الحديث بوجوهٍ (¬6)، منها: أنَّ قَدَرَ ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) والشفا: (وإنما). (¬2) في الشفا: (نكفِّر من اعتقد). (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (6/ 514) رقم (3481)، ومسلم في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى ... (4/ 2111) رقم (2757) من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم ذرّوني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً ... " الحديث بطوله، وفيه: "فغفر الله له". وأما الرواية التي فيها لفظ: "لعلِّي أضلُّ الله" فأخرجها أحمد في مسنده (4/ 447) من حديث حكيم ابن معاوية بن حيدة، عن أبيه معاوية بن حيدة. وإسناده حسن، ورجاله كلهم ثقات، عدا حكيم بن معاوية، وهو صدوق كما في تقريب التهذيب (ص 177). وقد حسن إسناده محققو مسند أحمد بإشراف شعيب الأرناؤوط (32/ 216). (¬5) في (ظ): (وحدوا)، وفي الشفا: (وجد). (¬6) هذا الحديث حديث الرجل من بني إسرائيل من أشهر الأدلة، وأصرحها على مسألة العذر بالجهل؛ كما ذكر ذلك الأئمة، فعمل الرجل هذا هو كفر بحد ذاته دون النظر إلى حاله وسبب فعلته تلك؛ لأن فيه إنكاراً لقدرة الله تعالى على إعادته بعدما يحرق، ولكنه عذر بسبب جهله؛ الذي قاده إلى هذا الظن الفاسد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 409): (فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك، وكل من إنكار قدرة الله تعالى، وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت كفر، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته =

عليّ (¬1) [بمعنى] (¬2) قدّر، ولا يكون شكّه في القدرة على إحيائه، بل في نفس البعث الذي لا يعلم إلا بشرع؛ ولعله لم يكن ورد عندهم به شرع يقطع عليه، فيكون الشك فيه حينئذٍ كفراً (¬3)، فأما ما لم يرد به شرع فهو من مجوِّزات العقول. أو يكون قدر بمعنى: ضيِّق، ويكون ما فعله بنفسه إزراءً عليها، وغضباً لعصيانها. وقيل: قاله (¬4) وهو غير عاقلٍ لكلامه، ولا ضابطٍ للفظه؛ مما استولى عليه من الجزع والخشية؛ التي أذهلت (¬5) لبّه، فلم يؤاخذ به (¬6). ¬

_ = منه جاهلاً بذلك، ضالاً في هذا الظن مخطئاً. فغفر الله له ذلك. والحديث صريح في أن الرجل طمع أن لا يعيده إذا فعل ذلك). وقال ابن عبد البر - رحمه الله - في التمهيد (18/ 46): (وأما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدرته، فليس ذلك بمخرجه من الإيمان). وقال ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين (1/ 367) في معرض حديثه عن حكم من جحد فرضاً من فرائض الإسلام: (وأما من جحد ذلك جهلاً أو تأويلاً يعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عناداً أو تكذيباً). انظر: مجموع الفتاوى (3/ 231)، (7/ 619)، (23/ 348)، (28/ 501)، ونواقض الإيمان الاعتقادية للوهيبي (1/ 226 - 228). (¬1) (عليّ) ليست في الشفا. (¬2) في (ص): (معنى) بدون الباء، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬3) في الشفا: (فيكون الشك به حينئذٍ فيه كفراً). (¬4) في (ظ) و (ن): (ما قاله)، وفي الشفا: (وقيل: قال ما قاله). (¬5) في الشفا: (أذهبت). (¬6) في الشفا: (فلم يؤاخذ به. وقيل: كان هذا في زمن الفترة، وحيث ينفع مجرَّد التوحيد).

وقيل: بل هذا من مجاز كلام العرب؛ الذي صورته الشك، ومعناه التحقيق، وهو يسمَّى تجاهل العارف، وله أمثلة في كلامهم؛ كقوله سبحانه: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (¬1)، [طه: 44] وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24]. فأما من أثبت الوصف ونفى الصفة فقال: أقول: عالمٌ ولكن لا علم له، ومتكلمٌ ولا كلام له، وهكذا في سائر الصفات على مذهب المعتزلة، فمن قال بالمآل لما يؤدِّيه إليه قوله، ويسوقه إليه مذهبه كفر (¬2)؛ لأنه إذا نفى العلم انتفى وصف عالم، إذْ لا يوصف بعالم إلا من له العلم (¬3)، فكأنهم صرحوا عنده بما أدَّى إليه قولهم، وهكذا عند هذا سائر فرق التأويل من المشبهة والقدرية وغيرهم. ومن لم [ير أخذهم] (¬4) بمآل قولهم، ولا ألزمهم موجب مذهبهم، لم ير إكفارهم؛ قال: لأنهم إذا وقفوا على هذا قالوا: لا نقول: ليس بعالم، ونحن [ننتفي] (¬5) من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقد نحن وأنتم أنه كفر؛ بل نقول: إن قولنا لا يؤول إليه على ما أصَّلناه. فعلى هذين المأخذين اختلف الناس في إكفار أهل التأويل، وإذا فهمته اتضح لك الموجب لاختلاف الناس في ذلك. والصواب ترك إكفارهم، والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران، وإجراء حكم الإسلام عليهم في قصاصهم، ووراثاتهم، ومناكحتهم، ودياتهم، والصلاة عليهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وسائر ¬

_ (¬1) في (ص): (يذكر)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬2) في (ظ) و (ن) والشفا: (كفره). (¬3) في الشفا: (علم). (¬4) في (ص): (يؤاخذهم)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬5) في (ص): (نبتغي)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.

معاملاتهم، لكنه (¬1) يغلظ (¬2) عليهم بوجيع الأدب، وشديد الزجر والهجر؛ حتى يرجعوا عن بدعتهم. وهذه كانت سيرة الصدر الأول (¬3) فيهم، فقد كان نشأ على زمن الصحابة - رضي الله عنهم - وبعدهم في التابعين من قال بهذه الأقوال من القدر (¬4)، ورأي الخوارج (¬5) والاعتزال، فما أزاحوا لهم قبراً، ولا قطعوا لأحد ¬

_ (¬1) في الشفا: (لكنهم). (¬2) في (ن): (تغلظ). (¬3) (الأول): ليست في (ظ). (¬4) القدرية الغلاة الأولى فريقان: الفريق الأول: أقروا بالأمر والنهي والثواب والعقاب، وأنكرو أن يتقدم بذلك قضاء وقدر وكتاب، وهؤلاء هم الذين نبغوا في عصر الصحابة، ورد عليهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - وغيرهما، وقد نص الأئمة على كفر هؤلاء؛ لإنكارهم علم الله تعالى. الفريق الثاني: من يقر بتقدم علم الله وكتابه لكن يزعم أن ذلك يغني عن الأمر والنهي والعمل، وأنه لا يحتاج إلى العمل، وهؤلاء أكفر من أولئك، وأضل سبيلاً؛ لأن مضمون قولهم تعطيل الأمر والنهي، والحلال والحرام، والوعد والوعيد. أما جمهور القدرية - وهم القدرية الثانية (المعتزلة) - فهؤلاء مبتدعة ضلال. انظر: مجموع الفتاوى (8/ 288 - 289). (¬5) أما الخوارج فهم محل خلاف ونزاع على قولين: أحدهما: أنهم ليسوا كفاراً، والثاني: أنهم كفار مرتدون. وجمهور الصحابة على عدم تكفيرهم، وهو أحد قولي مالك وأحمد. قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 518): (فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم، على قولين مشهورين في مذهب مالك وأحمد، وفي مذهب الشافعي أيضاً نزاع في كفرهم)، وقال أيضاً: (فكلام علي - رضي الله عنه - في الخوارج يقتضي أنهم ليسوا كفاراً كالمرتدين عن أصل الإسلام، وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد، وغيره).

منهم ميراثاً، لكنهم (¬1) هجروهم، وأدّبوهم بالضرب والنفي والقتل على قدر (¬2) أحوالهم؛ [لأنهم] (¬3) فسَّاق، ضلّال، عصاة، أصحاب كبائر عند المحققين وأهل السنة؛ ممن لم يقل بكفرهم (¬4)، خلافاً لمن رأى خلاف (¬5) ذلك، والله الموفق للصواب) (¬6). ومثل قول أصحاب الأصول في التكفير بالمآل وعدمه، وقول (¬7) الفقهاء، وأصحاب الفروع: لازم المذهب ليس بمذهب، ولازم القول (¬8) ليس بقول، أو هو مذهب وقول؟. والصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه ليس بمذهبٍ ولا قولٍ (¬9)، والله أعلم، وهذا معنى قول أئمة المنطق في الماهية الساذجة، التي لا ينظر إلى سابقتها ولاحقتها، بل ينظر إلى ذاتها من حيث هي. ¬

_ (¬1) في (ظ): (للنهم). (¬2) في (ظ): (قد). (¬3) في (ص): (بأنهم) وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬4) في (ظ) و (ن) والشفا: (لم يقل بكفرهم منهم). (¬5) في الشفا: (غير). (¬6) من قوله: (وقال به الحسن الأشعري مرة .....) وإلى: (... والله الموفق للصواب) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1081 - 1086). (¬7) في (ظ) و (ن): (قول) بدون واو. (¬8) في (ظ): (قول). (¬9) اختلف الناس في التكفير بلازم المذهب بناء على اختلافهم في لازم المذهب هل هو مذهب أم لا؟. قال ابن حزم - رحمه الله - في الفصل (3/ 250): (وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ؛ لأنه كذب على الخصم، وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه، فلم يحصل على غير التناقض فقط، والتناقض ليس كفراً). وقال الشاطبي في الاعتصام (2/ 197): (والذي كنا نسمعه من الشيوخ أن مذهب المحققين من أهل الأصول: أن الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال، كيف والكافر ينكر ذلك المآل أشد الإنكار، ويرمي مخالفه به). =

(قال القاضي أبو بكر (¬1) - رحمه الله -: وأما مسائل الوعد والوعيد، ¬

_ = وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى (29/ 41 - 42): (لازم قول الإنسان نوعان: أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق، ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذاهب الأئمة من هذا الباب. الثاني: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إنْ عُرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له، فقد يضاف إليه، وإلا فلا يجوزُ أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه؛ لكونه قد قال ما يلزمه، وهو لا يشعر بفساد ذلك القول، ولا يلزمه. وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب؛ هل هو مذهب أم ليس بمذهب؟ هو أجود من إطلاق إحداهما، فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله وإن كان متناقضاً). وقال - رحمه الله - أيضاً في الفتاوى (20/ 217): (ولو كان لازم المذهب مذهباً للزم تكفير كل من قال عن الاستواء، أو غيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة ...). وقال ابن الوزير في العواصم والقواصم (4/ 368): (إن التكفير باللازم ومآل المذهب، رأي محض، لم يرد به السمع لا تواتراً ولا إجماعاً). وقال الشيخ السعدي - رحمه الله - في توضيح الكافية الشافية (ص 155 - 156): (فالصواب والتحقيق الذي يدل عليه الدليل أن لازم المذهب الذي لم يصرح به صاحبه، ولم يشر إليه، ولم يلتزمه، ليس مذهباً؛ لأن القائل غير معصوم، وعلم المخلوق مهما بلغ فإنه قاصر، فبأي برهان نلزم القائل بما لم يلتزمه، ونقوّله ما لم يقله). وعليه فلازم القول ليس بقول إلا إذا التزمه، ولا يجوز التكفير باللازم ولا بالمآل بإطلاق. (¬1) هو القاضي أبو بكر ابن الباقلاني. انظر: نسيم الرياض للخفاجي (4/ 531).

والرؤية، والمخلوق (¬1)، وخلق الأفعال (¬2)، وبقاء الأعراض (¬3)، والتولد (¬4) وشبهها من الدقائق، فالمنع في إكفار المتأولين فيها أوضح، وليس (¬5) في الجهل بشيءٍ منها جهل بالله تعالى (¬6)، ولا أجمع المسلمون على إكفار من جهل شيئاً منها) (¬7). والله أعلم. ¬

_ (¬1) أي: القول بأن القرآن مخلوق أو غير مخلوق. (¬2) وهو قول المعتزلة: إن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم. (¬3) جمع عرض، وهو في اصطلاح المتكلمين: ما لا يقوم بنفسه كالألوان والأشكال والحركة والسكون، والإشارة هنا إلى خلافهم وهو: هل هذه الأعراض تبقى أم تنقضي؟. انظر: نسيم الرياض للخفاجي (4/ 531). (¬4) التولد: قيل: إن الآثار التي توجد عقيب أفعال العباد بمجرى العادة، كالألم عقيب الضر، والانكسار عقيب الكسر، تسميها المعتزلة المتولَدة بفتح اللام على صيغة المجهول، ويزعمون أنها حاصلة بإيجاد العبد لا صنع لله تعالى فيها. انظر: نسيم الرياض للخفاجي (4/ 532). (¬5) في الشفا: (إذ ليس). (¬6) قول القاضي الباقلاني: (وليس في الجهل بشيء منها جهل بالله تعالى) يريد به أن الجهل بها لا يكفر به؛ لأن جهلها ليس جهلاً بالله تعالى، وهذا مبني على قوله: بان الكفر هو الجهل بالله فقط، وهو باطل كما تقدم. (¬7) من قوله: (قال القاضي أبو بكر ....) وإلى: (... من جهل شيئاً منها) نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1086 - 1087).

فصل (41)

فصل (41) في حقيقة المبتدع بالسنة إلى الاصطلاح اعلم أن كلَّ مبتدعٍ فاسقٌ (¬1)، وليس كلُّ فاسقٍ مبتدعاً، فالمبتدع على ضربين: أحدهما: من أخرجته بدعته عن الإسلام، وهي الفسادُ في العقيدة في أصل من أصول الدِّين. والثاني: لا تخرجه (¬2) عن الإسلام بل يفسق بها، وهي فسادٌ في العمل مع سلامة العقيدة، فيسمَّى: مبتدعاً مقيداً لا مطلقاً، كالكفر المطلق لا يطلق إلا على من خرج عن الإسلام، ويسمَّى به الفاسق مقيداً، وهذا معنى قول العلماء رحمهم الله تعالى: كفرٌ دون كفرٍ، شركٌ دون شركٍ، نفاقٌ دون نفاقٍ، فالكفر والشرك والنفاق عند الإطلاق لا يُحمل إلا على الخروج من الإسلام، ويستعمل في المعاصي من الكبائر وغيرها مقيداً، ويطلق عليها؛ لقصد الزجر والتنفير منها، لا للحكم بحقيقته، والله أعلم. وإذا عرفت هذا فاعلم أن تحقيق القول في ذلك (وكشف اللبس فيه مورده الشرع، ولا مجال للعقل فيه، والفصل البين في هذا: أن كلَّ ¬

_ (¬1) في (ص) و (ظ) و (ن): (فاسقاً)، والصحيح ما أثبته. (¬2) في (ظ) و (ن): (يخرجه).

مقالةٍ صرحت بنفي الربوبية، والوحدانية (¬1)، أو عبادة أحد غير الله، أو مع الله فهي (¬2) كفرٌ، كمقالة الدهرية (¬3)، وسائر فرق الاثنين (¬4)، (¬5) من الديصانية (¬6)، والمانوية (¬7)، (¬8) ........................... ¬

_ (¬1) في الشفا: (أو الوحدانية). (¬2) في الشفا: (فهو). (¬3) الدهرية: هم فرقة خالفت الإسلام، وادعت قدم الدهر والعالم، وأسندت الحوادث والنوازل إليه، وقالت: إن العالم لم يزل وأنه غير محدث، وهم الذين ينفون الربوبية، ويحيلون الأمر والنهي والرسالة من الله تعالى، ويقولون: يستحيل هذا في العقول. ويسمون أيضاً بالملاحدة، ويمكن رد أصل مذهبهم إلى مدارس الفلسفة الإغريقية. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 47 - 48)، (1/ 71 - 72)، والملل والنحل (2/ 3). (¬4) في الشفا: (أصحاب الاثنين). (¬5) فرق الاثنين: هم أصحاب الاثنين الأزليين، إذ يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام، وذكروا سبب حدوثه. ومن فرق الاثنين: المانوية، والمزدكية، والديصانية، والمرقونية، وغيرها. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 308 - 349)، والملل والنحل (1/ 244 - 253). (¬6) الديصانية: هم أصحاب رجل يسمى (ديصان)، سمي باسم نهر ولد عليه، وهؤلاء أثبتوا أصلين: نوراً، وظلاماً. فالنور يفعل الخير قصداً واختياراً، والظلام يفعل الشر طبعاً واضطراراً. واختلفوا في المزاج والخلاص، فبعضهم يدعي احتيال الظلام وتشبثه بالنور، وقيل: إن النور إنما دخل أجزاء الظلام اختياراً، وهم من أصحاب الاثنين الأزليين. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 249)، والملل والنحل (1/ 251). (¬7) في الشفا: (أو المانوية). (¬8) المانوية: هم أصحاب ماني بن فاتك الحكيم؛ الذي ظهر في زمان شابور بن أردشير، وقتله بهران بن هرمز بن سابور، وذلك بعد عيسى - عليه السلام -، أحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح - عليه السلام -، ولا يقول بنبوة موسى - عليه السلام -، ويزعم أن صانع العالم اثنان: أحدهما فاعل الخير وهو النور، وثانيهما فاعل الشر =

وأشباههم من الصابئين (¬1)، والنصارى، والمجوس (¬2)، والذين أشركوا بعبادة الأوثان، أو الملائكة والشياطين (¬3) أو الشمس أو النجوم أو النار، أو أحدٍ غير الله من مشركي العرب، وأهل الهند، والصين، والسودان، وغيرهم ممن لا يرجع إلى كتاب. وكذلك القرامطة، وأصحاب الحلول (¬4)، ............... ¬

_ = وهو الظلمة، وهما قديمان أزليان لم يزالا، ولن يزالا، وهما مختلفان في النفس والصورة، متضادان في الفعل والتدبير. انظر: الفرق بين الفرق (ص 271)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 91)، والملل والنحل (1/ 244). (¬1) الصابئون: جمع صابئ، وهو في اللغة: الخارج من دين الله إلى دين آخر. والصابئة: هم الذين بعث فيهم إبراهيم الخليل - عليه السلام - وكانوا يسكنون حران، وكانوا يعظمون الكواكب السبع، ويقولون: إنها مدبرة هذا العالم، وهذا هو أرجح الأقوال منهم. وبعضهم يقول بأنهم قسمان: مشركون وهم عبدة الكواكب والنجوم، وحنفاء: وهم الذين جاء ذكرهم في القرآن، وهم قوم إبراهيم - عليه السلام -. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 88)، والملل والنحل (2/ 54). (¬2) المجوس: وهم عبدة النار التي يعظمونها؛ لأنها عندهم جوهر شريف؛ ولأنها لم تحرق إبراهيم - عليه السلام -، وهؤلاء يعبدون الكواكب، وقيل: بأن لهم شبهة كتاب. ثم إنهم أثبتوا أصلين اثنين مدبرين قديمين، يقتسمان الخير والشر، يسمون أحدهما النور والآخر الظلام، إلا أن المجوس زعموا أن الأصلين لا يجوز أن يكونا قديمين أزليين، بل النور أزلي، والظلمة محدثة. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 87)، والملل والنحل (1/ 229 - 255). (¬3) في الشفا: (أو الشياطين). (¬4) أصحاب الحلول: هم الذين يدّعون حلول روح الله في ذوات المخلوقين، وغرضهم جميعاً القصد إلى إفساد القول بتوحيد الخالق. والحلولية في الجملة فرق كثيرة، وأغلبها يرجع إلى غلاة الرافضة، ومنهم: السبئية، والبيانية، والجناحية، والخطابية، والنميرية، والمقنعية، والرزامية، =

والتناسخ (¬1) من الباطنية، والطيارة (¬2) من الروافض (¬3). وكذلك من اعترف بإلهية (¬4) الله ووحدانيته، ولكنه (¬5) اعتقد أنه غير حيّ، أو غير قديم، أو أنه محدثٌ أو مصوَّر، أو ادَّعى له ولداً، أو صاحبةً، أو والداً، أو أنه متولد من شيء، أو كائن عنه، أو أن معه في الأزل شيئاً قديماً غيره، أو أن ثمَّ صانعاً للعالم سواه، أو مدبراً غيره؛ ¬

_ = والبركوكية، والحلمانية، والحلاجية، والعذافرة، وبعض الخرمية. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 9 - 15)، (ص 288)، والفرق بين الفرق (ص 254 - 255). (¬1) أصحاب التناسخ: هم القائلون بتناسخ الأرواح في الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى من الراحة والتعب، والنصب والدعة؛ فمرتب على ما أسلفه من قبل، وهو في بدن آخر، جزاء على ذلك. وقيل أن أصل التناسخ نشأ من الصابئة الحرانية، وما من ملة من الملل إلا وللتناسخ قدم راسخ، وإنما تختلف طرقهم في تقرير ذلك. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 16)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 165)، والملل والنحل (2/ 252 - 255). (¬2) الطيارة من الروافض: هم أتباع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، وكان يقال له: الطيار، وهذه الفرقة من غلاة الرافضة، ويزعم أتباعه أنه كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما تنبت الكمأة والعشب، وأن الأرواح تناسخت، وأن روح الله كانت في آدم، ثم تناسخت حتى صارت فيه، ويكفرون بالقيامة، ويستحلون كل شيء. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 5 - 6)، والفرق بين الفرق (ص 245 - 255). (¬3) في الشفا: (والطيارة من الرافضة، والجناحية، والبيانية، والغرابية). والجناحية: هم الطيارة من الرافضة الذين سبق ذكرهم، وليسوا فرقة أخرى، نسبة إلى عبد الله بن معاوية ذي الجناحين، وممن ذكر ذلك ملا علي قاري في شرح الشفا للقاضي عياض (2/ 513). (¬4) في الشفا: (بالإلهية). (¬5) في (ظ) و (ن): (ولكن).

فذلك كله كفرٌ بإجماع المسلمين؛ كقول الإلهيين من الفلاسفة (¬1) , والمنجمين (¬2)، والطبائعيين (¬3). ¬

_ (¬1) الإلهيون من الفلاسفة: أو الفلاسفة الإلهيون، وهم الذين ترقوا عن المحسوس الذي أوقع الطبيعيين الدهريين، وأثبتوا المعقول، لكن لا يقولون بحدود وأحكام، وشريعة وإسلام، ويظنون أنهم إذا حصلوا المعقول، وأثبتوا للعالم مبدأ ومعاداً وصلوا إلى الكمال المطلوب من جنسه، فتكون سعادتهم على قدر إحاطتهم وعلمهم، وشقاوتهم بقدر سفاهتهم وجهلهم، وعقولهم هي المستبدة بتحصيل هذه السعادة، ووضعهم هو المستعد لقبول تلك الشقاوة. وقالوا: الشرائع وأصحابها أمور مصلحية عامية، والحدود والأحكام، والحلال والحرام، أمور وضعية، وأصحاب الشرائع رجال لهم حِكم عملية. انظر: الملل والنحل (2/ 43)، ونسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للخفاجي (4/ 536)، وشرح الشفا للقاضي عياض لملا علي قاري (2/ 514). (¬2) المنجمون: جمع منجّم، وهو الباحث عن النجوم وأحكامها، القائل بأنها مؤثرة في الكون. والزاعم أن الفلك والنجوم تعقل، وأنها ترى وتسمع، وأنهما تدبران الكون كله. والتنجيم: هو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، والتمزيج بين القوى الفلكية والقوابل الأرضية، فيستدل المنجم مثلاً باقتران النجم الفلاني بالنجم الفلاني على أنه سيحدث كذا وكذا، ويستدل بولادة إنسان في هذا النجم أنه سيكون سعيداً، وفي هذا سيكون شقياً، وهذا محرم أصلاً. وأما ما يستدل بالنجوم على الجهات والأوقات والحساب فهذا جائز شرعاً، والنجوم إنما خلقها الله زينة للسماء الدنيا، ورجوماً للشياطين، وهداية في البر والبحر. انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 147)، ونسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض للخفاجي (4/ 536)، وشرح الشفا للقاضي عياض لملا علي قاري (2/ 514). (¬3) الطبائعيون: نسبة إلى الطبائع، وهم القائلون بأن الجواهر أربعة أجناس متضادة من: حرارة، وبرودة، ورطوبة، ويبوسة، ولم يثبتوا في الدنيا شيئاً إلا الطبائع الأربعة. ويزعمون أن العالم كان ساكناً متحركاً، وأن الحركة معنى وأن السكون ليس بمعنى. =

وكذلك من ادَّعى مجالسة الله، أو العروج (¬1) إليه، أو مكالمته (¬2)، أو حلوله في أحدٍ من (¬3) الأشخاص؛ كقول بعض المتصوفة، والباطنية، والنصارى، والقرامطة. وكذلك نقطع على كفر من قال: بقدم العالم، أو بقائه، أو شكَّ على (¬4) مذهب بعض الفلاسفة والدهرية، أو قال بتناسخ الأرواح، وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص، وتعذيبها أو تنعمها (¬5) فيها بحسب [زكائها] (¬6) وخبثها (¬7) (¬8). ¬

_ = وهم القائلون بتأثير الطبيعة في الإيجاد والتدبير في أمر البدن؛ على ما عليه بعض الأطباء التابعين للحكماء المعتقدين بإلهية الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، وقيل: هم الذين يقولون: إن النار بطبعها محرقة، وإن الماء بطبعه مغرق. انظر: مقالات الإسلاميين (ص 335)، والفصل في الملل والأهواء والنحل (5/ 115 - 118)، وشرح الشفا للقاضي عياض لملا علي قاري (2/ 514). (¬1) في (ظ) و (ن): (والعروج). (¬2) في (ظ) و (ن) والشفا: (ومكالمته). (¬3) (من) ليست في (ظ) و (ن). (¬4) في الشفا: (أو شك في ذلك على مذهب). (¬5) في (ظ) و (ن) والشفا: (تنعيمها). (¬6) في (ص): (زكاتها)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬7) في (ظ): (وحبثها). (¬8) من قوله: (وكشف اللبس فيه مورده الشرع ...) وإلى نهاية هذا الفصل، نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1065 - 1068).

فصل (42)

فصل (42) ونكفّر (¬1) من دان (¬2) بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهبٍ سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك. وكذلك نقطع بتكفير كلِّ قائل قولاً (¬3) يتوصل به إلى تضليل الأمة، وتكفير جميع الصحابة كقول الكميلية (¬4) من الرافضة: بتكفير جميع الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لم تقدم علياً، وكفّرت عليًّا؛ إذ لم يتقدم ويطلب حقه في التقديم، فهؤلاء قد كفروا من وجوه؛ لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها؛ ¬

_ (¬1) في الشفا: (ولهذا نكفر). (¬2) في (ظ): (كان). (¬3) في الشفا: (قائل قال قولاً). (¬4) الكُميلية من الرافضة: هم أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبي كامل، وكان يزعم أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي - رضي الله عنه -، وكفر علي بتركه قتالهم، وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال أصحاب صفين، ويقولون: إن الأرواح تتناسخ وقت الموت، والإمامة تتناسخ فتصير نبوة، وكان بشار بن برد الشاعر الأعمى على هذا المذهب. قال الخفاجي في نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض (4/ 546): (الصواب أن يقول المصنف يعني القاضي عياض الكاملية؛ لأنهم نسبوا لأبي كامل رئيسهم المؤسس لكفرهم كما نص عليه الإمام الرازي ووفق بينهما؛ بأنهم صغروا كاملاً على كميل، ونسب إليه). انظر: مقالات الإسلاميين (ص 17)، والفرق بين الفرق (ص 54)، والملل والنحل (1/ 174).

إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن؛ إذ ناقلوه كفرةٌ على زعمهم؛ وإلى هذا والله أعلم أشار مالكٌ في أحد قوليه بقتل من كفّر الصحابة (¬1)، ثم كفروا من وجه آخر: بسبِّهم النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على مقتضى قولهم، وزعمهم أنه عهد إلى عليّ، وهو يعلم أنه يكفر بعده، على قولهم - لعنة الله عليهم، وصلى الله على رسوله وآله -. وكذلك [نُكفَّر] (¬2) بكلِّ فعلٍ أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا (¬3) من كافرٍ، وإن كان صاحبه مصرِّحاً بالإسلام مع فعله ذلك الفعل؛ كالسجود للصنم، أو الشمس (¬4)، أو القمر، أو الصليب، أو النار، أو السعي إلى الكنائس (¬5) والبيع (¬6) مع أصحابها (¬7) بزيِّهم، من شدّ الزنانير (¬8)، وفحص الرؤوس (¬9)، فقد أجمع المسلمون أن هذا لا يوجد ¬

_ (¬1) ذكر ذلك القاضي عياض في الشفا (2/ 1072)، ومر بنا في (ص 321) حاشية رقم (3) قول للإمام مالك قريب من هذا حيث قال: (من شتم أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علياً أو معاوية أو عمرو بن العاص، فإن قال: كانوا على ضلال وكفر قتل، .....) ذكره القاضي عياض في الشفا (2/ 1108)، والزواوي في مناقب مالك (ص 143). (¬2) في (ص): (يكفر)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬3) (إلا) ليست في الشفا. (¬4) في (ن): (أو للشمس)، وفي الشفا: (وللشمس). (¬5) في (ظ) و (ن) والشفا: (والقمر والصليب والنار والسعي إلى الكنائس). (¬6) البيع: جمع بيعة بكسر الباء، كنيسة النصارى، وقيل: كنيسة اليهود. انظر: لسان العرب (8/ 26)، وتاج العروس (11/ 35). (¬7) في (ظ) و (ن) والشفا: (مع أهلها). (¬8) الزنانير: جمع زنار، والزُّنَّارة: ما على وسط المجوسي والنصراني، وفي التهذيب: ما يلبسه الذمي يشده على وسطه، والزُّنَّير لغة فيه. انظر: لسان العرب (4/ 330)، والقاموس المحيط. (41/ 2). (¬9) فحص الرؤوس: الفاء والحاء والصاد أصل صحيح، وهو كالبحث عن الشيء يقال: =

إلا من كافر، فإن (¬1) هذه الأفعال علامة على الكفر (¬2)، وإن صرح فاعلها بالإسلام. وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحلّ القتل، أو شرب الخمر، أو الزنى (¬3) مما حرم الله بعد علمه بتحريمه؛ كأصحاب الإباحة من القرامطة، وبعض غلاة المتصوفة. وكذلك نقطع بتكفير كل من [كذّب، و] (¬4) أنكر قاعدة من قواعد الشرع، وما عرف يقيناً بالنقل المتواتر من فعل الرسول، ووقع الإجماع المتصل عليه؛ كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس، وعدد (¬5) ركعاتها، وسجداتها؛ ويقول: إنما أوجب الله في كتابه [علينا] (¬6) الصلاة على الجملة؛ وكونها خمساً، وعلى هذه الصفات والشروط لا أعلمه؛ إذ لم يرد فيه للقرآن (¬7) نصٌّ جليٌّ، والخبر به عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خبر واحد. ¬

_ = فحصت عن الأمر فحصاً، وأُفحُوص القطا: موضعها في الأرض؛ لأنها تفحصه. وفحص الرؤوس: هو تركها مثل أفاحيص القطا بمعنى: أنهم حلقوا وسطها. انظر: معجم مقاييس اللغة (4/ 477)، ولسان العرب (7/ 63). (¬1) في الشفا: (وأنّ). (¬2) قول المصنف - رحمه الله -: (فإن هذه الأفعال علامة على الكفر) إن أراد به أنها ليست كفراً في ذاتها، وإنما هي علامة على كفر القلب، فهذا باطل، وهو قول المرجئة كما سبق، وإن أراد به أنها كفراً في ذاتها وهي في نفس الوقت علامة على ما ينطوي عليه القلب من الكفر، فهذا صحيح. (¬3) في (ظ) و (ن): (والزنى). (¬4) في (ظ) و (ن) والشفا وليست في (ص). (¬5) في الشفا: (كمن أنكر وجوب الخمس الصلوات أو عدد). (¬6) في (ص) و (ظ) و (ن): (عليه)، وفي الشفا ما أثبته، وهي: (إنما أوجب الله علينا في كتابه الصلاة على الجملة). (¬7) في الشفا: (في القرآن) وفي (ص) و (ظ) و (ن) ما أثبته.

وكذلك أجمع [المسلمون] (¬1) على تكفير من قال من الخوارج: إن الصلاة طرفي النهار، وعلى تكفير الباطنية في قولهم: إن الفرائض أسماء رجال أمروا بولايتهم، والخبائث والمحارم أسماء رجال أمروا بالبراءة منهم (¬2). وقول بعض المتصوفة: إن العبادة وطول المجاهدة إذا صفَّت نفوسهم أفضت بهم إلى إسقاطها، وإباحة كل شيءٍ لهم، ورفع عهد الشرائع عنهم. وكذلك إن أنكر منكرٌ مكة، أو البيت، أو المسجد الحرام، أو صفة الحج، أو قال: الحج واجب في القرآن، واستقبال القبلة كذلك، ولكن كونه على هذه الهيئة المتعارفة (¬3)، وإن تلك البقعة هي مكة والبيت والمسجد الحرام، لا أدري هل هي تلك أم غيرها؟، ولعل الناقلين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسّرها بهذه التفاسير غلطوا ووهموا، فهذا ومثله لا مرية في تكفيره إن (¬4) كان ممن يُظن به علم ذلك، وممن خالط المسلمين (¬5) فلا يجد (¬6) [بينهم] (¬7) خلافاً، كافةً عن كافة، إلى معاصري الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن هذه الأمور كما قيل لك، وأن تلك البقعة هي مكة ¬

_ (¬1) في الشفا وليست في (ص) و (ظ) و (ن). (¬2) سبق التعليق عليه في (ص 408) حاشية رقم (2). انظر: التدمرية (ص 48)، ومجموع الفتاوى (35/ 131 - 132). (¬3) في (ن): (المتعافة). (¬4) في (ظ): (وإن). (¬5) في الشفا: (وممن يخالط المسلمين، وامتدت صحبته لهم، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام؛ فيقال له: سبيلك أن تسأل عن هذا الذي لم تعلمه بعد كافة المسلمين). (¬6) في الشفا: (فلا تجد). (¬7) في (ص): (فيهم)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته.

والبيت الذي فيها هي الكعبة، والقبلة التي صلّى إليها (¬1) الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون، وحجّوا إليها، وطافوا بها، وأن تلك الأفعال هي (¬2) صفات عبادة الحج المراد به، وهي التي فعلها رسول (¬3) الله - صلى الله عليه وسلم -، وشرح مراد الله بذلك، وأبان حدودها؛ فيقع لك العلم كما وقع لهم، فلا (¬4) ترتاب بذلك بعد، والمرتاب في ذلك والمنكر (¬5) بعد البحث وصحبة المسلمين كافر باتفاقٍ، لا يعذر بقوله: لا أدري، ولا يصدق فيه؛ بل ظاهره التستّر عن التكذيب، إذ لا يمكن أنه لا يدري. وأيضاً فإنه إذا جوّز على جميع الأمة الوهم والغلط فيما نقلوه من ذلك [و] (¬6) أجمعوا أنه قول الرسول وفعله، وتفسير مراد الله أدخل الاسترابة في جميع الشريعة، إذ هم الناقلون لها وللقرآن، وانحلت عرا الدين كرَّةً، ومن قال هذا كافر. وكذلك من أنكر القرآن، أو حرفاً منه، أو غيّر شيئاً منه، أو زاد فيه، كفعل الباطنية والإسماعيلية، أو زعم أنه ليس بحجة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ليس فيه حجة ولا معجزة؛ كقول هشام [الفوطي] (¬7)، ومعمر الضمري (¬8): إنه لا يدل على الله، ولا حجة فيه لرسوله، ولا يدل على ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن) والشفا: (لها). (¬2) في (ظ) و (ن): (من). (¬3) في الشفا: (فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون، وأن صفات الصلاة المذكورة هي التي فعل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وشرح ...). (¬4) في (ظ) و (ن) والشفا: (ولا). (¬5) في (ظ): (المتكر)، وفي الشفا: (أو المنكر). (¬6) في (ظ) و (ن) والشفا وليست في (ص). (¬7) في (ص): (هشام النوطي والقوطي)، وفي (ظ) و (ن): (هشام النوطي)، وفي الشفا ما أثبته، وهو الصواب. (¬8) معمّر الضمري مرت ترجمته سابقاً باسم عبَّاد، ويقال له الصيمري أحياناً، وذلك =

ثواب ولا عقاب ولا [حكم] (¬1)؛ ولا محالة في كفرهما بذلك القول، وكذلك تكفيرهما بإنكارهما أن يكون في سائر معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة له، أو في (¬2) خلق السموات والأرض دليل على الله، لمخالفتهم الإجماع والنقل المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - باحتجاجه بهذا كله، وتصريح القرآن به. وكذلك من أنكر شيئاً مما نصّ (¬3) فيه بعد علمه أنه من القرآن الذي في أيدي الناس، ومصاحف المسلمين، ولم يكن جاهلاً [به] (¬4)، ولا قريب عهد بالإسلام، واحتج [لإنكاره] (¬5)، إما أنه (¬6) لم يصح النقل عنده، ولا بلغه العلم به؛ [أو لتجويزه] (¬7) الوهم على ناقليه؛ فيكفر (¬8) به (¬9) بالطريقين المتقدمين (¬10)؛ لأنه مكذب للقرآن مكذب للنبي (لكنه ¬

_ = نسبة إلى موضع بلدة، قال الخفاجي: (الصيمري: بفتح الصاد المهملة ومثناة تحتية ساكنة، وفتح الميم وراء مهملة، منسوب لصيمر موضع أو بلدة، وفي نسخة - يعني: للشفا - الضمري بفتح الضاد المعجمة منسوب لضمرة قبيلة، كما قال التلمساني، وفي التبصرة معمّر بن عباد تنسب له المعمّرية، ونسبت له خرافات يملها السمع) نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض (4/ 554 - 555). وانظر: الملل والنحل (1/ 65). (¬1) في (ص): (عتاب)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬2) (في) ليست في (ظ). (¬3) في الشفا: (مما نَصَّ فيه القرآن). (¬4) في (ظ) و (ن) والشفا وليست في (ص). (¬5) في (ص): (بإنكاره)، وفي (ظ) و (ن) والشفا ما أثبته. (¬6) في الشفا: (بأنه). (¬7) في (ص): (والتجويز)، وفي (ظ) و (ن): (أو لتجويز)، وفي الشفا ما أثبته. (¬8) في (ظ) و (ن) والشفا: (فنكفره). (¬9) (به) ليست في (ظ) و (ن) والشفا. (¬10) بالطريقين المتقدمين أي: لمخالفته الإجماع، ولمخالفته أيضا النقل المتواتر عن =

يستتر (¬1) بدعواه) (¬2). ¬

_ = النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما ذكر ذلك في المسألة السابقة. (¬1) في (ظ) و (ن) والشفا: (تستَّر). (¬2) من بداية هذا الفصل وإلى نهايته، نقله المؤلف بالنص من الشفا للقاضي عياض (2/ 1071 - 1077).

فصل (43)

فصل (43) إذا علمتَ أن لك ربًّا وأنه متنزه عن صفات المربوبين، وأنه منفرد سبحانه بالوحدانية؛ لزمك الوقوفُ عند أمره، ونهيه، وإرشاده في كل شيء، فعظّمت ما عظّم، وحقّرت ما حقّر، وكرّمت ما كرّم، وأهنتَ ما أهان، وقدّمت ما قدّم، وأخّرت ما أخّر، وكبّرت ما كبّر، وصغّرت ما صغّر، وعلمت أنه لا حول ولا قوة لك إلا به، وأنه أوجدك من العدم، ولا يقدر على ذلك غيره، وطوّرك أطواراً، وبصّرك أبصاراً، وفتق (¬1) لك أنواراً، وطرق لك طرقاً، ودعاك إليه، وجعل لك بفضله ووعده عليه، كل ذلك ليعرفك وجوده، ويحقق (¬2) لك كرمه وجوده، فهو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين. مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها، سابق بالنوال (¬3) قبل السؤال، إذا أعرضت (¬4) عنه أقبل عليك، يستدرجك بإنعامه وإفضاله، ويواصلك بعطائه ونواله، ويجود عليك بإلهامه وإرساله، ويفتق بصيرتك للفهم عنه وعن رسوله وآله (¬5)، وجعلك تدْعى في ملكوت السموات ¬

_ (¬1) في (ن): (وفيق). (¬2) في (ظ) و (ن): (وتحقق). (¬3) النَّوال: العطاء، وقولك: ما نَوْلُكَ أن تفعل كذا؛ فمنه أيضاً، أي: ليس ينبغي أن يكون ما تعطيناه من نوالِك هذا، وقيل النَّوال: الصواب. انظر: معجم مقاييس اللغة (5/ 372)، ولسان العرب (11/ 683). (¬4) في (ن): (عرضت). (¬5) بدأ المؤلف - رحمه الله - يذكر المسلمين عموماً، وينبههم إلى عظيم فضل الله سبحانه وتعالى =

والأرض (¬1) عظيماً، وصلَّت عليك ملائكة الله سبحانه، وسلّمت تسليماً، واستغفر لك كلُّ شيء حتى الحوت في الماء، والطير (¬2) في الهواء، وجعلك وارث الأنبياء شافعاً في عَرَصات القيامة، مقدماً فيها على شفاعة الشهداء، وصرت كالملح في الطعام لجميع الأشياء، مستغفراً للسابقين من المؤمنين، شفاء للخلفاء، تزال بك الأدواء ولا تزال إلا بالدواء، لا يتصرف إلا بأمرك لقيامك بأمر رب الأرض والسماء، وتشهد (¬3) لك الأشياء وأنت لا تشهدها؛ لئلا تحجب شهودك (¬4) لها، فشهودك لها إيماناً أفضل من شهودها عيانا؛ خوفاً من العطب، وطلباً للسلامة في المنقلب، والازدياد في الصعود والرغب (¬5). ¬

_ = على خلقه، حيث أغدق عليهم نعماً عظيمة، ومنحاً جليلة، كما قال تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]. وقال أيضاً - عز وجل -: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20]. وما ذكره المؤلف هنا يعد أيضاً من طرق إثبات ربوبية الله - عز وجل -. (¬1) (والأرض) ليست في (ظ) و (ن). (¬2) في (ظ) و (ن): (وحتى الطير). (¬3) في (ظ) و (ن): (وشهد). (¬4) في (ظ) و (ن): (بشهودك). (¬5) كلام المصنف - رحمه الله - هنا كلام مجمل متشابه، يكتنفه الغموض والإيهام، والواجب حمله على كلامه المفصل المحكم في كتابه هذا، وكتبه الأخرى.

فصل (44)

فصل (44) واعلم أن حكم الله في الأصول والفروع (¬1) واحد، أما الأصول فلا يصح ولا يجوز وقوع الاختلاف فيه، والخلاف فيه كفرٌ (¬2)؛ لاستحالة التغيير (¬3) فيها. وأما الفروع فمن حيثية الحكم هو كذلك؛ لأن حكم الله تعالى هو صفته، والصفة لا يقعُ الاختلافُ فيها، ولا يجوز تغيُّرها (¬4)، [و] (¬5) من حيثية تعلق المحكوم عليه بها قد يظهر تغيرّها (¬6) بتغيّره، ويكون مقيداً بتغيرّه تارةً في نفس الأمر، وتارةً مطلقاً، فإن قيل: الخلاف واقع لا محالة، وقد أخبر الله تعالى به، فلا يتصور عدمه، قلنا: لا يتصور عدمه في الوقوع، وأما في الحكم فلا؛ لأن الحق واحد لا (¬7) يتصور تغيّره (¬8) ولا زواله، ولا المثنوية فيه، والحكمة في وقوعه ووجوده؛ تميز الحق من الباطل، وتعلق الثواب والعقاب به، وبيان الدرجات (¬9) فيه من ¬

_ (¬1) في (ن): (الفرع). (¬2) سبق بيان هذه المسألة. (¬3) في (ظ) و (ن): (التغيّر). (¬4) في (ظ) و (ن): (تغييرها). (¬5) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬6) في (ظ) و (ن): (بغيرها). (¬7) في (ظ) و (ن): (ولا). (¬8) في (ظ) و (ن): (تغييره). (¬9) في (ن): (للدرجات).

الإكرام بالتوفيق، والهداية، والجزاء عليه في الدنيا والآخرة، ومن الإهانة بالخذلان والضلال والعذاب في الدنيا والآخرة، والله يعلم المحق من المبطل، والمفسد من المصلح.

فصل (45)

فصل (45) المماراة والمراء في الأصول كفر، وفي الفروع من حيثية حكم الله كذلك، ومن حيثية تعلقك به بعد فهمه، ووقوع العلم به كذلك، قال الله تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، وقبل فهمه ووقوع العلم به (¬1) يجب السعي إليه بطريقه على الوجه المأمور به، إلى أن يصلَ إليه من غير مراء، ولا جدال بباطل، [ولا ترفع عليه، ولا تكبر، ولا تكثر] (¬2)، فالحق أرفع، وأكبر، وأكثر، ومن سلك الطريق فيه لم يفته ولا يتخلف عنه إلا بالسابقة لظهور شقاوة المحل، والله يعلم المفسد من المصلح. ¬

_ (¬1) (به) ليست في (ظ) و (ن). (¬2) في ص: (ولا يرفع عليه ولا يكبر ولا يكثر) وما أثبته من (ظ) و (ن).

فصل (46)

فصل (46) إذا وصلتَ إلى الحق قد تطرأ (¬1) عليكَ الحيرة، والدهش، والاصطلام (¬2)، فاحذرْ أن تخرجَ من طور العبودية والافتقار [والملل] (¬3) والفتور إلى الاستكبار، أو يتعلق قلبك بالوقوف مع حالةٍ من الحالات (¬4)، أو يقنع (¬5) بالأمور السَّافلات، بل جدّ واجتهد إلى أن تصلَ إلى المطلوب يقيناً وإيماناً يثبتك إيصالك (¬6) إليه عياناً، فتصير الأشياء تبعاً لك بعد أن كنتَ لها تبعاً (¬7)، وتنال منها بعد أن كنت تنالها، فإن دخل عليك، وخيّل لك استقلالٌ بشيءٍ سلبت، وصرت مفلساً، وعدت بعد أن كنت موضحاً ملبَّساً، ورجعت من الوجود إلى العدم، ومن الصحة إلى المرض، وخسرت الجوهر بالعرض، فنسأل الله الثبات حتى الممات، ونعوذ به من الرجوع إلى قهقرى، والسؤال عما جرى (¬8). ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (يطرأ). (¬2) عرف ابن عربي الاصطلام في الفتوحات المكية (ص 141) بقوله: (الاصطلام: نوع وَلَه يرد على القلب؛ فيسكن تحت سلطانه). (¬3) في (ص): (والملك)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬4) في (ظ) و (ن): (الحلالات). (¬5) في (ظ) و (ن): (تقنع). (¬6) في (ظ) و (ن): (بإيصالك). (¬7) في (ظ) و (ن): (تبعها). (¬8) في هذا الفصل ردود رائعة على المتصوفة، ولعل المؤلف - رحمه الله - يشير هنا إلى مسألة =

فصل (47)

فصل (47) احذرْ أن ترى لك رتبةً أو حقاً تنزل وما ترقى (¬1)، ¬

_ = الفناء التي ضلت فيها الصوفية، فخرجت من طور العبودية إلى الضلال والاستكبار، كالفناء عن شهود ما سوى الله فيفنى بمعبوده عن عبادته، وكالفناء عن وجود السوى؛ بحيث يرى بأن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق. وما بيَّنه - رحمه الله - من الوصول إلى اليقين والحق بفعل ما أمر الله واتباع شرعه، هو الفناء الديني الشرعي، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية في التدمرية (ص 221) هذا النوع في معرض ذكره لأنواع الفناء قائلاً: (أحدها وهو الفناء الديني الشرعي، الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، هو أن يفنى عما لم يأمر الله به بفعل ما أمر الله به، فيفنى عن عبادة غيره بعبادته، وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله، وعن التوكل على غيره بالتوكل عليه، وعن محبة ما سواه بمحبته ومحبة رسوله، وعن خوف غيره بخوفه، بحيث لا يتبع العبد هواه بغير هدى من الله، وبحيث يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما). وقال ابن القيم في مدارج السالكين (1/ 167) عن هذا النوع: (ومن تحقيق هذا الفناء: أن لا يحب إلا في الله، ولا يبغض إلا فيه، ولا يوالي إلا فيه، ولا يعادي إلا فيه، ولا يعطي إلا له، ولا يمنع إلا له، ولا يرجو إلا إياه، ولا يستعين إلا به، فيكون دينه كله ظاهراً وباطناً لله، ويكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، فلا يوادّ من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إليه ..... وحقيقة ذلك: فناؤه عن هوى نفسه وحظوظها بمراضي ربه وحقوقه)، وهذا النوع من الفناء يسمى: الفناء عن إرادة السوى. (¬1) لعله يقصد - رحمه الله - التحذير من هوى النفس وحظوظها، والالتزام بمراضي الله وحقوقه، كما يعتبر أيضاً رداً على بعض المتصوفة الذين يرون أن لهم مراتب ومنازل وحقوقاً دون غيرهم، بسبب أهوائهم، وحظوظهم النفسية. قال ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين (1/ 260) عن هؤلاء: (ولا ريب أن هؤلاء =

فترذل (¬1) وتشقى، بل ردّ الأمانة إلى أهلها، وانظر إلى نفسك ووصفك، وعللها ناظراً إلى المنعم وإنعامه، المفضل بزوال الداء وأسقامه، تترك (¬2) في النعيم الأبدي، والخلوص من العذاب السرمديّ إلى ما لا نهاية له من الدرجات والوصول؛ إلى المقامات العاليات، وتصير مقيماً وحيداً؛ بعد أن كنت طريداً شريداً. ¬

_ = مؤثرون لحظوظهم على حقوق ربهم، واقفون مع أذواقهم ومواجيدهم، فانين بها عن حق الله ومراده. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يحكي عن بعض العارفين أنه قال: العامة يعبدون الله، وهؤلاء يعبدون نفوسهم). (¬1) في (ظ) و (ن): (فتردل). (¬2) في (ظ) و (ن): (لم تزل).

فصل (48)

فصل (48) احذرْ أن يراك الله حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك، واعلمْ أن أفضل ما أكرم الله تعالى به أولياءه في دار الدنيا إيقافهم مع أمره ونهيه الطلبي إيماناً وعملاً، واعتقاداً وفعلاً ونطقاً، وفي الدار الآخرة النظر إلى وجهه الكريم. واعلم أنه لا سبيلَ لأحد إلى معرفة الله بحدٍّ أو دليل (¬1)، بل هو - سبحانه وتعالى - حدُّ كلِّ شيءٍ، ودليل كلِّ شيء، ولا سبيل لأحدٍ إلى العلم بالله بإحاطة بل هو - سبحانه وتعالى - محيط بكل شيءٍ، ومن وراء كل شيء، وكل شيء خلقه (¬2)، وكل شيء قائم به - سبحانه وتعالى -، وهو سبحانه قائمٌ بكل شيء، لا يعزب عنه مثقال ذرّةٍ في السموات ولا في الأرض، ولا يملك أحدٌ مثقال ذرةٍ في السموات ولا في الأرض، وليس لأحد معه شركة في شيءٍ من ذلك، ولا له سبحانه ظهير في شيء من ذلك. واعلمْ أن أفضلَ خلقه سبحانه الجنة (¬3)، وهي غير محدودة (¬4)، ¬

_ (¬1) لعل مقصوده - رحمه الله - أن معرفة الله واضحة جلية، لا تحتاج إلى دليل، كما قال تعالى: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم: 10]. (¬2) في (ظ) و (ن): (خلفه). (¬3) ظاهر كلام المصنف - رحمه الله - الإطلاق، وهو غير صحيح؛ إذ أفضل الخلق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد يخرج كلامه على أن مراده أفضل خلقه؛ باعتبار المنازل، لا عموم الخلق. (¬4) يظهر من كلام المؤلف - رحمه الله - ومن خلال استدلاله بهذا الحديث، أن الجنة لا يحاط =

بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" (¬1). هذا (¬2) خلق من خلقه غير محدود، فكيف يكون خالقه محدوداً؟ تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. ¬

_ = بها علماً، وأن نعيمها دائم غير منقطع ولا محدود، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]. وقال - عز وجل -: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]. ويقول تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [الرعد: 35]. وقال سبحانه وتعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 32 - 33]. (¬1) أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (6/ 3618) رقم (3244)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها ..... (4/ 2174) رقم (2824) من حديث أبي هريرة بلفظ: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ..... " والباقي بلفظه. (¬2) في (ظ) و (ن): (فهذا).

فصل (49)

فصل (49) يجبُ الإيمان بكلِّ ما أخبر به الصَّادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - فيما مضى وفيما يستقبل. وتستدل على حقيقته في صدرك بما تشاهده في أنك عما مضى على ما يستقبل، كما بدأ يعيد، وهو أهونُ عليه، بمعنى: وله (¬1) المثل الأعلى، [لا بمعنى] (¬2): أن شيئاً مما أبداه وأعاده بعضه أهون من بعض، أو أن إعادته أهون من إبدائه، بل الكل هيّن عليه، وإنما خاطبنا على قدر فهمنا من مواجيدنا تنزلاً، ولهذا عزّ وامتنع عن صفات المخلوقين، وحكم بإتقان صنعه في مخلوقاته بإحكامه لها. إذا علمتَ هذا فخروجُ الدجال اللعين، ونزول عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - من السماء، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها، وظهور المهدي قبل نزول عيسى - صلى الله عليه وسلم - وصلاته وراءه، وكونه ينزل تابعاً لشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - واحداً من أمته، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويزيل حكمها، ويريق الخمور، ولا يقبل من أهل الذمة وغيرهم إلا الإسلام، مما يجبُ الإيمانُ به، واعتقاد حقيقته، ومن كذّب بذلك كفر؛ لأن الصَّادق أخبر به (¬3)، ومن كذَّب الصَّادق كفر. ¬

_ (¬1) (وله) ليست في (ظ) و (ن). (¬2) في (ص): (بلا معنى)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬3) أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الفتن، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة =

وكذلك يجبُ الإيمانُ بجميع ما شاكل هذا؛ مما ثبت في الأحاديث الصَّحيحة عنه - صلى الله عليه وسلم - وهي معروفةٌ مشهورة في كتب السُّنن الصَّحيحة، والله أعلم. وكذلك يجبُ الإيمانُ بتبديل الأرض والسموات، ونسف الجبال، ومقدمات ذلك كله مما نطق به الكتاب العزيز (¬1)، والسُّنة النَّبوية، والله أعلم. ¬

_ = (18/ 27) رقم (2901) عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطّلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ " قالوا: نذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات"، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم. وأخرج مسلم في كتاب الإيمان، باب: نزول عيسى ابن مريم حاكماً (2/ 190) رقم (242) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد". أما المهدي فقد أخرج أبو داود في أول كتاب المهدي برقم (4282) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تنقضي الدنيا حتى يملك العربَ رجلٌ من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي"، وروى أيضاً في الكتاب السابق برقم (4283) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم، لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً". (¬1) (العزيز) ليست في (ظ) و (ن).

فصل (50)

فصل (50) ولا نصدِّق كاهناً ولا عرّافاً، ولا ندعي شيئاً بخلاف الكتاب، والسُّنة، وإجماع الأمة. ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً (¬1). وعلماءُ السَّلف من الصَّالحين والتابعين ومن بعدهم من أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بشرٍّ فهو على غير السبيل (¬2). ¬

_ (¬1) من بداية هذا الفصل وإلى قوله: (.... زيغاً وعذاباً) نقله المؤلف بتصرف من متن العقيدة الطحاوية (ص 20). (¬2) من قوله: (وعلماء السلف ..) وإلى: (.... على غير السبيل) نقله المؤلف بتصرف من متن العقيدة الطحاوية (ص 19).

فصل (51)

فصل (51) ويجبُ اعتقادُ أنَّ أهلَ الجنة يدخلونها مخلدين فيها منعمين لا يخرجون منها أبداً، وأن أهل النار الكفار وأهل الكبائر، فأما الكفار فإنه محتمٌ دخولهم والخلود فيها مؤبداً، لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها، ولا يخفف عنهم من عذابها، وأنه عذابٌ أليمٌ، مقيمٌ، عظيم، شديد، كبير، وأن من (¬1) قال: إنهم ينعمون فيها بالعذاب فهو كافر (¬2)؛ لأنه كذّب الله تعالى فيما أخبر به عنهم، وما يحصل لهم (¬3) من الألم، وهذه مقالة الكفار؛ حيث إنهم جعلوا الأشياء المخبر بها عن الله تعالى وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - مجازيةً وأسماءً لا حقيقة لها، وجعلوا الأسماء التي اقترحوها، والمسمّيات التي اقتحموها حقاً وصدقاً، فكذبهم الله تعالى في ذلك، وقال: {إِنْ هِيَ إلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]. لما عكسوا باطلهم، وجعلوه حقاً والحق باطلاً؛ عكس عليهم الأمر فجعلوا من أهل النار. ¬

_ (¬1) في (ظ): (ومن قال) بدون (أن). (¬2) القائلون بأن أهل النار ينعمون فيها هم الاتحادية كابن عربي الطائي ونحوه، حيث قالوا: إن أهلها يعذبون فيها، ثم تنقلب طبيعتهم، وتبقى طبيعة النارية يتلذذون بها لموافقتها لطبعهم. انظر: شرح العقيدة الطحاوية بتخريج الألباني (ص 427). (¬3) (من) ليست في (ظ) و (ن).

وأما أهل الكبائر فهم داخلون تحت المشيئة، ولا يخلدون في النار؛ إلا أن يكونوا معتقدين لحل (¬1) الكبائر، فيكفروا، ويخلدوا فيها، وثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنه يؤتى بالموت في صورة كبش، ويذبح بين الجنة والنار، وينادى: يا أهلَ الجنة، خلود ولا (1) موت، ويا أهلَ النار خلود ولا موت" (¬2) (¬3). وقال الله تعالى عن أهل النار (¬4) [أنهم] (¬5): {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36]. وقال تعالى عن أهل الجنة: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]. فهذا ما يسَّره الله تعالى من الكلام في: الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، والحمد لله على تيسيره، وغيره من وجوه الخيرات، وأسأله الثبات على الطاعات الظاهرات والباطنات حتى الممات، إنه وليّ الباقيات الصالحات. وقد يسَّر الله تعالى في هذا المعتقد من النفائس الجليلات، [والعلوم] (¬6) الباهرات؛ ما يجب على كل مسلمٍ تحصيله، واعتقاده (¬7)، ¬

_ (¬1) في (ظ) و (ن): (بحل). (¬2) في (ظ) و (ن): (لا) بدون (واو). (¬3) أخرجه البخاري في التفسير، باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (8/ 428) رقم (4730)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها ..... (4/ 2188) رقم (2849) من حديث أبي سعيد الخدري بنحوه. (¬4) (أهل النار) ليست في (ظ). (¬5) في (ظ) و (ن) وليست في (ص). (¬6) في (ص): (والنفائس الباهرات)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬7) لعل مقصود المؤلف - رحمه الله - بذلك هو: أنه يجب على كل مسلم معرفة محتوى، =

خلوصاً من التشكيكات، وخروجاً من الظلمات إلى الأنوار الزاهرات (¬1). وأسأل الله أن ينفع به جميع المؤمنين والمؤمنات (¬2)، ويجعله حصناً من النيران المؤلمات، وحرزاً من المحذورات، وأن لا يخجلنا يوم الوقوف بين يديه، وأن يجعلنا من المنعم عليهم من النبيين، [والصدّيقين] (¬3)، والشهداء، والصالحين، إنه خير مسؤولٍ، وأكرم مأمولٍ، وهو المنجي من الهلكات، وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، وصلواته (¬4) وسلامه على سيدنا محمدٍ خاتم النبيين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى جميع عباد الله الصالحين. آخر الكتاب فرغت (¬5) منه عشية الاثنين ثالث عشر محرم سنة تسعٍ وسبع مائة، أحسن الله خاتمتها، آمين. ¬

_ = ومضمون هذا المعتقد، الذي جمع أصول أهل السنة والجماعة في الاعتقاد، وليس المقصود وجوب الأخذ بنص معتقد ابن العطار هذا. (¬1) في (ظ) و (ن): (وخروجاً من الظلمات إلى الأمور الباهرات). (¬2) فى (ظ) و (ن): (والمؤلمات). (¬3) في (ص): (والصديق)، وفي (ظ) و (ن) ما أثبته. (¬4) في (ظ) و (ن): (وصلاته). (¬5) في (ظ) و (ن): (والحمد لله أولاً وآخراً، وكان الفراغ منه يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخر سنة ثمان وثمانين وسبعمئة).

الخاتمة

الخاتمة وبعد الانتهاء من تحقيق هذا الكتاب، أودُّ أن أجعلَ الخاتمة في بيان عقيدة ابن العطار - رحمه الله -. فقد تبين لي من خلال الدراسة، والبحث، والتحقيق أن ابن العطار - رحمه الله - من العلماء المتمسكين باعتقاد السَّلف الصالح، وبأصول أهل السُّنة والجماعة، وسائر عل منهج أهل الحديث في الاعتقاد، وأن ما ما وقع فيه من مآخذ علمية يسيرة، وأخطاء في بعض الألفاظ، والعبارات، والكلمات، وقع لغيره من أهل العلم من أهل السُّنة والجماعة، ومَن سار على منهج السَّلف، ومع ذلك لم يحكمْ عليهم بالخروج عن هذا المنهج. ومما يؤكد ما ذكرته، وتوصلت إليه ما يلي: أولاً: تصريحه - رحمه الله - أنه صنَّف هذا الكتاب على أصول أهل السُّنة في الاعتقاد، حيث قال في المقدمة: (أما بعد: فهذا كتابٌ صنفته على أصول أهل السُّنة في الاعتقاد من غير زيد) (¬1). ثانياً: المنهج الذي اتبعه، وسار عليه في كتابه؛ واضح من خلال عرضه لمسائل الاعتقاد، والاستدلال لها، من اتباع الكتاب والسُّنة، والحرص على أقوال سلف هذه الأمة للوصول إلى الفهم الصَّائب، والمتصفِّح لهذا الكتاب يجدُ حرصه - رحمه الله - على ذكر أقوال السلف في مسائل عديدة كمسألة النزول، والرؤية، والفوقية، والقول بخلق القرآن، ¬

_ (¬1) انظر: (ص 100).

ومسألة اللفظ بالقرآن، ومسائل الإيمان ونواقضه، وقضايا التكفير، وغيرها. كما نلاحظ أنه في المقابل صَرَّح بالبعد عن مناهج أهل البدع كالتأويل، والتَّحريف، والتَّعطيل، والتمثيل، والتكييف ونحوها من المناهج، يقول - رحمه الله - بعد أن ذكر جملة من الصِّفات: (لا يشبه في شيء من ذلك شيئاً من مخلوقاته، ولا يشبَّه به شيء من مخلوقاته، ولا يحدَّه - سبحانه وتعالى - حدّ، ولا يعرَّف إلا بتعريفه، ولا يتصرف إلا بتصريفه، ولا يكيفه سبحانه تكييف، ولا يمثله تمثيل) (¬1)، وبعد ذكره لتأويل المعطلة ليد الله - سبحانه وتعالى - بالنعمتين والقوتين ورده عليهم، قال: (فتعيّن القول بتنْزيه الباري - عز وجل - عن التشبيه والتعطيل، وعدم التحريف والتكييف والتمثيل والأخذ بقوله تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، منًّا من الله - سبحانه وتعالى - بالتفهيم والتعريف لسلوك التوحيد والتنْزيه، وكذا القول في جميع ما ثبت من ذلك) (¬2). وبعد ذكره لجملة من الصِّفات قال: (وجب اعتقاد حقيقته من غير تشبيهٍ لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير إضافة، ولا زيادةٍ عليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير ...) (¬3). ومما يدلُّ على هذا المنهج الذي سلكه بغضه لأهل البدع ومناهجهم، الذين يعادون أئمة السَّلف وأصحاب الحديث، حيث قال: (وبغض أهل البدع الذين أحدثوا في الدَّين ما ليس منه ... وعلامات ¬

_ (¬1) انظر: (ص 108). (¬2) انظر: (ص 131). (¬3) انظر: (ص 132).

البدع على أهلها تظهر ولا تخفى، وأظهر علاماتهم شدةُ معاداتهم لحملة أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، واحتقارهم لهم، واستخفافهم بهم، وتسميتهم إياهم حشوية، ومشبّهة، وجهلة ...) (¬1). ثالثاً: إثباته للصِّفات الذاتية منها والفعلية، على خلاف أهل البدع؛ الذين نازعوا فيها أو في بعضها، قال - رحمه الله -: (وأنه - سبحانه وتعالى - عالم بعلم، قادر بقدرةً، حيّ بحياة، مريد بإرادة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلِّم بكلام ...) (¬2). وقال في الاستواء: (وأنه سبحانه استوى على العرش؛ كما نطق به الكتاب العزيز) (¬3) وأثبت النُّزول قائلاً: (وأنه - سبحانه وتعالى - ينْزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، وكذلك يوم عرفة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة) (¬4). وقال - رحمه الله - ذاكراً جملة من الصِّفات، ومثبتاً لها: (فإذا نطق الكتاب العزيز، ووردت الأخبار الصَّحيحة بإثبات السمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة، والعِزَّة، والعظمة، والمشيئة والإرادة، والقول والكلام، والرَّضا والسّخط، والحب والبغض، والفرح والضّحك، وجب اعتقاد حقيقته من غير تشبيهٍ لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -) (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: (ص 323). (¬2) انظر: (ص 108). (¬3) انظر: (ص 110). (¬4) انظر: (ص 113). (¬5) انظر: (ص 132).

وقال عن صفة العلو: (الفوقية ثابتة له - سبحانه وتعالى - من كل وجهٍ يليق به - سبحانه وتعالى -) (¬1). وقال: (والفوقية المطلقة صفة تفرَّد بها الربّ - سبحانه وتعالى -، فهو - سبحانه وتعالى -فوق كل شيء وليس فوقه شيء) (¬2). وقال: (وعلماء الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا أن الله تعالى على عرشه فوق سمواته) (¬3). رابعاً: وقوفه - رحمه الله - عند النص، والأخذ بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء به، واتباع سنته وتعظيمها، وعدم تقديم أي شيء عليها من أقوال الرجال، مع الالتزام بما ورد به الدليل، إذ يقول: (فما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أثبتناه، وما نفاه نفيناه، وما سكت عنه سكتنا عنه، وما ذكره - سبحانه وتعالى - في الكتاب العزيز، وعلى لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - مفرقاً ذكرناه مفرقاً، وما ذكره مجموعاً ذكرناه مجموعاً) (¬4). ونقل عن الصابوني قوله: (ومن تمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعمل بها، واستقام عليها، ودعا الخلق إليها كان أجره وافراً) (¬5). ونقل أيضاً عن الطحاوي قوله: (وكل ما جاء من الحديث الصَّحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو كما قال، ومعناه على ما أراد) (¬6). واستشهد بقول نصر بن إبراهيم المقدسي - مؤكداً ما قاله -: (إنه ¬

_ (¬1) انظر: (ص 187). (¬2) انظر: (ص 178). (¬3) انظر: (ص 179). (¬4) انظر: (ص 123). (¬5) انظر: (ص 341). (¬6) انظر: (ص 212).

لا يجوز اعتقاد ما لم يكن له أصل في كتاب الله تعالى، ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين لهم بإحسان) (¬1)، كما نجد أن المؤلف قد عَقَدَ فصلاً كاملاً في فضل التمسك بالسُّنة، وهو الفصل السَّابع والثَّلاثون. خامساً: أنه أخذ عقيدته المسطرة في هذا الكتاب من كتب علماء أهل السُّنة والجماعة المعروفين، وجعل هذه الكتب مصدراً له في بيان اعتقاده؛ الذي يدينُ الله تعالى به، إذ يكاد يكون أغلب كتاب عقيدة السَّلف للصَّابوني مبثوثاً في كتاب ابن العطار هذا، كما أنه أكثر النقل عن الإمام الطَّحاوي في عقيدته المشهورة، واستشهد بها كثيراً. وكذلك نقل من كتاب (الحجة على تارك المحجة) لأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي؛ والذي قال عنه وعن مؤلفه: (وروينا بإسنادنا إلى الشيخ الزاهد أبي الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي - رحمه الله - المتفق على إمامته، وجلالته، ودينه، وورعه، وتفرّده بذلك في زمنه بالشام وغيره، في كتابه (الحجة على تارك المحجة)، في عقيدته التي أجمع عليها علماء الإسلام) (¬2). وكذلك نقله عن ابن جرير في كتابه (صريح السنة)، والحافظ أبي بكر الإسماعيلي في كتابه (اعتقاد أهل السنة)، ونقله كذلك لكلام ابن حبان، وتعليقاته في كتابه (الصحيح). وهذا من الأدلة الواضحة على سلامة اعتقاد ابن العطار - رحمه الله -. أما نقله عن القاضي عياض، فقد أخذ منه ما وافق أهل السنة في مسألة الرؤية، وقضايا ومسائل التَّكفير. ¬

_ (¬1) انظر: (ص 180). (¬2) انظر: (ص 180).

سادساً: ثناء أهل العلم عليه، وذكره بالصلاح، وسلامة المنهج، بل وعدّه من أهل الحديث والأثر والمحبين لِسُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه من المبغضين لأهل البدع، ومناهجهم، وآرائهم، ومن أبرز من أثنى عليه تلميذه شمس الدِّين الذَّهبي - كما سبق -. سابعاً: تفصيله وذِكْره لبعض المسائل؛ التي امتاز بذكرها أهل السنة عن غيرهم، مثل: عدم تكفير المسلم بكل ذنب، والصلاة خلف كل برٍّ وفاجر، والجهاد مع الأئمة، والدعاء لهم، وعدم الخروج عليهم، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والكفّ عما شَجَر بين الصحابة، وحكم السِّحر والسَّحرة، وتحريم المسكرات والسَّماع، والمسارعة إلى الصَّلوات، والتواصي بفعل الخير، والحب في الله والبغض فيه، وذِكْر علامات أهل البدع، وكذلك علامات أهل السُّنة، وفضل التمسُّك بالسُّنة، والوقوف عند أمر الله ونهيه، ونواقض الإيمان، ومسائل التكفير، ويضافُ إلى ذلك ردوده على الصوفية، والمسائل المتعلقة بالوعظ، وتربية النفوس. ثامناً: ومما يؤكد أن ابن العطار - رحمه الله - على مذهب أهل السُّنة والجماعة، أن هذه العقيدة التي كتبها تخالفُ السَّائد المنتشر في بيئته وعصره، من طغيان المذهب الأشعري، وكثرة علمائه ومدارسه، وكذلك انتشار الفكر الصُّوفي، ومع ذلك صنَّف هذا الكتاب المصادم للمذهب الأشعري؛ الذي اكتمل في زمنه، ثم إنَّ رسالته في السَّماع فيها ردّ على الصُّوفية. تاسعاً: إن شيوخه ومعاصريه وأقرانه وتلاميذه الغالب أنهم أشاعرة، وكذلك بالنسبة للمدارس العلمية التي دَرَسَ ودرّس فيها، ومع ذلك لم يظهرْ تأثيرُ ذلك عليه، بل خالف ذلك كله، والتزم بمنهج السلف، ولو كان أشعرياً أو كان على مذهب قدماء الأشاعرة لظهر ذلك

في كتابه؛ الذي فصّل فيه أبواب الاعتقاد، أو لنقل من علماء الأشاعرة، واعتمد على كتبهم ومصنفاتهم، ولكن نجد أنه أخذ عقيدته من أعلام أهل السُّنة والجماعة، واعتمد على مصنفاتهم ومؤلفاتهم؛ كما مرّ بنا سابقاً. وأخيراً فهذا ما توصلتُ إليه، وما ظهر لي من خلال البحث والدِّراسة، والله أسال أن يرحمَ أبا العلاء ابن العطار، وأن يغفر له، ويعفو عنه، وأن يجزيه خير الجزاء، وأن يعلي درجته في الآخرة، والله أعلم، وما توفيقي إلا بالله، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع 1 - آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم الرازي، تحقيق عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت. 2 - الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، لابن بطة العكبري، تحقيق رضا بن نعسان، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى عام 1415 هـ. 3 - ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد، لأحمد بن ناصر الحمد، مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1406 هـ. 4 - إثبات صفة العلو، لموفق الدين ابن قدامة، تحقيق أحمد بن عطية الغامدي، مؤسسة علوم القرآن بسورية، الطبعة الأولى 1409 هـ. 5 - إثبات علو الله على خلقه والرد على المخالفين، لأسامة بن توفيق القصاص، جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت، الطبعة الأولى 1409 هـ. 6 - اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، لابن القيم، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1404 هـ. 7 - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، لابن دقيق العيد، دار الكتب العلمية ببيروت. 8 - إحكام الفصول في أحكام الأصول، لأبي الوليد الباجي، تحقيق عبد المجيد التركي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1407 هـ.

9 - الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم، عناية أحمد شاكر، نشر زكريا علي يوسف. 10 - أدب الخطيب، لعلاء الدين ابن العطار الشافعي، تحقيق محمد بن الحسين السليماني، دار الغرب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى 1996 م. 11 - الأدب المفرد، للإمام البخاري، صححه محمد هشام البرهاني، نشر دولة الإمارات وزارة العدل والشؤون الإسلامية، طبعة 1401 هـ. 12 - الأربعين في أصول الدين، لفخر الدين الرازي، مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1406 هـ. 13 - الأربعين في دلائل التوحيد، لأبي إسماعيل الهروي، تحقيق علي بن ناصر الفقيهي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1404 هـ. 14 - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، لإمام الحرمين الجويني، تحقيق أسعد تميم، مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى 1405 هـ. 15 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للألباني، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ. 16 - الاستقامة، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة - مصر. 17 - الاستهزاء بالدين وأهله، لمحمد بن سعيد القحطاني، مكتبة السنة بالقاهرة، الطبعة الثانية 1416 هـ. 18 - الاستيعاب في أسماء الأصحاب، لابن عبد البر القرطبي، دار الكتاب العربي ببيروت - لبنان.

19 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين أبي الحسن علي بن محمد ابن الأثير، دار الشعب بالقاهرة. 20 - الأسماء والصفات، للبيهقي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. 21 - الأسماء والصفات، للبيهقي، تحقيق عبد الله الحاشدي، نشر مكتبة السوادي بجدة، الطبعة الأولى 1413 هـ. 22 - الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الكتاب العربي، ببيروت. 23 - أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي، لمحمد رياض، نشر مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1416 هـ. 24 - أصول مذهب الإمام أحمد، للدكتور عبد الله التركي، نشر مؤسسة الرسالة الطبعة الثالثة 1410 هـ. 25 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الجكني الشنقيطي، عالم الكتب ببيروت - لبنان. 26 - الاعتصام، للشاطبي، بعناية محمد رشيد رضا، المكتبة التجارية بمصر. 27 - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، للرازي، تحقيق علي النشار، دار الكتب العلمية، ببيروت. الطبعة الأولى 1402 هـ. 28 - اعتقاد أهل السنة، للحافظ أبي بكر الإسماعيلي، تحقيق جمال عزون، دار الريان بالإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى 1413 هـ. 29 - الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، لعلاء الدين ابن العطار الشافعي، تحقيق علي حسن علي عبد الحميد الحلبي، دار الكتب الأثرية بالأردن، الطبعة الأولى 1408 هـ. 30 - الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، للبيهقي، تحقيق أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة ببيروت، الطبعة الأولى 1401 هـ.

31 - الأعلام، للزركلي، دار العلم للملايين ببيروت، الطبعة السادسة 1984 م. 32 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، نشر دار الكتب الحديثة، القاهرة. 33 - أعيان العصر وأعوان النصر، لصلاح الدين الصفدي، تحقيق الدكتور علي أبو زيد ومجموعة من المحققين، دار الفكر بدمشق، الطبعة الأولى 1418 هـ. 34 - الاقتصاد في الاعتقاد، للغزالي، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. 35 - اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية ببيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1407 هـ. 36 - إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم، للقاضي عياض، تحقيق يحيى إسماعيل، دار الوفاء بمصر، الطبعة الأولى 1419 هـ. 37 - الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق محمد زهري النجار، دار المعرفة ببيروت - لبنان. 38 - الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، لعبد الله الدميجي، دار طيبة بالرياض، الطبعة الثانية 1409 هـ. 39 - الأمالي، لعبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران، تحقيق عادل يوسف العزازي، دار الوطن بالرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ. 40 - إنباه الرواة على أنباء النحاة، لجمال الدين القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي بالقاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية ببيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ.

41 - الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء - مالك والشافعي وأبي حنيفة، لابن عبد البر، دار الكتب العلمية ببيروت. 42 - الأنساب، للسمعاني، تحقيق جماعة من الأساتذة، الناشر محمد أمين دمج، ببيروت، مطبعة محمد هاشم الكنبي بدمشق. 43 - الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، للقاضي أبي بكر الباقلاني، تحقيق محمد زاهد الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث بالقاهرة، طبعة 1413 هـ. 44 - أهل الملل والردة والزنادقة من كتاب الجامع، للخلال، تحقيق إبراهيم السلطان، نشر مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ. 45 - إيقاظ همم أولي الأبصار، للإمام صالح الفلاني، تحقيق أبي عماد السخاوي، نشر دار الفتح بالشارقة، الطبعة الأولى 1418 هـ. 46 - الإيمان، لابن أبي شيبة، تحقيق الألباني، دار الأرقم بالكويت. 47 - الإيمان، لشيخ الإسلام ابن تيمية، دار الفكر، تعليق محمد خليل هراس. 48 - الإيمان، لابن منده، تحقيق علي بن ناصر الفقيهي، نشر وتوزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة. 49 - بدائع الفوائد، لابن القيم، تعليق وتصحيح محمود غانم غيث، الناشر مكتبة القاهرة، الطبعة الثانية 1392 هـ. 50 - البداية والنهاية، للحافظ ابن كثير الدمشقي، تحقيق مجموعة من الأساتذة، دار الريان للتراث بالقاهرة، الطبعة الأولى 1408 هـ. 51 - بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، ليوسف بن حسن، تحقيق رضي الله محمد، دار الراية بالرياض الطبعة الأولى 1409 هـ. 52 - البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين الزركشي، تحقيق الجزء

الأول لعبد القادر العاني، وزارة الأوقاف الكويتية، دار الصفوة، الطبعة الثانية 1413 هـ. 53 - برنامج التجيبي، لقاسم بن يوسف، تحقيق عبد الحفيظ منصور، الدار العربية للكتاب، ليبيا، تونس 1981 م. 54 - برنامج الوادي آشي، لمحمد بن جابر، تحقيق محمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ. 55 - البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان، لعباس بن منصور السكسكي الحنبلي، تحقيق خليل أحمد الحاج، دار التراث العربي بالقاهرة، الطبعة الأولى 1400 هـ. 56 - بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، لابن تيمية، تصحيح وتعليق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، مؤسسة قرطبة. 57 - البيهقي وموقفه من الإلهيات، لأحمد بن عطية الغامدي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية 1403 هـ. 58 - تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الزبيدي، منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت - لبنان. 59 - التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول، لصديق حسن خان، تصحيح عبد الحكيم شرف الدين، المطبعة الهندية العربية، الطبعة الثانية 1383 هـ. 60 - تاريخ أبي زرعة الدمشقي، تحقيق شكر الله بن نعمة الله القوجاني. 61 - تاريخ الأدب العربي، لبروكلمان، الطبعة العربية المترجمة لدار المعارف بمصر. 62 - تاريخ الأمم والملوك، لمحمد بن جرير الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار التراث العربي ببيروت.

63 - تاريخ بغداد، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، ببيروت. 64 - تاريخ الخلفاء، لجلال الدين السيوطي، تحقيق محمود رياض الحلبي، دار المعرفة، ببيروت، الطبعة الثانية 1417 هـ. 65 - تاريخ خليفة بن خياط العصفري، تحقيق أكرم ضياء العمري، دار طيبة بالرياض، الطبعة الثانية 1405 هـ. 66 - التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار الكتب العلمية ببيروت. 67 - تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، لأبي القاسم علي بن حسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي، دار الكتاب العربي ببيروت، طبعة 1399 هـ. 68 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، للمباركفوري، الطبعة الهندية الحجرية، صورتها دار الكتاب العربي ببيروت. 69 - تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين، لعلاء الدين ابن العطار الشافعي، تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان، نشر دار الصميعي بالرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ. 70 - التدمرية، لشيخ الاسلام ابن تيمية، تحقيق محمد بن عودة السعوي، الطبعة الأولى 1405 هـ. 71 - تذكرة الحفاظ، لشمس الدين الذهبي، بعناية زكريا عميرات، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1419 هـ. 72 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض، دار مكتبة الحياة ببيروت 1387 هـ، وطبع وزارة الأوقاف بالمغرب. 73 - الترغيب والترهيب، للأصبهاني أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن

الفضل، تحقيق أيمن شعبان، دار زمزم بالرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ. 74 - التسعينية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق محمد العجلان، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ. 75 - التعريفات، للشريف علي بن محمد الجرجاني، تحقيق محمد القاضي، دار الكتاب المصري بالقاهرة، الطبعة الأولى 1411 هـ. 76 - التعريفات الاعتقادية، لسعد بن محمد العبد اللطيف، دار الوطن بالرياض، الطبعة الأولى 1422 هـ. 77 - تعظيم قدر الصلاة، لمحمد بن نصر المروزي، تحقيق عبد الرحمن الفريوائي، مكتبة الدار بالمدينة الطبعة الأولى 1406 هـ. 78 - تغليق التعليق على صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، تحقيق سعيد عبد الرحمن القزقي، المكتب الإسلامي ببيروت، دار عمار بالأردن، الطبعة الأولى 1405 هـ. 79 - التفريق بين الأصول والفروع، لسعد الشثري، دار المسلم بالرياض، الطبعة الأولى 1417 هـ. 80 - تفسير أسماء الله، للزجاج، تحقيق أحمد يوسف الدقاق، منشورات دار المأمون للتراث بدمشق، طبعة 1395 هـ. 81 - تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، دار المعرفة ببيروت، الطبعة الثانية 1408 هـ. 82 - تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم الرازي، تحقيق أسعد محمد الطيب، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1417 هـ. 83 - تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد بسورية، الطبعة الأولى 1406 هـ.

84 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لابن حجر العسقلاني، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة. 85 - تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، للقاضي الباقلاني تحقيق عماد الدين حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 86 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لابن عبد البر، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب. 87 - تنبيه ذوي الألباب السليمة عن الوقوع في الألفاظ المبتدعة الوخيمة، لسليمان بن سحمان، دار العاصمة بالرياض، الطبعة الثانية 1410 هـ. 88 - تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، باعتناء إبراهيم الزيبق، وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى 1416 هـ. 89 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأبي الحجاج يوسف المزي، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الثالثة 1408 هـ. 90 - توالي التأسيس لمعالي ابن إدريس، لابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية ببيروت، طبعة 1406 هـ. 91 - التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد، للحافظ محمد بن إسحاق بن منده، تحقيق علي بن محمد الفقيهي، طبعة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 92 - التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل، لمحمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق عبد العزيز الشهوان، دار الرشد بالرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ. 93 - توضيح الكافية الشافية، لعبد الرحمن بن سعدي، المطبعة السلفية بالقاهرة، عام 1368 هـ. 94 - توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم،

لأحمد بن إبراهيم بن عيسى، تحقيق زهير الشاويش، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثالثة 1406 هـ. 95 - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، نشر المكتب الإسلامي ببيروت. 96 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن بن سعدي، تحقيق عبد الرحمن اللويحق، مؤسسة الرسالة ببيروت الطبعة الأولى 1420 هـ. 97 - جامع البيان عن تأويل القرآن، لمحمد بن جرير الطبري، تحقيق محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية. 98 - جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي بالدمام - السعودية، الطبعة الأولى 1414 هـ. 99 - جامع التحصيل في أحكام المراسيل، لصلاح الدين العلائي، تحقيق حمدي السلفي، دار عالم الكتب ببيروت الطبعة الثانية 1407 هـ. 100 - جامع الرسائل، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مطبعة المدني بالقاهرة، الطبعة الأولى 1389 هـ، والمجموعة الثانية طبعت عام 1405 هـ. 101 - جامع العلوم الملقب بدستور العلماء، للقاضي الأحمد نكري، اعتنى به محمود غياث الحيدر آبادي. 102 - الجامع لأحكام القرآن، لمحمد بن أحمد القرطبي، دار القلم، دار الكتاب العربي، القاهرة، طبعة 1386 هـ. 103 - الجرح والتعديل، للحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، مطبعة دائرة المعارف الهندية، الطبعة الأولى 1371 هـ. 104 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لابن تيمية، تحقيق مجموعة من الباحثين، دار العاصمة بالرياض الطبعة الثانية 1419 هـ.

105 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية، للقرشي، تحقيق عبد الفتاح الحلو، طبعة 1398 هـ. 106 - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم، تحقيق السيد الجميلي، دار الكتاب العربي ببيروت، الطبعة الثالثة، 1407 هـ. 107 - الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، لقوام السنة الأصبهاني، تحقيق محمد ربيع المدخلي، دار الراية بالرياض الطبعة الثانية 1419 هـ. 108 - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، للسيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1387 هـ. 109 - حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة، لمحمد عبد الهادي المصري، دار الفرقان بمصر الطبعة الأولى 1411 هـ. 110 - الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، لمحمد ربيع المدخلي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان بمصر، الطبعة الأولى 1409 هـ. 111 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1409 هـ. 112 - خطبة الحاجة، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى 1421 هـ. 113 - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأحمد بن عبد الله الخزرجي، مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الثالثة 1399 هـ. 114 - خلق أفعال العباد، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق أبي محمد سالم السلفي، وأبي هاجر محمد السعيد الإبياني، مكتبة التراث الإسلامي بالقاهرة. 115 - خلق أفعال العباد، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق عبد الرحمن عميرة، دار المعارف السعودية بالرياض، طبعة 1398 هـ.

116 - الدارس في تاريخ المدارس، للنعيمي، تحقيق صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، الطبعة الأولى 1401 هـ. 117 - درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، طبعة 1980 م. 118 - الدرر السنية في الأجوبة النجدية، جمع عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الثانية 1385 هـ. 119 - الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، لشهاب الدين ابن حجر العسقلاني، دائرة المعارف العثمانية بالهند، الطبعة الثانية 1395 هـ. 120 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي، دار الفكر ببيروت، طبعة 1403 هـ. 121 - الدرة فيما يجب اعتقاده، للإمام أبي محمد ابن حزم، تحقيق أحمد بن ناصر الحمد، وسعيد بن عبد الرحمن القزقي، المؤسسة السعودية بمصر، الطبعة الأولى 1408 هـ. 122 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 123 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لابن فرحون المالكي، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث بالقاهرة. 124 - ديوان الإسلام، لشمس الدين ابن الغزي، تحقيق السيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ. 125 - ذيل تاريخ بغداد، لمحمد محمود ابن النجار، دائرة المعارف بالهند، طبعة 398 هـ. 126 - ذيول العبر في خبر من غبر، للذهبي، تحقيق السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية ببيروت.

127 - الرحلة إلى المسجد الحرام، لمحمد الأمين الشنقيطي، دار الشروق بجدة، الطبعة الأولى 1403 هـ. 128 - رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1358 هـ. 129 - الرد على البكري، لابن تيمية، نشر الدار العلمية بدلهي - الهند، الطبعة الثانية 1405 هـ. 130 - الرد على الجهمية، للإمام أبي سعيد الدارمي، تحقيق بدر بن عبد الله البدر، دار ابن الأثير بالكويت، الطبعة الثانية 1416 هـ. 131 - الرد على المنطقيين، لابن تيمية، إدارة ترجمان السنة، لاهور - باكستان، طبعة 1396 هـ. 132 - رسالة في السماع، (مخطوطة) لابن العطار الشافعي. 133 - رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها، لأحمد بن ناصر آل حمد، جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية واحياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى 1411 هـ. 134 - الرياض النضرة في مناقب العشرة، لمحب الدين أحمد الطبري، اعتنى به عبد المجيد طعمة، دار المعرفة ببيروت الطبعة الأولى 1418 هـ. 135 - رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية، لأبي بكر عبد الله بن محمد المالكي، تحقيق بشير البكوش، دار الغرب الإسلامي ببيروت، طبعة 1401 هـ. 136 - زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، المكتب الإسلامي ببيروت الطبعة الأولى 1384 هـ.

137 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الرابعة 1405 هـ. 138 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ. 139 - سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث ببيروت، 1395 هـ. 140 - سنن أبي داود، تحقيق عزت الدعاس، وعادل السيد، دار الحديث ببيروت، الطبعة الأولى 1388 هـ. 141 - سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الحديث بالقاهرة. 142 - سنن الدارقطني، المطبوع مع تعليق شمس الحق العظيم آبادي، حديث أكادمي، باكستان. 143 - السنن الكبرى، للبيهقي، دار المعرفة ببيروت. 144 - السنن الكبرى، للنسائي، تحقيق عبد الغفار البنداري، والسيد كسروي، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1411 هـ. 145 - سنن النسائي، بعناية عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الثانية 1406 هـ. 146 - السنة، لابن أبي عاصم، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثانية 1405 هـ. 147 - السنة، لأبي بكر أحمد بن محمد الخلال، تحقيق عطية الزهراني، دار الراية بالرياض، الطبعة الأولى 1410 هـ. 148 - السنة، لعبد الله بن أحمد بن حنبل، تحقيق محمد سعيد القحطاني، دار ابن القيم بالدمام - السعودية، الطبعة الأولى 1406 هـ. 149 - سير أعلام النبلاء، لشمس الدين الذهبي، أشرف على تحقيقه شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الثانية 1402 هـ.

150 - شأن الدعاء، للخطابي، تحقيق أحمد الدقاق، دار المأمون بدمشق، الطبعة الأولى 1404 هـ. 151 - شجرة المعارف والأحوال وصالح الأقوال والأعمال، لابن عبد السلام، تحقيق حسين عكاشة، دار العسيري بجدة، الطبعة الأولى 1421 هـ. 152 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد مخلوف، دار الكتاب العربي ببيروت، الطبعة الأولى 1349 هـ. 153 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، المكتب التجاري ببيروت. 154 - الشذرة في الأحاديث المشتهرة، لمحمد بن طولون الصالحي، تحقيق كمال بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1413 هـ. 155 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لأبي القاسم هبة الله بن الحسن اللالكائي، تحقيق أحمد بن سعد الحمدان، دار طيبة بالرياض. 156 - شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبار، تحقيق عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة بمصر الطبعة الأولى 1384 هـ. 157 - شرح حديث النزول، لابن تيمية، تحقيق محمد الخميس، دار العاصمة بالرياض، الطبعة الثانية 1418 هـ. 158 - شرح السنة، للبغوي، تحقيق الأرناؤوط والشاويش، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ. 159 - شرح الشفا للقاضي عياض، لملا علي قاري، دار الكتب العلمية ببيروت. 160 - شرح صحيح مسلم، للنووي، توزيع دار الإفتاء بالرياض، الطبعة الثانية. 161 - شرح الطحاوية في العقيدة السلفية، لابن أبي العز، تحقيق أحمد

شاكر، طبعة وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية 1418 هـ. 162 - شرح العقيدة الأصفهانية، لابن تيمية، تحقيق سعيد محمد، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى 1422 هـ. 163 - شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، تخريج الألباني، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة التاسعة 1408 هـ. 164 - شرح العقيدة الطحاوية، للإمام علي ابن أبي العز الدمشقي، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، وشعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ. 165 - شرح القصيدة النونية، لمحمد خليل الهراس، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ. 166 - شرح القيروانية الميسر، لمحمد الخميس، دار الوطن بالرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ. 167 - شرح الكوكب المنير في أصول الفقه، للعلامة محمد بن أحمد الفتوحي المعروف بابن النجار، تحقيق محمد الزحيلي، ونزيه حماد، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى. 168 - شرح مختصر الروضة، للطوفي، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 169 - شرح المقاصد، للعلامة مسعود بن عمر التفتازاني، تحقيق عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب ببيروت - لبنان، الطبعة الأولى 1409 هـ. 170 - شرف أصحاب الحديث، للحافظ أحمد بن علي بن ثابت، الخطيب البغدادي، تحقيق عمرو عبد المنعم سليم، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1417 هـ.

171 - الشريعة، لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري، تحقيق عبد الله بن عمر الدميجي، دار الوطن بالرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ. 172 - شعب الإيمان، أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق محمد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ. 173 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض اليحصبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الكتاب العربي ببيروت. 174 - الصارم المسلوم على شاتم الرسول، لابن تيمية، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى 1397 هـ. 175 - الصحاح، لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد بن عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين ببيروت، الطبعة الرابعة 1990 م. 176 - صحيح ابن حبان، بترتيب ابن بلبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى 1412 هـ. 177 - صحيح ابن خزيمة، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى 1395 هـ. 178 - صحيح البخاري، المطبوع مع شرحه فتح الباري لمحمد بن إسماعيل البخاري، دار المعرفة ببيروت. 179 - صحيح أبي داود، للألباني، مكتب التربية العربي لدول مجلس التعاون الخليجي، الطبعة الأولى 1409 هـ. 180 - صحيح الجامع الصغير، للألباني، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثالثة 1408 هـ. 181 - صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الإسلامية بإستانبول - تركيا. 182 - صريح السنة، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق بدر بن

يوسف المعتوق، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى 1405 هـ. 183 - الصفدية، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة. 184 - صفة الجنة، لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق علي رضا عبد الله، دار المأمون للتراث ببيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ. 185 - الصلاة وحكم تاركها، لابن القيم، تحقيق تيسير زعيتر، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى 1400 هـ. 186 - الصلة، لابن بشكوال، الدار المصرية للتأليف والترجمة، طبعة 1966 م، سلسلة المكتبة الأندلسية. 187 - الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم، تحقيق علي بن محمد الدخيل الله، دار العصمة بالرياض، الطبعة الأولى 1408 هـ. 188 - ضعيف الجامع الصغير، للألباني، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثالثة 1408 هـ. 189 - ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة، لعبد الله القرني، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى 1413 هـ. 190 - طبقات المحدثين بأصبهان، لأبي الشيخ الأصبهاني، تحقيق عبد الغفور البلوشي، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 191 - طبقات المعتزلة، لأحمد المرتضى، تحقيق سوسنه ديفلد ريفلزر، بيروت 1961 م. 192 - طبقات المفسرين، لمحمد بن علي الداودي، دار الكتب العلمية ببيروت. 193 - الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، دار صادر ببيروت.

194 - طبقات علماء الحديث، لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي، تحقيق أكرم البوشي، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى 1409 هـ. 195 - طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة، تعليق الحافظ عبد العليم خان، عالم الكتب ببيروت، الطبعة الأولى 1407 هـ. 196 - طبقات الشافعية، لجمال الدين عبد الرحيم الأسنوي، تحقيق عبد الله جبوري، إحياء التراث الإسلامي ببغداد، الطبعة الأولى 1390 هـ. 197 - طبقات الشافعية الكبرى، لعبد الوهاب السبكي، تحقيق عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة. 198 - طبقات الحنابلة، للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى، تصحيح محمد الفقي، مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة. 199 - طبقات خليفة بن خياط العصفري، تحقيق أكرم ضياء العمري، دار طيبة بالرياض، الطبعة الثانية 1402 هـ. 200 - طبقات الحفاظ، لجلال الدين السيوطي، تحقيق علي محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينية بمصر، الطبعة الأولى 1417 هـ. 201 - العبر في خبر من غبر، للذهبي، تحقيق محمد السعيد زغلول، دار الكتب العلمية ببيروت. 202 - العبر وديوان المبتدأ والخبر، لابن خلدون، نشر مؤسسة جمال للطباعة والنشر ببيروت. 203 - عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين، جمع محمود الحداد، دار الفرقان بمصر. 204 - عقيدة السلف وأصحاب الحديث، لأبي عثمان إسماعيل الصابوني، تحقيق الدكتور ناصر الجديع، نشر دار العاصمة بالرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ.

205 - العقيدة السلفية في كلام ربِّ البرية، لعبد الله الجديع، طبع في مطابع دار السياسة بالكويت، الطبعة الأولى 1408 هـ. 206 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية، لعلي بن عمر الدارقطني، تحقيق محفوظ الرحمن، دار طيبة بالرياض، الطبعة الأولى 1405 هـ. 207 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لابن الجوزي، تحقيق إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية بلاهور، طبعة 1399 هـ. 208 - العلو، للذهبي، تحقيق أشرف عبد المقصود، نشر مكتبة أضواء السلف بالرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ. 209 - عمل اليوم والليلة، لابن السني، تحقيق بشير عيون، دار البيان بدمشق، الطبعة الأولى 1417 هـ. 210 - العواصم من القواصم، للقاضي أبي بكر بن العربي، نشر المكتبة العلمية ببيروت. 211 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع أحمد الدويش، طبعة دار الإفتاء، الطبعة الأولى 1411 هـ. 212 - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع محمد بن قاسم، مطبعة الحكومة بمكة، الطبعة الأولى 1399 هـ. 213 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة ببيروت. 214 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني، دار الفكر ببيروت 1403 هـ. 215 - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، لعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، تحقيق الوليد آل فريان، طبعة وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، الطبعة الرابعة 1419 هـ.

216 - الفتوى الحموية الكبرى، لابن تيمية، تحقيق الدكتور حمد بن عبد المحسن التويجري، دار الصميعي بالرياض، الطبعة الأولى 1419 هـ. 217 - الفرق بين الفرق، لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الإسفرائيني، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة للطباعة والنشر ببيروت. 218 - الفروق اللغوية، لأبي الهلال العسكري، تحقيق محمد باسل، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1421 هـ. 219 - الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم الظاهري، تحقيق محمد إبراهيم نصر، وعبد الرحمن عميرة، دار الجيل ببيروت. 220 - فضائل الصحابة، للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق وصي الله عباس، مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1403 هـ. 221 - الفوائد، لتمام بن محمد الرازي، تحقيق حمدي السلفي، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى 1412 هـ. 222 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية، لعبد الحي اللكنوي الهندي، صححه محمد بدر الدين أبو فراس، دار المعرفة ببيروت. 223 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، للشوكاني، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى اليماني، مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1380 هـ. 224 - الفهرست، لابن النديم، بعناية إبراهيم رمضان، دار المعرفة ببيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ. 225 - فهرس الفهارس والأثبات، لعبد الحي الكتاني، بعناية إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي ببيروت. 226 - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، لابن تيمية، المكتبة العلمية ببيروت.

227 - القاموس المحيط، للفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الثانية 1407 هـ. 228 - قانون التأويل، لابن العربي، تحقيق محمد السليماني، مؤسسة علوم القرآن ببيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ. 229 - القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة، لعبد الرحمن المحمود، دار النشر الدولي بالرياض، الطبعة الأولى 1414 هـ. 230 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، للذهبي، تحقيق عوامة والخطيب، دار القبلة بجدة، الطبعة الأولى 1413 هـ. 231 - الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية لابن القيم، تحقيق ناصر الحنيني، رسالة ماجستير في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في كلية أصول الدين بالرياض. 232 - الكامل في التاريخ، لابن الأثير، دار صادر ببيروت 1402 هـ. 233 - الكامل في ضعفاء الرجال، لعبد الله بن عدي، دار الفكر ببيروت، الطبعة الثالثة 1409 هـ. 234 - كتاب الإيمان من إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض، تحقيق الحسين شواط، نشر دار الوطن بالرياض، الطبعة الأولى 1417 هـ. 235 - كتاب الردة، لمحمد بن عمر الواقدي، تحقيق يحيى الجبوري، دار الغرب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ. 236 - كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي، تحقيق لطفي عبد البديع، المؤسسة المصرية العامة للتأليف 1382 هـ. 237 - كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الثانية 1404 هـ. 238 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة

الناس، لإسماعيل العجلوني، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الثالثة 1408 هـ. 239 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، دار الفكر ببيروت 1410 هـ. 240 - الكفاية في علم الرواية، لأحمد بن علي البغدادي، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى. 241 - الكواكب الدرية شرح العقيدة السفارينية، لابن مانع، تحقيق أشرف عبد المقصود، مكتبة أضواء السلف بالرياض 1418 هـ. 242 - لسان العرب، لابن منظور، دار صادر ببيروت. 243 - لسان الميزان، لابن حجر، تحقيق غنيم عباس، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1416 هـ. 244 - لوامع الأنوار البهية شرح الدرة المضية، لمحمد السفاريني، المكتب الإسلامي ببيروت. 245 - المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين، للآمدي، تحقيق حسن الشافعي، مكتبة وهبة، الطبعة الثانية 1413 هـ. 246 - متن العقيدة الطحاوية، لأبي جعفر الطحاوي، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، الطبعة الأولى 1408 هـ. 247 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لنور الدين الهيثمي، مؤسسة المعارف ببيروت 1406 هـ. 248 - المجموع شرح المهذب، للنووي، تحقيق محمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد بجدة. 249 - مجموع الفتاوى، لابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، نشر مكتبة التقوى.

250 - محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، للرازي، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة. 251 - المحيط بالتكليف، للقاضي عبد الجبار، تحقيق عمر عزمي، الدار المصرية للتأليف والترجمة بمصر. 252 - مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور، دار الفكر بدمشق 1404 هـ. 253 - مختصر الصواعق المرسلة، لمحمد الموصلي، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ. 254 - مختصر العلو للعلي الغفار، للذهبي، اختصار الألباني، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى 1401 هـ. 255 - المختصر في أصول الدين، للقاضي عبد الجبار، تحقيق محمد عمار، دار الشروق بمصر، الطبعة الثانية 1408 هـ. 256 - مدارج السالكين، لابن القيم، تحقيق محمد الفقي، مكتبة السنة المحمدية بمصر. 257 - مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات، لأحمد القاضي، دار العاصمة بالرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ. 258 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان، لليافعي، عناية خليل المنصور، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1417 هـ. 259 - المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري، دار المعرفة ببيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ. 260 - مسند أبي يعلى الموصلي، تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث بدمشق، الطبعة الأولى 1404 هـ. 261 - مسند أحمد بن حنبل، تحقيق أحمد شاكر، دار المعارف بمصر 1377 هـ.

262 - مسند إسحاق بن راهويه، تحقيق عبد الغفور البلوشي، مكتبة الإيمان بالمدينة، الطبعة الأولى 1411 هـ. 263 - مسند الطيالسي، مكتبة المعارف بالرياض. 264 - مشكاة المصابيح، للخطيب التبريزي، تحقيق الألباني، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثالثة 1405 هـ. 265 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، لأحمد الفيومي، دار الكتب العلمية ببيروت. 266 - المصنف، لأبي بكر بن أبي شيبة، تحقيق عبد الخالق الأفغاني، منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية بباكستان 1406 هـ. 267 - المطالب العالية، لابن حجر، تحقيق غنيم عباس، دار الوطن بالرياض 1418 هـ. 268 - معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، لحافظ حكمي، مكتبة نزار الباز بمكة، الطبعة الثانية 1418 هـ. 269 - المعتزلة، لزهدي جار الله، مطبعة مصر بالقاهرة 1366 هـ. 270 - المعتزلة وأصولهم الخمسة، لعواد المعتق، دار العاصمة بالرياض، الطبعة الأولى 1409 هـ. 271 - المعتمد في أصول الفقه، لأبي الحسين البصري، ضبط خليل الميس، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1403 هـ. 272 - معجم البلدان، لياقوت الحموي، تحقيق فريد الجندي، دار الكتب العلمية ببيروت 1410 هـ. 273 - معجم شيوخ الذهبي، للذهبي، تحقيق روحية السيوفي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1410 هـ. 274 - المعجم الصغير، للطبراني، تحقيق محمد شكور، المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الأولى 1405 هـ.

275 - المعجم الفلسفي، لمجمع اللغة العربية بمصر، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية 1403 هـ. 276 - المعجم المختص بالمحدثين، للذهبي، تحقيق محمد الحبيب، نشر مكتبة الصديق بالطائف، الطبعة الأولى 1408 هـ. 277 - المعجم الأوسط، للطبراني، تحقيق طارق بن عوض، دار الحرمين بالقاهرة 1415 هـ. 278 - المعجم الكبير، للطبراني، تحقيق حمدي السلفي، دار الصميعي بالرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ. 279 - معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بمصر، الطبعة الثالثة 1402 هـ. 280 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة ببيروت، الطبعة الأولى 414 هـ. 281 - معرفة الثقات، للعجلي، ترتيب الهيثمي والسبكي، تحقيق عبد العليم البستوي، مكتبة الدار بالمدينة. 282 - معرفة علوم الحديث، للحاكم النيسابوري، تحقيق معظم حسين، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الثانية 1397 هـ. 283 - معيار العلم في فن المنطق، للغزالي، تحقيق محمد مصطفى أبو العلا، مكتبة الجندي بمصر. 284 - مفتاح دار السعادة، لابن القيم، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1413 هـ. 285 - المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني، عناية محمد أحمد خلف الله، مكتبة الأنجلو بالقاهرة. 286 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن الأشعري، دار إحياء التراث العربي ببيروت الطبعة الثالثة.

287 - الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة ببيروت. 288 - مناقب الإمام مالك بن أنس، للقاضي الزواوي، تحقيق الطاهر محمد الدرديري، مكتبة طيبة بالمدينة، الطبعة الأولى 1411 هـ. 289 - مناهج الأدلة في عقائد الملة، لابن رشد، تحقيق محمود قاسم، مكتبة الأنجلو المصرية. 290 - المنتخب من مسند عبد بن حميد، تحقيق مصصفى العدوي، مكتبة ابن حجر بمكة، الطبعة الأولى 1408 هـ. 291 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، لابن الجوزي تحقيق محمد عطا، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الثانية 1415 هـ. 292 - منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، طبعة جامعة الإمام بالرياض 1406 هـ. 293 - منهج ابن تيمية في مسألة التكفير، لعبد المجيد المشعبي، مكتبة أضواء السلف بالرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ. 294 - منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، لعثمان علي حسن، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الثالثة 1415 هـ. 295 - منهج إمام الحرمين في دراسة العقيدة، لأحمد آل عبد اللطيف، طبعة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى 1414 هـ. 296 - منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة، لمحمد العقيل، مكتبة أضواء السلف بالرياض، الطبعة الأولى 1419 هـ. 297 - المواقف في علم الكلام، لعضد الدين الإيجي، دار عالم الكتب ببيروت. 298 - الموطأ، للإمام مالك بن أنس، رواية يحيى بن يحيى، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة.

299 - موقف ابن تيمية من الأشاعرة، للدكتور عبد الرحمن المحمود، مكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ. 300 - موقف أهل السنة والجماعة من أهل الأهواء والبدع، لإبراهيم الرحيلي، مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة، الطبعة الأولى 1415 هـ. 301 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، للذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة ببيروت. 302 - النبوات، لابن تيمية، تحقيق عبد العزيز الطويان، مكتبة أضواء السلف بالرياض، الطبعة الأولى 1420 هـ. 303 - النزول، للدارقطني، تحقيق علي الفقيهي، ضمن سلسلة عقائد السلف، الطبعة الأولى 1403 هـ. 304 - نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض، للخفاجي، تحقيق نخبة من علماء الأزهر، مطبعة المشهد الحسيني بالقاهرة 1314 هـ. 305 - نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف، لمحمد الوهيبي، دار المسلم بالرياض، الطبعة الأولى 1416 هـ. 306 - نواقض الإيمان القولية والعملية، للدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف، دار الوطن بالرياض، الطبعة الثانية 1415 هـ. 307 - نهاية الإقدام في علم الكلام، للشهرستاني، تصحيح الفرد جيوم، مكتبة الثقافة الدينية بمصر. 308 - هدية العارفين، لإسماعيل باشا البغدادي، ضمن كشف الظنون، دار الفكر ببيروت 1410 هـ. 309 - وسطية أهل السنة بين الفرق، لمحمد باكريم محمد باعبد الله، دار الراية بالرياض، الطبعة الأولى 1415 هـ. 310 - الوسيط في تفسير القرآن المجيد، للواحدي، تحقيق عادل أحمد، دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ.

311 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأحمد بن محمد بن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر ببيروت 1397 هـ.

§1/1