الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية
الطوفي
مقدمة المحقق
[الجزء الأول] أولا: المقدمة - سبب اختيار الموضوع. - أهميته العلمية. - العمل الذي عملته في الكتاب.
المقدمة
المقدمة الحمد لله الذي بعث في كل أمة رسولا ليعبدوه مخلصين له الدين وجعل خاتمهم وأفضلهم محمدا صلى الله عليه وآله وسلّم أخذ العهد والميثاق على النبيين إن أدركوه في حياته ليؤمن به، وليكونن من أنصاره وأتباعه، ناداهم بأسمائهم وناده بوصف النبوة والرسالة، وأنزل عليه القرآن الكريم ومثله معه، فكان معجزة خالدة، أعجز البلغاء والفصحاء والحكماء، وتكفل الله بحفظه إلى يوم القيامة وجعله مهيمنا على الكتب قبله، وحجة على من بلغه. وجادل به أهل الكتاب فأقام عليهم الحجة ونصره الله به في إظهار دينه وأيده. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هديه ونصر شريعته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا-. أما بعد: فإن الصراع بين الحق والباطل منذ خلق الله آدم- عليه السلام- فقد كان في صراع مع إبليس الذي أمره الله بالسجود لآدم فأبى واستكبر وتوعد بإغواء آدم وذريته وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) إلى قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) «1» واستمر هذا بين حزب الله المفلحين وحزب الشيطان الخاسرين في كل عصر. وبين
الأنبياء والمعاندين من المشركين والكافرين. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6) «1» وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (56) «2» إلى أن جاءت رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فكانت خاتمة الرسالات وكانت سنة الله جارية في ذلك الصراع، ومنه الصراع الذي كان مستمرا بين نبي الله وأهل الكتاب: اليهود والنصارى، فكانوا دائما يحاولون التشكيك في القرآن الكريم وفي نبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ نزول الوحي بمكة، ويحرض اليهود كفار قريش في انكار دعوته صلّى الله عليه وآله وسلّم وإثارة الشبه حول ما جاء به. وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) «3». وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) «4». ومن هؤلاء: النصارى الضلال الذين اتخذوا من شخص محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والقرآن
الكريم والسنة المطهرة، هدفا يصوبون إليه سهامهم المسمومة، ويوجهون نحوها الدعاوى الباطلة، والمطاعن الكاذبة؛ استمروا على ذلك منذ فجر الإسلام، ولقد سجل القرآن الكريم بعض مواقفهم مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ومناظرتهم له، كما في قصة وفد نجران التي انتهت بالمباهلة التي امتنعوا منها لعلمهم بأن محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم على الحق وخوفهم أن يقصمهم الله لعنادهم ومكابرتهم وكتمانهم الحق «1». واستمر ذلك عبر القرون التالية لعصر النبوة والخلافة الراشدة. وظل الاسلام يخوض معهم حروبا ساخنة بالسيف والقلم كما حدث في الحروب الصليبية ... والاستعمار الغربي الصليبي في أول القرن الحاضر، ولا تزال آثار هذه الحروب باقية إلى اليوم. ولقد اشتدت الحرب الفكرية الشيطانية في هذه، الأيام واستطاعت أن تستخدم المؤسسات التعليمية والوسائل المقروّة والمرئية والمسموعة بل وتستعمل العقول الجاهلة والضالة لترويج تلك السموم والدعاوى الباطلة، والمطاعن الكاذبة التي رددها أسلاف هؤلاء النصارى الصلبيين. لقد نهجوا في ذلك أساليب كثيرة، واتخذوا وسائل متعددة ففتحوا الجامعات اللاهوتية لدراسة الإسلام وتتبع نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، والسيرة النبوية الشريفة، في محاولات جادة لإثارة الشبه والمطاعن حولها، وتخرج من هذه الجامعات مجموعة من عصابات الاستشراق والتنصير، وانطلقوا بقلوب مليئة بالحقد والتعصب، على خطط متضافرة على العمل ضد الإسلام تمدها ميزانيات ضخمة من الدول الأوروبية والأمريكية الكافرة.
ولقد كانت لهم الآثار الكبيرة في المعاهد والمدارس، والمنشآت الطبية والدوائية، والأندية الرياضية، والجمعيات الثقافية، والملاجئ، ودور التكافل الاجتماعي، والكنيسة وتحركاتها التنصيرية. وكان وقوف المسلمين في هذا العصر أمام هذه الحرب الضروس قليلا، فلم تتحرك الدول الإسلامية في مقابل تحركات الدول الغربية بدعم قساوستهم ومنصريهم، بل اقتصر الأمر على جهود فردية قليلة أخذت تدافع وتصد هجوم هؤلاء الأعداء عن طريق التأليف والنشر ... والمناظرات مع القساوسة، مثل مناظر الشيخ رحمة الله الهندي مع القس فندر، ومجموعة من العلماء في مصر مع مجموعة من القساوسة في السودان، ومناظرة أحمد ديدات مع بعض النصارى أخيرا. فتركز في ذهني ضرورة الذب عن حياض الدين وعن شخص محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والقرآن الكريم والسنة المطهرة، وفضح أباطيل النصارى، وكشف خدعهم، فأخذت أبحث في تراث علماء الإسلام عن مؤلف يحقق الهدف، ليقيني بأن حجتهم أقوى، وردهم أبلغ وأعمق. فوقع اختياري على كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية للإمام سليمان بن عبد القوي الطوفي، وذلك للأسباب التالية: أولا: إن الإمام الطوفي- رحمه الله- نقض في هذا الكتاب دعاوى للنصارى ما زال أحفادهم يرددونها في زماننا هذا، ويتولى كبرها طائفة من المتخصصين في جامعاتهم اللاهوتية التي أنشئت لهذا الغرض.
ثانيا: إن في المجتمع الإسلامي بعض الجهال وأمي الفكر. ومن انخدع بما يأتي به النصارى والمنصرون من شبهات عبر ما يكتبونه وينشرونه في المجتمع الإسلامي، ويظنون أن هذه الشبهات والدعاوى الباطلة هي وليدة هذا العصر، وأن السابقين من المسلمين لا يدرون بها، وأنهم يجهلونها، وحسبوا أن النصارى فيها على شيء وما هم على شيء- والحمد لله- وما علم هؤلاء المغفلون والجهال أن النصارى ضلوا في الربوبية فقالوا: إن الخالق ثلاثة وإن الثلاثة واحد، وفي الألوهية فعبدوا عيسى- عليه السلام- من دون الله، ووصفوا الله بصفات المخلوق وجعلوه إنسانا وجعلوا الإنسان إلها- تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا- فكيف يأخذ كلامهم بعد من له أدنى تمييز. ثالثا: إن الإمام الطوفي- رحمه الله- مشهور بذكائه وغزارة علمه وقوة حجته على المخالفين للحق تشهد بذلك كتبه في الأصول وشتى العلوم والفنون وخصوصا في مجال الجدل الذي برع فيه وألف بعض المؤلفات في ذلك، ولا شك أن من كان كذلك فهو أهل لمجادلة النصارى ورد شبهاتهم ود حض مفترياتهم وإظهار مساوئهم. رابعا: إنه يتحقق بإخراج هذا الكتاب ودراسته وتحقيقه الهدف النبيل في الدفاع عن الإسلام في هذه الحرب الشعواء التي يشنها أعداء الإسلام في هذا الزمان من النصارى وغيرهم من الملاحدة والمنافقين المحسوبين على الإسلام. خاصة أن الكتاب لم يخدم خدمة علمية جيدة ولم توثق نصوصه وتخرج
أحاديثه وتعرف أعلامه ليسهل على الباحث الاستفادة منه. وسيأتى لهذا زيادة بيان- إن شاء الله- في الحديث عن أهمية الكتاب العلمية وبعض الفصول الأخرى. وقد كان عملي في هذا البحث علي قسمين: دراسة وتحقيق: أما القسم الدراسي فقد كان قسمين أيضا. القسم الأول: تعريف موجز بالطوفي وعصره. وتحته فصلان: - الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي. أ- الحالة السياسية: وقد تحدثت في هذه الفقرة عن الأحداث السياسية: التي كانت في زمنه وعلى الأخص حرب التتار والحروب الصليبية لما للأولى من أثر على بغداد وما حولها موطن الطوفي، ولما للثانية من أثر على الإسلام والمسلمين في جميع بلدانهم، ولأن هذه الحروب كانت من أسباب طغيان النصارى وبث أفكارهم السيئة، ورد الطوفي وغيره عليهم. ب- الحالة الاجتماعية: وقد بنيت الحياة الاجتماعية واختلاط المسلمين بغيرهم من التتار والأتراك والنصارى وما طرأ على حياة المسلمين من التأثر بهذه الأجناس.
ج- الحالة الثقافية والفكرية: أوضحت فيها اتساع الثقافة الإسلامية وازدهارها رغم العوائق الكبيرة والصعبة التي كانت في طريقها وكيف صمد العلماء أمام تلك العقبات والمشكلات وردوا كيد أصحابها في نحورهم. الفصل الثاني: حياة الطوفي وقد كان الحديث في هذا الفصل عن: 1 - مولده ونسبه. 2 - كنيته ولقبه. 3 - نشأته وأسرته. 4 - طلبه للعلم وفقهه. 5 - أثاره العلمية ومصنفاته. 6 - شيوخه وتلامذته. 7 - عقيدته ومذهبه. 8 - وفاته وأقوال الناس فيه. وقد توسعت قليلا في موضوع الطوفي وعقيدته فتحدثت فيه عن أمور مهمة: الأمر الأول: اتهام الطوفي بالرفض، وقد بينت من خلال كتبه وما فهمته في هذا الموضوع أن الاتهام غير صحيح وليس عليه دليل.
الأمر الثاني: موقف الطوفي من توحيد الأسماء والصفات وقد ظهر لي أنه يوافق الأشاعرة في بعض مذهبهم. وقد نقلت ما يؤيد ذلك من كتبه. الأمر الثالث: موقف الطوفي من المصلحة المرسلة ومخالفته لجمهور الفقهاء والأصوليين واستقلاله بقوله الخاص في ذلك. الأمر الرابع: موقف الطوفي من خبر الآحاد. والقول الحق في ذلك وصلة هذا بقوله في المصلحة المرسلة. أما القسم الثاني: فقد تحدثت فيه عن الأمور التالية: 1) - اسم الكتاب ونسبته إلى الطوفي. 2) - سبب تأليف الطوفي لكتاب الانتصارات. 3) زمن ومكان تأليف الكتاب. 4) منهج الطوفي فيه. 5) مقارنة هذا الكتاب بغيره مما كتب في الرد على النصارى. 6) المصادر التي اعتمد عليها الطوفي في تأليف هذا الكتاب. 7) أهمية هذا الكتاب العلمية. 8) وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق، وقد بينت في ذلك
الأخطاء التي ارتكبها الدكتور أحمد حجازي السقا في إخراجه الكتاب أثناء إعداد البحث، واعتزالياته وانكاره للسنة والطعن فيها، وأن ذلك سبب في تشويه الكتاب والحط من قيمته العلمية. أما القسم الثاني من العمل فهو القسم التحقيقي وقد كان على النحو التالي: 1 - حققت نص الكتاب وذلك بمقابلته ومراجعته على ثلاثة أصول خطية. وقد تبين أن هناك فروقا بينها، وأثبت ما يكون ساقطا من بعضها، واخترت ما أراه هو الصواب من ألفاظ تلك النسخ. وأشرت إلى ذلك في الهامش. 2 - أثبت الفوارق بين النسخ في الهامش وهي قليلة- بحمد الله- وصححت أخطاء النساخ النحوية والاملائية الواردة في النص. 3 - عزوت النصوص إلى مصادرها. 4 - رقمت الآيات القرآنية الكريمة. 5 - وثقت ما نقله المؤلف من كتب العهدين القديم والحديث. 6 - شرحت المصطلحات والمفردات الغريبة. 7 - علقت على بعض المسائل التي رأيت أنها بحاجة إلى ذلك. 8 - خرجت الأحاديث النبوية الشريفة، واجتهدت في الحكم على أسانيدها إن لم تكن في الصحيحين أو لم يصححها أحد من العلماء أو من الدارسين لأسانيد تلك الأحاديث.
9 - عرفت بالأماكن والبقاع والأعلام والفرق والملل. 10 - وضعت فهارس عامة للآيات القرآنية والأحاديث والآثار والأعلام والأماكن والبقاع المذكورة في البحث والمصطلحات والمفردات الغريبة، والأمثال العربية، والأشعار، والفرق والملل، وفقرات الكتب التي بأيدي النصارى، والمصادر والمراجع، وموضوعات الدراسة والكتاب. وعلى العموم فقد أفرغت جهدي وطاقتي في هذا البحث متوخيا الدقة وسبل التحقيق، راجيا الثواب من رب العباد، وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يظهر الحق ويدحر المشركين والملحدين والضالين ومن في قلبه مرض. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم كتبه: سالم بن محمد القرني- عفا الله عنه- الرياض 18/ 10/ 1407 هـ
ثانيا: قسم الدراسة
ثانيا: قسم الدراسة 1 - تعريف موجز بالمؤلف وعصره الفصل الأول 1 - الحالة السياسية. ب- الحالة الاجتماعية. ح- الحالة الفكرية والثقافية.
الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي
ثانيا: الدراسة 1 - تعريف موجز بالطوفي وعصره: الفصل الأول: ما له أثر في حياة الطوفي: لا بد أن يكون للبيئة التي يعيش فيها المرء أثر واضح في شخصيته فيظهر ذلك في سلوكه وفكره وإنتاجه واهتمامه، وتختلف البيئات من حيث تأثيرها، ونوعيته، فبعضها أقوى في التأثير من البعض الآخر، فالذي يعيش في البيئة العلمية الجدلية يكون أقوى ممن يعيش في غيرها من حيث قوة المناظرة والمجادلة والإدلاء بالحجة والبراهين، والمران على إقناع الخصم أو إفحامه. والبيئة التي تجتمع فيها المؤثرات العلمية والسياسية والاجتماعية ينشأ فيها نماذج من نوع خاص، استجابة للمؤثرات المختلفة. ولهذا أرى أنه عند دراسة شخصية الطوفي لا بد من التعرف على بيئته وعلى المؤثرات التي تسودها حتى يتسنى لنا الحكم على شخصيته بصورة واضحة ودقيقة. وعند النظر في تاريخ حياة الطوفي نجد أنه عاش في الفترة من سنة سبع وخمسين وستمائة من الهجرة النبوية وهو العام الذي ولد فيه إلى سنة سبعمائة وست عشرة من الهجرة، وهي السنة التي مات فيها ولذلك فإن الحديث عن ما له أثر في حياته سيكون في نقاط ثلاث:
ا- الحالة السياسية: شهدت الفترة المتقدمة على ولادة الطوفى كثيرا من الأحداث التي أثرت على المسلمين تأثيرا مؤلما. فقد كانت هناك الحروب الصليبية الشرسة التي اشتعلت نارها في آخر المائة الخامسة من الهجرة، واستمرت نحو قرنين من الزمان «1»، أظهر فيها الصليبيون حقدهم على الإسلام والمسلمين، وغيرها من المدن الإسلامية في بلاد الشام والأندلس، واشتبك معهم المسلمون في معارك كثيرة في بلاد الشام ومصر وإفريقية وغيرها. وقد ذكر المؤرخون عدة أسباب لهذه الحروب منها: 1 - تدهور الحالة الاقتصادية في أوربا في القرن الخامس والسادس الهجريين، مما حدا بالنصارى إلى الزحف على بلاد إفريقية والشام «2». 2 - استنجاد صاحب القسطنطينية «الأرثوذكسي» بملوك أوربا النصارى ضد السلاجقة الذين فرضوا عليه الضرائب، على أن يتنازل عن أرثوذكسيته «3». 3 - أن بعض حجاج بيت المقدس من النصارى كانوا يلقون سوء معاملة من المسلمين أثناء وجودهم في القدس، وكان منهم" بطرس السائح أو الناسك" الذي اتجه إلى البابا" أوبانس الثاني" وصور له تلك الحال، وطلب منه تخليص أرض المسيح من أيدي المسلمين، حتى ألهب حماسهم لذلك «4».
4 - ولكن هناك سبب رئيس جدير بالمعرفة أشار إليه ابن تيمية «1» - رحمه الله تعالى- في رسالته «الفرقان بين الحق والباطل» ص 145 ط المدني بالقاهرة، قال:" فلما ظهر النفاق والبدع والفجور المخالف لدين الرسول، سلطت عليهم الأعداء، فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة ... إلى أن قال:" وكان أهل الشام بأسوإ حال بين الكفار والنصارى والمنافقين الملاحدة" اه. ولعل تلك الأسباب مجتمعة هي التي سببت هذه الحرب غير أنها كانت عقدية قبل أن تكون اقتصادية: ولَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ ولَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ولا نَصِيرٍ (120) «2» وكانت حال المسلمين السياسية طوال فترة الحروب الصليبية وقبلها عاملا مشجعا لاستمرار حرب النصارى الإفرنج، فقد انشغل الحكام المسلمون بالتنافس على الملك وضرب بعضهم بعضا من أجل ذلك؛ بل وصل الأمر إلى أن بعضهم كان يعطي بعض التنازلات للنصارى في بعض المدن والمناطق مقابل حمايته أو إعانته على أخيه المسلم الذي ينافسه على الملك «3». واستمرت هذه الحروب إلى سنة 691 هـ، أي قبل وفاة الطوفي بست وعشرين سنة.
وليست الأحداث السياسية في عصر الطوفي منحصرة في هذه الحرب ولا فيما فعله النصارى من خراب البلاد والمدن، والتجبر والفساد في الأرض الإسلامية، ولكن تعرض المسلمون وبلادهم إلى أمر عظيم لا يقل سوءا عن الحروب الصليبية، بل هو أمرّ وأحلك من ذلك الأمر. هو غزو التتار الذين أسقطوا الخلافة الإسلامية ودمروا المدن العامرة، وقتلوا الأنفس البريئة، حتى سالت الدماء في كل موطن دخلوه، من شدة فتكهم بالعباد، وكثرة قتلهم لهم. ففي سنة 656 هـ أي قبل ولادة الطوفي بعام واحد تقريبا تعرضت دار الخلافة" بغداد" لهجوم التتار الذي غير معالمها وجمالها وبهاءها، وألبسها ثوب الحزن والهوان، بعد أن كانت منارة إشعاع العلم والمعرفة، ومركز المدنية والحضارة، ودارا للخلافة أكثر من خمسمائة سنة. وكان دخولهم إليها بمساعدة وتدبير الرافضي الخبيث ابن العلقمي «1» الذي كان وزيرا للمستعصم بالله «2» آخر خلفاء بني العباس في بغداد فقد كان متعصبا لطائفته متحاملا على أهل السنة، فجاء بالتتار ظنا منه أنه سيكسب بذلك التأييد لطائفته وستصبح له ولها السيادة والزعامة على غيرهم. ولكن الله أخزاه وفضحه فلم يظفر من خيانته بما يسره، بل لقد ندم أشد الندم، لأنه فقد ما كان فيه من الصولة والعزة التي كان يتمتع بها أيام الخليفة العباسي، وأهانته التتار حتى مات مغموما «3».
عند ما دخل التتار بغداد قتلوا الخليفة ومن ظفروا به معه من العلماء، والوزراء، والقواد والعباد، حتى أن عدد القتلى بلغ ما يقارب ألف ألف نسمة، حتى سال الدم مثل الأنهر في الشوارع، وكثرت الجثث وأصبحت الخيل تدوسها من كثرة انتشارها في الطرقات، وفسد الهواء من رائحتها، وانتشر الوباء بسببها حتى وصل إلى الشام كما يقال «1». واعتدوا على التراث الإسلامي في بغداد ورموه في النهر حتى أن ماءه اسودّ من كثرة تلك الكتب. وبقي التتار فيها على تلك الحال يعيثون ويقتلون أربعين يوما، ثم رحل قائدهم هولاكو عنها وعين من ينوب عنه في حكم بغداد وما حولها. وقد وصف ابن الأثير «2» هذا الحدث في كتابه الكامل في التاريخ (12/ 36) وصفا مبكيا ومحزنا. وبقيت بلاد المسلمين بلا خلافة إلى عام 659 هـ ثم نصّب المستنصر بالله «3» في مصر، وبقي حكم العراق تحت أيدي التتار طوال حياة الطوفي. ولم تستقر الأمور إبان حكمهم بل كانوا متناحرين فيما بينهم على السلطة وهكذا كانت حالة العراق، بلد الطوفي فإنه إن سلم ولو قليلا من أذى الصليبيين
فإن هؤلاء التتار قد جعلوا حاله وحال أهله أسوأ من حال بقية المسلمين مع الصليبيين في الشام ومصر. ولم يكن أذى التتار وهجومهم وحروبهم مع المسلمين مقصورا على العراق بل امتد ذلك إلى الشام فعبروا نهر الفرات أيام حكم آخر سلاطين الأيوبيين ووصلوا إلى حلب عام 658 هـ وحاصروها ثم سلمت إليهم بشرط الأمان فخانوا العهد وفتكوا بالمسلمين وفعلوا قريبا من فعلتهم في بغداد، ثم دخلوا دمشق بيسر وسهولة ودون مقاومة «1». ثم كانت بينهم وبين الظاهر بيبرس «2» موقعة عين جالوت التي انتصر فيها المسلمون نصرا محققا ولاحقوا التتار حتى أخرجوهم من حلب «3»، واستمرت الحرب بين المسلمين والتتار حتى بعد انتهاء الحروب الصليبية بل استمرت إلى ما بعد وفاة الطوفي سنة 716 هـ. وفي أثناء تلك الحروب الصليبية والتترية لم تسلم البلاد الإسلامية من الانقسام والاختلاف والاقتتال بين السلاطين، بل شهدت تلك الفترة كثيرا من التمزق والاختلاف، كما حصل من الأيوبيين فيما بينهم والمماليك الذين انتقلت سلطة الأيوبيين إليهم ابتداء بمصر سنة 648 هـ. وأصبحت مصر بعد سقوط بغداد
مقرا للخلافة العباسية التي لم يكن لها أي سلطة تذكر، وإنما كان وجودهم مظهرا دعائيا حرص سلطان المماليك على وجوده تسكينا لنفوس الناس وصرفا لهم عن التفكير في شرعية حكمهم. ولا أدل على ذلك من الإهانات والاعتقالات التي كان يلقاها الخلفاء من المماليك حتى أنه ليصل الأمر إلى عزل الخلفاء واستبدالهم كما أرادوا «1». ولا بد أن هذه الحوادث جميعا، قد أحدثت أثرا بارزا في الرأي العام للأمة وبالأخص العلماء، لأنهم هم الممثلون الحقيقيون لها، فتميزت تلك الفترة- فترة حياة الطوفي- 657 - 716 هـ- ببروز مجموعة كبيرة من العلماء العاملين المجاهدين في سبيل الله، وقفوا في وجه أعداء الإسلام من الصليبيين والتتار، فهذا ابن تيمية- رحمه الله «2» - يشارك في قتال التتار هو ومجموعة من أعيان المسلمين ضد التتار لما حاصروا دمشق، وسافر سنة سبعمائة إلى مصر ليستحث واليها على قتالهم، ويشارك في بعض المعارك ضدهم كمعركة" شقحب" سنة 702 هـ «3». وللعز بن عبد السلام والإمام النووي- رحمهما الله- مواقف جليلة في نصرة الحق سواء ضد التتار أو الصليبيين أو في القضاء على الفساد الضار بالمسلمين الناجم عن تساهل السلاطين «4».
ولعل من الأمر الواضح الجلي أن كل من كل من ينشأ في أوضاع مثل هذه الأوضاع لا بد أن يتأثر بها، وتنطبع حياته بما تأثر به، ومن أثر الأحداث المتقدمة: اهتمام الطوفي بمحاربة أعداء الإسلام باليد والقلم، وخاصة النصارى الضلال، لأنهم ينشرون فكرهم وشبههم، ويجب التصدي لهم وإبطال كيدهم، ولذلك خص بعض كتبه لذلك، كما سيأتي. ب- الحالة الاجتماعية «1»: من البديهي أن تتأثر الحياة الاجتماعية بالحياة السياسية التي تحيط بها، فاستقرار الأحوال الاجتماعية مرهون باستقرار الأحوال السياسية ويكون هناك مد وجزر كما يكون في الأخرى. واختلاط المسلمين بغيرهم من الكفار سيكون له أثره في سلوك الفريقين، وقد اختلط بالمسلمين النصارى القادمون من أوروبا والتتار الكفار الذين لا يؤمنون بدين ولا يعرفون أخلاقا ولا فضيلة، فظهرت عادات غريبة، لأن الوافد يحمل معه عاداته، ومن عادة الكفار التفسخ والانحلال ولأن في المجتمع الإسلامي من تستهويه تلك العادات وينصهر في بوتقة الآخرين، لضعف دينه وتغلب نفسه الأمارة بالسوء عليه. كما أن نزوح القبائل والأسر من مكان إلى آخر أوجد اختلاطا بين أجناس كثيرة من الناس مختلفة طبائعهم ومتفاوتة درجاتهم في التمسك بدين الله
- عز وجل- فقد اختلط الأتراك مع البربر، والأكراد مع الأقباط، والعرب مع العجم بسبب القلاقل والأحداث وسوء المعيشة التي أجبرت الناس على التنقل من مكان إلى اخر، ومن قطر إلى قطر. فكان كل عرق يحمل معه عاداته وتقاليده المغايرة لغيرها، ولديه من التقصير والبدع ما لم يعرفه المجتمع الذي نزل به. وكانت تتغلب تلك العادات والسلوكيات بحسب قوة أهلها وتأثيرهم في الناس كما أنه كان يقيم بين المسلمين عدد كبير من اليهود والنصارى والزنادقة الملحدين، مما سبب في وقوع الصراعات الفكرية والعقدية واستفحالها في ظل الحروب الصليبية والتترية فأشغلت المفكرين والعلماء في المجتمع الإسلامي وعكف كثير منهم للتصدي لهذه العقائد الفاسدة والشبهات الخبيثة. وساءت الأحوال الاقتصادية بين العامة والزهاد، وانتشرت الفاقة وعم البؤس وكثر قطاع الطرق واللصوص، واشتد الغلاء، وعمد الناس إلى الغش والخداع والحيل والاحتكار، والتطفيف في الكيل والميزان، فألف العلماء بسبب ذلك المؤلفات ليشاركوا في حل هذه المشكلة حلا إسلاميّا، ودعوا إلى النظر في مصالح العامة وفرض التسعيرات الجبرية عند اشتداد الغلاء، والضرب على أيدي المطففين والمحتكرين. من ذلك ما كتبه شيخ الطوفي وابن عمره، شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في كتاب الحسبة في الإسلام، والسياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. في حين أن السلاطين وذوي الوزارات والوجاهات يعيشون في ترف وبذخ. فقصور الأمراء والأعيان فيها من مظاهر المتعة والأثاث وسائر الممتلكات ما يشهد بذلك. فالأمراء والسلاطين يستولون على أموال كثيرة أثناء الحروب، وخاصة في عهد المماليك فيتلاعبون بها ويقطعون الأمراء والنواب والموالين لهم الاقطاعات
الكبيرة، ويعطونهم العطايا الجزيلة، وكانت أوضاع قصورهم وخدمهم تنبئ عن الإسراف في الانفاق الذي لا يعرف ضابطا ولا رادعا، وكانوا يستحدثون من الأبهات ما لم يسبقهم إليه أحد من السلاطين الأقدمين. بالإضافة إلى الاحتفالات الكبيرة التي أحدثوها عند تولي خليفة أو سلطان الملك، أو ولادة مولود للسلطان، أو زواج لأحدهم أو أحد الأمراء أو غير ذلك من المناسبات التي يحبون التعبير عنها بهذه الحفلات «1». ومما يميز القرن السابع في عهد الفاطميين قبل ذلك أن المرأة كانت فيه لا تختلط بالأجانب ولا يسمح لها بذلك وقيدت باللباس الساتر وأبعدت عن المفسدات أو القرب منها، حتى أن بعض السلاطين كان يسلب حلي النساء اللاتي بدون أزواج ويضايقهن حتى يتزوجن بخلاف عهد الفاطميين الذي وصلت فيه المرأة من التحلل والاختلاط ومشابهة الرجال في بعض الملابس ما لم يقع في غيره من العصور «2». ولا شك أن هذا الوضع الاجتماعي المضطرب، والعادات الاجتماعية الوافدة، وسوء المعيشة، واشتداد النزاع بين أهل القبلة، وكثرة البدع والمنكرات، وترويج العقائد الفاسدة، وغياب السلطة التي يهمها أمر الإسلام والمسلمين، قد أحدث اضطرابا شديدا في فترة حياة الطوفي، لعلي لا أبالغ في القول بأنه من أشد القرون فتنة واضطرابا .. حتى أنه قد سقط في وحلها كثير من العلماء والأذكياء الأفذاذ فحدث لهم من الأخطاء أو الانحراف ما كان. والله المستعان.
ج- الحالة الفكرية والثقافية: تبين لنا مما أوضحنا في الناحيتين السياسية والاجتماعية الظروف الصعبة التي عاشها المسلمون مما يصعب معه التهيؤ للنشاط العلمي، إذ يحتاج إلى استقرار وهدوء، وأنّى للمفكرين والعلماء أن يعملوا في جو الإرهاب الذي ساد الحياة في بغداد التي فقدت رئاستها الفكرية والثقافية في سنة 656 هـ؟ وفي الشام ومصر التي داهمتها الحروب الصليبية وأشغلت الأمراء والعلماء عن التوجه إلى العلم والاشتغال به؟ إضافة إلى الصراعات الداخلية بين السلاطين والأمراء، من ناحية الحكم، والخلافات الفكرية بين الطوائف والفرق المتعددة. وإلى أن أكثر الكتب الإسلامية والعلمية في بغداد رميت في النهر. إلا أن الناحية العلمية لم تهن ولم تضعف، بل كادت تصل إلى درجة النبوغ العلمي في كافة التخصصات التي ميزتها عن غيرها في العصور المختلفة، وذلك يرجع إلى أنها كانت قوية متينة في العصور السابقة لهذا العصر، ولم يكن من السهل القضاء عليها. فما هي إلا فترة وجيزة بعد غزو التتار لبغداد إلا وقد جعل الله بعد الضيق مخرجا والشدة فرجا، فاستقرت الأوضاع نوعا ما، وقل الخوف والفزع وتهيأت النفوس لطلب العلم، ولقى العلماء تشجيعا من الأمراء، فأنشئوا دور العلم وأنفقوا على الأساتذة وطلبة العلم وأجروا عليهم الأرزاق من الطعام وغيره «1». بل كان بعضهم يجلس بنفسه لطلب العلم وبخاصة الفقه والحديث «2». هذه العناية وهذا الاهتمام دفعا بطلاب العلم إلى التسابق في مضماره والإقبال عليه بصدق، كما دفعا بالعلماء أيضا إلى التأليف وحل عويص المسائل
والرد على النصارى وغيرهم ممن يريد النيل من دين الإسلام فحظي عصر الطوفي بنخبة من العلماء الأفذاذ في بغداد ودمشق ومصر والأندلس ألفوا عددا من المؤلفات في جميع فروع العلوم والفنون. ومن دور العلم التي اشتهرت في ذلك العصر، وأسهمت في إبراز النهضة العلمية في بغداد: 1 - المدرسة المستنصرية ببغداد: التي بناها الخليفة المستنصر بالله العباسي، وكمل بناؤها سنة 631 هـ وافتتحت في تلك السنة، ولم يبن مدرسة قبلها مثلها، ووقفت على المذاهب الأربعة: من كل طائفة اثنان وستون فقيها، وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب فقهي، وشيخ للحديث، وقارئان وعشرة مستمعين، وشيخ طب، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب، ومكتب للأيتام، وقدر للجميع من الخبز واللحم والحلوى، والنفقة بما فيه كفاية وافرة لكل أحد، ووقفت كثير من الكتب عليها «1». 2 - المدرسة النظامية: أنشأها نظام الملك «2»، ابتدئ بعمارتها في ذي الحجة سنة 457 هـ وفتحت يوم السبت العاشر من ذي القعدة سنة 459 هـ «3»، ثم توقفت عن العمل كغيرها عند ما أغارت التتار على بغداد ثم لما دبت الحياة مرة أخرى في بغداد عادت للتدريس.
أما في الشام فإن المدارس والجوامع والزوايا قد كثرت لأن رئاسة العلم ومنارته قد انتقلت من بغداد بعد عبث التتار بها وقتل العلماء وتشريدهم منها ومن حولها من البلدان، وأصبحت دمشق والقاهرة تتجاذبان الرئاسة والسيادة ومن تلك المدارس والجوامع في الشام: 1 - الجامع الأموي: وهو أشهر وأكبر مؤسسة تعليمية في ذلك الوقت، فقد كان به عدد من الحلقات التي تشتغل بالعلم وتهتم به، وفيه حلقات كثيرة لتدريس القرآن الكريم وعلومه، والحديث الشريف وعلومه. وبه عدد من المدارس هي: الغزالية، والأسدية (شافعية)، والمنجائية (حنبلية)، والقوصية والسفينة والمقصورة الكبيرة (ثلاثتها حنفية) والزاوية المالكية «1». 2 - المدرسة الأتابكية الشافعية بصالحية دمشق: أنشأتها الحجة الأتابكية امرأة الأشرف موسى تركان بنت الملك عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود بن أتابك زنكي المتوفاة سنة أربعين وستمائة للهجرة «2».
3 - المدرسة الأسدية الشافعية الحنفية: أنشأها الملك المظفر أسد الدين شيركوه بن شادي بن مروان المتوفى سنة 564 هـ «1». 4 - المدرسة الأصفهانية «2». 5 - المدرسة الإقبالية التي افتتحت سنة ثمان وعشرين وستمائة «3». 6 - المدرسة العادلية الكبرى بدمشق: المنسوبة إلى الملك العادل محمد بن أبي الشكر أيوب بن شاذي المتوفى سنة 615 هـ «4». 7 - المدرسة الصلاحية ببيت المقدس: التي أنشأها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب الأيوبي فاتح بيت المقدس- رحمه الله- المتوفى سنة 659 هـ «5»، وقد كانت كنيسة من زمن الروم تعرف بقبر حنة أم مريم- عليها السلام- كما يقال- «6». 8 - المدرسة الجوزية : التي أنشأها ابن الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي- رحمه الله- المتوفى سنة ست وخمسين وستمائة للهجرة «7».
وهناك عدد كبير من المدارس المنتشرة في الشام كالجادلية، والأوحدية، والمعظمية، والميمونية، والقيمرية، وغيرها «1». وكانت القاهرة عامرة بدور العلم والعلماء والمكتبات الحافلة بمجالس العلم والأدب، وكان اهتمام الناس بالكتب أمر يسترعي الانتباه، فالقاهرة غاصة بأسواق الكتبيين والوراقين وكذلك كان الحال في دمشق. ومن الجوامع والمدارس المشهورة في القاهرة: 1) الجامع العتيق «2»: وهو من أكبر أماكن المدارس فقد كانت به عدد من الزوايا الفقهية كزاوية الشافعي، والمجدية، والصاحبية، والكاملية، والتاجية، والمعينية، والعلائية والزينية. وأدرك بعض العلماء فيه سنة 749 هـ بضعا وأربعين حلقة لإقراء العلم لا تكاد تبرح منه «3». 2) جامع ابن طالون الذي كانت ترتب فيه دروس التفسير والحديث والفقه على المذاهب الأربعة، والقراءات، والطب، والميقات «4». 3) الجامع الأزهر: ضم مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الشافعي- رحمه الله- ورتب فيها أيضا محدث يسمع الحديث النبوي والرقائق ... وسبعة قراء لقراءة القرآن الكريم «5».
4) جامع الحاكم باب الفتوح أحد أبواب القاهرة، وكان شيخ الطوفي سعد الدين يدرس فيه «1». 5) المدرسة الناصرية التي بنيت بجوار الجامع العتيق، وأصبح اسمها فيما بعد الشريفية وبها تولى الطوفي الإعادة في ولاية سعد الدين الحارثي كما سيأتي «2». 6) المدرسة المنصورية أنشأها الملك المنصور قلاوون أبو المعالي سيف الدين التركي الصالحي المتوفي سنة 689 هـ «3». وفيها أيضا تولى الطوفي الإعادة في ولاية سعد الدين الحارثي كما سيأتي. وذكر مؤلف الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد أنه كان بقوص في أيامه ستة عشر مكانا للتدريس «4» وذلك في أيام الطوفي الذي استقر بقوص فترة طويلة يقال إن له بها خزانة كتب. وغير هذه الجوامع والمدارس كثير، كانت مصدر إشعاع للعلم في بغداد والشام والقاهرة ودمياط والصعيد، إضافة إلى المكتبات الكثيرة التي تضم آلاف النسخ والكتب المتكررة في الشام ومصر وقوص وبلاد المغرب والأندلس التي أعرضنا عن الحديث عنها مخافة التطويل. لقد كانت العناية قي القرن السابع الهجري وأول الثامن- فترة حياة الطوفي- بجميع أنواع المعارف النقلية والفكرية.
وتشمل النقلية: علوم القراءات وعلوم التفسير، والحديث والفقه وأصوله، وعلم أصول الدين واللغة العربية وأنواعها المتعددة وما يتصل بها. وتشمل العقلية: الطب والكيمياء والفلسفة والرياضيات والفلك والنجوم والجغرافيا، وغيرها من المعارف والعلوم. وبرع في كل فن من هذه العلوم نخبة من العلماء، بل لقد كان العالم يجمع بين عدد من أنواع العلوم المتعددة كما تيسر للإمام الطوفي- رحمه الله-. فقد ألف في فنون متعددة كما سيأتي بيانه في الفصل القادم- إن شاء الله-. ومع ذلك كله فقد كانت هناك أفكار أخرى غير الأفكار الإسلامية المذكورة لأن المجتمع أصبح خليطا- كما سبق- من الزنادقة «1» والملاحدة «2» بالإضافة إلى الطوائف والفرق الأخرى مثل الاتحادية «3» - التي اشتغل الطوفي- رحمه الله- بالرد عليهم- والفلاسفة «4» والمعتزلة «5» والشيعة «6» بطوائفهم المتعددة، التي
نشطت في بغداد وما حولها، ووقعت بينها وبين السنة فتن عظيمة في سنة 655 هـ وغيرها «1». وانتشرت البدع والشركيات، خاصة حول القبور والمزارات المزعومة وتمكن التعصب الشديد والتقليد الأعمى من نفوس أصحابها، مثل الصوفية الباطلة. وأهل وحدة الوجود التي كان أثرها كبير في تهبيط همم المسلمين أيام الحروب الصليبية. فهم يقولون لا فرق بين دين ودين لأن الله عام للجميع، وقد شاركوا النصارى في بعض عقائدهم كالحلول والاتحاد الذي هو أصل مذهبهم. وممن عاش منهم في زمن حياة الطوفي عبد الحق بن إبراهيم المشهور بابن سبعين المتوفى بمكة سنة تسع وتسعين وستمائة للهجرة فقد وصل به الكفر إلى قوله حين يرى الطائفين بالبيت الحرام:" كأنهم الحمير حول المدار، وأنهم لو طافوا بي كان أفضل من طوافهم بالبيت" «2». ولقد أشغلت هذه الطائفة المسلمين في وقت هم أحوج إلى جمع الكلمة ضد عدوهم من النصارى والتتار. وقد كانت مصر تعاني من هذه الطائفة أكثر من غيرها من البلاد وتكاد تتميز بذلك في القرن السابع الهجري لكثرة مشايخها والداعين لها، أمثال أحمد بن علي ابن إبراهيم الحسيني أبو العباس البدوي المتوفى سنة خمس وسبعين وستمائة للهجرة، وغيره «3».
وفي نفس القرن كان تعصب النصارى الافرنج قد بلغ أشده، فقد أتوا إلى البلاد الإسلامية: الشام ومصر وإفريقيا والأندلس وهم يحملون الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين كما سبق في وصف الحالة السياسية وكان بعض أفراد النصارى يعيشون تحت ظل الدولة الإسلامية، ولما قدم الافرنج قلبوا ظهر المجن للمسلمين وشاركوهم في حرب المسلمين والطعن في الإسلام، وإثارة الشبهات. وقويت شوكتهم وعمرت كنائسهم التي كانت مندثرة وأنشئت كنائس أخرى في البلاد التي استولوا عليها؛ فمن كنائس النصارى التي كانت بالشام في القرن السابع: 1 - كنيسة القمامة بالقدس الشريف- التي سموها كنيسة القيامة- وهذه الكنيسة عندهم بمكان عظيم، ويقصدونها في كل سنة في عدة أوقات من بلاد الروم والافرنج ومن بلاد الأرمن ومن الديار المصرية والشامية وسائر الأقطار، ويزعمون أن حجهم إليها «1». 2 - كنيسة المصلبية بالقدس الشريف: التي أخذت من النصارى في دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي النجمي الألفي المتوفى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة للهجرة «2». وجعل فيها مسجدا. فلما كان في سنة خمس وسبعمائة وصلت رسالة من جهة ملك الكرج ورسل من جهة ملك الكرج رسل من جهة صاحب قسطنطينية إلى نائب الملك الناصر المشار إليه، وسألوا إعادة الكنيسة لهم، فلما توسلوا وتشفعوا في ذلك أعيدت لهم وسلمت إلى رسلهم «3».
3 - كنيسة الزهري بمصر التي هدمت عدة مرات، وأغلقت في عهد الملك محمد ابن قلاوون- رحمه الله- سنة سبعمائة من الهجرة «1». 4 - كنيسة الحمراء. 5 - كنيسة البنات. 6 - كنيسة أبي المينا. 7 - كنيسة الفهادين بالقاهرة. وكل هذه في مصر وتعرضت للخراب في يوم خراب الكنائس في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون المذكور. أما اليهود فقد كانت لهم عقيدتهم ومذاهبهم الباطلة وكانوا ينشطون متى سنحت لهم الفرصة ويعلمون في خدمة الأمراء ونحوها حتى منع الملك الناصر محمد بن قلاوون من استخدامهم وأمر بأن لا يلبسوا الثياب الفاخرة وأن تكون لهم الذلة هم والنصارى. ولقد وصل الحماس في التصدي لأهل الكتاب وخاصة النصارى ذروته ورأى المسلمون أن من حق الله على عباده رد الطاعنين على كتابه ورسوله ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان. يقول ابن تيمية- رحمه الله- في الجواب الصحيح (1/ 13 - 14):" ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين، وبيان حقيقة أنباء المرسلين، ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين ... وذلك أن الحق- إذا جحد وعورض بالشبهات- أقام
الله تعالى له مما يحق به الحق ويبطل به الباطل من الآيات والبينات بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة، وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة" اه. لقد كان بعض المسلمين يتصدى للطاعنين في دين الله، وإذا لم يكن لديه القدرة على المناظرة ومقارعة الحجة ضرب الطاعن ليشفي بذلك غليله ويقول: هذا الجواب. ولقد أثرت الحروب الصليبية في فكر المسلمين فسلكوا في الرد على النصارى طرقا عديدة منها: المناظرات الشفوية التي تجرى بين العلماء وأهل الكتاب، والخطب التي تكون في التحريض على الجهاد والتصدي للنصارى الغزاة والترغيب فيه والترهيب من التقاعس عنه وألف في ذلك كله المؤلفات. وكان العداء الشديد بين المسلمين والصليبيين دافعا قويا لكتّاب المسلمين على تتبع عقائدهم ومثالبهم وإبطال افتراءاتهم فألفوا في ذلك الكتب الكثيرة، مثل: 1 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية- رحمه الله-. 2 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة: لشهاب الدين أحمد القرافي «1».
3 - على التوراة اليونانية: لعلاء الدين الباجي «1». 4 - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ... : للإمام القرطبي «2». 5 - الدر المنضود في الرد على فيلسوف اليهود" بن كمونة" «3» لابن الساعاتي «4». 6 - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية: للطوفي.
ولم يقتصر الأمر في الرد على أهل الكتاب على ما سبق، بل ألهبت الحروب الصليبية، وطغيان النصارى حماس الشعراء، فاستخدموا الشعر نوعا آخر من السلاح ضد النصارى، ومن يطعن في الإسلام من اليهود، ومن ذلك: منظومة الأبوصيري «1» في الرد على اليهود والنصارى، وشرحها له. وقد قيل في مدح الملوك والسلاطين والأمراء الذين يقومون بحرب النصارى والاستنجاد بهم، والدعاء والابتهال إلى الله، وطلب النصر على النصارى: الشعر الكثير «2». مما سبق تتبين لنا الصورة الواضحة لعصر الطوفي وما فيه من أحداث وسلوك وثقافة، وفكر، دفعته- رحمه الله- إلى المشاركة في هذه الأمور التي جعلت الحاجة ماسة إلى من ينقذ الناس من هذه المهلكات ويصلح حالهم، وقد أدى- عفا الله عنه- دوره على حسب ما استطاع. والله الموفق.
الفصل الثاني: حياة الطوفي
الفصل الثاني: حياة الطوفي * مولده ونسبه. * كنيته ولقبه. * نشأته وأسرته. * طلبه للعلم وفقهه. * شيوخه. * تلامذته. * آثاره العلمية. * عقيدته ومذهبه. * وفاته وأقوال الناس فيه.
الفصل الثاني: حياة الطوفي «1»: 1 - اسمه: هو الشيخ العلامة سليمان بن عبد القوي «2» بن عبد الكريم بن سعيد بن الصفي «3». 2 - كنيته ولقبه: يكنى بأبي الربيع، وأبي العباس، ويلقب بنجم الدين «4»، الطوفي «5»، الصرصري ثم البغدادي فالدمشقي ثم المصري الحجازي فالمقدسي «6».
والطوفي: بضم الطاء واسكان الواو وبعدها فاء: نسبة إلى (طوف) أو (طوفى) «1» قرية تبعد عن بغداد بفرسخين. والصرصري: نسبة إلى صرصر: موضع من نواحي بغداد ومن قرى نهر الملك ومنها: العليا والسفلى: والعليا على جانبه الشمالي، وهي في طريق الحاج، وهذه تعرف بصرصر الدير لأن ديرا كان فيها «2». 3 - مولده: اختلف الذين ذكروا سنة ولادة الطوفي من المترجمين له، فابن رجب الحنبلي «3» يقول:" ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوفى من أعمال صرصر". وتابعه في ذلك: أبو اليمن العليمي «4» في الأنس الجليل، وابن العماد «5» في شذرات الذهب.
وقال ابن الألوسي «1» في جلاء العينين: ولد سنة بضع وستمائة ... وبعضهم لم يذكر السنة التي ولد فيها. ولكن ذكرها على وجه التحديد الامام ابن حجر العسقلاني «2» في كتابه الدرر الكامنة، ولكنه خالف ابن رجب ومن تابعه حيث ذكر أنه ولد عام سبعة وخمسين وستمائة للهجرة. وقد رجح الدكتور مصطفى أبو زيد في كتابه" المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي ص 68 - 69 أنه ولد سنة خمس وسبعين وستمائة للهجرة فقال:" والذي يبدو أن الطوفي ولد عام 675 هـ" فحرف الرقم إلى 657 هـ في كتب ابن حجر ذلك أن المؤلفات التي بدأ بها الطوفي حياته العلمية ومن بينها:" الاكسير في قواعد التفسير" وقد ألفه قبل أن ينتهي القرن السابع يبدو فيها طابع الشباب الذي كان الطوفي يجتاز مرحلته حينذاك، إذ لم يكن فيها من دلائل ثورة الطوفي الفكرية وتحرره شيء، وكان معظم ما فيها تكرار لمن سبقه، مع شيء من التنظيم. ورد هذا الترجيح الدكتور حمزة الفعر في رسالته التي تقدم بها لنيل درجة الدكتوراه بعنوان: سواد الناظر وشقائق الروض الناضر في أصول الفقه للكناني «3» تحقيق ودراسة.
وذكر عدة أمور ترجح أن مولده في سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة هي: 1 - أن ما ذكره الإمام ابن حجر من أن مولده عام 657 هـ، ليس محرفا عن عام 675 هـ بدليل أنه لم يوجد من ينص على أن الطوفي ولد في عام 675 هـ حتى يمكن التسليم بأنه محرف عنه، وإنما ذكر ابن رجب ومن تابعه أنه ولد عام بضعة وسبعين وستمائة وليس في هذا نص على أنه ولد عام 675 هـ. 2 - أن الذي ذكر أنه ولد في عام بضعة وسبعين إنما هو ابن رجب وحده ونقل عنه ابن العماد والعليمي هذا، فهم اعتمدوا على ما ذكره ابن رجب وعليه فإن القائل واحد هو ابن رجب. 3 - أن ما ذكره ابن رجب مبهم وهو قوله بضع وسبعين، وما ذكره ابن حجر صريح لا يحتمل، فيتعين المصير إليه، فلا يقال لعل الناسخ حرف لأن هذا الفرض لا دليل عليه، وهو معارض بمثله، إذ يمكن أن يفرض هذا فيما ذكره ابن رجب" ا. هـ قلت: ثم إن نسخ كتاب ابن حجر كلها المطبوعة والمخطوطة متفقة على أن ولادته سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة. فلا دليل على التحريف. 4 - يقول الدكتور حمزة:" حفظ الطوفي لمختصر الخرقي «1»، واللمع
لابن جني «1» وقراءته للفقه بصرصر، وحفظه للمحرر، ومجالسته لأكابر العلماء في بغداد وبحثه فنون العلم، وتأليفه لكتاب الإكسير قبل نهاية القرن السابع. كل هذا يشعر بتقدم ولادته عما ذكر ابن رجب" اه. قلت: وقول الدكتور مصطفى أبو زيد: ... إذ لم يكن فيها من دلائل ثورة الطوفي الفكرية وتحرره شيء". يرد عليه بأن قول الطوفي في مقدمة الإكسير:" ولم أضع هذا القانون لمن يجمد عند الأقوال، ويصمد لكل من أطلق لسانه وقال، بل وضعته لمن يغتر بالمحال، وعرف الرجال بالحق، لا الحق بالرجال وجعلته ... " يدل على ثقته بنفسه واعتداده بها وأنه صاحب فكر قوي لا يصل إليه إلا من بلغ في العلم مكانة مرموقة. ولهذا كله فإني أرجح ما سبقنى إليه الدكتور حمزة الفعر، من أن ولادة الطوفي كانت سنة سبع وخمسين وستمائة للهجرة. والله أعلم. نشأته وأسرته: كانت نشأته الأولى في قريته" طوفى" وكان أثناء ذلك يتردد على أهل العلم بصرصر القريبة من بغداد وبقي بتلك القرية حتى سنة إحدى وتسعين
وستمائة ثم دخل بغداد. ولم يذكر المؤرخون للطوفي عن أسرته شيئا ولكن يبدو أنها كانت تسكن قرية طوفى حتى انتقل الى بغداد فانتقلت معه ثم انتقلت معه إلى دمشق ثم إلى مصر وقوص وكانت معه عند ما نزل بيت المقدس في آخر حياته. يقول ابن حجر في الدرر الكامنة:" وكان موته ببلد الخليل ... وعاش أبوه بعده سنوات. طلبه للعلم وفقهه وأدبه: جد الطوفي- رحمه الله- في طلب العلم منذ الصغر، فقد بدأ في قريته" طوفى" يطلب العلم ويتصل بالعلماء ويجلس في مجالسهم لطلبه، ويحفظ المتون، والمختصرات. ففي طوفى تتلمذ على بعض شيوخها، وحفظ مختصر الخرقي، واللمع لابن جنى، ثم أخذ يتردد على صرصر، فقرأ الفقه بها على الشيخ شرف الدين على بن محمد الصرصري الحنبلي «1»، ثم دخل بغداد سنة إحدى وتسعين وستمائة وقرأ العلوم وناظر وبحث ببغداد. فحفظ المحرر في الفقه للإمام مجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية «2»، ثم بحثه على شيخه تقي الدين
الزريراتي «1»، ثم قرأ العربية على شيخه أبي عبد الله الموصلي «2»، وتلقى أصول الفقه على النصير الفاروثي «3» وغيره، وسمع الحديث عن مجموعة من العلماء منهم: الرشيد بن القاسم «4»، وابن الطبال «5»، والحفيد الحراني «6»، وأبو بكر القلانسي «7» وغيرهم ... في المدرسة المستنصرية وغيرها. وقد درس الجدل، وأفرد مؤلفا للجدل في القرآن الكريم، ودرس المنطق والفرائض، وكان لدراسته للجدل والمنطق أثر في معظم مؤلفاته بعد ذلك، لأنه صار جريئا في تفكيره، حر الرأي إلى حد بعيد. ولقد أصبح الطوفي في بغداد فقيها أصوليا بارعا، واختار مذهب الامام أحمد فكان أحد فقهاء الحنابلة في بغداد، كما أصبح في نفس الفترة شاعرا أديبا، وهكذا كان طلبه للعلم في بغداد مقبلا على العلم والدرس والقراءة والحفظ ثم التصنيف. وفي سنة 704 هـ سافر إلى دمشق فكان موضع التقدير والإجلال من
الفقهاء والمحدثين فيها والعلماء كافة، ولم ينقل عنه أنه انحرف عما هو عليه في الفقه والتفكير، وجلس في حلقات شيخ الإسلام ابن تيمية كما سيأتي، ودرس عليه ابن تيمية النحو أياما والتقى بالعلماء الأفاضل في دمشق منهم الشيخ أبو الحجاج المزى «1»، والشيخ أبو محمد القاسم البرزالي الإشبيلي «2» وتقي الدين بن حمزة «3» وهم من أعيان المذهب الحنبلى، وقد سمع عن ابن حمزة الحديث أيضا. وبعد عام من نزوله دمشق توجه تلقاء القاهرة بمصر، وحرص على طلب العلم وسمع العلماء، فسمع فيها الحديث من الحافظ عبد المؤمن بن خلف «4» وسمع من القاضي سعد الدين الحارثي «5»، وقرأ على أثير الدين أبي حيان النحوي مختصره لكتاب سيبويه، وتولى الإعادة أو التدريس بالمدرسة الصالحية التي ألف فيها هذا الكتاب" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية"، ثم تولى الإعادة بالمدرسة المنصورية، التي أعاد فيها النظر في هذا الكتاب فقرأه، وألحق به بعض الفوائد سنة ثمان وسبعمائة للهجرة، ثم تولى الإعادة بعد ذلك في الناصرية حتى نفي إلى قوص في صعيد مصر بسبب سوء الصلة بينه وبين شيخه سعد الدين الحارثي، فقد خالفه الطوفي في بعض ما قرره سعد الدين في أحد الدروس ويبدو أن الطوفي كان مقتنعا برأيه إلى درجة أغضبت شيخه وفسرت بأنها إساءة أدب مع
أستاذه الذي يكرمه ويبجله، فثار لأستاذه ابنه شمس الدين عبد الرحمن «1» فوكل أمر الطوفي إلى بدر الدين بن الحبال «2»،- أحد النواب- أو رجال الإدارة في تلك السنة- وسرعان ما أشهد هذا عليه بالرفض، وأخرج بخطه هجوا في الشيخين ... ثم مضت الحيلة في الطريق المرسوم فعزر الطوفي وطيف به ثم نفي إلى قوص وقيل: نفي إلى الشام، وكان قد هجا أهلها فتوجه إلى دمياط ثم إلى قوص ولقي بها جماعة من العلماء. وبقي في قوص عدة سنوات ولم يتوان عن القراءة والاطلاع والتحصيل فقرأ الحديث وصنف كثيرا من الكتب حتى يقال: إن له خزانة كتب بقوص. يقول كمال الدين جعفر الأدفوي «3»:" كان كثير المطالعة، أظنه طالع أكثر كتب خزائن قوص" «4». واشتغل فيها بالتأليف فقد ألف فيها عددا من كتبه منها" الصعقة الغضبية في الرد على منكري العربية".
ثم رحل إلى الحجاز فحج وجاور في الحرمين سنة 714 هـ وقرأ بها كثيرا من الكتب ثم رحل إلى القدس فبقي فيها حتى توفي سنة 716 هـ. ولم ينقطع عن العلم والتحصيل والتأليف وكان آخر مؤلف ألفه في بيت المقدس هو كتابه" الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية". وللطوفي مشاركات أدبية. يقول العليمي- رحمه الله-:" وله نظم كثير رائق وقصائد في مدح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد- رضي الله عنه- «1» أولها: ألذ من الصوت الرخيم إذا شدا وأحسن من وجه الحبيب إذا بدا ثناء على الحبر الهمام ابن حنبل إمام التقى محي الشريعة أحمدا «2» قلت: ومن مدحه له أيضا: روى ألف ألف من أحاديث أسندت وحصلها حفظا بقلب محصل
أجاب على تسعين ألف قضية بحدثنا لا من صحائف نقل وقال ابن حجر- رحمه الله-:" وله قصيدة في المولد أولها: إن ساعدتك سوابق الأقدار فأنخ مطيك في حمى المختار وقصيدة في ذم أهل الشام أولها: جد للمشوق ولو بطيف كلام ... اه «1» ومن شعر الطوفي في ذم دمشق: قوم إذا دخل الغريب بأرضهم أضحى يفكر في بلاد مقام بثقالة الأخلاق منهم والهواء والماء وهي عناصر الأجسام ووعورة الأرضين فامش وقع ونم كبعير المستعجل التمتام بجوار قاسيون هم وكأنهم من جرمه خلقوا بغير خصام «2» وله قصيده في العقيدة «3». كما أن مؤلفاته الأدبية: الرحيق المسلسل في الأدب، وموائد الحيس في شعر امرئ القيس، والشعار المختار علي مختار الأشعار، وشرح مقامات الحريري، وغيرها تدل على مكانته في الأدب والشعر.
شيوخه: عرفنا مما تقدم حرص الطوفي على اتصاله بالعلماء، ومجالسهم منذ صغره وهو في قريته" طوف" أو طوفى" وكيف" يتردد على مشايخ صرصر، ثم قربه من مشاهير بغداد والأخذ عنهم، بل لقد أمضى جل عمره في التنقل بين بغداد ودمشق، والقاهرة، والصعيد، والحرمين الشريفين، يجالس العلماء الفضلاء، فيرشف من ينابيع علومهم وشتى فنونهم، مسترشدا بكتب العلماء السابقين له، واستظهارها حفظا. ومن أشهر العلماء الذين جالسهم وطلب العلم على أيديهم وأروى بهم ظمأه في طلب العلم: 1 - زين الدين علي بن محمد الصرصري، وهو شيخه في قريته طوف. ذكره المؤرخون للطوفي ومنهم ابن رجب- رحمه الله- في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وابن حجر- رحمه الله- في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (2/ 154)، ولم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع في تاريخ الأعلام. 2 - الشيخ تقي الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل ابن أبي البركات بن مكي بن أحمد الزريراتي، البغدادي ، فقيه العراق ولد في جمادى الآخر سنة ثمان وستين وستمائة. وحفظ القرآن وله سبع سنين وسمع الحديث من إسماعيل بن الطبال- الآتية ترجمته قريبا- وغيره. وتفقه ببغداد على جماعة من العلماء ثم ارتحل إلى دمشق فقرأ مذهب الإمام أحمد على جمع من العلماء الحنابلة فيها، ثم عاد إلى بلده، وكان عارفا بأصول الدين والفقه والفرائض والحديث وأسماء الرجال والتواريخ واللغة العربية. وانتهت إليه
رئاسة الفقه في العراق. وله اليد الطولى في المناظرات والبحث ومعرفة مذاهب الناس، وكان يرجع إلى ما يقول. حتى ابن المطهر شيخ الشيعة «1» في عهده كان الشيخ تقي الدين يبين له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له. وقال له بعض أئمة الشافعية يوما: أنت اليوم شيخ الطوائف ببغداد. درس في المستنصرية، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشرين من جماد الأولى سنة تسع وسبعمائة ودفن بمقبرة الإمام أحمد. ومدحه الناس ورثوه كثيرا، وقد قرأ عليه الطوفي كتاب المحرر «2». 3 - النصير الفاروثي «3»: نصير الدين أبو بكر عبد الله بن عمر بن أبي الرضي الفاروثي الشافعي، (بضم الراء بعدها واو ساكنة آخره ثاء مثلثة) قرية من قرى شيراز، وسكن بغداد ثم قدم دمشق وكان ممن التقى به من العلماء البرزالي وقد ترجم له في تاريخه فهو
يقول عنه:" قدم علينا دمشق، وكان يعرف الفقه والأصلين والعربية والأدب، وكان جيد المناظرة ... " وقال الذهبي:" قدم دمشق وتكلم فظهرت فضائله". درس الفاروثي- رحمه الله- في المدرسة المستنصرية ببغداد وغيرها من المدارس الكبار. وكان من كبار الشافعية. توفي- رحمه الله- في بغداد سنة ست وسبعمائة للهجرة «1». 4 - أبو عبد الله محمد بن الحسين الموصلي: هكذا ذكره المؤرخون للطوفي كابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 366)، وابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 154)، والسيوطي في بغية الوعاة (1/ 95)، ولم أجد له ترجمة فيما استطعت الوصول إليه من مراجع الأعلام. 5 - إسماعيل بن الطبال: وهو إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن حمزة المبارك الأزجي الحنبلي، أبو الفضل عماد الدين ابن الطبال. شيخ الحديث بالمدرسة المستنصرية ببغداد. ولد سنة إحدى وعشرين وستمائة للهجرة وسمع جامع الترمذي على عمر
ابن كرم «1»، وسمع منه الحديث ومن ابن روزبه «2»، ومن القطيعي «3» صحيح البخارى «4»، وحدث بصحيح البخاري وبسنن النسائي «5» عن القطيعي، وولي
مشيخة المستنصرية بعد ابن أبي القاسم- الآتي- وكان مكثرا. أخذ عنه جماعة كبيرة من العلماء، مات ببغداد في شهر شعبان سنة ثمان وسبعمائة للهجرة «1». 6 - الرشيد ابن أبي القاسم: هو رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن أبي القاسم البغدادي الحنبلي مقرئ، محدث صوفي كاتب، ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة وسمع الحديث من كثير من العلماء كابن روزبه- المتقدم- وغيره من علماء الحديث وعني بالحديث، وسمع الكتب الكبار، وكان من أعيان بغداد، عالما صالحا حسن الأخلاق من أجلاء أهل العدل، سمع تحديثه خلق كثير من أهل بغداد والرحالين إليها، وانتهى إليه علو الإسناد، توفي في جماد الآخرة ببغداد، ودفن بمقبرة الإمام أحمد «2». 7 - المفيد عبد الرحمن بن سليمان: مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سليمان بن عبد العزيز المجلخ الحربي، الضرير، الفقيه، معيد الحنابلة في المستنصرية ببغداد. سمع من الشيخ مجد الدين ابن تيمية وغيره من المتأخرين روى كتاب الخرقي- الذي حفظ مختصره الطوفي في قريته طوفى- عن شيوخه.
كان من كبار الشيوخ وأعيانهم، فقيها محدثا عارفا بالعربية سمع منه جماعة من شيوخ الحنابلة. وتوفي في سنة سبعمائة للهجرة «1». 8 - المحدث أبو بكر القلانسي: هو جمال الدين أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي الباجسري ثم البغدادي الحنبلي. ولد في جماد الآخرة سنة أربعين وستمائة للهجرة، وعني بالحديث، وسمع الكثير، وتفقه وكتب الكثير بالخط الجيد المتقن، وسمع من جماعة من العلماء وكان صدوقا، والظاهر أنه كان قارئ الحديث بالمستنصرية البغدادية، وقيل: إنه ولي حسبة بغداد. خرج لغير واحد من الشيوخ وسمع جماعة من المحدثين منهم الإمام الذهبي- رحمه الله- توفي ببغداد في شهر رجب سنة أربع وسبعمائة للهجرة «2». 9 - القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة: هو: القاضي تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي، ولد في منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة للهجرة، وكان فقيها إماما محدثا وتفرد في زمانه، حضر على مجموعة من العلماء: صحيح البخاري، وسمع من جماعة المحدثين، قال بعض العلماء: شيوخه بالسماع نحو مائة شيخ وبالإجازة أكثر من سبعمائة،
كان كثير العبادة والتهجد حسن الخلق، قوي النفس، لين الجانب، متوددا إلى الناس، حريصا على قضاء الحوائج، وعلى النفع المتعدي. توفي ليلة الاثنين حادي عشر ذي القعدة سنة خمس عشرة وسبعمائة للهجرة بمنزله فجأة بعد صلاة المغرب «1». 10 - ابن تيمية: شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحراني، الدمشقي الحنبلي. ولد في حران يوم الاثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة للهجرة، وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر، فكان إمام عصره بلا مدافعة في الفقه والحديث والأصول والنحو واللغة وغير ذلك. قرأ العربية على سليمان بن عبد القوي الطوفي- تلميذه هذا- أياما في دمشق. رحل إلى مصر وتعصب عليه مجموعة من العلماء فيها فحبس، وجرت له عدة محن وحبس من أجلها في دمشق ومصر، كان يجاهد بنفسه مع الجيوش التتار والصليبيين وله مواقف جليلة في نصرة دين الله ونصرة المذهب الحق- مذهب أهل السنة والجماعة- ومؤلفاته لا تحصى كثرة. توفي رحمه الله في دمشق ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة في سجنه بقلعة دمشق «2».
11 - الحافظ المزي: الحافظ أبو الحجاج جمال الدين أبو محمد يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف القضاعي الكلبي المزي، محدث الديار الشامية في عصره، ولد بظاهر حلب، في عاشر ربيع الثاني سنة أربع وخمسين وستمائة للهجرة، ونشأ بالمزة قرب دمشق. حفظ القرآن الكريم، وعني باللغة العربية وبرع فيها، وأتقن النحو والتصريف، ولي دار الحديث الأشرفية، شافعي المذهب وصاحب حياء وسكينة، واحتمال وقناعة، وقلة كلام، إلا أنه إذا سئل أجاب وأجاد، برع في معرفة الرجال، وشدت إليه الرحال من أجل ذلك، ومما يشهد بذلك كتابه تهذيب الكمال: في أربعة عشر مجلدا، توفي- رحمه الله- في ثاني عشر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة للهجرة، ودفن بجوار زوجته الصالحة الحافظة لكتاب الله في مقبرة الصوفية بدمشق «1». 12 - مجد الدين الحراني: مجد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفراء الحراني، ثم الدمشقي، الفقيه الحنبلي شيخ المذهب، ولد سنة خمس أو ست وأربعين وستمائة للهجرة بحران، ثم قدم دمشق مع أهله سنة إحدى وسبعين، فسمع بها من جماعة من المحدثين والعلماء، وسمع المسند وتصدى للاشتغال والفتوى مدة طويلة، قال عنه الطوفي:" كان من أصلح خلق الله وأدينهم، كأن على
رأسه الطير، وكان عالما بالفقه والحديث، وأصول الفقه، والفرائض، والجبر، والمقابلة" اه، وقال الذهبى «1»:" كان شيخ الحنابلة" اه، ويقال: إنه أقرأ المقنع مائة مرة، كان كثير البكاء، رقيق القلب، توفي في ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى، سنة تسع وعشرين وسبعمائة للهجرة بالمدرسة الجوزية، ودفن بمقابر الباب الصغير بدمشق «2». 13 - محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل البعلي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي اللغوي، ولد سنة خمس وأربعين وستمائة للهجرة في بعلبك وسمع بها وبدمشق، وعني بالحديث وقرأ العربية واللغة على ابن مالك «3» حتى برع في ذلك. وشرح ألفية ابن مالك، كان غزير الفوائد صالحا متواضعا على طريقة السلف. توفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرم سنة تسع وسبعمائة ودفن بالقرافة «4».
14 - الحافظ الدمياطي: شرف الدين أبو محمد وأبو أحمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف الدين بن الخضر الدمياطي، الشافعي، ولد عام ثلاثة عشر وستمائة للهجرة، وكان إمام الحديث في عصره، عالما بالأنساب، عمدة في النقد، نشأته بدمياط، وسمع بالاسكندرية، ثم قدم القاهرة، وسمع بالحرمين سنة 643 هـ، ورحل إلى الشام، وإلى الجزيرة، والعراق مرتين، وبغداد، وسمع بها وخرج الحديث فيها، شيوخه نحو ألف وثلاثمائة، ومن تلاميذه المزي والذهبي، توفي بالقاهرة سنة 705 هـ «1». 15 - الحافظ المحدث المؤرخ البرزالي: الشيخ الإمام علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي الإشبيلي ثم الدمشقي الشافعي ولد في جمادى الأولى سنة خمس وستين وستمائة للهجرة، وحفظ القرآن، والتنبيه، ومقدمة ابن الحاجب، سمع الجامع الصحيح، وأحب الحديث ونسخ الأجزاء ودار على الشيوخ، وجد في الطلب وذهب إلى بعلبك وارتحل إلى حلب سنة خمس وثمانين وستمائة للهجرة وفيها ارتحل إلى مصر، وله تاريخ بدأه من عام مولده الذي توفي فيه الإمام أبو شامة «2» فجعله صلة لتاريخ أبي شامة في خمس مجلدات. وعمل في فن الرواية عملا
قل من يبلغ إليه وبلغ عدد مشايخه بالسماع أكثر من ألفين، وبالإجازة أكثر من ألف. رتب ذلك وترجمهم في مسودات متقنة. حج سنة ثمان وثمانين وأخذ عن مشيخة الحرمين. يقول الذهبي: وهو الذي حبب إليّ طلب الحديث، ولي دار الحديث الأشرفية مقرئا فيها وقرأ بالظاهرية سنة ثلاث عشرة وسبعمائة للهجرة. توفي بخليص- بين مكة والمدينة- سنة 739 هـ «1». 16 - القاضي سعد الدين الحارثي: الحافظ أبو محمد وأبو عبد الرحمن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد بن عياش الحارثي نسبة إلى الحارثية من قرى بغداد، ثم المصري، فقيه، محدث، ولد سنة ثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة للهجرة، وسمع من جماعة من العلماء بمصر، والاسكندرية، ودمشق وعني بالحديث وفنونه، وكان فقيها مناظرا، مفتيا، وخرج لجماعة من الشيوخ معاجم، وكان يكتب خطا حسنا حلوا متقنا، وحج غير مرة. درّس بالمنصورية، والصالحية، وجامع الحاكم، وولي القضاء، ورأس الحنابلة، سمع منه الطوفي بمصر، وكانت بينهما مودة، ثم حدث بينهما فجوة سنتحدث عنها قريبا- إن شاء الله- توفي سعد الدين في سحر يوم الأربعاء رابع عشر ذي الحجة سنة عشر وسبعمائة للهجرة بالقاهرة، ودفن من يومه في مقبرة القرافة «2».
17 - أبو حيان النحوي: شيخ النحاة أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفري الغرناطي الحيّاني الأصل، الشافعي، ولد بغرناطة سنة أربع وخمسين وستمائة للهجرة، قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس، وإفريقيا، والاسكندرية ومصر والحجاز، وحصل على الإجازات من الشام، والعراق وغير ذلك. اجتهد في طلب العلم، وحصّل، وكتب، وله نثر ونظم، وله الموشحات البديعة، وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله، ذا دراية باللغة وألفاظها، وإمام الدنيا في النحو، والتصريف، وله اليد الطولى في التفسير والحديث، والتراجم، والطبقات، والتواريخ، والحوادث. له مصنفات عديدة منها: البحر المحيط، وشرح سيبويه، والنافع في قراءة نافع، والإعلام بأركان الإسلام، وغيرها كثير. قرأ عليه الطوفي مختصره لكتاب سيبويه، توفي في شهر صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة للهجرة بمنزلة بالديار المصرية «1». 18 - شهاب الدين السراج: هو أحمد بن خليل البزاعي التاجي السراج: المولود سنة بضع وعشرين
وستمائة للهجرة، أسير الآداب، له نظم ونثر، وله ديوان، حدث بشيء منه وسمع منه الطوفي والسراج عبد اللطيف بن الكويك «1»، والسديد محمد بن فضل الله بن كاتب المرج «2»، وغيرهم. مات يوم عاشوراء سنة 725 هـ وقد قارب المائة عام «3». تلاميذه: عرفنا فيما سبق في الفصول المتقدمة دور الطوفي- رحمه الله- في خدمة العلم وبذله ونشره، رغم العقبات التي وقفت أمامه، والمحن التي كان لها أثر في تنقلاته، وعدم استقرار إقامته في بلد من البلدان. فقد قام بالبحث والمناظرة في بغداد وأجاد وأفاد، وشارك في مجالس العلم والعلماء في دمشق، وبيت المقدس، ودرّس في مدارس الحنابلة في القاهرة، بل لقد أجهد نفسه في التأليف في العلوم الشرعية وغيرها من الفنون حتى يقال: أن له بقوص وحدها خزانة من الكتب، وقد استفاد من الطوفي مجموعة من رواد العلم وطلابه إما بالجلوس عليه والأخذ منه أو بالاستفادة من كتبه وتصانيفه، وممن جلس على الطوفي وأخذ عنه على سبيل المثال لا الحصر:
1 - شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- رحمه الله-. فهو شيخ الطوفي المثالي كما تقدم كما أن ابن تيمية قد جلس على الطوفي وأخذ عنه في اللغة العربية يقول ابن رجب- رحمه الله-" وقرأ- اي ابن تيمية- في العربية أياما على سليمان بن عبد القوي «1» " ا. هـ. 2 - عبد الرحمن القوصي: الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ج 1 71 2 - عبد الرحمن القوصي: ..... ص: 71 2 - عبد الرحمن القوصي: عبد الرحمن بن محمود القوصي، ينعت بالمجد، ويعرف بابن قرطاس، سمع الحديث بالقاهرة من المتأخرين، وقرأ النحو على أبي حيان النحوي، وتأدب على نجم الدين الطوفي، والشيخ صدر الدين ابن الوكيل «2»، والأمير مجير الدين عمر بن اللمطي «3»، فكان أديبا شاعرا فاضلا، له نظم ونثر، رثى
شيخه مجير الدين. تولى الخطابة بجامع الصارم بمدينة قوص، وعلق تعاليق كثيرة، ووقف كتبه على المدرسة السابقية بقوص، توفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة للهجرة «1». 3 - محمد بن فضل بن كاتب المرج القوصي: محمد بن فضل الله بن أبي نصر بن أبي الرضى، السديد بن كاتب المرج، القوصي المولد، أديب شاعر فاضل، حسن المنظر، فصيح اللسان، ذو حياء وكرم وصدق لهجة، كان والده غنيا كثير العطاء، وكانت أسرتهم على دين النصرانية فهداهم الله أجمعين، قرأ محمد هذا النحو والأصول والفقه على نجم الدين الطوفي، عند ما استوطن قوص وقرأ النحو أيضا على أبي حيان النحوي وتأدب على أدباء قوص، وأجاد في الأدب حتى وصل إلى النهاية- كما يقال- وله مشاركة في النحو والأصول والحكمة والطب وغيرها، وأشعاره كثيرة، منها الموشحات وغيرها. وكان كثير الغزل، ومنه ما لا يليق بالعلماء، جلس بالوراقين بقوص، وولي وكالة بيت المال بالأعمال القوصية، توفي سنة بضع وأربعين وسبعمائة للهجرة «2».
آثاره العلمية رأينا فيما سبق كيف حرص الطوفي على العلم منذ صغره، وكيف كان شديد الذكاء، فرحل إلى عدة بلدان حرصا على طلب العلم واللقاء بالعلماء، وكيف كان شديد الشغف بالبحث والمعرفة، فقد طالع أغلب الكتب المؤلفة وخاصة في قوص، وكان يشارك في سائر العلوم، وكذلك كيف كان حرا جريئا في تفكيره كما يتضح من قوله في كتابه" الاكسير في قواعد التفسير" ص 1: " ولم أضع هذا القانون لمن يجمد عند الأقوال، ويصمد لكل من أطلق لسانه وقال، بل وضعته لمن لا يغتر بالمحال، وعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال" ا. هـ. وقال في شرح الأربعين النووية:" فأوصيك أيها الناظر فيه، المحيك طرفه في أثنائه، ومطاويه- ألا تسارع فيه إلى إنكار خلاف ما ألفه وهمك، وأحاط به علمك، بل أجدّ النظر وجدده، وأعد الفكر ثم عاوده، فإنك حينئذ جدير بحصول المراد ... " «1». وكان طبيعيا من تعدد البلدان التي درس ودرّس وقرأ فيها أن تتسع دائرة معارفه فشملت علوم القرآن، والحديث، وأصول الفقه والفقه وأصول الدين، واللغة العربية، والأدب. بل لقد كان شاعرا ناقدا يشرح أشعار فحول الشعراء ويجمع عيون الشعر من مظانها، ويبين آلاته التي يحتاج إليها وكيف تأليفه
والطريق إلى نقده «1». وقد ذكر العلماء والمترجمون للطوفي عددا كبيرا من كتبه ولكن ليس على سبيل الحصر ولذلك فإنني أذكر ما تيسر معرفته من كتبه ولا يتيقن لنا حصرها واستيفاء الاطلاع عليها ومعرفة أماكن وجودها في مكتبات العالم، وقد رتبت ما عرفته من كتبه على الفنون: التفسير وعلومه، ثم الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم اللغة العربية والأدب. 1 - الاكسير في قواعد التفسير: وقد طبع هذا الكتاب أكثر من طبعة وحققه الدكتور عبد القادر حسين، في مصر. 2 - إيضاح البيان عن معنى أم القرآن: منه صورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. وقد كتبه في حبس رحبة باب العيد «2» بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة. 3 - مختصر المعالين: يقول ابن رجب- رحمه الله-:" جزءين فيه: أن الفاتحة متضمنة لجميع القرآن" اهـ. ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب
الأنس الجليل (2/ 258). 4 - فواصل الآيات: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1293). 5 - تفسير سورة ق: ذكره بروكلمان. وعندي صورة لاحدى نسخه الخطية. وكتبه في سجن رحبة باب العيد بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة. 6 - تفسير سورة القيامة: وهو ضمن مجموع للطوفي صورت هذا المجموع مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية برقم 1205. 7 - تفسير سورة سبأ: وهو ضمن المجموع السابق. وقد كتبه في حبس رحبة باب العيد بالقاهرة سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة. 8 - تفسير سورة الانشقاق: ضمن المجموع السابق. 9 - بيان ما وقع في القرآن من الأعداد: منه صورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. 10 - جدل القرآن: ذكره السيوطي «1» في الاتقان في علوم القرآن النوع الثامن والستين.
11 - بغية الواصل إلى معرفة الفواصل: ذكره الإمام السيوطي أيضا في مصادر كتابه: الاتقان (1/ 11 - 12) وصاحب كشف الظنون (1/ 251). 12 - دفع التعارض عما يوهم التناقص في الكتاب والسنة: ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 756) وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 257). 13 - شرح الأربعين النووية: ذكره أكثر من واحد، واطلعت على نسختين خطيتين منه في دار الكتب القومية بالقاهرة. وممن ذكره صاحب الأنس الجليل (2/ 258). 14 - مختصر جامع الترمذي «1»: ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغيرهم. 15 - بغية السائل في أمهات المسائل: وقد عده بعضهم في الطب، وليس كذلك وممن ذكره صاحب كشوف
الظنون (1/ 248) وصاحب الأعلام (3/ 128) وذكره الطوفي نفسه في كتابه الاكسير في قواعد التفسير ص 4. 16 - قدوة المهتدين إلى مقاصد الدين: منه نسخة ضمن مجموع صورت بعضه الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية. 17 - حلال العقد في أحكام المعتقد: منه صورة في مكتبة مخطوطات الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. 18 - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية: وهو هذا الكتاب الذي قمت بتحقيقه. 19 - الباهر في أحكام الباطن والظاهر: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وصاحب كشف الظنون (1/ 219) وغيرهما. ويقول الطوفي عنه في الإشارات:" وهذا رد على الاتحادية وغيرهم". 20 - درء القول القبيح في التحسين والتقبيح: وقد اطلعت على نسخة منه في مكتبة شهيد علي بتركيا، وقد ذكره غير واحد، منهم صاحب الأنس الجليل (2/ 257). 21 - رد على الاتحادية: ذكره في كتابه الانتصارات الإسلامية، وفي كتابه الإشارات الإلهية وذكره أكثر من واحد. 22 - الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية في الاعتقادات: وعندي منه صورتان لمخطوطتين في المكتبة الأحمدية بحلب والمكتبة العلمية
ببريدة، وقد اطلعت على نسخة له في مكتبة عارف حكمت بالمدينة النبوية، وله عدة نسخ أخرى في مكتبات تركيا وغيرها. وليس له نظير في بابه وترتيبه. 23 - العذاب الواصب على أرواح النواصب: ذكره صاحب إيضاح المكنون (2/ 96) والزركلي في الأعلام (3/ 128) ويقال إنه حبس وطيف به لأجله. 24 - قصيدة في العقيدة وشرحها: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1343) وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وغيرهما. 25 - تعاليق في الرد على جماعة من النصارى: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، ويقول الطوفي في الإشارات الإلهية:" والبحث مع النصارى أفردنا له عدة تعاليق". 26 - النور الوهاج في الإسراء والمعراج: ذكره صاحب إيضاح المكنون (2/ 688) وغيره. 27 - تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر: منه نسختان اطلعت عليهما بالمكتبة السليمانية بتركيا، وذكره غير واحد. 28 - كتاب في القدر:" قاعدة القدر " ذكره في مقدمة كتابه الإشارات الإلهية .. وفي كتابه الانتصارات الإسلامية. 29 - الفوائد: ذكره في كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية".
30 - الآداب الشرعية: ذكره في كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية". 31 - الجدل في علم الجدل: اطلعت على نسخة منه في مكتبة شهيد علي بتركيا- استانبول-. 32 - مصنف آخر صغير في الجدل: وقد ذكره في الإشارات باسم" مختصر الجدل". وذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 257). 33 - دفع الملام عن أهل المنطق والكلام: ذكره هو في كتابه الإشارات الإلهية ... وذكره د. مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ... ونجم الدين الطوفي ص 91. 34 - البلبل في اختصار روضة الناظر: ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155) وصاحب كشف الظنون (1/ 930) " مطبوع". 35 - شرح روضة الناظر: ثلاثة مجلدات، الجزء الثاني منه في مكتبة الحرم المكي، وصورته في مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وحققه وطبعه معالي الأستاذ الدكتور عبد الله التركي وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وكذلك د. إبراهيم البراهيم.
36 - معراج الوصول إلى علم الأصول: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1738) والزركلي في الأعلام (3/ 128)، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367). 37 - الذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة: ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 827) والزركلي في الأعلام (3/ 128)، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367). 38 - شرح المحصول في أصول الفقه: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1616). 39 - مختصر المحصول: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 92. 40 - مختصر الحاصل في أصول الفقه: ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 92. وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367). 41 - الرياض النواظر في الأشباه والنظائر: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والزركلي في الأعلام (3/ 128)، والدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة ص 92.
42 - القواعد الكبرى في فروع الحنابلة: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (2/ 1359). 43 - القواعد الصغرى: ذكره الطوفي في الانتصارات الإسلامية وشرح الروضة (2/ 445) خ وفي أكثر كتبه التي اطلعت عليها. 44 - شرح نصف مختصر الخرقي: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغير واحد. 45 - القواعد الدمشقية: ذكره الطوفي في كتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية" في أول حديثه عن الشرط الرابع. 46 - مقدمة في علم الفرائض: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب الأنس الجليل (2/ 258). 47 - شرح مختصر التبريزي في الفقه الشافعي: ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367) وغيرهم.
48 - الصعقة الغضبية على منكري العربية: منه نسخة بدار الكتب القومية المصرية برقم (228/ مجاميع). وقد ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 93. وصاحب إيضاح المكنون (2/ 67) حققه د. محمد الفاضل وطبع في مكتبة العبيكان بالرياض. 49 - الرسالة العلوية في القواعد العربية: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (1/ 878). 50 - غفلة المجتاز في علم الحقيقة والمجاز: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (2/ 1153). 51 - تحفة أهل الأدب في معرفة لسان العرب: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، وصاحب كشف الظنون (1/ 363) والزركلي في الأعلام (3/ 128). 52 - الرحيق السلسل في الأدب المسلسل: ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367). 53 - موائد الحيس في شعر امرئ القيس: ذكره صاحب كشف الظنون (2/ 1897) وابن رجب في الذيل (2/ 368).
54 - شرح مقامات الحريري: في ثلاثة مجلدات، ذكره ابن حجر في الدرر الكامنة (2/ 155)، والسيوطي في بغية الوعاة ص 262، وابن رجب في الذيل (2/ 368). 55 - الشعار المختار على مختار الأشعار: ذكره الدكتور مصطفى أبو زيد في المصلحة المرسلة ص 93. وقد اطلعت على صورة منه في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وعنوانه فيها:" الشعار على مختار الأشعار". 56 - إزالة الأنكاد في مسألة كاد: ذكره صاحب كشف الظنون (1/ 71) وبروكلمان. 57 - قصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد بن حنبل: ذكرها ابن رجب وغيره. هذه هي مصنفات الإمام الطوفي- رحمه الله- لا على وجه الحصر وإن كنت أريد الحصر، فلم يتسير لي ذلك، وله مؤلفات أخرى لم أستطع معرفة اسمائها، وقد شهد بكثرة مؤلفاته وعدم حصرها المؤرخون له. يقول ابن رجب- رحمه الله- في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 368) بعد أن عدد مؤلفاته:" واختصر كثيرا من كتب الأصول، ومن كتب الحديث أيضا" اه. ويقول العلمي في الأنس الجليل:" ويقال: إن له بقوص خزانة كتب من تأليفه، فإنه أقام بها مدة".
عقيدته ومذهبه: إن من يعيش في بيئة كالبيئة التي عاش فيها الطوفي- رحمه الله- لا بد أن يواجه كثيرا من المشكلات، خاصة وأن بيئته كما أسلفنا مليئة بالصراعات السياسية المبنية على اختلاف الدين والعقيدة بل مليئة بالصراعات الفكرية والعقدية لتعدد الطوائف والفرق من أهل القبلة وغيرهم كالرافضة والصوفية «1» والحلولية «2» والمعتزلة «3»
والأشاعرة «1» وغيرها، وقل من عصمه الله في تلك الحقبة من الزمن أن يزل أو ينحرف عن الحق أو يخطئ. لكثرة الجدل واختلاف المشارب واستيلاء الأهواء على كثير من الناس، وفشو الجهل بين البعض الآخر. ولقد كان من نتائج ذلك الاختلاف فشو الحسد بين أهل العلم، فلقد حرص الشيطان على إيقاع الاختلاف والفرقة بين كثير منهم وكثرت إشاعة الأخطاء مما أوقد نار الحقد والضغينة بين أصحاب المذاهب والنحل، وأصبح همّ بعضهم التغلب على خصمه في الجدل والمناظرات، واستعداء الناس على مقاطعته، وتسجيل الأخطاء والاشتغال بذلك. والمتتبع لما كتب عن الطوفي- رحمه الله- يجد أن كل من كتب عنه من المؤرخين قد اتفقوا على فضله وصلاحه وذكائه، وزهده في الدنيا وتقلله منها وتدينه. كما اتفقوا على طول باعه في الأصول، وعلى تفننه، وعلى أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل في الفقه والأصول، وكتبه تشهد بذلك. كما اتفقوا أيضا على اشتغاله بالحديث على أشهر علماء عصره فى الحديث ومصطلحه. وسأتحدث في هذا المبحث عن عقيدة الطوفي ومذهبه في النقاط التالية:
الأولى: الطوفي وموقفه من الرفض. الثانية: مذهب الطوفي في الأسماء والصفات وبعض مسائل العقيدة. الثالثة: مذهب الطوفي في المصلحة المرسلة. الرابعة: قول الطوفي في حديث الآحاد. وخصصت هذه المسائل بالبحث لأن الطوفي متهم بالرفض حتى من الذين أثنوا على تدينه وعلمه وفضله وصلاحه. كما اتهم أيضا بأنه أشعري العقيدة. وله رأي خاص به في المصلحة المرسلة، وإن لم يذكره العلماء السابقون أو المؤرخون للطوفي وإنما اشتهر في هذا العصر بعد الاطلاع على ما كتبه في هذا الموضوع في كتابه شرح الأربعين النووية عند شرحه لحديث: «لا ضرر ولا ضرار» «1». أما رأيه في خبر الآحاد فقد تبين لي من كلامه في هذا الكتاب" الانتصارات ... " ومن اطلاعي على بعض كتبه الأخرى، ويشاركه في ذلك كثير من الأصوليين.
الطوفي وموقفه من عقيدة الرافضة: قبل أن نعرض لآراء الطوفي- رحمه الله- لا بد أن نعرف معنى: الرافضة والشيعة وهل مدلولهما واحد، أم أن كل لفظ يطلق على موصوف غير الموصوف الذي يوصف به اللفظ الآخر: معنى الرفض والتشييع: 1 - الرفض في اللغة مصدر رفض يرفض إذا ترك. قال ابن منظور «1»: " الرفض: تركك الشيء، وهو من باب ضرب أو ترك. والروافض: جنود تركوا قائدهم وانصرفوا فكل طائفة منهم رافضة، والنسبة إليهم: رافضي «2». وقد سمي قوم من الشيعة: رافضة لأنهم تركوا زيد بن علي «3». فإنهم لما
سئل- رضي الله عنه- عن أبي بكر «1» وعمر «2» - رضي الله عنهما- فترحم عليهما رفضه قوم من الذين بايعوه وقالوا له: أبرئ من الشيخين نقاتل معك، فأبى وقال: كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما «3». قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-" فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه «4». ولم يعرف لفظ الرافضة قبل ذلك «5»، ولكنه استعمل في كل من غلا في هذا المذهب وأجاز الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم «6».
2 - والشيعة القوم الذين اجتمعوا على الأمر، ويتبع بعضهم رأي بعض وليس كلهم متفقين على رأي. كما قال الله تعالى: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) «1» فكل فرقة تكفر الفرقة المخالفة لها. والشيعة أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شيع وأشياع وفي الحديث: " القدرية شيعة الدجال" أي أولياؤه، وأنصاره، وقد غلب هذا الاسم على من يتولى عليا «2» وأهل بيته، رضوان الله عليهم «3». وبعد هذا التعريف الموجز فقد تتبعت ما استطعت الوصول إليه من مؤلفات الطوفي ووجدته يتحدث كثيرا عن الرافضة والشيعة وعن مذهبهم ويهاجمهم ويلعنهم، وهذه نماذج مما وجدته في هذا الموضوع: يقول في كتابه:" الصعقة الغضبية على منكري العربية" الورقة (24) من النسخة الخطية بدار الكتب المصرية:
" من الأصول العظيمة التي نشأ النزاع فيها من جهة العربية اختلاف الشيعة والسنة فيما يتعلق بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه-، ومنعه فاطمة «1» - رضي الله عنها- فدكا «2» والعوالي «3»، فإنها لما جاءت تطلب إرثها عن أبيها قال: " سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:" ما تركناه صدقة «4»، ولم يعطها شيئا فخاضت الرافضة في أبي بكر وقالوا: منع فاطمة إرثها. وقال أهل السنة: إنما عمل بما سمع، ولم يمنعها حقا. ومنشأ الخلاف بينهم من حيث أن" ما" وردت في اللغة على وجهين: اسمية وحرفية، ولكل واحد منهما خمسة أقسام ... إذا عرفت
ذلك فالرافضة حملوا" ما" في قوله- عليه السلام-: «ما تركنا صدقة» «1» على أنها نافية، أي: لم نترك صدقة، وإنما تركنا ما تركناه إرثا لغيرنا، وحملها أهل السنة على أنها موصولة، بمعنى الذي، تقديره: الذي تركناه صدقة، بالرفع على الخبر، وحذف الهاء من تركناه لأنها ضمير منصوب وهو سائغ الحذف فى الصلة، كقوله تعالى: وما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ... (35) «2» قرئ بحذف الهاء وإثباتها «3». وهذا هو الحق- إن شاء الله تعالى- وما ذهب إليه الرافضة خطأ صريح محض" «4». ثم رد على الرافضة في نفس الموضع على تضعيفهم الحديث المذكور فقال:" ... لا سبيل إلى منع صحته، إذ قد رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث عائشة «5»، وأبو داود من حديث مالك بن أوس
ابن الحدثان «1»، وهو حديث مشهور مستفيض، إلا أن للرافضة أصلا خبيثا باطلا، وهو أنهم لا يقبلون رواية الصحابي لمرض في قلوبهم عليهم وليس هذا موضع الرد عليهم في ذلك الأصل «2» ". اهـ. وقد تحدث عن ذلك في كتابه الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية عند كلامه عن قوله تعالى: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ... (16) الآية «3» ثم قال:" وقصد الشيعة- لعنهم الله- بذلك تظليم الشيخين بمنع فاطمة إرثها من أبيها، والعباس إرثه من ابن أخيه صلّى الله عليه وسلم .... " أما عن التفضيل بين أبي بكر وعلي- رضي الله عنهما- فيقول عند كلامه عن قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ... (19) «4» الآية" وتعلقت به الشيعة فقالوا: كان علي يوم بدر أول مبارز، وأبو بكر في العريش مع النبي- عليه السلام- فعلي أعظم جهادا، فليكن أفضل من أبي بكر لقوله- عز وجل-: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ ... (95) «5». وأجيب بأنه يلزمكم مثله في النبي صلّى الله عليه وسلم، وأن عليا أفضل منه، وأنه محال «6». فإن قيل: النبي- عليه السلام-
كالإمام شأنه أن يقاتل بين يديه. قيل: وأبو بكر كالوزير شأنه أن يكون مع الإمام" «1» اهـ. ويقول عن فضل أبي بكر- رضي الله عنه- عند كلامه عن قوله تعالى: ولا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ ... (22) «2» الآية:" احتج بها الجمهور على فضل أبي بكر لأنها نزلت فيه، إذ ترك الإنفاق على مسطح «3»، وقد وصف فيها بأنه من أولي الفضل. أي والله الذي لا إله إلا هو إنه من أولي الفضل. وأجابت الشيعة- لعنهم الله- بأن الوارد فضل المال وكثرته بدليل اقترانه بالسعة، لا الفضل الذي هو الكمال ضد النقص. لكن يحتج بها الجمهور من موضع آخر وهو قوله عز وجل: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ... (22) «4» وهو يدل على أنه مغفور له «5» ". ويقول أيضا في كلامه عن قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا ... (40) «6» الآية:" احتج بها أهل السنة على فضل أبي بكر رضوان الله عليه من وجوه:
أحدها: النص على ثبوت صحبته، حتى قال بعض العلماء من أنكر صحبة أبي بكر فقد كفر، لتكذيبه النص المتواتر القاطع بإثباتها، بخلاف من أنكر صحبة غيره، لعدم ذلك. وفيه نظر، لأن غيره كعمر وعثمان «1» وعلي وباقي العشرة ثبتت صحبتهم بالتواتر، وهو قاطع أيضا، فإنكار مدلوله كفر. الوجه الثاني: قوله لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فكان له في هذه المعية اختصاص لم يشاركه فيه صحابي. وقد يقال بأن هذا التشرف حصل لجميع الصحابة بقوله- عز وجل-: وأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ واللَّهُ مَعَكُمْ «2». غير أن لقائل أن يقول: معية أبي بكر- رضوان الله عليه- أخص من هذه، فيمتاز بها. الوجه الثالث: ((ثاني اثنين)) قالوا: فيه إشارة إلى شيئين أحدهما أنه ثانيه من بعده في الإمرة، والثاني أن اسمه لم يفارق اسمه إذ كان يقال له خليفة رسول الله حتى توفي، فقيل لمن بعده وهو عمر- رضي الله عنه- أمير المؤمنين، وانقطعت خصيصة ثاني اثنين. الوجه الرابع: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ قال بعضهم: الضمير في عليه لأبي بكر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم لم تفارقه السكينة حتى يحتاج إلى نزولها عليه، وإنما أنزلت
على أبي بكر- رضي الله عنه- وهو ضعيف. أما أولا فلقوله- عز وجل-: أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ فقد أنزلت عليه السكينة، مع ما ذكروه من عدم مفارقتها له، ولا اقتناع من أن يزاد سكينة على سكينة، ونورا على نور. وأما ثانيا فلأن ذلك يقتضي أن الضمير في وأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها لأبي بكر أيضا، وهو خلاف الظاهر بل القاطع، ولا أظن أحدا قال بذلك. أما الشيعة فطعنوا على أبي بكر- رضي الله عنه- من الآية بوجه واحد وهو قوله: (لا تَحْزَنْ) دل ذلك على أنه حزن لأجل طلب الكفار لهما، مع أنه مع رسول الله، بعين الله، تحت رعاية الله، وقد سمع النبي صلّى الله عليه وسلم يخبر بأنه سيظهر على أعدائه، ويظهر دينه على جميع الأديان، فحزن أبي بكر والحالة هذه إما شك في هذا الخبر، أو ضعف منه وخور. قالوا: وإنما الشجاع المؤمن، واللبيب الموقن: علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- حيث كان نائما على فراش النبي صلّى الله عليه وسلم معرضا نفسه من أيدي الكفار لشرب كئوس الحمام «1»، فما شك وما خار، ولا تبلد ذهنه ولا جار!. وأجاب أهل السنة بأن حزن أبي بكر- رضي الله عنه- لم يكن ضعفا ولا شكا، وإنما كان رقة غالبة، وشفقة على النبي صلّى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك عن شك أو ضعف لكان أولى ما صدر منه يوم بدر حين قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد» وأخذ أبو بكر بردائه يقول:" كفاك مناشدتك ربك، إن شاء الله سينجز لك ما وعدك «2» " وهذا غاية الشجاعة والإيمان،
ثبوت الجنان عند قراع الأقران" «1». اهـ. أما ما يتعلق بخلافة أبي بكر- رضي الله عنه- فسيأتي كلامه عنها في آخر الكتاب- إن شاء الله «2» - وله كلام غير هذا في الإشارات وشرح الأربعين يضيق المقام بذكره. وقال عن عمر- رضي الله عنه- في شرح الأربعين النووية ص: 79 عند شرحه لحديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله ... » «3» يقول:" واعلم أن من العجب أن هذا الحديث الثابت كان عند ابن عمر، وهو نص في قتال ما نعي الزكاة، ولم يبلغ أبا بكر وعمر حتى تشاجرا في قتالهم وجرى بينهما مناظرة في ذلك، واحتاج أبو بكر إلى القياس بأن قال:" والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة «4» " وإلى الاستنباط من قوله عليه السلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها) قال أبو بكر: والزكاة من حقها. قلت: فلعل ابن عمر كان غائبا أو مريضا أو ناسيا للحديث ذلك الوقت، ولقد وفق أبو بكر حيث وقع استنباطه وقياسه موافقا هذا النص، وخالفه عمر في هذا المقام، وكان الأولى
بموافقته لما عهد منه من موافقته النصوص حتى قال:" وافقت ربي في ثلاث «1» " ثم إن عمر رجع في هذه القضية إلى متابعة أبي بكر ... " اهـ. أما عن عثمان- رضي الله عنه- فيتضح من كلامه «2» عند قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا ... (155) الآية «3»:" فيها مسائل للشيعة: الأولى: أن هذا كان يوم أحد ففر عثمان وثبت علي فدل على أن عليا أفضل لأنه سلم من هذه الآية. الثانية: أن الفرار من الزحف كبيرة خصوصا عن النبي- عليه السلام- في تلك الضائقة، وقد أتاها عثمان. الثالثة: دلت الآية على أن فرار عثمان إنما كان عقوبة على ذنب أتاه لقوله عز وجل: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا فكان عقوبة الذنب ذنبا مثله. وأجابت السنة بتمام الآية وهو قوله- عز وجل: ولَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ. والذنب المغفور كغير المعمول، ولو ساعد الدليل على أن يحمل تولي عثمان وأصحابه توليا مباحا إما تحرفا لقتال أو تحيزا إلى فئة لكان أولى، لكنه لا يساعد، إذ لو كان كذلك لما لحقتهم اللائمة، ولما احتاجوا إلى العفو، وبما أجبنا به أولا أجاب ابن عمر عن عثمان مع معرفة ابن عمر بحقيقة الواقعة «4» " اهـ.
أما ما قاله عن عائشة وحفصة «1» - رضي الله عنهما- فيتبين من قوله في كلامه في الإشارات عن قوله تعالى: ... فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ... (10) «2» الآية. قال:" زعمت الرافضة لعنهم الله أنه يعرض بعائشة وحفصة، وأنهما كامرأتي نوح ولوط في النار لتظاهرهما على رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وأذاهما له، وزعموا لعنهم الله أن عائشة كان بينها وبين عثمان شيء فنزغ لها بهذه الآية معرضا بها فحقدت عليه ثم لم تزل تؤلب الناس عليه حتى قتلوه، ثم إنها ندمت مع كراهتها إمرة علي فخرجت تطلب بثأره. وأجاب الجمهور بأن هذا كله لم يكن منه شيء وهو كذب مختلق، وإجماع أهل الحق على أنهما زوجتاه في الجنة لا يعارضه شيء مما ذكروه" اه «3». ويقول في الإشارات أيضا عن عائشة- رضي الله عنها- في كلامه عن قوله تعالى: .. وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ... (33) «4» الآية:" يتعلق بها الشيعة أخزاهم الله
على عائشة ويقول أمرت أن تقر في بيتها فخالفت وخرجت إلى تفريق المؤمنين، وقتال علي بالبصرة حتى قتل بسببها من قتل، وهم نحو عشرين ألفا. والجمهور أجابوا بأنها خرجت مصلحة للفساد ومطفية للثائرة مجتهدة في ذلك فهي لا تنفك من أجر أصاب اجتهادها أو أخطأ" اهـ. وقال عن معاوية بن أبي سفيان- رضي الله عنه «1» - في الإشارات عند حديثه عن قوله تعالى: وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) «2»." يحتج بها الشيعة أبعدهم الله من رحمته على معاوية ومن شايعه على قتال علي، لأن النبي- عليه السلام- أمر بقتال المارقين وهم الخوارج «3»، والناكثين وهم أهل الجمل،
والقاسطين وهم أهل الشام «1» ". وأجاب الجمهور بأنا لا نسلم صحة الحديث، ولا أن معاوية كان من القاسطين ولو سلمنا عموم الآية في كل قاسط، بل هي لقاسطين معهودين من الجن أو غيرهم». أما عن مذهب الرافضة في الصحابة- رضي الله عنهم- فيقول الطوفي- رحمه الله- في كلامه في كتابه الإشارات عن قوله تعالى: أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ... (144) «2» الآية:" زعمت الشيعة أن هذا تعريض من الله- عز وجل- بارتداد الصحابة وانقلابهم على أعقابكم بعد موت النبي- عليه السلام-، قالوا: والنبي- عليه السلام- علم ذاك فأكد في نهيهم عنه بقوله: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض: لا ترجعوا بعدي ضلالا» «3» الحديث. لم يكفه ذلك حتى أخبرهم بأنهم سيؤخذ بهم يوم القيامة عن الحوض ذات الشمال إلى النار، حتى لا يخلص منهم إلا مثل همل النعم. قالوا: وقد كان ذلك منهم بانحرافهم عن إمامهم المنصوص عليه وهو علي إلى غيره. وأجاب الجمهور بأنا لا نسلم في أن الآية تعريضا بما ذكرتم، وإنما هو جملة شرطية دخل عليها حرف الاستفهام فأفادت تشجيعهم على القيام بالأمر معه ومن
بعده، وقد فعلوا، وأما قوله- عليه السلام- «لا ترجعوا بعدي كفارا» فهو نهي لهم عن مثل ما خلفت به الأمم السالفة أنبياءها من الكفر، وقد امتثلوا فلم يكفروا، وما كان بينهم من الحروب والدماء فعن تأويل واجتهاد، هم فيه معذورون، بل ومأجورون. وأما المأخوذ بهم ذات الشمال إلى النار فمحمول على أهل الردة الذين ماتوا عليها" اهـ. أما عن عصمة الأئمة فيتبين موقفه منها في شرحه على مختصره لروضة الناظر عند كلامه في شروط المتواتر ورده على الشريف المرتضى الرافضي المعتزلي «1» في اشتراطه عدم اعتقاد نقيض المخبر به لافادة التواتر العلم. قال الطوفي:" ولذلك اشترطت الشيعة وابن الراوندي «2» أن يكون فيهم الإمام المعصوم ليكون خبرهم معصوما من الخطأ، وهو باطل: أما أولا: فلأنهم منازعون في وجود العصمة في غير الملائكة والرسل. وأما ثانيا: فلأن عصمة خبرهم مستندة إلى كثرتهم لا إلى أوصافهم وإلا
لاشترطت العدالة والإسلام. ولأن العلم مخلوق لله سبحانه وتعالى مقارنا للإخبار، فكما جاز خلقه مع إخبار المعصوم جاز خلقه مع إخبار المعصوم، ثم يلزمهم ألا يوجد في بلاد الكفر تواتر، إذ لا معصوم فيهم اللهم إلا أن لا يشترطوا للعصمة الإسلام فإن عقولهم أسخف من هذا". [شرح الطوفي على مختصره ج 2 الورقة 145/ ب 61]. فهو هنا يطعن في أهم ركيزة عند الشيعة وبالأخص الإمامية. وعن إمامة علي رضي الله عنه يقول في حديثه عن أهل التواتر في المصدر السابق: «قوله وكتمان أهل التواتر ما يحتاج إلى نقله ممتنع، خلافا للإمامية» أي: إن أهل التواتر، وهو العدد الذي يحصل العلم التواتري بخبرهم، هل يجوز أن يكتموا ما تدعو الحاجة إلى نقله؟ فالجمهور قالوا: لا يجوز. وقالت الإمامية- وهم أشهر طوائف الشيعة-: يجوز ذلك لاعتقادهم كتمان النص على إمامة علي رضي الله عنه أي لأنهم يعتقدون أن الصحابة رضي الله عنهم مع كثرتهم كتموا النص على إمامة علي والوقوع يدل على الجواز قطعا. لنا: أن كتمانهم لما يحتاج إلى نقله كتواطئهم على الكذب، وتواطؤهم على الكذب بكتمانهم لما يحتاج إلى نقله محال، أما الأولى: فلأن كتمان الواقع- خصوصا مع الحاجة إلى نقله- بمثابة قولهم: ما وقع، وقولهم لما وقع: انه ما وقع كذب قطعا، لأن الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، وهذا كذلك، فكذلك الكتمان الذي هو بمثابة قولهم: ما وقع. أما أن تواطؤهم على الكذب محال فلما سيأتي عن قريب- إن شاء الله- «1» " اهـ. هذه بعض مقالاته عن الرافضة، وإن كانت مختصرة، لأنها منقولة من كتبه
التي لم يرد بها الرد عليهم ف" الصعقة الغضبية" ليس- كما قال- موضع الرد عليهم، و" الإشارات" قد التزم فيه منهج الاختصار في ذكر استدلال الشيعة وغيرهم بآيات القرآن الكريم على مذاهبهم، وكان يتوسع فيه في الرد عليهم أكثر من غيرهم. ومما تقدم من المقالات يتبين أنه لو كان رافضيا مثلهم لما كشف عن عورتهم في رد رواية الصحابي لمرض في قلوبهم ... وما لعنهم. فما عرف أن رافضيا يلعن جماعته، ويسبهم، ويذكر بأنهم استطالوا على الصحابة، وكيف يدافع عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة ومعاوية وغيرهم من الصحابة- رضي الله عنهم جميعا- وهم أعداء الشيعة وأعداء لعلي- رضي الله عنه- في نظرهم مع أن الرافضة ما كانت تخفي هذا في زمن الطوفي- رحمه الله- كابن المطهر الحلي، وغيره لمكانتهم عند الخلافة العباسية ووجود من يقدمهم عندها وهو الوزير الخبيث ابن العلقمي. ثم إن هناك من علماء الرافضة الكثير يصرحون بمذهبهم ويحضرون مجالس علماء أهل السنة ولم يدعوا أنهم على غير مذهب الرافضة. لكن مع هذا نورد ما قاله عنه المؤرخون له، واتهموه به مما يتعلق بالرفض لتظهر لنا الصورة الواضحة عن هوية الطوفي- رحمه الله- يقول الإمام الذهبي- رحمه الله تعالى- في كتابه:" العبر .. " عن ترجمة الطوفي:" هو سليمان بن عبد القوي ... الشيعي" ولم يزد عن هذه الكلمة عنه. أما ابن رجب- رحمه الله تعالى- فيقول بعد أن بين منزلته العلمية وفضله وتدينه وآثاره العلمية ... :" وكان مع ذلك كله شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السنة حتى إنه قال عن نفسه: حنبلي رافضي أشعري ... هذه إحدى العبر"
حتى إنه صنف كتابا سماه:" العذاب الواصب على أرواح النواصب" «1» اهـ. قلت: والعجيب أن ابن رجب- رحمه الله-: يقول عنه قبل ذلك:" وكان فاضلا صالحا ... وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعلق عنهم ... ولقي الشيخ تقي الدين ابن تيمية والمزي والشيخ مجد الدين الحراني، وجالسهم" «2» إلى أن قال: " وله نظم رائق وقصائد في مدح النبي صلّى الله عليه وسلم وقصيدة طويلة في مدح الإمام أحمد" «3» اهـ. فقد مدحه أولا وبين فضله وصلاحه ثم بين أن شيوخه ومن جالسهم فضلاء الناس في عصره. وما أدري كيف يسكت عنه أولئك العلماء الفضلاء، ولا يعرفون انحرافه وتشيعه، ثم كيف يجمع بين الفضل وعلو المنزلة في العلم وبين الرفض؟ وكيف يتصنع في المسائل العلمية، مع جرأته التي تتضح من كتبه ومناظراته- رحمه الله- يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية (2/ 179 - 180):" وأما من عرف الإسلام كيف كان وهو مقر بأن محمدا رسول الله باطنا وظاهرا، فإنه يمتنع أن يكون في الباطن رافضيا، ولا يتصور أن يكون في الباطن رافضيا إلا زنديق منافق، أو جاهل بالإسلام ... فهل عرف أحد من فضلاء أصحاب الشافعي وأحمد وأصحاب مالك كان رافضيا؟ أم يعلم بالاضطرار أن كل فاضل منهم من أشد الناس إنكارا للرفض، وقد اتهم طائفة من أتباع الأئمة بالميل إلى نوع من الاعتزال، ولم يعلم أحد منهم اتهم بالرفض لبعد الرفض عن طريق أهل العلم ... " اهـ.
ثم كيف يكون رافضيا خبيثا ويمدح أعداء الرفض وينتحل مذهبهم الفقهي فهو كما قال ابن رجب- رحمه الله- مدح الإمام أحمد بقصيدة طويلة وهو لم يدرك الإمام أحمد حتى يتملق له وينافق في مدح مذهبه، ثم لم يكن هناك سلطة قوية تنتحل مذهب الحنابلة، بل كانت معظم الناس على مذاهب فقهية متعددة، بل وعلى مذاهب عقدية ونحل متفرقة وربما كان الحنابلة ومن على مذهب الإمام أحمد في العقيدة قليلين ومضايقين في عصر الطوفي كما حدث للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو رأس الحنابلة في ذلك الوقت وغيره. وابن تيمية- رحمه الله- من أشد أعداء الرافضة بل لقد كان كلامه عليهم صواعق مدمرة كما يتضح ذلك من كتابه المتقدم، ومع ذلك يلتقي به الطوفي- رحمه الله- ويجلس في حلقاته قرابة عام في دمشق ويدرس ابن تيمية على الطوفي العربية أياما، بل لقد كان الطوفي- رحمه الله- معجبا أشد العجب بابن تيمية- رحمه الله- فهو يقول فيه فيما نقله الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في مقدمته لفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:" كأن العلوم بين عينيه يأخذ ما يشاء ويذر ما يشاء وعرضت عليه أبيات فثنى رجليه وأجاب عنها بمائة وتسعة أبيات، ويجيب في القعدة الواحدة بعدة كراريس" «1» اهـ. وقد نقل الشيخ عبد الله بن حميد- رحمه الله- في مقدمة الفتاوى كلاما للطوفي في ابن تيمية نحو هذا يقول:" قال عنه الطوفي:" سمعته يقول: من سألني مستفيدا حققت له ومن سألني متعنتا نقضته فلا يلبث أن ينقطع فأكفى مئونته" «2» اهـ. وقال الطوفي في شرح مختصر الروضة (2/ 445):" وقد صنف
شيخنا تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية- رحمه الله عليه- كتابا بناه على بطلان نكاح المحلل، وأدرج فيه جميع قواعد الحيل، وبين بطلانه بأدلته على وجه لا نزيد عليه". أما ما روي عن الطوفي أنه قال: حنبلي رافضي أشعري ... هذه إحدى العبر فقد نقلها المؤرخون، ونسبوها إليه ورووها بروايات مختلفة منها: حنبلي رافضي ظاهري ... أشعري انها إحدى العبر ومنها: أشعري حنبلي وكذا ... رافضي هذه احدى العبر ولم يشر أحد إلى موضعها من كتبه ولم أجد لها ذكرا أو إشارة فيما حصلت عليه من كتب الطوفي- رحمه الله- ولا يستبعد إلصاقها به، فقد ألصق بمن هو أفضل من الطوفي أكبر من ذلك، فقد نسب إلى الإمام مالك «1» - رحمه الله- بطريق الجزم أنه أباح إتيان المرأة في الدبر وتناقل هذا القول كثير من العلماء مع أنه برئ من ذلك- رحمه الله- وقد أنكر هذه المقولة عند ما سئل عن ذلك. وليس الإمام مالك وحده أو الطوفي وحده الذي ألصقت بهما التهم والأقوال الباطلة.
وعلى فرض صحة نسبة هذه المقولة إليه فأي رواية منها قال؟ لأن في بعضها أنه رافضي وأشعري وحنبلي وبينها اختلاف، وفي بعضها أنه حنبلي أشعري ظاهري، وبين الثلاثة اختلاف أيضا ولا تجتمع هذه المذاهب لا في الفقه ولا في العقيدة إلا على وجه التعسف وقد تتفق في بعض المسائل فقط. ثم إن كتبه تشهد بأنه حنبلي في الفقه، وغير رافضي في الفقه ولا في العقيدة، وإن كان له رأيه ومنهجه المتميز عن غيره بالجرأة وقوة الأسلوب. أما أنه كتب" العذاب الواصب على أرواح النواصب" فلم أعثر على الكتاب حتى أتحقق هل قال فيه ما يدل على أنه على مذهب الرافضة؟ أم أنه يرد على من ناصب عليا العداء وأبغضه من الخوارج وغيرهم فنحن معه في أننا نبغض من أبغض عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- وعاداه وأنكر فضله بعد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم جميعا- وكل من لم يعرف قدره من الشيعة والخوارج وغيرهم فسيلقى جزاءه يوم القيامة. ولم يكتف ابن رجب- رحمه الله تعالى- بهذا القول عن الطوفي- رحمه الله- بل قال عنه أيضا:" ومن دسائسه الخبيثة أنه قال في شرح الأربعين للنووي: اعلم أن من أسباب الخلاف الواقع بين العلماء: تعارض الروايات والنصوص، وبعض الناس يزعم أن السبب في ذلك: عمر بن الخطاب، وذلك أن الصحابة استأذنوه في تدوين السنة من ذلك الزمان، فمنعهم من ذلك، وقال: لا أكتب مع القرآن غيره، مع أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «اكتبوا لأبي شاه خطبة الوداع» «1» وقال:
«قيدوا العلم بالكتابة» «1» قالوا: فلو ترك الصحابة يدون كل واحد منهم ما روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم لانضبطت السنة، ولم يبق بين آخر الأمة وبين النبي صلّى الله عليه وسلم في كل حديث إلا الصحابي الذي دون روايته، لأن تلك الدواوين كانت تتواتر عنهم إلينا، كما تواتر البخاري ومسلم ونحوهما" قال ابن رجب:" فانظر إلى هذا الكلام الخبيث المتضمن: أن أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه- هو الذي أضل الأمة، قصدا منه وتعمدا ولقد كذب في ذلك وفجر" «2» اهـ. قلت: قد اطلعت على شرح الأربعين للنووي وهو مخطوط بدار الكتب بمصر واستعرضته من أوله إلى آخره فلم أجده، ووجدت له كلاما عكس هذا يمدح فيه أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- منه ما تقدم في قصة اختلاف رأي أبي بكر وعمر في قتال المرتدين، وأن عمر- رضي الله عنه- خالف أبا بكر أول الأمر وكان الأولى موافقته لما عهد منه من موافقة النصوص حتى إن الوحي وافق رأيه. والقول الآخر قول الطوفي- رحمه الله- في شرحه لحديث (ص 156 - 157) «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين» «3» قال:" اختلف
الناس في هذه اللام فقال أهل السنة هي للعهد والخلفاء الراشدون هم الأربعة بعد النبي صلّى الله عليه وسلم بدليل قوله: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» «1» ونحوه. وقال الشيعة اللام لاستغراق الوصف أي كل من اتصف بالرشد والهداية من الخلفاء بعدي فعليكم بسنته، وإنما قالوا ذلك لأن أبا بكر وعمر وعثمان- رضوان الله عليهم- عندهم ليسوا من الخلفاء الراشدين المهديين، لتقدمهم على علي بن أبي طالب بغير حق ووضعهم الخلافة في غير النصاب الذي وضع الله- عز وجل- فيه النبوة وهم بنو هاشم بزعمهم. ونصوص السنة وإجماع أهلها ترد عليهم في ذلك. والراشد الذي أتى بالرشد واتصف به والمهدي الذي هداه الله- عز وجل- لأقوم الطرق" اهـ. وقد تأملت النص الذي أورده ابن رجب- رحمه الله- فرأيت أنه لا يدل على أنه من قول الطوفي- رحمه الله- ولا أنه يؤيده، بدليل أن أول النص يدل على أنه يحكي قولا لبعض الناس في ذلك:" وبعض الناس يزعم أن السبب في ذلك عمر بن الخطاب"، ثم يقول أيضا:" وقالوا: فلو ترك الصحابة يدون كل واحد ... " فليس في النص ما يؤكد ذلك ولا أنه يؤيد قول هؤلاء الزاعمين والقائلين بذلك. والذي يؤخذ عليه في هذا عدم رده على هذه المعقولة. قال ابن رجب- رحمه الله تعالى-:" وقد كان الطوفي أقام بالمدينة النبوية
مدة يصحب الرافضي: السكاكيني المعتزلي «1»، ويجتمعان على ضلالتهما وقد هتكه الله، وعجل الانتقام منه بالديار المصرية" «2» اهـ. قلت: مجالسته للسكاكيني لا تدينه بأنه على مذهبه وإلا لكان مجموعة من فضلاء الأئمة الذين جالسوا السكاكيني وسمعوا منه: رافضة أيضا من أمثال الإمام الذهبي- رحمه الله- فقد سمع من السكاكيني الحديث وقال الذهبي عن السكاكيني:" كان حلو المجالسة ذكيا عالما فيه اعتزال، وينطوي على دين وإسلام وتعبد، سمعنا منه، وكان صديقا لأبي، وكان ينكر الجبر، ويناظر على القدر، ويقال أنه رجع في آخر عمره ... " «3»، ثم إن ما حصل له بالديار المصرية كان قبل مجالسته للسكاكيني. بل إن هناك أمورا تشهد بأنه لا يوافقه على مذهبه، فمذهب الطوفي في القدر على خلاف مذهب السكاكيني، وهو ينكر عليه ذلك. يقول الطوفي في الإعجاب بابن تيمية:" وكان من أذكياء العالم، وله في ذلك أمور عظيمة منها أن محمد ... السكاكيني عمل أبياتا على لسان ذمي في إنكار القدر ... فوقف عليها ابن تيمية فثنى إحدى رجليه ... وأجاب ... بمائة وتسعة أبيات" «4».
قال ابن رجب- رحمه الله-:" قال تاج الدين أحمد بن مكتوم القيسي في حق الطوفي: قدم علينا- يعني الديار المصرية- في زي أهل الفقر، وأقام على ذلك مدة، ثم تقدم عند الحنابلة، وتولى الإعادة في بعض مدارسهم، وصار له ذكر بينهم، وكان يشارك في علوم، ويرجع إلى ذكاء وتحقيق، وسكون نفس، إلا أنه كان قليل النقل والحفظ، وخصوصا للنحو على مشاركة فيه، واشتهر عنه الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة- رضي الله عنهما- وفي غيرهما من جملة الصحابة- رضي الله عنهم- وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه، نقلها عنه بعض من كان يصحبه ويظهر موافقة له، منها قوله في قصيدة: كم بين من شك في خلافته ... وبين من قيل: إنه الله فرفع أمره ذلك إلى قاضي الحنابلة سعد الدين الحارثي ... " اهـ. قلت: أما تاج الدين أحمد بن مكتوم القيسي فلم أجد له ترجمة ولم أدر أين نقل هذا القول عن الطوفي. ويظهر من النص- والله أعلم- أنه ليس من الحنابلة. أما قوله: إن الطوفي قليل النقل والحفظ، وخصوصا للنحو على مشاركة فيه، فإن كتب الطوفي في اللغة والنحو والأدب توضح مكانته فيه. وأسلوبه وألفاظه في هذا الكتاب" الانتصارات ... " وحده يكفي في الرد على هذا القول. وأما قوله إنه وقع في أبي بكر وابنته عائشة وفي بعض الصحابة فلم أجد لذلك مستندا، وقد دلس في نقل ذلك عنه، حيث قال:" وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه، نقلها عنه بعض من كان يصحبه، ويظهر موافقة له" فلم يسم القائل.
ثم لو صح لكان هذا الرجل من أعداء الطوفي الذين وضعوا للتجسس عليه، خاصة وأن الحنابلة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- امتحنوا في مصر في تلك السنة محنة شديدة ثم إن كلام ابن مكتوم قد نقله ابن حجر بغير هذا اللفظ كما سيأتي قريبا- إن شاء الله- أما هذا البيت فلا يقول بمضمونه أحد يؤمن بالله ورسوله، وينتسب حقيقة إلى الإسلام الصحيح. أما قصته مع سعد الدين الحارثي وضربه وسجنه بمصر فقد ذكرت بصيغ متعددة. منها ما ذكره ابن رجب: أنه وجد بخطه أشعار ظهر منها الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة، ورفع أمره إلى قاضي قضاة الحنابلة سعد الدين الحارثي، وقامت عليه بذلك البينة، فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره واشهاره، وطيف به ونودي عليه بذلك، وصرف عن جميع ما كان بيده من المدارس، وحبس أياما ثم أطلق فاتجه إلى قوص «1». ومنها ما قال الصفدي «2»:" كان وقع له بمصر واقعة مع سعد الدين الحارثي وذلك أنه كان يحضر دروسه فيكرمه فيبجله وقرره في أكثر مدارس الحنابلة فتبسط عليه إلى أن كلمه في الدرس بكلام غليظ فقام عليه ولده شمس الدين عبد الرحمن، وفوض أمره لبدر الدين بن الحبال، فشهدوا عليه بالرفض وأخرجوا
بخطه هجوا في الشيخين فعزر وضرب، فتوجه إلى قوص فنزل عند بعض النصارى وصنف تصنيفا أنكروا عليه منه ألفاظا ثم استقام أمره وأقبل على قراءة الحديث والتصنيف ... وكان في الشعر الذي نسبوه إليه مما صرح بالرفض قوله: كم بين من شك في خلافته ... وبين من قيل: إنه الله «1» اه وقال ابن حجر- رحمه الله-:" وقد قال ابن مكتوم في ترجمته من تاريخ النحاة: قدم علينا في زي الفقراء، ثم تقدم عند الحنابلة فرفع عليه الحارثي أنه وقع في حق عائشة فعزره وسجنه وصرف عن جهاته ثم أطلق فسافر إلى قوص" «2» اهـ. وقال ابن حجر أيضا:" وقرأت بخط الكمال جعفر: كان القاضي الحارثي يكرمه ويبجله ونزله في دروس ثم وقع بينهما كلام في الدرس، فقام عليه ابن القاضي، وفوضوا أمره إلى بعض النواب فشهدوا عليه بالرفض فضرب ثم قدم قوص فصنف تصنيفا أنكرت عليه فيه ألفاظا فغيرها ثم لم نر منه بعد ولا سمعنا عنه شيئا يشين" «3» اهـ. ومنها ما قاله صاحب جلاء العينين ص 36 - 37) «4»:" قيل: وكان مع ذلك كله شيعيا حتى أنه قال في نفسه: أشعري حنبلي رافضي هذه احدى العبر، حتى أنه صنف كتابا سماه" العذاب الواصب على أرواح النواصب" وقد حبس وطيف به لأجل ذلك" اهـ.
فالرواية الأولى فيها أنه وجد له بعض الأشعار ظهر منها الرفض والوقوع في أبي بكر وابنته عائشة- رضي الله عنهما- وفي الثانية أن سبب الضرب والحبس تكليمه للقاضي سعد الدين بكلام غليظ، وأنهم شهدوا عليه، وأخرجوا بخطه هجوا في الشيخين وفي الثالثة: أنه وقع في حق عائشة- رضي الله عنها- وفي الرابعة أنه وقع بينه وبين سعد الدين كلام في الدرس، ففوض ابنه أمر الطوفي إلى بعض النواب فشهدوا عليه بالرفض، وفي الخامسة: أن سبب الحبس والضرب هو كتاب:" العذاب الواصب على أرواح النواصب"، وهذا في نظري يدل على وقوع الخلاف بين القاضي والطوفي ولكن لم يبين السبب الحقيقي ولا يؤمن أن من فوض إليه أمره لفقوا على الطوفي الرفض.، والله أعلم. هذا هو الاتهام الذي وجه إلى الطوفي- رحمه الله-، وما رأيته في ترجمته عند المؤرخين له، ولم يكن لديهم مما يؤيد هذا الاتهام غير ما تقدم، وابن رجب- رحمه الله تعالى- يرى أن الطوفي مات على عقيدة الرافضة وأنه لم يتحول عنها فهو يقول:" قلت: وقد ذكر بعض شيوخنا عمن حدثه عن آخر: أنه أظهر له التوبة وهو محبوس. وهذا من تقيته ونفاقه" «1» اهـ. أما بعض المؤرخين له فيميلون إلي أنه رجع عن الرفض فيقول الإمام الذهبي- رحمه الله-:" ويقال إنه- أي الطوفى- تاب عن الرفض" «2». ويقول الكمال جعفر:" فشهدوا عليه بالرفض فضرب فصنف تصنيفا أنكرت عليه فيه ألفاظا فغيرها ثم لم نر منه بعد ولا سمعنا عنه شيئا يشين" «3».
أما علماء عصرنا هذا وكتابه فهم في اتهام الطوفي على رأيين: بعضهم: يرى أن الطوفي- رحمه الله- من الرافضة بل ويصر على ذلك كالشيخ محمد أبي زهرة في كتابه: ابن حنبل" وفي مقدمته لكتاب المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي للدكتور مصطفى أبو زيد. وبعضهم لا يدينه بالرفض، ففي مساء يوم السبت السادس والعشرين من شهر ذي القعدة من عام ست وأربعمائة وألف للهجرة، سألت فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفى أحسن الله إليه، في مجلس سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في العزيزية بمكة المكرمة عن اتهام بعض العلماء للطوفي بالرفض فقال: " ما علمت شيئا يؤكد ذلك" ويقول:" وكان الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع «1» - رحمه الله- مدير المعارف قبل أن تصير وزارة- ينكر على من يرمي الطوفي بأنه شيعي" اهـ.
والدكتور مصطفى أبو زيد في كتابه المتقدم يرى أيضا أن اتهام الطوفي- رحمه الله- بالرفض غير صحيح. ونقل نصوصا من كتب الطوفي- رحمه الله- يستشهد بها على ما قال، وقد نقلت أكثرها أنا أيضا في أول هذا المبحث. والحقيقة أنه لم يكن بين يدى ما يؤكد أن الطوفي من الرافضة ولا من الزيدية وأنا لا أنسب إليه ذلك حتى يثبت من كتبه ما يفسر هذا الجرح وقاعدة المحدثين تقول:" إذا ذكر الجرح والتعديل قبل التعديل بدون تفسير، ولا يقبل الجرح إلا مفسرا"، وليس هناك ما يدل قطعا بأن الطوفي من الرافضة، بل يوجد في كتبه ما يشهد له بضد ذلك كما ذكرت سابقا. ثم إنني أرى أن هذا الاتهام لفق على الطوفي للأمور التالية: 1 - أنه لم ينسب إليه الرفض قبل دخول القاهرة، ولا قبل سنة إحدى عشرة وسبعمائة، ومن ما ألفه قبل ذلك كتاب:" الانتصارات الاسلامية ... " موضوع البحث والدراسة، ولم يكن فيه ما يدل على ذلك وقد جلس في بغداد وناظر مع أئمة العلماء وفضلائهم، وألف المؤلفات، ثم جلس في حلقات ابن تيمية- رحمه الله- في دمشق وجلس عليه ابن تيمية في العربية أياما، وجلس الطوفي على المزي من علماء الشام، ورد ابن تيمية على الرافضة وذكر أعيانهم وشيوخهم ولم يذكر أن الطوفي منهم، ولم يذكر أحد من هؤلاء جميعا فيما علمت أن الطوفي على مذهب الرافضة. 2 - أن الطوفي خبير بمذهب الرافضة وأقوالهم لمعايشته لهم في بغداد وظهورهم ومجاهرتهم بمذهبهم، ولو كان على ما هم عليه لأظهر ذلك معهم، خاصة وأن أعيانهم أهل مكانة عند الخلافة العباسية التي كانت تميل إلى آل البيت ويفتخر الخلفاء بأنهم منهم، وقد تقدم الرافضة عندهم حتى أن ابن العلقمي الخبيث
وصل إلى الوزارة، وابن المطهر الحلي كان مقدما عند ملوك التتار، فكيف يهجر الطوفي بغداد بسبب ما فيها من فتن كان للرافضة ضلع كبير فيها ويخفي مذهبه مع سهولة إظهاره، وحرية فكره فيما لو أظهر ذلك. 3 - وإذ لم يرد دليل قطعي يؤكد أن الطوفي على مذهب الرافضة فأظن أنه قد دبر له مكيدة، كما دبرت لشيخ الإسلام ابن تيمية في تلك الفترة في مصر، فقد" كتب عليه محضر بأنه قال: أنا أشعري، ثم وجد خطه بما نصه: الذي أعتقد أن القرآن معنى قائم بذات الله، وهو صفه من صفات ذاته القديمة، وهو غير مخلوق، وليس بحرف ولا صوت، وأن قوله الرحمن على العرش استوى ليس على ظاهره، ولا أعلم كنه المراد به، بل لا يعلمه إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء، وكتبه أحمد بن تيمية، ثم أشهدوا عليه أنه تاب مما ينافي ذلك مختارا في خامس عشر ربيع الأول سنة 707 هـ وشهد عليه بذلك جمع جم من العلماء وغيرهم «1» ". فهل ابن تيمية- رحمه الله- رجع عن مذهب أهل السنة إلى مذهب الأشاعرة حقيقة وهل هذا المحضر الذي وقع عليه جمع غفير من العلماء وغيرهم صحيح أم هي فرية على ابن تيمية- رحمه الله-، فلماذا لم يكن حال الطوفي- رحمه الله- في اتهامه بالرفض كحال ابن تيمية في اتهامه بما سبق؟. ولقد أو ذي الحنابلة الذين يحبون ابن تيمية في القاهرة أيضا حتى كتبوا على بعضهم بأنهم يبغضونه وأنهم ليسوا على عقيدته بل وبعضهم تبرأ منه كما يقال «2» والطوفي من المغرمين بحب ابن تيمية- رحمه الله- ولعله حصل له ما حصل لهم.
4 - أن الرافضة: هم الذين رفضوا إمامة الشيخين، ورفضوا زيدا عند ما ترحم عليهما- كما سبق- بل الثابت أن الطوفي أقر بخلافتهما وترضيته عليهما ولم يثبت أن الطوفي رفض خلافتهما- رضي الله عنهما-. 5 - أن الطوفي على خلاف مذهب الرافضة في أصول الفقه فقد خالفهم في الإجماع ورد عليهم في قولهم بعدم كونه حجة كما في شرح الأربعين ص: 182. وكذلك هم يرون حجية القياس وهو على خلاف معهم في ذلك. وهم على اختلاف مذاهبهم يرفضون بناء الأحكام على رعاية المصلحة لأنها رأي كالقياس، والدين لا يؤخذ بالرأي. والطوفي على خلاف ذلك كما سيأتي- إن شاء الله- كما أنه على خلاف مذهبهم الفقهي كما يتضح فيما يأتي في هذا الكتاب من بعض المسائل الفقهية كالمتعة وحكم المذى وإتيان المرأة في الدبر، وغيرها. 6 - خالف الطوفي الرافضة والإمامية في مسائل العقيدة كالرؤية كما سترى في هذا الكتاب ص 561 فهم ينكرون الرؤية وهو يثبتها على مذهب أهل السنة والجماعة. ثم إن الرافضة يرون أن أبا طالب «1» مسلم دخل الإسلام وكتم إيمانه والطوفي
على خلاف هذا كما سنرى في كتاب الانتصارات. وهذا على سبيل المثال لا الحصر. 7 - أن عصر الطوفي من أكثر العصور ابتلاء امتحانا للعلماء، وقد اشتدت بين الطوائف والمذاهب الشحناء والبغضاء، فلو قبل كل ما قيل عن العلماء لما سلم أحد في عقيدته ودينه، وأرى أن الاحتكام في ذلك يكون إلى كتب هؤلاء العلماء، وما قالوه وسجلوه بأنفسهم فمثلا ابن تيمية اتهم بأنه وقع في عمر- رضي الله عنه- وفي علي- رضي الله عنه- ونسب إلى الزندقة والتنقص بالنبي صلّى الله عليه وسلم، وأن عثمان كان يحب المال، وإلى أنه يسعى في الإمامة الكبرى، إلى غير ذلك فهل نأخذ هذا الكلام على إطلاقه من المؤرخين له أم يكون الحكم في ذلك ما سجله بنفسه في هذه الأمور؟ والطوفي لا بد أن نعرف عقيدته ومذهبه من خلال كتبه التي تبين لنا رأيه في مسائل الشرع سواء في العقيدة أو الأحكام الشرعية الأصولية أو الفرعية ونعرف أنه أخطأ في عدة مسائل، لأنه بشر وهو يقول عن نفسه في آخر شرح الأربعين: إن تلق عيبا فلا تعجل بسبك لي إني امرئ لست معصوما من الزلل ولا شك أن له أخطاء عفا الله عنا وعنه- والله أعلم.
مذهب الطوفي في الأسماء والصفات: يتضمن التوحيد باعتبار متعلقه ثلاثة أنواع هى: توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شيء. وتوحيد الألوهية: وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له. وتوحيد الأسماء والصفات وهو الإيمان بأسمائه وصفاته التي وردت في كتاب الله العزيز أو على لسان رسله صلى الله عليهم وسلم من غير تكييف أو تمثيل أو تعطيل. فالنوع الأول لم يذهب إلى نقضيه طائفة من بني آدم، إلا ما عرف من شذوذ المانوية والثنوية أو ضلال النصارى في وحدانية الله أو عناد وتكبر فرعون. وأما النوع الثاني فهو المقصود بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ولا تصلح الحياة والآخرة إلا به. والنوع الثالث: لم يعرف عن أحد إنكاره، أو شيء منه، إلا ما ذكر عن المشركين في إنكار اسم الرحمن، على سبيل العناد فقط. والإشراك في هذا النوع على ثلاثة أنواع: 1 - إلحاد المشركين الذين عدلوا بأسماء الله تعالى عما هي عليه وسموا بها أوثانهم فزادوا ونقصوا فاشتقوا اللات من الإله، والعزى من العزيز ... إلخ. 2 - إلحاد المشبهة الذين يكيفون صفات الله تعالى ويشبهونها بصفات خلقه، وهو مقابل إلحاد المشركين. 3 - إلحاد النفاة المعطلة وهم قسمان: أ- قسم أثبتوا ألفاظ أسماء الله ونفوا ما تضمنته من صفات الكمال.
ب- وقسم صرحوا بنفي أسمائه وصفاته بالكلية ووصفوه بالعدم المحض. والطوائف في توحيد الأسماء والصفات ثلاثة أقسام: 1 - قسم عطلوا الله تعالى من أسمائه وصفاته، وهم الجهمية والمتفلسفة. 2 - وقسم أثبتوا ألفاظ أسمائه ونفوا صفاته سبحانه، وهم المعتزلة. 3 - وقسم أثبتوا أسماءه سبحانه على ما يليق به سبحانه وأثبتوا سبعا من الصفات، وهي الكلام والعلم والسمع والبصر والقدرة والإرادة والحياة مع تأويلات لهم أيضا في هذه الصفات السبع. وهؤلاء هم الأشاعرة. وأما الذين أثبتوا أسماء الله وصفاته التي سمى بها نفسه في كتابه العظيم أو على لسان رسوله الكريم، من غير تأويل ولا تمثيل ولا تشبيه، فهم أهل السنة والجماعة، من السلف الصالح ومن تبعهم إلى يوم الدين. وقد يشارك أحد أي طائفة من هذه الطوائف بعض مذهبهم دون بعض، فهذا حكمه حكم تلك الطائفة فيما وافقها فيه. والإمام الطوفي- رحمه الله- أحد العلماء الذين تكلموا في توحيد الأسماء والصفات وقد ألف في العقيدة الإسلامية كتبا عديدة ذكرت فيما سبق أكثرها فما مذهبه في توحيد الأسماء والصفات من خلال كتبه تلك؟. لقد تتبعت بعض ما صنفه الطوفي من المصنفات التي ذكرت مسائل عديدة من مسائل التوحيد، وخاصة توحيد الأسماء والصفات، وسأورد نماذج مما قاله في تلك المسائل سواء من كتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية" أو من كتبه الأخرى المخطوطة. تحدث الطوفي في كتابه: حلال العقد في أحكام المعتقد عن الأسماء والصفات فقال في اللوحة الثانية منه:" والنظر في أسمائه وذاته وصفاته وأفعاله.
أما أسماؤه فكثيرة، قال الله عز وجل: ولِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ... (180) «1» وفي الحديث: «أسألك بكل اسم هو لك علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك» «2» اه كلامه. ثم بين معنى الاسم في اصطلاح النحويين، وفي اصطلاح اللغة، ثم قال: " وأما ذاته عز وجل فهي حقيقة قديمة «3» أزلية، لا تدركها الأفهام، ولا تخيّلها
الأوهام، كما قال- عز وجل-: .. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) «1» اهـ. وقال الطوفي عن الصفات:" وأما صفاته- عز وجل- فضربان: ذاتية، وهي المعاني القائمة بذاته مقارنة لها في الوجود، وفعلية: وهي الأفعال الصادرة عنه المفارقة له، كالخلق والرزق ونحوه «2» ". قلت: قسم السلف الصفات إلى ذاتية لا تنفك عنه سبحانه كالسمع والبصر، وفعلية: وهي التي تتعلق بمشيئته وقدرته، إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء والمجيء والنزول، ونحوها، وهي أيضا ذاتية إلا أن أثرها يحدث في وقت دون وقت. وربما تكون الصفة ذاتية فعلية، باعتبارين كالكلام، فإنها صفة ذاتية لا تنفك عنه سبحانه، وفعلية لتعلقها بمشيئته وقدرته يتكلم متى شاء كيف شاء بما شاء. وقول الطوفي عفا الله عنه عن الذاتية:" مقارنة لها في الوجود" وعن الفعلية:" الصادرة عنه، المفارقة له" يشعر بأن الصفة غير الموصوف، وأنها قائمة بنفسها، لأنها مقارنة للذات، أو مفارقة لها. وهذا غير صحيح والأولى التعبير بما عند السلف. وإن كان الطوفي لم يقصد مفارقة الصفات لله تعالى بدليل ما يأتي من كلامه عن الصفات. والله أعلم.
وقال الطوفي عن آيات الصفات، وأخبارها في حلال العقد الورقة الثالثة عشرة:" ... وذلك أن الناس اختلفوا في آيات الصفات، وأخبارها، نحو: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «1»، ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ «2»، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ «3»، وحديث القدم والإصبع «4» والضحك «5» ... ونحوها، وهي كثيرة. فمنهم من حملها على ظواهرها المتعارفة، فجسم، ومثل. ومنهم من تأولها على معاني مجملة في الجملة، فرارا من التجسيم، فأبطل وعطل، ومنهم من جعلها ألفاظا مشتركة بين صفات المخلوقين وصفات الله- عز وجل- حقائق بالنسبة إلى ذاته المقدسة، كالعين المشتركة بين عين الماء وعين الذهب «6»، فتقول: لي يد حقيقة، ولله- عز وجل- يد حقيقة، ولا اشتراك بين اليدين إلا في لفظ اليد، أما مدلولها: فيد الله حقيقة لائقة به عز وجل، كما أن لي ذاتا، ولله عز وجل ذاتا، ولا اشتراك إلا في الاسم. وهذا رأي الحنابلة، وجمهور أهل السنة، وهو مذهب جيد صحيح عند من فهمه لا غبار عليه" اهـ. ثم أتى بعد ذلك برأي يراه جمعا بين الأقوال فيقول:" ويحتمل هذا المقام تفصيلا لا بأس به، وفيه جمع بين المذاهب، وهو أن ألفاظ هذه النصوص لا يخلو
كل لفظ من أن يكون مقطوعا بإرادة الحقيقة منه، أو بإرادة المجاز فيتبع الدليل القاطع. أو ظاهرا في أحدهما فيتبع الظاهر ما لم يعارضه أظهر منه أو محتملا لهما على السواء، أو قريبا منه فهو مجمل، أو في حكمه، فيتوقف على البيان، أو يحمل على الأليق بجلال الله- عند المعتقد. وهذه الطريق أمثل الطرق- إن شاء الله عز وجل- وعليها تتخرج جميع الآيات والأحاديث وهي كثيرة" اهـ. ولعل ما قاله في كتاب الانتصارات الإسلامية، عند كلامه عن حديث التقرب والهرولة يفسر هذا الرأي المتقدم. يقول- رحمه الله-:" وهذا الحديث مؤول عندنا على التقرب بالرحمة واللطف، والإكرام، كما يقال: فلان قريب من السلطان، والأمر قريب من فلان، يعنى تقارب القلوب والمنزلة، وأنا وإن كنت أثريا في آيات الصفات وأخبارها، إلا أن المجاز عندي في هذا الحديث ظاهر غالب، فلا يتوقف في تأويله إلا جامد «1» ". ثم قال بعد أن بين أن أحاديث الصفات منها ما يكون صحيحا أو غير صحيح، أو مختلف فيه، وأنه لا يعول إلا على الصحيح منها:" ثم الحديث المجمع على صحته من حيث دلالة المتن ثلاث طبقات: ما ترجح فيه إرادة الحقيقة، وما ترجح فيه إرادة المجاز، وما استوى فيه الأمران، فالأول كحديث الساق «2»
والقدم «1» والأصابع «2» ونحوها فهذه إرادة المجاز فيها مرجوحة فحكمها أن تحمل على حقائق لائقة بالباري- جل جلاله- ولا يلزمنا تعين كيفيتها كذاته سبحانه، أثبتنا وجودها-، ونحن عن تفاصيل أحكامها بمعزل. الثاني كهذا الحديث" اهـ. أى حديث: «من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» «3». وذكر حديث: «قلوب الخلق بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء» «4» وحديث: «الحجر الأسود يمين الله في
الأرض» «1» وحديث: «ساعد الله أشد، وموسى الله أحد» «2». ثم قال:" فإن المجاز فيه راجح، وحكمه التأويل على ما ترجح فيه" اهـ. ثم ذكر الطبقة الثالثة فقال:" والثالث كقوله: ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ «3» فإنه بين الصفة الوجهية اللائقة بمنصب الإلهية، وبين الرتبة الجاهلية إلى العظمة الذاتية. فحكم مثل هذا راجع الى ترجيح المجتهد في أحكام العقائد، فإن غالب مسائلها من هذا وأشباهه: اجتهادية، لكنها أعلى رتبة من مسائل الفروع «4» " اهـ. قلت: أما قوله- رحمه الله- في حديث «من تقرب مني ... تقربت منه» فلا لزوم لتأويله القرب بقرب الرحمة. بل قرب الله من المتقرب إليه بالعمل الصالح: قرب بذاته ورحمته على ما يليق بجلاله، ولا ندرك كيفية ذلك ومعلوم أن معنى قرب الله بذاته وهرولته إليه ومشيه ليس بقطع المسافة، ومشابهة المخلوقين
في اقتراب بعضهم من بعض، فهو سبحانه مع قربه لا ينفك عن كمال علوه على كل شيء، ولا يعلو شيء من المخلوقات عليه. وأما حديث القلوب: «قلوب الخلق بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء». فليس في ظاهره أن القلب متصل بالأصابع ولا مماس لها، كما أن قول القائل:" هذا بين يدىّ" لا يقتضي مباشرته ليديه. كما أن السحاب بين السماء والأرض وما يقتضي أن يكون مماسا للسماء والأرض. ونظائر هذا كثير «1». وقد نقل أن الإمام أحمد تأوله عن ظاهره، وأنكر ابن تيمية ذلك، وقال:" فهذه الحكاية كذب على أحمد ... «2» ". أما حديث «الحجر الأسود يمين الله في الأرض» فإنه موقوف على ابن عباس كما تقدم وأنه لا يصح، والطوفي- رحمه الله- قد ذكر أنه لا يعول على الأحاديث التي لا تصح. وعلى فرض صحته فإن في ألفاظه قرائن تصرف معناه من المعنى الظاهر إلى معنى آخر يليق بجلال الله سبحانه، منها قوله: «في الأرض» فهذا قيد، ولو كان مطلقا لقال:" يمين الله" فقط، وفي بعض رواياته" فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه" والمشبه غير المشبه به وهذا يدل على أنه ليس يمينه حقيقة، فأول الحديث وآخره يبين أنه ليس من صفات الله «3». فقول الطوفي مقبول على فرض صحة هذا الحديث. والله أعلم.
أما الحديث الثالث: «ساعد الله أشد ... » فإن فيه إثبات الساعد لله على ما يليق بجلاله سبحانه، كما أنا أثبتنا له يدان على ما يليق بجلاله سبحانه. أما ما يتعلق بقوله تعالى: ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والْإِكْرامِ (27) فإن معناها ذو العظمة والكبرياء. ففيها إثبات عظمة الله وكبريائه. وأحسب أن الطوفي- رحمه الله- لم يقصد تأول الأحاديث السابقة ولا صفة الوجه فى الآية بدليل أنه قال في كتاب الإشارات الإلهية، عن قوله تعالى في سورة الزمر: والْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ... (67) «1» فقال عن هذه الصفة وغيرها من صفات الله:" اختلف الناس في آيات الصفات مثل هذه: في القبضة واليمين، ونحو وجه ربك، بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ «2»، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ «3»، (يضع الجبار قدمه) «4» «يحمل السموات على إصبع» «5»، الحديث، ونحو ذلك على أقوال: أحدها: امرارها كما جاءت من
غير تكييف، ولا تمثيل. وهو مذهب أهل الحديث. الثاني: حملها على ظاهرها في التشبيه، وصرحوا به، وهو قول المجسمة. ورد ب لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «1» وباستحالة التجسيم على الله. الثالث: حملها على [أنها «2»] صفات الله- عز وجل- حقيقة، معولة على صفات المخلوقين بالاشتراك اللفظي، كأنهم قالوا: لله يد هي صفة لائقة به لا تشبه يدنا، ولنا يد، هي هذه الجارحة، مستحيلة في حقه- عز وجل- وهو محكي عن الظاهرية «3»، وإليه يرجع المذهب الأول. الرابع: تأويل ما أوهم منها التشبيه، على ما يزيل تلك الشناعات مما يحتمله اللفظ في كلام العرب، وهو مذهب الأشعرية ومن وافقهم. الخامس: أن اللفظ إن ظهر منه إرادة الحقيقة، حمل عليها، على المذهب الأول، أو إرادة المجاز حمل عليه كلفظ الجنب «4»، وقلب المؤمن بين إصبعين، والحجر [الأسود «5»] يمين الله في الأرض، ونحوه وإن لم يظهر منه أحدهما اجتهد فيه المجتهد في الأصول وقلد فيه المقلد.
والأشبه الأخذ بالمذهب الثالث" اهـ. ويوضح هذا أيضا ما ذكره في كتاب الانتصارات الإسلامية ... عند رده على النصراني في قوله: إن مما روي عن محمد صلّى الله عليه وسلم من أوصاف الله، ما يدل على تجسيم الله وهو باطل، وذكر أحاديث منها: حديث النزول، والقدم، والساق، ورؤية النبي صلّى الله عليه وسلم لله تعالى في المنام، قال الطوفي:" وأما الأحاديث التي ذكرت فصحيحة ثابتة ... " ثم قال بعد ذلك:" وأما أحاديث النزول والقدم والساق وغيرها من أحاديث الصفات فلطوائف المسلمين فيها ثلاثة أقوال". وذكر مذهب المجسمة ثم مذهب المعطلة، ثم قال:" والثالث: اعتقاد ما يليق بجلال الله سبحانه منها، مع القطع بتنزيه الله سبحانه عن مشابهة مخلوقاته، أو بعضها، بوجه من الوجوه، اعتمادا على قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) فأول الآية تنزيه، والثاني: اثبات فهو أولى من الإثبات المفضي إلى التمثيل، والتنزيه المفضي إلى التعطيل وهذا هو الذي أقول به" اهـ. ولنضرب بعض الأمثال على قاعدته المتقدمة في باب الصفات، وهل طبق تلك القاعدة عند حديثه عن كل صفة؟. يقول عن صفة كلام الله تعالى في حلال العقد اللوحة (19):" اختلف الناس في الكلام فقيل حقيقة في اللفظ، وقيل: في المعنى القائم بالنفس، وقيل: فيهما بالاشتراك. والأقوال الثلاثة منقولة عن الأشعري، والمشهور عنه أن كلام الله- عز وجل- معنى نفساني لا لفظي، وأهل الحديث ومن تابعهم يقولون: هو عبارات مسموعة وحجتهم قوله- عز وجل-: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ «1»
وهم يسمعون كلام الله «1»، ولأن الكلام حقيقة لغوية، وهو عند العرب: عبارة، ولهذا جعلوا مادته اسما وفعلا وحرفا. حجة الآخرين: أنه لو كان عبارة لاستلزم الأدوات والمخارج، ويلزم التجسيم، وأيضا أن المسألة مشكلة، ونحن نقتصر في اعتقادنا فيها على ما أطلق في الشرع، وهو أن الكتاب كلام الله منزل، والجمهور على أنه غير مخلوق" اهـ. وقال في موضع آخر:" ... يبنى هذا على ما مر من أن كلام الله- عز وجل- قديم أو حادث، ومذهب السنة أنه قديم". قلت: مذهب أهل السنة أن كلام الله معان وحروف وأصوات مسموعة، وأنه قديم النوع وإن لم يكن الصوت المعين قديما. وعن العرش والاستواء، يقول الطوفي في كتاب الإشارات، عند حديثه عن قوله تعالى: وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ «2»:" هذا يحتج به من رأى العرش سريرا، وجرما مستعليا بالجملة، ونفى تفسيره بالملك، أو نحوه مما تأوله نفاة الاستواء، إذ لا يصح أن يقال: وكان ملكه على الماء، وقد جاء في الحديث: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض قال كان في عماء ما تحته هواء، وما فوقه هواء «3» " والعماء ممدود هو الغيم الرقيق" اهـ.
قلت: هو بهذا يوافق أهل السنة والجماعة. وقد نقل الإمام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين المالكي «1» - رحمه الله-:" ومن قول أهل السنة أن الله- عز وجل- خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء، كما أخبر عن نفسه في قوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) «2» ... فسبحان من بعد وقرب بعلمه، فسمع النجوى" «3» وذكر الحديث السابق. وقد ذكر مذاهب الناس في الاستواء في الإشارات الإلهية عند تفسيره لقوله تعالى في سورة الأعراف (54): ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، لا يسمح المقام بنقله لطوله، وواضح من كلامه هناك أن الاستواء من صفات الله الفعلية على ما يليق بجلال الله سبحانه وتعالى. وقال عن صفة العلو، عند كلامه عن قوله تعالى في سورة البقرة (144): قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ... :" يحتج بها من يرى أن الله- عز وجل- في جهة السماء من وجهين: أحدهما: أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يتوقع تحويل القبلة، ويترقب ذلك من جهة السماء، والأحكام إنما تأتي من عند الله- عز وجل- فدل على أنه- عليه السلام- كان يعتقد أنه- عز وجل- في جهة السماء، ينتظر الوحي من عند الله ثم لم ينكر عليه، ولم يقل له: لست في السماء فماذا تطلب في جهتها بل أقره
على ذلك فصار في المسألة اعتقاد النبي صلّى الله عليه وسلم، وإقرار الله- عز وجل- له على ذلك، وناهيك به حجة" اهـ. وقال عن القرب والمعية في تفسير سورة ق، عند تفسير قوله تعالى: ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) «1»:" وهذا القرب عند المفسرين: بالعلم نحو: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ «2» وما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ «3»، وعند الحلولية: هو قرب بالذات، لأن الرب جل جلاله حال في خلقه عندهم، تعالى الله عما يقول الظالمون" اهـ. قلت: قد أنكر ابن كثير «4» - رحمه الله- تأول هذا القرب بالعلم، وقال: إنما هو قرب الملائكة. وقال ابن تيمية:" فقوله: ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16): هو قرب ذوات الملائكة، وقرب علم الله منه «5». وقال الطوفي عن المعية أيضا في كتاب الإشارات الإلهية عن قوله تعالى:
وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ... «1»:" أي بالنصرة والإعانة" اهـ. وقال عن رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة:" لا خلاف في أن الله- عز وجل- لا يرى في الدنيا، مع جواز رؤيته فيها عندنا. وزعم بعض المتصوفة أنهم يرونه- عز وجل- في الدنيا، ورد عليهم بقوله- عز وجل-: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ «2» وبقوله عليه السلام: «واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» «3» أما في الآخرة فالجمهور أنه يراه المؤمنون أهل السعادة، وقالت المعتزلة: لا يرونه ولا تجوز رؤيته". حجة الأولين قوله- عز وجل- في الكفار: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) «4»، دل على أن المؤمنين لا يحجبون عنه، فهم يرونه. وقوله- عز وجل-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ «5» وردت السنة بأن الزيادة الرؤية «6»، وأحاديث الرؤية صحيحة صريحة كقوله- عليه السلام-: «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ... » «7»، وهذا المعنى يكاد أن يكون
متواترا. حجة المعتزلة قوله- عز وجل-: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وذلك يقتضي نفي الرؤية على الاطلاق. وأجيب بأنه محمول على الدنيا. سلمناه لكنه إنما نفي الادراك، وهو الإحاطة لا الرؤية، واحتجوا بأنه لو رؤي لكان مقابلا في جهة. وأجيب: أما المقابلة فلا يلزم، لأنه يرى خلقه ولا نقابله عندكم، فجاز أن يراه خلقه ولا يقابلهم، وأما الجهة فأهل السنة يلتزمونها أو بعضهم" اهـ. قلت: الطوفي- رحمه الله- متردد في القول بالجهة على المعنى الصحيح، والله سبحانه وتعالى يراه المؤمنون فوقهم يوم القيامة، ولا يلزم من ذلك أن يكون سبحانه وتعالى حالا في شيء من مخلوقاته كما يتوهم الأشاعرة وغيرهم. وأما القدر فقد ألف فيه بعض المصنفات وتعرض له في هذا الكتاب" الانتصارات الإسلامية ... " فقال:" أما الآيات والأحاديث فصحيحة، ونحن نقول بها على وجه نقرره" اهـ. وبعد تقريره ذلك، وذكره أقسام الناس في القدر قال:" وفرقة توسطت الطرفين المنحرفين، وقالت بمقتضى القسمين، فنسبوا الأفعال إلى الله إرادة وخلقا، وإلى العباد اجتراحا وكسبا، وفسروا الكسب بأنه أثر القدرة القديمة في محل القدرة الحادثة، وساعدهم على ذلك ظواهر نصوص الكتاب والسنة من الطرفين" اهـ. قلت: وهذا مذهب بعض أتباع الأئمة الأربعة، ومذهب الأشعرية في الكسب كما ذكر ذلك ابن تيمية- رحمه الله- في منهاج السنة (1/ 358 - 360). وأخيرا فإنه يتبين لنا من أقوال الطوفي- رحمه الله- السابقة، أن كثيرا من العلماء- رحمهم الله- أكثروا من الخوض والتعمق في البحث في آيات الصفات وأحاديثها، وكثرة الأسئلة في ذلك الموضوع. وهذا من البدع المكروهة، ولكنهم
فعلوا ذلك للرد على أهل المقالات الفاسدة. ثم إن الطوفي- رحمه الله- يوافق أهل السنة والجماعة في أغلب مسائل العقيدة، وآيات الصفات وإن كان يميل إلى مذهب الأشاعرة في بعض المسائل كما عرفنا من كلامه السابق، وكما يعرف ذلك المتتبع لكتب الطوفي- رحمه الله- في العقيدة أو في غيرها من العلوم الشرعية. عفا الله عنه وعن العلماء السابقين واللاحقين، وعصمنا الله وإخواننا من الخطأ والزلل، إنه أرحم الراحمين، وخير التوابين. والله الموفق".
مذهب الطوفي في المصلحة المرسلة: المصلحة في اللغة: بمعنى المنفعة، وهي ضد المفسدة، مأخوذة من الصلاح ضد الفساد، وجمعها مصالح. يقال: رأى الإمام المصلحة في كذا، أي مما يحمل على الصلاح «1». وهي عند الأصوليين: المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق «2» " أو هي:" جلب المنفعة ودفع المضرة «3» " ويعرفها الطوفي بقوله:" اتباع المصلحة المرسلة كأن الشرع أو المجتهد يطلب صلاح المكلفين باتباع المصلحة المذكورة ومراعاتها «4» ". والمصلحة المرسلة، أو الاستصلاح ثلاثة أقسام: 1 - قسم اعتبره الشرع، وهو اقتباس الحكم من معقول النص، أو الاجماع. فهذا هو القياس الذي هو حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. ومثاله: تحريم النبيذ المسكر من تحريم الخمر المنصوص عليه بالكتاب والسنة. 2 - وقسم شهد الشرع ببطلانه كايجاب الصوم بالجماع في نهار رمضان. 3 - وقسم لم يشهد له الشرع ببطلان ولا باعتبار معين. وهو ثلاثة أضرب:
أ- الأول مثل: أن يتسلط الولي على تزويج وليته الصغيرة لئلا يفوت الكفء، واستقبالا للصلاح المنتظر، ويسمى حاجيا. ب- الثاني مثل: اعتبار الولي في النكاح صيانة للمرأة عن مباشرة العقد لكونه مشعرا بتوقان نفسها إلى الرجال، فلا يليق بالمروءة ففوض إلى الولي حملا للناس على أحسن المناهج. ويسمى: تحسينيا. ولا يصح التمسك بمجرد هذا الضرب والذي قبله من غير أصل. ج- الثالث مثل: أن يحفظ على الناس دينهم بقتل المرتد الداعى إلى الردة، وعقوبة المبتدع الداعي إلى البدع، صيانة لدين الناس. والقصاص لحفظ النفوس، وحد شارب الخمر لحفظ العقول، وحد الزاني لحفظ النسل والأنساب، وحد السارق لحفظ الأموال، ويسمى ضروريا «1». هذه هي أقسام المصلحة في مذهب الطوفي وغيره من علماء الإسلام فما موقفه منها؟ ج: 1 - لم يخالف الطوفي بقية العلماء في حكم القسم الأول. وما نقلته عن هذا القسم هو مضمون قوله في شرح الروضة «2». 2 - يقول عن القسم الثالث:" لا يجوز للمجتهد أنه كلما لاح له مصلحة تحسينية أو حاجية اعتبرها ورتب عليها الأحكام حتى يجد لاعتبارها شاهدا من
جنسها، ولو لم يعتبر للتمسك بهذه المصلحة وجود أصل يشهد لها للزم منه محذورات: أحدها: أن ذلك يكون وضعا للشرع بالرأي لأن حكم الشرع هو استفيد من دليل شرعي: إجماع أو نص أو معقول نص، وهذه المصلحة لا تستند إلى شيء من ذلك فيكون رأيا مجردا. الثاني: لو جاز ذلك لاستوى العالم والعامي لأن كل واحد يعرف مصلحة نفسه الواقعة موقع التحسين أو الحاجة، وإنما الفرق بين العالم والعامي معرفة أدلة الشرع واستخراج الأحكام منها. الثالث: لو جاز ذلك لاستغني عن الرسل وصار الناس براهمة لنحو ذلك. فإنهم قالوا: لا حاجة لنا إلى الرسل لأن العقل كاف لنا في التأديب ومعرفة الأحكام إذ ما حسنه العقل أتيناه وما قبحه اجتنبناه. وما لم يقض فيه بحسن ولا قبح فعلنا منه الضروري وتركنا الباقي، احتياطا. فالتمسك بهذين الضربين من المصالح من غير شاهد لهما بالاعتبار يؤدي إلى مثل ذلك، ونحوه فيكون باطلا" اهـ. يتضح مما سبق أن المصلحة منها ما هو قياس لا خلاف فيه ومنها ما هو باطل لا يجوز جعله من أدلة التشريع ومنها ما هو متروك لاجتهاد المجتهد لأن الشرع لم يشهد باعتباره أو بطلانه. وهو ما كان تحسينيا أو حاجيا أو ضروريا وتبين لنا أن التحسيني والحاجي لا يصح التمسك بمجردهما من غير شاهد لهما من الشرع. أما ما كان ضروريا فقد اختلف فيه العلماء وقد نقل لنا هذا الاختلاف الإمام الطوفي في شرح الروضة (2/ 442) فهو يقول:" فهذه المصلحة الضرورية قال مالك، وبعض الشافعية هي حجة، لأنا علمنا أنها من مقاصد الشرع بأدلة كثيرة لا حصر لها من الكتاب والسنة، وقرائن الأحوال،
والأمارات، وسموها مصلحة مرسلة، ولم يسموها قياسيا لأن القياس يرجع إلى معين دون هذه المصلحة فإنها لا ترجع إلى أصل معين، بل رأينا الشارع اعتبرها في مواضع من الشريعة فاعتبرناها حيث وجدت لعلمنا أن جنسها مقصود له" اهـ. ثم أشار إلى قول الحنابلة في هذه المصلحة" الضرورية" فقال:" وقال بعض أصحابنا: ليست حجة. هذا إشارة إلى الشيخ أبي محمد «1»، قال في الروضة:" والصحيح أن ذلك ليس بحجة" وإنما قلت: قال بعض أصحابنا، ولم أقل قال أصحابنا، لأني رأيت من وقفت على كلامه منهم- حتى الشيخ أبا محمد- في كتبه إذا استعرضوا في توجيه الأحكام يتمسكون بمناسبات مصلحية يكاد الشخص يجزم أنها ليست مرادة للشارع ... فلم أقدم على الجزم على جميعهم بعدم القول بهذه المصلحة، خشية أن يكون بعضهم قد قال بها، فيكون ذلك تقولا عليهم «2» " اهـ. ثم بين بعد ذلك من قال: إنها ليست حجة، ورد على من قال: إن مالكا أجاز قتل ثلث الخلق لاستصلاح الثلثين فقال:" قلت: لم أجد هذا منقولا فيما وقفت عليه من كتب المالكية، وسألت عنه جماعة من فضلائهم فقالوا: لا نعرفه.
قلت: مع أنه إذا دعت الضرورة إليه ضرورة: متجه جدا، وقد حكاه عن مالك جماعة «1» " اهـ. ولكن بعد هذا رجح المصلحة فقال:" قلت: الراجح المختار اعتبار المصلحة المرسلة" «2» اهـ. ثم أيد ترجيحه هذا بقول الغزالي «3»، ورد المتفق على إلغائها ثم قال:" والمصلحة المرسلة إنما هو اجتهادي، فلو اعتبرنا المصلحة المنصوص على عدم اعتبارها، لكان رفعا للنص بالاجتهاد، وهو فاسد الاعتبار «4» " اهـ. 3 - أما القسم الثاني وهو ما شهد الشرع ببطلانه، فهو موطن الخلاف بينه وبين بقية العلماء. يقول في شرح الروضة (2/ 440):" القسم الثاني: ما شهد الشرع ببطلانه من المصالح: أي لم يعتبره، كقول من يقول: أن الموسر- كالملك ونحوه- يتعين
عليه الصوم في كفارة الوطء في رمضان، ولا يخير بينه وبين العتق والإطعام. لكثرة ماله، فيسهل عليه أن يعتق رقابا في قضاء شهوته، وقد لا يسهل عليه صوم ساعة، فيكون الصوم أزجر له، فيتعين. فهذا وأمثاله ملغى غير معتبر، لأنه يعتبر للشرع بالرأي وهو غير جائز، ولو أراد الشرع ذلك لبينه أو نبه عليه في حديث الأعرابي «1» وغيره، اذ تأخير البيان وقت الحاجة، وإيهام التسوية بين الأشخاص في الأحكام مع افتراقهم فيها لا يجوز" اهـ. وليت الطوفي بقي علي هذا في المصلحة المرسلة ليكون موافقا لما ذهب إليه الأصوليون فيها، لكنه رجع فأفسد التقسيم السابق للمصلحة فقال:" قلت: اعلم أن هؤلاء الذين قسموا المصلحة إلى معتبرة وملغاة ومرسلة، وضرورية وغير ضرورية، تعسفوا وتكلفوا، إذ الطريق إلى معرفة حكم المصالح أعم من هذا وأقرب، وذلك بأن نقول: قد ثبت مراعاة الشارع للمصلحة والمفسدة إجماعا، وحينئذ فنقول: الفعل إن تضمن مصلحة مجردة حصلناها وإن تضمن مفسدة مجردة نفيناها، وإن تضمن مصلحة من وجه ومفسدة من وجه: فإن استوى في نظرنا تحصيل المصلحة ودفع المفسدة توقفنا على المرجح، أو خيرنا بينهما كما قيل فيمن لم يجد من السترة إلا ما يكفى أحد فرجيه فقط، هل يستر الدبر لأنه مكشوفا أفحش، أو القبل، لاستقباله به القبلة أو يتخير لتعارض المصلحتين
والمفسدتين وإن لم يستو ذلك، بل ترجح إما تحصيل المصلحة، وإما دفع المفسدة فعلناه، لأن العمل بالراجح متعين شرعا وعلى هذه القاعدة يتخرج كل ما ذكروه في تفصيلهم المصلحة «1» " اهـ. ثم فصل هذا الرأي وذكر أن المعتبرة كالقياس ... وأن الملغاة عند سائر الأصوليين لا تلغى على الإطلاق إنما قد يجتهد في تحصيلها، وليس ذلك من باب وضع الشرع بالرأي، بل هو من باب الاجتهاد بحسب المصلحة، أو من تخصيص العام المستفاد من ترك الاستفصال في الدليل، كما في حديث الأعرابي في كفارة الوطء في نهار رمضان، فالطوفي يرى أنه عام فيخص بالاجتهاد المصلحي المناسب بحيث أن الملك الموسر الذي يملك رقابا كثيرة قد تجعله يجامع في كل يوم ويعتق رقبة، فإذا اجتهد مجتهد في عدم تخيير هذا الملك وإلزامه بالصيام، فإن هذا اجتهاد مصلحي كما تقدم. ويرى أن المصلحة الواقعة موقع التحسين أو الحاجة كما في الأمثلة المتقدمة: مصلحة محضة لا يعارضها مفسدة فكان تحصيلها متعينا. أما الضرورية كحفظ الدين والعقل والمال والنسب والعرض والنفس فهي وإن عارضتها مفسدة وهي الإتلاف بالقتل أو القطع أو الإيلام بالضرب، ونفي هذه المفسدة مرجوح بالنسبة إلى تحصيل تلك المصلحة فكان تحصيلها متعينا. وعلى هذا يرى أنه لا حاجة إلى التقسيم والتنويع للمصلحة.
ومن كلامه السابق يتضح لنا أنه خالف الأصوليين في تقسيم المصلحة إلى معتبرة وملغاة وغير شاهد لها الشرع ببطلان أو اعتبار، بل ويتضح أيضا تقديمه للمصلحة على النص على وجه التخصيص بالاجتهاد المصلحي كما ذكر في حديث الأعرابي في كفارة الوطء في نهار رمضان، غير أن مذهبه هذا يظهر جليا في كتابه شرح الأربعين عند ما شرح حديث: «لا ضرر ولا ضرار» فهو يقول بعد أن ذكر أدلة الشرع:" وهذه الأدلة التسعة عشر «1»، أقواها النص والإجماع، ثم هما إما أن يوافقا رعاية المصلحة، أو يخالفاها، فإن وافقاها فبها ونعمت، ولا نزاع، إذ قد اتفقت الأدلة الثلاثة على الحكم، وهي النص والإجماع ورعاية المصلحة المستفادة من قوله- عليه السلام-: (لا ضرر ولا ضرار) وإن خالفاها وجب تقديم رعاية المصلحة عليها بطريق التخصيص والبيان لهما، لا بطريق الافتيات عليهما والتعطيل لهما كما تقدم السنة على القرآن بطريق البيان" اهـ. ثم قرر ما ذهب إليه بقوله بعد ذلك:" وتقرير ذلك: أن النص والإجماع إما أن لا يقتضيا ضررا ولا مفسدة بالكلية، أو يقتضيا ذلك، فإن لم يقتضيا شيئا من ذلك فهما موافقان لرعاية المصلحة، وإن اقتضيا ضررا فإما أن يكون الضرر مجموع مدلوليهما أو بعضه، فإن كان مجموع مدلوليهما، فلا بد أن يكون من
قبيل ما استثني من قوله عليه السلام «لا ضرر ولا ضرار» وذلك كالحدود، والعقوبات على الجنايات وإن كان الضرر بعض مدلوليهما فإن اقتضاه دليل خاص اتبع الدليل. وإن لم يقتضه دليل خاص وجب تخصيصهما بقوله- عليه السلام- «لا ضرر ولا ضرار» جمعا بين الأدلة «1» " اهـ. ولقد أطال الطوفي عفا الله عنه في الانتصار لمذهبه هذا، ولا يسمح المقام بنقل ذلك هنا غير أنه ظهر من كلامه الأمور التالية: 1 - أنه يرجح رعاية المصالح في العادات والمعاملات ونحوها دون العبادات والمقدرات فإنها حق الشرع، ولا يعرف كيفية إيقاعها إلا من جهته نصا وإجماعا «2». 2 - أن تقديمه رعاية المصالح في العادات والمعاملات علي النص الظني المحتمل الدلالة لا صريح الدلالة على الحكم بوجه «3». 3 - أن تقديم الطوفي لرعاية المصالح على باقي الأدلة من مسائل الاجتهاد المصلحي على أقل أحواله، وإلا فهو يرى أنها راجحة تعينا «4». ومذهبه هذا في المصلحة المرسلة مرجوح غير منضبط ولا نسلمه له رغم أن الأصوليين قبل هذا لم يذكروا فيما أعلم مذهب الطوفي بالنقد والمناقشة وإنما كان
ذلك من علماء عصرنا الحاضر وكان أولهم جمال الدين القاسمي «1» رحمه الله. والله الموفق. خبر الآحاد: يقسم بعض العلماء الحديث المسند إلى ثلاثة أقسام: متواتر ومستفيض أو مشهور، وخبر واحد «2». وبعضهم يقسمه إلى قسمين: متواتر وآحاد، والآحاد يشتمل على المستفيض والمشهور وخبر الواحد «3». فالمتواتر: ما يرويه قوم لا يحصى عددهم ولا يتوهم تواطؤهم على الكذب لكثرتهم وعدالتهم، وتباين أماكنهم «4». وينقسم إلى متواتر لفظا ومعنى ومتواتر معنى دون اللفظ «5». وهو يفيد العمل والعلم معا عند المحدثين والأصوليين. أما الآحاد: فهو في اللغة: جمع أحد بمعنى الواحد. وهو" ما عدا
المتواتر «1» " أو هو:" ما لم يجمع شروط المتواتر «2» ". ومنه: 1 - المشهور: أو المستفيض: وهو عند الأصوليين:" ما كان من الآحاد في الأصل ثم انتشر فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب ... «3» ". ويجعله بعضهم قسما من المتواتر «4» ". ومنهم من يجعل المستفيض قسما مستقلا أعلى من المشهور ودون المتواتر «5». 2 - خبر الواحد: وهو عند المحدثين: ما لم يجمع شروط المتواتر «6». ويدخل فيه على هذا التعريف: المشهور والمستفيض، وهو عند الأصوليين:" الذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا بعد أن يكون دون المشهور والمتواتر «7» ".
واختلف في حكم خبر الآحاد" المشهور والمستفيض وخبر الواحد" فقال بعض الأصوليين: إنه يفيد الظن، أو العلم الظني، فيجب العمل به دون العلم. وقال آخرون: إنه يفيد العلم اليقيني ويوجب العمل «1». وقد نشأ هذا الاختلاف بعد ابتداع التقسيمات المتقدمة للحديث النبوي والحقيقة أن هذه التقسيمات لا تنضبط، لأن المحدثين والأصوليين مختلفون في عدد التواتر من أربعة إلى ثلاثمائة وستة عشر، وفي عدد المستفيض والمشهور أيضا تبعا للاختلاف في عدد التواتر، ولذا فلو اكتفى المحدثون والأصوليون بالبحث عن صحة الحديث إسنادا ومتنا، فما كان صحيحا، قبل، وكان أصلا من أصول شرعنا، لأنه لا مجال في التشكيك فيه بعد ذلك، فالخبر الذي تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه يفيد العلم عند جماهير السلف والخلف، لأن العلم الضروري يحصل: بكثرة المخبرين أو بضبط الرواة، ودينهم، أو بالقرائن التي تحف بالخبر، أو بمجموعها «2». وعلى فرض صحة هذا التقسيم وعلمنا بأن لاشتهار الحديث وكثرة رواته والناقلين له مع صحته ميزة كبيرة قد لا تحصل لحديث صحيح آخر لم تكن طرقه أو عدد رواته والناقلين له كسابقه: فإنني أتحدث هنا عن حجية خبر الآحاد عند
الطوفي- رحمه الله-، وهو الغرض من هذا المبحث: يقول الطوفي في كتاب الانتصارات" هذا" ص 242 - 243:" ولا تثبت أصول الشريعة إلا بقاطع كالبديهيات والفطريات، والمتواترات ونحوها ... وفائدة هذه المقدمة: أن يستند إليها في أن كل ما أورده علينا من الأخبار التي حقها أن لا تثبت بمثلها الأصول، لا ترد علينا ولا تلزمنا، لأن تلك أخبار توجب العمل دون العلم لكونها مظنونة الثبوت، وإن كانت في البخاري ومسلم لاحتمال وقوع علة قادحة في طريقها، فلا تقوى على إثبات أصل، ولا على أن يقدح بها في أصل، خصوصا وقد دخلها تصرف الرواة في الرواية بالمعنى ... ". وليس هذا وحده هو كلام الطوفي- عفا الله عنه- فهو يقول في موضع آخر ص (369):" وخبر الآحاد إنما يفيد ظنا ضعيفا" وقال ص: 240 عن الآحاد:" هذا ممكن أخبر به الصادق، وكل ممكن أخبر به الصادق فهو حق واقع" اهـ. وقد بين- رحمه الله- ص (448) أن أحاديث الصفات الصحيحة يجب الإيمان بها على ما يليق بجلال الله تعالى. وقال عن حديث سجود الشمس تحت العرش، وهو مما يسمى آحادا ص: (366):" ووصف الشمس بالسجود، وخطا بها من الحقائق الإلهية التي لا يستقل العقل بدركها فيجب تلقيها عن أصحاب الشرائع بالقبول ... " اهـ. وليس هذا هو مذهب الطوفي وحده بل شاركه فيه كثير من الأصولين- كما
سبق- فهذا الإمام جلال الدين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخبازي المتوفى سنة 691 هـ «1» يقول في المغني في أصول الفقه ص 197 عن المشهور:" لكنه لما كان من الآحاد في الأصل ثبت به شبهة سقط بها علم اليقين" اهـ، وقال في خبر الواحد ص 195:" ولأن خبر الواحد يفيد غلبة الظن، وأنها توجب العمل لعدم توقفه على اليقين بيقين" اهـ. وقال علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي الحنفي الفقيه الأصولي المتوفى سنة 553 هـ «2»: في ميزان الأصول:" وأما حكم المشهور مسألة اختلف مشايخنا فيه ولا رواية عن أصحابنا. قال بعضهم إنه يوجب علم طمأنينة لا علم يقين، وهو اختيار الشيخ الإمام أبي زيد- رحمه الله «3» -، وقال عامة مشايخنا: إنه يوجب علما قطعيا «4» ". قال ابن بدران الدمشقي «5» في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد ص 204:
" وعن الإمام أحمد في حصول العلم بخبر الواحد قولان: أحدهما: لا يحصل العلم به، وهو قول الأكثرين، والمتأخرين من أصحابه، قال الطوفي: وهو الأظهر من القولين، والثاني يحصل به العلم، وهو قول جماعة من المحدثين «1» ". ونرد على الطوفي- عفا الله عنه- وعلى من وافقه في خبر الآحاد بما يلي: 1 - أن خبر الآحاد حجة شرعية في أصول الشريعة الإسلامية إذا رواه مسلم عاقل عدل تام الضبط، وتلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه كما سبق، فهو يفيد العلم وإلا كيف نعمل بموجب قول لا نعتقد القطع بصحته ونعتد به «2». 2 - أن خبر الواحد يفيد العلم لأن الأمة إنما تقبل خبر العدل، والعدل قد حرم عليه أن يقول ما لا يعلم كما قال تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وما بَطَنَ والْإِثْمَ والْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (33) «3» فوجب ألا يقول العدل إلا ما يعلم، وذلك يفيد العلم «4». 3 - أن الله سبحانه وتعالى يقول: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) «1». والطائفة: اسم للواحد فصاعدا. والأمر يشمل الدين كله أصوله وفروعه، والواحد المتفقه العدل برهان عند الله، ولذا كانت الوفود تقدم إلى النبي صلّى الله عليه وسلم الواحد والاثنان والجماعة لتتعلم الإسلام بأصوله وفروعه، ثم يأمرهم بتبليغ ما حفظوه إلى قومهم. وليس في ما تعلموه ما يوجب العمل دون العلم «2». 4 - أن الطوفي- رحمه الله- ذكر أن الآحاد:" من الحقائق الإلهية" وأنها حق واقع والحقائق الإلهية إنما تفيد اليقين، وإلا فكيف تسمى حقائق إلهية. وكيف تكون حقا واقعا وهي لا تفيد إلا الظن؟. وأخيرا فإن مسألة إفادة الآحاد للعلم أو عدم إفادته له موضوع نزاع بين العلماء الأصوليين، وبين العلماء المحدثين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم. والله المستعان.
وفاته: سبق أن ذكرت بأن المؤرخين للطوفي قد اختلفوا في تحديد عام ولادته، فكذلك الحال في سنة وفاته. ففريق منهم كابن حجر، وابن رجب، وابن العماد، واليافعي «1»، وغيرهم: يذكرون أنه توفي في رجب سنة ست عشرة وسبعمائة للهجرة «2». وبعضهم كالسيوطي وغيره يرى أنه توفي في رجب سنة عشر وسبعمائة «3». ويرى البعض كابن مكتوم- كما نقله عنه السيوطي- أنه توفي سنة إحدى عشرة وسبعمائة «4». والأصح من هذه الأقوال أنه توفي في رجب سنة ست عشرة وسبعمائة ببلد الخليل- عليه السلام- أو هو لم يسبق ذلك التاريخ على الأقل، لعدة أمور ألخصها فيما يلي:
1 - اتفاق الحفاظ المترجمين له على ذلك كابن حجر وابن رجب وابن العماد. 2 - أن أكثر من ترجموا له ذكروا أنه حج في سنة أربع عشرة وسبعمائة، وجاور في سنة خمس عشرة وسبعمائة، ثم خرج إلى الشام فبقي في بلد الخليل حتى مات- رحمه الله-. 3 - أنه ذكر في آخر كتاب شرح الأربعين النووية: أنه فرغ منه يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة في مدينة قوص من أرض الصعيد «1». 4 - أنه ذكر في نهاية كتابه:" الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية" أنه ابتدأ فيه يوم السبت في الثالث عشر من شهر ربيع الأول، وفرغ منه يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر كلاهما في سنة ست عشرة وسبعمائة ببيت المقدس «2». أقوال الناس فيه: أجمع الذين أرخوا للطوفي على علو منزلته العلمية وتفننه النادر حتى الذين اتهموه بما ذكرت سابقا. فابن رجب وهو ممن تحامل عليه قال في أول ترجمته:" ... الفقيه
الأصولي المتفنن نجم الدين أبو الربيع ... «1» ". وقال في موضع آخر:" جالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعلق عنهم «2» ". وقال:" وكان فاضلا صالحا «3» ". وقال ابن حجر- رحمه الله-:" واشتغل في الفنون وشارك في الفنون وتعانى «4» التصانيف في الفنون «5»، وكان قوي الحافظة شديد الذكاء ... وقرأ العلوم وناظر وبحث ببغداد «6» ". وقال:" وقرأت بخط القطب الحلبي «7»: كان فاضلا له معرفة، وكان مقتصدا في لباسه وأحواله متقللا من الدنيا «8» ".
ونقل ابن حجر أيضا قول الكمال جعفر في الطوفي:" ولم يزل ملازما لاشتغال وقراءة الحديث والمطالعة والتصنيف وحضور الدرس معنا إلى حين سفره إلى الحجاز، وكان كثير المطالعة، وأظنه طالع أكثر كتب الخزائن بقوص، وكانت قوته في الحفظ أكثر من الفهم «1» ". كما نقل عن الذهبي قوله:" وكان- أي الطوفي- دينا ساكنا قانعا، ويقال أنه تاب عن الرفض «2» ". وقد وصفه ابن العماد بقوله:" الأصولي المتفنن «3» ". وقال صاحب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ص 36:" البحر العباب، والغيث الذي يقصر عنه السحاب أبو الربيع سليمان نجم الدين ... ". قال الصفدي:" كان فقيها شاعرا أديبا فاضلا قيما بالنحو واللغة والتاريخ، مشاركا في الأصول «4» ". وقال اليافعي: «كان على بدعته كثير العلم عاقلا متدينا» «5».
2 - التعريف بالكتاب * سبب تأليفه * زمن ومكان تأليفه * منهج المؤلف فيه * مقارنة بينه وبين بعض ما ألف في موضوعه * المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في تأليف الكتاب * أهمية الكتاب العلمية * وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق
اسم الكتاب ونسبته إلى الطوفي: وردت تسمية الكتاب في مخطوطاته بالألفاظ التالية: 1 - على صفحة عنوان المخطوطة التي نقلت من خط المؤلف سنة 711 هـ أي في حياة الطوفي:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية". 2 - على صفحة العنوان من المخطوطة المنقولة من نسخة المؤلف أيضا سنة 749 هـ:" الانفصالات الإسلامية وكشف شبه النصرانية". 3 - على صفحة العنوان من مخطوطة للكتاب ضمن مجموع بمكتبة شهيد علي بتركيا برقم 2315:" الانتصارات الإسلامية وكشف شبه النصرانية". ووردت في الكتب التي ترجمت للطوفي، مثل ذيل طبقات الحنابلة (2/ 367)، والأنس الجليل (2/ 258) وكشف الظنون (1/ 174) هكذا: " الانتصارات الإسلامية في دفع شبه النصرانية". وقد اخترت أن يكون عنوان الكتاب:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" وذلك لأن هذا هو عنوان الكتاب في المخطوطة التي نقلت من نسخته في حياته، وليس عليه ما يلاحظ من حيث اللغة أو مطابقته للموضوع. أما نسبة الكتاب إلى الإمام الطوفي- رحمه الله- فلم أجد خلافا فيها، وتتحقق صحة النسبة بأمور منها: 1 - وجود اسمه على جميع مخطوطات الكتاب. 2 - إحالته في الانتصارات الإسلامية .. إلى مجموعة من كتبه التي ثبتت نسبتها
إليه، مثل: الاكسير في قواعد التفسير، ودرء القول القبيح في التحسين والتقبيح، وتعاليق على الأناجيل، والقواعد الدمشقية، والقواعد الصغرى، وغيرها. 3 - أن أصحاب التراجم والطبقات يذكرون كتاب:" الانتصارات الإسلامية .. ضمن كتب الطوفي كلما ترجموا له، ومن الكتب التى ذكرته: ذيل طبقات الحنابلة والأنس الجليل، وكشف الظنون، في المواضع السابق ذكرها. 4 - أن الناظر في كتب الطوفي- مثل الاكسير في قواعد التفسير وشرح الروضة وغيرهما من كتبه المتعددة- وفي هذا الكتاب لا يجد تفاوتا بينها من حيث الأسلوب، والعرض والترتيب والتبويب. ومن كل هذه القرائن يعلم أن نسبته إليه صحيحة لا ريب فيها. والله الموفق.
سبب تأليف الكتاب: يهيئ الله تعالى للحق دائما من يبينه ويعلي رايته على الباطل، ويسخر سبحانه لذلك رجالا أكفاء يذبون عن هذا الدين، ويدحضون شبه الطاعنين بما آتاهم الله من العلم والفطنة والنور، كما قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ... (18) «1». فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذب عن الشريعة في حياته. ثم صحابته الكرام العالمون بأحكام الشريعة، المعايشون لنزول الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم تبعهم في ذلك التابعون والسلف الصالح وسيظل هذا الدفاع عن الحق إلى قيام الساعة: «لا يزال في أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» «2». ولقد تعرضت الشريعة الإسلامية في القرن السابع الهجري إلى هجوم شرس من النصارى الذين سخروا أقلامهم المسموعة في الحرب الفكرية العقدية المساندة لحروبهم الصليبية التي وجهت إلى العالم الإسلامي، فكانت تكتب الرسائل
والكتب المملوّة بالطعون والشبهات، وترسل إلى أوساط المسلمين لمحاولة تشكيكهم في عقيدتهم وشريعتهم، وتعقد المناظرات- مع بعض المسلمين طمعا في التغلب على فكرهم وتشويش أذهان العامة، والسخرية بدينهم، وانتشار بدعهم. ولكن الله ألهم علماء الإسلام فتصدوا لهذه الحرب الشعواء، وقارعوا الحجة بالحجة، فظهر الحق وبطل الباطل، وأمسى النصارى بكيدهم في نحورهم. وكان الإمام الطوفي- رحمه الله وعفا عنه- ممن تصدى للدفاع عن الإسلام ودفع منكر النصارى والملحدين والمرتدين عن الإسلام. فقد اطلع على كتاب ألفه بعض النصارى يطعن به في دين الإسلام، ويقدح به في نبوة نبينا محمد- صلّى الله عليه وسلم-. قال- رحمه الله- في كتابه: تعاليق على الأناجيل، عند ما بدأ تعليقه على ما في الإنجيل:" احذروا من الأنبياء الكذبة ... «1»:" صدر بعض علماء النصارى بهذا الكلام كتابا صنفه في القدح في دين الإسلام والطعن على نبوة محمد- عليه السلام- وأرجو من الله سبحانه التخلي لمناقضته والرد عليه «2» " اهـ. وقد تحقق له ما طلبه من الله تعالى فألف هذا الكتاب:" الانتصارات ... ". ولم يذكر- رحمه الله- اسم النصراني، ولا عنوان كتابه، كما فعل أيضا عند ما ذكر سبب تأليف كتابه الآخر:" تعاليق على الإنجيل". وقد وجدت على صفحة عنوان نسخة:" الانتصارات ... " بمكتبة شهيد علي بالسليمانية بتركيا أن كتاب النصراني الذي رد عليه الطوفي هو:" السيف المرهق في الرد على المصحف".
والذي يظهر لي- والله أعلم- أن النصراني من بلاد الغرب الأقصى، أو من بلاد الأندلس، لأنه نقل كثيرا عن تفسير ابن عطية الأندلسي «1» - رحمه الله- كما نقل عن كتب موسى بن عبيد الله «2» الفيلسوف المرتد عن الإسلام، وهو ممن عاش في الأندلس، ثم انتقل في آخر حياته إلى مصر. وهذا أيضا يدلنا على أن هذا النصراني قد ألف كتابه الذي رد عليه الطوفي في القرن السابع، أو أول القرن الثامن، وهو وقت طغيان الفكر الصليبي النصراني على العالم الإسلامي كما رأينا عند الحديث عن الحالة السياسية في عصر الطوفي. وقد تكون لبعض الناس محبة في الجدل والمناظرة، ولو على حساب الدين، والحق، فيطلب ذلك في مجالسه، كما هو حال بعض أهل الكلام المذموم.
ولكن قد يضطر أناس إلى الجدل والمناظرة الشفوية أو التحريرية للدفاع عن الدين بعد نيل الأعداء منه، كما حصل لكثير من علماء الإسلام، مع النصارى وغيرهم- كما سبق- خاصة إذا أصبح خطر العدو يهدد كيان الأمة وأصبح في المجتمع بعض الجهال الذين قد يخدعون بما يأتي من شبهات عبر ما يكتب أو ينشر في أوساط المجتمع، ولذا خاض غمار هذا الجدل العلماء- رحمهم الله- ضد النصارى وغيرهم ومن هؤلاء العلماء نجم الدين الطوفي في هذا الكتاب وغيره، فقد أوضح في مقدمته أن الدافع له في الرد على كتاب النصراني الذي وصله: هو ما يخشاه من أن يستخف ما فيه من الشبه بعض ضعفاء المسلمين فيورثه شكا في الدين يقول- رحمه الله-" فرأيت مناقضته ... ورجوت بها مغفرة من الله ورضوانا، حذرا من أن يستخف ذلك بعض ضعفاء المسلمين فيورثه شكا في الدين، ولقد رأيت بعض ذلك عيانا وآنست عليه دليلا وبرهانا" اهـ. فهو- رحمه الله- لم يقدم على ذلك حبا في الخوض مع النصارى في هذه الشبه الباطلة، ولكن دفاعا عن دين الله، وعن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-، ودفعا لهذه الشبه التي قد يغتر بها بعض ضعفاء الإيمان والمغفلين كما يحصل في كل زمان، وأحسبه في عصرنا هذا أكثر، لزيادة جهل المسلمين بإسلامهم، وبعدهم عن كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد- صلّى الله عليه وسلم-، بل لحب كثير من المسلمين اليوم التبعية والتقليد للغربيين النصارى، والتعلق بالثقافة التي يقدمها هؤلاء النصارى لهم حتى في مجال شرائع الإسلام. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
زمن تأليف الكتاب ومكانه: أشار المؤلف- كما هي عادة كثير من المصنفين الأوائل- إلى تاريخ ابتداء تأليف الكتاب وتاريخ انتهائه. فقد ابتدأ تأليفه في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر شوال سنة سبع وسبعمائة من هجرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم. وكان الفراغ منه صبيحة يوم الاثنين السابع من شهر ذي القعدة المحرم من السنة نفسها. وقد أشار أيضا في أثناء الكتاب إلى تأريخ تأليف هذا الكتاب فقال:" فهذا اليوم سبعمائة سنة وسبع سنين «1» ". ولكن المؤلف- رحمه الله- أعاد النظر في الكتاب وصححه وألحق به ما خطر له من الفوائد اللائق إلحاقها، وانتهى من ذلك عشية يوم الأحد عاشر شوال سنة ثمان وسبعمائة هجرية. أما مكان تأليفه الكتاب فهو مدينة القاهرة، وذكر أنه صنفه في المدرسة الصالحية منها، وأعاد النظر فيه وألحق ما ألحق به وصححه في المدرسة المنصورية في القاهرة أيضا. منهج الطوفي في كتابه: الانتصارات الإسلامية: يقول- رحمه الله- عن منهجه في الكتاب:" فأوردت مناقضته حرفا من كلامه فحرفا، وأبنت مقاصد السؤال والجواب على وجه لا يخفى، مع تلخيص العبارة خشية الضجر والاملال، وتلخيص المعاني ونصوصيتها خيفة الإخلال
والاختلال، وقدمت على ذلك مقدمات كلية تتضمن مباحث جلية، عليها يبني معظم الجواب، وبها يتيسر ظهور الصواب وعلى الله توكلي وإليه المآب". بدأ الطوفي رده على النصراني بذكر ثلاث مقدمات كلية ليبنى عليها معظم رده على أسئلة النصراني وشبهاته ومطاعنه تتلخص فيما يلي: 1 - سد باب الاستدلال على المسلمين بكتب الأوائل مطلقا، لعدم الوثوق بها وجرأتهم على تحريفها. 2 - أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يأت بما ينافي العقل، ولا يجوز فيه أو يدركه، وإن قصر عن إدراك مضمونه مما هو من التعبدات الشرعية التي أخبر بها النبي الصادق صلّى الله عليه وسلم. 3 - أن الشريعة لها أصول وفروع، ولا تثبت أصولها إلا بقاطع كالبديهيات والضروريات والمتواترات ونحوها، وأخرج خبر الواحد فادعى أنه لا تثبت به أصول الشريعة- وقد سبق الاعتراض عليه وبيان الحق والحمد لله-. ثم انتقل إلى الكلام عما ورد في كتاب النصراني على النحو التالي: 1 - ابتدأ مناقضته في أول ما افتتح به كتابه: وهو قول المسيح- على زعم النصراني-" احذروا من الأنبياء الكذابين الذين يأتونكم في لباس الضأن ... ". 2 - كان يورد جزءا من نص كتاب النصراني ثم يبدأ الإجابة عن هذا الجزء وهكذا إلى أن انتهى من الكتاب كله. لكنه أحيانا يترك ما يستطرد فيه النصراني مما لا حاجة إلى نقله والإجابة عنه.
وإذا أطال النصراني في بعض المواضع: اختصره الطوفي ثم أجاب عنه. يقول- رحمه الله-:" وما كان في عبارته من تطويل لخصته مع الإتيان بكمال المعنى وأعرضت عن مكافأته على سوء أدبه على النبي صلّى الله عليه وسلم بمثله لا إكراما له بل هوانا بقدره ومحله" اهـ. 3 - ختم الكتاب بعشر حجج هي خلاصة الكتاب. وزبدة الرد على النصراني، فالمناظرة إذا كانت مبنية على مقدمات مشتركة بين المتناظرين كالحكم بينهما فالخاتمة تكون لمن وافقت دعوته تلك المقدمات وقد ختم الطوفي كتابه بالحجج المذكورة ليثبت بها صحة دين الإسلام وصدق محمد- صلّى الله عليه وسلم-، وهو أسلوب مفيد جدا، وهو أسلوب الأدباء والعلماء البارعين. 4 - وقد كانت إجاباته متميزة بالموضوعية، فلا يخرج عن الهدف الذي يقصده النصراني، ولا يستطرد عند الإجابة فيما لا صلة له بالموضوع. 5 - التزم أدب الجدل والمناظرة إلى حد كبير جدا، آخذا بما أمر الله به في مجادلة أهل الكتاب في قوله تعالى: ولا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «1». وقوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) «2» 6 - كان يسوق الأدلة من القرآن والسنة التي استدل بها النصراني وطعن فيها، ثم
يورد وجه استدلاله بها ثم يرد عليه. وأحيانا لا يذكر النصراني وجه الاستدلال بالنص الشرعي، أو وجه اعتراضه على النص فيورده الطوفي بناء على ما علمه من عادة النصارى وغيرهم من المرتدين عن الإسلام، وولعوا بإيراده من الاعتراضات على تلك النصوص. 7 - يبدأ الإجابة بتوجيه النصوص وتفسيرها وذكر أسباب النزول أو ورود الحديث إن وجد ذلك، ثم مناقشة الخصم ودحض ما قاله من شبهات. وله معرفة قوية بأقوال المفسرين، واختيار القول الذي عليه جمهور المفسرين، وله باع في الحديث والحكم عليه أحيانا، وليس كما رماه بعض من غاضه بأنه قليل البضاعة فيه كما تقدم عند الحديث عن علمه وآثاره العلمية. كما أنه كان يسوق بعض نصوص السيرة المشهورة عند أهل المغازي والسير، للاستشهاد بها عند الحاجة إليها. وكان يذكر بعض الإسرائيليات أيضا للاستشهاد بها كما يفعل بعض المفسرين. وهو في ذلك كله يعزو النصوص إلى مصادرها، ويسند الأقوال إلى قائليها. والآراء إلى أصحابها- إلا ما ندر- في حافظة عجيبة وأمانة علمية. 8 - كان يسوق الحجج العقلية في الرد على النصراني، وقد تميزت بقوتها خاصة وأن الطوفي من علماء أصول الفقه الذي يعطي العالم مراسا على وضع القواعد المنطقية لإثبات قضية من القضايا الشرعية بما يوافق نصوص الكتاب والسنة ولا يعارضها، ثم إنه متمرس في المناظرات والجدل العلمي في بغداد وغيرها كما سبق.
9 - كان يسلم للنصراني ما في كلامه من حق يوافق الكتاب والسنة أولا يعارض شرع الإسلام، وليس للنصراني- أو غيره- متمسك في ذلك. والأمثلة على ذلك كثيرة ظاهرة من الكتاب. 10 - كان يذكر أحيانا الرد على وجه الإجمال ثم يكر فيفصل الإجابة ويسوق الوجوه القوية في الرد على دعوى النصراني وافتراءاته. 11 - كان الطوفي يورد على الخصم ما يدعي أنه يؤمن به، ويزعم أنه الحق، من نصوص الكتب المتقدمة، كالتوراة والإنجيل، وهي توافق ما جاء به القرآن والسنة أو تخالف ما ادعاه النصراني، وهذا من أقوى الطرق في إفحام الخصم وفضح مقصده ورد كيده. وأرى أن هذا منهج عظيم في الرد على المخالفين أن يستدل عليهم بما عندهم. والنصوص التي عندهم يقرر الطوفي أنه وقع التحريف والتبديل على جملتها لا في كل قضية من القضايا متمسكا بما قاله النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «1»» «2». وهذا يعني أن هناك ألفاظا لم تحرف فهي حجة عليهم، وقد يكون الغلط في تفسيرها وحملها على غير المعنى المراد منها، خاصة وأنها قد ترجمت من لغة إلى أخرى، فتعاورتها الأيدي والألسنة التي ربما تكون جاهلة بالمعاني وتفسير النصوص.
12 - لم يكتف- رحمه الله- بالدفاع بل تعدى ذلك إلى مرحلة الهجوم على الخصم، وقد أتاه من مأمنه، فبين في عدة مواضع فساد دينهم المحرف وما هم عليه، وعدم الوثوق بما لديهم من الكتب المحرفة، وبين وجه تحريفهم لها وتناقضها بما لا يستطيعون الإجابة عنه. 13 - كشف في هذا الكتاب أن النصارى يتعبدون بغير ما في كتبهم التي يدعون صحتها وأنها المنزلة من عند الله، وأن دينهم الذي هم عليه لا تقره هذه الكتب، بل لقد كشف أن هذا النصراني لا نصرانيا متمسكا بدين النصارى ولا فيلسوفا محضا، وألمح بأنه لا يدين بدين من الأديان الصحيحة أو المحرفة. المصادر التي اعتمد عليها الطوفي في تأليف كتابه هذا: لا ريب أن الإمام الطوفي كغيره من المصنفين الذين يعتمدون في مؤلفاتهم على كثير من المصادر التي تتحدث عن الموضوع الذي يصنف فيه. والمطلع على كتب الطوفي- رحمه الله- يدرك غزارة علمه وسعة اطلاعه على كثير من العلوم والفنون. ويلحظ قوة حافظته واعتداده بنفسه، وقوة حجته في مناقشاته. والقارئ لكتابه هذا:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" يرى كثرة مراجعه ومصادره التي اعتمد عليها، وإن كان لم يذكر جميع الكتب والمصادر التي رجع إليها، فهو إما أن يذكر المؤلف واسم كتابه، أو يكتفي بذكر المؤلف دون
كتابه وهذا قليل. وقد لا يذكر المصادر أو أصحابها إذا كانت المسألة مشهورة في فن من الفنون، إلا أنه مستقل بفهم ما تحدث عنه. وله وجهة نظره ورأيه الذي استقل به، فهو لا يتابع أحدا دون فهم. لقد نقل الطوفي في هذا الكتاب من كتب مختلفة ومتعددة وأكثر من كتب التفسير والحديث والسير، وكتب النصارى، وكتب أصول الدين وأصول الفقه والأدب واللغة وغيرها. وقد رأيت أن أذكر مصادره التي صرح بها على سبيل الاختصار، مرتبة على الفنون: أولا: مصادره في التفسير وعلومه: 1 - جامع البيان عن تأويل القرآن «1»: للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري «2». 2 - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز «3»: للقاضي أبي محمد عبد الحق ابن
غالب بن عطية الأندلسي. 3 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: لأبي القاسم الزمخشري «1». 4 - تفسير القرآن «2»: للحافظ أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني «3». 5 - تفسير الديار بكري «4». 6 - الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله القرطبي. 7 - الاكسير في قواعد التفسير: للمؤلف.
هذه الكتب التي صرح بالنقل منها في هذا الكتاب وإلا فقد راجع واستفاد من بقية كتب هذا الفن وكتب علوم القرآن وعلم القراءات مما يتصل بتفسير القرآن الكريم وعلومه. وقد أشرت إلى بعضها في الهوامش. ثانيا: مصادره من كتب السنة وعلومها: استفاد الطوفي- رحمه الله- من الكتب الستة وغيرها، وكان أغلب نقله منها، ومما صرح بالنقل فيه من كتب السنة وشروحها وعلومها: 1 - الجامع الصحيح المسند المختصر في أمور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسننه وآدابه «1»: للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة 256 هـ. 2 - الجامع الصحيح: أو المسند الصحيح «2»: للإمام مسلم «3». 3 - السنن: للإمام أبي داود السجستاني «4».
4 - الجامع الصحيح، المعروف بسنن الترمذي: للإمام أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة 279 هـ. 5 - السنن: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة 303 هـ. 6 - السنن: للإمام أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني الربعي المشهور بابن ماجه المتوفى سنة 273 هـ. 7 - المسند: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المتوفى سنة 241 هـ. 8 - معالم السنن «1» شرح سنن أبي داود: للإمام الخطابي «2». 9 - مختلف الحديث «3»، أو تأويل مختلف الحديث: للإمام أبي محمد بن
قتيبة «1». 10 - مشكل الآثار: للإمام أبي جعفر الطحاوي «2». 11 - رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين صلّى الله عليه وسلم: للإمام النووي «3». ثالثا: مصادره في السيرة النبوية: لقد ذكر الطوفي- رحمه الله- في كتابه هذا نصوصا كثيرة من كتب السيرة
مما يتعلق بموضوعه ليوضح القضايا التي عرض لها بالشواهد الصحيحة والأدلة النقلية الثابتة ومما استفاد منه من كتب السيرة، وقد ذكرها في هذا الكتاب: 1 - السيرة النبوية: لابن هشام «1». 2 - الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام: للفقيه أبي القاسم السهيلي «2». 3 - الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى الله عليه وسلم: للقاضي عياض «3». 4 - سيرة البكري، أو غزوة الأحزاب: لأبي الحسن البكري «4».
5 - البشر بخير البشر: للأديب المفسر ابن ظفر «1». 6 - أعلام النبوة، أو دلائل النبوة: لأبي الحسن الماوردي «2». 7 - الوفاء في فضائل المصطفى صلّى الله عليه وسلم: لأبي الفرج ابن الجوزي «3».
8 - الأمالي لابن مكة «1»: هكذا ذكره الطوفي- رحمه الله-. 9 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: للإمام البيهقي «2». 10 - قصص الأنبياء: للمؤرخ وثيمة بن موسى الوشاء «3».
رابعا: من مصادره في الأدب: 1 - ديوان امرئ القيس «1» الكندي. 2 - ديوان عنترة العبسي «2». خامسا: من مصادره في أصول الدين وأصول الفقه والتاريخ وغيرها: ذكر الطوفي بعض مصادره في هذه الفنون، ونحن نورد ما صرح به فقط: 1 - الرد على الزنادقة والجهمية: للإمام أحمد بن محمد بن حنبل. 2 - القواعد الدمشقية في أصول الفقه: للمؤلف. 3 - الفوائد: للمؤلف. 4 - تقرير الثالوث: لابن الأشل النصراني «3». 5 - قانون التثليث: لابن الأشل النصراني. 6 - كتاب العظمة: لأبي جعفر بن حيان «4».
7 - المباحث المشرقية «1»: للفخر الرازي «2». 8 - درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح: للمؤلف. 9 - القواعد الصغرى: للمؤلف. 10 - تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر: للمؤلف. 11 - إفحام النصارى: للمهتدي ابن جزلة «3». 12 - منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان" طب" للمهتدي الطبيب ابن جزلة. وقد رجع إلى غير هذه الكتب في هذه الفنون وغيرها، مما أعطى كتابه هذا قيمة علمية كبيرة.
مقارنة بين كتاب الانتصارات الإسلامية وبعض ما ألف في الرد على النصارى: كان الصراع كما سبق مستمرا بين المسلمين والنصارى، سواء بالسلاح المادي، أو بالجدل والمناظرة، أو بالرسائل والكتب، وليس كتاب الطوفي هذا هو الوحيد في الرد على النصارى، سواء منه هو، أو من بقية العلماء في القرون المتقدمة عليه أو المتأخرة عنه، وليس هو وحده الذي رد عليهم في الفترة التي عاش فيها. فله كتابان آخران هما: تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر، وتعاليق في الرد على جماعة من النصارى، فالأول قد أشار إليه وأحال عليه في مواضع من كتابه هذا" الانتصارات الإسلامية ... " والآخر لم يشر إليه فيه، وإن كان ألمح إليه في مواضع من كتاب الإشارات الإلهية، عند ما تحدث عن بعض شبهاتهم وعقائدهم في الحديث عن الآيات التي تتحدث عن ذلك، فيقول مثلا: «وقد تكلمنا عن ذلك في الرد عليهم»، كما أن المترجمين للطوفي ذكروه أيضا، والذي يظهر لي أنه ألفه بعد كتاب الانتصارات الإسلامية لأنه لم يشر في هذا الكتاب كما فعل ذلك بالنسبة إلى كتاب تعاليق على الأناجيل. وقد شارك عدد كبير من العلماء في الرد على النصارى من القرون الأولى إلي يومنا هذا، إما بإفراد مؤلفات خاصة بذلك أو ضمن كتب تتحدث عن الملل والنحل أو غيرها. ومما أفرد في الرد على النصارى في كتب مستقلة:
1 - المختار في الرد على النصارى: للجاحظ «1». 2 - الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل: للإمام أبي حامد الغزالي. 3 - مقامع هامات الصلبان ورواتع روضات الإيمان: لأبي عبيدة الخزرجي «2»، وقد طبعه الدكتور محمد أبو شامة. وحرف اسمه إلى:" بين الإسلام والمسحية" وفي تقديمه للكتاب أخطاء ليس المقام مناسب لذكرها. 4 - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ... للقرطبي. 5 - النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية: لنصر بن يحيى المتطبب «3». 6 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة: للقرافي. 7 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية.
8 - تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب: لعبد الله الترجمان «1». 9 - منظومة الأبوصيري. 10 - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: لابن قيم الجوزية «2». 11 - منحة القريب المجيب في الرد علي عباد الصليب: لعبد العزيز بن معمر «3». 12 - إظهار الحق: لرحمة الله الهندي «4». وغيرها كثير، قديما وحديثا.
ومن الكتب التي تضمنت الرد على النصارى ولم تفرد لذلك: 1 - الفصل في الملل والنحل: لابن حزم الأندلسي «1». 2 - المغني في أبواب التوحيد والعدل: للقاضي عبد الجبار «2». 3 - الملل والنحل: للشهرستاني «3». ومن ذلك أيضا كتب دلائل النبوة وغيرها.
وسأخص بحديثي في هذه المقارنة ما كان منها مفرد للرد على النصارى دون غيرها، كما أنني سأجعل المقارنة وضرب الأمثلة بالكتب المهمة التي تغني عن باقيها على وجه العموم. إن المطلع على الكتب المذكورة آنفا يجد أنها قد اشتركت في عدد من القضايا الهامة في الرد على النصارى، فقد اشتركت في مناقشتهم في الأمور التالية: 1 - إبطال قول النصارى بألوهية عيسى وربوبيته، أو أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، أو إنه إله من جهة أبيه، وإنسان من جهة أمه. على اختلاف مذاهب النصارى في ذلك. 2 - رد قول النصارى بالتثليث، والأقانيم الثلاثة، الأب والابن وروح القدس إله واحد، على تفسيراتهم التي لا يقبلها عقل عاقل. 3 - رد قولهم بالاتحاد والحلول، على اختلاف بين فرقهم في كيفية ذلك. 4 - وقوع التحريف والتبديل في الكتب التي بأيدي النصارى، ووقوع ذلك في دين النصارى، ومخالفة ما يتعبدون به، لما يدعونه صحيحا من الكتب التي بأيديهم، وعدم الوثوق بهذه الكتب. 5 - إثبات نبوة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، وتأييده بالمعجزات والبشارة به في كتب الأنبياء السابقين والكتب التي بأيدي النصارى. 6 - إبطال قول النصارى في الصلب والفداء. وهذه القضايا هي أصول عقيدة النصرانية، وإبطالها هدم لعقيدتهم من القواعد، وكشف للعقلاء بأن النصارى ليسوا على شيء في دينهم. وأنه لا يقبل لهم قول في إبطال دين الإسلام.
غير أن أغلب هذه الكتب لم يقتصر على القضايا المذكورة، بل تعرضت للرد على شبه كثيرة تولع النصارى بإيرادها للطعن في الإسلام: في نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم وفي القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وفي الأحكام التي تضمنها الإسلام في العبادات والمعاملات، وغير ذلك. ثم إن ما وصل كل عالم من هؤلاء العلماء من شبهات النصارى غير ما وصل الآخر، إلا نادرا، وقد تتفق كثير من الشبه في مضمونها ولكن تختلف في أسلوبها وعرضها على المسلمين. ولكل كتاب من الكتب المتقدم ذكرها أسلوب ومنهج يختلف عن الآخر في مناقشة القضايا السابقة والشبه المثارة، من حيث الإسهاب والاختصار وإيراد الحجج العقلية المنطقية، وكيفية تناول هذه القضايا والطريقة التي اختطها كل مؤلف من هؤلاء المصنفين، في شبه النصارى ودحض زيفهم. فبعضهم يرى أنه لا يليق بالعاقل أن يطيل الحديث مع النصارى في هذه القضايا وغيرها من الشبه التي يوردونها، فسلك مسلك الاختصار، ورد عليهم بردود عقلية موجزة، لأنه في نظره لا يليق بالعاقل أن يؤهلهم للحديث معهم وقد عجزوا عن تصوير دينهم الذي يدعونه، فضلا عن إقامة الدليل عليه، كما فعل القرافي في الأجوبة الفاخرة. ومن نهج منهجه في الاختصار. وبعضهم يرى أن الرد بتوسع وإسهاب قد لا ينتفع به القارئ أو السامع، فيستحسن أن يكون الرد واضحا لا يخفى مع تلخيص العبارة وتخليص المعاني ونصوصيتها، خشية الضجر والإملال من السامع أو القارئ، والإخلال بالموضوع في الخروج عن المقصود، واختلال الفكرة وصعوبة الفهم مع التطويل والاستطراد. وهذا هو رأي الطوفي- رحمه الله- وهو ما سلكه في كتاب الانتصارات الإسلامية.
وبعضهم قد أفاض في الحديث مع النصارى ومناقشاتهم في هذه القضايا وغيرها فسلك مسلك الطول والإسهاب، وتوسع واستطرد في بعض القضايا التي قد يكون لها صلة، أو مناسبة، وذلك لأن الرد على شبه الخصم التي يثيرونها ضد الإسلام تحتاج الإجابة عليها في نظره إلى إحاطة وإحكام، لئلا تجد قلوبا ضعيفة، وعقولا خالية، فيلتبس الحق بالباطل ... وهذا منهج ابن تيمية- رحمه الله- في الجواب الصحيح. ثم إن هناك أمرا آخر وهو السبب أو الدافع لتأليف الكتاب: فأكثر من رد على النصارى إنما فعل ذلك ردا على رسالة وصلت إليه أو كتاب اطلع عليه يطعن في دين الإسلام، وقد تكون الرسالة أو الكتاب متضمنا لقضايا غير التي ذكرت سابقا فلا يتحدث إلا فيما يهدف إليه الكاتب النصراني، ويكون حديثه عن هذه القضايا أو غيرهما من الشبه على قدر ما تستحق، ويرى ذلك كافيا في الرد على النصارى. كما يتضح من مقامع هامات الصلبان مثلا. وقد يكون لسعة العلم والاطلاع وعلو منزلة المؤلف ومقدرته العلمية أثر في التوسع والاقتصاد في الحديث مع النصارى في كل ما يتعلق بعقيدتهم أو الشبهات التي يثيرونها. ثم إن كل كتاب من هذه الكتب ألف في وقت يختلف عن الوقت الذي ألف فيه الآخر كتابه، من حيث الظروف السياسية والثقافية والفكرية والعقدية مما جعل كل واحد منهم ينهج في رده على النصارى ما يناسب فكره وعقيدته. فهذا الجاحظ من السابقين في التصدي لشبهات النصارى إلا إنه لم يوفق في مناقشتهم على المذهب الحق الذي كان عليه الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، لأنه بنى مناقشته لهم على مذهبه الفاسد في تقديم العقل على النقل،
وتأويل النصوص وصرفها عن حقائق ألفاظها الظاهرة إلى احتمالات مرجوحة وتأويلات فاسدة. ومما يشهد بذلك قوله في الرد على النصارى:" وأنت تعلم أن اليهود لو أخذوا القرآن فترجموه بالعبرانية لأخرجوه من معانيه، ولحولوه عن وجوهه. وما ظنك بهم إذا ترجموا فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ ... (55) «1» و ... ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) «2» ... ، وقد تعلم أن مفسري كتابنا وأصحاب التأويل منا أحسن معرفة، وأعلم بوجوه الكلام من اليهود ومتأولي الكتب، ونحن قد نجد في تفسيرهم ما لا يجوز على الله في صفته: لا عند المتكلمين في مقاييسهم، ولا عند النحويين في عربيتهم ... «3» " اهـ. هذا مع أن رده قوي لا أنكر ذلك. وهذا الأبوصيري قد تأثر رده في منظومته بما ينتحله من مذهب الصوفية حتى أنه قال فيها: وإذا تعسرت الأمور فإنني راج لها بمحمد تسهيلا «4» وهذا الغزالي يدعو في رده الجميل على النصارى إلى التأويل المذموم فهو يقول في أول رده:" ... فلا بد من تقديم أصلين متفق عليهما بين أهل العلم: أحدهما: أن النصوص إذا وردت فإن وافقت المعقول تركت ظواهرها وإن خالفت صريح المعقول وجب تأويلها واعتقاد أن حقائقها ليست مرادة فيجب إذ ذاك ردها إلى المجاز «5» " اهـ.
قلت: وهذا غير الصواب والحق، فإن النصوص الشرعية الصحيحة لا تعارض المعقول أبدا، ولكن قد يكون فهم الإنسان قاصرا سقيما فيظن أنها تخالف العقل، وإلا فإن الله لا يخاطب العقول بما تحار فيه وتعجز عن فهمه. واللفظ لا يصرف من معناه الراجح الظاهر إلى المعنى المرجوح إلا اذا صحب الكلام قرينة توجب ذلك، ويكون حينئذ معناه هو المراد. كما أن بعض هؤلاء المصنفين على مذهب الأشاعرة وخاصة في صفات الله تعالى ولا يتيسر الآن ذكر ما لاحظته في ذلك لأنه يطول. وأضيف إلى هذا أيضا: إن بعض مؤلفي كتب الرد على النصارى كانوا على دين النصرانية المحرفة فلما هداهم الله تعالى إلى الإسلام ردوا على النصارى وبينوا ما هم عليه من زيف وضلال، فكانوا أخبر من غيرهم في كشف أشياء من عقيدة النصارى، وأعمالهم قد تخفى على غيرهم، ولا يبيح بها النصارى، كما يتضح لنا من كتاب: النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية للمهتدي نصر بن يحيى المتطبب، ومن كتاب: تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب، للمهتدي عبد الله الترجمان «1»، ولكن لم يكونوا على درجة علمية تضاهي درجة العلماء البارزين
كأمثال ابن تيمية والقرافي والطوفي، وغيرهم لصعوبة اللغة على بعض أولئك أو قلة تمكنه من العلوم الشرعية وفنونها كأصول الفقه والمنطق وغير ذلك. وقد اتفق هؤلاء جميعا في الاحتجاج بما عند النصارى من الكتب على بطلان ما يتعبدون به، وما يدعون أنه الدين الحق. مع دخول التحريف والتبديل على تلك الكتب، وذلك من باب إلزام الخصم بما عنده، ويدعي أنه يؤمن به. لكن قد يكون بين هؤلاء العلماء فرق كيفية الاستدلال بتلك النصوص واستنباط ما فيها مما يشهد على هؤلاء النصارى. والطوفي- رحمه الله- له التجربة الدقيقة والخبرة الكافية في سبر كتب القوم والتعرف على مواطن الضعف وتوضيح وجوه الطعن فيها، كما يتضح ذلك من كتابه: تعاليق على الأناجيل، ومن كتاب الانتصارات الإسلامية أيضا. كما أن من هؤلاء العلماء من كان على دين النصارى ثم هداه الله إلى الحق فكان أخبر بهذه النصوص والمقصود منها، خاصة وأن بعضهم كان قد وصل إلى مرتبة الإقراء، والشرح لها، كالشيخ عبد الله الترجمان- رحمه الله-، ونصر بن يحيى المتطبب، ولهم تجربتهم مع هذه الكتب وفهم مدلولاتها عند النصارى وقساوستهم. غير أن بعض العلماء الذين احتجوا بنصوص الكتب التي بأيدي النصارى قد أسهبوا كثيرا في ذلك كالشيخ رحمة الله الهندي- رحمه الله-، وإن كان له عذره في ذلك- وهو أن كتابه: إظهار الحق ثمرة للمناظرة الكبرى التي دارت بينه وبين القس فندر «1»، أحد طلائع الاستعمار الصليبي في الهند، الذي لا يؤمن بشيء من
تلك الكتب، فقد أراد الشيخ رحمة الله أن يبين زيف ما عليه النصراني وقومه من ضلال بشهادة كتبهم التي بأيديهم، ثم إنه جعل ذلك هجوما على هؤلاء النصارى بما يدعون أنه صحيح وليس كذلك. وقد كان بين هذه الكتب التي ردت على النصارى اختلاف في طريقة العرض. فبعضهم كان يسرد رسالة النصراني، أو شبهات النصارى كاملة ثم يبدأ بالرد عليها بعد ذلك بأن يتناول كل شبهة بالرد حتى ينتهي من مناقشة تلك الشكوك والشبهات. كما فعل الخزرجي في مقامع هامات الصلبان. ولعل في ذلك خطرا على من يقرأ الشبهة بعيدة عن الإجابة، والأحوط عرض الشبهة واتباعها بالإجابة حسب ترتيب الرسالة، كما فعل الطوفي وابن تيمية والقرافي وابن معمر- رحمهم الله تعالى-، فإن في ذلك محافظة على نص الرسالة أو الكتاب، وسلامة من خطر علوق الشبهة في ذهن القارئ قبل الوصول إلى الإجابة عنها في موضع بعيد من الكتاب. ومنهم من كان يأخذ جزءا من كلام النصراني ثم يعقبه بالرد والمناقشة فيقول: قال النصراني أو النصارى كذا. والجواب عنه كذا وكذا، وهذا ما فعله الطوفي وابن تيمية وابن معمر والقرافي- رحمهم الله تعالى- كما سبق-. كما أن من العلماء من كان يسرد الإجابة على شبه النصارى سردا بأسلوب لاذع تعتريه العاطفة أحيانا ويشوبه السجع المتكلف أحيانا، فهذا القرطبي في الإعلام والخزرجي في المقامع وعبد الله الترجمان في تحفة الأريب يلجئون أحيانا كثيرة إلى عبارات التشنيع والهجاء التي يستحقها النصارى وأكثر، لكن بعض المصنفين يلتزم الموضوعية في المناقشة، والهدوء التام في الجدل والمناظرة، والاهتمام بالفكرة المطروحة التي قد يكسب المناظر في نهايتها الجولة على خصمه
وابن تيمية كان مثالا في ذلك، والطوفي وابن معمر والقرافي ورحمة الله الهندي ونصر بن يحيى المتطبب إلى حد كبير جدا. كما أن هناك أمرا آخر له أهميته في الاستفادة من تلك الكتب وهو حسن الترتيب والتبويب. فقد سلك بعض هؤلاء العلماء طريقة الأسئلة والأجوبة في عرض قضايا الكتاب ومناقشة النصارى فيعرض الشبهة في سؤال، ثم يتبعه بالإجابة عنه، ولأجل التوضيح للمباحث وتيسير المادة العلمية، يتبع طريقة التقسيم والتجزئة إلى وجوه وأقسام، للإجابة الواحدة حتى يزيل الإشكال ويظهر المقصود. وهذا ما فعله القرافي- رحمة الله عليه-، مع أنه جعل كتابه في أبواب أيضا. وقد شاركه في طريقة التقسيم والتجزئة إلى وجوه وأقسام: الطوفي وابن تيمية- رحمهما الله تعالى- وابن معمر- رحمه الله- إلى حد كبير. غير أن آخرين سلكوا مسلك التبويب والتقسيم إلى فصول تحت الأبواب فجعلوا تحت كل باب ما يناسبه ثم تحت كل فصل ما يناسبه أيضا من موضوع الباب. وقد يختم بعضهم بخاتمة للكتاب تشتمل على ما يراه مناسبا للذكر آخر الكتاب كما فعل القرطبي في الإعلام، ورحمة الله الهندي في إظهار الحق مثلا. مع أن بعضهم جعل التقسيم إلى فصول، وأدخل تحت كل فصل ما يناسبه كما فعل الترجمان- رحمه الله- في تحفة الأريب، وإن كان قد خالف قاعدة المصنفين في التبويب والتقسيم فأدخل تحت الفصل الأخير من كتابه تسعة أبواب، مع أن الباب أشمل من الفصل، ولكن عذره في ذلك صعوبة اللغة العربية وقت تأليفه الكتاب، وقرب تعلمه إياها. بقي أن أشير في هذا الموضوع إلى أن بعض العلماء جعل الحديث في كتابه
مقسما إلى مقامات، جعل تحت كل مقام ما يناسبه، كما فعل ابن معمر- رحمه الله- غير أنه استعمل كلمة" فصل" للفصل بين الموضوعات أو الفقرات تحت المقام. وقد استعمل ابن تيمية طريقة الفصول أيضا في الفصل بين الفقرات والموضوعات. وإذا كان لكل مؤلف أسلوبه الخاص به، ومنهجه الذي يرتضيه فإن ذلك لا يقلل من شأن كتاب من هذه الكتب، ولا يجعلنا نستغني بأحدها دون البقية، وعلينا أن نستفيد منها جميعا، فإن بعضها مكمل للآخر، ولو اطلع المسلمون اليوم على جميع هذه الأسفار الجليلة في الرد على النصارى لما عجزوا عن دفع الشبه التي يطرحها عباد الصليب والهوى، وأذنابهم في كل حين، بين صفوف المسلمين، ولكانت لدينا القدرة التامة على رد كيدهم في نحورهم، وبيان زيف ما هم عليه من الضلال، ولاستطعنا أن ندعو كثيرا من النصارى اليوم، وكثيرا ممن لم يعرف حقيقة الإسلام للدخول في الدين الحق بعد تعريفهم فساد ما هم عليه، وأن الإسلام وحده هو الحق الصالح لكل زمان ومكان. وخلاصة القول: إن كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، ذو مكانة كبيرة بين الكتب المصنفة في الرد على النصارى، يتضح ذلك جليا مما سبق في منهج صاحبه فيه، ومما تميز به من الدقة والموضوعية وحسن الترتيب، وقوة الحجة، ووضوح المعاني، وسعة العلم والاطلاع، مع عدم التطويل والاستطراد الممل. ولأضرب مثلا مما اشترك فيه الطوفي مع بعض من رد على النصارى، وذلك بمسألة تعدد الزوجات التي أنكرها النصارى فالخزرجي- رحمه الله- يقول
في الرد على النصارى:" وأما استدلالك على باطلنا بما في كتابنا، من نكاح مثنى، وثلاث، ورباع، فحسبي هذا الاستدلال شهيدا على تخلفك، فإن الذي أمرنا الله به من النكاح، وسن لنا من الطلاق، ليس للعاقل انتقاده لأن قبولنا لذلك وما أشبهه، إنما هو بعد ثبوت الأصل. وإنما الأصل أن نتحقق نبوة الشارع، ونتبين صدق رسالته، بشواهد آياته الباهرة، ومعجزاته الطاهرة. فإذا أردت النظر في هذه الفروع بانتقاد فهلم أريك عجبا: ألستم قد اتفقتم معنا على أن نكاح الرجل عمته من سوء الأفعال؟ وهذه" يوكابد" أم موسى، كانت عمة والدة عمران «1»، وعمران من فضلاء المؤمنين. وكذلك الجمع بين الأختين بنكاح من مقبحات الشرائع أيضا! وقد علمت أن اسرائيل جمع بينهما «2»، فما بال عيناك أبصرتا في كتابنا شيئا، وعميتا عن الأكبر منه في كتابك!. أما إنك لتراه، ولكن رضاك عن فاعليه، وبصيرتك في أنهما محقان، منعك من انتقاد ما فعلاه. وكذلك الأمر فيما شرع لي كتابي، وإنما يتقدم النظر في الأصول التي هي آيات صدق الرسول.
وأما هذا الذي اعترضت به منكرا، فجهل قد استولى عليك، والله يهديك ويرشدك. ولو كان الله أمر- كما زعمت- بالاقتداء بآدم في تزوجه بامرأة واحدة فهل علم بذلك إبراهيم؟ وما أراه إلا تزوج وتسرى في وقت واحد «1». ولوط- عليه السلام- زعمت أنه فتك بابنتيه، فحبلتا منه بموآب، وعمون نستغفر الله من قولكم. ثم إن إسرائيل قد كان عنده، عدة أزواج، جمع فيها بين الأختين. وهذا كله منصوص في توراتكم، وكذلك من بعدهم من الأنبياء- عليهم السلام- إلى داود وسليمان، فقد علمتم مناكحهم «2». وهل اقتصر آدم على واحدة إلا من ضرورة العدم عند بدء خلق البشر! ولهذه الضرورة زوج ابنه ابنته، فيجب بناء على مذهبك الاقتداء به، فينكح الرجل اخته، فأنت القائل لذلك الهذيان، تعيب به من خالف توراة اليهود. ثم إنك- مع ادعائك الإيمان بها حرفا حرفا- مخالف لها أشنع الخلاف، ماح بعقائدها، مبدل لأحكامها، فمن حلالها نكاح بنت الأخ والأخت وأراكم تأنفون من ذلك مثل ما نحن قد أنفنا منه. ومن محرماتها الخنزير والدم والجمّل، والشحم وغير ذلك، مما هو مشهور،
وأنت قد أرسلت عليها ضرسك، ونشرت لها بطنك، إلى غير ذلك من مخالفتك إياها «1» ". ويقول ابن معمر- رحمه الله-: في منحة القريب المجيب:" الجواب، وبالله التوفيق: أن نقول: ما شرعه الله تعالى للمسلمين في عدد الزوجات مطابق للحكمة، فإنه جاء وسطا بين الإكثار منهن المفضي إلى تفويت الحقوق الواجبة لهن، وتحمل الرجل ما لا طاقة لديه به من أعباء حقوق الزوجية، وبين الإقلال الذي قد تفوت معه مصلحة كمال الاستمتاع، وكثرة الأولاد، والتمتع بنعمة الله، التي امتنّ بها على عباده، فأباح تعالى للرجل أن ينكح أربعا إن قدر على القيام بحقوقهن، والعدل فيهن، وأمره بالاقتصار على واحدة إن خاف أن لا يعدل فقال تعالى: ... فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3) «2». والمقصود أن في إباحة العدد من الزوجات حكما عظيمة، ومصالح جمة، فمنها: أن الرجل قد لا تكفيه الواحدة لفضل ما أعطي من القوة على النكاح أو لما يترتب له على التعدد من المصالح المطلوبة، فأبيح له العدد المذكور من الزوجات، وما شاء من السراري، إتماما لنعمة الله عليه، وتحصينا لفرجه، ومنها أنه قد يعرض للمرأة ما يمنع استمتاعه بها من حيض أو نفاس، أو مرض أو غيبتها عنه لعذر، أو سفره عنها، فأبيح له التعدد لتحصيل المصلحة، وإتمام الإحصان، ومنها أن المرأة قد تكون عاقرا لا تحبل، أو يعرض لها ما يقطع الحبل من كبر أو مرض،
وهو يؤثر امساكها، وأن لا يفارقها، فلو اقتصر عليها فاته الولد، وهو من النعم العظيمة، وفيه تكثير الأمة، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم» «1» ومنها: إن في إباحة العدد مصلحة تعود على جنس النساء، فإنهن غالبا أكثر من الرجال، ففي إباحة التعدد من مصلحة إحصانهن، والقيام عليهن، ما يفوت كثير منه لوضع التعدد، وأما ما يحصل للمرأة من مشقة الغيرة بتزويج غيرها، فذلك لا يوازي تلك المصالح، ولا يقارب. وأيضا فإن للرجال مزيد فضل على النساء بتفضيل الله لهم، وبما أوجب عليهم في أموالهم من الانفاق على النساء، والقيام بهن، فناسب ذلك، وإن قصرت عليه أن يوسع له في قضاء وطره بغيرها إذا أحب ذلك، ولم يقصر عليها. وأما كون كثرة النساء يزداد فيه الشره في النكاح، فقد قدمنا الكلام على فضيلة النكاح بما أغنى عن إعادته، وما ترتب عليه الزيادة في الفضيلة، فهو فضيلة، ولهذا استكثر النبي صلّى الله عليه وسلم منهن، وأبيح له من العدد ما لم يبح للأمة، وقال ابن عباس- رضي الله عنهما- خير هذه الأمة أكثرها نساء. وبالجملة إذا اعتبرت ما شرعه الله تعالى لهذه الأمة في هذا الباب وجدته على أحسن وجوه الحكمة، وأكمل طرائق المصلحة، كما هو كذلك في كل باب فلله الحمد" «2».
أما ما قاله الطوفي في هذه القضية فاقرأه في ص 627 إلى ص 646 من هذا الكتاب لتقارنه بما ذكرت هنا. أما القضايا والمسائل التي تعرض لها غالب الذين ردوا على النصارى فلا يتسع المقام لذكر نماذج منها، لأن ذلك يطول. فمثلا قضية الصلب والفداء، ردها الطوفي- رحمه الله- فيما يقارب ثلاث عشرة صفحة بموضوعية جيدة، مع أن غيره قد رد على النصارى في هذه القضية بثمان عشرة صفحة، والآخر في خمس صفحات والآخر في ثمان. وغيرهم في أكثر من ذلك. وهكذا. فرده ليس من التطويل الممل أو الاختصار المخل، إضافة إلى الموضوعية وقوة الأسلوب في الاحتجاج على الخصم، التي تختلف من عالم إلى آخر. وحسبي فيما أشرت إليه أن تبرز أهمية كتاب الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية، بين الكتب المؤلفة في الرد على النصارى، وسيتحقق ذلك- إن شاء الله- في المباحث التالية. ومن قراءة القارئ للكتاب. والله من وراء القصد ..
أهمية الكتاب العلمية: عرفنا مما تقدم في الفصول الماضية منزلة الإمام الطوفي العلمية وآثاره التي كانت دالة لنا على براعته في فنون مختلفة: في أصول الفقه والفقه والحديث واللغة والأدب والجدل وغيرها. بل هذا الكتاب وحده يدل على براعته وقوته العلمية واستقلاله برأيه واعتزازه به دون تكبر أو حب مخالفة وإن كانت له بعض الآراء المخالفة لغيره. أما كتابه هذا فإن أهميته العلمية تتجلى فيما يأتي: 1 - غزارة المادة العلمية فيه وكثرة المعلومات التاريخية والعقدية والتفسير والحديث والملل والنحل وغيرها. 2 - أن هذا الكتاب بلغ الغاية في الرد على الطعون الموجهة إلى أصل الإسلام وهو النبوة فإن النصراني الذي كتب الشبه والطعون إنما وجهها إلى نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم وإنكارها والطعن في الوحي الذي أتى به: القرآن والسنة المطهرة. وقل من أجاد في الرد عن هذا فيما اطلعت عليه من الكتب التي تعرضت لهذه القضايا الثلاث. مثال الطوفي- رحمه الله- وقد أشرت إلى ذلك فيما مضى. 3 - أن هذا الكتاب كان ردا على النصارى والفلاسفة ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم وعلى المرتدين عن الإسلام فالنصراني الذي رد عليه الطوفي- رحمه الله- بهذا الكتاب يمثل كل هذه الأفكار: يدعي أنه نصراني ويستشهد بالتوراة والإنجيل وكتب النصارى التي بأيديهم ولكنه يكشف النقاب عن فكره في كثير من المواضع بأنه فيلسوف لا يؤمن بدين. ويأتي مرة ثالثة بما يدل على أنه كان
مسلما ثم ارتد عن الإسلام. أو نقل كثيرا مما قاله عن أحد دخل الإسلام ثم ارتد عنه. وهذا يتبين من قراءة كتابه. 4 - أن النصارى في نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم على ثلاث أقسام: أ- قسم يقرون نبوته صلّى الله عليه وسلم في العرب خاصة وهؤلاء قد رد عليهم الإمام ابن تيمية بالجواب الصحيح والإمام القرافي بالأجوبة الفاخرة، وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين. ب- وقسم ثان يقولون عنه: أنه مصلح إنساني وليس بنبي وهذا القسم وإن كان ينكر نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم إلا أنه أخف من القسم الآتي في عناده وتهجمه على الإسلام. ج- وقسم ثالث أنكر نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم بالكلية ظاهرا وباطنا وعاند في ذلك وقال بأنه مدع للنبوة وليس نبيا. ويحاول الطعن فيما أتى به وانكاره ومن هؤلاء: هذا النصراني الذي رد عليه الطوفي بهذا الكتاب. لذا أرى أن كتاب الانتصارات الإسلامية من أهم الكتب التي ترد على النصارى لا لأنه للطوفي ولا لأنه بلغ فيه درجة الكمال ولكن لخطورة موضوعه وقوة حجته في الرد على النصارى. 5 - أن هذا الكتاب يسد ثغرة كبيرة في التصدي للنصارى الضالين في كل عصر من العصور، ونحن في هذا العصر الذي انفتح فيه باب الثقافة الغربية والنصرانية على أبناء المسلمين الجاهلين بإسلامهم والمتلقفين لكل فكرة وشبهة
دون تمحيصها والنظر فيها- أحوج إليه من أي عصر مضى. كيف والنصارى قد أنشئوا مدارس ومراكز ومعاهد للتنصير والغزو الفكري، وإحياء هذه الشبهات التي كان يرددها أسلافهم من القرون الماضية أيام الحروب الصليبية وقبلها وبعدها. 6 - أنه كشف عن فساد دين النصارى الذي هم عليه وأنه غير دين المسيح- عليه الصلاة والسلام- وأن ما بأيديهم من كتب ليست هي المنزلة على الأنبياء بل هي محرفة مبدلة متناقضة. ثم إنهم لا يتبعون ما فيها على تحريفها وتبديلها فهم مكذبون بها وضالون عن الحق الذي نزل على الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. ولهذه الاعتبارات تزيد الحاجة إلى دراسة هذا الكتاب وتحقيق نصوصه والتعليق عليه بما يسهله الله وتدعو الحاجة إليه. والله الموفق .. وصف النسخ الخطية التي اعتمدتها في التحقيق: تم تحقيق هذا الكتاب ومقابلة نصه على ثلاث نسخ خطية جعلت لكل واحدة منها رمزا وفيما يلي وصف لها مرتب حسب جودتها وتاريخ نسخها: 1 - النسخة الأولى: النسخة المصورة عن المخطوطة الموجودة بمكتبة أحمد الثالث بطوبقبوسراي باستانبول برقم 4863 - 1822، وقد صورتها مكتبة المخطوطات بجامعة الإمام
محمد بن سعود الإسلامية بالرياض على الفيلم رقم 926. وهي تامة سليمة من الخرم، وإن كان فيها: بعض الأماكن اليسيرة المطموسة من أثر بلل أصابها، وهي قليلة الأخطاء، والحمد لله. كتبت بخط النسخ، وخطها جميل واضح للقراءة إلى حد كبير، وميزت فيها أوائل الفقرات بالخط الواضح: مثل" والجواب من وجوه" أو كلمة:" قال أو قلت"، أو" أحدهما"، ونحوها. يقع كامل النسخة في" 122" لوحة" 244" صفحة في كل صفحة" 21" سطرا، في السطر الواحد متوسط" إحدى عشرة كلمة" كتبها الناسخ علي بن محمد بن علي بن علوان المزي عابر المنامات المعروف بالزعيم «1». من خط مصنفها، وانتهى من نسخها في السادس من شهر محرم المبارك من سنة إحدى عشرة وسبعمائة للهجرة، أي في حياة المؤلف، في القاهرة، قبل رحيل الطوفي منها إلى قوص. وعليها عدة أختام، وعدة تملكات، وبعض التوقيعات، كما يتضح في صورة صفحة العنوان الآتية- إن شاء الله-. وقد رمزت لهذه النسخة بحرف (أ) من أحمد الثالث، وجعلتها الأصل إلا فيما أراه أصح منها في الأخرى فإني أثبته وأشرت إليه في الهامش.
2 - النسخة الثانية: المصورة من النسخة الخطية، الموجودة في مكتبة كوبريلى زادة محمد باشا، في المكتبة السليمانية في استانبول برقم 795. صورتها مكتبة مخطوطات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض على الفيلم رقم 6685. وهي تامة، قليلة الأخطاء. كتبت بخط النسخ، وخطها واضح. ميزت أوائل الفقرات بالخط الكبير مثل:، الوجه الأول"، وكلمة:" قال"، أو قلت". يقطع كامل النسخة في (85) لوحة، أي" 170" صفحة، في الصفحة الواحدة (32) سطرا، وفي السطر الواحد من ثمان إلى تسع كلمات. كتبها وصححها وعلق في مواضع قليلة منها العالم الفاضل الفقيه الحنبلي حسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن بن علي، النابلسي «1»، وانتهى من تعليقها كتابة يوم الثلاثاء باكر النهار، الرابع من ربيع الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة للهجرة، بالمدرسة المنصورية في القاهرة. وقابلها النابلسي بأصل المصنف الذي بخطه. فهي ذات أهمية كبيرة لما ذكر. فلا تقل عن الأولى من حيث الصحة، وإن كانت الأولى تتميز بتقدم تاريخ النسخ
في حياة المصنف. وعلى صفحة العنوان بعض الاختام والتملكات كما يتضح في صورة صفحة العنوان الآتية، وقد رمزت لهذه النسخة بالحرف (م) من اسم محمد باشا. 3 - النسخة الثالثة: النسخة المصورة عن المخطوطة الموجودة بمكتبة شهيد علي بالسليمانية في استانبول ضمن مجموع للمؤلف أوله: الجدل في علم الجدل برقم 2315. وهي تامة سليمة من الخرم وهي قليلة الأخطاء والفروق بينها وبين النسختين الأخريين. كتبت بخط الرقعة وخطها جميل واضح للقراءة، ميزت فيها أوائل الفقرات مثل: «قلت» و «قلنا» و «منها» و «الوجه الأول» ... إلخ بخط مميز عن بقية الكلام. يقع كامل النسخة في 131 صفحة في كل صفحة 21 سطرا في السطر الواحد من 13 - 16 كلمة تقريبا. كتبها الناسخ: محمد بن عبد الواحد البغدادي من نسخة المؤلف. وفرغ منها ومن نسخ المجموع بكرة يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر صفر سنة ثمان وعشرين وسبعمائة للهجرة. فهي أيضا ذات أهمية كبيرة لقلة أخطائها وكونها منقولة من النسخة التي بخط المؤلف. على صفحة العنوان بعض الاختام والتملكات كما يتضح من صورتها. وقد
رمزت لهذه النسخة بالحرف (ش) من «شهيد علي». وبعد هذا التعريف الموجز لأصول الكتاب أرى أنها- والحمد لله- مأمونة الخطأ. فالأولى نسخت في حياة المؤلف من نسخته وفي القاهرة التي يسكنها الطوفي آنذاك، وربما قرأها أو وثق من ناسخها، والثانية: نسخها عالم فاضل من نسخة مؤلفها، وصححها وعلق عليها، والثالثة: منسوخة من خط المؤلف ومراجعة على الأصل. والله الموفق .. النسخة المطبوعة وأخطاء الدكتور أحمد السقا فيها: تقدمت بطلب التسجيل في هذا الموضوع:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" للطوفي: دراسة وتحقيق، إلى قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين بالرياض فتمت الموافقة والحمد لله على أن الكتاب لم يطبع ولم يحقق بعد، ثم تبين لى بعد ذلك أن الدكتور/ أحمد حجازي السقا قد طبع الكتاب في مصر، فهممت أن أترك الموضوع لهذا السبب ولبعض الأسباب الأخرى ... غير أني بعد الحصول على الكتاب والاطلاع عليه، عقدت العزم على الاستمرار في هذا البحث وعدم التراجع عنه ومحاولة التغلب على الصعاب الكثيرة التي قابلتني في ذلك. وكان من أسباب هذا العزم والتصميم الأمور التالية: 1 - أن الدكتور السقا قد أخرج الكتاب على نسخة واحدة وادعى أنها الوحيدة «1»
مصورة من مكتبة أحمد الثالث في استانبول، وهي إحدى النسختين اللتين اعتمدتهما أنا في التحقيق. صورها من معهد المخطوطات بالقاهرة، وقد سقط منها أثناء التصوير لوحة من منتصف الكتاب سببت في خرمه والإخلال بالمعنى المراد لما سبقها وعقبها من كلام. 2 - أن السقا حرف بعض نصوص الكتب التي بأيدي النصارى في كتاب: الانتصارات الإسلامية ... ، ولم ينقلها كما نقلها الطوفي- رحمه الله- بألفاظ تراجم عصره، بل أتى الدكتور بألفاظ التراجم العصرية، ولم يشر إلى تصرفه هذا في الهوامش، ولو أنه التزم الأمانة العلمية في نقلها ثم نقل ألفاظ تراجم العصر الحاضر في الهوامش إذا أحوج الأمر لكان أولى. 3 - استعرضت الربع الأول من الكتاب، وحصرت ما فيه مما يخالف الأصل المخطوط، فوصلت الأخطاء أكثر من سبعة وسبعين خطأ، لم يشر الدكتور في جدول التصويبات إلا إلى اثنين فقط ليسا ذا أهمية بالنسبة للأخطاء الأخرى، ومن الأخطاء ما كان تحريفا لبعض العبارات فهو في أحد المواضع قد غير ثلاثة عشر سطرا من كلام الطوفي- رحمه الله- واستبدله بأحد عشر سطرا من عنده، من غير مبرر ولا أشار إلى ذلك «1». وفي مواضع أخرى حرفت بعض العبارات تحريفا أخل بالمعنى «2».
وهذا غير الجمل الساقطة والكلمات المحرفة التي قد يكون السبب فيها سوء الطباعة، أو سهو الناسخ، وإن كان ذلك كثيرا. 4 - غير كثيرا من الأسماء الواردة في تراجم كتب النصارى في عصر الطوفي، واستبدلها بما في التراجم الحديثة مثل:" لابن" جعله" لابان" و" ليا" جعلها:" ليئة" و" سرجس"، جعله:" جرجس" أو" جرجيس" و" يوذا" جعله:" يهوذا". مع أنها قد ترد بألفاظ متعددة حسب ترجمة نصوص أهل الكتاب. 5 - تصرف في عنوان الكتاب، مع وضوحه على صفحة عنوان المخطوط. وقد جعله:" الانتصارات الإسلامية في علم مقارنة الأديان" والصحيح هو ما سبق إثباته:" الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية" ثم إنه لا مقارنة بين الدين الصحيح المنزل من السماء، والأديان المفتراة المحرفة بأيدي البشر. 6 - لم يخرج الأحاديث النبوية الواردة في الكتاب ويبين درجتها من الصحة والضعف. 7 - لم يعرف الأعلام والأماكن والطوائف أو يشرح الألفاظ الغريبة الواردة في الكتاب لعدم اعتداده بها كما سيأتي. كل هذه الأمور تعارض الأمانة العلمية، وتنقص العمل في الدراسة والتحقيق.
ولم تكن هذه الأمور التي تؤخذ على طباعة السقا للكتاب فحسب ولكن هناك أمورا أخرى يلزم أن أشير إليها بإيجاز وهي: 1 - إنكاره لكثير من أحاديث السنة، فهو يصرح برد الحديث النبوي سواء كان آحادا أو متواترا إذا لم يكن مفسرا للقرآن، بل يتضح من كلامه في مقدمته أنه يرى الاكتفاء بالقرآن وحده، وإبطال العمل بالسنة المطهرة. ولذلك فهو ينال من المحدثين ويتهمهم بأنهم فيما جمعوا من السنة كاذبون «1». 2 - دافع السقا عن المعتزلة وآراءهم وأفكارهم المنحرفة في المقدمة وعند ما تعرض الطوفي لهم وناقشهم في بعض المسائل «2». كان السقا ينال من السلف الصالح- رحمهم الله- تعقيبا على كلام الطوفي «3». 3 - أنكر كثيرا من الأمور التي ثبتت بالقرآن والسنة: كرؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة «4»، والاستواء «5»، والسحر «6»، وعذاب القبر ونعيمه «7»، ومجيء الدجال، وظهور المهدي، وأخبار مجيئها، وأشراط الساعة «8»، ونسخ القرآن
بالقرآن، أو السنة بالسنة «1»، والمعجزات غير القرآن «2»، والشفاعة «3» ورفع المسيح بجسده، مستدلا بما في أيدى أهل الكتاب على ذلك «4». وأنكر رجم المحصن بحجة أنه قسوة «5». كما أنكر مفاخر رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم وما كان مختصا به وزائدا على الأنبياء «6»، وأخضع بعض نصوص القرآن لما ورد في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب. وعلى العموم فهو يوافق المعتزلة والشيعة في كثير من الأمور كالقول بخلق القرآن «7»، وأن العبد يخلق فعله «8»، وغير ذلك. هذه أهم الأمور التي جعلتني أقتنع بمواصلة إخراج هذا الكتاب وتصحيحه وتخريج نصوصه، والتعليق عليه، وإكمال ما يحتاج إلى إكمال والاستدراك في محله، بالإضافة إلى ما سبق في هذه الدراسة وهذا في نظري أمر ليس باليسير،
لأن إخراج الكتب الإسلامية بهذه الصورة أمانة كبيرة يجب الاهتمام بها من كل باحث أراد إخراج شيء من كتب السلف والعلماء السابقين فعسى الله أن يوفقني وإخواني طلبة العلم لنقوم بهذه المهمة العظيمة دون تقصير أو خطأ. على أنني لا أدعي لنفسي في هذا البحث العصمة من الزلل فكلنا خطاء وخير الخطائين التوابون. وأستغفر الله وأتوب إليه .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
( CS) صفحة العنوان من نسخة أحمد الثالث
( CS) أول نسخة أحمد الثالث
( CS) آخر نسخة أحمد الثالث
( CS) صفحة العنوان من نسخة محمد سليمان باشا
( CS) أول نسخة محمد سليمان باشا
( CS) آخر نسخة محمد سليمان باشا
( CS) تكملة آخر نسخة محمد سليمان باشا
( CS) أول نسخة شهيد علي
( CS) آخر نسخة شهيد علي
ثالثا: التحقيق
ثالثا: التحقيق * ترقيم الآيات القرآنية. * عزو النصوص. * توثيق ما نقله المؤلف. * وضع عناوين جانبية للموضوعات. * تخريج الأحاديث والحكم عليها. * شرح المصطلحات والمفردات الغربية. * التعليق على بعض المسائل. * التعريف بالأماكن والبقاع والأعلام والفرق.
الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية تأليف: سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري الحنبلي ت 716 هـ دراسة وتحقيق د- سالم بن محمد القرني
الخطبة
الخطبة بسم الله الرحمن الرحيم الله عوني وبه توفيقي «1» أحمد الله الذي أرشدنا إلى الإسلام، وهدانا بفضله سبل السلام، وجنبنا عبادة الأوثان والأصنام، وسائر مذاهب الكفرة اللئام «2». وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ترغم أنف الكافر أشد إرغام، وتوجب لقائلها النعيم «3» في دار المقام. وأصلي على رسوله محمد، الداعي إلى أفضل دين بأشرف كلام، الباقي معجزة على ممر السنين، وتعاقب الأيام، وسلم تسليما كثيرا. وبعد: فإني رأيت كتابا صنفه بعض النصارى «4»، يطعن به في دين الإسلام ويقدح به في نبوة محمد- عليه أفضل الصلاة والسلام- فرأيت مناقضته «5» إلى الله
ورسوله قربانا «1»، ورجوت بها مغفرة من الله ورضوانا، حذرا من أن يستخف «2» ذلك بعض ضعفاء «3» المسلمين، فيورثه شكا في الدين، ولقد رأيت بعض ذلك عيانا وآنست «4» عليه دليلا وبرهانا. فأوردت مناقضته حرفا من كلامه فحرفا، وأبنت عن مقاصد السؤال والجواب على وجه لا يخفى، مع تلخيص العبارة خشية الضجر «5» والإملال «6»، وتخليص المعاني ونصوصيتها «7» خفية الإخلال
المقدمات ثلاث
والاختلال. وقدمت على ذلك مقدمات كلية، تتضمن مباحث جلية، عليها ينبني معظم الجواب، وبها يتيسر ظهور الصواب. وعلى الله توكلي، وإليه المآب «1». وتلك المقدمات ثلاث: [المقدمة الأولى: سد باب الاستدلال بكتب أهل الكتاب] الأولى: أن هذا النصراني رأيته يعتمد في طعنه على الإسلام، على التوراة والإنجيل «2» التي بيد اليهود والنصارى، وعلى كتب الأنبياء الأوائل/: كنبوة أشعياء «3»، وأرمياء «4»،
ودانيال «1» والأنبياء الاثني عشر «2»، ومزامير «3» داود، ونحوها. واعلم أن هذه الكتب مما لا تقوم الحجة علينا بها. لأنها عندنا محرفة مبدلة «4». نعم: التبديل لم يأت على جميعها، بل دخلها في الجملة. فلهذا قال
نبينا محمد- عليه الصلاة والسلام-: «إذا حدثكم أهل الكتاب، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم،" وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون «1»». فمنع من تصديقهم خشية أن يكون ما
حدثونا «1» به مما حرف جزما، ومن تكذيبهم خشية أن يكون مما لم يحرف «2». عدلا منه صلّى الله عليه وسلم ولو لم يكن للعاقل دليل على صدقه- عليه السلام- إلا هذا لكفاه، كما قررته في التعليق على بعض كتب الأوائل «3»، وفي آخر هذا التعليق «4». ولهذا قال علماء الحديث من المسلمين: إن الراوي إذا عرف منه الكذب يرد حديثه كله، ويصير غير موثوق به. وكذلك من اختلط ولم يتميز ما رواه قبل اختلاطه مما رواه بعده، يترك/ الكل احتياطا، وحزما في الدين. وأيضا: كما أنهم لا يعدون كتابنا حجة عليهم، كذلك نحن لا نعد كتبهم حجة علينا وأولى، لأن كتبهم تقادم عهدها، وتعاورتها اللغات لفظا وكتابة، بخلاف كتابنا. أما «5» التهمة فهي متجهة إلينا منهم، وإليهم منا.
[المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع]
وأيضا: فإن هذا النصراني في استدلاله بما لا تقوم به الحجة علينا. إما أن يكون مع العلم بذلك فهو مغالطة ومخاتلة/ وتغابي «1»: إن قصد إقامة الحجة علينا. وتحصيل الحاصل. إن قصد إقامة الحجة للنصارى إذ هم «2» في ثبوتهم على دينهم «3» غنيون عن ذلك، حتى لو أراد منهم خلافه لما أطاعوه. أو مع عدم العلم فهو جهالة/ بمذهب الخصم. والعلم بما يلزم الخصم وما لا يلزمه ينبغي أن يكون مقدما على مناظرته. وفائدة هذه المقدمة: سد باب الاستدلال علينا بكتب الأوائل مطلقا. [المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع] المقدمة الثانية: إنه من المعلوم عندنا وعندهم: أن الله- سبحانه- إنما خلق العباد ليعبدوه كما صرح بذلك في القرآن الكريم حيث يقول: وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «4». لكن لما كانت عبادة المعبود تستدعي تقدم معرفته، خلق لهم العقول ليعرفوه بها، ويوطدوا بها قواعد العبادة ومقدماتها. فظهر من هذا التقرير ما قاله المحققون من أهل العلم بالأصول، وهو أن
العقل نائب الشرع يقرر له القواعد من إثبات الصانع وتوحيده «1»، الذي وافقنا عليه النصارى لفظا لا معنى «2»، وحدوث العالم وجواز إرسال الرسل والدليل على صدقهم، وهو المعجز الذي به تثبت النبوة «3». فإذا ثبتت ثبت الشرع، ووجب قبول ما جاء به. ثم إن كان مما يدركه العقل فلله الحمد. وإن كان مما لا
يدركه- وهو المسمى في عرف فقهاء الإسلام: تعبدا- وجب تسليمه، وتقليد «1» الشارع فيه، وبثبوت الشرع ينعزل العقل كما ينعزل بقدوم السلطان من سفره من كان استنابه موضعه في بلده. وسر هذه المقدمة: ما قررته في" القواعد الصغرى «2» " وهو: أن العبادات والتكاليف مستلزمة للمشقة على أهل التكليف. لكن المشقة تارة تكون عملية كما في الصلاة والصيام والحج والجهاد «3»، وتارة علمية كما في الإيمان بالغيب. وهو
كلما غاب عن العيان كالله «1» - سبحانه- وملائكته وأحكام الآخرة. وهذا أشق التكليفين «2». ولهذا بدأ الله- سبحانه وتعالى- به في وصف المؤمنين حيث قال/: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ... (3) «3» فالأول: تكليف علمي. والثاني: عملي. وكذلك قوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ... (19) «4» ولذلك المسيح وغيره من الأنبياء/ إنما بدءوا بدعاء الناس إلى الإيمان بهم، وأنهم من عند الله. ووجه المشقة في الإيمان بالغيب: هو أن النفس الناطقة مطبوعة مفطورة على حب إدراك الأمور بحقائقها، فإذا رأت ما لا تدرك حقيقته تألمت واضطربت، كما يشاهده كل عاقل من غيره، ويجده من نفسه، حتى في أيسر الأشياء. ولهذا يحدث «5» للنفس العجب، وهو عرض يلحقها لخفاء سبب الأمر الحادث، فإذا ظهر لها سبب الأمر «6» بطل العجب، واستراحت.
فحاصل الأمر: أن الإنسان مركب من هيكل ونفس، وأن التكليف واقع على جزئيه كليهما، على هيكله عملا، وعلى نفسه اعتقادا وعلما. هذا كله مع اتفاق العقلاء «1» على أن الشرع لم يأت بما ينافي العقل، ولا يجوز فيه، بل بما قد لا يدركه العقل مع إمكانه في نفسه. ولهذا قال" أرسطو «2» " على ما حكى عنه هذا النصراني في كتابه هذا الذي نحن بصدد مناقضته في بيان ضرورة النبوة للخلق قال/:" إن الحال في عقولنا عند النظر إلى المبادي الأولى «3»، كحال الخفاش «4» عند النظر إلى الشمس أعني أن الشمس في غاية الظهور في نفسها، وهي خفية عند الخفاش لضعف إبصاره".
وحكى أيضا هذا النصراني عن" ابن رشد «1» المالكي من المسلمين أنه قال:" لم يقل أحد «2» في العلوم الإلهية قولا يعتد به، ولم يعصم أحد من الخطأ فيها، إلا من عصمه الله «3» بأمر إلهي خارج عن طبيعة الإنسان وهم الأنبياء «4» ". وحكى عن" أرسطو" أيضا أنه قال في كتابه" الأسباب" أنه قال:" العلة الأولى «5» أعلى من أن توصف، ولا تعجز الألسنة عن وصفها، إلا لأنها فوق كل علة «6» ".
وحكى عن أبي حامد/ هو الغزالي «1» - شيئا في معنى ذلك عزاه إلى" كيمياء السعادة" وإلى" المقصد السني «2». قلت: فالحاصل من هذا أن إدراك الشيء (قد يمتنع تارة لضعف المدرك كبصر الخفاش، وتارة لخفاء المدرك كالسهى «3» عند بعض الناس، كما أن التأثير «4») قد يمتنع في الأمور الفعلية والانفعالية تارة لضعف الفاعل. كالسيف الكال وتارة لصعوبة القابل «5» أو ملابسة مانع له كالجسم الصلب إذا ضرب بسيف «6» ونحوه.
وفائدة هذه المقدمة: أن نحيل عليها بالجواب عن كل حديث أورده هذا السائل من السنة الإسلامية مما يقصر العقل عن إدراك مضمونه أو يدركه على تعسف، أو بتأويل بعيد. وقد ساعدنا هو على ذلك بما ذكره عن الحكيم" أرسطو" فكان هذا الخصم كالجادع مارن أنفه بكفه «1»، والباحث عن حتفه بظلفه «2». وأيضا: فإن من الطرق العامة التي لا يستغنى عنها في كل شريعة، أو غالب الشرائع: أن يقال فيما اشتملت عليه من التعبدات العملية أو العلمية: هذا ممكن أخبر به الصادق، وكل ممكن أخبر به الصادق فهو حق واقع. فهذا المشار إليه حق/ واقع.
[المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول]
والنزاع في هذا الدليل يقع في أمرين: أحدهما: كون الأمر المشار إليه ممكنا، وقد بينا: أن الشرع لم يأت بما ليس ممكنا. والثاني: في كون المخبر به صادقا. وعلى أهل كل ملة بيانه بالدليل. ونحن سنبين صدق محمد- عليه السلام- في أثناء هذا الكتاب، حيث يناسب ذكره،- إن شاء الله تعالى- على وجه يقبله كل منصف عاقل. [المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول] المقدمة الثالثة: إن الأحكام العقلية على وزان الأحكام الحسية. ولهذا إذا أشكل على العقلاء أمر عقلي، ضربوا له مثالا حسيا ليتصور لهم. وصور ذلك كثيرة جدا في سائر العلوم، يعرف ذلك من له أدنى نظر في العلم. وإذا عرفت/ ذلك فاعلم أن الأدلة الشرعية لها مراتب مختلفة بحسب اختلاف مدلولاتها. فيثبت ببعضها فروع الشريعة دون أصولها، كالخبر المستفيض «1»، وخبر الواحد «2»، والقياس الظني «3»،
والاستحسان «1»، والاستصحاب «2»، وقول الصحابي «3» ونحوه. ولا تثبت أصول الشريعة إلا بقاطع كالبديهيات والنظريات «4» والمتواترات «5» ونحوها.
ووزانه من المحسوسات البناء. فإنه يحتاط لأسه بتخير الآلة الجيدة القوية الثابتة ما لا يحتاط لحشوه وأعلاه، لأن ثبوت أعلاه بأسّه. وفائدة هذه المقدمة: أن يستند إليها في أن كل ما أورده علينا من الأخبار التي حقها أن لا تثبت بمثلها الأصول، لا ترد علينا، ولا تلزمنا لأن تلك أخبار توجب العمل دون العلم، لكونها مظنونة الثبوت. وإن كانت في البخاري «1» ومسلم «2»، لاحتمال وقوع علة قادحة في طريقها، فلا تقوى على إثبات أصل، ولا على أن يقدح بها في أصل، خصوصا وقد دخلها تصرف الرواة في الرواية بالمعنى. وقد أورث ذلك إشكالا عظيما في أحكام الفروع، واختلافا جمّا بين أهل العلم. فنقول في مثل تلك الأحاديث: هذه لا نثبت بها أصلا، ولا ترد علينا نقصا «3». وإنما المعتمد على ما يثبت به ذلك «4».
[المتنبئون الكذبة والتحذير منهم]
وإذا فهمت مقاصد هذه المقدمات، تيسر عليك الجواب، فإن ما أراده هذا الخصم، إن كان من كتبهم كالتوراة والإنجيل ونحوها: منعنا كون ذلك حجة، بما قررناه في المقدمة الأولى. ثم قد نسلمه على جهة التنزل ونجيب عنه بالتزام أو فساد «1» بوجه ما. وإن كان من كتبنا، فإن كان (مما يقصر العقل عن فهمه أجبنا عنه بما حكى هو عن" أرسطو" كما تقرر في المقدمة الثانية، وإن كان «2») مما يصل العقل إلى فهمه أجبنا عنه: إما بأنه مما لا يثبت/ بمثله أصل. بناء على ما قرر في المقدمة الثالثة، أو بتوجيهه وهو يسير بطريق من طرق الأجوبة الجدلية./ والذكي الفطن إذا اقتصر في جواب كتاب هذا النصراني كله على هذه المقدمات كفاه ذلك. مع أني لا أقتصر عليه، بل سأجيب عن كل منه بما أمكن مفصلا- إن شاء الله تعالى- وما كان في عبارته من تطويل لخصته مع الإتيان بكمال المعنى، وأعرضت عن مكافأته على سوء «3» أدبه على النبي صلّى الله عليه وسلم بمثله، لا إكراما له، بل هوانا «4» بقدره ومحله. [المتنبئون الكذبة والتحذير منهم] فأقول: أول ما افتتح به كتابه أن قال:" احذروا من الأنبياء الكذابين، الذين يأتونكم في لباس الضأن، وهم في الباطن ذئاب مغيرة، من ثمراتهم
يعرفون" قال:" وهذه الآية قول الله عز وجل في الإنجيل الطاهر"، وذكر عليها كلاما لا ضرورة لنا إلى ذكره فيما نحن بصدده. قلت: هذا من كلام المسيح ابن مريم «1»، ذكر في الفصل الخامس «2» من إنجيل متى «3». وقول هذا المصنف:" هذه الآية قول الله تعالى «4» في الإنجيل الطاهر" هو بناء على معتقده: أن المسيح هو الله «5». ويكفيه
ذلك «1» شناعة وبشاعة على ما قررته «2» بحسب الإمكان في التعليق على الأناجيل الأربعة «3». قلت: وغرضه بتصدير كتابه بهذه الآية «4»: القدح في محمد عليه السلام
ونسبته إلى الكذب. ولا حجة له «1» فيها على ذلك، فإنها كلام صحيح، ونحن نقول به/ ومحمد صلّى الله عليه وسلم قد حذرنا من الأنبياء الكذابين «2» أيضا «3»، والمسيح عليه السلام لم ينص على أحد بعينه أنه كاذب، بل حذر ممن «4» صفته الكذب، ممن يدعي النبوة. وقد كان في بني إسرائيل متنبئون/ كذبة كثير. كما قد صرح به في نبوة أرمياء في الأصحاح الرابع «5» والخامس «6» والسادس «7» منها. كما ذكر هذا
النصراني بعينه بعد ذكر هذه الآية بأسطر: أن نحو أربعمائة من بني إسرائيل ادعوا النبوة في «1» زمن" آخاب «2» " ملك بني إسرائيل، وكانوا كذبة وأنهم وعدوه بالنصرة على بعض أعدائه فاغتر بهم فخذل وقتل «3». فالمسيح إنما حذر من مثل هؤلاء، لا من مثل محمد، الذي جاء بأتم «4» أخلاق وآداب ودين لا يتمارى في صدقه بعده إلا جاهل أو مجنون وبمعجزات جمة «5»، بأيسرها تثبت النبوة. على ما سيأتي، بل المسيح بشر بمحمد- عليه السلام- كما سيأتي في موضعه من هذا الكتاب «6»، وكما قررتة في «7» فصل" البارقليط «8» " في
التعليق «1» على بشارة يوحنا بن زيدي «2». والله أعلم. ثم قال:" وهذا يعني تعريف الأنبياء الكذابين «3» وتعرفهم، والتحذير منهم ضروري، بيّن الضرورة، نافع، ظاهر المنفعة، والعمل به واضح النجح بيّن الصلاح لأنه لا رتبة أعلى ولا خطة أرفع في بني آدم من النبوة. فكم ملتمس رامها بالحيل، فأظهر/ من دقائق «4» الحيل، وخفي المكائد ما اغتر به كثير من ضعفاء العقول، فألقى الشيطان الضلال في الناس، وأدخل بينهم الفساد بواسطة هذا الصنف من الأنبياء الكذابين، كما جاء في قصة" آخاب" ملك إسرائيل، وذكر
قصته مع أربع المائة الذين تنبئوا في زمانه، وقد سبق ذكرهم. قلت: هذا «1» كلام صحيح، لا غبار عليه. ونحن نقول به، لكن غرض هذا الخصم، لا يتم منه بحسب ما هو بصدده إلا ببيان: أن محمدا عليه السلام من هذا الصنف من الأنبياء الكذابين/. وذلك صعب المرام عليه، لوجهين: أحدهما: أنا ما رأينا ولا سمعنا منذ أهبط آدم «2» إلى الآن: أن نبيا كذابا «3» استوسق «4» له ناموسه، كما استوسق دين الإسلام نحو ألف
سنة «1»، وهو كلما جاء «2» في زيادة وتمكن. بل كان المتنبّئ لا يلبث إلا يسيرا، حتى يفضحه الله، ويهتك ستره، لأن عادة الله في خلقه: أن يحق الحق، ويبطل الباطل، ويجعل العاقبة للمتقين «3». الوجه الثاني: أن تأييد الكذاب بالمعجز، وإظهار أمره، وانقياد الناس له قبيح. لأن فيه التباس النبي بالمتنبي، والقبيح لا يجوز على الله فعله خصوصا على رأي هذا الخصم «4»، في انكار القدر «5». فإن هذا من جملة أدلة القدرية «6»
[حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها]
على نفيه، وسيأتي ذلك في أثناء هذا الكتاب إن شاء الله تعالى «1» وسنذكر من معجزات محمد- عليه السلام- ما يخزى له كل معاند. [حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها] ثم قال:" فينبغي للعاقل أن يعرف أولا: ما النبوة؟ وما فائدتها؟ وما النبي؟ وما شروطه؟ وما مراد الله تعالى بإرساله لعبيده؟ لأنه لا بد من تصور الشيء «2» قبل/ التصديق به، ليكون الإنسان «3» قادرا على التفرقة بين كذب النبوة وصدقها، وعلى الفصل بين الصادق والكاذب من الأنبياء". قلت: هذا كلام صحيح، لا اعتراض لنا، ولا لغيرنا عليه. ثم قال:" ولا بد عند الخوض في هذا من معرفة الكلام في أربعة أمور: حقيقة النبوة، ووجودها، ووقوعها، وضرورة الخلق إليها. ومنفعتها". قلت: هذا أيضا كلام صحيح مسلم. ثم قال:" أما حقيقة النبوة: فإنها وحي صادق نافع للناس إلهي «4»، يكشف عن الغيب الذي لا يمكن انكشافه بحسب مجرى الطبيعة" وذكر ما في هذه القيود من/ الاحترازات، وهي ظاهرة. قلت: وهذا تعريف صحيح لا مطعن عليه. ثم قال:" وأما وقوع النبوة فغير منازع فيه، عند أهل الملل الثلاث «5».
وبيانه لمن نازع فيه بحجتين: إحداهما «1»: أن عناية الباري سبحانه/ بخلقه" قد تثبت في اليسير، من مصالح المعاش، كوضع الحواس والأعضاء، متهيئة لما وضعت له ونحو ذلك من نعم الله التي لا تحصى «2». فالعناية بهم في أمر المعاد بإرسال من يهديهم إلى طريق السعادة الأبدية والحياة الدائمة «3»، ويكف شر بعض العالم عن بعض «4»، لينتظم أمرهم أولى «5».
الثانية: ما دل عليه التواتر الكامل الشروط من أن جماعة من الرجال، ادّعوا أنهم رسل الله، وظهرت المعجزات على أيديهم، كمعجزات موسى وعيسى، ورد الشمس ليوشع «1». ثم ذهبوا على أوضح سنن من الطهارة والفضيلة والزهد في الدنيا، ودعوا الناس إلى مثل ذلك: فإن هذا يدل على صدقهم في دعواهم وذلك يفيد وقوع النبوة قطعا، هذا حاصل ما ذكره من الحجتين، لخصته أنا، وهو في عبارته طويل جدا. قلت: وهاتان الحجتان مسلمتان. لكن الأولى مبنية على رعاية الأصلح ونحن لا نقول به وجوبا على الله، بل جوازا «2» على جهة
التفضل «1»، خلافا للمعتزلة. وبهاتين الحجتين بعينهما ثبتت نبوة محمد- عليه السلام-. أما الأولى: فلأنه بعث على فترة من الرسل طويلة «2»، وقد أكل العالم بعضه بعضا خصوصا العرب في جاهليتها وغاراتها. وكانوا يعبدون الأوثان. والنصارى الصلبان. والفرس: النيران. وغير ذلك من المنكرات فأزال الله به ذلك وأبدل الناس به خير ما ينبغي «3».
ولا نعلم زمنا قط، كان أحوج إلى/ النبوة من زمن نبوة محمد- عليه السلام «1» -. وأما الثانية: فلأنه ثبت بالتواتر الكامل الشروط. أنه عليه السلام ادعى النبوة وظهرت على يديه «2» معجزات خارقة سيأتي بيانها وإثباتها على من أنكرها في موضعه إن شاء الله تعالى ثم توفي صلّى الله عليه وسلم «3» على أوضح سنن، وأظهر طريقة، وأزكاها وأزهدها في الدنيا، ودعى الناس إلى ذلك، والخصم ينازع من هذه الجملة في ظهور المعجز على يده، وفي طهارته. وسيأتي إثباتهما.
ومن معجزاته: انشقاق القمر له «1»، ورد الشمس لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه «2» فكان ردها معجزا للنبي عليه السلام/ وكرامة لعلي رضي الله عنه «3» وقد صحح الحديث بذلك «4»:" الطحاوي «5» " و" القاضي عياض «6» وحسبك بهما إمامين في العلم ولا التفات مع ذلك إلى من جعله موضوعا. إذ
الإثبات مقدم، وردها ليوشع إنما ثبت عندنا بخبر من أخبار الآحاد، إذ لا وثوق لنا بما يخبر به أهل الكتاب. فحينئذ الذي ثبت ليوشع النبي، قد ثبت مثله لواحد من أصحاب محمد- عليه السلام-. قال:" وأما ضرورة الخلق إليها، فلأنه لا يمكن التوصل إلى معرفة كثير من الأمور «1» الإلهية بمجرد العقل ضرورة، ولا نظرا. بدون الاطلاع الإلهي على ذلك تكميلا لقصور العقل الإنساني- إذ الموجودات بالنسبة إليه إما معلوم «2» ضرورة، كالعلم بأن/ الجزء أصغر من الكل، أو نظرا كالعلم بوجود الإله، واستحالة الخلاء «3»، أو ما يعجز عن إدراكه، كالعلم بعدد أنواع الحيوانات والنبات فضلا عن عدد أشخاصها، وكالعلم بفصول أكثر الأنواع وبكثير من الطبائع والحقائق على الجملة، لا نشك في أن المجهول عندنا غالب على المعلوم منها. فما ظنك بالأمور الإلهية/.
[فوائد النبوات ومنفعتها]
ثم ذكر كلام" أرسطو" و" ابن رشد" و" أبي حامد" الذي قدمنا ذكره في المقدمة الثانية. قلت: هذا كلام صحيح، لا نزاع فيه. لكن قوله:" كالعلم باستحالة الخلاء" رأي فلسفي، والمتكلمون يخالفونهم فيه، ونبهت «1» على هذا. وإن لم يتعلق بما نحن بصدده. وقد ذكر المتكلمون فوائد النبوات «2»: [فوائد النبوات ومنفعتها] منها: تعريف أوضاع العبادات ومقاديرها ومواقيتها وكيفياتها ومقوماتها من شرط وركن ونحو ذلك. ومنها: إقامة الحجة على الخلق. إذ بدونها لا تقوم حجة الله على خلقه، كما صرح به في غير موضع من القرآن، كقوله: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... (165) «3» وقوله: ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ ... (134) «4» الآية، وغيرها. ومنها: تعريف الأحكام الفلكية كتفاصيل علم الهيئة «5»، وأدوار الفلك،
وحركات الكواكب. فإن ذلك مما لا تستقل «1» به عقول البشر، ولا تفي أعمارهم بادراكه بالتجربة لو اشتغلت به عقولهم «2». ومنها: تعريف الأحكام البطنية كقوى الأدوية والأغذية وخواصها، ومنافعها، ومضارها «3»، إذ الأعمار لا تفي بمعرفة ذلك بالتجربة «4»، كما قال" أبقراط «5» ":
" العمر قصير، والصناعة طويلة، ... والتجربة «1» خطر، والقضاء عسر «2» ". قلت: ومنها: ما أجرى الله سبحانه على أيديهم من البركات من جلب المصالح، ودرء المفاسد، والدعاء لهم، كإبراء المرضى «3»، ودعاء موسى لقومه، برفع العذاب عنهم مرارا «4»، ورد النبي- عليه السلام- عين قتادة بن النعمان عليه «5»، وأشباه ذلك.
قال:" وأما منفعة النبوة: فكما قال" أبو حامد" في رسالة التوفيق «1» في ثلاثة أشياء. أحدها: إصلاح الأخلاق النفسية كالعدل والعفة والصدق والنجدة والحلم والصبر/ والرحمة في مواضعها، والتزام/ حسنها، واجتناب سيئها كأضداد ذلك، فإنه لا غنى للعاقل في معاشه عن ذلك. الثاني: حفظ حقوق الناس من دم ومال وعرض ونحوه، ورفع المظالم «2» من بينهم، وإلا هلك العالم/، واختل نظامه. الثالث: نجاة النفس من الهلكة في الدار الآخرة بمعرفة الخالق- سبحانه- وطاعته، ولا سبيل إلى معرفة ذلك بمجرد الفلسفة «3» بدون النبوة. ومن ادعى ذلك فدعواه مجردة عن دليل الحق «4»، إذ الفلاسفة مختلفون في الآراء كغيرهم، فمتابعة بعضهم دون بعض ترجيح بلا مرجح". قلت: هذا كلام صحيح، وهو من جملة فوائد النبوة، وضرورة الناس إليها، المذكورة في الفصل قبله. وقد جاء محمد صلّى الله عليه وسلم من ذلك بأفضل مما جاء به كل من سبقه. يعرف ذلك بالنظر الانصافي «5» في دين الإسلام، وقوانينه «6» الأصلية والفرعية.
(شروط النبوة)
قال:" وإذ قد فرغنا مما ذكرناه. فنبين: ما النبي؟ وما شروطه؟ فنقول: [النبي وشروطه] النبي: هو الذي يعطى الوحي من عند الله على الصفة المذكورة في حد النبوة" «1». قلت: هذا مسلم. قال:" وأما شروطه فأربعة نسوقها بعد توطئة وتمهيد لذلك". وحاصل التمهيد الذي ذكره:" أن من تردد في شيء فإنه لا يقف على حقيقته إلا بالنظر. فكذلك النبي إنما يعرف صدقه من كذبه بوجود الشروط الأربعة فيه «2». أولها: الصدق. وثانيها: طهارة النفس ونزاهتها عن الفواحش، لأن النبي
من عند الله، فوجب أن يكون على صفته «1» في الصدق
والطهارة والنزاهة «1». قلت: هذا كلام صحيح. بل طهارة النفس وتزكيتها واجب على كل أحد لكن منهم من يحصل/ له ذلك، ومنهم من يحرمه. أما الأنبياء فهو لازم فيهم لأنهم أمناء الله على خلقه ووحيه، صيانة له. قال:" وقد تكلم في هذا الموطن- يعني موطن الطهارة، وهي الشرط الثاني-" موسى بن عبيد الله «2» " الفيلسوف. في فصل" النبوة" في كتابه المسمى: " دلالة الحائرين «3» " فقال:" امتحان النبي الصادق، هو اعتبار كماله، وتعقب أفعاله، وتأمل سيرته. وأكبر علاماته: اطراح اللذات البدنية، والتهاون بها، فإن ذلك شأن «4» أهل العلم، فضلا عن الأنبياء. وخاصة الحاسة التي هي عار علينا، كما ذكر" أرسطو" ولا سيما قذارة النكاح منها. ولذلك فضح الله بها كل مدع،
ليتبين الحق، ولا يضلوا، ولا يغلطوا «1» ". ثم ذكر قصة رجلين ادعيا النبوة، وانهمكا في حساسة لذة الجماع، حتى زنيا، فافتضحا، وأحرقهما ملك بابل «2». كما ذكر ارمياء النبي أو قال برميا النبي «3» في الباب التاسع والعشرين «4». قلت: شرع العلج «5» يدس الدسائس، ويقدم/ المقدمات الردية، ليستنتج
منها النتائج الخبيثة،" ومثلي لا يغالط في الحساب" «1». فأقول: أما قول الفيلسوف:" امتحان النبي الصادق باعتبار كماله، وتعقب أفعاله. وتأمل سيرته" فهذا صحيح. ومن تأمل ذلك من نبينا محمد- عليه السلام- تأمل منصف، لم يجد مقالا، فإنه كان على الغاية في العدل والزهد والورع والتواضع. يعرف ذلك بالنظر في سيرته المنقولة عنه، ولسنا بصدد بيان ذلك مفصلا، إذ فيه كتب مصنفة/ من جيدها كتاب" رياض الصالحين" للنووي «2». وأما اطراحه اللذات البدنية سوى النكاح- فكان في الغاية منه، فإنه لم ينقل عنه أنه أكل مرققا «3»، ولا على
[موقف النصارى من النكاح]
أسكرجة «1»، ولا نام على فراش وطئ «2». وكان يقول:" ما لي وللدنيا/. إنما أنا والدنيا كراكب نام تحت شجرة ثم قام وتركها «3» ". [موقف النصارى من النكاح] وأما قوله:" الحاسة التي هي عار علينا، كما ذكر" أرسطو" ولا سميا قذارة النكاح منها". فنقول أولا لهذا المصنف النصراني: أنت قد قدمت في فوائد النبوة: أن مقاصدها لا تحصل بمجرد الفلسفة. فكيف جعلت قول الفلاسفة كموسى بن عبيد الله، وأرسطو: حجة في تقبيح حاسة النكاح؟ هذا تهافت لا يسمع.
ثم نقول لهذا الفيلسوف: حاسة النكاح عار على من «1»؟ عليك؟ أو على الأنبياء ومن تابعهم؟ إن قلت: عليك. قلنا: عندك أو عندهم؟ إن قلت: عندك فأنت لا عند لك: بل أنت من أعداء أهل الشرائع. ومن أول عداوتك لهم، وطعنك عليهم، تقبيحك عليهم شيئا أجمعوا على جوازه منذ أهبط آدم إلى الآن، وأنت قد اعترفت بصحة نبوتهم وعقولهم، فأحد الأمرين لازم: إما فساد عقلك في إنكارك عليهم التشاغل بالنكاح، أو فساد عقلك في اعترافك بصحة نبوتهم، وكمال عقولهم. ويقال لأرسطو: ألست القائل آنفا: إن حال عقولنا عند النظر إلى المبادئ «2» كحالة الخفاش عند النظر إلى الشمس. فمن أين لك أن عقلك لم يقصر عن إدراك حكمة الباري- سبحانه- في إباحة النكاح للأنبياء- عليهم السلام «3» -؟ وهل هذا إلا تهافت؟ وإن قلت: عند الأنبياء. فهذا كذب عليهم. فإن الأنبياء أجمعوا على حسنه وحكمة الله فيه، من تكثير العباد والعبّاد، وعمارة الأرض، ودوام العالم، وبقاء النوع الإنساني الذي أجمعت الحكماء على أنه خلاصة الوجود، وتنوع «4» أنواعه. وإن قلت على الأنبياء- عليهم السلام «5» - فأنت قد اعترفت بكمالهم! / والاقدام على العار ينافي الكمال. فهذا تهافت منك بكل حال.
[فوائد النكاح وفضيلته]
[فوائد النكاح وفضيلته] وأما ما ذكر من قذارة/ النكاح، فنقول: لا نسلم أن فيه قذارة، بل فيه مصالح: منها: سرور النفس به، وانشراحها للعبادة، ولعل بدونه لا تنشرح لذلك. ومنها: تحصين الفرج عن الزنا المحرم «1» بإجماع أهل الملل والعقول. ومنها: تحليل فضلات البدن المحتقنة فيه، وانعاش الحار الغريزي «2» به، فيخف بذلك البدن وينشط. ولهذا بعض الناس يمرض بتركه وتكثر في بدنه الجراحات «3» والدماميل ونحوها «4».
ومنها: أنه يحسن الخلق، ويبسط بشرة الوجه «1». وقد نص" جالينوس" «2» على أن سبب سوء خلق الخصيان، وتعبيس وجوههم وانتهارهم لمن كلمهم: ترك «3» الجماع، لاحتباس الماء، وتعفنه في أبدانهم. ولئن سلمنا أن فيه قذارة فالجواب من وجهين: أحدهما: أن قذارته شرعية أو طبيعة؟ إن قلت: شرعية. فهو ممنوع فإن الذي «4» يصلح أن يضاف إليه الاستقذار في الجماع/ هو: المنيّ «5»،
والمذي «1»، ورطوبة فرج المرأة «2». وهذه الأشياء طاهرة عند كثير من أهل الشرع.
ومن قال بنجاستها منهم عفا «1» عن يسيرها دفعا للحرج والمشقة فأما مخرج البول والغائط فلا وطء «2» فيه «3»، والحيض يحرم الوطء «4» في زمنه. فأين القذارة إذن في الجماع؟. وإن قلت: طبعيّة لم يلزم من ذلك وجوب اجتنابها عقلا، ولا شرعا، لأن هذه الأشياء كالبصاق، وبلغم المعدة والرأس والمخاط وعرق الحمى. بل مطلق العرق. فإن هذه كلها فضلات تحللها الحرارة من البدن، وهي تورثه خفة ونشاطا وصحة، ومعتمد العلاج الطبي تنقية «5» البدن من المواد التي ليس من شأنها أن تكون فيه. الثاني: سلمنا أن فيه قذارة بكل حال. لكن مفسدة تلك القذارة مغمورة بما فيه من المصالح العظيمة الدنيوية والأخروية «6». والعقول/ الصحيحة لا ترجح إعدام مفسدة واحدة خفيفة خصوصا وقد باشرها الأنبياء والصديقون أجمعون،- إلا من شذ منهم- على وجود مصالح كثيرة جمة النفع.
ثم أين قذارة الجماع من قذارة الغائط؟ الذي يتعبد مخاييس «1» النصارى ببقائه على أبدانهم، حتى تغالي فيه النصارى، فجعلوا يتهادونه يتبركون ويستشفون به من الأمراض، بناء منهم «2» على فهمهم الفاسد لكلام المسيح في الفصل الثامن والعشرين/ من إنجيل متى «3» حيث يقول:" ليس النجس ما دخل الفم ثم خرج مستحيلا من المخرج. إنما النجس ما خرج من الفم من الكلام السيئ، لأنه يدل على نجاسة القلب" هذا معنى كلامه «4». ومن أنكر من النصارى أنهم يتعبدون ببقاء العذرة على أبدانهم فهو مستخف منكر لما يعلم- كما ينكر بعض فقهاء المسلمين تجويز الوطء «5» في الدبر- وهو
[الأنبياء والنكاح]
منصوص في كتبهم وعن أئمتهم «1». [الأنبياء والنكاح] وأما قوله:" ولذلك فضح الله بها كل مدع" فنقول في جوابه: لا نسلم أن الله فضح المدعين بحاسة النكاح، وإنما فضحهم بدعواهم الكاذبة ولو كانت حاسة النكاح تقتضي الفضيحة لافتضح بها الأنبياء كلهم، بل جميع الخلق كآدم ونوح وإبراهيم، وخصوصا إسرائيل، وداود، وسليمان فإنهم كانوا كثيري النساء والسراري «2»، وكثرة تشاغل إبراهيم وبنيه بالجماع هو الذي أوجب كثرة نسلهم وانتشار الشعوب منهم، لأن الجماع سبب النسل، وكثرة المسبب يدل على كثرة السبب.
وبالجملة: فمن جعل حاسة النكاح عارا. فقد ألحق العار بسائر الأنبياء والصديقين والصالحين وعباد الله أجمعين. وإن عارا يتلبس «1» به هؤلاء كلهم ليس بعار:/ وعيروني بذلي في محبتها ... وبالذي عيروني تم لي الشرف «2» [وإذ لولا هذه الحاسة لما وجد الأنبياء وشرائعهم، وإنما هي عار على معتقدها عارا، إذ لولا هذا العار لما صار إلى النار] «3». وأما ما ذكر من قصة الرجلين الذين أحرقهما ملك «4» بابل، فلم أجده في الباب المذكور من كتاب ارمياء النبي، فإن كان المشار إليه برميا «5» النبي، وأنه غير ارمياء، وإلا فلا أعلم صحة هذا النقل، على أنه بتقدير الصحة إنما افتضح هذان الرجلان بدعواهما الكاذبة وزناهما،/ لا بتعاطي شهوة النكاح. على أني أحسب أن النقل اشتبه عليه، وأن المراد بالرجلين هاروت وماروت «6». ولهما قصة عجيبة وردت بها السنة وذكرها أهل السير.
منهم:" وثيمة بن موسى بن الفرات «1» في" قصص الأنبياء": وكان افتضاحهما بتقدير الله، وسببه طعن الملائكة على بني آدم، واستقلالهم أعمالهم وتعبيرهم بخطاياهم وعصيانهم. فلما ابتلى الملائكة بما ابتلى به بنو آدم ساعة من نهار، استقالوا فأقيلوا، إلا هاروت وماروت ثبتا فجرى لهما ما جرى «2»،
وقد ذكرت بعض قصتهما في" الفوائد" «1». قلت: والذي أوجب لهذا النصراني تقديم هذا الكلام، وتقبيح حاسة النكاح هو كونه رأى المسيح لا داعي له إليها، ورأى محمدا- عليه السلام- شديد الداعي إلى ذلك. كما نقل عنه حديث يقول: «حبب إليّ من الدنيا ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة/ عيني في الصلاة» «2» وأنه تزوج كثيرا وتسرى، فأراد العلج أن يجعل هذا مطعنا عليه. ولقد تاه عن الصواب. فإن نكاح النساء هو عين الطهارة، لما فيه من تحصين الدين، والإعانة على تقوى رب العالمين. ولهذا كان محمد صلّى الله عليه وسلم إذا رأى امرأة أعجبته دخل على بعض نسائه فقضى حاجته منها، ثم خرج. وفعل ذلك يوما ثم
خرج على أصحابه، فقال: «إن المرأة إذا أقبلت أقبل معها/ شيطان يزينها فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها» «1». وقال: «إذا كانت لأحدكم إلى امرأته حاجة فليأتها، وإن كانت على التنور" «2». كل ذلك محافظة على حفظ الدين، لئلا يغلب الإنسان عليه بداعي الشيطان والهوى.
كما حكي في التوراة «1»: أن" يهوذا بن يعقوب" تعرضت له كنّته «2» - زوجة ابنه- في الطريق في صورة زانية، فواقعها على أن يعطيها جديا ورهنها عليه عمامته وقضيبا كان بيده". وأن" روبيل «3» " وطئ" «4» سرية أبيه يعقوب ونجس فراشه، ونحن لا نقول بصحة هذا ولكنه حجة على النصارى واليهود، وتحقيق ذلك «5» وتلخيصه: أن شهوة النكاح في الإنسان طبيعية كشهوة الأكل والشرب، وحب الغلبة والرئاسة، بل هي أشد الشهوات. ولذلك كان أكثر افتتان العالم بها، فقضاؤها وأمن غائلتها بالطريق الحلال المصطلح عليه في النواميس الإلهية أولى في العقل من التعرض بتركها «6» لمعصية الرحمن وطاعة الشيطان. وقول محمد- عليه السلام-: «حبب إليّ من دنياكم النساء» ليس ذلك لغلبة شهوته عقله، كيف ذلك وسيرته: سيرته. لمن تأملها، وثباته: ثباته. بل إنما
المقصود بذلك: أن يتفرغ خاطره التفرغ الكلي لأداء الرسالة «1»، والقيام بأعبائها- كما يتفرغ الجائع بالأكل- لأداء العبادات. وقد ورد في السنة النبوية الصحيحة عن يوشع بن نون. أنه لما توجه إلى بعض مغازيه- أحسبها: غزاة أريحا «2»، مدينة الجبارين- قال لقومه: " لا يتبعني «3» رجل قد/ ملك بضع امرأة، يريد أن يبني بها ولما يبن. ولا آخر قد بنى بيوتا، ولم يرفع سقفها «4». ولا آخر قد اشترى غنما، أو خلفات «5»، وهو
ينتظر أولادها" ... الحديث رواه أحمد «1»، وأخرجاه في الصحيحين «2». كل ذلك مراعاة لاجتماع «3» / الخواطر في طاعة الله، وحذرا من تفرق الهمم فيها «4»، ونظائر هذا في شريعتنا مطلوب كالنهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين «5» وكذلك الشبق «6»، وكل ما يلهي. وبالجملة: فكل عبادة الله- سبحانه- ينبغي للإنسان أن لا يدخل فيها، حتى يحسم مواد اشتغال قلبه عنها ما أمكن، ومن هذا،/ أو قريبا منه قوله- عليه
السلام-: «لا يقضي القاضي وهو غضبان» «1» لأن القضاء عبادة، والغضب يشغل عنه. وكذلك كلما في معنى الغضب من مرض أو حر أو برد أو شبق ونحو ذلك. ولهذا كان- عليه السلام- يحب الطيب لا ليلتذ به في نفسه «2»، بل إكراما للملائكة الذين معه خصوصا جبريل صاحب الوحي. ولهذا كان يبغض الثوم والبصل، وكل ذي ريح كريهة، وقال لأصحابه: «إني أناجي من لا تناجون» «3».
«وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» «1». وأما المسيح فلعله في ترك النكاح كان عنينا «2»، أو لكونه لا من ذكر، أو لكونه كان ملكا ظهر في صورة آدمي، فغلبت عليه صفة الملائكة «3». كما قال الله- سبحانه-: ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا ... (9) «4» الآية.
[ظهور المعجز على يد النبي]
أو لكونه كان هو الله أو ابنه على رأي النصارى الساقط- تعالى الله عما يقولون- ونحن نقول: إن المسيح لو تأسى بسائر الأنبياء في النكاح والنسل، وتكثير العباد والعبّاد لكان ذلك أكمل له «1». فالذي يحتج علينا في [حاسة] «2» النكاح بترك المسيح له، نحتج عليه في فضيلته بفعل جميع الأنبياء له. وليس المسيح- عليه السلام- بخير من جميع الأنبياء، إلا على هذيان النصارى في أنه: الله، أو ابن الله. وذلك ممنوع عند كل عاقل، بل هو عبد الله ورسوله. وسيأتي تمام الكلام على هذا الشرط عند ذكر تفاصيله. [ظهور المعجز على يد النبي] قال:" الشرط الثالث/- يعني من شروط النبي-: اظهار المعجز للناس ليرتفع اللبس ويقع الفرق بين الصادق والكاذب".
قلت: هذا كلام صحيح. قال:" والمعجز فعل ما ليس في قوة الإنسان أن يفعله بحسب المجرى الطبيعي" «1». قلت: هذا جيد في تعريف المعجز، لكن للمتكلمين فيه عبارة أخرى أحق من هذه وهو قولهم: المعجز هو الأمر الممكن الخارق للعادة، المقرون بالتحدي، الخالي عن المعارض. فالأمر: جنس للمعجز وغيره. والممكن: فصل له عن الممتنع، إذ الممتنع لا يوجد. والخارق للعادة يفصله عن الأمور العادية كطلوع الشمس ووقوع المطر وركوب الفرس ونحوها. فإن المستند في دعوى النبوة إليها لا يثبت له شيء والمقرون بالتحدي: احتراز ممن يدعي أن معجز من قبله، دليل على صدقه هو، كما يقول إنسان اليوم: إن قلب موسى عصاه حية، دليل على صدقي في دعوى النبوة. فإن ذلك لا ينفعه، لأن معجزه ليس مقارنا لتحديه، والخالي عن المعارض: احتراز من الشعبذة «2» والنيرنجات/ «3» فإنها تعارض بمثلها، فإذا ظهر على يد شخص هذا الأمر بهذه الشروط كان معجزا وكان الشخص نبيا./
[موافقة ما يأتي به النبي للفطرة]
قال:" الشرط الرابع: أن يكون الدين الذي «1» يشرعه موافقا للدين الطبيعي، وهو نوعان: [موافقة ما يأتي به النبي للفطرة] أحدهما: عام لجميع الأمم، لا يختص بأمة دون أمة، كبر الوالدين، وصلة الرحم والإحسان إلى المحسن، والتجاوز عن المسيء. وبالجملة. جلب المصالح ودرء المفاسد، والتحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل. والثاني: خاص «2» يختص أمة دون أمة كتحريم لحم الخنزير عند غير النصارى وتحريم ذبح الحيوان عند البراهمة". هذا حاصل ما ذكره في هذا الشرط. قلت: هذا شرط متفق على حسنه عقلا وشرعا، وهو عام الوجود في دين الإسلام على ما ذكرنا جملة منه/ في شرح" الآداب الشرعية" «3» لكن لا يلزم أن يأتي النبي به على هذه الصفة، واشتراطه فلسفة صرفة بل لله سبحانه أن يتعبد خلقه بما شاء، سواء كان ذلك مصلحة لهم أو لا. بناء على أصلنا في أن رعاية الأصلح للخلق لا تجب على الله سبحانه وإنما فعل ذلك حيث فعله بهم، تفضلا، لا وجوبا «4».
(الشرط الأول الصدق)
[موقف عتاة النصارى من نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم] قال:" وإذ قد فرغنا من الكلام في النبوة والنبي، وشروطه التي يجب امتحانه بها بحيث إن وجدت فيه صدّق، وإن اختلت فيه أو بعضها كذّب. فإنا وجدنا الرجل المسمى: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ادعى النبوة في أمة من العرب «1» فالتمس منه الشرط الأول وهو الصدق. فوجدنا ما جاء به يشتمل على صنفين: صادق وكاذب- كما سنبين-". قلت: هذه دعوى مجردة عن حجة، فإذا ذكر الحجة قوبلت بحسب ما ينبغي «2». قال: وليس كون الصدق بحال كذب «3» المتكلم موجبا لحسن الظن به، بل
[امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم]
خلط الصدق مع الكذب أبلغ في الحيلة، وأنفذ في المكيدة. ولهذا يقال: ما من «1» تعليم كاذب إلا ويمازجه شيء من الحق ليلتبس الباطل به، وتكون الخدعة أخفى فيه، والحيلة في التصديق أقوى. قلت: هذا كلام صحيح «2». وهو من محاسن الحكم لا ينازع فيه عاقل بل النزاع في أن ما أتى به محمد- عليه السلام- يشتمل على الكذب. [امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم] قال:" فلنورد أقاويل هذا الإنسان من صدق وغيره: فقسم الصدق: قوله في سورة الصمد: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1). قلت: لا شك أن هذا الكلام حق في نفسه، لكن اخبار هذا المصنف بصدق هذا الكلام عنده «3»: إما جهل بحقيقة التوحيد، أو ستر لعوار دينه الثالوثي، وتحلية لجيده العاطل منه به، وإلا فأين قوله: اللَّهُ أَحَدٌ من قولهم:" الأب، والابن، وروح القدس، إله واحد"، ودعواهم التوحيد/ مع هذا التصريح كلام في الريح، لا يعقل ولا يتحصل، كما قد حققت بطلانه في:" التعليق على الإنجيل" «4».
قال:" وقوله في سورة يونس «1»: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ... وفي سورة آل عمران «2»: وإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (42) «3» الآية. وقوله في سورة الأنعام «4»: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعني كلمات الله، وهي التوراة والإنجيل- وفي سورة الحجر «5»: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) والذكر: هو التوراة والإنجيل. ويشهد لذلك قوله في سورة الأنبياء «6»: وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7). فبين بهذا: أن كلمات الله غير مبدلة". قلت: هذه الآيات كلها حق وصدق. ولكن أخطأ هذا الخصم في إيرادها في مواضع: منها: أنه حصر ما جاء به محمد من الصدق فيها، والقرآن مملوء من الحكم والأخبار التي يعلم بالضرورة صدقها. وإنما هذا رجل معاند يريد أن ينفي التهمة عن نفسه، بإيهام العدل في إيراد ما يعتقده صدقا وكذبا. وعناده: يأبى عليه إلا إظهار التعصب والجور. فذكر خمس آيات حصر الصدق فيها، وهي مما يعتمد
[المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم]
عليها. وتنفعه في عناده «1». شرع في ذكر ما يعتقده كذبا، فملأ منه الكتاب. [المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم] ويأبى الله إلا ظهور الحق واستعلاءه «2»، وخمول الباطل واذعانه. ومنها: قوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ووهم منها في موضعين: أحدهما: أنه ذكر الكلمات المضافة إلى الضمير، فاحتاج أن يفسره بالله تعالى، وقد كان يستغنى عن ذلك بإيراد الآية التي في أول السورة المذكورة وهي قوله: ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ولَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) «3». فإن الكلمات فيها مضافة إلى الله- سبحانه- لا إلى ضميره المحتاج إلى تفسير «4»، وهذا لا يقدح في صحة ما احتج به، لكن/ احتجاجه «5» بما ذكرناه أظهر، فعدوله عنه مشعر بالضعف وقصور النظر. الموضع الثاني: أنه فسر كلمات الله بالتوراة والإنجيل ليثبت علينا بكتابنا أنها حجة لازمة
لنا،" وهيهات من دون المراد موانع" «1». والذي يدل على أنه ليس المراد بالكلمات هنا «2» التوراة والإنجيل: هو أن هذه الآية في سورة الأنعام. وسورة الأنعام كلها جدال ومناظرة لعباد الأوثان الذين ينكرون البعث. ولا تعرض فيها لأهل الكتاب إلا بطريق الاستشهاد بهم. كقوله: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ «3» وقوله: والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ «4»، وليس المراد بأهل الكتاب: الموجودين الآن بل المعاصرين لزمن النبوة، أو بطريق عموم خطاب غيرهم لهم لا بالقصد، وإذا عرف هذا فالله سبحانه يقول قبل هذه الآية: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا «5». والخطاب لكفار العرب «6»، والكتاب الذي أنزل إليهم هو القرآن وهو المراد بالكلمات. قاله قتادة «7»
والطبري «1». قال الله سبحانه: والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ وهذا استشهاد بأهل الكتاب الموجودين حينئذ من أسلم منهم كعبد الله بن سلام «2» وغيره، أو جميع أهل الكتاب، ولكن يكتم ذلك منهم من يكتمه عنادا «3».
ولو كان الكلمات هي التوراة والإنجيل لكان الكتاب المذكور هو التوراة والإنجيل، ولم يكن به حاجة إلى أن يستشهد بأهل «1» الكتاب على صحته، لأن التوراة والإنجيل المنزلين على موسى وعيسى، لم ينازع فيهما أحد حتى يستشهد لهما. وأيضا:/ لو كان كذلك لم تصح شهادة أهل الكتاب لكتابهم لموضع التهمة. ثم قال: وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ .. (115) وهي الكتاب الذي أنزل/ مفصلا، وهو القرآن إذ لا معنى لقول القائل:" وهو الذي أنزل إليكم القرآن مفصلا، وتمت التوراة والإنجيل، ولا مبدل للتوراة والإنجيل" لأن المخاطبين بهذا الخطاب هم كفار العرب، ومحمد- عليه السلام- لم يكن يدعوهم إلى التوراة والإنجيل حتى يثني لهم عليهما، وإنما كان يدعوهم إلى القرآن فثبت بهذا أن المراد بقوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ هو القرآن. وفيما «2» يرجع إليه نفي التبديل قولان: أحدهما" معناه ومتعلقه من أخبار وحكم ووعد ووعيد، أي أن ما أخبر الله في القرآن من خبر، أو حكم به من حكم، أو وعد من ثواب، أو أوعد من عقاب لا يستطيع أحد تبديله ولا بيان فساده. والثاني: أنه لفظه: أي لا يقدر أحد أن يزيد فيه ولا ينقص، لأن الله سبحانه ألهم المسلمين حفظه حرفا فحرفا، فلا تدخله الزيادة والنقص كما دخل التوراة والإنجيل على ما قد شاهدته أنا بنفسي في الكتابين من التناقض والاختلاف وأثبته في تعليقي على الكتابين «3».
ثم إن هذا المصنف جعل عمدته في كتابه: تفسير ابن عطية «1». فما باله لم يذكر ما قاله ابن عطية في تفسير قوله «2»: وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ؟ لكنه رآه عليه «3» فحاد عنه. ولعمري أنه معذور في/ ذلك فإن كتب المسلمين ليست عنده حجة. وإنما يذكر منها ما يذكر احتجاجا عليهم وإلزاما لهم ورميا «4» لهم بسهامهم كما نحتج نحن عليهم بالتوراة والإنجيل على هذا الوجه، ولا نعتقد صحة ما فيها.
[المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم]
[المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم] ومنها: قوله: إن" الذكر" في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) «1» هو التوراة والإنجيل". وليس كذلك بل هو القرآن بإجماع مفسري القرآن «2». ذكر عبد الرزاق «3» في تفسيره عن معمر «4»، عن قتادة وثابت البناني «5» في قوله: وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ
قال:" حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلا أو يبطل «1» منه حقا «2» ". قلت: ونظيره قوله تعالى/: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ «3»، والمعنى واحد. أما «4» احتجاجه على ذلك بقوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) «5» فلا حجة فيه، لأن قبل ذلك قوله سبحانه: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ «6» يعني القرآن بلا خلاف ولا شك إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبُونَ يعني كفار العرب لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وهم الكفار" هل هذا- يعني محمدا- إلا بشر مثلكم" أي فليس بأولى بالرسالة منكم. كما قال قوم نوح له: ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا «7» وقول قوم صالح: أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ «8»؟ ثم قالوا: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟ فأجابهم الله تعالى عن هذا بقوله: وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا
نُوحِي إِلَيْهِمْ أي أن الرسل الذين كانوا قبلك كانوا بشرا كانوا «1» وقد اعترف هؤلاء الكفار برسالتهم. فما وجه انكارهم لرسالتك مع كونك بشرا؟ ثم قال فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعني أهل التوراة «2»، هل كان المرسلون إلا رجالا يوحى إليهم؟. فالذكر المراد/ هاهنا «3» غير الذكر المراد في سورة الحجر، وهو الذكر المحفوظ. فإن لفظ الذكر ورد في القرآن على وجوه: منها: القرآن والتوراة كالموضوعين المذكورين. ومنها: الرسول، كقوله «4»: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولًا على ما قيل فيه «5».
[الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم]
ومنها: الشرف، كقوله: وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ «1» أي: شرف «2». فلفظ" الذكر" مطلق على هذه المعاني بالاشتراك أو التواطؤ «3». أو بالحقيقة والمجاز. وبكل تقدير فلا يصح استدلاله على أن الذكر المحفوظ هو الذكر المسئول أهله. [الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم] ونبين ذلك بتقرير استدلاله على وجه صناعي هكذا: الله سبحانه حفظ الذكر، والذكر هو التوراة. فالله حفظ التوراة، لكن المقدمة الأولى مهملة، وشرطها في الإنتاج أن تكون كلية، هكذا: الله حفظ كل ذكر. والتوراة ذكر/ لكن ليس التقدير هذا، وحينئذ يدخل/ التفصيل في المقدمة الأولى. فيقال: ما
[رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أخت هارون "]
تعني بالذكر المحفوظ؟ التوراة أو «1» القرآن؟ الأول ممنوع، والثاني: مسلم لكنه لا يفيد، لأن الحد الأوسط في الشكل مختلف فمحمول الأولى غير موضوع الثانية. قوله:" فتبين بذلك أن كلمات الله غير مبدلة". قلنا: هذا صحيح لكن قد بينا أن المراد بكلمات الله ليست التوراة والإنجيل التي بأيديكم بل هي القرآن. ولئن سلمنا أنها التوراة والإنجيل، بل وكل كلام الله غير مبدل، إلا أن ما بأيديكم ليس هو التوراة والإنجيل المرادين هنا «2»، المنزلين على موسى وعيسى، بل كلمات الله التي هي كلماته لا يدخلها التبديل في خبر ولا حكم ولا وعد ولا وعيد، وما بأيديكم من ذلك تواريخ وسير مبدل محرف متناقض، علمنا تناقضه بالعيان والمباشرة. [رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أُخْتَ هارُونَ "] قال: القسم الثاني من قوله- يعني مما زعم أنه كذب من أخبار محمد- عليه السلام- فمن ذلك قوله: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ... إلى قوله: وإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ «3» وقوله في التحريم «4»: ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها «5» وقوله في سورة مريم: يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ «6».
قال:" فثبت بهذا كله: أن مريم أم المسيح هي بنت عمران أخت موسى وهارون". قال:" واسم أبي مريم أم المسيح: يعقيم. وأمها: حنة. وبين مريم هذه وعمران أبي موسى ألف وخمسمائة سنة" «1». قال: وعذرا له في هذه الغلطة، فإن الناقل، إما جاهل وإما قاصد إيقاعه في الغلط". «2» قلت: يشير هذا الخصم إلى أن محمدا- عليه السلام- كان يلقن أساطير الأولين ثم ينظمها بعبارته، والملقن له إما جاهل بالنقل أو قاصد «3» تغليطه «4». قلت: وللعدو أن يقول ما شاء، وإنما يثبت ما قامت عليه الحجة.
وهذا سؤال قد كفانا/ جوابه صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم فروى المغيرة بن شعبة «1» قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران. فقالوا ألستم تقرءون: يا أُخْتَ هارُونَ وقد كان بين عيسى وموسى ما كان؟ فلم أدر ما أجيبهم/ فرجعت «2» إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم «3» فأخبرته. فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم» رواه مسلم والترمذي «4» وقال حديث حسن صحيح".
قلت: ومعنى هذا الحديث ما ذكره عبد الرزاق في تفسيره «1». قال: أخبرنا «2» معمر عن قتادة في قوله يا أُخْتَ هارُونَ قال: كان رجلا صالحا في بني إسرائيل يسمى هارون فشبهوها به. فقالوا: يا شبيهة هارون في الصلاح «3». فتحقيق معنى الحديث:/ أن هارون هذا سمي باسم هارون أخي موسى تبركا. وحينئذ يفسد استدلال هذا الخصم ويكون الحد الأوسط في نظمه وهو هارون مختلفا، كما تقدم في استدلاله على أن الذكر المحفوظ هو التوراة.
وأما قوله: إن اسم أبي مريم:" يعقيم" فجوابه من وجهين: أحدهما: أن هذا لم أعلمه ولا رأيت أحدا ذكره ممن أثق به من علماء المسلمين. وعلماء اليهود والنصارى غير مأمونين عندنا، ولا وثوق لنا بما عندهم على ما سبق في مقدمات الكتاب. ومعنا شيء نحن معتقدون فيه واثقون به، وهو القرآن المتضمن أن اسم أبيها عمران. ويكون ذلك من أسماء الأعلام المشتركة مثل هارون، وهارون، وفرعون، وفرعون، وزيد وزيد، وعمرو، وعمرو، فلا نعدل عنه إلى غيره ولا سبيل لهم إلى إقامة الحجة القاطعة التي نضطر إلى تسليمها علينا، وإن أمكنهم ذلك وفعلوه قبلناه منهم، فإنه لا غرض لنا في العناد بل الحق حيث كان متبع. الوجه الثاني: أن هذا اختلاف في الأسماء، لا في المسميات فجاز أن يكون عمران تعريب يعقيم، فإن العربية تصرفت في الألفاظ الأعجمية فعربتها كما سمت العرب/ المسيح: عيسى، واسمه في الإنجيل: يسوع. فعكسوه من آخره، وقلبوا الواو ياء. وكان أصل موسى: موشا، بالشين المعجمة، يعني الماء والشجر، لأن آل فرعون التقطوه من بين ماء وشجر حين ألقته أمه في اليم، ومو: هو الماء. وشا: الشجر «1».
[رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام]
وكما سموا" حران «1» " هذه المدينة التي بين الشام «2» وبلاد الجزيرة «3» باسم هاران أخي إبراهيم، وهو أبو لوط، لأنه نزلها. فعربوها، فقالوا: حران. أو لعل عمران اسم ويعقيم لقب، فكل هذا محتمل، فلا يقدح مثله في صاحب ناموس عظيم غلب ناموسه على ناموس المسيح والكليم «4». [رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام] قال:" ومن ذلك قوله في سياق تبشير الملائكة لزكريا بيحى «5» " قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً «6» قال:" وهذا باطل، لان
سكوت زكريا كان أزيد من تسعة أشهر، وذلك من الوقت الذي بشر به إلى أن وضع، وأن ذلك كان على جهة التأديب والعقاب، يعني على مراجعته الملك، وكونه لم يثق بأول كلامه، لا على جهة الآية" وذكر حكاية ذلك من الإنجيل في كلام طويل قد ذكرته أنا وجوابه في:" التعليق علي الأناجيل «1» ". قلت: والذي يحتاج إلى الجواب عنه في هذه الجملة أمران/: أحدهما: أن سكوته كان أكثر من ثلاثة أيام. الثاني: أن سكوته كان عقوبة لا علامة. والجواب/ عن ذلك من وجهين: أحدهما: الجواب العام وهو أن مستندكم في هذا: الإنجيل. وليس حجة علينا، كما أن ما عندنا ليس حجة عليكم- على زعمكم-، فبقيت دعوانا ودعواكم ولا فاصل بيننا يلزمنا جميعا الرجوع إليه. الوجه الثاني: أن خبر محمد- عليه السلام- أثبت ثلاثة الأيام، ولم ينف ما فوقها وأثبت العلامة، ولم ينف العقوبة «2». فإذن الجمع بين القولين ممكن، وهو
أن سكوته/ كان تسعة أشهر، ومنها ثلاثة الأيام المذكورة. ولعله إنما اقتصر عليها لخصيصة فيها، وذلك أن في القرآن في سورة مريم «1» أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (10) قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة عن عكرمة «2» قال:" سويا" من غير خرس. وذكر في الإنجيل «3»: أن زكريا بقي أبكم إلى أن وضع يحيى، والأبكم: الأخرس، فلعله كان في ثلاثة الأيام الأول ساكتا من غير خرس، وفي بقية المدة ساكتا من خرس «4»، ويكون الأول: علامة، والثاني: عقوبة. والقرآن الكريم إنما ذكر هذه القصة في سياق ذكر النعمة على آل إبراهيم وآل عمران واصطفائهم على العالمين، فاقتصر على ذكر زمن الآية والعلامة التي هي من نعم الله على خلقه، إذ هي موجبة لطمأنينة القلوب، ولم يذكر مدة البكم الذي هو عقوبة لئلا يفضي ذلك إلى ضرب من تكدير النعمة بذكر العقوبة عقيبها «5». والقرآن فيه من ملاحظات الآداب واللطائف ما هو أدق من هذا، وشبيه بهذا تأدب إبراهيم مع ربه حيث يقول: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) والَّذِي هُوَ
يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ (79) وإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) «1» فأضاف الخلق والهداية والإطعام والإسقاء إلى الله. لأنها نعم. وأضاف المرض إلى نفسه لكونه محله، وإن كان ليس منه في الحقيقة تأدبا لأن المرض صورته صورة نقمة «2»، فإضافته إلى المنعم في سياق الاعتراف له بالإنعام تكدير للتأدب. وكذلك لا تنافي بين كون السكوت علامة على صدق البشرى، وعقوبة على عدم المبادرة إلى التصديق بها. وذكر العقوبة في هذا ليس مما اخترعه هذا المصنف من الأسئلة على القرآن، بل قد ذكره مفسرو القرآن منهم قتادة. قال [القرطبي] «3»:" وهو قول أكثر المفسرين «4» ". قلت: وعليه إشكال. وإن كان/ قد ذكره المسلمون فإنه لا خلاف بيننا وبين النصارى أن مريم لما بشرت بالولد استعظمت ذلك وقالت: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ «5»؟ نطق بذلك قرآننا وإنجيلهم «6»، ثم إنها لم تعاقب على ذلك بشيء. فإن قال قائل: إن زكريا كان أكمل من مريم والأكمل في الحال أولى
بالعقوبة على الأفعال وهذا معلوم من قواعد الشرع والعقل، ولهذا كان وعيد العلماء أعظم/ من وعيد الجهال. قلنا: الجواب من وجهين: أحدهما: أن هذا مع قيام المقتضي للعقوبة إنما يقتضي تخفيف العذاب عن المفضول في الحال، لا سقوطه بالكلية،/ وقد وجد مقتضى العقوبة في مريم كما وجد في زكريا، فكان ينبغي أن يحصل لها من العقوبة بحسب حالها. الثاني: أنه باطل بإبراهيم لما سأل الطمأنينة بمشاهدة كيفية إحياء الموتى «1»، فإنه لم يعاقب، مع أنه في عدم المبادرة إلى قبول خبر الصادق. ك" زكريا" و" مريم" بل أولى لوجهين: أحدهما: أنه كان في غاية من كمال الحال. الثاني: أن المخاطب له كان هو الله نفسه على ظاهر القرآن، والمخاطب لزكريا ومريم كان الملك. وبشارة زوجة إبراهيم حيث فَصَكَّتْ وَجْهَها وقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) «2» ولم تعاقب. والأشبه- والله أعلم- أن العقوبة لا مدخل لها هنا لوجهين:
أحدهما: أن الله- سبحانه- خلق الإنسان من ضعف، ولم يجعل في قوة عقله إدراك الحقائق الإلهية، فعدل الله- سبحانه- يقتضي تمهيد عذر الإنسان إذا ضعف في مثل هذه المقامات المدهشة، ما لم يصر على العناد، ولو كان مثل هذا موجبا للعقاب لكان أولى الناس به موسى عليه السلام فإن الله سبحانه لما قال: وَأَلْقِ عَصاكَ «1» فألقاها إلقاء راغب عنها، ظنا منه أن الله نهاه عن حملها/ ثم التفت فإذا هي حية تسعى، فأمعن هربا، فلما عاد قال له ربه: خُذْها ولا تَخَفْ «2» فلف كم مدرعته على «3» يده، ثم تناولها. فقال له الملك: أرأيت لو أذن الله لما تحاذر أكانت تنفعك كمك؟ فقال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت «4». فإن موسى فعل هذه «5» الفعال وهو بحضرة الله- سبحانه- يسمع كلامه بغير
واسطة، وقد وانسه بالكلام، ولم يبق من أمره في «1» شك فقد كان أولى بالعقوبة إذن، ولكن مثل هذا لا يقتضيها في عدل الله- سبحانه-. الثاني: أن العقوبة تستدعي ذنبا، وليس هاهنا ما يصح أن يكون ذنبا إلا الشك في قدرة الله، على ما أخبر به، أو في صدقه «2»، والأنبياء عارفون بالله وصفاته لا يخفى عليهم مثل هذا، وهم معصومون منه، وإنما كان ذلك من زكريا ومريم وإبراهيم وسارة وكل من صدر منه ذلك من المؤمنين بالله تعجبا من كيفية المقدور، لا شكا في حقيقته، فأراد أن يعرف: هل يعاد شابا ثم يرزق الولد، أو يرزقه وهو بهذه الحال؟ والتعجب وسؤال الله- سبحانه- كشف الأمور الملتبسة أن لم يقتض ثوابا لم يقتض عقابا. ومن الدليل على أن العلامة مرادة من سكوت زكريا/ ولا بد: ما ذكر في الإنجيل أن زكريا قال للملك:" من أين أعلم هذا وأنا شيخ وزوجتي قد تناهت في أيامها «3» "؟ فهذا سؤال من زكريا للآية بلا شك. فأجابه الملك وقال:" أنا جبريل الواقف بين يدي الله وأرسلت لأبشرك بهذا. وها أنت تكون ساكتا، لا تقدر على الكلام إلى اليوم الذي يتم هذا. لكونك لم تصدق كلماتي اليوم التي يتم في زمانها". فأخبر في الإنجيل: أن جبريل أجاب زكريا على سؤاله، والجواب تجب
[رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له]
مطابقته للسؤال. وقد ثبت أن سؤاله كان عن الآية، فيكون الجواب بها. وزيادة العقوبة/ إن ثبت وسلمناه لا ينافي ذلك، لأن الجواب يجوز أن يتضمن زيادة عما في السؤال، كما في قوله تعالى: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (17) قالَ هِيَ عَصايَ .. هذا طبق السؤال، وقوله: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18) «1» هذا زيادة عليه. وقوله- عليه السلام- حين سئل:" أنتوضأ بماء البحر؟ " فقال: (هو الطهور ماؤه) «2» هذا طبق السؤال. وقوله:" الحل ميتته" زيادة عليه ويكون وجه الجمع بين الآية والعلامة: إما بما ذكرناه من قبل وهو أن ثلاثة الأيام سويا من غير خرس علامة، وباقيها أخرس عقوبة، أو بأن مطلق السكوت علامة، وامتداده إلى حين الوضع عقوبة. والله أعلم. [رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له] قال:" ومن ذلك قوله في سورة يوسف: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ... (100) إلى قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ... (100) «3» وتقرير السؤال من وجهين:
أحدهما: أنه أخبر أن أبوي يوسف حضرا عنده ذلك الوقت، وقد ثبت في التوراة: أن راحيل أم يوسف ماتت في نفاسها ببنيامين ودفنت ببيت لحم «1». قبل أن يطرأ ليوسف ما طرأ «2». والثاني: أنه ذكر أنهم سجدوا ليوسف، ولم يذكر في التوراة. غير أن يعقوب لما رأى يوسف فتح ذراعيه، وعانقه باكيا «3» ". قلت: والجواب عن الأول من وجوه: أحدها: الجواب العام، وهو: عدم الوثوق بالتوراة، وقد بينت في التعليق عليها «4» من التناقض والتهافت ما تبين لكل عاقل أنها مما لا يعتمد عليه.
الثاني: أني تأملت هذا الحكم في التوراة على جهة التفصيل فوجدته مختلفا مشتبها جدا وذلك أنه ذكر فيها أن راحيل أم يوسف ماتت على طريق بيت لحم عند قدوم يعقوب من عند خاله" لابن" وذلك قبل أن يرى يوسف الرؤيا بمدة «1»، وذكر فيها: أن يعقوب بعد اجتماعه/ بيوسف بمصر «2» قال له:" وإني حين/ أقبلت من فدان «3» آرام- يعني قدومه من عند خاله" لابن" من حوران «4» - ماتت راحيل أمك في أرض كنعان «5» فقبرتها في بيت لحم «6» " فهذان نصان يقتضيان: أن أم يوسف ماتت قبل أن يرى الرؤيا، وذكر فيها: أن يوسف لما جاءه
إخوته يطلبون الميرة «1»، فعرفهم وهم له منكرون، اتهمهم بالجاسوسية وجعل ذلك ذريعة إلى سؤالهم عن عدتهم، حتى انتهى إلى ذكر" بنيامين" فقال: ائتوني به لأعلم صدقكم، فرجعوا إلى أبيهم فقالوا: أرسل معنا بنيامين، فقال لهم يعقوب: " إن أخاه قد مات ولم يبق لأمه غيره ولعله تصيبه في الطريق" «2». وظاهر هذا: أن أمه الآن حيه، وأنه خاف على وجع قلبها وقلبه لفقده وكذلك ذكر فيها: أن إخوة يوسف قالوا له حين سألهم عن عدتم «3»:" إن لنا أبا شيخا، وله ابن صغير، وهو ابن كبره، ومات أخوه، وهو واحد لا غير لأمه وأبيه، وأبوه يحبه «4» ". وهذا قاطع في أن أم" بنيامين" حية إلى الآن «5» - وهي أم يوسف- وهذا تهافت في التوراة «6» كما تراه. فمن احتج بالنص الأول على موتها قبل هذا الحال
احتججنا عليه بهذا القاطع «1» أنها باقية إلى هذا الحال. ونؤكده بقول يعقوب ليوسف حين قال: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) «2» فزجره يعقوب وقال له:" ما هذه الرؤيا التي رأيت؟ أجئ أنا وأمك وإخوتك فنسجد لك على الأرض"/ «3». فنقول: إن كانت أم يوسف التي ولدته حية الآن فهو يناقض ما في التوراة من أنها ماتت قبل ذلك ودفنت ببيت لحم. وإذا وقع التناقض فيها سقط الاحتجاج بها «4»، وليس للخصم مستند في ذلك غيرها، وإن كانت قد ماتت فقد سمى يعقوب ليوسف بعد أمه أما، فتلك هي التي سجدت له مع يعقوب عند تأويل الرؤيا، سواء كانت هي والدته، أحياها الله حينئذ تصديقا/ لرؤياه «5»، كما قال
الحسن البصري «1»، أو كانت خالته وسميت أما مجازا، كما قال بعض المفسرين «2». وكما قد ثبت في الإنجيل: أنهم كانوا يسمون مريم ويوسف: أبوي المسيح، في غير موضع، وقالت له مريم لما تخلف عنها في أوراشليم «3»:" يا بني لم تخلفت عنا وتركتني وأباك نطوف عليك «4» "؟ فكما سمى يوسف أبا المسيح لكونه زوج أمه مجازا «5»، فكذا سميت زوجة يعقوب أما ليوسف مجازا،
خصوصا وكانت زوجة أبيه أخت أمه نسبا وهي" ليا/ بنت لابن" فقرب المجاز وزال الإشكال. والله أعلم بالصواب. الثالث: أن المراد بأبويه: أبوه وخالته، والعرب تسمي الخالة أما، والعم أبا كما روى أبو إسحاق «1» عن البراء «2» عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «الخالة بمنزلة الأم» رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح «3». وعن ابن عمر «4»: أن رجلا قال:
يا رسول الله إني أصبت ذنبا عظيما، فهل لي من توبة؟ قال: (هل لك من أم؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم. قال: «فبرها». أخرجه الترمذي أيضا «1». وقال الله تعالى حكاية عن بني يعقوب أنهم قالوا له: نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً «2» فسموا إسماعيل أباه، وإنما هو عمه، وتكملة هذا الوجه قد سبق في الذي قبله. الرابع: ما ذكره الحسن وهو أن الله- سبحانه- أحيا راحيل أم يوسف حتى سجدت له تحقيقا لرؤياه. وقول القائل:" إن هذا ونحوه لم يذكر في التوراة": جهالة، وضيق عطن «3» في العلم، فإن التوراة التي عندكم- إن صح أنها التي جاء بها موسى-
فهو جزء «1» يسير من علم الله، وتضمنت يسيرا مما جرى للقوم، وقد جرى لهم جزئيات وتفاصيل لم تذكر، فلعل هذا منها. والله- سبحانه- يفضل من شاء على من شاء في العلم والجسم والمال والعقل وغير ذلك «2». فما المانع أن يكون/ الله- سبحانه- اختص محمدا من العلم بما لم يخصكم «3» كما خصه باذلالكم وإرغام أنوفكم، وأخذ الجزية منكم، نحو ثمانمائة سنة «4». والجواب عن الثاني- وهو سجودهم له- من وجوه: أحدها: هذا بعينه، وهو أن في القرآن زيادة علم لم تبلغكم، تخصيصا من الله لغيركم عليكم. الثاني: أن السجود المذكور في القرآن ليس المراد به وضع الجباه على الأرض بل هو الإيماء بالرءوس، والانحناء على جهة التعظيم، وكانت تلك تحية الملوك عندهم، فلعله لخفاء صورته وعدم ظهور تأثيره في هيئة الإنسان الانتصابية «5» لم يذكر في التوراة اعتبارا/ بصورته، وذكر في القرآن اعتبارا بمعناه، وهو التعظيم «6».
على أنه قد صرح في التوراة «1» بأن إخوة يوسف لما عرفهم وهم له منكرون" خروا له سجدا". ثم لما «2» عادوا المرة الثانية" خروا له سجدا" «3»، وأن يوسف لما جاء بابنيه" ميشا" «4» و" أفرايم" إلى يعقوب ليبرّك عليهما، سجدا له «5». وأن" إبراهيم" لما اشترى مغارة" عفرون" «6» ليجعلها مقبرة لسارة، فقالوا له:
قد وهبناها لك، خر لهم ساجدا «1» على جهة الشكر حيث ياسروه ولم/ يعاسروه. وسألهم أن يأخذوا منه ثمنها. فقد كان السجود عندهم سهلا متعارفا في هذه المواطن اليسيرة الخطب، وهو من ملة أبيهم إبراهيم «2». وفي التوراة:" أن يعقوب لما التقى بأخيه العيص سجد له «3» بالأرض سبع مرات" «4»، فما ظنك بحال الدخول على يوسف من قوم متشوقين إليه، وخجلين منه بعد سنين متطاولة، فإن العقول تجزم بأن هذا المقام أولى بالسجود من كل مقام، خصوصا لشخص قد أحياهم الله به، وقد غمرهم بإحسانه بعد أن بالغوا في الإساءة إليه. ففي السجود له فوائد «5». منها: إقامة رسم الملك بفعل تحيته «6». والثانية: التوصل إلى إزالة ما في نفسه.
والثالثة: إظهار المحبة ليوسف والطاعة له ليرضى/ عنهم يعقوب، ويطيب قلبه بتصافيهم. الرابعة: مكافأته على بعض إحسانه. الخامسة: تصحيح رؤياه، فإن" رؤيا الأنبياء وحي «1» ". الثالث: أنه ذكر في التوراة «2» أن يوسف لما قص رؤياه على يعقوب زجره لما قصها، وقال له:" ما هذه الرؤيا التي رأيت؟ أجيء أنا وأمك وإخوتك فنسجد لك على الأرض؟ " وكان يعقوب قد وعى معنى الرؤيا. قلت: وإنما أراد أن يصد عنه كيد إخوته له باستبعاده ذلك وإنكاره «3». قلت: فهذا يعقوب قد فهم أن تأويل رؤيا يوسف: سجود إخوته وأبويه له. وقد ثبت أن الرؤيا صحت، فكذا تأويلها، خصوصا والرؤيا رؤيا نبي، والتأويل تأويل نبي ورؤيا الأنبياء وحي، وتأويلهم إلهام. وأيضا: فإن في التوراة «4» أن يوسف رأى رؤيا أخرى وهي أنه رأى أنه وإخوته جمعوا حزما في المزرعة، وقد قامت حزمته، وجاءت حزم إخوته، فسجدت لها. وهذا يدل على سجودهم له، لما التقوا لأن الرؤيتين دلتا على حكم واحد، وهو السجود.
الرابع: أنه يجوز حمل ما في القرآن على أن قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ «1» جملة. وقوله: وخَرُّوا جملة مختص ضميرها بإخوة يوسف لم يتناول أبويه، فيكون ذلك موافقا لرؤيا الحزم، فإنها إنما تضمنت ما يدل على سجود الإخوة فقط دون أبويه، ويصير هذا قريبا جدا «2» لأن إخوته سجدوا له قبل ذلك مرتين بنص التوراة، وهذه تكون ثالثة ووقتها أولى بالسجود من غيره على ما سبق وإنما ترك ذكره في التوراة اكتفاء عنه بالمرتين الأوليين، وتنبيها عليه بطريق أولى. قلت: وفي ورود/ القرآن برؤيا النجوم دون رؤيا الحزم أقوى دليل على صدق محمد- عليه السلام- وأن القرآن وحي من الله، وأنه إنما أخبر بما أوحى إليه، وإلا فلو كان ينقل ذلك من كتب/ الأولين لتتبعها/ ولظفر برؤيا الحزم، ولذكرها خشية أن يطعن عليه بالنقص والزيادة فاعلم ذلك.
[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج]
[رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج] قال:" ومن ذلك في سورة القصص بعد ذكر موسى: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ ... إلى قوله: ... إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ... «1» قال: الكذب في هذه القصة في مواضع: أحدها: قوله:" وجد على الماء قوما يسقون" ولم يكن كذلك يعني بل «2» القوم طرءوا «3» على بنات شعيب، وقد ملأن الحياض «4» ليسقين غنم أبيهن، فأخرجوهن فقام موسى فحماهن وسقى غنمهن كما سيأتي في لفظ التوراة. الثانى" أن النساء كن سبعا لا اثنتين. الثالث: أن عرض شعيب ابنته على موسى واستئجاره على نكاحها ثماني سنين لم يكن منه شيء، إنما كان هذا في زواج يعقوب براحيل بنت خاله" لابن" وإنما اختلطت لهذا الإنسان القصة، أو خلطت له بقصة زواج يعقوب النبي، ثم ذكر ما في التوراة من قصة موسى في ذلك. وهو أن قال فيها بعد ذكر قتل موسى للقبطي «5»:" فسمع فرعون هذا الخبر وكان يطلب قتل موسى فهرب من حضرته، وأقام بأرض مدين «6»، وجلس جوار البئر.
وكان لإمام مدين سبع بنات. كن أقبلن لاستقاء الماء فملأن الحياض وأحببن سقي غنم" يثرا" «1» أبيهن، فأقبل الرعاة عليهن وأخرجوهن فقام موسى وحمى الجواري وسقى نعاجهن، فلما انصرفن إلى" يثرو" أبيهن، قال لهن: لم جئتن أسرع من المعتاد «2»؟ فأجبن: رجل مسلم «3» مصري أنجانا من الرعاة، وبزيادة استقى الماء وسقى النعاج «4». فقال: أين هو؟ لم خلفتن الإنسان؟ ادعونه ليأكل خبزا، فحلف «5» موسى أن يسكن معه وأخذ سابور «6» بنته زوجة". اهـ. قال:" هذا نص التوراة/ أن الجواري كن سبعا، لا اثنتين، وأن والدهن كان اسمه يثرو لا شعيب، ولا ذكر لاستئجاره ثماني حجج. ثم ذكر قصة زواج يعقوب من التوراة إلى آخرها. ثم قال:" فتأمل يا قارئ اختلاط إحدى القصتين بالأخرى". قلت: والجواب عن هذا السؤال من وجوه:
أحدها: الجواب العام بالقدح في التوراة وعدم الوثوق بها، كما تقرر في المقدمة وقد وجدنا فيها من التناقض والاختلاف/ ما بعضه يقدح في الاحتجاج بها. ولذلك سببان ظاهران: أحدهما: أن اليهود حرفوا منها اسم محمد- عليه السلام- «1» ودلائل نبوته «2» لئلا يكون عليهم حجة له من كتابهم، وحرفوا مع ذلك أشياء مما جاء به محمد عن وضعه الذي في التوراة ليصير ذلك شبهة لهم في تكذيبه، ويقولون: ما نصنع به؟ لو وافق ما عندنا أو ذكر فيه، آمنا به «3».
السبب الثاني: أن التوراة تقادم عهدها وحرفت في زمن" بختنصر «1» " وتعاورتها «2» التغيرات والتنقلات من العبراني إلى السرياني إلى القبطي إلى العربي لفظا وخطا. وبعيد من مثل هذه التغيرات أن لا تخل بالمعاني. ولذلك صارت التوراة التي بيد النصارى «3» تخالف التي بيد اليهود «4»، والتي بيد اليهود يخالف بعضها بعضا كما أن أناجيل النصارى يخالف بعضها بعضا «5»، كما قد بينته/ في التعليق عليها «6» لأن أهل الكتاب معتمدهم على الخط، لا على الحفظ، وعلى الرواية بالمعنى لا باللفظ. الثاني: أن علماء المسلمين ذكروا قصة موسى، على وفق ما هي في القرآن وكان لهم اجتماع بأهل الكتاب واطلاع على علمهم، وأسلم جماعة من أهل
الكتاب ووافقوهم على ذلك كعبد الله بن سلام/ من اليهود، والعاقب والسيد «1» رئيسي نجران من النصارى والنجاشي «2» صاحب الحبشة «3» في ناس كثير، فدل أن ما في القرآن موافق لما في الكتب القديمة، ولكن هذا الذي تدعونه تحريف حدث. فإن قيل: إنما كان إسلام بعض أهل الكتاب «4» وعدم إنكارهم ما جاء به القرآن من الوهم مخافة من سيف الإسلام، فإنه كان مشهورا منصورا، لا يقوم له أحد.
قلنا: هذا مما لا يفيدكم، فإن مصنف هذا الكتاب قد أبرز فيه كل ما عنده من الطعن في دين الإسلام مع المخافة وظهور الإسلام، ولم يمنعه ذلك، فلو أمكن الأوائل من أهل الكتاب قدح لفعلوا، ولو في خفية ثم لاشتهر في ذلك العصر ثم نقل إلينا. كيف والمسيح صلّى الله عليه وسلم «1» يقول:" ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلن «2» ". وهو قول معصوم لا يجرم. وأيضا فإن من الممتنع عادة أن أحدا لا «3» ينتقل من دين إلى دين إلا بعد انشراحه لما انتقل إليه وانقباضه عما كان عليه، وأن من ينشرح صدره لدين يحتمل الذل والصغار والقتل، ولا ينتقل عنه كاليهود والنصارى في بلاد المسلمين، والمسلمين في بلاد النصارى. فمن المحال عادة أن جماعات من أحبار «4» اليهود والنصارى ورؤسائهم ورعاعهم يتركون دينهم في/ عصر النبوة إليها إلا بعد علمهم بصحة ما جاءت به «5»، وحينئذ يصير هؤلاء حجة على من يقدح في الإسلام من أهل الدينين.
وهذا" ابن جزلة" «1» صاحب" منهاج البيان" في الطب كان نصرانيا فأسلم وصنف كتابا سماه" إفحام النصارى" ولما مات وقف كتبه على تربة الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت «2» / ببغداد «3» وكثيرون مثله يسلمون ويحسن إسلامهم، وبعد ذلك يطعنون فيما كانوا عليه من اليهودية أو النصرانية «4» ولم نر مسلما خرج عن الإسلام، فحمد ما انتقل إليه «5» فإن قيل: لأن المسلمين لا يتركونه بل
يقتلونه فلا يتسع له زمن النظر والترجيح، بين ما انتقل عنه وإليه، ثم انحسمت «1» مادة الردة في الإسلام خوف القتل. قلنا: لا شك أن مصلحة الدين ومنفعته عظيمة وهي النجاة الأبدية، وعظم مصلحته توجب قوة الداعي المحرك إليه وذلك يوجب انفتاح أبواب الوسائل الموصلة إلى المقصود منه. وهذه بلاد النصرانية ملاصقة لبلاد الإسلام، والسبل إليها آمنة مسلوكة وفي المسلمين ناس كثير وقفوا على حقيقة دين المسلمين والنصارى وهم عقلاء ألباء، فلو صح لهم ما ذكرتم من القدح في دين الإسلام لتوصلوا إلى أرض النصرانية واعتصموا بها وجعلوها هجرة دينية «2».- والله أعلم-. ثم لو لم يكن في هذا الجواب إلا معارضة ما نقله المسلمون لما نقلتموه لأوقف دعواكم في صناعة النظر حتى تبدوا مرجحا لما قلتموه أو دليلا آخر.
الثالث: أن ما حكاه هذا المصنف من القصة في التوراة/ لا ينافي ما في القرآن بل في القرآن «1» زيادة بيان ومناسبة للقضية «2»، فرد تلك الزيادة لكونها لم تذكر في التوراة جهالة، لأنه إبطال للوجود المحض بالعدم المحض، وذلك عناد أو قصر باع في العلم لما بيناه في الوجه الرابع من الجواب عن قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ «3» في السؤال قبل هذا، وبيان عدم المنافاة: أما قوله:" إن موسى لما ورد ماء مدين لم يجد القوم/ يسقون بل طرءوا بعد ذلك". فهذه مناقشة باردة ممن لا يعلم مواقع الكلام خصوصا لغة العرب واتساعها، بل ولا حقائق المعقولات فإن" لما" في لغة العرب أداة زمانية: أي تدل على الوقت والزمان، فإذا قلت: قام زيد لما قعد عمرو، معناه: قام زيد وقت أو زمان قيام عمرو. فقوله: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً «4» / أي: وقت أو زمن ورود ماء مدين وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ولا شك أن الزمان والمكان يكونان حقيقة ومجازا، فحقيقة المكان: هو الموضع الذي يستقر فيه الجسم، ويحيط به فقط دون ما حوله، كدائرة الكرسي مثلا «5» لمن جلس عليه، ومجاز المكان: ما قارب مستقر الجسم وما أحاط به من مكانه الحقيقي كالبيت أو الدار بالنسبة إلى الكرسي الذي جلس عليه «6» وحقيقة زمان الفعل: الجزء الذي يحدث فيه الفعل فقط لا يتناول شيئا مما قبله ولا بعده، كالجزء الذي كان فيه ورود موسى، ومجازه: هو ما قارب ذلك الجزء بساعة أو ساعتين أو أقل أو أكثر بحسب قرب المجاز وبعده وعظم الحقيقة وصغرها.
وإذا ثبت هذا التقرير بان: أن لا منافاة بين قوله في القرآن: ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً وبين قوله في التوراة:" فأقبل الرعاة عليهن وأخرجوهن" لجواز أن يكون إقبال الرعاة، ووجدان موسى لهم جميعا في زمن وروده المجازي، الذي هو بعيد زمن وروده الحقيقي. وكذلك قوله: ووَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما «1» مع قوله في التوراة:" فقام موسى، وحمى الجواري، وسقى نعاجهن" لا تنافي بين الأمرين لجواز أنهما لما أخرجهما الرعاة عن الماء وقفتا تذودان غنمها- أي تحفظانها «2» / من الشرود «3» - فجاء موسى" فقال ما خطبكما" فأخبرتاه، فحماهما وسقى لهما. وأما قوله" كن سبعا لا اثنتين" فمن الجائز أن السبع حضرن لكن الذي تولى ذود الغنم منهن اثنتان، والأخر يملأن الحياض، أو ينظرن في مصلحة أخرى للغنم، فوقع الخطاب في القرآن على الذائدتين دون البواقي لأنهن حينئذ أخص بالغنم والبواقي كالأجنبيات منها، لا يعلم في الحال تعلقهن بأمرها «4».
وأما قوله:" لا ذكر لندب شعيب موسى إلى زواج ابنته، ولا لاستئجاره «1» ثماني حجج" فلا ينافي ما في القرآن من ذلك، لأن هذا مجمل وما في القرآن مفصل، ولا تنافي بين المجمل والمفصل. على أن في قوله في التوراة:" أن يثرو قال لبناته: ادعونه يأكل خبزا، فحلف على «2» موسى أن يسكن معه وأخذ سابور «3» بنته زوجة" «4». تنبيها «5» على ما فصله القرآن إذ معناه: أن يثرو عزم على موسى وأقسم عليه أن يسكن معه. وهذا قريب في العرف من قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ .. «6» فإن الناس جرت عاداتهم أنه إذا ورد/ عليهم غريب فظهرت منه النّجابة والخير والخصال/ الحميدة والأفعال النافعة تمسكوا به وحسنوا له المقام عندهم، وعرضوا عليه المسكن والسكن ليرتبط بذلك عليهم فينتفعون به وينتفع بهم. وقد كان" يثرو" أحق الناس بمثل هذا لكبره، وكون بناته حرما «7»، ضعفا عن القيام بأمر الغنم، وقد كان الرعاة يستضعفونهن. وأما قوله:" كان اسم أبيهن يثرو لا شعيب" «8»، فقد سبق جواب مثله عند قوله:" كان اسم أبي مريم أم المسيح يعقيم لا عمران" «9» وذلك أن الأسماء ألفاظ تختلف باختلاف اللغات، ومع «10» اتفاق المسميات/ لا يضر اختلاف الأسماء.
ويدل على هذا ما ذكره" وثيمة بن موسى بن الفرات" في كتاب" قصص الأنبياء" عن محمد بن إسحاق «1» قال: حدثني عبد الله بن زياد بن سمعان «2» عن بعض من قرأ الكتب أن أهل التوراة يزعمون أن شعيبا اسمه في التوراة ميكائيل بن جزي وبالسريانية يثرن بن جزي بن يشجر. وبالعربية: شعيب بن جزي بن يشجر ابن لاوى بن يعقوب. قال:" وحدثني الشرقي ابن القطامي «3» - وكان عالما بالأنساب- قال: هو
يثرون بالعبرانية، وشعيب بالعربية بن عيفاء بن لوثب «1» بن مدين بن إبراهيم". فتبين بما ذكرناه أن هذا نزاع لفظي لا يقدح في حقائق المعاني «2». وأما ما ذكر من أن الاستئجار إنما كان في قصة زواج يعقوب لا موسى. فجوابه: أن احتجاجك في هذا إنما هو بسكوت التوراة عن ذكره في قصة موسى على ما قد ثبت فيها من التحريف والتبديل والزيادة والنقص والتفاوت في النسخ بالنسبة إلى ما بأيديكم وأيدي اليهود وإلى ما في أيدي طوائف اليهود «3»، وذلك استدلال بالسكوت الصرف والعدم المحض، والقرآن جاء بزيادة بيان فليس قدح التوراة في القرآن لمجيئه بالزيادة أولى من قدح القرآن في التوراة لمجيئها
بالنقص، فما المرجح لأحد القدحين على الآخر؟ على أن ما في القرآن أولى بالاعتبار لأنه أنسب بسياق القضية لمن تدبره، ولأنه أقرب عهدا بالظهور من التوراة «1»، وأبعد عن التحريف والنقل من لغة إلى لغة، ومن ترجمة إلى ترجمة، والمسلمون أشد عناية بحفظه من أهل الكتابين بحفظهما.
ثم نقول: ما المانع من أن تكون قصة يعقوب وموسى في زواجهما اتفقتا على صفة واحدة/ كما اتفق لإبراهيم وإسحاق، في أن كل واحد منهما لما دخل أرض" أبيمالخ" «1» / ملك فلسطين «2» ادعى أن زوجته أخته لجمالها، خشية أن يغلب عليها «3». وقد صرحت بذلك التوراة. لكن اتفق أنها شرحت قصة يعقوب بأبسط مما شرحت قصة موسى.
[تناقض كتب النصارى التي بأيديهم]
[تناقض كتب النصارى التي بأيديهم] ثم بعد هذا كله نقول لهذا النصراني: الخلاف والتناقض الذي أوردته علينا بتقدير ثبوته هو في كتابين لملتين، وهما التوراة والقرآن، ولا شك أن في إنجيل لوقا «1» في الفصل الثاني والثلاثين «2»، أن يوحنا قال للمسيح:" يا معلم رأينا إنسانا يخرج الشياطين باسمك فمنعناه لأنه لم يتبعنا. فقال: لا تمنعوه، لأن كل من ليس عليكم فهو معكم". وفي إنجيل مرقس «3» هذه الحكاية بعينها، وأن المسيح قال فيها:" كل من ليس معنا فهو علينا" «4» وهذا تناقض بيّن. وبيانه: أن كل واحد من الناس:/ إما أن يكون معك أو عليك، أو لا معك
ولا عليك، فالطرفان «1» حكمهما معلوم. أما الواسطة وهي الذي لا لك ولا عليك فإنها «2» على لفظ لوقا: تكون لك، لأنها ليس «3» عليك، وعلى لفظ مرقس تكون عليك لأنها ليس «4» لك، فهذا تناقض في انجيلكم، وهو كتاب ملة واحدة، بعضه حجة على بعض، والقدح في بعضه قدح في كله فما كان جوابك عن هذا التناقض الذي في الإنجيل، فهو جوابنا عن التناقض الذي بين التوراة والقرآن «5». ونكون قد سامحناك في هذا، لأن ما أوردناه عليك من تناقض كتابك وارد عليك ولازم لك، وما أوردته أنت علينا من تناقض التوراة والقرآن ليس لازما لنا، لأنا نحن نقول: القرآن حق وصدق، والتوراة/ التي احتججت علينا بها- لا أقول التي أوتيها موسى- كذب وزور، ومحال وافتراء على الله ورسله «6». وأنت لا يمكنك أن تقول: إن إنجيل لوقا حق وصدق، وإنجيل مرقس كذب وزور، أو بالعكس، لأن أناجيلكم «7» الأربعة هي كتاب واحد وموضوعها واحد، وإنما
اختلفت بالزيادة والنقص والرواية بالمعنى، وما فيها من الاختلاف والتناقض. فإن قلت: إن الذي أوردته عليّ من تناقض إنجيل لوقا وإنجيل مرقس ليس تناقضا في الأصل، بل هو من قلم الناسخ فهو خطأ في صورة الخط، لا في حقيقة النبوة المسيحية «1». قلت: هذا بعينه جوابنا عما أوردته من تناقض التوراة والقرآن في قصة موسى، وهو أن نضيف الخطأ إلى قلم الناسخ وصورة الخط في التوراة وهي أولى بذلك من القرآن لتقادم عهدها وتغير التراجم واللغات فيها، بل وأولى من الإنجيل لأنها قبله. فإن قلت: أنا ما أوردت تناقضا بين التوراة والقرآن، بل كذبت القرآن بالتوراة/. قلت: هذا هو معنى التناقض. ثم جوابك ما سبق من أنه ليس تكذيب القرآن بالتوراة أولى من تكذيب التوراة بالقرآن، بل هذا أولى لما بيناه غير مرة، والله أعلم. هذا تفصيل جوابه على ما ذكر هو في كتابه. [أما ما رأيناه في التوراة مما يدل على وفاق القرآن نذكر «2» إن طرقه- إن شاء الله تعالى «3»].
[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام]
[ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام] قال:" وفي سورة النساء بعد ذكر اليهود: وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ... (157) «1» وذكر كلاما لابن عطية في تفسير قوله: شُبِّهَ لَهُمْ وأن معناه أن شبه المسيح ألقي على/ صاحب له يقال له: سرجس «2» باختياره على أن يكون رفيق المسيح في الجنة «3». قال:" ويتمسك المسلمون بهذا في القطع على أن المسيح ما صلب. وذلك باطل بالتواتر عند الأمتين: اليهود والنصارى. ومؤرخي المجوس على صلب المسيح وبنص الكتب المقدسة". وذكر كلام أشعياء ودانيال، وما في إنجيل متى مما يدل على ذلك وأن المسيح صلب ومات وقبر وقام حيا في اليوم الثالث وظهر لتلاميذه مرارا كثيرة.
ولما تكلم" السّهروردي" «1» في كتاب" التنقيحات" في التواتر وشروطه في أصول الفقه تعرضت «2» له قصة الصلب/ فقال:" ولو لم يصلب عيسى لم يبق على المحسوسات اعتماد". قلت: هذا حاصل ما أورده على هذا السؤال. والجواب: أما الآية الكريمة المخبرة بنفي قتل المسيح وصلبه فنعتقد أنها حق وصدق ونتمسك بها على القطع بذلك لأنها عندنا صادرة عن الحكمة والعلم الإلهيين «3» بواسطة العصمة النبوية وهي منقولة إلينا بالتواتر. وأما ما حكاه عن" ابن عطية" في تفسير قوله: شُبِّهَ لَهُمْ: فذاك مما لم يختص بنقله" ابن عطية" بل ذكره جميع مفسري القرآن الكريم «4» قديمهم وحديثهم على اختلاف بينهم في ذلك «5». فقال ابن سمعان، ومحمد بن إسحاق:" إن
الذي ألقي عليه شبه عيسى هو رجل من أصحابه يقال له" سرجس «1» " وقال وهب بن منبه «2»:" هو يهوذا «3» الذي أسلمه، ودل عليه، وهو الذي اسمه في الإنجيل: يهوذا الاسخريوطي «4» ". قلت: وهذا أشبه. لأن عادة الله- سبحانه- جرت في أنبيائه أن يرد كيد من عاداهم عليه/، كنوح إذ كاده قومه فنجا وغرقوا «5». وإبراهيم إذ ألقي في
النار فكانت عليه بردا وسلاما ثم هلك فرعونه «1». وموسى إذ عاد مكر فرعونه عليه فأغرق «2». وقارون إذ قذف موسى بالزنا ليقتله، أو يغض منه فخسف به «3». وعيسى مكر به يهوذا فعاد مكره عليه. ومحمد- صلى الله عليه وسلم- «4» إذ قال الله سبحانه له: وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (30) «5» وقال الله سبحانه: ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ
إِلَّا بِأَهْلِهِ «1» وقال في قوم صالح حين أرادوا تبييته «2»: ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) «3». وأما قوله:" إن ذلك باطل بالتواتر عند الأمتين اليهود والنصارى ومؤرخي المجوس". فجوابه: أن المدعى تواتره عند اليهود والنصارى: ما هو صلب إنسان مطلق؟ أو صلب إنسان مقيد بأنه «4» المسيح؟ الأول: مسلم ونحن أيضا نوافق عليه وهو جرجيس، أو يهوذا «5» كما سبق عن ابن إسحاق ووهب. والثاني: ممنوع وهو «6» محل النزاع. وسنبين مستند المنع في آخر هذا الجواب «7». وأما مؤرخو المجوس فالجواب عن تأريخهم بذلك من وجوه:
أحدها: أنهم لم يكونوا حاضري قضية المسيح ولا أحد منهم. فمدار اعتقادهم صلبه على خبركم وخبر اليهود، ولا حجة فيه؛ لأن أحد الأمر اشتبه على من حضر القصة بأن أظلمت الأرض ظلمة شديدة، صرح بها الإنجيل «1» وغيره ففي تلك الظلمة أطلقت الملائكة المسيح وربطت الذي ألقي عليه شبهه مكانه فاعتقدتم أنتم: أن المسيح صلب. وقوّى ذلك الاعتقاد/ في نفوسكم: حنقكم على اليهود، وحب تقرير الظلم «2» والعدوان عليهم، واعتقدت ذلك اليهود كما اعتقدتموه، وحملهم على ذلك الاعتقاد: حب الغلبة والظفر بمن اعتقدوه عدوا لهم ولو وفّقوا لتابعوه. فعليهم وعليكم من الله ما تستحقونه. الوجه الثاني: أنا أجمعنا وإياكم «3» على ضلال المجوس، وسخافة عقولهم حيث عبدوا النار التي يوجدها الحطب، ويعدمها الماء والتراب، وانقطاع مادة الوقود فعقول هذا شأنها كيف تكون حجة على العقلاء، وإن كانوا عندكم عقلاء فاعبدوا النار معهم/ وإذا كنتم أنتم أصحاب الدعوى ندعي نحن أن الأمر اشتبه عليكم والتبس، فما الظن بقوم جهال أجانب من القضية سمعوكم واليهود «4» ترجفون بشيء فقلدوكم فيه، وتابعوكم عليه، كما قلدوا آباءهم في عبادة النار.
الوجه الثالث: أن المجوس أعداء للمسلمين «1» والنصارى واليهود مثلكم. وشأن العدو أن يطلب لعدوه العثرات، ويتبع منه العورات، ولا شك أنهم تتبعوا عثراتكم وعثرات اليهود فوجدوها، أما عثراتكم فدعواكم التثليث وإلهية المسيح، وغير ذلك من سخافاتكم. وأما عثرات اليهود فأكثر من أن تحصى على ما دلت عليه كتب الأنبياء المتقدمين والمتأخرين كقتلهم الأنبياء بغير حق وتعديهم حدود الله، وإباقهم عن الانقياد/ له ولرسله «2» وكيدهم للمسيح «3» وتعصبهم عليه مع اظهاره العجائب والبينات. ولمعصيتهم الله- سبحانه- سلط على أوائلهم فرعون سامهم سواء العذاب «4» خمسمائة عام «5» حتى استنقذهم الله بموسى، ثم كان له معهم/ من التعب ما لا يخفى. وأما المسلمون فلم يجدوا لهم عثرة يقدحون بها فيهم، فوافقوكم «6» على صلب المسيح ليوهموا بذلك القدح في القرآن كيدا للمسلمين ولو لم يكن إلا مجرد احتمال هذا القصد منهم كان ذلك تهمة لهم تقتضي عدم الالتفات إلى مقالهم.
وأما ما ذكره من نص الكتب المقدسة ككتاب" أشعياء" و" دانيال" وإنجيل متى فجوابه من وجوه: أحدها: الجواب العام. من عدم الوثوق بهذه الكتب لتقادم عهدها ونقلها من لغة إلى لغة وتهمة اليهود والنصارى عليها خصوصا الإنجيل فإنا قد بينا في التعليق عليه «1» ما يقيم عذرنا في عدم الوثوق به من الاختلاف والتناقض. [الوجه الثاني: أن ما ذكره من مصحف أشعياء هو قوله في صفة المسيح: يقاد إلى القتل] «2» مثل الضائنة «3» ويصمت كالخروف «4» بين يدي الجازر ولم يفتح فاه «5» " ولا حجة فيه على وقوع القتل بل على القود إلى القتل، ونحن نقول به: فإنهم قادوه ليقتلوه فخلصه الله بما ذكرناه، وكم من قيد إلى القتل ثم نجا فلم يقع به القتل. نعم قد ذكر أشعياء في الأصحاح الخامس والعشرين من مصحفه «6» في النبوة في المسيح وصلبه مع الأئمة، واحتماله للذنوب ما هو أنص من هذا في قتل المسيح وهو قوله:- وهو يعني المسيح المضروب في سبب ذوات «7» الله المتواضع
من أجلها:" يقتل من أجل إثمنا، ويتواضع من أجل إثمنا وعليه أدب سلامتنا «1»، لأن بجراحه نبرأ كلّنا نهبا مثل الغنم وأقبل كل إنسان منا إلى جانبه، والرب لقّاه خطايانا أجمعين دنا متواضعا ولم يفتح فاه، وسيق مثل الحمل للذبح وكان صامتا كالنعجة قدام جازرها ولم يفتح فاه وسيق من الحبس إلى القضاء. ومن يقدر أن يحدث بما لقي من خفيّة «2» / لأنه رفع من أرض الحياة ودنا منه قوم من أئمة شعبي «3» وأذن المنافق بدفنه". قلت: فهذا فيه تصريح بالإخبار بقتله ودفنه. لكن عليه اشكالان: أحدهما: أن في أول هذا الفصل بعينه، وهو النبوة في المسيح:" ان عبدي ليفهم ويرتفع ويتعظم ويتعالى جدا، حتى يتعجب منه/ كثير من الناس" وساق صفاته إلى أن اتصل «4» بذكر قتله ودفنه، فهذا تصريح/ بأن المسيح عبد الله، وأنتم تقولون: هو الله، أو ابن الله، كما صرح به الإنجيل. فإن قلتم بمجموع الأمرين: أعني عبوديته وقتله، فقد خالفتم دينكم في القول بالعبودية. وإن ألغيتم الأمرين ولم تعتدوا بهما فقد سقط عنا اشكال الإخبار بالقتل، وإن قلتم بأحدهما دون الآخر وهو القتل كان ذلك ترجيحا من غير مرجح، واحتجاجا بكلام تقدحون في جزءه ثم نقابلكم بمثله، فنقول بالعبودية دون القتل.
فإن قيل: ذكر العبودية حق باعتبار ناسوت المسيح، وإلهيته حق باعتبار لاهوته فكلا الأمرين صحيح. فنقول بهما ويثبت ما ادعيناه من قتله. قلنا: هذا هوس، وأنتم عند التحقيق عاجزون عن إثباته. وقد وجهت ذلك في التعليق على الإنجيل «1». الإشكال الثاني: أن أشعياء قبل المسيح بخمسمائة عام أو نحوها وهو يحكي ما جرى للمسيح بلفظ الماضي حيث قال:" دنا متواضعا، ولم يفتح فاه، وسيق مثل الحمل للذبح، وكان صامتا كالنعجة قدام جازرها" ونحو ذلك من صيغ الماضي وحقه أن يذكر بصيغة المستقبل. وهذا يدل على اضطراب هذا الإخبار، وكونه مدخولا «2».
قلت: لكن عند الإنصاف، هذا الإشكال/ لا يتجه، لأن اخبارات الله- سبحانه- كثيرا ما جاءت عن المستقبل بصيغة الماضي، وقد وقع مثله في القرآن كثيرا. والمعول عليه في الجواب عما تضمنته الكتب القديمة من قبل المسيح هو الوجه الأول، وهو القدح في صحتها، ودعواهم تواترها ممنوعة وإثباته عليهم شديد «1». الوجه الثالث: أن هذا الخصم قدح في قوله: ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ... (100) «2». وفي قصة زواج موسى على أن يؤجر نفسه ثماني حجج بأن ذلك لم يذكر في التوراة فنحن أيضا نقدح في دعواه صلب المسيح وقلته بعين ذلك، وهو أنه لم يذكر في التوراة، حيث جمع" إسرائيل" «3» بنيه بمصر قبيل موته، وأخبرهم بما
يكون لكل منهم في مستقبله. فإنه تغيظ «1» على" روبيل" «2» وقال له:" نجست فراشي" يعني كونه وطئ سرية أبيه- وقال:" لا يفقد الملك والنبوة والكهنوت من سبط «3» يهوذا ومن بين فخذيه. حتى يأتي من هي له، وإياه تنتظر الشعوب. الرّابط في الشجرة جحشه «4». وفي القضيب «5» ابن أتانه «6» تحمر من الخمر عيناه، وأشد بياضا من اللبن أسنانه" «7». وهذه صفات المسيح بلا شك «8»، ولم يذكر أنه يقتل ولا يصلب. فإن قيل: ثبت قتله بزيادة مقبولة من الأنبياء كما ذكر عن شعياء ودانيال والإنجيل.
قلنا: ورفع أبوي يوسف على العرش وايجار موسى نفسه ثماني سنين ثبتت «1» بزيادة مقبولة «2» / على لسان محمد في القرآن. وهي زيادة مقبولة «3». فإن قيل: لكن زيادة قتل المسيح ثبتت على لسان من اتفقنا على نبوته وصدقه، وزيادة رفع أبوي يوسف، وايجار موسى نفسه ثبتت على لسان من اختصصتم/ باعتقاد نبوته، وخالفناكم نحن فيها، ولم نوافقكم عليها. قلنا: هو كذلك لكن عدم موافقتكم على صدقه لا يقدح في نبوته وصدقه/ لأنكم أنتم وافقتم اليهود على صدق موسى والتوراة، وخالفوكم في صدق المسيح والإنجيل. ولم يكن ذلك قادحا في صدقهما، باتفاق منا ومنكم. فإن كان عدم وفاقكم لنا على صدق محمد قادحا فيه، لزمكم أن يكون عدم وفاق اليهود لكم على صدق المسيح قادحا فيه، والجواب مشترك «4». وأما ما ذكر عن" السّهروردي" من «5» قوله:" لو لم يصلب عيسى، لم يبق على المحسوسات اعتماد" وهو من أكابر فلاسفة الإسلام. فليس صحيحا عن
السّهروردي. وإنما حكى ذلك حكاية عن بعض من نازع في بعض أحكام التواتر. من نظر ذلك في كتابه وجده، ولم يتفق لي حكاية لفظه «1». وبتقدير صحته عنه. فالجواب عنه من وجوه: أحدها: أن هذا الرجل المذكور رجل غلبت عليه الفلسفة، ثم انسلخ منها إلى الزندقة «2»، حتى قتل في" حلب" «3» بسيف الشرع، فليس قوله حجة على الله ورسوله، والقرآن وإجماع المسلمين. وقوله:" كان من أكابر فلاسفة الإسلام" غلط. فإن الفلسفة «4» التي كان يتعاناها «5» هذا وأصحابه ليست من الإسلام في شيء. وكيف يكون من الإسلام ما يقدح فيه، ويقوض مبانيه؟ وإنما الإسلام انقياد واستسلام لأحكام العزيز العلام
وسنة محمد- عليه السلام- واتباع لا ابتداع. وإنما هؤلاء قوم زنادقة، ينتمون إلى الإسلام لحفظ رياستهم ودمائهم والإسلام فسيح واسع/ يقبل «1» منهم الظاهر، والله أولى بالسرائر فهم في الظاهر منه، وفي الباطن منسلخون عنه. الثاني: أن قول «2» " السهروردي" إن كان حجة علينا فليكن قول كل من أسلم من النصارى، ثم عاد بالقدح على دين النصرانية حجة عليكم، وإنما تقوم الحجة بقول المعتبرين منا، كالخلفاء الأربعة، والفقهاء السبعة «3». والأئمة الأربعة أو من هو معتبر في الإجماع من أهل الحل والعقد كما لا تقوم حجتنا عليكم إلا بمن تعتبرون قوله منكم. الثالث: أن" السهروردي" لم يكن عالما بأصول الشرائع والنبوات على الوجه المعتبر فيها، حتى يكون قوله حجة لها وعليها. إنما كان علمه فلسفة محضة وعقليات صرفة وليس له تصنيف إلا في ذلك كاللمحات والألواح «4» والإشراق «5» وغيرها. وهذه" التنقيحات" لا يعتمد/ عليها من المسلمين في أصول الفقه إلا من هو على طريقه في الانحراف إلى الفلسفة، والخلو من علم النبوة وقد
رأيتها وهي كثيرة التشكيك، لا يكاد يبني شيئا إلا ويهدمه ولا ينصر قولا إلا ويخذله وأنت أيها الخصم قد قدمت عند ذكرك ضرورة الخلق إلى النبوة ومنفعتها: إن العقل لا يستقل «1» بإدراك الأمور الإلهية بدون تأييد إلهي. الرابع: قوله:" لو لم يصلب المسيح لم يبق على المحسوسات اعتماد" إن أراد لم يبق عليها اعتماد مع عدم المعارض لها فلا نسلم أن ذلك لازم لعدم صلب المسيح، وإن أراد مع وجود المعارض/ فهو صحيح، فإن مدارك العلم إما حس أو عقل أو مركب منهما. وكلها قد تخلف مع وجود المعارض. أما الحس فكما في التخييلات/ السحرية والشعبذية وكعدم «2» إدراك الصوت للصمم «3» والريح للخشم «4» والطعم للمرة، واللمس لفساد في آلته، أو لعلة في محله، وأما العقل فكما يعرض للإنسان عند غلبة السوداء «5» أو الحزن أو الفرح المفرطين أو السكر ونحوه من المغيّبات كالنوم والإغماء فإنه يرى الحقائق منقلبة، والأمور مضطربة، وأما المركب منهما فكخبر الواحد إذا كان في طريقه كذاب. وكالتواتر إذا فقد فيه شرط.
وأما البرهان على أن المسيح لم يصلب ولم يقتل فهو: أن قتله إن لم يكن [أشهر] «1» من ولادته من غير ذكر، فهو مثله في الشهرة، ولا بدّ. ثم إن ولادته من غير ذلك لما كان له وجود، تواتر تواترا لم يختلف فيه اثنان «2» منا ومنكم فلما اختلفنا في قتله، دل على أنه لم يبلغ تلك المرتبة من التواتر فلم يثبت بمجرد الدعاوى أو الحجج الضعيفة «3» وإنما كان الأمر في ذلك مشتبها «4» كما نص عليه القرآن فاشتبه عليكم. يؤكد «5» ذلك: أن المسيح طبق ذكره الآفاق، لما ظهر على يده من الخوارق وقتل مثل هذا لا يقبل مثل هذا النزاع لما يجب له في مطرد العادات من الشهرة والغلبة، وإذا كان يحيى وزكريا دونه في الشهرة بكثير، ثم لم يختلف في قتلهما. فما الظن بالمسيح الذي أجمعنا على أنه أفضل أنبياء بني إسرائيل «6» وأنتم تدعونه إلها؟ «7».
[أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك]
[أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك] قال:" وفي سورة الكهف عند ذكر ذي القرنين «1». قال: حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... (86) «2» قال ابن عطية: على وزن
فعلة أي ذات حمأة، وقرأ أبو بكر عاصم «1» والباقون: في عين حامية وذكر حديث/ أبي ذر «2» نصا في ذلك. قال:" فدل على أن العين هناك حارة" «3» /. قال:" وفي سورة يس مثل هذا حيث يقول: والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ... «4» الآية. وذكر حديث البخاري عن أبي ذر حيث قال له النبي- صلى
الله عليه وسلم «1» -[حين غربت الشمس] «2» أتدري أين تذهب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها» «3». قال:" وهذا كله بين البطلان لكل من له أدنى معرفة «4» في الهيئة لأن الشمس تدور أبدا في فلكها، وهو الفلك الرابع، ولا تغرب في عين حامية ولا تجري لمستقر لها «5»، لأنها ليس لها قرار". قلت: الجواب عن هذا السؤال:
أما القراءتان:" حمئة"، من الحماة و" حامية" من الحرارة فهما قراءتان صحيحتان «1»، والأولى «2» قراءة نافع «3» وابن كثير «4» وأبي عمرو «5»، والثانية
قراءة الباقين «1». والخبط في نقل «2» مذهب القراء فيها لا أدري هل هو من هذا الخصم أو من غيره" وقد روى ابن عباس «3» عن أبي بن كعب «4»: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ رواه أبو داود «5» والترمذي «6». وقال: حديث غريب.
قال والصحيح: أنها قراءة ابن عباس لأنه اختلف هو وعمرو بن العاص «1» فيها وترافعا إلى كعب الأحبار «2»، ولو كان عنده فيها رواية لاكتفى بها. ووجه الجمع بين القراءتين: أن تلك العين حارة، وهي ذات حماة، فإن اجتماع الأمرين جائز غير ممتنع. وأما حديث أبي ذر فلفظه على ما رواه الترمذي وغيره قال:" دخلت المسجد حين غابت الشمس، والنبي- صلى الله عليه وسلم- «3» جالس. فقال [النبي- صلى الله عليه وسلم- «4»] «أتدري يا أبا ذر
أين تذهب هذه؟ " قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال/: فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها: اطلعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها" قال: ثم قرأ (ذلك مستقر لها) «1» قال: وذلك قراءة عبد الله «2»، قال الترمذي: هو حسن صحيح «3». وأخرجاه في الصحيحين، ورواه أبو داود والنسائي «4». ووصف الشمس بالسجود وخطا بها من الحقائق الإلهية التي لا يستقل العقل بدركها، فيجب تلقيها عن أصحاب الشرائع بالقبول، كما سبق تقريره في المقدمة الثانية في صدر الكتاب.
وأما معنى غروبها في عين حامية، [ففيه تأويلات: أحدها: أنها تغرب فيها في رأي العين «1»، لا الحقيقة كما يرى كأنها تغرب في البحر أو من وراء الجبل،/ بل من وراء جدار صغير، بحسب اختلاف مناظرها وأوضاع الناظرين إليها. الثاني: أن" في" بمعنى على: أي تغرب على عين حامية،] «2» أي تكون مقابلة لها، وحروف الصفات يقع بعضها موقع بعض كما قال تعالى: ولَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ... «3» أي عليها «4»، وقال عنترة «5»: بطل كأن ثيابه في سرحة ......... «6» أي عليها. وعلى بمعنى" في"، كقول «7» أبي كبير الهذلي «8»
ولقد سريت على الظلام بمغشم ......... «1» أي في الظلام. الثالث: أنها بمعنى عند «2». أي تغرب عند عين حامية. وقد ترد بمعنى عند، ومع في العربية. فكلام يحتمل هذه «3» التأويلات السابقة في اللغة التي ورد بها، لا ينبغي أن يتهجم على القدح فيه. وقد نقل بعض المفسرين عن كعب أنه قال:" في التوراة إنها تغرب في ماء وطين" «4». وأصحاب الهيئة يعترضون على هذا بناء على ما قرروه من أن الشمس مثل كرة الأرض مائة وإحدى «5» وستين مرة ونصف/ وربع «6» فكيف تسعها عين من عيون الأرض؟ والجواب بما سبق. وأما قوله:" إن هذا كله بين البطلان، لمن له أدنى معرفة بالهيئة" فجوابه: أن علم الهيئة مبني على مقدمتين:
إحداهما: أن حركة «1» الأفلاك متصلة متشابهة يستحيل أن يعرض لها البطء أو السرعة «2» أو الرجوع أو الانقطاع «3». والثانية: اعتبار الرصد «4». وقد قدح المحققون فيهما بما لا يسع هذا المكان ذكره «5». ومنه: أن حاصل الرصد: الاعتماد على أبصار الآحاد، [والبصر لا يفيد اليقين لكثرة ما يعرض للبصر من الغلط، خصوصا مع البعد المفرط، وخبر الآحاد] «6» إنما يفيد ظنا
ضعيفا «1»، ودعوى أهل الهيئة: أن علمهم ثابت بالبراهين الهندسية كذب وزور وبهتان. إذ لو كان كذلك لما وقع الخلاف العظيم بينهم في تفاصيل علمهم وجمله. وإذا اتجه القدح في مقدمات الهيئة لم يبق بها وثوق، وصار خبر الشرع أوثق منها، على ما قدمت أنت أيها الخصم في بيان ضرورة النبوة من كلام" أرسطو" وغيره. ثم نقول: إن علم الهيئة على تقدير صحته وثبوته لا ينفي ما فسرناه به كيفية غروب الشمس في العين الحامية. وأما قوله:" إن الشمس تدور أبدا في فلكها،/ وهو الرابع، ولا تجري لمستقر لها" لأنه ليس لها قرار. فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال له: أنت إما أن تكون فيلسوفا محضا، أو مشرعا تقول
بصحة الشرائع، وما جاءت به النبوات./ فإن كنت فيلسوفا ورد عليك كثير مما تقول به من أحكام التوراة والإنجيل مما تعتقد الفلاسفة فسادها. منها: دعواك في المسيح/ أن لاهوت الله اتحد بنا سوته فصارا حقيقة واحدة، أو أن الله- سبحانه- واحد بالذات، متعدد بالأقانيم «1» التي هي الله «2» والابن وروح القدس «3». وإن كنت مشرعا فيلزمك تجويز أن الشمس يمكن أنها تستقر وتقف، فإنه قد ثبت باتفاقنا: أن يوشع بن نون وقفت له الشمس عن سيرها ليلة السبت، حتى فرغ من قتال الجبارين. وقد ذكرته أنت في كتابك هذا عند بيان وجود النبوة «4». وثبت أيضا في الأصحاح الثامن عشر «5» من مصحف أشعياء أن الله سبحانه
رد الشمس إلى خلفها عشر درجات علامة لحزقيا «1» ملك بني إسرائيل على أنه ينفس له في عمره خمس عشرة سنة بعد أن حضره الموت والقصة «2» مشهورة «3». ومثل هذا لا يصح في علم الهيئة بناء على المقدمة المذكورة، وأن حركة الأفلاك متصلة. ويقال: إن من حين وقوف الشمس لهذين النبيين «4» تخبط حساب المنجمين، واختلط رأيهم فالله أعلم. وأما أنك تكون تارة فيلسوفا وتارة مشرعا. فهذا مما لا يمكن لأن الفلسفة والتشريع لا يجتمعان. وقد حاول قوم منهم أبو الوليد بن رشد الجمع بينهما فلم يحصل إلا على الحيرة «5»، وظهر أمره فكاد أهل المغرب يقتلونه وأحسبه مات في حبس الشرع «6»، وأنا أحسبك أيها الخصم حائرا مترددا، لا نصرانيا ولا مسلما
ولا فيلسوفا. الوجه الثاني: أن قوله" لمستقر لها" له أربع «1» محامل صحيحة: أحدها: أن" اللام" بمعنى في: أي تجري في مستقر لها «2»، وهو فلكها تجري فيه ما بين/ طرفي مشارقها ومغاربها من ناحية الشمال والجنوب لا تجاوز ذلك. الثاني: أن تكون بمعنى إلى أي تجري إلى مستقر لها «3»، وهو حين تستقر بزوال «4» حركتها عند قبض الله السموات والأرض وتكوير الشمس والقمر. وانكدار النجوم عند خراب العالم على ما جاء به شرع الإسلام وأخبر به النبي الصادق- عليه السلام- وأشار إليه المسيح في الإنجيل حيث يقول:" إذا جاء ابن الإنسان في مجده علا الغمام «5» والملائكة حوله هنالك من عرفني اليوم عرفته ومن أنكرني أنكرته" «6». معنى هذا الكلام.
ويكون هذا معنى قوله- سبحانه وتعالى/- وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ... «1». الثالث: أن بعض أئمة السلف قرأ هذه الآية: والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها أي: لا تقف ولا تفتر «2»، وهو معنى قوله تعالى: وسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والْقَمَرَ دائِبَيْنِ ... (33) «3» أي لا يفتران من الدأب «4»، وهو السعي الشديد وتكون هذه القراءة مفسرة للمراد من الأخرى. وكل هذا محتمل لا يقدح بمثله في فروع شريعة فضلا عن أصولها. الرابع: أن يكون مستقرها موضع سجودها. كما جاء في الحديث وقد بينا جواز وقوفها عن السير، بقصة يوشع وحزقيا «5». وأن هذا مما يجب أن يتسلم عن النبوات ويتلقى بالقبول،/ ولا يقابل بشبه العقول القاصرة عن إدراك الحقائق الإلهية. والله أعلم.
[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- في التوراة والإنجيل]
[البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- في التوراة والإنجيل] قال:" وفي سورة الصف قال: وإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ .. - إلى قوله- .. ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ .. «1». وفي سورة الأعراف قال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ «2» مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والْإِنْجِيلِ ... «3». قال: ولا أمارة لشيء من هذا لا «4» في التوراة ولا في الإنجيل فضلا عن التصريح فيهما قال: ولعل قائلا يقول: نزع اسمه منها. فالجواب: أن هذا من الأعذار الباطلة المضحكة لأن ظهور محمد إما أن يكون بخير أو شر، وعلى كلي التقديرين لا فائدة في نزع اسمه من الكتب بل يجب ابقاؤه ليعرف فيتابع إن جاء بخير أو يجتنب إن جاء بشر كما في الدجال والشيطان. هذا حاصل ما ذكره في هذا السؤال. والجواب: أما ذكره صريحا في التوراة والإنجيل وتبشير المسيح به فقد ثبت
عندنا بالقرآن المعصوم المتواتر، ونقل علماء المسلمين كوهب بن منبه وغيره: أن الحواريين «1» قالوا للمسيح وهو يودعهم ويوصيهم يا روح الله هل لله نبي بعدك يفوقك؟ قال: نعم النبي العربي قالوا: يا روح الله ومن أين هو؟ قال: يبعث من أرض تهامة «2» فقالوا: من هو؟ قال: من قريش يمسك بأصل الحكمة ويعطى فروعها. أمته حكماء علماء كأنهم الأنبياء أقرؤه مني السلام" «3». قلت: ويدل على صحة هذا القول أعني: قوله يمسك بأصل الحكمة ويعطى فروعها. أنك لا تكاد تجد في الإنجيل حكمة عن المسيح إلا وعن محمد صلّى الله عليه وسلّم معناها أو أحسن منها، بأوجز من عبارتها، وأخصر/ من لفظها وقد ذكرت من
ذلك أمثلة كثيرة في" الفوائد" «1» وأيضا ما تواتر من أن الأحبار «2» والرهبان «3» والكهان «4» أخبروا بمحمد- عليه السلام- قبل مبعثه وعرفوه لما ظهر بصفته كبحيرا «5» الراهب «6» وغيره، فآمن به من سبقت له السعادة وكفر من سبقت عليه الشقاوة.
أما قوله:" لا أمارة لنبي من ذلك في الكتابين" فهو:/ إما عناد منه، أو لعدم اطلاعه على ما فيهما، وعدم تنبهه على إشاراتهما وفهمهما، فإن في التوراة من ذلك مواضع: منها: أن إبراهيم لما فارقه لوط قال الله لإبراهيم: ارفع عينيك وانظر المكان الذي أنت فيه إلى الشمال والجنوب والمشرق والمغرب فإن جميع الأرض التي ترى كلها لك أعطها «1» ولنسلك إلى أبد الأبد" «2» فنظرنا فرأينا ملك بني إسرائيل ارتفع عن أرض كنعان وما حولها وصار إلى العرب. وهو يدل على صحة النبوة فيهم ولا نبي فيهم إلا محمد- عليه السلام-. ومنها:" لما هربت هاجر «3» من
سارة «1» تلقاها ملك الرب فقال ارجعي إلى مولاتك فكوني تحت يدها يكثر الله نسلك، وستلدين غلاما اسمه إسماعيل لأن الله سمع تعبدك ويبارك فيه يده على الكل ويد الكل به، وعلى خد جميع إخوته «2» ينزل «3» ". ومن المعلوم أن إسماعيل لم يستعل على بني إبراهيم هذا الاستعلاء ولا أحد من ولده إلا محمد صلّى الله عليه وسلّم لما ظهر. فدل على أنه هو المشار إليه من هذا الكلام. ومنها: قول الله سبحانه «4» لإبراهيم: إن زوجتك سارة تلد لك غلاما ويدعى اسمه إسحاق وأقيم معه ميثاقا/ إلى الأبد ويخلفه «5» من بعده. وعلى
إسماعيل فقد سمعتك وباركت عليه وكثرته كثيرا جدا ويولد له اثنا عشر شريفا «1» وأجعله لشعب عظيم" «2». قلت: فهذا الشعب العظيم هم «3» العرب، فوجب أن يكون فيهم رسول كسائر الشعوب لما سبق من أن عناية الله بخلقه تقتضي ذلك. وبالجملة: الأمارات «4» الظاهرة في التوراة وغيرها من كتب الأوائل على نبوته كثيرة، ذكر الماوردي وغيره «5» منها جملة في/ دلائل «6» النبوة «7» والذي ذكرته أنا نقلته من نفس التوراة «8». وأما في الإنجيل. فحيث يقول في/ بشارة يوحنا: " والفارقليط روح القدس، الذي يرسله أبي باسمي، وهو يعلمكم كل شيء وهو يذكركم كلما ما قلت لكم" «9» وحيث يقول:" إنه خير لكم أني انطلق لأني
إن لم أذهب لم يأتكم البرقليط «1»، فإذا انطلقت أرسلته إليكم، وإذا جاء ذلك، فهو يوبخ العالم على الخطية وعلى الحكم. أما على الخطية فلأنهم لم يؤمنوا بي ... وأما على الحكم فلأن [أركون] «2» هذا العالم يدان" «3» ثم قال:" إذا جاء روح الحق ذلك فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع، ويخبركم بما يأتي وهو يمجدني لأنه يأخذ مما هو فيّ ويخبركم «4». قلت: وإذا تأملنا هذه الإشارات «5» وجدناها مطابقة لصفات محمد- صلى الله عليه وسلم- «6» " لأنه لم يأت بعد المسيح من ادعى النبوة ومجد عيسى وبالغ في تمجيده، وصدقه في نبوته، ووبخ العالم على خطية الكفر وقتل اليهود وغيرهم على تكذيب المسيح وعبادة الأوثان وأخبر بأن الناس يدانون يوم القيامة ويحاسبون، وعلم الناس محاسن «7» الآداب، ومكارم الأخلاق وظهر ناموسه «8»
واشتهر في البدو والحضر كظهور نواميس الأنبياء قبله إلا محمد صلّى الله عليه وسلّم. وإن لم يكن محمد هو الذي أشار إليه «1» لزم القدح في صدق وعده بالبارقليط، لأن من المحال عادة أن عاد أحد يظهر بما ظهر به محمد ويتم له" «2». فإن قيل: قد ذكر" الفارقليط" في الإنجيل بصفات غير هذه مما لا يطابق صفات محمد فيحمل ما ذكرتموه عليه. قلنا: مع المسامحة نقول لكم/ كل ما في الإنجيل حق عندكم فيجب اعتباره ما أمكن، وحيث ذكر" الفارقليط" تارة بما يوافق صفات محمد، وتارة بما يخالفها فاجعلوه من باب اللفظ المشترك. فالفارقليط الذي ذكرناه- محمد «3» عليه السلام- والذي ذكرتموه اجعلوه من شئتم ويحصل لنا المقصود وقد بينت وجه دلالة هذا الفصل على المطلوب، وما عليه من سؤال وجواب في التعليق على الإنجيل، فاكتفيت به هناك عن تكراره هاهنا «4». والله أعلم. وأما قوله:" لعل قائلا يقول: نزع اسمه منهما". فهكذا نقول. وأما جوابه عن ذلك بأن ظهور محمد: إما أن يكون بخير أو شر، وعلى التقديرين يجب ابقاؤه ولا فائدة في نزعه".
فجوابه:/ أن هذا إنما يصح أن يحتج به من علم منه العدل والإنصاف وطلب الحق وكمال العقل. واليهود والنصارى ليسوا كذلك حتى يصح احتجاجهم بهذا. أما اليهود فإنهم تعدوا على أنبيائهم وبغوا عليهم وقتلوهم وكفروا «1» بالمسيح مع ظهور صدقه والخوارق على يده لكل غافل منصف. فكفرهم بمحمد ككفرهم بالمسيح، وإنكارهم «2» لاسمه وصفته/ كانكارهم لصفة المسيح المذكورة في التوراة في كلام إسرائيل لما جمع بنيه، وأخبرهم بما يكون منهم على ما سبق بيانه آنفا في الجواب عن صلب المسيح، ولكن اليهود علموا من صفة محمد أنه يظهر بقوة وشوكة، لا يقدرون معها على قتله وصلبه- كما زعمتم وإياهم أنهم فعلوا بالمسيح- فغيروا اسمه وصفته في التوراة لئلا «3» يتحقق عنادهم بقيام/ الحجة عليهم من كتابهم، ورأوا أن العناد بشبهة أولى منه بلا شبهة. وأما النصارى فلأن الإنجيل الذي صرح فيه بذكر محمد ليس هذا الذي بأيديهم بل هو كتاب نزل على المسيح من السماء كتوراة موسى وقرآن محمد ولكنه عدم فلم يظهر. وأما الأناجيل التي بأيديهم فهي سيرة المسيح وحكاية ما جرى له وفيها شيء
من حكمه ومواعظه، فهو بمثابة ما نقل عن الأنبياء من كلام أنفسهم، كالأخبار المروية عن محمد- عليه السلام- وغيره من الأنبياء «1». وكذلك التوراة التي بأيدي اليهود اليوم، على أنا قد بينا أن في فصل البارقليط من بشارة يوحنا ما يكفي في الإشارة إلى ذكر محمد بصفته. وأيضا فإن المسيح كان من آيات الله سبحانه، أظل «2» بها من شاء من خلقه، فعصمهم الله به مدة مقامه بين أظهرهم، فلما رفع عنهم ووقع في دينهم الدخل والتلبيس من شياطين الجن والإنس، كما بينته في" الفوائد، والتعليق على الإنجيل" «3» وذكره هنا يطول. وأيضا: انضم إلى ذلك في حق الطائفتين أن محمدا جاءهم بترك المألوف من دينهم وذلك شديد على النفوس لا يثبت له إلا كاملو العدل والعقل وقد بينا عدم العدل في اليهود، وعدم العقل في النصارى حيث اعتقدوا أن الله خالق السموات والأرض خرج من بطن مريم ثم أسلم نفسه للقتل والصلب ليستنقذ الخطاة من بني آدم، وقد كان قادرا على استنقاذهم بدون هذا التعب، وعقول تخيل لأهلها اختراع مثل هذا جديرة بأن تخيل/ لهم الاستمرار عليه حتى يحرفوا لأجله أسماء الأنبياء وينازعوا في الحق ويعاندوه.
وحاصل ما نقوله في جوابه: أن محمدا كان ظهوره بخير عظيم وبركة عميمة ولكنهم/ غيروه حسدا له، واستبقاء للرئاسة فيهم، وغيره عليها أن تخرج منهم وينالها غيرهم. وإذا كان إخوة يوسف هموا بقتل أخيهم يوسف ثم لما رفقوا به باعوه على الكفار ورموه في رق العبودية حتى لقي من مرارة التهم والسجن ما لقي حسدا له على ما ظنوه من تأويل رؤيا يجوز أن تقع وأن لا تقع مع كونهم من صلب نبي معصوم، وهم معاشرون له صباح مساء، فما الظن باليهود والنصارى والبغاة الجهال، وقد مضى منهم الزّبد، وبقي منهم الغثاء والزّبد وسفلة العالم وسقطهم فيما علموه بالوحي الإلهي. وأيضا إذا كانت" سارة" المرأة الصالحة المحفوظة بمعاشرة النبي المعصوم" إبراهيم"- صلوات الله عليه- قالت له: اخرج بابن «1» الأمة- تعني إسماعيل ابن هاجر- عني كي لا يرث مع ابني «2» إسحاق، كما نص عليه في التوراة؛ غيرة منها أن يشارك ابنها في رئاسة أبيه، فما الظن باليهود والنصارى/ على ما عرف منهم؟ «3». وأما قوله:" لم لم تنزع أسماء الأنبياء الذين كان يخبر بعضهم ببعض سابقهم بلا حقهم كيحيى بن زكريا، ولم ينزع اسم الشيطان والدجال"؟
فالجواب: أن الفرق بين أولئك الأنبياء ومحمد- عليهم السلام- من وجهين: أحدهما: أن موسى لم يأت بعده نبي إلا بتقرير أمر التوراة ومتابعتها فكانوا في المعنى نواب موسى وخلفاؤه/، كالتلاميذ الاثنى عشر لعيسى. ومحمد- عليه السلام- جاء بنسخ الشرائع كلها وأحكام التوراة والإنجيل وغيرهما، واستئناف شريعة مبتدأة من عند الله. ولهذا لما جاء المسيح بإبطال السبت وأشياء مما تخالف حكم التوراة تعصبوا عليه وقتلوه،- كما زعمتم وإياهم- «1». الوجه الثاني: أنهم كانوا يعلمون أن أولئك الأنبياء ضعفى لا شوكة لهم فلم تكن لهم حاجة إلى نزع أسمائهم، بل إن رأوا منهم ما يوافقهم وإلا قتلوهم كما فعلوا بيحيى وزكريا والمسيح «2» وغيرهم من الأنبياء. ومحمد- عليه السلام- علموا أنهم لا يقدرون عليه كما قدروا على غيره «3» فنزعوا اسمه ليصير شبهة لهم في خلافه- كما سبق-.
[أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك]
[أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك] قال:" وفي سورة النور «1»: واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ وفي سورة الفرقان «2»: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْراً ... (54) / وفي سورة الروم «3»: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وفي سورة فاطر «4»: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ... (11) وفي سورة الأنبياء «5»: وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ... (30) وهذا بين التناقض، والكذب لازم في إحدى القضيتين وخلاف هذا في التوراة، حيث يقال: إن الدواب خلقت من التراب والإنسان من الماء، وخلاف ذلك أيضا في الوجود، إذ بعض الأشياء مخلوقة من الأرض وبعضها من الماء. قلت: الجواب: أنه لا تناقض في هذا ولا كذب- بحمد الله- عند من عرف وتبين ذلك ببيان معنى كل آية على انفرداها، ثم بيان الجمع بين الجميع.
أما قوله: واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ «1» فنقول: الدابة في وضع اللغة كل ما دب ودرج. وفي عرف الاستعمال اللغوي: مختص بذوات الأربع كالفرس ونحوه، فإن حمل لفظ الدابة على هذا المعنى العرفي فلا إشكال في أنها من ماء، وهو الماء الذي ينزله الذكر في الأنثى وتنزله هي عند الوقاع «2». وإن حمل على الوضع اللغوي فالجواب من وجوه: أحدها: أن" من" في قوله مِنْ ماءٍ للسببية. بمعنى أن للماء مدخلا وتأثيرا بحقيقته أو بما هو من طبيعته في وجود كل دابة «3». وهذا صحيح. فإن كل دابة فهي حيوان، وكل حيوان لا بد فيه من رطوبة مائية بها تتقوم حياته، فيدخل في ذلك العقارب والخنافس ونحوها من الحشرات التي يقال إنها تتولد من التراب، لأنها وإن كانت متولدة من التراب إلا أنها لا تستغني عن رطوبة، هي من طبيعة الماء تقوّم حياتها. الوجه الثاني: أن نقول في الدابة وضعا ما قلناه في الدابة عرفا، وهو أن سائر أشخاصها مخلوقة من" ماء" الوقاع، لأن فيها ذكورا وإناثا قطعا، ولا فائدة للصنفين المذكورين إلا التناسل المعتاد بين سائر أصناف الحيوان، وما يقال: من أن بعض الدواب تخلف من التراب، فلا شك أنه قد قيل، ولكنا لم نشاهده فلا نقلد فيه. ولا عليه دليل قاطع من جهة العقل/، فإن شاهدناه أجبنا حينئذ بحسب ما ينبغي.
والذي رأيته في هذا: ما ذكر في تواريخ الأولين: أن الملك" سنحاريب" «1» رأى في منامه أن عقربا صعدت سريره فلدغته، فوقع عنه. فاستدعى بعض المعبرين فسأله عن رؤياه، فقال له: إنها تدل على أنه يغلب على ملكك/ رجل لا أصل له، لأن/ العقرب لا أصل لها، وإنما تخلق من التراب، فكان تأويله أن غلب فرعون على سنحاريب فأخذ ملكه، ولم يكن لفرعون أصل في الملك وإنما كان أبوه راعي غنم. هكذا قيل. لكن في هذا مناقشات كثيرة لا يعتمد عليها معها. الوجه الثالث: إن ثبت أن بعض الدواب مخلوق من غير الماء كان قوله تعالى: خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ «2» عاما مخصوصا بذلك أي أنه أطلق العام وأراد الخاص، وهو كثير كقوله: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... (62) «3» وخص بالعقل: ذاته وصفاته تعالى. وقوله: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ «4» - يعني الريح العقيم- وخص بالعقل السموات والأرض وغيرهما مما لم تدمره. وقوله: وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .. (23) «5» - يعني بلقيس- وخص بالعقل: ما لم تؤته من ملك سليمان وغيره.
والتخصيص لازم فيما حكاه الخصم من قوله في التوراة: إن الدواب خلقت من التراب، لأنا نقول: أي الدواب تريد؟ إن أردت مجموع جنسها أولا وآخرا في جميع أزمنة الوجود فهذا يكذبه العيان، لأنا نشاهد الدواب تتكون من ماء الذكر والأنثى. وإن أردت أنواع جنس الدواب الأول التي هي لأنواعها كآدم لنوع «1» البشر، وهو المراد لآن هذا الكلام في سفر الخليفة «2»، وهو إنما يذكر فيه أوائل الموجودات. وحينئذ يلزم التخصيص إن أريد باللام في" الدواب" الاستغراق. وإن أريد العهد- يعني أوائل أنواع الدواب- لم يكن فيه حجة على مناقضة القرآن إذ يصير تقديره: بعض جنس الدواب من التراب. والقرآن تضمن أن كل دابة خلقت من" ماء" فيخص أحد الكتابين الآخر، إن سلمنا صحة التوراة، وإلا لم/ يلزمنا ما فيها، بناء على ما سبق. وأما قوله: خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً .. «3» فإن حملنا لفظ (الدابة) على المعنى الوضعي دخل فيه البشر، واتفقت الآيتان. وإن حملناه على العرفي لم يتناول البشر، وكان في هذه الآية مفردا بالذكر على وفق ما ذكر في الدابة من الخلق من الماء، والمراد أنه خلق الإنسان من الماء يعني" مني" الزوجين وهو مشاهد.
وأما قوله: وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ... (30) «1» فجوابه من وجهين: أحدهما: أن" من" فيه للسببية والتقرير ما سبق في الوجه الأول من جواب قوله" خلق كل دابة من ماء". وأيضا: فإن حياة كل حي إما كاملة كحياة الإنسان وغيره من الحيوانات، أو قاصرة كحياة الزرع والنبات،/ وكل ذلك لا بد في تحقق حياته من/ الماء على ما هو مشاهد. الثاني: أن كل حي مخلوق من ماء الوقاع كما سبق في الوجه الثاني من جواب الآية المذكورة. ويمكن أن يحمل على إرادة الخاص بالعام كما سبق في الوجه الثالث هناك على تقدير أن يثبت من الأحياء ما ليس من الماء. وأما قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ... «2» فالمراد خلق أباكم- يعني آدم- من تراب بناء على ما قص «3» الله علينا في كتابه، وأجمع عليه المسلمون من أن آدم خلق من تراب، وإنما خاطبنا بذلك لأنا نسل آدم وولده، وحيث كنا كامنين فيه بالقوة كان خلقه من تراب كخلقنا من تراب وإذ تقرر الكلام على الآيات مفردة ظهر وجه الجمع بينها وأن لا تناقض فيها.
فقوله في سورة الروم وفاطر: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ... يعني أصلكم وأباكم آدم، وقوله في الفرقان: .. خَلَقَ مِنَ الْماءِ .. يعني المني من الذكر والأنثى ... بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْراً ... (54) «1» وهو لا ينافي الخلق من تراب، لأن المخلوق من الماء غير المخلوق من التراب- على ما بيناه- ويدل عليه ما في سياق آية فاطر حيث يقول: واللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ .. «2». أي خلق أباكم آدم من تراب ثم خلقكم منه ومن غيره من ذريته من نطفة «3». وكذلك قوله تعالى: ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ .. يعني آدم .. مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) «4» أو يكون المراد بالإنسان ذريته خلقوا من سلالة وهي المني المستلّ من الأصلاب لكن أصل تلك السلالة من طين باعتبار آدم ثُمَّ جَعَلْناهُ يعني الإنسان غير آدم" نطفة" وهو المني ... فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) وهو الرحم ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً .. (14) «5» الآية.
[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء]
[قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء] وقوله: خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ «1» وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ... (30) «2» قد سبق وجه المراد منهما. فحصل من ذلك: أنه لا تناقض في هذه الآيات ولا كذب. وأما قوله:" هذا تناقض والكذب لازم في إحدى القضيتين" فهذا قول من لا يعلم ما التناقض؟ ولا ما الكذب؟ فإن التناقض هو تقابل القضيتين بالسلب والإيجاب مع اتفاقهما في الجزء والكل والقوة والفعل والشرط والزمان والمكان والإضافة، ومتى اختل شيء من ذلك أمكن الجمع ولم يلزم التناقض، وأين اتفاق هذه الآيات كلها في هذه الأمور. والله أعلم. قال:" وفي سورة الحج «3»: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52). وذكر ما/ حكاه ابن عطية وغيره «4» في التفسير من أن النبي- عليه السلام-
كان يتمنى أن يتبعه قومه ويؤثر هدايتهم، فلكثرة تمنيه ذلك ألقى الشيطان على لسانه في تلاوة سورة النجم حين قال:" ومناة الثالثة الأخرى: تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهم لترتجى" ففرح المشركون وقالوا: قد ذكر آلهتنا بخير فلانوا له وكفوا عن أذاه وأذى أصحابه، فاتصل بمهاجرة الحبشة/- الهجرة الأولى- إن قريشا أسلمت، فجاءوا فوجدوا ما ألقاه الشيطان قد نسخ وعادت قريش إلى غلظها وشقاقها، فعاد الذين جاءوا من الحبشة إليها. وذلك سبب الهجرة الثانية. ولما علم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن ما كان قاله من مدح الأصنام من إلقاء الشيطان اغتم لذلك فأنزل الله- سبحانه- تسلية له: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... (52) «1» الآية. قال: فتضمنت هذه القصة باطلين: أحدهما: الافتراء على الرسل في وصفهم بهذه المثلبة «2» من أن الشيطان تلبس عليهم في وحي الله- سبحانه- بما يقع به الغواية والإضلال للناس وحاشا الأنبياء من أن يكون للشيطان عليهم سلطان، خصوصا في تخليط الوحي عليهم. والثاني: إخباره بأن للأصنام شفاعة، ومدحها بذلك ثم ذكر حديثا زعم أن البخاري ذكره في باب العيدين ولم أجده فيه- فلعله قلد في نقله غيره، لكن
الحديث صحيح في الشريعة. عن أبي هريرة «1» عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الشيطان عرض لي في الصلاة ليقطعها عليّ، فأمكنني/ الله منه، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه». فذكرت قول سليمان: رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ... (35) «2» قال:" فمن له هذا السلطان على الشيطان، كيف يتسلط عليه الشيطان فيعبث به هذا العبث، ويخلط عليه الوحي؟ " قال:" وقد تضمن هذا الحديث أن الشيطان متجسم. لقوله:" هممت أن أربطه إلى سارية" وهذا باطل لأن الشياطين بسائط مجردة عن المادة كالملائكة والنفوس. وهذا قول الأنبياء والفلاسفة". هذا ما ذكره في هذا السؤال.
والجواب عنه: أما قصة إلقاء الشيطان على لسانه. ما ذكر في سورة النجم فقد استفاض نقلها بين الأمة، ورواها الثقات «1» ويدل على صحتها ما رواه
البخاري «1» والترمذي وصححه «2» عن عكرمة عن ابن عباس قال:" سجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سورة النجم فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس". قلت: فسجود المشركين كان السبب المذكور «3» / لأنهم ظنوا أنه قد وافقهم بمدحه آلهتهم وصار الدين واحدا، أو أنهم سجدوا لآلهتهم إعظاما لما سمعوا من مدحها. وأما الجن فلعلهم جاءوا يستمعون القرآن كما حكى عنهم فيه. ولا محذور في هذه القضية بوجه من الوجوه لأن الأنبياء في الحقيقة بشر
يجري عليهم الخطأ والنسيان ويتطرق عليهم الشيطان «1». وقد اختلف العلماء «2» في أنهم معصومون من المعاصي مطلقا أو من الكبائر فقط أو منها عمدا أو من الصغائر كذلك؟ وجوز بعض الناس عليهم الكفر بناء على أن مطلق المعصية جائز عليهم/ وهو كفر في خلاف كبير «3»، لكن اتفقوا على أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الوحي بحيث لا يلحقهم فيه خطأ،
وإن لحقهم فيه خطأ بسهو منهم أو تلبيس من شيطان إنسي أو جني نبهوا عليه، ولم يقروا عليه، وهكذا جرى في هذه القصة وأخبر الله أنه يحكم آياته وينسخ ما يلقي الشيطان «1». وأما تشنيعه/ بقوله:" حاشى لله ومعاذ الله أن يتسلط الشيطان على الأنبياء بمثل هذا" فلعمري أن هذا ليس غيرة منه على الأنبياء ولا تعظيما لهم. فإن اضطرابه في هذا الكتاب بين الفلسفة والشرع يدل على أنه محلول الرابطة بالكلية أو مذبذب لا إلى هذا ولا إلى هذا. ولكن عنادا للإسلام كما قيل: وما من حبه يحنو عليه ولكن بغض قوم آخرينا «2» ولعمري إن منصب الأنبياء محفوظ، ولكن هذا أمر جائز عليهم عقلا وشرعا، ولسنا نعطيهم ما ليس لهم ولا هم يرضون بذلك.
ولهذا قال نبينا صلّى الله عليه وسلّم: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم» «1» يعني حيث اتخذوه إلها، ولكل أحد رتبة لا يتجاوزها فرفعه عنها إفراط ووضعه عنها تفريط. أما جواز ذلك عليهم عقلا فلأنه لا يلزم منه محال لذاته ولا لغيره. وأما جوازه شرعا فثبت في شرعنا: أن إبليس سلط على آدم فأخرجه من الجنة «2» وما ذكر في التوراة من أن الحية أغوته لا ينافي ذلك. لأن إبليس دخل في فم الحية إلى الجنة فأغواه «3». وورد في الآثار: أن موسى لما ذهب لمناجاة ربه على الجبل كان إبليس يدور حوله، فقال/ له بعض ملائكة الرب: ويحك يا إبليس بم تطمع من موسى وهو في هذا المقام؟ قال بما طمعت به من أبيه حين أخرجته من الجنة «4».
وسلط على أيوب حتى أتلف جسده وماله امتحانا من الله له بالصبر «1» وسلط بعض الشياطين على سليمان فأخذ خاتمه وألقاه في البحر بعد أن ألقى عليه شبه/ سليمان فجلس على كرسيه أياما «2». وذلك تأويل قوله تعالى: ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (34) «3» وكان سليمان مسلطا على أصناف العالم. وبهذا يحصل الجواب عما ذكره في سياق حديث البخاري. وقوله فيما سيأتي من كلامه:" هذا من الخرافات التي جاء بها القرآن" دعوى مجردة، غاية مستنده فيها سكوت التوراة وكتب الأوائل عنها، وذلك في الحقيقة استدلال على نفي العلم الوجودي بالجهل العدمي، وهو قلة معرفة بالمناظرة.
وقد صح عندكم في الإنجيل: أن المسيح لما اعتمد من يوحنا المعمداني سلط عليه الشيطان امتحانا له. فقال له:" إن كنت محفوظا فألق نفسك من أعلى هذا الهيكل. فقال له: مكتوب لا تمتحن ربك. وقال له: اسجد لي وأعطيك ممالك العالم كلها- وكانت قد رفعت له- فقال له يسوع: مكتوب اعبد ربك وحده" «1». معنى القصة هذا. وإذا جاز أن يتعرض الشيطان للأنبياء ويسلمون منه فما المانع من «2» أن يتعرض لهم، وينال «3» منهم. بل هذا ألزم عليكم. لأن المسيح عندكم هو الله أو ابن الله، وقد عارضه الشيطان حتى لقي منه شدة على ما أشار إليه الإنجيل، أو صرح به فالأنبياء لا يبعد أن ينال/ منهم ثم يتداركهم الله بعصمته. وقد سحر نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلّم بعض شياطين اليهود «4» حتى أثر ذلك في أفعاله، ثم شفاه الله تعالى «5» من ذلك «6»، وأنزل عليه
المعوذات «1». وبالجملة. الأنبياء بشر، والبشر عرضة لهذه الآفات وغيرها. ثم يتدارك الله بعصمته من شاء./ وإذا كان إلهكم المسيح سلط عليه شياطين اليهود، الذين كيدهم دون كيد الشيطان الحقيقي بكثير فصلبوه وأهانوه ودفن ثم بعث ثلاثة أيام- على زعمكم- فكيف لا يتطرق على الأنبياء- الذين هم دون رتبة الإلهية بكثير- شيطان الجن الذي هو أقوى كيدا من شياطين الإنس بكثير؟ «2» هذا مما لا يحيله عاقل ولا عادل.
ثم نقول لهذا الخصم: ما نرى مثلك في تنزيهك للأنبياء عما ذكرت إلا ما حكي عن بعض النساء الخفرات «1» أنها «2» مرت على رجال فاستحيت منهم فكشفت ثوبها عن استها حتى غطت وجهها، وكرجل قال لرسوله: إذا وصلت إلى فلان فسلم لي عليه وصك لي قفاه. فإنك تنزه الأنبياء عن أن يتعرض لهم الشيطان تعرضا مأمون العاقبة متداركا بالعصمة الإلهية. ثم إنك تصدق ما في التوراة من أن روبيل «3» بن يعقوب وطئ سرية أبيه، ونجس فراشه «4». وأن يهوذا وجد كنته- زوجة ابنه- على الطريق في صورة زانية فزنى بها بجدي ثم رهنها به «5» خاتمه وعمامته وقضيبا كان في يده، ثم إنه لما ظهر حملها أمر برجمها «6» فلما عرّفته أن الحمل منه وأرته العلامة أمر بتركها «7».
وأن عظيم ساليم قرية سجيم «1» زنا ببنت يعقوب ثم خطبها، وأن ذلك أغضب إخوتها حتى خدعوهم باقتراح الختان/ عليهم، ثم دخلوا وهم مرضى من ألم الختان فقتلوهم، وأخذوا أموالهم «2». وأن لوطا لما نجا من عذاب قومه أسقته ابنتاه الخمر، ثم ضاجعتاه فوطئهما فأحبلهما «3». وهذا منصوص مصرح به في التوراة التي بأيديكم وأنتم مع ذلك تحتجون علينا بما فيها. وهذه حكايات- والله- يتنزه سوقة «4» الناس ورعاعهم وأراذلهم عنها. بل عما هو دونها. وأنتم تنسبونها إلى الأنبياء فلعن الله من قال ذلك، ومن يصدقه، فما أسرع ما نسيتم العدل والإنصاف الذي أمركم به المسيح في الإنجيل. لقد أطعتموه في ذلك كما أطاعته اليهود حيث فعلوا به ما فعلوه من الإهانة والصلب «5» فعليكم جميعا من الله ما تستحقونه. فإن صدّقت بما في التوراة من هذا الهذيان فيكفيك ذلك جهلا وحمقا وقلة
عقل، وسخافة رأي وزندقة؛ حيث تنسبون الأنبياء المعصومين المعظمين إلى المكر والخداع والزنا بالأجانب وبالبنات وسراري الآباء، وإن لم تصدقوه فكيف تحتجون علينا بكتب فيها مثل هذا الفشار؟ «1». قوله:" تضمنت هذه القصة باطلين. أحدهما: نسبة الرسل إلى هذه المثلبة والافتراء عليهم بذلك". قلنا قد بينا أن هذا لا غضاضة عليهم فيه، وليس هذا افتراء عليهم لأنه نبي معصوم مثلهم. وقد أخبر عنهم بما أوحي إليه. وأما الباطل الثاني وهو إخباره بأن للأصنام شفاعة فليس ذلك من إخباره، وإنما الشيطان أخبر به على لسانه. وقد بينا أن لا محذور في ذلك ثم نسخه الله. وإنما كان يتجه القدح أن لو لم ينسخ واستمر لكنه لم يستمر بحمد الله./ وفسر بعض العلماء إلقاء الشيطان في أمنيته وعلى لسانه بأنه/ نطق بما نطق به مقارنا لنطقه فاشتبه صوته بصوته «2». وهو أولى ما يقال. وبهذا يلتغي «3» المحذور بالأصالة جدا، ثم ننبه هاهنا لدقيقة وهي أن قوله تعالى: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... (52) «4» لا يقتضي
أن «1» كل رسول ونبي تمنى وألقى الشيطان في أمنيته،/ بل يقتضي أن من وجد منه التمني كما وجد منك" ألقى الشيطان في أمنيته" كما ألقى في أمنيتك وذلك لأن الإلقاء وقع في جواب إذا الشرطية التي ينتفي مشروطها لانتفاء شرطه، فحينئذ نقول: قد يوجد التمني من بعض الأنبياء فيوجد الإلقاء من الشيطان وقد لا يوجد التمني فلا يوجد الإلقاء. هذا مقتضى الآية لفظا «2». أما عقلا فيقتضي أن كلهم تمنوا وكلهم ألقي في أمنيته لأن الله سبحانه بعثهم رحمة للخلق، فمن المحال عادة أن نبيا يبعث إلى أمة، ولا يتمنى رشادها «3» وهداها واتباع ما جاء به من الحق، وترك هواها. وأما قوله في حديث البخاري:" من له هذا السلطان على الشيطان؟ كيف يعبث به الشيطان هذا العبث؟ " فقد سبق جوابه عند ذكر عبث الشيطان بسليمان،
ونزيد هاهنا بأن نقول: هو وإن كان له على الشيطان هذا السلطان لكن يجوز أن يسلط عليه الشيطان بإذن الله لحكمة. وقد بين الله سبحانه الحكمة في ذلك حيث يقول: لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... (53) «1» يعني الكفار والمنافقين كانوا قد أيسوا من محمد أن يعبد آلهتهم،/ أو يسكت عن ذمها، وقد ضجر بعضهم وهمّ أن يدخل في الإسلام فألقى الشيطان على لسانه «2» مدح الأصنام ليظنوا أنهم منها على شيء فيتمسكوا بعبادتها، وأن لها قدرا عند محمد، فيطمعون في إجابته إلى عبادتها أو الكف «3» عنها، فأمسك من كان أراد الدخول في الإسلام عنه بهذا السبب حتى مات كافرا، وظنوا أن رجوع محمد عن مدحها بعد إلقائه على لسانه عناد لها ورجوع عن الحق في أمرها «4». وهذه الآية من أكبر الأدلة على إثبات القدر. وسيأتي عند ذكر هذا الخصم له.
[تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك]
[تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك] وأما قوله:" تضمن هذا الحديث أن الشيطان متجسم": قلنا: نعم. قوله: هذا باطل: لأن الشياطين بسائط مجردة عن المادة. قلنا: عن المادة العنصرية الكثيفة التي هي كمواد الآدميين؟ أو عن المادة مطلقا؟. الثاني: ممنوع. والأول: مسلم فإن لهم مادة لطيفة، وكذا الملائكة فإن الشياطين خلقوا من نار، والملائكة من نور، كما صح في السنة النبوية «1». ثم كيف تصح دعوى تجردهم عن المادة مطلقا. وقد ذكر في الأناجيل في نحو عشرين موضعا. منها: أن المسيح كان يخرج الشياطين من الناس/ وأن بعض الشياطين استغاث منه وقال:" ما لنا ولك يا مسيح ابن الله" «2» وأنه أخرج الشياطين في بعض المرات/ إلى قطيع خنازير فأخذوها حتى رموها في البحر فغرقت «3»، وأنه أخرج من" مريم المجدلية" سبع شياطين، ولذلك لازمت خدمته حتى مات، وكانت أول من رآه بعد قيامه من
الأموات، وبشرت «1» به التلاميذ «2». فهل يصح عند عاقل/ أن يدخل في الحيوان ويخرج منه ويستغيث ويصوت إلا جسم؟. وأما قوله: إن هذا هو قول الأنبياء والفلاسفة. فهو كذب وافتراء على الطائفتين، أما على الأنبياء فلأن إبراهيم وإسحاق ويعقوب كانوا يرون الملائكة أجساما «3». وقد صرح في التوراة أن" يعقوب" لما عاد من" حوران" إلى" كنعان" عرض له عند قرية" بالق" «4» رجل فصارعه إلى أن أسفر الصبح وقال له في آخر القصة:" أنت إسرائيل لأنك قاومت الملك والرجل" «5». فنقول: هذا: إما ملك أو شيطان، وأيهما كان بطلت دعوى هذا في أن ما ذكره مذهب الأنبياء. لكن رأيت بعض النصارى قد تدمّغ «6» وزعم أن المصارع ليعقوب هنا كان هو الله وهذا رأي المجانين، وهو نظير قولهم إن المسيح هو الله، وبذلك استدل على هذا.
[بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام]
يعني: أن الله سبحانه «1» لا يظهر للناس حتى يتأنس بهم ويظهر في مظاهرهم. وأما على الفلاسفة فلأنهم يزعمون: أن الملائكة قوى الأفلاك، والشياطين قوى النفوس الأمارة «2». والله أعلم. [بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام] قال:" ولقد قال «3» في إخباره عن ملك سليمان خرافات. أفصح بها القرآن من ذلك في سورة النمل: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ إلى قوله: ... وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (44) «4» وذكر كلاما يتعلق بتفسير ذلك عن ابن عطية حكاه عن ابن سلام وابن عباس وغيرهما. ثم قال:" فانظر بعقلك أيها المسترشد إلى هذه الحكاية، وما تحتوي عليه من الأمور التي لو كانت لسليمان أو بعضها لسبق ذكر ذلك في المصاحف لأنها من العجائب التي تتوفر الدواعي على نقلها. فعلم أن تلك خرافات/ موسوسة".
قلت: أما ما ذكره ابن عطية وغيره من المفسرين فلسنا بصدد الجواب عنه، لأنا لسنا على يقين من صحته، وهم ليسوا معصومين. وإنما نحن بصدد الجواب عن القرآن الكريم، الصادر عن المعصوم «1» على لسان المعصوم بواسطة المعصوم «2». والجواب: أن ما ذكر في سورة النمل وغيرها من سور القرآن من الحكايات «3» / والقصص والعجائب ممكن أخبر به الصادق. وكل ممكن أخبر به
الصادق فهو حق واقع. فما ذكر في سورة النمل وغيرها حق واقع. أما إمكانه فلا نزاع فيه عند من سمعه من العقلاء. إذ الممكن ما لا يلزم من فرض وقوعه محال. وأما/ كون الذي أخبر به صادقا فلوجوه: أحدها: ظهور المعجزات الخوارق على يديه. وسنذكرها، وبرهان إثباتها فيما بعد عند قدحك في القرآن في شرط المعجز. الثاني: ما اشتهر من أن قريشا ما كانت تسميه منذ كان صبيا حتى ادعى النبوة إلا الأمين «1» وإنما كذبوه فيما بعد ذلك، لكونه أخبرهم بحقائق إلهية لم تدركها عقولهم. وذلك جهل منهم بأحكام الشرائع. وأنت قد قدمت عند بيان ضرورة النبوة: أن العقل لا يستقل بمعرفة الحقائق الإلهية بدون تأييد إلهي وكتكذيب اليهود للمسيح، وكان صادقا. الثالث: الطريق التي استدل بها" هرقل" «2» ملك الروم على صحة نبوته. وأنا أسردها بكمالها تكميلا لفائدتها: قال البخاري: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع «3»، قال: أخبرنا
شعيب «1» عن الزهري «2» قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود «3» أن عبد الله بن/ عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب «4» أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام، في المدة التي كان
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مادّ «1» فيها «2» أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء «3» فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بالترجمان فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقلت: أنا. قال: ادنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره. ثم قال لترجمانه: قل «4» لهم إني سائل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، فو الله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبا لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشرف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة «5» لدينه بعد أن يدخل فيه «6»؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في/ مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكّني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت:
الحرب بيننا وبينه سجال «1»، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب/ وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك؟ هل أحد منكم قال هذا القول؟ فذكرت أن لا. فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي «2» بقول قيل قبله. وسألتك: هل كان من آبائه من «3» ملك؟ فذكرت أن لا، فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألت: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا. فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله./ وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك: أيرتد أحد سخطه لدينه، بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا. وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب «4». وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا. وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بم يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا
وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف. فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين. وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت «1» لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدمه" «2». قلت: فهذا حديث صحيح ثابت بإجماع المسلمين، ويستحيل عادة اختلاق مثله. ثم لو سلم أنه مختلق، لكن هذه القضايا التي فيه مشهورة مثل أنه لم يكن في قومه/ نبي «3» ولا ملك، وأنه غير كاذب ولا غادر ونحوها. ووجه الاستدلال منها ظاهر جدا، فلو وفق النصارى كلهم لما وفق له هذا الملك «4»، لأفلحوا كل الفلاح، ثم مقصودنا منه: استدلاله على صدقه بقوله: " لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله"./ وهكذا النجاشي ملك الحبشة لما سمع ما أنزل على محمد في سورة مريم من صفة المسيح حيث يقول: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) «5»
الآيات. قال:" ما عدا المسيح ما قال هذه" يعني عوده في يده «1»، وبكى في حديث طويل، وهو حديث أم سلمة «2» عند هجرتهم إلى الحبشة، وفيه وفي أصحابه أنزل الله سبحانه «3»: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ... إلى قوله: وإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ... (83) «4».
فهؤلاء ملوك النصارى يعترفون بالحق، ويصيرون إليه، فلا عبرة بقدح حثالتهم ورعاعهم. وإنما قلنا: إن كل ممكن أخبر به الصادق فهو حق واقع لوجهين: أحدهما: أنه لو لم يكن كذلك لم يكن لأحد وثوق بإخبارات الله ورسله وليس كذلك. الثاني: لو لم يكن كذلك لم يكن المخبر صادقا. لكنا فرضناه صادقا. هذا خلف. وأما قوله:" لو كانت هذه الأمور لسليمان لسبق «1» ذكرها في المصاحف" فجوابه سبق في غير موضع. وهو أن هذا استدلال «2» على الوجود المحض بالعدم المحض وهو جهالة. وكم من واقعة عظيمة وغيرها قد وقعت/ في ملك الله لم تذكر في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن. وقد قال الله سبحانه لمحمد- عليه السلام- في القرآن: ورُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (164) «3» وقال لليهود لما سألوه عن الروح: ... قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) «4».
[الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين]
[الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين] قال:" وفي سورة الأحقاف «1»: وإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ... (29) وفي سورة الجن: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) الآيات. وذكر «2» ما ذكره ابن عطية وغيره في تفسير هذا من رمي مسترقي السمع لمبعثه صلّى الله عليه وسلّم وأنهم تفرقوا ينظرون ما السبب؟ فوجدوا النبي- عليه السلام- يقرأ فعلموا أنه سبب منعهم «3»، وذكر حديث مسلم من رواية ابن مسعود قال: فقدنا النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة فقلنا: اغتيل «4»، أو
استطير «1»، فلما كان وجه الصبح إذا هو يجيء من قبل حراء، فقال: إنه" أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. قال/ الشعبي: سألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة فقال:" كل عظم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم" قال:" فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجن" «2» ورواه أحمد «3». قال:" وقد تقدم العلم بأن الشياطين بسائط مجردة عن المادة فكيف تصطلي بالنار وتركب الدواب، وتغتذي بنخر العظام؟ إن «4» وافقك عقلك على أن هذا حق فتزحزح عن الآدميين والحق بالبهائم". قلت: الجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أنا قد بينا فيما تقدم أن الشياطين/ ليست مجردة عن المادة مطلقا بل إن صح أن لها تجردا عن المادة فعن الكيفية. وحينئذ يجوز «5» أن يرد عليها هذه
الأفعال بحسب مادتها. ودلالة الإنجيل قاطعة في نحو عشرين موضعا منه على عدم تجردها. كما سبق. الثاني: أن الباري- سبحانه وتعالى- إن قلتم ليس مجردا عن المادة فقد جعلتم الملائكة والشياطين أكمل منه. وإن جردتموه عن المادة فقد جوزتم تأنسه بالإنس حتى يمازجهم ويظهر في مظاهرهم كظهوره في ناسوت المسيح حتى صار يأكل ويشرب ويتغوط ويقتل ويصلب ويركب «1» الحمار ويشرب الخمر ويحي العظام النخرة فيجعلها أوفر ما كانت لحما ويصلي ويتعبد، فجواز ذلك على الجن الذين هم بعض خلق الله- سبحانه- بقدرته عليهم، وتصرفه فيهم أولى، وحينئذ لا يمتنع أن الجن إذا أرادوا الطعام خلق الله لهم على ما وجدوه من العظام لحما يأكلونه «2»، وإن كنا نحن لا نرى ذلك، إذ لا حاجة بنا إليه فلا يوجد اللحم عليها حين نراها. فإن قيل: المسيح كان يفعل ما ذكرتم من الأفعال بناسوته لا لاهوته. قلنا: هذا باطل. فإنكم صرحتم بأن المسيح هو مجموع اللاهوت والناسوت وأن المسيح هو الله، وأنه إنما ظهر ذلك المظهر بطريق التأنس بالإنس والانتقال من حال إلى حال.
كذا قرره" ابن الأمثل" «1» مطران «2» " حمص" «3» منكم بنحو عشرين حجة من التوراة والإنجيل. منها أن الله- سبحانه- ظهر ليعقوب حين قدومه من عند خاله فصارعه إلى الصبح «4». وهذه من جملة الحجج عليكم. الثالث: أن هذا وأمثاله من الحقائق الإلهية التي لا يستقل العقل/ بدركها فيجب علينا تسلمها عن الشرائع. وإنما ينكر هذا فيلسوف لم ترض «5» نفسه في
علوم الشرائع. على أني أراك أيها الخصم مذبذبا./ تارة فيلسوفا صلفا «1». وتارة مشرعا جلفا «2» فأراك كما قال بعضهم لامرأته:/ إني رأيتك في الهوى ذواقة لا تصبرين على طعام واحد «3» قال:" وانظر أيضا إلى قوله في سورة الرحمن يصف نساء الجنة، الحور العين: ... لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌّ (56) «4» قال ابن عطية في التفسير: " قال مجاهد «5»: الجن قد تجامع نساء البشر مع أزواجهن، إذا لم يذكر الزوج،
" الله تعالى" «1» فنفى في هذه الآية جميع المجامعات. قال ضمرة بن حبيب «2»: " الجن في الجنة لهم قاصرات الطرف «3» " يعني النساء من الجن، فنفى في هذه الآية الافتضاض في البشريات والجنيات". قلت: هكذا وجدت كلامه، وهو مخبط لا يظهر منه وجه الإشكال لكنا نقول: أما قول مجاهد وضمرة بن حبيب فلسنا منه في شيء ولا يرد علينا لو عارض غيره، وأما معنى الآية فهو: أن لمن خاف مقام ربه في الجنة نساء أبكارا لم يفضضهن قبلهم أحد، إنسي ولا جني ثم تلك النساء يجوز أن يكن نساءهم في الدنيا، يعدن أبكارا كما قال تعالى: ... كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ... (104) «4» ويجوز أن يكن منشآت من الجنة.
وذكر حديث: «إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط» الحديث «1». وحديث: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب «2» فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله «3» ". قال:" هذا كله تصريح باغتذاء/ الشياطين وجماعها". قلت: هذا كله إشكال يورده بناء على ما قرره من أن الشياطين بسائط مجردة عن المادة، لا يتأتى منها ذلك.
قلت: وكأنه يورد تناقضا آخر بين قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌّ (56) «1» وبين قول مجاهد:" الجن تجامع نساء البشر" وقول ضمرة بن حبيب" الجن في الجنة لهم قاصرات الطرف". قلت: وجوابه من وجهين: أحدهما: منع التناقض بما بيناه من أن المراد بالآية أن كلا من أهل الجنة له زوجات أبكار لم يطمثهن قبله غيره. وهذا لا ينفي أن الجن يجامعون نساءهم أو نساء غيرهم في الدنيا أو في الآخرة. الثاني: أن التناقض بين قول الله سبحانه وأقوال المفسرين لا يلزمنا. لأن الخلاف بينهم كثير. فإن التزمنا ذلك طال علينا. ولأنهم ليسوا معصومين فيجوز أن يخطئوا. قال:" وفي البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» قال:" إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليستنثر ثلاثا. فإن الشيطان يبيت على خيشومه" «3» وفيه:" لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس وغروبها، فإنها
تطلع/ بين قرني شيطان" «1». قلت: وجه سؤاله من هذا ما قدمه من أن الشيطان بسيط مجرد عن المادة فكيف يبيت على خيشوم الآدمي؟ وذلك يستدعي أن يكون جسما. وكيف يكون له قرنان؟ وأيضا: الشمس مثل الأرض مرارا كثيرة فكيف تطلع بين قرني شيطان؟. والجواب: قد تكلمنا قبل على بساطة الشيطان وتجرده عن المادة ومنعناه مطلقا. بل هو تجرد مقيد- كما سبق-. وحينئذ يقع «2» منه المبيت على خيشوم الآدمي وأم رأسه/، ليزين له النوم «3» ويثقله فيه، كي لا يستيقظ بالليل فيصلي. كما ذكر في حديث آخر: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد، فكلما أراد أن يستيقظ قال له: نم «4». عليك ليل طويل،. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة. وإن توضأ/
انحلت عقدة، وإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا. وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" «1». وهذا من الأسرار الإلهية التي اعترف الخصم في أول كتابه: أن العقول لا تستقل بدركها. وقد ذكر في الإنجيل: أن المسيح بعد قيامه من الأموات صار روحا مجردا يظهر لمن شاء، ويختفي عمن شاء «2». فكذلك الملائكة والشياطين في ظهورها واستخفائها. وأما قوله:" تطلع بين قرني شيطان" «3» فقال بعض أهل العلم بغريب الحديث: أي ناحيتي رأسه وجانبيه «4». قلت: وهذا لا ينافي عظمها في نفسها كما تقول خرجت بين الجبلين والجدارين «5»، كما سبق في قوله: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... (86) «6» ومعناه: أن
الشيطان يقارنها على جهة المسامتة «1» لا الملاصق كما تقارن بعض الكواكب السبعة بعضا، وإن كانت في أفلاكها متباعدة المراكز والذوات ليزيّن للكفار «2» السجود لها. وقال بعضهم: القرن: القوة. أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها، وقيل: بين قرنيه أي أمتيه الأولين والآخرين من الساجدين لها، المطيعين له في ذلك «3»، أي أن عادة الكفار مستمرة في عبادة الشمس عند طلوعها وغروبها «4»، فلا تصلوا «5» حينئذ لئلا يصير فيكم/ شبه منهم. وهو- عليه السلام- من شرعه: بغّض الكفار والتشبه بهم جدا حتى أنه يحسم مواد ذلك بكل ممكن، كما كرّه في شرعه الصلاة إلى محراب فيه نار تتقد لئلا يشبه
فعل المجوس «1». وأن لا يشد وسطه في الصلاة بما يشبه شد الزنار لئلا يشبه فعل النصارى «2»، ولا يتعمم غير مذوب «3» لئلا يشبه/ عمامة اليهود «4». وأشباه ذلك كثير. قال بعضهم: وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها، فكأن الشيطان مقترن بها، يسول له ذلك.
قلت: ومثل هذه الإشارات كثيرة في كلام العرب خصوصا في كلام هذا النبي، فإنه كان أفصح العرب وأبلغها، فليس ينبغي لعلوج النصارى وأعاجمهم أن يناقشوه في ظواهر العبارات «1»، حتى يعلموا لغته فيكونوا مثله فيها «2». والله أعلم. قال:" وفي كتاب مسلم عن أبي هريرة قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم «3»: «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن. قالوا: وإياك يا رسول الله «4». قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير" «5» وقال:" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" «6».
قلت: ومن سبب هذا الحديث ما رواه الترمذي من حديث مجالد «1» عن الشعبي «2» عن جابر «3» عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم. قالوا: ومنك؟ قال: ومني. ولكن الله أعانني عليه فأسلم» «4».
والمغيبات: اللاتي غاب عنهن أزواجهن. وفي لفظ لمسلم «1»: «لا يبيتن أحد عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم» «2». قلت: ومستنده «3» في إنكار هذا ما قدمه/ من أن الشيطان بسيط مجرد عن المادة فلا يوصف بأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم «4». لأن ذلك يوجب جسميته ونحن قد منعنا ذلك عليه في موضعه. وبينا قواطع الإنجيل في جسمية الشياطين لكنها أجسام لطيفة للطافة مادتها وبذلك يصح عليها أن تجري من ابن آدم مجرى الدم وغيره، كالأرواح، والرياح،/ فإنه قد قال بعض أهل العلم:" إن الروح جسم لطيف سار في هذا الهيكل الكثيف على شكله «5» والهوى يتخرق نواحي البدن، حتى قال بعضهم: الروح هو الهواء المتردد في مخاريق البدن «6»، على أنه يجوز أن يكون أراد بالشيطان هنا: النفس الأمارة، أو الهوى، لأن هذين يوافقان الشيطان على ما يريده وإذا اتجه ما قلناه، واحتمل ما عليه «7» حملناه، لم يبق للاعتراض به وجه. وروى عبد الرزاق في تفسيره قال: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: «قال قرينه ربنا ما أطغيته» «8» قال:" قرينه الشيطان" «9».
[تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك]
[تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك] قال:" وفي سورة غافر يصف الملائكة حيث يقول: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ... (7) «1». قال ابن عطية في التفسير/: روى جابر بن عبد الله أن النبي «2» قال: «أذن لي أن أحدّث عن ملك من حملة العرش: بين شحمة أذنه وعاتقه «3» مسيرة سبعمائة سنة» «4». قلت: إن كان إنكاره من هذا للإخبار بالعرش، أو لحملته أو لاستغفارهم للمؤمنين فهذا من الأسرار الإلهية التي لا يستقل العقل بدركها، كما سبق في المقدمة، فيجب تسلمها عن/ أهل الشرائع كما تلقيتم عن المسيح «5» أنه بعد بعثه
من الأموات صعد فجلس عن يمين أبيه. وأنه يأتي يوم القيامة في مجد أبيه على السحاب، وحوله الملائكة. «1» وإن كان انكاره لعظم خلقة هذا الملك المذكور فنقول «2» له: إن هذا حديث لم نعرفه إلا في كتاب" العظمة" «3» لأبي جعفر بن حيان «4»، وليس مثله مما تصادم «5» به الشريعة «6». وثانيا: إن هذا أمر ممكن قد أضيف إلى قدرة الله، وأخبر به الصادق فما ينكر من وقوعه؟ ثم إن الجبال والبحار، بل كرة الأرض، بل كرة العالم جميعه بأفلاكه ونجومه خلق عظيم من خلق الله فلا فرق بينه وبين هذا الملك إلا الشكل والحياة. على أن الفلاسفة يرون الأفلاك ونجومها أحياء ناطقة متحركة بالإرادة فلا فرق إذن بينها وبين الملك المذكور، وهذه مشاهدة لكل بصير متبصر، فما وجه إحالة مثل هذا حتى يقدح به في كلام الأنبياء.
قال:" وفي سورة القصص «1»: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... (88) يعني الله- سبحانه- «2» فجعل الفناء شاملا لما سوى الله تعالى من الملائكة والنفوس". قلت: كأن وجه إيراده: أن الملائكة والنفوس مجردات عن المادة لا يتصور فناؤها بناء على ما قدم من ذلك. وقد سبق جوابه، وأن الهلاك ممكن في الجميع، ثم ينشئه الله تعالى- كما أخبر-. ثانيا: أو نقول: ليس المراد بالهلاك العدم المحض، بل هلاك هذه الهيئة التركيبية، كما أن الوعاء من زجاج أو ذهب إذا انكسر فقد هلكت وعائيته، لا زجاجيته وذهبيته وهذان قولان مشهوران/ للمتكلمين «3» وهو أن الأجساد تعدم عدما محضا ونفيا صرفا أو تتفرق مع بقاء أجزائها المفردة. والمسألة مبنية على مسئلة الجوهر الفرد، وهو الجزء/ الذي لا يتجزأ «4». وهي مشهورة بين الفلاسفة والمتكلمين.
قال:" وفي أول سورة فاطر: ... جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ ... (1). قلت: كأنه ينكر الأجنحة للملائكة لاستلزامها الجسمية بناء/ على ما سبق من تجردها عن المادة. وقد سبق جوابه كافيا. وقد دفع الله سبحانه «1» هذه الشبهة بقوله متصلا بالكلام المذكور:" يزيد في الخلق ما يشاء" أي لا تستغربوا ملكا له جماعة أجنحة فإن لله التصرف والقدرة على ما يشاء. قال في سورة الزمر «2»: ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ ومَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ... (68) وذكر قول ابن عطية عن السدي «3»:" استثنى جبريل وميكائيل وملك الموت ثم أماتهم بعد" «4». قال:" فصرح في هذه المواضع: أن الملائكة مجسمة وأن لها أجنحة وهي كما يبرهن عند العلماء: عقول بسيطة مجردة. والموت مفارقة الروح الجسد، ولا أجساد للملائكة".
[الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه]
قلت: جواب هذا كله سبق عند أول مكان ادعى تجرد الملائكة والشياطين عن المادة «1». وبينا أن ذلك لا مذهب للأنبياء ولا الفلاسفة. ثم يقال له: التجرد عن المادة إن كان صفة نقص وجب تنزيه الملائكة عنها لأنهم أولى بالكمال فيلزم أن يكونوا ذوي مادة، وإن كان صفة كمال. فالله سبحانه إن لم يكن/ متجردا عن المادة فقد جعلتم الملائكة أكمل منه، وإن كان متجردا عن المادة فقد جوزتم عليه التلبس بالمادة حيث اعتقدتم اتحاد لاهوته بناسوت المسيح، أو جعلتم الثلاثة واحدا. وقد سبق جميع هذا وإنما أعدناه بيانا. [الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه] قال:" ومما روى عنه من أوصاف الله سبحانه". وذكر حديث: «ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا» «2» وحديث جهنم:
«فيضع الرب قدمه فيها فتقول: قط" «1» وحديث: «يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة» «2» وحديث المعراج: «فدنا رب العزة حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى» «3» وحديث: «رأيت ربي في أحسن صورة، ووضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ» «4» وحديث أم الطفيل «5» امرأة أبي بن كعب
أنها سمعت النبي يذكر أنه رأى ربه في صورة شاب موقر في خضر «1» على رأسه فراش من ذهب، وفي رجليه نعلان من ذهب» «2». قال:" فتقرر بهذا كله: أن الله جسم، وهذا مخالف للعقل ولمصاحف الأنبياء. ويمتنع أن يكون الله سبحانه جسما لوجهين: أحدهما: لو كان جسما لكانت «3» جملته معلولا لأجزائه ومفتقرة إليها، وما علل بغيره جاز عدمه عند عدم علته، وواجب الوجود هو ما لا يعدم لعدم/ غيره، بل لعدم ذاته. الثانية: أن الجسم مركب من الصورة «4» والهيولى «5» فينعدم بانعدام كل
منهما. والواجب لا ينعدم لانعدام غيره. كما سبق. وأما بيان ذلك في كتب الأنبياء فإن في الإنجيل:" الله روح". قلت: هذا حاصل ما ذكر في هذا السؤال، وقرره به. ولعمري أن هذا مما «1» لا/ يقضي منه العجب من هذا الشخص. فإن التوراة والإنجيل مملوءان من التجسيم. فإن في أول التوراة:" وكانت روح الله ترف على الماء" «2» والروح فيما نشاهده جسم. والحجج على جسميتها كثيرة «3»، لكن نكتفي منها بحجة طبيعية/ ذكرها الأطباء، وهو اضطراب الصدر وحركته لها عند النزع. فإن قال: إن روح الله ليست جسما، وإن كانت روح غيره جسما. قلنا: فقد أجبت عنا. كذلك كل ما حكي في دين الإسلام من صفات الله تعالى ليست على المتعارف من صفات الآدميين، ويسقط هذا التشنيع خصوصا وقد ذكرت أنت في بيان ضرورة النبوة عن" أرسطو" وغيره ما ذكرت من أن الحقائق الإلهية لا بدّ فيها من التوقيف الشرعي. وفي التوراة:" قال الله «4»: نخلق بشرا على شبهنا قد رسمنا فضله ليكون
كصورتنا ومثالنا وأسلطه على سمك البحار وطير السماء" «1» إلى أن قال:" وخلق الله آدم بصورته، صورة الله خلقه ذكرا وأنثى، خلقهما الله وبارك عليهما" «2». وفيها إن آدم وامرأته:" سمعا صوت الرب يمشي في الفردوس فاستترا من بين يدي الرب بين شجر الفردوس، وقال الله لآدم: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك تمشي في الفردوس ورأيت أني عريان فاستترت فقال الله الرب: ومن أدراك أنك عريان؟ لعلك أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها" «3». وهذا فيه تشانيع. منها: وصفه بالمشي حتى يسمع صوت مشيه في الفردوس، وهو من خواص الأجسام، وأصعب من النزول المذكور في السنة الإسلامية./ ومنها قوله أين أنت؟ ومنها: قوله:" من أراك أنك عريان؟ لعلك أكلت من الشجرة" فإن ذلك ظاهر في أن الله سبحانه لم يعلم أين هو؟ ولا هل أكل من الشجرة أو لا حتى أعلمه آدم".
وفيها:" وأكمل الله أعماله في اليوم السادس، واستراح في اليوم السابع" «1». والاستراحة من لواحق الأجسام «2». وهذا في التوراة كثير «3». وأما في الإنجيل فقولكم: لما اعتمد/ المسيح من يوحنا المعمداني ثم صعد من الماء جاءه روح القدس في جسد حمامة بين السماء والأرض وسمع قائلا يقول: هذا ابني الحبيب الذي به سررت" «4». ثم إنكم تقولون:" الأب والابن وروح القدس: إله واحد" وهذا مستلزم للجسمية لوجهين: أحدهما: أن الصوت لا يتصور عقلا وحسا إلا من جسم إذ هو عرض لا يقوم بنفسه «5».
الثاني: أن الأب والابن والروح في هذه الحال- أعني صعود المسيح من الماء- بعضهم منفصل عن بعض حسا وحقيقة وإنكاره مكابرة. فإن كان ذلك بعد اتحاد الروح والمسيح بالله فقد انفصل عنه جسمان، فيكون هو جسما لأن بعض الجسم جسم، وإن كان قبل الاتحاد، وأن اتحادهم حدث بعد ذلك فقد اتحد بذات الله جسمان: جسد الحمامة الذي هو الروح، وجسد الابن الذي هو المسيح، ولا يتحد بالجسم إلا جسم هذا على قول من يقول منكم: إن المسيح ابن الله. أما من «1» يقول: هو الله، فالأمر فيه واضح. وقرر ذلك" ابن الأمثل" «2» مطران" حمص" بأن قال:" إن الله لا يمكن ظهوره إلى العالم حتى يتأنس ويتحد بهم، وله مظاهر يظهر فيها، كما ظهر في حقيقة [النار لموسى في العليقة ولإبراهيم في حقيقة] «3» / كبش فدى به ولده، وليعقوب في حقيقة رجل فصارعه فكذلك ظهر في حقيقة المسيح". وفي الفصل الخامس من إنجيل متى:" لا «4» تحلفوا بالسماء فإنها كرسي الله ولا بالأرض فإنها موطئ قدميه". وفي السادس والخمسين منه «5»:" من حلف بالسماء فهو يحلف بكرسي الله والجالس عليه" فوصفه بالقدمين والوطء بهما، وبالجلوس على الكرسي، والجلوس «6»
من خواص الأجسام، وإن لم يكن هذا تجسيما، فما في الوجود تجسيم أصلا. فإذا كان هذا مضمون كتبكم المعتمدة، وتقرير أئمتكم وفضلائكم، فكيف تنكرون علينا ما هو دونه في ذلك بكثير. وعذرنا فيه أوسع من عذركم على ما سيأتي ولكن في المثل:" رمتني بدائها وانسلت" «1». وفي الشعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذ افعلت عظيم فابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم «2» وأما الأحاديث التي ذكرت فصحيحة ثابتة إلا حديث أم الطفيل فإنه حديث موضوع «3» لا أصل له حكم بذلك أئمة الحديث. ثم لو صح لكان محمولا على رؤية المنام كحديث: «رأيت ربي في أحسن صورة» فإنه كان مناما باتفاق علماء المسلمين. صرح الترمذي وغيره بأنه كان مناما «4». وأما حديث النزول والقدم/ والساق وغيرها من أحاديث الصفات فلطوائف المسلمين فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: اعتقاد مفهومها المشاهد منها «1». وهو قول المجسمة «2» وهم عندنا في ذلك كالنصارى واليهود في ذلك. والثاني: تأويلها «3» على ما يصح في الشاهد، ولو كان بعيدا/ كالنزول على نزول العلم أو الرحمة، أو نزول ملك ينادي، أو فعل من أفعال الله. والقدم على قوم يقدمهم إلى النار، والساق على شدة الأمر وكرب المحشر ودنو الله سبحانه على تعطفه، ورفقه «4» بعبده ونحو ذلك وهو مذهب الأشعرية والمعتزلة ونحوهم.
والثالث: اعتقاد ما يليق بجلال الله- سبحانه- منها «1»، مع القطع بتنزيه الله- سبحانه- عن مشابهة مخلوقاته أو بعضها، بوجه من الوجوه اعتمادا على قوله تعالى: ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) «2» فأول الآية تنزيه، والثاني إثبات فهو أولى من الإثبات المفضي إلى التمثيل، والتنزيه المفضي إلى التعطيل وهذا هو الذي أقول به «3»، ولي أن التزم القول قبله في هذا المقام، لأني وهذا الخصم، نبحث في دينين متقابلين، لا في مذهبي دين واحد، على أني أي القولين التزمت لا يلزمني من قبح التجسيم ما لزمك «4». وأما ما ذكرت من الحجتين على نفي الجسمية فقد سبقك إليه الفلاسفة والمتكلمون. وقد قرر المسلمون في ذلك براهين كثيرة، فلم تأت أنت بغريبة ولا بشيء نازعناك فيه، بل نحن أحق به منك، فإنا نحن يمكننا الجمع بينه وبين ما عندنا من آيات الصفات وأخبارها بما قدمناه من القولين المختارين. وأنت لا يمكنك الجمع بينه وبين أن المسيح هو الله، أو القول بالثالوث إن كنت نصرانيا حقا. وإن كنت فيلسوفا فمالك ولمذهب النصارى. تكلم في رأي أرسطو ونحوه:
ودع عنك الشرائع لست منها ولو غبرت وجهك بالتراب/ «1» فإنك رجل مذبذب بين الرأيين كالشاة العائرة «2» بين/ الغنمين. وأما قوله:" إن هذا مخالف للعقل، ولمصاحف الأنبياء": فإن أراد أن المخالف لذلك كون الله جسما فهو صحيح ونحن نقول به، وإن أراد وصف الله سبحانه بنحو النزول والقدم والساق فباطل عن «3» الأنبياء، فإن في أول الأصحاح الخامس عشر «4» من كتاب أشعياء: " هذا اسم الرب جائي من بعيد،/ يشتعل غضبه، ووجنه ماجد «5»، شفتاه «6» ممتلئتان غضبا، ولسانه كالنار المتقدة، وروحه كالوادي الذي يجر كلما تمر به تقطع بغضبه إلى العنق ليزجر الشعوب" «7».
فإن قلت: هذه صفات اسم الرب، لا صفات الرب. قلت: الاسم إن كان هو المسمى فهذه صفات الرب بلا شك، وإن كان غيره فالاسم معلوم الحقيقة «1»، وهو لا يتصف بهذه الصفات ويجب رجوعها إلى الرب «2». ويكون ذكر الاسم صلة كقول القائل: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما «3» وقول الآخر: تناديه باسم الماء وهو كثير «4»
[القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك]
وفي الأصحاح الثالث والعشرين منه «1»:" اسمع قولي يا يعقوب وإسرائيل الذي دعوت. أنا الأول وأنا الآخر، ويدي أصلحت أساس الأرض، ويميني بسطت السماء". وفي الأصحاح التاسع عشر منه «2»:" هذا الله الرب، يأتي بعزه وذراعه بقوة، ثوابه «3» معه، وعمله بين يديه" إلى أن قال:" وشبر «4» السماء بشبره، وكال تراب الأرض بكفه، ووزن الجبال بالمثقال والآكام بالميزان". وهذا كثير في كتب الأنبياء لو تتبعته لطال. وهذه صفات ظاهرها المتعارف التجسيم، فجوابك عنها هو جوابنا «5» عما ذكرت من الأحاديث./ [القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك] قال:" ومن هذه الأوصاف الواردة في حق الله تعالى عنها ما جاء في سورة البقرة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ ... (7) «6» الآية. وفي سورة النساء «7»: ... أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ... (88) الآية.
وفي الاسراء «1»: وما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ. وقال: واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ (96) «2» وقال: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .. (78) «3»، والقرآن مصرح في مواضع كثيرة غير هذه بأن أفعال الخلق خيرها وشرها هي بإرادة الله وخلقه، لا بإرادة الخلق وفعلهم". ثم ذكر أحاديث القدر من الصحيحين وهي مشهورة. ثم قال:" فثبت بهذه الأحاديث ما ثبت بالآيات المذكورة آنفا: من أن الله سبحانه خالق جميع أفعال العباد من الخير والشر، كالقتل والكذب والزنا وغير ذلك، وهو الذي يعاقب ويثيب. وهذا مذهب أهل سنة الإسلام. وحجتهم عليه: ما أوردناه من الآيات والأحاديث. وإذا تبين لهم فساد هذا المذهب وشناعته، وأن هذا الذي يصفون به الله لا يوصف به إلا الشيطان، لجئوا إلى التمسك بهذه الآية: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ (23) «4». قال:" والدليل على فساد هذا المذهب: الحجة والتنزيل. أما «5» الحجة فمن وجهين:
أحدهما: ما تقرر في المعقول/ من أن مريد الخير خيّر ومريد الشر شرير،/ ومريد العدل عادل، ومريد الظلم ظالم، فلو كان الله سبحانه مريدا للشر والظلم لكان موصوفا بالخيرية والشرية، والعدل والظلم وذلك محال. وشنع في حق الله تعالى. الوجه الثاني: أن كل آمر بشيء فهو مريد له، فيستحيل من الله تعالى/ أن يأمر عبده بالطاعة ثم لا يريدها. والجمع بين اقتضاء الطاعة وطلبها بالأمر بها، وبين كراهة وقوعها جمع بين نقيضين. وذلك بمثابة الأمر بالشيء والنهي عنه في حالة واحدة". هذا تلخيص حجته. ثم ذكر كلاما بعده يرجع إليه. وأما التنزيل: فقول الله في التوراة لقابيل «1»:" إن أحسنت جوزيت، وإن أسأت سيطلع على إساءتك لأنك مالك إرادتك، وأنت مسلط عليها بالاختيار" «2». وقول داود النبي في الزبور «3»: «روحي في يدي أبدا" يعني: تحت قدرتي. وقول سليمان:" إن الله صنع الإنسان مستقيما وهو أدخل نفسه في مسائل غير متناهية" «4» يعني بإرادته المخصوصة. ثم شنع بأن ضرب مثلا، وهو" من أوثق إنسانا شدا وكتافا، ثم ألقاه من
جبل. وقال له في حال هويه: إن لم تقف أو ترجع إليّ، وإلا فعلت بك وفعلت" فهذا سفه وحمق، وتكليف ما لا يطاق. وحكى قول الزمخشري «1» في الكشاف:" إن كان الله ينهى عن الذنب ثم يلجئ إليه، ويعاقب عليه، فأنا أول من يقول: إنه شيطان وليس بإله" «2». هذا ملخص «3» ما ذكره في هذا السؤال من غير إخلال بمهم. والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا الخصم بصدد القدح في النبوة. وإيرادك هذا السؤال لا يحصل لك المقصود، لأنه ليس كل طوائف المسلمين يقولون بهذه المقالة. فلو ناظرت في هذا معتزليا لخالفك في الإسلام ووافقك في القول بالقدر فانقطعت في هذا المقام. وأنا الذي قد تصديت لمناقضتك لو التزمت مذهب القدرية في هذا، لساغ لي في حكم النظر، لأن البحث بين/ مسلم ونصراني، لا بين قدري وسني.
الوجه الثاني: أن هذه مسئلة من فروع الشريعة «1» تثبت بثبوت أصلها وتنتفي بانتفائه «2»، فهي تابع لا مقصود، فيغنيك عنها القدح في أصل الدين «3» / إن يثبت «4» لك. وإنما ذكرك لمسألة القدر في هذا المقام كمن يقدح
في دين النصرانية بقبح التعميد «1»، وبناء المذبح «2»، وتقريب القربان، فإنك أنت كنت تقول له: تكلم فيما هو فوق هذا. ثم انزل إليه. الوجه الثالث: أما الآيات والأحاديث فصحيحه. ونحن نقول بها على وجه نقرره، وهو أن المسلمين أجمعوا على أن القرآن حق وصدق، وأن بعضه يوافق بعضا، فما أوهم منه التعارض تلطفوا للجميع بينه بما أمكن من الأسباب الجائزة. ثم إنهم رأوا الآيات المتضمنة لأفعال العباد موهمة للتعارض. تارة تضاف الأفعال فيها إلى الله، نحو واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ (96) «3» وقوله: اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... (62) «4»، ... ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (33) «5»، وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى
عِلْمٍ (23) «1» ونحوها. وتارة تضاف إلى العباد نحو فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا ... (38) «2» جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (24) «3» - هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) «4»؟ ونحوها. وهي من الطرفين كثيرة./ ففي هذا المقام انقسم المسلمون إلى ثلاث فرق، فرقة قالت بمقتضى القسم الأول، وألغت الثاني وهم الجبرية «5»: زعموا أن الله موجد أفعال خلقه استقلالا والعباد في وقوعها على جوارحهم مضطرون إليها كاضطرار السعفة إلى الحركة في الريح العاصف وسلبوهم الاختيار. وفرقة قالت: بمقتضى القسم الثاني وهم القدرية «6» / زعموا أن العباد
موجدون لأفعالهم استقلالا وأن الله- تعالى- «1» لا تعلق له بها بخلق ولا إرادة. وفرقة توسطت الطرفين المنحرفين، وقالت «2» بمقتضى القسمين. فنسبوا الأفعال إلى الله إرادة وخلقا، وإلى العباد اجتراحا وكسبا، وفسروا الكسب بأنه أثر القدرة القديمة في محل القدرة الحادثة، وساعدهم على ذلك ظواهر نصوص الكتاب والسنة من الطرفين «3». وورد على كل واحدة من الفرقتين الأوليين ما قالت به الأخرى، فاحتاجت إلى تأويله، والتعسف في تبطيله، فلزم الجبرية
التجوير «1»، والقدرية تعجيز القدير، والإشراك معه في آثار المقادير. ولهذا سموا مجوس الأمة، تشبيها بالمجوس القائلين بخالقين. إذا عرفت هذا فنقول: إنا إذا اشتققنا اسم فاعل من فعل أو صفة نحو شرير وظالم وضارب وقاتل، فتارة يراد به موجد ذلك الفعل وخالقه وعلة وجوده/ وتارة يراد به كاسبه وسببه. فقولك: لو كان الله مريدا للشر، والظلم لكان شريرا ظالما، إن عنيت بالشرير والظالم كاسب الشر، وسببه. فلا نسلم، إنما ذاك الآدمي «2». وإن عنيت خالقه وعلته فهو صحيح، لكن يكون في اطلاق لفظ «3» الشرير عليه إساءة أدب. إذ لم ترد الشرائع بإطلاق مثل هذا عليه «4».
والأشهر عندنا: أن أسماء الله توقيفية «1» لا قياسية وبهذا التفصيل يندفع ما ذكرته من المحال والتشنيع. وأما قولك:" كل آمر بشيء فهو مريد له، فممنوع. فإن هذا محل وهم، ومزلة قدم. وذلك لأن الإرادة تستعمل تارة بمعنى الطلب وتارة بمعنى رجحان «2» / وجود الممكن في نفس المرجح «3». فالأول ترجيح طلبي بمعنى الأمر، والثاني: ترجيح وجودي، وهو: موضوع الإرادة في الأصل. وأحد الأمرين يشتبه بالآخر، لأن الأول أثر الثاني، فإنه إنما يصدر الطلب غالبا بعد
رجحان الوجود في النفس «1». وحينئذ نقول: ما تعني بقولك:" كل آمر بشيء" فهو مريد له؟ " الإرادة الطلبية أو الوجودية؟ الأول: مسلم. لكن هذا يصير كقولك كل آمر بشيء فهو أمر به، لأن الإنسان قد يقول لصاحبه أو لعبده: أطلب منك، أو آمرك أن تفعل كذا. وأريد منك أن تفعل كذا بمعنى. والثاني: ممنوع، فلا يصح قولك: كل آمر بشيء فهو مريد له، أي: مرجح لوجوده. وقد ضرب الأصوليون لهذا مثلا، وهو: من أمر عبده بما لا يريده منه تمهيدا لعذره عند من لامه «2» على ضربه. فإن هذا جائز عقلا. وفيه حكمة مقصودة «3»، فجاز أن يكون/ لله سبحانه في الأمر بالشيء، وعدم إرادته «4» حكمة، وإن لم
ندركها «1». وقد ذكر" بقطينوس الحكيم" «2» - وهو من فضلاء النصارى وعلمائهم- من شأن الله- سبحانه- مع ملائكته ما إن صح، صلح أن يكون حكمة لهذا. وقد أشرت إليه في التعليق على الإنجيل. ولا يسهل عليّ الآن ذكره «3».
وحينئذ لا يلزم التناقض بين اقتضاء الطاعة وطلبها وبين كراهة فعلها «1»، لأن اقتضاءها خطابي وكراهتها نفسية. وقد يوجد هذا من البخلاء كثيرا، حيث يقول أحدهم لصاحبه: إذن فكل معي، تجملا «2» وهو يكره ذلك منه لآمة وبخلا، وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين/ الأمر بالشيء والنهي عنه. لأن الأمر والنهي خطابان محلهما اللسان، نحو افعل./ لا تفعل. بخلاف الكراهة فان محلها النفس، فلا تناقض الأمر. وأما ما ذكر من نصوص كتب الأنبياء فحق نقول به. وقد ورد به شرعنا. فإن الإنسان له قدرة واختيار يكتسب بهما، لكنهما تابعان لقدرة الله واختياره، فهما ناقصان نقص التبعية، وكون الشيء ناقصا لا يقدح في وجود مسماه، إنما يقدح في تمامه وكماله «3».
وأما المثل الذي شنع به من ربط الشخص وإلقائه من جبل. ثم يقال له: ارجع وإلا عاقبتك، فليس نظير ما نحن فيه، لأن هذا «1» إلجاء محض، وقسر صرف، وصاحبه جائر قاسط، وتعالى الله وحاشاه أن يفعل هذا، وإنما الله سبحانه لطيف لما يشاء، فتلطف إلى بلوغ مراده من شقوة من أراد شقوته من خلقه على وجه لا يلجئهم إلى مراده ولا يهملهم حتى يخرجوا من تحت قهره وقدرته، وسلط «2» على عبده نفسا أمارة، وهوى داعيا، وشيطانا مزينا للشهوات، وفي مقابلة هذه روحا وعقلا ودينا، فالقبيلان كجيشين يصطدمان على فعل الشر وتركه، ويترجح أحدهما بالتوفيق أو الخذلان. ثم قطع حجته بأن قال: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ولِساناً وشَفَتَيْنِ (9) وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (10) «3» يعني طريق الخير والشر، ليجتلب ويجتنب، فإذا أراد الله سبحانه شقوة عبد خذله فيرجح جيش شيطانه، وإذا أراد إسعاده وفقه فيرجح جيش عقله، والتوفيق والخذلان للإنسان في مدة عمره، كالخفير وقاطع الطريق في مسافة سفره، فكما أنك إذا استرشدك من لك به عناية عن «4» طريق أريته جهته، ثم سيرت معه غلامك، أو سرت «5» معه بنفسك، فخفرته فيها-/ من أن يضل عنها، أو يطأ فيها مهلكا، أو يقع في مغارة- حتى يقطعها إلى مقصده.
وإن لم يكن لك به عناية، قلت له: هذا الطريق. ثم تركته بلا تخفير، فمر على عماه «1»، فوقع على سبع فافترسه، أو لص فقتله، أو مهلك فتلف فيه، أو مغارة فمات عطشا، كذلك الله- سبحانه- إذا اعتنى بعبده جعل التوفيق له إلى الموت خفيرا، يمنعه من مفارقة الطاعات، ومقارفة المعاصي، وإذا غضب عليه لم يصحبه التوفيق وذلك هو خذلانه له، فقارف «2» المعاصي، وفارق الطاعات فكان شقيا. فحقيقة القدر إذا حقّقت وجدت عدمية، وهي كون الله سبحانه/ لا يتفضل على عبده «3» بالتوفيق العاصم من الهلاك، وليس عليه سبحانه ذلك بناء على أصلنا/ في أنه لا يجب عليه رعاية الأصلح لخلقه، بل يتفضل به تفضلا «4»، فالله سبحانه لا يلجئ أحدا إلى شر، لكن يخلي بينه وبين الشر. وفرق بين أنك تترك تخفير رجل في الطريق فيقتل وبين أن تقطع عليه الطريق فتقتله، وبين أنك تراه يريد أن يلقي نفسه من جبل فلا تمنعه، وبين أن تدفعه منه فيقع. فإن الأول ترك نفع، وهو عدم محض، والثاني: فعل ضرر محض، ولهذا أجمع الفقهاء على: أن من أخذ شخصا فغطه في الماء حتى اختنق
يقاد به «1»، وعلى أن من رأى إنسانا في الماء قد كاد يغرق، وقدر على تخليصه فلم يخلصه حتى غرق، لا يقتل. لكن في ضمانه له بالدية خلاف. الأصح أيضا النفي، وما ذاك إلا لما ذكرنا من الفرق. وأصل هذه المسألة إذا حققت رعاية للأصلح «2». وقد أشير في نبوة ارمياء إلى حقيقة القدر، حيث يقول الرب سبحانه لعصاة بني إسرائيل:" كما لا يقدر/ الهندي أن يغير سواد جلده، والنمر تبقيعه، كذلك أنتم لا تقدرون على الإحسان والخير، لأنكم قد تعودتم الشر" «3». وتقرير هذا: أن الباري- سبحانه- ركز في طباع العالم وجبلاتهم الميل إلى أفعالهم من خير وشر، كما ركز الإحراق في طبيعة النار، والإغراق في طبيعة الماء، وكما وضع السواد في الجسم «4»، والتبقيع في النمر والفهد والغراب الأبقع، والسم في الحية والظلم والاستيلاء في طبع السبع، لكنه أجرى فعل تلك الطبائع على كسب أهلها. فعلى الكسب يترتب الجزاء، وعلى ركز الفعل في الطبع، وتحريك الداعي له- وهو خلقه، المنسوب إلى الله سبحانه- يترتب التسليم، والله بكل شيء عليم.
وقد استقصيت القول في مسألة" القدر" في كتاب مفرد، سميته:" درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح" «1» على وجه بليغ لمن عقل الأسرار الإلهية. والله أعلم. وأما ما حكى عن الزمخشري فهو صحيح. لكنه أسرف في تغليط العبارة «2» فإنا ننزه الله تعالى عن أن يعاقب على فعل ألجأ إليه كما بينا. ثم نقول: إن الزمخشري رجل معتزلي غال في الاعتزال،/ حرف القرآن عن مواضعه، ليوافق مذهبه، واضطره ذلك فيما حكمى عنه السخاوي «3» - حتى حمل قوله تعالى: ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ... (28) «4» على معنى: أصبناه غافلا، كما يقال: أجبنت الرجل وأبخلته إذا وجدته كذلك «5». وتشبث
فيه بما لا حاصل له على ما بينته غير هاهنا" وأضله الله على علم" حتى نسي قوله: اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ «1» الآية ونظائرها". بقي هاهنا سؤال إذا ضويق القدرية فزعوا إليه، وهو: أن الله سبحانه وتعالى «2» / إذا خلق الفعل، فإما أن يمكن العبد تركه، أولا، والأول: تعجيز للرب حيث لم يتم مراده، والثاني: إلجاء للعبد، إذ لا يعني بالالجاء إلا اضطراره إلى الفعل على وجه لا يمكنه التخلص منه. فنقول: إن الله سبحانه إنما يخلق أسباب الفعل ودواعيه الأولية. ثم حقيقة الفعل توجد بكسب العبد مرتبة على تلك الأسباب. والالجاء لا نعرفه إلا بالمباشرة كما مثلتم في من/ ربط شخصا، وألقاه من جبل ثم توعده على السقوط. أما حتم وقوع الفعل بفعل الأسباب والوسائط فلا نراه إلجاء. فإن سميتموه إلجاء فهو نزاع في عبارة، ثم يلزمكم أن لا يستحق على الطاعة ثوابا لأن فاعلها ملجأ إليها، والثواب إنما هو لمن أطاع اختيارا. وذلك لأن الطاعات مترتبة بكسب الآدمي على أسبابها المخلوقة لله، كما أن المعاصي كذلك. والقدرية يجعلون ثواب الطاعة مستحقا عليها ومعلولا لها.
[كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك]
ثم يقال لهم: هل يلزم من خلق الفعل والعقوبة عليه غير القبح والتجوير؟ ثم هو لازم على قولكم في خلق القدرة على الفعل؟ فإن الله سبحانه يخلقها ويتسبب بها إلى إيقاع المعاصي من خلقه، ولو لم يخلق لهم قدرة عليها لم تقع منهم. وأجمع العقلاء على أن التسبب إلى القبيح قبيح، وإذا لزم القبح على المذهبين لم يكن أحدهما أولى بالفساد من الآخر، ثم يرجع إلى نصوص الشرع وهي في طرفنا. والله أعلم. قال:" نبذ من صحيح الحديث تنضم إلى ما نحن فيه" يعني من القدح في الصدق. [كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك] ذكر منها قوله- عليه السلام-:" إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة/ قالت: يا ويلها، أين تذهبون بها؟ «1» / يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق" «2».
قال:" وهذا أبين من أن يتكلم على بطلانه، إذ كيف يكون لميت صوت تسمعه البهائم والجمادات دون الإنسان، لأن شرط المسموع أن يكون صوتا خارجا، يتموج به الهواء، فيقرع صماخ الأذن «1»، فهل للبهائم والجمادات أسماع فضلا عن أن تكون أفضل فيها «2» من الإنسان؟ ". هذا حاصل ما قرر به «3» هذا السؤال، مع تشنيع ذكره يسير. قلت: الجواب العام عن كل حديث ذكره في هذا الكتاب: أنه من أخبار الآحاد التي توجب العمل لا العلم، فلا يثبت بها أصل، ولا يقدح بها في أصل وإنما يقدح في الشرائع ما تثبت بمثله الشرائع، وقد قرر هذا في المقدمات «4»، وفي آخر شرط الصدق بعد هذا «5». ولكنا نتبرع بالجواب «6». وجوابه من وجهين: أحدهما: أن الكلام في هذا وأمثاله من الحقائق الإلهية التي يقصر العقل عن
ادراكها «1»، فرع على ثبوت النبوة وتابع لها، كمسألة القدر، فحق الكلام أن يكون في رتبة قبلها. وأنت فقد قدمت من كلام" أرسطو" وغيره، أن نسبة إدراكاتنا إلى المبادئ الأولى كنسبة الخفاش إلى ضوء الشمس، ثم إنك في الاعتراض على هذه الأخبار تناقض «2» ذلك. فأنت هناك مشرع جامد، وهاهنا فيلسوف محلول، وحالك لا ينضبط. الثاني: أن العلماء نقلوا عن موسى، أنه لما ناجاه ربه أمر الريح فأخذت على أسماع الناس، ولولا ذلك لماتوا من صوته- تعالى «3» -، ونحن عندنا أن الكلام والادراكات ليس من شرطها الأدوات، بل يجوز أن يخلقها الله- تعالى- في الجمادات كما قال سبحانه: وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ... (44) «4». وهو عند المحققين على حقيقته التي تليق بكل شيء بحسب قوته واستعداده وما يهيئه الله له، فكذلك يجوز أن ينطق الله تعالى الميت كما أحيى الموتى لعيسى/ ويحجب صوته عن الإنسان لئلا يصير إيمانه بهذه الحقائق الغائبة ضروريا، فتبطل فائدة التكليف بالإيمان بالغيب، ويسمع صوتها «5» غير الإنسان على حسب ما يليق بالأشياء، لأنها ليست مكلفة فلا محذور.
وإذا كان الله سبحانه هو خالق الذوات من حيوان ناطق وصامت وجماد فهو خالق/ صفاتها وادراكاتها، وكما أخرج تلك القوى والادراكات من العدم إلى الوجود، كذلك هو قادر على أن يقوي ضعيفها ويضعف قويها، حتى يبلغ مراده، وهو بالغ أمره، وكل ما ينسب إلى قدرة الله- تعالى- من الممكنات لا ينبغي أن يصادم بالانكار، خصوصا إذا اقترن به أخبار أهل النواميس «1» الدالة على صدق أصحابها، وليس في هذا وأمثاله من الاستبعاد، إلا كونه غير مدرك لنا، ولو أدركناه لزال الاستعباد، كما أننا لو لم تثبت عندنا معجزات الأنبياء كقلب العصا حية، وتفجير الماء من الحجر «2»، وإخراج ناقة عظيمة من جبل «3»،
وإحياء الموتى «1» ونحوه، لما صدقت به العقول بادئ الرأي، إلا بعد نظر دقيق واستدلال «2». وهكذا ما نحن فيه، لمّا نظرنا فيه قد اتجه إمكانه، وأما وقوعه فيعتمد [على] «3» خبر الصادق، وقد بينا صدقه، وسنبين. ويجوز أن يحمل قوله:" سمع صوتها كل شيء إلا الإنسان" على السماع التقديري، أي لو كانت هذه الأشياء مما يسمع لسمعته، ويكون فائدة ذلك: الاخبار بصياح/ الميت عن داع وحرقه «4»، تنبيها على أسفه وشدة ندمه «5» ليتعظ به الأحياء، كما قال الشاعر في صفة الفرس: وشكا إليّ بعبرة وتحمحم «6»
وقال في صفة الحوض: امتلأ الحوض وقال: قطني مهلا «1» رويدا، قد ملأت بطني «2» أي لو كان ممن يتكلم لقال ذلك، وأنتم تستبعدون هذا التقدير، لأن لغتكم وأذهانكم قلف «3» مثلكم، مقصورة على إرادة الحقائق، وليس فيها توسع في المجاز، على أن المجازات في كتب الأنبياء كشعياء وغيره كثير «4» جدا «5»، وهو خفي بعيد حتى أنه في بعض المواضع رمز عقد بمرة «6».
[عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه]
[عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه] ومنها قوله في حديث ابن عمر: «الميت يعذب ببكاء أهله عليه» وأنكرت ذلك عائشة «1» وقالت:" إنما قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه" «2» قال:" وهذا باطل لأن الله تعالى لا يعذب أحدا بفعل غيره" «3». قلت: هذا اعتراض صحيح، لكنه ليس على النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل على الراوي الذي روى ذلك عنه «4». فإن هذا الحكم على خلاف نص القرآن، وهو قوله
تعالى: ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ... (164) «1» ومن المحال عادة أن من يقرر ناموسا وشريعة يخالف ما يدعي أنه أنزل عليه بما يقوله، ونسبته في ذلك/ إلى الغلط والوهم ممتنع عادة، لأن هذا مما لا يخفى عن عاقل، فضلا عن ذي ناموس. فالحاصل: أن راوي هذا الحديث وهم في روايته، وقد صح عن عائشة أنها قالت: " وهل «2» أبو عبد الرحمن- تعني ابن عمر-؟ إنما مر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم/ بقوم يبكون «3» على يهودي، أو يهودية، فقال: «إنهم ليبكون عليها/ وإنها تعذب في قبرها» «4».
فالبكاء والعذاب في هذا ليس بينهما ارتباط سببي، بل هو اتفاقي اتفق أن بكاءهم عليها صادف وقت تعذيبها. هذا على أن لحديث ابن عمر وجها صحيحا في التأويل، وهو أنه محمول على من وصى أن يناح عليه «1»، أو علم من أهله أنهم ينوحون عليه فلم ينههم، وكان ذلك عادة العرب، وزجرهم عليها «2» بهذا، لأن النوح على الميت يدل على التسخط بقضاء الله- سبحانه- فيكون الميت والحالة هذه متسببا إلى إيقاعه بوصيته به وإقراره عليه، والعذاب يترتب على التسبب كما يترتب على المباشرة، وقد قررت هذا الحكم في القواعد «3». ومنها: حديث عائشة أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر فسألت عائشة النبي صلّى الله عليه وسلّم عن عذاب القبر، فقال لهم: «عذاب القبر حق» قالت عائشة: " فما رأيت النبي [صلى الله عليه وسلم] «4» بعد «5» صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر" «6».
وذكر حديث أنس في عذاب القبر، وسؤال الملكين للميت فيه إلى قوله في الكافر:" يضرب بمطرقة [من حديد] «1» ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين" «2». قال: فتأمل هذا الحديث المصرح بعذاب القبر، وكيف أثبت عليه هذه الأضحوكة من كلام اليهودية مع عائشة؟ وكيف يسمع صياح الميت من يليه «3» إلا الثقلين؟ وكيف يسمع من لا يسمع، ولا يسمع من يسمع؟ ولا «4» يحتاج من له أدنى مسكة من تمييز إلى أن نبين له ما في هذا من الافتراء". قلت: هذان الحديثان صحيحان، وأجمعت الأمة المحمدية على إثبات عذاب القبر إلا قليلا منهم، وهم بعض المعتزلة «5» الموافقون للنصارى/ في ذلك وفي القدر- كما سبق-.
ويكفي أهل السنة من المسلمين فضلية: أن كلام أعداء الإسلام إنما يتجه معهم «1»، وعلى رأيهم، وأن أهل البدع لا يتجه عليهم لموافقتهم أعداء الدين «2» فإن هذا العلج لما قدح في النبوة، إنما وجه شبهه إلى أهل الحديث./ قلت: والجواب على هذا من وجوه «3»: أحدها «4»: أنك لو ناظرت في هذا معتزليا لسلمه لك، وخالفك «5» في دعوى الإسلام، فيكون قد أجابك بالقول بالموجب فتنقطع في هذا المقام. ولنا أن نلتزم مذهبه في جدالك، لأنه على كل حال من فرق الإسلام «6»، وإن كان مسلما نجسا «7»، كما أنك أنت نصراني نجس، لأنك تارة تثبت الشرائع وتارة توغل في الفلسفة والتعطيل، العائدة على النبوات بالتبطيل. الثاني: أن هذا الحكم من فروع الشريعة، ولهذا يذكره الفقهاء في كتب الفقه عند ذكر مشروعية التلقين، فهو تبع لا مقصود.
الثالث: أن جوابه التفصيلي هو جواب تكلم الجنازة بعينه من حيث التوجيه، ثم نجيب عن كلماته التي أساء بها أدبه. قوله:" أثبت هذه الأضحوكة بكلام يهودية" قلنا: هذه أضحوكة عند عقلك. لأن الله- سبحانه- يريد ضلالك «1»، حتى يوقعك فيها، وما ينفعك السيد المسيح. ثم إنه لم يثبتها بقول يهودية، بل بالوحي الصادق النازل على سبب إخبار اليهودية./ والقرآن والوحي كان ينزل على أسباب ووقائع «2» تقتضيه. ودليل عذاب القبر في القرآن نحو قوله تعالى: فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً «3» سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ «4»: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ
فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (46) «1». قوله:" كيف يسمع صياح الميت «2» من يليه إلا الثقلين؟ " قلنا: كما وجهناه فيما سبق. قوله:" كيف يسمع من لا يسمع؟ ". قلنا: يخلق الله قوة السمع فيه. قوله:" وكيف لا يسمع من يسمع؟ ". قلنا: يخلق الحجاب المانع للسمع على سمعه، كما سبق في مناجاة موسى «3». قوله:" لا يحتاج من له أدنى تمييز إلى أن يتبين له أن هذا افتراء". [قلنا: أما هذا فلا يشك عاقل أنه ممكن. وقد أخبر به الصادق. وأما ما يدعيه من إلهية المسيح أو بنوته، واتحاد الأقانيم، ونحو ذلك فلا يشك عاقل أنه افتراء] «4»، على الله ورسله، وأول خصم يكون لك يوم القيامة: المسيح. على ذلك. وأنت شخص متحير متردد، لا مسيحي ولا فيلسوف. بل كما قال «5» القائل: حدا باسمك الحادي وناحت حمامة فلم أدر أي الداعيين أجيب؟ «6»
[الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره]
[الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره] ومنها: في كتاب الزكاة «1»: حديث أبي هريرة: «ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة/ صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه» «2». وفي الحديث الآخر: «من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا «3» يأخذ بلهزمته «4» ثم يقول له: أنا مالك. أنا كنزك. ثم تلا: ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «5» الآية «6».
وفي حديث أبي ذر: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم، لا يؤدي حقها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر «1»، تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها حتى يقضى بين الناس» «2». وحديث أبي سعيد «3»: «تكون/ الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده، كما يتكفأ «4» أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة. فأتى رجل من اليهود. فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم «5». ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى. قال: تكون الأرض خبزة واحدة،
كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنظر النبي- صلى الله عليه وسلم «1» - إلينا وضحك «2» حتى بدت نواجذه ثم ذكر أن إدامهم بالام ونون «3» وهما ثور ونون يأكل من زائدة «4» كبدهما سبعون ألفا» «5». وحديث: «يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين «6»، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتمسى «7» معهم حيث أمسوا» «8» وفيه:" يقتص للشاة الجماء «9» من القرناء «10»، والعود لم خدش العود؟ " «11».
وحديث ابن عباس وعائشة: «يحشر الناس «1» حفاة عراة غرلا» «2» وحديث أبي هريرة: «إذا كان يوم القيامة دفع الله «3» إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداؤك «4» من النار» «5». ثم قال:" فانظر إلى هذه الأحاديث، وما تضمنته من الأخبار بأن مال الإنسان الذي يبخل به يصير صفائح من نار، ويصير أيضا شجاعا أقرع. وكيف أخبر عن حشر الحشرات والبهائم والعيدان، وأن الله يقتضي «6» بينهن. وكيف تمشي الجمال والبقر على الناس؟ وكيف يحشر الناس «7» على الجمال ركابا؟ ".
قلت: والجواب عن هذا/ من وجوه: أحدها: أن كل هذا ممكن، لا شك في إمكانه وقد أخبر به الصادق فيجب قبوله. الثاني: أنه ليس عندك في إنكاره إلا كونه لم يذكر في كتابك/ ونحوه وقد قدمنا: أن هذا استناد إلى الجهالة، واعتماد على الضلالة، ونحن عندنا أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم أكمل الأنبياء وأشرفهم، فلا يمتنع أن يختص من العلم بما لم يعلموه، على أن أصول دين الإسلام مشتركة بين سائر الأديان لقوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا/ الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ «1». ولكن ذلك بدّل وغير في كتبكم لتطاول العهد، واعتوار «2» اللغات والألسنة عليه «3».
الثالث: أن هذا من الأمور الإلهية التي اعترفت أنت وحكيت عن أرسطو: " أن قوتنا بالنسبة إلى ادراكها، كإبصار الخفاش إلى الشمس" «1» وأن فائدة النبوات تعريف مثل ذلك، فليس لك أن تعترف بقصور عقلك عن أمر تعود فتنكره بناء على أن عقلك لا يدركه، بل إن اعترفت بأن الشرائع وردت بما يقصر عنه العقل البشري، لزمك تسليم مثل هذا إذا أخبر به صادق، ولا يبقى لك نزاع إلا في صدقه وعلينا بيانه، وإن أنكرت ذلك فلست من أهل الشرائع حتى نتكلم معك، لأن أهل الشرائع أجمعوا على خلافك «2». الرابع: أن العالم بأسره لما أنكر عليكم دعواكم: أن الله هو المسيح وأنه عبارة عن ثلاثة أقانيم: الأب والابن وروح القدس، إله واحد، لجأتم إلى إمكان ذلك في قدرة الله، مع أن دعواكم إذا حققت كانت باطلة قطعا عند كل عاقل، وتمحلتم «3» لاثباتها بتشبيهه بالشمس المتحدة في نفسها المشتملة على جرم وضوء وشعاع، وبالزبرة «4» المحماة المشتملة/ مع وحدتها على حديد ونار وشرر، وأشباه هذا من الأشياء التي لا حاصل لها واستروحتم «5» إلى ذلك، مع أنه مكابرة جبناء فنحن أولى أن نلجأ في هذه الأمور الغائبة عنا، الممكنة في نفسها بلا خوف إلى قدرة الله سبحانه.
الخامس: أن هذه الأحاديث ممكنة وفيها فوائد وحكم، ومن أتى بشيء ممكن فيه حكمة وفائدة وجب قبوله منه، نبيا كان أو غيره، ما لم يقم دليل على «1» بطلانه. أما امكانها فظاهر. وأما فائدتها: أما في حديث الصفائح والشجاع الأقرع، فتخويف الناس وحضهم على أداء حقوق الفقراء من أموالهم «2». وفيها: حق لله، وهو تعبدهم بإخراج المال المحبوب، ووجه الجمع بينهما: إما بأن يحمل على أن بعض الناس يكوى بماله، وبعضهم يمثل له شجاعا، أو بأن مال الإنسان الواحد يكوى به تارة، ويمثل له شجاعا أخرى، ومعنى تمثيله له شجاعا: أن الله- سبحانه- يرسل عليه حية يعاقبه بها على ترك الزكاة. وقوله:" أنا مالك، أنا كنزك" أي عقاب مالك، وجزاء منع حق كنزك. أو أن الله يخلق من الذهب والفضة شكل حية، ثم ينفخ فيها الروح/ فتفعل ذلك «3»، كما أنه نفخ الروح في خشبة بيد موسى، فصارت حية تلقف ما
صنعوا «1». وأما بطح صاحب الأنعام لها حتى تطأه وتنطحه فظاهر الامكان وفائدته: ما ذكر. وأما حديث «تكون الأرض خبزة» فهو شيء قد أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» ووافقه عليه حبر من أحبار اليهود، ولهذا فرح النبي- عليه السلام- بموافقته لئلا يستبعد ذلك منه جلف مثلك، وذلك يدل على أن اليهود يجدون ذلك في التوراة/ وهي حجة عليك. فإن قلت: لم نجد/ هذا في التوراة عندنا الآن، ثم يجوز أن اليهودي واطأه على ذلك، أو خاف من مخالفته لئلا يقتله. قلت: الجواب عن الأول: أن التوراة حرفت عما كانت في ذلك العصر فلا يلزم من عدم وجدانكم له عدمه حينئذ. وعن الثاني: بأن اليهود «3» كانوا يوردون عليه المسائل ويمتحنونه، ويصدقونه في شيء ويكذبونه في أشياء، وما نقل عنه: أنه قتل منهم على ذلك أحدا، بل إنما كان يقتلهم في المحاربة «4»، ولو كان قاتلا أحدا منهم على شيء من ذلك لقتل
" ابن صياد" «1» لما قال له:" أتشهد «2» أني رسول الله؟ " قال أنت رسول الأميين. ثم قال له ابن صياد: أتشهد أني رسول الله؟ " فقال:" آمنت بالله ورسله" فقال له عمر بن الخطاب: دعني أقتله يا رسول الله- وكانوا يرونه الدجال- فقال:" لا" إنه إن يك هو فلن «3» تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا
خير في قتله" «1». ولقتل" لبيد بن الأعصم" الذي سحره حتى اضطرب حالة السحر «2»، ثم لما ظهر عليه عفا عنه «3»، وكم بلغه السب والشتم من اليهود وغيرهم فعفا عنهم عن قدرة. وأما حشر الناس على الإبل والدواب، واقتصاص بعضها من بعض فتحقيقا لإقامة العدل، في كل شيء من خلقه، والآخرة لا تقلب الحقائق، فكما يركب الناس الدواب الآن يركبونها هناك. وهذا يكون في الأرض لأن الله- سبحانه- يطوي السموات والأرض بيمينه «4» ويبدل الأرض غير الأرض «5».
وأما حشر الناس حفاة غرلا، فتحقيقا لقوله تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا «1». وأما كونه يدفع إلى كل/ مسلم يهودي أو نصراني، يكون فداءه من النار، فلأن اليهود قتلوا الأنبياء وكذبوهم «2»، وصلبوا إلهكم المسيح بعد ظهور الخوارق على يده «3»، والنصارى «4» ادعوا إلهيته وإنما هو نبي كريم «5». فأولئك فرطوا فيه وهؤلاء أفرطوا فيه «6»،/ وكفرتم جميعا بمحمد- صلى الله عليه وسلم- «7» بعد مجيئه بالبينات والهدى «8» وما جزاء من يفعل ذلك إلا النار. وأنا أرجوا أن تكون أيها العلج فدائي من النار، لما حصل بيني وبينك من النظر والجدال في الله فنحن خصمان اختصموا في ربهم إن شاء الله تعالى «9».
ومنها: حديث: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله» «1». وفي سورة آل عمران «2»: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169). وذكر عن تفسير ابن عطية «3»، حديث: «إن أرواح الشهداء على باب الجنة في أجواف طير خضر» «4» في أشياء مما يتعلق بهذا. قلت: وذلك مما لا إشكال فيه. فإن الأرواح عندنا أجسام لطيفة فلا يمتنع أن يكرم الله الشهداء بأن يعلقها بأشكال الطيور «5»، ليدوم نعيمها حتى القيامة جزاء على جودهم بأنفسهم في سبيل الله.
وأما بقية الشهداء، فهم شهداء تسمية: إما باعتبار أن لهم كأجر الشهداء في سبيل الله تفضلا «1»، أو لأن ملائكة شهداء المعركة تشهدهم [أو غير ذلك. لا حكما. بدليل أحكام شرعية افترق فيها القبيلان «2»، كالغسل والصلاة «3» ومغفرة الذنب بأول قطرة من دم] «4»، حتى الدّين يعفى له عنه على مقتضى حديث روي في ذلك «5»، دون بقية الشهداء/.
[الإسراء والمعراج]
[الإسراء والمعراج] ومنها: حديث المعراج والبراق «1»، وما جرى فيه/ من العجائب، وخلاف الناس في دخوله بيت المقدس أم لا؟ وأن المعراج هل كان بشخصه أم بروحه مناما؟ قلت: حديث المعراج أجمع المسلمون على صحته. والمعتمد عليه منهم على أنه كان بروحه مناما مرة، ثم كان بشخصه يقظة أخرى. وكانت الأولى تمهيدا للثانية، وأنه عليه السلام دخل بيت المقدس «2».
[الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه]
وحديث المعراج، وما جرى فيه مما «1» يجب تسلمه عن «2» صاحب الشريعة إذ لا طريق إليه إلا من جهته، كما كان يخبر موسى بما يجري له مع ربه على الطور «3»، وكما أخبر المسيح أنه يصعد إلى أبيه فيكون عن يمينه، وأنه في آخر الزمان يأتي في مجد أبيه والأملاك حوله «4». [الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه] ومنها: الآيات والأحاديث المتضمنة لذكر ما في الجنة من مأكول ومشروب ومنكوح. وذكر من الأحاديث ما هو صحيح وباطل وأنكر ذلك واستعظمه بناء على شبه: إحداهن: ما نقل عن الإنجيل: أن المسيح قال في القيامة:" لا يتزوجون ولا يأكلون ولا يشربون، ولكنهم مثل ملائكة الله في السموات" «5» وذكر عن جماعة من الأنبياء/ أنهم سألوا الابتهاج بوجه الله- يعني فلا يكون بغيره. الثانية: أن الطعام والشراب في الدنيا لضرورة بقاء الأبدان، لأنها بدونهما تلهك، وهناك يصيرون كالملائكة لا يخشى عليهم الهلاك، لأنها دار السعادة الكاملة.
الثالثة: ما ذكره أبو علي ابن سينا «1» في" التنبيهات" حيث تكلم في: " البهجة والسعادة" وحاصله: أن اللذة ليست منحصرة في الحسيات «2» بل الإنسان قد/ يترك الحسيات «3» لتحصيل لذة الغلبة، ولو في أمر ما خسيس كالشطرنج، أو في تحصيل ذكر جميل بعده، يقتحم لأجله الأخطار، وليس ذلك من اللذات العقلية، فما ظنك بالعقلية؟ " «4». هذا حاصل ما ذكره في هذا «5» السؤال، وان كان قد أسهب «6» فيه وأطال. والجواب: أما اللذات الحسية من مأكل ومشرب ومنكح، وكل ما يشتهيه الإنسان من اللذات الممكنة التي لا تغذي فيها، فهو مجمع على حصوله في الآخرة بين المسلمين. وأما شبه هذا الخصم على بطلان ذلك:
أما الأولى: فلا شك أنهم نقلوا في الإنجيل عن المسيح: أن الزنادقة المنكرين للقيامة سألوه عن سبعة إخوة تزوجوا امرأة واحدا بعد واحد، ويموتون عنها، فلمن تكون في الآخرة؟ «1» فأجابهم بما ذكر هاهنا، وهو: أن الناس في الآخرة كالملائكة لا يأكلون ولا يتزوجون، لكن هذا ينافيه ما في الفصل التاسع والعشرين «2» من إنجيل مرقس: أن المسيح قال لرجل:" بع كلما لك واعطه للمساكين واكنزه في السماء" فصعب على الرجل، فقال له بطرس: ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فقال يسوع:" الحق أقول لكم: إنه ليس أحد ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو بنين أو حقلا لأجلي ولأجل بشارتي «3» إلا وهو يأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان: منازل وإخوة وأخوات وأب وأم وبنين في الشدائد وفي الدهر الآتي في الحياة المؤبدة، أولون كثيرون يكونون آخرين، وآخرون أولين". قلت: فهذا نص في أن الناس في نعيمهم في «4» الآخرة، كهم في الدنيا،/ وصرح بذكر المرأة. وفائدتها: النكاح، وبالحقل. وفائدته:/ الأكل، وكذا «5» قال في آخر الفصل التاسع والعشرين «6» من إنجيل مرقس:" من ترك شيئا لي أخذ أضعافه في الحياة الدائمة".
وهو عام في كل ما ترك من الدنيا، فيتناول المطعم/ والمشرب والمنكح «1». فهذا نص المسيح، على خلاف ما ذكرتم عنه في جواب الزنادقة، فأحد النصين كذب قطعا، وحينئذ يسقط الوثوق بالانجيل لوقوع الكذب فيه. وأما جوابه للزنادقة بما ذكرتم، فإن صح فهو محمول على قيامة الموت لأن قيامة كل أحد موته، لأنه أول منازل القيامة فكأنه «2» يقول: إذا مات الشخص تجرّ «3» روحه من بدنه، فكان كالملائكة، حتى يبعث جسده يوم القيامة فيعطى أضعاف ما ترك لأجلي في الدنيا، جمعا بين نصيه، وإلا فالحكاية موضوعة مختلقة، ويدل على ذلك: أن سؤال الزنادقة له إنما هو على جهة الإيراد على دينه، والإلزام له على ما أشار إليه سياق الإنجيل ولا يتم لهم ذلك إلا بعد علمهم بأن من دين موسى والمسيح ثبوت النعيم الحسي في الآخرة، فجوابه لهم بما ذكرتم عنه يكون موافقة ومساعدة لهم. وقد استوفيت الكلام على ذلك في:" التعليق على الإنجيل" «4».
[رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة]
[رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة] وأما سؤال الأنبياء للابتهاج «1» بوجه الله سبحانه فلا يبقى ما يدعيه، لجواز أن تكون البهجة بالأمرين، أعني النظر إلى وجه الله، والتمتع باللذات الحسية، وهذا عين ما نقوله. وقد سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعائه التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم «2»، وأجمع على جوازه ووجوبه المسلمون. وفي القرآن الكريم: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ «3» وأجمع المفسرون/ على أن المراد بالزيادة: النظر إلى وجه الله سبحانه «4». وأما الثانية: فمثبتة على التي قبلها وقد بطلت، ثم لا نسلم: أن الطعام
[البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك]
والشراب في الدنيا لضرورة بقاء الأبدان على الاطلاق، لأن ذلك إنما تصح دعواه فيما يقيم الرمق «1» ويحفظ البنية، فما قولك فيما زاد على ذلك كأنواع المآكل والمشارب من اللحوم والحلاوات وأنواع الأشربة، ولهذا من ترهب «2» من النصارى والمسلمين يقتصر على البلغة «3»، ويدع ما سواها مما يتناول للتنعم «4». وإذا كانت الدنيا مع أنها دار فناء ونفاد، فيها هذا النعيم، فالدار الآخرة الباقية الدائمة المأمونة الزوال أولى بذلك. ثم هب أن المأكول والمشروب لضرورة بقاء البدن، فما تقول في النكاح مع أن البدن يبقى بدونه؟ فهو من باب النعيم لا محالة. [البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك] وأما الثالثة: فهي مبنية على رأي" أبي علي" «5» في أن المعاد لا يكون إلا روحانيا، فلا تتصور «6» اللذات الحسية. إذ شرط ادراكها/ تعلق النفس بالبدن وحجته على ذلك «7»، ما حكاه الإمام فخر الدين «8» في المباحث المشرقية:" أن
البدن لو أعيد لكان إما أن يعاد في زمن ابتدائه، أو في غيره. فإن أعيد في زمن ابتدائه، لزم اتحاد الزمنين، مع ما بينهما من الفواصل الكثيرة والأزمنة المتعددة، وهو «1» محال. وإن أعيد في غيره لم يكن المعاد هو عين المبتدأ" «2». قلت: وهذا وهم قبيح من مثل ذلك الفاضل العلامة. لأنه كأنه يوهم أن الزمان داخل في حقيقة البدن، أو أن اتحاد الزمن شرط في صحة الإعادة. وليس كذلك، ولا دليل عليه. ومذهب المسلمين/ قاطبة: القول بالمعاد البدني،/ وإدراك اللذات الحسية والعقلية. ولذلك مناسبة حسنة، وهي: أن العالم على ثلاثة أضرب. عقل محض كالملائكة، وشهوة محضة كالبهائم، ومركب من الأمرين وهما الثقلان. فالطرفان لا مشقة عليهم. أما البهائم فلعدم التكليف وأما الملائكة فلعدم الشهوة المعارضة لعقولهم، والثقلان واسطة، عليها المشقة لتنازع العقل والشهوة في مراديهما. فيتعب «3» الإنسان بينهما كالمخلص بين متخاصمين. فلا جرم أن الملائكة لما عبدوا الله بالعقل المجرد الخالي عن معارضة الشهوة كانت لهم اللذة العقلية، والبهجة
الروحانية. والبهائم لما خلت عن عقل تعبد الله به تمتعت باللذات الحسية الشهوانية مدة بقائها في استعمال المكلفين لها ثم يوم القيامة، تصير ترابا بعد أن يقتص لبعضها من بعض «1»، لأنه لا عبادة لها تستحق بها يوم القيامة لذة عقلية ولا حسية. وعند مصيرها ترابا يقول الكافر: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) «2» وبنو آدم لما تعبدوا فيما بين العقل والشهوة وجب بمقتضى هذه المناسبة أن يجمع لهم في الآخرة بين اللذتين العقلية بمقتضى العقل الذي عبدوا الله وعرفوه به، والحسية بمقتضى الشهوة التي صبروا على خلافها في طاعة الله- سبحانه- ولو في التوحيد وهذا معنى قوله تعالى: وجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وحَرِيراً (12) «3» أي بما صبروا على الطاعات وعن الشهوات «4». هذا آخر الجواب عما يستحق أن يجاب عنه من هذا السؤال من الآيات والأخبار الصحيحة، فأما ما ذكره من ضعيف الأخبار. وكلام" أبي حامد" «5» وغيره: فلا يلزمنا/ الجواب عنه، ولا هو ممن يستحق ذلك".
[الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام]
[الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام] قال: وفي سورة الأعراف «1»: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ .... وقال في سورة السجدة «2»: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إلى قوله: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها ... (12) «3». فمقتضى هذه الآية الثانية أن السموات والأرض خلقتا «4» في ثمانية أيام ألا ترى أنك لو قلت: بنيت بيتا وأسسته في يومين، وأقمت حيطانه في أربعة أيام، وسقفته في يومين، لم يشك عاقل، يسمع قولك في «5» أن مدة إقامتك البيت بجملته ثمانية أيام. ولهذا يلزم محمدا- صلى الله عليه وسلم- «6» إن كان صادق الإخبار في الآية «7» الأولى فالثانية بالضرورة كاذبة. وبالعكس. وذلك مطلوبنا.
قلت: الجواب عن هذا: أن الآيتين لا تناقض فيهما «1»، ولكن هذا الشخص لم تكن له معرفة بالقرآن ولا لغة العرب وتنزيل الألفاظ منازلها وجدير بمن يتكلم فيما لا يعلم أن يخطئ ويتلعثم. وبيان ذلك: أن القرآن مصرح في أكثر من ستة مواضع بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام «2». فهذه نصوص لا تحتمل التأويل. وهذه الآيات التي في سورة السجدة «3». فيها نوع اجمال. والمراد بها ما في تلك النصوص، ولا يبين ذلك إلا بالتأويل، والتوفيق بين الكل، ومن قواعد الأصوليين حمل المجمل على المبين،/ والظاهر على النص، والمطلق على المقيد، والعام على الخاص فهذا مجمل، أو محتمل نحمله على ذلك النص الصريح. وبيانه: أن اليومين المذكورين في قوله: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ؟ داخلان في الأربعة المذكورة في قوله: وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وبارَكَ فِيها وقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) والدليل على ذلك من وجوه: أحدها: أن الله سبحانه يقول في سجدة" الم" «4» وغيرها: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ... (4) ثم ثبت بهذه الآية المتنازع فيها أنه خلق السموات في يومين، فتعين أنه خلق الأرض بما فيها من الجبال والشجر
والبحار والأقوات وغيرها في أربعة أيام، لأن هذه الأشياء إما من حقيقة «1» الأرض، أو مما بينها وبين السماء. فتعين بما ذكرناه أنها داخلة فيما خلق في أربعة أيام التي منها اليومان الأولان «2». الوجه الثاني: أن قوله: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إما أن نعلقه بتقدير الأقوات فقط، أو به وبما قبله من خلق الأرض وجبالها، والبركة فيها. والأول باطل، لأنه يلزم «3» / أن يكون فعل ما قبل ذلك، لا في زمان، وهو محال. فتعين الثاني، وهو أن أربعة الأيام متعلقة بجميع ما تقدم، من قوله: خَلَقَ الْأَرْضَ إلى قوله: أَقْواتَها «4» وعلى هذا اعتراض لا يخفى. الوجه الثالث: أن محمدا- عليه السلام- لم يشك أحد في حكمته وفصاحته ولهذا نسبه الأعداء إلى أنه إنما أقام ناموسه بالحكمة والسيف. ومن يكون من الحكمة في هذه الرتبة لا يناقض ما صرح به في ستة مواضع بما يقوله في موضع، ولا يخفى عليه ذلك. فدل هذا على أنه أراد بما في هذه الآية ما في تلك الآيات. وذلك إنما يصح بجعل اليومين الأولين داخلين في الأربعة الثانية ويصير/ هذا كما لو قلت: سرت من القاهرة «5» إلى بيت المقدس «6» في عشرة أيام، وإلى
دمشق «1» في عشرين «2». فإن «3» العشرة داخلة في العشرين. أما ما ذكرته من أن «4» قول القائل: بنيت بيتا فأسسته في يومين وأقمت حيطانه في أربعة أيام، وسقفته في يومين: يفيد أن الجملة ثمانية أيام. فجوابه أن فرضك لهذه الصورة مع تقدير تقدم النص من القائل بأنه «5» أقام جملة البيت في ستة أيام، أو مع عدم تقدير ذلك؟. فإن قلت: مع «6» تقدير تقدم النص المذكور كان كمسألتنا. فلا نسلم استفادة ثمانية أيام من القول المذكور «7»، بل ستة كالمنصوص. ويكون ذلك النص قرينة في هذا التأويل، أعني حمل الثمانية الظاهرة على الستة المنصوصة. وإن قلت: مع عدم النص فليس ذلك مثل مسئلتنا، إذ لا نص معنا يكون قرينة نحمل بها الظاهر عليه، وحينئذ لا يلزم ما ذكره من كذب إحدى الآيتين ولا يحصل له مطلوب.
[مكان دفن الأنبياء]
[مكان دفن الأنبياء] ومنها: ما رواه مالك «1» في" موطئه" بسنده إلى أبي بكر «2» في كتاب" الجنائز" قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه» فحفر له فيه «3». قال:" وهذا افتراء وقول باطل. فإن" يعقوب" توفي بمصر، وحمل إلى «4» مقبرة أبيه إبراهيم" فدفن فيها «5»، وكذلك" إبراهيم" و" إسحاق" دفنا هناك ولم يدفنا في مكانيهما من داريهما، وكذلك" داود" و" سليمان"/ إلى غيرهما من الأنبياء ماتوا بأماكنهم، ودفنوا في غيرها. وبالجملة: ما دفن نبي من الأنبياء في مكانه الذي توفي فيه، فضلا أن يكونوا أجمعون دفنوا حيث ماتوا". قلت: الجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن ما ذكره من دفن يعقوب في غير/ موضع موته، مأثور عن التوراة، والتوراة فيها من التحريف والتهافت والتناقض ما يمنع الوثوق بها- كما سبق-.
الثاني: أنه «1» ذكر في التوراة أن يعقوب بقي بمصر يبكي عليه سبعين يوما «2». ولو بقي ذلك القدر غير مدفون لأنتن وأراح «3» إذ هو بشر على كل حال وذلك إهانة للميت. ولهذا جاء في شرعنا: أن من إكرام الميت أن يبادر بدفنه، فدل على أنهم دفنوه حتى انقضت مناحتهم «4»، ثم استخرجوه فنقلوه إلى آبائه. وحينئذ لا يكون نقله منافيا لدفنه حيث مات. فإن قيل: لعلهم صبروه «5» حتى مكث تلك المدة ولم يحتج إلى دفن. قلنا: هذا لم ينقل في صورة التوراة ولا غيرها ومجرد احتماله لا يكفي في التصديق به. وما ذكر فيها من تحنيطه لا يدل على تصبيره، إذ كل الموتى يحنطون عند الإمكان «6».
الثالث: أنك ناف ونحن مثبتون، والإثبات مقدم على النفي، إذا استوى المخبران، فكيف والمخبر بالإثبات ذو ناموس عظيم. وأنت فيلسوف علج. الرابع:- وهو المختار عندي في الجواب- منع صحة الحديث «1»، فإني كشفت عنه في كتاب" الجنائز" من الموطأ فلم أجده «2»، ولم أعلم أحدا رواه إلا أحمد قال: حدثنا عبد الرزاق «3» قال: أنا «4» ابن جريج «5»، قال: أخبرني أبي «6»:
أن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يدروا أين يقبروه؟ «1» حتى قال أبو بكر سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لم يقبر نبي إلا حيث يموت» «2» فأخروا فراشه «3» وحفروا له تحته» «4». قلت: وفي هذا الحديث جهالة وإرسال، لأن أبا ابن جريج لا يعلم حاله في الرواية، وقد أرسله عن الصحابة، فلا نعلم هل سمعه منهم أو من غيرهم عنهم؟. وهاتان/ علتان لا يبنى «5» على ما كانتا فيه من الحديث فرع فضلا عن أن نلتزم تسليمه، والجواب عنه فيما يقدح في أصل الشريعة. ورواه ابن هشام «6» في السيرة من وجه لا يسكن إليه أيضا. وروى الترمذي من حديث عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اختلفوا في دفنه. فقال أبو بكر سمعت من «7» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا ما نسيته قال:" ما قبض الله نبيا إلا في
الموضع الذي يجب أن يدفن فيه" ادفنوه/ في موضع فراشه «1»، وهو حديث غريب. وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي «2» وهو يضعف «3». كيف وقد روى ابن مكة «4» في" أماليه" والسهيلي «5» في" الروض": أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما مات قالوا له: كيف نصلي عليك؟ قال: «إذا وضعتموني على شفير قبري في بيتي فاخرجوا عني، فإن الملائكة تصلي عليّ أولا» «6». وساق الحديث. فمع هذا النص كيف يكون الخلاف في موضع دفنه؟ فهذا مما يدل على ضعف ذلك الحديث.
علامات الساعة وموقف النصارى منها
[الجزء الثاني] [علامات الساعة وموقف النصارى منها] قال: ومن هذا القبيل من الأخبار عما يستقبل ما خرّجه مسلم عن أبي سعيد عنه «1» قال:" لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة [اليوم] " «2» وهذا باطل للعيان، وها نحن على وجه الأرض أكثر من العالم في ذلك الزمان. وقد أتت المائة سنة التي ذكر، وبعدها مئون"/. قلت: هذا جهل بمراد هذا الحديث، وإنما المراد به ما تبين في حديث أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما على الأرض نفس منفوسة- يعني اليوم «3» - تأتي عليها مائة سنة» / رواه مسلم «4» والترمذي «5». وعن ابن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قال: «أرأيتم ليلتكم هذه؟ على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد».
قال ابن عمر: فوهل «1» الناس في ذلك فيما «2» يتحدثونه من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «3»: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» يريد أن «4» ينخرم ذلك القرن". أخرجاه في الصحيحين «5»، ورواه أبو داود «6» والنسائي «7» والترمذي «8». وقال حديث حسن «9» صحيح. فحديث أبي سعيد إن لم يكن فيه هذا التقييد فهو محمول عليه بهذين النصين «10».
قال العلماء: وفائدة إخبارهم بذلك: أن يبادروا بالعمل ويغتنموا مدة المهل. ولعمري إن هذا النصراني معذور في سوء فهمه لهذا الحديث، إذ كان بعض الصحابة وهم فيه. ثم العجب ممن يفهم من هذا الحديث غير ما ذكرناه مع أنه- عليه السلام- وعد بأشياء تكون عند اقتراب الساعة كالدجال ويأجوج ونحوها «1» من نفخ الصعق، والقواطع الدالة على بقاء العالم، لكن الوهم لم يسقط عن أحد. والله أعلم. قال/: وفي كتاب" الطلاق" «2» من البخاري «3» عن سهل بن سعد الساعدي «4» قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «5»: «بعثت أنا
والساعة كهاتين» مشيرا بالسبابة والوسطى «1». ومن باب قرب الساعة من البخاري ومسلم عن عائشة: أن رجالا من الأعراب كانوا يأتون النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» فيسألونه عن الساعة فكان ينظر إلى أصغرهم/ فيقول: «إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم" «3». قلت: أما الحديث الأول فصحيح المعنى، إذ معناه أنه بعث قريبا من قيام الساعة، لكن البعد والقرب إضافيان، فقد يكون الشيء قريبا بالنسبة إلى أبعد منه، بعيدا بالنسبة إلى أقرب منه، والتفاوت بين الوسطى والسبابة نحو سبعها تقريبا، ومنذ بعث «4» آدم إلى حينئذ نحو سبعة آلاف سنة- على خلاف في ذلك- «5».
ومن عهد النبوة إلى الآن قريب من ألف سنة «1»، فهذا تقريب صحيح. ووقت القدح في هذا الحديث لم يأت بعد. فإن تمادي العالم نحو ألف أو ألفي سنة أخرى قد يتجه «2» للقادح أن يقدح أو نجيب نحن «3» بجواب آخر. وأما الحديث فصحيح أيضا، والمراد بقيام ساعتهم فيه موتهم لأن من مات فقد قامت قيامته، لأنه يصير إلى أوائل أوقات القيامة، إذ" القبر أول منازل الآخرة" «4». ثم هذا معارض بما في آخر الفصل الرابع والعشرين «5» من إنجيل مرقس. والتاسع والعشرين «6» من إنجيل لوقا: حيث يقول المسيح:" إن هاهنا قوما من القيام لا يموتون «7» حتى يعاينوا ملكوت الله" «8».
ومراده بملكوت الرب: القيامة، كما في سائر المواضع من الإنجيل ولا يصح حمل ملكوت الله هاهنا على الآيات والمعجزات، لأنهم كانوا قد عاينوها. قال: وفي تفسير ابن عطية لسورة القمر، قال أنس: خطب رسول الله/ وقد كادت الشمس تغيب فقال: «ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقى من هذا اليوم فيما مضى» «1» وقال: «إني لأرجو أن/ يؤخر الله أمتي نصف يوم» «2». قلت: هذا حديث له أصل في الرواية لكنا لا نحقق صحته كغيره، لكن قد «3» رواه النسائي وابن ماجه «4» والترمذي وحسنه، فلا يلزمنا الجواب عنه، بل
الأحاديث الثابتة في الرواية كأحاديث البخاري ومسلم لا يلزمنا الجواب عنها في هذا المقام، لأنها آحاد، والآحاد غايتها أن تثبت بها أحكام الفروع لا أن تورد نقضا على أصول/ الشرائع «1». ولهذا قال أكثر طوائف المسلمين:" لا تثبت بأخبار الآحاد صفة لله، لأن مسائل الأصول القطعية لا تثبت إلا بقاطع" «2» وإنما نحن تبرعنا بالجواب عن تفاصيل هذه الأحاديث تبرعا. وهذه قاعدة نافعة في هذا الباب- وقد سبقت في أول الكتاب- ثم إن «3» تبرعنا بالجواب عن هذا كما تبرعنا به عن غيره «4». فمعنى قوله:" ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي «5» من هذا اليوم فيما مضى" هو قريب من قوله: «بعثت أنا والساعة كهاتين». والمعنى الجامع بين الحديثين تقليل «6» ما بقي من الدنيا بالإضافة إلى ما مضى منها، وهذا صحيح، فإنه- عليه السلام- أخبر بجملة من أشراط الساعة وقد ظهر
كثير منها، فما عادت تتأخر، ولو عاش هذا الخصم لأبصر. وأما قوله: «إني «1» لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم» فالمراد باليوم من أيام الآخرة «2» وهو ألف سنة لقوله تعالى: وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) «3» ولا شك أن علم وقت الساعة من كنوز الغيب الذي استبد «4» الله بعلمه لقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... (34) «5» وقوله: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ... (187) «6». فالنبي- صلى/ الله عليه وسلم- ما كان يعلم عين وقت الساعة، لأنا لم نعتقده إلها، كما اعتقدتم إلهية المسيح، بل هو رسول كريم يعلم ما أعلمه «7» الله سبحانه كما قال: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ... (27) «8» فكان يعلم أمارات الساعة وقد أخبر بها ووقع بعضها ونحن ننتظر الباقي لا عين وقتها، ولذلك قال: «اني لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم» يعني خمسمائة «9»، وها قد أعطاه الله رجاءه وزيادة فهذا اليوم سبعمائة سنة وسبع سنين". وفي الزمان تراخي.
[منافع الحبة السوداء]
[منافع الحبة السوداء] قال: وفي كتاب الطب من البخاري «1» عن عائشة قالت: سمعت النبي يقول: «إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام» «2». قلت: هذا الحديث صحيح متفق عليه «3»، وفي لفظ البخاري عن ابن أبي عتيق «4» قال: (عليكم بهذه الحبة السوداء، خذوا «5» منها خمسا أو سبعا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه- يعني المريض- بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب «6» فإن عائشة حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ... الحديث «7».
وعن قتادة قال: حدثت/ أن أبا هريرة قال:" الشونيز «1» دواء من كل داء إلا السام" قال قتادة: يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة، فيجعلهن في خرقة، فلينقعه، فليستعط به كل يوم في منخره الأيمن قطرتين، وفي الأيسر قطرة، والثاني: في الأيسر قطرتين وفي الأيمن قطرة./ والثالث: في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة «2». قلت: فالظاهر أن هذا عن توقيف فلا ينبغي أن يقدح في هذا الخبر حتى يجرب على هذه الصفة، فإن صح فقد حصل المقصود، وإلا أمكن الجواب من وجوه: أحدها: أن أثر الشيء/ قد يتخلف لمانع، فربما تخلف أثر الشونيز لعدم خلوص نية المستشفي به في تلقي خبر الشارع «3»، ولا شك أن الشارع لم يبعث طبائعيا «4» ولا طبيبا، وإنما يصف ما يصف من هذا على جهة التبرك باختياره فيصير كالأدعية التي أمر بها، وقد صح عنه أنه قال:" إذا دعوتم «5» الله فادعوه وأنتم
موقنون بالإجابة، فإن الله لا يسمع دعاء من قلب غافل لاه" «1» أو لغير ذلك من الموانع. الثاني: حمل الخبر على التقييد بما إذا كان المعالج به النبي صلى الله عليه وسلم كرامة له وإعجازا. الثالث: تقييده بما إذا ركب مع أدوية خاصة «2» تركيبا خاصا أو في زمن خاص أو في مزاج خاص. وليس هذا بأول لفظ قيد من ألفاظ الأنبياء، فإن الاطلاقات في كلامهم كثيرة والعلماء يقيدونها. ثم ماذا ينكر من الخبر. وقد ذكر الأطباء للشونيز منافع كثيرة؟. قال ابن جزلة «3» في المنهاج «4»:
«الشونيز حار يابس في الثالثة مقطع للبلغم، جلّاء، محلل للرياح والنفخ ويقطع الثئاليل «1» والخيلان «2» والبهق «3» والبرص «4» والجرب «5»، وينفع من الزكام البارد، وخصوصا مقلوا مجموعا على «6» خرقة كتان ويطلى به جبهة من به صداع بارد ويفتح السدد، والسعوط به ينفع ابتداء الماء، وشربه ينفع من انتصاب النفس «7» ويقتل الديدان، ولو طلي على السرة، وبذر الحيض، والماء والعسل للحصاة، ويحل الحميات البلغمية والسوداوية، ودخانه يطرد «8» الهوام، وهو ينفع من لسع الرتيلا «9»، وقدر ما يؤخذ منه إلى درهم «10» ".
وذكر غيره له غير ذلك من المنافع. ثم إنه إذا كان حارا يابسا في الثالثة فاتجاه مضمون الحديث منه معقول. وذلك لأنه متمكن في طبع الحياة/ وهو الحرارة. فهذا أصل يبنى عليه، ثم المرض ينقسم بانقسام العناصر/ الأربعة في كيفياته، وهي معروفة. وتقرر أن العلاج قمع الشيء بضده، فإن كان المرض باردا رطبا، فالشونيز مضاد له فيصلح دواء له. وإن كان باردا يابسا فقد تضادا في الحرارة واشتراكهما في اليبوسة يعدل بالمرطبات، وكذلك إن كان المرض حارا رطبا أو يابسا تضادا في الحرارة. وما اشتركا فيه يعدل على ما شرحته الصناعة. وبهذا التقرير يصح «1» أن فيه دواء من كل داء. بقي أن يقال: فعلى هذا تبطل فائدة التخصيص بالشونيز، لأن هذا متجه في كل حار يابس أو رطب فيقال: يجوز أنه خصه بالذكر لما اختص به من خواص لا يشارك فيها، أو أنه كان «2» أعم وجودا عندهم أو أن هذا مفهوم لقب «3» فلا يكون حجة على انتفاء الحكم في غيره «4».
(الشرط الثاني الطهارة)
[طهارة محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلو همته] قال:" وإذ قد فرغنا من امتحان الشرط الأول وهو الصدق. وحصلنا من «1» ذلك على ما اتضح «2» وظهر. فلندخل إلى امتحان الشرط الثاني وهو: الطهارة فنتأمل ما صح عنه من ذلك". قلت:" قوله: وحصلنا من ذلك على ما اتضح وظهر" يوهم أنه/ حصل على مطلوب. ولم يحصل مع «3» ما أجبنا به على شيء فليجمع خاطره «4». قال:" فمن ذلك حديث البخاري عن أنس قال: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة «5» قيل له «6»: وكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين «7» ".
ثم ساق أحاديث عشرة النبي- عليه السلام- لنسائه واستمتاعه بهن، نحو ماروت عائشة:" أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «1» كان يقبلها/ وهو صائم ويمص لسانها «2» "، وقولها:" خالط ريقي ريقه في آخر أيام الدنيا" «3»،" وكان يأمرني وأنا حائض فأتزر ويباشرني «4» " وقصة تزوجه زينب «5». وقوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ... (37) «6».
وقول عائشة حين نزلت: تُرْجِي «1» مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ «2» ما أرى ربك إلا يسارع في هواك «3». وما ذكره المسلمون من أن من «4» خصائصه أنه كان إذا وقع بصره على امرأة ورغب فيها وجب على الزوج طلاقها، وأنه لما رأى زينب حاسرة قال: (سبحان مقلب القلوب) «5» وأن
صفية «1» صارت لدحية «2» فوصفت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- «3» فبعث إلى دحية فأعطاه ما أراد ثم أخذها فقال لأم «4» أنس «5»:" أصلحيها" «6».
وذكر السبب في قوله تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ... (1) «1» وأشباه هذا. ولم يذكر في هذا الشرط تشنيعا بناء على ما قدم في أول الكتاب من كلام موسى بن عبيد الله وغيره: أن حاسة/ النكاح عار فهذه مقدمة. ثم أثبت هنا أن محمدا كان مولعا بحاسة النكاح فانتظم له الدليل «2» فصار في التقدير تقريره هكذا «3»: محمد كان مولعا بحاسة النكاح، وحاسة النكاح عار، فمحمد كان مولعا بالعار ومن كان مولعا بالعار لا يكون طاهرا. والنبي من شرطه أن يكون طاهرا، فمحمد ليس بطاهر فلا يصلح أن يكون نبيا. والجواب عن هذا قد سبق أول الكتاب تاما كاملا «4»، لكن نبين هنا وجه بطلان شبهته، وذلك بمنع أن حاسة النكاح عار، بل هو من أحسن الأفعال، وجيد القرب، لأن فيه مصلحتين عظيمتين:/ إحداهما: وجودية، وهي إقامة النوع الإنساني بتكثير العباد والعبادة «5». والثانية: عدمية، وهي إعدام الزنا بالاكتفاء بالحلال، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
لأصحابه: «في فعل كذا صدقة، وفي كذا صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله: أيأتي أحدنا شهوته ثم يثاب؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان يعاقب؟» قالوا: نعم. قال: (فكذلك) «1». ثم يقال: إن كان هذا عارا فالأنبياء المتقدمون أولى به، فقد كان لسليمان ألف من بين زوجة وسرية وطاف في ليلة واحدة على سبعين امرأة «2» " وكانت له
امرأة يحبها فعبدت صورة ابنها في داره بغير علمه، فعاقبه الله عن ذلك بأن نزع عنه الملك أربعين يوما «1» ". وكان لداود تسع وتسعون امرأة ثم صعد يوما السطح فرأى امرأة أوريا بن حنان «2» تغتسل، وكان من فرسانه وقواده فأرسل فشدد عليه في الجهاد حتى قتل ثم تزوج امرأته فكانت هي أم سليمان، وكانت تلك خطيئة «3». ومحمد- عليه السلام- إنما أخذ امرأة من زوجها باختياره بإذن الله «4».
وفي التوراة أن" أبيمالخ" أشرف يوما على" إسحاق"/ وهو يلاعب امرأته" رفقا" «1» وأن لوطا" أسكرته ابنتاه حتى أحبلهما «2». وأن" روبيل" ابن يعقوب وطئ سرية أبيه ونجس فراشه «3»، وأن" يهوذا ابن يعقوب" زنا بكنته على الطريق ورهنها عمامته وخاتمه وقضيبه على جدي يعطيها إياه «4». فأي العارين أشد؟ من ينكح النساء حلالا أم من ينكحهن زنا؟. على أننا لا نصدق هذا في الأنبياء، بل هو عندنا محرف مبدل، لكنه لازم/ لكم لأنه في التوراة، وأنتم تحتجون علينا بها. ثم إنا نقول لهذا النصراني: إن أول من نكح النساء" آدم" ثم تتابع بنوه في النكاح، الأنبياء والأولياء والصالحون والطالحون. فكيف يكون هذا/ عارا في حق بعضهم دون بعض؟ وهل هذا إلا عناد؟. ولأجل هذا السؤال الفاسد أنزل الله على نبيه- عليه السلام-: ولَقَدْ أَرْسَلْنا
رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وذُرِّيَّةً ... (38) «1». ولعلك حيث إن المسيح لم ينكح النساء تلزم العار جميع الأنبياء. وذلك لا يلزم، فإن المسيح- على رأيك- كان هو الله، أو ابن الله، فلا يجوز عليه النكاح. وعلى رأينا: أن «2» ذلك كان منه زهدا وعزوفا عن الدنيا، ولو تزوج وأولد لكان أكمل له، وعلى رأي بعض الناس: إنه كان حصورا كيحيى بن زكريا، لا يقدر على إتيان النساء «3». وعلى رأي آخرين أن ذلك كان آية كما كان «4» وجوده لا من بشر آية. فإلزامك على طريق المسيح ما يعود بالقدح على النوع الإنساني على الإطلاق لا يجوز ولا يسمع.
(الشرط الثالث الإعجاز)
[معجزات محمد- صلى الله عليه وسلم- وموقف النصراني منها] قال:" الشرط الثالث" الإعجاز ولم يأت محمد بمعجز، ولا خارق من خوارق العادة. قال: والدليل على ذلك: ما جاء في كتاب «1» السير أن أشراف قريش اجتمعوا عند الكعبة. فقالوا: يا محمد ما أدخل أحد على قومه ما أدخلت علينا لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسببت الآلهة فإن كنت تريد السيادة سودناك، أو المال أغنيناك أو كان بك جنون بذلنا أموالنا وأبرأناك. فقال:" لا شيء من ذلك كله، بل الله أرسلني إليكم بشيرا ونذيرا" قالوا: فإن كنت غير قابل/ ما عرضناه عليك، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلدا منا، ولا أشد عيشا، فسل ربك- إن كنت نبيا- فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليخرق فيها «2» أنهارا، كأنهار الشام والعراق «3»، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن في من مضى منهم «4»
" قصي بن كلاب" «1» فإنه كان شيخ صدق، فنسألهم عما تقول، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك، وعرفنا لك منزلتك من الله. وأنك رسوله. فقال لهم:" ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله بالذي «2» بعثني به" قالوا: فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك فيما تقول، ويراجعنا «3» عنك، وسله فليجعل لك خياما وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي بالأسواق وتلتمس المعايش «4» كما نلتمسها. قال:" ما أنا بفاعل. ولا أسأل ربي هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا". قالوا: فأسقط السماء علينا كسفا. وقالوا كثيرا حتى انتهى مقالهم إلى أن قالوا:/ أما علم ربك أنا سنسألك عما سألناك عنه فعلمك بما تراجعنا به «5»،
ويخبرك بما هو صانع بنا «1»، إذ لم نقبل منك/ ما جئتنا به «2». قد بلغنا: أنه إنما يعلمك بهذا رجل باليمامة «3» يقال له: الرحمن «4» وإنا- والله- لا نؤمن بالرحمن أبدا. ثم انصرف محمد حزينا إلى أهله «5». قال:" أفلا ترى كيف سألوه عن جملة معجزات، فلم يأت بواحدة، فظهر أنه إنما كان يعلمه القرآن: الرحمن الذي ذكروه، لا غير".
قلت:/ أما قوله: إن محمدا لم يأت بمعجز فسنذكر من معجزاته ما يكتفي ببعضه العاقل، وأما ما ذكر من أنه لم يجب قريشا إلى ما سألوه من المعجزات فجوابه من أربعة أوجه: أحدها: أنه علم أنهم معاندون، وأنه لو أتاهم بذلك لم يؤمنوا «1» .. والدليل على ذلك في كلامهم. فإنهم قالوا له: أزل عنا هذه الجبال، وخرق لنا الأنهار في أرضنا، وأوسعها «2» علينا، وابعث لنا آباءنا مع" قصي «3» " فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك. فعلقوا تصديقهم له على شريطين: إزالة الجبال ونحوها، وتصديق الموتى [له، ولم يكتفوا بأحد الشرطين. ولا شك أن من له نية في متابعة الحق يكتفي ببعض ذلك. فإن بعد تصديق الموتى] «4» له في ذلك لا يبقى إلا العناد. فلما علم
عنادهم لم يجبهم إلى ذلك. ولهذا أوحى الله إليه: ولَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ... (111) «1». وكذلك كان. فإنه لم يؤمن من قريش إلى يسير أول الأمر. الوجه الثاني: أنه علم باستقراء أحوال الأمم الخالية مع أنبيائهم أنه إن «2» عاجلهم بإظهار الآيات مع ما علمه منهم من العناد، أنهم يهلكون كما هلك قوم فرعون «3» بعد إظهار موسى آياته وعاد «4» وثمود «5» وغيرهم، وكما مسخ قوم
من قوم المسيح: خنازير، لما لم يؤمنوا بعد نزول المائدة «1»، ونحو ذلك فأراد التمادي بهم رجاء أن يفيئوا إلى الحق. وقد جاء في الحديث أنه- عليه السلام- قال: «خيرت بين أن يجعل الله لي الصفا/ ذهبا ثم إن لم يؤمنوا هلكوا، وبين أن ينظروا حتى أدعوهم إلى الإسلام فاخترت أن ينظروا» «2» معنى الحديث هذا، فهو «3» - عليه السلام- كان
حريصا على إسلامهم، لا على تعجيل هلاكهم، ولهذا قال الله سبحانه: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59) «1»./ أي إلا أن كذب بها الأولون فأهلكناهم، وأنت استأنيت «2» بقومك فأجبناك إلى ذلك. ولهذا- لما أتاهم بعد ذلك بالخوارق كانشقاق القمر «3». وتسليم الشجر «4» وعجزوا عن معارضة القرآن، ولم يؤمنوا- جاءهم العذاب فاستؤصلوا بالسيف يوم بدر «5» وغيره.
الوجه الثالث: أنهم سألوه ما يسقط فائدة التكليف بالإيمان بالغيب وبيانه أنهم سألوه إحياء الموتى. فلو بعثهم لهم لأخبروهم بصحة ما وعدهم وأوعدهم من ثواب وعقاب، وجنة ونار، فكان يحصل لهم بذلك العلم الضروري بما هناك فيصير إيمانهم كإيمان فرعون، لما عاين الملك ليقبض روحه قال:" آمنت «1» " فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا «2». والمقصود: أنما هو الإيمان الاختيارى، لا الضروري. وما يفضي إلى سقوط فائدة التكليف. لا تجوز الإجابة إليه،/ وكذلك إنزال الملك عليهم يسقط فائدة التكليف. الرابع: المعارضة بما في الفصل الحادي والعشرين من انجيل مرقس «3»: أنهم سألوا المسيح آية فلم يأت بها. والجواب مشترك. ومما يدل على جهلهم وعنادهم في سؤالهم له: أنهم أنكروا./ عليه فقره، وابتغاءه الرزق بالأسواق. وقالوا: قل لربك يجعل لك خياما «4» وقصورا وكنوزا من ذهب يغنيك عن ذلك «5». وهل في ابتغاء الرزق عيب عند أحد من العقلاء؟ وقد كان الأنبياء يبتغونه
برعاية الغنم وغيرها، وهل علم من حال أحد من الأنبياء أن الله جعل له خياما «1» وقصورا وكنوزا من ذهب «2». إنما فعل ذلك بالفراعنة لطغيهم كقارون «3» وفرعون وهامان «4» ونظرائهم. ولذلك عاب الله عليهم قولهم حيث قال: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) الآيات إلى قوله: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «5» ثم قال «6»: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ
لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ويَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ... (11) «1» وأما قولهم: أما علم ربك أنا سنسألك عما سألناك فيخبرك بما تراجعنا به، وبما يفعل بنا إذ لم نقبل منك؟ فإنا نقول: تحذيره «2» الذي راجعهم به، هو الذي أمر به، إذ كان لا ينطق عن الهوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «3» وقد كان يتوعدهم بما سيجري لهم كقوله: ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) «4» وقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46) «5» / ونحو ذلك كثير. وقولهم: وقوله:" إنما يخبره بذلك ويعلمه رحمن اليمامة". الجواب عنه من وجوه: أحدها: أنه لم يصح لنا عن محمد- صلى الله عليه وسلم- «6» أنه دخل اليمامة ليجتمع برحمانها «7» ولا جالس أحدا من علماء الأولين، ولا الكهان بمكة ولا غيرها. فهذا كذب منهم وافتراء، وإنما هذا منهم كان على جهة الاستهزاء لما قال لهم: «اسجدوا/ للرحمن «8»» يعني: الله. قالوا: لا رحمن إلا رحمن اليمامة. أنسجد له «9».
كما أنه لما توعدهم بالزقوم، قال لهم أبو جهل «1»: أتدرون ما الزقوم الذي يتوعدكم به محمد؟ إنما هو الزبد بالعسل. أما والله لئن رأيناه لنتزقمنه تزقما «2» ولذلك يقول الله له: وكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ .. (105) «3» وقال: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48) «4». الثاني: أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب، يتيما لا أب له مستضعفا بين قريش وجبابرتها، فكيف يختصه رحمن اليمامة بالتعليم دون غيره من أصحاب الكتابة والقوة؟. الثالث: أن الذي نسبه إلى التعليم من رحمن اليمامة إنما هم نفر يسير من قريش، من جبابرتها وجهالها، على ما ظهر من جبروتهم وجهلهم في سؤالهم فكيف اختص هؤلاء بعلم ذلك دون بقية سادات العرب الذين اتبعوه من سائر القبائل كأبي بكر وعمر «5» وعثمان «6» وعلي وغيرهم؟، مع أن المسيح يقول في
الإنجيل «1»:" ما من خفي إلا سيظهر ولا مكتوم/ إلا سيعلن" فلو علم بقية العرب ذلك وصح عندهم لما بايعوه ولكانوا «2» مع الذين خالفوه وهذا مما تتوفر «3» الدواعي على نقله وظهوره، فاختصاص نفر يسير به دون سائر العرب محال عادة. الرابع: أن علماء العرب وعقلاءهم كانوا يصدقونه في دعواه، كورقة بن نوفل «4» وأبي طالب «5» حيث يقول: وعرضت دينا لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا إلى أن قال: ولقد صدقت وكنت قدم أمينا «6»
ورأى ابنه عليا يصلي مع رسول الله فقال: يا بني ما هذا؟ قال:/ علمنيه محمد. فقال: يا بنى تابع ابن عمك، فإنه لا يرشدك إلا إلى خير. وإنما منع أبا طالب من الإسلام، ما ذكره في شعره حيث يقول: لولا الملامة أو حذاري سبة «1» لوجدتني سمحا بذاك مبينا/ وكزيد بن عمرو بن نفيل «2».
ومن الكهان الذين بشروا بنبوته:" سطيح" «1» و" شق «2» " و" خطر" «3»
كاهن ذكره الديار بكرى «1» في تفسير قوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ... (18) «2» وذكر له حكاية عجيبة «3». ومن الرهبان: بحيرا «4» وسلمان «5» وأصحابه وغير هؤلاء كثير. الخامس: أن رحمن اليمامة إن كان قد كان عالما بمثل هذا العلم الغزير كيف لم يدع به النبوة، ويستغني عن واسطة غيره؟ مع أن مثل منصب النبوة مما لا يؤثر به أحد غيره، ويجتهد أن لا يدعه يستقر لغيره، لما علم من حب النفوس للرئاسة.
وقد كان أمية بن أبي الصلت «1» يطمع في النبوة، فلما لم تحصل له مات غيظا وحسدا، ولم يتابع محمدا على أن المعروف أن رحمن اليمامة هو مسيلمة وقد أظهر الله فضيحته يوم الحديقة فقتل، ولما رهقته السيوف قال له أصحابه ما أوحى إليك ربك؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم «2» وحريمكم، واعترف بالكذب على الله. السادس: أن هذا السؤال ألزم للنصارى «3» منه للمسلمين، لأن محمدا كان أميا، لا يختلف في ذلك اثنان: فإتيانه بمثل هذا العلم والناموس إن سلمتم أنه لم يستفده من بشر «4» غيره فهو معجز في نفسه، وإن اتهمتموه بأنه تعلمه «5» من غيره فالمسيح أولى بالتهمة لأنه تعلم الكتابة صغيرا وجالس العلماء وسمع منهم وكانوا يتعجبون من فرط ذكائه وإدراكه في هيكل أورشليم «6»،
وغيره، كما ذكر في الإنجيل «1». وحينئذ يتسع/ لقائل أن يقول: إن حكمة المسيح كانت من العلماء والكتب، ومعجزاته كانت شعبذة وتخييلا، كما نسبه إلى ذلك اليهود. فأنتم في الطعن على محمد كاليهود في الطعن على المسيح، فإن صدقوا صدقتم. وأن كذبوا كذبتم، والفرق عليكم متعذر عسير «2». قال: ومن الأدلة على كونه لم يظهر معجزة: ما قال في سورة الإسراء «3»: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) إلى قوله سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «4» وقوله: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ... (59) «5» وحسبك شهادة أنه لم يرسل بالآيات. قلت: لقد أبان هذا السائل في هذا السؤال عن بلادة عظيمة وسوء فهم مع أنه متفلسف، والمعهود من الفلاسفة جودة الذهن وحسن الفهم. أما قوله: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «6» / فليس فيه ما يدل على أنه/ لم يأت بمعجز، بل فيه اعتراف بالبشرية والرسالة والعبودية بين
يدي ربه- عز وجل-. ونحن «1» نقول:" إن المعجز يخلقه الله على يدى أنبيائه لا أنهم هم يخلقونه على أيديهم". وقد روى وثيمة في القصص «2» قال: قال سعيد «3» عن قتادة عن الحسن «4»: إن موسى لما غشيه فرعون تقدم إلى البحر فقال له: إن الله أمرني أن أسلك فيك طريقا، وضرب بعصاه البحر من غير أن يوحى إليه، فأنطق الله البحر فقال له يا موسى أنا أعظم منك سلطانا وأشد منك قوة. وأنا أول منك خلقا وكان عليّ عرش ربنا وأنا لا يدرك «5» قعري ولا أترك أحدا يمر عليّ إلا بإذن/ ربي وأنا عبد مأمور ولم يوح إلي فيك شيء. ولم ينفرق له حتى أوحى الله إليه بذلك «6».
وذكر أيضا قال: قال خارجة بن مصعب «1» عن أبي إلياس «2» عن وهب: أن موسى كان يضرب الحجر بالعصا فتنفجر الأنهار لبني إسرائيل، فقالوا يوما: لو ضاعت العصا أو الحجر متنا عطشا. فأراد الله أن يريهم قدرته وسوء ظنهم فأوحى إلى موسى فأخبره بذلك وقال: الآن لا تضرب الحجر بالعصا ولكن كلمه واعزم «3» عليه باسمي فإنه يطيعك، فغضب موسى من كلام بني إسرائيل، ونسي ما قال له ربه، فضرب الحجر بالعصا فلم تنفجر الأنهار على عادتها. فذكر عهد ربه فأقسم على الحجر باسمه فأجاب وقال: أما تستحي يا موسى أن تنسى عهد ربك؟ هلا كان هذا قبل الآن؟ ثم تفجرت منه الأنهار «4». فالأنبياء بشر وليسوا- كما اعتقدتم في المسيح أنه يفعل الأشياء بنفسه،
فمعنى قوله: ... هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93) «1» أي: لا آتي بالمعجز إلا أن يأذن فيه ربي «2»، وأنه لم يأذن له في ذلك الوقت، للوجوه التي بيناها قبل. وهذا أيضا معنى قوله تعالى: وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ ... (109) «3» أي أن إظهارها متوقف على إرادته. وأما قوله: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ... (59) «4» فليس إخبار بنفي الإرسال في عموم الأوقات، حتى انقضى عهد النبوة، بل ينفيه في وقت خاص وهو في أول الأمر ثم أرسل بها بعد ذلك «5» بدليل قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) إلى قوله: ولَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5) «6».
قال:" ولما أسرف «1» عليهم في طلب اعترافهم له بالنبوة، وألحوا عليه في طلب الآيات، وهو لا يظهر منه غير تلاوة القرآن عليهم، عظم ضجرهم حتى ضجوا منه واستغاثوا، فقالوا في صياحهم: .. اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32) «2». قال: فلم يأتهم بآية ولا لحقهم ضرر، فلما رأى ذلك اعتذر بأن تلى عليهم: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ ... (33) «3» الآية. قلت: وهم في هذه الحكاية،/ وهي حجة عليه. والصواب فيها: أن قريشا والنبي صلى الله عليه وسلم لما التقوا يوم بدر استفتح عليه المشركون: أبو جهل والنضر بن الحرث «4» وغيرهما. فقالوا: اللهم إنا لا نعرف ما جاء به محمد، فافتح بيننا وبينه. وقال أبو جهل: اللهم انصر أحب الطائفتين إليك اللهم أقطعنا للرحم، وأفسدنا للجماعة فاحنه «5» اليوم. فقتل أبو جهل
والنضر في السبعين قتيلا، وأسر مثل ذلك في ذلك اليوم، فكان استفتاحهم عليهم «1». ثم لو سلمنا من أنهم قالوا ذلك لضجرهم منه، لكن قد أتاهم العذاب الأليم يوم بدر وغيره، وأي عذاب يكون أشد من أن يقتل الشخص ذليلا حقيرا، ثم يصير إلى العذاب الأليم؟ «2». وأما قوله: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ ... (33) «3» قال الكلبي «4»: " معناه لو أراد أن يعذبهم أخرجك من بينهم" «5». قلت: لأن الأنبياء رحمة، لا عذاب. فلا يعذب من هم فيه. ألا ترى أن لوطا لم يعذب قومه، حتى خرج عنهم، وصالح ونوح وموسى وغيرهم من الأنبياء كذلك. فهكذا. محمد لم يعذب أهل/ مكة حتى خرج منها.
وقوله: ... وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) «1» فيه قولان: أحدهما: وفي أصلابهم من سبق في علم الله، أنه سيوجد فيكون من المؤمنين المستغفرين. والثاني: وبين أظهرهم مؤمنون مستخفون يستغفرون، فلما خرجوا من بينهم عذبوا بفتح مكة، وقيل: بيوم بدر «2». قال:" فإذا كان أعداؤه المكذبون لا يعذبهم وهو فيهم. فكيف عذب أصحابه يوم" أحد" وهزموا. وقتل منهم جماعة". والجواب: أن ما جرى لهم يوم أحد ليس عذابا، بل شهادة. بدليل قوله تعالى: ... وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) «3» وقوله: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) «4» وهي في شهداء أحد «5»، ولئن كان قتل المؤمنين في سبيل الله عذابا فليكن قتل يحيى وزكريا «6» وصلب المسيح عذابا، ونعم الله- سبحانه- على خلقه تارة تكون بأسباب سهلة كالأكل والشرب والنكاح. وتارة
تكون بأسباب شاقة كالشهادة والعبادات والرياضات. كما أن صحة البدن تارة تكون بتناول الأغذية والأشربة المستلذة وتارة بتناول الأدوية المستكرهة كالصّبر «1» ونحوه. قال:" وجاء في السير «2» ": أن زينب بنت الحرث «3» أهدت لمحمد شاة
مصلية وأكثرت من السم في الذراع، لأنه كان يحبها، فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور «1» فأساغ «2» منها لقمة فهلك. ولفظ محمد لقمته. وقال:" إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم" وساق القصة. قال:" وقد كان/ هذا الموضع أحق المواضع بالمعجز، وأن يعلم بالحال فيجتنب الأكل ويخبر صاحبه. قال" وأما قوله: إن هذا العظم ليخبرني بأنه مسموم" فليس بصحيح لأنه إما أن يكون أخبره قبل أن يسيغ بشر لقمته أو بعد ذلك فإن كان الأول/ فلم لم يخبر بشرا حتى مات بأكلته. وإن كان الثاني فالمخبر له موت بشر في الحال وانزعاج روحه هو حين لاك اللقمة المسمومة وكانت سبب موته بدليل قوله: " ما زالت أكلة خيبر تعادني «3» حتى كان هذا أوان قطعت أبهرى" «4».
قلت: أما هذه القصة فصحيحة. وأما قوله هذا الوقت كان أحق بإظهار المعجز فقد بينا أن المعجز وجوده إلى الله لا إلى الأنبياء والله بالغ أمره بأسبابه، ثم هذا يرد عليكم في المسيح، حيث صلبه اليهود فإنكم زعمتم أنه كان إلها وأنه كان يزجر الريح فتسكن والبحر فيركد وكان يحيي الموتى ويستخفي عن أعين الناس إذا أراد، فلما صار في الخشبة صاح صيحة عظيمة وسلم الروح" وقد كان هذا الوقت أحق بإظهار المعجز. فإن قلتم كان ذلك باختياره. قلنا: هذا كذب، ومحال، فإن في الإنجيل «1» أنه جمع التلاميذ وصعد بهم إلى الجبل وقال: اسهروا معي الليلة لأسأل أبي أن يغير عني هذه الكأس. وسأل ذلك فلم يجب وجاء أعداؤه فأخذوه من هناك إلى حكم الموت. وأما إخبار العظم للنبي- عليه السلام- بأنه «2» مسموم فهو حق كما أخبر، وماذا يستبعد منه وقد سبح في يديه الحصى «3»، وحن إليه/ الجذع «4»،/ وسلم
عليه الحجر «1»، وأطاعه الشجر «2». قوله:" إما أن يكون أخبره قبل اساغة بشر لقمته أو بعدها". فجوابه من وجوه: أحدها: أن هذه قسمة غير حاصرة لجواز أنه أخبره بعد اساغة بشر لقمته، وقبل تغيره فإن السم بالغا ما بلغ ليس صاعقة تحرق بمجرد ملابستها «3» الجسم بل لا بدّ من نفوذه إلى الروح ثم سريانه إلى القلب. الثاني: أنه من الجائز أن بشرا سبق بلقمته فابتلعها، ثم صبر على ما وجده من ألمها ظنا أن ذلك لعارض «4» يزول «5»، أو أن «6» لقمته كانت من الموضع الذي سمه قليل، فإن في القصة أنها أكثرت السم في الذراع وسمت سائر الشاة فلم يحس به سريعا، وأن النبي- عليه السلام- اشتغل يأكل ولم يميز إلى بشر لما عرف من أدبه على الأكل أنه لا ينظر إلى جليسه فأخبره الذراع حينئذ، ثم ظهر بعد ذلك تأثير السم في بشر.
الثالث: لو حملنا أخبار الذراع هاهنا على مجازه وهو الاستدلال بانزعاج الروح بالسم كما يقال:" أخبرني السيف بما لقي من الوقائع" استدلالا بفلول مضاربه على ذلك. و" أخبرني المنزل برحيل أهله منذ حين" لدروس رسمه، ونسخ الرياح آثاره- لما كان فيه محذور. فإن لمحمد- عليه السلام- من المعجزات المحققة ما يغنينا عن المنازعة في هذه. وحينئذ يكون الإخبار صحيحا بلا نزاع. قال:" فها نحن قد بينا لك بنص القرآن على طريق الاختصار أنه لم يأت بمعجزة وتبين ذلك من الحديث الصحيح عندهم" وذكر حديث مسلم: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي/ من الآيات ما آمن على مثله البشر/ وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحى الله إلى وأرجوا أن أكون «1» أكثرهم تابعا يوم القيامة «2» ". قال:" فمن حاول التعصب له، ورام الانتصار بشهوة نفسه بالتمسك بنقل الآحاد للمعجزات المردودة عند علماء المسلمين فقال: إنه فعل وصنع شيئا من المعجزات، فهو مكذب لقرآنه، وحديثه الصحيح.
قال:" وقوله في الحديث:" إني لأرجو «1» أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" مسلم له. فإن جميع أهل الباطل والكذب متبعوه إلى جهنم يوم القيامة. وأهل الحق الذين هم قليلون بالنسبة إلى هؤلاء يتبعون سيدنا المسيح إلى الحياة الدائمة"./ قلت: قوله:؛ قد بينا بنص القرآن أنه لم يأت بمعجز" قد بينا لمن أنصف أنه لم يبين شيئا من ذلك. وإنما مادة كلامه أمران: هوى وقصر باع في العلم وسوء فهم. وأما قوله في حديث مسلم:" وإنما كان الذي أوتيته وحيا" فجوابه من وجهين: أحدهما: أنه يجوز أن هذا الحديث قاله في أول الإسلام قبل تكامل معجزاته. الثاني: أن الأصوليين اختلفوا في" إنما" هل تقتضي الحصر أم لا؟. بل الإثبات المؤكد وهو الذي يدل عليه الدليل، وحينئذ لا يفيد هذا الحديث انحصار معجزه في القرآن «2» على أنه لو أفاد
لكان فيه كفاية «1»، كما سنبين «2». فتقدير الكلام إذن: وأن الذي أوتيته كان وحيا، وإنما خصه بالذكر لأنه أول ما ظهر على يديه ورأى بسببه الملائكة، وهو قديم على أصل أهل السنة «3» وسائر معجزات الأنبياء مخلوقة، وهو المتواتر اللفظي، فلهذه الخصائص خصه بالذكر.
وقوله:/" فمن حاول التعصب له بالتمسك بنقل الآحاد للمعجزات المردودة عند علماء المسلمين [فقال: إنه فعل وصنع فهو مكذب لقرآنه «1» وحديثه الصحيح. فجوابه: أنا قد بينا أن القرآن والحديث الصحيح لا يد لان على أنه لم يأت بمعجز. وأما قوله:" نقل الآحاد المردودة «2» عند علماء المسلمين"] «3» فهذا عدم علم بأصول المسلمين واصطلاحهم في دينهم، فيحتاج أن «4» نشرح ذلك بيّنا، ليعرفه من وقف عليه ممن لم يعرفه. فنقول: اعلم أن الخبر إما متواتر أو آحاد والمتواتر لفظي «5» أو معنوي. فالمتواتر هو: الخبر الّذي ينقله عدد لا يتواطأ مثلهم على الكذب لكثرتهم عن مثلهم عن مثلهم إلى محل صدوره، يستوي طرفاه وواسطته في ذلك، ويستند في أصله إلى حس، لا إلى نظر، واللفظي منه: ما كان الاتفاق فيه على قضية واحدة معينة" يخبر بها هؤلاء القوم بالشرط المذكور، كطوفان نوح، وإغراق «6» فرعون. وقلب «7» عصا موسى حية، وإحياء المسيح الموتى «8». وقول محمد: إني
رسول الله، وتحديه العرب بالقرآن، ونحو ذلك. والمعنوي: ما كان إخبار المخبرين فيه عن عدة «1» قضايا جزئية تشترك في كلي واحد، كسخاء حاتم «2»، وشجاعة علي. فإن التواتر لم يوجد في قضية واحدة/ من مكارم حاتم، ولا من شجاعة علي. بل نقل قوم: أن حاتما وهب يوما فرسا ويوما قطعة إبل، ويوما قطيع غنم، ويوما باع نفسه ببعيرين نحرهما لضيفه. في قضايا كثيرة/ حصل التواتر بمجموعها لا بواحدة منها. وكذلك في شجاعة" علي": صح عنه أنه كان يوم بدر أول مبارز «3». ويوم أحد أول مقاتل «4»، ويوم الخندق بارز
عمرا «1»، وقد نكل عنه الناس، ويوم خيبر/ خصه النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» بالراية، بعد رجوع الشيخين بها «3» لم يفتح عليهما، فقتل مرحبا «4» في
جماعة، من اليهود «1»، وكان الفتح على يده «2»: وفي يوم حنين قتل ذا الخمار برازا «3». وفر الناس عن النبي- عليه السلام- فلم يبق معه إلا هو «4» سابع سبعة «5»، وأنه لم يرجع عن مقبل، ولا تبع مدبرا ونحو ذلك مما حصل بمجموعه العلم بشجاعته. وإن شئت فسم الأول تواترا منفردا «6» والثاني تواترا مركبا، أعني من
مجموع قضايا. وإن شئت سم الأول كليا، والثاني جزئيا لا حجر في شيء من ذلك «1». وأما الآحاد: فما رواه العدل الضابط عن مثله عن مثله «2» إلى محل صدوره، ثم ينقسم إلى مستفيض وغيره، فالمستفيض أعلى من الآحادي، ودون التواتر «3».
فإذا عرفت هذا فمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم متواترة «1». لكن القرآن تواتره لفظي: وما عداه منها تواتره معنوي، على ما بينا وسنبين، بضرب المثال وحينئذ يتبين أن قوله:" إن «2» ما عدا القرآن من معجزاته آحاد مردودة، عند علماء المسلمين" كلام شخص غير محصل وإنما المردود عندهم هو إخبار الواحد عن الواحد أو الاثنين «3» في قضية واحدة فهذا يوجب العمل، ولا يفيد العلم، ولا يثبت به أصل من أصول الشريعة ولا يرد به عليها «4» قدح «5».
وقد بينا- فيما سبق «1» - أن جميع ما أورده هذا الخصم من أخبار «2» الآحاد التي زعمها قادحة في الشريعة لا ترد علينا ولا يلزمنا الجواب عنها، وإنما أجبنا عنها في أماكنها تبرعا. إذا عرفت هذا. فالقرآن معجز ثابت بالتواتر اللفظي، كما سنبين، وباقي المعجزات بالتواتر المعنوي. وقد صنف الناس فيها كتبا ضخمة كالشفاء للقاضي/ عياض، والوفاء بفضائل المصطفى، لأبي الفرج ابن الجوزي «3»، ودلائل النبوة، للبيهقي «4»، والبشر بخير البشر، لابن ظفر «5». ورأيت لبعض المغاربة: دلائل النبوة ومعجزاتها عشر مجلدات، وغير ذلك مما لم أقف عليه كثير. وإنما أذكر منها هنا جملة منبهة على غيرها: فمنها: ما أخرجاه/ في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «6»: اشهدوا. والروايات بانشقاق القمر في الصحيح عن ابن عمر، وابن عباس وأنس «7».
ومنها: ما روى جابر بن سمرة «1». قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بمكة حجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت إني لأعرفه الآن. رواه مسلم «2» والترمذي «3» وقال: حسن غريب. ومنها: ما روى علي بن أبي طالب قال:" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله" رواه الترمذي «4». وقال: حديث غريب. ومنها: ما روى أنس/ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى لزق «5» جذع، واتخذوا له منبرا، فخطب عليه، فحن الجذع حنين الناقة، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فمسكه «6»
فسكن". رواه الترمذي «1» وقال:" حسن صحيح"، ورواه أحمد «2» والبخاري بألفاظ متعددة «3». ومنها: ما روى ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بم «4» أعرف أنك نبي؟ قال: «إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله؟ فدعاه «5» رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «6» فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له:" ارجع، فعاد. فأسلم الأعرابي. رواه/ الترمذي «7» وقال:" حسن صحيح «8» " والعذق: شمراخ النخل الذي فيه الرطب «9».
ومنها ما روى يعلى بن مرة «1» قال: خرجت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» ذات يوم إلى الجبانة «3»، حتى إذا أبرزنا «4»، قال: انظر ويحك «5» هل ترى من شيء يواريني «6» "؟ قلت: ما أرى شيئا يواريك «7» إلا شجرة، ما أراها
تواريك قال:؛ فما قربها «1»؟ " قلت: شجرة مثلها أو قريب منها. قال: فاذهب إليهما فقل: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «2» يأمركما أن تجتمعا بإذن الله" قال: فاجتمعنا، فبرز لحاجته ثم رجع فقال:" اذهب إليهما فقل لهما" إن رسول الله يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فرجعت «3». قال: وكنت معه ذات يوم جالسا إذ جاء جمل يخب حتى برك بين يديه ثم ذرفت «4» عيناه فقال:" ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا"/ قال: فسألت فوجدته «5» لرجل من الأنصار، فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ قال: لا أدري، عملنا «6» عليه ونضحنا عليه «7» حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال:" فلا تفعل هبة لي، أو بعنيه" قال «8»: بل هو لك يا
رسول الله. قال: فوسمه بسمة الصدقة «1» ثم بعث به «2». ومنها: أنه صح أن قتادة بن النعمان قلعت عينه في حرب فقال: يا رسول الله إن لي امرأة وأنا أحبها وأخاف أن تبغضني لعوري أو كما قال «3»، وكانت قد سالت على خده. فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانها فكانت أحسن عينيه بعد «4». وروى البكري «5» في سيرته: أن جابر بن عبد الله الأنصاري دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته في حفر «6» الخندق" وقد ذبح له شاة وطبخها وكان له ابنان صغيران،/
فقال أحدهما للآخر: قم حتى أفعل بك، كما فعل أبونا بالشاة، فذبحه ثم جاء «1» ليجعله في التنور، وهو مسجور، فوقع الآخر على رأسه فيه فاحترق، فوقع الصائح في دار جابر. فأخبر النبي بذلك فدعا بهما، فشملهما بكساء أو نحوه، ثم توضأ وصلى ودعا الله، فقاما حيين «2». إلا أن هذا لم يثبت ثبوت غيره من الخوارق «3». ومنها: أنه- عليه السلام- يوم حنين لما ولى أصحابه نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال:" شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله. وقسم رسول الله غنائمهم «4» بين المسلمين" رواه مسلم «5»./
وفي بعض الروايات أنه قال لبغلته: الصقي بالأرض فلصقت، فأخذ ترابا ثم قامت. وهذا لا ينافي قوله في رواية مسلم: نزل عن البغلة، لأنها لما لصقت بالأرض صار كالنازل عنها بالأرض، فشبه على الراوي فظنه نزولا حقيقيا خصوصا في ذلك الوقت الذي تشتبه الحقائق فيه على الإنسان لاشتغاله بالحرب والقتال «1». ومنها: قوله لأصحابه:" إني لأراكم من وراء ظهري «2» ". ومنها: ما تواتر عنه من نبع «3» الماء من بين أصابعه كالعيون في مرات كثيرة يطول- عليّ- ذكرها «4». ومنها: ما أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة قال: كنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم في «1» مسير،/ فنفدت أزواد القوم، حتى هموا بنحر بعض جمالهم. فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ففعل. قال: فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره، فدعا عليها/ حتى ملأ القوم أزودتهم. فقال عند ذلك:" أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما «2» إلا دخل الجنة" «3». وفي أفراده أيضا: من حديث سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله في غزاة فأصابنا جهد، حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي الله فجمعنا تزوادنا «4» فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم «5» فإذا هو كربضة العنز ونحن أربع
عشرة مائة. قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا .. «1» ". قلت: وهاتان قضيتان لوجهين: أحدهما: أن الحديث الأول كان بإشارة عمر، وهذا كان ابتداء من النبي- صلى الله عليه وسلم- «2» على ظاهر الحديث. الثاني: أنه تبين في غير هذا الطريق أن إشارة عمر كانت «3» في غزوة تبوك وكان عسكرهم فيها فوق ثلاثين ألفا «4»، وهذا الحديث أخبر أنهم كانوا أربع عشرة مائة. إلى قضايا كثيرة غير «5» هذه، حصل لنا من مجموعها العلم الجازم
بظهور الخارق المطلق على يديه، وإن لم يحصل العلم بوجود كل واحدة واحدة من هذه القضايا الجزئية بعينها، فهذا هو التواتر المعنوي. وهذا المذكور في إطعام الخلق الكثير من زاد قليل، أعظم مما حكاه النصارى في الإنجيل عن المسيح أنه أطعم أربعة آلاف رجل وامرأة من خمس خبزات وحوتين، وفضل اثنتا «1» عشرة سلة «2»، لأن العسكر كان في تبوك فوق ثلاثين ألفا. فإن قيل: هذا إنما تواتر عند المسلمين، ولم يتواتر عندنا. قلنا: لا يخلوا إما أن تشترطوا في التواتر ما اشترطه اليهود من أن المخبرين به لا يجمعهم دين واحد أولا تشترطوا ذلك،/ فإن اشترطتموه لئلا يلزمكم تواتر هذه الخوارق لمحمد، لزمكم مثله لليهود فإنهم يقولون: ما تواترت عندنا خوارق المسيح. والنصارى متهمون. وإن لم تشترطوه فهذه خوارق قد تواترت عند المسلمين في شرق الأرض وغربها، فيلزمكم التصديق بها. ثم نفرض الكلام معكم في هذا الخارق الخاص: وهو إطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير. فنقول: كما لم يتواتر ذلك/ عندكم عن محمد، كذلك/ لم يتواتر عندنا عن المسيح، بل إنجيلكم رأيناه، فإن سلمتم سلمنا، وإن منعتم منعنا. فإن قلتم: نمنع وتمنعون، ثم نرجع إلى ما سلمتموه من إحياء الموتى ونحوه فأنتم إلى ماذا ترجعون؟.
قلنا: أما أولا «1»: فنحن ما سلمنا معجزات المسيح المطلق الذي تعتقدونه أنتم إلها أو ابن إله. وتعتقده اليهود: ابن يوسف النجار، أو لبغيّة «2»، وإنما سلمنا معجزات المسيح، الذي بشر بمحمد وشهد له بالرسالة، وأمر من أدركه منكم باتباعه. أما مسيحكم «3» الذي تعنونه فلا نسلم أنه كان له وجود فضلا عن أنه أتى بمعجز أو غيره «4». ولو سلمنا ذلك لكم للزمنا أن نعتقد إلهيته كما اعتقدتم. وذلك خروج عن دين الإسلام والسلام. وأما ثانيا: فإنا نرجع إلى القرآن، وسنبين وجه كونه معجزا. وقوله:" إن أهل الباطل والكذب متبعوه إلى جهنم يوم القيامة".
قلنا: هذا سوء أدب لا يليق على عامة الناس، بل أشرافهم، فضلا عن الأنبياء أرباب الأديان العامة والنواميس المشهورة. ولكن هذا النصراني قد يعذر طبعا في هذا السفه، فإنه قد عاش في أرض الإسلام عمره ذليلا مهانا عليه الجزية، ملتزما أحكام الملة،/ لم يقدر على شفاء غيظ، ولا إراقة فيض، فشفى غيظه بالسفه خفية، كما قال بعضهم: " أوسعتهم سبا، وراحوا بالإبل «1» " وكما قالت العامة في المثل: ألستم في الهوى، والصفع في القفا؟ «2» قوله:" وأهل الحق القليلون بالنسبة إلى هؤلاء يتبعون سيدنا المسيح إلى الحياة الدائمة". قلنا: هذا مستدرك من وجهين: أحدهما: قولك: إنكم قليلون بالنسبة إلى المسلمين. إن عنيت في دار
الإسلام فهو صحيح. لكن مرادك خلافه بمقتضى كلامك: يتبعون سيدنا المسيح، فإن هذا يعم- بزعمك- كل نصراني ينتحل دين المسيح، فيكون التهافت على هذا التقدير بين لفظك ومرادك. وإن عنيت مطلقا، فالنصارى أكثر الأمم فإنهم استقلوا بالبلاد الشامية «1»، وأطراف السواحل، وهم أهل الحبشة وملاكها، وبهم وبيأجوج ومأجوج «2» تمتلئ جهنم إن شاء الله. الوجه الثاني: قولك:" سيدنا المسيح". من سيدك المسيح؟ لعمري إن مع التحقيق سيدك المسيح ضاع. لأن المسلمين قالوا: ما قتل ولا صلب، بل رفعه الله إليه. وأنتم تقولون: قتل وصلب ودفن وقام «3» بعد ثلاث من الأموات، واليهود وافقوكم على صلبه، وخالفوكم في قيامه. فعلى قولهم سيدكم المسيح قد صار رميما، ثم إذا كان يوم القيامة كان لكم أشد
[المعجزة الخالدة، والرد على النصراني في إنكاره إعجاز القرآن وبلاغته]
الناس خصما لكذبكم وافترائكم عليه واتخاذه إلها،/ ومخالفتكم لوصاياه من بعده. ثم يلزمه من هذا الكلام تناقض آخر: وهو أنه قد سبق منه انكار النعيم الحسي في الآخرة من الأكل والشرب والنكاح «1». ثم قد/ أثبت هاهنا جهنم، وذكرت في الإنجيل في مواضع كثيرة، تارة بلفظها وتارة بمعناها، فيقول:" هنالك تكون الظلمة، وصرير الأسنان «2» " وهذا عذاب حسي. فالحكمة تقتضي اتحاد جنس الثواب والعذاب. فإما أن يكونا حسيين، وهو نقض لما سبق منه من إنكار النعيم الحسي، وإما عقليين، كما احتج عليه في طرف «3» النعيم بقول" ابن سينا" في" الإشارات" فيلزمه أن يكون العذاب عقليا، كما قرره الفلاسفة. وفي ذلك ترك ما صرح به الإنجيل من العذاب الحسي. [المعجزة الخالدة، والرد على النصراني في إنكاره إعجاز القرآن وبلاغته] قال:" وإذ فرغنا من الكلام في أنه لم يتحل بمعجزة قدمها بين يدي دعواه/ ولا أظهرها بعد ذلك، فلا متمسك لمنازع إلا أن يقول: القرآن معجزة لفصاحته". قال:" ولا حجة في ذلك، لأن الفصاحة هي التقرب من البغية، والتباعد من حشو الكلام. وقيل: دلالة اللفظ على المعنى بشرط إيضاح وجه المعنى «4» ونظامه،
وقلة «1» الألفاظ واختصارها، وإذا تأملت جميع القرآن وجدت أكثر عباراته لا توضح وجه المعنى، ولا تتأتى معانيه على نظام مناسب «2» والدليل على ذلك: أن المفسرين مع كثرة عددهم يفنون أعمارهم في الاختلاف في تأويله ويصنفون فيه التصانيف الطويلة، ويقع بينهم الشر والمخالفات، ولا ينفصلون عن معارك النزاع والتضاد في تفسيره، ويتفرقون فرقا ملقبة كالعلوية «3» والبكرية «4»،
والمعتزلة «1»، والأشعرية «2»، وغيرهم من طوائف عديدة، يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا ويقبح قوم مذهب قوم ولا يقعون على تفسير يتفق أهل الملة بجملتهم عليه ولا شطرها ويكفيك في ذلك شهادة القرآن لما قلناه./ حيث يقول:" وما يعلم تأويله إلا الله «3» ". قلت: قد بينا: أن محمدا صلى الله عليه وسلم تحلى بالمعجزات. وأما القرآن فهو معجز عظيم لفصاحته، واشتماله على الأخبار بالغيوب، وإفحامه العرب العاربة «4»: أهل الفصاحة. وأما ما ذكره من حد الفصاحة أولا، فهو جيد، وهو موجود في القرآن فإن معانيه إلى الفهم تسبق ألفاظه إلى السمع. وأما ما ذكره ثانيا ففاسد. لأنه لا خلاف عند أحد من العالم أن العرب كانوا فصحاء في نثرهم ونظامهم./ مع أن في كلامهم الفصيح ما هو مجمل لا يتضح فيه وجه المعنى.
ثم إنك أنت نصراني علج، أقلف اللسان، ما لك وللفصاحة، والبلاغة «1» لها قوم تكلموا فيها. فقالوا: الفصاحة: خلوص اللفظ من التعقيد، الموجب لقرب فهمه، ولذاذة «2» استماعه. وذلك باشتماله على صفات ذكرت في مواضعها «3»، والبلاغة: كون الكلام الفصيح موصلا للمتكلم إلى أقصى مراده «4»، وقال أمير المؤمنين علي- عليه السلام-: البلاغة: ما رضيته الخاصة، وفهمته العامة" «5». وقال في لفظ آخر: البلاغة: أن تقول فلا تبطىء، وتصيب فلا تخطئ «6» وهذا «7» كله موجود في القرآن. وقوله:" عبارة القرآن لا توضح وجه المعنى، ولا تأتي على نظام مناسب. سوء فهم وقصور في النظر «8»، ويكفي في بطلان قوله أن عامة الناس وخاصتهم يفهمونه إذا سمعوه «9».
وأما اختلاف المفسرين في بعضه فليس لما «1» ذكر، بل تارة للخلاف في أسبابه، وتارة لاختلاف مذاهبهم، فيطلبون تأويله عليها، وتارة لإجمال في ألفاظه/ وذلك من وجوه إعجازه حيث كان فصيحا، بالنسبة إلى كل قوم يفهمون منه ما يدعونه، وليس من شرط الفصاحة النصوصية على المراد ألا ترى إلى شعر امرئ القيس «2» ونحوه من الشعراء الجاهلين، لا خلاف في فصاحته مع كثرة احتمالاته واجمالاته «3». وأما تكفير بعض الطوائف بعضا «4» فليس سببه اشتباه القرآن، بل ذلك لمواد عقلية وفلسفية دخيلة على الإسلام، كما عرف من مذهب المعتزلة ونحوهم. وأما قوله:" لم يتفقوا على تفسير شيء منه" فباطل. بل قد اتفقوا على كثير منه، والخلاف فيما اختلفوا فيه منه، ليس لأمر عائد إلى لفظه ولا بدّ بل وإلى أمور خارجة.
وبالجملة فإن توقف الأمر معك على ثبوت فصاحة القرآن، استرحنا لأن الفصاحة يرجع فيها إلى أهلها. وقد اتفقوا على فصاحته./ وقوله:" وما يعلم تأويله إلا الله" ليس في جميع القرآن. كيف؟ وقد ادعى أن الناس صنفوا في تأويله التصانيف الكثيرة. وهل يصنف أحد فيما لا يعلمه؟ وإنما ذلك في ما تشابه منه حيث قال سبحانه: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ... (7) «1». يعنى تأويل المتشابه «2». اتفق العلماء على أن هذا مراده.
ثم إن ما ذكره في القرآن والمسلمين لازم عليه في الإنجيل والنصارى. فإن في الإنجيل إجمالات كثيرة تتوجه إليها الاحتمالات،/ ولذلك اختلفت النصارى حتى كانوا يعقوبية «1»، وملكانية «2» ونسطورية «3»، وغير ذلك، يكفر بعضهم بعضا.
قال:" ووجدت أيضا ألفاظه قليلة الاختصار، كثيرة التكرار في إيراده القصص وغير ذلك كسورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1)، وسورة الرَّحْمنُ فإنك تجد فيها ما يعنيك وتقمع به معاديك". قلت: هذا كلام من لا يعلم، وهو جدير أن يتعلم ثم يتكلم «1». أما تكرار القصص فله فائدتان: إحداهما: أن القرآن كان ينزل شيئا فشيئا «2»، ويحتاج أن يحمل إلى أقطار الأرض لينتفع الناس بما فيه من أمر ونهي، ووعد ووعيد، ووعظ وأخبار ونحوه وكان المهم دعاءهم إلى الإسلام، وذلك بترهيبهم مما جرى لمخالفين من الأمم قبلهم وترغيبهم فيما فاز به المؤمنون، فكررت القصص وكانت مختلفة الألفاظ ليتفرق في البلاد كذلك، فيسمعها الناس في الأقطار وتكون باختلاف ألفاظها ادعى إلى القبول، لأن النفوس مشغوفة بمعاداة المعادات، كما قد أنكرت أنت التكرار.
الفائدة الثانية: أن إعادة القصة الطويلة في مواضع مع اتحاد معناها، واختلاف لفظها طولا وقصرا، أدل على الإعجاز وقدرة المتكلم على الكلام. وأما ما ذكر من التكرار في بقية السور، فالقول المفصل فيه قد ذكرته في" الاكسير" مستوفى «1»، وذكره الناس كثيرا، فلا يخف علي ذكره «2» هنا. ولكن أذكر فيه قولا مجملا، وهو أن التكرار كما يستغنى عنه في بعض المواطن قد يحتاج إليه في بعضها للتأكيد والتقرير والتنبيه على الاهتمام بالأمر،/ فيكون تركه، حيث ينبغي كذكره حيث لا ينبغي. والله أعلم. قال:" ونجده أيضا غير خارج على نظام متناسب كقوله في سورة النساء: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ ... (3) «3». قال:" ولا مناسبة بين العدل في اليتامى «4»، وبين نكاح النساء، ولهذا وغيره يتبين أنه كلام منثور، لا نظام له، ولا تأليف".
قلت: هذا الخصم معذور في استشكاله هذا الكلام، لأنه من/ المشكلات التي تخفى على كثير من علماء الإسلام، لكنه ملوم في إيراده طعنا على القرآن قبل أن يبحث هل له محمل على الصواب أم لا؟ ولا شك أن العلماء ذكروا لارتباط بعض هذا الكلام ببعض وجوها صحيحة مناسبة: أحدها: ما روي عن عائشة أنها قالت: نزلت هذه الآية في اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها فينكحها بدون صداق مثلها، فنهوا أن ينكحوهن حتى يقسطوا في الصداق، وأمروا أن ينكحوا من شاءوا من النساء غيرهن" «1». الثاني: ما روي عن ابن عباس قال: كان الرجل في الجاهلية/ يتزوج العشر من النساء فما زاد، فإذا أعدم مال على مال اليتيم فأنفقه، فأمروا بالاقتصار على العدد الخاص لئلا يحتاجوا إلى الميل على مال اليتيم «2». الثالث: ما روي عن سعيد بن جبير «3» أنه قال: كانوا يخافون ألا يقسطوا
في اليتامى، ويتحرجون من ذلك، فنزلت الآية ومعناها: خافوا من عدم القسط في/ النساء ما خفتم منه في اليتامى «1». قلت: هو من باب قوله: لا تنه عن خلق وتأتي مثله «2» ... ... ...
أي لا تتحرجوا من الجور على اليتامى، وتجورون على النساء، فهو كما تقول لصاحبك: إن كنت تخشى الله في ظلم زيد، فلا تظلم عمرا. وإن تحرجت من أخذ أموال الناس، فلا تأخذ أعراضهم. كذلك هذا. الرابع: ما ذكره الحسن البصري، وهو أن معنى الكلام: إن تحرجتم من الميل على اليتامى فتحرجوا من الزنا بنكاح ما أحل الله لكم من امرأة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع، لتقمعوا داعية الزنا الحرام بالنكاح الحلال «1». قلت: والمعنى، لا تتحرجوا عن معصية، وتواقعوا أخرى، فتكونوا كالذي تسامح في الزنا، وتحرج من العزل، أو ترك الغسل. فهذه أربعة أوجه محتملة احتمالا ظاهرا مناسبة «2» مناسبة صحيحة معقولة فالمبادهة بإنكار ما له هذا التوجيه، قبل استيفاء النظر فيه إما جهل أو عناد، والله أعلم. وقد استقريت الأناجيل الأربعة، وأوردت عليها من الأسئلة ما لا أظن أن على وجه الأرض نصرانيا يقدر على أن يجيب عن شيء منها بمثل هذه
الأجوبة «1» عن آية النساء، فضلا عن أوضح منها. فإن لزم بذلك الطعن على القرآن فهو على الإنجيل ألزم. قال:" ثم هو متناقض. ينقض بعضه بعضا، ولكن مع وقوفك على هذا الإلماع «2» تقول:/ أي جهل أعظم من جهل من ادعى أن إعجاز هذا الكتاب في إثبات النبوة كانقلاب الجماد حيوانا «3»، والبحر يبسا «4»، والحجر الصلد عينا لموسى «5» وكإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص للمسيح «6». إن هذا لجاهل مائق". قلت:/ أما دعواه التناقض في القرآن، فوهم، وقد أورد الزنادقة صورا كثيرة ظنوها تناقضا، فأجيبوا عنها.
صنف في ذلك الإمام أحمد وغيره «1»، فمن جملتها: قوله «2»: ... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) «3» مع قوله: وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (15) «4». قالوا: هذا تناقض، وذلك جهل منهم لأنه يقال في لغة العرب: أقسط فهو مقسط إذا عدل، وقسط فهو قاسط إذا جار، وهذا يكفي في السخرية بهم «5». وأما هذا الخصم فما أورد شيئا من التناقض حتى نجيبه عليه. وأما قوله:" إن إعجاز هذا الكتاب لا يساوي إعجاز بقية المعجزات لموسى وعيسى". فنقول له: قد بينا لك أول الكتاب: أن المعجز هو الأمر الممكن الخارق للعادة، المقرون بالتحدي، الخالي عن المعارضة «6»، والقرآن يشارك جميع
المعجزات في هذا، لأنه كما عجز فرعون عن قلب عصا حية حتى عدل إلى تجييش الجيوش وإيقاد الحرب، كذلك العرب عجزت عن معارضة القرآن بعد أن تحداهم بمثله «1»، ثم خفف عنهم فتحداهم بعشر سور مثله «2»، ثم خفف عنهم فقال بسورة من مثله «3» وينزل معهم هذا التنزيل، فعدلت إلى الحرب، والتحام الطعن، والضرب، وزاد القرآن على ما ذكرتم/ من المعجزات بوجهين: أحدهما: أنه صفة قديمة من صفات الله تعالى «4»، وتلك المعجزات محدثة بلا خلاف ولو لم يكن إلا وقوع الخلاف في قدم القرآن وحدوثه بين المسلمين لكان له مزية على سائر المعجزات.
الثاني: أنه كلام بريء من «1» أن ينسب إلى أنه سحر، لأنا لم نعلم أن السحر كلام قط. نعم يكون بالكلام،/ فلا يلتبس عليك، وإنما عرفنا السحر أفعالا محسوسة، فتطرق نسبة السحر إلى ما أتى به موسى وعيسى أقرب من تطرقها إلى ما أتى به محمد، ولهذا قال فرعون:" إن هذا لساحر عليم" «2» وفي موضع: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ «3» وفي موضع: قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا ... (48) «4» يعني موسى وهارون «5» وقالوا للسحرة حين اعترفوا بالغلبة: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ «6» وكان أكثر السحرة من بني إسرائيل فنسبوهم/ إلى مواطأته،
لكونه منهم، وإنما يظهر الفرق بين القرآن وغيره من المعجزات «1» من حيث أنه مسموع وهي مبصرة على حسب «2» التفاوت بين المسموعات والمبصرات، وذلك لا تأثير له في حقيقة الإعجاز «3». والسبب الموجب لهذا التفاوت: هو أن الله- سبحانه- أرسل كلا من رسله، بما كان غالبا على قومه تحقيقا لإعجازهم، فبعث موسى إلى قوم مهروا في السحر، فأعجزهم بالعصا ونحوها، والمسيح إلى قوم أهل كهانة وطب وحكمة فأعجزهم بما أيده به، وصالحا إلى قوم أهل إبل فأعجزهم بناقة خرجت من جبل «4». فكذلك لما أرسل محمدا إلى قوم أهل فصاحة يعدون الفصاحة والخطابة من أكبر مآثرهم، ويتنافسون فيها، وكانت الفصاحة بعيدة عن نسبة السحر، بعثه بالقرآن الفصيح، ويكفي الطاعن في فصاحة القرآن بعد عجز العرب عن معارضته: أن" الوليد بن المغيرة" حكيم قريش وفيلسوفها «5» لما سمعه أنصت له ثم استعاده فأعيد عليه.
ثم قال: والله ما هو بسحر، ولا شعر، ولا كهانة، ولقد سمعنا ذلك كله وما هو بشيء منه، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما هو بقول بشر، ثم قال له الكفار: فما ترى أن تقول فيه؟ قال: قولوا: إنه ساحر. فأنزل الله- سبحانه- «1»: ذَرْنِي ومَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) إلى قوله: إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) «2». قال:" وإن بقي التباس في هذا على مسكين ناقص الفطرة. قلنا له: تعال نفرض أن القرآن فصيح. لا تكرار فيه ولا تناقض، وأنه جار على نظام واحد في معانيه، ونجعل ذلك إعجازا له، أليس من شرط المعجز أن يكون من غير جنس الأفعال المعتادة؟ إذ هو كلام لا يفضل جميع الكلام، وإنما يختلف بالأقل والأكثر، وتقع فيه المماثلة والمفاضلة فهو جنس واحد، وبحسب التفاضل بينه وبين كلام سائر الخطباء والبلغاء من العرب والمجيدين تتوزع النبوة على كل فصيح بليغ بمرتبة من الفصاحة فينال من النبوة ما تستوجبه فصاحته. قلت: الجواب عن هذا: أما أولا: فإنه ناقض في كلامه. لأنه طلب شرط الإعجاز على تقدير ثبوت الإعجاز، والمشروط لا يثبت إلا بعد تكامل شروطه. فمن هذه الحيثية يلزم وجود
شرطه، ومن حيث طلب شرطه. يلزم/ أن شرطه لم يوجد، وذلك تناقض لا محالة. لكن لا يستبعد مثل هذا ممن يقول: إن الله هو المسيح، وأنه في السماء/ حالة كونه في الأرض. وأما ثانيا: فقوله:" شرط المعجز أن يكون من غير جنس الأفعال المعتادة" فجوابه من وجهين: أحدهما: أنا نقول: من شرط هذا الشرط؟ ومن سلمه لك؟ أنت شرطته وبحثته مع نفسك تقريرا لعنادك وهواك، وفساد دعواك. ونحن قد بينا آنفا وفي مقدمة الكتاب، حيث ذكرت أن الذي اتفق عليه/ المحققون في المعجز: أنه الأمر الممكن الخارق للعادة المقرون بالتحدي، الخالي عن المعارض. وبينا ما فيه من القيود والاحترازات وبينا أنه موجود في القرآن. الثاني: أن الإعجاز بالمعتاد أبلغ من الإعجاز بغير المعتاد بالضرورة لأنه إذا عجز عما هو من عادته، وهو متدرب فيه عارف بأصوله وقواعده، فهو عمالا أنسة له به أعجز «1»، وذلك كما إذا قيل للنجار: اعمل مثل هذا الباب. فلم يقدر.
فإنا نعلم بالضرورة أنه عن صناعة الزركش «1»، وخياطة الثياب الرفيعة، ونسخ الخط المحرر، إذا لم يكن ذلك من صناعته أعجز، وأعجز. ولهذا لما تحداهم بسورة منه فعجزوا. دل على أنهم عن معارضة سورتين فأكثر أعجز. وأما ثالثا: فقوله:" هو كلام لا يفضل جميع الكلام فهو جنس واحد" قلنا: الجواب من وجهين: أحدهما: لا نسلم أنه لا يفضل جميع الكلام، بل يفضله بخصيصة الإعجاز كما بينا وذلك مدرك بالحس والاستدلال. أما الحس فإن كل من سمعه يحس من نفسه إدراك أنه ليس بكلام «2» آدمي، وأما الاستدلال فبعجز «3» العرب عن معارضته.
الوجه الثاني: إن سلمنا أنه مع الكلام جنس واحد. فكذلك قلب العصا، وإحياء الموتى مع جنس الفعل جنس واحد، وإنما اختصا «1» عليه بخصيصة الإعجاز كذلك القرآن. والله أعلم. وأما رابعا: فقوله:" تتوزع النبوة على كل فصيح بليغ بمرتبته من الفصاحة فينال من النبوة ما يستوجبه". جوابه من وجوه: أحدها: أنا لا نسلم إيجاد الجنس في القرآن وسائر الكلام/ لأن هذا صفة الإله القديم «2» وذاك صفة المخلوق المحدث،/ وإنما يطلق عليها كلام، وكلام. كما يطلق على الباري- سبحانه- وما سواه «3» موجود وموجود، وحينئذ لا يلزم التماثل فلا يلزم التوزيع.
الثاني: أن المسيح عندكم إله، أو ابن الإله، وأجمعنا على أن الأنبياء شاركوه «1» في جنس الخارق فلزمكم على «2» هذا المساق أن توزعوا الإلهية أو البنوة عليه وعليهم فيحصل لكل نبي قسط من الإلهية، أو بنوة الإله في مقابلة قسط من ظهور الخارق على يديه. الثالث: أن آدم شارك المسيح في أنه ليس من بشر ذكر، وسائر بني آدم شاركوه في أنهم من أم. فيجب أن توزع الإلهية أو البنوة بينهم فيحصل لكل من بني آدم منها بحسب ما شاركه فيه. الرابع: أن إعجاز القرآن ليس بمجموع مفهوم الفصاحة، ولا بالقدر المشترك منها بينه وبين سائر الكلام وإنما إعجازه بفصاحته/ الخاصة به، وهي القدر الزائد على نهاية فصاحة البشر، وذلك ليس مشتركا بينه وبين غيره حتى يتجه التوزيع في النبوة بحسبه، وهذا كما تقولون أنتم: إن خصوصية المسيح على سائر الأنبياء هو اتحاد كلمة الله به أو ظهور اللاهوت في ناسوته، وليس ذلك لأحد غيره «3».
قال:" فإن «1» قلت: إعجازه من جهة أنه لم يعارضه أحد من الناس ولم يأت بسورة من مثله. قلنا: إن محمدا لم يقل للناس في قرآنه: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ والْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ... (88) «2» وقوله: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... (23) «3»: إلا بعد أن تأسست رئاسته، وظهر سلطانه فمن كان يقدم على معارضته وأسيافه تقطر دما؟ ولذلك لما شرع النضر بن الحرث في معارضته أنهض إليه علي بن/ أبي طالب فقتله شر قتلة «4». وأما بعد موته فالحماية عنه بسيوف ملوك المسلمين عظيمة لا يقدم أحد معها
على ذلك، وقد عارضه أبو العلاء المعري «1»، والعنسي «2» بعد موته عارضه ومن معارضته له:" إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وهاجر، ولا تطع كل كافر وساحر" ولأجل ذلك صلب على العود. وقيل له، وهو/ في الصلب:" إنا أعطيناك العمود، فصل لربك على العود، وأنا ضامن عنك أن لا تعود" «3».
قلت: الجواب عن هذا: أما قوله:" إن محمدا لم يتحد الناس بالقرآن إلا بعد تأسيس رئاسته فلم يقدم أحد على معارضته" فهو كذب وافتراء، بل هذه سورة البقرة من أوائل ما نزل من القرآن، وفي أولها «1»: وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ... (23) إلى قوله: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ تَفْعَلُوا ... (24) «2» وتلا حم السجدة على" عتبة بن ربيعة" «3» حتى بلغ قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ (13) «4» فقال له «5»: حسبك يا ابن أخي. نشدتك الله والرحم إلا سكت، ثم رجع إلى أصحابه، وكانوا بعثوه إليه. ليستنزله عما يقول، فقالوا: نقسم بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي فارقكم به، وكان ذلك
انبهارا منه بالقرآن، وخشية أن تأخذه الصاعقة «1». وسمعه الوليد بن المغيرة يقرأ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والْإِحْسانِ «2» الآية فقال فيه ما قدمنا ذكره «3». وقال: وما هو قول بشر، وكلهم كانوا يعرفون عجزهم عن مثله. وهو بينهم وحيد مستضعف، حتى إنهم أخرجوه إلى الطائف، ثم عاد فاستجار بالمطعم بن عدي «4»، حتى بلّغ القرآن، وكان يقول:" من يمنعني/ من قريش. فإنهم قد منعوني أن أبلغ كلام ربي"؟ «5».
فلو أمكنهم معارضته لما كان لهم منه مانع. ثم سلمنا أنه لم يتحدّ به إلا بعد ظهور سلطانه فقد كانت طوائف العرب كثيرة، وأكاسرة «1» الفرس وقياصرة الروم «2» موجودين. فقد كان لمن له قوة المعارضة أن يأوى إلى منعه منهم، ثم يعارضه فإذا أتى بمثله بطل كونه معجزا، ثم كان من تابعه يتخلى عنه، ومن خالفه يشتد عليه حتى يؤول أمره إلى الانحلال والاضمحلال كما آل أمر" مسيلمة الكذاب" و" الأسود العنسي" و" طليحة الأسدي" «3» والأنبياء الكذبة من بني إسرائيل وما رأينا الأمر كذلك. بل لم يزل الناس يدخلون في دينه حتى طبق المشرق والمغرب.
وأما قوله:" قتل النضر بن الحرث، حيث شرع في معارضته"/ فليس بصحيح أيضا، بل إنما قتله بعد أن أسره يوم بدر في جملة الكفار «1»، ولا شك أنه كان يرد على الفرس في بلادهم فحفظ شيئا من أخبار رستم «2» "/ و" اسفنديار" «3» فكان يقول لقريش أنا أحدثكم كما يحدثكم به محمد «4»، ويحدثهم بذلك، وهو في عزة ومنعة من أهله بمكة قبل بدر بحين، ومحمد بينهم مستضعف فلو كان ما عنده مما يصلح معارضا لاستفاض واشتهر، وملأ البدو والحضر، ومع هذا فإنه أساء إلى النبي- عليه السلام- غير ذلك كثيرا «5»، ثم لما
قتله وسمع ما قالت أخته" قتيلة بنت الحرث" «1» في مرثيته واستعطاف النبي عليه. قال:" لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته" «2». وأما حماية ملوك المسلمين عنه، فلا تمنع من معارضته المعارضين لجواز أن يعارضوه سرا، ثم يموتوا فتظهر معارضتهم كما ظهرت معارضات/ المعري والمتنبي" «3» وغيرهم من الزنادقة، بل هذا الخصم بعينه صنف هذا الكتاب في
الطعن على الإسلام مستخفيا، ثم إنه على طول الأيام ظهر ونوقض، وليس عند أحد من رؤساء الإسلام منه خبر حتى الآن. وهذا الكلام يحققه قول المسيح في الإنجيل:" ما من مكتوم إلا سيظهر ولا خفي إلا سيعلن" «1». وأما معارضة المعري وأضرابه من الزنادقة، فهي ركيكة تشبه لحاهم. ولو كانت مساوية للقرآن في صفاته لظهر لها عصابة من المسلمين ينصرونها ثم اختلفت كلمة الإسلام. كما أن مناقب أبي بكر وعلي لما كانا متساويين أو متقاربين اختلفت الأمة فيهما على قولين: أيهما أفضل؟ «2» وفضائل
مروان بن الحكم «1» ومعاوية «2» وعمرو بن العاص، بل سلمان «3»، وعمار «4»،
بل غالب الصحابة. لما لم تقارب مناقب هذين الرجلين لم تختلف الأمة فيهم «1» فكما أنه ليس كل فضيلة توجب النزاع في صاحبها وغيره. كذلك كل معارض لا يصلح أن يكون معارضا مفرقا للناس. وأيضا: فإن كل من عارض القرآن إنما سرق بعض ألفاظه، وتابع أسلوبه فلم يلحق به لأنه مادته، كما أن التلاميذ لما كانت مادتهم في التأبيد من جهة المسيح لم يفضلهم أحد عليه، ولم يسوهم به. وأما" العنسي" الذي صلب على العود فلا أحقق لفظه لأنه مشتبه الصورة في الكتاب الذي نقلت منه. فإن أراد الأسود العنسي- بعين مهملة ونون وسين مهملة- فذاك قتل غيلة «2»، ولم/ نعلم أنه صلب، وإن أراد القيسي أو غيره من الألفاظ فلا نعلم من هو إلا أن «3» يكون مسيلمة الكذاب، ولم نعلم أنه صلب أيضا، ومن قرآنه «4»:" ضفدع بنت «5» ضفدعين/. نقي كم «6» تنقين. أعلاك في الماء
وأسفلك في الطين" «1»." والزارعات زرعا، فالحاصدات حصدا، ... فالطاحنات طحنا، فالخابزات خبزا، فالآكلات أكلا، فاللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم لا يعدلون" «2». وهذا مع كونه منسوجا على أسلوب سورة" والمرسلات عرفا" فهو ضحكة مثل قائله. وكذا قول القائل:" إنا أعطيناك الجماهر" وقول بعضهم:" إنا أعطيناك اللقلق، فصل لربك وازعق، إن شانئك هو الأبلق" فإن هذا منسوج على منوال: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1). ولقد عدم أهله من يضحك عليهم، فضحكوا على أنفسهم ولعمري إن قول القائل:" إنا أعطيناك العمود" إلخ خير وأفصح وأرشق من هذا كله وشعر الشعراء المجيدين كجرير «3»
والفرزدق «1» وذي الرمة «2»، ومن المحدثين أبو تمام «3» والبحتري «4» والمتنبّئ خير من هذه المعارضات/ بما لا يتناهى، وهي دون القرآن بما لا يتناهى، والله أعلم.
(الشرط الرابع حسن الشريعة)
قال:" ومن لم يقنع بهذه الأدلة التي أوردناها، وبقي له نزاع أو جدل في شيء من دين محمد مع إيضاح فساده وبيانه وتمسك بعلاقة منازعه فهو كالحية قطع رأسها وبقي ذنبها يتحرك". قلت: قد بينا أن ما أورده شبه صادرة عن سوء فهم، وضيق علم، وأنها كحبل سحرة فرعون، وما تكلمنا به عليها كعصا موسى تلقف ما يأفكون. قال:" الشرط الرابع: حسن الشريعة والدين، وكمالهما «1» في الخير والفضل والمعدلة، وذلك أن يتضمن دينه حض الأمة على حب الله وتوحيده والعمل الصالح وحسن العبادة وموالاتهما،/ وأن يحب الإنسان لغيره ما يحب لنفسه. فلنختبر دين هذا الرجل هل هو موافق للدين الطبيعي المذكور وشرائع الله التي أرسل بها رسله كموسى وغيره؟ وهل هي جارية على هذا المنزع أم لا؟ ". قلت:/ أما هذه الخصال التي ذكرها فهي منصوص عليها وعلى غيرها من خصال الخير في دين الإسلام، والكتاب والسنة بها مملوءان، ولولا أن ذكر ذلك يستدعى كتبا ويخرجنا عما نحن بصدده من مناقضة هذا الخصم لذكرته. وأما قوله:" حض الأمة على حب الله وتوحيده" فهو تمويه وزور، أين النصراني من التوحيد مع قوله بالتثليث؟، أما اشتماله على مصالح العباد العامة والخاصة، الضروريات وغيرها، فأمر لا شك فيه، على ما أشرنا إليه في القاعدة الأولى من القواعد الفروعية في" القواعد الدمشقية".
[نسخ شريعة محمد- صلى الله عليه وسلم- لشرائع الأنبياء قبله]
[نسخ شريعة محمد- صلى الله عليه وسلم- لشرائع الأنبياء قبله] وأما شرائع الأنبياء المتقدمين. فأحكامها قسمان: ما ورد شرعنا بنسخه فليس حجة علينا، ولا شرعا لنا. وما لم يرد شرعنا بنسخه، فهل هو شرع لنا أم لا؟ فيه قولان للمسلمين «1».
ومن أصل شرعنا: جواز نسخ الشرائع بعضها ببعض، وأن شريعتنا ناسخة لما قبلها في الجملة. فمن نازعنا في جواز النسخ أو وقوعه أو شيء من أحكامه فقد بينه الأصوليون في كتب الأصول «1».
[تعدد الزوجات، والطلاق بين الإسلام والنصرانية]
[تعدد الزوجات، والطلاق بين الإسلام والنصرانية] قال:" فرأيناه قد ذكر في سورة النساء: ... فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ ... (3) إلى قوله: .. أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ... «1» فأجاز نكاح أربع نسوة والتسري بملك اليمين إلى غير عدد محصور: على أي دين كن من الأديان وأن يطلق الرجل ما شاء ويستبدل ما شاء كذلك ما عاش". قلت:/ هذا نقل صحيح عن دين الإسلام. إلا قوله في ملك «2» اليمين: " على أي دين كن من الأديان" فليس بجيد، بل إنما تباح الكتابية دون الوثنية والمجوسية ونحوهما. وإن كان قد ذهب إلى ذلك أحد من المسلمين فليس معتقدنا «3».
قال:" ونبين بطلان هذا بحجج كثيرة: أولها: أن الله تعالى لم يعط آدم إلا زوجة واحدة وهي التي خلقها من الضلع ليتبين بذلك تأييد الصحبة والمحبة «1» بينهما كتأبيد المحبة بين أعضاء الجسد، ولهذا «2» حكي عن آدم في التوراة أنه قال:" هذه عظم من عظامي ولحم من لحمي سميت امرأة لأنها أخذت من المرء، فلذلك يترك الإنسان أباه وأمه ويلزم زوجته" «3». وبهذا يتبين أنه بحسب الفطرة تكون واحدة لواحد، إذ لو كان في كثرة الزوجات فضيلة لكان/ آدم أولى بها، لأنه كان واحدا في العالم ليكثر نسله". قلت: أما كون آدم لم تكن له إلا زوجة واحدة،/ فلا يدل ذلك على وجوب الاقتصار على الواحدة. قوله:" لو كان في كثرة النساء فضيلة لكان أولى بها إذ كان مفردا وليكثر نسله". قلنا: أما من نسله، فما كان يجوز له أن ينكح لو عاش «4» إلى يوم القيامة لأنهن بناته وإن سفلن، ونكاح البنات حرام فيما علمناه، ولم نعلم نبيا وطئ بنته إلا ما حكي في التوراة عن لوط أنه أحبل ابنتيه وهو سكران «5». فعلى من قال هذا «6» أو صدقه لعنة الله.
وأما من غير نسله بأن يخلق الله له مثل حواء فلجواز أن حواء كانت تكفيه فلم يحتج إلى غيرها، لأنها خلقت في الجنة. وقد ملأ الله من نسلهما الدنيا مفردين فلو كان له غيرها لما وسعتهم الأرض. فإن قيل: كيف تمنعون آدم من نكاح بناته وقد زوجه الله حواء، وهي/ خلقت من ذاته من ضلعه. قلنا: لأن بناته منه على جهة الولادة، وحواء ليست على جهة الولادة وقد فرقتم أنتم بين آدم وحواء والمسيح بهذا بعينه، فقلتم: المسيح خرج من رحم فكان ابن الله، بخلاف حواء وآدم «1». قوله:" خلقت من ضلعه ليتبين بذلك تأبيد الصحبة «2» بينهما كتأبيدها بين أعضاء الجسد". قلنا: ليس ذلك لهذه العلة بل لما ذكر في القرآن من قوله تعالى: ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً ... (21) «3» وهذا لا يقتضي تأبيد الصحبة، وترك الرجل أباه وأمه، ولزوم زوجته لا يقتضي أيضا ذلك، بل سببه المودة والرحمة بينهما، وذلك مشترك بين المرأة الواحدة والزوجات «4».
وأما إنكاره جواز الطلاق حيث شاء «1» الإنسان، فإنما استفادوه مما حكوه عن المسيح في الإنجيل في الفصل الأربعين «2» من إنجيل متى: أن الفريسين قالوا للمسيح ليجربوه:" هل يحل للإنسان يطلق «3» امرأته لأجل كل علة؟ فقال لهم: أما قرأتم: أن الذي خلق في البدء خلقهما ذكرا وأنثى؟. ومن أجل ذلك يترك الإنسان أباه وأمه، ويلصق «4» بامرأته، ويكونا كلاهما جسدا واحدا؟ وما جمعه الله لا يفرقه الإنسان. قالوا له: لماذا موسى أوصى أن تعطى كتاب طلاق وتخلّى؟ «5» قال: لأن موسى علم قساوة قلوبكم فأوصاكم «6» / أن تطلقوا نساءكم، ومن البدء لم يكن هذا، وأقول لكم من طلق امرأته من غير زنا فقد ألجأها إلى الزنا، ومن تزوج مطلقة فقد زنا" اهـ. لكن الجواب عنه من وجوه: أحدها: الجواب العام، وهو عدم الوثوق بالإنجيل. الثاني: بتقدير الاحتجاج بالإنجيل. لكن هذا الكلام بعينه متهافت/ بين التهافت «7» فلا تليق نسبته إلى المسيح، وسنبين وجه تهافته.
الثالث: الجواب من حيث التفصيل. أما كونه خلقهما ذكرا وأنثى، وأن الإنسان شديد الألفة بامرأته، فلا يقتضي عدم جواز الطلاق ولا يناسبه، وأما قوله:" ما جمعه الله لا يفرقه الإنسان" فنقول: أولا: الجمع بين الزوجين ليس حقيقيا كاجتماع بدن الإنسان ونحوه، وإن سلمناه فهو عام مخصوص بصور كثيرة كتفريق أعضاء البدن لمصلحة العقوبة وغيرها، وأما قوله:" لم يكن هذا في البدء" فلا يدل على ذلك أيضا لجواز النسخ. وأما اعتذاره عن تجويز موسى الطلاق بعلمه بقساوة قلوبهم. إلى آخره فالمناقشة عليه من وجوه: أحدها: أن قساوة قلوبهم/ إن كانت مقتضية لجواز الطلاق، فلم لم يجزه المسيح أيضا لذلك، ولعل محمدا- عليه السلام- أجاز الطلاق توسيعا على قساة «1» القلوب من أمته. فإن قلتم: نسخ ذلك في دين المسيح. قلنا: ونسخ ما في دين المسيح في دين محمد. وإن لم تكن مقتضية لجواز الطلاق لزم أن يكون موسى شرع غير الحق لغير موجب.
الثاني: أن ما جاز أن يكون حقا في دين موسى فما المانع أن يكون حقا في دين محمد؟. الثالث: أن قوله: «من طلق امرأته من غير زنا فقد ألجأها إلى الزنا" كلام مستدرك بأن ذلك غير لازم من طلاقها. لأنا إذا ألجأناها أن تتزوج بغيره لم يحصل من طلاقه لها الالجاء إلى الزنا، ثم إن مفهومه جواز طلاقها إذا زنت، وعموم قوله:" من تزوج مطلقة فقد زنا" يقتضي أن أحدا لا يتزوج مطلقة سواء طلقت لكونها زنت أو مع عدم الزنا، وذلك يلزم منه إلجاؤها إلى/ الزنا- أعني جواز طلاقها- إذا زنت. والمنع من تزوج المطلقة مطلقا على ظاهر هذا العموم. لأنها حينئذ تبقى مطلقة بطالة فتحملها البطالة على التشاغل بالزنا، كما حكي في التوراة عن كنة «1»." يهوذا" لما مات/ زوجها أحوجتها البطالة إلى أن تعرضت ليهوذا على الطريق حتى زنا بها «2»، ونحن نتبرأ إلى الله من هذا. وبهذا بان ما في هذا الكلام من التهافت، وعدم التناسب، بحيث يجب تبرئة السيد المسيح عن مثله. والله أعلم «3». قال:" وأيضا. فإن الطبيعة لا تجمع إلا اثنين في فعل التناسل. فينبغي أن لا يكون للرجل إلا زوجة واحدة".
قلت: هذا خلف من الكلام. فإنه إن أراد أنها لا تجمع إلا اثنين في حالة واحدة فهو مسلم. لكن لا يقتضي ذلك الاقتصار على واحدة، وإن أراد في وقتين فصاعدا فممنوع، وحينئذ يجوز أن يطوف الإنسان في ساعة على جماعة من النساء واحدة بعد واحدة. قال:" وأيضا. فإن كثيرا من الحيوانات ليس للذكر منها إلا أنثى واحدة كالأسد والدب وغيرهما من البهائم، وكأكثر الطيور فالإنسان لخصيصة عقله أولى بذلك قمعا للشهوة". قلت: جواب هذا من وجهين: أحدهما: أنه معارض بما يتخذ من الحيوانات عدة إناث، فلم كان التأسي بأحد القبيلين أولى من التأسي بالآخر؟. الثاني: أن اقتصار هذه الحيوانات على أنثى واحدة هل هو على جهة قمع الشهوة، أو على جهة الحيوانية والطبيعة، وعدم الشعور بحقائق الأمور؟ فإن كان الأول لزم أن تكون هذه الحيوانات عقلاء كاملي العقل/ حتى قمعت شهوتها بعقلها، وأن الدب «1» أعقل من" إبراهيم" حيث كان في فراشه" سارة" و" هاجر"، ومن" يعقوب" حيث جمع بين ابنتي خاله" ليا" و" راحيل" وجاريتهما في فراش واحد، فضلا عن أن تكون هذه الحيوانات أعقل من بقية عقلاء الآدميين. وإن كان الثاني لم تصح الأولوية ولا القياس. والتنظير بم يكون؟ قد اجتمعتم أنتم وبعض الحيوان البهيم على رأي. ونحن وبقية العالم على رأي،
وموافقة الأكثر أولى من موافقة شرذمة قليلة، تقلد في دينها ودنياها ومعاشها ومعادها حيوانا بهيما، خصوصا السّبع والدّب اللذين هما من أدمغ الحيوانات وأبلده «1». ولعل هذا من جملة الأسباب الموجبة لاطباق الحمى على الأسد، لأن طبيعته في الأصل حارة، وباقتصاره على أنثى واحدة يقل نزوه، فتحتقن الحرارة في بدنه، فيبثها القلب/ إلى سائر نواحيه. وهذه حقيقة الحمى. وقد بينا في أول الكتاب: أن منافع النكاح تخفيف البدن وتنشيطه. فإن قلت: فالأسد في الشجاعة والنشاط على الغاية بخلاف سائر الحيوان/ وما ذكرته يقتضي تثبطه لثقل بدنه. قلت: وما يدريك لعله لو أكثر «2» من النزو بحسب ما تقتضيه حاله، كان يكون أشجع وأنشط. قال:" وأيضا فإن فائدة آلة التناسل في الزوجين: الذرية لا اللذة ثم اللذة وإن كانت تصحبها تبعا، لا بالقصد الوضعي، لكن استعمال الآلة للذة فقط استعمال سوء «3» مائل عن الاستعمال المستقيم. ولذلك هو ذنب". قلت: هذا ممنوع، بل المقصود من آلة التناسل الذرية واللذة جميعا بالقصد/ الأول. أما الذرية فبالاتفاق، وأما اللذة فلأن الباري- سبحانه- ابتلى خلقه بتركيب الشهوات فيهم خصوصا هذه الشهوة فإنها أشدها.
فلو لم يجعل إلى قضائها طريقا مباحا للزم منه تكليف ما لا يطاق، إذ كان يكون مثال «1» الشخص في الدنيا «2» مع كثرة نسائها مثل شخص حبس في دار مملوءة حيات بحيث لا يطأ إلا على جماعة منهن. ثم يقال له: إياك أن تطأ منهن شيئا، واحترس أن يلدغنك. ثم قد أجمع الناس على جواز نكاح العاقر والصغيرة التي لا تلد، ومن ارتفع حيضها ونحوهن، فلو لم تكن اللذة مقصودا أصليا، لما جاز ذلك. وأما «3» قوله:" إنه ذنب". فجوابه: أن يقال: هو ذنب إذا كان حراما أو مطلقا؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع، ولو كان كذلك لم يفعله الأنبياء. وأيضا لو كان استعمال الآلة للذة فقط ذنبا واستعمال سوء، مع أن حصول الذرية منه غير مقطوع به لكان في تجويزه لأجل الذرية إقدام على ذنب محقق «4» لتحصيل فائدة غير محققة وذلك ينافي «5» السياسة العقلية. قال:" وأيضا لذة اللحم ليس شأنها اجتلاب فائدة، بل تدفع الفوائد الروحانية وهي في نفسها خسيسة ردية مهلكة، فإنها كالخمر تسكر الذهن الإنساني وتذهب قوته، وكالضباب يصيّر العيون مظلمة".
قلت: قد بينا فوائد هذه الحاسة أول الكتاب «1»، ونص عليها الأطباء وعلى مضار تركها. ولو صح ما قاله من دفعها الفوائد الروحانية،/ لوجب أن تكون مخاييس النصارى وغيرهم الذين لم ينكحوا قط، أفضل من الأنبياء كإبراهيم وموسى وهارون/ ويوشع بن نون، والأنبياء الاثني عشر، وأشعياء ودانيال، وأكثر «2» روحانية منهم. ولقد حيرني هذا العلج في أمري بتلونه، فإنه تارة نصراني مثلث أو غيره وتارة فيلسوف معطل، وتارة عامي جلف، فنعود بالله من التلون. قوله:" هي في نفسها خسيسة ردية مهلكة" إن «3» أراد بخستها قبح صورتها طبعا، ورد عليه حالة البول والتغوط، بل حالة الأكل لأنها سببها. لا يقال هذه الأحوال ضرورية طبعا، لأنا نقول مثله هناك، إذ النكاح ضروري من حيث الطبيعة والشهوة، يتأذى بتركه الدين والبدن كما سبق. وقوله:" مهلكة «4» " إن أراد هلاك «5» الدين بالتتابع فيها فذاك إنما هو في الحرام والحلال وإن أراد هلاك البدن بإضعافه فذلك يتقدر بحسب اختلاف المروءات والعقول «6» والمحمود منه: القدر المتوسط، الذي لا ينهك البدن بكثرته ولا يفضي إلى إنهاك الدين بالإقلال منه.
ويحكى:" أن أبا مسلم الخراساني «1» كان لا يأتي النساء في/ السنة أكثر من مرة. ويقول: هذا جنون. فأكثر من مرة لا يكون «2» ". قلت: ويغلب على ظني أنه قد كان به علة مانعة، أو فكرة شاغلة. فإن قيل: فمحمد كان أولى بهذا التماسك من أبي مسلم لفضيلة منصب النبوة وفكرته في الجهاد، وإقامة الدين، وكمال معرفته بأحكام الآخرة. قلنا: كذلك كان، ولهذا قالت عائشة: كان أملككم لإربه «3» " لكنه لو بالغ في التماسك عن هذه الشهوة لشق على أمته التأسي به. فإنه كان يطيق ما لا يطيقون
فكان يلزمهم الحرج وذلك ينافي نصوص الشريعة برفع الحرج فأكثر منه رفعا/ للحرج عن أمته، وأيضا فإنه كان مشرعا معلما كما قال:" إنما بعثت معلما «1» " وعلم أن في صورة هذا الفعل ما تحتشمه النفوس وتنجبه منه فجرأهم عليه بإكثاره منه فعلا وقولا لئلا يتقاصروا عنه حياء «2» أو يقدموا عليه على وهم وانحاش «3» فيحرجوا بذلك، فأراد أن يوسع عليهم المجال في الحلال ويخالف أهل الزور والمحال والنصارى الضّلال./. قوله:" إنها كالخمر تسكر الذهن الإنساني وتذهب قوته". قلنا: إن صح هذا فهو الإكثار «4» منها لا مطلقها، على أن الإنسان إذا داوم تركه بعد اعتياده يجد لذلك ثقل بدن وكرب وانقباض يورثه بلادة ووسواسا ويحصل له بفعله انشراح وانبساط، ولذلك هو أكبر دواء العشاق كما ذكره الأطباء.
قال:" ولأنها مضادة لأنواع السرور الروحانية العلية، فهي تصرف النفس بالكلية عنها، إذ يفسد ذوق القلب، فلا يستطيب شيئا من الخير، كما في العكس، وهو أن الذين يستطيبون الأمور الروحانية الأزلية لا يستطيبون اللذات الجسدانية بل يكرهونها ويهربون عنها". قلت: أما قوله:" إنها مضادة للروحانيات" فباطل بالأنبياء، إذ هم أعظم البشر روحانية، وكانوا يستعملون هذه اللذة، وكل ما ذكره في هذا الفصل باطل والحق خلافه، بل هذه اللذة إذا استعملت على الوجه الحلال قصدا لا إفراط «1» ولا تفريط، وقصد بها اعفاف الدين وتحصين الدّين والفرج والتفرغ من قلق الشبق، لطاعة الباري في النهار والغسق «2»، كانت أفضل من عبادات كثيرة. ولهذا قال بعض علماء المسلمين:" إن التشاغل" بالنكاح أفضل من التخلي/ لنوافل العبادة، حسما لمادة فساد الدين بالزنا ونحوه «3» ". وأما ترجيح الروحانيات عند أصحابها، فلأنهم لا يحصلونها إلا بعد قهر
الطبيعة برياضة البدن وكسر شرته «1»، وإضعاف قوته بصيام الهواجر «2»، وقيام الدياجر «3»، حتى تقوى قوى النفس على البدن، وحينئذ يصير تركهم له «4» لضعفهم عنه لا لما أراد. ولو كان ما ذكر صحيحا لوجب حين استعلن «5» الله لإبراهيم وإسحاق ويعقوب وتجلى لموسى وناجاه، أن كانوا يطلقون نساءهم، ثم لا يجتمعون بهن أبدا. قال:" فقد بان بأن اللذة اللحمية ينبغى أن تبقى بحسب استطاعة الطبيعة وإذا كان الواجب أن تبقى، فأولى أن لا تعمل شيئا لاجتلابها،/ فينبغى أن تعدل وتقمع حيث لا يستطاع أن تبقى على كل حال". قلت: المسلم له من هذا وجوب إبقاء الحرام، وما ينهك البدن أما غيره فلا،
وهذا كلام في الريح. قال:" فينبغي أن لا يكثر الزوجات والجواري، بل يقتصر على واحدة ويكون قصده تحصيل/ الروحانيات". قلت: هذا حاصل ما ذكره بعد ما سبق في كلام مخبط متهافت. واعلم: أن النكاح بالغا ما بلغ منه الإنسان لا يشغل عن الروحانيات لمن له نية صادقة، ونفس صافية وهمة عالية. قال:" ويقال أيضا: الشهوة اللحمية إما أن يقال: ينبغي أن تقمع، أو لا يقال؟ فإن قيل لا ينبغي أن تقمع، لزم أن تبقى الطبيعة الإنسانية ذاهبة في كل نجاسة ولواط وبهيمية. وإن قيل: ينبغي أن تقمع لكن لاستعمال النساء والجواري الكثيرة كما قال محمد، فهو مردود بوجوه: الأول: أن الشهوة مشتركة بين القبيلين، فينبغي أن يكون للمرأة أزواج/ كما للرجل زوجات، ولم يقل به أحد. الثاني: أن المرأة إلى الزنا أقرب إلى الرجل لوفور شهوتها ونقصان عقلها فمن احتاط للرجل بكثرة النساء بحيث إن كانت واحدة مريضة أو عاقرا لا تحمل، وجد الأخرى صحيحة تحمل، لزمه أن يجعل للمرأة أزواجا بحيث إن كان أحدهم مريضا أو غائبا وجدت الآخر يصونها عن الزنا. الثالث: أن في الباب الثاني «1» من كتاب أيوب:" سل البهائم تعلمك وطيور السماء تريك".
قال:" والبهائم وطيور السماء تتبع عادة آباءها، فينبغى لنا أن نتبع عادة أبينا ولم يكن له إلا زوجة واحدة". الرابع: أن تكثير الزوجات والجواري موجب لتحاسدهن، وتشتيت قلوبهن «1»، والغضب والقطيعة وذلك شر، والله خير محض، فلا يفعل الشر، ولا يأمر به". قلت: الجواب عن هذا بأنا نقول: يجب قمع هذه الشهوة بالطريق الشرعي وهو النكاح والتسري أو الصوم لمن لا يقدر على ذلك. قوله:" الشهوة مشتركة بين القبيلين" قلنا: نعم. قوله:" ينبغى أن يكون للمرأة أزواج كما للرجل زوجات". قلنا: هذا قد كان مقتضى العدل، لكن منع منه مانع أقوى منه وهو اختلاط المياه واشتباه الأنساب، ونحن شرعنا مبني على مراعاة المصالح والمفاسد، فإذا تحررت «2» المصلحة حصلناها، أو المفسدة نفيناها. وإن تعارضتا فإن ترجحت المصلحة حصلت، أو المفسدة نفيت. وإن تساوتا تخيرنا وهاهنا تعارضت مصلحة العدل في النساء بتسويتهن بالرجال في تعدد الأزواج ومفسدة/ اختلاط الأنساب/ لكن ترجحت هذه المفسدة فنفاها الشرع وحفظ المرأة. وتحصينها من الزنا يحصل باحتجابها في البيت على حسب الإمكان على
أنها لو كان لها أزواج لما تركت الزنا بالكلية، كما أن الرجل على ما هو مشاهد- وإن كان له زوجات لا يتركه بالكلية، بل يطمح إلى غيرها من ذكر وأنثى لواطا وزنا. لكن غاية ما يقال على تقدير «1» كثرة أزواجها كأن يكون داعيها إلى الزنا أضعف فيكون وقوعه منها أقل لكن يعارضه مفسدة اختلاط النسب وتغاير الرجال الذين نفوسهم أقوى، وهممهم أعلى من همم النساء، ثم أنتم لم تقولوا بذلك في جانب الرجل «2».؟ وهذا سؤال قد أحكمت الجواب عنه في أوائل" الفوائد" وما ظننت أن أحدا أورده. لكن فرضته/ وأجبت عنه. وبهذا حصل الجواب عن سؤاله الثاني. أما الثالث: فقوله في كتاب أيوب على تقدير الوثوق بصحته، فليس المراد به: أن الطيور تعلمه أمر دينه والأحكام الشرعية.
ثم هو مطلق لا عموم له. فلم قلت: إن سؤالها يتعين أن يكون عين «1» هذا الحكم؟ بل لعله التوكل من حيث أنها لصدق توكلها" تغدو «2» خماصا، وتروح بطانا «3» فيأمره أن يكون في التوكل مثلها أو غير ذلك. فقد قال الله تعالى في القرآن: وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ... (38) «4». وأما قوله:" ينبغى أن نتبع عادة أبينا في الاقتصار على واحدة" فجوابه من وجهين: أحدهما: أن نقول له: هات لنا مثل حواء حتى نقتصر عليها. الثاني: أن شرعنا أمرنا بمتابعة/ الحق بالحجة، ونهانا عن تقليد الآباء بقوله ... قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ... (21) «5» في آيات كثيرة. وأما السؤال الرابع: فإن تكثير النساء وإن كان موجبا للتغاير بينهن وتقاطعهن. لكن هذه مفسدة عارضتها مصلحة أرجح منها، وهو تحصين فروج
الرجال وأديانهم، ولم يعارض هذه المصلحة مانع اختلاط النسب كما عارضها «1» في حق النساء، فحصلت هذه المصلحة الراجحة لما قررناه من مراعاة شرعنا للمصالح. وأعلم أننا بحمد الله أهل صدق وعدل وانصاف، وعلى ذلك تأسيس دين الإسلام، ولا شك/ أنا نرى غالب الناس من المسلمين وغيرهم مع إباحة التزوج والتسري لهم قد استحوذ عليهم الشيطان، حتى يترك أحدهم ما يحل له من ذلك وإن كثر ويعدل إلى الزنا بالنسوان، واللواط بالغلمان. فلو حصروا في واحدة كما أشار به هذا الخصم، لعمري لقد كانوا يدبون على الشيوخ والكهول والشباب والبهائم في البر والحيتان في البحر، فكان فيما جاء به دين الإسلام من تكثير مجال النكاح عليهم تقليل لهذه المفسدة. ولعل هذا النصراني غره احتباس رهبانه في البيع «2» والديارات «3» فيظن أن ذلك يمنعهم عن الفجور، ولو علم أنهم يدبون على
[الرد على النصراني في ادعائه أن الإسلام أجاز إتيان المرأة في دبرها]
الشماسة «1» وكل صبي وشيخ يدخل إليهم. لأجاز لهم التزوج بعشرين، ولولا ما هم فيه من الرياضة ونحوها لدبوا على أطعمة المذبح. [الرد على النصراني في ادعائه أن الإسلام أجاز إتيان المرأة في دبرها] قال:" وفي سورة البقرة: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ... (223) «2» قال في التفسير: يعني من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة" قال: وهذا تعليم تستنكف «3» / منه البهائم، فضلا عن أن الله يعلمه خلقه". قلت: هذا غباوة أو عناد. فإن لهذه الآية أسبابا تقتضي ما تضمنته من الحكم: منها: أن اليهود كانت تقول: إذا جامع الرجل زوجته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فبين الله تعالى بهذه الآية أن لا أثر لذلك، بل للرجل أن يأتي امرأته مقبلة ومدبرة بشرط أن يكون في القبل «4».
الثاني: أن المهاجرين كانوا يجبون نساءهم، يعني يأتونهن «1» مدبرات في القبل فلما جاءوا المدينة جعلوا يفعلون ذلك بأزواجهم من الأنصار. ولم يكن لهن به عادة فأخبرن بذلك النبي- عليه السلام- ووقع فيه الكلام فبين الله حكمه «2». الثالث: ما روى ابن عباس قال: جاء عمر، فقال يا رسول الله هلكت، قال:" ما أهلكك"؟ قال: حولت رحلي الليلة فأنزل «3» الله هذه الآية: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ اقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة. رواه الترمذي «4» والنسائي «5». وحينئذ نقول: ما المحذور في أن الله- سبحانه- بين له في كيفية الوطء ما ينبغي مما لا ينبغي؟ وإنما استقبح/ هذا الخصم هذا بناء على رأيه الفاسد في أن اللذة ليست مقصودة لذاتها من الجماع، وقد تقدم منعه، وما جعل النساء إلا للمتعة./
على أن النسائي قد روى في سننه الكثير عن ابن عمر: أن رجلا أتى امرأته في دبرها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم «1» - وجدا شديدا. فأنزل الله- سبحانه-: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ «2». ويحتج بهذا من أجاز وطء المرأة في دبرها، ويعزى إلى مذهب مالك وأهل الحجاز «3»، وهذا أشد وأغلظ على النصارى «4».
[كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين]
[كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين] قال:/" وفي هذه السورة «1»: الطَّلاقُ مَرَّتانِ ... (229) إلى قوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ... (230) «2» وذكر حديث امرأة رفاعة القرظي «3»: (لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) «4» وكأن حاصل ما ذكره: انكار فراق المرأة بالطلاق أو المرض أو العيب ونحوه. قال:" ولو جاز ترك المرأة لأجل شيء من العيوب، لجاز للمرأة ترك الرجل لذلك. لأنها أحوج إلى الرفق بها لضعفها".
قال: بل ينبغي أن تمان «1» المرأة ذات العيب لأجل الضرورة ولا تفارق لأن أحد المتعاهدين إذا فارق صاحبه حال المرض والضرورة عدّ قاسيا خائنا". قلت: أما الطلاق فجائز بإجماع المسلمين، وقد تقدم البحث معه فيه «2»، وأن النكاح عقد معاوضة في الحقيقة فجاز فسخه كالبيع، نعم جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «أبغض المباح إلى الله الطلاق» «3» وعليه اشكال، وهو أن البغضة تقتضي الكراهة والإباحة تقتضي التسوية، فالجمع بينهما متعذر. وأجيب: بأن المباح قد يراد به تساوى الطرفين وقد يراد به القدر المشترك بين المتساوي الطرفين وراجح الترك وراجح من غير جزم وبهذا يستقيم معنى الحديث، لأنه يصير تقديره: أبغض ما للإنسان فعله: الطلاق. وهو أعم من المتساوي وغيره «4».
قوله:" لو جاز ترك المرأة لعيب ونحوه، لجاز لها ترك الرجل". قلنا: هكذا نقول على تفصيل فيه. تقريره مختصرا: إن العيب في أحد الزوجين: إما أن لا يخل بمقصود النكاح أو كماله، فلا يثبت به الفسخ، أو يخل بذلك فيثبت به إقامة/ للعدل وإزالة للمكروه عن المكلف. ثم العيوب الموجبة للفسخ: إما خاص «1» بالرجل كالجب «2» والعنة «3»، أو بالمرأة كالقرن «4» / والرتق «5». أو مشترك بينهما كالجنون والجذام والبرص، ولكل من الزوجين فسخ نكاح صاحبه، لما يخل بمقصود «6» نكاحه من ذلك.
قوله:؛ تمان المرأة للضرورة ولا تفارق". قلنا: فيه إلزام للرجل مكروها، له عنه مندوحة، وذلك ينافي العدل. قوله:" أحد المتعاهدين إذا فارق صاحبه حال الضرورة عدّ قاسيا خائنا". قلنا: النكاح من باب العقود العوضية «1»، لا من باب العهود. والعقود العوضية «2» يجوز فسخها بعيب وإقالة، فكذلك النكاح يفسخ بالعيوب والخلع، وهو نظير الإقالة في البيع ونحوه، والفرق بين العقد والعهد أن العقد «3» يتضمن عوضا، والعهد لا يتضمن عوضا، وقد أمر الله بالوفاء بالأمرين ومن الوفاء بالعقد، الفسخ عند قيام المقتضى له، ولو كان اجتماع الزوجين على جهة العهد على ما ذكرنا لكان زنا حراما بإجماع المسلمين. وحينئذ نقول: فسخ العقد لا قسوة فيه ولا جناية، بل إنما ذلك في العهد. فأما قوله تعالى: وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً «4» فقال المفسرون/ عقدا مؤكدا. وهي كلمة الله التي أخذها «5» للنساء على الرجال، وهي الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، قال قتادة:" وكان ذلك يؤخذ عند عقدة النكاح «6» ".
نعم: إن شرط في العقد ألا يفسخ أحد من الزوجين بعيب ظهر بصاحبه. فإن قلنا: لا فسخ بالعيب الحادث، كان هذا الشرط مؤكدا للحكم وإن قلنا يثبت به الفسخ احتمل/ أن يلزمهما بموجب الشرط لقوله عليه السلام: «المسلمون على شروطهم «1»» واحتمل أن يبطل النكاح من أصله، بناء على الشروط الفاسدة في العقود. وأحكام الأنكحة الفاسدة معلومة. ثم ما ذكره ينتقض بالتلاميذ «2» مع المسيح، حيث آمنوا به وبايعوه على دينه، ثم لما قبض اليهود عليه فروا عنه، خصوصا بطرس التلاميذ الكبير «3» الذي قال له:" لو أنكرك كل واحد «4» لما أنكرتك" ثم أنكره قبل صياح الديك ثلاث مرات «5» ". فهذا هو ترك العهد لا طلاق الزوجة. فإن قيل: إن تفرقهم عنه كان بإذنه.
قلنا: وطلاق الزوجة وفراق الزوج بإذن الشارع الذي هو إله المسيح والزوجين وغيرهما من العالم. فإن منعوا أن ذلك بإذن الله/، عدنا إلى النزاع في تصديق الرسول، وخرجنا عن مسألة إنكار الطلاق. قال:" ثم إن جاز أن تترك المرأة بلا سبب أو بسبب ضعيف، كما في ملة المسلمين أفضى ذلك بسبب الهجرة والغضب إلى تبديل الزوجات الكثيرة وتنجيسهن واحدة بعد أخرى، وافتضاض الأبكار وتركهن. وذلك يورث البغض بين النساء وأزواجهن وأقربائهن، وذلك خلاف الدين الطبيعي والصيانة والمروءة". قلت: أما إفضاء ذلك إلى تبديل النساء فلا محذور فيه، بناء على ما ذكرنا من أن النكاح عقد، والمرأة معقود عليه، كالفرس والشاة، لا فرق بينهما إلا أن هذه من الجنس بخلاف الفرس. وأما تنجيسهن فالجماع لا نجاسة فيه، وإنما هذه لفظة استفادتها النصارى من قول" يعقوب" لابنه/ روبيل:" وطئت سريتي ونجست فراشي «1» " وهذه حكاية باطلة، ثم لو صحت لكان التنجيس هنا مجازا عن انتهاك حرمة فراشه وإلحاق العار به بذلك، والعلاقة المجوزة فيه تأذي الإنسان بلحوق العار، كما يتأذى بلحوق النجاسة، وإن تفاوت «2» الأديان أو يكون أراد نجاسة الفعل يعني قبحه، لاشتراك النجاسة والفعل القبيح في القبح.
وأما افتضاض الأبكار وتركهن فتلك متعة أمتع الله بها خلقه، فالمانع منها متحجر فضولي. والدليل على ذلك صريح العقل، فإن الخلق كلهم ذكرهم وأنثاهم عباد الله وإماؤه، فإذا سمح لعبيده بوطء إمائه على وجه مخصوص جاز، كما أن الواحد «1» من الخلق يجوز أن يهب لعبده ألف جارية له، يقول افعل بهن ما شئت، فإنه يجوز أن يتصرف فيهن بسائر التصرفات من بيع وعتق ووطء للبعض دون البعض أو للكل. والانتقال من واحدة إلى واحدة وغير ذلك، فإن نازعتمونا في أن الله سبحانه أذن لنا في ذلك خرجنا عن المسألة «2» كما سبق. وأما قوله:" ذلك يورث البغض بين الرجال ونسائهم وأزواجهن" «3» فممنوع. بيانه: هو أن الشرائع قوانين متبعة لا يخرج عنها من هو من أهلها، فإذا علم الناس من شرعهم جواز التزوج والطلاق، وافتضاض الأبكار وتركهن، وجب عليهم أن لا/ يتباغضوا لذلك ولا يتحاقدوا، كما يجب عليهم أن لا يتباغضوا/ لتأدية الحقوق المالية، كالديون ونحوها، وإن كان أداؤها على خلاف الطبع.
وما فائدة الشرع إلا كف الطباع عن الشر الذي جبلت عليه- وهذا منه- فإن غلبتهم النفوس/ على البغضاء والحقد بالطبع كان ذلك مراغمة للشرع فيعصي فاعله ولا يكون بفعله اعتبار، كما أنه لما حرم أخذ المال بغير حق كان فعل قطاع الطريق ونحوهم إثما عليهم يستحقون به العقوبة، وهو ساقط الاعتبار، لا يفيد ملكا ولا يجيز تصرفا، وتصرفات الطبائع لا يلزم موافقتها للشرائع، فما وافق الشرع منها كان حقا كالنكاح، وما خالفه كان باطلا كالسفاح ثم هذا معارض بأن الطلاق إن كان يفضي إلى التباغض فلزوم النكاح أبدا والحبس على زوجة واحدة يفضي إلى تكره كل منهما بالآخر وتبرمه به، وتضجره منه، وقل أن يطيب مع ذلك عيش لبهيمتين، فضلا عن إنسانين فتدوم المفسدة، وربما انتفى لذلك مقصود النكاح، وربما أفضى إلى مفارقة الدين. كما حكي أن بعض النصارى تزوج امرأة فلما دخلت عليه رآها عوراء فقال: عورتا، قالت: بلستا «1». قال:" محمد بن عبد الله" على الباب، ثم خرج فأسلم. فحجز الدين ما بينهما «2»، فلو كان في دين النصارى فسحة في الطلاق
لقال عوض كلمة الإسلام: أنت طالق، ثم استراح منها، ولم يحتج إلى فراق دين يعتقدونه حقا إلى دين يعتقدونه باطلا. مع أن فراق كل من في الدنيا أهون من فراق الدين. فإن قلت: نحن مع قولنا بلزوم النكاح أبدا، وارتباط الرجل على زوجته يوجب على كل منهما احتمال صاحبه وعشرته بالمعروف، وأن لا يتبرم به، ولا يتضجر منه، فإن خالف ذلك كان فعله خلاف الشرع «1»، وهو غير معتبر. قلنا: فقل في الطرف الآخر هكذا، وهو أنا/ إذا اخترنا الطلاق والفراق أوجبنا على الرجال والنساء أن لا يغضبوا، ولا يحقد بعضهم على بعض فإن خالفوا ذلك كان فعلهم على خلاف الشرع، وهو غير معتبر. ثم يترجح ما قلناه بوجهين: أحدهما: أنه إذا لم يكن بد من البغضة الطبيعية، فتباغض الزوجين بعد أن يصيرا أجنبيين أسهل من تباغضهما في عصمة النكاح مجتمعين لافضاء ذلك إلى تكدر عيشهما باجتماعهما، وربما/ غلبت المرأة لوفور شهوتها وقلة دينها وعقلها على أن تقتل زوجها بسم أو غيره لتستريح منه وتصير إلى غيره، وكم قد وقع مثل هذا، وذلك مأمون بعد الفراق. الثاني: أن الفرقة عذاب، والعذاب مؤدب. فإذا افترقا ربما استقام أحدهما للآخر، فعادا بعد نكاح جديد أو قبله بخلاف ما إذا داما مجتمعين فإنه لا يرجى لهما استقامة، بل كلما جاءا في سآمة وملل وتضجر وتبرم- والله أعلم-.
قال:" وأيضا ما أشد ما يكون ظلم النساء بوقوع الطلاق عليهن بلا ذنب". قلت: هذه غفلة عن الصواب. فإن الطلاق فسخ عقد معاملة لا إيقاع معاقبة، وإنما يكون ظلما إيقاع العقوبة بلا ذنب، ولو كان الطلاق عقوبة/ لوجب أنها إذا زنت ونجست فراشه تكون استدامة نكاحها أفضل في حقه، للإجماع من عقلاء العالم، على «1» أن الحلم عن الذنب أفضل من العقوبة عليه، وهذا لا يقول به عاقل، اللهم إلا أن تكون رياضة النفوس قد بلغت بالنصارى إلى رتبة القيادة، والصبر على الدياثة «2». فقد قال بعض الحكماء: إن أربعا من الأمم أكثروا «3» من أكل أربع، فأورثتهم أربعا: فالترك/ أكثروا من لحم الخيل فأورثهم القوة والقسوة، والعرب أكثروا من لحم الإبل فأورثهم الحقد والكرم، والحبشة أكثروا من لحم القردة فأورثهم الرفض «4»، والنصارى أكثروا من لحم الخنزير فأورثهم الدياثة وعدم الغيرة «5».
ونقل القرطبي في تفسيره «1» عن محمد بن سيرين «2» أنه قال:" ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار". فلعل النصارى ورثوا من أكل لحم الخنزير اللواط بصبيانهم، حتى اكتفوا بالواحدة من نسائهم، وعدم الغيرة حتى صبروا معهن على القيادة. قال:" وأيضا فإن هذا يفضي إلى انقطاع النسل الذي هو أعظم خير في الزواج إذ يجوز لكل واحد منهم في اليوم أن يتزوج أربعا ويطلقهن، ويأخذ أربعا غيرهن كذلك في جميع زمانه، وهذه ليست سنة العقلاء والأعفاء بل سنة الفجار والعواهر، بل سنة الكلاب والحمير". قلت: هذا جهل منه بحكم دين الإسلام. فإن الرجل لو تزوج أربعا وطلقهن في يوم واحد جاز ذلك له، والنسب محفوظ بوجوب العدة/ إذ به يتبين
الحمل فيلحق بأبيه، وإن لم يكن حمل فلا محذور، وحينئذ يكون فهمه: هو فهم الكلاب والحمير، لا سنة المسلمين «1». قال:" وأيضا. ما أقبح وأشنع توقف رجوع المرأة بعد طلاقها إلى زوجها على نكاح غيره، إذ تأبى ذلك نفس الرجل والمرأة، وذلك خلاف الطبيعة بالنسبة إلى الناس بل إلى كثير من الدواب والطيور كالأسد والدب، فإن كل واحد من أشخاص هذه الأنواع لا يتعدى إلى أنثى الآخر". قلت: لو عقل هذا العلج لكفاه هذا الحكم في الدلالة/ على حكمة شريعة الإسلام وصحتها ولكن: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي «2»
وبيان ذلك: أن الشارع لما علم من طبيعة البشر كراهة ذلك، والنفور منه جعله شرطا في جواز ارتجاع الرجل زوجته، ليكون ذلك مانعا له من المبادرة بطلاقها، وحاملا لكل من الزوجين على عشرة الآخر بالمعروف، واحتمال بوادره وسوء أخلاقه. فكان اشتراط نكاح المرأة زوجا غير مطلقها مفضيا إلى نفيه وتقليله جدا، حتى أن هذا إنما يقع في النادر بالنسبة إلى كثرة الأنكحة وللطلاق «1»، ونظيره القتل بالقصاص ناف للقتل بالعدوان ومقلل له، وإليه الإشارة بقوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا ... (179) «2» وتقول العرب:" القتل أنفى للقتل «3» " ويقول الشاعر: بسفك الدما يا جارتي تحقن الدما وبالقتل تنجو كل نفس من القتل «4» وأما الأسد والدب ونحوهما فليسوا مكلفين،/ حتى يشرع في حقهم ما يمنعهم من المبادرة إلى الطلاق، وإنما كان ذلك فيهم طبيعة.
[نكاح المتعة وموقف الإسلام منه]
[نكاح المتعة وموقف الإسلام منه] قال:" وفي كتاب المناسك من مسلم. قال: سئل ابن عباس عن متعة الحج فرخص فيها «1»، وفي كتاب النكاح منه «2» عن أبي الزبير «3» عن جابر، قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر «4» والدقيق، على عهد رسول الله «5» " وذكر حديث الربيع بن سبرة الجهني «6»، وحديث عمران بن
حصين «1» قال: أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات «2» " قال:" فهل فاحشة أو نجاسة أقذر من هذا الفعل في الكلاب؟ / دع الإنسان يعطى المرأة ما ترضى به فيزنى بها. هذا منزع
الزنا لا غير، هذا أمر الشيطان لا أمر الله. وهذا هو المتعة. والعقلاء من المسلمين/ يستنكفون «1» من ذلك، وكثير من أهل الحجاز «2» ومكة باقون عليها إلى الآن". قلت: هذا غلط منه على الشريعة حيث جعل المتعتين واحدة. وإنما المتعة في حديث ابن عباس: هي نسك من أنساك الحج وهو قرينة الإفراد والقران. وصورتها: أن يعتمر أولا ثم يحل ثم يحرم بالحج. وأما المتعة في الأحاديث الأخر، فلا شك أنها ثبتت في أول الإسلام لضرورة، وهو غربتهم عن أوطانهم في الجهاد وحاجتهم إلى النساء، فرخص لهم فيها بشبهة عقد وصورته فكان ذلك خيرا مما يفعلونه زنا محضا. ثم نسخ ذلك في عهد النبوة، وليس عليه اليوم من المسلمين إلا شرذمة قليلة، وأكثر من يقول به الرافضة «3».
وأما حديث عمران بن حصين:" ولم ينه عنها حتى مات «1» " فلأنه لم يبلغه النهي عنها وقد بلغ غيره فنقله على أن القياس شرعا وعقلا: جواز المتعة وإنما منع الشرع منها تعبدا. أما شرعا: فلأن الله إنما حرم الزنا، والمتعة ليست زنا لأن الحد فيها ساقط والنسب لاحق، والزنا ليس كذلك، وأما عقلا فلأنها منفعة من منافعها، فجاز معاوضتها عليها مطلقا كالخدمة، بل الزنا ليس قبيحا عقلا إذ ليس فيه إلا انتفاع كل من بشرين بآخر وإنما قبح شرعا، ثم تلقت العقول قبحه من الشرع ونفرة الطبع.
وأما تشنيعه بالمتعة فقد بينا في غير موضع أن في التوراة أن يهوذا بن يعقوب/ لقي كنته- زوجة ابنه- على الطريق في «1» صورة زانية فوطئها على أن يعطيها «2» جديا من الغنم ثم رهنها عليه عمامته وقضيبا معه «3» " وهذه صورة المتعة بل صورة الزنا. والجواب مشترك. وأيضا المتعة أحسن حالا من وطء روبيل بن يعقوب جارية أبيه لأنه زنا محض «4». قال:" وفي كتاب العتق من البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم- «5»: (إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به صدورها، ما لم تعمل به أو تكلم) «6».
[العزل وإباحته في غير معارضة القدر]
قلت: لا أعلم ما وجه إيراده لهذا الحديث، إلا أن يكون انكارا لوسوسة الشياطين أو للعفو عنها، بناء على أنه لم يذكر في كتبهم. فأما الشياطين ووساوسهم «1» فثابتان وأما عدم ذكر ذلك في كتبهم فاحتجاج بالعدم./ وقد سبق في غير موضع: أنه اعتماد على الجهل. وذكر أحاديث العزل عن النساء «2». [العزل وإباحته في غير معارضة القدر] قال:" وهو أن يجامع الرجل ثم يعزل ذكره عن فرجها، فيلقى المني خارجا"، قال:" وهو قبيح/ رذل عار على فاعله". قلت: المأخذ في مشروعية النكاح في دين الإسلام هو تحصين الدين والفرج والعفاف عن الزنا، وذلك حاصل مع العزل وعدمه، «3» وعندهم مأخذه تحصيل الذرية، فلعلهم لذلك قبحوه، ولا شك أن هذه المسألة من فروع الشريعة وفيها خلاف: فقيل: يجوز مطلقا «4»، وقيل: لا يجوز مطلقا «5». وقيل: يجوز بإذن
الزوجة وإذن سيد الأمة «1»، ومسئلة فيها هذا الخلاف في الحكم والدليل، لا ترد هادمة لشريعة. ثم إذا حاققناهم: فإما أن نمنع قبح العزل وتحريمه ونطالبهم بالدليل على ذلك فلا يستطيعونه،/ وليس فيه إلا وهم الاحتشام الطبيعي. ولو كان ذلك موجبا للعار لوجب أن يكون نفس الجماع عارا، وقد بينا بطلانه «2» وإما أن نسلم تحريمه ونحتج عليه بما روى أبو سعيد قال:" ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لم يفعل أحدكم؟ فإنها ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها» أخرجاه في الصحيحين «3»، ورواه أبو داود «4» والنسائي «5» والترمذي وصححه «6».
فقوله:" لم يفعل؟ " استفهام انكار، وذلك يوجب المنع «1»، ولأن فيه فرارا من القدر وهو حرام «2»، ونوع عبث إذ لا فائدة له إذا كان لا مانع لما أراد الله خلقه، ثم نجعل هذا ناسخا لأحاديث إباحته «3»، فلا يمكنهم النزاع في ذلك «4». والله أعلم.
[حد الزنا ... وحرص الإسلام على الستر والإغضاء]
[حد الزنا ... وحرص الإسلام على الستر والإغضاء] قال:" وفي سورة النساء: واللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ... (15) إلى قوله: والَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما ... (16) «1» وذكر ما قاله «2» المفسرون في الأذى: أنه التعيير «3» والتوبيخ، أو السب والجفاء أو النيل «4» باللسان واليد، والضرب بالنعال، ونحوه «5». قال:" وفي هذا تكثير للزنا لطمع الزانيين بتعذر اجتماع أربعة شهود غالبا، حتى يقضيا وطرهما، ولضعف هذه العقوبة إذ لا يزجر «6» مثلها عن هذا الفعل وشرعية الزنا وقوعه في الخلق أمر مغضب للرب، وموجب حلول نقمته وسخطه فينبغي أن يحسم تشديد العقاب، حتى لا يقع «7» إلا نادرا". قلت: قد تبين بهذا السؤال أن هذا الشخص قد كان يأخذ ما يورده على الشريعة من كتب التفسير والحديث من غير أن ينظر في كتب/ الفقهاء، إذ لو نظر فيها لعرف أحكام/ الشرع، ولم «8» يورد هذا الزور والمحال، ولعمري أن الكتاب
والسنة، وإن كانا أصل الشريعة ومادتها لكن اقتناص الأحكام منها يحتاج إلى تصرف في التركيب، كما أن مفردات الدواء مادته، ولا بدّ في الانتفاع بها من تصرف في التركيب، وكذلك مقدمات الدليل مادته ولا ينتفع بها في إثبات الحكم إلا بمعرفة تركيب الدليل منها، وكذا الكلام في مفردات كل مركب. وإذا عرفت هذا فحكم دين الإسلام في الزاني إن كان محصنا الرجم حتى يموت، وهل يجلد قبله مائة جلدة؟ على قولين «1». وإن كان بكرا
جلد مائة وتغريب عام «1» إلى مسافة القصر «2» لأن قوله تعالى: فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) «3» السبيل
هاهنا: مجمل تبينه السنة فيما روى عبادة بن الصامت «1» قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني. قد «2» جعل الله لهن سبيلا، الثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم،/ والبكر بالبكر جلد مائة، ونفي سنة» رواه مسلم «3» وأبو داود «4» والنسائي «5» وابن ماجه «6» والترمذي، وقال: حسن صحيح «7». وفيه أحاديث غير هذا. وبهذا يتبين: أن ما ذكر في تفسير الأذى ضعيف لا يثبت، أو منسوخ بهذا الحديث «8»، أو محمول على البكر، أو على أنه يفعل بالزانيين ولا يقتصر لهما عليه، بل يقام عليهما من الحد ما أتت به السنة في بيان السبيل.
وأما قوله: في اعتبار الأربعة تكثير الزنا للطمع في تعذرهم. فجوابه: أنا قد بينا أن بناء شرعنا على مراعاة المصالح والمفاسد،/ وترجيح بعضها على بعض، ولا شك أن اعتبار الأربعة في الزنا، وإن كان مفضيا إلى تكثيره بما ذكرت لكن الزنا يتبعه مفاسد عظيمة: منها: ضياع النسب. ومنها: لحوق العار بالزانيين وأهلهما «1». ومنها: وجوب القتل عليهما أو الجلد الذي يفضي إلى القتل. ومنها: سلب العدالة فيترتب عليه رد الشهادة وسلب أهلية الولايات الدينية والدنيوية. وهذه المفاسد كلها راجعة إلى حقوق الآدميين، فكان في تقليل ثبوت الزنا بتكثير الشهود، تقليل لهذه المفاسد في الحكم. وأما معصية الزنا الواقع في نفس الأمر، فالعقوبة عليها/ حق الله، والدنيا ليست دار جزاء، إنما هي دار تكليف، فيتأخر حق الله إلى حين المصير إليه، فيعاقب أو يعفو. ولهذا غالب المعاصي لم يشرع فيها عقوبة في الدنيا إلا فيما كان فيه إفساد لنظام العالم فشرع فيه العقوبة لذلك، وأخر حقوقه في سائر المعاصي إلى الدار الآخرة، دار الجزاء، ولهذا لا يوجد في كلام المسيح ترتيب عقوبة دنيوية على شيء من المعاصي، بل إنما يتوعد بجهنم وبالظلمة وصرير الأسنان على ما تضمنه الإنجيل.
وما تضمنه دين النصارى من العقوبات «1» الدنيوية فهو إما متناول من التوراة أو من جهة علمائهم على جهة السياسة، بناء على قول المسيح: " ما حللتموه في الأرض فهو محلول في السماء، وما ربطتموه في الأرض فهو مربوط في السماء «2» ". مع أن دين الإسلام مبني على إيثار الستر والإغضاء «3» ومكارم الأخلاق، لطفا من الله بخلقه، ولولا ما في المعاصي ذوات الحدود من المفاسد الدنيوية لما شرع فيها حد «4»./ والجواب عن هذا السؤال ذكرته مبسوطا في القواعد الدمشقية وإنما أشرت إليه هنا إشارة.
[الاستمتاع بالحائض في زمن الحيض]
[الاستمتاع بالحائض في زمن الحيض] قال:" وفي الموطأ عن زيد بن أسلم «1» أن رجلا سأل رسول الله فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال رسول الله: لتشد إزارها ثم شأنك بأعلاها «2» ". قلت: كأنه يستعظم مقاربة الحائض. قلت: وهذا لا محذور فيه، لأنا أجمعنا على جواز وطء المرأة إذا كانت طاهرا. والحيض إنما اختص بالفرج. وقضية العقل: أن المانع يختص تأثيره بمحله، بما لم يقم دليل على تعدي حكمه. وذلك يقتضي اختصاص الفرج فقط بالاجتناب
في زمن الحيض، وبقية البدن يجوز الاستمتاع به «1». وكذلك نص القرآن: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ «2» يعني: موضع الحيض «3»، وهو الفرج. وفي حديث صحيح:" اصنعوا كل شيء ما خلا النكاح «4» " وفي/ حديث
عمر:" اتق الحيضة والدبر «1» " اللهم إلا أن تنكر هذا، لكون غير الفرج ليس محلا لزرع الولد فيضع الماء ويصير بمثابة العزل، بناء على أن مقصود النكاح الأصلي إنما هو الولد، لكن هذا شيء قد منعناه، وسبق الجواب عنه «2». قال:" وفي كتاب الرجم «3» من مسلم: أن سعد بن عبادة «4» قال لرسول الله: أرأيت لو أني وجدت مع امرأتي رجلا. أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال له رسول الله:" نعم «5» ". قلت:/ وقد قدم هو وجه السؤال من هذا، وهو تكثير الزنا، وقدمنا جوابه.
[حكم الحنث فى اليمين وجمعة بين تعظيم الله ورفع الحرج عن المكلفين]
[حكم الحنث فى اليمين وجمعة بين تعظيم الله ورفع الحرج عن المكلفين] قال: وفي حديث أبي موسى «1» حيث جاء يستحمله «2» فقال:" والله لا أحملكم" ثم حملهم. فسألوه فقال:/ ما أنا حملتكم، بل الله حملكم، وأنا والله- إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها أحسن منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير «3» ". قلت: وجه سؤاله من هذا: أن الحنث في اليمين استخفاف بحق الله، وتهوين بعظمته، بناء على ما عندهم في الإنجيل عن المسيح أنه قال:" سمعتم ما قيل للأولين: لا تحنث في يمينك، وأوف الرب قسمك «4» وأنا أقول لكم: لا تحلفوا البتة لا بالسماء فإنها كرسي الله، ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه ولا
ببروشليم «1» فإنها مدينة الملك العظيم، ولا برأسك تحلف ولتكن كلمتكم: نعم. نعم. ولا. لا. وما زاد على ذلك فهو من الشرير «2» ". والجواب: أن دين الإسلام مبني على رفع الحرج والضيق بناء على أن الغرض من تكليف الخلق تعظيم الله والانقياد له، لا لحوق «3» المشقة لهم بذلك فمتى أمكن الجمع بين تعظيمه تعالى ورفع الحرج عن المكلفين كان ذلك حسنا جائزا، وتعظيم الله سبحانه في باب الأيمان يحصل إما بالتزام العقد معه بأن لا يحنث فيها، مثل أن يحلف أن يفعل فيفعل أو لا يفعل فلا يفعل، أو بالتكفير إن خالف ما حلف «4» عليه «5»، لأن في التزام التكفير بجزء من المال المحبوب طبعا، أو بالتعبد بإلحاق المشقة بالصوم للبدن تعظيما لله سبحانه ولا بدّ، وقد نص عليه
القرآن «1»، ولعل التعظيم بذلك أشد من التعظيم بالتزام ما حلف عليه، إذ قد يحلف أن لا يأكل هذه اللقمة فتركها عليه يسير غالبا، فإذا أكلها لمصلحة دينية وأعتق عوض ذلك رقبة «2» أو أطعم أو كسى عشرة مساكين أو صام ثلاثة أيام متتابعة «3» / كان ذلك لا شك أبلغ في تعظيم الله- جل جلاله وتبارك اسمه-. وأما ما ذكروه عن المسيح من قوله:" لا تحلفوا بالسماء فإنها كرسي الله" فكلام متهافت لا تليق نسبته إلى المسيح. وبيان تهافته: أنه فاسد الاعتبار، إذ النهي عن الحلف بالسماء يقتضي عدم تعظيمها، وكونها كرسي الله يقتضي تعظيمها، وجواز الحلف بها، ثم إن هذا الكلام في الفصل الخامس من إنجيل متى، وهو
[متى يباح الكذب وتنزيه الأنبياء منه]
[متى يباح الكذب وتنزيه الأنبياء منه] مناقض لما في الفصل السادس والخمسين «1» منه حيث يقول:" من حلف بالسماء فهو يحلف بكرسي الله والجالس عليه" فإنه يقتضي صحة الحلف بالسماء/ وجوازه «2»، وأن الحالف بها حالف بالله سبحانه. فانظر أيها العاقل إلى هؤلاء الذين يقدحون في دين الإسلام بهذا الكلام المتناقض المتهافت. وذكر حديث قتل كعب بن الأشرف «3»، وأن محمد بن مسلمة «4» خدعه
حتى استمكن منه فقتله، وذلك بإذن النبي- عليه السلام- «1». قلت: ووجه السؤال منه: أنهم خدعوه بإذن محمد حتى أمن وسلم نفسه إليهم ثم قتلوه وهذا غدر. قلت: وجوابه من وجهين: أحدهما: أن هذا من باب الخديعة في الحرب، وهو جائز في دين الإسلام وقد قال النبي- عليه السلام- (الحرب خدعة) «2» وغاية ما في الباب: أنه كذب.
لكن الكذب ليس قبيحا لذاته عندنا بل «1» لما فيه من المفسدة. فإذا تضمن مصلحة راجحة على مفسدته تعينت. وكان من قبيل اعتبار المصالح. ولا شك أن قتل كعب ابن الأشرف تضمن مصلحة دينية، وهو أنه كان يهجو النبي- عليه السلام- والمسلمين ويقذف نساءهم في شعره، ويأخذ أعراضهم، وهو يهودى ملعون من أعداء المسيح وقتلته/- على زعمك «2» - وبعض هذا يوجب قتله وقتل كل يهودي على وجه الأرض. وأجمع «3» العقلاء على أن الكذب واجب على من رأى ظالما يتبع نبينا أو وليا أو مظلوما بالجملة ليقتله. إذا سأله فليصده عنه «4» بالكذب، ولو صدق حتى قتل ذلك المظلوم لأثم بالصدق. قال العلماء: الكذب: واجب، ومندوب، ومباح، وحرام. فالواجب: كالصورة المذكورة آنفا. والمندوب: الكذب للإصلاح «5» بين
المؤمنين. وفي الحديث الصحيح: (ليس بالكاذب من أصلح بين اثنين فقال خيرا، أو نمى «1» خيرا «2» والمباح: كذب الرجل لامرأته في الوعد والتأميل «3»، ليكف شرها عنه أو لا تكدر «4» عليه. والحرام: ما سوى ذلك وهو كل كذب لم يتضمن مصلحة راجحة على مفسدته «5».
وقد صرحت التوراة بأن إبراهيم وإسحاق جميعا قال كل منهما عن زوجته: إنها أخته «1» حين خشي عليها من" أبيمالخ" ملك الأردن وفلسطين، ولما تضمن ذلك مصلحة لم يقبح منهما. فهذا مثله سواء، لأن محمدا وأصحابه كانوا مظلومين مع كعب في هجائه لهم وقذفه لنسائهم، كما كان إبراهيم مظلوما بتغلب" أبيمالخ" ملك الأردن «2» على زوجته، لولا عصمة الله لها منه. الوجه الثاني: أن عظيم ساليم قرية «3» سجيم لما فضح «4» بنت يعقوب وأراد أن يتزوجها صعب على بني يعقوب ذلك. فقالوا له: إن من ديننا الختان، فإن اختتنت أنت وأهل قريتك زوجناك. فلما اختتنوا جميعا دخلوا عليهم، وهم في ألم الختان لا يستطيعون الدفع عن أنفسهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، وهذا غدر صريح، والجواب عنه مشترك لأن/ الجميع أنبياء، وقد نصت التوراة على هذه الحكاية «5». وذكر حديث: أعطيت/ خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل
[حسن العطاس وكراهة التثاؤب]
لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة «1»، وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة. وبعثت إلى الناس عامة «2» ". قلت: لا أعلم ما «3» وجه السؤال من هذا، إلا أن يكون يكذب بالإخبار بهذه الأشياء بناء على عدم علمه بها، أو على مناقضة محرفة في كتبهم، ولو ذكر وجه سؤاله منه لأجبته بحسبه «4». [حسن العطاس وكراهة التثاؤب] وذكر قوله- عليه السلام-:" إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب" إلى قوله:" وأما التثاؤب فهو من الشيطان. فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإنه إذا تثاءب «5» ضحك منه الشيطان «6» ".
قلت: قد سبق ذكرنا لقواطع الإنجيل على جسمية الشيطان «1»، ومناقشتنا له في قوله: الشياطين بسائط مجردة عن المائدة" ومع جسميتهم لا يمتنع الضحك والأكل وسائر خواص الأجسام منهم. وأما قوله:" إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب" ومعنى كونه من الشيطان فله تأولان: أحدهما: ذكره الخطابي «2»، وهو أن العطاس يكون عن خفة البدن من الطعام، والتثاؤب عن ثقله به «3». فالحب والكراهة راجعان إلي سببيهما «4»، وهما قلة الأكل وكثرته الموجبان لخفته وثقله «5» لا إلى ذاتيهما «6». الثاني: أن العطاس يتعقبه حمد الله. وذكره بخلاف التثاؤب، فلذلك فرّق بينهما في الحب والكراهة، وعدم ذكر الله من أخلاق الشيطان، وما يؤثره، فلذلك قيل في التثاؤب: إنه من الشيطان.
[آدب الأكل فى الإسلام وجهل النصارى بها]
[آدب الأكل فى الإسلام وجهل النصارى بها] وذكر أن رسول الله أمر بلعق الأصابع والصحفة. وقال:" إنكم لا تدرون في أيّه البركة «1» ". وقوله:" إذا أكل أحدكم فلا/ يمسح يده حتى يلعقها، أو يلعقها «2» " وأنه كان" يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها" «3». وقوله:" إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء حتى يحضره عند أكل طعامه «4»، فإذا سقط «5» من أحدكم اللقمة فليمط ما بها «6» من أذى، ثم
[حكم مرور الكلب الأسود بين يدي المصلي، والرد على النصراني في اعتراضه على ذلك]
ليأكلها، ولا يدعها للشيطان وإذا «1» فرغ فليلعق أصابعه «2» ". [حكم مرور الكلب الأسود بين يدي المصلي، والرد على النصراني في اعتراضه على ذلك] قلت: هذه آداب حسنة من آداب الأكل، فإن في لعق الأصابع والصحفة تعظيم ما عليهما من بقية الطعام بأكله وتنظيف الإصبع «3» والصحفة، ولعله علم في ذلك سرا آخر من خصائص النبوة، وإليه أشار بقوله/" لا تدرون في أيّه البركة" وقد سبق في أول الكتاب قول أرسطو وغيره" أنه لا بدّ في معرفة الشرائع من «4» توقيف إلهي يبين للعقل ما يقصر عنه، وليس من شأنه إدراكه" «5». وذكر حديث أبي ذر:" يقطع الصلاة: الحمار والمرأة والكلب الأسود" وقال:" الكلب الأسود شيطان" «6».
قلت: الجواب من وجوه: أحدها: أن الشيطان لا يمتنع أن يختص بالدخول في الكلب الأسود لخصيصة فيه من شدة خبثه أو نحو ذلك، كما ذكر في الإنجيل: أن المسيح أخرج الشياطين من الناس فدخلت في قطيع خنازير ثم ألقتها في البحر فغرقت «1». وقد ذكر ابن الأشل «2» مطران حمص في تقرير الثالوث:" أن الله سبحانه ظهر في كبش إبراهيم" فإذا جاز في عقولكم أن خالق السماوات والأرض يظهر في كبش فكيف يمتنع ذلك في بعض مخلوقاته أن يظهر في كلب. الثاني: قال الجاحظ «3»:" معنى قوله: الكلب الأسود شيطان:/ أن فعله فعل الشيطان لأنه أخبث الكلاب، وأكثرها عقرا للحيوان «4» ".
قلت أنا: لكن هذا لا يناسب قطعه للصلاة، فيحتمل أن يكون لكثرة خبثه، ويدل على خبثه، سواده كما استدلوا على خبث الأسود من الحيات بسواده، وحيث اشتد خبثه قاربت طبيعة الشيطان في الشر، فاستأنس به- والشكول أقارب «1» - فدخل فيه وقارب المصلي، لينتهز منه فرصة، كما دخل إبليس في في الحية إلى الجنة/ حتى أغوى آدم «2».
وقد ذكر بعض أهل التاريخ- أحسبه الشيخ أبا الفرج في المنتظم- أن آدم لما كان فخارا، كان إبليس يطوف به ويتعجب منه، ففي بعض الأيام بصق عليه، فوقع بصاقه في موضع السرة منه، فقطع موضع البصقة منه فألقي، فخلق منه الكلب الأسود «1». فإن ثبت هذا صح أن في الكلب الأسود طبيعة من الشيطان، لأجل تلك البصقة، وإن كان المخلوق من بصقة إبليس كلبا غير أسود، فلعله انضم إلى الأسود خصيصة كملت بها شيطنته، فاختص بما ذكر من قطع الصلاة وتحريم صيده «2»، ونحوه. الثالث: قال الخطابي: في قوله:" تطلع الشمس بين قرني الشيطان" «3» هذا
[التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب]
[التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب] من ألفاظ الشرع التي أكثرها ينفرد هو بمعانيها، ويجب علينا «1» التصديق بها والوقوف عند الإقرار بأحكامها والعمل بها «2». قلت أنا"/ والاختلاف في أن هذا «3» معقول المعنى، أو هو تعبد، اختلف الفقهاء فيما لو اتفق أن مر بين يدي المصلي شيطان حقيقى. هل يقطع الصلاة أم لا؟ «4» على وجهين: أحدهما: يقطعها «5»، لمقتضى تعليله أن/ الكلب الأسود شيطان. والثاني: لا. لأنا لا نعقل ما معنى شيطنته فهو إذن تعبد نتلقاه بالتسليم. والتعبدية «6» فرع المعقولية، وحيث لا معقولية فلا تعبدية «7». وذكر عن ابن قتيبة «8» في مختلف الحديث قال «9»:" وقد رخّص في
الكذب في الحرب لأنه «1» خدعة، وفى الإصلاح «2» بين الناس، وفي إرضاء الرجل أهله، ورخص «3» أن يوري في يمينه إلى شيء، إذا ظلم، أو خاف على نفسه. والتورية: أن ينوي غير ما نوى مستحلفه: ... وجاءت الرخصة في المعاريض وقيل:" إن فيها مندوحة عن الكذب" «4». قلت: هذه أحكام صحيحة في الإسلام. وقد سبق الكلام على أنواع الكذب «5». وأما التورية والمعاريض فكما قال إبراهيم عن زوجته: إنها أختي. وعني باعتبار الأب الأبعد، أو في الإسلام. وكذلك إسحاق. وفي الحديث النبوي الصحيح قال:" لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات" ما حل «6» بهن عن دين الله. ذكر قوله عن زوجته:" إنها أختي" وقوله لقومه:" إني سقيم" أي سأسقم. وقوله: «بل فعله كبيرهم هذا» «7» وهذه معاريض وسماها كذبا مجازا.
[جسمية الشيطان والرد على النصراني في انكار ذلك]
[جسمية الشيطان والرد على النصراني في انكار ذلك] قال:" حديث يكذبه النظر، والخبر:" إن الشمس تطلع على قرني شيطان فلا تصلوا لطلوعها «1» " فجعلوا للشيطان قرونا تبلغ «2» إلى السماء وجعلوا الشمس التي هي مثل الأرض مرات تجري بين قرنيه، وهم مع هذا يزعمون أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فهو في هذه الحال ألطف من كل شيء وفي تلك الحال أعظم من كل شيء، وجعلوا علة ترك الصلاة، في وقت طلوع الشمس طلوعها من بين قرنيه، وما على المصلي لله إذا/ خرجت الشمس بين قرني الشيطان؟ وما في هذا مما يمنع من الصلاة لله؟. قلت: الجواب عن هذا الحديث قد سبق «3»، لكنه لم يوجه السؤال منه هناك كما وجهه هاهنا فيحتاج أن نعيده فنقول: الجواب من وجوه: أحدها: ما ذكر عن" إبراهيم الحربي «4» " وحسبك به إماما في معرفة
الحديث ومعانيه- قال:" هذا تمثيل أي حينئذ يتحرك/ الشيطان ويتسلط، يعني حيث يرى الكفار قد أشركوا/ بالله وسجدوا للشمس في الشرق والغرب، وهم المراد بقرنيه" قال:" كذلك الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، أي يتسلط عليه، فيوسوس له، لا أنه يدخل جوفه" «1». الوجه الثاني: جواب مفصل: قوله:" جعلوا للشيطان قرونا تبلغ إلى السماء". أما جعل القرون له فمبني على جسميته وقد أثبتناها قبل هذا، وإن كانت مادته لطيفة. وعندكم «2» أن الملائكة منهم على صور البقر وعلى صور الأسد، وعلى صور النسور وعلى صور الناس. وإذا جاز هذا في الملائكة كان في الشياطين أجوز، لأن الجميع مشترك في التجرد عن المادة عند الفلاسفة «3» وفي لطافتها عندنا. وأما كون قرونه تبلغ إلى السماء فلم نقل به، ولا هو لازم لقولنا، بل يجوز في رأي العين أن تخرج الشمس بين جبلين، بل أكمتين، بل جدارين صغيرين بل انسانين بل من بين قرني ثور متباعدين قليلا، كما تقرر في قوله «4»: تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ... (86) «5».
قوله:" وهم مع ذلك يزعمون: أنه يجري من ابن آدم مجرى الدم". قلنا: نعم ولذلك توجيهان: أحدهما:/ أن الشياطين كثيرة فالذي يجري من ابن آدم مجرى الدم هو قرينه الملازم له، كما سبق في قوله- عليه السلام-:" ما منكم أحد إلا معه شيطان «1» ". والذي تطلع الشمس بين قرينه شيطان آخر أكبر منه، فإن جنود إبليس كثيرون على أنواع وصفات مختلفة بينهم في أشغاله ومهامه، ولا يمتنع أنه يبعث بعض سحرة الشياطين العظيمي الخلقة أو غيرهم، فيقارن الشمس ويزينها في أعين الكفار بزينة صنم أو آلهة على جهة الشعبذة والتخييل فيسجدون لها لزينتها في أعينهم فإنا قد علمنا في بني آدم من يأتي من التخييلات بما لا يشك الرائي في ثبوته في الأعيان، وهو سيماء «2» وتخييل، لا حقيقة له في الخارج، وإنما هي خيالات ذهنية تغلب وتقوى وتستولي حتى تغلب الأحكام الخارجية، فيبقى الإنسان كأنه نائم يقظان، وقد علم هذا بفعل سحرة فرعون حيث خيلوا أن حبالهم حيات تسعى. الوجه الثاني: أن مادة الشيطان لطيفة، وقد جعل له من القابلية، والقوة ما أنه/ يتشكل في أشكال مختلفة ويتصور في صور متباينة، فإن سلمنا أن الشيطان المقارن للشمس هو الجاري من ابن آدم مجرى الدم وأنه كبير عظيم هائل الخلقة،
فلا يمتنع أن يكون يتشكل عند مقارنتها بشكل عظيم وعند جريانه من ابن آدم بشكل صغير كما قرره" ابن الأشل" مطران" حمص"- وهو من فضلاء النصارى- في أن خالق السموات والأرض ظهر لإبراهيم في صورة كبش، ولإسرائيل في صورة رجل صارعه إلى الصبح ولموسى في صورة نار في عليقة «1» وظهر للناس في صورة/ المسيح فهذا- وإن كنا ننكره عليكم- لكنه يلزمكم لتجويزكم إياه أو بعضكم ممن هو موافق لكم على مقالتكم أو بعضها، فما ذكرناه في الشيطان أولى بالجواز، وأما الملائكة، فثبت ذلك فيهم في دين الإسلام فملك الموت: الدنيا بين عينيه كدارة درهم «2»، ثم إنه جاء إلى موسى في صورة رجل فأراد قبض روحه،
ففقأ موسى عينه «1»، وجبريل تراءى للنبي- صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب «2». ثم كان يأتيه بعد ذلك في صورة دحية الكلبي «3» - رجل أعرابي-/ وجاءه مرة في صورة شاب أبيض الثياب، يسأله عن معالم الدين
ليتعلمها المسلمون «1». ثم هذا مما لا يمتنع عقلا أن تكون المادة منطبعة لطيفة تقبل توارد الأشكال عليها، كبندقة شمع «2»، إن شئت صورتها فرسا أو فيلا أو خنزيرا أو شجرة، كبيرا ذلك أو صغيرا، وكالنور والماء إذا وجدا محلا فسيحا انبسطا فيه كشعاع الشمس في الفضاء، والماء في البحار، وإذا اكتنفتهما الأجرام الكثيفة انقبضا كالنور في كوة البيت «3»، يرى دقيقا ضئيلا، والماء في ساقية الدولاب «4»، وأنبوب القصب «5» ونحوه يرى دقيقا قليلا. فهذا أنهى ما تصل إليه عقول البشر «6» في هذا من التقريب والتمثيل ووراء ذلك أمر لا يرام جليل.
[النهي عن مشابهة النصارى غيرهم في أوقات الصلوات]
الوجه الثالث: ما سبق من قول الخطابي «1»: أن قوله:" بين قرني الشيطان" من ألفاظ الشرع التي أكثرها ينفرد بمعانيها، ويجب علينا التصديق بها، والوقوف عند الإقرار بأحكامها، والعمل بها يعني التسليم المحض والتقليد الصرف/- بناء على ما سبق «2» من قول" أرسطو" وغيره «3»:" إن عقولنا عند أحكام المبادي الأولى «4» كالخفاش عند شعاع الشمس". قوله:" جعلوا علة ترك الصلاة لله: طلوع/ الشمس بين قرني الشيطان وليس مناسب". [النهي عن مشابهة النصارى غيرهم في أوقات الصلوات] قلنا: قد سبق جواب هذا بأن من أصول شريعة الإسلام المبالغة في خلاف الكفار، فيما لم يرد شرعنا بوقفه، حتى في «5» التشبه بهم ولو أدنى مشابهة ولا شك أن عند طلوع الشمس يسجد لها الكفار فتكون في الصلاة حينئذ مشابهة لهم. قلت: وهذا سؤال يورده المسلمون على هذا الحديث ومع التحقيق لا جواب عنه إلا بنسبه إلى التعبد المتلقى بالقبول. وذلك لأنا لا نجد سببا ظاهرا نعلل به منع الصلاة عند طلوع الشمس إلا ما ذكرناه من مشابهة الكفار لكنه يعارض بأن في الصلاة حينئذ مخالفة للشيطان وحزبه ومراغمة لهم أشد من التشبه بهم.
وقد حكي في مناقب" معروف الكرخي «1» " أنه كان يمر عليه اليهود، يوم السبت إلى" الكنيسة" فقال في نفسه: إن هؤلاء يكفرون بالله في هذا اليوم كفرا عظيما، فلأخالفنهم بأن أقطع هذا اليوم بالصلاة والصوم فجازاه الله على ذلك بأن جعل زيارته يوم السبت، فيهرع إلى ضريحه خلق عظيم فيه على الخصوص «2». ولأن وفاق الكفار بالصلاة عند طلوع الشمس بالصورة الفعلية وخلافهم بالقصد والنية لأنهم يعبدون الشمس ونحن نعبد الله وقد قال الله تعالى «3»:
وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ ولا لِلْقَمَرِ واسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) «1». فالاعتبار هنا «2» بالقصد والنية، لا بالمشابهة الصورية «3». فإن قيل: لما تعارض عندنا مفسدة المشابهة، ومصلحة المراغمة غلب الشارع جانب مفسدة المشابهة لأن الخطاب كان في صدر الإسلام والقوم «4» قريبو عهد بالجاهلية. فمنعهم من الصلاة حينئذ تنفيرا عن المشابهة، مبالغة في تكريه الكفر
وشعاره إليهم، ثم صار «1» ذلك سنة متبعة، كالرمل «2» زالت حكمته السببية وبقيت صورته السنية. قلنا: جوابه من وجهين: أحدهما: أن تنفيرهم من الكفر وتكريهه إليهم/ بأمرهم بمراغمته ومناقضة أهله بعبادة الله «3» عبادة أبلغ. الثاني: أن ذلك منقوض بصلاة الفرض. فإنه أجازها لهم، وهي جائزة بالاجماع في تلك الأوقات المنهي عن التطوع فيها. مع أن مشابهة الكفار الصورية موجودة «4» / فإن قيل: الفرض واجب فلا يترك حق لباطل «5» قلنا: والتطوع مندوب فلا يترك حق لباطل، وخصيصة الوجوب لا تصلح فارقا فبان بهذا البحث والتقرير: أن هذا الحكم وأمثاله مما يتلقى عن الشرع بالقبول ولا يصادم بتصرفات العقول، ولا شك أن دين الإسلام مشتمل على الأحكام التعبدية والمعقولة «6» العلية كما قررته في" القواعد الصغرى" وبنيت الحكمة فيه على الوجه الأجل.
[إثبات نصوص الصفات على ما يليق بالله سبحانه]
[إثبات نصوص الصفات على ما يليق بالله سبحانه] وذكر حديث أبي هريرة وأبي ذر:" من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هروله «1» ". قلت: ووجه سؤاله منه: أن ظاهره/ التجسيم. قلت: وقد سبق تقرير قاعدة هذه الأحاديث. ثم الجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن الحديث مؤول عندنا على التقرب بالرحمة واللطف والإكرام، كما يقال: فلان قريب من السلطان، والأمير «2» قريب من فلان يعنى تقارب القلوب والمنزلة «3»، وأنا وإن كنت أثريا في آيات الصفات وأخبارها، إلا أن
المجاز «1» عندي في هذا الحديث ظاهر غالب، فلا يتوقف في تأويله إلا جامد «2». وتحقيق الكلام في هذا المقام: أن النصوص في الصفات من حيث السند على ثلاث طبقات: صحيح مجمع على صحته بين أهل النقل، وضعيف متفق على ضعفه، ومختلف في صحته.
فالأول مما تثبت «1» به الصفات، والآخرين لا يعول عليهما في ذلك، في وقت من الأوقات «2». ثم الحديث المجمع على صحته من حيث دلالة المتن على ثلاث طبقات: ما ترجح فيه إرادة الحقيقة، وما ترجح فيه إرادة المجاز، وما استوى فيه الأمران. فالأول: كحديث الساق «3» والقدم «4» والأصابع «5» ونحوه فهذه إرادة المجاز فيها مرجوحة فحكمها أن تحمل على حقائق لائقة بالباري- جل جلاله- ولا يلزمنا تعيين كيفيتها كذاته سبحانه أثبتنا وجودها ونحن عن تفاصيل أحكامها بمعزل، والثاني: كهذا الحديث قوله:" من تقرب مني تقربت منه" وقوله:" قلوب
الخلق بين اصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء «1» " و" الحجر الأسود يمين الله فى الأرض «2» " وقوله:" ساعد الله أشد" وموسى الله أحد «3» " ونحوه. فإن المجاز فيه راجح وحكمه: التأويل على ما ترجح فيه «4»، كقوله: ويَبْقى وَجْهُ
رَبِّكَ ... (27) «1» فإنه متردد «2» بين الصفة الوجيهة اللائقة بمنصب الإلهية/ وبين/ الرتبة الجاهية الراجعة إلى العظمة الذاتية فحكم مثل هذا راجع إلى ترجيح المجتهد في أحكام العقائد فإن غالب مسائلها من هذا وأشباهه اجتهادية لكنها أعلى رتبة من مسائل الفروع فهذا هو الطريق الذي أراه قصدا بين الإفراط والتفريط سالما من الخبط والتخليط واللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ.
[حث محمد- صلى الله عليه وسلم- لأمته على طاعة الله والرد على إنكار النصراني لمغفرة الله لذنوب عباده]
الوجه الثاني: أنه قد ثبت في التوراة أن آدم لما أكل من الشجرة انفتحت عينه وبان له أنه عريان فاستتر بالشجر وجعل يخصف عليه الورق وسمع «1» حس الله يمشي في الجنة فاختفى منه فقال له، الله الرب: ما لك يا آدم؟ قال: أنا عريان أستحي منك وسمعت حسك تمشي فاستحيت/ فقال:" لعلك أكلت من شجرة معرفة الخير والشر؟ قال: نعم" «2»، وقد سبق ذلك «3». فهذا تصريح بأن الله يمشي والمجاز فيه مرجوح جدا، فما تنكر «4» علينا من حديث المجاز فيه راجح جدا، هذا ما هو إلا عناد ولو وقع لارتفع الخلاف. [حث محمد- صلى الله عليه وسلم- لأمته على طاعة الله والرد على إنكار النصراني لمغفرة الله لذنوب عباده] قال: وفى حديث أبي هريرة:" من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا «5» غفر له ما تقدم من ذنبه «6» " وذكر حديث:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا «7» غفر له
ما تقدم من ذنبه «1» "، وقوله:" إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فمن وافق تأمينه تامين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه «2» " وحديث سلمان:" من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر" الحديث إلى قوله:" غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى «3» " وقوله:" حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده «4» " وحديث أبي عبس: «5» " سمعت النبي يقول:" من
اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه/ الله على النار «1» ". وقوله:" من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه «2» " وحديث أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبرني جبريل بالحرة، قال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: وإن زنا وإن سرق؟ قال: نعم». كررها ثلاثا «3»، حتى قال في الثالثة: (وإن شرب الخمر «4»).
وذكر النصراني: في لفظ آخر للحديث" قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا سيدخل الجنة ولم «1» يدخل النار «2» " وقوله:" لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة «3» ". وقوله:" لله تسعة وتسعون اسما، مائة إلا واحدا،/ لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة «4» " وقوله:" من صلى البردين دخل الجنة «5» " وقوله:" من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين" الحديث إلى قوله:" كفرت عنه خطاياه «6» وإن كانت
مثل زبد البحر «1» " وقوله:" قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله. يبتغي بذلك وجه الله «2» ". ثم قال النصراني:" فقد ظهر أنه لم يوجد فيه شيء من الشروط الأربعة «3» التي ينبغي- ولا بد- أن توجد في النبي". قلت: سرد هذا «4» الخصم هذه الأحاديث، ولم يبين وجه سؤاله منها والذي فهمته من ذلك أنه أوردها إشكالا على وعد النبي أمته على الطاعات المذكورة مغفرة الذنب، ودخول الجنة، والتحريم على النار. إما استبعادا من هذا الخصم لذلك بناء على اعتقاده في المسلمين أنهم عنده كفار، أو على ما صح في السنة من دخول عصاة الأمة النار وإخراجهم بالرحمة والشفاعة، فيكون ذلك تناقضا في الأخبار «5».
والجواب: أن هذه الأحاديث صحيحة وأحكامها ثابتة عندنا ولا/ مطعن فيها لطاعن. أما استبعاده لما وعدت به هذه الأمة بناء على سوء اعتقاده فيهم، فلا وجه له «1» إذ لا اعتبار به. إنما الاعتبار بالحجة. ثم هو معارض باستبعاد المسلمين ما يزعم النصارى: أن المسيح وعدهم به في قوله:" من عرفني وآمن بي كان معي عند أبي الذي في السموات «2» " ونحوه. فإن من آمن بالمسيح كإيمان النصارى/ به في أنه: الله، أو ابن الله فهو كافر عند المسلمين، خالد في النار، قد حرم الله عليه الجنة «3». فلم كان اعتبار أحد الاعتقادين أولى من الآخر؟. وأما دعواه التناقض فمردودة بأن هذه ظواهر وعمومات كانت في أول الإسلام وآخره قبل أن يكمل الإسلام وتتم أركانه وشروطه ومتقوماته. ثم لما كمل الإسلام صار غفران الذنوب ودخول الجنة والتحريم على النار متوقفا على كماله وتمامه، فمن أخل بجميع حقيقته كان كافرا، ومن أخل بشيء منه جوزي بحسبه، كما قال الزهري في قوله عليه السّلام «4»:" من قال لا إله إلا الله
حرمه الله على النار) «1»:" كان ذلك فى أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي «2» ". قلت: وقد قال بعض أهل العلم:" إن المراد تحريم الخلود لا تحريم الدخول «3» " جمعا بين الأحاديث. فأما اللفظ الذي ذكره وهو قوله:" من مات
لا يشرك بالله شيئا سيدخل الجنة ولم «1» يدخل النار" فهذه الزيادة لا نعرفها في شيء من دواوين «2» السنة، بل الذي صح في السنة: إثبات دخول الجنة لا نفي دخول النار «3»، ولا تنافي/ بينهما لجواز أن يدخل النار بمعصيته «4»، ثم يخرج منها فيدخل الجنة بطاعته «5»، كما تواترت به أحاديث الشفاعة تحقيقا لقول «6» الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) «7». على أن هذا اللفظ إن صح وجب تأويله على أنه لم يدخل النار دخول خلود بخلاف المشركين فإنهم يدخلونها دخول خلود، وحينئذ رد الله كيد هذا الخصم، وتبين أن شروط النبوة الأربعة موجودة في محمد- صلى الله عليه وسلم-.
[زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- لقبر أمه. وأنه لا محذور في ذلك]
[زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- لقبر أمه. وأنه لا محذور في ذلك] قال:" وينضم إلى ذلك فى حقه ما روى مسلم من حديث أبي هريرة قال: " زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي «1» " وقال:" جاء رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم «2» - فقال: يا رسول الله: أين أبي؟ قال: «إن أبي وأباك في النار «3»». قلت: ولا محذور في هذا، فإن إبراهيم الخليل- صلوات الله عليه- كان أبوه كافرا، ولأن من قاعدة الإسلام وغيره من الأديان «4» أن الكفار في النار، وأبوا «5» النبي كانا كافرين فحكم لهما بحكم الله فيهما. وهذا من أكبر الأدلة على صدقه لوجهين: أحدهما: أنه ظهر من قول كفار يدعو إلى الناموس الأعظم، فلو لم يكن صادقا لا تبع دين آبائه كغيره.
الثاني: أنه حكم لأبويه بالنار ولجده وعمه وكل قريب له، فلو لم يكن في غاية الصدق والأمانة والعدل حتى أنه يخبر بالحق على نفسه ولها لتعصب لقومه وقال: هم في الجنة ببركتي لاختصاصي عند ربي، وكان يصدق في ذلك كما صدق في غيره. قال: وقال أيضا:" ليت شعري ما فعل أبواي؟ فأنزل عليه «1»: ... ولا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) «2». قلت: هذا إن صح فجوابه ما سبق قبله، لكنه لا يصح لسياق «3» الكلام وهو قوله تعالى في سياق ذم اليهود والنصارى والكفار:/ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً ونَذِيراً ولا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119) بضم التاء «4» المثناة من تسأل على ما لم يسم فاعله، فهو معنى قوله: .. ولا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) «5» وقوله: قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا ولا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) «6» وقوله: ... فَإِنَّما عَلَيْهِ ما
[الرد على زعم النصراني بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا بد أن يعلم الغيب]
حُمِّلَ وعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ ... (54) «1» وقوله: ... إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7) «2» وقوله: ... ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ... (164) «3» ومعنى ذلك كله: أن عليك إنذارهم وليس عليك شيء من «4» عقابهم، كما قال: ... ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ... (52) «5» وهذا عام فى جميع الكفار. نعم. قد قرئ لا تُسْئَلُ على النهي له عن السؤال،/ وهو محتمل لما ذكره هذا الخصم «6». والجواب عنه ما سبق. [الرد على زعم النصراني بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا بدّ أن يعلم الغيب] وذكر النصوص التي تضمنت أنه لا يعلم الغيب كقوله «7»: وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ ... (9) «8» وقوله: ... ولَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ... (188) «9».
قال:" فأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لاجتلب الخير، واجتنب الشر، واستعد لكل أمر بما ينبغي له. وكقوله «1»: ... لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرًّا ... (188) «2» وقوله: ولا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ... (31) «3» وقوله: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا رَشَداً (21) «4» وقول عائشة:" من زعم أن محمدا يخبر بما يكون فقد أعظم الفرية على الله «5». والله يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ... (65) «6». قلت: هذا غير وارد بحمد الله- تعالى- فإن محمدا لم يدع أنه يعلم الغيب كله ولا أنه يعلم ما علم منه بنفسه، بل بإخبار الله له بذلك، كما قال الله سبحانه: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) «7».
وأما قول عائشة:" من زعم أن محمدا يخبر بما يكون" فلا أعرف هذا اللفظ إنما المشهور من رواية الترمذي وغيره أنها قالت:" ومن زعم أن محمدا يعلم ما في غد «1» " والمعنى متقارب، وكلامها محمول على ما ذكرناه من التقييد، أي لا يعلم ما في غد ولا يخبر بما يكون من عند نفسه بل بإخبار الله له وهل كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إلا عبدا مأمورا «2»؟. ولم يكن إلها معبودا كما اعتقدتم في المسيح، ثم خفي عنكم ما تضمنه اعتقادكم الفاسد، من جهلكم المتزايد، فإن المسيح إن كان يعلم الغيب فكيف لم «3» يعلم أنه يؤخذ فيقتل،/ فيختفي عنهم، لئلا يقع في الصلب والقتل؟. فإن قلتم: كان يعلم ذلك لكن هو سلم نفسه ليفتدي الخلق من العذاب بنفسه. قلنا: نتابعكم على جهلكم في هذا، ونسلمه لكم، لكنه لما بات ليلة في الجبل ساهرا يصلي ويدعو أباه من الموت، ويعبر عنه كأسه.
يرد عليكم إذ من يجود بنفسه هذا الجود، كيف يجزع هذا الجزع ويشح بنفسه هذا الشح، ويستسعد بالتلاميذ أن يساهروه، ويسألوا معه تعبير «1» كأس الموت عنه؟. سامحناكم في هذه، لكنه لو كان يعلم الغيب- كما زعمتم- فلا يخلو في سؤاله تعبير كأس الموت عنه، إما أن يكون علم أنه يجاب في سؤاله أو لا يجاب/ والأول باطل لوقوع الأمر بخلافه، فما علم الغيب في هذه القضية «2». والثاني: يوجب أن سؤاله كان عبثا لا يليق برعاع الناس فضلا عن الأنبياء على رأينا فيه. فضلا عن ابن الله أو الله، خالق السموات والأرض على رأيكم الفاسد فيه. ثم نقول لكم: من «3» من الأنبياء/ علم الغيب لذاته؟ آدم لما أخرج من الجنة؟ أو إبراهيم لما امتحن بذبح ولده؟ أو إسحاق لما أوهمه ابنه يعقوب أنه ابنه العيص، فأخذ بكوريته وجعل يخبر «4» في أمره، ويقول:" الصوت صوت يعقوب واللمس لمس العيص" «5»؟ أو يعقوب لما جرى ليوسف ما جرى وهو يظنه ميتا؟ أو موسى لما
أرسل فرعون الذّبّاحين خلفه «1» ليقتلوه؟ فلو لم يبادر رجل مؤمن فأنذره حتى هرب لفات فيه الفائت. ما أقل عقل هؤلاء القوم الضلال، بل ما أقل من يتعجب من قلة عقولهم بعد ما يعلم منهم ما هم عليه. إنما الأنبياء عبيد الله يعلمهم ما لا يعلمون وما لا يعلمهموه لا يعلموه. قال:" وينضم إلى ذلك وعده للمسلمين يوم أحد بالنصر على عدوهم، فكان بخلاف ما أخبرهم. فقتلوا وهزموا وجرح هو وانكسرت رباعيته، ودخل حلق المغفر «2» في وجهه ثم لما تبين كذبه اعتذر إليهم بقوله: وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وما ضَعُفُوا ومَا اسْتَكانُوا ... (146) «3» الآية. قال:" واعتذاره أقبح من خلف وعده، لأنه باطل. فإن الأنبياء المتقدمين على نوعين: أحدهما: جاءوا باللين والملاطفة والخشوع مثل حزقيال وارمياء وأشعياء ونحوهم لم يحاربوا أحدا، ولا خاصموه، بل أعداؤهم الكفار استضعفوهم فعذبوهم وقتلوهم ولم يقتل/ أحد منهم في حرب ولا قتل معه حبر.
الثاني: جاءوا بالتأييد من عند الله، والظهور على الأعداء والقهر لهم فقمعوا المشركين، ولم يقتل أحد منهم في حرب ولا هزم يوما واحدا، ولا قتل معه ربي «1» ولا حبر مثل موسى وداود وسليمان". قال:" وأنت إذا تأملت أحوال/ محمد، علمت أنه ليس من أحد هذين النوعين، لأنه لم يأت بخشوع ولا خضوع فيكون من النوع الأول ولا أيد بمعجزة يقهر بها أعداءه فيكون من النوع الثاني. نعم. هو من النوع الذي حذر عنه سيدنا/ المسيح حيث قال في إنجيله الطاهر:" تحذروا عن الأنبياء الكذابين، الذين يأتونكم في لباس الضأن وهم في الباطن ذئاب خاطفة، ومن ثمراتهم تعرفونهم" «2». قلت: أما خروج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أحد فلم يكن منشرحا له، ولا اختاره بادئ الرأي. وإنما كان رأيه: أن يتحصن في المدينة فإن دخل العدو عليه قاتله بالسلاح والحجارة وإن بقي خارج المدينة بقي بشر، ولم يلق كيدا.
لكن رجالا من المسلمين ممن لم يشهدوا بدرا تأسفوا على فوات حضورها فأشاروا بالخروج إلى أحد وألحوا على ذلك لما أراد الله لهم من الإكرام بالشهادة وتصديقا لرؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم- حيث رأى في منامه كأنه في درع حصينة، وكأن في سيفه فلولا، وكأن بقرا تذبح. فأول الدرع الحصينة بالمدينة، والفلول في سيفه بأنه يصاب أصحابه، والبقر بمن قتل من الكفار يومئذ «1». وأما وعده إياهم بالنصر فصحيح. وقد نصروا في أول الحرب وهزم الله الكفار، لكن لما خالف الرماة ما أمرهم به، وتركوا مراكزهم التي «2» وكلوا
بحفظها وطلبوا «1» الغنيمة من أموال المشركين، عاقبهم الله بالمخالفة فخرج عليهم الكمين فنال منهم ما نال «2». وقد شرح الله هذه القصة في القرآن حيث يقول: ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ - أي تقتلونهم «3» - بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عَفا عَنْكُمْ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ الآيات «4». فقد صدقهم في/ الوعد لكنهم خالفوا فعوقبوا بذنبهم. ثم يقال: إنما وعدهم بالنصر الكلي ذلك اليوم بشرط أن يسمعوا له ويطيعوا لكنهم خالفوا فانتفى المشروط لانتفاء شرطه. وأما ما أصابه من ذلك في نفسه: فهو كالذي أصاب الأنبياء قبله من القتل والضرب، بل من النشر بالمناشير، كما جرى لجرجيس النبي- عليه السلام «5» -.
وأما قوله: وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ «1» مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ... (146) فهو إخبار صحيح لكن قوله قاتَلَ مَعَهُ/ رِبِّيُّونَ فيه تقديران مناسبان لسياق القصة. أحدهما: أن الكلام تم على قوله: «قتل» وفيه ضمير النبي، أي كائن. أي كم من نبي قتل، وهو صحيح، فإن الخصم قد اعترف بأن كثيرا من الأنبياء قتلوا كيحيى وزكريا والمسيح- على زعمه- وغيرهم كثير. وقوله: مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ جملة حالية، أي قتل حال كونه ذا أصحاب كثيرين فما أوجب قتله لهم أن تزلزلوا في دينه، بل ثبتوا عليه بعده «2». ووجه مناسبة هذا التقدير: أن الشيطان صاح يوم أحد:" قتل محمد" فاضطربت قلوب أصحابه. وقالوا: عمن عدنا نقاتل؟ ولمن نتبع؟ فعاتبهم الله على هذا «3» بقوله: وما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ومَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) إلى قوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ ... (146) «4» أي ما ضعف أحد بعد نبيه ورجع عن دينه، كما هممتم أنتم أن/ تفعلوا.
التقدير الثاني: أن" قتل" مسند إلى" ربيون" وهم جمع" ربي" والربي منسوب إلى الربة وهي الجماعة كأنه قال: قتل معه قوم رؤساء ذوو جماعات كالقواد والأمراء «1». وقيل الربيون: الأتقياء العلماء «2»، وهذا مناسب لقوله قبل ذلك: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) «3». ولكونهم وجدوا لما أصابهم يوم أحد من قتل الإخوان والأقارب فكأنه يسليهم بذلك ويأسيهم بمن سبق منهم. ولا شك أن من الأنبياء المتقدمين من كان ذا حروب ومغازى كداود وسليمان وموسى ويوشع بن نون، ولم يزل بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلام «4» يكون لهم ملك للحرب، ونبي يعرّفه بأمر الله بالوحي. والجهاد فيهم دائم، وكانوا/ يقدمون التابوت بين أيديهم، وكان من حمله لا يرجع به حتى يفتح عليه أو يقتل «5». وقد غزا يوشع بن نون مدينة الجبارين
ليلة السبت، ثم سأل الله. أن يحبس عليه الشمس حتى يفرغ منهم قبل أن يدخل السبت ففعل «1». وكان غزاة بني إسرائيل أكثرهم أو كثير منهم علماء أتقياء بررة أخيار أحبار لأنهم أوتوا الكتاب والحكم والنبوة وفضلوا على العالمين، كما نص عليه القرآن «2». ومن المحال عادة أن يكون فيهم هذا الجهاد ولا يقتل منهم أحد ومتى ثبت أنه قتل منهم ثلاثة فصاعدا ثبت صحة ما أخبر به محمد- عليه السلام- كيف؟ وقد ثبت أنه قتل منهم في الحروب والمغازي ما لا يحصى كثرة على ما دلت عليه الكتب والتواريخ والسير، وحينئذ انكار هذا الخصم أن يكون قتل مع الأنبياء المحاربين منهم أحد لا/ يسمع. وقد بينا أن الربيين لا يختصون بالأخبار/ والعلماء على القول المذكور أولا، بل عام في غيرهم من المقاتلة. فنقول: إنك ذكرت للأنبياء نوعين، ونحن ذكرنا للآية تقديرين. فتقديرنا الأول «3» يصح في نوع الأنبياء الأول، وتقديرنا الثاني يصح في نوعهم الثانى، وأيضا صح
[عندكم «1»] في التوراة: أن إبراهيم قاتل الذين أغاروا على أموال لوط، فاستاقوها فتبعهم إبراهيم بعبيده وغلمانه حتى قتلهم واسترد ما أخذوه «2»، على أن الآية قرئت على وجهين: «قتل معه» و «قاتل معه «3»». لكن يقال- لنا «4»: إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف فيلزمكم الجواب عن القراءتين. فنقول: قد دلت القراءتان على أن جمعا كثيرا من الأنبياء قتلوا، وعلى أن جمعا كثيرا منهم قاتل معه أصحابه، وقتل معه أصحابه، وقد بينا صحة ذلك إذ العادة في الغزوات والحروب: أن الناس يقاتلون ويقتلون «5». قوله:" ليس من أحد النوعين. إنما هو رجل هزم وهزم، وأصيب وأصاب". قلنا: قد بينا بما ذكرنا من معجزاته قبل هذا، أنه من الأنبياء. وأنه بما «6» علم من حسن سيرته وآدابه ولينه وتواضعه وخشوعه وتحديه وشجاعته وفصاحته وغير ذلك من أخلاقه الكاملة، وصفاته الجميلة متخلق بأخلاق النوعين من الأنبياء، وأنه اجتمع فيه ما لم يجتمع في واحد منهم.
وأنت لو نظرت حق النظر في سيرته لعلمت ذلك لكنك عدو أخذت/ الشبه التي زعمت أن لك فيها متعلقا، وتركت ما عليك فيه المتعلق على عادة الأعداء «1» في إظهار القبيح، وإخفاء المليح. على أنه لا قبيح في سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم-. وأما قولك:" هزم وهزم،/ وأصاب وأصيب «2» ": فالنوع الثاني من الأنبياء الذين ذكرتهم. هكذا كانوا. وقد هزمت «3» بنو إسرائيل وأخذ منهم التابوت إلى أرض أعدائهم، حتى رد عليهم في زمن طالوت الملك «4». وأما النوع الأول منهم فكانوا تارة يثبتون، وتارة يهربون، كما كان المسيح يفر من اليهود من مكان إلى مكان «5» لخوفه منهم، حتى كان منه ومنهم ما كان. وقد أخبر الله تعالى بذلك في القرآن حيث يقول: وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ... (140) «6» والله أعلم.
ثم يقال له: هل رأيت ملكا يهزم ويهزم ويصيب ويصاب يبقى ناموسه بعده قريب ألف سنة، وهو كلما «1» جاء في رسوخ/ وثبوت؟ هذا عقل فاسد «2». وأما ما حكاه عن سيده المسيح في إنجيله الطاهر: فقد بينا في أول الكتاب: أنه لا حجة فيه، ولعمري أن في الإنجيل الذي يعتمد عليه من التناقض والمحال ما يمنعه أن يتصف بصفة الطهارة وذكر حديث عائشة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- سحر، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله «3». قلت: هذا صحيح، وقد بينا عند قوله تعالى: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... (52) «4» أن السحر ونحوه جائز على الأنبياء وأنهم معصومون فيما يوحى إليهم، بمعنى أنهم لا يقرون فيه على خطأ «5». وذكر حديث عائشة: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت:" فلولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ قبره مسجدا «6» ".
قلت: وهذا صحيح مشهور عنهم. فإنهم لغلوهم في أنبيائهم كما غلوتم في المسيح فجعلتموه إلها، كانوا يتعبدون عند قبور أنبيائهم/، ذلك منهي عنه في دين الإسلام لئلا يصير النبي بالصلاة عنده شبيه المعبود، وإن كانت النية تميز العبادة لمن «1»؟. لكن لمجرد الشبه تكره، وأيضا فإن الأنبياء معظمون، فإذا عبد الله عندهم «2» لم يؤمن أن يجيء من بعد ذلك العصر فتظن العبادة لهم لتعظيمهم «3» في النفوس كما يقال: إن إدريس لما رفع إلى السماء «4» جاء إبليس إلى أخ له فقال له: أصنع لك تمثالا على صورة إدريس تتسلى بها؟ قال: نعم./ فصنع له تمثالا كان يدخل عليه كل يوم يبكي عنده، ويتذكر إدريس به فيحصل «5» له بعض السلوة، وكان التمثال في خزانة لا يدخلها غيره، فلما مات أخو إدريس- أو أنه
كان صاحبه وخليله- جاء من بعده فوجدوا التمثال في الخزانة، فجاءهم إبليس، فقال: أتعرفون هذا التمثال؟ هذا إله إدريس وأخيه فاعبدوه فعبدوه، فكان ذلك أصل الجاهلية الأولى «1». وأما الجاهلية الثانية: فإن البيت الحرام كان عظيما عند أهل مكة، فكانوا إذا سافروا حملوا من حجارة الحرم معهم في أسفارهم يحتمون ويتبركون بها، ثم تدرجوا إلى أن عادوا يضعونها، ويطوفون بها حيث/ حلوا من الأرض، كما يطوفون
بالبيت، ثم تدرجوا من عصر إلى عصر، حتى عبدوها، ونشأت عبادة الأصنام بهذا السبب، فكان ذلك أصل الجاهلية الأخرى التي أزالها الله بمحمد- صلى الله عليه وسلم- «1». وذكر قوله- عليه السلام- في مرضه:" ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر. فهذا أوان قطع أبهري «2» ". قلت: قد بينا أن الأنبياء بشر، تجوز عليهم الآفات والموت وأسبابه، وليسوا/ كما يعتقدون في المسيح أنه إله ثم هو مع ذلك قتل وصلب ودفن ولم تنفعه الإلهية. والأبهر: عرق ينزل من الدماغ، فهو في العنق الوريد، وفي الصلب الأبهر، وفي القلب الوتين. ومن أي مواضعه انقطع هلك صاحبه والوريد والوتين مذكوران في القرآن «3».
[نفي الضلال عن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وشدة الموت عليه والرد على شبهة النصراني في ذلك]
[نفي الضلال عن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وشدة الموت عليه والرد على شبهة النصراني في ذلك] وذكر حديث البخاري عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الموت. وفي البيت رجال. قال:" هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده" فقال بعضهم: إن «1» رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. ومنهم من يقول غير ذلك. فلما أكثر اللغط والاختلاف قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «2»: (قوموا) فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حيل بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين أن يكتب لنا ذلك الكتاب «3».
قلت: لم يوجه سؤاله من هذا الكتاب. وأنا يخطر لي توجيهه من وجهين: أحدهما: القدح «1» في جميع المسلمين. وتقريره: أنه علق عدم ضلالهم على/ كتب الكتاب. ومن المعلوم أن المشروط ينتفي لانتفاء شرطه، والكتاب لم يكتب فنفي الضلال لم يحصل، فيكون الضلال بعده ثابتا، إذ لا واسطة بين النفي والإثبات «2». الثاني: قول القائل:" قد غلبه الوجع" يعني: فهو لا يدري ما يقول وكان هذا القائل عمر بن الخطاب. وفي لفظ الصحيح:" أنه قال «3» إن الرجل تهجر" يعني تخلط في كلامه. لأن الهجر: الكلام الذي لا معنى له «4»، ولا فائدة. والجواب عن الأول من وجهين: أحدهما:/ أن المراد بالضلال الذي علق نفيه على كتابة الكتاب هو الاختلاف في الإمامة لمن هي بعده «5». بدليل قوله تعالى: أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ... (3) «1» وبدليل قوله/ عليه السلام قبل «2» موته:" لقد تركتكم على بيضاء نقية، ليلها كنهارها «3» "، وقوله:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من عاندهم إلى يوم القيامة «4» " في نصوص كثيرة، فنفى ضلال الأمة بعده، فتعين حمل الضلال في هذا الحديث على النزاع في الخلافة «5».
ولا شك أنهم تنازعوها بعده: علي وسعد بن عبادة وأبو بكر «1» فكانت له بمقتضى وعد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:" يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر «2» " وقوله:" الخلافة بعدي ثلاثون ثم يصير ملكا" «3» وكانت أيام أبي بكر من جملة الثلاثين «4».
الوجه الثاني: أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- في أيام حياته. إما أن تدعوا أنه كان على هدى أو ضلال؟. فإن قلتم: على هدى، فأمته بعده على ملته وسنته ومنهاجه. وإذا اختلفوا في أمر لجئوا إلى ما أنزل عليه، وإلى ما قاله من السنة، فهم أيضا مهتدون مثله. وإن قلتم على ضلال فأمته- على زعمكم- قد ضلوا عما كان عليه، والضلال عن الضلال هدى، إذ نقيض الضلال الرشاد فهم إذن مهتدون. فعلى التقديرين القدح «1» في أمته لا يتجه من هذا الحديث، والقدح فيه قد سبق جوابه. والجواب عن الثاني: أن عمر- رضي الله عنه- ليس معصوما، فهو وهم في هذا وظن الأمر على خلاف ما هو عليه حيث نسب النبي- صلى الله عليه وسلم «2» - إلى التخليط في الكلام «3» كما وهم في قوله:/" إن محمدا لم يمت،
وإنما ذهب إلى مناجاة ربه بروحه، كما ذهب موسى للمناجاة ببدنه" «1».
وأحسب أن عمر عوقب على هذه الكلمة/ عقوبة دائمة «1» من جهة أن الرافضة تعلقت عليه بها ونسبته إلى أنه علم أن النبي- صلى الله عليه وسلم- إن كتب لهم كتابا نص فيه على عليّ بن أبي طالب" وعلم أنها إن صارت إلى" عليّ" تداولها بنو هاشم فلا تخرج عنهم، فلا تحصل له، وهو كان يرجوها بعد أبي بكر، كما وقع، فصدهم «2» عن كتابة الكتاب حتى مات النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم بادر بالبيعة لأبي بكر مخالسة «3» كما قال:؛ كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها" «4» ثم مات سريعا فتناولها بعده.
فهم يشنعون عليه بذلك، ويتهمونه به، ويسبونه، ويشتمونه لأجله، ولعمري إن هذا شبهة «1». ولكن لما كانت خلافة عمر على السداد والرشاد، وما فيه صلاح البلاد والعباد، وكانت/ أيامه غرة في وجه الدهر، ودولته واسطة في عقد نحر دول العصر لم يضرنا ذلك ولو ثبت تحققه «2».
[مكان قبض النبي صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه، والرد على شبهة النصراني في ذلك]
[مكان قبض النبي صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه، والرد على شبهة النصراني في ذلك] وذكر حديث عائشة «1»: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: (أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟) يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه «2» يكون حيث شاء فكان في بيتي حتى مات في اليوم الذي كان يدور عليّ فيه، فقبضه الله، وإن رأسه لبين سحري «3» ونحري، وخالط ريقي ريقه في آخر أيامه من الدنيا «4» " ولقد اشتد عليه الموت حتى لا أكره شدة الموت لأحد بعده «5» ".
قلت: ووجه السؤال فيه من وجهين: أحدهما: أنه لم يغفل عن لذة النكاح التي هي عار عند الخصم حتى في مرض الموت./ الثاني: أن شدة الموت عليه عقوبة، فدل «1» أنه كان يستحقها. قلت: والجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أن النكاح قد بينا أنه عبادة وهو من سنن المرسلين، والقول بأنه عار سفه. الثاني: أنه كان يحب عائشة ويألفها أكثر من غيرها، ولهذا كان يقول: (هذا قسمي فيما أملك فهب لي ما لا أملك «2»)، ولا يلزم من ألف الشخص صاحبه أن يكون يستمتع به من جهة اللذة المشهورة، بل يصير الميل إليه خلقا للنفس حتى مع الغفلة عن اللذة.
والجواب عن الثاني: أن لحوق المشاق في الدنيا من أسباب النعم الأخروية، خصوصا شدة الموت فإنه آخر ما يكفر به عن العبد المؤمن ذنوبه إن كان له ذنوب، وإلا رفع به درجات في الجنة، ولهذا يرى غالب المؤمنين أهل بلاء في الدنيا، وغالب/ الكفار أهل عافية. وفي الحديث النبوي الصحيح: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر «1»» وفي المثل العامي:" المؤمن ملقى، والفاجر موقى «2» " ثم لو كان لحوق المشقة في الدنيا عقوبة لوجب أن يكون إلقاء إبراهيم في النار، وعمى إسحاق ويعقوب، وما جرى ليوسف، وحزن أبيه عليه، وبلاء أيوب، وما قاساه موسى وهارون من بني إسرائيل وقوم فرعون، وقتل يحيى وزكريا وغيرهم من الأنبياء، وإهانة اليهود للمسيح، ثم قتله وصلبه «3»، وما جرى لتلاميذه بعده وقتل" جرجيس «4» " أربع مرات ثم يعيش، وحبس يونس في جوف الحوت ونحو ذلك عقوبات في حقهم، واحد لا يقول بذلك.
وأما قول عائشة:" خالط/ ريقي ريقه" فليس ذلك بمباشرة استمتاعية، بل لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان مستندا/ إلى صدرها فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر أخو عائشة ومعه سواك يستاك به فأتبعه النبي- صلى الله عليه وسلم- بصره، فقالت له عائشة: آخذه لك يا رسول الله، فأومأ برأسه، أي نعم- وكان يحب السواك لأنه كما قال- عليه السلام-: (مطهرة للفم، مرضاة للرب «1») - فأخذته من أخيها فمضغته بفمها حتى لان، ثم أعطته النبي «2» صلى الله عليه وسلم فاستاك به «3». فذلك هو المراد باجتماع ريقهما.
خاتمة الكتاب
وهذا آخر ما وجدناه من هذا الكتاب على مصنفه من الله ما يستحقه. واعلم أن كل متناظرين لا تثبت دعوى أحدهما إلا بمقدمات مشتركة بينهما يتفقون عليها تكون بينهما كالحكم. فلمن وافقت تلك المقدمات تثبت دعواه. وإذا عرفت هذا فنحن ليس بيننا وبين النصارى واليهود مقدمات مشتركة إلا العقليات وما تركب منها ومن غيرها. لأن كل واحد من أهل الكتاب والمسلمين يقدح في كتاب الآخر الذي بيده فلا تقوم عليه الحجة به. فلنختم هذا الكتاب بذكر حجج واضحة على صحة دين الإسلام وصدق محمد- عليه السلام-. الحجة الأولى: وهي التي يعتمدها غالب المتكلمين في كتبهم وهي: أن محمدا ادعى النبوة وظهر المعجز على يده وكل من كان كذلك فهو رسول الله حقا، فمحمد رسول الله حقا. أما إنه ادعى النبوة فبالتواتر، وأيضا لو لم يدع النبوة لما كان لنزاع الخصم فائدة، وأما أن المعجز ظهر على يده، فلما قررناه قبل، وهو أن المعجز هو الأمر الممكن الخارق للعادة المقرون بالتحدي الخالي عن المعارض، والقرآن الذي أتى به كذلك،/ وإلا لظهر/ معارضه مع توفر الدواعي عليه والاشكالات التي عليه للفلاسفة والبراهمة وغيرهم من منكري النبوءات مشتركة لا نختص نحن بها، والتي عليه لليهود أو النصارى قد أجبنا عنها قبل. وأما أن من ظهر المعجز على وفق دعواه يكون رسول الله. فللقطع بأن
الحجة الثانية
رجلا لو قال لقوم: أنا رسول فلان الملك إليكم، ودليل صدقي أنه يخرق عادته الفلانية لأجلي. مثل أن يقوم عن سريره، أو ينزل عن مركب فيمشي لأجلي،/ أو ينزع تاجه فيجعله على رأسي. فوجد ذلك من الملك. دل على صدق مدعي الرسالة. وهذا إنما يحتج به على منكري النبوات. أما اليهود والنصارى فيسلمون أن ظهور المعجز يدل على صدق المدعي، وإنما ينازعونا في وجود المعجز. وقد أثبتناه. الحجة الثانية: أن محمدا- عليه السلام- إما ملك ما حق، أو نبي صادق، لكنه ليس ملكا ما حقا فهو نبي صادق. وإنما قلنا إنه إما ملك أو نبي، لأنه لا قائل بقول ثالث إذ الخصم يدعي أنه كان ملكا ذا سيف «1» أقام ناموسه بسيفه، ونحن نقول: كان نبيا صادقا مؤيدا من الله تعالى، فقام ناموسه بالتأييد الإلهي، وإنما قلنا: إنه ليس ملكا كما زعمتم، بل نبي صادق. لأنا علمنا بالاستقراء التام، والتواتر القاطع: أن ملكا من ملوك الدنيا لم يبق ناموسه بعده، بل يتغير بموته. وإنما تبقى نواميس الأنبياء بعدهم، ثم رأينا ناموس محمد باقيا بعده قريب ألف سنة «2»، فعلمنا أنه من الأنبياء لا من الملوك.
الحجة الثالثة
الحجة الثالثة: أن نبوة محمد- عليه السلام- لازمة لنبوة من قبله من الأنبياء جميعهم/ ثم قد وجد الملزوم الذي هو نبوة الأنبياء قبله، فيجب أن يوجد اللازم، وهو نبوته. وإنما قلنا: إن نبوته لازمة لنبوة من قبله، لأنا أجمعنا على أن المقتضي لنبوتهم إرادة الله، والدليل عليها: ظهور المعجز. لكن إرادة الله «1» خفية عن البشر. لا سبيل إلى معرفتها، فبقي الطريق إلى ثبوت النبوة منحصرا في ظهور المعجز «2»، والمعجز مشترك بينه وبينهم بما قد حققناه غير مرة. وإنما قلنا: إن وجود الملزوم يوجب وجود اللازم للقطع بأن ملزوما لا لازم له محال الوجود.
الحجة الرابعة
الحجة الرابعة: أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- أقر اليهود والنصارى «1» في شريعته بالجزية، مع علمه بأنهم يكذبونه ويقدحون في صدقه، وما «2» كان ذلك منه إلا مراعاة لحرمة كتابهم/ وأنبيائهم لأنه علم أنهم وإن تصرفوا فيها بالتبديل والتحريف لكنهم «3» لم يحرفوا الجميع، إنما حرفوا ما كان تحريفه مهما عندهم، فهم على بقايا من شرائعهم، فراعاهم لذلك وجعل عقوبة كفرهم به: دفع «4» الجزية والصغار عليهم. ومن المعلوم أنه لو كان ملكا محضا لا نبوة له لأخلى «5» الأرض منهم على تكذيبهم له، وعدم طاعته لأن هذا شأن الملوك. لا يستبقون من خشوا عاقبته/ خصوصا «6»، ولم يكن يخفى عليه أن جنس الملتين يبقى بعده، ويتطرق منها تشكيك أمته بالشبهات والترهات، وذلك مما يضعف الناموس فلما تركهم بالجزية دل على أنه مأمور فيهم من الله بما لا تصبر عليه نفوس البشر. ولا يتجه على هذه الحجة إلا أن يقال: لعله تركهم ليستنبط له من/ تركهم هذه الشبهة ويوهم الناس العدل وأخلاق النبوة.
لكن الجواب عنها أنه لو كان قصده ذلك لكان ذلك يحصل له بأن يعف عنهم في حياته فقط، ولا كان يوصي بهم كما أوصى بأمته حتى قال: (أنا بريء ممن وافاني يوم القيامة ولذمي عليه مظلمة «1»). وقال (لهم ما لكم وعليهم ما عليكم «2»). وهذا أبو حنيفة- رحمه الله- أول أئمة الإسلام وشيخ السلف يقتل المسلم بالذمي لهذا الحديث، وروى فى مسنده بإسناد متصل أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أقاد
مسلما بكافر «1»، فلولا أنه مأمور فيهم من الله تعالى بالاستبقاء، ولو «2» كان ملكا محضا يحب الرئاسة وإقامة الناموس لكان استبقاهم حال حياته وسكت عن الوصية فيهم بعد موته. حتى كان المسلمون قد أخلوا منهم الأرض ولم يبق منهم من يورد هذه الشبه على دينه.
الحجة الخامسة
الحجة الخامسة: أنه- عليه السلام- قال: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ... وقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وإِلهُنا وإِلهُكُمْ واحِدٌ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) «1»» «2». وإنما قال ذلك: لأنه علم أنهم حرفوا بعض كتبهم لا كلها فمنع من تصديقهم خشية أن يكون ما قالوه مما حرفوه ومن تكذيبهم خشية أن يكون مما لم يحرفوه. فالأول في غاية الحزم والثاني: فى غاية العدل، ولو لم يكن نبيا مأمورا فيهم بذلك كما في القرآن الكريم «3» وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «4» لأغرى الناس بتكذيب كل ما عندهم وكان ذلك أتم لناموسه وأغض من رءوس أعدائه، لأنا علمنا بالاستقراء من ملوك الدنيا أجمعين أن/ أحدا منهم/ لم يترك من آثار من قبله من الملوك ولا الأنبياء ما يحذر منه على ملكه إلا عجزا. الحجة السادسة: تختص بالنصارى «5»: وتقريرها: أنكم زعمتم: أن المسيح هو الله أو ابن الله، وأنه ظهر إلى العالم/ لينقذ أهل الإثم من إثمهم وخطاياهم وفداهم بنفسه ثم
الحجة السابعة
بعد ذلك صعد إلى أبيه، فهو جالس عن يمينه. فإن كان هذا حقا فقد كان يجب عليه وينبغي له أن يقول لأبيه حين ظهر محمد بدعوته: أهلك هذا ولا تدعه يفتن الناس ويضلهم، ثم احتاج: أن أنزل إليهم فاستنقذهم من فتنته. فاقتل «1» واصلب من يأتيه «2»، لأن عندكم أن المسيح كامل العلم والقدرة لا يخفى عنه شيء في ملكه أو ملك «3» أبيه فبالضرورة أنه علم بظهور محمد- عليه السلام- فسكوته عن الإنكار والتغيير بحضرة أبيه يوجب إما التقصير والرضا بالضلال، والراضي بالضلال ضال، أو أن محمدا على طريق الرشد والكمال، وقد خيرناكم بين الأمرين ولا واسطة بين القسمين. الحجة السابعة: جرت عادة الله في خلقه أنه يتداركهم على كل فترة برسول يرشدهم إلى الهدى ويصدهم عن الردى، ولا خلاف «4» أن العرب في جاهليتها لا سيما في أواخرها عند أوان ظهور محمد- عليه السلام-، كانت أحوج الخلق إلى ذلك لما كانت عليه من الظلم والبغي والغارات والقتل «5» بغير حق وسبي الحريم وظلم الغريم، فالعناية الإلهية يستحيل منها عادة إهمالهم على ذلك من غير معلم
يرشدهم ويسددهم كما تقرر هذا أول الكتاب في ضرورة الخلق إلى النبوات،/ وما رأينا أحدا ظهر بناموس قمع تلك الجاهلية وما كانت عليه من المنكرات إلا محمدا- عليه السلام- فدل على أنه هو النبي المبعوث فيها، وإذا ثبتت نبوته بهذا الطريق إلى العرب فالنبي لا يكذب وقد صح عنه بالتواتر أنه قال:" بعثت إلى الناس كافة" «1» " وبعثت إلى الأحمر والأسود «2» " وبهذا يظهر تغفيل من سلّم من اليهود أنه أرسل إلى العرب خاصة «3»، لا إلى غيرهم.
الحجة الثامنة
الحجة الثامنة: لا خلاف عند كل عاقل أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- كان من أعلى الناس همة وأوفرهم حكمة، ولولا ذلك لما انتظم له أمر هذا الناموس، هكذا بعده مدة طويلة مع أنه دعوى عند الخصم لا حجة معه. ولا خلاف أن من كان بهذه المثابة من علو الهمة ووفور الحكمة وهمته تعلو إلى تقرير منصب دائم ورئاسة باقية، أنه يحتاط/ لأمره ويعمل نتائج فكره حتى لا يتوجه عليه ما يفسد حاله. ويبخس مآله، ومن المعلوم عند كل حكيم/ فطن لبيب أن الكذب ينكشف ويستحيل رونقه وينكشف، ويعود سروره شرورا وتدبيره تدميرا «1» خصوصا والمسيح إله النصارى يقول:" ما من مكتوب إلا سيعلن ولا خفي إلا سيظهر" «2» فلو لم يكن محمد على يقين من صدق نفسه لما أقدم على دعواه خشية أن ينكشف أمره في تضاعيف الأزمان فيعود عليه سوء الذكر مدى الدهر. وكلامنا في عالي الهمة وافر الحكمة نخشى معرة المآل كما نخشى معرة الحال، فلا يرد علينا من يؤسس «3» رئاسة في حياته بما أمكنه من كذبه وترهاته ثم لا يبالي ما كان بعد مماته فإن ذلك في غاية/ الخساسة ويحصل مقصوده برئاسة الملك دون دعوى هذه الرئاسة.
الحجة التاسعة
الحجة التاسعة: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح كاذبا، لكن المسيح ليس بكاذب فمحمد صادق. بيان الملازمة أن المسيح- صلى الله عليه وسلم- قال «1» في الإنجيل:" ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلن" وهذه نكرة في سياق النفي فتقتضي العموم، وأن كل خفي لا بد أن سيظهر، فعدم صدق محمد في دعواه، إما أن كان ظاهرا أو خفيا فإن كان ظاهرا كان يجب أن لا يتابعه أحد، وإن تابعه لرهبته أو رغبته فبالظاهر دون الباطن، حتى إذا زالت رهبته أو رغبته بزواله رجع عنه، لأن عاقلا لا يختار الباطل على الحق، ولا الكذب على الصدق فكيف بهذا الجمع الكبير، والجم «2» الغفير فى أقطار الأرض يختارون ذلك. هذا محال، وإن كان خفيا وجب أن يظهر لا سيما مع دهاء العرب وذكائهم وفطنتهم وصحة طبعهم وفطرتهم، فقد كان فيهم الكهنة والمنجمون والزجار «3» والمتطيرون وأكثرهم يصيبون ولا يخطئون. منهم من الأذكياء أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وكثيرون لا يحصرهم عدد، وقد كانوا يستخرجون بأذهانهم ما هو أخفى من ذلك «4»
ويكفيهم أن ابن المقفع «1» فيلسوف العجم شهد لهم بالفضيلة على الروم والفرس وسائر الأمم فيما ذكره أبو حيان التوحيدي «2» في كتاب له. فمن المحال عادة أن يخفى عليهم أمر محمد- صلى الله عليه وسلم- «3» لو كان باطلا، فدل على أنهم ما انهرعوا إليه، مع كونه أول الإسلام في نفر قليل ضعيف مستضعف إلا وقد علموا صدقه، فصح/ قولنا: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح/ كاذبا في قوله:" ما من خفي إلا سيظهر" وأما أن المسيح ليس بكاذب فبالاتفاق/ منا ومنكم، ولو نازعتمونا في صدقه أنتم أو غيركم، لما وافقناكم على ذلك، لأنا نحن أحق به منكم.
الحجة العاشرة
الحجة العاشرة: أن من نظر في دين الإسلام فوجده معظما لجميع «1» الرسل عيسى وموسى وغيرهما بحيث أن من سب أحدا منهم أو تنقصه قتل ورأى اليهود يغضون من المسيح ويفوقون «2» إليه السهام «3» وهم والنصارى ينتقصون محمدا- عليه السلام- علم أن المسلمين أهل حق لا يشوبه تحامل وأن اليهود والنصارى أهل عناد وتجاهل. فإن قالت اليهود: إنما غضضنا من المسيح ومحمد لأنهما كاذبان. قلنا: فالذي ثبت به صدق موسى قد أتى المسيح بما هو أعظم منه فمقتضى التصديق مشترك، فإما أن تصدقوا الاثنين أو تكذبوهما، أما الفرق فهوى وتحامل. وإن قالت النصارى: إنما تنقصنا محمدا لأنه ليس بصادق. قلنا «4»: تلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما تنقصوا المسيح لأنه ليس بصادق. فإن قالوا: اليهود كفار عاندوا الله. قلنا: كذلك نقول عنكم بالنسبة إلى تنقص محمد- عليه السلام-.
فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة بإظهار المعجز ونحن لم يأتنا محمد بمعجز. قلنا «1»: بل جاءكم بمعجزات قد سبق تقريرها ولكن عاندتم أو جهلتم، ولهذا سمى الله تعالى اليهود مغضوبا عليهم والنصارى ضالين لأن تكذيب اليهود عناد وتكذيبكم يغلب عليه الجهل. ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم. هذا آخر ما تيسر إيراده في هذا الكتاب وأنا/ أسأل الله الكريم الوهاب أن يجعله لي إلى رحمته وشفاعة نبيه أنجح الوسائل وأقوى الأسباب ويوفقني وسائر المسلمين «2» لما يحبه ويرضاه، ويوقفنا عما يبغضه ويقلاه «3» فإنه لا إله إلا هو «4»، ولا فاعل في الوجود سواه «5». وكان الفراغ من تعليق هذه المسودة صبيحة الاثنين سابع ذي قعدة الحرام سنة سبع وسبعمائة والابتداء فيها يوم الاثنين ثاني عشر شوال من السنة المذكورة بالمدرسة الصالحية من مدينة القاهرة- حماها الله وسائر بلاد الإسلام- على يد العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير سليمان بن عبد القوي البغدادي الطوفي الحنبلي عفا الله عنهم [وعن جميع المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد سيدنا خاتم
النبيين وسيد المرسلين آمين آمين آمين يا رب العالمين «1»]. ثم أنهاه نظرا وتصحيحا لما وجد فيه من خلل طغيان/ القلم وملحقا به ما خطر له من الفوائد اللائق إلحاقها عشية الأحد عاشر شوال سنة ثمان وسبعمائة هجرية «2». والحمد لله رب العالمين. نجزت هذه المبيضة كتابة من خط مصنفها أمتع الله ببقائه ونفع المسلمين ببركته في السادس من شهر المحرم المبارك من سنة إحدى عشرة وسبعمائة أحسن الله فتحها بخير وعافية. كتبه الفقير الحقير المعترف بالتقصير الراجي عفو الله الكريم الناسخ علي الزعيم. ******
الفهارس
الفهارس 1 - فهرس الآيات القرآنية. 2 - فهرس الأحاديث والآثار. 3 - فهرس الأشعار. 4 - فهرس الأمثال. 5 - فهرس الألفاظ والمصطلحات الغربية. 6 - فهرس الأعلام. 7 - فهرس الأماكن والمواقع. 8 - فهرس الفرق والأمم. 9 - فهرس المصادر والمراجع. 10 - فهرس الموضوعات.
أولا: فهرس الآيات القرآنية
أولا: فهرس الآيات القرآنية الآية/ رقمها/ الصفحة 1 - سورة البقرة- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ/ 3/ 236 - إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ / 6 - 7/ 451، 454 - وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا إلى قوله: أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ / 23 - 24/ 599، 607، 609 - وقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وزَوْجُكَ الْجَنَّةَ إلى قوله: ولَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ/ 35 - 36/ 250 - فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا/ 36/ 400 - وإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ/ 49/ 349 - وإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ / 60/ 472، 597 - وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ وباؤُ/ 61/ 349 - أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وقَدْ كانَ فَرِيقٌ / 75/ 330، 231، 327 - فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَ / 79/ 338، 443 - أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ / 87/ 492 - وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ / 109/ 10
الآية/ رقمها/ الصفحة- وقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ / 111/ 710 - وقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ/ 113/ 231، 337 - إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً ونَذِيراً ولا تُسْئَلُ / 119/ 715 - ولَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ ولَا النَّصارى حَتَّى / 120/ 10، 25 - نَعْبُدُ إِلهَكَ وإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ / 133/ 319 - ولا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ / 134، 141/ 715 - قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ إِلَيْنا وما أُنْزِلَ إِلى / 136/ 230، 231 - قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ/ 144/ 133 - الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما/ 146/ 292، 293، 327 - ولَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ/ 179/ 656 - يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ/ 185/ 460 - يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ / 189/ 260 - وأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ / 195/ 463 - ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ فِي الْحَجِ / 197/ 708 - كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً/ 213/ 731 - ويَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً / 222/ 672 - نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ / 223/ 275، 641، 642، 643،
الآية/ رقمها/ الصحفة- الطَّلاقُ مَرَّتانِ ... إلى قوله: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ / 229 - 230/ 644 - أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ... إلى قوله تعالى: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ / 246 - 248/ 725 726، 728 - أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وهِيَ خاوِيَةٌ عَلى / 259/ 229 - وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى / 260/ 309 - لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها/ 286/ 235 2 - سورة آل عمران- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ / 7/ 590 - ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ / 28، 30/ 126، 701 - قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ / 31/ 463 - إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ / 35/ 300 - قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ / 41/ 305 - وإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ / 42/ 290 - إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ / 45/ 597 - أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ/ 47/ 308
الآية/ رقمها/ الصفحة- ورَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ / 49/ 261، 473،// 597 - قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ/ 64/ 169 - وإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ / 78/ 341 - ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ/ 123/ 541 - وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ / 140/ 557، 728 - أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ إلى قوله: فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ / 142 - 143/ 725 - وما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ / 144/ 100، 724 - وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ/ 146/ 720، 721،// 724 - ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ ..... إلى قوله: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ / 152 - 153/ 723 - إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ / 155/ 97 - ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً/ 169/ 437، 559 - ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ / 180/ 482 3 - سورة النساء- وإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ... تَعْدِلُوا/ 3/ 198، 593،
الآية/ رقمها/ صحفة- واللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ ... إلى قوله:// 622 وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما/ 15 - 16/ 665، 667 - وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً/ 21/ 647 - يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ويَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ / 26/ 460 - مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ / 46/ 231، 327 - وما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ / 64/ 461 - كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ / 78/ 452 - ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً/ 87/ 264 - أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ / 88/ 451 - فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ/ 92/ 676 - وفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ / 95/ 92 - ومَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا/ 122/ 264 - واتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا/ 125/ 339، 485 - إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وهُوَ خادِعُهُمْ / 142/ 460 - وبِكُفْرِهِمْ وقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً إلى قوله: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ / 156 - 158/ 679 - وقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ / 157/ 343، 360، 679
الآية/ رقمها/ صفحة- ورُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً/ 164/ 419، 495 - رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ / 165/ 259، 461 - لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ / 172/ 659 4 - سورة المائدة- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ / 3/ 734 - 735 - وما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ / 4/ 688 - ولَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ / 12/ 135، 230 - لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ / 17/ 245، 264،// 491 - يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ / 19/ 255 - فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا/ 38/ 457 - إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ / 42/ 598 - كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ / 45/ 620 - بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ / 64/ 124، 129 - لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ / 72/ 245، 264، 491، 492،// 711
الآية/ رقمها/ الصفحة- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ/ 73/ 492، 591 - مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ / 75/ 285، 492 - لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا (إلى قوله): مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ / 82 - 83/ 418 - لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ ولكِنْ / 89/ 676 - إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ .... إلى قوله: لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ / 112 - 115/ 540 5 - سورة الأنعام- وما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا/ 4/ 538 - ولَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا/ 9/ 384 - الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ / 20/ 292، 327 - ومِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ / 25/ 538 - ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ/ 38/ 737 - ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ولَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ/ 34/ 291 - وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ / 38/ 639
الآية/ رقمها/ الصفحة- ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ/ 52/ 366، 716 - وهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها/ 97/ 260 - لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ/ 103/ 135، 136 - وكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ / 105/ 545 - وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ / 109/ 554 - ولَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى / 111/ 539 - أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ / 114/ 292، 293 - لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ / 115/ 290، 291،// 294، 295 - وكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها/ 123/ 538 - وإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ / 124/ 538 - فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ / 125/ 460 - لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا ولا آباؤُنا/ 148/ 455 - ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى / 164/ 476، 716 6 - سورة الأعراف- ولَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ .... إلى قوله: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ / 11 - 27/ 9 - قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها/ 34/ 152
الآية/ رقمها/ الصفحة- كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها/ 38/ 303 - الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ/ 54/ 133، 504، 505 - هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي / 73/ 472 - قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ/ 109/ 600 - وأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ / 117/ 310 - قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا/ 128/ 251 - ولَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ إلى قوله: إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ / 134 - 135/ 261 - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ / 157/ 327، 375 مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ/ 180/ 122 - قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ/ 187/ 520 - قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ ولَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ/ 188/ 716، 717 7 - سورة الأنفال- وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ / 30/ 346 و460
- اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ / 32/ 555 - وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ / 33/ 555، 556، 557 - فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ (إلى قوله) وما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ / 41/ 541، 735 - وإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ / 48/ 686 8 - سورة التوبة- فَإِنْ تابُوا وأَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ / 5/ 96 - فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ / 6/ 131 - وقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى / 30/ 264، 591، 592، 711 - اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ / 31/ 330، 591 - 592 - إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ / 40/ 93 - قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا/ 52/ 417 - سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ / 101/ 480 - ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا/ 113/ 118 - فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي / 122/ 152 - 153
9 - سورة يونس- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ / 3/ 290، 505 - هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والْقَمَرَ نُوراً/ 5/ 260 - لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وزِيادَةٌ/ 26/ 135، 500 - أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ / 38/ 599 - وجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ .. إلى قوله: آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ / 91 - 92/ 542 10 - سورة هود- وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ/ 7/ 132، 505 - أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ / 13/ 599 - ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا/ 27/ 297 - ولا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ / 31/ 717 - قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ / 43/ 412 11 - سورة يوسف- إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ/ 4/ 316، 324 - ولَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ / 65/ 315 - ولِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وأَنَا بِهِ زَعِيمٌ / 72/ 620 - إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ / 95/ 122
- ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً/ 100/ 312، 324، 333، 353 12 - سورة الرعد- إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ/ 7/ 716 - ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ/ 33/ 456 - ولَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وجَعَلْنا لَهُمْ / 38/ 534 13 - سورة إبراهيم- قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ والْأَرْضِ إلى قوله: عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ / 10 - 11/ 285 - وسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والْقَمَرَ دائِبَيْنِ / 33/ 374 - يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسَّماواتُ / 48/ 491 14 - سورة الحجر- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ / 9/ 290، 296، 435، 486، 746 - إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ / 18/ 174، 549 - نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ / 49/ 263
- ونَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ / 51 - 60/ 410 - وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ / 82/ 539 15 - سورة النحل- ومِنْها جائِرٌ/ 9/ 459 - تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ/ 89/ 737 - إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ / 40/ 735 - إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ / 90/ 610 16 - سورة الإسراء- ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى / 15/ 476، 716 - وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ / 44/ 471 - وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ / 59/ 540، 541، 551، 554 - ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً/ 60/ 452 - ونُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ/ 82/ 260 - قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ / 85/ 419 - قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ والْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ / 88/ 599، 607
- وقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ / 90 - 93/ 543، 551، يَنْبُوعاً- إلى قوله: هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا/ 554 17 - سورة الكهف/ 28/ 467 - ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا/ 56/ 10 - وما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ / 86/ 10، 360، - حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها/ 361، 364، 429، 692 110/ 264 - قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما// 18 - سورة مريم/ 10/ 307 - آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا/ 16/ 400، 718، - واذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ // 730 / 20/ 308 - أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ/ 28/ 300، 302، - يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ// 303 - إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا/ 30/ 417
- واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً/ 56 - 57/ 730 - وإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً/ 71 - 72/ 713 19 - سورة طه- الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى / 5/ 133 - وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى. (إلى قوله) خُذْها ولا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى / 17 - 21/ 310، 312، 472، 597 - ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي / 39/ 190 - إِنْ هذانِ لَساحِرانِ / 63/ 600 - وأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا/ 69/ 489 - إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ/ 71/ 600 - ولَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ / 71/ 367 - ولَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي / 77/ 597 - قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ / 123/ 250 - ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً/ 124/ 480 - ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ / 134/ 259، 480
20 - سورة الأنبياء- اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ. (إلى قوله): إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبُونَ / 1 - 2/ 297 - لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأَسَرُّوا النَّجْوَى إلى قوله: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ / 3/ 297 - ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ / 7/ 290، 297 - بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ / 18/ 163 - لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ / 23/ 452 - وجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ / 30/ 387، 391، 393 - وهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ / 33/ 369 - ولَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ. إلى قوله: فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ / 51 - 70/ 346 - وأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ إلى قوله: وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ / 83 - 84/ 401 - كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ / 104/ 425، 492
21 - سورة الحج- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ / 19/ 92، 566 - وإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ / 47/ 520 - وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍ / 52/ 393، 394، 406، 729 - لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ / 53/ 408 - مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ / 78/ 620 22 - سورة المؤمنون- ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. (إلى قوله): فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً/ 12 - 14/ 392 - مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ / 91/ 313 23 - سورة النور- الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما/ 2/ 666، 668 - ولا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ / 22/ 93 - واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ/ 45/ 387، 388، 389، 393 - ومَنْ يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَخْشَ اللَّهَ / 52/ 588
- فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ / 54/ 716 24 - سورة الفرقان- وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ (إلى قوله): قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ/ 4 - 6/ 301 - وقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي فِي الْأَسْواقِ إلى قوله: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً/ 7 - 8/ 542 - تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ (إلى قوله): بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ/ 10 - 11/ 543 - 544 - وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ / 20/ 543 - وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً. (إلى قوله): إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وأَحْسَنَ تَفْسِيراً/ 32 - 33/ 592 - ولا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ / 33/ 234 - وقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ / 37/ 345 - وهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً/ 54/ 387، 390، 392 - الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما/ 59/ 505 - اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ / 60/ 544
الآية/ رقمها/ الصفحة 25 - سورة الشعراء- قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ / 34/ 600 - أَنْتُمْ وآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ / 76/ 600، 605 - والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ إلى قوله: فَهُوَ يَشْفِينِ / 78 - 80/ 308 26 - سورة النمل- وأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى / 10/ 310 - ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ/ 16/ 92، 411 - وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ/ 23/ 389، 411 - وأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ / 44/ 411 - ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ / 50/ 347 - قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ / 65/ 717 27 - سورة القصص- ولَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً إلى قوله: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ / 23 - 27/ 325، 333، 334، 335 - وأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى 620 مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ ولا تَخَفْ / 31/ 310 - وقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ / 38/ 543
- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى إلى قوله: هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ / 48 - 49/ 600 - ولَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ / 51/ 644 - إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ (إلى قوله): فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الْأَرْضَ / 76 - 81/ 346، 543 - تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا/ 83/ 251 - كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ / 88/ 437 28 - سورة العنكبوت- ولا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا/ 46/ 169، 751 - وما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ / 48/ 545 29 - سورة الروم- ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ / 20/ 387، 391، 392 - ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً/ 21/ 624 - مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً كُلُ / 32/ 89 - ولا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ / 60/ 228
30 - سورة لقمان- قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا/ 21/ 639 - وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى / 29/ 374 - إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ/ 34/ 520 31 - سورة السجدة- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ... إلى قوله: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والْأَبْصارَ والْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ / 4 - 9/ 253، 505 32 - سورة الأحزاب- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ / 28/ 633 - وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ / 33/ 98 - فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها/ 37/ 527 - تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ/ 51/ 528 33 - سورة سبأ- قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا ولا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ / 25/ 715 - إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ/ 46/ 544
34 - سورة فاطر- جاعِلِ الْمَلائِكَةِ/ 1/ 438 - واللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ/ 11/ 387، 391، 392 - وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى / 13/ 374 - ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى / 18/ 476، 716 - ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ / 43/ 346، 347 35 - سورة يس- ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ / 12/ 458 - وما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ / 35/ 91 - والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها/ 38/ 361، 362، 374 - حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ / 39/ 122، 605 - وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ. (إلى قوله) وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ / 37 - 40/ 362 - إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ / 82/ 360، 364، 460
36 - سورة الصافات- واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ / 96/ 452، 456، 458 - إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ / 102/ 523 37 - سورة ص- ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً/ 34/ 401، 532 - رَبِّ اغْفِرْ لِي وهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي / 35/ 395 - واذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ / 41 - 44/ 401 - لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ / 75/ 129 - ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ / 88/ 544 38 - سورة الزمر- وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى / 5/ 374 - ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى / 7/ 476، 716 - فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ / 17 - 18/ 242 - أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي / 56/ 130 - اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ/ 62/ 389، 456 - والْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ/ 67/ 129، 491
- ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ / 68/ 438 39 - سورة غافر- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ (إلى قوله): الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ/ 5 - 6/ 10 - الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ ومَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ / 7/ 435 - وقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً. (إلى قوله): وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً/ 36 - 37/ 543 - النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا/ 46/ 480 - 481 40 - سورة فصلت- قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ. إلى قوله: حِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ / 9 - 12/ 504 - 505 - فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ/ 13/ 609 - ومِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ والشَّمْسُ والْقَمَرُ/ 37/ 699 - لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِنْ خَلْفِهِ / 42/ 297 - قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وشِفاءٌ/ 44/ 260 41 - سورة الشورى- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ/ 11/ 123، 130، 131، 231
236، 213، 43، 448 - شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي / 13/ 486، 620 42 - سورة الزخرف- وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ / 44/ 299 - وما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها/ 48/ 303 - ولَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ ومَلَائِهِ. (إلى قوله): إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ / 46 - 50/ 261 - فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ / 55/ 190 - ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ / 70/ 98 43 - سورة الدخان- يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ / 10/ 490 44 - سورة الجاثية- اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ / 23/ 456 - 457 - 468 45 - سورة الأحقاف- وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ / 9/ 716 - وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ / 11/ 605 - تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ/ 25/ 389
- وإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ / 29/ 420 46 - سورة الفتح- يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ / 15/ 439 - لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ / 27/ 607 47 - سورة القتال" محمد"- فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ / 19/ 236 - وأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ واللَّهُ مَعَكُمْ / 35/ 94 48 - سورة الحجرات- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ / 9/ 598 49 - سورة ق- ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ/ 16/ 134، 732 - قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ / 27/ 434 - ولَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ والْأَرْضَ وما بَيْنَهُما/ 38/ 444، 505 50 - سورة الذاريات- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. (إلى قوله): وقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ / 24 - 29/ 309 - وفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. (إلى قوله): وهُوَ مُلِيمٌ / 38 - 40/ 346 - وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ / 56/ 233، 458
51 - سورة الطور- أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ / 33 - 34/ 599 52 - سورة النجم- وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى / 3/ 563، 751 - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى / 4/ 544، 751 - ولَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى / 13/ 695، 717 - هُوَ أَضْحَكَ وأَبْكى / 43/ 476 - فَاسْجُدُوا لِلَّهِ واعْبُدُوا/ 62/ 397 53 - سورة القمر- اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ/ 1/ 257 - اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ .. إلى قوله: فَما تُغْنِ النُّذُرُ/ 1 - 5/ 554 - أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ / 24/ 297 54 - سورة الرحمن- ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ / 27/ 124، 127، 129، 705 - لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ ولا جَانٌ / 56/ 424، 427
55 - سورة الواقعة- جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ / 24/ 457 - إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً/ 35 - 37/ 425 56 - سورة الحديد- وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ / 4/ 134 - ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا/ 27/ 377 - لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وأَنْزَلْنا مَعَهُمُ / 25/ 234 57 - سورة المجادلة- ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ / 7/ 134 58 - سورة الحشر- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ / 2/ 387 - لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ / 8 - 10/ 616 59 - سورة الممتحنة- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ / 8/ 598 60 - سورة الصف- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا/ 2/ 4630 وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ (إلى قوله): ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ
بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ/ 6/ 375، 492، 582 61 - سورة الجمعة- هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ / 2/ 288 62 - سورة التغابن- فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ / 16/ 235 63 - سورة الطلاق- قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً/ 10/ 298 64 - سورة التحريم- لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ / 1/ 530 - مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ/ 3/ 263 - فَخانَتاهُما/ 10/ 98 - ومَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها/ 12/ 300 65 - سورة القلم- وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ / 4/ 264 - يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ / 42/ 124، 129 66 - سورة الحاقة- ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ / 46/ 732
67 - سورة نوح- قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ ووَلَدُهُ إِلَّا خَساراً. إلى قوله: ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا/ 21 - 24/ 731 68 - سورة الجن- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ / 1/ 420 - وأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ / 10/ 459 - وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً/ 15/ 99، 598 - قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا رَشَداً/ 21/ 717 - عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً/ 26/ 520، 717 69 - سورة المدثر- ذَرْنِي ومَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. (إلى قوله): سَأُصْلِيهِ سَقَرَ/ 11 - 26/ 602 70 - سورة القيامة- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ة/ 22 - 23/ 125، 703 71 - سورة الإنسان- وجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وحَرِيراً/ 12/ 503 - وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ / 30/ 458، 468
الآية/ رقمها/ الصفحة 72 - سورة النبأ- يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً/ 40/ 503 73 - سورة النازعات - فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى / 24/ 539 74 - سورة عبس - عَبَسَ وتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى / 1 - 2/ 398 75 - سورة المطففين - كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ / 15/ 135 - هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ / 36/ 457 76 - سورة البروج - فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ/ 16/ 653 - واللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ/ 20/ 705 77 - سورة الطارق - إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وأَكِيدُ كَيْداً/ 15 - 16/ 460 78 - سورة البلد- أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) ولِساناً وشَفَتَيْنِ / 8 - 10/ 664
الآية/ رقمها/ الصفحة 79 - سورة الزلزلة- فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) ومَنْ يَعْمَلْ .. / 7 - 8/ 713 80 - سورة الكوثر- إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ/ 1/ 617 81 - سورة الكافرون - قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ / 1/ 592 82 - سورة الإخلاص - قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ/ 1/ 289
ثانيا: فهرس الأحاديث والآثار
ثانيا: فهرس الأحاديث والآثار الحديث/ الصفحة - آخذه لك يا رسول الله؟ فأومأ برأسه أي: نعم. إلى قوله: فاستاك به 744 - ائت أبا بكر 736 - ائتوني بأعلم رجلين منكم.، فأتوا بابني صوريا 670 - ائتوني بكتف أكتب، لكم كتابا لا تضلوا بعده 733 - أبغض المباح إلى الله الطلاق 645 - أتدري أين تذهب هذه؟ - أي الشمس- قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنما تذهب حتى تسجد 362، 366 - أتشهد أني رسول الله؟ قال: أنت رسول في الأميين 490 - أتيت بالبراق ... فركبته حتى أتيت بيت المقدس ... (حديث الإسراء والمعراج). 455 - أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس 516 - أحلت لكم الغنائم 254، 282 - أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة، قال: أجل. والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن 327 - أخبرني جبريل بالحرة قال: بشر أمتك أنه من مات لا
يشرك 708 - ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله 622، 623 - ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. 734 - إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط. 426 - إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا 427 - إذا أكل أحدكم فيأكل بيمينه 426 - إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يلعقها 684 - إذا أمن الإمام فأمنوا، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه. 707 - إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: (تريدون شيئا أزيدكم؟) ... فيكشف الحجاب، فما أعطوا أحب إليهم من النظر إلى ربهم 500 - إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها 667 - إذا كانت لأحدكم إلى امرأته حاجة فليأتها وإن كانت على التنور. 279 - إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فداءك من النار. 485 - إذا وضعتموني على شفير قبري في بيتي فاخرجوا عني فإن
الملائكة تصلي عليّ أولا. 512 - أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش: بين شحمة أذنه وعاتقه 435 - أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال له رسول الله: نعم. 673 - أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له. 321 - أرأيتم ليلتكم هذه؟ على رأس مائة 513 - أرسل الله ملك الموت إلى موسى- عليه السلام- فلما جاءه صكه ففقأ عينه 695 - أسألك بكل اسم هو لك علمته أحدا من خلقك أو استأثرت 122 - أشهد أنه على الحق 550 - اصنعوا كل شيء ما خلا النكاح. 672 - أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب 681 - اعلم أن رسول الله ... جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب، ولم ينهنا عنهما 660 - أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. 122 - اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. 666
- اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه 510 - أقاد مسلما بكافر. 749 - 750 - أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة. 642، 673 - اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. 109 - اكتبوا لأبي شاة. 107 - الأئمة من قريش 736 - ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم 302 - ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي 610 - ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه ... بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة 749 - ألا قد بلغت 738 - الصقي بالأرض" البغلة؛ 578 - اللهم اغفر لعبد الله بن قيس 674 - اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض. 95 - اللهم إني أسألك علما لا ينسى 394 - اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على رسولك فاردد عليه الشمس .. : رد الشمس لعلي 257 - اللهم علمه تأويل القرآن 364
- اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك. 742 - أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله. 96، 749 - أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال:" إنكم لا تدرون في أية البركة". 684 - أنا أولى الناس بابن مريم، إنه لم يكن بيني وبينه نبي. 249 - أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة 566 - أنا بريء ممن وافاني يوم القيامة ولذمي عليه مظلمة 749 - أنا سيد ولد آدم 381 - أناجي من لا تناجون 283 - أنتوضأ بماء البحر؟ فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. 312 - أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما، وأمروا ألا يخونوا 540 - انشق القمر ونحن مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فصار فرقتين 257، 571 - انطلق النبي- صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ. إلى قوله: فأنزل الله ... قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ. 420 - أن رجلا أتى امرأته في دبرها، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- وجدا شديدا. فأنزل الله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ... 643 - إن المهاجرين كانوا يجبون نساءهم 642 - أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قرأ: فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ. 364
- إنما بعثت معلما. 633 - إنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات 641 - إن آدم لما أهبطه الله تعالى إلى الأرض قالت الملائكة: أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها 241، 277 - إن أبي وأباك في النار. 714 - إن أرواح الشهداء على باب الجنة في أجواف طير خضر. 493 - إن بمكة حجرا يسلم عليّ ليالى بعثت إني أعرفه الآن. 560، 572 - إن بين يدي الساعة كذا بين- أو دجالين كذابين- قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي. 247 إن دانيال دعا ربه عز وجل أن يدفنه مع أمة محمد. 230 - إن ذلك لن يمنع شيئا أراده الله. 664 - إن رؤيا الأنبياء وحي. 323 - إن الشمس لم تحبس إلا ليوشع 254 - إن الشيطان عرض لي الصلاة ليقطعها عليّ فأمكنني الله منه 395 - إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. 432، 693 - إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء حتى يحضره عند أكل طعامه 684
- أن الكلب الأسود شيطان 686 - إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن- أو أقرئك القرآن- قال: الله سماني لك؟ قال: نعم 364 - إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست به صدورها ما لم تعمل به أو تكلم. 661 - إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله. 260 - إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه 475، 476 - إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب 682 - إنك غليم معلم 366 - إنكم لا تدرون في أية البركة 684، 685 - إن محمدا لم يمت وإنما ذهب إلى مناجاة ربه بروحه كما ذهب موسى للمناجاة ببدنه. 737، 738 - إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء الا السام. 521 - إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم. 559 - إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. 329 - إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. 284 - إن المرأة إذا أقبلت أقبل معها شيطان 279 - إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات. 515
- إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن 421 - إنهم ليبكون عليها وإنها تعذب في قبرها. 476 - إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم. 516 - إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم واعلم أن رسول الله قد أعمر طائفة من أهله في العشر 660 - إنى لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف 518، 520 - إني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعا 563 - إني لأراكم من وراء ظهري. 578 - أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها. 279 - أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ 741 - أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: كان فى عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء. 132 - بعثت أنا والساعة كهاتين. 515، 516 - بعثت إلى الناس كافة. 753 - بم أعرف أنك نبي؟ قال: إذا دعوت هذا العذق من هذه النخلة 573 - تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. 199، 664
الحديث الصفحة- تطلع الشمس بين قرني شيطان 429، 688، 691 - تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة 483، 489 - تلك الغرانيق العلى إن شفاعتهم لترتجى. 396، 399 - ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن خمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث 653 - جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا 753 - جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله 666 - حبب إليّ من الدنيا: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة 278، 280، 281 - حتى إذا أبرزنا قال: .. هل من شيء يواريني؟ قلت: ما أرى شيئا يواريك إلا شجرة 574 - الحجر الأسود يمين الله في الأرض 126، 128، 130، 704 - الحرب خدعة 678 - حسبك يا ابن أخي. نشدتك الله والرحم ألا سكت 609 - حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما 707 - خالط ريقى ريقه في آخر أيام الدنيا 527، 744
- الخالة بمنزلة الأم 318 - خذ عليك سلاحك 687 - خذوا عني. قد جعل الله لهم سبيلا الثيب بالثيب 668 - خطب إلى لزق جذع واتخذوا له منبرا فخطب عليه فحن 560، 572 - الخلافة بعدي ثلاثون ثم يصير ملكا 736 - خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار 409 - خيرت بين أن يجعل الله الصفا ذهبا، ثم إن لم يؤمنوا هلكوا 540 - الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر 743 - ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون 531 - رأى ربه في صورة شاب موقر في خضر على رأسه فراش 441 - رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جبريل على صورته وله ستمائة 695 - رد الشمس لعلي 257 - رأيت ربي فى أحسن صورة، ووضع يده بين كتفي 440 - رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم 722 - رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا ينحر، فأولت الدرع 722
- زار النبي قبر أمه فبكي وأبكي من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي 714 - سار النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر ... فجاءوا يجبنونه ويجبنهم 567 - ساعد الله أشد وموسى الله أحد 127، 129، 704، 705 - سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا 540 - سبح في يده الحصى 560 - سحر رسول الله رجل من بني زريق يقال له ليبد 402، 403، 491 - سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة النجم 397 - سنوا بهم سنة أهل الكتاب 622 - السواك مطهرة للفم مرضاة للرب 744 - شاهت الوجوه 577 - شهيد البحر مثل شهيد البر والمائد في البحر 474 - الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق 493 - الشونيز دواء من كل داء 522 - صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعده، 731
- صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع 699 - عذاب القبر حق 477 - على يدي دار الحديث: تمتعنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما قام عمر 521 - عليكم بهذه الحبة السوداء 521 - عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين 108 - غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها ... إلى قومه: فقال للشمس: إنك مأمورة ... فحبست حتى فتح الله عليهم 254، 281 - 282، 726 - غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتي بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبرا 266 - فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا 370 - فالدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها 517 - فدنا رب العزة حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى 440 - فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام 91 فطار العلج بسكين ذات حرفين ... فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه 266 - فقدنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقلنا: اغتيل 420
- فلا تفعلوا لو كنت آمرا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن تسجدن لأزواجهن 321 - فهل من وضوء؟ فجاء رجل بإداوة له 580 - فيأتيهم الجبار فيقول أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا 125 - فيأتيهم الجبار في صورته التي رأوه فيها أول مرة 703 - فيضع الرب قدمه فيها فتقول: قط 126، 440 - قال لي جبريل: من مات من أمتك لا يشرك بالله دخل الجنة 709، 713 - قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده، واستوسق أمر الحبشة 250 - قالت: وكنت أفركه- أي المني- من ثوب رسول الله 271 - القبر أول منازل الآخرة 517 - القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين 494 - قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله 710 - قد خبأت لك خبأ. فقال ابن صياد: هو الدخ 490 - القدرية شيعة الدجال 89 - قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة 266 - قصة أبي سفيان- رضي الله عنه- مع هرقل في سؤاله له
عن النبي- صلى الله عليه وسلم- 331، 414 - 416 - قصة إسلام سلمان 549 - قصة ادعاء إبراهيم عليه السلام بأن سارة أخته 339 - قصة قتل الأسود العنسي 608، 616 - قصة وفد نجران 329 - قصة ولدي جابر وذبح أحدهما الآخر- وإعادتهما حيين 576 - القلوب أوعية بعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله 523 - قلعت عين قتادة فقال يا رسول الله: إن لي امرأة وأنا أحبها وأخاف أن تبغضني لعوري 261، 576 - قلوب الخلق بين اصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء 126، 128، 703 - 704 - قيدوا العلم بالكتاب. قول لعمر بن الخطاب 108 - كان أملككم لإربه 632 - كأني أنظر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- على المنبر وعليه عمامة 431 - كان في السبي صفية فصارت لدحية ... ثم إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- 529 - كل عظم يذكر اسم س الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون
لحما 421 - كان في ظهر سليمان ماء مائة رجل، وكان له ثلاثمائة امرأة وثلاثمائة سرية 275 - كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يدور على نسائه في الساعة الواحدة ... وهن إحدى عشرة 526 - كان .. يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها 684 - كان يأمرني وأنا حائض فأتزر ويباشرني 527 - كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب 271 كان يقبلها- أي عائشة- وهو صائم ويمص لسانها 527 - كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها 739 كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: نِساءَكُمْ ... 641 - كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في مسير فنفدت أزواد القوم ... فدعا عليها ... فقال عند ذلك: (أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله: لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة) 579 - كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله 657 - كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه 732 كنا نعزل على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- 662
- كنا نعزل والقرآن ينزل 662 - كنت رجلا مذاء وكنت أستحي أن أسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- 272 - كنت مع النبي- صلى الله عليه وسلم- ... فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله. 541، 572 - لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم. 514 - لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس وغروبها 427 لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، أولا ترجعوا بعدي ضلالا. 100 - لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فتقول: قط قط 126، 703 - لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من عاندهم إلى يوم القيامة. 735 - لا تشتملوا اشتمال اليهود. 431 - لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم 171، 231، 379، 620، 751 - لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده 400، 718 - لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله. 247
- لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري 429 - لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك. 644 - لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان. 282 - لا ضر ولا ضرار. 86، 145، 146 - لأطوفن الليل بمائة امرأة تلد كل واحدة غلاما يقاتل 531 - لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه 567 - لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر. 664 - لأقضين بينكما بكتاب الله. أما الوليدة والغنم 667 - لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد 514 - لا يزال في أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم 163 - لا يبيتن أحد عند امرأة إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم. 434 لا يقضي القاضي وهو غضبان. 283 - لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء 485 - لتشد إزارها ثم شأنك بأعلاها 671 - لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد 729 - لقد تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها 734 - لقد نطق عن مثل النبوة «خطر» 549
- لكل نبي حواري وحواري الزبير. 376 - لكل نبي دعوة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة 709 - لله تسعة وتسعون اسما 709 لما رأى زينب حاسرة قال: (سبحان مقلب القلوب). 528 - لم يفعل أحدكم فإنها ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها. 663 - لم يقبر نبي إلا حيث يموت. 511 - لم يكذب إبراهيم- عليه السلام- قط إلا ثلاث كذبات 690 - لهم مالكم وعليهم ما عليكم. 749 - لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا. 639 - لو رأيتنى وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أتيت مزمارا من مزامير داود. 230 لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته. 613 - لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء- يعني أسارى بدر- لتركتهم له. 610 لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر 738 - لو كنت آمرا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. 321
الحديث/ الصفحة- ليس بالكاذب من أصلح بين اثنين فقال خيرا أو نمى خيرا. 680 - ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. 528 - ما أكل النبي- صلى الله عليه وسلم- على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق. 268 - ما أكل النبي- صلى الله عليه وسلم- خبزا مرققا ولا شاة مسموطة 267 - ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم. 518 - ما تركناه صدقة. 90، 91 - مات اليوم رجل صالح. 329 - ما زالت أكلة خيبر تعادّني حتى كان هذا أوان قطعت أبهري. 558 - 559، 732 - ما عدا المسيح ما قال هذه. يعني عود في يده. 418 - ما على الأرض نفس منفوسة- يعني اليوم- تأتي عليها مائة سنة. 513 - ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يدفن فيه 511 - ما لي وللدنيا. ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها. 268 - ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه 404، 432 - ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى حقها إلا 483 - ما من صاحب ذهب، ولا فضة، لا يؤدي منها حقها إلا 482
- ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أتيت 562 - المسلمون على- أو عند- شروطهم. 648 - ملك الموت: الدنيا بين عينيه كدارة درهم. 694 - من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا 482 من أغبرت قد ماه في سبيل الله حرمه الله على النار. 708 - من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع. إلى قوله: غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى. 707 - من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليقعد في بيته. 283 - من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة. 126، 127، 701، 703 - من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. 708 - من دل على دانيال فبشروه بالجنة. 230 - من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم ولكن رأى جبريل فى صورته 694 - ومن زعم أن محمدا يخبر بما يكون فقد أعظم الفرية على الله. 718
- من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين 709 - من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. 706 - من صلى البردين دخل الجنة. 709 - من قال لا إله إلا الله حرمه الله على النار. 711 - من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة 750 - من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها. 658 - من نذر أن يطيع الله فليطعه 675 - من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. 706 - الميت يعذب ببكاء أهله. 475، 476 - نبع الماء من بين أصابعه 578 - نزلت آيه المتعة في كتاب الله- وأمرنا بها رسول الله 657 - 658 - نزلت الآية في اليتيمة ... فنهوا أن ينكحوهن حتى يقسطوا 594 - هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين 377 - هذا الناموس الذي أنزل على موسى عليه السلام. 546 - هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده 733 - هل تدري أين تغرب هذه؟ 361 - هل لك من أم؟ قال لا. قال: هل لك من خالة .. قال:
قال: نعم. قال: فبرها. 319 - وأدخل أصابعه في صماخ أذنه. 470 - وإذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة 469 - وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك 500 - واعلموا أنكم لم تروا ربكم حتى تموتوا. 135 - وافقت ربي في ثلاث. قول عمر. 97 - وألا يقتل مسلم بكافر. 750 - والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك. 739 - والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. 96 والله لا أحملكم ... وإني والله- إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها أحسن منها إلا كفرت 674 - والله ما هو بسحر ولا شعر وكهانة، ولقد سمعنا ذلك كله وما هو بشيء منه 601 - 602 - وإنه أتاني وفد جن نصيبين. 422 - وبعثت إلى الأحمر والأسود. 753 - وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت، حديثا ليس بالأغاليط. 267
- ورأيت جبريل- عليه السلام- فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية 695 - وغزا بناس كثير يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمعهم ديوان. 580 - وفي بضع أحدكم صدقه ... قال: أرأيتم إن وضعها في حرام 531 - وكان جبريل يأتي ... في صورة دحية الكلبي 529 - ولقد اشتد عليه الموت حتى لا أكره شدة الموت لأحد بعده. 741 - وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل 688 - وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم هم شر شياطين الجن. 403 - ويح عمار تقتله الفئة الباغية. 574 - ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا. 561، 575 - ويلك من يعدل إذا لم أعدل. 574 - يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر ... إلى قول علي: بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس، وانهزم حتى رجع. 567 - يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك 645 - يا عمر: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني إذا لقيته مع الصبيان، وأنا أشد معرفة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- مني بابني 293 - يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله. 118
- يا عم والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ... ما تركته 546 - يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج 270 - يحشر الناس حفاة عراه غرلا. 485 - يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين واثنان على بعير 484 - يحمل السموات على إصبع. 129 - يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة. 124 - يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه 478 -" فإن له معيشة ضنكا" قال: عذاب القبر. 480 - يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد 428 - 429 - يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم، وأنه ليقيد يومئذ الجماعة من 503 - يقطع الصلاة: الحمار والمرأة والكلب الأسود. 685 - يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة. 440 - ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا. 439
ثالثا: فهرس الأشعار
ثالثا: فهرس الأشعار الأبيات/ الصفحة - حدا باسمك الحادي وناحت حمامة فلم أدر أي الداعيين أجيب 481 - ودع عنك الشرائع لست منها ولو غبرت وجهك بالتراب 449 - إني رأيتك في الهوى ذواقة لا تصبر بن على طعام واحد 424 - حمار في الكتابة يدعيها كدعوى آل حرب في زياد 449 فدع عنك الكتابة لست منها ولو غرقت ثوبك بالمداد 449 - لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي 655 تناديه باسم الماء وهو كثير 450 - ألذ من الصوت الرخيم إذا شدا وأحسن من وجه الحبيب إذا بدا 56
حدثنا على الحبر الهمام ابن حنبل إمام التقى محي الشريعة أحمدا 56 - إن ساعدتك سوابق الأقدار فأنخ مطيك في حمى المختار 57 - حنبلي أشعري رافضي إنها إحدى العبر 103، 106 - تمنى ابنتاي أن يعيش أبو هما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر 450 - فقوما فنوحا بالذي تعلمانه ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر 450 وقولا: هو المرء الذي لا صديقه أضاع ولا خان العهود ولا غدر 450 إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر 450 - ومن حذر الأيام ماحز أنفه قصير ورام الموت بالسيف بيهس 240 - أتى عيسى فأبطل شرع موسى وجاء محمد بصلاة خمس 608
وقالوا لا نبي بعد هذا فضل القوم بين غد وأمس 608 ومهما عشت من دنياك هذي فما تخليك من قمر وشمس 608 - وعيروني بذلي في محبتها وبالذي عيروني تم لي الشرف 276 - أمحمد يا خير ضنء كريمة في قومها والفحل فحل معرق 613 ما ظن ضرك لو مننت وربما منّ الفتى وهو المغيظ المحنق 613 أو كنت قابل فدية فلينفق بأعز ما يغلو به ما ينفق 613 - ستنقلك المنايا عن ديارك ويبدلك الردى دارا بدارك 180 وتترك ما عنيت به زمانا وتنقل من غناك إلى افتقارك 180 فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك 180
- إن تلق عيبا فلا تعجل بسبك لي إني امرؤ لست معصوما من الزلل 119 - بسفك الدما يا جارتي تحقن الدما وبالقتل تنجو كل نفس من القتل 656 - ولقد سريت على الظلام بمغشم جلد من الفتيان غير مثقل 398 - روى ألف ألف من أحاديث أسندت وحصلها حفظا بلقب محصل 56 أجاب على تسعين ألف قضية بحدثنا لا من صحائف نقل 56 - وإذا تعسرت الأمور فإنني راج لها بمحمد تسهيلا 188 ابدأ بنفسك فانهها عن غيبها إذا انتهت عنه فأنت حكيم 446، 595 فهناك تعدل إن وعظت ويقتدى القول منك ويقبل التعليم 595 لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم 446، 595
- قوم إذا دخل الغريب بأرضهم أضحى يفكر في بلاد مقام 57 بثقالة الأخلاق منهم والهواء والماء وهي عناصر الأجسام 57 ووعورة الأرضين فامش وقع ونم كبعير المستعجل التمتام 57 - بجوار قاسيون هم وكأنهم من جرمه خلقوا بغير حمام 57 - بطل كأن ثيابه في سرحة يحذى نعال السبت ليس بتوأم 367 - فازورّ من وقع القنا بلبانه وشكا إليّ بعبرة وتحمحم 473 لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي 473 - جد للشوق ولو بطيف كلام ... ... ... - يا معشر بني قحطان أخبركم بالحق والبيان 548 57 - أقسمت بالكعبة والأركان والبلد المؤتمن السدان 549
لقد منع السمع عتاة الجن بثاقب بكف ذي سلطان 549 من أجل مبعوث عظيم الشأن تبطل به عبادة الأوثان 549 - والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا 546 فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقر منه عيونا 547 ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثم أمينا 547 وعرضت دينا قد علمت بأنه من خير أديان البرية دينا 547 لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا 547 - وما من حبه يحنو عليه ولكن بغض قوم آخرين 399 - امتلأ الحوض وقال: قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني 474
الأبيات/ الصفحة- كم بين من شك في خلافته وبين من قيل إنه الله 111، 113 ولما بدت حوران والآل دونها نظرت فلم تنظر بعينك منظرا 314 وأنت الذي حببت شعبا إلى بدا إليّ وأوطاني بلاد سواهما 314 قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب 567 إذا الحروب أقبلت تلهب
رابعا: الأمثال
رابعا: الأمثال المثل/ الصفحة - أريها السهى وتريني القمر 239 - حتفها تحمل ضأن بأظلافها 240 - لأمر ما جدع قصير أنفه 240 - مثلي لا يغالط في الحساب 267 - رمتني بدائها وانسلت 447 - وهيهات من دون المراد موانع 292 - أبصر من زرقاء اليمامة 537 - أكذب من مسيلمة 537، 576 - ألستم في الهوى والصفع في القفا 583 - لو وقعت من السماء صفعة ما سقطت إلا على قفاه 583 - والشكول أقارب 687 - إن في المعارضين مندوحة عن الكذب 690 - أوسعتم سبا ورحوا بالإبل 583
خامسا: فهرس الألفاظ والمصطلحات المشروحة
خامسا: فهرس الألفاظ والمصطلحات المشروحة مرتبة على حروف الهجاء «1». الكلمة/ الصفحة آنست 228 الآية 246 الأبهر 559، 732 أتانه 354 اتسى به 416 الأحبار 330 الأخبثان 282 أراح 509 الإرادة 460 أركون العالم 381 أساغ 559 استأنيت 541 الاستبداد 520 استحالة الخلاء 258 الاستحسان 242 الاستصحاب 251 استروحتم 487 استطير 421 استعلن 635 استوسق 250 الأسقف 423 الكلمة الصفحة أسكرجة 268 الاشتراك اللفظي 299 اعتوار اللغات 488 اغتيل 420 الاغضاء 670 الأقانيم 371 أكاسرة 611 الالحاد 37 ألمع 597 الإملال 228 الأناجيل 229 انتصاب النفس 524 انحاش 633 البارقليط 248 بالام 484 بجران الجمل 575 برزنا 574 البرص 524 بشاشة القلوب 416 البطريق 423 بغية 582 البلاغة 588 بلستا 651 البلغة 501 بندقة شمع 696
البهق 524 البيع 640 التأميل 680 التأويل 447 الثئاليل 524 التبييت 347 تجشمت 417 التجمل 463 التجوير 459 التحنيط 509 تخليص المعاني ونصوصيتها 228 تذودان 334 ترجي من تشاء 528 ترضى نفسه 623 تزوادنا 579 تستنكف 641، 659 التصبير 509 تعادني 559 تعانى 156، 356 تعاورتها اللغات 486 التعميد عند النصارى 456 تغابي 233 تغيظ 354 تكدر عليه 680 تمحل 487 التمني 407 التواطؤ 299 الجاليق 423 الجب 646 الجبانة 574 الجحش 354 الجرب 580 الجرب 524 الجلحاء 484 الجلف 424 الجنب 130 الحار الغريزي 270 حدا 481 الحرم 335 الحصور 534 الحكايات 412 الحمام 95
الحواريون 376 خبر الواحد 570 الخروف 350 الخشم 358 الخفاش 237 الخضرات 404 خلفات 281 الخيلان 524 الدولاب 696 الدياجر 635 الديارات 640 ربيون 721، 725 الرتق 646 الرتيلا 524 الرصد 369 رعاية الأصلح 254 الرفض 653 رمز عقد بمرة 474 الرمق 501 الرمل 700 الرهبان 377 الروح 434، 437 زائدة الكبد 484 الزبرة 487 الزبيتان 482 الرجر 755 الزركشة 604 الزندقة 37، 356 السام 521 السبط 354 سجال 416 سحرى 741 سخطه 415 السرحة 367 السهى 239 السوداء 358 السوقة 405 السيماء 693 الشبق 282 الشجاع 482 شرته 635 الشعبذة 286
الشرة 635 الشكول 687 الشمامسة 423، 641 الشونيز 522 الصّبر 509، 558 صلفا 424 صماخ الأذن 470 الصمم 358 الصورة 441 الضائنة 350 الضجر 228 ضيق عطن 319 طبائعيا 522 الطور 496 العائرة 449 العذق 573 العصمة 412 العلج 266 علم الهيئة 259 العلة الأولى 238 العليق 694 عماء 132 العمامة 431 عماه 465 العنة 646 عزلا 485 الغسق 634 غية 582 الفشار 406 الفصاحة 588 الفطريات 242 الفلسفة 37، 356 فليجمع خاطره 526 قارف المعاصى 465 القاع 483 القبيلان 494 القدر 251، 455 القديم 122، 605 القرقر 483 القرن 646 قرني شيطان 421
القرناء 484 القسيس 423 القصب 696 القضيب 354 قلف 474 قوانين 262 القيادة 653 القياس 241 قياصر 611 كم مدرعته 310 كنته 280 الكهان 377 الكوة 696 اللئام 227 لا يغالط 267 لهزمتيه 482 ما حل 690 مادّ 415 مارن أنفه 240 المبادى الأولى 237 المتواتر 569 المثلبة 394 مخالسة 739 مخاييس النصارى 274 المدمغ 410 المذبح عند النصارى 456 المذوب 431 المذي 272 مرققا 267 مزامير 230 المستفيض 569 مطران 423 المسامتة 490 المشقة 235 المعجزة 285، 86، 552، 598 المغشم 377 المغفر 720 الملل 228 المناحة 509 مناقضته 227 الميرة 315 ناحت حمامة 481 النبي 263 نطع 579 نمى 680 النواميس 472 نون 484
النيرنجات 286 وجنة ماجد 449 الوطي 268 وهل 476 ويحك 574 الهاجرة 635 هجر «الهجر» 634 الهيولى 441 يأتسي به 416 يستحمله 674 يستخف 228 يستنكفون 659 يقلاه 758 يفوقون إليه السهام 757 يتكفؤها 483 يواريني 574
سادسا: فهرس الأعلام
سادسا: فهرس الأعلام آخاب (248)، 249 آدم عليه السلام ذكر في مواضع كثيرة إبراهيم عليه السلام ذكر في ثلاثين صفحة إبراهيم بن إسحاق الحربي (691) إبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة 512 إبراهيم عطوة 513، 516، 572، 573، 578 إبراهيم بن موسى الشاطبي 236 أبقراط 260 أبو أيوب الأنصاري 662 أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم 518 أبو سفيان بن حرب 331، 414، 415 أبيمالخ (339)، 533، 681 أبي بن كعب 363، (364) إحسان إلهي ظهير 89 أحمد بن إدريس القراقي (41)، 55، 184، 192، 193، 194، 202، 228، 288، 303، 347، 352، 360، 381، 582، 621، 734، 736، 738، 753.
اسم العلم رقم صفحة وروده أحمد أمين 365 أحمد بدوي 43 أحمد البناء 127، 135، 409 أحمد الثالث 203، 204، 208 أحمد حجازي السقا 17، 207، 208، 362 أحمد بن الحسين المتنبّئ 51، 71، 613، 618 أحمد بن الحسين البيهقي (180)، 261، 378، 477، 503، 548، 560، 571، 573، 576، 577، 578، 602، 610، 640، 740. أحمد الخفاجي 257 أحمد بن خليل شهاب الدين السراج (69) أحمد ديدات 10 أحمد شاكر 76 أحمد بن عبد السلام ابن تيمية (64) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. أحمد بن عبد الصمد أبو عبيدة الخزرجي. (184)، 193، 195، 347، 371 أحمد بن عبد الله ابن قتيبة (177)، 689 أحمد بن عبد الله أبو نعيم الأصفهاني 108، 377، 378، 548، 560، 572، 575
أحمد بن عبد الله البكري (178)، 576، 577 أحمد بن عبد الله المعري (608) 613، 614 أحمد بن علي بن إبراهيم" البدوى". (38) أحمد بن علي بن حجر (49)، 50، 52، 57، 58، 60، 76، 79، 81، 112، 113، 154، 155، 156، 157، 254، 267، 518. أحمد بن علي القلانسي (63) أحمد بن علي بن الساعاتي (42) أحمد بن علي المقريزي 35، 40 أحمد بن علي النسائي (61)، 90، 96، 135، 176، 199 أحمد بن محمد بن حنبل (56) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى أبو جعفر الطحاوي: أحمد بن محمد (177)، 257 أحمد بن محمد الميداني 240، 583. أحمد بن محمد بن خلكان 182 أحمد بن مكتوم القيسي 111، 112، 113، 154 أحمد بن يحيى بن الراوندي الإخشيد (101) إدريس عليه السلام 730، 731 ارمياء 229، 247، 266، 276، 328، 466.
أرسطو طاليس (237)، 238، 240، 244، 259، 265، 268، 269، 442، 471، 487، 697. إسحاق بن راهويه 177 إسحاق عليه السلام 319، 337، 339، 379، 385، 410، 508، 533، 635، 681، 719. اسفنديار (612) أسماء بنت عميس 257 أسماء بنت يزيد بن السكن 678 إسماعيل عليه السلام 230، 319، 378، 380، 385 إسماعيل بن أبي حبيش: الملك الصالح (23) إسماعيل بن رافع 135 إسماعيل بن عبد الرحمن السدي 298، 399، 317، (438)، 595 إسماعيل بن العراقي 110 إسماعيل بن علي الطبال 53، 58، (60) إسماعيل بن كثير (134) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى إسماعيل بن محمد مجد الدين 53، (65)، 104 الحراني
إسماعيل بن محمد العجلوني 127، 664، 704 أسيد بن حضير 665 أشعياء 229، 343، 350، 359، 352، 354، 371، 372، 449، 474، 631 أصحمة بن بحر النجاشي 329، 417، 418، 588 أفرايم 321 امرئ القيس 57، 82، 181، (589) أم سليم بنت ملحان 529 أمية بنت أبي الصلت 550 أنيس 666 أم كلثوم: بنت محمد- صلى الله عليه وسلم 90، 94 أم كلثوم بنت عقبة 680 أنس بن مالك 106، 108، 267، 278، 292، 296، 331، 336، 362، 363، 438، 440، 478، 516، 526، (529)، 571، 572، 654، 672، 678، 703، 749 أوبانس الثاني 22
أوريا بن حنان الحثي 532 أيوب عليه السلام 401، 636، 638، 743 أيوب «الراوي» 742 بحيرا الراهب (377)، 549 بختنصر 230، 231، (328)، 360. البراء بن عازب (318) بروكلمان 75، 83 بسام بن نوح 305 بشر بن البراء بن معرور (559)، 561 بشر المريسي 478 بطرس" أحد التلاميذ" 229، 340، 498، 648 بطرس السائح 22 بقطينوس الحكيم 462 بقية بن الوليد 135 بكر بن خنيس 633 بكر بن زياد الباهلي 586 بلقيس 389 بنيامين 313، 315 بولص الراهب 288، 753
تركان الحجة الأتابكية (33) تميمة بنت وهب (644) ثابت بن أسلم البناني (296)، 297 جابر الجعفي 86 جابر بن سمرة (572) جابر بن عبد الله 279، 283، 319، (433)، 434، 435، 576، 610، 635، 641، 657، 660، 662، 671، 678، 684، 685، 695، 722، 753. جالينوس (271) جبريل عليه السلام 276، 311، 386، 412، 372، 529، 695، 696، 709، 713 جرير بن عطية الشاعر (617)، 618 جعفر بن أبي طالب 250، 418، 588 جعفر بن ثعلب كمال الدين الأدفوى. (55)، 113، 114، 157 (361)، 362، 365، 403، 483، جندب بن جنادة أبو ذر 531، 685، 676، 701، 708، 713 جهم بن صفوان 457 حاتم بن عبد الله الطائي 566
الحارث بن ورقاء 583 حبيب بن أوس أبو تمام الطائي 368، (618) حبش بن كوش بن حام 329 الحجاج بن منهال 722 الحجاج بن يوسف 595 حذيفة بن أسيد الأنصاري 515 حذيفة بن اليمان 267، 518، 622 حرقوص 230 حريث بن حسان الشيباني 240 حزقيل النبي (372)، 374 حزقيال" الملك" 229، (372)، 374، 389 حسان بن ثابت 446، 610 الحسن بن زيد بن علي العلوي 586 الحسن بن علي 90، 361، 662 نظام الملك الحسن بن على الطوسي (32) الحسن بن قاسم العلوي 586 الحسن بن قزعة 539 الراغب الحسن بن محمد الأصفهاني 334، 356 حسن بن محمد النابلسي (205)
الحسن بن مسعود اليوسي 239، 655 الحسن بن يسار البصري 84، 316، 317، 319، 363، 552، 596، 666. الحسين بن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي 512 الحسين بن عبد الله ابن سيناء (497)، 501، 503، 584 الحسين بن علي 90، 101، 361، 418 حسين بن محمد الديار بكري (549) الحسين بن يوسف الحلي ابن المطهر (59)، 103، 117 حفصة بنت عمر بن الخطاب (98)، 103، 645 الحكم بن نافع أبو اليمان (413) الخطابي: حمد بن محمد (176)، 429، 527، 573، 632، 683، 687، 692، 697 حماد بن زيد 742 حماد بن سلمة 722، 742 حمزة بن عبد المطلب 566، 609 حمزة الفعر 49، 50، 51 حمزة «القارئ» 361، 364 حنة 301 حواء 624، 639
خارجة بن زيد بن ثابت 357 خارجة بن مصعب (553) خالد بن عبد الله القسري 548 خالد بن مخلد 671 خالد بن الوليد 365، 418، 537، 611 خباب بن الأرت 662 خديجة بنت خويلد 90، 546 خطر بن مالك الثقفي 548 خلف بن موسى 518 خليل بن آبيك الصفدي (112)، 157 خليل الأشرف المملوكي 22 خير الدين الزركلي 78، 80، 82، 134، 265، 523 خنيس بن حذافة السهمي 98 دانيال 230، 343، 350، 354، 631 داود بن على الظاهري 130 داود بن الزبرقان 633 داود عليه السلام 92، 176، 197، 230، 275، 411، 453، 508، 532، 534 دحلان 185
دحية بن خليفة الكلبي (529)، 695 دمشق بن كنعان 507 الديار بكري 174 ذو القرنين (360) راحيل" أم يوسف" 313، 314، 319، 325، 628 ربقة 339، 533 سطيح" ربيع بن ربيعة الأزدي" 377، 548 الربيع 596 الربيع بن سبرة الجهني 657 رحمة الله الهندي 12، (185)، 192، 193، 194، 245 رستم الشديد (612) رضاء الله بن محمد المبارك فوري 436 رفاعة بن سموأل القرظي (644) رقية بنت محمد- صلى الله عليه وسلم 94 رهم بنت الخزرج 446 روبيل بن يعقوب 280، 354، 404، 533، 649، 661 زاهر بن عواض الألمعي 528
زبان بن العلاء أبو عمر 293، (363) الزبير بن العوام 376، 613، 736 زر بن حبيش 361 زرقاء اليمامة 537 زكريا عليه السلام 229، 305، 306، 307، 308، 309، 311، 359، 386، 534، 557، 724، 743 زياد بن أبيه 302، 572 زيد بن أسلم (671) زيد بن ثابت 317، 662، 678 زيد بن حارثة 398، 527، 532 زيد بن الخطاب 176 زيد بن علي بن الحسين (87)، 118 زيد بن عمر وبن نفيل (547) زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم 90 زينب بنت جحش 279، 398، (527)، 528، 532، 533 زينب بن الحرث (558) سابق البربري 446 سابور 326، 335
سارة 311، 321، 339، 378، (379)، 385، 628 سام بن نوح 305 سبرة الجهني 658 سجيم 405، 681 سرجس" جرجيس" (343)، 345، 347، 623، 743 سراقة بن مالك 686 سعد بن أبي وقاص 518، 662 سعد بن أوس 365، 527 سعد بن زيد مناه 446 سعد بن عبادة 184، (673)، 736 أبو سعيد/ سعد بن مالك الخدري 125، 261، 469، 480، (483)، 490، 513، 518، 662، 663، 687، 703 بن كمونة: سعد بن منصور (42) سعيد بن بشير 552 سعيد بن جبير (594)، 733 سعيد بن زربي 552 سعيد بن زيد بن عمرو 547
اسم العلم رقم صفحة وروده سعيد بن المسيب 293، 336، 357، 552، 712 سعيد بن يسار 643 سفيان الثوري 106، 438، 666، 733 سفيان بن عيينة 737 سلمان الفارسي 330، (549)، 615، 707 سليمان بن أبي مسلم الأحول 733 أبو داود- سليمان بن الأشعث (175) ذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى سلمة بن الأكوع 579، 671 الطبراني: سليمان بن أحمد 108، 127، 560، 643 سليمان بن حسان ابن جلجل 237، 271 سليمان بن حمزة تقي الدين 54، (63) سليمان عليه السلام 92، 197، 275، 360، 389، 395، 401، 407، 411، 419، 453، 508، 531، 532، 534، 721 سليمان بن يسار 357 سليم بن عامر 494 السموءل بن يحيى المغربي (331)
سنحاريب (389) سهل بن سعد الساعدي (515) سيبويه 54، 69 السيد (329) شراحة الهمدانية (666) شعبة 438 شعيب بن أبي حمزة 396، 413 شعيب عليه السلام 325، 326، 327، 335، 336، 337 شق بن صعب 377، 548 شهيد علي 77، 79، 161، 164، 206 شيبة بن ربيعة 566 شيث عليه السلام 731 صاف بن صياد (490) صالح بن أبي الأخضر 560 صالح بن عبد الله بن حميد 235 صالح المري 523 صالح عليه السلام 297، 347، 472، 539، 556 صدقيا 229
صفوان بن عسال 362 صهيب رضي الله عنه 475 أم المؤمنين صفية بنت حيي (529) الضحاك بن قيس 318 الضحاك المفسر 595 الضحاك الذي ملك الأقاليم 339 ضرار بن عمرو 478 ضرار بن الأزور 611 ضمرة بن حبيب الزبيدي (425)، 427 طالوت 320، 725، 728 الطرماح بن حكيم 446 طريفة بنت الحسين الحميدية 548 الطفيل بن عامر الدوسي 179 طلحة بن الزبير 376، 586 طلق بن علي بن طلق بن عمر 279 طليحة بن خويلد الأسدي 611 الظاهر بيبرس العلائي (26) عائشة بنت أبي بكر (91) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى عاصم بن أبي النجود أبو بكر (361)، 364
العاقب «صاحب نجران» (329) عامر بن ثابت" أبو كبير الهذلى" 567 عامر بن شراحيل الشعبي 302، 421، (433) عباد بن أبي زيد 541 عباد بن بشر 672 عباس العنبري 523 عبادة بن الصامت 86، 667، (668) العباس بن عبد المطلب 92 عبد بن حميد 277، 610 أبو سلمة: عبد الأسد المخزومي 418 عبد الجبار بن أحمد القاضي (186) عبد الحق بن إبراهيم" ابن سبعين" (38) عبد الحق 527 عبد الحق بن غالب ابن عطية (165)، 174، 293، 294، 295، 343، 344، 360، 393، 396، 411، 420، 424، 435، 438، 472، 480، 493، 518، 594، 595، 721، 724 عبد الحي بن أحمد ابن العماد (48)، 50، 154، 155، 157، 267.
عبد الحميد بن سليمان 108. عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي 60، (75)، 76، 81، 83، 154، 157، 293، 435، 436، 441، 560، 596، 642، 645، 671، 694، 656. عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله ابن أبي مليكة (512) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق 744 عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة (67) عبد الرحمن بن جبر أبو عبس (707) عبد الرحمن بن خالد بن الوليد 266. عبد الرحمن بن خلدون 259، 295. عبد الرحمن بن زياد 633. عبد الرحمن بن سليمان المفيد (62) عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة (395) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. عبد الرحمن بن شهاب ابن رجب (48)، 49، 50، 51، 58، 60، 71، 74، 76، 77، 78، 79، 80،
81، 82، 83، 103، 104، 105، 107، 108، 109، 111، 112، 114، 154، 155. عبد الرحمن بن عايش 440 عبد الرحمن بن عبد الله 122 عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي (178)، 378، 434، 512، 520، 537. عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي 34، 127، (179 - 180)، 296، 440، 441، 472، 480، 549، 571، 655، 688، 698، 704. عبد الرحمن المتولي النيسابوري 255 عبد الرحمن بن محمد أبو اليمن العليمي (48)، 50، 56. عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 105 عبد الرحمن بن محمود القوصي 71 عبد الرحمن بن مسعود الحارثي 54، (55)، 111 عبد الرحمن بن معاوية 423. عبد الرحمن بن ملجم 89. عبد الرحمن بن ناصر السعدي 130، 407، 460، 590
عبد الرزاق عفيفي 115، 263. عبد الرزاق بن همام الصنعاني (174)، 296، 303، 307، 434، 510. عبد السلام بن أحمد المقدسي (655) عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية 52، 62. عبد العزيز بن جريح (510)، 511، 657. عبد العزيز حمد بن معمر (185)، 193، 194، 195، 198، 266. عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد 138، 242. عبد العزيز بن عبد الرحمن" الملك" 115 عبد العزيز بن عبد الرحمن الربيعة 242 عبد العزيز بن عبد الله بن باز 115 عبد العظيم بن عبد القوي المنذري 127، 135، 523. عبد الفتاح الشيخ 242. عبد القادر بن أحمد ابن بدران (151). عبد القادر حسين 74 عبد الكريم بن عبد النور القطب الحلبي (156)
عبد الله بن أبي قحافة أبو بكر (88) وفي أكثر من ثلاثين صفحة الصديق أخرى. عبد الله بن أحمد ابن قدامة (141)، 152، 242، 275، 466، 622، 646، 659، 666، 676، 688. عبد الله بن أسعد اليافعي 154، 157. عبد الله بن أم مكتوم 398 عبد الله بن الحارث بن أمية 613. عبد الله بن حبيب السلمي 361. عبد الله بن حميد 105. عبد الله بن الزبير 363. عبد الله بن زياد بن سمعان (336)، 344. عبد الله بن سبأ 447. عبد الله بن سلام (293)، 329، 330، 411. عبد الله بن عامر الأسلمي 528، 658. عبد الله بن عباس (364) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ذكر في أكثر من ثلاثين صفحة. عبد الله بن عبد العزيز المصلح 173.
عبد الله بن عبد العزيز البكري 576. عبد الله بن عبد الله الترجمان" أنسليم تورميدا" (185)، 191، 193، 194، 331. عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة 475. عبد الله بن عبد المحسن التركي 79، 151. عبد الله بن عمر 48، 96، 97، 129، 268، 277، 296، 318، 426، 428، 475، 476، 514، 516، 521، 571، 595، 645، 671، 695. عبد الله بن عمر أبو زيد اليوسي (151) عبد الله بن عمر النصير الفاروثي 53، (59)، 60. عبد الله بن عمرو بن العاص 108، 327، 494، 503، 523، 774. عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري 230، 362، (674). عبد الله بن كثير القارئ (363). عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان: أبو الشيخ (181)، 435، 436، 694. عبد الله بن محمد بن أبي شيبة 431، 750. عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر 744.
عبد الله بن محمد الزريراتي 53، (58). عبد الله بن محمد ابن أبي عتيق (521). عبد الله المستنصر بالله (24). عبد الله بن المؤمل 706. عبد الله بن مسعود 279، 318، 361، 366، 374، 397، 414، 420، 421، 480، 565، 571، 632، 676. عبد الله بن معاوية الجمحي 523. عبد الله بن المقفع (756). عبد الله بن يزيد 742. عبد المؤمن ابن خلف: الحافظ الدمياطي 54، (67). عبد المسيح بن حيان 548. عبد المعطي قلعجي 540. ابن جريج/ عبد الملك بن عبد العزيز (510)، 657. عبد الملك بن مروان 433. عبد الملك بن هشام (178)، 336، 387، 389، 511، 537، 558، 559، 567، 569، 587، 610، 612، 613، 736، 738.
عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب (118)، 364، 546. عبد مناف بن قصي 548. عبد الوهاب ابن تقي الدين السبكي 179، 756. عبلة 181. عبهلة بن كعب العنسي (608)، 611، 616. عبيدة بن الحارث 566، 609. عبيدة بن عمرو 129. عبيد بن عمير 323. عبيد الله بن عبد الله بن عمر 671 عبيد الله بن عبد الله بن عتبة 357، 414. عبيد الله بن يوسف الجبيري 494. عتبة بن ربيعة 566، 606، (609). عثمان بن جني (51)، 52. عثمان بن سعيد الدارمي 598. عثمان بن عفان (94)، 97، 98، 99، 103، 107، 109، 119، 266، 293، 317، 318، 365، 545، 548، 615، 654. عدي بن حاتم 318.
العرباض بن سارية 735. عروة بن الزبير 357. عزرا 231، 337. العز بن عبد السلام 27، 582. عزير 591. عطاء بن أبي رباح 331، 657. عطاء بن يسار 327. عفرون 321. عفير بن معدان 494. عقيلة بنت أبي الحقيق 677. عكرمة (307)، 397، 520، 594. علقمة 421. ابن روزبه: علي بن أبي بكر (61)، 62. علي بن أبي بكر الهيثمي 418، 441، 518، 523. على بن أبى طالب (89) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. علي بن أحمد الواحدي 403، 534. علي بن أحمد بن حزم (186)، 398، 478، 662. أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري 85.
علي بن حسن العسيري 64، 329، 352، 423، 566. علي بن الحسين الشريف المرتضى (101). علي بن عمر الدارقطني 86، 514، 560، 750. علي القاري 257. علي بن محمد ابن الأثير 22، (25)، 156، 228، 267، 372، 516، 517، 548، 601. علي بن محمد" أبو حيان التوحيدي" (756). علي بن محمد الزعيم (204)، 758. علي بن محمد السخاوي (468). علي بن محمد الماوردي (179)، 263، 379، 380، 548، 560، 564. علي بن محمد ابن اللحام 139، 242. علي بن محمد علاء الدين الباجي (42)، 444. علي بن محمد الصرصري 52، (58). علي بن محمد الكناني (49). علي بن المديني 512. علي محي الدين القره داغي 604. عمر بن الحسين الخرقي (50)، 52، 55، 62. عمار بن معاذ الخزرجي الأنصاري 232.
عمار بن ياسر 500، 540، 574، (615). عمر بن الخطاب (88) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. عمر سليمان الأشقر 263، 686، 747. عمر بن عبد العزيز 424، 433، 658، 671. مجير الدين" عمر بن عيسى اللمطي" (71). عمر بن محمد الخبازي (151)، 569، 570. عمر بن كرم الدينوري (61). عمران بن حصين (659)، 660، 690. عمران عليه السلام 196، 300، 304، 305، 335. عمرو بن أمية الضمري 386. عمرو بن بحر الجاحظ (184)، 189، 237، 524، 653، 686. عمرو بن العاص 302، 314، (365)، 615، 755 عمرو بن مرة الجهني 659. عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهمذاني 318. عمرو بن هشام" أبو جهل" 118، 475، (545)، 555. عمرو بن يحيى 86.
عمرو بن عبد ود العامري 567. عمون 197. عنترة بن عمرو العبسي (181)، 367، 473. عوف بن الربيع" ذو الخمار" (569). عياض بن موسى القاضي 177، 178، 257، 267، 396، 603، 606. عيسى بن عيسى بن علي 756. العيص بن يعقوب 322، 719. غياث بن إبراهيم 553 غيلان بن عقبة" ذو الرمة" 618 غيلان بن منبه 345 فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم (90)، 92. فرعون" الوليد بن مصعب" 325، 346، 349، 389، 472، (539)، 542، 543. فضيل بن عياض 129. قابيل 453. قارون 346. قاسم عبده 28. القاسم بن محمد بن أبي بكر 357.
القاسم بن محمد البرزالي 54، 59، (67). قالون 267. قتادة بن النعمان 261، 267، 576. قتادة بن دعامة السدوسي (292)، 296، 297، 302، 307، 308، 322، 434، 494، 522، 552، 595، 647. قتيلة بنت الحرث (613) القس فندر 12، 185، (192). قصي بن كلاب (536)، 538. قيس بن سعد 321. قيس بن محمد الكندي 494. قيصر 529. قيلة التميمة 240. كسرى 548. كعب الأحبار 281، (365)، 368، 532. كعب بن الأشرف (677) 678، 679، 707. كعب بن زهير 583. كعب بن مالك 580، 678، 684. كنعان بن حام بن نوح 314.
كوبريلي زادة محمد باشا 205. لابن 209، 314، 325. لؤلؤ 614. لاوي بن يعقوب 230، 529. لبيد بن ربيعة 450. لبيد بن الأعصم (402)، 491. لوط عليه السلام 98، 305، 325، 378، 533، 623، 654، 727. لوقا 229، (340) وذكر في مواضع كثيرة أخرى. ليا بنت لابن 318، 628. الليث بن سعد 658. ماروت (276)، 277. ماعز 666. مالك بن أنس 86، 104، (106)، 140، 141، 275، 296، 426، 458، 508، 510، 622، 632، 634، 643، 644، 666، 667، 671، 673، 688.
مالك بن أوس بن الحدثان (92). المتلمس 240. المتوكل بن عبد الله الكناني 446، (595) متى 164، 229، (245) وذكر في مواضع كثيرة غيرها. مجالد بن سعيد (433). مجاهد بن جبر 299، 336، 363، (424)، 427، 434، 520، 596. محمد بن أبي بكر ابن القيم (185)، 248، 257، 332، 381، 411، 434، 437، 442، 478، 493، 524، 527، 664، 683. محمد بن أبي بكر السكاكيني (110). محمد بن أبي الشكر الملك العادل (34). محمد بن أبي الفتح البعلي (66). محمد أبو شامة 184. محمد أبو زهرة 115، 340. محمد بن أحمد السمرقندي (151). محمد بن أحمد القرطبي (42)، وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.
محمد بن أحمد بن رشد (238)، 259، 372. محمد بن أحمد الذهبي 60، 63، (66) 67، 68، 103، 110، 114، 122، 157، 178، 257، 312، 435، 436، 540، 567، 572، 573، 645، 704، 756. محمد بن أحمد بن العلقمي (24)، 103، 116. محمد بن أحمد بن الحبال (55)، 112. محمد بن أحمد القطيعي (61). الشافعي محمد بن ادريس 35، 104، 106، 271، 331، 458، 634، 640، 666، 688. محمد بن اسحاق ابن منده 598. محمد بن اسحاق 328، 336، 344، 345، 396، 418، 537، 557، 610. محمد بن إسماعيل البخاري (61) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. محمد الأمين الشنقيطي 122، 621. محمد بن جابر بن سيار 279. محمد بن جرير الطبري (173)، وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.
محمد جمال الدين القاسمي 115، 147، 278، 305، 330، 377، 621، 656. محمد حسين الذهبي 293، 307، 365. محمد بن الحسين الموصلي 53، (60). محمد بن الحنفية 614. محمد بن خالد الفاضل 82. محمد بن دينار 365، 527. محمد رشاد سالم 265. محمد رشيد رضا 278، 365. محمد زاهد الكوثري 265. محمد زغلول 28. محمد بن السائب الكلبي (556). محمد بن سعد «صاحب الطبقات» 261، 329، 345، 396، 512، 528، 536، 549، 559، 561، 580، 595. محمد بن سعود «الأمير» 155، 204، 205. محمد بن سعيد الأبوصيري (43)، 185، 190. محمد سيد كيلاني 43. محمد بن سيرين 431، (654).
اسم العلم رقم صفحة وروده محمد شاكر الكتبي 267. محمد بن صالح بن عثيمين 460، 463. محمد بن عمر بن يحي 528. محمد بن عمر الواقدي 528. محمد الفرت 340. محمود شكري الألوسي 115. محمد بن عبد الرحمن السخاوي 108. محمد بن عبد العزيز المانع 115. محمد بن عبد الكريم الشهرستاني 37، (186)، 261، 372، 447. محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ 185. محمد البريدي 185. محمد بن عبد الله الزركشي 608. محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري 122، 126، 277، 278، 372، 319، 379، 540، 567، 572، 580، 602، 645، 704. محمد بن عبد الله الجياني 310. محمد بن عبد الله بن أبي زمنين (133). محمد بن عبد الله ابن مالك (66).
اسم العلم رقم صفحة وروده محمد بن عبد الله ابن المظفر (179)، 571. محمد بن عبد الواحد البغدادي 206. محمد بن عبد الوهاب 185. محمد بن علي الشوكاني 130، 276، 296، 316، 363، 367، 373، 374، 388، 391، 503، 554. محمد بن علي الصابوني 412. صدر الدين ابن الوكيل" محمد بن عمر" (71). محمد بن عمر ابن أبي القاسم 53، 62. محمد بن عمر 512. محمد بن عمر الرازي (182)، 278، 324، 372. محمد بن عمر بن يحيى بن حبان 528. محمد بن عمر الواقدي 528، 580، 612، 615. محمد بن عيسى «الترمذي» (76) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع 735. محمد بن فضل الله السديد 70، (72). محمد بن قلاوون الصالحي الملك الناصر (39)، 40.
محمد كرد علي 22. محمد بن كعب القرظي 715. محمد لطفي الصباغ 569. محمد بن محمد الغزالي (142)، 184، 190، 239، 259، 262، 372، 403. محمد بن محمود الشهرزوري 236. محمد محي الدين 446. محمد بن مسلم الزهري 296، 414، 521، 558، 657، 666، 667، 711. محمد بن مسلم بن تدرس (657). محمد بن مسلمة 677، 678. محمد بن مكرم ابن منظور (87)، 641. محمد بن موسى الدميري 653. محمد ناصر الدين الألباني 127، 257، 494، 704، 749، 750. محمد بن نصير 586. محمد بن يزيد ابن ماجه (176) وذكر في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.
محمد بن يوسف أثير الدين أبي حيان 54، (69)، 71، 165. محمد بن يونس الكديمي 560. محمود حسن زناتي 608. محمود بن عمر الزمخشري (174)، 240، 454، 468، 469، 501، 502. محمود الطحان 569. مرحب اليهودي (567). مرقس 229، (340) وفي مواضع كثيرة أخرى. مروان بن الحكم 615. مروان بن محمد 632 مريم المجدلية 409. مريم عليها السلام ذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة. مسدد 757. مسطح بن أثالة (93). مسعود بن أحمد سعد الدين الحارثي 36، 54، (68)، 111، 112، 113، 114. مسلم بن الحجاج (175)، وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.
مسيلمة بن ثمامة الكذاب (537)، 550، 611، 616، 617. مصدع بن أبي يحي 365، 527. مصر بن مصر ايم 314. مصطفى أبو زيد 39، 51، 80، 82، 83، 115، 116. مصطفى مسلم 174. مصعب بن الزبير 318. مصعب بن عمير 566. المطعم بن عدي (610) معاوية بن أبي سفيان (99)، 103، 302، 318، 363، 365، 414، 495، 595، 615. معاذ بن جبل 580. معاذ بن عفراء 545. معاذ بن عمر بن الجموح 545. معبد الجهني 251، 457. معروف الكرخي (698). معقل بن منبه 345. معمر بن راشد الأزدي 296، 303، 307، 434، 558. المغيرة بن شعبة 302، 518، 755.
منصور بن الظاهر المستنصر بالله 24 (25)، 32. ملكا 591. منسا 321. المهلهل الشاعر 589. موآب 197. موسى بن جبير 277. موسى بن عبيد الله بن ميمون (165)، 265، 268. موسى بن عمران عليه السلام ذكر في أكثر من ثلاثين صفحة. ميكائيل عليه السلام 276. ميكائيل بن جزي 336. ميمون بن ساه 749. ناصف اليازجي 614. نافع بن عبد الرحمن 277، (363)، 671. نافع مولى ابن عمر 643. نسطور 591. نصر بن يحيى المتطبب (185)، 191، 192، 194. النضر بن الحارث 301، 555، 556، 607، 612. النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) 37، 106، 271، 331، 634، 667، 676، 688، 749، 750.
نعمان بن محمود ابن الألوسي (49). النعمان بن المنذر 548. نمروذ 360. نوح عليه السلام 10، 98، 275، 297، 345، 556، 565، 731. هاجر 339، 378، 379، 385، 486، 628. هاران 305. هاروت (276)، 277. هارون بن عمران عليه السلام 229، 300، 302، 303، 528، 600، 631، 743. هارون الرشيد 618. هامان 539، (543). هرقل 331، (413)، 414. هشام 516. هشام بن عبد الملك 560. هشام بن يوسف 517. الفرزدق/ همام بن صعصعة (628). همام بن منبه 345.
هند بنت أمية" أم سلمة" 250، 317، 336، (418). هود عليه السلام 412، 505، 579. واصل بن عطاء 84، 87، 457. وثيمة بن موسى الوشاء (180)، 277، 336، 552. ورش 363. ورقة بن نوفل 546. الوليد بن أبي ثور 541. الشرقي الوليد بن الحسين ابن القطامي 336. الوليد بن عبيد البحتري (618). الوليد بن المغيرة (601)، 606، 610. وهب بن منبه 310، 347، 376، 400، 401، 516، 532، 553. يحيى عليه السلام 229، 281، 305، 307، 385، 386، 534، 557، 724، 743. يحيى بن حبش السهروردي 344، 355، 356، 357. يحيى بن سعيد 129. يحيى بن شرف النووي 27، 86، 107، 108، (177)، 267، 271، 272، 281، 537، 634.
يحيي بن عيسى ابن جرالة (182)، 331، 476، 477، 483، 523. يحيى بن معين 176، 413، 438. يثرو (326)، 335، 336. يزيد بن أبي سفيان 414. يزيد بن هارون 37. يعقوب عليه السلام ذكر في أكثر من ثلاثين صفحة. يعقوب البراذعي 591. يعقوب بن اسحاق ابن السكيت 474. يعقيم 301، 304، 305، 335. يعلى بن مرة (574). اليمان بن أخنس الجعفي 61. يوحنا بن زيدي 229، (249) وذكر في مواضع أخرى. يوحنا المعمدان 402، 344. يوسف بن أيوب صلاح الدين (34)، 344. يوسف بن الزكري المزي 54، (65)، 67، 104، 116. يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي (34). يوسف النجار 229، 317، 582.
يوسف عليه السلام 312، 313، 314، 316، 317، 319، 320، 321، 322، 323، 324، 355، 385، 620، 719، 743. يوشع بن نون 254، 258، 281، 371، 374، 631، 725. يوكابد 196. يونس عليه السلام 135، 290، 398، 500، 505، 743. يهوذا الاسخريوطي (345)، 347. يهوذا هاناسي 338. يهوذا بن يعقوب 280، 354، 404، 533، 627، 661.
(الكنى) اسم العلم رقم صفحة وروده أبو الأسود الدؤلي 446. أبو إلياس 553. أبو أمامة 135، 494. أبو أيوب الأنصاري 329، 363. أبو جعفر المنصور 336، 632، 756. أبو جعفر" القارئ" 363. أبو دجانة 566 أبو الدرداء 735 أبو رجاء 732. أبو الزبير 434، 722. أبو زرعة 135. أبو زرعة الرازي 580. أبو زيد بن أخطب 518. أبو السائب 687. أبو سعد بن أبي طلحة 566. أبو سلمة 122، 336. أبو شاه 107. أبو الطفيل 292.
أبو علي بن أبي هريرة 176 أبو قلابة 742 أبو كريب 173 أبو لؤلؤة المجوسي 88 أبو مسلم الخراساني (632). أبو منصور الخمشادي 640. أبو النضر 643، 657. أبو اليسر 575. أبو يعلى 610. أبو يوسف 37. أم الطفيل (440)، 446.
من نسب إلى أبيه اسم العلم رقم صفحة وروده ابن أبي أمية 118. ابن أبي حاتم 277، 328، 343، 396، 435، 503. ابن أبي الدنيا 230، 694. ابن أبي شيبة 750. ابن أبي العز الحنفي 447. ابن إدريس 302. ابن الأعرابي 176، 527. ابن الأشل" الأمثل" 181، 423، 445، 686، 694. ابن البطريق 340، 371. ابن بطال 683. ابن بطوطة 586. ابن الحاجب 67. ابن حبان 199، 277، 319، 370، 510، 518، 664. ابن خزيمة 370، 704. ابن خلاد 127، 704. ابن الديبع 547.
ابن زمل الجهني 517. ابن زيد 552. ابن الشخير 660. ابن صياد 289. ابن عامر 361، 724، 727. ابن عبد البر 671. ابن عبد القوي 185. ابن عدي 127، 512. 704. ابن العربي 683. ابن عساكر 577. ابن المبارك 106. ابن مردويه 277، 396، 643. ابن مكة 180، 512. ابن المنذر 396، 503. ابن النجار 756. ابن النحاس 55. ابن هبيرة 676. ابن الوردي 423.
الألقاب وما شابهها اسم العلم رقم صفحة وروده الآمدي 441. الأبياري 511. الأخطل 446. الأشرف موسى 33. الأوزاعي 106، 667. البزار 396، 518، 560، 610. التبريزي 81. الثعلبي 403. الجبائي 478. الجويني 372 الحريري 57، 83. الخلال 332. الخليل 721. الخونجي 372. الزوزني 367، 473. السامري 543. السفاح 632، 756. السقا 511.
شلبي 511. الصميري 446. الطيالسي 577. القزويني 653. العجلي 510. العسكري 108. العقيلي 510. القفال الشاشي 172. الكرماني 397. الكسائي 361، 364. المازري 564، 570. المتوكل العباسي 56، 618. المستضيء بأمر الله 179، 180. المقتدي العباسي 182. الملك الصالح نجم الدين أيوب 26. الملك قطز 26. الملك المظفر أسد الدين شيركوه (34). الملك المنصور قلاوون (36). المنصور العباسي 632، 756. النحاس 396.
سابعا: فهرس الأماكن والمواقع والبقاع
سابعا: فهرس الأماكن والمواقع والبقاع آسيا 271 أحد 97، 261، 318، 414، 557، 559، 566، 720، 722، 724. الأحساء 115 أدفو 55 أذربيجان 612 الأردن 305، 339، 681. أرض بني كنعان 305، 314، 378، 410. أرض الروم 591، 640. أرض القبجاق 26. أرض مدين" ماء مدين" 325، 333، 334. أريحا (283). الأزهر 115. استانبول 79، 203، 205، 206، 208. الاسكندرية 55، 68، 336، 340. أسيوط 42. أشبيلية 423. أصبهان 130، 549.
أصفهان 497. إفريقية 22، 39، 69، 329، 423. أفسس 249. الأندلس 22، 32، 39، 165، 180، 295، 423. انطاكية 22، 340. أوربا 22، 28. أورشليم (317)، 338، 496، 550، 675. إيران 535. إيلياء 415، 506. بابل (266)، 276، 340، 379، 389. بادية السماوة 613. بالق 410. بجاية 184. بحر إيجة 249. بحر الروم 305. البحرين 115، 363، 529، 550. بحيرة سارة 548. بحيرة قوم لوط 325.
بخارى 61، 151. بدا 314. بدر 92، 94، 261، 328، 433، 529، (541)، 545، 555، 557، 559، 566، 610، 612، 615، 677، 678، 686، 722. بريدة 115. بست 176 البصرة 99، 178، 184، 292، 529، 572، 618، 658، 724. بعلبك 66، 67، 339. بغداد (331) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. البقيع 91، 106، 366. بلاد الأرمن 39. بلاد الجزيرة 305. بلاد الروم 39، 640. بلاد طيئ 566. بلاد المغرب 36، 42، 43، 173، 177، 295
بلد الخليل 525، 154، 321. بلوط 635. البهنساوية 41. بهشيم 41 بوصير 41 البيت الحرام 38 بيت لحم (313)، 314، 316. بيت المقدس 23، 34، 39، 52، 56، 70، 155، 229، 254، (281)، 313، 321، 328، 389، 415، 495، 506، 668. البيرة 133. بيروت 115. بيهق 180. تبوك 89، 325، 380، 580، 674. تركيا 77، 78، 79، 164. تستر 230. تونس 185. تهامة (376)، 420، 659.
الجامع الأزهر (35). الجامع الأموي (33)، 115. جامع ابن طالون (35). جامع الحاكم (36)، 68. جامع الصارم 72. جامع القرويين 184. الجامع العتيق (35)، 36. الجبيلة 537. جبل أبو قبيس 704. جبل طيئ 305. جبل عوارض 566. جرجانية 174. جزيرة أقور 305. جزر البليار" الشرقية" 185. الجزيرة 23، 67، 314، 336، 421. حزيرة ابن عمر 25. جزيرة العرب 515، 733. جوّا 529. جيحون 174.
اسم المكان أو الموقع رقم صفحة وروده الحارثية 68. الحبشة 94، 250، (329)، 394، 417، 418، 584، 615، 653، 674. الحجاز 52، 56، 69، 174، 182، 325، 376، 510، 643، (659) 724. الحجون 536. الحديبية 318، 574، 615 حراء 421. حران 52، 61، 64، 65، 182، (305)، 314، 379. الحربية 691. الحرم المكي 115. حروراء 99. حلب 26، 61، 65، 66، 67، 71، 77، (356) 423. حلوان 535. حماة 179. حمص 365، 423، 445، 414، 614، 694.
حنين 99، 568، 574، 577. حوران 314، 410، 673. الحيرة 321. خراسان 182، 553. الخزانة التيمورية 154. خسرو جرد 180. الخندق 302، 318، 414، 559، 566، 567، 576، 687. خوارزم 174، 182. خيبر 90، 395، 559، 567، 569، 574، 659، 712. دار الأرقم 94. دار الجيل 59. دار الحديث الأشرفية 65، 68. دار الكتب المصرية القومية بالقاهرة 76، 82، 89، 108، 155. دار المعارف بمصر 238. دارين 363. دبوسية 151. دجلة 305
الدرعية 185. دمشق (507)، وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. دمياط 36، 55، 67، 71. الدهناء 240. دوما 151. دومة الجندل 731. ديار بكر 549. الديار المصرية 110، 111. رام هرمز 549. رباع الأيتام بالقاهرة 71. رحبة باب العيد (74)، 75. الرقة 165، 305. الرملة 668. الرها (305). رومية 271. الرياض 18، 79، 84، 115، 155، 174، 184، 204، 205، 207. الري 182، 186، 336.
الزاوية التاجية 35. الزاوية الزينية. 35. الزاوية الصاحبية 35. زاوية الشافعي 35. الزاوية العلائية 35. الزاوية الكاملية 35. الزاوية المالكية 35. الزاوية المجدية 35. الزاوية المغنية 35. الزبير 513. ساليم 405. سبأ 731. سرخس 56. سقيفة بني ساعدة 88، 736. سمرقند 151. سهيل 178. سيواس 26. سورية 329، 305، 356. الشام (305) في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى.
شعب أبي طالب 364. شقحب 27. شهرستان 186. شيراز 59، 756. صرصر (48)، 51، 52، 58. الصعيد 36، 54، 55، 58، 229. صفد 112. صفين 99، 318، 615. صقلية 179. صنعاء 174. صيدا 23، 249. الطائف 414، 537، 550، 574، 608، 610. طبرستان 173، 182، 586. طوبقبوسراي 203 طبرية 165 طحا 177 طرابلس 87 طور سيناء 338، 496.
طوس 142. طوفى (48) 51، 52، 58، 62. ظاهر حلب 65. الظاهرية 68. عبّادان 535. عدن 154، 608. عرفة 702، 708. العراق 25، 26، 52، 58، 59، 67، 69، 87، 115، 174، 182، 266، 331، 535. العريض 305. العقبة 364، 433، 673. عكاظ 420. عنيزة 115. العوالي (90). عين جالوت 26. العينية 547. غار حراء 547. غرناطة 69، 184.
غزالة 142. فارس 180، 549، 699، 612. فاس 184. فاروث (59). فدان آرام 314. فدك (90). الفرات 22، 26، 305. فرغامس 271. فرنسا 586. الفسطاط 506. فلسطين 112، 165، 281، 305، 321، (339)، 343، 365، 681. القادسية 302، 532. القاهرة (506) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. قبرحنة 34. قبرص 288. قرطبة 165، 184، 186. قرية جاسم 618.
قرية سجيم 405، 681. القسطنطينية 22، 39، 271، 591. القصيم قطر 115. قلعة دمشق 64. قلعة الروم 22. قلعة الشقيف 23 قوص 36، 52، 55، 70، 71، 72، 73، 83، 112، 113، 155، 157، 204. الكرج 39. كرخ 698. الكعبة 53، 549، 601. كنيسة أبي المينا 40. كنيسة البنات 40. كنيسة الحمراء 40. كنيسة الزهري بمصر 40. كنيسة الفهادين 40. كنيسة القمامة 39.
كنيسة المصلبية 39. الكوفة 87، 89، 266، 302، 318، 331، 336، 361، 556، 572، 595، 613. الكويت 250. المدرسة الأتابكية (33). المدرسة الأسدية 33، (34). المدرسة الأصفهانية 34. المدرسة الأوحدية (35). المدرسة الجادلية 35. المدرسة الجوزية (34)، 66، 185. المدرسة السابقية بقوص (72). المدرسة السفينة 33. المدرسة الصالحية 54، 68، 167، 758. المدرسة الصلاحية (34). المدرسة العادلية (34). المدرسة الغزالية 33. المدرسة القيمرية 36.
المدرسة القوصية 33. المدرسة المستنصرية 25، (32)، 42، 53، 59، 60، 61، 62، 63. المدرسة المعظمية 35. مدرسة المقصورة الكبيرة 33. المدرسة المنجائية 33. المدرسة المنصورية (36)، 54، 68، 167، 205، 759. المدرسة الميمونية 35. المدرسة الناصرية (36)، 54. المدرسة النظامية 32. المدينة النبوية ذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة. مراكش 178. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية 83. المرية 165. مرو 56، 177، 632. المزة 65. المسجد الحرام 510.
مشرعة الجوز 179. مصر (314) وذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. معان 325. المعلاة 48. معهد المخطوطات 208. مغارة عفرون (321). مقالة الضرير 178. مقابر الباب الصغير بدمشق 66. مقبرة إبراهيم 508. مقبرة الإمام أحمد 59، 62. مقبرة الصوفية بدمشق 65. مقبرة القرافة 41، 66، 68. مقدونية 237. مكتبة أحمد الثالث 203، 204، 208. المكتبة الأحمدية بحلب 77، 92. مكتبة الحرم المكي 79. المكتبة السليمانية بتركيا 78، 164، 205، 206. مكتبة شهيد علي 77، 79، 161، 206، 207.
مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة 78. المكتبة العلمية ببريدة 77 مكتبة كوبريلي زادة 205. مكتبة مخطوطات جامعة الإمام 79، 203، 205. مكتبة المعارف بالرياض 248. مكة ذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة. الموصل 25، 182، 389، 535. ميروقة 185، 331. ناصرة 229. نجران 11، 302، 329. نجد 115، 376، 537، 566، 589، 659. نخلة 420. نصيبين 422. نهاوند 302، 611. نهر الملك 48. النهروان 318، 654. نوى 177. نيسابور 180، 632، 756.
وادي حنيفة 537. وادي السماوة 548. وادي القرى 317. واسط 654، 756. هراة 182. الهند 192، 363. اليرموك 302، 414. اليمامة 99، 537، 545، 546، 549، 550، 615، 617. اليمن 154، 174، 296، 537، 589، 608، 617، 659.
ثامنا: فهرس الفرق والأمم
ثامنا: فهرس الفرق والأمم - آل فرعون 305. - الأباضية 99 - الاتحادية (37)، 84. - الأتراك 14، 29. - الأرثوذكس 22. - الأزارقة 99. - الأشاعرة 16، (85)، 117، 121، 136، 137، 191، 254، 444، 447، 457، 458، 564، 587، 701. - الإفرنج 22، 23، 39. - الأقباط 29. - الأكراد 29. - الإمامية 102، 118، 282. - أهل بابل 276. - أهل الحبشة 584، 643. - أهل الحجاز 275، 510. - أهل الحديث 130. - أهل رومية 340.
- أهل الطائف 550. - أهل العراق 331. - أهل فلسطين 343. - أهل نجد 562. - أهل وحدة الوجود 37، 38. - الأيوبيون 26. - الباطنية 32، 497. - البربر 29. - البكرية (586). - بنو أكل المرار 589. - بنو أسد 589، 611. - بنو أمية 615، 618، 632. - بنو تيم الله 331. - بنو حنيفة 537، 732. - بنو زريق 402. - بنو زهرة بن كلاب 366، 414، 572. - بنو ساعدة 515، 736. - بنو سعد بن لؤي 296. - بنو سلمة 559.
بنو سهل بن هذيل 367. - بنو عامر 658. - بنو العباس 632. - بنو عبد الله بن عطفان 583، 611. - بنو عذرة 536. بنو عوف 293. - بنو غطيف 731. - بنو قريظة 644، 687. - بنو قشير 175. بنو كنانة 536، 609. - بنو كنعان 305. - بنو نبهان 677. - بنو النضير 90، 386، 529، 677، 678. - بنو نوفل 610. - بنو هاشم 109، 632، 739. - بنو يعقوب 319. - البهيسية 99. - التتار 14، 24، 25، 26، 27، 28، 31، 33، 38، 64، 117.
- الثانوية 120. - الثعالبة 99. - ثمود 472، (539)، 609. - الجاحظية 184. - الجبرية (457)، 458، 459. - الجن 420، 422، 425، 426، 427، 432. - الجهمية 121، 126، 132، 181، 439، 457، 500، 519، 564، 598، 611، 704. - الحفصيون 185. - الحلولية (84). - حمير 154، 731. - خزاعة 732. - الخزرج 293، 673. - الخوارج (99)، 107، 572. - الرافضة 59، 84، 88، 89، 91، 92، 98، 102، 105، 107، 110، 114، 115، 116، 117، 118، 257، 659، 734، 739، 740.
- الروم 23، 237، 387، 391، 392، 413، 415، 433، 611، 756. - الزنادقة 29، (37) 181، 498، 499، 598، 613. - الزيادية 99. - الزيدية 116. السبائية 447. - السالمية 564. - السامرة 337. - السلاجقة 22. - الشيعة 37، 59، 87، 88، 90، 92، 93، 95، 97، 98، 100، 101، 102، 103، 104، 107، 109، 118، 211، 275، 447، 519، 586، 614، 659، 660. - الصابئة 305. - الصفرية 99. - الصوفية 37، 38، 43، (84)، 135، 190، 455.
- طيئ 788. - الظاهرية 130. - عاد (539)، 609، 610. العجاردة 99. العرب (587) وفي أكثر من ثلاثين صفحة أخرى. - العلوية (586). - الغساسنة 566. - غطفان 589، 611. - غفار 541. - الفاطميون 30. - الفراعنة 349. - الفرس 255، 331، 549، 564، 611، 612، 756. - الفلاسفة (37) وذكرت في نحو ثلاثين صفحة أخرى. - القبط 539. - القدرية 104، 251، 454، 455، (457)، 459، 468.
- القرامطة 497. - قريش ذكرت في أكثر من ثلاثين صفحة. - قضاعة 529، 556. - قوم صالح 297، 347. قوم فرعون 539، 743. - قوم لوط 654. - قوم نوح 12، 297، 731. - الكرامية 564. - الكلابية 564. - كنانة 609. - كلب بن وبرة 529، 556، 731. اللاويون 231. - المانوية 120. - المجسمة 130، 131، 447. - المجوس 347، 348، 353، 431، 455، 622. - المحكمة الأولى 99. - مدين 325، 326، 333، 334. - مراد 731.
- المستشرقون 181 - المشبهة 121. - المعتزلة 37، (84)، 121، 135، 136، 174، 184، 201، 210، 211، 251، 255، 447، 455، 478، 479، 519، 564، 587، - المعطلة 589. - الملاحدة 120، 131. - الملكانية 37، 164. - المماليك 371، (591). - المورمن 27، 29. - النجدات 638. - النسطورية 99. - النصيرية (591). هذيل 586. - همذان 731. - هوازن 497، 731. - يأجوج ومأجوج 609. - يافع 584.
- اليعاقبة" اليعقوبية" 154. 371، (591).
تاسعا: فهرس المراجع والمصادر
تاسعا: فهرس المراجع والمصادر 1 - ابن قدامة وآثاره الأصولية د. عبد العزيز السعيد مطابع الرياض، 1397 هـ. 2 - اتحاف الورى بأخبار أم القرى. النجم عمر بن فهد. تحقيق فهيم شلتوت. ط 1 جامعة أم القرى 1404 هـ. 3 - الإتقان في علوم القرآن. جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. ط 3 مطبعة حجازي بالقاهرة. 4 - اثبات عذاب القبر. أحمد بن الحسين البيهقي. تحقيق د. شرف القضاة، ط 1 دار الفرقان بالأردن، 1403 هـ. 5 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي. رسالة ماجستير للباحث. 6 - الأجوبة الفاخرة عن الأسئلة الفاجرة. شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي. ط 1 دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ نشر دار الباز بمكة.
7 - أحكام أهل الذمة. محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية. تحقيق د. صبحي الصالح، ط 3، دار العلم للملايين، 1983 م 8 - الأدب في العصر الأيوبي. محمد زغلول. دار المعارف بمصر 1968 م 9 - أدلة التشريع المختلف فيها. د. عبد العزيز الربيعة. ط 3، مؤسسة الرسالة بسوريا، 1402 هـ. 10 - الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد. عبد الملك بن عبد الله أبو المعالي الجويني. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، 1405 هـ. 11 - أسباب النزول. علي بن أحمد النيسابوري الواحدي. عالم الكتب، بيروت. 12 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب. يوسف بن عبد الله ابن عبد البر. تحقيق علي البجاوي، مكتبة نهضة مصر بالقاهرة. 13 - أسرار الكنيسة السبعة. الأرشيد ياكون. ط 6، مكتبة المحبة، القاهرة.
14 - الإسلام والحضارة العربية. محمد كرد علي. ط 1، لجنة التأليف والنشر 1355 هـ. 15 - الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية. الطوفي مخطوط. 16 - الإشارات والتنبيهات. أبو علي الحسين بن عبد الله بن سيناء. دار المعارف بمصر 1388 هـ. 17 - الإصابة في تمييز الصحابة. أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني. ط 1، سنة 1328 هـ، نشر دار العلوم الحديثة. 18 - أصول الدين. عبد القاهر البغدادي. ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت، 1401 هـ. 19 - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. محمد الأمين الشنقيطي. المطابع الأهلية بالرياض 1403 هـ. 20 - إظهار الحق. رحمت الله الهندي. دار التراث العربي بالقاهرة 1398 هـ.
21 - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين. فخر الدين محمد بن عمر الرازي. دار الكتب العلمية، بيروت، 1402 هـ. 22 - الاعتقاد. أحمد بن الحسين البيهقي. ط 1، عالم الكتب- بيروت، 1403 هـ. 23 - الأعلام" قاموس التراجم". خير الدين الزركلي. ط 5، دار العلم للملايين- بيروت 1980 م. 24 - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام. محمد بن أحمد القرطبي. مطابع دار التراث العربي بالقاهرة. 25 - أعلام النبوة. علي بن محمد الماوردي. ط 1، دار الكتب العلمية- بيروت- 1406 هـ. 26 - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان. محمد بن أبي بكر ابن القيم. تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة ببيروت. 27 - إفحام اليهود. السموءل بن يحيى المغربي. تحقيق محمد الشرقاوي، دار الهداية بمصر 1406 هـ.
28 - الإفصاح عن معاني الصحاح. يحي بن محمد ابن هبيرة. المؤسسة السعدية بالرياض 1398 هـ. 29 - أقانيم النصارى. د. أحمد السقا. مطبعة المجد، دار الأنصار بالقاهرة، 1397 هـ. 30 - الإقناع في القراءات السبع. أبو جعفر أحمد بن علي بن الباذش. تحقيق عبد المجيد قطامش، ط 1، دار الفكر بدمشق 1403 هـ، نشر جامعة أم القرى. 31 - الاكسير في قواعد التفسير. سليمان بن عبد القوي الصرصري الطوفي. تحقيق عبد القادر حسين، مكتبة الآداب بالقاهرة 1397 هـ. 32 - إكمال الإعلام بتثليث الكلام. محمد بن عبد الله الجيان، ورواية محمد أبو الفتح البعلي. تحقيق سعد بن حمدان الغامدي، ط 1، مكتبة المدني بجدة 1404 هـ، نشر جامعة أم القرى. 33 - الإمام الطبري مفسرا. د. عبد الله المصلح. مطابع الرياض، نشر كلية الشريعة بالرياض.
34 - الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل. أبو اليمن عبد الرحمن بن محمد العليمي. ط مكتبة المحتسب بالأردن، 1973 م، توزيع دار الجيل. 35 - أهل الذمة في مصر في العصور الوسطى. قاسم عبده قاسم. ط 1 بمصر. 36 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون. إسماعيل بن محمد البغدادي. وكالة المعارف استانبول، 1366 هـ. 37 - إيضاح البيان عن معاني أم القرآن. الطوفي. مخطوط. 38 - البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح. زيادة بن يحي النصب. مخطوط. 39 - البداية والنهاية. أبو الفداء إسماعيل ابن كثير. ط 1، مكتبة المعارف، بيروت، نشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض 1388 هـ. 40 - البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان. عباس السكسكي. دار التراث العربي 1400 هـ.
41 - بصائر ذوي التمييز. الفيروزآبادي. لجنة إحياء التراث الإسلامي بالقاهرة. 42 - البعث والنشور. الحارث بن أسد المحاسبي. ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ. 43 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة. جلال الدين السيوطى. دار السعادة بالقاهرة، 1326 هـ. 44 - تاج العروس من جواهر القاموس. مرتضى الزبيدي. نشر دار ليبيا- بنغازي. 45 - تاريخ الأمم والملوك. محمد بن جرير الطبري. تحقيق محمد أبو الفضل، ط دار المعارف بالقاهرة. 46 - تاريخ بغداد. أحمد بن علي الخطيب البغدادي. دار الكتب العلمية- بيروت. 47 - تاريخ الثقات. نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. حققه د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية- بيروت، ط 1، 1405 هـ.
48 - التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق. سعيد بن البطريق. ط الآباء اليسوعيين- بيروت. 49 - التبشير والاستعمار. مصطفى خالدي وعمر فروخ. المكتبة العصرية ببيروت. 50 - التبصرة والتذكرة. عبد الله بن علي الصميري النحوي. حققه د. فتحي علي الدين، ط 1، دار الفكر بدمشق 1402 هـ، نشر جامعة أم القرى. 51 - التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين. أبو المظفر الأسفراييني. مكتبة الخانجي بمصر. 52 - تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري. على بن الحسن ابن عساكر الدمشقي. دار الكتاب العربي- بيروت- 1399 هـ. 53 - تحفة الأريب في الرد على عباد الصليب. عبد الله الترجمان. رسالة ماجستير محمد البريدي. 54 - تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف. يوسف بن عبد الرحمن المزي.
الدار القيمة- بمبئي. 55 - تحقيق تاريخ الأناجيل. د. محمد أبو الغيط الفرت. ط جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1396 هـ. 56 - التدمرية. أحمد بن عبد السلام بن تيمية. بتحقيق د. محمد السعوي، ط 1، سنة 1405 هـ. 57 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف. الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري. تحقيق محمد محي الدين، ط 1، مطبعة السعادة بمصر، 1379 هـ. 58 - تعاليق على الأناجيل الأربعة وكتب الاثني عشر. الطوفي. مخطوط. 59 - التعليقات على متن الورقات. عبد الرحمن الجطيلي. المكتب الإسلامي. 60 - تفسير القرآن العظيم. إسماعيل بن كثير. ط إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي بالقاهرة. 61 - تفسير سورة الانشقاق. الطوفي.
مخطوط. 62 - تفسير سورة ق. الطوفي. مخطوط. 63 - تفسير سورة القيامة. الطوفي. مخطوط. 64 - تفسير سورة النبأ. الطوفي. مخطوط. 65 - التفسير والمفسرون. د. محمد حسين الذهبي. ط 2، مطبعة السعادة بالقاهرة، 1396 هـ. 66 - تقريب التهذيب. ابن حجر العسقلاني. ط 2، دار المعرفة- بيروت- 1395 هـ. 67 - تنقيح الأبحاث للملل الثلاث. سعد بن منصور ابن كمونة. المطبعة الفنية بالقاهرة، نشر دار الأنصار بالقاهرة. 68 - تهافت التهافت. محمد بن أحمد ابن رشد.
تحقيق سليمان دنيا، ط 3 ن دار المعارف بمصر. 69 - تهذيب الأسماء واللغات. أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي. ط. ادارة الطباعة المنيرية ونشر دار الكتب العلمية- بيروت. 70 - تهذيب الآثار. ابن جرير الطبري. مطبعة المدني بمصر، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 71 - تهذيب التهذيب. ابن حجر العسقلاني. ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف بالهند، 1325 هـ، نشر دار صادر، بيروت. 72 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. عبد الرحمن بن ناصر السعدي. المطابع الأهلية بالرياض، نشر الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء بالرياض. 73 - تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد. سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. ط 4، المكتب الإسلامى، 1400 هـ. 74 - تيسير مصطلح الحديث. د. محمود الطحان. ط 1، مطبعة المدينة الرياض، 1396 هـ. 75 - الجامع لأحكام القرآن. محمد بن أحمد القرطبي.
ط 3، عن طبعة دار الكتب المصرية، نشر دار القلم بالقاهرة 1386 هـ. 76 - جامع البيان عن تأويل القرآن. ابن جرير الطبري. ط 3، شركة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر، 1388 هـ. 77 - الجامع الصحيح المسند. محمد بن إسماعيل البخاري. ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة السلفية. 78 - الجامع الصحيح. أو المسند الصحيح. مسلم بن الحجاج القشيري. تحقيق وترتيب محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر- بيروت، 1398 هـ. 79 - الجامع الصحيح" سنن الترمذي". محمد بن عيسى الترمذي. تحقيق أحمد شاكر، وإبراهيم عطوة، المكتبة الإسلامية. 80 - جلاء العينين في محاكمة الأحمدين. نعمان ابن الألوسي. دار الكتب العلمية- بيروت. 81 - جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام. لأبي زيد القرشي تحقيق د. محمد علي الهاشمي، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1401 هـ.
82 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح. ابن تيمية رسائل دكتوراه: د. علي حسن ناصر، د. عبد العزيز العسكر، د. حمدان الحمدان. 83 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح. ابن تيمية مطابع المجد بالرياض. 84 - جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع أحمد الهاشمي، ط 12، نشر دار إحياء التراث العربي- بيروت. 84 - الحبائك في أخبار الملائك. جلال الدين السيوطي تحقيق محمد زغلول، ط 1، دار الكتب العلمية، نشر دار الباز بمكة 1405 هـ. 85 - حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سير النبي المختار ابن الديبع عبد الرحمن بن علي الشيباني تحقيق عبد الله الأنصاري، مطابع قطر الوطنية. 86 - الحديث النبوي مصطلحه- بلاغته- علومه- كتبه محمد لطفي الصباغ منشورات المكتب الإسلامي 1392 هـ. 87 - الحروب الصليبية وأثرها في الأدب العربي محمد سيد كيلاني دار الكتاب العربي 1949 م.
88 - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة جلال الدين السيوطي ط 1، دار إحياء الكتب العربية. 89 - حقيقة مذهب الاتحادية أو وحدة الوجود ابن تيمية إدارة الترجمة والتأليف بفيصل آباد. 90 - حلال العقد في أحكام المعتقد للطوفي مخطوط. 91 - الحماسة أبو تمام حبيب بن أوس الطائي تحقيق د. عبد الله عسيلان، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1401 هـ. 92 - الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية د. أحمد أحمد بدوي دار نهضة مصر بالقاهرة. 93 - حياة الصحابة محمد الكاندهلوي ط 2، دار القلم بدمشق، 1403 هـ. 94 - حياة الحيوان كمال الدين الدميري
المكتبة التجارية الكبرى- بيروت. 95 - الحيوان أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون، دار إحياء التراث العربي- بيروت. 96 - خلق أفعال العباد الإمام البخاري الدار السلفية، 1405 هـ. 97 - دائرة معارف القرن العشرين محمد فريد وجدي ط 3، دار المعرفة ببيروت، 1971 م. 98 - الدارس في أخبار المدارس عبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي مطبوعات المجمع العلمي- دار الترقي بدمشق، 1367 هـ. 99 - دراسات في أصول الفقه د. عبد الفتاح الشيخ ط 1، دار الاتحاد العربي، 1972 م. 100 - دراسة في الفرق وتاريخ المسلمين" الخوارج والشيعة" أحمد جلي شركة الطباعة السعودية بالرياض، ط 1، مركز الملك فيصل للبحوث بالرياض.
101 - درء تعارض العقل والنقل أحمد بن عبد السلام بن تيمية تحقيق د. محمد رشاد سالم، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 102 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ابن حجر العسقلاني دار الجيل- بيروت. 103 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور جلال الدين السيوطي دار المعرفة- بيروت. 104 - دعوة التوحيد د. محمد خليل هراس ط 1، دار الكتب العلمية- بيروت 1406 هـ، توزيع دار الباز بمكة. 105 - دلائل الإعجاز في علم المعاني عبد القاهر الجرجاني تعليق محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، 1398 هـ. 106 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة أحمد بن الحسين البيهقي تحقيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 هـ. 107 - دلائل النبوة أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي
تحقيق عامر حسن صبري، ط 1، دار حراء بمكة، 1406 هـ. 108 - دلائل النبوة أبو نعيم أحمد بن عبد الله ط سنة 1397 هـ، توزيع دار المعرفة- بيروت. 109 - الدليل الشافي على المنهل الصافي يوسف بن تغري بردي تحقيق فهيم شلتوت، مكتبة الخانجي، نشر جامعة أم القرى. 110 - الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي تحقيق د. محمد الأحمدي، دار التراث للطبع بالقاهرة. 111 - ديوان لبيد لبيد بن ربيعة العامري ط. الكويت، 1962 م. 112 - ديوان المتنبّئ بشرح اليازجي أحمد بن الحسين المتنبئ دار صادر- بيروت. 113 - ذيل طبقات الحنابلة عبد الرحمن بن شهاب ابن رجب دار المعرفة- بيروت. 114 - رحلة ابن بطوطة" تحفة الناظر في غرائب الأمصار" تحقيق د. علي الكتاني، ط 1، مؤسسة الرسالة- بيروت، 1395 هـ.
115 - الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل أبو حامد الغزالي تحقيق د. محمد الشرقاوي، ط 1، دار أمية بالرياض 1403 هـ. 116 - رد شبهات الإلحاد عن أحاديث الآحاد عبد العزيز بن راشد ط 2، المكتب الإسلامي 1401 هـ. 117 - الرد على الجهمية والزنادقة أحمد بن محمد بن حنبل تحقيق د. عبد الرحمن عميرة، دار اللواء بالرياض 1397 هـ. 118 - الرد على الجهمية الحافظ ابن مندة تحقيق د. علي الفقيهي، ط الأولى 1401 هـ. 119 - الرد على المنطقيين أحمد بن عبد السلام ابن تيمية إدارة ترجمان السنة- لاهور، 1396 هـ. 120 - رد مفتريات المبشرين على الإسلام د. عبد الجليل شلبي ط 2، مكتبة المعارف بالرياض، 1406 هـ. 121 - الرسالة المستطرفة محمد الكتاني ط 3، دار الفكر، دمشق.
122 - الرسل والرسالات عمر بن سليمان الأشقر ط 3، مكتبة الفلاح بالكويت، 1405 هـ. 123 - رفع الحرج في الشريعة الإسلامية د. صالح بن عبد الله بن حميد ط 1، 1403 هـ، جامعة أم القرى. 124 - الروح محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية مطبعة المدني- جدة. 125 - الروض الأنف في شرح السيرة النبوية أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي دار المعرفة- بيروت- 1398 هـ. 126 - رياض الصالحين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ط 1397 هـ، إدارة ترجمان السنة- لاهور. 127 - زاد المسير في علم التفسير عبد الرحمن بن علي بن الجوزي ط 3، الكتب الإسلامي 1404 هـ. 128 - زاد المعاد في هدي خير العباد ابن القيم تحقيق شعيب الأرناءوط، ط 1، مؤسسة الرسالة- بيروت، 1399 هـ.
129 - زهر الأكم في الأمثال والحكم الحسن بن مسعود اليوسي تحقيق د. محمد حجي، ود. محمد الأخضر، ط 1، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1401 هـ. 130 - سلسلة الأحاديث الضعيفة محمد ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي. 131 - سنن الدارقطني علي بن عمر الدارقطني دار المحاسن بالقاهرة. 132 - السنن أبو داود سليمان بن الأشعث ط 1، نشر محمد علي السيد. 133 - السنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. 134 - السنن الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن طبع بعناية محمد أحمد دهمان، دار الكتب العلمية- بيروت. 135 - السنن أحمد شعيب النسائي
نشر دار الكتاب العربي- بيروت. 136 - سواد الناظر وشقائق الروض الناضر علاء الدين الكناني رسالة دكتوراه- د. حمزة الفعر. 137 - سير أعلام النبلاء محمد بن أحمد الذهبي تحقيق شعيب الأرناءوط وجماعة، ط 1، مؤسسة الرسالة- بيروت 1401 هـ. 138 - السيرة النبوية عبد الملك بن هشام تحقيق مصطفى السقا، والابياري، وشلبي، نشر دار الكنوز الأدبية. 139 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب عبد الحي بن العماد تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة- بيروت. 140 - شذور الذهب يوسف بن هشام تحقيق محمد محي الدين، دار الفكر. 141 - شرح الأربعين النووية الطوفي مخطوط.
142 - شرح التصريح على التوضيح جمال الدين ابن هشام دار إحياء الكتب العربية بمصر. 143 - شرح تنقيح الفصول أحمد القرافي تحقيق طه أسعد، نشر مكتبة الكليات الأزهرية بمصر 1393 هـ. 144 - شرح روضة الناظر الطوفي مخطوط. 145 - شرح صحيح مسلم أبو زكريا النووي دار الفكر- بيروت. 146 - شرح العقيدة الطحاوية علي بن علي بن أبي العز الحنفي ط 4، المكتب الإسلامي 1391 هـ. 147 - شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد محمد بن صالح بن عثيمين ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403 هـ. 148 - شرح المعلقات السبع الحسين بن أحمد الزوزني دار مكتبة الحياة- بيروت.
149 - الشعار على مختار الأشعار الطوفي مخطوط. 150 - شفاء الغليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل أبو المعالي الجويني مكتبة الكليات الأزهرية، 1399 هـ. 151 - الشفاء بتعريف حقوق المصطفى القاضي عياض شركة مصطفى الحلبي بالقاهرة. 152 - الشيعة والتشيع إحسان إلهي ظهير ط 1، 1404 هـ، نشر إدارة ترجمان السنة- لاهور. 153 - الصعقة الغضية على منكري العربية الطوفي مخطوط. 154 - صفة الصفوة جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي تحقيق محمود فاخوري، ط 2، دار المعرفة، بيروت، 1399 هـ. 155 - الطالع السعيد الجامع أسماء نجباء الصعيد كمال الدين جعفر الأدفوي تحقيق سعد محمد حسن، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م.
156 - طبقات الأطباء والحكماء أبو داود سليمان بن حسان، ابن جلجل تحقيق فؤاد سيد، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت. 157 - طبقات الحنابلة القاضي محمد بن أبي يعلي دار المعرفة- بيروت. 158 - طبقات الشافعية الكبرى عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي ط 2، دار المعرفة- بيروت. 159 - الطبقات الكبرى محمد بن سعد دار صادر- بيروت- 1388 هـ. 160 - عالم الجن والشياطين عمر الأشقر ط 1، سنة 1399 هـ، مكتبة الفلاح بالكويت. 161 - العبر في خبر من غبر محمد الذهبي دائرة المطبوعات- الكويت 1383 هـ. 162 - عجائب المخلوقات والحيوانات للقزويني بهامش حياة الحيوان للدميري.
163 - عصمة الأنبياء الفخر الرازي دار الكتب العلمية- بيروت. 164 - العظمة أبو الشيخ ابن حيان ط 1، تحقيق رضاء الله المبارك فوري. 165 - العقد الفريد أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي تحقيق د. مفيد محمد قميحة، ط 1، دار الكتب العلمية- بيروت 1404 هـ. 166 - على التوراة علاء الدين الباجي تحقيق د. أحمد السقا، ط 1، مطبعة الحلبي بالقاهرة 1400 هـ. 167 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية أبو الفرج ابن الجوزي ط 1، دار الكتب العلمية- بيروت 1403 هـ. 168 - علوم الحديث عثمان بن عبد الرحمن ابن الصلاح ط 2، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، 1972 م.
169 - غريب الحديث إبراهيم الحربي نشر جامعة أم القرى. 170 - غريب الحديث أحمد بن محمد البستي الخطابي تحقيق عبد الكريم العزباوي، ط دار الفكر بدمشق، نشر جامعة أم القرى. 171 - الغنية في أصول الدين عبد الرحمن المتولي الشافعي ط 1، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت، 1406 هـ. 172 - الفارق بين المخلوق والخالق عبد الرحمن باجة زادة الموسوعات بالقاهرة. 173 - فتح الباري شرح صحيح البخاري ابن حجر العسقلاني ط 1 المكتبة السلفية بالقاهرة. 174 - الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد أحمد عبد الرحمن البناء دار الحديث بالقاهرة. 175 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير محمد بن علي الشوكاني ط 3، دار الفكر- بيروت 1393 هـ.
176 - فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد عبد الرحمن آل الشيخ مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 177 - الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية سليمان بن عمر الجمل مطبعة عيسى الحلبي وشركاه بمصر. 178 - الفرقان بين الحق والباطل ابن تيمية ط. المدني بالقاهرة. 179 - الفرق بين الفرق عبد القاهر البغدادي تحقيق محمد محي الدين، دار المعرفة- بيروت. 180 - الفصل في الملل والنحل أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري تحقيق د. محمد إبراهيم نصر، ود. عبد الرحمن عميرة، ط 1 مكتبات عكاظ، 1402 هـ. 181 - الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة عبد الرحمن عبد الخالق مكتبة ابن تيمية- الكويت 1404 هـ. 182 - فوات الوفيات والذيل عليها محمد بن شاكر الكتبي
تحقيق د. إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت. 183 - فهرس الخزانة التيمورية دار الكتب المصرية. 184 - القاموس المحيط مجد الدين الفيروزآبادي دار الفكر للجميع. 185 - قدوة المهتدين إلى مقاصد الدين الطوفي مخطوط. 186 - القرآن والمبشرون محمد عزة دروزة ط 1، المكتب الإسلامي، 1392 هـ. 187 - القيامة الصغرى د. عمر الأشقر ط 1، مكتبة الفلاح- الكويت 1406 هـ. 188 - القيامة الكبرى د. عمر سليمان الأشقر ط 1، مكتبة الفلاح- الكويت 1407 هـ. 189 - الكامل في التاريخ عز الدين علي بن محمد ابن الأثير ط 5، دار الكتاب العربي، بيروت 1405 هـ.
190 - الكتاب المقدس دار الكتاب المقدس في العالم العربي. 191 - الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل أبو القاسم جار الله الزمخشري شركة مصطفى الحلبي وأولاده بمصر. 192 - كشف الخفاء ومزيل الالباس إسماعيل بن محمد العجلوني ط 3، مؤسسة الرسالة- بيروت 1403 هـ. 193 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون مصطفى حاجي خليفة المطبعة الإسلامية بطهران. 194 - الكواشف الجلية عن معاني الواسطية عبد العزيز السلمان ط 11، مطابع المجد بالرياض 1401 هـ. 195 - كيمياء السعادة أبو حامد الغزالي مكتبة الجندي بالقاهرة. 196 - اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة جلال الدين السيوطي ط 3، دار المعرفة- بيروت 1401 هـ.
197 - لسان العرب جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي دار صادر- بيروت. 198 - لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية محمد بن أحمد السفاريني المكتب الإسلامي 199 - مباحث في علوم القرآن مناع خليل القطان مؤسسة الرسالة- بيروت. 200 - المباحث المشرقية الفخر الرازي ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدرآباد. 201 - المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين سيف الدين الآمدي القاهرة 1403 هـ. 202 - مجمع الأمثال أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري تحقيق محمد محي الدين، مطبعة السنة المحمدية، 1374 هـ. 203 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد علي بن أبي بكر الهيثمي مؤسسة المعارف- بيروت- 1406 هـ.
204 - مجموع الفتاوى أحمد بن عبد السلام ابن تيمية. جمع عبد الرحمن القاسم ط مكتبة النهضة الحديثة بمكة، توزيع الملك فهد- حفظه الله-. 205 - محاضرات في النصرانية محمد أبو زهرة ط 4، سنة 1404 هـ، توزيع رئاسة البحوث العلمية بالرياض. 206 - محاسن التأويل. محمد جمال الدين القاسمي. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط 2، دار الفكر- بيروت- 1398 هـ. 207 - المحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز. عبد الحق بن غالب ابن عطية. تحقيق المجلس العلمي بفاس، مطابع فضالة بالمغرب 1395 هـ. 208 - مختار الصحاح. محمد بن أبي بكر الرازي. دار الفكر- بيروت- 1401 هـ. 209 - المختار في الرد على النصارى. أبو عثمان الجاحظ. تحقيق د. محمد الشرقاوي، ط 1، دار الصحوة بالقاهرة، 1405 هـ. 210 - المختصر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد. على بن محمد ابن اللحام. تحقيق د. محمد مطهربقا، ط دار الفكر بدمشق 1400 هـ، نشر جامعة أم
القرى. 211 - مختصر سنن أبي داود وتهذيبها. للمنذري وابن القيم. دار المعرفة- بيروت. 212 - مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة. محمد بن الموصلي. نشر مكتبة الرياض الحديثة". 213 - مختلف الحديث" تأويل مختلف الحديث". ابن قتيبة. صححه محمد النجار، دار الجيل- بيروت، 1393 هـ. 214 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد. عبد القادر بن بدران. تحقيق د. عبد الله التركي، ط مؤسسة الرسالة- بيروت، 1401 هـ. 215 - مذكرة التوحيد. عبد الرزاق عفيفي. ط 1، 1403 هـ، المكتب الإسلامى. 216 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان. عبد الله اليافعي. دائرة المعارف النظامية بحيدر أباد، وطبعة الأعلمي ببيروت. 217 - مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع. صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي.
ط 1، دار إحياء الكتب العربية بمصر 1373 هـ. 218 - المستدرك على الصحيحين. الحاكم النيسابوري. دار المعرفة- بيروت. 219 - المستقصى فى أمثال العرب محمود بن عمر الزمخشري. ط 2، دار الكتب العلمية- بيروت 1397 هـ. 220 - المسند. للإمام أحمد بن حنبل. ط 2، 1398 هـ، المكتب الإسلامى- بيروت. 221 - المسيح إنسان أم إله. محمد مجدي مرجان. تهذيب وتحقيق عبد الرحمن دمشقية، مكتبة الحرمين بالرياض. 222 - المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل. عبد الكريم الخطيب. ط 2، دار المعرفة- بيروت 1396 هـ. 223 - مشكل الآثار. أبو جعفر الطحاوي. دار صادر- بيروت. 224 - المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح على حروف المعجم. أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري. تحقيق ياسين محمد السواس، ط دار الفكر بدمشق 1403 هـ، نشر جامعة
أم القرى. 225 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. أحمد بن محمد المقري الفيومي. دار الكتب العلمية- بيروت، 1398 هـ. 226 - المصلحة المرسلة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي. د. مصطفى أبو زيد. ط لجنة البيان العربي بالقاهرة سنة 1374 هـ، نشر دار الفكر العربي 227 - المصنف. ابن أبي شيبة. الدار السلفية بالهند. 228 - معارج القبول. حافظ الحكمي. السلفية بالمدينة المنورة. 229 - معالم السنن. الخطابي. على هامش سنن أبي داود. 230 - مع المفسرين والمستشرقين في زواج زينب بنت جحش. د. زاهر عواض الألمعي. مطابع الفرزدق بالرياض، 1403 هـ. 231 - معاول الهدم والتدمير في النصرانية والتبشير. إبراهيم الجبهان.
ط 2، مطابع الريل بالرياض 1398 هـ. 232 - المعجم الفلسفي. جميل صليبا. دار الكتاب اللبناني، 1982 م. 233 - معجم المؤلفين. عمر رضا كحالة. مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي- بيروت. 234 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث. مجموعة من المستشرقين. مكتبة بريل بليدن. 235 - المعجم الوسيط. مجموعة من المؤلفين. ط 2، مطابع دار المعارف بمصر، 1393 هـ. 236 - معركة الوجود بين القرآن والتلمود. د. عبد الستار السعيد. ط 2، مكتبة المنار بالأردن، 1402 هـ. 237 - معنى لا إله إلا الله. بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. تحقيق علي محي الدين علي القره داغي، ط 3 دار البشائر الإسلامية، لبنان، 1406 هـ.
238 - المغازي. محمد بن عمر بن واقد. تحقيق د. مارسدن جونس، نشر عالم الكتب، بيروت. 239 - المغني في أصول الفقه. عمر بن محمد بن عمر الخبازي. تحقيق د. محمد بقا، ط 1، جامعة أم القرى 1403 هـ. 240 - المغني. ابن قدامة المقدسي. مكتبة الجمهورية العربية بالقاهرة. 241 - مفتاح دار السعادة. ابن القيم. مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 242 - مفتاح كنوز السنة. أ. ى. فنسنك. سهيل كيديمى- لاهور. 243 - مفتريات على الإسلام. أحمد محمد جمال. ط 3، الشعب بالقاهرة، 1395 هـ. 244 - المفردات في غريب القرآن. الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني. تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة- بيروت.
245 - المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة. محمد بن عبد الرحمن السخاوي. ط 1، دار الكتب العلمية 1399 هـ بيروت. 246 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. علي بن إسماعيل الأشعري. ط 3، دار التراث العربي- بيروت. 247 - مقامع هامات الصلبان" بين الإسلام والمسيحية". أبو عبيدة الخزرجي. تحقيق د. محمد أبو شامة، ط مطبعة المدني بالقاهرة، ونشر مكتبة وهبة بالقاهرة. 248 - المقدمة. عبد الرحمن بن خلدون. ط شركة علاء الدين للطباعة- بيروت، نشر دار احياء التراث العربي ببيروت. 249 - المقنع في فقه الإمام أحمد. ابن قدامة المقدسي. ط 3، مطابع الدجوي بالقاهرة، نشر المؤسسة السعيدية بالرياض. 250 - الملل والنحل. محمد بن عبد الكريم الشهرستاني. تحقيق محمد سيد كيلاني، ط 2، دار المعرفة- بيروت 1395 هـ.
251 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف. ابن القيم. تحقيق محمود مهدي الأستانبولي، توزيع رئاسة البحوث والإفتاء. 252 - منال الطالب في شرح طوال الغرائب. مجد الدين المبارك بن محمد ابن الأثير. تحقيق د. محمود الطناحي، مطبعة المدني بمصر، نشر جامعة أم القرى. 253 - مناهل العرفان في علوم القرآن. محمد عبد العظيم الزرقاني. دار إحياء الكتب العربية بمصر. 254 - منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب. عبد العزيز آل معمر. ط 3، دار ثقيف بالطائف، 1400 هـ. 255 - منظومة الأبوصيري. محمد بن سعيد الأبوصيري. تحقيق د. أحمد السقا، ط 1، مطبعة البيان 1399 هـ، مكتبة المدينة المنورة بمصر. 256 - منهاج السنة النبوية. أحمد بن عبد السلام بن تيمية. نشر مكتبة الرياض الحديثة. 257 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد. أبو اليمن عبد الرحمن بن محمد العليمي.
ط 2، عام الكتب- بيروت 1404 هـ. 258 - منهج ودراسات لآيات الصفات. محمد الأمين الشنقيطي. مؤسسة مكة للطباعة، توزيع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 259 - المنقذ من الضلال. أبي حامد الغزالي. مكتبة الجندي بمصر. 260 - الموافقات في أصول الأحكام. إبراهيم بن موسى الشاطبي. دار الفكر- بيروت 1341 هـ. 261 - الموسوعة العربية المسيرة. مجموعة من العلماء. دار الشعب- بالقاهرة. 262 - الموطأ وشرحه تنوير الحوالك. الإمام مالك/ السيوطي. مطبعة الحلبي وأولاده بمصر، 1349 هـ. 263 - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" الخطط المقريزية". أحمد بن علي المقريزي. دار صادر- بيروت. 264 - موقف المعتزلة من السنة. د. أبو لبلبة حسين.
ط 1، منشورات دار اللواء بالرياض 1399 هـ. 265 - النبوات. أحمد بن عبد السلام بن تيمية. نشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 266 - النبوة والأنبياء. محمد علي الصابوني. دار النصر بحلب. 267 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. جمال الدين يوسف بن تغري بردي. مصورة عن طبعة دار الكتب، المؤسسة المصرية العامة. 268 - نزهة الأرواح في تاريخ الحكماء والفلاسفة. محمد بن محمود الشهرزوري. ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر آبار، 1396 هـ. 269 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر. ابن حجر العسقلاني. المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. 270 - نسيم الرياض في شرح القاضي عياض. شهاب الدين أحمد الخفاجي. دار الكتاب العربي- بيروت. 271 - النصرانية والإسلام. محمد الطهطاوي.
دار الأنصار بالقاهرة. 272 - النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية. نصر بن يحي المتطبب، مخطوط. 273 - نظرات في إنجيل برنابا. محمد علي قطب. مكتبة القرآن بالقاهرة. 274 - نهج البلاغة. للرضي أو المرتضى. 275 - نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخبار. الشوكاني. دار الفكر- بيروت. 276 - نيل المرام شرح عمدة الأحكام. حسين نورى وعلوي المالكي. مطابع الشمرلي بالقاهرة. 277 - هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى. ابن القيم. ط 1404 هـ، مكتبة المعارف بالرياض. 278 - هداية العارفين. إسماعيل باشا. استانبول 1951 م.
279 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. أحمد بن محمد بن خلكان. حققه د. إحسان عباس، دار صادر- بيروت. 280 - اليهود المغضوب عليهم. محمد عبد العزيز منصور. ط 1، دار الاعتصام بالقاهرة، 1400 هـ. 281 - اليوم الآخر: الجنة والنار. عمر الأشقر. ط 1، مكتبة الفلاح- الكويت، 1406 هـ.
عاشرا: فهرس الموضوعات
عاشرا: فهرس الموضوعات الموضوع/ الصفحة أولا: المقدمة 9 ثانيا: الدراسة 20 - تعريف موجز بالطوفي وعصره 22 - الفصل الأول: ماله أثر فى حياة الطوفي 22 - الحالة السياسية 23 - الحالة الاجتماعية 29 - الحالة الفكرية والثقافية 32 - الفصل الثاني: حياة الطوفي 46 - اسمه وكنيته ولقبه 48 - مولده 49 - نشأته وأسرته 52 - طلبه للعلم وفقهه 53 - شيوخه 59 - تلامذته 71 - آثاره العلمية 74 - عقيدته ومذهبه 84 - الطوفي وموقفه من الرفض 87 - مذهب الطوفي في الأسماء والصفات 119
- مذهبه في المصلحة المرسلة 137 - خبر الآحاد وموقف الطوفي منه 145 - وفاته 152 - أقوال الناس فيه 154 - التعريف بكتاب الانتصارات الإسلامية 157 - اسم الكتاب ونسبته إلى الطوفي 159 - سبب تأليف الكتاب 160 - منهج الطوفي في كتابه: الانتصارات الإسلامية 165 - مصادر الطوفي في كتابه: الانتصارات الإسلامية 170 - مقارنة بين الانتصارات الإسلامية ... وبعض ما ألف في الرد على النصارى 181 - أهمية الكتاب العلمية 199 - وصف النسخ الخطية للكتاب 201 - النسخة المطبوعة وأخطاء د. أحمد السقا فيها 205 - نماذج من النسخ الخطية 211 ثالثا: التحقيق 225 - خطبة الكتاب 227 - سبب تأليف الكتاب 227 - المقدمات الكلية للكتاب 229
- المقدمة الأولى: سد باب الاستدلال بكتب أهل الكتاب 229 - المقدمة الثانية: عدم استقلال العقل بمعرفة الشرائع 233 - المقدمة الثالثة: ما تثبت به الأصول 241 - المتنبئون الكذبة والتحذير منهم 244 - حقيقة النبوة وحاجة الخلق إليها 252 - فوائد النبوات ومنفعتها 259 - النبي وشروطه 263 - موقف النصارى من النكاح 268 - فوائد النكاح وفضيلته 270 - الأنبياء والنكاح 275 - ظهور المعجز على يد النبي 285 - موافقة ما يأتي به النبي للفطرة 287 - موقف عتاة النصارى من نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- 288 - امتحان شرط الصدق في نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم- 289 - المقصود بكلمات الله في القرآن الكريم 291 - المقصود بلفظ الذكر في القرآن الكريم 296
- الرد على تكذيب النصراني لبعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم 300 - رد شبهة النصارى فى قوله:" يا أخت هارون" 300 - رد شبهة النصارى في سكوت زكريا عليه السلام 305 - رد شبهة النصراني في حضور أم يوسف إليه، وسجود أبويه وإخوته له 312 - رد شبهة النصراني في ورود بنات شعيب ماء مدين وعددهن واستئجار موسى ثماني حجج 325 - تناقض كتب النصارى التي بأيديهم 340 - ابطال دعوى صلب المسيح عليه السلام 343 - أين تغرب الشمس كل يوم وموقف النصراني من ذلك 360 - البشارة بمحمد- صلى الله عليه وسلم- في التوراة والإنجيل 375 - أصل خلق الإنسان واعتراض النصراني على الآيات المخبرة بذلك 387 - قصة الغرانيق، وتعرض الشياطين للأنبياء 393 - تجسم الشياطين وإنكار النصراني ذلك 409 - بين القرآن والنصارى فيما أوتي سليمان عليه السلام 411
- الرد علي النصراني في انكار الجن وتجسم الشياطين 420 - تجسم الملائكة والرد على النصراني في إنكار ذلك 435 - الرد على النصارى في إنكار صفات الباري سبحانه 439 - القضاء والقدر وأفعال العباد وضلال النصارى في ذلك 451 - تكذيب النصراني للسنة 469 - كلام الأموات وإنكار النصارى ذلك 469 - عذاب القبر ونعيمه وموقف النصارى منه 482 - الحشر والحساب يوم القيامة والرد على النصراني في إنكاره 482 - الإسراء والمعراج 495 - الأكل والشرب في الآخرة وموقف النصارى منه 496 - رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة 500 - البعث والمعاد والرد على المنكر لذلك 501 - الرد على اعتراض النصراني على خلق السموات والأرض في ستة أيام 504
- مكان دفن الأنبياء 508 - علامات الساعة وموقف النصارى منها 513 - منافع الحبة السوداء 521 - طهارة محمد- صلى الله عليه وسلم- وعلو همته 526 - معجزات محمد- صلى الله عليه وسلم- وموقف النصراني منها 535 - المعجزة الخالدة، والرد على النصراني في إنكاره إعجاز القرآن وبلاغته 585 - نسخ شريعة محمد- صلى الله عليه وسلم- لشرائع الأنبياء قبله 620 - تعدد الزوجات، والطلاق بين الإسلام والنصرانية 622 - الرد على النصراني في ادعائه أن الإسلام أجاز- إتيان المرأة في دبرها 641 - كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين 644 - نكاح المتعة وموقف الإسلام منه 657 - العزل وإباحته في غير معارضة القدر 662 - حد الزنا ... وحرص الإسلام على الستر والإغضاء 665 - الاستمتاع بالحائض في زمن الحيض 671 - حكم الحنث فى اليمين وجمعة بين تعظيم الله ورفع الحرج عن المكلفين 674
- متى يباح الكذب وتنزيه الأنبياء منه 677 - حسن العطاس وكراهة التثاؤب 682 - آدب الأكل فى الإسلام وجهل النصارى بها 684 - حكم مرور الكلب الأسود بين يدي المصلي، والرد على النصراني في اعتراضه على ذلك 685 - التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب 689 - جسمية الشيطان والرد على النصراني في انكار ذلك 691 - النهي عن مشابهة النصارى غيرهم في أوقات الصلوات 697 - إثبات نصوص الصفات على ما يليق بالله سبحانه 701 - حث محمد- صلى الله عليه وسلم- لأمته على طاعة الله والرد على إنكار النصراني لمغفرة الله لذنوب عباده 706 - زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم- لقبر أمه. وأنه لا محذور في ذلك 714 - الرد على زعم النصراني بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا بدّ أن يعلم الغيب 716 - نفي الضلال عن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وشدة الموت عليه والرد على شبهة النصراني في ذلك 733
- مكان قبض النبي صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه، والرد على شبهة النصراني في ذلك 741 - خاتمة الكتاب بعشر حجج 745 - الحجة الأولى 745 - الحجة الثانية 746 - الحجة الثالثة 747 - الحجة الرابعة 748 - الحجة الخامسة 751 - الحجة السادسة 751 - الحجة السابعة 752 - الحجة الثامنة 754 - الحجة التاسعة 755 - الحجة العاشرة 757 - الفهارس 761 - فهرس الآيات القرآنية 763 - فهرس الأحاديث والآثار 795 - فهرس الأشعار 819 - فهرس الأمثال 826
- فهرس الألفاظ والمصطلحات الغريبة 827 - فهرس الأعلام 833 - الكنى 876 - من نسب إلى أبيه 878 - الألقاب وما شابهها 880 - فهرس الأماكن والمواقع 882 - فهرس الفرق والأمم 900 - فهرس المصادر والمراجع 909 - فهرس الموضوعات 951